Professional Documents
Culture Documents
مقدمة
ونبني تعريف الفقه والفرق بينه وبني الشريعة والتشريع وخصائص الشريعة اإلسالمية ،وأخريا أمهية رااسة الفقه
اإلسالمي وحکم تعلمه.
. 1تعريف الفقه
الفقه لغة :الفهم ،ومن ذلك قوله تعاىل على لسان مدي ن لنبيهم شعيب عليه السالم ( يشعيب ما
سوا وور ،۹۱أي نفهم. نفقه كثريا مما تقو
أما يف االصطالح :فقد تطوا إطالق الكلمة ،فكان يطلق يف العصر األو للبحث الفقهي على
العلوم الدينية كلها .ويشمل أحكام العقيد ،واألحكام العملية من عبارات و معامالت ،كما يشمل أحكام
آفات النفوس وحماسنها والذي يسمى بعلم األخالق ،ومن ونا مسی أ بو حنيفة كتابه يف االعتقارایت (الفقه
األكرب ،مث بعد ذلك تصرف العلماء يف التعري ف فجعلوه خاصا ابملسائل العملية أي :األحكام الشرعية
العملية املأخوذ من أرلتها التفصيلية .وانفصل بذلك الفقه عن أحكام العقيد وأحكام األخالق.
والقيد الواار يف التعريف (من أرلتها التفصيلية خيرج املقلد عن أن يطلق على علمه كلمة (فقه كما
خيرج العلم املعلوم من الدين ابلضروا كوجوب الصال وعدر اكعاهتا ووجوب الزكا واحلج وحنو ذلك
مبا يعلمه عوام املسلمني كما يعلمه علماؤوم.
وملا جاء عصر التقليد وأ صبح طابع العلماء أضحى تعريف الفقه (األحكام الشرعية العملية مطلقا وال يلزم أن
تكون مستنبطة من أرلتها التفصيلية ،ووذا التعريف وو القائم اآلن.
شرح التعريف:
و األحكام :مجع حکم ،اور إثبات أمر آلخر أ و نفيه عنه .مثل قولنا :الصال واجبة ،البيع حال ،
السواك ليس بواجب .ففي املثا األو أثبت الوجوب للصال ،ويف املثا الثاين أثبت احلل للبيع،
ويف املثا الثالث نفي الوجوب عن السواك.
الشرعية :ووي املستفار من الشرع ألن من األحكام ما يستفار من العقل كالواحد نصف اإلثنني،
ومنها ما يستفار من احل س كالناا حمرقة والشمس طالعة .أما وجوب الصال وإابحة البيع وعدم
وجوب السواك فتفار من الشرع.
مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | 2
العملية :قيد وضع يف التعريف ألن األحكام الشرعية منها ما يتعلق ابلعقائد ومنها ما يتعلق
بتهذيب النفس ووي أحكام األخالق ،ومنها ما يتعلق أبفعا الناس کوجوب الصال وإابحة
البيع وعدم وجوب السواك .فهذه وي األحكام العملية اليت يبحث فيها الفقه.
. ٢تعريف الشريعة
لغة :مشتقة من الفعل (شرع .وقد وارت كلمة الشريعة يف اللغة على معنيني
الطريقة املستقيمة .ومنه قوله تعاىل( :مث جعلنك على شريعة من األمر فاتبعها وال تتبع أووآء الذين
ال يعلمون ،سوا اجلاثية .۱۸
موار املاء اجلااي الذي يقصد للشرب منه.
وأ طلقت الشريعة اصطالحا على األحكام اليت سنها هللا لعباره ليكونوا مؤمنني عاملني على ما يسعدوم يف
الدااين .ومسيت و ذه األحكام شريعة ألهنا مستقيمة واض حة بينة وألن من شرع فيها تطهرت نفسه
وزکت .ووي سبيل حليا العقو واألاواح کاملاء سبيل حليا كل شيء حي.
. ٣تعريف التشريع
مصدا شرع ويعين سن الشريعة ،وإنشاء األحكام كما يطلق على األحكام نفسها.
وسن الشريعة أو إنشاء األحكام الشريعة مل يكن إال يف حيا اسو هللا صلى هللا عليه وسلم .وكان له
مصداان الوحي املتلو ووو القرآن الكرمي والوحي غري املتلو ووو السنة النبوية .والسنة النبوية كما قا يف
حقها هللا سبحانه وتعاىل ( وما ي نطق عن اهلوى إن وو إال وحي يوحى النجم.4- 3 :
أما التشريع الوضعي :فهو ما خيتااه صاحب السلطان يف اجلماعة من النظم اليت يرتضوهنا مرجعا هلم
ويتعاملون مبقتضاوا أو يفرضها صاحب السلطان على اجلماعة.
ويف عص ر الرسالة ،اكتمل الدين اإلسالمي أبصوله وقواعده الكلية وأحكامه العامة ،وما حلق الرسو
صلی هللا عليه وسلم ابلرفيق األعلى إال وكان التشريع اإلسالمي کامال اتما .ففيما يتصل ابألموا اليت ال
ختتلف األمصاا ابختالف األعماا واألزمان والبيئات جاءت مفصلة واضحة مبينة .وما يتصل ابألموا اليت
ختتلف ابختالف العصوا والبيئ ات جاءت قواعدوا الكلية وأسسها العامة .وصدق هللا سبحانه إذ يقو (اليوم
أکملت لکم رينکم وأمتمت عليکم نعميت واضيت لکم اإلسالم رينا سوا املائد .3
. 4أهم املميزات اجلوهرية اليت متيز التشريع اإلسالمي من التشريعات الوضعية:
الكمال :متتاز الشريعة اإلسالمية على القوانني الوضعية ابلكما .أي أهنا استكملت كل ما حتتاجه
الشريعة الكاملة من قواعد ومبارئ ونظرایت ،وألن التشريع اإلسالمي من وضع هللا سبحانه
احمليط بكل ما رق وعظم من شؤون عباره ووو سبحانه عليم مبا كان وما وو كائن أبدا و أزال.
مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | 3
ولذلك جاء التشريع اإلسالمي واف يا مبا حتتاجه البشرية من قواعد وأحکام تنظم حيا البشر
لسعارهتم رنيا وأخرى إىل يوم الدين.
أما التشريعات الوضعية فهي من وضع البشر ووم خبلقتهم حم دورون يف النظر واإلرااك والتفكري
والتنبؤ مبا سيحدث والذي سيكون ظنا وختمينا ،ولذا تكون القوانني الوضعية انقصة رائما ،ويف
حاجة لتغيري وتبديل.
