You are on page 1of 14

‫إعداده ‪:‬أساتذة املادة‬ ‫(لالستعمال الداخلي‪)...

‬‬ ‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫املبحث األول‪ :‬املقدمة‬


‫تعريف أصول الفقه وعالقته ابلفقه‬ ‫•‬
‫مشروعية دراسة علم أصول الفقه‬ ‫•‬
‫أمهية دراسة علم أصول الفقه‬ ‫•‬
‫أوال‪ :‬تعريف أصول الفقه‬
‫عرف األصوليون علم أصول الفقه ابعتبارين‪ :‬حسب اإلضافة وحسب العلمية‪ .‬فاالعتبار‬
‫األول وهو أن أصول الفقه مركب إضايف حيتاج إل تعريف مفرداته‪ ،‬وأما االعتبار الثاين وهو أصول‬
‫الفقه علم فين خاص حيتاج إل تعريفه ابعتباره مفردا بدون النظر إل األجزاء املكونة له‪.‬‬
‫تعريف علم أصول الفقه ابعتبار اإلضافة‪:‬‬
‫أ‪ -‬املراد ابلعلم‪ :‬هو املسائل والقضااي الىت يبحث عنها يف العلم‪ .‬ألن املسائل هو موضوع الدراسة‬
‫ومقصودها مثل علم الفقه أبنه جمموعة األحكام الشرعية العملية ‪.‬‬
‫ب‪ -‬املراد ب ـاألصول‪ :‬مجع أصل وهو يف اللغة‪ :‬ما يبىن عليه غريه حسيا كان أو عقليا وأما يف االصطالح‬
‫له عدة معان منها‪:‬‬
‫األصويل‪ :‬األصل يف هذه املسألة الكتاب‪ ،‬وقول الفقيه‪ :‬األصل يف وجوب‬ ‫ّ‬ ‫‪ .1‬الدليل‪ :‬ومنه قول‬
‫الص َالةَ) أي الدليل املثبت لوجوهبا والقائم عليه الشيء‪.‬‬‫يموا َّ‬ ‫الصالة قوله تعال‪ِ :‬‬
‫(وأَق ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫األساسي للكلمة‬
‫ّ‬ ‫‪ .2‬الراجح‪ :‬ومنه القول أب ّن األصل يف الكالم احلقيقة وليس اجملاز؛ أي أ ّن األصل‬
‫تعذر الوصول إل احلقيقة‬ ‫اجملازي‪ ،‬إّّنا يُصار إل اجملاز إذا َّ‬
‫ّ‬ ‫احلقيقي املستَم ّد منها‪ ،‬وليس املعىن‬ ‫هو املعىن‬
‫ّ‬
‫من الكالم‪.‬‬
‫السالم‪( :‬ال ض َرر وال ِضر َار) هذا احلديث أصل من‬ ‫الصالة و ّ‬
‫‪ .3‬القاعدة‪ :‬ومنه قول الرسول عليه ّ‬
‫أصول الشريعة‪ ،‬أي قاعدة من قواعدها‪.‬‬
‫‪ .4‬املستصحب‪ :‬ومنه قول الفقهاء‪ :‬األصل براءة اإلنسان؛ أي أ ّن اإلنسان بريءٌ حىت تثبت إدانته‪،‬‬
‫غري تلك الرباءة فيكون عارضاً طارائً عليها‪.‬‬ ‫فاألصل الرباءة من كل شيء‪ ،‬إال أذا حدث ما يُ ّ‬
‫‪ .5‬املقيس عليه‪ :‬وهلذا نقول "إن األصل هو املقيس عليه"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫إعداده ‪:‬أساتذة املادة‬ ‫(لالستعمال الداخلي‪)...‬‬ ‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫ج‪ .‬املراد بــالفقه‪ :‬يف اللغة هو العلم ابلشيء والفهم له ولكن استعماله يف القرآن الكرمي يرشد إل أن‬
‫املراد منه ليس مطلق العلم بل دقة الفهم ولطف اإلدراك ومعرفة غرض املتكلم ‪ .‬قوله تعال" فَ َم ِال‬
‫ادو َن يـَ ْف َق ُهو َن َح ِديثًا " ‪ .‬وأما الفقه يف اصطالح العلماء فهو العلم ابألحكام الشرعية‬ ‫ِ ِ‬
‫ََٰه ُؤَالء الْ َق ْوم َال يَ َك ُ‬
‫العملية املكتسبة من أدلتها التفصيلية ‪ .‬وهذا التعريف هو املختار للفقه ألنه األشهر واألضبط عند‬
‫علماء األصول‪.‬‬
‫فتعريف علم أصول الفقه ابعتبار العلمية عند العلماء فهو العلم ابلقواعد واألدلة اإلمجالية‬
‫اليت يوصل هبا إل استنباط الفقه ‪.‬‬
‫فالقواعد مجع قاعدة وهي ما تعرف منها األحكام اجلزئيات املندرجة حتت موضوعها‪ .‬وهي‬
‫ِ‬
‫لالحرتاز عن األمور اجلزئية الىت ليست بقواعد مثل معرفة حترمي الراب من قول هللا تعال‪َٰ { :‬ذَل َ‬
‫ك ِأبَ ََّّنُْم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قَالُوا إَّّنَا الْبَـْي ُع مثْ ُل الِّرَاب ۗ َوأ َ‬
‫َح َّل اللَّـهُ الْبَـْي َع َو َحَّرَم الِّرَاب } سورة البقرة‪ ،275:‬وألن األصويل يبحث يف‬
‫األدلة الكلية وداللتها لوضع القواعد الكلية مثل قاعدة حديث املتواتر مقدم على اآلحاد وحنوها‪.‬‬
‫ووصف القواعد أبَّنا توصل إل استنباط األحكام أن تكون تلك القواعد وسيلة للمجتهد إل فهم‬
‫األحكام وأخذها من األدلة‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬عالقة أصول الفقه ابلفقه‬


