You are on page 1of 15

‫الـُّردُّود ُّ‬

‫علىُّمنُّاستهانُّابحلدود ُّ‬

‫للشيخ‬
‫أيبُّاملنذرُّالشنقيطي ُّ‬
‫حفظه هللا‬
‫الردودُّعلىُّمنُّاستهانُّابحلدود‬

‫الردودُّعلىُّمنُّاستهانُّابحلدود ُّ‬
‫السؤال‪ُّ :‬‬

‫ماهوُّردكمُّعلىُّاملنافقنيُّالذينُّيقولونُّابنُّتطبيقُّاحلدودُّوالعقوابتُّميثلُّمخسةُّيف‬
‫املائةُّمنُّالشريعةُّاالسالمية ُّ‬

‫*** ُّ‬

‫احلمد هلل رب العاملني‬

‫وصلى هللا على نبيه الكرمي وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫وبعد‪:‬‬

‫فهذه الشبهة الضالة يروج هلا الكثري من أتباع املنهج الوسطي اليوم‪ ،‬وسبب ابتكار هذه‬
‫الشبهة أن املنهج اإلخواين الوسطي هو يف حقيقته ُّمنهج ُّيسعى ُّإىل ُّإقامة ُّدول ُّقطريةُّ‬
‫مدنية ُّتتبع ُّاملنهج ُّالدميقراطي ُّعلى ُّالطريقة الغربية ُّلكنه ُّجعل ُّمن ُّ"إسالميته" ُّوسيلةُّ‬
‫لكسبُّاألنصارُّواملؤيدين‪.‬‬

‫وبعد أن رضي الغرب عن أصحاب هذا التيار ومد هلم حبل الوصال وتوصل إبمجاع‬
‫من مفكريه إىل أن أفضل طريقة للنجاح يف احلرب ضد اإلسالم هي حماربة املسلمني‬
‫ابملسلمني عن طريق استخدام االعتدال (املائل إىل الكفار) حملاربة التطرف (أي اجلهاد)‬
‫أصبح هؤالء املعتدلون هم األوفر حظا يف الرتشيح خلالفة حكام الردة اليوم وبدأت مواقفهم‬
‫السياسية والدينية والفكرية تزداد ميال واحنرافا عن املنهج اإلسالمي أتهبا لتسلم هذا املنصب‬
‫وبدأ ذلك القناع اإلسالمي يسقط قطعة قطعة ليظهر من خلفه – بعد طول اختفاء‪ -‬وجه‬
‫إخواين تلطخ ابلعلمانية وتزين ابلدميقراطية‪.‬‬

‫لقد أصبح هؤالء القوم يصرحون عالنية أبهنم ال يسعون إىل تطبيق احلدود وإمنا إىل‬
‫حتقيق املطالب الشعبية من حرية وازدهار ومناء‪..‬‬

‫وقد صرح القرضاوي أكثر من مرة أبن احلرايت مقدمة عنده على تطبيق الشريعة!!‬

‫( ‪)1‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫الردودُّعلىُّمنُّاستهانُّابحلدود‬

‫و حتدث حممد غالم وهو الشخصية الثانية يف حزب تواصل اإلخواين يف موريتانيا عن‬
‫موقف حزبه من تطبيق احلدود يف مقابلة أجرهتا معه صحيفة "األخبار" العدد‪ 312 :‬بتاريخ‬
‫‪: 09‬مارس ‪.2007‬‬

‫فقال‪:‬‬

‫(ما يشغل ابلنا هو أن نقدم رؤية للشريعة خمتلفة عما يف أذهان الكثريين‪...‬‬

‫الشريعة رسالة هداية وحرية واهتمام ابلفقراء‪...‬‬

‫نريد أن يقوم الناس ابلقسط وأن يعم األمن والرخاء داخل اجملتمع‪.‬‬

‫احلدود الفرعية مثل قطع اليد ورجم احملصن كوابح شرعية ضابطة ألفعال الشاذين من‬
‫البشر لكنها ليست هدفا وال رسالة اإلسالم اليت يقدمها‪ ،‬فالرسل مل ترسل لقطع األيدي‬
‫والرقاب‪...‬‬

