Professional Documents
Culture Documents
أصول الفقه
اجلزء الثاني
إعداد:
إرشاد رافع
غفر اهلل له ولوالديه ولمشايخه وألساتذته
irsyadrafi@stiba.ac.id
التمهيد
احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على نبينا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني .
وبعد :
فهذه مذكرة ملادة أصول الفقه املقررة يف املستوى الثاين ابملعهد العايل للدراسات اإلسالمية واللغة العربية
مكسر .وهي تشمل مقدمة خمتصرة بتعريف علم أصول الفقه وذكر مباحثه ,وذلك من ابب التذكري واملراجعة ملا
هو مسبوق دراستها يف املستوايت املاضية حىت يتم التسلسل العلمي يف دراسة هذا العلم .ويليها دراسة ملباحث
بقية األدلة املتفق عليها (منها :السنة مث اإلمجاع مث االستصحاب) ,ويليها األدلة املختلف فيها ( منها :شرع من
قبلنا مث قول الصحايب مث االستحسان مث املصاحل املرسلة مث سد الذرائع مث العرف).
هذه املذكرة مرتبة على حسب ما يف الكتاب املقرر "روضة الناظر وجنة املناظر" ملوفق الدين عبد هللا بن
أمحد بن قدامة املقدسي احلنبلي ( 620هـ).
سائال املوىل جل جالله أن يوفقنا ملا حيبه ويرضاه .أخوكم " إرشاد حممد رافع " غفر هللا له ولوالديه.
المقدمة
تعريف أصول الفقه
هو معرفة أدلة الفقه إمجاالا ,وكيفية االستفادة منها ,وحال املستفيد .
وقد اشتمل هذا التعريف على املباحث الثالثة من مباحث علم أصول الفقه األربعة ,وهي كما يلي :
❖ المبحث االول :معرفة أدلة الفقه إمجاال
أي معرفة أدلة األحكام الشرعية من حيث اإلمجال ,أي من حيث ثبوت حجيتها ومعرفة أقسامها وما يصح أن
يكون دليال منها .كمعرفة القرآن وثبوت حجيته ؛ ومعرفة السنة وأقسامها وما هو احلجة منها ؛ ومعرفة اإلمجاع
وأقسامه ومىت يكون حجة ؛ ومعرفة القياس وأقسامه وحجيته ,وحنو ذلك .
واألدلة الشرعية أقسام :
.1من حيث أصلها ومصدرها :
.1األدلة املتفق عليها ؛ وهي القرآن ,والسنة ,واإلمجاع ,مث القياس.
.2األدلة املختلف فيها ؛ كاالستصحاب واالستحسان وشرع من قبلنا وقول الصحايب وعمل أهل املدينة
واملصاحل املرسلة وغري ذلك
.2من حيث القطع والظن :
.1الدليل القطعي ؛ هو ما كان قطعي السند ,وقطعي الداللة أيضا .وحكم هذا النوع من األدلة وجوب
اعتقاد موجبه علما وعمال ,وأنه ال يسوغ فيه االختالف ,وهذا مما ال خالف فيه بني العلماء يف اجلملة.
1
.2الدليل الظين ؛ هو ما كانت داللته ظاهرة غري قطعية ,أو كان ثبوته غري قطعي .وحكم هذا النوع
من األدلة وجوب العمل به يف األحكام الشرعية ابتفاق العلماء ,أما إن تضمن حكما علميا عقداي,
فمذهب السلف أنه ال فرق بني األمور العلمية والعملية وأن العقائد تثبت ابألدلة الظنية.
.3من حيث النقل والعقل :
.1الدليل النقلي ؛ ما أثبته الشرع وجاء به مما ال يُعلم إال بطريق السمع والنقل ,وال يعلم بطريق العقل,
فهذا دليل شرعي مسعي.
.2الدليل العقلي ؛ ما دل عليه الشرع ونبه عليه ,وأرشد فيه إىل األدلة العقلية واألمثلة املضروبة ,فهذا
دليل شرعي عقلي.
❖ المبحث الثاني :معرفة كيفية االستفادة منها
أي معرفة طرق استنباط األحكام من األدلة الشرعية ؛ وطرق الرتجيح بني هذه األدلة عند تعارضها.
.1طرق استنباط األحكام من األدلة الشرعية (داللة األلفاظ) :
داللة اللفظ على احلكم الشرعي تنقسم إىل ثالثة أقسام :
.1داللة المنطوق :أي أن يدل اللفظ على احلكم الشرعي بصيغته ومنطوقه :
مهنا :النص /الظاهر واملؤول /اجململ واملبني /ا ألمر والهني /العام واخلاص /املطلق واملقيد.
.2داللة المفهوم :أي أن يدل اللفظ على احلكم الشرعي بفحواه وإشارته :
مهنا :الاقتضاء /الإشارة /الإمياء /التنبيه (ويسمى مفهوم املوافقة) /دليل اخلطاب (ويسمى مفهوم اخملالفة).
.3داللة المعقول :أي أن يدل اللفظ على احلكم الشرعي مبعناه ومعقوله :وهو القياس.
.2الترجيح عند التعارض
.3ترتيب األدلة
❖ المبحث الثالث :معرفة حال املستفيد
املستفيد هو طالب احلكم من الدليل ,وهو اجملتهد .فالبد أن يكون له علم ابالجتهاد وشروطه واألحكام املتعلقة
به ,ويتبع ذلك معرفة املقلد وأحكام التقليد.
❖ المبحث الرابع :األحكام بقسميها (التكليفية والوضعية)
وهذا املبحث ال يدخل يف هذا التعريف ابعتبار أن موضوع أصول الفقه هو األدلة ,فتكون األحكام هبذا االعتبار
مقدمة من مقدمات علم أصول الفقه غري داخلة يف موضوعه .
2
السنة
التعريف
لغة :السرية والطريقة والعادة ,سواء كانت حسنة أو سيئة.
خيص األحكام التشريعية .هذا
واصطالحا :ما صدر عن النيب ﷺ غري القرآن من قول ،أو فعل ،أو تقرير ،مما ُّ
التعريف عند األصوليني.
وعند احملدثني :السنة هي ما نقل عن النيب ﷺ من قول ،أو فعل ،أو تقرير ،أو وصف .بزايدة (الوصف) ويريدون
به ما ورد عن الصحابة من وصف الرسول سواء كان َخلقيا أو ُخلقيا.
واألصوليون مل يدخلوا هذا النوع يف السنة ,ألهنم يتكلمون عن السنة اليت هي دليل يستدل به ويتأسى ابلرسول فيه,
وال شك أن صفات الرسول اليت ليست من فعله ال ميكن أن تكون دليال على الوجوب واالستحباب ,إذ ال يتعلق
هبا حكم.
وتطلق السنة يف كالم العلماء إطالقات أخرى ,فهي تطلق على املستحب واملندوب ,وتطلق يف مقابل البدعة ,وهلا
إطالقات أخرى.
تقسيم السنة
تنقسم السنة من حيث ذاتها ثالثة أقسام :
.1السنة القولية :وهي ما صدر عن النيب ﷺ من القول غري القرآن .وسيأيت الكالم به مفصال يف ابب
دالالت األلفاظ.
.2السنة الفعلية :وهي ما صدر عن النيب ﷺ من فعل .مثل ما نقل من صفة وضوئه وصفة صالته ,ويدخل
ما تركه ﷺ مع قيام الداعي مبثابة الفعل (ويسمى ابلسنة الرتكية).
.3السنة التقريرية :وهي ما نقل من سكوت النيب ﷺ عن قول قيل أو فعل فعل يف حضرته ,أو علم به ومل
ينكره .ومن أمثلة ذلك ما رواه الشيخان :من أكل الضب على مائدته من غري إنكار.
بعض العلماء املتأخرين يقسمون السنة من حيث ورودها إلينا إىل :متواترة وآحادية ,أو متواترة ومشهورة
وآحادية .وهذا ليس تقسيما للسنة وإمنا هو تقسيم للخرب الناقل لسنة الرسول ﷺ .فالسنة ال تنقسم إىل هذه
األقسام ,بل هذه أقسام اخلرب سواء كان انقال لسنة الرسول ﷺ أم لغريها.
وكذلك تقسيمهم السنة إىل صحيحة وحسنة وضعيفة ال يرجع إىل ذات السنة بل راجع إىل اخلرب الذي نقل لنا
السنة .فلو تيقنا أهنا سنة الرسول ﷺ ملا مسعناها ضعيفة ,بل الضعف يف السند الناقل هلا.
وهلذا جند املتقدمني جيعلون هذين التقسيمني للخرب أو للحديث ,والسنة أخص منهما.
الخبر وأقسامه
:النبأ ,ومجعه أخبار لغة
اصطالحا :هو الذي يتطرق إليه التصديق أو التكذيب.
3
وضابط اخلرب هو ما ميكن أن يقال لقائله :صدقت أو كذبت ,وما ال ميكن فيه ذلك فهو اإلنشاء ,كاألمر والنهي.
ينقسم اخلرب عند اجلمهور إىل قسمني :املتواتر واآلحاد .وعند احلنفية ثالثة أقسام :املتواتر واملشهور واآلحاد.
المتواتر
لغة :من كلمة تواتر وهو :جميء الواحد بعد الواحد بفرتة بينهما ,ومن ذلك قوله تعاىل " :مث أرسلنا رسلنا ترتى".
اصطالحا :هو ما رواه مجاعة يستحيل تواطؤهم على الكذب عادة وأسندوه إىل حس.
شروط املتواتر هي :
.1أن يروي مجع غري حمصور.
.2أن يكون اخبارهم عن أمر حمسوس أي مدرك إبحدى احلواس كقوهلم ( :رأينا ,ومسعنا ).
.3أن يكون العدد ابلغا حدا يستحيل معه التواطؤ على الكذب عادة.
.4أن يكون العدد املذكور يف كل طبقة من طبقات السند من أوله إىل آخره.
املتواتر نوعان :
.1املتواتر اللفظي :وهو ما اتفق الرواة على لفظه ومعناه ،مثل حديث ( :من كذب علي متعمدا فليتبوأ
مقعده من النار) فقد روى هذا احلديث عن النيب ﷺ أكثر من ستني صحابيا .وقد اعتىن مجاعة من
العلماء جبمع األحاديث اليت رأوا أهنا بلغت حد التوتر .وهي قليلة إذا قيست مبا جعلوه من اآلحاد.
.2املتواتر املعنوي :وهو ما اتفق الرواة على معناه دون لفظه حىت أصبح املعىن مقطوعا به وإن كان اللفظ
مل يبلغ درجه القطع .ومثاله األحاديث الواردة يف املسح على اخلفني؛ فإن معناها املشرتك بينها وهو
(مشروعية املسح على اخلفني) متواتر ،وإن كانت ألفاظها غري متواترة.
اآلحاد
لغة :اآلحاد مجع أحد مبعىن واحد
اصطالحا :وهو ما رواه واحد أو أكثر ومل يبلغوا حد التواتر .وأغلب األحاديث من هذا القسم.
المشهور عند احلنفية :هو ما رواه عن النيب ﷺ واحد أو اثنان مث تواتر يف عصر التابعني أو اتبعي التابعني.
ومثلوه حبديث عمر بن اخلطاب ـ رضي هللا عنه ـ أن النيب ﷺ قال ( :إمنا األعمال ابلنيات وإمنا لكل امرئ ما نوى)
متفق عليه.
وتقسيم اخلرب إىل متواتر وآحاد ،أو إىل متواتر ومشهور وآحاد ،يكاد جيمع عليه علماء األصول وعلماء احلديث،
ولكنهم مل يتفقوا على حتديد دقيق للعدد الذين تعد روايتهم تواترا والذين تعد روايتهم آحادا ،فكل ما ذكروه من
حتديد مل يقم عليه دليل صحيح.
مسألة :هل يشترط في المتواتر عدد محصور ؟ فيها أقوال :
فقيل أقله اثنان ,وقيل أقله أربعة ,وقيل مخسة ,وقيل عشرون ,وقيل ثالثون ,وقيل سبعون .
4
والصحيح أنه ال يشرتط يف املتواتر عدد حمصور :بل مىت ما حصل العلم خبرب املخربين اجملرد عن القرائن فإان نعلم
أن اخلرب قد بلغ التواتر ،كاخلبز نقطع أبنه يشبع واملاء نقطع أبنه يروي مع عدم حتديد احلد الذي يقع به الشبع
والري منهما.
والبعض عرفوا املتواتر أبنه :ما أفاد العلم واليقني ،واآلحاد ما أفاد الظن.
مسألة :هل الخبر المتواتر يفيد العلم ؟
ال خالف بني املسلمني يف أن التواتر يفيد العلم اليقيين؛ ألننا جند أنفسنا عاملة علما يقينيا مبا أخربان به عن
طريق التواتر ،كإخباران ابألنبياء والعلماء والسالطني ،والبالد النائية كاهلند والصني وحنو ذلك ،كما جند أنفسنا عاملة
حنس به.
مبا نشاهده وما ُّ
ومن أنكر ذلك كالسمنية )منسوبون إىل صنم يسمى مسن أو بلد يسمى مسوانت( فقد أنكروا ما قطع به ،وهذا
عتد بقوله .
ال يُ ُ
والناس خيتلفون يف العدد الذي يفيد اليقني :فمنهم من يقطع مبا رواه له عدد يسري ،ومنهم من يشك وال يتيقن
ابخلرب وإن رواه عدد كثري ،ومنهم املطلع أبحوال الرواة اخلبري أبلفاظ النبوة الذي رمبا قطع بصحة احلديث الذي رواه
اثنان أو ثالثة ،ومنهم من ليس كذلك.
ومع اختالف الناس يف ذلك ،لكنهم ال خيتلفون فيما رواه عدد كثري يفوق احلصر أنه متواتر ،ولكن مثل هذا ال
وجود له يف األحاديث النبوية ،وهلذا جندهم ميثلون له ابخلرب بوجود مكة واملدينة وحنو ذلك مما ال يتصور فيه
اخلالف.
عرفوه أبنه ما أفاد القطع ،ال بد أن يعرتفوا أن اخلرب قد يتواتر عند شخص وال يتواتر عند غريه ،فقد يقطع
والذين ّ
شخص بصدقه وال يقطع اآلخر ،وحينئذ ال ميكن أن نرتب على هذا التقسيم تكفري املخالف للخرب إذا قال إن
احلديث مل يتواتر عندي ومل أقطع بصحته عن الرسول ﷺ.
وهذا قد دعا بعض العلماء إىل إنكار التقسيم من أساسه ،وعدم التعويل عليه ،وعدم التفريق بني ما مساه احملدثون
متواترا وما مسوه آحادا مىت صح سنده ،وقالوا :العربة بصحة اخلرب ،فمىت صح وجب العمل به قطعا.
وينقسم الخبر من حيث صحته إىل ثالثة أقسام :صحيح ،وحسن ،وضعيف :
.1الصحيح :
وسلِم من الشذوذ والعلة القادحة.
وهو ما رواه عدل اتم الضبط عن مثله إىل رسول هللا ﷺ َ ،
ومعىن قوهلم ( :عدل) ،أي :مرضي يف دينه وخلقه ،وهو املواظب على الواجبات اجملتنب للكبائر وما خيل
ابملروءة من الصغائر.
وقوهلم ( :اتم الضبط) ،أي :أنه يغلب عليه حفظ ما مسعه من احلديث وعدم خمالفة الثقات يف ذلك.
وقوهلم ( :عن مثله) ،أي :أن رجال السند ال بد أن يكونوا كذلك من لدن الراوي الذي نقل لنا احلديث إىل
رسول هللا ﷺ.
5
وقوهلم ( :وسلم من الشذوذ والعلة القادحة) :
الشذوذ :هو خمالفة الراوي للثقات األثبات .والعلة القادحة :وصف خفي يوجب رد احلديث.