‫فارتباط علم أصول الفقه بعلم الفقه إرتباطا وثيقا‪ .‬وعالقتهما عالقة وطيدة ومكملة بعضهما‬
‫البعض‪ .‬فبقواعد أصول الفقه وحبوثه تفهم النصوص الشرعية ويعرف ما تدل عليه من األحكام وهي‬
‫نتائج علم الفقه نفسه‪ .‬وعلى ذلك يلزم الفقيه أن يطَّلع علم أصول الفقه ليفهم ما استنبطه األئمة‬
‫اجملتهدون حق فهمه‪ .‬ويوازن بني مذاهبهم املختلفة يف حكم الواقعة الواحدة ألن فهم احلكم على وجهه‬
‫املنشود واملوازنة بني حكمني خمتلفني‪ ،‬وهذا ال يكون إال ابلوقوف على دليل احلكم ووجه استنباط‬
‫احلكم من دليله‪ ،‬وال يكون هذا إال بعلم أصول الفقه فهو عماد الفقه والفقه املقارن على حد ذاته‪.‬‬
‫ومن حيث املوضوع‪ ،‬فيبحث األصويل يف األدلة اإلمجالية (الكلية) ليتعرف على ما فيها من‬
‫أحكام كلية ليضع القواعد اليت يطبقها الفقيه على األدلة اجلزئية حىت يصل إل معرفة احلكمي الشرعي‬
‫وهو ذاته موضوع علم الفقه‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫إعداده ‪:‬أساتذة املادة‬ ‫(لالستعمال الداخلي‪)...‬‬ ‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫ويكون موضوع أصول الفقه هو كل ما يتعلق ابملنهاج الذي يرسم الفقيه ليتقيد به يف استنباط‬
‫االحكام‪ .‬وبه يرتب األدلة ويبني الظين والقطعي واملنهاج الذي يرسم عند تعارض ظواهر النصوص مث‬
‫يبني تفاوت داللة العبارات املختلفة‪ ،‬فيبني مرتبة اخلاص من العام‪ ،‬ويبني من الذي تنطبق عليه األحكام‬
‫الشرعية مث يبني أثر األحوال العارضة كاجلهل ابلشرع أو الغلط وحنوها من األحوال الىت تعرض للشخص‬
‫فتفقده املسؤولية أو ختفف منها‪.‬‬

‫اثلثا‪ :‬مشروعية دراسة علم أصول الفقه‬


‫فدراسة علم أصول الفقه خيتلف ابختالف األشخاص واملتعلمني‪ ،‬فإن كان الشخص يهيئ‬
‫نفسه للوصول إل درجة االجتهاد‪ ،‬ويريد رفع اجلهل عن نفسه واجلهل عن غريه‪ ،‬فإن دراسة علم أصول‬
‫الفقه ابلنسبة إليه فرض عني‪ ،‬ألنه ال ميكن أن يتوصل إل درجة االجتهاد بدون تعلمه‪ ،‬بل هو أهم‬
‫العلوم اليت جيب حتصيلها حىت يكون جمتهداً وقادراً على استنباط األحكام الشرعية من أدلتها‪.‬‬
‫أما إن كان الشخص طالباً للعلم بصورة عامة‪ ،‬فإن تعلم أصول الفقه فرض كفاية‪ ،‬شأنه شأن‬
‫أي علم جيب أن يقوم به البعض‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬أمهية دراسة علم أصول الفقه‬


‫أهم العلوم اإلسالمية‪ ،‬من حيث األصالة يف الفكر‪ ،‬والعمق يف‬ ‫يـُ َع ّد علم أصول الفقه من ّ‬
‫البحث‪ ،‬وهلذا العلم أمهية كبرية منها‪:‬‬
‫أ‪ .‬يتعرف بواسطة قواعد األصول مدارك الفقهاء اجملتهدين وطرق استنباطهم والتوصل هبا إل معرفة‬
‫األحكام الشرعية معرفة دقيقة مرتكزة على الفهم واطمئنان النفس‪.‬‬
‫ب‪ .‬يقدر على استنباط األحكام من األدلة وهذا ابلنسبة للمجتهد‪ ،‬وأما املقلد فهو عند الوقوف على‬
‫مدارك األئمة ومستنداهتم يف األحكام الىت استنبطوها فيطمئن القلب إل ما قالوا واالطمئنــان على‬
‫العمــل والط ــاعة واالنقيـ ــاد لألح ـك ــام الشرعية‪.‬‬
‫ج‪ .‬يساعد يف استنباط األحكام وترجيح وختريج أقوال الفقهاء السابقني أو اصدار األحكام اليت ليس‬
‫هلا نصوص يف القرآن والسنة‪ .‬والتعمق يف هذا العلم يستطيع أن ينفض غبار التقليد األعمى‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫إعداده ‪:‬أساتذة املادة‬ ‫(لالستعمال الداخلي‪)...‬‬ ‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫د‪ .‬أهم طريق لضبط أصول األحكام الشرعية وأدلتها‪ ،‬وبعث املكلف على القيام ابلتكاليف واألوامر‬
‫الدينية ومن هنا قال األصوليون‪ ":‬فائدة أصول الفقه معرفة أحكام هللا تعال وهي سبب الفوز ابلسعادة‬
‫الدينية والدنيوية‪".‬‬