السمو :متتاز الشريعة اإلسالمية على القوانني الوضعية ابلسمو أي أن قواعدوا أمسی وأافع مكاان
من مستوى اجلماعة وفيها من املبارئ ما يكفل هلا وذا السمو مهما ااتفعت اجلماعات .على
خالف القوانني الوضعية اليت كثريا ما تتخلف عن مستوى اجلماعة ،ألهنا من وضع بضع أفرار من
اجلماعة قد تكون نظرهتم قاصر ،أو إملامهم بظروف اجلماعة حمدور .وكل صنعة ي تمثل فيها عظمة
صانعها.
العدالة :متتاز الشريعة اإلسالمية ابلعدالة املطلقة ألهنا من وضع هللا سبحانه احلكم العد .فقد
جاءت أحكامها لتكون الناس كافة ال تفرق بني أسور أو أبيض ،أو بني جنس وجنس أو لون
ولون .وما جاء فيها من جزاءات أو حدور أو قصاص ففيه العد ملا اقرتفه اجلاين .أما القوانني
الوضعية وألهنا من صنع البشر ،وفيها الظلم واجلوا ،فكثريا ما توجد فيها اإلستثناءات و احملااب ،
و القواعد الظاملة ،واجلزاءات اليت ال تناسب مع فعل اجلاين إما شد أو ختفيفا ،ومراعا لفكر
معني ،وحمابة حلاكم سابق و وكذا.
الدوام :متتاز الشريعة اإلسالمية على القوانني الوضعية ابلثبات واإل ستقراا .فنصوصها ال تقبل
التعديل والتبديل مهما طا الزمن مع استمراا صالحيتها لكل زمان ومكان و إصالحها هلما .على
خالف القوانني الوضعية اليت ال ميكن أن تستمر لفرت طويلة حىت يظهر ما فيها من خلل ونقص.
فضال عن خضوعها ألوواء احلكام وأفكااوم السياسية واملذوبية يغريون فيها كما يشاءون.
الشمول :متتاز الشريعة اإلسالمية عن القوانني الوضعية أبهنا شاملة يف تنظيم عالقة اإلنسان بربه
وتنظيم عالقة اإلنسان بنفسه وأبوله اجمتمعته ،والنا س مجيعا ،وتنظيم عالقة احلكام واحملكومني
وعالقة الدولة اإلسالمية بغريوا من الدو .والشريعة اإلسالمية فوق ذلك تقصد تربية اإلنسان
خلقيا وعقيدای وعمليا .وفيها األمر ابملعروف والنهي عن املنكر .وام تثا الشريعة اإلسالمية طاعة
يثا ب اإلنسان عليها وخمالفتها معصية يعاقب اإلنسان عليها ولو مل يعاقب يف الدنيا فهناك عقاب
اآلخر ،مما يكفل االحرتام ألحكام الشريعة اإلسالمية .وعلى خالف ما تقدم القوانني الوضعية
مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | 4
اليت قاصر على جوانب قليلة من التنظيم مث وي تعين بداء املفاسار عن اجملتمع رون نظر إىل جلب
املنافع ،وهلذا جتيز أفعاال خمالفة للشريعة اإلسالمية
. 5الفرق بني الشريعة اإلسالمية والفقه اإلسالمي
الشريعة اإلسالمية يف املبارئ الكلية األساسية للدين اإلسالمي الذي ااتضاه هللا سبحانه للناس
كافة ،ووي من صنع هللا تعاىل ومصداوا القرآن الكرمي والسنة النبوية ،وعلى ذلك فاملميزات السابقة
تنصرف إىل الشريعة اإلسالمية .أما الفقه اإلسالمي فهو من صنع البشر استمدوه من فهمهم وتفسريوم
وتطبيقهم للشريعة اإلسالمية يف ظروف خاصة فهو هبذه املثابة ليس جزءا مقد سا من الشريعة.
. 6أمهية دراسة الفقه اإلسالمي
على حنو ما أسلفنا فإن الفقه اإلسالمي ينداج حتته العبارات وأحكامها من صال وزكا وصيام وحج.
وكذا املعامالت من بيع وإجاا ومزااعة وغريوا وما يتعلق ابلزواج والطالق والفرائض و جناایت وحدور
وتعزير .ووذه أموا فيها الواجب واملندوب واملباح واحلرام واملكروه .فدااسة وذه األموا فيها كثري من
الفوائد منها:
أ ن يكون املكل ف على بصري يف سلوكه ليؤري ما جيب عليه ويبتعد عما حيرم عليه ويعرف ما يباح
له وما يستحب وما يكره .مث من راس ذلك يقع عليه واجب نشره وإذاعته بني املكلفني الذين مل
يتيسر هل م سبل التعلم.
مواجهة األنظمة واملعامالت املستوار من البالر الصليبية واإلحلارية ومعرفة ما يوافق الشريعة
اإلسالمية فيقبل ،وما خيالفها فينبذ ويهدا .ألن الفقه مي ثل الطابع احلقيقي للتفكري اإلسالمي لعدم
أتثره مبؤثرات خااجية.
مواجهة احلمالت اليت توجه ضد اإلسالم وار عليها .فاإلسالم من أعظم ما يتميز به بعد العقيد
الصحيحة ما جاء به من أحكام فقهية يف خمتلف فروع الفقه ونشر وذه األحكام وبياهنا وإذاعتها
بني غري املسلمني .فيه الرر الكايف على ما بقا ضد اإلسالم .فالفقه :ميثل خط الدفاع األو .
.7حكم تعلم الفقه اإلسالمي
ينقسم الفقه اإلسالمي يف تعلمه إىل قسمني:
قسم تعلمه واجب عيين :الواجب العيين وو ما جيب على كل فرر مسلم من املكلفني بعينه.
فبعض الفقه ح كم تعلمه الوجوب ،ووو الذي ي تعلق مبا يبتلى به اإلنسان من أموا رينه فعليه أن
يتعلمه مثل الصال وأوقاهتا وما يتعلق هبا من طهاا .مث إذا وجد عنده ما فعليه أن يتعلم أنصبة
مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | 5
الزكا ومقدااوا وشروطها .ووكذا ابلنسبة لسائر الفروض وسائر ما يعرض للمكلف كالتاجر
فيما يتعلق ابملعامالت.
ابقي مسائل الفقه واملوضوعات األخرى املتصلة هبا يكون تعلمها واجبا كفائيا .والوجوب
الكفائي :وو الذي إذا قام به بعض املكلفني سقط عن الباقني.
:التشريع يف عصر اسو هللا صلى هللا عليه وسلم. الدور األول
:الفقه يف عصر صغاا الصحابة وكباا التابعني أي من سنة 41وجرية إىل أوائل القرن الدور الثالث
الثاين اهلجري.