‫حنن نرى اليوم أن نقدم قوانني ترعى احلرايت العامة للناس‪ ،‬وتدعو إىل حياة كرمية وليس‬
‫إىل حياة تقام فيها جمازر وتقطع فيها األيدي والرقاب ونكهرب حياة مجاعة مث ننتشي طراب‬
‫أننا طبقنا الشريعة اإلسالمية )‪.‬‬

‫وقوله‪:‬‬

‫‪( -‬احلدود الفرعية مثل قطع اليد ورجم احملصن)‬

‫‪( -‬فالرسل مل ترسل لقطع األيدي والرقاب)‬

‫‪( -‬حياة تقام فيها جمازر وتقطع فيها األيدي والرقاب ونكهرب حياة مجاعة)‪.‬‬

‫هذا الكالم فيه استهزاء واضح ابحلدود الشرعية وال يشك أنه كفر إال من طمس هللا‬
‫بصريته‪.‬‬

‫وهذا الكالم يعكس جبالء موقف القوم وحيدد ماذا يريدون‪..‬‬

‫فهم يريدون حتقيق بعض املطالب الدنيوية مثل ‪:‬‬

‫( ‪)2‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫الردودُّعلىُّمنُّاستهانُّابحلدود‬

‫‪-‬األمن والرخاء‪.‬‬

‫‪ -‬تقدمي قوانني ترعى احلرايت العامة للناس‪.‬‬

‫‪ -‬توفري أسباب احلياة كرمية‪.‬‬

‫وهذه كلها مطالب دنيوية ومكاسب نفعية يستوون يف السعي إىل حتقيقها مع األحزاب‬
‫العلمانية ‪.‬‬

‫فهم ال يريدون احلدود وال يسعون إىل تطبيقها ‪..‬‬

‫والعلة يف ذلك أهنم خاضعون ملا يسمى ابلقانون الدويل والنظام العاملي وال يريدون‬
‫اخلروج عليه ولذلك فإهنم ال يريدون من تطبيق الشريعة إال ما كان موافقا للقانون الدويل مثل‬
‫وجمرما يف القانون الدويل مثل احلدود فهم ال يسعون إىل‬
‫احلرايت العامة أما ما كان مرفوضا ّ‬
‫تطبيقه بل ينكرون منه ما استطاعوا كما فعلوا مع حد الردة !‬

‫أما مامل يستطيعوا إنكاره من احلدود فقد زعموا أنه ميثل نسبة ‪ %5‬فقط من الشريعة !!‬

‫وابلتايل فال داعي لالهتمام هبا وإمنا ينبغي الرتكيز على اجلزء األكرب الذي ميثل نسبة‬
‫‪ %95‬من الشريعة !!‬

‫وحني تت أمل هذا اجلزء األكرب الذي دعوا إىل الرتكيز عليه سوف جتد أبنه يتميز بصفتني‬
‫أساسيتني ‪:‬‬

‫األوىلُّ‪ :‬أنه حمصور يف األمور الدنيوية البحتة ‪.‬‬

‫الثانيةُّ‪ :‬أنه ال يتعارض مع القانون الدويل وال يغضب الكفار ‪.‬‬

‫هذه ابختصار هي قصة (شبهة ‪. )%5‬‬

‫***‬

‫وأبدأ بعون هللا ابلرد عليها فأقول ‪:‬‬

‫يتضح بطالن هذه الشبهة من عدة أوجه ‪:‬‬

‫( ‪)3‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫الردودُّعلىُّمنُّاستهانُّابحلدود‬

‫الوجهُّاألولُّ‪ُّ :‬‬

‫ال بد من حتديد مفهوم "احلكم مبا أنزل هللا" ألننا اليوم نواجه هجمة تضليلية من طرف‬
‫هؤالء الوسطيني هدفها تغيري معامل الدين ونسف املسلمات الشرعية !‬

‫وسيلتهم يف ذلك هي اللعب ابملصطلحات واملفاهيم وصياغتها بطريقة ال تتناقض مع‬


‫أطروحاهتم وأفكارهم ‪..‬‬

‫وقد اعتدان أن نسمع القرضاوي وأتباعه عندما يتحدثون عن موضوع حتكيم الشريعة‬
‫يشددون التأكيد على أن احلدود ال تعدوا أن تكون جزءا من الشريعة ال كل الشريعة وأن‬
‫هناك جوانب أخرى يف الشريعة يف غاية األمهية ينبغي الرتكيز عليها وعدم إمهاهلا مثل العدالة‬
‫االجتماعية وترسيخ احلرايت العامة ورعاية احلقوق املدنية ‪..‬كما سبق أن ذكران ‪.‬‬