‫خامسا‪ :‬نشأة علم أصول الفقه وتطوره‬


‫أ‪ -‬عصر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫إن العرب اجلاهلي عاشوا يف أحوال دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية سيئة للغاية‪ .‬ولذلك‬
‫كان الناس يف حاجة ال تشريع عادل يعطي كل ذي حق حقه‪ ،‬وال شك أن الشرع يف ذلك كله هو‬
‫هللا سبحانه وتعال‪ ،‬واملبلغ هلذا التشريع هو رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫ويبني هلم األحكام الشرعيّة يف املسائل‬
‫كان النيب عليه الصالة والسالم يعلّم الصحابة الدين‪ّ ،‬‬
‫املختلفة الىت طرأت يف عهده‪ .‬فلم تكن مثة حاجة ٍ‬
‫يومئذ لالجتهاد أو القياس وغريه من القواعد واألدلّة‬
‫الرغم من ذلك فقد ظهرت بواكري‬ ‫اليت عرفت فيما بعد أبصول الفقه وغريه من القواعد الفقهية‪ .‬وعلى ّ‬
‫علم أصول الفقه يف هذا العهد حينما بعث النيب صلى هللا عليه وسلم معاذ بن جبل إل اليمن‪َّ :‬‬
‫(أن‬
‫النَّيب صلَّى َّ ِ‬
‫قال أقضي مبا يف‬ ‫ك قضاءٌ؟ َ‬‫عرض لَ َ‬
‫كيف تَقضي إذا َ‬ ‫قال‪َ :‬‬ ‫اَّللُ عليه وسلَّ َم ملا بعثَهُ إل َ‬
‫اليم ِن َ‬ ‫َّ‬
‫اَّلل ِ‬ ‫رسول َِّ‬
‫لت‪ :‬بسن َِّة ِ‬ ‫كتاب َِّ‬
‫قال‪ :‬فإن مل ي ُكن يف ِ‬ ‫كتاب َِّ‬
‫ِ‬
‫عليه‬ ‫اَّلل صلَّى َُّ‬ ‫وجل؟‪ ،‬قُ ُ‬
‫عز َّ‬ ‫اَّلل َّ‬ ‫َ‬ ‫وجل َ‬
‫عز َّ‬ ‫اَّلل َّ‬
‫قال‪ :‬فضرب صدري ِ‬
‫بيد ِه‬ ‫قال‪ :‬أجتَ ِه ُد رأيي وال آلو‪َ ،‬‬ ‫رسول َِّ‬
‫اَّلل؟ َ‬ ‫قال‪ :‬فإن مل ي ُكن يف سن َِّة ِ‬ ‫وسلَّ َم‪َ ،‬‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اَّلل) وهذه هي مقومات علم األصول‬ ‫رسول َِّ‬
‫اَّلل ملا يُرضي َ‬ ‫رسول َِّ‬
‫َّلل الَّذي وفَّق رسو َل ِ‬ ‫احلمد َِّ‬
‫وقال‪ُ :‬‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫وحقيقته يف عصر الرسول صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫(ب) عصر الصحابة والتابعي‬


‫اَّلل عنهم إذا حدثت حادثة يف عهد النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فكانوا‬‫إن الصحابة رضي َّ‬
‫يلجأون إل النيب صلى هللا عليه وسلم‪ .‬فوجدوا عنده احلكم مباشرا من القرآن أو غري مباشر من اجتهاد‬
‫النيب صلى هللا‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫إعداده ‪:‬أساتذة املادة‬ ‫(لالستعمال الداخلي‪)...‬‬ ‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫اَّلل عنهم أيخذون حكما ألي حادثة‬ ‫فلما تويف النيب صلى هللا عليه وسلم‪،‬كان الصحابة رضي َّ‬
‫من األحكام املـُثْـبَتة يف كتاب هللا تعال وسنة رسول هللا صلى هللا عليه سلم‪ .‬وإذا حدث يف عصرهم‬
‫من األقضية واملشكالت ما مل حيدث يف عصر النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فالبد هلم أن جيتهدوا وحبثوا‬
‫وأَ ْعملَوا الرأي‪ .‬فكانوا يلحقون األشباه واألمثال أبشباهه وأمثاله ويسوون بيهما يف األحكام إذا تساوى‬
‫فيه العلل الشرعية‪ ،‬فيقيسون ما مل يكن مبا كان‪.‬‬
‫وهم جيتهدون يف معرفة املقاصد واملصاحل وكانوا كذلك حيرصون كل احلرص على األخذ برأي‬
‫اجلماعة‪ .‬فصار احلكم يف الطور األول من عهد الصحابة امجاعا‪ .‬فلما انتشر الصحابة بعد الفتوحات‬
‫اإلسالمية يف احناء العامل اإلسالمي فريتب االختالف بينهم يف قائمة جديدة لعلم أصول الفقه‪.‬‬
‫فال حاجة للصحابة النظر يف اإلسناد وأحوال الرواة وعلل احلديث واجلرح والتعديل‪ ،‬وكذلك‬
‫ال حاجة هلم النظر يف قواعد األصول بل قد غنوا عن ذلك كله‪.‬‬
‫اَّلل تعال على َّنج سلفهم يف الرجوع إل املصدرين األوليني ومها القرآن‬
‫وسار التابعون رمحهم َّ‬
‫اَّلل عنهم‪ .‬وهبذا زادوا أصالً‬
‫والسنة إن وجدوا فيهما‪ .‬وإذا تعثر عليهم رجعوا إل فتاوى الصحابة رضي َّ‬
‫آخر يف علم الفقه‪ .‬فبدأ التابعون االجتهاد إذا مل جيدوا يف عهد الصحابة حكما لقضية الىت حدثت يف‬
‫عهدهم‪ .‬فكثرت عملية االجتهاد يف هذا العهد وكثرت طرقه‪ ،‬وتعددت وجوهه‪ .‬فبعضهم يكتفي بظاهر‬
‫النص‪ ،‬وبعضهم ال يكتفي بذلك‪ ،‬بل يغوص على املعاين‪ ،‬فريى أن أكثر األحكام معللة‪ ،‬مث يبنون‬
‫على هذه العلل األحكام وجوداً وعدماً‪.‬‬

