You are on page 1of 99

‫نظريات فقهية‬

‫دراسات نظريات على طريقة القواعد‬


‫‪ ‬قواعد األلفاظ‬
‫‪ ‬قواعد الضمان‬
‫‪ ‬قواعد االحتياط‬
‫‪ ‬قواعد احلق‬
‫‪ ‬قواعد االجتهاد و الوالية‬

‫نظاريات املعاصرين‬
‫‪ ‬قواعد التعسف يف استعمال احلق‬
‫‪ ‬قواعد الظروف الطارئة‬

‫إعداد ‪:‬‬

‫األستاذ عبد الرمحن بن عبد اهلل بن عمر السقاف‬


‫نظريات فقهية‬ Ashyf Collection

2
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫املدخل يف النظريات الفقهية‬

‫أوال‪ :‬تعريف النظرية الفقهية العامة‪:‬‬


‫‪ .1‬عند املدرس‪ :‬دراسة القواعد والضوابط الفقهية التي جتمعها وحدة موضوعية واحدة‪.‬‬
‫‪ .2‬عند د‪ .‬مصطفى الزرقا ‪ :‬الدساتري و املفاهيم الكربى ‪ ،‬التي يؤلف كل منها عىل حدة‬
‫نظاما حقوقيا موضوعيا منبثا يف الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ .3‬عند د‪ .‬وهبة الزحييل ‪ :‬املفهوم العام الذي يؤلف نظاما حقوقيا موضوعيا تنطوي حتته‬
‫جزئيات موزعة عىل أبواب الفقه املختلفة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬املوقف من التسمية بالنظرية الفقهية‬


‫رفض بعض املعارصين التسمية بالنظرية الفقهية؛ ألن ما يسمى بالنظرية اآلن إنام هو‬
‫فلم ال نبقي عىل التسمية‬
‫جمموعة من املسائل الفقهية املندرجة حتت قاعدة من القواعد الفقهية‪َ ،‬‬
‫األصلية؟ وهي القواعد الفقهية‪ ،‬فهي األوىل‪ ،‬وهي األكثر خصوصية بالفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫ومن هؤالء الشيخ عمر سليامن األقشقر والدكتور عيل مجعة؛ حيث قاال بأن النظرية إنام‬
‫هي وليدة الفكر اإلنساين‪ ،‬واألحكام الرشعية كثري منها منصوص عليه وليس نتاجا للفكر‬
‫اإلنساين؛ لذلك كان الفقهاء ّ‬
‫أدق عند ما سموها أحكاما‪.‬‬
‫وذهب عدد من الباحثني املعارصين إىل قبول هذه املصطلح‪ ،‬وقد خرج عد ال يستهان به‬
‫من الكتب التي حتمل اسم النظرية‪ ،‬منها‪« :‬نظرية العقد يف الفقه االسالمي» للعدوي‪« ،‬النظريات‬
‫الفقهية» للمرصفي‪« ،‬نظرية النقعيد الفقهي» للروكي‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬نشأة النظريات الفقهية وأهداف دراسة الفقه ضمن النظريات‬
‫أنه أمر مستحدث استخلصه املعارصون الذين مجعوا بني دراسة الفقه اإلسالمي ودراسة‬
‫القانون الوضعي خالل موازنتهم بينهام‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫ومن أهدافها‪:‬‬
‫‪ .1‬الغرية عىل الفقه اإلسالمي والدفع للشبه من عدم قدرته عىل مواكبة العرص والقانون‬
‫الغريب متفوق عليه‬
‫‪ .2‬الكشف عن االجتاهات العامة للفقه اإلسالمي مما يساعد عىل إبرازه عىل صورته‬
‫الصحيحة‪.‬‬
‫‪ .3‬املالئمة مع أسلوب التفكري القانوين احلديث‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬الفرق بني القاعدة الفقهية والنظرية الفقهية‬
‫‪ .1‬يرى بعض املعارصين ‪ -‬منهم أبو زهرة – أن النظريات الفقهية مرادفة بالقواعد الفقهية‪،‬‬
‫ومها اجلامعة لألحكام اجلزئية فقط‪.‬‬
‫‪ - .2‬عند الدريني‪ :‬الفرق األول أن النظريات تقوم عىل أركان ورشائط البد منها لقيام هذه‬
‫األركان‪ ،‬ولذا من املمكن أن تقوم النظريات العامة عىل عدة قواعد كلية‪ ،‬وذلك بخالف‬
‫القواعد الفقهية‪ ،‬وهي ليست ذات أركان‪.‬‬
‫‪ -‬عند الروكي‪ :‬وهناك فرق آخر‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫‪ .1‬القاعدة حكم رشعي‪ ،‬والنظرية دراسة وبحث وجتميع‪.‬‬
‫‪ .2‬القاعدة تستند يف تقعيدها إىل أحد مصادر الرشعية‪ ،‬بينام النظرية الفقهية إىل دراسة‬
‫الفقه اإلسالمي ومصنفات الفقهاء‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬كيف يمكن أن نصيغ النظريات الفقهية من خالل القواعد‪:‬‬
‫قال الدكتور عيل مجعة‪« :‬يمكن أن ندرج جمموعة من القواعد الفقهية ‪ -‬التي ختتلف‬
‫فروعها ولكن تتحد بصفة عامة ‪ -‬حتت نظرية معنية‪ ،‬مثل القواعد التالية‪ :‬العادة حمكمة‪،‬‬
‫املعروف بني التجار كاملرشوط بينهم‪ ،‬إنام تعترب العادة إذا اطردت أو غلبت وغريها‪ ...‬فإنه يمكن‬
‫أن نضع هذه القواعد مجيعا حتت عنوان نظرية العرف» اهـ بترصف‪.‬‬

‫القواعد العامة املتعلقة باأللفاظ‬

‫‪ .1‬الرصيح يعمل بنفسه وال يقبل إرادة غريه‬


‫‪ .2‬الرصيح كناية بالقرائن‬

‫‪4‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ .3‬اللفظ املحتمل يرجع فيه إىل إرادة الفظه‬


‫‪ .4‬ما كان رصحيا يف بابه ووجد نفاذا يف موضوعه ال يكون كناية يف غريه‪.‬‬
‫‪ .5‬اللفظ إذا وصل به لفظ وقبل يف احلكم إذا نواه ال يقبل يف احلكم ويدين يف الباطن‪.‬‬
‫‪ .6‬اجلهل بمعنى اللفظ مسقط حلكمه‪.‬‬
‫‪ .7‬العرف يقوم مقام اللفظ كثريا‪.‬‬
‫‪ .8‬اللفظ حممول عىل ما يقتضيه ظاهره لغة أو رشعا أو عرفا‪.‬‬
‫‪ .9‬إعامل الكالم أوىل من إمهاله‪.‬‬
‫التأسيس أوىل من التأكيد‬ ‫‪.11‬‬
‫السؤال معاد يف اجلواب‬ ‫‪.11‬‬
‫ما ال يقبل التبعيض فاختيار بعضه كاختيار كله ‪ ،‬وإسقاط بعضه كإسقاط كله‬ ‫‪.12‬‬
‫ال ينسب للساكت قول‬ ‫‪.13‬‬
‫إقشارة األخراس تقوم مقام النطق‬ ‫‪.14‬‬
‫الكتابة كناية يف العقود‬ ‫‪.15‬‬
‫إذا اجتمعت اإلقشارة والعبارة واختلف موجبهام غلبت اإلقشارة‪.‬‬ ‫‪.16‬‬

‫متهيد يف أقسام اللفظ‬

‫‪ .1‬نص‪ :‬ال يتطرق إليه تأويل؛ فال حميص عنه‪.‬‬


‫‪ .2‬ظاهر‪ :‬يقبل التأويل؛ فإن أطلق من غري نية؛ فهو معمول به عىل حكم ظهوره‪.‬‬
‫‪ .3‬حمتمل‪ :‬تردد بني معان ال يظهر اختصاصه بواحد منها؛ فالبد من مراجعة صاحب اللفظ‬

‫‪5‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫املبحث األول‬

‫«الرصيح يعمل بنفسه وال يقبل إرادة غريه به»‬


‫معنى القاعدة‪ :‬أن الرصيح عمل بنفسه فال جيوز نقله إىل غريه‪ ،‬فال جيوز أن يدعي من أتى‬
‫بلفظ رصيح أنه ال يقصد معناه إال يف حاالت‪ .‬أما اللفظ الذي له عدة احتامالت‪ ،‬فريجع إىل‬
‫إرادة الفظه املتلفظ به‪.‬‬
‫التعريف بالرصيح ومأخذه‬
‫الرصيح‪ :‬اللفظ املوضوع ملعنى ال يفهم منه غريه عند االطالق‪ ،‬ويقابله‪ :‬الكناية‪.‬‬
‫مآخذ الرصاحة مراتب [كام ذكره التقي السبكي]‪:‬‬
‫‪ .1‬ما تكرر قرآنا وسنة مع الشياع عن العلامء والعامة؛ فهو رصيح قطعا‪ ،‬كلفظ الطالق‪.‬‬
‫‪ .2‬املتكرر غري الشائع‪ ،‬كلفظ الفراق‪ ،‬ففيه خالف‪.‬‬
‫‪ .3‬الوارد غري املتكرر وال الشائع‪ ،‬مثل‪ :‬االفتداء‪ ،‬وفيه خالف أيضا‪.‬‬
‫‪ .4‬الوارد دون ثالث مرات‪ ،‬ولكنه قشائع عىل لسان محلة الرشع‪ ،‬مثل‪ :‬اخللع؛ واملشهور‬
‫أنه رصيح‪.‬‬
‫‪ .5‬ما مل يرد ومل يشع عند العلامء‪ ،‬ولكنه عند العامة‪ ،‬مثل‪ :‬حالل اهلل عيل حرام؛ واألصح‬
‫أنه كناية‪.‬‬
‫معنى قوهلم‪ :‬الرصيح ال حيتاج إىل النية‬
‫أن الرصيح ال حيتاج إىل نية اإليقاع؛ ألن اللفظ موضوع له‪ ،‬فاستغنى عن النية‪ .‬أما قصد‬
‫اللفظ‪ ،‬فيشرتط ليتخرج عن مسألة سبق اللسان‪ .‬ويظهر هبذا الفرق بني الرصيح والكناية‪،‬‬
‫فاألول حيتاج إىل قصد اللفظ فقط‪ ،‬بينام الثاين يشرتط فيه قصد اللفظ مع نية اإليقاع أيضا‪.‬‬
‫فروع القاعدة‪:‬‬
‫‪ ‬رصيح العقود ال حيتاج إىل نية‪ ،‬بل إىل قصد معنى اللفظ بحروفه يف اجلملة‪ ،‬فيتخرج به نائم‬
‫وأمثاله؛ فال يقع ما لفظوا به‪.‬‬
‫‪ ‬يقع طالق اهلازل وعتقه وكذا نكاحه وسائر ترصفاته ظاهرا وباطنا؛ ألنه أتى باللفظ عن‬
‫قصد واختيار‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫صح ألنه أتى باللفظ مع قصد واختيار‪.‬‬


‫‪ ‬ولو باع ماله هازال؛ ّ‬
‫‪ ‬وإن قال ابتداء‪« :‬فأنت طالق» وقال أردت الرشط فسبق لساين؛ مل يقبل منه ظاهرا؛ ألنه‬
‫متهم وقد خاطبها برصيح الطالق‪.‬‬

‫املبحث الثاني‬

‫«الرصيح يصري كناية بالقرائن»‬


‫معنى القاعدة‪ :‬أن الرصيح يصري كناية بالقرائن املتحفة عنه [القرينة‪ :‬األمر املرقشد إىل‬
‫املقصود]‪ .‬ومن فروعها‪:‬‬
‫‪ ‬قال لزوجته عند اخلصام‪« :‬أنت فالة قشيطانة مرسحة» ومل يقصد الطالق؛ فال يقع بال قشك؛‬
‫إذ ال يعرف رصاحة لفظ الرساحة إال اخلواص‪ ،‬فيكون مثل األعجمي الذي لقن لفظ‬
‫الطالق وال يعرف معناه‪.‬‬
‫ثم ادعى أنه إنام قاله‬
‫‪ ‬قالت له‪ :‬طلقني‪ ،‬وإال طلقت نفيس‪ ،‬فقال‪ :‬طلقي نفسك‪ ،‬فطلقت‪ّ ،‬‬
‫عىل سبيل التهكم [ليست قادرة بال إذن مني]؛ صدق بيمينه؛ للقرينة القوية‪.‬‬
‫تزوجت عيل؟» فقال منكرا له‪« :‬كل امرأة يل طالق» وقال‬
‫َ‬ ‫‪ ‬قالت له يف حالة اخلصومة‪« :‬‬
‫أردت غري املخاصمة يل‪ ،‬فيقبل فيه؛ للقرينة الدالة عىل صدقه‪.‬‬

‫املبحث الثالث‬

‫«اللفظ املحتمل يرجع إىل إرادة الفظه»‬


‫معنى القاعدة‪ :‬أن اللفظ الذي له احتامالت ليس أحدها راجحا‪ ،‬فإننا نحمله عىل أحدها‬
‫بنيته وقصده‪ .‬ومن فروعها‪:‬‬
‫‪ ‬كنايات الطالق وغريها من العقود ال حتصل املقصود إال إذا اقرتن بنية‪ ،‬وإذا حصل اخلالف‬
‫يف النية؛ صدق املنكر‪.‬‬
‫‪ ‬لو قال يف إقراره‪« :‬له عيل درهم ودرهم ودرهم»‪ ،‬فإن قصد تأكيد الثالث بالثاين؛ لزمه‬
‫درمهان‪ ،‬وإن قصد االستئناف؛ لزمه ثالث دراهم‪.‬‬
‫‪ ‬لو قال‪« :‬أنت طالق أنت طالق أنت طالق»‪ ،‬ومل يتخلل فصل‪ ،‬فينظر إىل قصده‪ ،‬فإن قصد‬
‫االستئناف؛ فثالث‪ ،‬وإن قصد التأكيد؛ فواحدة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ ‬قال‪« :‬نذرت هلل ألفعلن كذا»؛ فهذا اللفظ حيتمل النذر واليمني‪ ،‬فإن نوى به النذر؛ كان‬
‫نذرا‪ ،‬وإن نوى به اليمني؛ كان يمينا‪.‬‬
‫‪ ‬كل نذر حيتمل أن يكون نذر نذر تربر أو نذر جلاج؛ يتخصص بأحدمها بالقصد‪.‬‬

‫املبحث الرابع‬

‫«ما كان رصحيا يف بابه ووجد نفاذا يف موضوعه ال يكون كناية يف غريه»‬
‫معنى القاعدة‪ :‬أن اللفظ الرصيح يف الباب الذي استعمل يف ذلك الباب‪ ،‬فإذا استعمل يف‬
‫غريه؛ فإنه ال يكون كناية يف غريه‪ .‬ومفهوم القاعدة‪ :‬أن ما كان رصحيا يف بابه ولكنه مل يمكن‬
‫تنفيذه يف موضوعه؛ يكون كناية عن غريه‪ .‬ومن فروعها‪:‬‬
‫‪ ‬الطالق ال يكون كناية ظهار وكذلك الظهار ال يكون كناية طالق‪ .‬فلو قال لزوجته‪« :‬أنت‬
‫عيل كظهر أمي»‪ ،‬ونوى الطالق‪ ،‬أو «أنت طالق ونوى الظهار»؛ مل يقع ما نواه‪ ،‬بل يقع‬
‫مقتىض الرصيح‪.‬‬
‫‪ ‬أبحتك كذا بألف‪ ،‬ال يكون كناية يف البيع؛ ألنه رصيح يف اإلباحة جمانا؛ فال يكون كناية يف‬
‫غريه‪.‬‬
‫‪ ‬لو قال لزوجته‪« :‬بعتك نفسك بكذا»؛ فهو كناية خلع؛ ألنه ال يوجد نفاذا يف موضوعه؛ إذ‬
‫موضوعه املحل املخا َطب [الزوجة]‪ ،‬وهو ليس مبيعا حتى يصح البيع‪.‬‬
‫‪ ‬من رصيح القرض «خذ هذا بمثله أو بدله»‪ ،‬وبناء عىل القاعدة‪ ،‬فإنه ال يكون كناية يف البيع‪.‬‬

‫مستثنى القاعدة‪:‬‬
‫‪ .1‬قال لزوجته‪ :‬أنت عيل حرام ونوى الطالق؛ وقع‪ ،‬مع أن التحريم رصيح يف إجياب‬
‫الكفارة‪.‬‬
‫‪ .2‬اخللع‪ ،‬إذا قلنا‪ :‬فسخ‪ ،‬يكون كناية يف الطالق‪.‬‬
‫‪ .3‬قال السيد لعبده‪ :‬أعتق نفسك؛ فكناية تنجيز عتق مع أنه رصيح يف التفويض‪.‬‬
‫‪ .4‬أتى بلفظ احلوالة‪ ،‬وقال‪ :‬أردت التوكيل؛ ُقبِل عند األكثرين‪.‬‬
‫‪ .5‬راجع بلفظ التزويج أو النكاح فكناية‪.‬‬
‫‪ .6‬قال لعبده‪ :‬وهبتك نفسك؛ فكناية عتق‪.‬‬
‫‪ .7‬قال‪ :‬بعتك نفسك‪ ،‬فقالت‪ :‬اقشرتيت؛ فكناية خلع؛ ألن البيع مل جيد نفاذا يف موضوعه‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ .8‬رصائح الطالق‪ :‬كناية العتق‪ ،‬وعكسه‪.‬‬


‫‪ .9‬قال‪ :‬مايل طالق‪ ،‬ونوى الصدق؛ لزمه؛ ألنه ملا كان رصحيا يف بابه‪ ،‬ومل جيد نفاذا يف‬
‫موضوعه‪ ،‬فإنه يكون كناية يف غريه‪.‬‬
‫فاحلاصل‪ :‬أن املستثنيات التي ذكرت؛ نوزع فيها‪ ،‬إما ألهنا حمتملة يف بابه‪ ،‬أو رصحية‬
‫ولكن ال يمككن تنفيذها يف موضوعها‬

‫املبحث اخلامس‬

‫«اللفظ إذا وصل به لفظ وقبل يف احلكم إذا نواه؛ ال يقبل يف احلكم ويدين يف الباطن»‬
‫معنى القاعدة‪ :‬أن اللفظ الذي يقبل يف حالة وصل الكالم‪ ،‬إذا مل يذكر يف اللفظ وادعى‬
‫املتكلم نيته؛ فإنه ال يقبل يف ظاهر احلكم ويقبل فيام بينه وبني اهلل يف الباطن‪ .‬ومفهوم القاعدة‪ :‬أن‬
‫اللفظ الذي ال يقبل؛ فإنه إذا نوى ال يدين صاحبه‪.‬‬
‫ومن فروعها‪ :‬واألصح أنه يدين من قال «أنت طالق» وقال أردت إن دخلت أو إن قشاء‬
‫زيد‪ ،‬ولو قال نسائي طوالق‪ ،‬أو كل امرأة يل طالق‪ ،‬وقال أردت بعضهم؛ فالصحيح أنه ال يقبل‬
‫ظاهرا إال لقرينة‪ ،‬بأن خاصمته‪.‬‬

‫املبحث السادس‬

‫«اجلهل بمعنى اللفظ مسقط حلكمه»‬


‫ومن فروع القاعدة‪:‬‬
‫‪ ‬إذا نطق األعجمي بكلمة كفر أو إيامن أو طالق أو إعتاق أو بيع أو رشاء أو نحوه وال يعرف‬
‫معناه؛ ال يؤاخذ بيشء منه؛ ألنه مل يلتزم مقتضاه‪.‬‬
‫‪ ‬لو قال طلقة يف طلقتني وجهل احلساب‪ ،‬ولكن قصد معناه؛ وقعت طلقة‪.‬‬
‫‪ ‬لو قال‪ :‬أليس يل عليك ألف‪ ،‬فقال‪ :‬بىل أو نعم؛ فإقرار‪ ،‬وقيل‪ :‬ال يلزم يف نعم‪.‬‬
‫‪ ‬والبد أن يقصد بلفظ البيع معنى البيع كام يف نظريه يف الطالق‪ ،‬فلو مل يقصده أصال كمن‬
‫صح كام يف‬
‫سبق لسانه إليه أو قصده ال معناه‪ ...‬مل ينعقد‪ ،‬نعم إن قصد البيع أو غريه هازال؛ ّ‬
‫الطالق‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫املبحث السابع‬

‫«العرف يقوم مقام اللفظ كثريا«‬


‫معنى القاعدة‪ :‬يقوم العرف مقام اللفظ يف التخصيص وتقييد املطلق وغريها‪ .‬ومن فروعها‪:‬‬
‫‪ ‬لو قال‪ :‬خالعتك أو فاديتك ونوى التامس قبوهلا‪ ،‬فقبلت؛ قبلت فيجب عليها مهر مثل؛‬
‫الطراد العرف بجريان ذلك بعوض‪.‬‬
‫‪ ‬ولو دفع ثوبا إىل قصار ليقرصه أو خياط ليخيطه‪ ،‬ففعل ومل يذكر أجرة؛ فال أجرة له‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫إن كان معروفا بذلك العمل؛ فله‪ ،‬وإال فال وقد يستحسن؛ إذ هو العرف‪ ،‬وهو يقوم مقام‬
‫اللفظ كثريا‪.‬‬
‫‪ ‬ال جيوز للمرأة اخلروج من املسكن إال إن ريض زوجها وأذن هلا‪ ،‬للمرأة االعتامد عىل العرف‬
‫الدال غىل رضا أمثاله‪.‬‬
‫‪ ‬وجيوز أخذ نحو سنابل احلصادين التي اعتيد اإلعراض عنها ولو مما فيه زكاة‪.‬‬