وهذا مل يضبطه احملدثون بضابط حمدد ،وإمنا ذكروا أمثلة لألحاديث املعللة كما فعل الرتمذي يف علل احلديث،
وفعله غريه من علماء احلديث.
ويصرح كبار النقاد من احملدثني أبن نقد احلديث صناعة ال يتقنها إال أهلها ،ويدل على ذلك القصة املنقولة
عن أيب حامت الرازي حني أعل بعض األحاديث ،فقال له السائل :تدعي علم الغيب؟ قال :ما هذا ادعاء
علم الغيب ،قال :فما الدليل على ما تقول؟ قال :سل عما قلت من حيسن مثل ما أحسن ،فإن اتفقنا
علمت أان مل جنازف ومل نَـ ُقله إال بفهم ،فذهب السائل إىل أيب زرعة فسأله فوجد جوابه مطابقا جلواب أيب
حامت ،مث رجع إىل أيب حامت وقال :ما أعجب هذا! تتفقان من غري مواطأة فيما بينكما.
هذا عند احملدثني.
وأما األصوليون فقد ذكروا صفات يـَُرّد هلا خرب اآلحاد عند بعض العلماء ،وهذا من قبيل إعالل احلديث بعلة
قادحة عند من رد احلديث ألجلها .ومن ذلك ,إذا انفرد الراوي برواية ما تعم به البلوى ,هل يقبل حديثه أو ال ؟
املسألة كاآليت :
مسألة :خبر الواحد فيما تعم به البلوى
اختلف اهل العلم يف قبول خرب الواحد فيما تعم به البلوى " كرفع اليدين يف الصالة ونقض الوضوء من مس الذكر"
على قولني :
القول األول :قبوله واالحتجاج به (قول اجلمهور وهو الراجح ) واستدلوا بـ:
.1اإلمجاع الصحابة السكويت على قبوله ،فقد قبلوا خرب عائشة رضي هللا عنها وهو " :إذا التقى اخلتاانن
فقد وجب الغسل" ،وقبلوا خرب رافع رضي هللا عنه :أن النيب ﷺ هنى عن املخابرة دون نكري من أحد،
فكان إمجاعا.
.2وألن الرواي هلذا اخلرب فيما تعم به البلوى عدل ثقة قد جزم بتلك الرواية فغلب على ظننا صدقه ،وإذا كان
كذلك فيجب قبول ما رواه.
القول الثاين :عدم قبوله ( احلنفية ) ؛ لتوافر الدواعي على نقله فكيف خيتص بروايته اآلحاد.
فاحلنفية رد خرب اآلحاد هبذا التعليل ,وهو من العلة القادحة يف احلديث .وقالوا هم وغريهم إذا انفرد مبا تتوافر
الدواعي على نقله من العدد الكثري ال تقبل روايته ،ومثلوا مبا حيتج به الشيعة على أن الرسول ﷺ عهد لعلي بن
أيب طالب رضي هللا عنه ابخلالفة بعده.
المسألة :إذا خالف خبر اآلحاد النص الصريح من القرآن
وإذا خالف خرب اآلحاد النص الصريح من القرآن ال يقبل.
6
مثاله :مبا رواه عمر وابنه رضي هللا عنهما أن النيب ﷺ قال( :إن امليت ليعذب ببكاء أهله عليه) متفق عليه .فإن
ُخَرى} [فاطر ،]18وقالت :يغفر {وَال تَ ِزُر َوا ِزَرةٌ ِوْزَر أ ْ
عائشة رضي هللا عنها ردت احلديث ملعارضته لقوله تعاىل َ :
هللا أليب عبد الرمحن (يعين :ابن عمر) ،أما إنه مل يكذب ولكنه نسي أو أخطأ ،إمنا َمّر رسول هللا ﷺ على يهودية
يُبكى عليها ،فقال ( :إهنم ليبكون عليها وإهنا لتعذب يف قربها) (أخرجه مسلم ،وحنوه يف البخاري) .ومجهور العلماء
مل يرتكوا احلديث بل أتولوه مبا ال يتعارض مع اآلية ،وهو مراد عائشة رضي هللا عنها.
.2احلسن :
وقد اختلف احملدثون يف تعريفه ،فأدخله بعضهم يف الصحيح ،ومن أوضح ما قيل يف تعريفه أنه :ما نقله عدل
خفيف الضبط بسند متصل من غري شذوذ وال علة قادحة .فيكون الفرق بينه وبني الصحيح يف قوة الضبط
وخفته.
.3الضعيف :
وهو ما مل جيمع صفات الصحيح أو احلسن.
وهناك تقسيمات أخرى عند احملدثني ال نطيل بذكرها.
شروط الراوي الذي تقبل روايته
يشرتط يف الراوي عدة شروط بعضها حمل وفاق وبعضها حمل خالف ،وأمهها ما يلي :
.1اإلسالم :
{اي أَيُّـ َها
والدليل على اشرتاطه أن هللا أوجب التوقف يف خرب الفاسق فالكافر أوىل بذلك ،قال تعاىلَ :
ِِ ِ ٍ ِ ِ َّ ِ
ني} ين َآمنُوا إِ ْن َجاءَ ُك ْم فَاس ٌق بِنَـبٍَإ فَـتَـبَـيَّـنُوا أَ ْن تُصيبُوا قَـ ْواما جبَ َهالَة فَـتُ ْ
صبِ ُحوا َعلَى َما فَـ َع ْلتُ ْم َاندم َ الذ َ
[احلجرات .]6كما أن الكافر متهم ابإلضرار ابلدين والكذب عليه فال يقبل قوله فيه.
وهذا الشرط حمل وفاق ،ولكن املراد اشرتاط هذا الشرط عند األداء ال عند التحمل ،أي أن الكافر لو
مسع حديثا من الرسول صلى هللا عليه وسلم حال كفره مث رواه بعد إسالمه قبل منه.
.2البلوغ :
والدليل على اشرتاطه أن الصيب مرفوع عنه التكليف وهو آمن من العقوبة على الكذب فال يبعد أن يكذب
على الرسول ﷺ.
.3العدالة :
وهي صفة راسخة يف النفس حتمل املتصف هبا على مالزمة التقوى وترك الكبائر ،وما خيل ابملروءة من
الصغائر ،ويعنون مبا خيل ابملروءة األعمال اخلسيسة اليت ال تناسب مكارم األخالق ،كالغش يف التوافه.
والدليل على اشرتاطها قوله تعاىل{ :اي أَيـُّها الَّ ِذين آمنُوا إِ ْن جاء ُكم فَ ِ
اس ٌق بِنَـبٍَإ فَـتَـبَـيَّـنُوا} [احلجرات]6؛ ََ ْ َ َ َ َ
حيث أوجب التوقف يف خرب الفاسق وعدم احلكم به حىت يروى من طريق آخر رواته عدول .وألن الفاسق
متهم ابلكذب فال يقبل قوله.
7
.4الضبط :
وهو احلفظ ملا يسمعه أو يراه ،وقلة اخلطأ فيه .والدليل على اشرتاطه أن من كثر منه الغلط فيما ينقله
ويرويه ال يغلب على الظن صدقه ،ومن ال يغلب على الظن صدقه ال يقبل خربه يف الدين.
مسألة :هل يقبل خبر مجهول الحال في اإلسالم والتكليف والضبط ؟
ال يقبل خربه إمجاعا ،أي :أنه إذا روى لنا خربا وحنن ال نعرف أنه مسلم ،أو كافر ،أو ال نعرف أنه مكلف
أم ال ،أم ال نعرف أنه ضابط أم ال ،فإن هذا ال يقبل خربه ،وال نعمل به؛ ألن اإلسالم والتكليف والضبط من
شروط قبول الرواية .
مسألة :هل يقبل خبر مجهول الحال في العدالة ؟
القول األول :أنه ال يقبل خربه؛ لدليلني :
.1قياس جمهول احلال يف العدالة على جمهول احلال يف اإلسالم ،والتكليف والضبط.
.2قياس جمهول العدالة يف الرواية على جمهول العدالة يف الفتوى ،بيانه :أن املفيت إذا بلغ درجة االجتهاد
وشك يف عدالته فإن فتواه ال تُقبل.
القول الثاين :أن خرب جمهول احلال يف العدالة يقبل ( أكثر احلنفية ،وبعض الشافعية ) لآليت :
.1أنه قبل شهادة هذا األعرايب يف رؤية هالل شهر رمضان ،وهو ال يعرف عنه إال كونه مسلما ،ومل يعلم منه
عدالة وال فسقا ،فإذا قبل شهادته فمن ابب أوىل أن يقبل خربه؟
وأجيب عنه :أبن الصحابة كلهم عدول تثبت عدالتهم وتزكيتهم ابلنص .
.2أن الصحابة كانوا يقبلون رواية األعراب والعبيد والنساء ألهنم مل يعرفوهم بفسق .
وأجيب عنه :أبن الصحابة ما كانوا يقبلون رواية أحد من غري الصحابة من العبيد والنساء إال من عرفوا صدقه
وعدالته.
.3أن من أسلم من الكفار مث روى فور إسالمه فروايته مقبولة .والقول بردها بعيد وال مستند لقبوهلا اال إسالمه
وعدم العلم بفسقه بعد إسالمه.
حجية السنة
السنة هي املصدر الثاين من مصادر التشريع اإلسالمي ،وال خيتلف املسلمون يف حجية السنة الثابتة عن الرسول
ﷺ ،وهلذا فاألخبار املتواترة عن الرسول ﷺ حجة ابتفاق املسلمني.
وأما أخبار اآلحاد فقد خالف فيها بعض املتكلمني ،فقال بعضهم إهنا ليست حجة ،وقال بعضهم يشرتط يف
حجية خرب اآلحاد أن يرويه عن النيب ﷺ اثنان ويرويه عن كل واحد منهما اثنان حىت يصل إلينا .وهذه املذاهب
مل يعتنقها ـ واحلمد هلل ـ أحد من األئمة املتبوعني ،بل مجيعهم اعتدوا أبخبار اآلحاد إذا صحت واحتجوا هبا .وهذه
هي تفصيل املسألة :
8
المسألة :حجية أخبار اآلحاد (هل يجوز التعبد بخبر الواحد والعمل به)
القول األول :خرب الواحد حجة يتعبد ويعمل به (قال به مجهور العلماء)
القول الثاين :خرب الواحد ليس حبجة وال جيوز التعبد والعمل به (قال به أكثر القدرية)
القول الثالث :أنه يشرتط لقبول اخلرب أن يرويه عدالن عن النيب مث يرويه عن كل واحد منهما اثنان عدالن (
أبو علي اجلبائي )
أدلة القول األول :
مما استدلوا به على حجية أخبار اآلحاد ما يلي :
َّهوا ِيف ال ِّدي ِن َولِيُـْن ِذ ُروا قَـ ْوَم ُه ْم إِ َذا َر َجعُوا إِلَْي ِه ْم لَ َعلَّ ُه ْم ِ ِ ِ ٍِ ِ
.1قوله تعاىل{ :فَـلَ ْوَال نَـ َفَر م ْن ُك ِّل ف ْرقَة مْنـ ُه ْم طَائ َفةٌ ليَـتَـ َفق ُ
َْحي َذ ُرو َن} [التوبة.]122
وجه الداللة :أن الطائفة يف اللغة تطلق على الواحد وعلى العدد القليل والكثري ،وقد أوجب هللا عليهم
أن ينذروا قومهم ،ولوال أن نذارهتم مقبولة ملا كان إلجياب النذراة عليهم فائدة.
.2أن النيب ﷺكان يرسل رسله وأمراءه وقضاته وسعاته املأمورين جبمع الزكاة ،وهم آحاد فلو مل جيب قبول
خربهم عنه ملا أرسلهم ،وملا حصل املقصود إبرساهلم.
.3إمجاع الصحابة على قبول خرب الواحد والعمل به ،ويدل على إمجاعهم قضااي ووقائع ال ميكن تكذيبها
جمتمعة ،ومن ذلك :
-أن أاب بكر رضي هللا عنه ورث اجلدة السدس بعد أن ردها ،وقال :ما علمت لك يف كتاب هللا حقا،
وال مسعت عن رسول هللا ﷺ فيه شيئا فارجعي حىت أسأل الناس ،فسأل الصحابة فشهد املغرية بن
شعبة أن رسول هللا ﷺ أعطاها السدس ،وشهد معه حممد بن مسلمة فأعطاها أبو بكر السدس
(أخرجه أمحد وأصحاب السنن ،وقال احلاكم :صحيح على شرط الشيخني ومل خيرجاه).
-وعمر رضي هللا عنه ورث املرأة من دية زوجها ملا روي له أن النيب ﷺ ورث امرأة أشيم الضبايب من
دية زوجها (رواه الرتمذي وصححه) ،وكان ال يرى ذلك قبل مساع احلديث.
-ومن ذل ك ما روي عن عمر رضي هللا عنه من استدالله ابحلديث الذي رواه عبد الرمحن بن عوف
يف دخول البلد الذي وقع فيها الطاعون (أخرجه مسلم) ،وغري ذلك مما ال حيصى كثري.
.4إمجاع العلماء على أن املستفيت مأمور بقبول قول املفيت وهو واحد ،وإمجاعهم على أن القاضي جيب عليه
القضاء بشهادة عدلني مع أن خربمها حيتمل الكذب.
أدلة القول الثالث :
الذين اشرتطوا لقبول خرب اآلحاد أن يرويه اثنان عن النيب ﷺ ويرويه عن كل واحد منهما اثنان إىل أن يصل إلينا
احتجوا مبا يلي :
.1قياس الرواية على الشهادة.
9
.2ما روي عن عمر رضي هللا عنه أنه طالب أاب موسى األشعري رضي هللا عنه مبن يشهد معه حينما روى
له حديث االستئذان ومل يقبله حىت شهد له أبو سعيد اخلدري (متفق عليه) ،وأبو بكر مل يقبل خرب املغرية
يف مرياث اجلدة حىت شهد معه حممد بن مسلمة كما تقدم.
واجلواب عن أدلة املشرتطني للقبول رواية اثنني كما يلي :
.1قياسهم الرواية على الشهادة ال يصح؛ ألنه قياس مع الفارق ،فالرواية خرب عام يف الدين والشهادة إلزام
لشخص بعينه فيتهم الشاهد الواحد بقصد اإلضرار ابلشخص املعني وال يتهم الراوي املسلم العدل ابإلضرار
ابألمة عموما.
وشهادة العبد مردودة عند اجلمهور وروايته مقبولة ابتفاق .وشهادة املرأة مردودة يف بعض الوقائع وروايتها
مقبولة ابتفاق.
.2وأما استدالهلم مبا روي عن بعض الصحابة من طلب من يشهد للراوي الواحد فيجاب عنه أبهنم طلبوا
ذلك لزايدة التثبت وإلشعار الناس بعظم الرواية عن النيب ﷺ حىت ال يتجرأ عليها كل أحد .ويف هذا يقول
عمر رضي هللا عنه أليب موسى« :أما أين مل أهتمك ولكن احلديث عن رسول هللا ﷺ شديد» (أخرجه أبو
داود) ،وأبو بكر رضي هللا عنه قد يكون طلب من يشهد للمغرية ألن هللا مل يذكر للجدة شيئا حني ذكر
أصحاب الفروض فال بد من زايدة التثبت لتوريثها.
ومما يدل على أهنم مل يردوا خرب الواحد أهنم قبلوا أخبار اآلحاد من غري أن تكون من رواية اثنني فأكثر،
فقبل أبو بكر خرب « :إ ّان معاشر األنبياء ال نورث» (أخرجه النسائي هبذا اللفظ ومعناه يف الصحيحني)،
وقبل عمر حديث عبد الرمحن بن عوف يف اجملوس« :سنوا هبم سنة أهل الكتاب» (رواه مالك والشافعي
والبيهقي ،وهو معلول ،ولكن قال البيهقي :إمجاع أكثر املسلمني عليه يؤكده) وقبل خرب توريث امرأة أشيم
الضبايب من دية زوجها ،وخربه يف احلكم إذا نزل الطاعون أبرض ،وخرب دية اجلنني (أخرجه مسلم) ،وحنو
ذلك.