‫وهذا كله سعيا منهم إىل توسيع دائرة مفهوم "احلكم مبا أنزل هللا"‬

‫ألن توسيع هذا املفهوم ميكنهم من أمرين ‪:‬‬

‫‪ -‬ميكنهم من االلتفاف على "تطبيق احلدود" الذي مل يعودوا يهتمون به وال يضعونه يف‬
‫أجندهتم بل رمبا ظهر يف بعض تصرحياهتم رفضه ومعارضته ‪.‬‬

‫‪ -‬وميكنهم من إسباغ الشرعية الدينية على الدعوة إىل احلرايت العامة اليت متثل مرتكزا‬
‫أساسيا يف املنهج الدميقراطي الذي يسعون إىل ترسيخه ‪.‬‬

‫ولقطع الطريق على هؤالء املتالعبني ابملفاهيم الشرعية فال بد من التمسك ابملفهوم‬
‫الشرعي ل"احلكم مبا أنزل هللا" وتوضيحه غاية التوضيح فنقول‪:‬‬

‫إن ُّاملفهوم ُّالشرعي ُّللحكم ُّمبا ُّأنزل ُّهللا ُّالذي ُّيدور ُّالنقاش ُّحوله ُّوالذي ُّيعتربُّ‬
‫اإلخاللُّبهُّمنُّطرفُّاحلاكمُّعمالُّمكفراُّيوجبُّاخلروجُّعليهُّينحصرُّيفُّتطبيقُّاحلدودُّ‬
‫والقضاءُّبنيُّالناسُّيفُّمسائلُّالنزاع‪ُّ،‬والُّيدخلُّفيهُّأداءُّحقُّالرعيةُّوإصالحُّشؤوهنمُّ‬
‫وإنُّكانُّذلكُّواجباُّعلىُّاحلاكمُّ‪ُّ .‬‬

‫يدل على ذالك أمران ‪:‬‬

‫األولُّ‪ُّ :‬‬

‫( ‪)4‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫الردودُّعلىُّمنُّاستهانُّابحلدود‬

‫أن احلكم مبا أنزل هللا مل يرد يف النصوص الشرعية إال يف سياق احلديث عن احلدود أو‬
‫القضاء بني الناس ‪.‬‬
‫ا ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫وم‬ ‫كما قال تعاىل ‪ {:‬لََق ْد أ َْر َس ْلنَا ُر ُسلَنَا اابلْبَ ياّنَات َوأَنْ َزلْنَا َم َع ُه ُم الْكتَ َ‬
‫اب َوالْم َيزا َن ليَ ُق َ‬
‫َّاس }‪.‬‬ ‫س َش ادي ٌد َوَمنَافا ُع لالن ا‬ ‫احل اد َ ا ا‬
‫يد فيه َأبْ ٌ‬
‫ا ا‬
‫َّاس اابلْق ْسط َوأَنْ َزلْنَا َْ‬
‫الن ُ‬
‫ا‬ ‫اَّلل َيْمرُكم أَ ْن تُؤُّدوا ْاألَم َ ا‬
‫َّاس أَ ْن‬ ‫اانت َإىل أ َْهل َها َوإا َذا َح َك ْمتُ ْم بَْ َ‬
‫ني الن ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إن ََّ َ ُ ُ ْ‬ ‫وقال ‪َّ { :‬‬
‫َْحت ُك ُموا اابلْ َع ْد ال }‬