‫املبحث الثامن‬

‫«اللفظ حممول عىل ما يقتضيه ظاهره أو رشعا أو عرفا»‬


‫معنى القاعدة‪ :‬اللفظ حممول عىل ما يقتضيه ظاهره لغة أو رشعا أو عرفا‪ ،‬وال حيمل عىل‬
‫االحتامل اخلفي ما مل يقصد أو يقرتن به دليل‪ .‬ومن فروعها‪:‬‬
‫‪ ‬إذا وقف عىل أوالده‪ ،‬أو أوىص هلم؛ ال يدخل يف ذلك ولد الولد يف األصح؛ ألن اسم الولد‬
‫حقيقة يف ولد الصلب‪.‬‬
‫‪ ‬لو حلف ال يبيع‪ ،‬أو ال يشرتي‪ ،‬أو ال يرضب عبده فوكل يف ذلك؛ مل حينث محال للفظ عىل‬
‫حقيقته‪.‬‬
‫‪ ‬لو قال‪« :‬وقفت عىل حفاظ القرآن»؛ مل يدخل فيه من كان حافظا ونسيه؛ ألنه ال يطلق عليه‬
‫حافظ إال جمازا‪.‬‬
‫‪ ‬لو حلف ال يدخل دار زيد؛ مل حينث إال بدخول ما يملكها دون ما يسكنها بإعارة أو إجارة؛‬
‫ألن إضافتها إليه جماز إال أن يريد مسكنه‪.‬‬

‫‪01‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫حاصـــــل مهم‬
‫اللفظ الصادر من املكلف‪ ،‬إذا عرف مدلوله يف اللغة أو العرف؛ مل جيز العدول عنه إال بأمور‪:‬‬
‫‪ .1‬أن ينقل عنه ويصري حقيقة عرفية يف غريه‪ ،‬كالدابة يف احلامر‪.‬‬
‫‪ .2‬أن ينوي املتكلم به غري مدلوله الظاهر ويكون حمتمال ملا نواه؛ فيبقل قوله هذا يف بعض‬
‫املواضع‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يسبق لسانه إليه كام يف لغو اليمني‪ ،‬لكن ال يقبل منه يف الظاهر إال بقرينة‪.‬‬
‫‪ .4‬أن يقصد اللفظ ولكن يقصد استعامله يف غري معناه‪ ،‬مثل أن حيكي لفظ غريه‪.‬‬
‫‪ .5‬أن يدعي اجلهل بحكمه ويمكن صدقه؛ لقرب إسالمه ومل يتعلق به حق الغري‪.‬‬
‫‪ .6‬أن يبنيه عىل ظاهر عنده ثم يتبني خالفه‪ ،‬مثل‪ :‬لو أتى بلفظ موهم للطالق وال يقع به‬
‫فتوهم وقوعه أو أفتاه جاهل بوقوعه‪ ،‬فأخرب بطالق زوجته بناء عىل ذلك؛ ال يقع‪.‬‬

‫املبحث التاسع‬

‫«إعامل الكالم أوىل من إمهاله»‬


‫معنى القاعدة‪ :‬أنه يصان كالم املكلف عن اإللغاء ما أمكن إىل ذلك سبيال‪ ،‬فإذا تردد بني‬
‫اإلعامل واإلمهال؛ كان محله عىل اإلعامل أوىل‪ .‬ورشطه ‪ :‬أن يسوي اإلعامل و اإلمهال بالنسبة إىل‬
‫الكالم‪ .‬أما إذا بعد اإلعامل عن اللفظ ‪ ،‬وصار بالنسبة إليه كاللغز فال يصري راجحا‪.‬‬
‫ومن فروع القاعدة‪:‬‬
‫صح ومحل عىل اجلائز‪.‬‬
‫‪ ‬لو أوىص بطبل من طبوله وهلو طبل لو وطبل حرب؛ ّ‬
‫‪ ‬لو قال لزوجته ومحار «إحداكام طالق»؛ تطلق زوجته‪ ،‬بخالف ما لو قال هلا وألجنبية‪،‬‬
‫وقصد األجنبية؛ يقبل عىل الصحيح‪.‬‬
‫‪ ‬لو قال «وقفت عىل أوالدي» مل يدخل فيه ولد الولد‪ ،‬فلو مل يكن له إال أوالد أوالد؛ محل‬
‫عليهم‪.‬‬
‫‪ ‬إذا نذر للدائن بزيادة عىل الدين مدة بقاء دينه بذمته وأطلق [أي‪ :‬مل يقصد فيه مقابل الربح‪،‬‬
‫وال مقابل نعمة القرض]؛ صح؛ ألن إعامل كالم املكلف خري من إمهاله‪.‬‬
‫صح‪ ،‬وحيمل عىل املمكن يف حقه‪ ،‬وإن ندر‬
‫‪ ‬ولو قال حلمل هند كذا‪ ،‬ومل يسنده إىل يشء؛ ّ‬
‫كوصية أو إرث؛ صونا عن اإللغاء‪.‬‬
‫‪00‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫املبحث العاشر‬

‫«التأسيس أوىل من التأكيد»‬


‫التأسيس‪ :‬اللفظ الذي يفيد معنى مل يفده اللفظ السابق له‪ ،‬والتأكيد‪ :‬اللفظ الذي يقصد به‬
‫تقرير وتقوية معنى لفظ سابق له‪ .‬ومن فروعها‪:‬‬
‫‪ ‬قال لزوجته‪« :‬أنت طالق أنت طالق» ومل ينو قشيئا؛ فاألصح احلمل عىل االستئناف‪.‬‬
‫‪ ‬لو قال‪ :‬له عيل درمه ودرهم ودرهم؛ لزم باألولني درمهان‪ ،‬وأما الثالث‪ ،‬فإن أراد به تأكيد‬
‫الثاين؛ مل جيب به يشء‪ ،‬وإن نوى به االستئناف؛ لزمه ثالث‪ ،‬وكذا إن نوى تأكيد األول أو‬
‫أطلق‪.‬‬
‫ومقابل األصح‪ :‬يلزمه درمهان؛ ‪ ...‬إىل قوله وأما الثانية‪ ،‬فألن تأكيد الثاين بالثالث وإن‬
‫كان جائزا‪ ،‬لكنه إذا دار اللفظ بني التأسيس والتأكيد كان محله عىل التأسيس أوىل‪.‬‬

‫املبحث احلادي عشر‬

‫«السؤال معاد يف اجلواب»‬


‫معنى القاعدة‪ :‬من أجل أن تكون عبارة املكلف صحيحة‪ ،‬فإنه يقدر إعادة السؤال يف‬
‫اجلواب‪ .‬ومن فروعها‪:‬‬
‫صح بألف‪.‬‬
‫‪ ‬لو قال «بعتك بألف»‪ ،‬فقال‪« :‬اقشرتيت» ّ‬
‫‪ ‬لو قالت املرأة «طلقني عىل ألف» فأجاهبا‪ ،‬وأعاد ذكر املال؛ لزمه‪ ،‬وكذا إن اقترص عىل قوله‬
‫طلقتك ويرصف إىل السؤال‪.‬‬
‫طلقت نفيس» ومل تتلفظ بعدد وال نوته؛ وقع الثالث؛‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬لو قال «طلقي نفسك ثالثا» فقالت «‬
‫ألن قوهلا جواب لسؤاله‪.‬‬
‫‪ ‬قيل له عىل وجه التامس اإلنشاء [أراد السائل تطليق زوجة املجيب]‪« :‬أطلقت زوجتك؟»‬
‫فاخترص املجيب عىل قوله‪« :‬نعم»‪ ،‬فاألصح أنه رصيح؛ ألن السؤال معاد يف اجلواب‪.‬‬
‫‪ ‬مسائل اإلقرار كلها‪ ،‬مثل‪ :‬إذا قال‪ :‬يل عندك كذا؛ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬فهو إقرار بام سأله عنه‪.‬‬
‫مستثنى القاعدة‪ :‬لو قال‪« :‬زوجتك بنتي‪ ،‬فقال‪ :‬قبلت؛ مل يصح؛ ألن السؤال غري معاد يف‬
‫اجلواب يف النكاح [املفروض أن يقول‪« :‬قبلت النكاح]‪ ،‬وكذلك لو قال زوجتكها بألف‪،‬‬
‫فقال‪ :‬قبلت نكاحها فقط؛ صح النكاح بمهر املثل‪.‬‬
‫‪02‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫املبحث الثاني عشر‬

‫«ما ال يقبل التبعيض‪ ،‬فاختيار بعضه كاختيار كله‪ ،‬وإسقاط بعضه كإسقاط كله»‬
‫معنى القاعدة‪ :‬أن كل ما ال يقبل التبعيض‪ ،‬كالطالق والعتق والقصاص والشفعة‪ ،‬فمن‬
‫اختار بعضه فكأنه اختار كله‪ .‬والعلة فيها‪ :‬أهنا ال تقبل التجزؤ‪ .‬ومن فروع القاعدة‪:‬‬
‫‪ ‬أعتق بعض عبده؛ عتق كله ورسى عليه‪ ،‬ومثله يف الطالق‪.‬‬
‫‪ ‬إذا عفا الشفيع عن بعض حقه؛ سقط الكل‪.‬‬
‫‪ ‬إذا عفا مستحق القصاص عىل بعضه؛ سقط اجلميع‪.‬‬
‫‪ ‬إذا قال‪ :‬أحرمت بنصف نسك؛ انعقد بنسك كامل‪.‬‬
‫مستثنى القاعدة‪ :‬إذا اقشرتى عبدين فوجد بأحدمها عيبا‪ ،‬مل جيز إفراده بالرد‪ ،‬فلو قال‬
‫رددت املعيب منهام؛ فاألصح ال يكون ردا هلام؛ ألن هذه املسألة ال يقبل التبعيض قهرا‪ ،‬وإن‬
‫كان يقبله بالرضا‪.‬‬
‫«تنبــــــــــيه»‬
‫قال السيوطي‪« :‬حيث جعلنا اختيار البعض كاختيار الكل‪ ،‬فهل هو بطريق الرساية أو من‬
‫باب التعبري بالبعض عن الكل؟ تظهر فائدة اخلالف يف من ط ّلق ثالثا إال نصف طلقة؛ فعىل‬
‫الثاين [تعبري البعض وإرادة الكل] يقع الطالق‪.‬‬
‫ويف مسألة «طلقني ثالثا بألف» فطلق واحدة ونصفا؛ يقع ثنتان‪ ،‬ويستحق ثلثي األلف‬
‫عىل األول [طريق الرساية] ونصفه عىل الثاين [تعبري البعض عن الكل]‪ ،‬وهو األصح اعتبارا‬
‫بام أوقعه ال بام رسى عليه‪.‬‬

‫املبحث الثالث عشر‬

‫«ال ينسب لساكت قول»‬


‫ومن فروع القاعدة‪:‬‬
‫‪ ‬لو سكت عن وطء أمته ال يسقط املهر قطعا‪ ،‬أو عن قطع عضو منه أو إتالف يشء من ماله‬
‫مع القدرة عىل الدفع؛ مل يسقط ضامنه‪ ،‬بخالف ما لو أذن يف ذلك‪.‬‬

‫‪03‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ ‬لو سكتت الثيب عند االستئذان يف النكاح؛ مل يقم مقام اإلذن قطعا‪.‬‬
‫‪ ‬لو علم البائع بوطء املشرتي اجلارية يف مقدار مدة اخليار؛ ال يكون إجازة‪.‬‬
‫‪ ‬ولو محل من جملس اخليار‪ ،‬ومل يمنع من الكالم؛ مل يبطل خياره‪.‬‬
‫مستثنيات القاعدة‪:‬‬
‫‪ .1‬البكر سكوهتا يف النكاح إذن لألب واحلد قطعا‪ ،‬ولسائر العصبة واحلاكم‪.‬‬
‫‪ .2‬سكوت املدعي عليه عن اجلواب بعد عرض اليمني عليه؛ جيعله كاملنكر الناكل‪ ،‬وترد‬
‫اليمني عىل املدعي‪.‬‬
‫‪ .3‬لو نقض بعض أهل الذمة‪ ،‬ومل ينكر الباقون بقول وال فعل‪ ،‬بل سكتوا؛ انتقض فيهم‬
‫أيضا‪.‬‬
‫‪ .4‬لو رأى السيد عبده يتلف ماال لغريه‪ ،‬وسكت عنه؛ ضمنه‪.‬‬
‫‪ .5‬إذا سكت املحرم وقد حلقه [احللق] احلالل مع القدرة عىل منعه؛ لزمه الفدية‪.‬‬
‫ينزل منزلة نطقه‪.‬‬
‫‪ .6‬القراءة عىل الشيخ وهو ساكت؛ ّ‬
‫وسبب استثناء هذه املسائل؛ أنه قد قام الدليل عىل االعتداد بالسكوت فيها أو اقرتنت‬
‫قرائن قوية تدل عىل ذلك‪.‬‬

‫املبحث الرابع عشر‬

‫«الكتابة كناية يف العقود»‬


‫معنى القاعدة‪ :‬الكتابة كناية العقود؛ ألهنا طريق يف إفهام املراد كالعبارة‪ ،‬والبد من‬
‫اقرتان النية‪ .‬وورد يف الطالق واإلعتاق واإلبراء والعفو عن القصاص والبيع واهلبة‬
‫وغريها‪ .‬ويستثنى من ذلك النكاح والبيع املرشوط فيها اإلقشهاد؛ ألنه ال اطالع للشهود‬
‫عىل النية‪.‬‬
‫ومن فروع القاعدة‪:‬‬
‫‪ ‬لو كتب الزوج إذا بلغك كتايب فأنت طالق؛ طلقت ببلوغه هلا رعاية للرشط‪ ،‬أو كتب «إذا‬
‫قرأت كتايب فأنت طالق» فقرأته أو فهمته مطالعة‪ ،‬وإن مل تتلفظ بيشء منه؛ طلقت‪.‬‬
‫‪ ‬من كتب سالما يف كتاب؛ وجب عىل املكتوب إليه ر ّد السالم إذا بلغه الكتاب‪.‬‬
‫هل الكتاب حجة رشعية؟‬
‫‪04‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫فقد ذكر األئمة‪ :‬أن الكتابة كناية‪ ،‬فتنعقد هبا مع النية ولو من ناطق‪ ،‬والبد من االعرتاف‬
‫هبا‪ ،‬يعني النية مننه أو من وارثه‪.‬‬
‫ما جيوز االعتامد فيه عىل الكتابة واخلط؟‬
‫‪ .1‬الرواية؛ فإن قرن بذلك إجازة؛ جاز االعتامد عليه والرواية قطعا؛ وإن جترد عنها؛‬
‫فكذلك عىل الصحيح‪.‬‬
‫‪ .2‬رواية احلديث اعتامدا عىل خط حمفوظ عنده‪ ،‬وإن مل يذكر سامعه‪.‬‬
‫‪ .3‬اعتامد الراوي عىل سامع جزء وحد اسمه مكتوبا فيه‪.‬‬
‫‪ .4‬عمل الناس عىل النقل من الكتب ونسبه ما فيها إىل مصنفيها‪.‬‬
‫‪ .5‬جيوز االعتامد عىل خط املفتي‬
‫‪ .6‬لو كتب له يف ورقة بلفظ احلوالة‪ ،‬ووردت عىل املكتوب إليه؛ لزمه أداؤها إذا اعرتف‬
‫بدين الكاتب وأنه خطه‪.‬‬
‫‪ .7‬قشهادة الشهود عىل ما كتب يف وصية مل يطلعا عليها [هذا عند السبكي]‬
‫الكتبة املعتربة‪ :‬كلها صحيحة‪ ،‬سواء عىل القرطاس واألرض والنقش عىل احلجر‬
‫وغريها إال ما كتبت عىل املاء واهلواء‪.‬‬

‫املبحث اخلامس عشر‬

‫«إقشارة األخرس تقوم مقام النطق»‬


‫وكان السبب فيه أن اإلقشارة فيها بيان‪ ،‬ولكن الشارع تعيد الناطقني بالعبارة‪ ،‬فإذا عجز‬
‫األخرس عنها؛ أقامت اإلقشارة مقامها‪ .‬ويعتد يف العقود واحللول والدعاوى واألقارير وغريها‪،‬‬
‫ويستثنى منها عدة مسائل‪:‬‬
‫‪ ‬قشهادته ال تقبل باإلقشارة‪.‬‬
‫‪ ‬يمينه ال ينعقد هبا إال اللعان‪.‬‬
‫‪ ‬إذا خاطب باإلقشارة يف الصالة ال تبطل‪.‬‬
‫‪ ‬حلف ال يكلم فأقشار إليه ال حينث‪.‬‬

‫‪05‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫املبحث السادس عشر‬

‫«إذا اجتمعت اإلقشارة والعبارة و اختلف موجبهام غلبت اإلقشارة»‬

‫"فروع القاعدة" ‪:‬‬


‫‪ ‬ولو قال ‪" :‬أصيل خلف هذا زيد وكان عمر"‪.‬‬
‫‪ -‬حكمه ‪ :‬صح‪ ،‬تغليبا لإلقشارة‪.‬‬
‫زوجتك هذه فالنة" وسامها بغري اسمها أو أقشار إليها وقال ‪:‬‬
‫‪ ‬ولو أقشار إىل ابنته وقال‪ّ " :‬‬
‫زوجتك هذا الغالم"‪.‬‬
‫" ّ‬
‫‪ -‬حكمه ‪ :‬صح‪ ،‬تعويال عىل اإلقشارة‪.‬‬
‫‪ ‬ولو قال ‪":‬إن أعطيتني هذا الثوب اهلروي فأنت طالق"‪ ،‬فأعطته فبان مرويا (خالف‬
‫اهلروي)‪.‬‬
‫‪ -‬حكمه ‪ :‬فاألصح نفوذه‪ ،‬تغليبا لإلقشارة‪.‬‬
‫‪ ‬ولو قال ‪" :‬زوجتك هذه العربية" فكانت أعجمية‪.‬‬
‫‪ -‬حكمه ‪ :‬فاألصح صحة النكاح‪.‬‬
‫‪ ‬ولو قتال ‪" :‬بعتك داري هذه"‪ ،‬وحددها وغلط يف حدودها‪.‬‬
‫‪ -‬حكمه ‪ :‬صح البيع‪.‬‬

‫األمثلة التطبيقية ‪:‬‬


‫‪ .1‬لو حلف ال يدخل دار زيد أو ال يتكلم عبده أو زوجته فبعهام أو طلقها فدخل وكلمه مل‬
‫حينث ‪ :‬تغليبا للحقيقة لزوال امللك بالبيع والزوجية بالطالق‪« .‬القاعدة‪ :‬األصل يف‬
‫الكالم احلقيقة»‬
‫(إال أن يقول ‪ :‬دار هذه أو زوجته هذه أو عبه هذا) أو يريد أي دار أو عبد جرى عليه‬
‫ملكه أو أي امرأة جرى عليها نكاحه «فيحنث» تغليبا لإلقشارة عىل اإلضافة ‪ ،‬ألنه أقوى‬
‫«القاعدة ‪ :‬إذا اجتمعت اإلقشارة والعبارة غلبت اإلقشارة ألهنا أقوى »‪.‬‬
‫‪ ( .2‬إذا باعه األرض أو الصربة عىل أهنا مائة ذراع أو مائة صاع فخرج املبيع زائدا أو ناقصا‬
‫صح) تغليبا لإلقشارة وتنزيال خللف الرشط يف املقدار منزلة خلفه يف الصفات‪.‬‬

‫‪06‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ .3‬ال يرض تذكري وتأنيث لغري أي لغري املذكر وغري املؤنث كأن يقول للعبد أنت حرة ولألمة‬
‫أنت حر ‪ ،‬تغليبا لإلقشارة عىل العبارة‪.‬‬
‫‪ .4‬وإن حلف ال يأكل هذه وأقشار إىل احلنطة فأكلها ولو خبزا ‪ ،‬حنث ‪ .‬تغليبا لإلقشارة‪.‬‬

‫املبحث األول‬
‫«االحتياط وأنواعه»‬
‫تعريف االحتياط ‪ :‬هو أن جيعل املعدوم كاملوجود ‪ ،‬واملوهوم كاملحقق ‪ ،‬وما يرى عىل بعض‬

‫الوجوه ال ير ى إال عىل كلها‪.‬‬

‫‪ -‬جعل املعدوم كاملوجود ‪ :‬املنافع املعقود عليها يف اإلجارة ‪ ،‬فإنا نجعل كاملوجود نودر‬

‫العقد عليها ‪.‬‬

‫‪ -‬املوهوم املجعول كاملحقق‪ :‬أكثر أحكام اخلنثى املشكل‬

‫‪ -‬ما يرى عىل بعض الوجوه ال يرى إال عىل كلها ‪ :‬تارك الصالة نيس عينها من اخلمس ‪،‬‬

‫فإن نوجب عليه اخلمس وإن كانت الرباءة يف نفس األمر حتصيل بواحدة‪.‬‬

‫‪ .1‬أنواع االحتياط عند «العز بن عبد السالم»‪.‬‬

‫أنواع االحتياط‬

‫لدفع املفسدة احلرام‬ ‫لتحصيل مصلحة الواجب‬ ‫لتحصيل مصلحة املندوب‬

‫‪ -1‬إذا اقشتبه إناء طاهر بإناء‬ ‫‪ -1‬اخلروج من خالف العلامء ‪ -1‬من نيس صالة من مخس‬

‫نجس وتعذر معرفة‬ ‫ال يعرف عينها‪.‬‬ ‫عند تقارب املآخذ‬

‫الطاهر منهام‪.‬‬ ‫‪ -2‬اجتناب كل مفسدة مومهة ‪ -2‬جيب عىل اخلنثى املشكل‬

‫‪ -2‬إذا اقشتبه أخته من الرضاع‬ ‫أن يسترت يف الصالة‪.‬‬

‫بأجنبية فإهنام حيرمان عليه‪.‬‬ ‫‪ -3‬إذا اختلط قتىل املسلمني‬

‫‪07‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ -3‬نكاح اخلنثى املشكل‬ ‫بقتاىل الكفار فإنا نغسل‬

‫باطل‪.‬‬ ‫اجلميع‬

‫املبحث األول‬

‫«اخلروج من اخلالف مستحب»‬

‫معنى القاعدة ‪ :‬أنه يستحب اخلروج من اخلالف ‪ ،‬باجتناب ما اختلف يف حتريمه ‪ ،‬فعل ما‬

‫اختلف يف وجوبه ‪:‬‬

‫إقشكال اخلروج من اخلالف ‪:‬‬

‫‪ .1‬اإلقشكال يف األلوية واألفضلية ‪ ،‬إنام يكون بورود السنة الثابتة ‪ ،‬إذا اختلفت األمة إىل‬

