You are on page 1of 31

‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪1‬‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫مقدمة‬

‫أمهية دراسة الفقه اإلسالمي و حكم تعلمه‬

‫ونبني تعريف الفقه والفرق بينه وبني الشريعة والتشريع وخصائص الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وأخريا أمهية رااسة الفقه‬
‫اإلسالمي وحکم تعلمه‪.‬‬
‫‪ . 1‬تعريف الفقه‬
‫الفقه لغة‪ :‬الفهم‪ ،‬ومن ذلك قوله تعاىل على لسان مدي ن لنبيهم شعيب عليه السالم ( يشعيب ما‬
‫سوا وور ‪ ،۹۱‬أي نفهم‪.‬‬ ‫نفقه كثريا مما تقو‬
‫أما يف االصطالح‪ :‬فقد تطوا إطالق الكلمة‪ ،‬فكان يطلق يف العصر األو للبحث الفقهي على‬
‫العلوم الدينية كلها‪ .‬ويشمل أحكام العقيد ‪ ،‬واألحكام العملية من عبارات و معامالت‪ ،‬كما يشمل أحكام‬
‫آفات النفوس وحماسنها والذي يسمى بعلم األخالق‪ ،‬ومن ونا مسی أ بو حنيفة كتابه يف االعتقارایت (الفقه‬
‫األكرب ‪ ،‬مث بعد ذلك تصرف العلماء يف التعري ف فجعلوه خاصا ابملسائل العملية أي‪ :‬األحكام الشرعية‬
‫العملية املأخوذ من أرلتها التفصيلية‪ .‬وانفصل بذلك الفقه عن أحكام العقيد وأحكام األخالق‪.‬‬
‫والقيد الواار يف التعريف (من أرلتها التفصيلية خيرج املقلد عن أن يطلق على علمه كلمة (فقه كما‬
‫خيرج العلم املعلوم من الدين ابلضروا كوجوب الصال وعدر اكعاهتا ووجوب الزكا واحلج وحنو ذلك‬
‫مبا يعلمه عوام املسلمني كما يعلمه علماؤوم‪.‬‬
‫وملا جاء عصر التقليد وأ صبح طابع العلماء أضحى تعريف الفقه (األحكام الشرعية العملية مطلقا وال يلزم أن‬
‫تكون مستنبطة من أرلتها التفصيلية‪ ،‬ووذا التعريف وو القائم اآلن‪.‬‬
‫شرح التعريف‪:‬‬
‫‪ ‬و األحكام‪ :‬مجع حکم‪ ،‬اور إثبات أمر آلخر أ و نفيه عنه‪ .‬مثل قولنا‪ :‬الصال واجبة‪ ،‬البيع حال ‪،‬‬
‫السواك ليس بواجب‪ .‬ففي املثا األو أثبت الوجوب للصال ‪ ،‬ويف املثا الثاين أثبت احلل للبيع‪،‬‬
‫ويف املثا الثالث نفي الوجوب عن السواك‪.‬‬
‫‪ ‬الشرعية‪ :‬ووي املستفار من الشرع ألن من األحكام ما يستفار من العقل كالواحد نصف اإلثنني‪،‬‬
‫ومنها ما يستفار من احل س كالناا حمرقة والشمس طالعة‪ .‬أما وجوب الصال وإابحة البيع وعدم‬
‫وجوب السواك فتفار من الشرع‪.‬‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪2‬‬

‫‪ ‬العملية‪ :‬قيد وضع يف التعريف ألن األحكام الشرعية منها ما يتعلق ابلعقائد ومنها ما يتعلق‬
‫بتهذيب النفس ووي أحكام األخالق‪ ،‬ومنها ما يتعلق أبفعا الناس کوجوب الصال وإابحة‬
‫البيع وعدم وجوب السواك‪ .‬فهذه وي األحكام العملية اليت يبحث فيها الفقه‪.‬‬
‫‪ . ٢‬تعريف الشريعة‬
‫لغة‪ :‬مشتقة من الفعل (شرع ‪ .‬وقد وارت كلمة الشريعة يف اللغة على معنيني‬
‫‪ ‬الطريقة املستقيمة‪ .‬ومنه قوله تعاىل‪( :‬مث جعلنك على شريعة من األمر فاتبعها وال تتبع أووآء الذين‬
‫ال يعلمون ‪ ،‬سوا اجلاثية ‪.۱۸‬‬
‫‪ ‬موار املاء اجلااي الذي يقصد للشرب منه‪.‬‬
‫وأ طلقت الشريعة اصطالحا على األحكام اليت سنها هللا لعباره ليكونوا مؤمنني عاملني على ما يسعدوم يف‬
‫الدااين‪ .‬ومسيت و ذه األحكام شريعة ألهنا مستقيمة واض حة بينة وألن من شرع فيها تطهرت نفسه‬
‫وزکت‪ .‬ووي سبيل حليا العقو واألاواح کاملاء سبيل حليا كل شيء حي‪.‬‬

‫‪ . ٣‬تعريف التشريع‬
‫مصدا شرع ويعين سن الشريعة‪ ،‬وإنشاء األحكام كما يطلق على األحكام نفسها‪.‬‬
‫وسن الشريعة أو إنشاء األحكام الشريعة مل يكن إال يف حيا اسو هللا صلى هللا عليه وسلم‪ .‬وكان له‬
‫مصداان الوحي املتلو ووو القرآن الكرمي والوحي غري املتلو ووو السنة النبوية‪ .‬والسنة النبوية كما قا يف‬
‫حقها هللا سبحانه وتعاىل ( وما ي نطق عن اهلوى إن وو إال وحي يوحى النجم‪.4- 3 :‬‬
‫أما التشريع الوضعي‪ :‬فهو ما خيتااه صاحب السلطان يف اجلماعة من النظم اليت يرتضوهنا مرجعا هلم‬
‫ويتعاملون مبقتضاوا أو يفرضها صاحب السلطان على اجلماعة‪.‬‬
‫ويف عص ر الرسالة‪ ،‬اكتمل الدين اإلسالمي أبصوله وقواعده الكلية وأحكامه العامة‪ ،‬وما حلق الرسو‬
‫صلی هللا عليه وسلم ابلرفيق األعلى إال وكان التشريع اإلسالمي کامال اتما‪ .‬ففيما يتصل ابألموا اليت ال‬
‫ختتلف األمصاا ابختالف األعماا واألزمان والبيئات جاءت مفصلة واضحة مبينة‪ .‬وما يتصل ابألموا اليت‬
‫ختتلف ابختالف العصوا والبيئ ات جاءت قواعدوا الكلية وأسسها العامة‪ .‬وصدق هللا سبحانه إذ يقو (اليوم‬
‫أکملت لکم رينکم وأمتمت عليکم نعميت واضيت لکم اإلسالم رينا سوا املائد ‪.3‬‬
‫‪ . 4‬أهم املميزات اجلوهرية اليت متيز التشريع اإلسالمي من التشريعات الوضعية‪:‬‬
‫‪ ‬الكمال ‪ :‬متتاز الشريعة اإلسالمية على القوانني الوضعية ابلكما ‪ .‬أي أهنا استكملت كل ما حتتاجه‬
‫الشريعة الكاملة من قواعد ومبارئ ونظرایت‪ ،‬وألن التشريع اإلسالمي من وضع هللا سبحانه‬
‫احمليط بكل ما رق وعظم من شؤون عباره ووو سبحانه عليم مبا كان وما وو كائن أبدا و أزال‪.‬‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪3‬‬

‫ولذلك جاء التشريع اإلسالمي واف يا مبا حتتاجه البشرية من قواعد وأحکام تنظم حيا البشر‬
‫لسعارهتم رنيا وأخرى إىل يوم الدين‪.‬‬
‫أما التشريعات الوضعية فهي من وضع البشر ووم خبلقتهم حم دورون يف النظر واإلرااك والتفكري‬
‫والتنبؤ مبا سيحدث والذي سيكون ظنا وختمينا‪ ،‬ولذا تكون القوانني الوضعية انقصة رائما‪ ،‬ويف‬
‫حاجة لتغيري وتبديل‪.‬‬

‫‪ ‬السمو ‪ :‬متتاز الشريعة اإلسالمية على القوانني الوضعية ابلسمو أي أن قواعدوا أمسی وأافع مكاان‬
‫من مستوى اجلماعة وفيها من املبارئ ما يكفل هلا وذا السمو مهما ااتفعت اجلماعات‪ .‬على‬
‫خالف القوانني الوضعية اليت كثريا ما تتخلف عن مستوى اجلماعة‪ ،‬ألهنا من وضع بضع أفرار من‬
‫اجلماعة قد تكون نظرهتم قاصر ‪ ،‬أو إملامهم بظروف اجلماعة حمدور‪ .‬وكل صنعة ي تمثل فيها عظمة‬
‫صانعها‪.‬‬

‫‪ ‬العدالة ‪ :‬متتاز الشريعة اإلسالمية ابلعدالة املطلقة ألهنا من وضع هللا سبحانه احلكم العد ‪ .‬فقد‬
‫جاءت أحكامها لتكون الناس كافة ال تفرق بني أسور أو أبيض‪ ،‬أو بني جنس وجنس أو لون‬
‫ولون‪ .‬وما جاء فيها من جزاءات أو حدور أو قصاص ففيه العد ملا اقرتفه اجلاين‪ .‬أما القوانني‬
‫الوضعية وألهنا من صنع البشر‪ ،‬وفيها الظلم واجلوا‪ ،‬فكثريا ما توجد فيها اإلستثناءات و احملااب ‪،‬‬
‫و القواعد الظاملة‪ ،‬واجلزاءات اليت ال تناسب مع فعل اجلاين إما شد أو ختفيفا‪ ،‬ومراعا لفكر‬
‫معني‪ ،‬وحمابة حلاكم سابق و وكذا‪.‬‬

‫‪ ‬الدوام ‪ :‬متتاز الشريعة اإلسالمية على القوانني الوضعية ابلثبات واإل ستقراا‪ .‬فنصوصها ال تقبل‬
‫التعديل والتبديل مهما طا الزمن مع استمراا صالحيتها لكل زمان ومكان و إصالحها هلما‪ .‬على‬
‫خالف القوانني الوضعية اليت ال ميكن أن تستمر لفرت طويلة حىت يظهر ما فيها من خلل ونقص‪.‬‬
‫فضال عن خضوعها ألوواء احلكام وأفكااوم السياسية واملذوبية يغريون فيها كما يشاءون‪.‬‬

‫‪ ‬الشمول ‪ :‬متتاز الشريعة اإلسالمية عن القوانني الوضعية أبهنا شاملة يف تنظيم عالقة اإلنسان بربه‬
‫وتنظيم عالقة اإلنسان بنفسه وأبوله اجمتمعته‪ ،‬والنا س مجيعا‪ ،‬وتنظيم عالقة احلكام واحملكومني‬
‫وعالقة الدولة اإلسالمية بغريوا من الدو ‪ .‬والشريعة اإلسالمية فوق ذلك تقصد تربية اإلنسان‬
‫خلقيا وعقيدای وعمليا‪ .‬وفيها األمر ابملعروف والنهي عن املنكر‪ .‬وام تثا الشريعة اإلسالمية طاعة‬
‫يثا ب اإلنسان عليها وخمالفتها معصية يعاقب اإلنسان عليها ولو مل يعاقب يف الدنيا فهناك عقاب‬
‫اآلخر ‪ ،‬مما يكفل االحرتام ألحكام الشريعة اإلسالمية‪ .‬وعلى خالف ما تقدم القوانني الوضعية‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪4‬‬