‫َّاس امبَا أ ََر َاك َّ‬ ‫ا‬ ‫ال تَع َاىل ‪َّ { :‬إان أَنْزلْنَا إلَي َ ا‬
‫اَّللُ }‪.‬‬ ‫اب ااب ْحلَ اّق لتَ ْح ُك َم بَْ َ‬
‫ني الن ا‬ ‫ك الْكتَ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َوقَ َ َ‬
‫اح ُك ْم بَْي نَ ُه ْم امبَا أَنْ َزَل َّ‬
‫اَّللُ َوَال تَتَّبا ْع أ َْه َواءَ ُه ْم }‪.‬‬ ‫وقال ‪ { :‬فَ ْ‬
‫ف َو ْاألُذُ َن‬‫ف اابْألَنْ ا‬ ‫ني اابلْ َع ْ ا‬
‫ني َو ْاألَنْ َ‬ ‫س َوالْ َع ْ َ‬ ‫‪{:‬وَكتَ ْب نَا َعلَْي اه ْم فا َيها أ َّ‬
‫َن النَّ ْفس اابلنَّ ْف ا‬ ‫َ‬ ‫وقال‬
‫َ‬
‫اجلروح قاصاص فَمن تَصد َ اا‬ ‫اابْألُذُ ان و ا ا ا‬
‫َّارةٌ لَهُ َوَم ْن َملْ َْحي ُك ْم امبَا أَنْ َزَل َّ‬
‫اَّللُ‬ ‫َّق به فَ ُه َو َكف َ‬ ‫لس ّان َو ُُْ َ َ ٌ َ ْ َ‬ ‫الس َّن اب ّ‬
‫َ ّ‬
‫ك ُه ُم الظَّالا ُمو َن }‬
‫فَأُولَئا َ‬
‫الثاينُّ‪ُّ :‬‬

‫أن القرآن الكرمي وصف اترك احلكم مبا أنزل هللا ابلكفر دون ذكر تفصيل أو استثناء ‪.‬‬

‫وهذا يعين أنه ال يندرج حتت مفهوم "احلكم مبا أنزل هللا" إال ماكان من املسائل املكفرة‬
‫وهي ما ذكران‪..‬‬

‫فال يدخل يف هذا املفهوم تلك األمور الواجبة على احلاكم واليت تعترب خمالفتها فسقا ال‬
‫كفرا ‪.‬‬

‫ومبا أنه ال مشاحة يف االصطالح فسوف نعترب أن "احلكم مبا أنزل هللا" كلمة عامة‬
‫تشمل كل ما يقوم به احلاكم من األوامر الشرعية اليت أوجب هللا عليه يف سياسته للرعية ‪.‬‬

‫وعندئذ فال بد من التنبه إىل أن هذه األوامر ليست على مرتبة واحدة فمنها ما يعترب‬
‫اإلخالل به كفرا خمرجا من امللة يوجب اخلروج على احلاكم مثل احلدود والقضاء بني الناس‬
‫يف مسائل النزاع ‪.‬‬

‫( ‪)5‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫الردودُّعلىُّمنُّاستهانُّابحلدود‬

‫ومنها ما يعترب اإلخالل به فسقا ومعصية ال يوجب التكفري وال يشرع معه اخلروج مثل‬
‫ظلم الرعية والتقصري يف حقها واالستئثار ابملال دوهنا ‪.‬‬

‫واجلامع بني هذين القسمني هو كوهنما يدخالن يف مهام احلاكم ووظيفته ويندرجان‬
‫حتت مسمى احلكم مبا أنزل هللا بشكل عام ‪.‬‬

‫والفارق بينهما هو أن أحدمها اإلخالل به كفر واآلخر اإلخالل به فسق ‪.‬‬

‫وبناء على ما سبق فنحن حني نتحدث عن كفر حكومة ما ألهنا أعرضت عن "احلكم‬
‫مبا أنزل هللا" فإمنا نقصد أهنا أعرضت عن "احلكم مبا أنزل هللا" الذي يعترب اإلخالل به كفرا‬
‫مثل تطبيق احلدود والقضاء بني الناس يف مسائل النزاع ‪.‬‬

‫وال نقصد به "احلكم مبا أنزل هللا" الذي يعترب اإلخالل به فسقا‪.‬‬

‫فينبغي أال خيلط بني هذين القسمني ألن لكل منهما حكمه اخلاص به ‪.‬‬

‫الوجهُّالثاينُّ‪ُّ :‬‬

‫أان نسأل قائل هذا الكالم عن قصده أبن احلدود متثل ‪ %5‬من الشريعة ‪:‬‬

‫هل يقصد أبهنا متثل ‪ %5‬من كل التكاليف الشرعية ؟‬

‫أم يقصد أبهنا متثل ‪ %5‬ابلنسبة فقط للتكاليف املتعلقة ابحلكم واليت يكفر اتركها ؟‬