‫القولني احلل واحلرام ‪ ،‬واحتاط املستربئ لدينه وجرى يف فعله عىل الرتك حذرا من‬

‫ورطات احلرمة ال يكون فعله ذلك سنة ‪ ،‬ألن القول بأن هذا الفعل متعلق الثواب من‬

‫غري عتاب عىل الرتك قول مل يقل به أحد ‪ ،‬ومن اين األفضلية ؟ وأجيب ‪ :‬أن األفضلية‬

‫ليست لثبوت سنة خاصة فيه ‪ ،‬بل لعموم االحتياط واالسترباء للدين وهو مطلوب‬

‫رشعا‪.‬‬

‫رشط مرعاة اخلالف‬

‫‪ .1‬أن ال يوقع مراعاته يف خالف آخر‪ .‬مثل ‪ :‬فصل الوتر أفضل من وصله ‪ ،‬ومل لراع خالف‬

‫أيب حنيفة ‪ ،‬ألن العلامء من ال جييز الوصل ‪.‬‬

‫‪ .2‬أن ال خيالف سنة ثابتة ‪ ،‬مثل ‪ :‬سن رفع اليدين يف الصالة ‪ ،‬ول يبال بإبطاله كاحلنفية ‪.‬‬

‫‪ .3‬أن يقوي مدركه ‪ ،‬مثل ‪ :‬الصوم يف السفر أفضل ملن قوي عليه ‪.‬‬

‫اخلالف املعتربة‬

‫العربة يف اخلالف املعترب هو قوة املدرك ‪ ،‬فمن قوي مدركه اعتد بخالفه ومن ال فال‪.‬‬

‫‪08‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ .1‬مثال ‪ :‬ما ظهر ضعفه ‪ :‬إعارة اجلواري للوطء‬

‫‪ .2‬مثال ‪ :‬ما تردد النظر يف قوته وضعفه ‪ :‬الصوم يف السفر‪.‬‬

‫فروع هذه القاعدة ‪:‬‬

‫‪ .2‬غسل املني باملاء‬ ‫‪ .1‬استحباب الدلك يف الطهارة‬

‫‪ .4‬الرتتيب يف قضاء الصلوات ‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬ ‫‪ .3‬استعاب الرأس باملسح‬

‫أمثلة من كتب الفقه « خروجا من اخلالف»‬


‫‪ .1‬فال ينقض باطن صفحة وأنثيان وعانة وقشعر نبت فوق ذكر أو فرج ‪ ،‬فيسن الوضوء‬
‫‪ .2‬يسن ترتيبه وتقديمه عىل احلارضة التي ال خياف فوهتا‪.‬‬
‫‪ .3‬سنية االعتكاف يف املسجد اجلامع‬
‫‪ .4‬ال جتب نية اخلروج من الصالة ولكن تسن قياسا عىل سائر العبادات‪.‬‬
‫‪ .5‬ال تكره الصالة يف يشء من ذلك‪ -‬أوقات اخلمسة‪ -‬بمكة وسائر احلرام‪.‬‬
‫‪ .6‬يصح اقتداء مؤد بقاض ومفرتض بمتنفل‪ ،‬يسن تركه ‪.‬‬
‫«إذا اجتمع احلالل واحلرام غلب احلرام»‬
‫معنى القاعدة ‪ :‬إذا اختلط احلالل باحلرام وكان ال يمكن التوصل إىل استعامل املباح إال باحلرام‬
‫غلب احلرام احتياطا ‪.‬‬
‫ضابط القاعدة ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن ال يستهلك احلرام يف احلالل ‪ ،‬فإن استهل فال أثر له‪.‬‬
‫‪ .2‬أن ال يمكن التمييز بينهام ‪ ،‬فإن أمكن بينهام وجب‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يكون احلرام حمصورا‬
‫‪ .4‬أن ال يكون احلالل واجبا ‪ ،‬فإن كان واجبا قدم ‪.‬‬

‫‪09‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫فروع القاعدة ‪« :‬غلب احلرام»‪.‬‬


‫‪ .1‬إذا تعارض دليالن ‪ ،‬قوله ﷺ ‪ :‬لك من احلائض ما فوق اإلزار ‪ ،‬قوله ﷺ ‪ :‬اصنعوا كل‬
‫يشء إال النكاح ‪ ،‬األول يقيض حتريم ما بني الرسة والركبة ‪ ،‬والثاين ‪ :‬يقيض إباحة ما عدا‬
‫الوطء ‪ ،‬فريجح التحريم احتياطا‪.‬‬
‫‪ .2‬قاعدة مد عجوة ودرهم ‪ ،‬هي من باب الربا‪ ،‬جلهل باملامثلة ‪.‬‬
‫‪ .3‬لو اختلط محام مملوك بحامم مباح حمصور امتنع الصيد‪ ،‬أو ال بمحصور جاز ‪.‬‬
‫‪ .4‬لو مات الصيد من مبيح وحمرم مثل أن يموت بسم و بندوقة أصاباه فهو حرام‪.‬‬
‫‪ .5‬لو رمى املحرم الصيد وهو حمرم وأصابه وهو حالل ضمن ‪.‬‬
‫‪ .6‬لو اقشرتك يف الذبح مسلم وجمويس‪ ،‬أو يف قتل الصيد سهم وبندقة ‪ :‬مل حيل ‪.‬‬
‫‪ .7‬اختلطت حمرم بنسوة حرمن ‪.‬‬
‫‪ .8‬فرع املتولدة بني كتايب وجمويس حرام ‪.‬‬
‫ما خرج عن قاعدة ‪.‬‬
‫‪ .1‬إذا رمى سهام إىل طائر فجرحه ثم وجده ميتا ‪ ،‬فإنه حالل ‪.‬‬
‫‪ .2‬إذا كان الثوب منسوجا من حرير وكتان عىل التسوية ‪ ،‬حالل‪.‬‬
‫‪ .3‬إذا اختلط ملكه بملك غريه وعرس التمييز‪.‬‬
‫القاعدة املندرجة‬
‫‪ -‬إذا اجتمعت يف العبادة جانب احلرض وجانب السفر غلب جانب احلرض ‪.‬‬
‫فروعها ‪.‬‬
‫‪ .1‬لو مسح حارض ‪ ،‬ثم سافر ‪ ،‬أو عكسه أتم مسح مقيم‪.‬‬
‫‪ .2‬لو مسح إحدى اخلفني حرضا واألخرى سفرا‪.‬‬
‫‪ .3‬أحرم قارصا فبلغت سفينته دار إقامته أتم ‪.‬‬
‫«إذا تعارض املانع واملقتيض قدم املانع»‪.‬‬
‫فروعها‬
‫‪ .1‬لو استشهد اجلنب‪ ،‬أنه ال يغسل‬

‫‪21‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ .2‬لو ضاق الوقت أو املاء عن سنن الطهارة‪ ،‬حرم فعلها‬


‫‪ .3‬لو ارتد الزوجان معا تشطر الصداق يف األصح‬
‫‪ .4‬لو جرحه جرحني ‪ :‬عمدا ‪ ،‬وخطأ ‪ ،‬أو مضمونا‪ ،‬أو هدرا ومات هبام ‪ ،‬ال قصاص‪.‬‬
‫‪ .5‬احلاصل واملرضع‪ ،‬فإن أفطرتا خوفا عىل نفسهام ‪ ،‬وجب القضاء بال فدية‪.‬‬
‫«إذا اختلط الواجب باملحرم روعي مصلحة الواجب‪».‬‬
‫مثله ‪:‬‬
‫‪ .1‬اختالط موتى املسلمني بالكفار جيب غسل اجلميع‪ ،‬والصالة عليهم ويميز بالنية‪.‬‬
‫‪ .2‬اختالط الشهداء بغريهم جيب غسل اجلميع‪ ،‬والصالة عليهم وإن كان الغسل والصالة‬
‫عىل الكفار والشهداء حراما‪.‬‬
‫‪ .3‬املرأة حيرم عليها سرت وجهها يف اإلحرام وال يمكن إال بكشف قشيئ من الرأس وسرت‬
‫الرأس واجب يف الصالة ‪ ،‬فإذا صلت راعت مصلحة الواجب‪.‬‬
‫‪ .4‬املضطر جيب عليه أكل امليت وإن كانت حراما‪.‬‬
‫‪ .5‬اهلجرة عىل املرأة من بالد الكفار واجبة وإن كان سفرها وحدها حراما‪.‬‬

‫املبحث الرابع‬

‫«ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب»‬


‫معنى القاعدة ‪ :‬أن توقف عليه الواجب أو ترك احلرام يصري واجبا من حيث الفعل أو الرتك‪.‬‬
‫فروع القاعدة ‪:‬‬
‫‪ .1‬لو استشهد املنكوحة باألجنبية وجب عليه الكف عنهام‪.‬‬
‫‪ .2‬إذا قال إحداكام طالقو مل ينو إحدامها عىل التعيني‪ ،‬حرمت الزوجتان عليه إىل حني‬
‫التعيني‪.‬‬
‫‪ .3‬جيب الغسل حماذيا من سائر جوانبيه مما ال يتحقق غسل مجيعه إال به‪.‬‬
‫‪ .4‬البد من غسل جزء من الرأس ومن حتت احلنك من األذنني وجزء فوق اليدين والرجلني‬
‫‪ ،‬إذ ال يتم الواجب إال به فهو واجب‪.‬‬
‫‪ .5‬الرسة والركبة ليست من العورة‪ ،‬لكن جيب سرت بعضهام من باب ما ال يتم الواجب إال به‬
‫فهو واجب‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫املبحث اخلامس‬

‫«موقف الشافعية من سد الذريعة »‬


‫‪ .1‬املقصود بسد الذرائع‪.‬‬
‫عند القرايف‪ :‬ومعناه حسم مادة وسائل الفساد دفعا هلا فمتى كان الفعل السامل عن املفسدة‬
‫وسيلة للمفسدة منع مالك من ذلك الفعل يف كثري من الصور‪.‬‬
‫عند املالكية ‪،‬الذرائع ثالثة أقسام ‪:‬‬
‫‪ )1‬قسم أمجعت األمة عىل سده ومنعه وحسمه كحفر اآلبار يف طرق املسلمني‬
‫‪ )2‬قسم أمجعت األمة عىل عدم منعه ‪ ،‬وأنه ذريعة ال تسد ووسيلة ال حتسم كاملنع من‬
‫زراعة العنب خشية اخلمر فإنه مل يقل به أحد وكاملنع من املجاورة يف البيوع خشية‬
‫الزنا‪.‬‬
‫‪ )3‬قسم اختلف فيه العلامء هل يسد أم ال ‪ ،‬كبيوع اآلجال‪.‬‬
‫‪ .2‬أقسام الذرائع عند الشافعية‪ .‬ثالثة أقسام‪:‬‬
‫ما يقطع بتوصله إىل احلرام ؛ فهو حرام عندنا وعند املالكية‪.‬‬ ‫‪)1‬‬
‫ما يقطع بأهنا ال توصل ولكن اختلطت بام يوصل فكان من االحتياط سد الباب‬ ‫‪)2‬‬
‫وإحلاق الصورة النادرة التي قطع بأهنا توصل إىل احلرام فالغالب منها املوصل إليه‪.‬‬
‫قال الشيخ اإلمام ‪ :‬وهذا غلو يف القول بسد الذرائع‪.‬‬
‫ما حيتمل وحيتمل ‪ ،‬وفيه مراتب تتفاوت بالقوة والضعف وخيتلف الرتجيح عند‬ ‫‪)3‬‬
‫املالكية بسبب تفاوهتا ‪ ،‬وقال ‪ :‬ونحن نخالفهم يف مجيعها إال يف القسم األول ‪،‬‬
‫النضباطه وقيام الدليل عليه‪.‬‬
‫‪ .3‬ختريج ابن الرفعة وجها يف سد الذرائع‪.‬‬
‫قول النبي ﷺ ‪ :‬ال يمنع فضل املاء ليمنع به الكأل‪ :‬ويف منع املاء ليمنع به الكأل الذي هو من‬
‫رمحة اهلل عام حيتمل معنيني ‪:‬‬
‫‪ )1‬أن ما كان ذريعة إىل منع ما أحل اهلل مل حيل وكذلك ما كان ذريعة إىل إحالل ما حرم اهلل‬
‫تعاىل ( قال الشافعي ) فإن كان هذا هكذا ففي هذا ما يثبت أن الذرائع إىل احلالل واحلرام‬
‫تشبه معاين احلالل واحلرام‬
‫‪22‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ )2‬وحيتمل أن يكون منع املاء إنام حيرم ألنه يف معنى تلف عىل ما ال غنى به لذوي األرواح‬
‫واآلدميني وغريهم فإذا منعوا فضل املاء منعوا فضل الكأل واملعنى األول‪.‬‬
‫رد عليه ‪ :‬تقي الدين السبكي وقال إنام أراد الشافعي رمحه اهلل تعاىل حتريم الوسائل ال سد‬
‫الذرائع والوسائل تستلزم املتوسل إليه ومن هذا منع املاء فإنه يستلزم منع الكأل الذي هو‬
‫حرام ونحن ال ننازع فيام يستلزم من الوسائل ولذلك نقول من حبس قشخصا ومنعه من‬
‫الطعام والرشاب فهو قاتل له وما هذا من سد الذرائع يف يشء قال الشيخ اإلمام وكالم‬
‫الشافعي يف نفي الذرائع ال يف سدها‪.‬‬

‫املبحث السادس‬

‫«اإلعانة عىل احلرام حرام»‬


‫دليل القاعدة ‪« :‬لعنه ﷺ يف اخلمر عرشة عارصها ومعترصها»‬
‫أمثلة هذه القاعدة ‪:‬‬
‫‪ .1‬كل معاملة كبيع وهبة ونذر وصدقة ليشء يستعمل يف مباح وغريه ‪:‬‬
‫‪ -‬فإن علم أو ظن أن آخذه يستعمله يف مباح كأخذ احلرير ملن حيل له ‪ ،‬هذه املعاملة بال‬
‫كراهة‪.‬‬
‫‪ -‬وإن ظن أنه يستعمله يف حرام كاحلرير للبائع ‪ ،‬ونحو العنب للسكر‪ ،‬حرمت هذه‬
‫املعاملة‪.‬‬
‫‪ -‬وإن قشك وال قرينة كرهت ‪ ،‬وتصح املعاملة يف الثالث لكن املأخوذ يف مسألة احلرمة‬
‫قشبهته قوية ‪ ،‬ويف مسالة الكراهة أخف ‪.‬‬
‫‪ .2‬فتوى قشهاب الرميل بحرمة إطعام الكافر يف هنار رمضان ‪ ،‬ألنه إعانة عىل معصية حيث‬
‫جاء يف فتاويه ‪ ،‬قال ‪ :‬بأن إطعام املسلم املكلف الكافر يف قشهر رمضان حرام ‪ ،‬وكذا بيعه‬
‫طعاما علم أو ظن أنه يأكل فيه‪ ،‬ألن كال منهام تسبب إىل املعصية وإعانة عليها ‪ ،‬بناء عىل‬
‫تكليف الكافر بفروع الرشيعة‪.‬‬
‫‪ .3‬حيرم هتيئة الطعام للنائحات‪ ،‬ألنه إعانة عىل معصية ‪.‬‬
‫‪ .4‬حيرم عىل الشافعي لعب الشطرنج مع حنفي‪ ،‬ألنه فيه إعانة عىل معصية بالنسبة العتقاد‬
‫احلنفي‪ ،‬إذ ال يتم اللعب املحرم عنده إال بمسعدة الشافعي له‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ .5‬حيرم عىل الزوجة متكني زوجها املحرم من الوطء‪ .‬ألن فيها إعانة عىل املعصية ‪.‬‬
‫‪« .6‬فإن وقف » مسلم أو ذمي «عىل جهة معصية كعامرة نحو الكنائس » التي للتعبد أو‬
‫ترميمها‪ ،‬فباطل‪ .‬ألنه إعانة عىل املعصية‪.‬‬

‫القواعد املندرجة حتت هذه القاعدة ‪.‬‬

‫القاعدة األوىل ‪ :‬ما حرم استعامله حرم اختاذه ‪.‬‬


‫أمثلتها ‪:‬‬
‫‪ .1‬لو أراد الكافر أن يتخذ دارا باحلجاز ومل يسكنها مل جيز‪ ،‬ألن ما حرم استعامله حرم اختاذه‬
‫كاألواين وآالت اللهو ‪.‬‬
‫‪ .2‬حيل استعامل كل إناء طاهر إال ذهبا وفضة فيحرم وكذا اختاذه ألنه جير الستعامله غالبا‬
‫كآلة اللهو ‪.‬‬
‫القاعدة الثانية ‪ :‬ما حرم أخذه حرم إعطاءه‪.‬‬
‫قال السيوطي ‪ :‬كالربا ومهر البغي ‪ ،‬وحلوان الكاهن والرقشوة ‪ ،‬وأجرة النائحة والزامر‪.‬‬
‫ويستثنى ‪ :‬الرقشوة للحاكم ليصل غىل احلق‪.‬‬
‫ومن فروع القاعدة ك أجرة النائحة والرقشوة للحاكم إذا بذهلا ليحكم له بغري احلق‪ ،‬وبذل‬
‫املال يف اخلمر فإنه يف اجلميع حيرم األخذ وهلذا حرم اإلعطاء‪.‬‬
‫القاعدة الثالثة ‪ :‬ما حرم فعله حرم التفرج عليه ‪.‬‬
‫معنى القاعدة ‪ :‬أن كل ما حرم فعله ‪ ،‬حيرم التفرج عليه‪ ،‬ألن ذلك إعانة عىل معصية ‪.‬‬
‫‪ .1‬حيرم التفرج عىل السحر والكهانة والرضب بالرمل والشعري واحلىص والشعبذة‪ ،‬ألنه‬
‫إعانة عىل معصية ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫املبحث السابع‬

‫«الواجب ال يرتك إال لواجب»‬


‫فروعها ‪:‬‬
‫‪ .1‬قطع اليد يف الرسقة‪ ،‬لو مل جيب لكان حراما‪.‬‬
‫‪ .2‬إقامة احلدود عىل ذوي اجلرائم‪.‬‬
‫‪ .3‬وجوب أكل امليتة للمضطر‪.‬‬
‫‪ .4‬اخلتان‪ ،‬لو مل جيب لكان حراما مال فيه من قطع عضو وكشف العورة والنظر إليها‪.‬‬
‫‪ .5‬العود من قيام الثالثة إىل التشهد األول‪ ،‬جيب ملتابعة اإلمام ألهنا واجبة ‪ ،‬وال جيوز لإلمام‬
‫واملنفرد ألنه ترك فرض لسنة وكذا العود إىل القنوت ‪.‬‬
‫‪ .6‬التنحنح بحيث يظهر حرفان‪ ،‬إن كان ألجل القراءة فعذر ‪ ،‬ألنه لواجب أو للجهر فال ‪،‬‬
‫ألنه سنة‪.‬‬
‫ما خرج عن هذه القاعدة ‪.‬‬
‫‪ .1‬سجود السهو ‪،‬سجود التالوة ‪ ،‬ال جيبان ‪ ،‬ولو مل يرشعا مل جيوزا‪.‬‬
‫‪ .2‬النظر إىل املخطوبة ‪ ،‬ال جيب ولو مل يرشع مل جيز‪.‬‬
‫‪ .3‬رفع اليدين عىل التوايل يف تكبريات العيد عند م ر خالفا البن حج‪.‬‬
‫‪ .4‬قتل احلية يف الصالة ال جيب ولو مل يرشع لكان مبطال للصالة‪.‬‬
‫‪ .5‬زيادة ركوع يف صالة الكسوف‪ ،‬ال جيب ولو مل يرشع مل جيز‪.‬‬

‫املبحث الثامن‬

‫«ال ينكر املختلف فيه وإنام ينكر املجمع عليه»‬


‫معنى القاعدة ‪ :‬ال جيب إنكار املخالف فيه بني الفقهاء ‪ ،‬وإنام الواجب إنكار املجمع عليه‬
‫بينهم ‪ ،‬وعلة ذلك أن نسبة املختلف فيه غىل احلالل ليست بأوىل من نسبته إىل احلرام ‪ ،‬وأما إنكار‬
‫املندوب فيثبت لكل منكر جممع عليه أو خمتلف فيه لكن برفق‪.‬‬

‫أهمية القاعدة ودليلها‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫هذه القاعدة عظيمة متفرعة عن أصل عظيم ‪ ،‬ألألن نسبة املختلف فيه إىل املحرم ليست‬
‫بأوىل من نسبته إىل املحلل‪ ،‬وألن كل جمتهد مصيب‪ ،‬أو املصيب واحد وال نعلمه ‪ ،‬ومل يزل‬
‫اخلالف بني السلف يف الفروع وال ينكر أحد عىل غريه جمتهدا فيه‪ ،‬وإنام ينكرون ما خالف نصا أو‬
‫إمجاعا قطعيا أو قياسيا جليا وهذا إذا كان الفاعل ال يرى حتريمه ‪ ،‬فإذا كان يراه فاألصح اإلنكار‬
‫شروط وجوب اإلنكار‪.‬‬

‫‪ -1‬أن يكون قادرا‪.‬‬


‫‪ -2‬أن بأمن عىل نفسه وعضوه وماله وعرضه‪.‬‬
‫‪ -3‬ويشرتط لوجوبه أيضا أن ال يؤدي إىل فتنة‪ ،‬بأن مل خيف مفسدة عليه أكثر من مفسدة‬
‫املنكر الواقع ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يأمن أن ينكر عليه ال يقطع نفقته وهو حمتاج إليها‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يأمن أن املنكر عليه ال يزيد عنادا وال ينتقل ملا هو أفحش منه‪.‬‬

‫احملتسب‬

‫املحتسب ‪ :‬هو من ويل احلسبة وهي اإلنكار واالعرتاض عىل فعل ما خيالف الرشع‪ ،‬وعىل‬
‫اإلمام أن ينصب حمتسبا يأمر باملعروف وينهى عن املنكر وإن كانا ال خيتصان باملحتسب‪ ،‬وحكم‬
‫املحتسب أنه ينكر وجوبا عىل من أخل بيشء من الشعائر الظاهرة ولو سنة كصالة العيد‪،‬‬
‫واآلذان ‪ ،‬فيلزمه األمر هبام ولكن ال يقاتلهم‪.‬‬