‫اليت قاصر على جوانب قليلة من التنظيم مث وي تعين بداء املفاسار عن اجملتمع رون نظر إىل جلب‬
‫املنافع‪ ،‬وهلذا جتيز أفعاال خمالفة للشريعة اإلسالمية‬
‫‪ . 5‬الفرق بني الشريعة اإلسالمية والفقه اإلسالمي‬
‫الشريعة اإلسالمية يف املبارئ الكلية األساسية للدين اإلسالمي الذي ااتضاه هللا سبحانه للناس‬
‫كافة ‪ ،‬ووي من صنع هللا تعاىل ومصداوا القرآن الكرمي والسنة النبوية‪ ،‬وعلى ذلك فاملميزات السابقة‬
‫تنصرف إىل الشريعة اإلسالمية‪ .‬أما الفقه اإلسالمي فهو من صنع البشر استمدوه من فهمهم وتفسريوم‬
‫وتطبيقهم للشريعة اإلسالمية يف ظروف خاصة فهو هبذه املثابة ليس جزءا مقد سا من الشريعة‪.‬‬
‫‪ . 6‬أمهية دراسة الفقه اإلسالمي‬
‫على حنو ما أسلفنا فإن الفقه اإلسالمي ينداج حتته العبارات وأحكامها من صال وزكا وصيام وحج‪.‬‬
‫وكذا املعامالت من بيع وإجاا ومزااعة وغريوا وما يتعلق ابلزواج والطالق والفرائض و جناایت وحدور‬
‫وتعزير ‪ .‬ووذه أموا فيها الواجب واملندوب واملباح واحلرام واملكروه‪ .‬فدااسة وذه األموا فيها كثري من‬
‫الفوائد منها‪:‬‬
‫‪ ‬أ ن يكون املكل ف على بصري يف سلوكه ليؤري ما جيب عليه ويبتعد عما حيرم عليه ويعرف ما يباح‬
‫له وما يستحب وما يكره‪ .‬مث من راس ذلك يقع عليه واجب نشره وإذاعته بني املكلفني الذين مل‬
‫يتيسر هل م سبل التعلم‪.‬‬
‫‪ ‬مواجهة األنظمة واملعامالت املستوار من البالر الصليبية واإلحلارية ومعرفة ما يوافق الشريعة‬
‫اإلسالمية فيقبل‪ ،‬وما خيالفها فينبذ ويهدا‪ .‬ألن الفقه مي ثل الطابع احلقيقي للتفكري اإلسالمي لعدم‬
‫أتثره مبؤثرات خااجية‪.‬‬
‫‪ ‬مواجهة احلمالت اليت توجه ضد اإلسالم وار عليها‪ .‬فاإلسالم من أعظم ما يتميز به بعد العقيد‬
‫الصحيحة ما جاء به من أحكام فقهية يف خمتلف فروع الفقه ونشر وذه األحكام وبياهنا وإذاعتها‬
‫بني غري املسلمني‪ .‬فيه الرر الكايف على ما بقا ضد اإلسالم‪ .‬فالفقه ‪ :‬ميثل خط الدفاع األو ‪.‬‬
‫‪ .7‬حكم تعلم الفقه اإلسالمي‬
‫ينقسم الفقه اإلسالمي يف تعلمه إىل قسمني‪:‬‬
‫‪ ‬قسم تعلمه واجب عيين‪ :‬الواجب العيين وو ما جيب على كل فرر مسلم من املكلفني بعينه‪.‬‬
‫فبعض الفقه ح كم تعلمه الوجوب‪ ،‬ووو الذي ي تعلق مبا يبتلى به اإلنسان من أموا رينه فعليه أن‬
‫يتعلمه مثل الصال وأوقاهتا وما يتعلق هبا من طهاا ‪ .‬مث إذا وجد عنده ما فعليه أن يتعلم أنصبة‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪5‬‬

‫الزكا ومقدااوا وشروطها‪ .‬ووكذا ابلنسبة لسائر الفروض وسائر ما يعرض للمكلف كالتاجر‬
‫فيما يتعلق ابملعامالت‪.‬‬
‫‪ ‬ابقي مسائل الفقه واملوضوعات األخرى املتصلة هبا يكون تعلمها واجبا كفائيا‪ .‬والوجوب‬
‫الكفائي‪ :‬وو الذي إذا قام به بعض املكلفني سقط عن الباقني‪.‬‬

‫املراحل اليت مرّ هبا الفقه اإلسالمي يف عصوره املختلفة‬


‫مر الفقه اإل سالمي مراحل وأرواا‪ .‬لكل روا ما ي تميز به ويفرقه عن غريه‪ .‬وأنخد يف تقسيم وذه األرواا مما‬
‫ذوب إليه بعض أول العلم من مراعا الظروف اإلجتماعية والسياسة اليت كان هلا أثروا يف الفقه اإلسالمي‬
‫وعلى ذالك أنخد ابلتقسيم األيت‪:‬‬

‫‪ :‬التشريع يف عصر اسو هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬ ‫الدور األول‬

‫‪ :‬الفقه يف عصر اخللفاء الراشدين‪.‬‬ ‫الدور الثاين‬

‫‪ :‬الفقه يف عصر صغاا الصحابة وكباا التابعني أي من سنة ‪ 41‬وجرية إىل أوائل القرن‬ ‫الدور الثالث‬
‫الثاين اهلجري‪.‬‬

‫‪ :‬من أوائل القرن الثاين اهل جري إىل منتصف القرن الرابع اهلجري‬ ‫الدور الرابع‬

‫‪ :‬من منتصف القرن الرابع إىل سقوط بغدار عام ‪ 656‬م‬ ‫الدور اخلامس‬

‫‪ :‬من منتصف القرن السابع حىت اآلن‬ ‫الدور السادس‬


‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪6‬‬

‫أوال‪ :‬الدوا األو‬

‫التشر ـي ع اإلسالمي يف عصر الرسالة‬


‫‪. 1‬حالة العامل قبل بعثة سيدان حممد صلى هللا وعليه وسلم‬
‫كان يتسور العامل قبل البعثة رولتان كبرياتن؛ الفرس وكانت تغلب املظاور الطبيعية على عبارهتم‪،‬‬
‫والروم وكانت النصرانية احملرفة اليت امتزجت ابلوثنية وي السائد ‪ .‬وكذا اليهورية بكتبها اليت اختلفها‬
‫أحبااوا أو حرفووا وبدلووا وإن بقي فيها القليل مما جاء به موسي وغريه من أ نبياء بين إسرائيل عليهم‬
‫السالم‪ .‬والعرب كانت الوثنية وي الغالبة على عقيدهتم‪ ،‬وإن وجد منهم بقية من تعاليم إمساعيل عليه‬
‫السالم‪ ،‬كما وجد بينهم بعض الصفات واألخالق سواء متوااثة من األجيا السابقة أو أخذت من‬
‫أصحاب الكتب السماوية السابقة والذين كانوا يتواجدون بينهم‪.‬‬
‫‪ . ٢‬التشريع اإلسالمي يف عصره املكي‬
‫جاء اإلسالم للناس كافة عامة‪ ،‬وأ اسل هللا سبحانه نبيه واسوله سيدان حممد صلى هللا عليه وسلم‬
‫للناس بشريا ونذيرا‪ .‬يقو سبحانه ( وما أاسلناك إال كافة للناس بشريا ونذيرا ولكن أكثر الناس ال‬
‫يعلمون سوا سبأ ‪.۲۸‬‬
‫وإن بدأ الدعو مبكة حيث بدأت البعثة فيها‪ ،‬ونز القرآن أو ما نز على الرسو صلى هللا عليه وسلم‬
‫هبا يف غاا حراء مث توالی نزله بعد ذلك‪ .‬جاء الرسو صلى هللا عليه وسلم بعقيد اإلسالم‬
‫الصحيحة وبشريعته التامة الكاملة‪ .‬وكان ال بد قبل فرض التكاليف أن يصحح عقائدوم وأن يوضح‬
‫فساروا واحنرافها‪ ،‬وأن يبني هلم عقيد التوحيد الصحيحة ويرروم عن الشرك والوثنية والضالالت اليت‬
‫وجدوا عليها آابءوم‪ .‬ويف سبيل ذلك كان بوجههم إىل التفكر والتدبر يف خملوقات هللا وآایته يف السماوات‬
‫واألاض ويذكروم بقصص األنبياء السابقني مع أقوامهم وما أنز هللا سبحانه من عقاب ابملكذبني‪ .‬كما‬
‫تضمن القرآن الكرمي يف العصر املك ي توجيه الناس إىل التمسك ابألخالق الفاضلة احلميد ‪ ،‬ونبذ‬
‫األخالق السيئ ة والعارات املرذولة‪ .‬ومل تشرع أغلب العبارات يف العصر املكي سوى الصال وبعض‬
‫التكاليف اليت تتعلق ابلعقيد كتحرمي امليتة والدم وما مل يذكر اسم هللا تعاىل عليه‪.‬‬
‫وقد صرف القرآن الكرمي ثالث عشر سنة يف ترسيخ العقيد وتثبيتها حىت إذا مت ذلك أذن سبحانه‬
‫لنبيه عليه الصال والسالم ابهلجر إىل املدينة املنوا ‪.‬‬
‫‪ .٣‬التشريع اإلسالمي يف العصر املدين‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪7‬‬

‫تكونت رولة املسلمني ابملدينة‪ ،‬وأنز هللا سبحانه على اسوله صلى هللا عليه وسلم التكاليف تباعا‪،‬‬
‫كما أنز عليه اآلایت اليت تضع القواعد واألسس والكليات للدولة اإلسالمية سواء ابلنسبة لألفرار أو‬
‫اجلماعة حاكمة أو حمكومة‪ ،‬كما أنز هللا سبحانه على اسوله تفاصيل وجزئيات لبعض األحكام اليت‬
‫يلزم هلا بيان التفاصيل وتلك اجلزئيات‪ .‬وبني الرسو صلى هللا عليه وسلم ما أمجل من وذه األحكام‬
‫وفسروا‪ ،‬كما كانت تسن أحكام جديد ‪ -‬وحيا من عند هللا سبحانه ‪-‬وإن كان بطريق غري مباشر‪ ،‬كما‬
‫كان أبفعاله ي وضح أحكاما حتتاج إىل ذالك كما فعل يف حجة الوراع‪ .‬وخال عشر سنوات ووي مد‬
‫مقام الرسو صلى هللا عليه وسلم ابملدينة إىل أن تويف عليه الصال والسالم اكتمل الدين اإلسالمي‪.‬‬
‫وترك اسو هللا صلى هللا عليه وسلم أمته على احملجة البيضاء ليلها كنهااوا ال يزيغ عنها إال والك‪.‬‬
‫‪ . 4‬مصادر التشريع يف هذا العصر‬
‫سلطة التشريع يف وذا العصر كانت للنيب صلی هللا عليه وسلم وحده رون أن يتدخل فيها أحد آخر‪،‬‬
‫ومرجع اسو هللا صلى عليه وسلم كان الوحي املتلو ووو القرآن الكرمي وغري املتلو ووو السنة النبوية‬
‫وكانت آایت األحكام غالبا ما تنز على الرسو صلى هللا عليه وسلم مبناسبة أو جوااب عن سوا‬
‫وكذلك أحاريث الرسو صلى هللا عليه وسلم‪ .‬أما اجتهار النيب صلى هللا عليه وسلم أو اجتهار‬
‫الصحابة كا نت يف هناية األمر يستقر إىل أتييد ابلوحي أو إلغاء به‪.‬‬
‫ونفرض للكالم عن املصداين‪:‬‬
‫‪.1‬الكتاب الكرمي‪:‬‬
‫وو القرآن ووو الكتاب املنز على سيدان حممد صلى هللا عليه وسلم ابللفظ العريب املبدوء‬
‫بسوا الفاحتة واملختوم بسوا الناس‪ .‬بني رفيت املصحف ومنقو بطريق التواتر‪ .‬فرتمجة القرآن‬
‫ال تسمي قرآان وال القراء الشاذ ‪.‬‬
‫والقرآن الكرمي كما وصفه اسو هللا صلى هللا عليه وسلم (إن وذا القرآن حبل هللا املتني‬
‫والنوا املبني والشفاء النافع عصمة ملن متسك به وجنا ملن تبعه‪ ،‬ال يعوج فيقوم وال يزيغ‬
‫فيستعتب وال تقضي عجائبه وال خيلف على كثر الرر ‪.‬‬
‫واألحكام يف القرآن ترر على قسمني‪:‬‬
‫أ‪ .‬أ حكام ال ختتلف ابختالف األزمنة واألمكنة‪ .‬فتأيت مفصلة موضحة مبينة كأحكام العقيد‬
‫وبيان أنواع الشرك‪ ،‬وكذا املوا ايث وأنصبتها واحملرمات يف النكاح واحلدور‬
‫والقصاص‪.‬‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪8‬‬

‫ب‪ .‬قسم اثن من األحكام للزمن أثر يف تفاصيله وللبيئات أيضا‪ ،‬فتأيت القواعد الكلية‬
‫واألحكام العامة وترتك التفاصيل الجتهار امل كلفني مثل الشواى واألمر ابملعروف‬
‫والنهي عن املنكر‪ ،‬والوالایت يف الدولة اإلسالمية ووكذا‪.‬‬

‫نزول القرآن منجما وحكمة يف ذلك‬


‫ظل القرآن الكرمي ينز على اسو هللا صلى هللا عليه وسلم منجما حسب الوقوع‬
‫واملناسبات طيلة ثالث وعشرين سنة‪ .‬فتاا تنز سوا جبملتها كالفاحتة واملدثر‪ ،‬واتا تنز‬
‫عليه عشر آایت‪ ،‬واتا مخس ووكذا‪ .‬وكان ابتداء نزو القرآن يف ليلة القدا‪ .‬وذكر العلماء‬
‫بعض احلِ َكم من نزو القرآن منجما‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ .1‬أ نز وذا ليقوي به قلب الرسو صلى هللا عليه وسلم وحيفظه‪.‬‬
‫‪ .۲‬أييت القرآن جوااب لسوا أو حكما حلارثة ليكون ذلك أبعث على القبو وأرعى لالمتثا‬
‫‪ . 3‬نزوله منجما امحة ابلعبار حىت ال أتيت األحكام رفعة واحد فتشق التكاليف‪.‬‬

‫أساس التشريع اإلسالمي يف القرآن الكرمي‬


‫قام التشريع اإلسالمي يف القرآن الكرمي على أسس ثالثة‪ :‬عدم احلرج‪ ،‬قلة التكاليف‪ ،‬التداج‬
‫يف التشريع‪.‬‬