‫فإن أراد األول فكالمه ابطل ‪ ..‬ألن احلدود ابلنسبة إىل كل التكاليف الشرعية قد ال‬
‫تصل إىل ‪.. %1‬‬

‫وإن أراد الثاين فهو ابطل أيضا ‪..‬ألن احلدود متثل النسبة الغالبة يف التكاليف املطلوبة‬
‫يف ابب احلكم مبا أنزل هللا فهي أقرب إىل نسبة ‪ %95‬من ‪. %5‬‬

‫الوجهُّالثالثُّ‪ُّ :‬‬

‫على فرض أن احلدود متثل ‪ %5‬من التكاليف الشرعية فإن اإلخالل هبا غري مشروع‬
‫وال يربره اإلتيان ببقية التكاليف اليت متثل ‪. %95‬‬

‫( ‪)6‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫الردودُّعلىُّمنُّاستهانُّابحلدود‬

‫فينبغي أال نظن أبن أداء "احلكم مبا أنزل هللا" الذي يعترب اإلخالل به فسقا مربر‬
‫لإلعراض عن "احلكم مبا أنزل هللا" الذي يعترب اإلخالل به كفرا ‪.‬‬

‫فاحملافظة على الزكاة ال تربر ترك الصالة والعكس كذلك ‪.‬‬

‫وهكذا فإن اإلتيان بكل التكاليف الشرعية يف ابب احلكم ال يربر ترك إقامة احلدود ‪.‬‬

‫فمن رفض احلدود واستجاب لبقية األوامر الشرعية فهو ممن قال هللا تعاىل يف شأنه ‪:‬‬
‫ي ايف‬ ‫ض فَما جزاء من ي ْفعل ذَلا َ ا ا ا‬ ‫ا ٍ‬ ‫ا ا ا ا ا‬
‫ك مْن ُك ْم إَّال خ ْز ٌ‬ ‫{أَفَتُاْؤمنُو َن ببَ ْعض الْاكتَاب َوتَ ْك ُف ُرو َن ببَ ْعا َ َ َ ُ َ ْ َ اَ ُ‬
‫اَّللُ باغَاف ٍل َع َّما تَ ْع َملُو َن } [البقرة ‪:‬‬ ‫َش ّد الْع َذ ا‬ ‫ا‬
‫اب َوَما َّ‬ ‫احلَيَاة الدُّنْيَا َويَ ْوَم الْقيَا َمة يَُرُّدو َن إا َىل أ َ َ‬
‫ْ‬
‫‪.]85‬‬

‫الوجهُّالرابعُّ‪ُّ :‬‬

‫أن إحصاء التكاليف الشرعية وحتديد نسبة كل منها اعتمادا على الكم دون الكيف‬
‫فيه تسوية بني الفاضل واملفضول وإغفال الختالف التكاليف الشرعية يف املرتبة واألفضلية‬
‫والوجوب ‪.‬‬

‫ألن األوامر الشرعية ليست على مرتبة واحدة ال يف الوجوب وال يف األفضلية ‪..‬‬

‫يدل على ذلك ما ورد يف الصحيحني وغريمها عن أيب هريرة قال قال رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه و سلم ‪( :‬اإلميان بضع وسبعون شعبة أفضلها ال إله إال هللا‪ ،‬أوضعها إماطة األذي‬
‫عن الطريق واحلياء شعبة من اإلميان)‪.‬‬

‫وانطالقا من هذا احلديث يتضح أن شعبة (ال إله إال هللا) تساوي واحدا من بضع‬
‫وسبعني شعبة ‪..‬‬

‫وشعبة (إماطة األذي عن الطريق) تساوي واحدا من بضع وسبعني شعبة ‪..‬‬

‫فهما شعبتان متفقتان يف النسبة إال أن إحدامها هي أعلى شعبة يف اإلسالم واألخرى‬
‫أدىن شعبة فيه ‪.‬‬

‫فبان بذلك أن حتديد النسبة يف هذا اجملال ال يعين شيئا ‪.‬‬

‫( ‪)7‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫الردودُّعلىُّمنُّاستهانُّابحلدود‬

‫وإمناُّهوُّأتثرُّمبنهجُّالدميقراطيةُّاليتُّتعدُّالرؤوسُّوالُّتزهنا فهي مبنية على اعتبار‬