‫ما يستثىن من القاعدة‬

‫‪ -1‬أن يكون ذلك املذهب بعيد املأخذ ‪ ،‬بحيث ينقص‪ .‬ومن ثم وجب احلد عىل املرهتن بوطئه‬
‫املرهونة‪ ،‬ومل ينظر خلالف عطاء‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يرتافع فيه احلاكم ‪ ،‬فيحكم بعقيدته ‪ ،‬وهلذا حيد احلنفي برشب النبيذ‪ .‬إذ ال جيوز للحاكم‬
‫أن حيكم بخالف معتقده‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون للمنكر فيه حق‪ ،‬كالزوج يمنع زوجته من رشب النبيذ‪ ،‬إذا كانت تعتقد إباحته‬
‫وكذلك الذمية عىل الصحيح‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫املبحث التاسع‬

‫«القادر عىل اليقني هل له أن يأخذ بالظن؟»‬


‫من أمثلة القاعدة ‪:‬‬
‫‪ .1‬من معه إناءان‪ ،‬أحدمها نجس ‪ ،‬وهو قادر عىل يقني الطهارة بكونه عىل البحر أو عنده‬
‫ثالث طاهر أو يقدر عىل خلطهام ومها قلتان ‪ ،‬واألصح ‪ :‬أن له االجتهاد‪.‬‬
‫‪ .2‬لو كان معه ثوبان ‪ ،‬أحدمها نجس ‪ ،‬وهو قادر عىل طاهر بيقني‪ ،‬واألصح‬
‫‪ .3‬من قشك يف دخول الوقت ‪ ،‬وهو قادر عىل متكني الوقت ‪ ،‬أو اخلروج من البيت املظلم‬
‫لرؤية الشمس واألصح أن له االجتهاد‪.‬‬
‫‪ .4‬الصالة إىل احلجر ‪ ،‬األصح ‪ :‬عدم صحتها إىل القدر الذي ورد فيه أنه من البيت ‪.‬‬
‫‪ .5‬االجتهاد بحرضته ﷺ يف زمانه ‪ ،‬واألصح جوازه ‪.‬‬
‫فروق فقهية ‪.‬‬
‫‪ -1‬ولو اقشتبه ماء طاهر بنجس ‪ ،‬اجتهد ‪.‬ألن بعض الصحابة كان يسمع من بعض مع قدرته‬
‫عىل اليقني ‪ ،‬وهو سامعه من رسول اهلل ﷺ ‪.‬‬
‫‪ -2‬من جهل الوقت ‪ ،‬اجتهد‪.‬‬

‫املبحث العاشر‬

‫«كل حيلة أدت إىل مفسدة فهي مذمومة»‬


‫تعريفها ‪ :‬احليلة هي احلذق يف تدبري األمور وهو تقليب الفكر حتى هيتدي إىل املقصود‬
‫وأصلها الواو ‪ ،‬و «احتال» طلب احليلة‪.‬‬
‫حكمها ‪:‬‬
‫‪ .1‬جائزة يف اجلملة ‪ ،‬ولكنها تكون مذمومة إن اقشتملت عىل املفسدة‪ ،‬فتارة تكون حمرمة ‪،‬‬
‫وتارة مكروهة ‪.‬‬
‫من األمثلة ‪:‬‬
‫‪ .1‬من احليل املحرمة ‪ :‬التورية يف اليمني املؤدية إىل ضياع حقوق الناس‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ .2‬ومن احليل املحرمة ‪ :‬دعوى السارق أن املرسوق ملكه ليسقط هبا احلد عنه ‪.‬‬
‫‪ .3‬من احليل املحرمة ‪ :‬احليل الدافعة للزكاة‪ ،‬قال ‪ :‬ألنه فرار من القربة ‪.‬‬
‫‪ .4‬من احليل املكروهة ‪ :‬احليلة بالربا‪.‬‬
‫‪ .5‬لو اقشرتى بجزاف وتلف امتنع األخذ بالشفعة ‪ ،‬لتعذر الوقوف عىل الثمن‪.‬‬

‫املبحث الثاني عشر‬

‫«كل حمرم أمكن تداركه وجب تداركه»‬


‫من فروع القاعدة ‪:‬‬
‫‪ -1‬جيب عىل قشارب اخلمر أن يتقايأها‪.‬‬
‫‪ -2‬جيب عىل الغاصب رد املغصوب تداركا لفعله املحرم ‪.‬‬
‫‪ -3‬جيب قصاء الفوائت الواجبة‪ ،‬تداركا لفعله املحرم ‪.‬‬
‫‪ -4‬توبة تارك الصالة عىل الفور ‪ ،‬ألن اإلمهال يؤدي إىل تأخري الصلوات ‪.‬‬
‫ما خرج من القاعدة ‪.‬‬

‫‪ .1‬اخلمر ال جيوز عصبها من ذمي وإذا غصبها منه فالذي صححه الرافعي والنووي أنه جيب‬
‫ردها عليه ‪ ،‬وذهب املحققون إىل أنه ال جيب الرد ؛ بل الواجب التخلية بني الذمي وبينها‬
‫ألنه حيرم اقتناؤه بالرشع‪.‬‬
‫‪ .2‬إذا حتجر مواتا فليس لغريه اإلحياء فيه ؛ فإن أحيي الغري ملكه عىل الراجح ‪ ،‬ألن األول‬
‫مل يملكه بالتحجري‪.‬‬
‫‪ .3‬لو اقشرتى الذمي دارا عالية مل جيز هدمها عليه ؛ فإن هدمت أعيدت‪.‬‬

‫املبحث الثاني عشر‬


‫«احلدود تسقط بالشبهات»‬
‫معنى القاعدة ‪:‬‬
‫أن احلدود ‪ :‬هي العقوبات ملقدرة رشعا ‪ ،‬تدرأ وتسقط بالشبهة ‪ ،‬مثاله ‪ :‬ال يقتل فاقد‬
‫الطهورين برتك الصالة متعمدا ‪ ،‬ألنه خمتلف فيه ‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫دليل القاعدة ‪ :‬قوله ﷺ ‪ «:‬ادرءوا احلدود بالشبهات »‪.‬‬


‫أنواع الشبهة ‪ :‬هي ثالث يف ‪:‬‬
‫‪ .1‬الفاعل كمن وطىء امرأة وظنها زوجته أو أمته‬
‫‪ .2‬املوطوءة بأن يكون للواطىء فيها ملك أو قشبهة ملك كاألمة املشرتكة وأمه ابنه أو مكاتبه‬
‫‪ .3‬الطريق بأن يكون خالال عند قوم حراما عند آخرين كنكاح املتعة والنكاح بال ويل ومن ثم‬
‫لو رشب اخلمر للتداوي وحكمنا بالتحريم فال حد يف األصح لشبهة اخلالف ويشرتط يف‬
‫مأخذ اخلالف أن يكون قويا‬
‫قشبهة اخلالف ‪:‬‬
‫رشطه أن تكون قوية ‪ ،‬وإال فال أثر هلا ‪.‬وهلذا حيد بوطء أمة أباحها السيد‪ ،‬وتنتهي قشبهة اخلالف‬
‫حينام يرفع األمر إىل احلاكم‪ ،‬ألن العربة حينئذ بعقيدته‪.‬‬

‫أمثلة القاعدة ‪:‬‬

‫‪ ( .1‬الثالث عدم الشبهة ) له ( فيه ) للخرب الصحيح { ادرءوا احلدود بالشبهات } ويف رواية‬

‫صحيحة { عن املسلمني ‪ -‬أي وذكرهم ليس بقيد كام مرت نظائره ‪ -‬ما استطعتم } ( فال‬

‫قطع برسقة مال أصل ) للسارق وإن عال ( وفرع ) له وإن سفل لشبهة استحقاق النفقة‬

‫يف اجلملة‪.‬‬

‫‪ .2‬والوطء يف النكاح بال ويل يوجب مهر املثل ‪ ،‬لشبهة اختالف العلامء يف صحة النكاح‪.‬‬

‫الفصل اخلامس‬

‫املبحث األول‬

‫«تعريف الضامن وأسبابه»‬

‫تعريف الضامن ‪ :‬هو إلزام حق عىل الغري ‪.‬أسباب الضامن ‪ :‬هو العقد‪ ،‬ويد ‪ ،‬وإتالف ‪ ،‬وحيلولة ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ .1‬العقد كاملبيع و الثمن املعني قبل القبض و السلم و اإلجارة‬


‫‪ .2‬اليد مؤمتنة كانت كالوديعة و الرشكة و الوكالة و املقارضة إذا حصل التعدي أوال‬
‫كالغصب و السوم و العارية و الرشاء فاسدا‬
‫‪ .3‬اإلتالف ‪ :‬نفسا أو ماال ‪ ،‬و يفارق ضامن اليد ‪ :‬يف أنه يتعلق احلكم فيه باملبارش دون السبب‬
‫و ضامن اليد يتعلق هبام‬
‫‪ .4‬احليلولة‬
‫‪ -‬والفرق بني ضامن العقد وضامن اليد ان ضامن العقد هو املضمون بام يقابله من العوض‬

‫الذي اتفقا عليه اذ جعل مقابلة رشعا كاملبيع يف يد البائع فانه مضمون بالثمن لو تلف ال‬

‫بالبدل من املثل أو القيمة‪.‬‬

‫‪ -‬ويفرتق ضامن االتالف واليد يف أن ضامن االتالف يتعلق احلكم فيه باملبارشة دون‬

‫السبب يف األظهر وضامن اليد متعلق هبام لوجوده يف كل منهام‪.‬‬

‫املبحث الثاني‬

‫«الضامن بالتعدي واملراضاة»‬

‫املضمونات رضبان ‪:‬‬

‫‪ .1‬الضامن بالتعدي ‪ :‬اجلنايات واإلتالف ‪.‬‬

‫‪ .2‬الضامن املراضاة ‪ :‬كالبيوع و الضامن ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫املبحث الثالث‬

‫«ضامن املتلفات»‬

‫األصل يف املتلفات ضامن املثل باملثل‪ ،‬واملتقوم بالقيمة ‪ ،‬ومن أمثلتها ‪:‬‬

‫‪ .1‬يضمن املغصوب إذا تلف املثل باملثل ‪ ،‬و القيمة باملتقوم ‪.‬‬

‫‪ .2‬إذا تقايل البيع و املبيع تالف ‪ ،‬وفيه املثل يف املثيل و القيمة يف املتقوم‪.‬‬

‫‪ .3‬الثمن إذا تلف ورد املبيع بعيب أو غريه ‪ ،‬فيه املثل يف املثيل ‪ ،‬والقيمة يف املتقوم ‪.‬‬

‫‪ .4‬إذا جاء مالك اللقطة بعد متلكها‪ ،‬وهي تالفة فيها املثل يف املثيل‪ ،‬والقيمة يف املتقوم ‪.‬‬

‫‪ .5‬إذا ختالف املتبايعان وفسخ‪ ،‬وهو تالف ‪ :‬أطلق الشيخان وجوب القيمة فيه‪ ،‬فشمل املثيل‬

‫وغريه‪.‬‬

‫‪ .6‬املقبوض بالرشاء الفاسد إذا تلف‪ ،‬أطلق الشيخان وجوب القيمة فيه‪.‬‬

‫‪ .7‬املعجل يف الزكاة‪ ،‬إذا ثبت اسرتداده‪ ،‬وهو تالف ‪ ،‬وفيه املثل أو القيمة‪.‬‬

‫خرج من هذا ‪:‬‬

‫‪ .1‬املستام‪ ،‬وفيه القيمة مطلقا‪.‬‬

‫‪ .2‬لبن املرصاة وفيه التمر‪ ،‬ال مثله‪ ،‬وال قيمة ‪.‬‬

‫املبحث الرابع‬

‫«اخلراج بالضامن»‬

‫معنى القاعدة ‪ :‬ما خرج من اليشء من عني و منفعة وغلة فهو للمشرتي عوض ما كان عليه من‬

‫ضامن امللك‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫دليل القاعدة ‪ :‬قوله ﷺ ‪ :‬اخلراج بالضامن‪.‬‬

‫األمثلة التطبيقية ‪:‬‬

‫‪ .1‬متن املنهاج ‪« :‬والزيادة املتصلة كالسمن تتبع األصل‪ ،‬واملنفصلة كالولد واألجرة ال متنع‬

‫الرد‪ ،‬وهي للمشرتي إن رد بعد القبض وكذا قبله يف األصح‪ ».‬بناء عىل أن الفسخ يرفع‬

‫العقد من حينه ‪.‬‬

‫إقشكاالت ترد عىل القاعدة واجلواب عنها ‪:‬‬

‫‪ .1‬لو كان اخلراج يف مقابلة الضامن لكانت الزوائد قبل القبض للبائع ‪ ،‬ثم العقد أو الفسخ ؛‬

‫إذ ال ضامن حينئذ ‪ ،‬ومل يقل بذلك أحد ؛ وإنام يكون له إذا تم العقد لو كانت العلة‬

‫الضامن لزم أن تكون الزوائد للغاصب ‪ ،‬ألن ضامنه أقشد من ضامن غريه ‪ ،‬وما كانت‬

‫العلة أنسب وأقشد إال وكان احلكم فيها أوىل‪.‬‬

‫أجيب ‪ :‬املغصوب واملبيع قبل قبضه لو تلف حتت ذي اليد ضمنه وليس له خراجه أجيب‬

‫بأن الضامن هنا معترب بامللك ألنه الضامن املعهود يف اخلرب ووجود الضامن عىل ذي اليد فيام‬

‫ذكر ليس لكونه ملكه بل لوضع يده عىل ملك غريه بطريق مضمن‬

‫املبحث اخلامس‬

‫«إذا اجتمع السبب واملبارشة قدمت املبارشة»‬

‫معنى القاعدة ‪:‬‬

‫املبارش ‪ :‬إجياد علة اهلالك ‪ .‬والسبب ‪ :‬إجياد علة املبارش‪ .‬والغرور ‪ :‬إبداء ما ظاهره السالمة‪.‬‬

‫قدمت املبارشة ألنه أقوى فهي مؤثرة وحمصلة‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫فروع القاعدة ‪:‬‬

‫‪ .1‬لو قدم الغصب املغصوب ضيافة للاملك فأكله برئ الغاصب‪.‬‬

‫‪ .2‬لو فتح قفصا عن طائر فوقف بعد الفتح وطار ال يضمنه يف اجلديد‪ ،‬ألنه وجد من الفاتح‬

‫سبب ومن الطائر مبارش واختيار‪ ،‬فأحيل عىل املبارشة‪.‬‬

‫‪ .3‬لو وكل يف القصاص ثم عفا ‪ ،‬واقتص الوكيل جاهال فال قصاص عليه وجتب الدية‪ ،‬وإذا‬

‫غرمها مل يرج هبا عىل العايف يف األصح حمسن بالعفو‪.‬‬

‫‪ .4‬لو نفر صيدا حرميا حتى خرج إىل احلل وقتله حمرم فاجلزاء عىل القاتل ألنه مبارش‪ .‬بخالف‬

‫ما لو قتله حالل فإنه يكون عىل املنفر الضامن‪.‬‬

‫‪ .5‬لو دل املحرم عىل صيد فقتله غريه مل يضمنه‪.‬‬

‫‪ .6‬لو دل املودع عىل الوديعة سارقا فأخذها ال يكون قرار الضامن عليه‪.‬‬

‫‪ .7‬لو غر بامرأة فظهرت معيبة أو رقيقة انفسخ نكاحها وغرم املهر وال يرجع عىل من غره يف‬

‫اجلديد‪.‬‬

‫‪ .8‬لو غصب طعاما وقدمه لغريه ضيافة فأكله جاهال غرم قيمته للاملك وال يرجع عىل‬

‫الغاصب‪.‬‬

‫ما يستثنى من هذه القاعدة ‪.‬‬

‫‪ .1‬إذا غصب قشاة ‪ ،‬وأمر قصابا بذبحها ‪ ،‬وهو جاهل باحلال ‪ ،‬فقرار الضامن عىل الغاصب‬

‫قطعا ‪ ،‬قاله يف الروضة ‪.‬‬

‫‪ .2‬إذا استأجره حلمل طعام فسلمه زائدا ‪ ،‬فحمله املؤجر جاهال ‪ ،‬فتلفت ‪ ،‬الدابة ‪ ،‬ضمنها‬

‫املستأجر يف األصح ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ .3‬إذا أفتاه أهل للفتوى بإتالف ثم تبني خطؤه ‪ ،‬فالضامن عىل املفتي ‪.‬‬

‫‪ .4‬قتل اجلالد بأمر اإلمام ظلام وهو جاهل ‪ ،‬فالضامن عىل اإلمام ‪.‬‬

‫‪ .5‬وقف ضيعة عىل قوم ‪ ،‬فرصفت غلتها إليهم ‪ ،‬فخرجت مستحقة ‪ ،‬ضمن الواقف ‪،‬‬

‫لتغريره ‪.‬‬

‫أمثلة التطبيقية للقاعدة ‪.‬‬

‫‪ .1‬لو حفر بئرا ‪ ،‬ولو عدوانا فردى غريه فيها آخر ( عىل املردي ال احلافر ‪ ،‬و ) فيام لو أمسكه‬

‫فقتله آخر عىل ( القاتل ال املمسك ) ؛ ألن املبارشة أقوى من الرشط‪.‬‬

‫‪( .2‬وفعل جالد بأمر اإلمام كفعله ) أي الضامن قواد أو مال عىل اإلمام دون اجلالد‪ ،‬ألنه‬

‫اآللة‪.‬‬

‫‪ ( .3‬ولو ضيف بمسموم ) يعلم أنه يقتل غالبا غري مميز ( صبيا ) كان ( أو جمنونا ) أو أعجميا‬

‫يعتقد وجوب طاعة اآلمر فأكله ( فامت وجب القصاص ) ؛ ألنه أجلأه إىل ذلك‪ ( ...‬أو‬

‫بالغا عاقال ومل يعلم حال الطعام ) فأكله فامت ( فدية ) لشبه العمد كام بأصله فهو أبني‬

‫جتب هنا لتغريره ال قود لتناوله له باختياره ( ويف قول قصاص ) لتغريره كاإلكراه‪( ...‬‬

‫ويف قول ال يشء ) تغليبا للمبارشة وجياب بأن حمل تغليبها حيث اضمحل ما معها‬

‫كاملمسك مع القاتل وال كذلك هنا‪.‬‬

‫املبحث اخلامس‬

‫«من ضوابط يف الضامن»‬

‫‪ .1‬هل يثبت يد الضامن مع ثبوت يد املالك؟‬

‫‪34‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫لو أتلف ماال يف يد مالكه ضمنه اال العبد املرتد‪ ،‬واحليوان الصائل‪ ،‬واملقاتل حرابه‪ ،‬وما اذا مل‬
‫يتمكن النكر من اراقة اخلمر ونحوه اال بكرس آنية وما اذا مل يتمكن من دفع الصائل وقاطع‬
‫الطريق اال بعقر جواده وكرس سالحه وما يتلفه العادل عىل الباغي حالة احلرب وعكسه وما‬
‫يتلفه احلربيون علينا ومنها األجري املشرتك اذا أتلف املال بحضور املالك ال يضمن يف‬
‫الصحيح‬
‫‪ .2‬املضمون قسامن‪:‬‬
‫‪ -‬ما يضمن بالتلف واالتالف ‪ :‬الزكاة اذا تلف املال قبل دفعها ضمنه وكذا الصيد يف حق‬
‫املحرم‬
‫‪ -‬وما ال يضمن بالتلف ويضمن باإلتالف ‪:‬العبد اجلاين اذا أتلفه السيد أو أعتنقه ضمنه‬
‫ولو تلف مل يضمنه ولو نذر عتق عبد معني فامت فبل ان يعتقه مل يلزمه عتق غريه ولو‬
‫أتلفه ضمنه وكذا األمانات الرشعية مثل لو طري الريح ثوبا إىل داره فإنه يضمن باإلتالف‬
‫ال بالتلف‪.‬‬
‫‪ .3‬اذا وجبت قينة املتلف اعترب بمحل االتالف ‪ ،‬كام يعترب يف املتلفات بغالب نقد البلد ايل وقع‬
‫فيه التلف واالتالف اال يف موضع واحد وهو إبال لدية فان املعترب بلد اقامة ال حمل جنايته‬
‫وهلذا اعتربوا بلد العاقلة والعاقلة ال جناية منهم وإنام العربة بمحل اقامتهم وهلذا قال يف‬
‫املطلب ان ذلك خرج عن قياس القاعدة‪.‬‬
‫‪ .4‬قد يكون الفعل مباحا وهو مضمون ألنه إنام أبيح برشط سالمة العاقبة‪ ،‬أمثلتها ‪:‬‬
‫‪ -1‬التعزير من االمام واملعلم والزوج ونحوه وكذلك‬
‫‪ -2‬أكل املضطر طعام الغري يباح له ويضمن بدله‬
‫‪ -3‬للمحرم ذبح الصيد لالضطرار ويضمنه‬
‫‪ -4‬ولو نصب ميزابا فتقصف من اخلارج منه يشء وأتلف انسانا جتب الدية مع انه يباح له‬
‫نصبه‬
‫‪35‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ -5‬ولو أرسل سهام عىل حريب فأسلم ثم وقع السهم فقتله فانه تلزمه دية املسلم‬
‫‪ -6‬ولو سقطت عليه حرة من سطح فكرسها ضمنها مع ان له دفعها‪.‬‬
‫‪ .5‬وقد يكون الفعل حراما وال ضامن ‪ ،‬من أثلته ‪:‬‬
‫‪ -1‬لقطع يدي فقطعها فال يشء عليه وكذا لو قال اقتلني فقتله فال قصاص وال دية‬
‫‪ -2‬ولو غضب قشيئا مما خيتص به كجلد ميتة أو رسجني فتلف يف يده فال ضامن مع أن‬
‫فعله حرام‬
‫‪ -3‬ولو كان الفعل سببا للهالك كام اذا فتح زقا فيه مائع فانصب ما فيه بالريح أو فتح‬
‫قفصا عم طائر فوقف ثم طار فان الفعل حرام وال ضامن‬
‫‪ -4‬لو وضع صبى يف مسبعة فأكله سبع فال ضامن‬
‫‪ .6‬املضمونات ‪ :‬أقسام ‪:‬‬
‫‪ -1‬ما يضمن ضامن عقد قطعا وهو ‪ :‬ما عني يف صلب عقد بيع أو سلم أو إجارة أو صلح ‪.‬‬
‫‪ -2‬ما هو ضامن يد قطعا كالعواري واملغصوب ‪ ،‬ونحوها ‪.‬‬
‫‪ -3‬ما فيه خالف واألصح ‪ :‬أنه ضامن عقد كمعني الصداق واخللع والصلح عن الدم‬
‫وجعل اجلعالة ‪.‬‬
‫‪ -4‬عكسه ‪ ،‬وذلك يف صور العلج ‪.‬‬
‫‪ .7‬قد يضمن االنسان ما أتلفه من مال نفسه ‪ ،‬ذلك لسببني ‪:‬‬
‫‪ -1‬لتعلق حق اهلل تعاىل به‪ ،‬مثاله ‪ :‬املحرم إذا قتل صيد نفسه أو قطع قشعر نفسه أو حلقه‬
‫والسيد إذا قتل عبده جتب فيه الكفارة وكذا إذا قتل نفسه ‪.‬‬
‫‪ -2‬حق اآلدمي ‪ ،‬مثاله ‪ :‬الراهن اذا أتلف املرهون يضمنه بالبدل ويكون رهنا مكانه وسيد‬
‫العبد اجلاين اذا قتله عليه أقل األمرين من قيمته أو أرش جنايته وسيد األمة املزوجة إذا‬
‫قتلها قبل الدخول غرم مهر مثلها لزوجها عىل قول‪.‬‬
‫‪ .8‬قد يضمن غريه ما بارش هو إتالفه من ملكه ‪ ،‬أمثلته ‪:‬‬
‫‪36‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ -1‬لو قال ألق متاعك يف البحر وعيل ضامنه‬