مث إن خرب االثنني كخرب الواحد ال يرتقي إىل درجة التواتر ابتفاق املقسمني للخرب.
أدلة القول الثاين :
الذين أنكروا االحتجاج مبا ليس مبتواتر فأهم ما احتجوا به ما يلي :
ك بِِه ِع ْل ٌم} [اإلسراء .]36قالوا :خرب اآلحاد ال يفيد العلم فال جيوز
س لَ َ
ف َما لَْي َ
{وَال تَـ ْق ُ
.1قوله تعاىلَ :
اتباعه.
.2ما روي عن بعض الصحابة من ردهم لبعض األخبار كرد عائشة خلرب عمر وابنه يف تعذيب امليت ببكاء
أهله عليه ،ورد ابن عباس خرب أيب هريرة يف امليت« :من محله فليتوضأ» (أخرجه أمحد والنسائي والرتمذي
وحسنه) وقال :ال يلزمنا الوضوء من محل عيدان ايبسة.
فيجاب عن أدلتهم كما يلي :
10
.1اآلية دلت على النهي عن اقتفاء ما ال نعلم وجوب اتباعه؛ وخرب اآلحاد قد أمجع الصحابة والتابعون على
وجوب اتباعه ،فالعلم بوجوب العمل به حاصل.
أو يقال إن العلم املذكور يف اآلية ليس املراد به العلم اليقيين الذي ال حيتمل النقيض ،بل هو ما يغلب
على الظن ،وهذا املعىن هو الذي يقصد ابلعلم يف القرآن كما قال تعاىل :فإن علمتموهن مؤمنات فال
ترجعوهن إىل الكفار ،فإن العلم يف هذه اآلية ال ميكن أن حيمل على ما ال حيتمل النقيض.
.2وأما ما ذكروه عن بعض الصحابة من رد ألخبار اآلحاد ،فالثابت منه مل يكن الرد فيه لكونه خرب آحاد،
بل لكونه معارضا ألدلة قطعية أقوى منه ،فعائشة ردت خرب تعذيب امليت آبية { :أََّال تَ ِزُر َوا ِزَرةٌ ِوْزَر
ُخَرى} [النجم .]38وهلذا فإن الذين قبلوه أتولوه على معىن ال خيالف هذه اآلية .وكذلك ما روي عن أْ
ابن عباس رضي هللا عنه من رده خلرب أيب هريرة رضي هللا عنه ،له فيه عذر آخر غري كونه خرب آحاد ،ولذا
مل حيتج يف رده بكونه خرب واحد ،والذين قبلوا خرب أيب هريرة يف األمر ابلوضوء من محل اجلنازة ،منهم من
محله على االستحباب ،ومنهم من محله على الوضوء قبل محله حىت يكون على طهارة عند الصالة عليه،
وهذا معىن لطيف ،واحلديث حيتمله.
مسألة :هل خبر الواحد يفيد العلم؟
القول األول :أن خرب الواحد اجملرد يفيد الظن ،وال يفيد العلم (قول مجهور األصوليني ) ل ــآليت :
.1ألنه لو كان خرب الواحد يفيد العلم؛ لكان العلم حاصالا خبرب األنبياء إذا أخربوا ببعثهم من غري حاجة إىل
إظهار املعجزات واألدلة على صدقهم .
.2ولوجب على القاضي أن يصدق املدَّعي من غري بينة .
.3وملا احتيج إىل عدد من الشهود.
.4وجلاز أن ينسخ خرب الواحد القرآن والسنة املتواترة .
القول الثاين :أنه يفيد اليقني إن كان الرواة عدوالا ضابطني ( الظاهرية وبعص العلماء )؛ ألن العمل خبرب اآلحاد
واجب ,والظن ليس من العلم حىت جيب العمل به؛ ألن هللا تعاىل يقول ( :إن الظن ال يغين من احلق شيئا) .والنيب
ﷺ يقول ( :إايكم والظن فإن الظن أكذب احلديث) .
القول الثالث :التفصيل :إن احتفت به قرائن دالة على صدقة أفاد اليقني واال أفاد الظن ( .بعض العلماء كاجلويين
وابن تيمية ) .
ومثال ما احتفت به القرائن :إخبار رجل مبوت ولده املشرف على املوت مع قرينة البكاء واحضار الكفن والنعش.
ومن أمثلته أيضا أحاديث الشيخني؛ ألن القرائن دالة على صدقها جلاللتها يف هذا الشأن ,وتقدميهما يف متييز
الصحيح على غريمها ,وتلقي العلماء لكتاهبما ابلقول ,وهذا التلقي وحده أقوى يف إفادة العلم من جمرد كثرة الطرق.
الراجح (عند الشنقيطي) :والتحقيق يف هذه املسألة وهللا أعلم ان خرب اآلحاد أي الذي مل يبلغ حد التواتر ينظر
اليه من جهتني :
11
احدامها :أنه قطعي من حيث أن العمل به واجب؛ ألن العمل ابلبينات مثالا قطعي منصوص يف الكتاب والسنة,
وقد أمجع عليه املسلمون وهي أخبار آحاد.
الثانية :أنه ظين من انحية أخرى وهي هل ما أخربوا به مطابق للواقع يف نفس األمر ,ويوضحه أيضا قول علماء
احلديث يف تعريف الصحيح أن املراد صحته يف ظاهر األمر .
مسألة :خبر الواحد فيما يخالف القياس أيهما يقدم ؟
القول األول :يقدم خرب الواحد (قول اجلمهور ) لآليت:
.1حلديث معاذ ملا بعثه رسول هللا إىل اليمن ( فقدم الكتاب والسنة على االجتهاد ).
.2وإمجاع الصحابة ,فهم مل يكونوا مييزون بني املتواتر واآلحاد .
القول الثاين :أنه يقدم القياس (قول مالك) ألن القياس يعضد أبصله فيرتجح على خرب الواحد املعارض ؛ألنه
تلحق شبهة الكذب هلذه املعارضة .
القول الثالث :إذا كان الراوي فقيها " كاخللفاء الراشدين وعائشة والعبادلة " يقدم خرب الواحد على القياس.
وإن مل يكن فقيها وخالف اخلرب مجيع األقيسة فإنه يقدم القياس عليه؛ ألن الراوي إذا مل يكن فقيها مل يؤمن أن
يذهب شيء من معانيه فتدخله شبهة زائدة خيلو عنها القياس ( احلنفية ).
مثال اخلرب املعارض جلميع األقيسة :قوله ":ال تصروا اإلبل والغنم فمن ابتاعها بعد فهو خبري النظرين بعد أن حيلبها
:إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعا من متر" فرد اللنب خمالف جلميع األقيسة الثابتة ابلكتاب والسنة واالمجاع
ابنعقاد وجوب املثل او القيمة عند فقد العني وليس اللنب مثل التمر وال قيمته.
مسألة :خبر الواحد في الحدود
القول األول :قبول خرب الواحد الوارد إبثبات حد أو ما جيري جمراه ( اجلمهور وهو الراجح ) لآليت:
.1قياسا على غريه من األخبار ؛ جبامع :أن الراوي فيهما عدل ثقة جازم يف الرواية ،ومل يعارضه مثله ،وألن
األدلة املثبتة حلجية خرب الواحد مل تفرق بني ما ورد إبثبات حد أو بغري ذلك.
.2وقياسا على الشهادة يف ثبوت احلدود هبا.
القول الثاين :أنه ال يقبل ( الكرخي )؛ ألنه مظنون ويلحقه االشتباه واحلديث " ادرأوا احلدود ابلشبهات"
مسألة :رواية الحديث بالمعنى
حترير حمل النزاع :
اتفقوا على أنه ال جتوز الرواية ابملعىن فيما يتعبد بلفظه كاألذان وفيما هو من جوامع الكلم.
أما ما عدا ذلك ففيه تفصيل ,وهو أن الراوي له حاالن :
.1إذا كان غري عامل مبقتضيات األلفاظ ،والفرق بينها من جهة اإلطالق والتقييد ،والعموم واخلصوص؛ فال
جيوز له الرواية ابملعىن؛ ألنه قد يبدل لفظا بلفظ يساويه -يف ظنه -وهو ليس كذلك ،فيرتتب على ذلك
خلل يف املعىن.
12
.2أما إن كان عاملا مبا تقدم ،فإن املعىن له حاالن :
.1إن كان املعىن غري متطابق فال جيوز اتفاقا.
.2وإن كان مطابقا :ففيه قوالن :
القول األول :جتوز الرواية ابملعىن (قول مجهور العلماء ).
القول الثاين :املنع مطلقا (حممد بن سريين وبعض السلف من أهل احلديث )؛ لقول النيب ﷺ " :نضر هللا امرأ
مسع مقاليت فأداها كما مسعها فرب مبلغ أوعى من سامع " وهو واضح الداللة.
أدلة اجلمهور ( الراجح ) :
.1اإلمجاع على جواز شرح الشرع للعجم بلساهنم ،فإذا جاز إبدال كلمة عربية أبعجمية ترادفها ،فبعربية أوىل.
.2كان سفراء النيب ﷺ يبلغوهنم أوامره بلغتهم.
.3معلوم أنه ال يعتد ابللفظ ،وإمنا املقصود فهم املعىن ،وإيصاله إىل اخللق ,ويدل على ذلك :أن اخلطب
املتحدة والوقائع ،رواها الصحابة أبلفاظ خمتلفة .
مسألة :شرط اجلمهور شروطا جلواز نقل احلديث ابملعىن كما يلي :
.1أن يكون الناقل عاملا ابللسان العريب ال ختفى عليه النكت الدقيقة اليت حيصل هبا الفرق بني معاين األلفاظ.
.2أن يكون جازما مبعىن احلديث ،وليس عن طريق االستنباط أو االستدالل مبختلف فيه.
.3أن ال يكون اللفظ الذي نقل به الراوي معىن احلديث أخفى من لفظ النيب .
قال القرايف" :جيوز بثالثة شروط :أن ال يزيد الرتمجة ،وال ينقص ،وال يكون أخفى من لفظ الشارع"
ألفاظ الرواية في نقل األخبار
(مراتب رواية الصحابي عن النبي ﷺ)
املرتبة األوىل (أقواها) :وهي ما كان اللفظ فيه صرحيا يف السماع من النيب حنو (:مسعته يقول أو حدثين أو أخربين
أو شافهين ) وهذا هو األصل يف الرواية ألنه ال يتطرق إليها االحتمال .
املرتبة الثانية :هي ما كان اللفظ فيه ظاهرا يف السماع منه كقوله ( قال رسول هللا ,أو عن رسول هللا ,وحنو ذلك
) وامنا كانت هذه املرتبة دون اليت قبلها ألهنا ليست صرحية يف السماع إلمكان أن يكون مسعه من غري النيب .
املرتبة الثالثة :أن يقول الصحايب أمر رسول هللا بكذا أو هنى عن كذا ويتطرق إليها احتماالن :
• عدم السماع مباشرة .
• وأنه قد يظن ما ليس أبمر أمرا هكذا قيل وهذا بعيد؛ إذ عدالة الصحايب متنعه من أن ينقل األمر فيما
ليس أبمر ولذا فهي يف منزلة اليت املرتبة الثانية لضعف االحتمال املذكور .
املرتبة الرابعة :أن يقول أمران أو هناان وال يذكر الفاعل وهذه يتطرق إليها ثالث احتماالت :
• عدم السماع مباشرة.
13
• وأنه قد يظن ما ليس أبمر أمرا هكذا قيل وهذا بعيد؛ إذ عدالة الصحايب متنعه من أن ينقل عن النيب مل
األمر فيما ليس أبمر.
• أن يكون اآلمر غري النيب من األئمة والعلماء .وأكثر أهل األصول على أنه ال حيمل اال على أمر هللا
ورسوله خالفا ملن أبطل هذه املرتبة هلذا االحتمال .ومثله قول من السنة كذا والسنة جائزة بكذا
املرتبة اخلامسة :أن يقول :كنا نفعل كذا على عهد رسول هللا أو كانوا يفعلون كذا على عهده كقول جابر:
"كنا نعزل والوحي ينزل " .
وأما اذا مل يذكر زمن النيب بل قال ( :كانوا يفعلون كذا مثالا ) ففيه قوالن :
• ( أبو اخلطاب ) قال :يكون نقالا لإلمجاع .
• (بعض أصحاب الشافعي) قالوا ال يكون نقالا لإلمجاع مامل يصرح بنقله عن أهل االمجاع .
(مراتب رواية غير الصحابي عن شيخه)
ألفاظ الراوي غري الصحايب من نقل اخلرب ختتلف ابختالف موقف الشيخ املروي عنه من هذا الراوي والعكس مما
سيتبني على التفصيل اآليت :
أوالً :قراءة الشيخ على الراوي وهو يسمع ,جتوز الرواية عنه والعمل به سواء قرأ إمالء من حفظه أو من
مكتوب فتجوز الرواية عنه مع العمل بذلك ابالتفاق.
ثانياً :إذا قصد الشيخ إمساع الراوي فقط فإن الراوي يقول " :حدثين فالن" ،أو "أخربين فالن" .
ثالثاً :إذا قصد الشيخ إمساع الراوي مع غريه فإن الراوي يقول " :حدثنا فالن" ،أو "أخربان فالن" .
رابعاً :إذا مل يقصد الشيخ إمساع الراوي منفردا وال مع مجاعة فإنه يقول " :مسعته يقول كذا" ،أو يقول " :مسعته
خيرب بكذا".
خامساً :قراءة الشيخ احلديث على الراوي وقراءة الراوي على الشيخ أيهما أقوى ؟ لقد اختلف العلماء يف ذلك
على مذاهب :
القول األول :قراءة الشيخ احلديث على الراوي أقوى من قراءة الراوي على الشيخ ( اجلمهور ) لآليت:
• ألنه هو طريق النيب .
• وألن ذلك أبعد عن اخلطأ والسهو والغلط .
• لكون الشيخ يقرأ ما حتقق منه فيكون أحق فيما هو املقصود ،وهو حتمل األمانة بصفة اتمة .
القول الثاين :أن قراءة الراوي على الشيخ أقوى ( أبو حنيفة ) .
ألن عناية الطلب أشد عادة؛ ألنه إذا قرأ الراوي على الشيخ كانت احملافظة من الطرفني ،وإذا قرأ الشيخ ال تكون
احملافظة إال منه .
القول الثالث :مها سواء ( اإلمام مالك )؛ ألن الذي يقرأ كتااب ويسهو ال فرق فيه بني القارئ والسامع؛ نظرا
ملساواة من يتكلم أو يستمع فيستفهم فيقول :نعم .
14
سادساً :قراءة الراوي على الشيخ وهو يسمع ،وقول الشيخ بعد ذلك " :مسعت ذلك " ،أو قوله " :األمر
كما قرئ علي" ،جتوز الرواية عنه مع العمل بذلك .
سابعاً :إذا قرأ الراوي على الشيخ وهو يسمع ،مث قال الراوي :هل مسعت أيها الشيخ ؟ فسكت الشيخ ،ففيها
قوالن :
القول األول :جتوز الرواية عنه ،وجيب العمل بذلك بشرط " :أن ال توجد لدى الشيخ أي مانع من اإلنكار إذا
أخطأ الراوي يف القراءة كغفلة أو قلة مباالة ،أو نوم ،أو إكراه على السكوت .وهو الراجح.