‫األكثرية دون تفريق بني الفاضل واملفضول ‪.‬‬

‫الوجهُّاخلامسُّ‪ُّ :‬‬

‫أان لسنا مكلفني ابلنظر إىل نسب التكاليف الشرعية وإمنا حنن مكلفون ابلتزامها‬
‫واخلضوع هلا ‪.‬‬

‫فالصالة واجبة والزكاة واجبة وجيب التزامها بغض النظر عن نسبتها إىل التكاليف‬
‫الشرعية ‪.‬‬

‫واحلدود واجبة مثل الصالة والزكاة ‪.‬‬

‫الوجهُّالسادسُّ‪ُّ :‬‬

‫أنه مهما كانت النسبة اليت متثلها احلدود من الشريعة فإن تطبيقها واجب واملعرض عنها‬
‫من احلكام كافر مرتد ‪.‬‬

‫الوجهُّالسابعُّ‪ُّ ُّ:‬‬

‫أن هذا الكالم افرتاء يف دين هللا وتقول على هللا بغري علم ألن النسبة احملددة اليت متثلها‬
‫احلدود يف شرع هللا أمر توقيفي ال جيوز اخلوض فيه إال بناء على تصريح من الشارع ‪.‬‬

‫إذ كيف يستطيع هذا املتكلم التحقق من أن نسبة احلدود يف الشريعة متثل مخسة أوستة‬
‫أو سبعة يف املائة ؟‬

‫وما هو املعيار الذي استطاع من خالله التوصل إىل هذه املعلومة الدقيقة ؟‬

‫وماذا سيفعل صاحب هذه اإلحصائية إذا جاء آخر وزعم أبنه توصل من خالل‬
‫إحصاء دقيق إىل أن احلدود متثل نسبة عشرين يف املائة ؟‬

‫وهل يعقل أن يكون احلكم على احلدود الشرعية خاضعا لتجاذب اإلحصاءات البشرية‬
‫؟‬

‫( ‪)8‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫الردودُّعلىُّمنُّاستهانُّابحلدود‬

‫( ‪)9‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫الردودُّعلىُّمنُّاستهانُّابحلدود‬

‫فصلُّ ُّ‬
‫يفُّبيانُّعظمُّاحلدودُّوعلوُّمنزلتهاُّيفُّالدينُّ ُّ‬
‫هذه الشبهة القبيحة فيها هتوين ملا عظم هللا شأنه وتواترت النصوص الشرعية يف بيان‬
‫أمهيته وضرورته وعلو منزلته يف الدين ‪.‬‬

‫ومن األمثلة على عظم احلدود وأمهيتها يف الدين ‪:‬‬

‫‪ُّ-1‬احلدودُّرمحةُّوبركةُّ‪ُّ :‬‬

‫عن أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬حد يقام يف األرض خري من‬
‫مطر أربعني صباحا"‪ .‬رواه أمحد وأبو يعلى والنسائي وابن ماجه وابن حبان ‪.‬‬

‫ويف إسناده جرير بن يزيد بن جرير بن عبد هللا البجلي وهو ضعيف‪ ،‬كما يف التقريب‪.‬‬

‫واحلديث مبجموع الطرق والشواهد ال يقل عن رتبة احلسن كما قال األلباين ‪.‬‬

‫وقد علق شيخ االسالم ابن تيمية على هذا احلديث بقوله ‪ ( :‬وهذا ألن املعاصي سبب‬
‫لنقص الرزق واخلوف من العدو‪ ،‬كما يدل عليه الكتاب والسنة‪ ،‬فإذا أقيمت احلدود وظهرت‬
‫طاعة هللا‪ ،‬و نقصت معصية هللا حصل الرزق والنصر)‪.‬‬

‫وقال أيضا ‪:‬‬

‫(فينبغي أن يعرف أن إقامة احلدود رمحة من هللا بعباده فيكون الوايل شديدا يف إقامة‬
‫احلد ال أتخذه رأفة يف دين هللا فيعطله‪ ،‬ويكون قصده رمحة اخللق بكف الناس عن‬
‫املنكرات‪ -‬ال شفاء غيظه وإرادة العلو عن اخللق‪ -‬مبنزلة الوالد إذا أدب ولده فإنه لو كف‬
‫عن أتديب ولده كما تشري به األم رقة ورأفة لفسد الولد وإمنا يؤدبه رمحة به وإصالحا حلاله‬
‫مع أنه يود ويؤثر أن ال حيوجه إىل أتديب ومبنزلة الطبيب الذي يسقي املريض ‪-‬الدواء ‪-‬‬
‫الكريه ومبنزلة قطع العضو املتآكل واحلجم وقطع العروق ابلفصاد وحنو ذلك بل مبنزلة شرب‬
‫اإلنسان الدواء الكريه وما يدخله على نفسه من املشقة لينال به الراحة)‪.‬‬