:من أوائل القرن الثاين اهل جري إىل منتصف القرن الرابع اهلجري الدور الرابع
:من منتصف القرن الرابع إىل سقوط بغدار عام 656م الدور اخلامس
تكونت رولة املسلمني ابملدينة ،وأنز هللا سبحانه على اسوله صلى هللا عليه وسلم التكاليف تباعا،
كما أنز عليه اآلایت اليت تضع القواعد واألسس والكليات للدولة اإلسالمية سواء ابلنسبة لألفرار أو
اجلماعة حاكمة أو حمكومة ،كما أنز هللا سبحانه على اسوله تفاصيل وجزئيات لبعض األحكام اليت
يلزم هلا بيان التفاصيل وتلك اجلزئيات .وبني الرسو صلى هللا عليه وسلم ما أمجل من وذه األحكام
وفسروا ،كما كانت تسن أحكام جديد -وحيا من عند هللا سبحانه -وإن كان بطريق غري مباشر ،كما
كان أبفعاله ي وضح أحكاما حتتاج إىل ذالك كما فعل يف حجة الوراع .وخال عشر سنوات ووي مد
مقام الرسو صلى هللا عليه وسلم ابملدينة إىل أن تويف عليه الصال والسالم اكتمل الدين اإلسالمي.
وترك اسو هللا صلى هللا عليه وسلم أمته على احملجة البيضاء ليلها كنهااوا ال يزيغ عنها إال والك.
. 4مصادر التشريع يف هذا العصر
سلطة التشريع يف وذا العصر كانت للنيب صلی هللا عليه وسلم وحده رون أن يتدخل فيها أحد آخر،
ومرجع اسو هللا صلى عليه وسلم كان الوحي املتلو ووو القرآن الكرمي وغري املتلو ووو السنة النبوية
وكانت آایت األحكام غالبا ما تنز على الرسو صلى هللا عليه وسلم مبناسبة أو جوااب عن سوا
وكذلك أحاريث الرسو صلى هللا عليه وسلم .أما اجتهار النيب صلى هللا عليه وسلم أو اجتهار
الصحابة كا نت يف هناية األمر يستقر إىل أتييد ابلوحي أو إلغاء به.
ونفرض للكالم عن املصداين:
.1الكتاب الكرمي:
وو القرآن ووو الكتاب املنز على سيدان حممد صلى هللا عليه وسلم ابللفظ العريب املبدوء
بسوا الفاحتة واملختوم بسوا الناس .بني رفيت املصحف ومنقو بطريق التواتر .فرتمجة القرآن
ال تسمي قرآان وال القراء الشاذ .
والقرآن الكرمي كما وصفه اسو هللا صلى هللا عليه وسلم (إن وذا القرآن حبل هللا املتني
والنوا املبني والشفاء النافع عصمة ملن متسك به وجنا ملن تبعه ،ال يعوج فيقوم وال يزيغ
فيستعتب وال تقضي عجائبه وال خيلف على كثر الرر .
واألحكام يف القرآن ترر على قسمني:
أ .أ حكام ال ختتلف ابختالف األزمنة واألمكنة .فتأيت مفصلة موضحة مبينة كأحكام العقيد
وبيان أنواع الشرك ،وكذا املوا ايث وأنصبتها واحملرمات يف النكاح واحلدور
والقصاص.
مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | 8
ب .قسم اثن من األحكام للزمن أثر يف تفاصيله وللبيئات أيضا ،فتأيت القواعد الكلية
واألحكام العامة وترتك التفاصيل الجتهار امل كلفني مثل الشواى واألمر ابملعروف
والنهي عن املنكر ،والوالایت يف الدولة اإلسالمية ووكذا.
عليكم يف الدين من حرج سوا احلج .۷۸ :وقوله تعاىل ( ويضع عنهم
إصروم واألغال اليت كانت عليهم سوا األعراف.157 :
ومظاور افع احلرج يف الشريعة اإلسالمية كثري منها :الرتخيص للمسافر
واملريض يف اإلفطاا يف امضان ،والرتخيص يف التيمم عند شد الربر أو
ااتفاع سعر املاء ،والرتخيص للمريض أبراء الصال حسب قداته قاعدا أو
ااقدا ،وإابحة األكل من امليتة املخمصة.
ومواار التخفيف يف الشريعة اإلسالمية أتيت على سبعة أوجه:
. 1إسقاط العبار يف حالة قيام العذا ،مثاله سقوط احلج عند عدم األمن.
. ٢النقص من املفروض ،مثاله القصر يف السفر.
.3اإلبدا ،مثاله التيمم بدال من الوضوء
. 4التقدمي ،مثاله اجلمع بعرفات.
. 5التأخري ،مثاله اجلمع مبزرلفة.
. 6التغيري ،مثاله تغيري نظام الصال وقت اخلوف.
. 7الرتخيص ،مثاله أكل امليت ة عند املخمصة.
.٢قلة التكاليف
متيزت الشريعة اإلسالمية بقلة التكاليف ،وإذا كان هللا سبحانه خلق اجلن واإلنس
لعبارته ،إال أنه قلل من التكاليف على األمة اإلسالمية ومن جهة جعل برمحته وفضله
مجيع املباحات تتحو بنية املكلف إىل ما يثاب عليها.فاألكل والشرب واإلنفاق على
الثياب وعلى األوالر والزوج إذا انتوي املكلف امتثا أمر هللا تعالی وقصد التقوية
على أراء املفروضات والبعد عن احملرمات ،فإنه يثاب على وذه املباحات وعلى
غريوا.
وتظهر قلة التكاليف فيما تستفرقه الصلوات اخلمس املفروضة من وقت من ساعات
الليل والنهاا ،والزكا نسبتها يف النقور اثنان ونصف ابملائة ( % ٢,5أي من كل
مائة اای اایالن ونصف ،وكذا عروض التجاا واحلج مر واحد يف العمر ومن شاء
فليتطوع ،والصوم شهر واحد يف السنة.
مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | 10
.3التداج يف التشريع
جاء اإلسال م والعرب ال تسيطر عليهم حكومة وال تنتظمهم رولة فلم تقيد شهواهتم
وغرائزوم قيور ملزمة .ومن امحة هللا تعاىل الواسعة أنز هللا سبحانه التكاليف
متداجة لتكون أسرع يف القبو وأ يسر يف التزام .من ذلك حترمي اخلمر :فقد بدأ بقوله
تعاىل ( :يسألونك عن اخلمر وامليسر ق ل فيهما إمث كبري ومنافع للناس وإمثهما أكرب
من نفعهما البقر .۲۱۹ :مث بعد ذلك ملا هتيأت النفوس إىل النفوا منها لغلبة
مفاسدوا نز قو هللا سبحانه (ای أيها الذين آمنوا ال تقربوا الصال وأنتم سكاای
سوا النساء .43 :وأوقات الصال تنتظم اليوم من الفجر إىل العشاء وبذا أصبح من
اليسري حترميها متاما فنز قوله تعاىل (ای أيها الذين آمنوا إمنا اخلمر وامليسر
واألنصاب واألزالم اجس م ن عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون سوا
املائد . 90:ووكذا يف الراب وعقوبة الزان وغري ذلك من التكاليف واألحكام. .