القول الثاين ( :بعض الظاهرية ) قالوا :ال جتوز الرواية عنه ،وال العمل به؛ ألن الساكت ال ينسب إليه قول
عندهم واستدالله أيضا بظاهر قوله تعاىل ( :قال أأقررمت وأخذمت على ذلك أصري ) .
ثامناً :إذا قرأ الراوي على الشيخ ،وأراد الراوي أن ُحيدث مبا قرأه على الشيخ فإنه يقول " :أخربان أو أنبأان أو
حدثنا فالن قراءة عليه" ،فال جيوز أن يقول " :حدثنا أو أخربان" مطلقا بدون ذكر لفظ "قراءة عليه" ؛ ألن هذا
يوهم :أن الشيخ هو الذي قرأ على الراوي .
تاسعاً :إذا قال الشيخ " :حدثنا" ،جيوز للراوي أن يبدهلا بقوله " :أخربان" أو العكس ،وال مانع من ذلك ؛
ألن معىن "حدثنا" و"أخربان" واحد يف اللغة ؛ الشتقاقه من اخلرب واحلديث ،فهما لفظان ملعىن واحد .
صح عندك من مسموعايت" ،فإن ذلك عاشراً :إذا قال الشيخ للراوي عنه " :أجزت لك أن تروي عين ما َّ
سمى " :إجازة" البد أن يقول " :حدثين فالن إجازة" . يُ َّ
حادي عشر :إذا قال الشيخ للراوي عنه " :خذ هذا الكتاب فأروه عين" .أو قال " :خذ هذا وح ّدث به عين
فقد مسعته من فالن" ،فإن هذا يسمى "مناولة" فيقول الراوي " :حدثين فالن إجازة أو مناولة".
ثاني عشر :إذا قال الشيخ " :خذ الكتاب وهو مسموعي" ومل يقل " :اروه عين" ،فإنه ال جتوز الرواية عنه
مطلقا ؛ ألن عالمة اإلذن يف الرواية هي عبارة " :اروه عين" ،وهي مل توجد هنا
ثالث عشر " :الوجادة" إذا وجد الراوي شيئا من األحاديث مكتوابا خبط الشيخ الذي يعرفه ويثق أبنه خطه وال
جتوز الرواية يف الوجادة ،فال جيوز أن يقول " :حدثين فالن أو أخربين فالن إجازة" ،وال غريها إال إبذن صاحبها.
رابع عشر :إذا رأى الراوي مساعه يف كتاب ووجده ،ومل يذكر مساعه وال قراءته ،لكن غلب على ظنه مساعه
كما يراه من خطه الذي توثّق منه ،فإنه جيوز له روايته والعمل به ؛ ألن الرواية قد بُين أمرها على حسن الظن
وغلبته ،واملساحمة ،ومراعاة الظاهر من احلال .
خامس عشر :إذا روى الراوي كتاابا عن بعض احملدثني فيه مائة حديث ،ولكنه شك يف مساع حديث واحد
منها ،ومل يستطع تعيني ذلك احلديث املشكوك فيه ،فإنه ال جيوز له أن يروي شيئا من مجيع تلك األحاديث املائة
؛ ألن الرواية تعترب شهادة ،والشهادة ال جتوز مع الشك والرتدد ؛ حيث إنه ما من حديث إال وميكن أن يكون
هو الذي مل يسمعه من شيخه ،فلذلك يرتكها مجيعها احتياطا .
مسألة :جحد الشيخ لمرويه :
15
• إذا روى الراوي حديثا عن شيخ ،ولكن الشيخ قد أنكر إنكارا صرحيا وقال " :كذب علي" أو "ما رويت له
قط" ،فال يقبل هذا احلديث .
• وأما إذا أنكر الشيخ احلديث الذي رواه عنه الراوي إنكارا غري صريح ؛ حيث يقول " :لست أذكر ذلك
احلديث" ،فإنه ال يقدح يف احلديث ،بل يُقبل ويُعمل به ،ألن الراوي العدل الثقة قد جزم هبذه الرواية عن
ذلك الشيخ يف حني أن الشيخ مل يكذبه ،ومل ينكر حديثه على وجه اجلزم .
مسألة :زيادة الثقة في الحديث
انفراد الثقة ابلزايدة له ثالث حاالت :
• أن تكون الزايدة معارضة ملا رواه سائر الثقات ,فرتد الزايدة لرتجيح رواية الثقات.
• أن تكون الزايدة ال ختالف ما رواه الثقات أصال فتقبل تلك الزايدة مطلقا ,أي :سواء كان يف اللفظ فقط
كزايدة الواو يف " :ربنا ولك احلمد " أم يف املعىن حنو " :إذا اختلف املتبايعان والسلعة قائمة حتالفا وترادا "
بزايدة والسلعة قائمة.
سواء علم احتاد اجمللس أم ال؟ أو كثر الساكتون عنها أم ال ؟؛ ألن هذا الثقة إذا انفرد حبديث اتم لقبل فكذلك
إذا انفرد جبزء حديث.
-ولو قيل :كيف ينفرد ابجلزء دون سائر رواة احلديث ؟
اجلواب :أنه ال ميتنع أن يذكر النيب الزايدة يف جملس ،ويرتكها يف جملس آخر ،فيكون راوي الزايدة قد حضر
اجمللس الذي ذكرت فيه تلك الزايدة ،أما اآلخر فلم حيضر ذلك اجمللس .
• أن تكون الزايدة ظاهرها التعارض مع إمكان اجلمع كحديث " :وجعلت يل األرض مسجدا وطهورا " فقد
تفرد أبو مالك األشجعي عن سائر الرواة بزايدة " :وجعلت تربتها طهورا " فهذا ظاهره التعارض وميكن اجلمع
بينهما ,أبن املراد من الرتبة األرض وهي الصعيد الطيب ,أو أن املراد ابألرض الرتبة وهو الصحيح .
عدالة الصحابة
الذي عليه سلف االمة ومجهور اخللف (ومنهم األئمة األربعة) " :أن الصحابة رضي هللا عنهم كلهم عدول " ,ال
حاجة إىل البحث عن عدالتهم ,فجهالة الصحايب ال يضر.
والدليل على ذلك :
َنصا ِر ٱأل
أ
و ينِ
ر جٱلسبِ ُقو َن أٱأل ََّولُو َن ِمن أٱلم َّٰه ِ • أن هللا عدهلم وأثىن عليهم من فوق سبع مسوات ,فقال تعاىل َ :و ََّّٰ
َ أ َُ َ َ َ
ۚ
ين فِ َيهآ أَبَدا ٱَّلل ع أنـه أم ورضواْ ع أنه وأَع َّد َهل أم ج َّٰنَّت َ أجت ِري َ أحتتـها أٱألَهنََّٰر َّٰخلِ ِ ِ أ َوٱلَّ ِذ
د
ُ َ َ ََ وهم إبِِح ََّٰسن َّرض َي َُّ َ ُ َ َ ُ َ ُ َ َ ُ َ ين ٱتـَّبَـعُ ُ
أ َ
َّٰ ِ أ
ك ٱل َف أوُز ٱل َع ِظ ُيم [سورة التوبة ]100: َذل َ
أ ۖۡ أ
ين َم َعٓهُۥ أ َِش َّدآءُ َعلَى ٱل ُكفَّا ِر ُر َمحَآءُ بَـ أيـنَـ ُه أم تَـَرَّٰىـ ُه أم ُرَّكعا ُس َّجدا يَـ أبـتَـغُو َن فَضال ِّم َن
َ
ول َّ ِۚ
ٱَّلل َوٱلَّ ِذ وقال ُّ :حمَ َّمد َّر ُس ُ
أ ٱَّلل وِر أض َّٰو ۖۡان ِسيماه أم ِيف وج ِ
ك َمثَـلُ ُه أم ِيف ٱلتَّـ أورَّٰى ِۚة وَمثَـلُ ُه أم ِيف ِ
ٱإل ِجن ِيل َكَز أرٍع أ أَخَر َج َ
ود ََّٰذلِٱلسج ِۚ
ُ ُّ ِ
ر َثَأ نوه ِهم ِم أ
ّ ُُ َّ َ َ َ ُ
ِ
َ َ
16
ٱَّلل ٱلَّ ِ ٱستـوى على سوقِ ِهۦ يـ أع ِجب ٱلزراع لِيغِيظ هبِِم أٱلكف َۗ ش أطَهۥ َفازرهۥ ف أ
ٱستـ أغلظ ف أ
ين ءَ َامنُواْ َو َع ِملُواْ
ُ َذ َّ د
َ ع
َ و
َََّار ُ ُ َ َ َ َّ ُّ ُ ُ ُ َّٰ َ َ َّٰ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ ََُ َ
َۢ أ َّٰ ِ ِ أ
ت ِمنـ ُهم َّمغ ِفَرة َوأ أَجارا َع ِظ َيما [سورة الفتح]2٩: ٱلصل ََّٰح
َّ
أ أ أ أ أ
ٱلس ِكينَ َة َعَل أي ِه أم ِِ أ ِ
َّجَرِة فَـ َعل َم َما ِيف قُـلُوهبم فَأ َ
َنزَل َّ ت ٱلش َ ني إِذ يـُبَايِعُونَ َ
ك َحت َ
ِِ
ٱَّللُ َع ِن ٱل ُمؤمن َ وقال :لََّقد َر ِض َي َّ
أ
َوأَثََّٰبَـ ُه أم فَـتحا قَ ِريبا [سورة الفتح]18:
• وأثىن عليه النيب ﷺ ,فقال ( :خري الناس قرين) رواه البخاري ومسلم .وقال ﷺ ( :ال تسبوا أصحايب,
فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدكم وال نصيفه).
فأي تعديل أصح من تعديل عالم الغيوب ,وتعديل الرسول ﷺ ؟؟؟
وهذا التعديل للصحابة رضي هللا عنهم ,يتناول كل من يقع عليه اسم الصحايب .وذلك حيصل بصحبة النيب ﷺ
ولو ساعة ورؤيته ﷺ مع اإلميان به.
وال يشرتط لثبوت الصحبة طول املدة ,ألن الصاحب مشتق من الصحبة ,والصحبة تعم القليل والكثري .تقول
":صحبته ساعة ويوما وشهرا وأكثر من ذلك" .ومما يؤيد ذلك ما حكي عن جرير بن عبد هللا البجلي رضي هللا
عنه أنه قال ( :أسلمت قبل موت النيب ﷺ أبربعني يوما) وهو صحايب ابالتفاق .وأيضا فقد أطبق العلماء على
قبول رواية وائل بن حجر ومالك بن احلويرث وعثمان بن أيب العاص الثقفي وغريهم ممن اشتهرت صحبتهم وروايتهم
عنه ﷺ مع أهنم وفدوا إليه واجتمعوا به ﷺ ورجعوا إىل أهليهم ومل يالزموه.
تنبيه :
وليس املراد بعدالة الصحابة هو ثبوت العصمة هلم ,واستحالة املعصية ,وإمنا املراد قبول رواايهتم من غري تكلف حبث
عن أسباب العدالة وطلب التزكية.
الحديث المرسل
لغة :املطلق ,ضد املقيد
في اصطالح األصوليين :هو اخلرب الذي سقط را ٍو من إسناده ,سواء من أول السند أو من وسطه
أو من آخره .وهو ينقسم إىل قسمني :
•مرسل الصحايب :وهو أن يروي الصحايب حديثا عن النيب وهو مل يسمعه منه شفاها ،بل مسعه من صحايب
آخر.
حكمه :مقبول مطلقا؛ إلمجاع الصحابة على ذلك ,حيث كان بعضهم يرسلون األحاديث فيقبل اآلخرون ذلك
بدون نكري من أحد ،وأكثر رواايت الصحابة عن النيب مل يسمعوها من النيب مباشرة ،بل بواسطة صحايب آخر
" كابن عباس فهو مل يرو عن النيب إال أربعة أحاديث "
مثاله :ما رواه ابن عباس أن النيب مل يزل يليب حىت رمى مجرة العقبة ،فلما سئل عنه أسنده إىل الفضل بن عباس
.وهو الراجح .
وشذ قوم :فقالوا :ال يقبل مرسل الصحايب إال إذا عرف أنه ال يروي إال عن صحايب.
17
•مرسل غري الصحايب :وهو أن يقول الثقة الذي مل ير النيب :قال رسول هللا .
حكمه :يف قوالن :
القول األول :أنه مقبول مطلقا ( أبو حنيفة ومالك وأمحد يف املشهور )؛ ألن من عادة الراوي العدل أن ال يرسل
احلديث إال إذا تيقن من ثبوت هذا احلديث أو غلب على ظنه ذلك ،أما إن شك فيه فإنه ال يرسله ،بل يذكر
الشيخ الذي ح ّدثه به؛ لتكون العهدة على ذلك الشيخ .
القول الثاين :ال حيتج مبرسل غري الصحايب سوى سعيد بن املسيب فإنه حيتج هبا؛ إذ إهنا فتش عنها فوجدت كلها
مسانيد قد رواها عن الصحابة ( الشافعي ورواية عن أمحد ) .
أما غريه فليست مراسيله حبجة؛ الحتمال أن يكون الساقط جمروحا ,وقياسا على أن الراوي إذا ذكر شيخه ومل
يعدله مل يقبل فكيف إذا مل يذكره.
18
اإلجماع
التعريف
لغة :يطلق على معنيني :
• االتفاق ,يقال :أمجع القوم على كذا إذا اتفقوا عليه.
• العزم املصمم ,ومنه قوله تعاىل { :فأمجعوا أمركم }...وقوله (من مل جيمع الصيام قبل الفجر فال صيام له)
اصطالحا :هو اتفاق مجيع جمتهدي العصر من أمة حممد ﷺ بعد وفاته على حكم شرعي.
شرح التعريف :
قولنا ( :اتفاق) جنس يف التعريف واملراد به :االحتاد واالشرتاك يف األقوال واألفعال ،والسكوت ،والتقرير.
قولنا ( :جمتهدي العصر) اجملتهد هو :كل من توفرت فيه شروط االجتهاد ,فخرج بذلك العوام ،وطالب العلم
الذين مل يبلغوا درجة االجتهاد.
وعربان بذلك؛ ليشمل مجيع اجملتهدين يف عصر واحد ،فلو ختلف واحد من اجملتهدين؛ ال يسمى ذلك إمجاعا .أما
من بلغ درجة االجتهاد بعد حدوث احلادثة ،واحلكم عليها ،فال يعترب من أهل ذلك العصر.
قولنا (العصر) :املقصود به هو يف أي عصر من العصور .فمن هذا ,يؤخذ اآليت :
• دفع التوهم من أن املراد ابجملتهدين من سيوجد إىل يوم القيامة؛ ألن املراد ابلعصر هو الزمان الذي وقعت فيه
احلادثة.
• أن االمجاع ال خيتص بعصر دون عصر.
• أنه ال يشرتط فيه انقراض العصر بل مىت حصل ,فقد انعقد االمجاع.
قولنا ( :من أمة حممد ﷺ) أخرج اتفاق اجملتهدين من أتباع الشرائع السابقة كاليهود والنصارى وغريهم ،فال يعتد
إبمجاعهم وال خالفهم .وهذا خبرب النيب ﷺ ( :ال جتتمع أميت على ضاللة).
قولنا ( :بعد وفاته) أخرج اتفاق اجملتهدين يف حياة النيب ﷺ فإن هذا ال يسمى إمجاعا؛ ألنه ال إمجاع إال بعد
اجتهاد ،وال اجتهاد يف حياة النيب ﷺ.
قولنا ( :على حكم شرعي) لبيان أن اإلمجاع الشرعي يشرتط أن يكون متعلقا حبكم شرعي يهم املكلف .وخرج
بذلك اتفاق اجملتهدين على أمر ليس من أمور الدين كاالتفاق على بعض مسائل اللغة ،أو احلساب.