‫(ج) عصر األئمة اجملتهدين‬


‫فلما جاء عصر األئمة اجملتهدين‪ ،‬أصبح لكل إمام قواعد اعتمدها يف الفتوى واالجتهاد‪ .‬ويف‬
‫هذا العصر‪ ،‬جند املناهج تتميز بشكل أوضح‪ ،‬ومع متييز املناهج تتبني قوانني االستنباط وتظهر معاملها‪،‬‬
‫وتظهر على ألسنة األئمة يف عبارات صرحية واضحة دقيقة‪ ،‬فنجد اإلمام أاب حنيفة مثال حيد مناهج‬
‫االستنباط األساسية ابلكتاب والسنة‪ ،‬وإن مل جيد يف القرآن والسنة حكما أخذ بفتاوى الصحابة ما‬
‫جيمعون عليه‪ ،‬وأما ما خيتلفون فيه يتخري من آرائهم وال خيرج عنها‪ .‬ومن مث أنه ال أيخذ برأي التابعني‬
‫ألَّنم رجال مثله‪ .‬وكان اإلمام أبو حنيفة يسري يف القياس واالستحسان على منهاج بني‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫إعداده ‪:‬أساتذة املادة‬ ‫(لالستعمال الداخلي‪)...‬‬ ‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫واإلمام مالك رضي هللا عنه كان يسري على منهاج أصويل واضح يف احتجاجه بعمل أهل‬
‫املدينة وتصرحيه بذلك يف كتبه ورسالته ويف اشرتاطه ما اشرتطه يف رواية احلديث ويف رده لبعض اآلاثر‬
‫املنسوبة للنيب صلى هللا عليه وسلم ملخالفته املنصوص عليه يف القرآن الكرمي أو املقرر املعروف من قواعد‬
‫الدين كرده خرب "إذا ولغ الكلب يف إانء أحدكم غسله سبعا" وكرده خرب خيار اجمللس وغريها‪.‬‬
‫وملاّ جاء اإلمام الشافعي وجدانه يتجه إل تدوين ذلك العلم اجلليل‪ ،‬فريسم مناهج االستنباط‬
‫دون ضوابط االستنباط‪ ،‬فقد أويت علما دقيقا ابللسان العريب‬ ‫ويوضح معامل ذلك العلم‪ .‬وكان أول من ّ‬
‫حىت عد يف صفوف الكبار من علماء اللغة‪ ،‬وأويت علم احلديث فتخرج على أعظم رجاله‪ ،‬وأحاط‬
‫بكل أنواع الفقه يف عصره‪ ،‬وكان عليما ابختالف العلماء من عصر الصحابة إل عصره‪ ،‬وكان حريصا‬
‫كل احلرص على أن يعرف أسباب اخلالف والوجهات املختلفة الىت يتجه إليها أنظار املختلفني‪.‬‬
‫فبعلم اللغة استطاع اإلمام الشافعي أن يستنبط القواعد الستخراج األحكام الفقهية من نصوص القرآن‬
‫والسنة‪ ،‬وبدراسته يف مكة الىت كان يتوارث فيها علم عبد هللا ابن عباس الذي مسى ترمجان القرآن عرف‬
‫الناسخ واملنسوخ وابطالعه الواسع على السنة وموازنتها ابلقرآن استطاع أن يعرف مقام السنة من القرآن‬
‫وحاهلا عند التعارض لظواهر القرآن‪ .‬وقد كانت دراسته لفقه الرأي وللمأثور من آراء الصحابة أساسا‬
‫ملا وضعه من ضوابط القياس‪.‬‬
‫وهكذا وضع اإلمام الشافعي قواعد لالستنباط ومل تكن يف مجلتها ابتداعا ابتدعه‪ ،‬ولكنها‬
‫مالحظة دقيقة ملا كان يسلكه الفقهاء الذين اهتدى هبم من مناهج يف استنباطهم مل يدونوها‪ ،‬فهو مل‬
‫ودوَّنا يف علم‬
‫يبتدع منهاج االستنباط ولكن له السبق يف أنه مجع أشتات هذه املناهج الىت اختارها‪ّ ،‬‬
‫مرتابط األجزاء‪ .‬فما كان عمله فيه ابتداعا ألصل املنهج بل كان ابتداعه يف ضبط املنهاج‪ .‬وال نقول‬
‫إن اإلمام الشافعي قد أيت ابلعلم كامال كل الوجوه حبيث إنه مل يبق جمهودا ملن بعده بل إنه جاء من‬
‫بعده من زاد وّنى وحرر مسائل كثرية يف هذا العلم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(د) عصر املعاصرين‬
‫خضعت معظم الدول اإلسالمية لالستعمار األورويب‪ ،‬ودخلت شعوهبا يف مواجهات يف كل‬
‫اجملاالت من أجل حترير نفسها‪ ،‬ومن أهم واجهات هذا الصراع اجملال الفقهي والقانوين‪ ،‬حيث احتدم‬
‫جملة البيان العدد ‪ 308‬ربيع اآلخر ‪1434‬هـ‪ ،‬مارس ‪2013‬م ابلتصرف‬ ‫‪1‬‬