. ٢السنة النبوية
أ .تعريف السنة
السنة لغة :الطريقة ،حسنة كانت أو سيئة.
واصطالحا :ما صدا عن اسو هللا صلى هللا عليه وسلم من قو أو فعل أو تقرير.
حجية السنة :ما صدا عن اسو هللا صلى هللا عليه وسلم من السنة كان عن طريق الوحي
غري املباشر لقوله تعاىل (وما ينطق عن اهلوى إن وو إال وحي يوحي النجم .4- 3
ابلسنة وجتعل طاعة اسو هللا صلى هللا عليه وسلم وقد وارت آایت كثري توجب العمل
الرسو صلى هللا عليه وسلم .من ذلك قوله تعاىل طاعة هللا سبحانه ،وحتذا خمالفة أوامر
املائد ,۹۲:وقوله تبااك وتعاىل (من يطع الرسو (وأطيعوا هللا وأطيعوا الرسو واحذاوا
شأنه (فليحذا الذين خيالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة فقد أطاع هللا النساء .۸۰ :ويقو جل
أو يصيبهم عذاب أليم النوا63:
ب .موقع السنة من الكتاب الكرمي
جاءت السنة على النحو التايل ابلنسبة للقرآن الكرمي :
. 1تبني ما أمجله القرآن الكرمي ،فالصال والزكا واحلج جاءت جبملة يف القرآن الكرمي وقد
بينتها السنة النبوية قولية كانت أو فعلية .فبينت األاكان والشروط واملوانع والسنن
ووكذا ابلنسبة للراب.
مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | 11
.٢أتيت مقيد ملا أطلق يف بعض اآلایت ،وخمصصة للعموم الواار فيها .تقييد املطلق ،كما يف
بيان السنة للجزء الذي يقطع من يد السااق تقييدا للمطلق الواار يف قوله تعاىل
(والسااق والسااقة فاقطعوا أيديهما املائد .۸:وختصيص العموم كما يف قوله صلى هللا
عليه وسلم (افع عن أميت اخلطأ والنسيان وما استكرووا عليه ختصيصا للعموم قطع يد
السااق وإقامة احلد على الزاين .
. 3أتيت حبكم سكت عنه القرآن الكرمي كما يف اجم الزان (احملصن وكما يف حترمي نکاح
املرأ على عمتها أو خالتها أو ابنة أخيها أو ابنة أختها.
.4أتيت مقرا ألحكام وارت يف القرآن الكرمي كوجوب بر الوالدين والوصية ابجلاا
ووجوب احملافظة على الصلوات املكتوبة.
. 1الكتاب الكرمي
اختذ الرسو صلى هللا عليه وسلم كتااب للوحي كانوا بكتبونه فوا ذواب جربيل عنه كما كان الكثري من
صحابة الرسو صلى هللا عليه وسلم حيفظون منه الكثري وبعضهم كان حيفظه مجيعا .وكان اإلقبا على
حفظ القرآن الكرمي يف عصر اسو هللا صلی هللا عليه وسلم حلاجة الصحابة إىل القرآن .فهم يصلون
به ،ويتعبد ون بتالوته ويتعرفون على األحكام منه .وكان اسو هللا صلى هللا عليه وسلم يسمع منهم
أحياان ما حيفظون ،كما كان جربيل عليه السالم يعرض القرآن على اسو هللا صلى هللا عليه وسلم
كما كان الرسو يقرأ وجربيل يسمع .وكان ذلك يتم مر واحد يف امضان ،ويف السنة األخري عرض
جربيل القرآن على اسو هللا صلى هللا عليه وسلم مرتني .وقبض اسو هللا صلى هللا عليه وسلم،
والقرآن كله حمفوظ يف الصدوا لدى آالف الصحابة مكتوب يف الرقاع وغريوا مما يكتب عليه .ولذلك
فالقرآن الكرمي قطعي الثبوت.
أ .مجع القرآن الكرمي ونسخه يف املصاحف
اشرتك كثري من الصحابة يف حماابة املرتدين وكان منهم حفظة القرآن الكرمي ،واستشهد عدر
منهم ،فكلف أبو بكر اضي هللا عنه زيد بن اثبت وكان من كتاب الوحي أن جيمع القرآن
الكرمي .فجمعه بعد أن كان متفرقا فكان كمن وجد أوااقا مفرقة فربطها خبيط.
ويف عصر عثمان اضي هللا تعاىل عنه حدث اختالف بني بعض املسلمني يف القراء ،فأشاا
حذيفة اض ي هللا تعاىل عنه على عثمان أبن ي نسخ املصحف الذي مجع يف عصر أيب بكر،
فشكل عثمان اضي هللا تعاىل عنه جلنة مكونة من زيد ب ن اثبت الذي توىل اجلمع األو و من
عبد هللا بن الزبري ،وسعيد بن العاص ،وعبد الرمحن بن احلااث بن وشام .وكان عثمان قد
طلب املصحف الذي مجع يف عصر أيب بكر الصديق من أم املؤمنني حفصة وكان املصحف لدى
أيب بكر الصديق ومن بعده كان عند عمر اضي هللا تعاىل عنه .مث ملا تويف كان املصحف
عند أم املؤمنني ابنته .قامت اللجنة بنسخ املصحف يف عد مصاحف وأاسل كل مصاحف إىل
إقليم من األقاليم اإلسالمية ليتم نسخ املصاحف منه .فتتوحد القراء .وبعد ذلك ار عثمان
املصحف األم إىل أم املومنني كما أمر بتحريق ما عدا ذلك من صحف.
ب .اختال ف الصحابة يف فهم القرآن الكرمي
تفاوت الصحابة يف فهم القرآن الكرمي نظرا لوجور األلفاظ املشرتكة يف القرآن الكرمي
ولوجور اجملاز ،والتساع لغة العرب ووجور كثري من األلفاظ اليت ال يعرف معانيها الكثري .فمن
املشرتك الذي اختلفوا فيه قوله تعاىل (واملطلقات يرتبصن أبنفسهن ثالثة قروء فالقرء لفظ له
مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | 13
أكثر من معىن -ووذا وو املشرتك -فهر يعين الطهر ويعين احليض .ومن االختالف بسبب
اجملاز اإلختالف يف مرياث اجلد ول يعترب أاب؟ إذ أن القرآن الكرمي أطلق عليه وصف األب يف
قوله تعاىل (واتبعت ملة آابئي إبراويم وإسحاق ويعقوب سوا يوسف .3۸ :وكان إبراويم
جدا ليوسف عليهما السالم .فإذا اعترب أاب حرم اإلخو من املرياث ،وإن مل يعترب اشرتك معهم
واألمثلة كثري نكتفي منها ما ذكر.