مسألة :تصور وقوع اإلجماع (هل اإلجماع ممكن ؟)
اختلف العلماء يف إمكان حصول اإلمجاع على ثالثة أقوال :
القول األول :أنه ممكن الوقوع مطلقا يف عهد الصحابة وبعدهم ،وهو مذهب اجلمهور.
وحجتهم :أنه ليس مبحال يف ذاته وال يرتتب على فرض وقوعه حمال ،وهذا حد املمكن ،وزادوا على ذلك أنه ال
يشرتط أن يتكلم اجلميع ابحلكم الشرعي بل يكفي أن يتكلم به بعضهم ويسكت الباقون وهذا غري ممتنع .مث زادوا
على ذلك بضرب أمثلة لإلمجاع كإمجاع الصحابة على مجع القرآن يف مصحف واحد ،والوقوع دليل اإلمكان وزايدة.
19
القول الثاين :وقال بعض العلماء أنه غري ممكن؛ ألن بالد اإلسالم واسعة وعلماء الشريعة متباعدون يف األمصار،
وهم إىل جانب ذلك خمتلفون يف الطباع والقرائح والفهوم ،فالعادة تقضي ابمتناع إمجاعهم كما تقضي ابمتناع اتفاق
الناس يف ساعة معينة على أكل طعام واحد .وهذا تلخيص شبههم يف ثالث شبهات :
األوىل :تعذر عرض مسألة واحدة على الكافة.
والثانية :عسر اتفاقهم واحلكم مظنون.
والثالثة :تعذر النقل تواترا عنهم.
القول الثالث :وقال بعض العلماء هو ممكن يف عصر الصحابة دون من بعدهم من العصور؛ ألن العلماء بعد
عصر الصحابة تفرقوا يف األمصار تفرقا شديدا يصعب معه معرفة أقواهلم يف املسألة.
القول الراجح :التفصيل على النحو التايل :إن كانت املسألة من ضرورايت الدين ووجدت الدواعي للنظر فيها
فاإلمجاع عليها ممكن وإال فال ،وهو اختيار إمام احلرمني يف الربهان.
والذي يظهر أن مراد الفريق األول وهم اجلمهور الرد على من أنكر إمكان اإلمجاع مطلقا فيكفي فيه التسليم إبمكانه
ولو مع القيود اليت ذكرها إمام احلرمني.
ويف العصر احلاضر ال ميتنع أن جيتمع اجملتهدون من علماء املسلمني ويتفقوا على حكم واحد وإن مل يكن يف املسألة
دليل قاطع ،وذلك لتوافر وسائل االتصال.
أنواع اإلجماع
ينقسم اإلمجاع ابعتبارات متعددة أمهها :
أ .تقسيم اإلجماع من جهة تصريح المجتهدين بالحكم
وله من هذه اجلهة ثالثة أقسام :
.1اإلمجاع الصريح :وهو ما صرح فيه أهل اإلمجاع ابحلكم ،وهذا اندر الوجود بل لو قيل ابنعدامه لكان
أوىل ،لكن ال خيرج عن اإلمكان وال يقال ابمتناعه.
.2اإلمجاع السكويت :وهو أن يصرح بعض اجملتهدين ابحلكم ويشتهر قوله ويسكت الباقون عن إنكاره.
.3اإلمجاع الضمين :وهو املستنتج من اختالف أهل العصر على قولني أو أكثر ،فيدل ذلك على اتفاقهم
على أن ما خرج عن تلك األقوال ابطل.
ب .تقسيم اإلجماع من حيث قوة داللته
وله هبذا االعتبار قسمان :
.1قطعي ،وهو ما حتقق فيه شرطان ومها :التصريح ابحلكم من أهل اإلمجاع ،ونقله إلينا بطريق قطعي.
.2ظين ،وهو ما اختل فيه أحد هذين الشرطني.
حجية اإلجماع
مسألة :هل االجماع حجة شرعية يجب العمل بها ؟
20
القول األول :ذهب مجاهري العلماء إىل أن اإلمجاع حجة مطلقا.
واستدلوا على ذلك أبدلة منها :
صلِ ِه ول ِمن بـع ِد ما تَـب َّني لَه ا ْهل َدى ويـتَّبِع َغري سبِ ِيل الْم ْؤِمنِ ِِ
ني نـَُولّه َما تَـ َوَّىل َونُ ْ
ُ َ الر ُس َ ْ َ ْ َ َ َ ُ ُ َ َ ْ َْ َ {وَم ْن يُ َشاقِ ِق َّ
أ .قوله تعاىلَ :
ص اريا} [النساء.]115 تمِ
َج َهن ََّم َو َساءَ ْ َ
وجه االستدالل :أن هللا توعد من خالف سبيل املؤمنني جبهنم ،وال يتوعد هبا إال على فعل حمرم ،فدل
ذلك على أن ترك سبيل املؤمنني حمرم واتباعه واجب.
ول} [النساء.]5٩ الرس ِ ب .قوله تعاىل{ :فَِإ ْن تَـنَازعتم ِيف َشي ٍء فَـرُّدوه إِ َىل َِّ
اَّلل َو َّ ُ ْ ُ ُ َ ُْ ْ
وجه االستدالل :أن اآلية تدل بطريق مفهوم املخالفة على أن ما اتفقوا عليه ومل يتنازعوا فيه حق؛ ألهنا
نصت على رد املتنازع فيه إىل هللا والرسول ،ففهم من ذلك أن املتفق عليه حق.
ت .قوله ﷺ « :سألت ريب أن ال جتتمع أميت على ضاللة فأعطانيها» ويف لفظ« :إن هللا ال جيمع هذه األمة
على ضاللة أبدا ،وإن يد هللا مع اجلماعة فاتبعوا السواد األعظم فإنه من شذ شذ يف النار» (أخرجه
الرتمذي وأمحد وابن ماجه والطرباين أبلفاظ خمتلفة ،وهو مشهور املنت وله شواهد كثرية).
وجه االستدالل :أن هللا عصم األمة إذا اجتمعت من اخلطأ والضاللة ،فثبت أن ما اجتمعت عليه األمة
صواب ،واملعترب قوله يف أمور الشرع هم العلماء اجملتهدون دون غريهم فيكون إمجاعهم معصوما من اخلطأ،
وهذا شرف عظيم هلذه األمة ليس لغريها من األمم.
القول الثاين :وذهب بعض العلماء إىل أن احلجة يف إمجاع الصحابة وحدهم وهو رواية عن اإلمام أمحد ،ومذهب
الظاهرية.
واحتجوا أبن ما حيكى من إمجاعات بعد عهد الصحابة غري صحيح؛ إذ ال ميكن مجع آرائهم يف مسألة واحدة مع
تفرقهم يف األمصار ،ولذا نقل عن اإلمام أمحد أنه قال( :من ادعى اإلمجاع فقد كذب ،لعل الناس قد اختلفوا).
القول الثالث :وذهب النظام وطوائف من الرافضة إىل أن اإلمجاع ليس حبجة.
فأما النظام فحجته عدم تصور وقوعه ،ولو تصور مل يتصور نقله إلينا بطريق صحيح متواتر ،واآلحاد ال يعترب عنده.
وأما الروافض فألن احلجة عندهم يف قول اإلمام املعصوم دون غريه .فإن كان يف عصر األئمة املعروفني مل يعترب قول
غريه ،وبعدهم ال حجة يف قول أحد حىت أييت اإلمام املعصوم الذي يزعمون أنه اختفى يف سرداب وأنه اإلمام
املنتظر.
فأما قول منكري احلجية مطلقا فظاهر البطالن؛ ألهنم اعتمدوا على عدم إمكانه .وقد بينا أنه ممكن يف القدمي
واحلديث ،واحتجوا بعدم إمكان نقله متواترا ،وعند اجلمهور ال يشرتط التواتر لنقله بل يكفي فيه خرب اآلحاد.
مث لو اشرتط فهو ممكن كما تواتر نقل اتفاق النصارى على صلب املسيح وهو ابطل فكيف ال ميكن نقل االتفاق
على احلق.
21
حقيقة اإلجماعات المنقولة
إذا نظران إىل واقع اإلمجاعات املنقولة يف كتب أهل العلم جند أن أكثرها غري صحيح ,ملاذا ؟
.1إمنا اعتمد انقله على عدم وجود املخالف يف هذه املسألة
.2أو اكتفى ابملنقول عن األئمة األربعة،
.3أو اكتفى بنقل واحد مل ينقل عن معاصريه بل عمن مل يعاصرهم ،مما يدل على أنه معتمد على الشهرة بني
أهل العلم،
.4ورمبا اعتمد يف نقل اإلمجاع على قيام الدليل القاطع الذي ال ميكن أن خيالفه أحد من العلماء .وال شك
أن هذا الطريق يف نقل اإلمجاع ال يورث القطع بل غايته الظن بعدم وجود خمالف.
وأما من اعتمد يف نقل اإلمجاع على قيام الدليل القاطع ,فإن احلجة حينئذ تكون يف الدليل القاطع ،واإلمجاع
فائدته دفع ما يتوهم من التأويل .وال يقال بناء على هذا تكون فائدة اإلمجاع ضعيفة؛ ألننا نقول بل اإلمجاع
دليل مهم .فكثري من آايت القرآن وأحاديث الرسول ﷺ لو جردان النظر إليها عما فهمه منها الصحابة والتابعون
ملا قطعنا مبقتضاها ،وألمكن محلها على احتماالت كثرية ،ولكن ملا عرفنا اتفاق الصحابة والتابعني ومن بعدهم على
تفسريها مل جيز لنا أن نتأوهلا على خالفه.
{وإِ ْن
فهذه األدلة لو خلت عن اإلمجاع لكانت ظنية ،لكنها معه صارت قطعية .مثال ذلك :أن قوله تعاىل َ :
س} [النساء .]12لو مل يتفق الصحابة الس ُد ُ ت فَلِ ُك ِّل َو ِاح ٍد ِمْنـ ُه َما ُّ ُخ ٌ
َخ أ َْو أ ْث َك َاللَ اة أَ ِو ْامَرأَةٌ َولَهُ أ ٌ
ور ُ
َكا َن َر ُج ٌل يُ َ
اَّللُ يـُ ْفتِي ُك ْم ِيف الْ َك َاللَِة إِ ِن ْام ُرٌؤ
ك قُ ِل َّ
على أن املراد ابألخ واألخت هنا اإلخوة ألم لكانت معارضة آلية{ :يَ ْستَـ ْفتُونَ َ
ان ِممَّا
ني فَـلَهما الثـُّلُثَ ِِ ِ ِ
ف َما تَـَرَك َو ُه َو يَِرثـُ َها إ ْن َملْ يَ ُك ْن َهلَا َولَ ٌد فَإ ْن َكانَـتَا اثْـنَـتَ ْ ُ َ ص ُ
ِ
ت فَـلَ َها ن ُْخ ٌ س لَهُ َولَ ٌد َولَهُ أ ْ
ك لَْي َ َهلَ َ
ني} [النساء.]176 ظ ْاألُنْـثَـيَ ْ ِ تَـرَك وإِ ْن َكانُوا إِ ْخواة ِر َج ااال ونِساء فَلِ َّ
لذ َك ِر ِمثْ ُل َح ِّ َ َا َ َ َ
وهذه فائدة عظيمة.
ومن فوائده :قطع النزاع يف املسائل املستجدة ،فإذا اتفق علماء العصر على حكمها مل يكن ألحد خالفهم ،ولكن
ينبغي أن ال ترتك األدلة الصحيحة لدعوى اإلمجاع ،وأن ال تقبل دعوى اإلمجاع إال ممن له إحاطة أبقوال العلماء
واطالع على صحيحها وضعيفها ،ومشهورها وشاذها.
مسألة :حجية اإلجماع السكوتي
اختلف العلماء يف اإلمجاع السكويت الذي عرف بتصريح بعض العلماء وسكوت الباقني ،هل يعد حجة؟
القول األول :ذهب اجلمهور إىل حجيته ،واستدلوا مبا يلي:
.1أن سكوت العامل عن فتوى غريه يدل على موافقته إايه؛ إذ لو كان يعتقد بطالن تلك الفتوى ملا سكت
عن اإلنكار؛ ألن السكوت عن إنكار الباطل حمرم ال يقدم عليه العلماء اجملتهدون.
.2ما ثبت عن النيب ﷺ من قوله« :ال تزال طائفة من أميت على احلق ظاهرين ال يضرهم من خذهلم».
فاحلديث يدل على أنه ال ميكن أن ختلو األمة من قائم هلل ابحلجة وتكون بني خمطئ للحق وساكت عن
22
اإلنكار؛ إذ لو كانوا كذلك مل يتحقق ما يف احلديث من الوعد ببقاء طائفة من األمة ظاهرة على احلق؛
ألن ظهورها يقتضي إظهار ما هي عليه من احلق.
القول الثاين :ذهب اإلمام الشافعي إىل أنه ال ميكن أن ينعقد إمجاع مع سكوت بعض العلماء ،بل ال بد من
تصريح الكل .واستدل على ذلك أبنه ال ينسب إىل ساكت قول ،وأبن العامل قد يسكت مع عدم موافقته ألسباب
كثرية منها :
أ .أن يغلب على ظنه أن غريه قد كفاه مؤنة اإلنكار على الفتوى.
ب .أن يسكت خوفا من سلطان أو حنوه.
ت .أن يسكت لكونه مل ينظر يف املسألة بعد ،أو لتعارض األدلة عنده.
القول الثالث :ذهب بعضهم إىل أنه يعد حجة ولكن ليس إبمجاع .وهذا القول راجع إىل القول ابحلجية؛ إذ إن
مراد هذا القائل وهللا أعلم أن اإلمجاع السكويت حجة ظنية خبالف اإلمجاع الصريح فهو حجة قطعية ،ولذلك ال
ينبغي أن يعد هذا قوال جديدا يف املسألة.
القول الرابع :ذهب بعضهم إىل أنه إن كان الذي تكلم يف حكم املسألة حاكما فال يكون سكوت الباقني دليال
على اتفاقهم ،وإال كان دليال ،وهو رأي ابن أيب هريرة من الشافعية ،واستدل أبن العادة جارية بعدم االعرتاض على
حكم احلاكم وإن كان غريه من العلماء ال يوافقونه ،وأنه من عادة العلماء حضور جمالس احلكم وعدم االعرتاض
على حكم القاضي وإن كان على خالف مذهب احلاضرين ،وهذه العادة مل تعهد يف الفتاوى واآلراء الصادرة من
غري القضاة فوجب التفريق بينها على النحو السابق.
الراجح :أن اإلمجاع السكويت حجة ،ولكنه حجة ظنية ليست يف درجة اإلمجاع الصريح.
وما استدل به اإلمام الشافعي من أنه «ال ينسب إىل ساكت قول» جياب عنه أبن السكوت يف معرض احلاجة إىل
البيان بيان ،والعامل يلزمه أن ينكر املنكر ،فإذا سكت عن اإلنكار دل سكوته على موافقته على الفتوى.
وما ذكر من االحتماالت اليت ميكن أن حيمل عليها سكوته كلها احتماالت ضعيفة؛ إذ لو حتقق بعضها لقامت
عليه قرائن تدل عليه ،وملا سكت عن اإلنكار إىل وفاته ،مث إن عادة العلماء اجلهر ابحلق وعدم اخلوف من سلطان
أو غريه ،وإذا سكت العامل عن اإلنكار عالنية فلن يسكت عن بيان احلق لطالبه وخاصته وانقلي فقهه ،وأما سكوته
لعدم نظره يف املسألة فال ينايف اإلمجاع؛ ألنه حينئذ ال قول له يف املسألة.