‫‪ُّ-2‬وجوبُّإقامةُّاحلدودُّبكلُّحالُّ‪ُّ :‬‬

‫(‪)10‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫الردودُّعلىُّمنُّاستهانُّابحلدود‬

‫روى أبو داود يف مراسيله اليت أخرجها يف سننه عن مكحول عن عبادة بن الصامت‬
‫قال قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم (أقيموا احلدود يف السفر واحلضر على البعيد‬
‫والقريب وال تبالوا يف هللا لومة الئم)‪.‬‬

‫‪ُّ-3‬احلدودُّشرعتُّحلمايةُّالضرورايتُّاخلمسُّ‪ُّ :‬‬

‫ت األمة بل سائر امللل‪ :‬على أن الشريعة وضعت للمحافظة علي الضرورات‬ ‫اتَّ َف َق ْ‬
‫اخلمس‪ ،‬وهي ‪ :‬الدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬والعقل والعرض‪ ،‬واملال ‪.‬‬

‫واحلدود شرعت حلماية هذه الضرورات‪ ،‬فحد الردة شرع حلفظ الدين‪ ،‬والقصاص حلفظ‬
‫النفس‪ ،‬واحلد يف شرب اخلمر حلفظ العقل‪ ،‬واحلد يف جلد الزاين ورمجه وجلد القاذف حلفظ‬
‫النسب والعرض‪ ،‬وحد السارق حلفظ املال ‪.‬‬

‫‪ُّ-4‬احلدودُّكفارةُّللمعاصيُّ‪ُّ ُّ:‬‬
‫(عن عبادة بن الصامت قال كنا مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يف ٍ‬
‫جملس فقال‬
‫تبايعوين على أال تشركوا ابهلل شيئاً وال تزنوا وال تسرقوا وال تقتلوا النفس اليت حرم هللا إال‬
‫ابحلق يف رواية وال تقتلوا أوالدكم وال أتتوا ببهتان تفرتونه بني أيديكم وأرجلكم وال تعصوين يف‬
‫معروف فمن وىف منكم فأجره على هللا ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب به يف الدنيا فهو‬
‫وطهور ومن أصاب شيئاً من ذلك فسرته هللا عليه فأمره إىل هللا إن شاء عفا عنه‬ ‫ٌ‬ ‫كفارة له‬
‫وإن شاء عذبه قال فبايعناه على ذلك) رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬

‫‪ُّ-5‬تعطيلُّاحلدودُّمنُّأسبابُّالفتنةُّواحلروبُّ‪ُّ :‬‬

‫عن عبد هللا بن عمر ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ ،-‬عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫(وما مل تعمل أئمتهم مبا أنزل هللا عز وجل يف كتابه إال جعل أبسهم بينهم ) أخرجه البيهقي‬
‫واحلاكم بسند صحيح ‪.‬‬

‫‪ُّ-6‬إقامةُّاحلدودُّمنُّأهمُّوظائفُّوالةُّاألمرُّ‪ُّ :‬‬

‫ذكر هللا تعاىل أهم وظائف والة األمر يف قوله ‪:‬‬


‫الزَكا َة وأَمروا اابلْمعر ا‬ ‫َّ ا‬
‫وف َوَهنَْوا َع ان‬‫َ َُ َ ُْ‬
‫الص َالةَ َوآتَ ُوا َّ‬
‫ض أَقَ ُاموا َّ‬ ‫ين إا ْن َم َّكن ُ‬
‫َّاه ْم ايف ْاأل َْر ا‬ ‫{الذ َ‬
‫الْ ُمْن َك ار َواََّّللا َعاقابَةُ ْاأل ُُموار} [احلج ‪.]41 :‬‬

‫(‪)11‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫الردودُّعلىُّمنُّاستهانُّابحلدود‬