.٢السنة النبوية
كان الصحابة إذا مل جيدوا حكما يف كتاب هللا تعاىل فتشوا يف سنة نبيه صلى هللا عليه وسلم.
أ .أقسام السنة من حيث نقلها.
تنقسم السنة من حيث نقلها إىل قسمني :متواتر وآحار.
.1الس نة املتواتر :ووي اليت اواوا مجاعة عن مجاع ة يستحيل اتفاقهم على الكذب عار
وأن يكون نقلهم عن حمسوس .ووي كثري يف السنة العملية ،قليلة يف السنة القولية
والتقريرية .والسنة املتواتر تكون قطعية الثبوت .ومثاهلا :عدر اكعات الصلوات
وكيفية كل اكعة ،وكيفية احلج وأنصبة الزكا .
.٢سنة اآلحار :وي اليت نقلها إما واحد أو أكثر مل يبلغ حد التواتر .ويف أغلب السنة القولية.
ب .طريق الصحابة يف العمل ابلسنة :
السنة املتواتر مقبولة إمجاعا .وكذا السنة ابلنسبة لراويها فهي تعترب حجة قطعية :أما أخباا
اآلحار ،فقد اختلف الصحابة يف قبو خرب اآلحار .فكان أبو بكر اضي هللا تعاىل عنه وكذا
عمر بستلزمان أكثر من ااا للحديث .وكان علي اضي هللا تعاىل عنه حيلف الراوي عدا أيب بكر
الصديق.
وكان ب عضهم برر خرب اآلحار لضعف ثقته بعلم الراوي أو بضبطه أو لعلمه مبا ينسخه.
ت .كتابة السنة
مل تدون السنة يف وذا العصر ،وكان عمر اضي هللا عنه قد انتوی مجع السنة مث اجع عن ذلك
وكان ينهى عن اإلكثاا من التحديث عن اسو هللا صلى هللا عليه وسلم .ولكن مع ذلك
كتبت بعض األحاريث ،وكان عبد هللا بن عمرو بن العاص بكتب عن اسو هللا صلی هللا
مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | 14
عليه وسلم يف صحيفة تسمى (الصارقة كما كان عند علي بن أيب طالب بعض كتاابت من
السنة ،وغريمها من الصحابة ولكن كانت الكتابة قليلة جدا.
.3اإلمجاع
لغة :العزم ،االتفاق .واصطالحا :اتفاق اجمل تهدين من أمة النيب حممد صلى هللا عليه وسلم على حكم
شرعي يف عصر من العصوا بعد وفاته .
ويف وذا العصر كان من السهل الرجوع لعدر كبري من الصحابة ملعرفة اأيهم فيما يستجد من احلوارث
واال تفاق على احلكم الشرعي .وكان اخللفاء الراشدون إذا مل جيدوا احلكم يف كتاب هللا تعاىل وال يف
سنة نبيه صلى هللا عليه وسلم جيمعون مشاوري الصحابة لبحث املسألة واالتفاق على حكمها.
.4االجتهار
يف وذا العصر ظهر اجتهار الصحابة يف التعرف على األحكام الشرعية ألموا ال نص على حكمها يف
الكتاب والسنة ،كقتل اجلماعة ابلواحد ،و توايث اإلخو األشقاء مع اإلخو ألم وغري ذلك من
املسائل .ومل يكن الصحابة على راجة واحد يف استعما الرأي واالجتهار فبعضهم كان يقدم على
االجتهار وبعضهم كان يتهيب منه.
أسباب االختالف يف الفقه يف هذا العصر:
ميكن أن نرجع أ سباب االختالف إىل اآليت:
أ .اختالف الصحابة يف فهم القرآن الكرمي على حنو ما سلف
ب .اختالفهم يف العمل خبرب اآلحار إما لعدم بلوغها لبعضهم أو لعدم ثبوهتا لديه أو لإلختالف يف فهمها.
ت .اختالفهم يف اال جتهار ألن اجتهار بعضهم ال يؤري إىل ما توصل إليه البعض اآلخر.
ث .عدم اتساع االختالف :مل يتسع اخلالف يف وذا العصر لألسباب التالية:
. 1تقرير الشواى بينهم ،وإمكان اجتماع كباا الصحابة لوجوروم يف مكان واحد.
.۲قلة اواية األحاريث
. 3قلة النواز واحلوارث
. 4تواعهم عن الفتوى وكانوا ال يبدون اأای يف شيء حىت حيدث
مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | 15
الدوا الثالث:
ت .بداو أول احلجاز مما مل خيرج مشاكلهم فحوارثهم عما ما جاءت به النصوص.
ولذا التزم علماء احلجاز الرجوع إىل القرآن الكرمي مث إىل السنة النبوية مث إىل آاثا الصحابة فإن
مل جيد ووذا قليل قد يعلمون الرأي أو يتوقفون .
جبل ومن التابعني أبو إرايس اخلوالين و مکحو الدمشقي .أما أول مصر فقد أخذوا بفتاوی عبد هللا
بن عمرو بن العاص
الدوا الرابع:
الفقه يف العصر من أول القرن الثاني إىل منتصف القرن الرابع اهلجري
متهيد :وذه وي املرحلة الرابعة من املراحل اليت مر هبا الفقه اإلسالمي .ووي تبدأ من أواخر عصر األمويني
وتنتهي يف منتصف القرن الرابع اهلجري تقريبا حني ضعفت الدولة العباسية ،وانقسمت إىل رويالت صغري
اتبعة للخالفة امسا فقط.
ويف وذا العصر اجته املسلمون إىل ما مل يتسع له زمن أسالفهم ومل تتهيأ له أ سبابه .فأفرغوا من جهوروم يف
الت دوين والتصنيف وترتيب مسائل العلوم بعضها إىل بعض ،ومتيز كل علم عن غريه .ووضعوا إىل جانب ذلك
علوما أخرى مما خلفه العرب وله اتصا بعلوم الدين :كعلم اللغة ،والنحو ،وعلوم احلديث ،واألرب ،والتاايخ.
جبانب وذا ترمجوا علوما أخری :کالفلسفة ،واملنطق ،والرایضة ،والطبيعة ،ورااسة الدایانت األخرى وما إىل
ذلك مما كان سببا يف اتساع احليا العقلية وظهوا املسلمني يف نشاط يثري الدوشة.
ولقد نشط الفقه يف وذا العصر نشاطا عظيما ،واتسعت رائرته وأصبح علما قائما بنفسه بعد أن كان مقصواا
على اإلفتاء والقضاء .ووجدت طائفة من العلماء ختصصت فيه ،ووقفت حياهتم عليه.