‫‪ -2‬أمره بعتق عبده أو طالق زوجته عىل مال‬
‫‪ -3‬أمره بقطع ثوب فاذا هو للقاطع أو ذبح حيوان فاذا هو للذابح عىل املذهب بخالف ما‬
‫لو أكله عىل املذهب ألنه ذبح للغاصب وذلك انتفع بأكله‬
‫‪ .9‬ال حيمل أحد جناية غريه إال يف موضوعني ‪:‬العاقلة والسيد حيمل جناية أم الولد جتني جناية‬
‫ثانية وثالثة‪.‬‬
‫‪ .11‬قاعدة‪ « :‬ما ضمن كله ضمن جزؤه باألرش» ‪ ،‬إال يف صور إحداها‬
‫‪ -1‬املعجل يف الزكاة‬
‫‪ -2‬الصداق الذي تعيب يف يد الزوجة قبل الطالق ‪.‬‬
‫‪ -3‬املبيع إذا تعيب يف يد البائع وأخذه املشرتي ناقصا ‪ ،‬ال أرش له يف األصح ‪.‬‬
‫‪ -4‬إذا رجع فيام باعه بإفالس املشرتي ‪ ،‬ووجده ناقصا بآفة أو إتالف البائع فال أرش له ‪.‬‬
‫‪ -5‬القرض إذا تعيب ورجع فيه املقرض ال أرش له بل يأخذه ناقصا ‪ ،‬أو مثله ‪.‬‬

‫قواعد احلق‬

‫املبحث األول‬

‫«تعريف احلق وأقسامه»‬

‫‪ .1‬تعريفه ‪ :‬احلق يف اللغة العربية له معان خمتلفة تدور حول معنى الثبوت والوجوب مثل قوله‬
‫ُ‬
‫القول عىل أكثرهم‪ ،‬فهم ال يؤمنون﴾ [يس‪ ]36/7:‬أي ثبت ووجب‪.‬‬ ‫حق‬
‫تعاىل‪﴿ :‬لقد َّ‬

‫احلق و ُي ْبطِ َل الباطِل َ﴾ [األنفال‪ ]8/8:‬أي يثبت ويظهر‪ .‬وقوله عز‬


‫وقوله سبحانه‪ ﴿ :‬ل ُي ِح َّق َّ‬

‫وز َه َق الباطِل﴾ [اإلرساء‪ ]17/81:‬أي األمر املوجود الثابت‪ .‬وقوله‬


‫احلق َ‬
‫وجل‪﴿ :‬جا َء ُّ‬

‫متاع باملعروف حق ًا عىل املتقني﴾ [البقرة‪ ]2/241:‬أ ي واجب ًا عليهم‪.‬‬ ‫ِ‬


‫تعاىل‪﴿ :‬وللمطلقات ٌ‬

‫‪37‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ -‬اصطالحا ‪ :‬فقال بعضهم‪ :‬هو احلكم الثابت رشع ًا‪ ،‬قال بعضهم ‪ :‬هو مصلحة مستحقة‬

‫رشع ًا‪.‬‬

‫‪ .2‬أقسام احلق‪:‬‬

‫احلقوق من حيث جلب املصالح ودرء املفاسد رضبان عند العز بن عبد السالم‪:‬‬
‫‪ -1‬ما يتعلق بحقوق اخلالق ‪ :‬كالطاعة واإليامن ‪ ،‬وترك الكفر والعصيان وحقوق اهلل ثالثة‬
‫أقسام ‪:‬‬
‫‪ -‬ما هو خالص هلل كاملعارف واألحوال املبنية عليها ‪ ،‬واإليامن بام جيب اإليامن به ‪ ،‬كاإليامن‬
‫بإرسال الرسل ‪ ،‬وإنزال الكتب ‪ ،‬وبام تضمنته الرشائع من األحكام ‪ ،‬وباحلرش والنرش‬
‫والثواب والعقاب ‪.‬‬
‫‪ -‬ما يرتكب من حقوق اهلل وحقوق عباده ‪ :‬كالزكاة والصدقات والكفارات واألموال‬
‫املندوبات ‪ ،‬والضحايا واهلدايا والوصايا واألوقاف ‪ ،‬فهذه قربة إىل اهلل من وجه ‪ ،‬ونفع‬
‫لعباده من وجه ‪ ،‬والغرض األظهر منها نفع عباده وإصالحهم بام وجب من ذلك ‪ ،‬أو‬
‫ندب إليه ‪ ،‬فإنه قربة لباذليه ورفق آلخذيه ‪.‬‬
‫‪ -‬ما يرتكب من حقوق اهلل وحقوق رسوله ﷺ وحقوق املكلف والعباد ‪ ،‬أو يشتمل عىل‬
‫احلقوق الثالثة ‪.‬ولذلك أمثلة ‪ :‬أحدها األذان فيه احلقوق الثالثة أما حق اهلل تعاىل‬
‫فالتكبريات والشهادة بالوحدانية ‪ .‬وأما حق الرسول ﷺ فالشهادة له بالرسالة ‪ ،‬وأما‬
‫حق العباد فباإلرقشاد إىل تعريف دخول األوقات يف حق النساء واملنفردين ‪ ،‬والدعاء إىل‬
‫اجلامعات يف حق املقتدي ‪.‬‬
‫‪ -2‬ما يتعلق بحقوق املخلوقني من جلب املصالح ودرء املفاسد وهو ثالثة أقسام ‪:‬‬
‫‪ -‬حقوق املكلف عىل نفسه ‪ :‬كتقديمه نفسه بالكساء واملساكن والنفقات ‪ ،‬وكذلك حقوقه‬
‫يف النوم واإلفطار ‪ ،‬وترك الرتهب ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ -‬حقوق بعض املكلفني عىل بعض ‪ ،‬وضابطها ‪:‬جلب كل مصلحة واجبة أو مندوبة ‪،‬‬
‫ودرء كل مفسدة حمرمة أو مكروهة ‪ .‬وهي منقسمة إىل فرض عني وفرض كفاية ‪ ،‬وسنة‬
‫عني وسنة كفاية ‪ ،‬ومنها ما اختلف يف وجوبه وندبه يف كونه فرض كفاية أو فرض عني ‪.‬‬
‫والرشيعة طافحة بذلك ويدل عىل ذلك مجيعا قوله تعاىل ‪﴿:‬وتعاونوا عىل الرب والتقوى‬
‫وال تعاونوا عىل اإلثم والعدوان ﴾ ‪ ،‬وهذا هني عن التسبب إىل املفاسد ‪ ،‬وأمر بالتسبب‬
‫إىل حتصيل املصالح وقوله تعاىل ‪﴿ :‬إن اهلل يأمر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القربى ﴾‪،‬‬
‫وهذا أمر باملصالح وأسباهبا ‪ ،‬وهني عن الفحشاء واملنكر والبغي ‪ ،‬وهذا هني عن املفاسد‬
‫وأسباهبا ‪ .‬واآليات اآلمرة باإلصالح والزاجرة عن اإلفساد كثرية ‪ ،‬وهي مشتملة عىل‬
‫األمر املتعلق بحقوق اهلل وحقوق عباده‬
‫‪ -‬حقوق البهائم واحليوان عىل اإلنسان ‪ ، :‬وذلك أن ينفق عليها نفقة مثلها ولو زمنت أو‬
‫مرضت بحيث ال ينتفع هبا ‪ ،‬وأال حيملها ما ال تطيق وال جيمع بينها وبني ما يؤذهيا من‬
‫جنسها أو من غري جنسها بكرس أو نطح أو جرح ‪ ،‬وأن حيسن ذبحها إذا ذبحها وال‬
‫يمزق جلدها وال يكرس عظمها حتى تربد وتزول حياهتا وأال يذبح أوالدها بمرأى منها‪،‬‬
‫وأن يفردها وحيسن مباركها وأعطاهنا ‪ ،‬وأن جيمع بني ذكورها وإناثها يف إبان إتياهنا ‪،‬‬
‫وأن ال حيذف صيدها وال يرميه بام يكرس عظمه أو يرديه بام ال حيلل حلمه ‪.‬‬

‫املبحث الثاني‬

‫«حقوق اهلل تعاىل مبنية عىل املساحمة»‬


‫حقوق اهلل تعاىل مبنية عىل املساحمة واملعنى أنه سبحانه وتعاىل أن يلحقه رضر يف يشء‬
‫ومن ثم قبل الرجوع عن اإلقرار بالزنى ويسقط احلد بخالف حق اآلدميني فإهنم يترضرون ‪.‬‬
‫من أمثلته ‪:‬‬

‫‪39‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ .1‬ويصدق يف أنه مىض عليه عام حيث ال بينة وحيلف ندبا إن اهتم لبناء حق اهلل تعاىل عىل‬
‫املساحمة‪.‬‬
‫‪( .2‬واألظهر جواز القضاء عىل غائب يف قصاص ‪ ،‬وحد قذف ) ؛ ألنه حق آدمي كاملال‬
‫(ومنعه يف حد) ‪ ،‬أو تعزير ( هلل تعاىل ) لبنائهام عىل املساحمة ‪ ،‬والدرء ما أمكن ‪ ،‬وما فيه‬
‫احلقان كالرسقة يقىض فيه باملال ال القطع ‪.‬‬
‫‪ .3‬وإن اهتم رب املال فيام يمنع وجوب الزكاة كأن قال ‪ :‬مل حيل عيل احلول مل جيب حتليفه ‪،‬‬
‫وإن خالف الظاهر بام يدعيه كأن قد أخرجت زكاته أو هو وديعة‪ ،‬ألن الزكاة مبنية عىل‬
‫املساحمة ‪ ،‬وألن األصل براءته‪.‬‬

‫املبحث الثالث‬
‫«نشوء احلق املايل»‬
‫قاعدة احلقوق املالية الواجبة هلل تعاىل ‪:‬‬
‫احلقوق املالية الواجبة هلل تعاىل ثالثة أرضب ‪.‬‬
‫‪ -1‬رضب جيب ‪ ،‬ال بسبب مبارشة من العبد ‪ :‬كزكاة الفطر ‪ ،‬فإذا عجز عنه وقت الوجوب ‪ :‬مل‬
‫يثبت يف ذمته ‪ ،‬فلو أيرس بعد ذلك ‪ ،‬مل جيب ‪ .‬كزكاة الفطر‬
‫‪ -2‬ورضب ‪ :‬جيب بسبب من جهته ‪ ،‬عىل جهة البدل ‪ ،‬فإذا عجز عنه وقت وجوبه وجب يف‬
‫ذمته ‪ ،‬تغليبا ملعنى الغرامة ؛ ألنه إتالف حمض‪ :‬كجزاء الصيد ‪ ،‬وفدية احللق ‪ ،‬والطيب ‪،‬‬
‫واللباس يف احلج ‪.‬‬
‫‪ -3‬ورضب ‪ :‬جيب بسبب مبارشة ‪-.‬ال عىل جهة البدل ‪ ،-‬ككفارة اجلامع يف رمضان ‪ ،‬ففيها‬
‫قوالن ‪:‬‬
‫‪ -‬أصحهام ‪ :‬يثبت يف الذمة ‪ ،‬فمتى قدر عليه ‪ :‬لزمه ‪ : .‬كإحلاق بجزء الصيد ألهنا مؤاخذة‬
‫عىل فعله‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ -‬أنه يسقط عند العجز ‪ ،‬كزكاة الفطر ‪ ،‬واحتج له بأنه ﷺ ملا أمر األعرايب أن يطعمه أهله‬
‫وعياله يف حديث املجامع مل يأمره باإلخراج يف ثان احلال ‪ ،‬ولو وجب ذلك ألقشبه أن‬
‫يبني له‪.‬‬

‫قاعدة نشوء احلقوق الواجبة لآلدميني‬

‫حقوق اآلدميني املالية ال جتب إال بسبب مبارشته من التزام أو اتالف وال تسقط بالعجز‬

‫أصال‪ ،‬ثم إن كانت مؤجلة فال يستحق إال بحلول األجل وأما حقوق اآلدميني املالية فإنام جتب‬

‫بسبب مبارشته من التزام أو إتالف وال تسقط بالعجز أصال ثم إن كانت مؤجلة فال تستحق إال‬

‫بحلول األجل وإن كانت حالة فهل جيب أداؤه قبل الطلب؟ فيه مخسة أوجه‪:‬‬

‫ومن أمثلة التطبيقية ‪:‬‬

‫( فإذا عجز ) عن الفدية ( ثبتت يف ذمته ) كالكفارة وكالقضاء يف حق املريض واملسافر‬

‫هذا ما اقتضاه كالم األصل لكن قال يف املجموع ينبغي أن يكون األصح هنا عكسه كالفطرة ألنه‬

‫عاجز حال التكليف بالفدية وليست يف مقابلة جناية ونحوها وما بحثه جزم به القايض وهو‬

‫مردود بام مر أن حق اهلل تعاىل املايل إذا عجز عنه العبد وقت الوجوب يثبت يف ذمته وإن مل يكن‬

‫عىل جهة البدل إذا كان بسبب منه وهو هنا كذلك إذ سببه فطره بخالف زكاة الفطر‬

‫املبحث الرابع‬

‫«وراثة احلق»‬

‫قاعدة ‪" :‬فيام ينتقل من احلقوق إىل الوارث وما ال ينتقل"‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫كل ما كان متعلقا باملال ‪ ،‬أو يدفع به رضرا عن الوارث يف عرضه ؛ فإنه ينتقل إىل الوارث ‪ ،‬وما‬
‫كان متعلقا بنفس املوروث وقشهوته وعقله ال ينتقل إىل الوارث‪ .‬والرس يف الفرق ‪ :‬أن الورثة‬
‫يرثون املال ‪ ،‬فريثون ما يتعلق به تبعا له وكذلك العرض بني الوارث واملوروث فيهام مناسبة‪.‬‬
‫وأما عقل امليت وقشهوته نفسه فأمور ال تورث ‪ ،‬فال يورث ما يتعلق هبا‪.‬‬
‫من أمثلة احلقوق التي تورث‬
‫خيار الرشط ‪ ،‬وخيار املجلس ‪ ،‬خيار اإلقالة ‪ ،‬وخيار الترصية ‪ ،‬والرد بالعيب وخيار‬
‫اخللف ‪ ،‬وخيار الشفعة ‪ ،‬وحق القصاص ‪ ،‬وحق الراهن ‪ ،‬وقبول الوصية ‪ ،‬وإذا مات واحد‬
‫من الغانمني انتقل حقه إىل ورثته ألنه ثبت له امللك أو حق امللك ‪ ،‬وإذا مات املتحجر انتقل حقه‬
‫إىل ورثته‪ ،‬وحكم اإلقالة والتحالف مع الوارث كحكمها مع املورث‪ .‬الفيئة بعد اإليالء ال‬
‫تورث لتعلقه بشهوته ‪ ،‬والعود بعد الظهار ‪ ،‬واختيار أربع من مخس فصاعدا ‪-‬أسلم عليهن‪-‬‬
‫ومن ثم ال جيوز التوكيل فيه ‪ ،‬ويف سائر ما يتعلق بالشهوة‪.‬‬

‫املبحث اخلامس‬

‫«نقل احلق»‬

‫تقسيم نقل احلق‪:‬‬


‫‪ -1‬ما ال يقبل اإلسقاط وال النقل ‪ :‬كحق الرجوع يف اهلبة وحق الزوج يف اإلستمتاع وحق‬
‫العاقلة يف التأجيل وحق اإلرث وحق والية النكاح وحق احلضانة وحق التقدم يف‬
‫اإلمامة العظمى وحق تفضيل الذكور عىل اإلناث يف تقديمهم عليهن واستحقاق‬
‫التدريس وحق رساية العتق ‪ ،‬حق الوالدين ‪ ،‬والسبق إىل مقاعد األسواق وكذا حق‬
‫التقديم يف احللق ‪ ،‬وحق خيار املجلس و الرشط‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ -2‬نقل احلق بعوض ‪:‬‬


‫‪ -‬البيع وهو نقل ملك كل واحد من املتبايعني إىل صاحبه إن كان العوضان عينا‪ ،‬وإن كان‬
‫دينا فهو مقابله التزام دين بالتزام دين إىل أن يتفق التقابض فينتقل ملك البائع إىل‬
‫املشرتي وملك املشرتي إىل البائع‪ .‬وإن كان املبيع عينا والثمن دينا كان التزام الدين يف‬
‫نقل مقابله ملك العني فإذا قبض الدين انتقل امللك إىل البائع‪.‬‬
‫‪ -‬اإلجارة وهي بيع املنافع بعني أو دين أو منافع‪ ،‬وتتعلق املنافع واحلقوق تارة بالذمم‬
‫وتارة باألعيان‪.‬‬
‫‪ -‬املساقاة واملزارعة التابعة هلا وهي‪ :‬التزام أعامل الفالحة بجزء قشائع من الغلة املعمول‬
‫عىل حتصيلها‪.‬‬
‫‪ -‬القرض وهو تعاقد عىل اإلجارة بجزء قشائع من األرباح‪.‬‬
‫‪ -3‬نقل احلق جمانا‬

‫قد يكون النقل جمانا بغري عوض كاهلدايا والوصايا والعمرى والرقبى واهلبات‬

‫والصدقات والكفارات والزكاة‪.‬‬

‫املبحث السادس‬

‫«إسقاط احلق»‬

‫‪ -1‬احلقوق التي ال تقبل اإلسقاط‬

‫كحق الرجوع يف اهلبة وحق الزوج يف اإلستمتاع ‪ ،‬وحق العاقلة يف التأجيل‪ ،‬وحق اإلرث‪،‬‬

‫وحق والية النكاح ‪ ،‬وحق احلضانة ‪ ،‬وحق التقدم يف اإلمامة العظمى ‪ ،‬وحق تفضيل الذكور‬

‫عىل اإلناث يف تقديمهم عليهن‪ ،‬وإستحقاق التدريس ‪ ،‬وحق رساية العتق‪.‬‬

‫‪ -2‬إسقاط احلق بدون عوض‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫اإلبراء الذي يسقط الدين من الذمة وال ينقله إىل املدين‪ ،‬ومنه إسقاط القصاص بالعفو فإن‬

‫العفو يسقط القصاص عن اجلاين‪ ،‬وال ينقله إليه‪ ،‬وكذلك اللعان يسقط حد القذف عن‬

‫الزوج وال ينقله إليه‪ ،‬وكذلك العفو عن التعزير وعن حد القذف‪ ،‬وكذلك إسقاط حق‬

‫النكاح واالستمتاع بالطالق فإنه يسقط امللك عن الرقاب‪ ،‬وال ينقله إىل الرقيق‪ ،‬وكذلك‬

‫وقف املساجد يسقط ملكها وال ينقله‪.‬‬

‫‪ -3‬إسقاط احلق بعوض‪.‬‬

‫كإسقاط حق الزوج من البضع باخللع أو بالطالق عىل مال‪ ،‬وكالصلح عن الدين فإنه يسقطه‬

‫عن املدين وال ينقله إليه‪ ،‬وكذلك العتق عىل مال‪ ،‬وبيع العبد من نفسه فإنه يسقط امللك‪ ،‬وال‬

‫ينقله إىل الرقيق‪ ،‬وكذلك الصلح عن القصاص يف النفوس واألطراف فإنه يسقط القصاص‬

‫عن اجلاين وال ينقله إليه‬

‫األمثلة التطبيقية‬

‫‪ -1‬وعلم مما تقرر أن هذه اهلبة ليست عىل قواعد اهلبات ومن ثم مل يشرتط رضا املوهوب هلا‬

‫وجاز للواهبة الرجوع متى قشاءت فيخرج هلا إذا رجعت أثناء ليلتها وإال قىض من حني‬

‫الرجوع ولو أخذت عىل حقها عوضا لزمها رده ؛ ألنه ليس عينا وال منفعة فال يقابل بامل‬

‫لكن يقيض هلا ؛ ألهنا مل تسقط حقها جمانا‬

‫‪ ( -2‬قوله ولو قال املتحجر ) عبارة املغني وله نقله إىل غريه وإيثاره به كإيثاره بجلدة امليتة قبل‬

‫الدباغ ويصري الثاين أحق به ويورث عنه ا هـ ( قوله أو أقمتك مقامي ) أي ولو بامل يف‬

‫مقابلة ذلك فيام يظهر وجيوز للمؤثر أخذه أخذا مما ذكروه يف النزول عن الوظائف بعوض‬

‫وحيث وقع ذلك فال رجوع له بعد ؛ ألنه أسقط حقه‬

‫‪44‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ -3‬وجيوز نقل اليد عن النجس بالدراهم كام يف النزول عن الوظائف ‪.‬وطريقه أن يقول‬