‫‪ .۱‬عدم احلرج‬ ‫‪:‬‬


‫التكاليف فيها کلفة ومشقة‪ ،‬ولكن املشقة نوعان‪:‬‬
‫أ ‪ .‬مشقة عارية‪ ،‬ووذه ال مانع من وقوعها يف التكاليف ألن كل عمل يف احليا فيه‬
‫مشقة عارية‬
‫ب ‪ .‬مشتة زائد ‪ ،‬تضيق هبا الصدوا وتستنفذ جهدا كبريا من املكلف وجتعله يف حرج‬
‫فتؤثر على جسمه أو ماله‪ .‬فهذه اليت تفضل هللا سبحانه وافعها عن األمة‬
‫اإلسالمية‪ .‬ورليل ذلك القرآن الكرمي قوله سبحانه‪ ( :‬يريد هللا بكم اليسر وال‬
‫يريد بكم العسر يف سوا البقر ‪ ،۱۸۵ :‬و قوله سبحانه ( وما جعل‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪9‬‬

‫عليكم يف الدين من حرج سوا احلج‪ .۷۸ :‬وقوله تعاىل ( ويضع عنهم‬
‫إصروم واألغال اليت كانت عليهم سوا األعراف‪.157 :‬‬
‫ومظاور افع احلرج يف الشريعة اإلسالمية كثري منها‪ :‬الرتخيص للمسافر‬
‫واملريض يف اإلفطاا يف امضان‪ ،‬والرتخيص يف التيمم عند شد الربر أو‬
‫ااتفاع سعر املاء‪ ،‬والرتخيص للمريض أبراء الصال حسب قداته قاعدا أو‬
‫ااقدا‪ ،‬وإابحة األكل من امليتة املخمصة‪.‬‬
‫ومواار التخفيف يف الشريعة اإلسالمية أتيت على سبعة أوجه‪:‬‬
‫‪ . 1‬إسقاط العبار يف حالة قيام العذا‪ ،‬مثاله سقوط احلج عند عدم األمن‪.‬‬
‫‪ . ٢‬النقص من املفروض‪ ،‬مثاله القصر يف السفر‪.‬‬
‫‪ .3‬اإلبدا ‪ ،‬مثاله التيمم بدال من الوضوء‬
‫‪ . 4‬التقدمي‪ ،‬مثاله اجلمع بعرفات‪.‬‬
‫‪ . 5‬التأخري‪ ،‬مثاله اجلمع مبزرلفة‪.‬‬
‫‪ . 6‬التغيري‪ ،‬مثاله تغيري نظام الصال وقت اخلوف‪.‬‬
‫‪ . 7‬الرتخيص ‪ ،‬مثاله أكل امليت ة عند املخمصة‪.‬‬
‫‪.٢‬قلة التكاليف‬
‫متيزت الشريعة اإلسالمية بقلة التكاليف‪ ،‬وإذا كان هللا سبحانه خلق اجلن واإلنس‬
‫لعبارته‪ ،‬إال أنه قلل من التكاليف على األمة اإلسالمية ومن جهة جعل برمحته وفضله‬
‫مجيع املباحات تتحو بنية املكلف إىل ما يثاب عليها‪.‬فاألكل والشرب واإلنفاق على‬
‫الثياب وعلى األوالر والزوج إذا انتوي املكلف امتثا أمر هللا تعالی وقصد التقوية‬
‫على أراء املفروضات والبعد عن احملرمات‪ ،‬فإنه يثاب على وذه املباحات وعلى‬
‫غريوا‪.‬‬
‫وتظهر قلة التكاليف فيما تستفرقه الصلوات اخلمس املفروضة من وقت من ساعات‬
‫الليل والنهاا‪ ،‬والزكا نسبتها يف النقور اثنان ونصف ابملائة ( ‪ % ٢,5‬أي من كل‬
‫مائة اای اایالن ونصف‪ ،‬وكذا عروض التجاا واحلج مر واحد يف العمر ومن شاء‬
‫فليتطوع‪ ،‬والصوم شهر واحد يف السنة‪.‬‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪10‬‬

‫‪.3‬التداج يف التشريع‬
‫جاء اإلسال م والعرب ال تسيطر عليهم حكومة وال تنتظمهم رولة فلم تقيد شهواهتم‬
‫وغرائزوم قيور ملزمة‪ .‬ومن امحة هللا تعاىل الواسعة أنز هللا سبحانه التكاليف‬
‫متداجة لتكون أسرع يف القبو وأ يسر يف التزام‪ .‬من ذلك حترمي اخلمر‪ :‬فقد بدأ بقوله‬
‫تعاىل‪ ( :‬يسألونك عن اخلمر وامليسر ق ل فيهما إمث كبري ومنافع للناس وإمثهما أكرب‬
‫من نفعهما البقر ‪ .۲۱۹ :‬مث بعد ذلك ملا هتيأت النفوس إىل النفوا منها لغلبة‬
‫مفاسدوا نز قو هللا سبحانه (ای أيها الذين آمنوا ال تقربوا الصال وأنتم سكاای‬
‫سوا النساء‪ .43 :‬وأوقات الصال تنتظم اليوم من الفجر إىل العشاء وبذا أصبح من‬
‫اليسري حترميها متاما فنز قوله تعاىل (ای أيها الذين آمنوا إمنا اخلمر وامليسر‬
‫واألنصاب واألزالم اجس م ن عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون سوا‬
‫املائد ‪. 90:‬ووكذا يف الراب وعقوبة الزان وغري ذلك من التكاليف واألحكام‪. .‬‬
‫‪. ٢‬السنة النبوية‬
‫أ‪ .‬تعريف السنة‬
‫السنة لغة‪ :‬الطريقة‪ ،‬حسنة كانت أو سيئة‪.‬‬
‫واصطالحا‪ :‬ما صدا عن اسو هللا صلى هللا عليه وسلم من قو أو فعل أو تقرير‪.‬‬
‫حجية السنة‪ :‬ما صدا عن اسو هللا صلى هللا عليه وسلم من السنة كان عن طريق الوحي‬
‫غري املباشر لقوله تعاىل (وما ينطق عن اهلوى إن وو إال وحي يوحي النجم ‪.4- 3‬‬
‫ابلسنة وجتعل طاعة اسو هللا صلى هللا عليه وسلم‬ ‫وقد وارت آایت كثري توجب العمل‬
‫الرسو صلى هللا عليه وسلم‪ .‬من ذلك قوله تعاىل‬ ‫طاعة هللا سبحانه‪ ،‬وحتذا خمالفة أوامر‬
‫املائد ‪ ,۹۲:‬وقوله تبااك وتعاىل (من يطع الرسو‬ ‫(وأطيعوا هللا وأطيعوا الرسو واحذاوا‬
‫شأنه (فليحذا الذين خيالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة‬ ‫فقد أطاع هللا النساء‪ .۸۰ :‬ويقو جل‬
‫أو يصيبهم عذاب أليم النوا‪63:‬‬
‫ب‪ .‬موقع السنة من الكتاب الكرمي‬
‫جاءت السنة على النحو التايل ابلنسبة للقرآن الكرمي ‪:‬‬
‫‪ . 1‬تبني ما أمجله القرآن الكرمي‪ ،‬فالصال والزكا واحلج جاءت جبملة يف القرآن الكرمي وقد‬
‫بينتها السنة النبوية قولية كانت أو فعلية ‪ .‬فبينت األاكان والشروط واملوانع والسنن‬
‫ووكذا ابلنسبة للراب‪.‬‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪11‬‬

‫‪ .٢‬أتيت مقيد ملا أطلق يف بعض اآلایت‪ ،‬وخمصصة للعموم الواار فيها‪ .‬تقييد املطلق‪ ،‬كما يف‬
‫بيان السنة للجزء الذي يقطع من يد السااق تقييدا للمطلق الواار يف قوله تعاىل‬
‫(والسااق والسااقة فاقطعوا أيديهما املائد ‪ .۸:‬وختصيص العموم كما يف قوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم (افع عن أميت اخلطأ والنسيان وما استكرووا عليه ختصيصا للعموم قطع يد‬
‫السااق وإقامة احلد على الزاين ‪.‬‬
‫‪ . 3‬أتيت حبكم سكت عنه القرآن الكرمي كما يف اجم الزان (احملصن وكما يف حترمي نکاح‬
‫املرأ على عمتها أو خالتها أو ابنة أخيها أو ابنة أختها‪.‬‬
‫‪ .4‬أتيت مقرا ألحكام وارت يف القرآن الكرمي كوجوب بر الوالدين والوصية ابجلاا‬
‫ووجوب احملافظة على الصلوات املكتوبة‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬الدوا الثاين‬

‫عصر اخلالفة الراشدة (‪ 40- 11‬هـ)‬


‫احلالة السياسية‪:‬‬
‫توىل أبو بكر الصديق اضي هللا عنه اخلالفة وقام بتسيري اجليوش حلروب الرر ‪ ،‬وانتهت وذه احلروب ابنتصاا‬
‫املسلمني‪.‬قد سري أبو بكر وذه اجليوش إىل العراق والشام مث تويف اضي هللا تعاىل عنه‪ ،‬وكان قد عهد ابخلالفة‬
‫لعمر بن اخلطاب اضي هللا تعاىل عنه فاستمر يف الفتوحات اإلسالمية‪ .‬ففتحت العراق والشام ومصر وغريوا‬
‫من البلدان‪ ،‬واستمرت خالفته حوايل عشر سنوات‪ ،‬مث قبيل وفاته ترك األمر شواى يف ستة من كباا الصحابة‪،‬‬
‫وانتهى األمر ابختيا ا عثمان بن عفان اضي هللا عنه‪ ،‬فاستمر يف تسيري اجليوش للفتوحات اإلسالمية‪ ،‬فوصلت‬
‫اجليوش إىل الربستان وجرجان وأعار فتح خرسان‪ ،‬ووصل يف آسيا الصغرى إىل عمواي ة واستولت اجليوش‬
‫البحرية قربص واورس من جزا البحر األبيض املتوسط‪ ،‬كما فتحت برقة وطرابلس‪ ،‬كما فتحت أفريقية‪ ،‬وقد‬
‫حدثت الفتنة اليت أرت إىل مقتل عثمان اضى هللا عنه وتوىل اخلالفة بعده علي كرم هللا وجهه واضي هللا تعاىل‬
‫عنه‪ ،‬وانقسم املسلمون وراات بينهم حروب اجلمل وصفني واجلسر وغريوا من االعتداائت‪ ،‬وانتهى وذا العصر‬
‫مبقتل أمري املؤمنني علي اضي هللا تعاىل عنه‪.‬‬

‫مصاد ر الفقه اإلسالمي يف هذا العصر‪:‬‬


‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪12‬‬

‫‪ . 1‬الكتاب الكرمي‬
‫اختذ الرسو صلى هللا عليه وسلم كتااب للوحي كانوا بكتبونه فوا ذواب جربيل عنه كما كان الكثري من‬
‫صحابة الرسو صلى هللا عليه وسلم حيفظون منه الكثري وبعضهم كان حيفظه مجيعا‪ .‬وكان اإلقبا على‬
‫حفظ القرآن الكرمي يف عصر اسو هللا صلی هللا عليه وسلم حلاجة الصحابة إىل القرآن‪ .‬فهم يصلون‬
‫به‪ ،‬ويتعبد ون بتالوته ويتعرفون على األحكام منه‪ .‬وكان اسو هللا صلى هللا عليه وسلم يسمع منهم‬
‫أحياان ما حيفظون‪ ،‬كما كان جربيل عليه السالم يعرض القرآن على اسو هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫كما كان الرسو يقرأ وجربيل يسمع‪ .‬وكان ذلك يتم مر واحد يف امضان‪ ،‬ويف السنة األخري عرض‬
‫جربيل القرآن على اسو هللا صلى هللا عليه وسلم مرتني‪ .‬وقبض اسو هللا صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫والقرآن كله حمفوظ يف الصدوا لدى آالف الصحابة مكتوب يف الرقاع وغريوا مما يكتب عليه‪ .‬ولذلك‬
‫فالقرآن الكرمي قطعي الثبوت‪.‬‬
‫أ‪ .‬مجع القرآن الكرمي ونسخه يف املصاحف‬
‫اشرتك كثري من الصحابة يف حماابة املرتدين وكان منهم حفظة القرآن الكرمي‪ ،‬واستشهد عدر‬
‫منهم‪ ،‬فكلف أبو بكر اضي هللا عنه زيد بن اثبت وكان من كتاب الوحي أن جيمع القرآن‬
‫الكرمي‪ .‬فجمعه بعد أن كان متفرقا فكان كمن وجد أوااقا مفرقة فربطها خبيط‪.‬‬
‫ويف عصر عثمان اضي هللا تعاىل عنه حدث اختالف بني بعض املسلمني يف القراء ‪ ،‬فأشاا‬
‫حذيفة اض ي هللا تعاىل عنه على عثمان أبن ي نسخ املصحف الذي مجع يف عصر أيب بكر‪،‬‬
‫فشكل عثمان اضي هللا تعاىل عنه جلنة مكونة من زيد ب ن اثبت الذي توىل اجلمع األو و من‬
‫عبد هللا بن الزبري‪ ،‬وسعيد بن العاص‪ ،‬وعبد الرمحن بن احلااث بن وشام‪ .‬وكان عثمان قد‬
‫طلب املصحف الذي مجع يف عصر أيب بكر الصديق من أم املؤمنني حفصة وكان املصحف لدى‬
‫أيب بكر الصديق ومن بعده كان عند عمر اضي هللا تعاىل عنه‪ .‬مث ملا تويف كان املصحف‬
‫عند أم املؤمنني ابنته‪ .‬قامت اللجنة بنسخ املصحف يف عد مصاحف وأاسل كل مصاحف إىل‬
‫إقليم من األقاليم اإلسالمية ليتم نسخ املصاحف منه‪ .‬فتتوحد القراء ‪ .‬وبعد ذلك ار عثمان‬
‫املصحف األم إىل أم املومنني كما أمر بتحريق ما عدا ذلك من صحف‪.‬‬
‫ب‪ .‬اختال ف الصحابة يف فهم القرآن الكرمي‬
‫تفاوت الصحابة يف فهم القرآن الكرمي نظرا لوجور األلفاظ املشرتكة يف القرآن الكرمي‬
‫ولوجور اجملاز‪ ،‬والتساع لغة العرب ووجور كثري من األلفاظ اليت ال يعرف معانيها الكثري‪ .‬فمن‬
‫املشرتك الذي اختلفوا فيه قوله تعاىل (واملطلقات يرتبصن أبنفسهن ثالثة قروء فالقرء لفظ له‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪13‬‬