‫‪6‬‬
‫إعداده ‪:‬أساتذة املادة‬ ‫(لالستعمال الداخلي‪)...‬‬ ‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫بني الشرع والفقه من جهة‪ ،‬وبني القوانني األوروبية الوافدة من جهة أخرى‪ .‬وكان من نتائج هذا الصراع‬
‫إبعاد الشريعة والفقه عن معظم جماالت احلياة اليومية للمسلمني‪ .‬وبعد أن حصلت البلدان اإلسالمية‬
‫على استقالهلا‪،‬شهدت األمة اإلسالمية صحوة جديدة‪ ،‬فكان من مثار ذلك صحوة علمية مشلت‬
‫أصول الفقه‪ .‬وأهم اجلهود املعاصرة يف تطوير علم أصول الفقه من خالل املباحث التالية‪:‬‬
‫حتقيق الرتاث األصويل وطبعه‪:‬‬ ‫‪.1‬‬
‫بدأت طباعة عدد من املخطوطات اليت كانت متداولة يف عصر االحنطاط‪ ،‬وبقيت كذلك إل‬
‫العصر احلديث‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫•اإلهباج بشرح املنهاج لتقي الدين علي بن عبد الكايف السبكي وولده اتج الدين السبكي‪ ،‬طبع يف‬
‫مصر مث بلبنان عدة مرات‪.‬‬
‫•حاشية الشيخ حسن العطار على شرح احمللى على مجع اجلوامع البن السبكي مع تقريرات للشيخ‬
‫عبد الرمحن الشربيين وتقريرات أخرى للشيخ حممد علي بن احلسني املالكي‪ ،‬أي مخسة كتب يف اجملموع‪.‬‬
‫•أصول البزدوي‪ ،‬وعليه شرح للبخاري‪ ،‬طبع ابألستانة سنة ‪1307‬هـ‪.‬‬
‫•أصول السرخسي‪ ،‬طبع يف دار الكتاب العريب سنة ‪1372‬هـ‪.‬‬
‫•املستصفى للغزايل‪ ،‬وهبامشه فواتح الرمحوت بشرح مسلم الثبوت حملب هللا بن عبد الشكور‪ ،‬طبع سنة‬
‫‪1306‬هـ‪ ،‬املطبعة األمريية ببوالق‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫•كنز الوصول إل معرفة األصول لفخر اإلسالم البزدوي‪ ،‬وهبامشه كشف األسرار عن أصول فخر‬
‫اإلسالم لإلمام عالء الدين البخاري‪ ،‬طبع سنة ‪1308‬هـ مبطبعة الشركة الصحافية العثمانية‪.‬‬
‫•َّناية السول لألسنوي ومعه سلم الوصول لشرح َّناية السول للشيخ حممد خبيت املطيعي املتوىف سنة‬
‫‪1935‬م‪ ،‬وطبع سنة ‪1343‬هـ يف مصر‪.‬‬
‫إن هذه النماذج تتميَّز بعدة مميزات‪ ،‬من أمهها‪ :‬تداخل عدة كتب يف كتاب واحد‪ ،‬ودقة اخلط‬
‫وعدم وضوح طباعة بعض احلروف‪ ،‬وانعدام وجود عناوين لألبواب والفصول واملباحث اليت تسهل‬
‫تعرف ابملصنِّف‬‫مهمة الباحث‪ ،‬وصعوبة اللغة‪ ،‬وعدم تصدير هذه املطبوعات مبقدمات حتقيقية ِّ‬
‫واملصنَّف ومنهج التصنيف وأمهية الكتاب بني كتب األصول املعتمدة‪.‬‬
‫إن هذه اخلصائص وغريها هي اليت جتعل من العسري على الباحث املعاصر أن يستفيد من هذه‬
‫املصنفات أدت إل ضرورة حتقيق كتب األصول وطباعتها يف شكل جذاب‪ .‬وقد ابتدأ هذا النوع من‬
‫‪7‬‬
‫إعداده ‪:‬أساتذة املادة‬ ‫(لالستعمال الداخلي‪)...‬‬ ‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫التحقيق والطباعة يف منتصف القرن العشرين امليالدي تقريباً‪ ،‬ونشط ابخلصوص يف الثمانينيات‬
‫والتسعينيات منه‪ ،‬خصوصاً بعدما أولته بعض اجلامعات اإلسالمية‪ ،‬وحتديداً جامعيت أم القرى يف مكة‬
‫املكرمة واجلامعة اإلسالمية يف املدينة املنورة‪ ،‬عناية فائقة‪ ،‬ومن بني أهم هذه النماذج اليت مت إخراجها‬
‫بناء على املنهج اجلديد الكتب التالية‪:‬‬
‫•الرسالة حملمد بن إدريس الشافعي‪ ،‬بتحقيق الشيخ أمحد حممد شاكر‪ ،‬حيث أمت حتقيق الكتاب يف‬
‫رجب ‪1358‬هـ املوافق لسبتمرب ‪1939‬م وطبعتها مطبعة مصطفى احلليب يف مصر‪.‬‬
‫•املعتمد يف أصول الفقه أليب احلسني البصري املعتزيل‪ ،‬وقد كان هذا الكتاب يف حكم املفقود حىت‬
‫طبعه املعهد العلمي الفرنسي للدراسات العربية يف دمشق سنة ‪1964‬م بتحقيق حممد محيد هللا‪ ،‬وتعاون‬
‫كل من حممد بكر وحسن حنفي‪ ،‬وقد قدم له حممد محيد هللا مبقدمة مكتوبة ابللغة الفرنسية أثبتها يف‬
‫آخر اجمللد الثاين‪ ،‬مع فهارس مفصلة آلايت القرآن الكرمي واألحاديث النبوية واألعالم والبلدان‪.‬‬
‫•املستصفى من علم األصول أليب حامد الغزايل‪ ،‬وقد حظي بعدة حتقيقات وطبعات‪ ،‬ومن بني طبعاته‬
‫احملققة تلك اليت حققها الدكتور حممد سليمان األشقر يف جملدين‪ ،‬وطبعتها مؤسسة الرسالة يف بريوت‬
‫سنة ‪1997‬م‪ ،‬ومتتاز الدراسة اليت قدم هلا بتبويبها اجليد الواضح‪ ،‬ابإلضافة إل فهارس مفصلة لآلايت‬
‫القرآنية واألحاديث النبوية وآاثر الصحابة وفهرس الشعر وآخر للمصطلحات األصولية واألعالم وفهرس‬
‫مفصل للمحتوايت‪.‬‬
‫•كتاب التلخيص يف أصول الفقه أليب املعايل اجلويين‪ ،‬وقد كان كذلك يف حكم املفقود حىت قيض‬
‫هللا عز وجل طالبني ابحثني من اجلامعة اإلسالمية يف املدينة املنورة فقاما بدراسته وحتقيقه‪ ،‬ومها الدكتور‬
‫عبد هللا جوامل النيبايل وبشري أمحد النبلي‪ ،‬وطبعته دار البشائر اإلسالمية يف بريوت‪ ،‬ومتتاز هذه الطبعة‬
‫ابإلخراج اجليد فضالً عن فهرس لألبواب والفصول واملسائل‪ ،‬وتتجلى أمهيته يف كونه حفظ لنا اآلراء‬
‫األصولية للسابقني وخصوصاً أليب بكر الباقالين‪.‬‬
‫•الربهان يف أصول الفقه إلمام احلرمني اجلويين‪ ،‬وقد كان كذلك يف حكم املفقود رغم وجود عدة‬
‫خمطوطات له‪ ،‬وقد قام بتحقيقه الدكتور عبد العظيم الديب يف جملدين ضخمني قدم هلما بدراسة وافية‬
‫وختمها بفهارس علمية شاملة ومفصلة‪.‬‬
‫•احملصول يف علم أصول الفقه لفخر الدين الرازي‪ ،‬وقد كان عدمي التداول إل أن قام بتحقيقه الدكتور‬
‫طه جابر فياض العلواين وطبعته جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية يف منتصف الثمانينيات من‬
‫‪8‬‬
‫إعداده ‪:‬أساتذة املادة‬ ‫(لالستعمال الداخلي‪)...‬‬ ‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫القرن العشرين امليالدي‪ ،‬مث أعادت طبعه مؤسسة الرسالة يف بريوت سنة ‪1412‬هـ‪1992 /‬م يف ستة‬
‫جملدات‪ ،‬وقد قدم له صاحبه بقسم دراسي استغرق جملداً كامالً وفهارس تفصيلية شاملة استغرقت‬
‫أكثر من نصف اجمللد السادس‪.‬‬
‫ومتتاز هذه الكتب َّ‬
‫احملققة بكل املميزات اليت تفقدها سابقتها؛ من انفراد املطبوع بكتاب واحد‪،‬‬
‫ووضوح اخلط وتبويب جيد‪ ،‬مع التقدمي هلذه الكتب بدراسات وحتقيقات وافية‪ ،‬واختتامها بفهارس‬
‫علمية شاملة‪ ،‬وكل ذلك جعل هذه املصنفات سهلة التناول أمام الباحثني وطلبة العلم‪.‬‬