ويعترب وذا العصر من عصر ازرواا الفقه اإلسالمي ومنائ ه ألسباب عديد منها :عناية اخللفاء ابلفقه والفقهاء،
حرية الرأي وكثر اجلد ،كثر الوقائع ،ترمجة العلوم األجنبية وتدوين العلوم .و سنعاجل فيما يلي بشيء من
التفصيل كل عنصر من وذه العناصر حتت عنوان :أوم العوامل اليت ساعدت على ازرواا الفقه.
مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | 19
و كان اجلد بني العلماء رائر حو حتديد معاين األلفاظ اللغوية أو محل الكالم على احلقيقة واجملاز
و عالقة كل من الكتاب والسنة ابآلخر وعمل الصحايب أوو حجة أم ال ،والقياس ومداه إىل غري ذلك
مما يعتمد ع ليه اجملتهد يف استنباط األحكام ،وكان اجلد أحياان ابملشافهة يف حلقات الداوس ويف
املساجد ومواسم احلج وأحياان أخرى ابلكتابة حىت أتثر التأليف ابألسلوب اجلديل كما يظهر ذلك
واضحا يف كتاب األم للشافعي وخالفه وقد زخرت الكتب تبلل املناظرات .
غري أنه بعد أن كان اجلد يستخدم للوصو إىل احلق فحسب ،أصبح يستخدم جملرر التغلب على الغري
وصاا معوال يهدم به كل فريق ما خيالف مذوبه .فاحنرف عن طريقته األوىل وحشر فيه ما ال يتصل جبوور
املوضوعات
.3كثر الوقائع.
ملا اتسعت افعة الدولة اإلسالمية على عهد العباسيني واندمج يف املسلمني كثري من األمم املختلفة يف
عاراهتا وحضااهتا استتبع ذلك أن يتفرق علماء املسلمني يف البالر املفتوحة ،وأن تعرض عليهم الوقائع
اإلجتماعية اليت تنشأ يف تلك البيئات ليعطووا حكمها الديين ،واست تبع ذلك أيضا أن يرجع العلماء
عارات ووالء األقوام إىل تعاليم اإلسالم ،فكان يعرض لكل عامل يف جهة ما ال يعرض لغريه يف جهة
أخرى .وينتج عن ذلك جتدر أحكام مل يكن عرفها الناس ،ففي العراق مثال تعرض على أنظاا الفقهاء
تقاليد الفرس وحوارثهم .ويف الشام تعرض عارات وتقاليد وأقضية ومعامالت كلها اومانية ،وكذلك احلا
يف كل بلد رخله املسلمون واس تظل بظل اإلسالم.
وكان طبيعيا أن يظهر يف كل إقليم بعض أحكام ال تظهر يف غريه حتت أتثري العوامل اإلجتماعية
والفوااق اإلقليمي ة ،فشعر علماء كل إقليم إىل تعرف ما عند اآلخرين ،فكانت الرحالت العلمية بني
أعالم املشتغلني ابال جتهار والفتوى .وكان من نتيجة تلك الرحال ت وأخذ كل منهم عن اآلخر أن
تعااف وجهات النظر بينهم ،ما أفار الفقه كثريا.
4ترمجة العلوم األجنبية
ملا فتحت البلدان املختلفة رخل س كاهنا من غري العرب يف اإلسالم ،ووم اصحاب ثقافات عديد ال
عهد للعرب هبا فرغب املسلمون يف تعرف ما عند وؤالء من ثقافات ،فرتمجت العلوم إىل العربية
مثل علوم الطب والكمياء والفلسفة ،واملنطق واآلراب،ووقف الفقهاء على الكثري مما يف وذه العلوم أتثروا
هبا وخاصة املنطق والفلسفة .لكن وذا التأثر مل يكن يف أصل اال ستنباط ،وإن كان يف طريقة االستدال
على املسائل ،وترتيبه على مقدمات توصل إىل نتائجها ،وأكثر ما كان ذلك يف املناظرات .
.5تدوين العلوم
مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | 21
لقد كان للتدوين يف وذا العصر شأن کبري .ومل يكن مقصواا على الفقه ،وإمنا كان للفقه حظه جبانب
غريه ،والعلوم کشبكة متصلة األجزاء ،خيدم بعضها بعضا .ولنضرب مثال لبعض ما رون من العلوم
اليت هلا أ ساس كبري ابلفقه كالتفسري والسنة.
فلم يكن تفسري القرآن يدون قبل عصران الذي نتحدث عنه كعلم مستقل بذاته ،ولكن ملا رونت العلوم
يف وذا العصر من حنو وصرف و اتايخ وغريوا تعاونت كلها على فهم القرآن .وأ ضاءت السبيل أمام
املفسرين فاتسع نطاق التفسري .وأ خذت كل طائفة تنتسب إىل علم تنظر إىل القرآن من اجلانب الذي
يتصل هبا .فاللغويون ينظرون إليه من انحية ألفاظه ،فيؤلفون يف تفسري غريبها .والنحويون ينظرون إليه من
جهة تراكيبه ويؤلفون الكتب يف إعرابه ،وكذلك الفقهاء ي نظرون ويؤلفون كتب األحكام مثل کتاب
أحكام القرآن للرازي وأحكام القرآن البن العريب.
ويف وذا العصر اتسع نطاق تدوين السنة ووي املصدا الثاين للفقه بعد القرآن .وقد تنبه اوا احلديث
إىل وجوب تصنيفها بضم األحاريث اليت من نوع واحد يف املوضوع بعضها إىل بعض كأحاريث الصال
وأحاريث الصيام وما شاكل ذلك .فكان من مدوين الطبقة األوىل من وذا العصر اإلمام مالك بن أنس
ابملدينة وغريه يف األقطاا األخرى .وكان احلديث يف ابرئ األمر ممزوجا أبقوا الصحابة والتابعني،
فجاءت طبقة اثنية وألفوا ما يعرف ابملسانيد مثل مسند اإلمام أمحد بن حنبل فيذكرون مسند كل
صحايب ويثبتون فيه ما اوي عنه .مث جاء بعد ذلك علماء رققوا يف الرواية واألخباا ويف طبقة وؤالء
كان أ بو عبد هللا حممد بن إمساعيل البخااي ومسلم بن احلجاج النيسابواي صنف كل منهما صحيحه.
وانتهى أمر السنة يف أثناء وذا العصر إىل أن صاات علما مستقال له اجا قصروا عليه حبثهم.
جبانب وذا ،وضع يف وذا العصر علم أصو الفقه ورونت املذاوب الفقهية .وال شك أن التدوين
يسهل طريقة البحث ويساعد على الرجوع إىل العلوم مهما كثرت .ويهىء للفقيه أن يلم ابلكثري من
املسائل يف قصري من الوقت .فبعد أن كان يبحث عن احلديث ويتلقفه من ألسنة الروا أضحى جيده
أمامه بسهولة ويسر .فأصبحت قواعد االستنباط ميسر .