‫أكثر من معىن ‪ -‬ووذا وو املشرتك ‪ -‬فهر يعين الطهر ويعين احليض‪ .‬ومن االختالف بسبب‬
‫اجملاز اإلختالف يف مرياث اجلد ول يعترب أاب؟ إذ أن القرآن الكرمي أطلق عليه وصف األب يف‬
‫قوله تعاىل (واتبعت ملة آابئي إبراويم وإسحاق ويعقوب سوا يوسف‪ .3۸ :‬وكان إبراويم‬
‫جدا ليوسف عليهما السالم‪ .‬فإذا اعترب أاب حرم اإلخو من املرياث‪ ،‬وإن مل يعترب اشرتك معهم‬
‫واألمثلة كثري نكتفي منها ما ذكر‪.‬‬
‫‪.٢‬السنة النبوية‬
‫كان الصحابة إذا مل جيدوا حكما يف كتاب هللا تعاىل فتشوا يف سنة نبيه صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫أ‪ .‬أقسام السنة من حيث نقلها‪.‬‬
‫تنقسم السنة من حيث نقلها إىل قسمني‪ :‬متواتر وآحار‪.‬‬
‫‪ .1‬الس نة املتواتر ‪ :‬ووي اليت اواوا مجاعة عن مجاع ة يستحيل اتفاقهم على الكذب عار‬
‫وأن يكون نقلهم عن حمسوس‪ .‬ووي كثري يف السنة العملية‪ ،‬قليلة يف السنة القولية‬
‫والتقريرية‪ .‬والسنة املتواتر تكون قطعية الثبوت‪ .‬ومثاهلا‪ :‬عدر اكعات الصلوات‬
‫وكيفية كل اكعة‪ ،‬وكيفية احلج وأنصبة الزكا ‪.‬‬
‫‪ .٢‬سنة اآلحار‪ :‬وي اليت نقلها إما واحد أو أكثر مل يبلغ حد التواتر‪ .‬ويف أغلب السنة القولية‪.‬‬
‫ب‪ .‬طريق الصحابة يف العمل ابلسنة ‪:‬‬
‫السنة املتواتر مقبولة إمجاعا‪ .‬وكذا السنة ابلنسبة لراويها فهي تعترب حجة قطعية‪ :‬أما أخباا‬
‫اآلحار‪ ،‬فقد اختلف الصحابة يف قبو خرب اآلحار‪ .‬فكان أبو بكر اضي هللا تعاىل عنه وكذا‬
‫عمر بستلزمان أكثر من ااا للحديث‪ .‬وكان علي اضي هللا تعاىل عنه حيلف الراوي عدا أيب بكر‬
‫الصديق‪.‬‬
‫وكان ب عضهم برر خرب اآلحار لضعف ثقته بعلم الراوي أو بضبطه أو لعلمه مبا ينسخه‪.‬‬
‫ت‪ .‬كتابة السنة‬
‫مل تدون السنة يف وذا العصر‪ ،‬وكان عمر اضي هللا عنه قد انتوی مجع السنة مث اجع عن ذلك‬
‫وكان ينهى عن اإلكثاا من التحديث عن اسو هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ .‬ولكن مع ذلك‬
‫كتبت بعض األحاريث‪ ،‬وكان عبد هللا بن عمرو بن العاص بكتب عن اسو هللا صلی هللا‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪14‬‬

‫عليه وسلم يف صحيفة تسمى (الصارقة كما كان عند علي بن أيب طالب بعض كتاابت من‬
‫السنة‪ ،‬وغريمها من الصحابة ولكن كانت الكتابة قليلة جدا‪.‬‬
‫‪ .3‬اإلمجاع‬
‫لغة‪ :‬العزم‪ ،‬االتفاق‪ .‬واصطالحا‪ :‬اتفاق اجمل تهدين من أمة النيب حممد صلى هللا عليه وسلم على حكم‬
‫شرعي يف عصر من العصوا بعد وفاته ‪.‬‬
‫ويف وذا العصر كان من السهل الرجوع لعدر كبري من الصحابة ملعرفة اأيهم فيما يستجد من احلوارث‬
‫واال تفاق على احلكم الشرعي‪ .‬وكان اخللفاء الراشدون إذا مل جيدوا احلكم يف كتاب هللا تعاىل وال يف‬
‫سنة نبيه صلى هللا عليه وسلم جيمعون مشاوري الصحابة لبحث املسألة واالتفاق على حكمها‪.‬‬
‫‪ .4‬االجتهار‬
‫يف وذا العصر ظهر اجتهار الصحابة يف التعرف على األحكام الشرعية ألموا ال نص على حكمها يف‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬كقتل اجلماعة ابلواحد‪ ،‬و توايث اإلخو األشقاء مع اإلخو ألم وغري ذلك من‬
‫املسائل‪ .‬ومل يكن الصحابة على راجة واحد يف استعما الرأي واالجتهار فبعضهم كان يقدم على‬
‫االجتهار وبعضهم كان يتهيب منه‪.‬‬
‫أسباب االختالف يف الفقه يف هذا العصر‪:‬‬
‫ميكن أن نرجع أ سباب االختالف إىل اآليت‪:‬‬
‫أ‪ .‬اختالف الصحابة يف فهم القرآن الكرمي على حنو ما سلف‬
‫ب‪ .‬اختالفهم يف العمل خبرب اآلحار إما لعدم بلوغها لبعضهم أو لعدم ثبوهتا لديه أو لإلختالف يف فهمها‪.‬‬
‫ت‪ .‬اختالفهم يف اال جتهار ألن اجتهار بعضهم ال يؤري إىل ما توصل إليه البعض اآلخر‪.‬‬
‫ث‪ .‬عدم اتساع االختالف‪ :‬مل يتسع اخلالف يف وذا العصر لألسباب التالية‪:‬‬
‫‪. 1‬تقرير الشواى بينهم‪ ،‬وإمكان اجتماع كباا الصحابة لوجوروم يف مكان واحد‪.‬‬
‫‪ .۲‬قلة اواية األحاريث‬
‫‪ . 3‬قلة النواز واحلوارث‬
‫‪ . 4‬تواعهم عن الفتوى وكانوا ال يبدون اأای يف شيء حىت حيدث‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪15‬‬

‫الدوا الثالث‪:‬‬

‫عصر صغار الصحابة وكبار التابعني‬


‫من سنة ‪ 41‬وـ ‪ -‬إىل أوائل القرن الثاين اهلجري‬
‫احلالة السياسية‪:‬‬
‫بعد أن تناز احلسن اضي هللا تعاىل عنه ملعاوية يف عام ‪ 41‬م ومتت له البيعة‪ ،‬كان املسلمون قد انقسموا إىل‬
‫ثالثة فرق‪ :‬الشيعة واخلوااج ومجهوا املسلمني املعتدلون‪ ،‬ويف وذا الدوا كانت الدولة األموية اليت جعلت نظام‬
‫احلكم م لكا عضورا‪ .‬ومل تصبح الشواى على حنو ما كانت عليه من قبل‪ ،‬وكذلك اإلمجاع‪ ،‬كما انقسم مجهوا‬
‫املسلمني الذين أطلق عليهم أول السنة إىل مداستني فقهيتني‪ :‬مداسة أول احلديث‪ ،‬وطائفة أول الرأي‪.‬‬
‫وسنتكلم عن وذه املسائل تباعا وعن أوم ما يتميز به وذا الدوا الفقهي‪.‬‬

‫انقسام املسلمني إىل شيعة وخوارج وأهل السنة‪:‬‬


‫الشيعة‪ :‬وم أنصاا علي اضي هللا عنه وأول بيته‪ ،‬وكانت هلم آااء مستقلة يف اإلمامة وكذا يف كثري من القواعد‬
‫الفقهية مما أرى إىل اختالفهم يف الفروع عن مجهوا املسلمني‪ ،‬وظلوا يف احلرب مع األمويني‪. .‬‬
‫اخلوااج‪ :‬طائفة من أنصاا علي كرم هللا وجهه‪ ،‬خرجوا عليه بعد قبوله التحكيم يف صفني واستمروا يف خروجهم‬
‫على املسلمني الباقني‪ ،‬وكانت هلم أيضا أف كاا وآااء يف اائسة الدولة اإلسالمية وشروطها‪ .‬ويف أصو الفقه‬
‫وقواعده‪ .‬من مث اختلفوا يف الفروع الفقهية وظلوا يف حرب مع الدولة األموية‪.‬‬
‫مجهوا املسلمني‪ :‬ووم ما عدا الشيعة واخلوااج‪ .‬وووالء قد انقسموا بدواوم إىل مداستني يف الفقه‪:‬‬
‫‪ . 1‬املداسة األوىل أو املذوب األو ‪ :‬مذوب أول احلديث‬
‫وظهر يف احلجاز وكان أصحاب وذا املذوب يقفون عند النصوص واآلاثا ال حييدون وال بلجأون‬
‫للرأي إال عند الضروا ‪ .‬ويف احلرمني الشريفني حيث كان اوا احلديث بكثر وأثبتهم فيه‪ ،‬وكان‬
‫على اأس وذا املذوب سعيد بن املسيب‪ ،‬وانفع والزوري‪ ،‬ويرجع وقوف أول احلرمني الشريفني‬
‫عند النصوص إىل أموا ثالثة ‪:‬‬
‫أ‪ .‬أتثروم بشيوخهم من الصحابة يف متسكهم ابآلاثا وتواعهم عن األخذ ابلرأي ‪.‬‬
‫ب‪ .‬كثر اآلاثا وقلة احلوارث اليت تستجد‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪16‬‬

‫ت‪ .‬بداو أول احلجاز مما مل خيرج مشاكلهم فحوارثهم عما ما جاءت به النصوص‪.‬‬

‫ولذا التزم علماء احلجاز الرجوع إىل القرآن الكرمي مث إىل السنة النبوية مث إىل آاثا الصحابة فإن‬
‫مل جيد ووذا قليل قد يعلمون الرأي أو يتوقفون ‪.‬‬

‫‪.٢‬مذوب أول الرأي ‪:‬‬


‫وقد شاع وذا املذوب يف العراق‪ ،‬وكانوا يرون تقليل األحكام والقياس عليها والتوسع يف الرأي‬
‫واال جتهار وكان على اأسهم علقمة النخعي وإبراويم النخعي وغريمها‪.‬‬
‫"‬
‫ويرجع توسع أول العراق يف األخذ ابلرأي واالجتهار إىل اآليت‪:‬‬
‫أ‪ .‬أتثروم بشيوخهم من الصحابة الذين عاشوا ابلعراق زمنا کعبد هللا بن مسعور‬
‫ب‪ .‬ظهوا الوضع يف احلديث يف الكوفة والبصر أرى إىل أن يضع العلماء شروطا شديد لقبو‬
‫األحاريث‪ ،‬ولذا كانت األحاريث اليت بقبلوهنا قليلة‪.‬‬
‫ت‪ .‬حضاا العراق أرت إىل كثر املسائل اليت تظهر وإىل غرابة املشاكل مع قلة األحاريث املقبولة‬
‫أرى إىل التوسع يف الرأي‪.‬‬
‫ما ميتاز به هذا العصر الفقهی‬
‫‪ . 1‬تفرق علماء املسلمني يف األمصاا‬
‫تفرق الصحابة بعد عمر بن اخلطاب اضي هللا عن ه يف البالر اإلسالمية وأقاموا هبا معلمني و قاائني‬
‫ومفتني‪ ،‬وجنور يف جيوش املسلمني‪ .‬فأصبح يف كل قطر أستاذه من الصحابة وأقبل تالميذ كل قطر‬
‫أيخذون عن أساتذهتم مث متسکوا مبا أخذوه ع نه‪ ،‬وتثبتوا به وطبقوه‪ .‬وكانت االتصاالت بني األمصاا يف‬
‫النواحي العملية غري سهلة مما أرى إىل ظهوا اخلالفات الفقهية‪ .‬ونرى يف العصر املذكوا يف املدينة‬
‫يسريون على مداسة عبد هللا بن عمر‪ ،‬ومن التابعني سعيد بن املسيب وعرو بن الزبري‪ ،‬ويف مكة‬
‫يتبعون فتاوی عبد هللا بن عباس من الصحابة ومن التابعني عكرمة وجماود وعطاء‪ .‬ويف الكوفة اعتمد‬
‫أولها على فتاوی عبد هللا بن مسعور من الصحابة ومن التابعني علقمة النخعي واألسور بن يزيد‬
‫و مسروق‪ .‬وأول البصر اعتمدوا على فتاوی أيب موسى األشعري وأنس بن مالك من الصحابة ومن‬
‫التابعني احلسن البصري وحممد بن سريين‪ .‬وأول الشام اعتمدوا على فتاوی أيب الداراء ومعاذ بن‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪17‬‬