‫انتعاش (إحياء) الدراسات املقاصدية‪:‬‬ ‫‪.2‬‬


‫من مظاهر الصحوة املهمة ألصول الفقه يف عصران احلاضر‪ :‬انتعاش الدراسات املقاصدية‪،‬‬
‫وميكن اعتبار نقطة االنطالق يف هذا اجملال قيام الشيخ عبد هللا دراز املتوىف سنة ‪1351‬هـ‪1932 /‬م‪،‬‬
‫بتحقيق كتاب املوافقات وختريج أحاديثه يف مطلع القرن العشرين امليالدي‪ ،‬مث توالت الدراسات‬
‫املقاصدية بعد ذلك تباعاً‪ ،‬ومن أبرزها الكتب التالية‪:‬‬
‫•مقاصد الشريعة للشيخ حممد الطاهر بن عاشور املتوىف سنة ‪1393‬هـ‪1973 /‬م يف تونس‪ ،‬وطبع‬
‫ألول مرة يف تونس سنة ‪1947‬م‪ ،‬ويع ّد العالمة ابن عاشور فقيهاً أصولياً متمرساً من الطراز الرفيع‪.‬‬
‫•مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها لألستاذ عالل الفاسي املتوىف سنة ‪1394‬هـ‪1974 /‬م‪ ،‬وطبع‬
‫ألول مرة يف املغرب سنة ‪1963‬م‪ ،‬وميثل الشيخ عالل الفاسي شخصية زعيم ومصلح سياسي متفقه‪.‬‬
‫•مقاصد الشريعة للشيخ حممد أنيس عبادة‪ ،‬وطبع سنة ‪1968‬م يف القاهرة‪.‬‬
‫•املقاصد العامة للشريعة اإلسالمية للدكتور يوسف حامد العامل املتوىف سنة ‪1408‬هـ‪1988 /‬م‪،‬‬
‫وكتب هذا املصنف سنة ‪1391‬هـ‪1971 /‬م‪ ،‬لكنه مل يطبع إال بعد وفاة املؤلف رمحه هللا سنة‬
‫‪1991‬م‪ ،‬ويع ّد الشيخ يوسف حامد العامل داعية ومربياً متفقهاً‪.‬‬
‫تبسيط األسلوب وتثبيت املضمون‪:‬‬ ‫‪.3‬‬
‫استجابةً ملتطلبات العصر‪ ،‬سلك املؤلفون اجلدد يف تصنيف كتاابهتم األصولية طرقاً متتاز‬
‫ابحملافظة إل حد بعيد على مضامني الكتب القدمية‪ ،‬لكن بتقسيم جديد ولغة سهلة مناسبة‪ .‬وقد‬
‫حاول بعض املصنفني املعاصرين سلوك مناهج خاصة هبم يف التصنيف األصويل‪ ،‬فهم وإن مل يقرتحوا‬

‫‪9‬‬
‫إعداده ‪:‬أساتذة املادة‬ ‫(لالستعمال الداخلي‪)...‬‬ ‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫مناهج جديدة‪ ،‬إال أَّنم حاولوا اجلمع بني املناهج القدمية يف املضمون واملناهج احلديثة يف الشكل واللغة‬
‫والتقسيم والرتتيب‪.‬‬
‫أنخذ الدكتور وهبة الزحيلي ّنوذجا هلذا التوجه يف كتابه «أصول الفقه اإلسالمي»‪ ،‬فقد أبدى‬
‫إعجابه بطريقة الشاطيب يف املوافقات‪ ،‬وبسط منهجه‪ ،‬لكن اعتذر عن عدم التمكن من السري على‬
‫يبني طبيعة هذه الظروف‪ ،‬علماً أن اجلامعة من‬‫هذا املنهج مراعاةً لظروف الدراسة اجلامعية‪ ،‬إال أنه مل ّ‬
‫املفرتض أن تكون حمضناً للتجديد واالبتكار‪ ،‬بل هذه وظيفتها األساسية‪ ،‬إال أنه وإن مل يتم ّكن من‬
‫سلوك طريقة الشاطيب‪ ،‬فقد حاول اجلمع بني طريقته والطريقة التقليدية يف دراسة علم األصول‪ ،‬أي أنه‬
‫حافظ على احملتوى األصويل القدمي وحاول اجلمع والتوفيق بني بعض طرقه‪ ،‬مع العمل على تيسري‬
‫عبارات األصوليني والوقوف على دقائق هذا العلم‪ .‬إن اهتمام الزحيلي إذن يتوجه إل ضرورة الكتابة‬
‫يف أصول الفقه أبسلوب جديد‪ ،‬فيكون حمل التجديد عنده هو األسلوب أساساً‪ ،‬مع اعتبار املباحث‬
‫الدخيلة – كالمية ولغوية – مدخالً ألصول الفقه‪.‬‬
‫الدراسات األصولية املفردة‪:‬‬ ‫‪.4‬‬
‫واملقصود هبا تلك الكتب واملصنفات األصولية اليت خيصصها أصحاهبا ملوضوع واحد من‬
‫مباحث علم األصول‪ ،‬حيث يتم إشباعها – حبثاً وتنقيباً – من سائر وجوهها املرتبطة هبا‪ ،‬وقد شاعت‬
‫مثل هذه الدراسات املوضوعية املفردة يف سائر العلوم‪ ،‬وعلى رأسها العلوم الشرعية‪ ،‬ومنها علم أصول‬
‫الفقه؛ وذلك استجابة للنزعة املنهجية التخصصية‪ ،‬وال خيفى ملا هلذه النزعة من إجيابيات‪ ،‬حيث مت ِّكن‬
‫الباحث من السيطرة على ختصصه‪ ،‬واإلحاطة به‪.‬‬
‫وهنا بعض الكتب األصولية املوضوعية‪:‬‬
‫‪-‬احلكم الشرعي بني العقل والنقل للدكتور الصادق عبد الرمحن الغرايين‪.‬‬
‫‪-‬احلكم التكلفي يف الشريعة اإلسالمية للدكتور حممد البيانوين‪.‬‬
‫‪-‬اإلمجاع يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬سعدي أبو جيب‪.‬‬
‫‪-‬نظرية القياس األصويل‪ .‬منهج جترييب إسالمي للدكتور حممد سليمان داود‪.‬‬
‫‪-‬االجتهاد يف الشريعة اإلسالمية للدكتور يوسف القرضاوي‪.‬‬
‫‪-‬مباحث العلة يف القياس عند األصوليني‪ ،‬عبد احلكيم السعدي اهلييت العراقي‪.‬‬
‫‪-‬الواجب املوسع عند األصوليني للدكتور عبد الكرمي النملة‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫إعداده ‪:‬أساتذة املادة‬ ‫(لالستعمال الداخلي‪)...‬‬ ‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫‪-‬حجية السنة للدكتور عبد الغين عبد اخلالق‪.‬‬