صاحب وذا املذوب وو اإلمام أبو حنيفة النعمان بن اثبت بن زوطي -بضم الزاي وفتح الطاء -ولد
ابلكوفة سنة ۸۰وـ مث انتقل إىل بغدار وبقي هبا حىت تويف عام 1۵۰وـ .کون مذوبه بطريقة الشواى مع
أصحابه
أصو مذوبه :
قا يف ذلك :آخذ ب كتاب هللا إن وجدته فإذا مل أجد فيه أخذت بسنة اسو هللا صلى هللا عليه وسلم واآلاثا
الصحاح عنه اليت فت شت يف أيدي الثقات ،فإذا مل أجد يف كتاب هللا وال سنة اسو هللا صلى هللا عليه وسلم
أخذت بقو أصحابه من شئت وأرع قو من شئت .مث مل أخرج عن قوهلم إىل قو غريوم ،فإذا انتهى األمر
إىل إبراويم والشعيب وابن سريين وسعيد بن املسيب وعد اجاال من التابعني ،فلي أن أجتهد كما اجتهدوا ويف
اواية فهم اجا وحنن اجا .
مالحظات:
قسم اإلمام أبو حنيفة السنة إىل متواتر ومشهوا وآحارية واشرتط يف احلديث الشهر إذا كان يف موضع
تعم به البلوى كما اشرتط يف خرب اآلحار أال خيالف عمل الراوي ما يرويه مثل حديث (إذا ولغ الكلب يف إانء
أحدكم فليغسله سبعا إحداون ابلرتاب اواه أبو ورير .وكان أبو ورير يكتفي ابلغسل ثالاث فكان وذا مضعفا
للرواية عند أيب حنيفة.
توسع اإلمام أبو حنيفة يف األخذ ابلقياس حىت اعترب إمام أول الرأي .ووو أو من اشتغل ابلفقه التقديري
وفرض املسائل اليت مل تقع بع د .وأخذ ابالستحسان .وينسب كثري من الباحثني إىل فقهه (احليل الشرعية
وأكثروا يف مسائل تتعلق ابألميان عامة وابلطالق خاصة.
وال حيتج ابملرسل إال إذا أيده رليل آخر كأن يكون ااويه ال يرسل إىل عن ثقة ،ولذلك قبل
مراسي ل سعيد بن املسيب كلها لتوفر وذا الشرط فيها.
. ٢اإلمجاع :وال يكون اإلمجاع عند الشافعي إىل من علماء املسلمني يف كل األمصاا ،ولذا ار قو شيخه مالك
يف اعتبااه إمجاع أول املدينة.
. 3قو الصحايب :كان أيخذ به إذا مل يعلم له خمالف وعند االختالف كان أيخذ من قو بعضهم ما يراه أقرب
إىل الكتاب والسنة.
. 4القياس :عمل به مشرتطا أن يكون له أصل معني يف الكتاب أو السنة أو اإلمجاع.
وترك االستحسان الذي قا به احلنفية واملالكية وقا الشافعي يف ذلك قولته املشهوا " :من استحسن فقد
شرع" ,وألف فيه كتاب (إبطا اإلستحسان .
أ.املذوي احلنفي
.٢املذوب املالكي
عبد الباقي بن يوسف بن أمحد 1099وـ 10شرح الزاقانی علی خمتصر خليل
الزاقانی
أبو عبد هللا حممد بن عبد هللا اخلرشی 1101وـ 11شرح اخلرشي على خمتصر خليل
1٢01وـ محد بن حممد بن أمحد العدوي 1٢الشرح الكبري على خمتصر خليل
(الشهري ابلدارير
1٢30وـ حممد بن أمحد بن عرفة الدسوقي 13حاشية الدسوقي على شرح الكبري
(الشهري ابلدسوقي
الشيخ أمحد بن حممد اخللوين (املعروف 1٢41وـ 14بلغة السااق ألقرب املسالك
ابلصاوي
.3املذوب الشافعي
.4املذوب احلنبلي
الدوا اخلامس
الفقه يف العصر من منتصف القرن الرابع إىل سقوط بغداد سنة 656هـ
متهيد :يسمى وذا العصر بعصر االجتهار يف املذوب .ويف وذا العصر انقسمت الرقعة اإلسالمية أقساما
عديد .قام على كل قسم منها وا ِ متس ی أبمري املؤمنني فأصاب أمة من جزاء وذا التفكك الضعف واالحنطاط.
وتناحرت وذه الدو وحل العداء والفرقة حمل اإلخاء واأللفة .ولقد أثرت تلك الظروف السيئة يف نشاط احلركة
العلمية.واجعت هبا القهقري فأبدلتها من القو ضعفا ،ومن التقدم أتخرا،ومن النشاط فتواا ،وأماتت يف العلماء
اوح االستقال الفكري ،فأصبحوا عالة على فقه أيب حنيفة ومالك والشافعي وأمحد وغريوم ممن كانت مذوبهم
متداولة .وحصر العلماء أنفسهم يف روائر اختذووا من أصو تلك امل ذاوب ال يتجاوزون حميطها والتزم كل منهم
م ذوبا معينا ال يتعداوا وتعصب له.فلم يوجد يف وذا العصر جمتهد مستقل.واحنصر عمل العلماء يف وذا العصر
يف راللة أشياء وي:تعليل األحكام،والرتجيح بني اآلااء املختلفة يف املذوب ،واالنتصاا للمذوب الذي يعتنقه.
وكان أكثر املشتغلني هبذا األمر احلنفية ألن الكتب اليت كان يعولون عليها يف املذوب كان أغلبها خاليا من
العلل .فكان ال بد هلم من تدعيم تلك األحكام أبرلتها وإظهاا عللها حىت يقووا على مواجهة مناظريهم من
الشافعية و غريوم.
فأما من جهة الرواية فإن النقل قد اختلف يف بعض املسائل عن أئمة املذاوب .فقد نقل عنهم مذاوبهم أكثر
من واحد .فاإلمام أبو حنيفة مثال نقل أقواله تلميذه حممد بن احلسن الشيباين آخذا بعضها عن اإلمام والبعض
ما اواه عن أيب يوسف عن اإلمام .كما نقل عن أيب يوسف كثري غري حممد .و كتب حممد بن احلسن اواوا عنه
أكثر من واحد .وال شك أهنم خيتلفون يف النقل وذلك انشئ إما من خطأ بعض النقلة وإما اإلمام كان يرى
اأای فيأخذه عنه تالميذه مث يرجع عن وذا الرأي إىل غريه فيعيه بعض التالميذ رون اآلخرين .فكان عمل
العلماء أن يرجحوا بني الرواایت ،فرجح احلنفية اواایت حممد بن احلسن على غريه من األ صحاب ،واجح
الشافعية ما يرويه الربيع بن سليمان على ما يرويه غريه .ووكذا.