‫جبل ومن التابعني أبو إرايس اخلوالين و مکحو الدمشقي‪ .‬أما أول مصر فقد أخذوا بفتاوی عبد هللا‬
‫بن عمرو بن العاص‬

‫‪ .٢‬شيوع اواية احلديث‬


‫يف وذا العصر شاعت اواية احلديث ملا اأينا من تفرق الصحابة يف األمصاا وحاجة الناس للنصوص‬
‫لكثر ما تعرض له من حوارث متجدر ‪ .‬وكانت السنة وي املصدا الثاين للفقه فاحتاج العلماء إىل‬
‫اواية احلديث ونقله‪ .‬وكان من الصحابة املقل يف الرواية ومنهم املكثر حبسب صحبته مع اسو هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم أو مساعه عمن يكثره من الصحابة‪ .‬فأرى ذلك إىل االختالف يف الفقه لوجور‬
‫أحاريث عن البعض مل توجد عند البعض اآلخر‪ .‬فمن كانت لديه األحاريث أفتی مبوجبها‪ .‬ومن مل تكن‬
‫عنده اعتمد على الرأي‪.‬‬
‫‪ . 3‬ظهوا الوضع يف احلديث‬
‫ظهر يف وذا العصر الوضع يف احلديث ألسباب‪:‬‬
‫أ‪ .‬رخل بعض الناس يف اإلسالم كذاب ونفاقا وبقصد الكيد لإلسالم لتغلبه على روهلم من الفرس‬
‫والروم وعلى راینتهم من اليهورية والنصرانية وغريمها‪ .‬فكان وؤالء يضعون األحاريث کيدا‬
‫لإلسالم وحماولة إفسار أحكامه‪.‬‬
‫ب‪ .‬انقسام املسلمني إىل الفرق السابقة فكانت كل فرقة حتاو أتييد مذوبها واحلط من الفرقة األخرى مبا‬
‫تضع من أحاريث‪.‬‬
‫ت‪ .‬حماولة بعض املخلصني جذب الناس إىل القرآن الكرمي وإىل العبارات فو هلم جهلهم وضع‬
‫األحاريث يف فضائل سوا القرآن الكرمي‪ ،‬وفضائل الذكر وفضائل العبارات على حنو ما فيه كثري‬
‫من املبالغة ‪.‬‬
‫كيفية الوضع ‪ :‬اختلف أحوا الوضع‪ ،‬فالبعض كان خيتلف منت احلديث كامال وينسب صدواه إىل‬
‫اسو هللا صلى هللا عليه وسلم‪ .‬والبعض اآلخر أييت إىل كالم حكماء العرب وجيعله متنا للحديث‪.‬‬
‫وبعضهم كان يقلب األسانيد الضعيفة للحديث أبسانيد مقبولة‪.‬‬
‫هنضة العلماء ملقاومة الوضع ‪ :‬أرى ظهوا الوضع إىل هنضة العلماء ملقاومة الوضع بكافة صواه فظهر‬
‫علم اجلرح والتعديل‪ .‬وظهرت علوم احلديث للكشف عن الروا الكذابني والضعفاء والبحث عن‬
‫األسانيد مقلوبة وعن املتون املنسوبة كذاب للرسو صلى هللا عليه وسلم‪ .‬وبينوا وذه املوضوعات كما وضعوا‬
‫القواعد اليت يكشف هبا عن الوضع‪.‬‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪18‬‬

‫‪. 4‬شيوع معلمي املوايل‬


‫اخت ذ كثري من الصحابة من أول األمصاا املفتوحة أو من الرقيق الذين أعتقووم خدما هلم‪ ،‬وأقبل وؤالء‬
‫أضحوا أساتذ كبااا أيخذ عنهم علم أساتذهتم‪ ،‬ف من ذلك عبد‬ ‫على أخذ العلم من وؤالء الصحابة و َ‬
‫هللا بن عمر وكان مواله انفع من أكثر من أخذ عنه الفقه واحلديث والف تاوی‪ ،‬وعبد هللا بن عباس ومحل‬
‫علم ه عكرمة‪ ،‬ويف الكوفة سعيد بن جبري‪ ،‬والبصر حممد بن سريين موىل عبد هللا بن مسعور‪ ،‬واحلسن‬ ‫َ‬
‫البصري‪ .‬من أول الشام مکحو بن عبد هللا‪ ،‬ويف مصر يزيد بن حب يب شيخ الليث بن سعد‪.‬‬
‫كان هلؤالء املوايل الفضل يف حفظ علوم الصحابة وتعليم الكثري ونقل علم وؤالء الصحابة إليهم‪.‬‬
‫وقد انقضت وذه املرحلة و مل يدون فيها شيء من السنة أو الفقه‪ ،‬ومل تتكون فيها مذاوب معينة‪ .‬فهي‬
‫تشبه املرحلة السابقة من وذه الناحية‪ ،‬وختالفها من انحية كثري االختالف وتشعب اآلااء‪.‬‬

‫الدوا الرابع‪:‬‬

‫الفقه يف العصر من أول القرن الثاني إىل منتصف القرن الرابع اهلجري‬

‫متهيد ‪ :‬وذه وي املرحلة الرابعة من املراحل اليت مر هبا الفقه اإلسالمي‪ .‬ووي تبدأ من أواخر عصر األمويني‬
‫وتنتهي يف منتصف القرن الرابع اهلجري تقريبا حني ضعفت الدولة العباسية‪ ،‬وانقسمت إىل رويالت صغري‬
‫اتبعة للخالفة امسا فقط‪.‬‬
‫ويف وذا العصر اجته املسلمون إىل ما مل يتسع له زمن أسالفهم ومل تتهيأ له أ سبابه‪ .‬فأفرغوا من جهوروم يف‬
‫الت دوين والتصنيف وترتيب مسائل العلوم بعضها إىل بعض‪ ،‬ومتيز كل علم عن غريه‪ .‬ووضعوا إىل جانب ذلك‬
‫علوما أخرى مما خلفه العرب وله اتصا بعلوم الدين‪ :‬كعلم اللغة‪ ،‬والنحو‪ ،‬وعلوم احلديث‪ ،‬واألرب‪ ،‬والتاايخ‪.‬‬
‫جبانب وذا ترمجوا علوما أخری‪ :‬کالفلسفة‪ ،‬واملنطق‪ ،‬والرایضة‪ ،‬والطبيعة‪ ،‬ورااسة الدایانت األخرى وما إىل‬
‫ذلك مما كان سببا يف اتساع احليا العقلية وظهوا املسلمني يف نشاط يثري الدوشة‪.‬‬
‫ولقد نشط الفقه يف وذا العصر نشاطا عظيما‪ ،‬واتسعت رائرته وأصبح علما قائما بنفسه بعد أن كان مقصواا‬
‫على اإلفتاء والقضاء‪ .‬ووجدت طائفة من العلماء ختصصت فيه‪ ،‬ووقفت حياهتم عليه‪.‬‬
‫ويعترب وذا العصر من عصر ازرواا الفقه اإلسالمي ومنائ ه ألسباب عديد منها‪ :‬عناية اخللفاء ابلفقه والفقهاء‪،‬‬
‫حرية الرأي وكثر اجلد ‪ ،‬كثر الوقائع‪ ،‬ترمجة العلوم األجنبية وتدوين العلوم‪ .‬و سنعاجل فيما يلي بشيء من‬
‫التفصيل كل عنصر من وذه العناصر حتت عنوان ‪ :‬أوم العوامل اليت ساعدت على ازرواا الفقه‪.‬‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪19‬‬

‫أهم العوامل ال يت ساعدت على ازدهار الفقه يف هذا العصر ‪:‬‬


‫‪. 1‬عناية اخللفاء العباسييون ابلفقه والفقهاء‬
‫قامت الدولة العباسيني ابسم الدين وإن كان وذا يف ظاور األمر‪ ،‬فأصبح اخللفاء ال يقصرون مههم‬
‫على نواحي السياسة فحسب كما كان الشأن على عهد األمويني‪ .‬بل غلبت عليهم النزعة الدينية‬
‫فخصوا الفقهاء بكثري من والئهم و شجعووم وقربووم إىل مناز مل تكن سواوم عند اخللفاء‪ .‬فأبو‬
‫جعفر املنصوا يؤثروم بعطاایه‪ ،‬وحياو تقريب اإلمام مالك إليه ويشري عليه أبن جيعل كتابه املوطأ‬
‫رستواا للدولة تسري عليه‪ ،‬ويرتك الناس مما عداه‪ .‬واملهدي من بعد املنصوا يفعل مع قضاته ما يزيدوم‬
‫افعة‪ ،‬ووااون الرشيد يكرا حماولة تقريب اإلمام مالك إليه‪ .‬مث يقرب أاب يوسف صاحب أيب حنيفة‬
‫و خيصه ابلصحبة واملالزمة ويَكل إليه أمري القضاء والقضا ويطلب منه وضع كتاب يف نظام اإلسالم‬
‫لألموا وجبايتها ليكون رستواا للدولة تسري عليه يف وذا الباب فيستجيب أبو يوسف ويؤلف كتاب‬
‫اخلراج‬
‫ولقد كان هلذه العناية من اخللفاء ابلفقه والفقهاء أوضح األثر إذ كان من نتائج وذا أن اتسع جما‬
‫الفقه‪ ،‬وأصبح احملوا اليت تدوا حوله أعما الدولة‪ .‬فألفت الكتب الدينية اليت تدعو إليها وذه احليا‬
‫احلافلة ابلشؤون ككتاب أيب يوسف يف اخلراج‪ ،‬فقد عرض فيه لكل ما يتعلق جبباية األموا ‪ ،‬وأصبح‬
‫الفقهاء يفرضون مسائل ملا مل بقع وبستخدمون وسائل اجتهاروم يف تعرف األحكام لتلك الفرضيات‪.‬‬
‫ومم ا ينبغي مالحظته ونا إن حرية االجتهار‪ ،‬ظلت مكفولة من اخللفاء ما رامت بعيد عن مسائل‬
‫السياسة‪ ،‬فإذا م ستها كان الضرب والتعذيب كما حدث لإلمام مالك عندما أفىت بعدم وقوع طالق‬
‫املكروه‪ .‬وقد كان اخللفاء العباسيون حينما أيخذون البيعة حيلفون الناس ابلطالق على عدم نقضها ‪.‬‬
‫‪.٢‬حرية الرأي وكثر اجلد ‪.‬‬
‫مل تكن السلطة احلاكمة تلتزم نظاما خاصا يف التشريع‪ ،‬وال مذوبا معينا يف الفقه‪ ،‬فكان العلماء يتمتعون‬
‫حبرية الرأي يف البحث العلمي‪ ،‬فيجتهد العامل منهم يف تعرف احلكم‪ ،‬ويذوب إىل ما يطمئن إليه وال‬
‫خيشي يف احلق لومة الئم‪ .‬وكان مرجع الكل كتاب هللا وسنة اسوله ما رام أوال لالجتهار‪ ،‬فكانت‬
‫املسألة الواحد تعرض الفقهاء فتأخذ أكثر من حكم‪ ،‬ويفيت املفتون مبا يرى كل منهم على ضوء‬
‫اجتهداه‬
‫وجبانب ما كان يتمتع به العلماء من حرية يف الرأي كان اجلد واالختالف قد ميني بينهم غري أنه يف وذا‬
‫العصر قد بلغ أشده واتسع مداه لكثر العلماء‪ ،‬وانفراج احليا االجتماعية عما كانت عليه من قبل‪.‬‬
‫وهنوض الرأي واالعتمار عليه يف القياس وأخذوم من املنطق يف اجلد ‪.‬‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪20‬‬