‫‪-‬دراسات أصولية يف السنة للدكتور حممد احلفناوي‪.‬‬
‫‪-‬ضوابط املصلحة يف الشريعة اإلسالمية للدكتور حممد سعيد رمضان البوطي‪.‬‬
‫‪-‬نظرية الضرورة الشرعية‪ .‬حدودها وضوابطها لألستاذ مجيل حممد بن مبارك‪.‬‬
‫‪-‬املانع عند األصوليني للدكتور عبد العزيز الربيعة‪.‬‬
‫‪-‬تفسري النصوص للدكتور حممد أديب صاحل‪.‬‬
‫‪-‬العرف والعمل يف املذهب املالكي للدكتور عمر اجليدي‪.‬‬
‫‪-‬أصول الفتوى والقضاء يف الفقه املالكي للدكتور حممد رايض‪.‬‬
‫‪-‬التعارض والرتجيح عند األصوليني للدكتور حممد احلفناوي‪.‬‬
‫‪-‬نظرية التقريب والتغليب عند األصوليني للدكتور أمحد الريسوين‪.‬‬
‫‪ .5‬االجتاهات التجديدية يف علم أصول الفقه‪:‬‬
‫للعلماء املعاصرين دعوات نظرية لتجديد أصول الفقه من جهة أول‪ ،‬ومن جهة أخرى هناك‬
‫يف املقابل مشاريع تطبيقية قدمت ّنوذجها يف التجديد‪ ،‬وفيما يلي هذه املشاريع‪:‬‬
‫مشاريع نظرية لتجديد أصول الفقه‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫ختتلف طريقة التجديد يف جمال أصول الفقه من مؤلف إل آخر‪ ،‬واملقصود ابملشاريع النظرية للتجديد‬
‫تلك اليت دعى أصحاهبا إل جتديد أصول الفقه بشكل عام‪ ،‬ودون تقدمي مشروع ملموس أو حتديد‬
‫معامل واضحة وعملية للتجديد املقرتح‪ ،‬ونكتفي يف هذا اجملال بتقدمي ّناذج من هذه الدعوات‪:‬‬
‫مبادرة الدكتور الرتايب التجديدية‪:‬‬ ‫•‬
‫فيما خيص الدكتور حسن الرتايب فقد أفرد رسالة خاصة هلذا املوضوع حتمل عنوان «جتديد‬
‫أصول الفقه اإلسالمي»‪ ،‬ومن خالل دراسة هذه الرسالة الصغرية احلجم‪ ،‬واليت كانت يف األصل حماضرة‬
‫ألقيت يف أحد املنتدايت العامة سنة ‪1980‬م؛ ميكن استنتاج األسس اليت يرى أصحاهبا أن التجديد‬
‫يقوم عليها‪ ،‬وميكن ترتيب هذه األسس املستنتجة واقرتاح عناوين هلا كما يلي‪:‬‬
‫‪-‬تغليب املنحى العملي على املنحى التجريدي‪:‬‬
‫عرب عنه املؤلف بضرورة وصل علم األصول بواقع احلياة؛ ألن قضااي األصول يف أدبنا‬ ‫وهو ما َّ‬
‫الفقهي أصبحت تؤخذ جتريدايً حىت غدت مقوالت نظرية عقيمة ال تكاد تلد فقهاً ألبتة‪ ،‬بل تولِّد‬
‫‪11‬‬
‫إعداده ‪:‬أساتذة املادة‬ ‫(لالستعمال الداخلي‪)...‬‬ ‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫جدالً ال يتناهى؛ وذلك كله انتج عن احنراف علم األصول عن مساره العملي االستنباطي إل درجة‬
‫أنه قد غلب عليه طابع التجريد واجلدل النظري العقيم‪.‬‬
‫–تطوير املناهج والقواعد األصولية‪:‬‬
‫حبيث تكون القواعد األصولية اجلديدة متماشية مع جوانب احلياة العامة اليت أصبحت احلاجة‬
‫فيها لالجتهاد واسعة جداً‪ ،‬وهذا ما يتطلب تطويراً للقواعد األصولية حىت تستجيب ملتطلبات احلياة‬
‫العامة اجلديدة السياسية واالجتماعية واالقتصادية واإلدارية والدولية وغريها‪ ،‬ومن مث ضرورة التواضع‬
‫على منهج أصويل ونظام يضبط تفكريان اإلسالمي‪.‬‬
‫–توسيع أدوات االجتهاد‪:‬‬
‫أدايت القياس واالستصحاب‪ ،‬ففيما خيص القياس يرى أن القياس التقليدي ال‬ ‫وخصوصاً َْ‬
‫يستوعب حاجاتنا مبا غشيه من التضييق انفعاالً مبعايري املنطق الصوري‪ ،‬ومن مث فال بد من توسيع‬
‫القياس‪ ،‬وذلك ابللجوء إل ما مساه القياس الفطري احلر من حيث يتتبع طائفة من النصوص ويستنبط‬
‫من مجلتها مقصداً معيناً من مقاصد الدين ومصلحة من مصاحله‪.‬‬
‫وفيما يتعلق ابالستصحاب‪ ،‬فقد مساه كذلك االستصحاب الواسع‪ ،‬وهو ينطلق يف أتصيل‬
‫ذلك من كون الدين مل ينزل بتأسيس حياة كلها جديدة‪ ،‬وإلغاء احلياة القائمة قبل الدين أبسرها؛ وهلذا‬
‫فإن القرآن الكرمي حني يتحدث عن األمر ابملعروف والنهي عن املنكر فهو ما كان سائداً معروفاً إال‬
‫من حيث يصححه الدين‪ .‬وهكذا يقال يف القسط واخلري والظلم واإلحسان واإلساءة‪ ،‬فحسب قاعدة‬
‫االستصحاب يصبح كل ما يقوم به املؤمن من مبادرة يقصد هبا وجه هللا تعال‪ ،‬عبادة مقبولة‪ ،‬وكل ما‬
‫أخذ ملتاع احلياة الدنيا عفو مرتوك ال له وال عليه‪ ،‬إال أن يرد النص‪ ،‬فينفي صفة العفاء واإلابحة‪.‬‬
‫املنهج املقرتح من طرف الدكتور حممد الدسوقي‪:‬‬ ‫•‬
‫من احملاوالت املعاصرة اليت اجتهت إل جتديد أصول الفقه‪ ،‬دراسة الدكتور حممد الدسوقي‬
‫بعنوان‪« :‬حنو منهج جديد لدراسة علم أصول الفقه»‪ ،‬حيث يالحظ يف بداية دراسته أن علم أصول‬
‫الفقه قد غلب عليه يف العهود املتأخرة اجلدل اللفظي‪ ،‬فضالً عن اإلجياز الذي يشبه األلغاز (سؤال أو‬
‫فهما) أو اإلعجاز‪ ،‬مث اخلوض يف قضااي ال صلة هلا بعلم األصول‪ .‬ولذك خيلص‬ ‫عبارة تتطلَّب إجابة أو ً‬
‫إل ضرورة أتسيس منهج أصويل جديد يرتكز على الدعائم التالية‪:‬‬
‫–اجتناب االجرتار والتقليد‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫إعداده ‪:‬أساتذة املادة‬ ‫(لالستعمال الداخلي‪)...‬‬ ‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫–الفقه الدقيق مبصادر األحكام‪.‬‬