‫املستحق له أسقطت حقي من هذا بكذا فيقول اآلخر قبلت ا هـ قشيخنا وتقدم عن سم ما‬

‫يوافقه وينبغي أن يزيد يف الصيغة نحو لك‬

‫املبحث السابع‬

‫«إذا اجتمع حق اهلل وحق اآلدمي قدم حق اهلل تعاىل»‬

‫إذا اجتمع حق اهلل وحق اآلدمي قدم حق اهلل تعاىل‪ ،‬ومن فروعه ‪:‬كالصالة والزكاة‬

‫والصوم واحلج تقدم عند القدرة عليها عىل سائر أنواع الرتفه واملالذ حتصيال ملصلحة العبد يف‬

‫اآلخرة وكذلك حتريم وطء املتحرية وإجياب الغسل لكل صالة ‪.‬‬

‫ومن أمثلة التطبيقية ‪:‬‬

‫‪ -1‬ولو اجتمع زكاة ودين آدمي يف تركة بأن مات قبل أدائها وضاقت الرتكة عنهام قدمت عىل‬
‫الدين تقديام لدين اهلل و يف خرب الصحيحني فدين اهلل أحق بالقضاء وكالزكاة سائر‬
‫حقوق اهلل تعاىل كحج وكفارة نعم اجلزية ودين اآلدمي مستويان مع أهنا حق هلل تعاىل‬
‫‪ -2‬أو لزمه عقوبات هلل تعاىل وآلدمي كأن رشب وزنى وقذف وقطع وقتل قدم حقه إن مل‬
‫يفت حق اهلل تعاىل أو كانا قتال فيقدم حد قذف وقطع عىل حد رشب وزنا وقتل عىل حد‬
‫زنا املحصن تقديام حلق اآلدمي بخالف حد زنا البكر وحد الرشب فيقدمان عىل القتل‬
‫لئال يفوتا وتعبريي بام ذكر أوىل مما عرب به‬
‫ويستثنى من ذلك ‪ :‬جواز التلفظ بكلمة الكفر عند اإلكراه ولبس احلرير عند احلكة وجتويز‬

‫التيمم باخلوف من املرض وغريه من األعذار وكذلك العذار املجوزة لرتك اجلمعة واجلامعات‬

‫والفطر يف رمضان واحلج وجلهاد وغريها والتداوي بالنجاسات غري اخلمر وإذا اجتمع عليه قتل‬

‫‪45‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫قصاص ورده قدم قتل القصاص وجواز التحلل بإحصار العدو ومنها إذا وجد املضطر ميتة‬

‫وطعام الغري فأقوال الثالث يتخري والصح عند الرافعي أنه يأكل امليتة فيقدم حق اآلدمي‬

‫ويظهر أن سبب اإلستثناء ‪ :‬أنه العدو‪ ،‬أو حلصول حق اهلل يف اآلدمي ‪ ،‬قال يف املجموع ‪ :‬وإذا‬
‫اجتمع يف تركة امليت دين هلل تعايل ودين آلدمي كزكاة وكفارة ونذر وجزاء صيد وغري ذلك ففيه‬
‫ثالثة أقوال مشهورة ذكرها املصنف بأدلتها (أصحها) يقدم دين اهلل تعاىل (والثاين)دين اآلدمي‬
‫(والثالث) يستويان فتوزع عليهام بنسبتهام‪...‬‬
‫* وأجابوا عن حجة من قدم دين اآلدمي وقياسه عيل قتل الردة وقطع الرسقة بأنه انام قدمنا حق‬

‫اآلمي هناك الندراج حق اهلل تعاىل يف ضمنه وحصول مقصوده وهو اعدام نفس املرتد ويد‬

‫السارق وقد حصل بخالف الديون والن احلدود مبنية عيل الدرء واالسقاط بخالف حقوق اهلل‬

‫تعايل املالية واهلل تعايل أعلم‪.‬‬

‫املبحث الثامن‬

‫«التزاحم عىل احلقوق»‬

‫القاعدة ‪:‬ال يقدم يف التزاحم عىل احلقوق أحد إال بمرجح ‪ ،‬وله أسباب ‪:‬‬

‫‪ -1‬السبق ‪ :‬كجامعة ماتوا‪ ،‬وهناك ما يكفي أحدهم قدم أسبقهم موتا واملستحاضة ترى الدم‬

‫بصتفني مستويتني فريجح األسبق وكاالزدحام يف الدعوى واإلحياء والدرس ولو وكل‬

‫رجال يف بيع عبده وآخر يف عتقه قال الدبييل من سبق فله احلكم‬

‫‪ -2‬القوة ‪ ،‬فلو أقر الوارث بدين وأقام اآلخر بينة بدين والرتكة ال تفي هبام قال صاحب‬

‫اإلرشاف يقدم دين البينة‬

‫‪46‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ -3‬القرعة ‪ ،‬يف مواضع كثرية كازدحام األولياء يف النكاح والعبيد يف العتق واملقتصني يف‬

‫اجلاين عليهم معا‪.‬‬

‫موضع القرعة‬

‫‪ -1‬يف متييز املستحق إذا ثبت االستحقاق ابتداء ملبهم غري معني عند تساوي املستحقني ‪،‬كاجتامع‬
‫األولياء يف النكاح والورثة يف استيفاء القصاص وغسل امليت والصالة عليه ويف احلاضنات‬
‫إذا كن يف درجة وكذا يف ابتداء القسم بني الزوجات يف األصح الستوائهام يف احلق فوجبت‬
‫القرعة ألهنا مرجحة وقيل ويبدأ بمن قشاء بال قرعة‬
‫‪ -2‬يف متييز املستحق املعني يف نفس األمر عند اقشتباهه والعجز عن االطالع عليه وهلذا لو قال إن‬
‫كان هذا الطائر غرابا فعبدي حر وإن مل يكن فزوجتي طالق وأقشكل ال يقرع ما دام احلالف‬
‫حيا عىل املذهب لتوقع البيان وقيل يقرع كام إذا مات‬
‫‪ -3‬يف متييز األمالك‬
‫قاعدة ‪:‬‬

‫من خرجت له القرعة استقل باحلق وال حيتاج إىل إذن الباقني إال يف موضعني ‪:‬‬

‫‪ -1‬باب القسمة إذا جرت بالرتايض ال باإلختيار فإنه يعترب الرتايض بعد خروج القرعة يف‬

‫األصح وال يكفي الرضا األول‬

‫‪ -2‬باب استيفاء القصاص لبنائه عىل الدرء واإلسقاط فمن خرجت له القرعة تواله بإذن‬

‫الباقني فلو منع غريه امتنع ألنم منعه من االستيفاء ال ينقض بخروجها لغريه بدليل صحة‬

‫ابرائه والعفو عىل مال‬

‫‪47‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫املبحث التاسع‬

‫«كل حق مايل وجب بسببني خيتصان به فإنه جائز تعجيله»‬

‫كل حق مايل وجب بسببني ‪-‬خيتصامن به ؛ فإنه جائز تعجيله بعد وجود ومثله ما وجب بسبب‬
‫ورشط ‪ ،‬جاز تعجيله بعد وجود السبب‪ .‬ألنه إذا قدم عىل السبب الثاين ‪-‬وهو سبب‪ -‬فإن تقدم‬
‫عىل الرشط أوىل وأحرى‪.‬‬

‫ومن فروع القاعدة ‪:‬‬

‫‪ .1‬كفارة اليمني ‪ ،‬وهي أم املسائل ؛ فيجوز إخراجها بعد اليمني وقبل احلنث ؛ ألهنا وجبت‬

‫باليمني واحلنث ‪ ،‬وال جتوز قبل اليمني ‪ ،‬لتقدهيام عىل السببني‪ ( .‬وله ) أي ‪ :‬احلالف بعد‬

‫اليمني ( تقديم كفارة بغري صوم عىل حنث جائز ) للخرب الصحيح { فكفر عن يمينك ثم‬

‫ائت الذي هو خري } ؛ ألن سبب وجوهبا اليمني واحلنث مجيعا ‪ ،‬والتقديم عىل أحد‬

‫السببني جائز كام مر آخر الزكاة ‪ ،‬نعم األوىل تأخريها عنهام خروجا من اخلالف ‪ ،‬ومر أن‬

‫من حلف عىل ممتنع الرب يكفر حاال بخالفه عىل ممكنه ‪ ،‬فإن وقت الكفارة فيه يدخل‬

‫باحلنث ‪ ،‬أما الصوم فيمتنع تقديمه عىل احلنث ؛ ألنه عبادة بدنية‬

‫‪ .2‬زكاة الفطر جيوز تعجيلها يف مجيع رمضان ؛ ألهنا وجبت بأمرين خيتصان هبا ‪ ،‬ومها ‪:‬‬

‫إدراك رمضان والفطر ‪ ،‬وال جيوز قبل رمضان ‪ ،‬التقديم عىل السببني‪.‬‬

‫‪ .3‬زكاة املوايش ‪ ،‬والنقدين ‪ ،‬والعروض ؛ فإهنا جتب بسببني خيتصان هبا ‪ ،‬ومها ‪ :‬احلول‬

‫والنصاب ‪ ،‬فيجوز تعجيلها قبل احلول ‪ ،‬وال جيوز قبل كامل النصاب ‪ ،‬واألصح أنه ال‬

‫جيوز تعجيل زكاة عامني ؛ ألنه مل يتحقق وجود واحد من السببني بالنسبة إىل العام الثاين‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ .4‬إراقة دم التمتع بعد الرشوع يف احلج وقبل العيد جائز عندنا خالفا أليب حنيفة حيث قىض‬
‫بأنه يتأقت بأيام النحر‪ .‬ويف جواز اإلراقة بعد التحلل من العمرة وقبل الرشوع يف احلج‬
‫قوالن أو وجهان ‪ :‬أصحهام اجلواز ؛ ألنه حق مايل تعلق بسببني ‪ ،‬ومها ‪ ،‬الفراغ من‬
‫العمرة ‪ ،‬والرشوع يف احلج ؛ فإذا وجد أحدمها جاز إخراجه ‪ ،‬كالزكاة والكفارة‪.‬‬
‫‪ .5‬كفارة القتل جتوز بعد اجلرح وقبل املوت ‪ ،‬وإن مل يكن جرحه مل جيز بال خالف‪.‬‬
‫‪ ( .6‬و ) جيوز تقديم ( منذور مايل ) عىل ثاين سببيه كام إذا نذر تصدقا أو عتقا إن قشفي‬
‫مريضه أو عقب قشفائه بيوم فأعتق أو تصدق قبل الشفاء ووقع هلام يف الزكاة خالف هذا ‪،‬‬
‫واعتمد البلقيني وغريه هذا ؛ ألن القاعدة يف ذي السببني جيوز تقديمه عىل أحدمها ال‬
‫عليهام رصحية فيه ‪.‬‬

‫دراسات النظرية املعاصرة‬


‫«نظرية التعسف يف استعامل احلق يف الفقه اإلسالمي»‬

‫النظرية‪:‬‬

‫ونظرية التعسف يف استعامل احلق تسميتها هبذا االسم منقولة عن رجال احلقوق‬

‫الغربيني؛ ولك َّن هذه النَّظرية عرفها اإلسالم منذ أرسل اهلل رسوله وأنزل عليه قرآنه واعتنقه‬

‫الناس دينًا‪ ،‬وط َّبقوه يف قضاياهم‪ ،‬وسائر عالقاهتم رشيعة حمكمة‪َّ ،‬بني احلق كام َّبني مصادره‬

‫والذريعة‪ ،‬فلم يرتك‬ ‫ً‬


‫وخطأ‪ ،‬وعن طريق التَّحايل َّ‬ ‫وأنواع التعدي عليه مبارشة وتسب ًبا وعمدً ا‬
‫َ‬
‫قانونه قضية من غري حكم‪.‬‬

‫ولكن الذين يقرؤون لرجال القانون من الغرب‪ ،‬وال يقرؤون الفقه اإلسالمي دأبوا عىل‬

‫ومجود أحكامه‪.‬‬ ‫الف ْق َه ِبق َ ِ‬


‫رص نظرياته‪ُ ،‬‬ ‫أن يعجبوا بكل ما نقلوه عن الغرب عىل حني يت َِّهمون ِ‬
‫ُ‬ ‫ُْ َ‬

‫‪49‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫ُّ‬
‫معىن التعسف يف استعمال احلق‪:‬‬

‫قسم علامء الرشيعة احلقوق إىل ما هو حق العا َّمة‪ ،‬وضابطه ما يتعلق به النفع العام‬

‫للمجتمع من غري اختصاص بأحد؛ كاالنتفاع بالطريق العام‪ ،‬واألهنار العامة‪ ،‬واملساجد‪ ،‬وهذا‬

‫يثبت للناس مجي ًعا حق االنتفاع به والدفاع عنه‪ ،‬الثاين‪ :‬احلق اخلاص‪ ،‬وهو ما تتع َّلق به مصلحة‬
‫خاصة للفرد؛ كح ِّقه يف ملكه‪ ،‬أو يف واليته عىل ولده‪ ،‬وم َّيزوا بني احل َّقني‪َّ :‬‬
‫بأن األول‪ :‬ال يمكن‬ ‫َّ‬
‫متليكه وال إسقا ُطه‪ ،‬والثاين‪ :‬يمكن متليكه وإسقاطه‪.‬‬

‫َّعسف يف استعامل احلق قشام ً‬


‫ال للقسمني يمكن إدماجهام يف تعريف واحد‬ ‫وما دام الت ُّ‬
‫نستخلصه من االستعامالت املختلفة للفقهاء‪ ،‬وهو ما يثبت لإلنسان استيفاؤه؛ سواء أكان عا َّما‬

‫خاصا‪ ،‬وسواء أكان ح َّقا متعل ًقا باملال؛ كحق امللك يف األعيان‪ ،‬وحق االنتفاع بالعني املستأجرة‬
‫أو َّ‬
‫أو املستعارة‪ ،‬وحق احلبس يف املرهون‪ ،‬أم كان ح ًّقا غري مايل؛ كحق الوالية للشخص عىل أوالده‪،‬‬

‫الزوجية ومنه حق ال َّطاعة لويل األمر‪ ،‬وحق ُّ‬


‫الشورى لألفراد الذين يتأهلون لذلك وغريمها‬ ‫وحق َّ‬
‫من احلقوق السياسية‪.‬‬

‫وال يأبى الفقه اإلسالمي تقسيم فقهاء القانون له إىل قشخيص وعيني‪ ،‬فاألول‪ :‬دين أو‬

‫عمل أو امتناع عن عمل لشخص عىل آخر؛ كالثمن املؤجل‪ ،‬ومنفعة األجري‪ ،‬واالمتناع عن‬

‫االنتفاع باملرهون أو الوديعة‪ ،‬واحلق العيني هو عالقة اختصاص لشخص عىل يشء يف مواجهة‬

‫وحق االرتفاق بالرشب‪ ،‬والطريق‪،‬‬


‫ِّ‬ ‫َّرصف يف ا َململوك‪،‬‬
‫وحق الت ُّ‬
‫ِّ‬ ‫كحق امللك‪،‬‬‫ِّ‬ ‫الناس مجي ًعا؛‬
‫ووضع اجلذوع عىل حائِ ِ‬
‫ط اجلار‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫وأسباب اكتساب هذه احلقوق إ َّما اختيار َّية‪ ،‬وإ َّما َج ْ ِرب َّية‪ ،‬فاألوىل‪ :‬العقد‪ ،‬والعلم النافع؛‬

‫كالفضالة‪ ،‬ومنها ما إذا أنفق عىل اللقيط ب َغ ْ ِري إ ْذ ِن القايض عند املالك َّية‪ ،‬والعمل َّ‬
‫الضار؛ كارتكاب‬

‫اجلرائم‪ ،‬واالمتناع الضار‪.‬‬

‫جل ْ ِربي أمران‪َّ :‬‬


‫األول‪ :‬أوامر الشارع؛ كاإلنفاق عىل األوالد‪ ،‬والرضائب من‬ ‫والسبب ا َ‬
‫َّ‬
‫العرش‪ ،‬واخلراج‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والثاين‪ :‬هو اإلرث‪.‬‬
‫َّ‬
‫معىن التعسف‪:‬‬

‫تعبري وار ٌد إلينا عن احلقو ِق ِّيني الغربيني‪ ،‬فيجمل بنا أن نعرفه بام‬
‫احلق ٌ‬‫َّعسف يف استعامل ِّ‬
‫الت ُّ‬

‫أرادوا منه‪ ،‬ثم نتك َّلم َّ‬


‫عام يقابله يف الفقه اإلسالمي‪.‬‬

‫فالتَّعسف يف استعامل احلق عندهم هو‪ :‬استعامل احلق عىل وجه غري مرشوع‪ ،‬فاملفروض‬

‫نحوا غري مرشوع؛ كام‬


‫أن احلق أمر مرشوع ومباح االستخدام؛ ولكن الذي استعمله نحا يف ذلك ً‬
‫سيتبني هذا فيام بعد‪.‬‬

‫وفرق بني التَّعسف وبني الفعل الضار أو االمتناع الضار؛ ألن األخريين أمر غري مرشوع‪،‬‬

‫أي ممنوع وحمرم من أول األمر‪ .‬أما التعسف فهو استعامل احلق املرشوع عىل وجه غري مرشوع‪.‬‬

‫أحوال التعسف يف القوانني احلديثة‪:‬‬

‫ذكرت التَّقنينات احلديثة ثالثة أحوال للتَّعسف يف استعامل احلق هي‪:‬‬

‫‪ .1‬أن يأيت اإلنسان بعمل مرشوع‪ ،‬ويقصد به اإلرضار بالغري من غري أن تكون له مصلحة‬
‫فيه‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يأيت بعمل مرشوع للحصول عىل مصلحة ضئيلة له‪ ،‬ال تتناسب مع الرضر العظيم‬

‫‪50‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫الذي حلق الغري من جراء هذا العمل‪.‬‬


‫‪ .3‬أن يأيت بعمل مرشوع يقصد به حتقيق مصلحة غري مرشوعة‪ ،‬وقد نص عىل هذا القانون‬
‫املرصي يف املادة ‪5 ،4‬؛ والقانون السوري ‪.6 ،5‬‬

‫النظرية والفقه اإلسالمي‪:‬‬

‫هذه النَّظرية مسطورة يف صميم الفقه اإلسالمي وبارزة يف آيات الكتاب وأحاديث السنة‬

‫بأوسع من معناها يف القانون‪ ،‬وهي من املبادئ الكربى التي حفظت هبا احلقوق منذ كان‬

‫اإلسالم‪.‬‬
‫ً‬
‫األدلة عليها إمجاال‪:‬‬

‫األدلة عليها من القرآن والسنة‪:‬‬

‫الدليل األول‪ :‬قول اهلل تعاىل‪﴿ :‬وإِ َذا َط َّل ْقتُم النِّساء َفب َل ْغن َأج َلهن َف َأم ِسكُوهن بِمعر ٍ‬
‫وف َأ ْو‬ ‫ُ َّ َ ْ ُ‬ ‫ُ َ َ َ َ َ ُ َّ ْ‬ ‫َ‬
‫رض ًارا ل ِ َت ْعتَدُ وا﴾ [البقرة‪.]231 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وه َّن بِ َم ْع ُروف َو َال ُمتْسك ُ‬
‫ُوه َّن َ‬ ‫رس ُح ُ‬
‫َ ِّ‬

‫سبب نزول هذه اآلية كام أخرج ابن جرير وابن املنذر‪َّ ،‬‬
‫أن رج ً‬
‫ال من األنصار يدعى ثابت‬

‫راج َعها ُث َّم ط َّلقها‪ ،‬فعل ذلك ِهبا‬ ‫ِ‬


‫بن يسار ط َّلق زوجته حتَّى ا ْن َق َض ْت عدَّ ُهتا إال يومني أو ثال ًثا َ‬

‫حتَّى َم َض ْت َهلا تسع ُة ْأقش ُه ٍر ُي ُّ‬


‫ضارها‪ ،‬فأنزل اهلل تعاىل اآلية‪.‬‬

‫فقار ْب َن ان ِْقضا َء ِعدَّ ِهتن فأمسكوهن بالرجعة؛ بام هو‬


‫يعني ‪ -‬واهلل أعلم ‪ -‬إذا ط َّل ْقت ُُم النِّساء َ‬
‫ضارين‬ ‫كوه َّن حتَّى تنقيض عدهتن‪ ،‬وال ت ِ‬ ‫متعارف يف الرشع من حسن العرشة‪ِ ،‬‬
‫وه َّن ُم ِّ‬
‫ُراج ُع ُ‬ ‫أو ات ُْر ُ‬
‫َهل ُ َّن ِهبذه الرجعة‪ ،‬فيتحقق بذلك عدوانكم عليهن‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫وجه الداللة اآلية أن اإلمساك حق للزوج‪ ،‬وقد ندب اهلل تعاىل إىل استعامله عىل نحو‬

‫مرشوع وهو اإلمساك مع املعارشة احلسنة‪ ،‬وهنى عن استعامله عىل نحو غري مرشوع‪ ،‬وهو‬

‫استعامله عىل وجه املضارة عىل النَّحو الذي فعله ثابت بن يسار‪ ،‬وهذا بعينه هو إساءة استعامل‬

‫وج ٍه َغ ْ ِري َمرشوع‪.‬‬ ‫استِعام ُل ِّ‬


‫حق اإلمساك‪ :‬عىل ْ‬ ‫احلق؛ أل َّن ُه ْ‬

‫وىص ِ َهبا‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬


‫الدليل الثاين‪ :‬قال اهلل تعاىل بعد بيان نصيب اإلخوة ألم من املرياث‪﴿ :‬م ْن َب ْعد َوص َّية ُي َ‬
‫َأ ْو َد ْي ٍن َغ ْ َري ُم َض ٍّار َو ِص َّي ًة ِم َن اهللَِّ﴾ [النساء‪.]12 :‬‬

‫يعني ‪ -‬واهلل أعلم ‪ -‬لكل من اإلخوة ألم نصيبه بعد أداء دين املورث‪ ،‬وإخراج وصيته‪،‬‬

‫صحيحا‪،‬‬
‫ً‬ ‫عىل أن يكون املورث قد أقر بالدين‪ ،‬وأوىص من غري رضار بورثته‪ ،‬بأن يكون الدين‬

‫والوص َّية ال رضار فيها‪.‬‬

‫وجه الداللة َّ‬


‫أن الوصية حق للمورث‪ ،‬وله استعامله عىل وجه مرشوع بأن يكون فيه بر‬

‫إرضارا بالورثة؛ كأن يويص بأكثر من‬


‫ً‬ ‫بالورثة‪ ،‬وال جيوز استعامله عىل وجه غري مرشوع بأن يكون‬

‫الثلث‪ ،‬أو يويص ألحد الورثة‪ ،‬فالوصية مع اإلرضار هي بعينها إساءة استعامل احلق‪.‬‬