‫و كان اجلد بني العلماء رائر حو حتديد معاين األلفاظ اللغوية أو محل الكالم على احلقيقة واجملاز‬
‫و عالقة كل من الكتاب والسنة ابآلخر وعمل الصحايب أوو حجة أم ال‪ ،‬والقياس ومداه إىل غري ذلك‬
‫مما يعتمد ع ليه اجملتهد يف استنباط األحكام‪ ،‬وكان اجلد أحياان ابملشافهة يف حلقات الداوس ويف‬
‫املساجد ومواسم احلج وأحياان أخرى ابلكتابة حىت أتثر التأليف ابألسلوب اجلديل كما يظهر ذلك‬
‫واضحا يف كتاب األم للشافعي وخالفه وقد زخرت الكتب تبلل املناظرات ‪.‬‬
‫غري أنه بعد أن كان اجلد يستخدم للوصو إىل احلق فحسب‪ ،‬أصبح يستخدم جملرر التغلب على الغري‬
‫وصاا معوال يهدم به كل فريق ما خيالف مذوبه‪ .‬فاحنرف عن طريقته األوىل وحشر فيه ما ال يتصل جبوور‬
‫املوضوعات‬
‫‪ .3‬كثر الوقائع‪.‬‬
‫ملا اتسعت افعة الدولة اإلسالمية على عهد العباسيني واندمج يف املسلمني كثري من األمم املختلفة يف‬
‫عاراهتا وحضااهتا استتبع ذلك أن يتفرق علماء املسلمني يف البالر املفتوحة‪ ،‬وأن تعرض عليهم الوقائع‬
‫اإلجتماعية اليت تنشأ يف تلك البيئات ليعطووا حكمها الديين‪ ،‬واست تبع ذلك أيضا أن يرجع العلماء‬
‫عارات ووالء األقوام إىل تعاليم اإلسالم‪ ،‬فكان يعرض لكل عامل يف جهة ما ال يعرض لغريه يف جهة‬
‫أخرى‪ .‬وينتج عن ذلك جتدر أحكام مل يكن عرفها الناس‪ ،‬ففي العراق مثال تعرض على أنظاا الفقهاء‬
‫تقاليد الفرس وحوارثهم‪ .‬ويف الشام تعرض عارات وتقاليد وأقضية ومعامالت كلها اومانية‪ ،‬وكذلك احلا‬
‫يف كل بلد رخله املسلمون واس تظل بظل اإلسالم‪.‬‬
‫وكان طبيعيا أن يظهر يف كل إقليم بعض أحكام ال تظهر يف غريه حتت أتثري العوامل اإلجتماعية‬
‫والفوااق اإلقليمي ة‪ ،‬فشعر علماء كل إقليم إىل تعرف ما عند اآلخرين‪ ،‬فكانت الرحالت العلمية بني‬
‫أعالم املشتغلني ابال جتهار والفتوى‪ .‬وكان من نتيجة تلك الرحال ت وأخذ كل منهم عن اآلخر أن‬
‫تعااف وجهات النظر بينهم‪ ،‬ما أفار الفقه كثريا‪.‬‬
‫‪ 4‬ترمجة العلوم األجنبية‬
‫ملا فتحت البلدان املختلفة رخل س كاهنا من غري العرب يف اإلسالم‪ ،‬ووم اصحاب ثقافات عديد ال‬
‫عهد للعرب هبا فرغب املسلمون يف تعرف ما عند وؤالء من ثقافات‪ ،‬فرتمجت العلوم إىل العربية‬
‫مثل علوم الطب والكمياء والفلسفة‪ ،‬واملنطق واآلراب‪،‬ووقف الفقهاء على الكثري مما يف وذه العلوم أتثروا‬
‫هبا وخاصة املنطق والفلسفة ‪ .‬لكن وذا التأثر مل يكن يف أصل اال ستنباط‪ ،‬وإن كان يف طريقة االستدال‬
‫على املسائل‪ ،‬وترتيبه على مقدمات توصل إىل نتائجها‪ ،‬وأكثر ما كان ذلك يف املناظرات ‪.‬‬
‫‪.5‬تدوين العلوم‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪21‬‬

‫لقد كان للتدوين يف وذا العصر شأن کبري‪ .‬ومل يكن مقصواا على الفقه‪ ،‬وإمنا كان للفقه حظه جبانب‬
‫غريه‪ ،‬والعلوم کشبكة متصلة األجزاء‪ ،‬خيدم بعضها بعضا‪ .‬ولنضرب مثال لبعض ما رون من العلوم‬
‫اليت هلا أ ساس كبري ابلفقه كالتفسري والسنة‪.‬‬
‫فلم يكن تفسري القرآن يدون قبل عصران الذي نتحدث عنه كعلم مستقل بذاته‪ ،‬ولكن ملا رونت العلوم‬
‫يف وذا العصر من حنو وصرف و اتايخ وغريوا تعاونت كلها على فهم القرآن‪ .‬وأ ضاءت السبيل أمام‬
‫املفسرين فاتسع نطاق التفسري‪ .‬وأ خذت كل طائفة تنتسب إىل علم تنظر إىل القرآن من اجلانب الذي‬
‫يتصل هبا‪ .‬فاللغويون ينظرون إليه من انحية ألفاظه‪ ،‬فيؤلفون يف تفسري غريبها‪ .‬والنحويون ينظرون إليه من‬
‫جهة تراكيبه ويؤلفون الكتب يف إعرابه‪ ،‬وكذلك الفقهاء ي نظرون ويؤلفون كتب األحكام مثل کتاب‬
‫أحكام القرآن للرازي وأحكام القرآن البن العريب‪.‬‬
‫ويف وذا العصر اتسع نطاق تدوين السنة ووي املصدا الثاين للفقه بعد القرآن‪ .‬وقد تنبه اوا احلديث‬
‫إىل وجوب تصنيفها بضم األحاريث اليت من نوع واحد يف املوضوع بعضها إىل بعض كأحاريث الصال‬
‫وأحاريث الصيام وما شاكل ذلك‪ .‬فكان من مدوين الطبقة األوىل من وذا العصر اإلمام مالك بن أنس‬
‫ابملدينة وغريه يف األقطاا األخرى‪ .‬وكان احلديث يف ابرئ األمر ممزوجا أبقوا الصحابة والتابعني‪،‬‬
‫فجاءت طبقة اثنية وألفوا ما يعرف ابملسانيد مثل مسند اإلمام أمحد بن حنبل فيذكرون مسند كل‬
‫صحايب ويثبتون فيه ما اوي عنه‪ .‬مث جاء بعد ذلك علماء رققوا يف الرواية واألخباا ويف طبقة وؤالء‬
‫كان أ بو عبد هللا حممد بن إمساعيل البخااي ومسلم بن احلجاج النيسابواي صنف كل منهما صحيحه‪.‬‬
‫وانتهى أمر السنة يف أثناء وذا العصر إىل أن صاات علما مستقال له اجا قصروا عليه حبثهم‪.‬‬
‫جبانب وذا‪ ،‬وضع يف وذا العصر علم أصو الفقه ورونت املذاوب الفقهية‪ .‬وال شك أن التدوين‬
‫يسهل طريقة البحث ويساعد على الرجوع إىل العلوم مهما كثرت‪ .‬ويهىء للفقيه أن يلم ابلكثري من‬
‫املسائل يف قصري من الوقت‪ .‬فبعد أن كان يبحث عن احلديث ويتلقفه من ألسنة الروا أضحى جيده‬
‫أمامه بسهولة ويسر‪ .‬فأصبحت قواعد االستنباط ميسر ‪.‬‬

‫املذاهب الفقهية األربعة وأصحاهبا‬


‫أوال ‪ :‬املذهب احلنفي اإلمام أبو حنيفة ( ‪ 150- 80‬هـ )‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪22‬‬

‫صاحب وذا املذوب وو اإلمام أبو حنيفة النعمان بن اثبت بن زوطي ‪-‬بضم الزاي وفتح الطاء ‪ -‬ولد‬
‫ابلكوفة سنة ‪ ۸۰‬وـ مث انتقل إىل بغدار وبقي هبا حىت تويف عام ‪ 1۵۰‬وـ‪ .‬کون مذوبه بطريقة الشواى مع‬
‫أصحابه‬
‫أصو مذوبه ‪:‬‬
‫قا يف ذلك‪ :‬آخذ ب كتاب هللا إن وجدته فإذا مل أجد فيه أخذت بسنة اسو هللا صلى هللا عليه وسلم واآلاثا‬
‫الصحاح عنه اليت فت شت يف أيدي الثقات‪ ،‬فإذا مل أجد يف كتاب هللا وال سنة اسو هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫أخذت بقو أصحابه من شئت وأرع قو من شئت‪ .‬مث مل أخرج عن قوهلم إىل قو غريوم‪ ،‬فإذا انتهى األمر‬
‫إىل إبراويم والشعيب وابن سريين وسعيد بن املسيب وعد اجاال من التابعني‪ ،‬فلي أن أجتهد كما اجتهدوا ويف‬
‫اواية فهم اجا وحنن اجا ‪.‬‬
‫مالحظات‪:‬‬
‫قسم اإلمام أبو حنيفة السنة إىل متواتر ومشهوا وآحارية واشرتط يف احلديث الشهر إذا كان يف موضع‬
‫تعم به البلوى كما اشرتط يف خرب اآلحار أال خيالف عمل الراوي ما يرويه مثل حديث (إذا ولغ الكلب يف إانء‬
‫أحدكم فليغسله سبعا إحداون ابلرتاب اواه أبو ورير ‪ .‬وكان أبو ورير يكتفي ابلغسل ثالاث فكان وذا مضعفا‬
‫للرواية عند أيب حنيفة‪.‬‬
‫توسع اإلمام أبو حنيفة يف األخذ ابلقياس حىت اعترب إمام أول الرأي‪ .‬ووو أو من اشتغل ابلفقه التقديري‬
‫وفرض املسائل اليت مل تقع بع د‪ .‬وأخذ ابالستحسان‪ .‬وينسب كثري من الباحثني إىل فقهه (احليل الشرعية‬
‫وأكثروا يف مسائل تتعلق ابألميان عامة وابلطالق خاصة‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬املذهب املالكي (‪ ۱۷۹- ۹۳‬ه)‬


‫صاحب وذا املذوب وو اإلمام مالك بن أنس بن مالك بن أ يب عامر األصبحي نسبة إىل قبيلة ذي أصبح‬
‫اليمنية‪ .‬جد ه األعلى أبو عامر صحايب جليل شهد املشاود كلها مع النيب صلى هللا عليه وسلم إال بداا‪ .‬ولد‬
‫مالك ابملدينة سنة ‪ 93‬وـ ‪ .‬وظل هبا إىل أن تويف سنة ‪ ۱۷۹‬م‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪23‬‬

‫أصو مذوبه ‪:‬‬


‫‪. 1‬الكتاب‪ :‬كان يرى أن القرآن قد اشتمل على كليات الشريعة وأنه عمد الدين وآية الرسالة‪ ،‬ووو عنده‬
‫اللفظ واملعىن‪. .‬‬
‫‪. ٢‬السنة‪ :‬مع أن اإلمام مالك كان يشدر يف قبو الرواية إال أنه كان يقبل املرسل من األحاريث ما رام اجاله‬
‫ثقات‪ .‬وكان ال يشرتط يف قبو احلديث الشهر فيما تعم به البلوى كما اشرتط احلنفية‪ .‬وكان ال يرر‬
‫خرب الواحد ملخالفته للقياس أو لعمل الراوي خبالفه‪ .‬ولكنه اشرتط أال خيالف عمل أول املدينة‪،‬‬
‫واملشهوا عنه أنه ال يقدم القياس على اخلرب الواحد‪.‬‬
‫تبع‬
‫‪ . 3‬عمل أول املدينة‪ :‬فعملهم حجة عنده يقدم على القياس وعلى خرب الواحد وكأن يقو ‪ :‬إن الناس ٌ‬
‫ألول املدينة اليت كانت إليها اهلجر وهبا نز القرآن ‪.‬‬
‫‪.4‬املصاحل املرسلة‪ :‬ووي جلب منفعة أو رفع مضر مل يشهد هلا من الشرع نص ابلبطالن أو االعتباا (كضرب‬
‫املتهم ابلسرقة ليقر ابملسروق ‪.‬‬
‫‪. 5‬اإلستحسان‪ :‬قا به يف مسائل كثري ولكنه مل يتوسع فيه مثل احل نيفة‪ .‬مثا االستحسان‪ :‬تضمني الصناع‪.‬‬
‫‪ . 6‬سد الذاائع‪ :‬ومؤراوا أن ما يؤري إىل حرام يكون حراما وما يؤري إىل مصلحة يكون مطلواب‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬املذهب الشافعي (‪ ٢04- 150‬هـ‬


‫صاحب وذا املذوب وو اإلمام حممد بن إرايس بن العباس بن عثمان بن انفع اهلامشي املطليب‪ .‬يلتقي نسبه‬
‫الرسو صلى هللا عليه وسلم يف عبد مناف‪ .‬ولد الشافعي بغز عام ‪ 150‬وـ وتويف مبصر سنة ‪ ٢04‬وـ‬
‫أصو مذوبه ‪:‬‬
‫‪.1‬الكتاب والسنة‪ :‬يقو يف ذلك يف كتابه األم‪( :‬األصل قرآن أو سنة‪ .‬فإن مل يكن فقياس عليها‪ .‬وإذا صح‬
‫احلديث فهو املنتهى ‪ .‬فاإلمام الشافعي أي خذ بظاور الكتاب والسنة ال يعد عن وذا الظاور إال‬
‫إذا ر الدليل على أن املرار ابلنص غريه‪ .‬ويعمل ابلسنة ميت ثبتت ومسي انصر السنة ألنه رافع‬
‫رفاعا شديدا عن العمل خبرب الواحد الصحيح‪ .‬ومل يشرتط يف احلديث غري الصحة واالتصا ‪.‬‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪24‬‬

