Professional Documents
Culture Documents
تبيَّن -فيما سبق -وجود ارتباط& وثيق بين أصول الفقه ،والفقه ،وهذا ال يعني أنهم&&ا علم واح&&د ،ب&&ل إن كاًّل
منهما علم مستقل بحدذاته ،ولكل منهما قواعده ،ونظراً إلى أنه قد تختلط القواعد األصولية بالقواعد الفقهية
عند بعض طالب العلم -حيث إن لكل منهما قواع&&د تن&&درج تحته&&ا جزئي&&ات -ذك& ُ
&رت ه&&ذه الف&&روق& بينهم&&ا
وهي:
الف&&رق األول :أن القواع&&د األص&&ولية عب&&ارة عن المس&&ائل ال&&تي تش&&ملها أن&&واع من األدل&&ة التفص&&يلية يمكن
أما القواعد الفقهية :فهي عبارة عن المسائل التي تندرج تحتها أحكام الفقه ،ليصل المجته&&د إليه&&ا بن&&اء على
تلك القضايا المبينة في أصول الفقه ،ويلجأ الفقيه إلى تلك القواعد الفقهي&&ة تيس&&يراً ل&&ه في ع&&رض األحك&&ام،
فهو -مثالً -إذا قال " :إن العبرة في العق&&ود بالمقاص&&د والمع&&اني " أغن&&اه عن أن يق&&ول في ك&&ل جزئي&&ة" :
البيع منعقد بلفظ كذا " ،وأن يقول :اإلجارة تنعقد بلفظ كذا
الفرق الثاني :أن القواعد األصولية كلية تنطبق على جميع جزئياتها& وموضوعاتها &،فكل نهي مطلق -مثالً
-للتحريم ،وكل
أمر مطلق للوجوب .أما القواعد الفقهية فإنها أغلبية ،يكون الحكم فيها على أغلب الجزئيات.
الفرق الثالث :أن القواعد األصولية وس&&يلة الس&&تنباط& األحك&&ام الش&&رعية العملي&&ة .أم&&ا القواع&&د الفقهي&&ة فهي
مجموعة من األحكام المتشابهة التي ترجع إلى ِعلَّة واحدة تجمعها ،أو ض&&ابط فقهي يحي&&ط به&&ا ،والغ&&رض
لعلم الفقه كعلم المنطق يضبط سائر العلوم الفلس&فية ،وكعلم النح&و يض&بط النط&ق والكتاب&ة بخالف القواع&د
الفقهية.
الفرق الخامس :أن القواعد األصولية قد وجدت قبل الفروع؟ حيث إنها القيود التي أخذ الفقيه نفسه بها عن&&د
االستنباط.
األدل&&ة الموص&&لة إلى األحك&&ام الش&&رعية العملي&&ة ،وأقس&&امها ،واختالف مراتبه&&ا ،وكيفي&&ة اس&&تثمار األحك&&ام
الشرعية منها على وجه كلي ،وهو الصحيح عندي ،ألن األحكام الشرعية ثمرة األدلة وثمرة الشىء تابع&&ة
له.
فاألصولي& يبحث في حجية األدلة اإلجمالية ،ثم يبحث عن العوارض الالحقة لهذه األدلة من كونه&&ا عام&&ة،
أو خاصة ،أو مطلقة أو مقيدة ،أو مجمل&ة ،أو مبين&ة ،أو ظ&اهرة ،أو نص&اً ،أو منطوق&اً ،أو مفهوم&اً ،وك&ون
فمثالً الكتاب ،وهو دليل سمعي كلي لم ترد نصوصه على َحالة واحدة ،بل منها م&&ا ه&&و بص&&يغة األم&&ر ،أو
الخاص ،-أو المطلق ،أو المقيد إلى آخره ،فهذه األمور -وهي:
األمر والنهي ،والعام& والخاص ،والمجمل ،والمطلق& والمقي&&د ،وغيره&&ا ،تعت&&بر من أن&&واع ال&&دليل الش&&رعي
فيبحث األصولي هذه األمور وما تفيده ،فبعد& بحثه وتمحيصه يتوصل إلى أن األمر يفيد الفور أو التك&&رار،
ويتوص&&ل إلى أن النهي يفي&&د التح&&ريم ،وأن الع&&ام ي&&دل دالل&&ة ظني&&ة ،وهك&&ذا .فه&&ذه كله&&ا وج&&وه االس&&تدالل
الكتاب.