‫–الفقه الدقيق للمقاصد العامة للتشريع اإلسالمي‪.‬‬
‫–الربط بني قضااي علم األصول وعلم القانون‪.‬‬
‫–الربط بني قضااي األصول ومناهج البحث‪.‬‬

‫مشاريع تطبيقية جتديدية لعلم أصول الفقه‪:‬‬ ‫‪-‬‬


‫هناك عدة حماوالت جتديدية تطبيقية لعلم أصول الفقه تقدَّم أصحاهبا بنماذج عملية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬حتديث التصنيف‪:‬‬
‫يتمثل حتديث التصنيف فيما يلي‪:‬‬
‫التصنيف اجلامعي‪:‬‬
‫هناك حماوالت عديدة يف هذا اجملال ومن بينها حماولة الدكتور حممد مصطفى شليب الذي يقدم‬
‫أسلوبه واقرتاحاته يف جتديد وتطوير أصول الفقه‪ ،‬وذلك من خالل جتربته يف التصنيف األصويل للطلبة‪،‬‬
‫حيث واجهته عقبة ضعف مستوى الطالب اجلامعيني يف كلية احلقوق اليت كان يدرس هبا علم األصول‪.‬‬
‫وتتمثل طريقة املصنف يف التجديد فيما يلي‪:‬‬
‫أ – من حيث اإلطار العام‪ :‬إخراج أصول الفقه بطريقة حديثة وثوب جديد‪.‬‬
‫ب – من حيث اللغة والتعبري‪ :‬عرض مسائله بطريقة سهلة غري معقدة‪.‬‬
‫ج – من حيث مضمونه‪ :‬جتريده من املسائل النظرية املذكورة على سبيل االستطراد‪.‬‬
‫د – من حيث االجتهاد‪ :‬إضافة مباحث املقاصد الشرعية ملراعاهتا عند االستنباط‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬التدريس التطبيقي ألصول الفقه‪:‬‬


‫من بني أهم احملاوالت التجديدية املعاصرة يف جمال أصول الفقه‪ ،‬حماولة املصنف اليمين أمحد بن علي‬
‫الوزير يف كتابه املوسوعي‪« :‬املصفى يف أصول الفقه» والذي قدم فيه بديالً كامالً ألصول الفقه على‬
‫مدى حنو تسعمائة صفحة خبط رفيع دقيق‪ .‬وخيلص املصنِّف إل ذكر منهجه يف تصنيف مؤلفه‪ ،‬وذلك‬
‫بقوله‪« :‬وقد ألزمت نفسي يف هذا املؤلف ابلتايل‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫إعداده ‪:‬أساتذة املادة‬ ‫(لالستعمال الداخلي‪)...‬‬ ‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫أ – أن تكون األمثلة والنماذج والتمارين من الكتاب والسنة والقياس الصحيح واإلمجاع والقياس‪.‬‬
‫ب – تصفية األصول من الدخيل الذي ال فائدة فيه للطالب‪.‬‬
‫ج – حماولة تربية العقول على االستقالل يف البحث واالعتماد على الدليل ألي نظرية‪.‬‬
‫د – االهتمام ابلقواعد املهمة يف أحباث كاملة وإدراج القواعد البسيطة يف ملحقات‪.‬‬
‫من بني احملاوالت التجديدية املعاصرة األخرى يف علم أصول الفقه‪ ،‬حماولة الدكتور حممد زكي‬
‫عبد الرب‪ ،‬وهو أصويل وفقيه حنفي وحمقق متمرس‪ ،‬ففي كتابه املسمى «تقنني أصول الفقه» يالحظ‬
‫يقل االلتجاء‬
‫أن الصلة بني الفقه واألصول ضعفت يف عصور االحنطاط‪ ،‬وكاد علم األصول يصبح نظرايً ّ‬
‫إليه‪ ،‬وأن أيسر الوسائل لتقريب هذه املادة ‪ -‬أصول الفقه – تتمثل يف التقنني‪ ،‬ويعين به تقنني أصول‬
‫الفقه؛ أي حتويله إل جمموعة بنود مقننة على شاكلة املواد القانونية‪ ،‬ويعتقد أن تقنني أصول الفقه ما‬
‫هو إال مقدمة حنو غاية أمسى هي تقنني الفقه‪.‬‬

‫‪14‬‬

You might also like