‫وال حيتج ابملرسل إال إذا أيده رليل آخر كأن يكون ااويه ال يرسل إىل عن ثقة‪ ،‬ولذلك قبل‬
‫مراسي ل سعيد بن املسيب كلها لتوفر وذا الشرط فيها‪.‬‬
‫‪. ٢‬اإلمجاع‪ :‬وال يكون اإلمجاع عند الشافعي إىل من علماء املسلمني يف كل األمصاا‪ ،‬ولذا ار قو شيخه مالك‬
‫يف اعتبااه إمجاع أول املدينة‪.‬‬
‫‪. 3‬قو الصحايب‪ :‬كان أيخذ به إذا مل يعلم له خمالف وعند االختالف كان أيخذ من قو بعضهم ما يراه أقرب‬
‫إىل الكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪. 4‬القياس‪ :‬عمل به مشرتطا أن يكون له أصل معني يف الكتاب أو السنة أو اإلمجاع‪.‬‬
‫وترك االستحسان الذي قا به احلنفية واملالكية وقا الشافعي يف ذلك قولته املشهوا ‪" :‬من استحسن فقد‬
‫شرع"‪ ,‬وألف فيه كتاب (إبطا اإلستحسان ‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬املذهب احلنبلي (‪ ٢41- 164‬ه)‬


‫صاحب وذا امل ذوب وو اإلمام أمحد بن حنبل بن وال ‪ ،‬ولد ببغدار عام ‪164‬وـ مث تويف هبا عام ‪ ۲41‬وـ‬
‫أكب على السنة جي معها وحيفظها حىت صاا إمام احملدثني يف عصره‪.‬‬
‫أصو مذوبه ‪ :‬بين مذوبه على أصو مخسة‪:‬‬
‫‪. 1‬نقل الكتاب والسنة املرفوعة ال يقدم على ذلك شيئا‪ .‬فمىت وجد النص عمل به ال حي يد عنه إىل غريه حىت‬
‫ولو كان إمجاعا‪ .‬ومل يقدم على احلديث الصحيح عمال وال اأای‬
‫‪. ٢‬فتاوى الصحايب‪ :‬اليت ال يعلم فيها خمالفا رون أن يغري ذلك إمجاعا‪.‬‬
‫‪. 3‬فتاوى الصحابة املختلف فيها‪ :‬كان خيتاا منها أقرهبا إىل كتاب هللا وسنة اسوله صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فإذا مل‬
‫يتبني له ذلك األقرب حكى اخلالف كما وو‪ ،‬ومل جيزم برتجيح‪.‬‬
‫‪. 4‬األخذ ابحلديث املرسل واحلديث الضعيف‪ :‬ما رام ااويه غري معروف ابلكذب أو الفسق ومل يوجد ما يدفعه‬
‫من رليل آخر‪.‬‬
‫‪.5‬القياس‪ :‬ووو آخر املراتب عنده أل نه وضعه موقع الضروا وكان يقو يف احلديث الضعيف‪( :‬ضعيف‬
‫احلديث أحب إيل من اأي الرجا ‪.‬‬
‫وكان يستبعد وجور اإلمجاع وقا ‪" :‬من ارعى ابإلمجاع فهو کاذب و ما يدايك لعلهم اختلفوا "‪.‬‬

‫كتب الفقه املعتمدة يف املذاهب األربعة‪:‬‬


‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪25‬‬

‫أ‪.‬املذوي احلنفي‬

‫عام الوفا‬ ‫اسم املؤلف‬ ‫اسم الكتاب‬


‫‪ 490‬و ـ‬ ‫حممد بن أمحد السرخسي‬ ‫‪ 1‬املبسوط‬
‫‪ 587‬وـ‬ ‫أبو بكر بن مسعور الكاساين‬ ‫‪ ٢‬بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع‬
‫‪ 593‬وـ‬ ‫علي بن أيب بكر بن عبد اجلليل‬ ‫‪ 3‬اهلداية مع فتح القدير‬
‫املرغيناين‬
‫‪ 743‬وـ‬ ‫فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي‬ ‫‪ 4‬تبيني احلقائق شرح كنز الدقائق‬
‫‪ 681‬وـ‬ ‫حممد بن عبد الواحد بن اهلمام‬ ‫‪ 5‬فتح القدير شرح على اهلداية‬
‫زين الدين بن إبراويم بن جنيم املصري ‪ 970‬وـ‬ ‫‪ 6‬البحر الرائق شرح كنز الدقائق‬
‫‪ 1٢5٢‬وـ‬ ‫ابن عابدين حممد أمني بن عمر‬ ‫‪ 7‬ار احملتاا على الدا املختاا‬

‫‪.٢‬املذوب املالكي‬

‫عام الوفا‬ ‫اسم املؤلف‬ ‫اسم الكتاب‬


‫‪ 179‬وـ‬ ‫اإلمام مال ك بن أنس األصبحي‬ ‫‪ 1‬املدونة الكربى‬
‫(اواية سحنون بن سعيد التنوحي املتويف‬
‫‪٢40‬ه‬
‫أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد ‪ 494‬وـ‬ ‫‪ ٢‬املنتقى شرح املوطأ اإلمام مالك‬
‫الباجي‬
‫أبو عمر يوسف بن عبد هللا القرطيب ‪ 463‬وـ‬ ‫‪ 3‬الكايف يف فقه أول املدينة‬
‫أبو الوليد حممد بن أمحد بن حممد بن ‪ 595‬وـ‬ ‫‪ 4‬البيان والتحصيل و الشرح و التوجيه و التقليل‬
‫أمحد بن أمحد بن اشد القرطيب‬ ‫يف املسائل املستخرجة‬
‫أبو الوليد حممد بن أمحد بن حممد بن ‪ 595‬وـ‬ ‫‪ 5‬بداية اجملتهد و هناية املقتصد‬
‫أمحد بن أمحد بن اشد القرطيب‬
‫أبو العباس شهاب الدين أمحد بن إرايس ‪ 684‬وـ‬ ‫‪ 6‬الفروق‬
‫بن عبد الرمحن املالكي الشهري ابلقرايف‬
‫‪ 776‬وـ‬ ‫خليل بن إسحاق بن موس ى‬ ‫‪ 7‬خمتصر العالمة اخلليل‬
‫املالكي املصري‬
‫‪ 954‬وـ‬ ‫حممد املغريب املعروف ابحلطاب‬ ‫‪ 8‬مواوب اجلليل لشرح خمتصر اخلليل‬
‫‪ 914‬وـ‬ ‫‪ 9‬علماء فتاوى عن املغرب واجلامع املعرب املعياا أمحد بن حيىي الونشريس ي‬
‫إفريقية واألندلس واملغرب‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪26‬‬

‫عبد الباقي بن يوسف بن أمحد ‪ 1099‬وـ‬ ‫‪ 10‬شرح الزاقانی علی خمتصر خليل‬
‫الزاقانی‬
‫أبو عبد هللا حممد بن عبد هللا اخلرشی ‪ 1101‬وـ‬ ‫‪ 11‬شرح اخلرشي على خمتصر خليل‬
‫‪ 1٢01‬وـ‬ ‫محد بن حممد بن أمحد العدوي‬ ‫‪ 1٢‬الشرح الكبري على خمتصر خليل‬
‫(الشهري ابلدارير‬

‫‪ 1٢30‬وـ‬ ‫حممد بن أمحد بن عرفة الدسوقي‬ ‫‪ 13‬حاشية الدسوقي على شرح الكبري‬
‫(الشهري ابلدسوقي‬
‫الشيخ أمحد بن حممد اخللوين (املعروف ‪ 1٢41‬وـ‬ ‫‪ 14‬بلغة السااق ألقرب املسالك‬
‫ابلصاوي‬

‫‪.3‬املذوب الشافعي‬

‫عام الوفا‬ ‫اسم املؤلف‬ ‫اسم الكتاب‬


‫أبو عبد هللا حممد بن إرايس الشافعي ‪ ٢04‬وـ‬ ‫األم‬ ‫‪1‬‬
‫‪ ٢64‬وـ‬ ‫أبو إبراويم إمساعيل بن حبيي بن‬ ‫خمتصر املزين‬ ‫‪٢‬‬
‫إمساعيل املزين‬
‫‪ 476‬وـ‬ ‫أبو إسحاق إبراويم بن علي بن‬ ‫املهذب يف فقه اإلمام الشافعي‬ ‫‪3‬‬
‫يوسف الشريازي‬
‫‪ 505‬وـ‬ ‫أبو حامد حممد بن حممد الغزايل‬ ‫إحياء علوم الدين‬ ‫‪4‬‬
‫‪ 767‬وـ‬ ‫أبو زكرای حييي بن شرف النووي‬ ‫اجملموع شرح املهذب‬ ‫‪5‬‬
‫‪ 767‬وـ‬ ‫اإلمام النووي‬ ‫اوضة الطالبني‬ ‫‪6‬‬
‫‪ 9٢6‬وـ‬ ‫أبو حييي زكرای حممد األنصااي‬ ‫أسىن املطالب شرح اوض الطالب‬ ‫‪7‬‬
‫مشس الدين حممد بن أمحد الشربيين ‪ 977‬وـ‬ ‫مغين احملتاج إىل معرفة معاين ألفاظ املنهاج‬ ‫‪8‬‬
‫مشس الدين حممد بن أيب العباس أمحد ‪ 1004‬وـ‬ ‫هناية احملتاج إىل شرح املنهاج‬ ‫‪9‬‬
‫بن محز ابن شهاب الدين الرملي‬
‫الشهري ابلشافعي الصغري‬
‫‪ 1٢٢1‬وـ‬ ‫سليمان بن حممد البجريمي‬ ‫‪ 10‬حاشية البجريمي على منهج الطالب السمات‬
‫التجريد لنفع العبيد‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪27‬‬

‫‪.4‬املذوب احلنبلي‬

‫عام الوفا‬ ‫اسم املؤلف‬ ‫اسم الكتاب‬


‫‪ 334‬وـ‬ ‫أبو القاسم عمر بن احلسني اخلرقي‬ ‫خمتصر اخلرقي‬ ‫‪1‬‬
‫‪ 6٢0‬وـ‬ ‫أبو حممد عبد هللا بن أمحد بن حممد‬ ‫املغين‬ ‫‪٢‬‬
‫بن قدامة‬
‫‪ 6٢0‬وـ‬ ‫أبو حممد عبد هللا بن أمحد بن حممد‬ ‫الكايف‬ ‫‪3‬‬
‫بن قدامة‬
‫‪ 65٢‬وـ‬ ‫جمد الدين أبو الربكات‬ ‫احملرا يف الفقه على مذوب اإلمام أمحد بن‬ ‫‪4‬‬
‫حنبل‬
‫‪ 7٢8‬وـ‬ ‫شيخ اإلسالم أبو العباس تقي الدين أمحد‬ ‫الفتاوى الكربى‬ ‫‪5‬‬
‫بن عبد احلليم بن عبد السالم بن عبد هللا‬
‫بن أيب القاسم اخلضر احلراين الدمشقي‬
‫(املعروف اببن تيمية‬
‫‪ 7٢8‬وـ‬ ‫ابن تيمية‬ ‫االختيااات الفقهية‬ ‫‪6‬‬
‫‪ 885‬وـ‬ ‫عالء الدين أبو احلسن علي بن‬ ‫اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف على‬ ‫‪7‬‬
‫سليمان املرراوي‬ ‫مذوب اإلمام أمحد بن حنبل‬
‫شرف الدين أبو البخا موسی بن أمحد ‪ 960‬وـ‬ ‫اإلقناع‬ ‫‪8‬‬
‫بن سامل القدسي‬
‫منصوا بن يونس بن إرايس البهويت ‪ 1051‬وـ‬ ‫كشاف القناع عن منت اإلقناع‬ ‫‪9‬‬
‫‪ 1051‬وـ‬ ‫منصوا بن يونس بن إرايس البهويت‬ ‫‪ 10‬الروض املربع شرح زار املستقنع‬
‫‪-‬‬ ‫عبد الرمحن بن حممد بن قاسم‬ ‫‪ 11‬حاشية الروض املربع‬
‫العاصمي النجدي احلنبلي‬

‫‪. 5‬املذوب الظاوري‬

‫عام الوفا‬ ‫اسم املؤلف‬ ‫اسم الكتاب‬


‫‪ 456‬وـ‬ ‫أبو حممد على بن أمحد بن سعيد بن‬ ‫‪ 1‬احمللى‬
‫حزم الظاوري‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪28‬‬

‫الدوا اخلامس‬

‫الفقه يف العصر من منتصف القرن الرابع إىل سقوط بغداد سنة ‪656‬هـ‬
‫متهيد ‪ :‬يسمى وذا العصر بعصر االجتهار يف املذوب‪ .‬ويف وذا العصر انقسمت الرقعة اإلسالمية أقساما‬
‫عديد ‪.‬قام على كل قسم منها وا ِ متس ی أبمري املؤمنني فأصاب أمة من جزاء وذا التفكك الضعف واالحنطاط‪.‬‬
‫وتناحرت وذه الدو وحل العداء والفرقة حمل اإلخاء واأللفة‪ .‬ولقد أثرت تلك الظروف السيئة يف نشاط احلركة‬
‫العلمية‪.‬واجعت هبا القهقري فأبدلتها من القو ضعفا‪ ،‬ومن التقدم أتخرا‪،‬ومن النشاط فتواا‪ ،‬وأماتت يف العلماء‬
‫اوح االستقال الفكري‪ ،‬فأصبحوا عالة على فقه أيب حنيفة ومالك والشافعي وأمحد وغريوم ممن كانت مذوبهم‬
‫متداولة‪ .‬وحصر العلماء أنفسهم يف روائر اختذووا من أصو تلك امل ذاوب ال يتجاوزون حميطها والتزم كل منهم‬
‫م ذوبا معينا ال يتعداوا وتعصب له‪.‬فلم يوجد يف وذا العصر جمتهد مستقل‪.‬واحنصر عمل العلماء يف وذا العصر‬
‫يف راللة أشياء وي‪:‬تعليل األحكام‪،‬والرتجيح بني اآلااء املختلفة يف املذوب‪ ،‬واالنتصاا للمذوب الذي يعتنقه‪.‬‬