ْ والفقيه يأخذ الدليل اإلجمالي ،أو القاعدة الكلية التي توصل& إليها األصولي ،فيجعلها مقدمة كبرى ،بعد أن
صغرى موضوعها& جزئي من جزئيات تلك القاعدة ،ودليل تفصيل يعرفه الفقيه ،كاألمر بالص&&الة في قول&&ه
تعالى( :أقيموا& الصالة) فيك&&ون عن&دنا مق&دمتان ونتيج&&ة :المقدم&&ة الص&غرى &:الص&الة م&&أمور به&&ا في قول&&ه
المقدمة الكبرى :وكل مأمور& به -إذا تجرد عن القرائن – فهو& واجب ،وهذه قاع&&دة أص&&ولية ،أو دلي&&ل كلي
إجمالي.
المذهب الثاني :أن موضوع علم أص&&ول الفق&&ه ه&&و :األدل&&ة واألحك&&ام& مع&اً ،وذهب إلى ذل&&ك بعض العلم&&اء
كصدر الشريعة،
والخصوص واالشتراك &،وبعضها ناشئا ً عن األحكام ككون الحكم متعلق&ا ً بفع&&ل ه&&و عب&&ادة أو معامل&&ة ،وال
رجحان ألحدهما على اآلخر ،فالحكم على أحدهما بأنه موضوع ،وعلى اآلخر بأنه تابع تحبهم وهو باطل.
جوابه:
أقول -في الجواب عنه :-إن موضوع& أصول الفقه هو :األدل&&ة اإلجمالي&&ة ،وغ&&ير األدل&&ة ي&&أتي ب&&التبع ،وال
تحكم في ذلك " ألنه كما قلنا :إن األحكام الشرعية ثمرة األدلة ،وثمرة الشيء تابعة له.
الخالف هنا لفظي ،ألن كاًّل من الفريقين قد ذكر األدلة واألحكام& وبحثهما في أصول الفق&&ه ،ولكن أص&&حاب
المذهب األول قد بحثوا األحكام على أنها تابعة ،وأصحاب المذهب الثاني قد بحثوها على أنها أصلية.
إن تعلم أص&&ول الفق&ه يختل&ف ب&&اختالف المتعلمين ،ف&&إن ك&ان الش&&خص -يه&يئ نفس&ه للوص&&ول إلى درج&&ة
االجتهاد في هذه الشري& اإلسالمية ،ويريد رفع الجهل عن نفسه ورفع& الجهل عن غ&&يره ،ف&&إن تعلم أص&&ول
الفقه بالنسبة إليه فرض عين ،ألنه ال يمكن ل&&ه أن يتوص&&ل إلى درج&&ة االجته&&اد ب&&دون تعلم&&ه ،ب&&ل ه&&و أهم
تحصيلها والوقوف& عليها حتى يكون مجتهداً وقادراً على استنباط& األحكام الشرعية من أدلتها.
يزيد من أهميته وفضله ،حيث إن األهمي&&ة والفض&&ل ال يتض&&حان لعلم من العلم إذا ك&&ان ل&&ه فوائ&&د عظيم&&ة،
لذلك عقدت هذا المبحث لبيان ماله من فوائد ،وإليك بيان تلك الفوائد:
الفقيه عن طريقها استنباط األحكام الفقهية للحوادث المتجددة ،فإن المجتهد إذا كان عالما ً بتلك الطرق -من
أدلة إجمالية وقواعد أصولية -فإنه يستطي َع إيجاد حكم ألي حادثة تحدث .وهذا موضوع
الفائدة الثانية :إن طالب العلم الذي لم يبلغ درجة االجتهاد يستفيد من دراسة أصول الفقه ،حيث يجعل&&ه على
بينة مما فعله إمامه عند استنباطه لألحكام ،فمتى ما وقف& ذلك الطالب للعلم على
القاعدة ،أو نفيها ،فإنه تطمأن نفسه إلى مدرك ذلك اإلمام الذي قلَّده في عين ذلك الحكم أو ذاك ،فهذا يجعله
يمتثل عن اقتناع ،وهذا يفضي إلى أن يكون عنده القدرة التي تمكنه من الدفاع عن وجه
نظر إمامه.