وينبغي أن نعلم أننا لو اشرتطنا تصريح كل عامل ابملوافقة على احلكم ملا أمكن أن جند مسألة نقل إلينا فيها قول
مجيع اجملتهدين ،وكل ما نقله العلماء الذين ينقلون اإلمجاع هو من قبيل اإلمجاع السكويت ،فليتأمل.
مسألة :حجية اإلجماع الضمني
فقد اختلفوا فيه على ثالثة أقوال :
القول األول :أنه حجة ،وهو مذهب أكثر األصوليني ،واستدلوا على ذلك أبن إحداث قول اثلث ال خيلو من
أمرين :
23
أحدمها أن يكون هذا القول احملدث خطأ وحينئذ ال يعتد به.
والثاين أن يكون هذا القول صوااب فيكون القوالن أو األقوال اليت ذهب إليها أهل العصر السابق كلها خطأ فتخلو
األمة يف عصرهم عن قائم هلل ابحلجة ،وهذا مستحيل دل على استحالته أدلة حجية اإلمجاع.
فتبني أن كال االحتمالني ابطل فيكون إحداث قول جديد ابطال.
القول الثاين :أنه ليس حبجة وال إمجاع ،واستدلوا على ذلك أبن :
.1اإلمجاع ال ميكن أن يؤخذ من اخلالف ،وأصحاب العصر السابق قد اختلفوا فكيف يستدل ابختالفهم
على اإلمجاع.
.2وأيضا فإن أصحاب القرن السابق قد اختلفوا يف املسألة ،فيستدل ابختالفهم على أن املسألة خالفية ،وأن
اخلالف فيها سائغ ،وإذا ساغ اخلالف فيها فال مانع من إحداث قول جديد.
القول الثالث :التفصيل :
احلالة األوىل :فإن كانت أقوال املختلفني بينها قدر مشرتك والقول احملدث يرفع ما اتفقت عليه فهو ابطل،
احلالة الثانية :وإن مل يرفع ما اتفقت عليه األقوال فهو اجتهاد سائغ.
ومثلوا للقول الذي يرفع ما اتفقت عليه األقوال السابقة أبن الصحابة اختلفوا يف مرياث اجلد واإلخوة فقال بعضهم:
يشّرك بينهم ،وقال اآلخرون املرياث للجد ،واإلخوة حمجوبون ،والقدر املشرتك بني القولني أن اجلد ال ميكن أن حيرم
َ
من اإلرث حينئذ ،فلو قال املتأخر :املرياث لإلخوة واجلد حيجب هبم لكان قوله ابطال خمالفا لإلمجاع.
ومثلوا للقول احملدث الذي ال يرفع ما اتفق عليه القوالن السابقان مبا إذا اختلف املتقدمون يف العيوب هل يفسخ
هبا النكاح ،فقال بعضهم :ال يفسخ النكاح ابلعيوب ،وقال بعضهم يفسخ هبا ،فلو ذهب ذاهب بعد عصرهم إىل
أن بعض العيوب يفسخ هبا دون بعض ملا كان قوله خمالفا لإلمجاع.
والذي يظهر أن قول القائلني إن اختالفهم على قولني إمجاع على املنع من إحداث قول اثلث ليس أبوىل من قول
اآلخرين :اختالفهم على قولني تسويغ للخالف يف املسألة وإقرار لكوهنا اجتهادية ال قطعية ،وهلذا فال يعد اختالفهم
على قولني إمجاعا على املنع من إحداث قول جديد ،واملسائل اليت اختلف فيها السابقون على قولني وفصل فيها
املتأخرون أكثر من أن حتصى .والعصمة إمنا ثبتت لألمة بشرط االتفاق ،أما مع االختالف فلم تثبت هلم العصمة،
بل رمبا أخطأ كل منهم يف بعض ما قال وأصاب يف بعضه اآلخر فال ميتنع أن يكون القول ابلتفصيل هو الصواب.
أهل اإلجماع (الذين ينعقد بهم اإلجماع)
يعتد يف اإلمجاع ابلعلماء اجملتهدين بغض النظر عن سنهم وطبقتهم وبالدهم ،فال ينعقد اإلمجاع إال ابتفاق علماء
العصر اجملتهدين وقت النظر يف النازلة.
والدليل على ذلك :أن اآلية اليت هي مستند اإلمجاع تدل على أن اللوم حيصل برتك سبيل املؤمنني ،وإذا اختلف
املؤمنون مل يصح أن يسمى ما قاله األكثر سبيل املؤمنني ،بل سبيل بعض املؤمنني .ولو أخذ بظاهر اآلية العتد
24
اسأَلُوا أ َْه َل ال ِّذ ْك ِر إِ ْن ُكْنـتُ ْم َال تَـ ْعلَ ُمو َن}
ابلعوام ،ولكن ملا كان العوام مأمورين ابتباع العلماء لقوله تعاىل{ :فَ ْ
[النحل .]43أصبح املعتد بقوهلم العلماء اجملتهدين.
وينبين على ما تقدم أن التابعي إذا بلغ درجة االجتهاد يف حياة الصحابة ،يعتد بقوله يف املسائل اليت مل يقم عليها
إمجاع قبل بلوغه درجة االجتهاد ،فلو خالف التابعي املعاصرين له من الصحابة مل يعد خمالفا لإلمجاع إذ ال إمجاع
حينئذ.
حصل بعض العلوم اليت ال بد منها لبلوغ درجة االجتهاد دون بعضها ال يعتد بقوله،
وينبين على ذلك أيضا أن من َّ
فاحملدث الذي ال يعرف أصول الفقه وقواعده ،والفقيه احلافظ للفروع الذي ال يعرف أحاديث األحكام ،واألصويل
الذي ال يعرف أدلة األحكام ال يعتد بقوهلم يف اإلمجاع ،لكن األصويل القادر على االستنباط إذا عرف أدلة املسألة
وأحاط أبكثرها اعتد بقوله فيها ،واحملدث إذا عرف اللغة وأصول الفقه اعتد بقوله ،والفقيه إذا عرف أصول الفقه
واللغة وأدلة املسألة موضع البحث اعتد بقوله فيها .وهذا مبين على أن االجتهاد يتجزأ فيكون العامل جمتهدا يف بعض
أبواب الفقه ومسائله دون غريها .كما سيأيت يف ابب االجتهاد.
وهذا جيعلنا جنهل أهل االجتهاد يف كل مسألة ،فال جنزم حبصول اإلمجاع فيها ،مع وجود خمالف وإن مل نره من أهل
االجتهاد ،فاإلمجاع مع وجود خمالف ال ميكن االحتجاج به على الغري؛ ألن اخلصم رمبا عد املخالف من أهل
االجتهاد فال يتحقق اإلمجاع عنده.
مسألة :هل يشترط انقراض العصر في صحة اإلجماع ؟
املراد ابنقراض العصر :موت العلماء اجملمعني على حكم الواقعة قبل رجوعهم عن رأيهم .وليس املراد موت مجيع
علماء العصر ،بل موت الذين أفتوا يف املسألة.
واختلف العلماء يف اشرتاطه على أقوال :
القول األول :أنه ال يشرتط لصحة اإلمجاع مطلقا (اجلمهور منهم األربعة إال امحد يف رواية ) .
القول الثاين :أنه يشرتط لصحة انعقاد اإلمجاع مطلقا (ظاهر رواية لإلمام أمحد ،والرازي وبعض احلنابلة )
هذا األمر اشرتطه بعض العل ماء واحتجوا عليه أبن العامل ال ميكن منعه من الرجوع عن رأي رآه مث تبني له خطؤه،
وأبن علي بن أيب طالب رضي هللا عنه قال« :اجتمع رأيي ورأي عمر يف أمهات األوالد أن ال يبعن ،وأان اآلن أرى
بيعهن» (أخرجه عبد الرزاق وابن أيب شيبة والبيهقي بسند صحيح) فرجع عن رأي اتفق عليه.
والصحيح أن انقراض العصر ليس شرطا (القول األول)؛ ألن األمة إذا اتفقت على حكم فهي معصومة من اخلطأ؛
حلديث« :ال جتتمع أميت على ضاللة» وما جاء يف معناه من األحاديث ،فإذا حصل اإلمجاع وجب أن يكون على
صواب وإذا كان صوااب فما عداه خطأ؛ ألن الصواب ال يتعدد.
اجلواب مبا استدل به القول الثاين :
جواز رجوع العامل إمنا هو يف املسائل اليت مل حيصل فيها إمجاع.
25
وما روي عن علي رضي هللا عنه ال دليل فيه؛ ألنه حكى اتفاقه مع عمر وحده ومل حيك اتفاق املسلمني مجيعا،
ومع هذا فقد أنكر عليه جابر بن زيد ،وقال :رأيك يف اجلماعة أحب إلينا من رأيك وحدك ،أو قال :من رأيك يف
الفرقة.
التنبيه :
ومما يؤيد القول بعدم اشرتاط انقراض العصر(القول األول) أنه لو اشرتط هذا الشرط ملا حتقق إمجاع أبدا؛ ألنه قبل
أن ينقرض أهل العصر يبلغ درجة االجتهاد علماء آخرون من الطبقة اليت تليهم ومن حقهم أن يفتوا يف تلك املسألة
خبالف ما اتفق عليه من سبقهم إذ مل ينعقد اإلمجاع بعد ،فإن أفتوا مبوافقتهم من قبلهم أصبحوا من أهل اإلمجاع
فال ينعقد حىت ميوتوا مث أييت يف عصرهم علماء من الطبقة الثالثة فيجوز هلم أن خيالفوا يف تلك املسألة أو يوافقوا،
وهكذا فال يتحقق اإلمجاع أبدا.
واملشرتطون لالنقراض(القول الثاين) يقولون إنه ممكن؛ ألن العربة مبوت اجملمعني من الطبقة األوىل قبل وجود املخالف
من الطبقة الثانية أو الثالثة ،وال يشرتط موت من حلق هبم من الطبقة الثانية أو الثالثة .وهذا ال دليل عليه إذ كيف
جيعل موت فالن من الناس دليال على التحرمي أو اإلابحة أو غريمها من األحكام؟.
اإلجماعات الخاصة
يذكر األصوليون خالفا يف االحتجاج إبمجاع طائفة معينة من العلماء كإمجاع أهل البيت الذي حيتج به الرافضة،
وإمجاع اخللفاء األربعة ،وإمجاع أيب بكر وعمر ،وإمجاع أهل املدينة ،وإمجاع أهل البصرة ،وحنو ذلك.
والراجح عند اجلمهور أن هذه اإلمجاعات ال حجة فيها؛ ألن األدلة الدالة على حجية اإلمجاع إمنا دلت على حجية
إمجاع األمة إذا اتفقت ،وأتولوا األحاديث الواردة يف األمر ابتباع اخللفاء الراشدين واتباع أيب بكر وعمر على أهنا
تدل على لزوم طريقتهم يف سياسة الدولة وتصريف شؤوهنا ،أو لزوم طريقتهم يف االستدالل ابلكتاب والسنة وما دال
عليه.
وأشهر ما وقع فيه اخلالف من تلك اإلمجاعات إمجاع أهل املدينة أو عمل أهل املدينة ،وكالم أكثر األصوليني عنه
جممل حيتاج إىل تفصيل وبيان ،فنقول :
عمل أهل المدينة
عمل أهل املدينة ليس املقصود به عملهم يف مجيع األعصار ،بل يف عصر الصحابة والتابعني واتبعي التابعني
فحسب ،وقد جعله القاضي عبد الوهاب بن نصر املالكي على ضربني :نقلي واستداليل.
.1النقلي كنقلهم الصاع واملد واألذان واألوقات وترك أخذ الزكاة من اخلضروات ،وهذا حجة عند مجهور
العلماء ،وقال أبو العباس القرطيب إنه ال ينبغي اخلالف فيه
.2وأما االستداليل فهو ما ذهبوا إليه بطريق االجتهاد،
وهذا هو حمل اخلالف بني املالكية وغريهم ،بل قال القاضي عبد الوهاب إن املالكية خمتلفون فيه على ثالثة أوجه
هي :
26
.1أنه ليس حبجة وال مرجح.
.2أنه مرجح عند التعارض وال يستدل به منفردا.
.3أنه حجة.
والذين رأوا حجيته من املالكية ونسبوه إلمامهم ،أخذوه مما عرف عن اإلمام مالك أنه كان يروي اخلرب مث يرتك
العمل به ويقول« :وليس على هذا العمل عندان» يعين يف املدينة كما فعل يف خيار اجمللس.
وأظهر ما يستدل به للقول حبجية إمجاع أهل املدينة :أن املدينة قد ضمت صحابة رسول هللا ﷺ وأبناءهم وأبناء
أبنائهم ،وأن ما اتفقوا عليه ال بد أن يكون ظاهرا معلوما يف عهد رسول هللا ﷺ فيكون حجة .وكذلك ما تركوه مع
قيام الداعي إليه ال يرتكونه إال حبجة عن رسول هللا ﷺ.
وأما االستدالل ابألحاديث الواردة يف فضل املدينة وفضل األنصار ودعاء الرسول ﷺ ألهلها فال داللة فيها على
حجية إمجاعهم أو عملهم.
واستدل اجلمهور على عدم احلجية أبن أدلة اإلمجاع ما خصت أهل املدينة بل عمت األمة.
مسألة :انعقاد اإلجماع بعد الخالف
الحالة األولى :إذا اختلف أهل العصر الواحد يف مسألة على قولني فأكثر ،مث رجع بعضهم عن قوله واتفقوا،
هل يعد هذا إمجاعا ؟
الصحيح عند األكثر أنه إمجاع ،وقال ابن الباقالين والقاضي عبد الوهاب املالكي ال يكون إمجاعا؛ ألن اختالفهم
أوال إمجاع على تسويغ اخلالف ،فال ينقضه رجوع بعضهم عن رأيه.
وقال اجلويين :إن قرب العهد كان اتفاقهم بعد االختالف إمجاعا ،وأما إن متادى الزمان واستقر اخلالف فليس
اتفاقهم بعد ذلك إمجاعا.
والصحيح :أنه يعد إمجاعا؛ ألنه قول كل اجملتهدين يف هذا العصر ،والقول الذي رجع عنه صاحبه ال عربة به.
الحالة الثانية :إذا اختلف أهل العصر السابق على قولني مث اتفق الذين بعدهم على قول من القولني كما لو
اختلف الصحابة على قولني مث اتفق التابعون على أحدمها ،فاختلف العلماء يف ذلك هل يعد إمجاعا ؟
فذهب بعضهم إىل أنه إمجاع؛ ألنه قول كل أهل العصر الثاين.
وذهب بعضهم إىل أنه ليس إمجاعا؛ ألن املذاهب ال متوت مبوت أصحاهبا فيبقى جواز تقليدهم فيها بعد موهتم.
والصحيح :أن هذا ال يعد إمجاعا؛ ألن متبع القول الذي مات قائله ال يصدق عليه أنه اتبع غري سبيل املؤمنني،
واملعتمد يف االستدالل هو اآلية املذكورة سابقا ،وألن األمة مل جتتمع على حكم واحد يف تلك املسألة بل اختلفوا
فال يصدق على هذه الصورة حديث( :ال جتتمع أميت على ضاللة)
مسألة :مخالفة الواحد واالثنين هل تنقض اإلجماع ؟
القول األول :اجلمهور على أن اإلمجاع ال يتحقق إال ابتفاق كل اجملتهدين من أهل العصر ،وأن خمالفة واحد أو
أكثر خترم اإلمجاع؛ ألن األدلة الدالة على احلجية وعصمة األمة تدل على ذلك.
27
القول الثاين :قال ابن جرير الطربي :إن خمالفة الواحد واالثنني ال خترم اإلمجاع؛ حلديث ( :عليكم ابلسواد
األعظم).