‫عمل العلماء يف هذا العصر‪:‬‬


‫مل يكن انتساب العلماء يف وذا العصر إىل األئمة أصحاب املذاوب وافقا هبم عند حد التقليد احملصن بل كان‬
‫هلم من األعما ما ي رفع راجتهم ويعلي قداوم‪ .‬فمن ذلك‪ :‬تعليل األحكام والرتجيح بني اآلااء املختلفة يف‬
‫املذوب مث االنتصاا للمذوب الذي يعتنقه‪ .‬ونتكلم ع ن كل عمل من وذه األعما ابلقدا الالزم‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تعليل األحكام‬


‫ملا تكونت املذاوب يف العصر السابق‪ ،‬ومتيزت عن بعضها‪ ،‬وجد لكل مذوب أتباع يقلدونه‪ ،‬وزارت املنافسة‬
‫بني أ تباع تلك املذاوب ورعتهم مواقف املناظرات وجمالس اجلد اليت شاعت يف ذلك العصر أن يستخلص‬
‫كل مجاعة قواعد إمامهم اليت بين عليها استنباطه من ثناای ما أفىت به من الفروع‪ ،‬وعللوا األحكام اليت استنبطها‬
‫أئمتهم حيث كان كثري من األحكام اليت اوووا عن أئمتهم غري معللة‪ .‬وال شك أن بيان العلة يفتح أمامهم‬
‫ابب الفتيا فيما ليس في ه نص عن اإلمام حىت عرفت ما نص عليه‪ .‬ووضعوا عند ذلك ما مسوه أصو الفقه‬
‫اجتهارا منهم أن وذه أصو أئمتهم اليت بنوا عليها استنباطهم‪.‬‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪29‬‬

‫وكان أكثر املشتغلني هبذا األمر احلنفية ألن الكتب اليت كان يعولون عليها يف املذوب كان أغلبها خاليا من‬
‫العلل‪ .‬فكان ال بد هلم من تدعيم تلك األحكام أبرلتها وإظهاا عللها حىت يقووا على مواجهة مناظريهم من‬
‫الشافعية و غريوم‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬الرتجيح بني اآلااء املختلفة يف املذوب‬


‫كان الرتجيح بني اآلااء املختلفة يف املذوب على نوعني‪:‬‬
‫‪. 1‬ترجيح من جهة الرواية‬
‫‪ .٢‬ترجيح من جهة الدااية‬

‫فأما من جهة الرواية فإن النقل قد اختلف يف بعض املسائل عن أئمة املذاوب‪ .‬فقد نقل عنهم مذاوبهم أكثر‬
‫من واحد‪ .‬فاإلمام أبو حنيفة مثال نقل أقواله تلميذه حممد بن احلسن الشيباين آخذا بعضها عن اإلمام والبعض‬
‫ما اواه عن أيب يوسف عن اإلمام‪ .‬كما نقل عن أيب يوسف كثري غري حممد‪ .‬و كتب حممد بن احلسن اواوا عنه‬
‫أكثر من واحد‪ .‬وال شك أهنم خيتلفون يف النقل وذلك انشئ إما من خطأ بعض النقلة وإما اإلمام كان يرى‬
‫اأای فيأخذه عنه تالميذه مث يرجع عن وذا الرأي إىل غريه فيعيه بعض التالميذ رون اآلخرين‪ .‬فكان عمل‬
‫العلماء أن يرجحوا بني الرواایت‪ ،‬فرجح احلنفية اواایت حممد بن احلسن على غريه من األ صحاب‪ ،‬واجح‬
‫الشافعية ما يرويه الربيع بن سليمان على ما يرويه غريه‪ .‬ووكذا‪.‬‬

‫أما النوع الثاين من الرتجيح فيكون بني الرواایت الثابتة عند األئمة أنفسهم إذا اختلفت‪ ،‬أو بني ما قاله اإلمام‬
‫و ما قاله تالميذه‪ .‬ووذا النوع من الرتجيح حيتاج إىل ملكة فقهية قوية وخرب اتمة أبصو األئمة ومآخذوم‬
‫وطرقهم االستنباط‪ .‬فريجحون من األقوا ما يتفق مع تلك األصو وما تشهد له قواعد الشريعة الكلية‬
‫ومقاصدوا عامة‪ .‬وقد خيتلفون يف الرتجيح بسبب اختالفهم يف الداجة العلمية وسعة االطالع وقو التصرف‬
‫ونفاذ البصري ‪.‬‬

‫اثلثا‪ :‬االنتصاا للمذاوب‬


‫لقد قام كل فريق من العلماء يف و ذا العصر بنصر املذوب الذي يعتنق ه وأتييده بشىت الوسائل وخمتلف الطرق‬
‫ووم قد أكثروا من كتب املناقب‪ ،‬ينشرون فيها ما كان عليه إمام املذوب من سعة يف العلم‪ ،‬وكما يف الزود‪،‬‬
‫وماكان به من الواع الصارق وحسن االستنباط ورقة النظر وقو احلجة وشد التمسك ابلكتاب والسنة‪ ،‬وكأهنم‬
‫بذلك يريدون أن جيعلوا الناس بكل سلوكهم وحتتذي حذووم‪ .‬ولقد تفننوا يف وذه الناحية وامبا تطرف بعضهم‬
‫فنا من نقص األئمة املخالفني‪.‬‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪30‬‬

‫جبانب ونا تتبعوا مواضع اخلالف و صنفوا فيها كتااب يذكرون فيها املسائل اليت اختلف فيه األئمة‪ ،‬ويسوقون‬
‫رليل كل إمام‪ ،‬مث يرجحون على كل حا مذوب اإلمام الذي ينتسبون إليه وال خيلو ذلك يف أكثر األحيان‬
‫التكلف الواضح‬
‫فضال عن ذلك فإهنم جالوا يف ميدان املناظر وتسابقوا يف حلبة اجلد ‪ .‬وكانت تعقد وذه املناظرات مبحضر‬
‫األمراء والكرباء فيسوق كل منهم حججه وبراوينه على صحة آااء مذوبه‪ .‬ومقام املناظر فيه تطاو وال يراعي‬
‫فيه جانب احلق‪ .‬وكل وم املناظر ترويج جانبه ال يبايل أخطأ أم أصاب‪.‬‬

‫الدوا السارس‬

‫الفقه من منتصف القرن الرابع اهلجري حتى عصرنا احلاضر‬

‫يسمى وذا العصر بعصر التقليد‪ ،‬والتقليد وو األخذ بقو الغري رون حبث يف الدليل الذي اعتمد عليه‪ .‬ويف‬
‫وذا العصر قد طفی سبل التقليد وأقفل ابب اال جتهار ويرجع انتشاا التقليد إىل أسباب تذكر فيها ما يلي‪:‬‬

‫أسباب التقليد‬
‫يرجع انصراف الفقهاء عن االجتهار إىل التقليد إىل أموا منها‪:‬‬
‫‪ .1‬وجد علماء وذا العصر مذاوب كاملة مدونة فيها أحكام ماجد من احلوارث وما ميكن أن حيدث‬
‫منها والنفوس بطبيعتها ميالة إىل الراحة‪.‬‬
‫‪ .٢‬الدعاية القوية اليت قام هبا أنصاا املذاوب املتبعة‪ ،‬فإهنا قد حلت يف النفوس وملكت على الناس‬
‫مشاعروم‪ .‬وأصبحوا يعتربون من مل أيخذ هبا خااجا مبتدعا وساعد على ذلك أنه كان لبعض‬
‫األئمة تال ميذ هلم من املكانة يف اهليئة اإلجتماعية‪ ،‬واالتصا ابخللفاء والوزااء ما جعل وؤالء‬
‫يسامهون يف نشر تلك املذاوب وأتييدوا بشىت الوسائل‪ .‬واخللفاء أقدا على صرف الناس إىل‬
‫اإل جتاه الذي مييلون إليه‪ .‬وكثريا ما قام األمراء والوزااء واألغنياء إبنشاء مدااس‪ ،‬وقصروا التدايس‬
‫فيها على مذوب أو مذاوب معينة فكان ذاك سببا يف اإلقبا على تلك املذاوب‪ ،‬واالنصراف‬
‫عن اإلجتهار حمافظة على األوااق اليت كتبت هلم‪.‬‬
‫مذكرة يف التعر يف بالفقه اإلسالمي | ‪31‬‬

‫‪ .3‬ضعف الثقة ابلقضا ‪ :‬ساءت حالة القضا يف وذا العصر وشاع اجلوا وأصبح والایت القضاء‬
‫باع وتشرتى‪ .‬فتزعزعت ثقة الناس هبم‪ .‬ومالوا إىل أن يكون القضا مقيدين أبحكام معروفة حىت‬
‫ت َ‬
‫يبدو عليهم ابب التالعب أبموا الناس ورمائهم وأعراضهم وأحب أول كل قطر أن يكون‬
‫قاضيهم من أول املذوب الذي يعتنقونه‪.‬‬
‫‪ .4‬شغف الناس ابملار وتسلطها عليهم‪ ،‬وانصراف الرغبات إىل مجع املا فقعد كثري من العلماء عن‬
‫ال تحصيل واالجتهار خاصة أنه كثرت املؤلفات وكان اإلفراط يف االختصاا حىت غدت وذه‬
‫املؤلفات ألغازا أو ما يشبه األلغاز‪ .‬وحينئذ عجز الراغبون يف الفقه عن فهمها فاضطر العلماء إىل‬
‫شرحها مث إىل شرح ما غمض من الشروح‪ .‬ونتج عن ذلك أن ترك لنا وذا العصر ألواان من الكتب‬
‫خمتل فة األساليب‪ ،‬عرفت فيما بعد ابملتون والشروح واحلواش والتقريرات و التعليقات‪.‬‬
‫وبناء على ما تقدم فإن التقليد مل يفد الفقه اإلسالمي بشيء‪ .‬بل أضر به ضراا ابلغا ألنه أضاع‬
‫جهد اجاله الذين وقفوا حياهتم على تفهم أقوا أئمتهم‪ .‬بل على تفهم عبااات صدات عن‬
‫فقهاء مثلهم‪ ،‬ومل يفضلووم يف شيء عند تقدم الزمن هبم‪ .‬وتركوا النظر يف مصارا الشريعة األوىل‪،‬‬
‫كتاب هللا‪ ،‬وسنة اسوله صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ظنا منهم أهنم مل يتأولوا هلذا النظر وأن فضل هللا قد‬
‫ذوب به السابقون حىت مل يب ق ملن جاء بعدوم منه نصيب‪ .‬فكانت مثرات أعماهلم ما خلفوه لنا‬
‫م ن تلك الكتب املعقد اليت تستعصي على الفهم يف كثري من موضوعاهتا‪.‬‬
‫غري أنه مع وذا التقليد وذاك التعقيد يف التأليف مل خيل ذلك العصر من وجور فقهاء بني آوئة‬
‫وأخرى يدعون املتفقهني إىل ترك التقليد وحيثوهنم على االجتهار ليعور للتشريع اإلسالمي مكانته‬
‫األوىل ووجور ص نف آخر من الكتب فيها بساطة وسهولة‪ ،‬وإن كان وذا قليال جبانب الصنف‬
‫األو ‪.‬‬
‫فمن ووالء اجملدرين شيخ اإلسالم ابن تيمية وتلميذه ابن قيم اجلوزية‪ ،‬قاما يف القرن الثامن‬
‫اهلجري هبذه الدعو فلقيت رعوهتا معااضة شديد من رعا التقلي د ومحاته‪ .‬واغم وذه املعااضة و‬
‫قسوهتا ظلت ابقية إىل وقتنا وذا‪ ،‬هلا كثري من األتباع واألنصاا‪.‬‬
‫خامتة‪:‬‬
‫بعد أن عشنا مع املراحل اليت مر هبا الفقه اإلسالمي يف عصواه املختلفة فإننا نتطلع اليوم ألن يعور هلذا‬
‫الفقه مكانته األوىل يف عصوا ازروااه‪ ،‬خاصة أن العامل اإلسالمي يف عصران احلاضر ميوج يف مشکالت‬
‫ج ليلة مل يكن كلها أو جلها معروفا يف العصوا السابقة‪ .‬األمر الذي بنبغي معه مواجهتها ابلبحث‬
‫واالجتهار والتجديد‪ .‬وإذا كان وذا األمر يعتذا على فرر فإن اإلجتهار اجلماعي قارا على مواجهة‬
‫ذلك‪ .‬فاإلنسان قليل بنفسه كثري إبخوانه ‪ .‬وهللا ويل التوفيق‬

You might also like