‫الدليل الثالث‪ :‬ما أخرج أمحد بسنده إىل عبداهلل بن مسعود عن النبي ﷺ‪« :‬لعن اهلل املح ِّلل‬

‫واملح َّلل له»‪ ،‬وما ُر ِو َي عن األوزاعي عنه ﷺ ‪« :‬يأيت عىل النَّاس زمان يستحلون الربا بالبيع» ‪.‬‬

‫وما أخرج البخاري عن النُّعامن بن بشري أنه ﷺ قال‪ « :‬مثل القائم يف حدود اهلل والواقع‬

‫فيها؛ كمثل قو ٍم استهموا عىل سفينة‪ ،‬فصار بعضهم أعالها وبعضهم أسفلها‪ ،‬وكان الذين يف‬

‫أسفلها إذا استقوا من املاء مروا عىل من فوقهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬لو أنا خرقنا يف نصيبنا خر ًقا‪ ،‬ومل نؤذ من‬

‫فوقنا‪ ،‬فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا مجي ًعا‪ ،‬وإن أخذوا عىل أيدهيم نجوا ونجوا مجي ًعا»‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫وجه الداللة من هذه األحاديث‪َّ :‬‬


‫أن الزواج والبيع عمل مرشوع والزواج ألجل التَّحليل‬

‫والبيع ألجل الربا عمل غري مرشوع‪ ،‬فلام قصد باملرشوع غري املرشوع هنى عنه الشارع‪ ،‬وحكم‬
‫اإل ْث ِم وا ْلعدْ و ِ‬
‫ان﴾[املائدة‪،]2 :‬‬ ‫اونُوا َع َىل ْ ِ َ ُ َ‬
‫بفساده؛ ألنه تعاون عىل اإلثم‪ ،‬وقد قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َال َت َع َ‬
‫ووجه الداللة من احلديث الثالث أن الذين يف أسفل السفينة يستعملون نصيبهم وحقهم؛ لكن ملا‬

‫عظيام ال يتكافأ مع مصلحة‬


‫ً‬ ‫رضرا‬
‫ً‬ ‫أرادوا أن يستعملوه عىل وجه غري مرشوع؛ ألنه يرض اجلامعة‬

‫منكرا جيب أن يمنعوا عنه‪ ،‬إىل غري ذلك من‬


‫ً‬ ‫رشهبم‪ ،‬وترك إيذاء الفريق األعىل‪ ،‬اعتربه الشارع‬

‫أدلة يأيت بعضها إن قشاء اهلل‪.‬‬

‫اقشرتاكية احلق يف اإلسالم‪:‬‬

‫اختصاصا مطل ًقا‪ ،‬وليسوا‬


‫ً‬ ‫احلقوق الشخصية والعينية ليست خمتصة بأصحاهبا يف اإلسالم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلاصة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫وصفها بِا ُ‬
‫حلقوق‬ ‫مستبدِّ ين يف التَّمتُّع بِمزاياها است ْبدا ًدا َّ‬
‫عام قد يتبا َد ُر من ْ‬

‫أن للجامعة ح ًّقا عا ًّما مشرتكًا بينهم‪ ،‬وذلك من ناح َيت ْ ِ‬


‫َني‪:‬‬ ‫بل الواقع َّ‬

‫ٍ‬
‫رضر َين َْش ُأ عن استعامل هذا‬ ‫برشط سالمة اجلَامعة من‬ ‫ترصف َّ‬ ‫األوىل‪َّ :‬‬
‫مرشوع َ ْ‬
‫ٌ‬ ‫الشخص فيها‬ ‫أن ُّ‬
‫استِعامله‬ ‫احلق؛ كام يشري إىل ذلك حديث الواقع يف حدود اهلل؛ وهلذا أذن للجامعة يف منعه ِ‬
‫عن ْ‬
‫استِ ْعاملِه ْ‬
‫إن َق َصدَ‬ ‫عن ْ‬
‫احلق َجيِب أن ين ُظر إىل الن ِ‬
‫َّتائ ِج الن ِ َ‬
‫َّامجة ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ب ِّ‬ ‫ِ‬
‫ضارا ِهبم‪ ،‬فصاح ُ‬
‫ِ‬
‫للحق است ْعامالً ًّ‬
‫ِّ‬

‫الرض َر‪ ،‬أو ترك االحرتاس‪ ،‬أو أراد حتقيق مصلحة ال تتكافأ مع رضر الغري أو مصلحة غري‬
‫َّ َ‬
‫مرشوعة‪.‬‬

‫الناحية الثانية‪ :‬أن احلق كام جعل اهلل فيه مصلحة فردية لصاحبه‪ ،‬جعل فيه مصلحة‬

‫الشخص عن إتالف‬
‫َ‬ ‫اجتامع َّية لصالح اجلامعة؛ ألنه من ثروة األ َّمة التي تعتمد عليها‪ ،‬وهلذا هنى‬

‫ماله؛ ألنه إن مل يصبه هو باخلسارة أصاب اجلامعة‪ ،‬وألن اهلل جعل فيه نصي ًبا معلو ًما للجامعة كام‬

‫‪54‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫يف الزكاة والعرش واخلراج‪ ،‬ويدل عىل هذا الن َّْهي عن االحتكار والنهي عن رفع األسعار وحق‬

‫اجلامعة يف بيع املال املحتاج إليه عىل صاحبه عند الغالء الشديد أو املجاعة‪.‬‬

‫الس َف َها َء َأ ْم َوا َلك ُُم ا َّلتِي َج َع َل اهللَُّ‬


‫ويشري إىل هذا األصل العظيم قول اهلل تعاىل‪َ ﴿ :‬و َال ت ُْؤتُوا ُّ‬
‫ِ‬
‫نظرا للوظيفة االجتامعية‬
‫اخلاص فيه جهة عموم ً‬
‫َّ‬ ‫احلق‬
‫أن َّ‬ ‫َلك ُْم ق َيا ًما﴾ [النساء‪ ،]5 :‬وهبذا َّ‬
‫تبني َّ‬
‫لساب َقت ْ ِ‬
‫َني‪.‬‬ ‫الشارع من النَّاح َيت ْ ِ‬
‫َني ا َّ‬ ‫التي رتَّبها َّ‬

‫احلق‪ ،‬من ِج َه ِة َّ‬


‫أن صاح َب ُه جيب أن يشعر بأن‬ ‫َّعسف يف استعامل ِّ‬
‫وثيق بنظر َّية الت ُّ‬ ‫ٌ‬
‫ارتباط ٌ‬ ‫وهلذا املبدأ‬

‫لغريه فيه نصي ًبا ال يصح االعتداء عليه‪.‬‬

‫تفصيل الكالم عىل التعسف يف استعامل احلق يف الفقه اإلسالمي‪:‬‬

‫تعريفه‪:‬‬

‫َّرصفات‪ ،‬وما يعترب منها ُخمالفة‪ ،‬وما ال يعترب أنَّه ُيمكن‬


‫تبني من دراساتنا ألحكام الت ُّ‬

‫ترص ًفا َ‬
‫غري ُمعتاد رش ًعا‪.‬‬ ‫تعريفه بِام يأيت‪ :‬هو ُّ‬
‫ترصف اإلنسان يف ح ِّقه ُّ‬

‫ترصف اإلنسان يف حقه‪.‬‬


‫ولرشح هذا نقول‪ :‬األصل الفقهي العام يف املسؤولية إذا َّ‬

‫َّقرر الفقهاء كام يف الفقه احلنفي وغريه‪ ،‬أن لإلنسان أن يترصف يف ملكه ترص ًفا معتا ًدا وال يسأل‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪ ،‬وإنام يسأل عن الرضر إذا كان التَّرصف يف ملكه غري معتاد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫رضر‬ ‫عام يرتتب عليه من‬

‫احلق؛ بدليل َّأهنم ذكروا من فروع هذا األصل ما لو سقى أرضه من‬
‫ويقصدون بامللك ها هنا َّ‬

‫هنريا إىل أرضه‪ ،‬قالوا‪:‬‬


‫األهنار العظام التي ليست مملوكة لألفراد؛ كالنيل‪ ،‬والفرات‪ ،‬أو ساق منها ً‬

‫جيوز ذلك إالَّ إذا َّ‬


‫أرض بالعا َّمة‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫تفريع‪:‬‬

‫وفر ُعوا عىل هذا األصل ُأ ُم ً‬


‫ورا منها ما إذا سقى زرعه فنزت أرض جاره‪ ،‬وتلف بذلك‬ ‫َّ‬
‫قدرا ال‬
‫زرع أو بناء إن سقاها سق ًيا معتا ًدا بأن سقاها قدر ما حتتمله عادة مل يضمن وإن سقاها ً‬
‫حتتمله ضمن‪.‬‬

‫ٍ‬
‫أرض َمملوكة أو مستأجرة‪ ،‬فاحرتق بذلك يشء جلاره مل‬ ‫ِ‬
‫حصائدَ ُه يف‬ ‫ومنها ما إذا أحرق‬

‫يضمن ألنه ترصف يف حقه ترص ًفا معتا ًدا‪ ،‬وإن كانت الرياح مضطربة عند اإلحراق فأحرقت‬

‫ال ِحل ِّقه استعامالً غري معتاد؛ أي فكان‬


‫تستقر فكان مستعم ً‬
‫ُّ‬ ‫قشي ًئا لغريه ضمن‪ ،‬ألنَّه َي ْع َل ُم َّ‬
‫أن النَّار ال‬

‫متعد ًيا‪.‬‬

‫بئرا يف ِم ْلكِه فغاض املا ُء من بئر جاره‪ ،‬أو أدار آل ًة إدار ًة‬ ‫ِ ِ‬
‫يتبني ُحك ُْم الف ْقه فيام لو َح َف َر ً‬
‫ومن هذا َّ‬

‫ُمعتادة فتأ َّذى ُّ‬


‫السكَّان بضوضائها‪ ،‬وهو أنه ال يضمن الرضر؛ ألنه ترصف معتاد‪.‬‬

‫األصل يرسي عىل َم ْن قا َم بِ َع َم ٍل لغريه بنا ًء عىل عقد أو إذن كالطبيب‬


‫ِ‬ ‫وحك ُْم هذا‬
‫ُ‬
‫والقايض ومنفذ األحكام؛ إذا سلك الطريق املعتاد يف عمله فتخلف عن ذلك رضر‪ :‬ال يضمن‬
‫وإن جاوزه ِ‬
‫ضمن‪ ،‬وهلذا قالوا‪ :‬إن اخلتان والفصاد إذا هلك الغالم واملريض بجرحهام املعتاد ال‬

‫يضمنان‪ ،‬وإن جاوزاه ضمنًا‪ ،‬وكذلك القايض إذا ظهر أنه حكم بغري احلق‪ ،‬واملنفذ للعقوبة‬

‫كالسجان واجلالد إذا خت َّلف عن قيامه بعمله املعتاد رضر‪ ،‬ويشري إىل هذا قول النبي ﷺ ‪(( :‬إنام‬

‫أنا برش مثلكم‪ ،‬وإنكم ختتصمون إيل‪ ،‬ولعل أحدكم أن يكون أحلن بحجته من بعض؛ فأقيض له‬

‫عىل نحو مما أسمع‪ ،‬فمن قضيت له بيشء من حق أخيه فال يأخذه)) احلديث‪ ،‬حيث مل يعترب خطأ‬

‫القايض تعدِّ ًيا بعد ما حترى يف عمله وجه الصواب‪.‬‬

‫وترصف اإلنسان يف حقه ترص ًفا غري معتاد هو مجاع مسائل التعسف يف استعامل احلق‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫أصول مسائل اإلساءة يف استعامل احلق‬

‫ويمكن حرص أصول مسائل التعسف يف استعامل احلق باالستقراء يف أربعة‪:‬‬

‫األصل األول‪:‬‬

‫ما إذا استعمل ح َّق ُه ال يقصد من ذلك إال اإلرضار بغريه‪ ،‬وليست له مصلحة فيه‪ ،‬وذلك‬

‫كمن يدعي عىل آخر جريمة أو عم ً‬


‫ال غري الئق‪ ،‬ال يقصد بذلك إال اإلرضار به‪ ،‬هذه الدعوى ال‬

‫تسمع‪ ،‬ويعزر املدعي إذا ثبت ذلك بالقرائن‪ ،‬ويف فقه املالكية ‪ -‬كام يف "التبرصة" ‪ -‬لو ادعى‬

‫الصعاليك عىل أهل الفضل دعاوى باطلة‪ ،‬وليس غرضهم من هذا إال أن يشهروا هبم ويوقفوهم‬

‫أمام القضاء لإليالم واالمتهان ال تسمع الدعوى ويؤ َّدب املدعي‪.‬‬

‫ومن ذلك ما إذا أراد الزوج أن يسافر بزوجه إىل بلد بعيد‪ ،‬وهو غري مأمون عليها‪ ،‬ال يريد‬

‫بذلك إال اإلرضار هبا وإيذاءها أو سلب ماهلا‪ ،‬فيقىض بمنعه من السفر هبا لإلرضار‪ ،‬وقد قال‬

‫وه َّن لِت َُض ِّي ُقوا َع َل ْي ِه َّن﴾ يعنِي‪ :‬ال تضاروا املعتدَّ ات يف السكنى؛ فالزوجات‬
‫تعاىل‪َ ﴿ :‬و َال ت َُض ُّار ُ‬
‫أوىل أال تضاروهن‪ ،‬واألصل يف مسائل هذا الباب حتريم إمساك املعتدة بقصد اإلرضار هبا‪،‬‬

‫وحتريم وصية الرضار وبطالهنا‪ ،‬وحتريم طالق املريض ليفر به من مرياث زوجته؛ فتقاس سائر‬

‫مسائله عليهام الحتاد العلة‪ ،‬وهي قصد اإلرضار‪.‬‬

‫األصل الثاني‪:‬‬

‫أن يستعمل اإلنسان ح ًّقا يقصد به حتقيق مصلحة له فترتتب عليه مفاسد وأرضار الحقة‬

‫بالغري‪ ،‬وهي أعظم من هذه املصلحة أو مساوية هلا‪ ،‬وذلك كاحتكار ما حيتاج إليه الناس يف‬

‫أوقات الغالء أو القحط يقصد به البيع بثمن مرتفع‪ ،‬فإن املحتكر يريد من ذلك مصلحة الربح‬

‫‪57‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫الكبري؛ لكن يرتتب عىل هذا رضر عظيم يلحق اجلامعة‪ ،‬وهلذا قال ﷺ ‪(( :‬اجلالب مرزوق‬

‫واملحتكر ملعون))‪ ،‬ومن هنا يمنع من االحتكار ويباع عليه ما احتكره بثمن املثل إن امتنع من‬

‫البيع‪.‬‬

‫ومن ذلك إغالء التجار السعر عىل الناس بحيث يصل إىل ضعف قيمة السلع‪ ،‬فإن تقدير‬

‫البائع لثمن مبيعه حق له‪ ،‬ولكن استعامله عىل هذا النحو‪ ،‬وإن حقق مصلحة له‪ ،‬فقد نشأت عنه‬

‫مفاسد عظيمة باجلامعة‪ ،‬ولذلك قال احلنفية واملالكية‪ :‬إذا عجز ويل األمر عن رد التجار إىل‬

‫األسعار العادية بك ُِّل الوسائل أزال هذا الرضر بالتسعري بمشورة أهل اخلربة‪ ،‬وقد ثبت هذا‬

‫باملصلحة املرسلة لدفع الرضر عن اجلامعة‪ ،‬وقال الشافعية وبعض احلنابلة بمنع التسعري‬

‫واستدلوا بام روي أنه قيل للنبي ‪ -‬ﷺ ‪ :-‬أال تسعر لنا؟ فقال‪(( :‬إن اهلل هو املسعر القابض‬

‫الباسط))‪ ،‬وأجاب القائلون بالتَّسعري بأن احلديث كان فتوى يف واقعة خاصة بسبب خاص‪ ،‬فال‬

‫تدل عىل عموم احلكم‪ ،‬فإن امتنع التاجر من البيع بالسعر املحدد بيع عليه كام يباع املال عىل املدين‬

‫وفاء للدين‪.‬‬

‫ومنه تلقي التاجر للوافدين إىل السوق من أهل الريف والبادية‪ ،‬ورشاء ما جلبوه بالثمن‬

‫الرخيص لبيعه ألهل املدينة غال ًيا؛ حيث يرض ذلك بأهل املدينة وبالوافدين‪ ،‬وقد هنى عنه النبي‬

‫ﷺ قال‪(( :‬وال تلقوا الركبان للبيع))‪.‬‬

‫مخرا‪ ،‬وبيع‬
‫ومنه بيع السالح يف أيام الفتنة‪ ،‬أو لقطاع الطريق‪ ،‬وبيع العصري ممن يتخذه ً‬
‫احلارض للبادي‪ ،‬حيث قال اإلمام أمحد ببطالن هذه العقود لرجحان املفسدة‪.‬‬

‫واملسائل املنصوص عىل حكمها ِممَّا قدمنا أصل يف هذا النوع‪ ،‬فيثبت احلكم لنظائرها‬

‫بالقياس‪ ،‬وإن قشئت أثبته باملصلحة إن تعذر القياس‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫األصل الثالث‪:‬‬

‫أن يستعمل حقه املرشوع عقدً ا أو غريه يقصد به حتقيق غرض غري مرشوع مغاير للغرض‬

‫الذي وضعه له الشارع‪.‬‬

‫وهذا كالبيع الذي يقصد به الربا‪ ،‬ومن هنا هنى النبي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬عن بيع وسلف؛ ألنه يؤدي‬

‫سوارا يساوي أربعامئة بخمسامئة عىل أن يقرضه البائع أربعامئة‪ ،‬فإن هذا العقد‬
‫ً‬ ‫إىل الربا كأن يبيع‬

‫يؤول إىل ربا النسيئة‪ ،‬وهو أخذ تسعامئة لريدها أل ًفا‪.‬‬

‫أيضا‪ ،‬وهو رشاء ما باع بثمن أقل من الثمن الذي باع به قبل‬
‫وكبيع العينة ألنه يؤدي إىل الربا ً‬
‫قبض الثمن‪ ،‬حيث تكون زيادة الثمن املؤجل ربا‪.‬‬

‫ومنه زواج التحليل فإن الزواج موضوع للعرشة الدائمة وتكوين األرسة‪ ،‬وقصد به عمل مؤقت‬

‫مذموم عند اهلل‪ ،‬وقد تقدم حتريمه باحلديث الكريم‪.‬‬

‫ومنه البيع الذي قصد به إسقاط الشفعة‪ ،‬وهبة املال التي قصد هبا الواهب إسقاط فريضة الزكاة‬

‫َّص يف هذا الباب يعترب أص ً‬


‫ال وغريه يقاس عليه‪.‬‬ ‫أو احلج‪ ،‬فام ثبت بالن ِّ‬

‫الذرائع‪ ،‬وزيادة عىل ما تقدم من األدلة نذكر َّ‬


‫أن‬ ‫هذه األنواع الثالثة مبن َّية عىل قاعدة سدِّ َّ‬

‫األنواع السابقة للتعسف يف استعامل احلق مبنية عىل أصل عظيم من أصول الرشيعة‪ ،‬وهو سد‬

‫ذرائع الفساد‪.‬‬

‫أفضت‬ ‫ِ‬
‫وسائ َل ُه املُ ْف ِضية إليه‪ ،‬وهذا يتح َّقق فيام إذا َ‬ ‫حرم‬ ‫وضاب ُطها َّ‬
‫أن َّ‬
‫الشارع إذا حرم قشي ًئا َّ‬
‫ترتج ُح عل ْيها‪ ،‬أو إىل غرض‬ ‫صود أو إىل مص َل ٍ‬
‫حة معها مفسد ٌة ت ِ‬ ‫الوسيلة إىل رض ٍر مق ٍ‬
‫ُساوهيا‪ ،‬أو َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫حرمه الشارع كالربا والزنا‪ ،‬وباجلملة‪ :‬إذا أفضت إىل إسقاط الواجبات وإحالل املحرمات‪.‬‬
‫َّ‬

‫‪59‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫ون ِم ْن‬
‫وهذا األصل تثبته أدلة كثري يف الرشيعة؛ منها قوله تعاىل‪َ ﴿:‬و َال ت َُس ُّبوا ا َّل ِذي َن َيدْ ُع َ‬

‫احلق أعظم من‬ ‫فإن مفسد َة س ِّبهم لإلله ِّ‬ ‫ون اهللَِّ َف َي ُس ُّبوا اهللََّ عَدْ ًوا بِ َغ ْ ِري ِع ْل ٍم﴾ [األنعام‪َّ ،]118 :‬‬
‫د ِ‬
‫ُ‬
‫سب األصنام املباح‪ ،‬فمنع السب املباح لذلك‪ ،‬ومنها قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َال َي ْ ِ‬
‫رض ْب َن‬ ‫مصلحة ِّ‬
‫حرم الرضب املباح ملا فيه من إثارة‬ ‫ُ‬
‫حيث َّ‬ ‫ني ِم ْن ِزينَتِ ِه َّن﴾ [النور‪،]31 :‬‬
‫بِ َأ ْر ُجلِ ِه َّن ل ِ ُي ْع َل َم َما ُخي ِْف َ‬
‫امليول اخلسيسة‪ ،‬ومنها َحتريم البيع عند نداء اجلمعة؛ َّ‬
‫ألن مفسدة االنشغال عن الصالة أعظم من‬

‫مصلحة البيع‪ ،‬ومنها َحتريم اجلمع بني املرأة وعمتها أو خالتها؛ ألن مفسدة قطيعة الرحم أعظم‬

‫من مصلحة الزواج‪ ،‬ومنها امتنا ُعه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬من قتل املنافقني حيث علل ذلك بقوله‪(( :‬ال‬
‫يتحدث الناس َّ‬
‫أن ُحم َّمدً ا يقتل أصحابه))؛ ألن مفسدة تنفري الناس من اإلسالم ونبي اإلسالم‬

‫أعظم من مصلحة القتل‪.‬‬

‫وقد أطلنا بعض اليشء يف ذكر األدلة؛ ليظهر ظهور النهار َّ‬
‫أن ما خياله الناس قواعد قانونية‬