وما ذهب إليه اجلمهور هو الصحيح ،ولكن ذلك ال مينع أن يكون قول األكثر من املرجحات عند تعادل األدلة
يف نظر اجملتهد ،كما أنه من املرجحات عند العامي ومن يلحق به من صغار طالب العلم ،وهلذا فال يستنكر على
العامل هتيبه من خمالفة مذهب مجاهري العلماء إال إذا وجد نصا صرحيا واضحا على خالف قوهلم ،ومن النادر جدا
أن يوجد دليل صحيح صريح خيالفه مجهور العلماء.
مسألة :حكم المخالف لإلجماع
يكثر يف كالم العلماء تكفري خمالف اإلمجاع أو تفسيقه ،ولكن ذلك إمنا حيمل على اإلمجاع الصريح املنقول بطريق
التواتر والقطع ،وقد قلنا فيما مضى إن هذا النوع من اإلمجاع غري موجود إال على مسائل دلت عليها نصوص
قطعية ،وحينئذ يكون تكفري املخالف أو تفسيقه ملخالفة تلك النصوص ال ملخالفة اإلمجاع وحده.
وأما ما عدا ذلك من اإلمجاعات فهي ال تعدو أن تكون أدلة ظنية ال ميكن دعوى تكفري املخالف هلا أو تفسيقه،
وخباصة حني يكون معه دليل من عموم كتاب أو سنة.
والتكفري والتفسيق من األمور اليت جيب أن ال يتعجل فيها املفيت؛ إذ ال يستحقها إال من أنكر ما علم من الدين
ابلضرورة ،وقامت عليه احلجة ،وانقطع عذره ،كما هو معلوم يف موضعه.
28
االستصحاب
التعريف
االستصحاب هو :احلكم بثبوت أمر يف الزمن الثاين بناء على ثبوته يف الزمن األول ؛ لفقدان ما يصلح للتغيري.
أو تقول :هو بقاء ما كان على ما كان نفيا وإثبااتا حىت يثبت بدليل يغري احلالة.
أنواع االستصحاب
• استصحاب العدم األصلي أو استصحاب دليل العقل أو استصحاب الرباءة األصلية كرباءة الذمة من
التكاليف حىت يقوم الدليل على التكليف أبمر من األمور ,فإذا مل يقم دليل بقي ما كان على ما كان.
مثاله :نفي وجوب الصالة السادسة؛ ألن الشرع أوجب على املكلفني مخس صلوات فقط ,وقد طلب الدليل
فلم يوجد ،فعدم وجود الدليل على الوجوب دليل على عدم الوجوب.
• استصحاب احلكم الذي دل الدليل على ثبوته واستمراره لوجود سببه حىت يثبت خالفه.
مثاله :الطهارة بسبب الوضوء ،فإن هذه الطهارة تستمر ويستصحب حىت يوجد ما يزيلها مثل احلدث.
• استصحاب دليل الشرع ,فهو نوعان :
.1استصحاب العمل ابلنص حىت يرد الناسخ.
.2واستصحاب العموم حىت يرد التخصيص.
• استصحاب احلكم الثابت ابإلمجاع يف حمل اخلالف .وذلك إذا وقع خالف فيما مت اإلمجاع عليه .
مثاله :أن يقال يف املتيمم(الذي تيمم لعدم املاء مث رآه بعد دخوله يف الصالة) أمجع العلماء على صحة ابتداء
الصالة وذلك قبل رؤية املاء .فيستصحب هذا اإلمجاع وينقل إىل موضع اخلالف وهو رؤية املاء يف أثناء
الصالة .فيحكم بصحة صالته يف ابتدائها إمجاعا ,ويف استمرارها وبقائها استصحااب هلذا اإلمجاع.
التنبيه :
.1يفهم من كالم ابن قدامة يف (الروضة) أن األنواع الثالثة األوىل قد اتفق على أهنا حجة ,وأما النوع الرابع
فإنه خمتلف فيه .والصحيح :أن مجيع أنواع االستصحاب قد اختلف فيها إال النوع الثالث .وهذا النوع
من االستصحاب مع كونه اتفق على صحة العمل به إال أنه وقع اخلالف يف تسميته استصحااب.
.2قد يرد سؤال (ملاذا جعل ابن قدامة االستصحاب من األدلة املتفق عليها ؟ مع أن مجهور األصوليني قالوا
أبن األدلة املتفق عليها أربعة وهي الكتاب والسنة واإلمجاع والقياس)
اجلواب :إن ابن قدامة رأى أنه ال خالف بني العلماء يف صحة العمل ابالستصحاب .وأيضا فإنه ذهب
إىل أن القياس ليس دليال مستقال ,فإمنا القياس من فعل اجملتهد يف فهم األدلة .خالفا فيما يراه مجهور
األصوليني ,ورأي اجلمهور هو الصحيح .وأما االستصحاب ,فقد ثبت أنه دليل خمتلف فيه.
29
شرع من قبلنا
المراد بشرع من قبلنا هو :ما نقل إلينا بطريق صحيح من الشرائع السماوية السابقة.
والطريق الصحيح ملعرفة شرع من قبلنا هو نقل القرآن والسنة النبوية الثابتة ,وال عربة مبا يف الكتب اليت يف أيدي
اليهود والنصارى اليوم ,ألهنا قد طرأ عليها التحريف والتبديل.
وما حكي يف القرآن والسنة من الشرائع السابقة ,ميكن تقسيمه إىل األقسام التالية :
❖ ما قام الدليل عندان على أنه كان خاصا هبم ،وأن اإلسالم قد نسخه ،فهذا ال خالف بني العلماء يف أننا غري
مكلفني به ،مثل قوله تعاىل ( :وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي )...
❖ أحكام كانت اثبتة يف الشرائع السابقة ،وجاء اإلسالم فقررها ،سواء أكانت يف الكتاب أم يف السنة ،وهذا
النوع ال خالف يف أننا مكلفون هبا ابلنصوص اليت يف شريعتنا ،ال نقال عن الشرائع السابقة ،مثل قوله تعاىل :
(اي أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)
❖ ما ورد يف شريعتنا عن األمم السابقة ومل يقرتن به ما يدل على أنه كان خاصا هبم ،كما مل يقرتن به ما يدل
على أننا مكلفون به ،فهذا هو حمل اخلالف.
فاختلفوا فيها على قولني :
القول األول :أنه شرع لنا( .احلنفية واملالكية ورواية عن أمحد والشافعي وهو الراجح ).
القول الثاين :أنه ليس بشرع لنا ( .أمحد والشافعي يف رواية ).
أدلة القول األول (الراجح) :
• قوله تعاىل ( :أولئك الذين هدى هللا فبهداهم اقتده) ،حيث إن هللا تعاىل قد أمر نبيه إبتباع مجيع األنبياء
السابقني ،فيكون متعبدا بشرع من قبله.
• قوله تعاىل ( :شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) ،حيث إن هذا يدل على أن شرع نبينا حممد مثل شرع
غريه من األنبياء كنوح ،وإبراهيم ،وموسى ،وعيسى ،وال فرق بينهم يف اخذ األحكام من مجيع الشرائع
السابقة.
• قوله تعاىل ( :ومن مل حيكم مبا أنزل هللا فأولئك هم الكافرون) ،حيث إن هللا تعاىل قد بني أن من مل حيكم مبا
أنزل فقد خرج عن امللة ،واألحكام اليت عمل هبا النبيون السابقون هي مما أنزل هللا ،فيجب العمل هبا .
أدلة القول الثاين :
• قوله تعاىل ( :لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) فدل على أن كل نيب اختص بشريعة مل يشاركه فيها غريه.
وأجيب عنه :أبنه ال يدل على عدم املشاركة؛ فاملشاركة ال متنع من نسبتها إىل املبعوث هبا.
• قوله (بعثت إىل األمحر واألسود ،وكل نيب بعث إىل قومه)
• أن النيب رأى يوما بيد "عمر" قطعة من التوراة فغضب وقال ( :ما هذا أمل آت هبا بيضاء نقية ؟ لو أدركين
موسى حيا ما وسعه إال اتباعي)
30
وأجيب عنه :أبنه غضب ألهنا كانت حمرفة ومل تثبت بطريق موثوق ,واما ما يثبت عندان بطريق موثوق ومل
ينسخ فنعمل به.
• أن النيب ملا بعث معاذا إىل اليمن قال ( :مب حتكم ؟) فذكر الكتاب ،والسنة ،واالجتهاد ومل يذكر شرع من
قبلنا ،وصوبه النيب ولو كانت من مدارك األحكام مل جيز العدول إىل االجتهاد ،إال بعد العجز عنها.
واجيب عنه :أبننا ال نعترب من شرائعهم إال ما ثبت بطريق موثوق كأن يوجد يف القرآن أو السنة ومها مرجع
معاذ فال حجة هلم فيه.
• لو كان النيب متعبدا هبا للزمه مراجعتها والبحث عنها ،ولكان ال ينتظر الوحي ،وال يتوقف يف الظهار واملواريث
وحنوها .
• إطباق األمة على أن هذه الشريعة :شريعة رسول هللا جبملتها ،ولو تعبد بشرع غريه ،كان خمربا ال شارعا .
واخلالف يف هذه املسألة مبين على مسألة أخرى ،وهي :
مسألة :هل الرسول كان متعبدا قبل البعثة بشرع أحد من األنبياء السابقين أو ال؟
فيه أربعة مذاهب :
املذهب األول :أنه كان متعبدا بشرع من قبله من األنبياء واملرسلني ( مجهور احلنفية واملالكية والشافعية ،ورواية
أمحد ).
املذهب الثاين :أنه مل يكن متعبدا بشرع أحد ممن قبله ( األشاعرة ،واملعتزلة ،ورواية عن أمحد ،واختاره اآلمدي ).
املذهب الثالث :أنه جائز عقالا ،ولكنه ممتنع شرعا ( ،اختيار اإلمام فخر الدين الرازي واتباعه ).
املذهب الرابع :التوقف وعدم اجلزم برأي معني.
31
قول الصحابي
املراد بقول الصحايب :ما نقل إلينا عن أحد أصحاب رسول هللا ﷺ من فتوى ،أو قضاء ،أو عمل ،أو رأي ،أو
مذهب يف حادثة مل يرد حكمها يف نص ،ومل حيصل عليها إمجاع.
ينقسم قول الصحابي إلى أربعة أقسام :
.1قول الصحايب فيما ال جمال للرأي فيه ،كالعبادات والتقديرات وحنوها.
وهذا القسم حجة عند األئمة األربعة ألنه البد أن يكون مسعه الصحايب من النيب ﷺ؛ إذ ال اجتهاد يف األمور
اليت ال تعرف إال بتوقيف ،ولكن األئمة خيتلفون يف مدى االحتجاج به قلة وكثرة لعدم االتفاق على ضابط
معني حيدد ما ال جمال للرأي فيه .فقد يرى بعضهم أن هذه املسألة مما ال جمال للرأي فيها فيعمل بقول الصحايب
فيها ،ويرى اآلخر أهنا مما يدخله االجتهاد فال يعمل بقول الصحايب فيها.
.2قول الصحايب الذي اشتهر ومل خيالفه غريه فيه ،وهذا هو املسمى ابإلمجاع السكويت وقد تقدم الكالم فيه.
والشهرة قد يستدل عليها بكثرة خوض الصحابة يف املسألة ،وقد يستدل عليها بكون الصحايب من اخللفاء
األربعة واملسألة مما تعم به البلوى ويقع لكثري من الناس .مثل جعل عمر رضي هللا عنه طالق الثالث بلفظ
واحد ثالاث توجب البينونة الكربى.
.3قول الصحايب الذي خالفه فيه غريه من الصحابة ،فإنه ليس حبجة ،ولكن ال خيرج الفقيه عن أقواهلم إىل قول
آخر ،بل يتخري من أقواهلم ماهو أقرب للدليل.
هكذا قال كثري من األصوليني ،والذي يظهر من صنيع الفقهاء أن منهم من يستدل بقول الصحايب ولو خالفه
غريه إذا رأى رجحانه بقياس أو غريه.
.4قول الصحايب فيما للرأي فيه جمال ومل ينتشر ومل يعرف له خمالف من الصحابة ،وهذا هو حمل النزاع.
القول األول :إنه حجة ،وهو قول أيب حنيفة ومالك وأمحد وقول الشافعي القدمي.
القول الثاين :أنه ليس حبجة ،وإىل هذا ذهب الشافعي يف قوله اجلديد ،ومجاعة من أتباع املذاهب األخرى.
أدلة القول األول :
أ .قول الرسول ﷺ « :خري الناس قرين ،مث الذين يلوهنم ،مث الذين يلوهنم» (أخرجه البخاري ومسلم).
فهذه شهادة هلم ابلفضل على من سواهم ،وهي تقتضي تقدمي اجتهادهم على اجتهاد غريهم.
ب .أن قول الصحايب الذي مل يعلم له خمالف حيتمل أن يكون نقال عن رسول هللا ﷺ فيقدم على الرأي احملض.
ت .أن الصحابة شاهدوا الرسول ﷺ وحضروا نزول الوحي وهم أعرف الناس بكتاب هللا وسنة رسوله ﷺ،
فال بد أن يكون قوهلم مقدما على قول غريهم.
أدلة القول الثاين :
أ .أن الصحابة غري معصومني من اخلطأ إذا مل جيمعوا ،وقول من مل تثبت عصمته ال يكون حجة.
32
ب .أن التابعني قد أثر عنهم خمالفة آحاد الصحابة ،ولو كان قول الصحايب حجة ملا صحت خمالفته من
التابعي ،وألنكر الصحايب على من خالفه من التابعني ،وإذا جاز للتابعي خمالفة الصحايب جاز لغريه ذلك.
والراجح :أن مذهب الصحايب وحده ال يعد حجة إال إذا غلب على الظن اشتهاره بني الصحابة وعدم إنكاره،
كأن يكون من اخللفاء الراشدين الذين هم يف موضع القدوة لغريهم ،أو كانت املسألة مما يكثر وقوعه وتعم به
البلوى.
وأما إذا اختلف الصحابة على أقوال فاخلروج عن أقاويلهم يقتضي ختطئتهم مجيعا ،وهي بعيدة ،فالواجب أن خيتار
من أقواهلم ما يسنده النظر والدليل.
واالستدالل حبديث « :خري الناس قرين» ال يكفي؛ ألن اخلريية ال توجب حجية قول كل واحد إذا انفرد ،بدليل
أن التابعني أيضا مشهود هلم ابخلريية يف احلديث ،ومل يقل أحد إن رأي التابعي حجة يرتك هلا القياس الصحيح.
وكذلك االستدالل ابحتمال كون ما قاله رواية ال يدل على احلجية؛ ألن الدليل إذا تطرق إليه االحتمال سقط به
االستدالل.
وأما مشاهدهتم الرسول صلى هللا عليه وسلم ونزول الوحي بلغتهم فال شك أهنا ميزة هلم ولكنها ال تكفي ألن يعد
قول الواحد منهم دليال.
33
االستحسان
االستحسان له عدة معان ,بعضها صحيح اتفاقا ,وبعضها ابطل اتفاقا :
• فاملعىن الصحيح :العدول حبكم املسألة عن نظائرها لدليل خاص من كتاب أو سنة .يعين :ترجيح دليل
على دليل ,أو هو العمل ابلدليل األقوى أو األحسن.
• أما املعىن الباطل :
.1أنه دليل ينقدح يف نفس اجملتهد ال يقدر على التعبري عنه.
.2أنه ما يستحسنه اجملتهد بعقله .يعين :هبواه وعقله اجملرد دون استناد إىل شيئ من أدلة الشريعة املعتربة.
إذا تبين أن لالستحسان معنيين متقابلين أحدهما صحيح واآلخر باطل ,فال بد
من التنبيه على ما يلي :
❖ أن لفظ االستحسان من األلفاظ اجململة ,فال يصح إطالق احلكم عليه ابلصحة أو البطالن.