‫ويدخل يف النهي عن املنكر إقامة احلدود ؛ كما قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪:‬‬

‫(ومن النهي عن املنكر إقامة احلدود على من خرج من شريعة هللا وجيب على أويل‬
‫األمر وهم علماء كل طائفة وأمراؤها ومشاخيها أن يقوموا على عامتهم وَيمروهم ابملعروف‬
‫وينهوهم عن املنكر)‪.‬االستقامة ‪)209 / 2( -‬‬

‫‪ُّ-7‬التحذيرُّمنُّتركُّاحلدودُّ‪ُّ :‬‬

‫عن عائشة (أن قريشاً أمههم شأن املرأة املخزومية اليت سرقت فقالوا من يكلم فيها‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقالوا ومن جيرتئ عليه إال أسامة بن زيد حب رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم فكلمه أسامة فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬أتشفع يف ح ٍّد من‬
‫حدود هللا مث قام فاختطب مث قال إمنا أهلك الذين قبلكم أهنم كانوا إذا سرق فيهم الشريف‬
‫تركوه وإذا سرق فيه م الضعيف أقاموا عليه احلد وامي هللا لو أن فاطمة بنت حممد سرقت‬
‫لقطعت يدها) رواه الشيخان ‪.‬‬

‫فرده صلى هللا عليه وسلم لشفاعة أسامة بن زيد وهو أحب الناس إليه دليل على عظم‬
‫منزلة احلدود ‪.‬‬

‫وقسمه صلى هللا عليه وسلم أبن فاطمة لو سرقت لقطع يدها دال على غاية التأكيد‬
‫وفيه إبطال لكل األعذار اليت يوحي هبا الشيطان إىل أتباعه للتحايل على تطبيق احلدود ‪.‬‬

‫‪ُّ-8‬الشافعُّيفُّاحلدودُّملعونُّ‪ُّ :‬‬

‫عن عروة بن الزبري‪ ،‬قال‪ :‬لقي الزبري سارقاً‪ ،‬فشفع فيه‪ ،‬فقيل له‪ :‬حىت يبلغ اإلمام‪،‬‬
‫فقال‪( :‬إذا بلغ اإلمام‪ ،‬فلعن هللا الشافع واملشفع‪ ،‬كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم)‪.‬‬
‫أخرجه الطرباين يف "الصغري"‪ ،‬والدارقطين ويف سنده أبو غزية ضعفه أبو حامت وغريه‪ ،‬ووثقه‬
‫احلاكم‪.‬‬

‫‪ُّ-9‬الشافعُّيفُّاحلدودُّمضادُّهللُّ‪ُّ :‬‬

‫روى عبد هللا بن عمر رضي هللا عنه عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إنه قال (من‬
‫حالت شفاعته دون حد من حدود هللا تعاىل فقد ضاد هللا تعاىل) رواه أبو داود وأمحد‬
‫والبيهقي وابن حبان واحلاكم وقال هذا حديث صحيح اإلسناد و مل خيرجاه‪ ،‬قال الذهيب يف‬
‫التلخيص ‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫(‪)12‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫الردودُّعلىُّمنُّاستهانُّابحلدود‬

‫ختاما‪ُّ :‬‬

‫فإن قائل هذه الشبهة مستحق للعقوبة والتعزير من ثالثة أوجه ‪:‬‬

‫األولُّ‪ :‬القول على هللا بغري علم واالجتهاد يف ما حمله التوقيف ‪.‬‬

‫الثاينُّ‪ :‬التهوين من شأن ما عظم هللا عز وجل ‪.‬‬

‫الثالثُّ‪ُّ:‬أن قوله هذا ذريعة إىل تعطيل احلدود ‪.‬‬

‫وهللا أعلم‬

‫واحلمد هلل رب العاملني ‪.‬‬

‫وكتبه‬
‫أبوُّاملنذرُّالشنقيطي‬

‫منربُّالتوحيدُّواجلهاد ُّ‬
‫ُّ‬
‫***‬
‫‪http://www.tawhed.ws‬‬
‫‪http://www.almaqdese.net‬‬
‫‪http://www.alsunnah.info‬‬
‫‪http://www.abu-qatada.com‬‬
‫‪http://www.mtj.tw‬‬

‫(‪)13‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬

You might also like