أما النوع الثاين من الرتجيح فيكون بني الرواایت الثابتة عند األئمة أنفسهم إذا اختلفت ،أو بني ما قاله اإلمام
و ما قاله تالميذه .ووذا النوع من الرتجيح حيتاج إىل ملكة فقهية قوية وخرب اتمة أبصو األئمة ومآخذوم
وطرقهم االستنباط .فريجحون من األقوا ما يتفق مع تلك األصو وما تشهد له قواعد الشريعة الكلية
ومقاصدوا عامة .وقد خيتلفون يف الرتجيح بسبب اختالفهم يف الداجة العلمية وسعة االطالع وقو التصرف
ونفاذ البصري .
جبانب ونا تتبعوا مواضع اخلالف و صنفوا فيها كتااب يذكرون فيها املسائل اليت اختلف فيه األئمة ،ويسوقون
رليل كل إمام ،مث يرجحون على كل حا مذوب اإلمام الذي ينتسبون إليه وال خيلو ذلك يف أكثر األحيان
التكلف الواضح
فضال عن ذلك فإهنم جالوا يف ميدان املناظر وتسابقوا يف حلبة اجلد .وكانت تعقد وذه املناظرات مبحضر
األمراء والكرباء فيسوق كل منهم حججه وبراوينه على صحة آااء مذوبه .ومقام املناظر فيه تطاو وال يراعي
فيه جانب احلق .وكل وم املناظر ترويج جانبه ال يبايل أخطأ أم أصاب.
الدوا السارس
يسمى وذا العصر بعصر التقليد ،والتقليد وو األخذ بقو الغري رون حبث يف الدليل الذي اعتمد عليه .ويف
وذا العصر قد طفی سبل التقليد وأقفل ابب اال جتهار ويرجع انتشاا التقليد إىل أسباب تذكر فيها ما يلي:
أسباب التقليد
يرجع انصراف الفقهاء عن االجتهار إىل التقليد إىل أموا منها:
.1وجد علماء وذا العصر مذاوب كاملة مدونة فيها أحكام ماجد من احلوارث وما ميكن أن حيدث
منها والنفوس بطبيعتها ميالة إىل الراحة.
.٢الدعاية القوية اليت قام هبا أنصاا املذاوب املتبعة ،فإهنا قد حلت يف النفوس وملكت على الناس
مشاعروم .وأصبحوا يعتربون من مل أيخذ هبا خااجا مبتدعا وساعد على ذلك أنه كان لبعض
األئمة تال ميذ هلم من املكانة يف اهليئة اإلجتماعية ،واالتصا ابخللفاء والوزااء ما جعل وؤالء
يسامهون يف نشر تلك املذاوب وأتييدوا بشىت الوسائل .واخللفاء أقدا على صرف الناس إىل
اإل جتاه الذي مييلون إليه .وكثريا ما قام األمراء والوزااء واألغنياء إبنشاء مدااس ،وقصروا التدايس
فيها على مذوب أو مذاوب معينة فكان ذاك سببا يف اإلقبا على تلك املذاوب ،واالنصراف
عن اإلجتهار حمافظة على األوااق اليت كتبت هلم.
مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | 31
.3ضعف الثقة ابلقضا :ساءت حالة القضا يف وذا العصر وشاع اجلوا وأصبح والایت القضاء
باع وتشرتى .فتزعزعت ثقة الناس هبم .ومالوا إىل أن يكون القضا مقيدين أبحكام معروفة حىت
ت َ
يبدو عليهم ابب التالعب أبموا الناس ورمائهم وأعراضهم وأحب أول كل قطر أن يكون
قاضيهم من أول املذوب الذي يعتنقونه.
.4شغف الناس ابملار وتسلطها عليهم ،وانصراف الرغبات إىل مجع املا فقعد كثري من العلماء عن
ال تحصيل واالجتهار خاصة أنه كثرت املؤلفات وكان اإلفراط يف االختصاا حىت غدت وذه
املؤلفات ألغازا أو ما يشبه األلغاز .وحينئذ عجز الراغبون يف الفقه عن فهمها فاضطر العلماء إىل
شرحها مث إىل شرح ما غمض من الشروح .ونتج عن ذلك أن ترك لنا وذا العصر ألواان من الكتب
خمتل فة األساليب ،عرفت فيما بعد ابملتون والشروح واحلواش والتقريرات و التعليقات.
وبناء على ما تقدم فإن التقليد مل يفد الفقه اإلسالمي بشيء .بل أضر به ضراا ابلغا ألنه أضاع
جهد اجاله الذين وقفوا حياهتم على تفهم أقوا أئمتهم .بل على تفهم عبااات صدات عن
فقهاء مثلهم ،ومل يفضلووم يف شيء عند تقدم الزمن هبم .وتركوا النظر يف مصارا الشريعة األوىل،
كتاب هللا ،وسنة اسوله صلى هللا عليه وسلم ،ظنا منهم أهنم مل يتأولوا هلذا النظر وأن فضل هللا قد
ذوب به السابقون حىت مل يب ق ملن جاء بعدوم منه نصيب .فكانت مثرات أعماهلم ما خلفوه لنا
م ن تلك الكتب املعقد اليت تستعصي على الفهم يف كثري من موضوعاهتا.
غري أنه مع وذا التقليد وذاك التعقيد يف التأليف مل خيل ذلك العصر من وجور فقهاء بني آوئة
وأخرى يدعون املتفقهني إىل ترك التقليد وحيثوهنم على االجتهار ليعور للتشريع اإلسالمي مكانته
األوىل ووجور ص نف آخر من الكتب فيها بساطة وسهولة ،وإن كان وذا قليال جبانب الصنف
األو .
فمن ووالء اجملدرين شيخ اإلسالم ابن تيمية وتلميذه ابن قيم اجلوزية ،قاما يف القرن الثامن
اهلجري هبذه الدعو فلقيت رعوهتا معااضة شديد من رعا التقلي د ومحاته .واغم وذه املعااضة و
قسوهتا ظلت ابقية إىل وقتنا وذا ،هلا كثري من األتباع واألنصاا.
خامتة:
بعد أن عشنا مع املراحل اليت مر هبا الفقه اإلسالمي يف عصواه املختلفة فإننا نتطلع اليوم ألن يعور هلذا
الفقه مكانته األوىل يف عصوا ازروااه ،خاصة أن العامل اإلسالمي يف عصران احلاضر ميوج يف مشکالت
ج ليلة مل يكن كلها أو جلها معروفا يف العصوا السابقة .األمر الذي بنبغي معه مواجهتها ابلبحث
واالجتهار والتجديد .وإذا كان وذا األمر يعتذا على فرر فإن اإلجتهار اجلماعي قارا على مواجهة
ذلك .فاإلنسان قليل بنفسه كثري إبخوانه .وهللا ويل التوفيق