❖ أن من أثبت االستحسان من أهل العلم وأخذ به ,فإمنا أراد املعىن الصحيح قطعا.
❖ أن من أنكر االستحسان من أهل العلم وشنع على من قال به ,فإمنا أراد املعىن الباطل قطعا .ومن ذلك
مشرعا .والظاهر أن الشافعي ال
اإلمام الشافعي حيث قال ( :من استحسن فقد شرع) أي :جعل نفسه ّ
ينكر االستحسان مبعناه الصحيح ،بل ينكر االستحسان مبجرد اهلوى من غري دليل ،أو ينكر االستحسان
الذي مستنده غري القرآن والسنة واالمجاع.
❖ أن العمل ابالستحسان ابملعىن الصحيح أمر متفق على صحته ,إذ ال خالف يف وجوب العمل ابلدليل
الراجح ,وإمنا اختلف يف تسمية ذلك استحساان.
❖ أن العمل ابالستحسان ابملعىن الباطل أمر متفق على حترميه ,إذ األمة جممعة عل حترمي القول على هللا بدون
دليل ,وال شك أن ما يستحسنه اجملتهد بعقله وهواه من قبيل القول على هللا بدون دليل فيكون حمرما.
األمثلة يف العمل ابالستحسان (يف املعىن الصحيح)
.1استحسان سنده النص :
وهو ترك احلكم الذي يقتضيه القياس أو النص العام ،والعمل مبقتضى نص خاص.
مثاله :أن األصل أن ال يبيع اإلنسان ما ليس عنده ،هذا مقتضى النص والقياس ،أما النص فقوله ﷺ
حلكيم بن حزام رضي هللا عنه« :ال تبع ما ليس عندك» (رواه اخلمسة وحسنه الرتمذي وصححه ابن حزم
واأللباين يف إرواء الغليل).
وأما القياس فألن بيع ما ليس عنده مثل بيع حبل احلبلة أي :ولد احلمل الذي مل يولد بعد ،ألن كال
منهما غري معلوم الوصف للبائع واملشرتي.
34
ولكن ورد الدليل إبابحة السلم ،وهو عقد على موصوف يف الذمة مؤجل بثمن مقبوض مبجلس العقد،
مثل أن يبيع املزارع مائة صاع من التمر املوصوف تسلم بعد شهر أو شهرين مبائيت رايل مدفوعة حاال يف
جملس العقد ،فينتفع املزارع ابلنقد فإذا حل األجل دفع التمر للمشرتي.
فهذا النوع من البيوع يسمى السلم ،وقد رخص فيه النيب ﷺ فقال« :من أسلف يف متر فليسلف يف كيل
معلوم ووزن معلوم إىل أجل معلوم» (أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس ،واللفظ ملسلم ،ولفظ
البخاري :من أسلف يف شيء ففي كيل معلوم .)....
وتسمية هذا النوع استحساان غري مسلمة عند من ينكر العمل ابالستحسان؛ ألن هذا عمل ابلنص
اخلاص ،وترك ملقتضى العموم ،فهو ترك نص لنص أقوى منه.
.2استحسان سنده اإلمجاع :
وهو ترك مقتضى القياس أو العموم يف مسألة جزئية ألجل اإلمجاع.
مثاله :اإلمجاع على جواز عقد االستصناع ،وجواز شرب املاء من أيدي السقاة من غري حتديد قيمته،
ودخول احلمام من غري حتديد مدة البقاء فيه وال مقدار املاء املستعمل وال األجرة ،فاإلمجاع منعقد على
جوازه مع أن القياس يقتضي عدم جوازه.
35
المصالح المرسلة " االستصالح "
االستصالح هو بناء األحكام على املصلحة املرسلة.
املصلحة يعين املنفعة ,سواء كانت دنيوية أم أخروية ,جبلب نفع أو بدفع ضرر.
والعلماء متفقون على أن الشرع جاء حبفظ املصاحل وتكميلها ودرء املفاسد وتقليلها ،وأن هللا جل وعال قد راعى
يف أحكامه مصاحل العباد.
والمصلحة من حيث اعتبار الشرع لها وبناء األحكام عليها وعدمه تنقسم ثالثة أقسام :
✓ املصاحل املعتربة ،وهي املصاحل اليت اعتربها الشارع وأثبتها وأقام دليالا على رعايتها ،فهذه املصاحل حجة ال
إشكال يف صحتها وال خالف يف إعماهلا ,ويرجع حاصلها إىل القياس .ومثاهلا :مصلحة حفظ العقل اليت
تضمنها حترمي اخلمر ،فيقاس على اخلمر كل ما يذهب العقل من املخدرات واحلشيش وحنو ذلك.
✓ املصاحل امللغاة ,وهي :املصاحل اليت ألغاها الشارع ومل يعتربها وهي ليست حبجة ابالتفاق.
مثاله :أن امللك عبدالرمحن بن احلكم قد جامع جارية يف هنار رمضان ,وكرر ذلك يف عدد من األايم ،وكان
يكرر اإلعتاق مستدال حبديث األعرايب ،ولكن جاء الفقيه :حيىي بن حيىي الليثي املالكي فأفتاه أبن يصوم
ستني يوما كفارة له ،وعلل ذلك أبن الكفارة قد وضعت للزجر ،فلو أوجبنا عليه العتق لسهل عليه اجلماع يف
هنار رمضان مرة بعد األخرى؛ نظرا لكثرة ماله ،لذلك نوجب عليه الصيام زجرا له ،وظن هذا الفقيه أن يف
ذلك مصلحة ،ولكن هذه املصلحة ملغاة؛ ألهنا معارضة للنص الشرعي ،وهو :حديث األعرايب.
مثال آخر :التسوية بني الذكور واإلانث يف املرياث ,قال به من ال علم له ,ملصلحة قد تومهها .ولكن هذه
املصلحة ملغاة ملعارضتها للنص حيث قال تعاىل (يوصيكم هللا يف أوالدكم للذكر مثل حظ األنثيني).
✓ املصاحل املرسلة وهي :املصاحل اليت مل يقم دليل من الشارع على اعتبارها ,وال على إلغائها .ومسي مرسلة يعىن
مطلقة ,وهي اليت مل يقيدها الشارع ابعتبار ،وال إبلغاء.
فالمصلحة المرسلة هي كل منفعة داخلية يف مقاصد الشارع اخلمسة وهي :حفظ الدين ،والنفس ،والعقل
،واملال ،والنسل دون أن يكون هلا شاهد شرعي ابالعتبار أو اإللغاء.
ومثال ذلك :املصلحة الناشئة من مجع القرآن يف مصحف واحد ،فهذا العمل فيه مصلحة حفظ الدين ،ولكن مل
جند نصا يدل على حفظ الدين هبذه الطريقة خبصوصها ،وال بشيء يشبهها شبها ميكن معه قياسها عليه.
مثال آخر :املصلحة الناشئة عن وضع إشارات املرور يف الشوارع العامة ،ومعاقبة من ال يراعيها ،فإن هذا العمل
فيه مصلحة ظاهرة للناس؛ حيث إن االلتزام هبذه اإلشارات حيفظ أرواح الناس وأمواهلم ،وعدمه يؤدي إىل التصادم
وتعطيل احلركة وهالك األنفس واألموال ،فهذه املصلحة من حيث جنسها قد جاء هبا الشرع ،وال يشك مسلم يف
أن اإلسالم يدعو إىل حفظ األنفس واألموال ،ولكن ال جند نصا خاصا يدل على حفظها هبذه الطريقة (أي :
بوضع إشارات املرور) وال بطريقة تشبهها شبها بينا ميكن قياسها عليها.
36
وهذه املصلحة هي اليت تسمى املصلحة املرسلة ،وهي اليت اختلف يف حكم االحتجاج هبا على إثبات األحكام
الشرعية.
وتنقسم إىل ثالثة أقسام :
القسم األول :الضروريات ،وهي :املصاحل اليت البد منها يف قيام مصاحل الدين والدنيا ،وصيانة
مقاصد الشريعة ،حبيث إذا فقدت أو فقد بعضها؛ فإن احلياة ختتل أو تفسد ،وللمحافظة على املصاحل الضرورية
شرع هللا حفظ الدين ،والنفس ،والعقل ،والنسب ،واملال .
القسم الثاني :الحاجيات وهي :املصاحل واألعمال والتصرفات اليت ال تتوقف عليها احلياة واستمرارها،
بل إن احلياة تستمر بدوهنا ولكن مع الضيق واحلرج واملشقة.
القسم الثالث :التحسينيات ،وهي :املصاحل واألعمال والتصرفات اليت ال تتوقف احلياة عليها ،وال
تفسد وال ختتل ،فهي من قبيل التزيني والتجميل ،ورعاية أحسن املناهج وأحسن الطرق للحياة .
المصالح المرسلة حجة بشروط ,هي كما يلي :
➢ أن تكون املصلحة املرسلة ضرورية ،وهي ما يكون من الضرورايت اخلمس .
➢ أن تكون املصلحة عامة كلية؛ لتعم الفائدة مجيع املسلمني .
➢ أن تالءم تلك املصلحة مقاصد الشرع يف اجلملة فال تكون غريبة .
➢ أن تكون املصلحة قطعية ،أو يغلب على الظن وجودها ومل خيتلف يف ذلك .
ودل على حجيتها :إمجاع الصحابة ؛ حيث أهنم كانوا يراعون املصاحل ،وينظرون إىل املعاين اليت علموا أن القصد
من الشريعة رعايتها ،دون نكري من أحد ،فكان إمجاعا .
وأيضا :لو مل جنعل املصلحة املرسلة دليالا من األدلة ،للزم من ذلك خلو كثري من احلوادث من أحكام ،ولضاقت
الشريعة عن مصاحل الناس ,وألن النصوص قليلة ،واحلوادث كثرية .
37
سد الذرائع
الذرائع :مجع ذريعة ،وهي :كل وسيلة مباحة قصد هبا التوصل هبا إىل املفسدة ،أو مل يقصد هبا التوصل إىل
املفسدة ،لكنها مفضية إليها غالبا ،ومفسدهتا أرجح من مصلحتها.
ُّ
فسد الذرائع هو :منع الوسائل املفضية إىل املفاسد.
واألقوال واألفعال المؤدية إلى المفسدة أربعة أقسام :
األول :وسيلة موضوعة لإلفضاء إىل املفسدة قطعا ،كشرب اخلمر املفضي إىل مفسدة السكر ،والزىن املفضي إىل
مفسدة اختالط األنساب وثلم األعراض.
الثاني :وسيلة موضوعة لإلفضاء إىل املباح ،ولكن قصد هبا التوسل إىل املفسدة ،مثل عقد النكاح بقصد حتليل
الزوجة لزوجها األول الذي طلقها ثالاث.
الثالث :وسيلة موضوعة لإلفضاء إىل املباح ،ومل يقصد هبا التوسل إىل املفسدة ،ولكنها تؤدي إليها غالبا ،ومفسدهتا
أرجح من مصلحتها ،مثل :سب آهلة الكفار علنا إذا كان يفضي إىل سب هللا جل وعال.
الرابع :وسيلة موضوعة لإلفضاء إىل املباح ،وقد تفضي إىل املفسدة ،ومصلحتها أرجح من مفسدهتا ،مثل النظر
إىل املخطوبة ،واملشهود عليها ،واجلهر بكلمة احلق عند سلطان جائر.
فالقسم األول قد جاءت الشريعة مبنعه ،إما على سبيل التحرمي أو الكراهة ،وذلك حبسب درجته يف املفسدة وال
خالف فيه.
والقسم الرابع قد جاءت الشريعة مبشروعيته إما على سبيل الوجوب أو االستحباب؛ حبسب درجته يف املصلحة،
وال خالف فيه.
والقسمان الثاين والثالث مها موضع النزاع ،هل جاءت الشريعة مبنعهما ؟
حجية سد الذرائع :
سد الذرائع حجة يُعمل به ،ويُستدل به على إثبات بعض األحكام الشرعية ،أو نفيها لآليت :
• لقوله تعاىل( :وال تسبوا الذين يدعون من دون هللا فيسبوا هللا عدوا بغري علم) فاهلل سبحانه هنا قد َّ
حرم
سب األصنام اليت يعبدها املشركون ،لكون هذا السبب ذريعة إىل أن يسبوا هللا تعاىل ،وهذا هو سد الذرائع.
َّ
• وألن النيب ﷺ مل يقتل من ظهر نفاقه قال ﷺ ( :أخاف أن يقول الناس :إن حممدا يقتل أصحابه) وذلك
سدا للذرائع.
• واألخذ بدليل سد الذرائع راجع إىل األخذ بدليل املصلحة.
وبناء على حجية سد الذرائع :فإن الشخص لو مات وعليه زكاة مل يؤدها :فإنه ال يلزم الورثة إخراجها عن من
تركته؛ ألنه لو ألزمنا الورثة بذلك ألدى ذلك أبن يرتك اإلنسان أداء َزكاته طول عمره اعتمادا على أن الورثة
سيخرجوهنا بعد موته ،ورمبا يتخذ ذلك ذريعة لإلضرار هبم.
38
العرف
العُرف هو :ما يتعارفه أكثر الناس ،وجيري بينهم من وسائل التعبري ،وأساليب اخلطاب والكالم ،وما يتواضعون
عليه من األعمال ،ويعتادونه من شؤون املعامالت مما مل يوجد يف نفيه وال إثباته دليل شرعي.
العرف من حيث مصدره ثالثة أقسام هي :
• العُرف العام ،وهو :ما تعارف عليه أكثر الناس يف مجيع البلدان ،مثل :
• العرف اخلاص ،وهو :ما تعارف عليه أكثر الناس يف بعض البلدان مثل :إطالق لفظ الدابة على الفرس عند
أهل العراق ،بينما ذلك خيتلف يف مصر.
• العُرف الشرعي ،وهو :اللفظ الذي استعمله الشارع مريدا منه معىن خاصا مثل" :الصالة" فإهنا يف األصل :
الدعاء ،ولكن الشارع أراد هبا شيئا خمصوصا.
العرف من حيث سببه ومتعلقه قسمان هما :
• العرف القويل واللفظي ,وهو :أن يتعارف أكثر الناس على إطالق لفظ على معىن ليس موضوعا له ،حبيث
يدب
يتبادر إىل الذهن عند مساعه بدون قرينة وال عالقة عقلية ،كلفظ "الدابة" ،فإنه لغة يطلق على كل ما ُّ
خصصوه ابحلمار .خصصه بعضهم ابلفرس ،وآخرون َّعلى األرض ،وقد َّ
• العرف الفعلي ،وهو :ما كان موضوعه بعض األعمال اليت اعتادها الناس يف أفعاهلم العادية ،أو معامالهتم
،كبيع املعاطاة وهي :أن يقول :أعطين هبذا الرايل خبزا فيعطيه ما يرضيه ،أو أن يدفع الثمن وأيخذ السلعة
بدون لفظ عن تراض بينهما ،فهذا بيع صحيح ثبت عن طريق العرف .
حجة ودليل شرعي تثبت به األحكام الشرعية بشروط هي : العرف
أن يكون العرف عاما أو غالبا. •
أن يكون العرف مطردا أو أكثرايا. •
أن يكون العرف موجودا عند إنشاء التصرف . •
• أن يكون العرف ملزما ؛ أي :يتحتم العمل مبقتضاه يف نظر الناس.
• أن يكون العرف غري خمالف لدليل معتمد .
• أن يكون العرف غري معارض بعُرف آخر يف نفس البلد .
فإذا توفرت هذه الشروط فإن العرف حجة ،دل على ذلك :االستقراء
وبناء عليه :فإنه يعطى األجري الصانع أجرة املثل ،وإن مل تذكر األجرة قبل العمل إذا كان منتصبا للعمل.
39