‫مبتكرة ألهل الغرب هو من رضوريات الرشيعة املحكمة‪.‬‬

‫وهذه األنواع كذلك مبن َّية عىل أصل آخر وهو أن احليل التي تؤدي إىل إسقاط واجب؛ أو‬

‫إحالل حمرم تقع باطلة‪.‬‬

‫تدل عليه كثرة من األد َّلة منها قول النبي ﷺ ‪((:‬لعن اهلل اليهود‪ :‬إن اهلل ملا حرم عليهم‬

‫قشحوم امليتة مجلوها ‪ -‬أي أذابوها ‪ -‬فباعوها وأكلوا ثمنها))‪.‬‬

‫األصل الرابع‪:‬‬

‫أن يستعمل اإلنسان حقه لكن دون احرتاس وتثبت فيام يمكن فيه االحرتاس‪ ،‬فيفيض‬

‫هذا إىل اإلرضار بالغري‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫طريا فطاش سهمه وأصاب إنسانًا أو حيوانًا برضر‪ ،‬فإن‬


‫وذلك كام إذا أراد أن يصيد ً‬
‫الصيد حق مباح‪ ،‬ولكنه مل حيرتس يف استعامله له‪ ،‬ومل يتثبت فأدى إىل رضر الغري‪ ،‬وهو املعروف‬

‫باخلطأ يف الفعل‪ ،‬وكام إذا رضب دابة غريه يظن أهنا دابته فأعطبها‪ ،‬أو قطف ثمر غريه يظن أهنا‬

‫ثمره‪ ،‬وهو املعروف باخلطأ يف القصد‪ ،‬وهذا تعسف يف استعامل احلق النطباق تعريفه عليه‪.‬‬

‫وحكمه ضامن هذا الرضر إنسانًا أو حيوانًا؛ ألن القرآن يدل عىل تضمني املخطئ كام يف‬

‫قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َم ْن َقت ََل ُم ْؤ ِمنًا َخ َط ًأ َفت َْح ِر ُير َر َق َب ٍة ُم ْؤ ِمن ٍَة َو ِد َي ٌة ُم َس َّل َم ٌة إِ َىل َأ ْهلِ ِه﴾ [النساء‪.]92 :‬‬

‫ومن ذلك سائق السيارة إذا صدمت إنسانًا فقتلته أو ماالً فأتلفته؛ ألنه استعمل حقه يف قيادهتا‬

‫سالحا ال تدعو إليه رضورة الدفاع‬


‫ً‬ ‫لكنه مل حيرتس‪ ،‬ومن ذلك ما لو استعمل يف الدفاع الرشعي‬

‫رض ٍر فإنَّه يضمنه‪ ،‬ويف "الدر" البن عابدين[‪ :]5‬املرأة إذا أريدت بسوء‪ ،‬والزوج إذا‬
‫فأ َّدى إىل َ َ‬
‫وجد رجال مع امرأته‪ ،‬وأمكن الدفع بالصياح أو بالرضب بام دون السالح فاستعمل السالح‬

‫ضمن الرضر املرتتب عليه‪.‬‬

‫لكن حمل ضامن الرضر يف هذا األصل إذا أمكن االحرتاس عنه عادة‪ ،‬أما إذا مل يمكن فال ضامن‬

‫كالطبيب إذا أجرى جراحة عىل النحو املعتاد بني األطباء فتلف هبا إنسان‪ ،‬وذلك الختالف‬

‫طبائع الناس واحتامهلم للجراحات‪.‬‬

‫مقرصا؛ كاحلامل إذا زلقت رجله فأتلف ما حيمله‪،‬‬


‫ً‬ ‫أما إذا أمكن االحرتاس فإنه يكون‬

‫والكواء إذا أحرق الثوب الذي يكويه‪.‬‬

‫وقاعدة احلنفية يف هذه املسألة أن اإلنسان إذا أتى بمباح فرتتب عليه رضر بالغري ضمن؛‬

‫ألن استعامل املباح مرشوط بالسالمة‪ ،‬والرضر دليل عدم االحرتاس‪ ،‬وذلك كاملرور يف الطريق‬

‫ورضب الزوجة لرتك الطاعة‪ ،‬وإن فعل واج ًبا عليه فرتتب عليه رضر ال يضمن كمنفذ األحكام‬

‫‪60‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫والفصاد الذي يعمل باألجرة؛ ألنه مسلط عىل ذلك إال إذا جتاوز ما أمر به أو أمكن االحرتاس‬

‫عن الرضر فحينئذ يضمن‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬يضمن يف تنفيذ األحكام ومن الزيلعي (جـ ‪ 3‬ص‬

‫‪ )211‬وابن عابدين يف اإلجارة‪.‬‬

‫وقد يبدو غري ًبا ذكر األصل الرابع يف أنواع التعسف‪ ،‬ولكننا رأينا هذا ألنه ينطبق عليه‬

‫تعريفه‪ ،‬وإال فالكل يف نظر الفقه من باب التعدي عىل سبيل التسبب‪.‬‬

‫التعسف يف استعمال السلطة‪:‬‬

‫رجال السلطة التنفيذية يترصفون بالوكالة عن ويل األمر يف حدود األحكام املرشوعة‪،‬‬

‫لذلك ال جيوز هلم أن يفعلوا ما خيالف الرشيعة‪ ،‬وال أن يفعلوا ما مل يفوضوا فيه‪ ،‬فإن فعلوا قشي ًئا‬
‫من هذين اعترب ذلك إساءة يف استعامل ح ِ‬
‫قوق ِهم‪ ،‬وترتَّب عليه إزالة ما لزمه من الرضر فإذا‬ ‫ُ‬
‫حص ُلوا رضائب ظاملة لبيت املال ردت إىل‬
‫وضموه إىل ملك الدولة أو َّ‬ ‫ُّ‬ ‫اغتصبوا مال األفراد‬
‫ٍ‬
‫جريمة أدبوا‪ ،‬ما مل يكن ترتب الرضر عن اجتهاد كاجتهاد‬ ‫أصحاهبا وإذا عاقبوا أحدً ا ب َغ ْ ِري‬

‫اعوجاجا فقوموين"‪،‬‬
‫ً‬ ‫القايض‪ ،‬ويف ذلك يقول عمر بن اخلطاب ‪ -‬ريض اهلل عنه ‪" :-‬إذا رأيتم يف‬

‫وكان ‪ -‬ريض اهلل عنه ‪ -‬يرسل املفتشني إىل الواليات ملراقبة عامله‪ ،‬وصح عنه أنه عزل سعد بن‬

‫أنشئت َحماكم املظامل يف خالفة عبدامللك بن‬


‫ْ‬ ‫أيب وقاص ملا قشكاه أهل الكوفة؛ ومن أجل ذلك‬

‫مروان إلنصاف أفراد الشعب من ظلم احلاكمني‪.‬‬

‫وهلذا نرى أن تقنني العقوبات يف البالد اإلسالمية هو احتياط لدرء مفاسد التعسف يف‬

‫استعامل احلق الذي قد يقع من القضاة؛ ألن العقوبات عىل اجلرائم فيام عدا احلدود والقصاص‬

‫كلها راجعة إىل التعزير‪ ،‬والعقوبات التعزيرية متفاوتة كام أن اجلرائم متفاوتة‪ ،‬فالقايض ما مل يكن‬

‫كثريا ما‬
‫خبريا بأحوال الناس وما يصلحهم‪ ،‬متش ِّب ًعا بالعدالة‪ ،‬بعيدً ا عن األغراض والغايات‪ً ،‬‬
‫ً‬

‫‪62‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫يقع منه الشطط يف تقدير اجلريمة وحتديد العقوبة‪ ،‬فكان التقنني هو الضامن الصحيح للعدل بني‬

‫َّعسف كاحلجر عىل الطبيب اجلاهل واملفتي الذي‬


‫قديام للمنع من الت ُّ‬
‫الناس‪ ،‬وقد اختذت الوسائل ً‬
‫يفتي الناس باحليل الباطلة وكاحلجر عىل املديان‪.‬‬
‫َّ َ ُّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫التكييف ال ِفق ِهي للتعسف يف استعمال احلق‪:‬‬

‫عرفنا أن أنواع التعسف أربعة‪ ،‬وأن الثالثة األوىل منها مبنية عىل قاعدة سد الذرائع التي‬

‫حمظورا‪ ،‬أو املباح إذا أدى إىل حرام كان حرا ًما‪.‬‬
‫ً‬ ‫تقول‪ :‬إن املرشوع إذا أدى إىل حمظور كان‬

‫والرابع كذلك استعامل حمظور ملا جاوره من عدم االحرتاس‪.‬‬

‫َرب ُم َت َعدِّ ًيا بطريق‬ ‫ب يف أمر َحم ٍ‬


‫ظور‪ ،‬ف ُي ْعت َ ُ‬ ‫وبناء عليه يكون املتعسف يف استعامل احلق قد تس َّب َ‬
‫التسبب؛ لتقصريه عند استعامل حقه‪ ،‬بقصد الرضر أو بالسعي يف حصول مفاسد غالبة أو يف‬

‫حتقيق أغراض غري مرشوعة أو لعدم االحرتاس‪ ،‬فيكون مسئوالً عن هذا التقصري وترتب عليه‬

‫حكم مرتكب املحظور‪ ،‬وهو يف كل يشء بحسبه كام يأيت‪ ،‬فال فرق يف حكم الرشيعة بني من يأيت‬

‫بام هو حمظور من أول األمر؛ كالرضب والغصب‪ ،‬ومن يأيت بمرشوع أدى إىل حمظور نتيجة‬

‫التقصري‪ ،‬كل تتعلق به مسئولية املخالفة‪.‬‬

‫الض ِّار أو‬


‫الضار أو االمتناع َّ‬
‫ِّ‬ ‫الف ْق ِه هو من الفعل‬
‫احلق يف حكم ِ‬
‫ف يف استعامل ِّ‬
‫َّعس َ‬
‫أن الت ُّ‬ ‫ِ‬
‫وهبذا يتب َّني َّ‬

‫العقد املحرم‪.‬‬

‫األحكام املرتتبة على التعسف‪:‬‬

‫وحكم التعسف إما التعويض إذا أدى إىل إتالف مال أو نفس كمن حفر يف ملكه بجوار‬

‫حائط جاره فاهندمت‪ ،‬وإما اإلبطال إذا كان يف التعاقد كوصية الرضار وبيع العينة‪ ،‬وإما رفع‬

‫‪63‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫الرضر؛ كبناء املالك مالص ًقا جلاره فسدَّ عليه نوافذ الضوء واهلواء‪ ،‬وكجباية رضائب ظاملة ومنع‬

‫املحتكر‪ ،‬وإما التعزير؛ كام يف دعاوى التشهري‪ ،‬وإما املنع من ممارسة احلق املتعسف يف استعامله؛‬

‫كام يف منع الزوج من السفر بزوجه إذا قصد به إيذاءها‪ ،‬واحلجر عىل املديان‪ ،‬واملفتي املحتال عىل‬

‫املحرمات‪ ،‬والطبيب اجلاهل‪.‬‬

‫وفاء النظرية يف الفقه اإلسالمي ووضوحها‪:‬‬

‫لعلنا تب َّينا من العرض السابق أن هذه النظرية غدت مستوعبة جلميع حاالت التعسف‪،‬‬

‫واضحة املعامل لبنائها عىل أصول مضبوطة ال اضطراب فيها‪ ،‬فإن مبنى األصل األول وهو قصد‬

‫أمرا قشخص ًّيا لكن يمكن كشفه بالقرائن الظاهرة‪ ،‬واألصل الثاين مبني عىل‬
‫الرضر‪ ،‬وإن كان ً‬
‫مقياس مادي‪ ،‬وهو املوازنة بني املصلحة واملفسدة‪ ،‬واألصل الثالث معياره معرفة النظم‬

‫اإلسالمية واالجتامعية واالقتصادية والسياسية‪ ،‬فكل عمل مأذون فيه يراد به حتقيق غرض‬

‫خيالف هذه األنظمة يعترب من التعسف كمن أهدى ويريد الرقشوة أو اقشرتى ويريد الربا أو تطوع‬

‫للجندية ويريد التجسس عىل أنظمة اجليش‪ ،‬واألصل الرابع مبني عىل عدم االحرتاس من‬

‫الرضر وهو واضح يكاد يدل عىل نفسه‪.‬‬

‫أما القوانني األجنبية التي يقال عنها‪ :‬إهنا تقدمية وافية‪ ،‬فإهنا مل تعرف هذه النظرية إال يف‬

‫هذا العرص‪ ،‬ومع هذا فهي فيها ناقصة وغامضة‪ ،‬فالقانون السويرسي يبنيها عىل سوء النية‬

‫وكفى‪ ،‬والقانون الرويس يبنيها عىل خمالفة األغراض االجتامعية واالقتصادية ال غري‪.‬‬

‫وهلذا أحسن واضعو القانونني‪ :‬املرصي‪ ،‬والسوري يف استمدادها من الفقه اإلسالمي ألهنم‬

‫وجدوها فيه َجتمع بني الوضوح والوفاء بخالف القانون اللبناين؛ فإن جرسان الفرنيس ‪ -‬واضع‬

‫هذا القانون ‪ -‬استمدَّ ها من القوانني الغربية‪ ،‬وهلذا جاءت فيه ناقصة‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫مالحظة‪:‬‬

‫لكن يالحظ عىل القانونني املرصي والسوري أهنام قرصا أحوال التعسف عىل الثالثة‬
‫األوىل‪ ،‬وتركا حالة التعسف بسبب عدم االحرتاس مع َّ‬
‫أن معنى التعسف فيها أوضح‪.‬‬

‫إثبات التعسف يف استعامل احلق أمام القضاء‪:‬‬

‫يثبت التعسف أمام القضاء بجميع الطرق املثبتة للحق غري أن تكييفه يتوقف إىل حد كبري‬

‫عىل الظروف املحيطة بالقضية‪ ،‬وعىل عرف اجلامعات؛ فقد يكون استعامل احلق تعس ًفا يف بيئة‬

‫ورضرا يف حال دون حال‪ ،‬وذلك كرفع صوت املذياع إذا كان يف السوق العامة أو‬
‫ً‬ ‫دون أخرى‪،‬‬

‫يف األحياء اآلهلة بالسكان وبني سكان البادية أو احلارضة‪.‬‬

‫وملا كان سوء النية والتحايل لتحصيل املفاسد واألرضار مها أكثر أسباب التعسف وجب‬

‫عىل القايض أن تكون له خربة واسعة بقرائن األحوال وفقه نافذ بأحوال الناس االجتامعية؛‬

‫ليجمع منها أدلة قصد اإلرضار ويكتشف التحايل باستعامل املباحات عىل الوصول إىل‬

‫املحرمات واألغراض غري املرشوعة‪ ،‬نعم‪ ،‬هناك حاالت نصب الشارع عليها عالمات ظاهرة؛‬

‫كالطالق يف مرض املوت ألجل الفرار من مرياث الزوجة ووصية الرضار‪.‬‬

‫بعض تطبيقات ملبدأ اإلساءة يف استعامل احلق‪:‬‬

‫‪ – 1‬حق الوكيل يف عزل نفسه‪:‬‬

‫الوكالة من العقود غري الالزمة؛ فلكل من الوكيل واملوكل حق العزل‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫وبناء عىل هذا قد يستعمل الوكيل حقه‪ ،‬فيفاجئ املوكل بعزل نفسه يف وقت يعجز عن القيام بام‬

‫وكل فيه أو عن التوكيل به؛ كاملرافعة يف قضية قرب موعد نظرها‪ ،‬وهي حمتاجة إىل دراسة واسعة‬

‫وكالقيام بعمل رضوري عاجل واملوكل غائب‪.‬‬

‫وهذا يف نظر الفقه تعسف يف استعامل احلق؛ ألنه إرضار عظيم باملوكل بقصد أو بغري‬

‫قصد‪ ،‬وقد رأينا أبا حنيفة يشرتط يف عزل أحد الطرفني علم الطرف اآلخر من ًعا من اإلرضار‬

‫جلواز أن يكون الوكيل ترصف لصالح املوكل ترصفات فيها تبعات مالية وجلواز أن ن تكون‬

‫هناك أعامل يف تركها تغرير باملوكل وإرضار به‪.‬‬

‫وبناء عىل هذا فقواعد مذهبه تقيض ببقاء الوكالة وإلزام الوكيل بإنجاز ما وكل فيه دف ًعا‬

‫للرضر وتأديبه إن فرط‪ ،‬وعىل أن الوكيل باألجر ليس له أن يعزل نفسه قبل إهناء ما وكل به عام يف‬

‫السمسار فإنَّه وكيل يعمل باألجر‪.‬‬

‫‪ – 2‬حق اخلطيب يف فسخ اخلطبة‪:‬‬

‫اخلطبة وعد بالزواج وإخالف الوعد بعذر مرشوع‪ ،‬وعىل هذا ففسخ اخلطبة بسبب جائز؛‬

‫كاملرض املعدي أو املانع له من املعارشة الزوجية‪ ،‬وعجز الزوج عن دفع املهر‪ ،‬واخلالف‬

‫املستحكم بني اخلطيبني أو أرستيهام‪ ،‬وإن كان الفسخ من غري سبب كان إخال ًفا للوعد من غري‬

‫عذر بل كان إخال ًفا ًّ‬


‫ضارا؛ ألن الناس عادة يعلمون باخلطبة ويركنون إليها فينرصف عن اخلطبة‬

‫الزواج التي‬
‫ص َّ‬‫فوت عليها ُف َر َ‬
‫من يفكر يف الزواج منها‪ ،‬فإذا َف َس َخ اخلطيب من غري سبب فقد َّ‬
‫كانت سانحة‪ ،‬ونرش حوهلا الشائعات يف أسباب الرفض‪ ،‬األمر الذي تثور له النفوس وترتكب‬

‫بسببه اجلرائم‪ ،‬والسيام يف هذا الزمن الذي فسدت فيه األخالق وكثرت الظنون السيئة فتتعطل‬

‫بذلك مصلحتها األساسية التي أعدها اهلل هلا‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫منكرا جيب تغيريه ومعصية يستحق‬


‫ً‬ ‫وإخالف الوعد إذا ترتب عليه أمثال هذه املفاسد كان‬

‫فاعلها التعزير عليها‪.‬‬

‫تكييف الفسخ بال سبب‪:‬‬

‫وعليه فللقايض أن يعاقب الفاسخ ال عىل مبدأ تعويض الرضر‪ ،‬بل عىل مبدأ التعزير عىل‬

‫اإلتيان هبذا املنكر وهو إخالف الوعد املستتبع للمفاسد‪ ،‬والتالعب بمصالح الناس وأعراضهم‬

‫زجرا للناس عن ارتكاب‬


‫ألن التعزير ثابت عىل كل فعل أو قول فيه إيذاء للمسلم بغري حق ً‬
‫منكرا فليغريه بيده))‪ ،‬وهو‬
‫ً‬ ‫واستصالحا هلم لقوله ‪ -‬ﷺ ‪َ (( :-‬من رأى منكم‬
‫ً‬ ‫املفاسد واملضار‬

‫خطاب ألولياء األمر‪ ،‬وهذا املبدأ إذا عمل به محل الذين يريدون اخلطبة عىل اإلمعان يف الرتوي‬

‫قبل اإلقدام عليها‪ ،‬وعىل أن يفرقوا بني العدول عن رشاء سلعة تم الوعد برشائها‪ ،‬وفسخ خطبة‬

‫فتاة كريمة عىل نفسها وعىل قومها‪.‬‬

‫‪ – 3‬حق الطالق‪:‬‬

‫الطالق أبغض احلالل إىل اهلل‪ ،‬لكنه مرشوع عند احلاجة كعدم عفة الزوجة‪ ،‬بل قال بعض‬

‫الفقهاء بوجوبه حينئذ‪ ،‬خشية أن تفسد فراقشه وتدخل عليه من ليس من أوالده‪ ،‬ولئال يقع حتت‬

‫طائلة اللعنة الواردة يف الديوث الذي ال يغار عىل حريمه‪.‬‬

‫ومن واضع احلاجة سوء خلقها يف معاملة الزوج أو معاملة الناس‪ ،‬وترضر الزوج هبا يف‬

‫احلياة الزوجية العاطفية ملرض هبا أو لعدم انسجام يف الطباع‪ ،‬وتفريطها يف حقوق اهلل‪ ،‬وهي ال‬

‫تطيعه يف أدائها حتى ال يعارش امرأة عاصية‪ ،‬ومن األسباب عقمها إذا مل يستطع أن يتزوج بأكثر‬

‫من واحدة‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫مبغضا إىل اهلل‪ ،‬وال سيام إذا كانت الزوجة ذات أوالد‬
‫ً‬ ‫فإذا وقع الطالق لغري حاجة كان‬

‫حياهتا عىل العيش معه‪.‬‬


‫َّبت َ‬
‫منه أو كانت فقرية‪ ،‬وقد رت ْ‬

‫وعند هذا ال ننكر أن الزوج قد ييسء استعامل حقه فيه ملا يرتتب عليه من اإلرضار بالزوجة‪.‬‬

‫هل جيوز ا َملنْع من إيقاعه إالَّ بِإذن القايض؟‬

‫ال إىل ا َملنْع من إيقاعه‬


‫وبعض الناس يريد أن يتَّخذ من مبدأ التعسف يف استعامل احلق سبي ً‬

‫إال بإذن القايض‪.‬‬

‫ألن إثبات التَّعسف يف الطالق هو إثبات َّ‬


‫أن الزوج أوقعه من غري‬ ‫أن هذا خطأ؛ َّ‬
‫وعندنا َّ‬

‫حاجة مرشوعة تدعو إىل إيقاعه‪ ،‬والقضاء ال يستطيع إثباته ب ُط ُرقه املعروفة ومعايريه َّ‬
‫الصحيحة؛‬
‫ألن الكثري من أسباب الرخصة يف ال َّطالق التي رشحنا بعضها‪ :‬خفي ال يستطيع املسلم ذكره َّ‬
‫ألن‬ ‫َّ‬

‫صارحة بأقشياء هي من الرسية‬


‫َ‬ ‫السرت عىل عباده‪ ،‬وفتح هذا الباب قد يؤدي إىل ا ُمل‬
‫اهلل تعاىل حيب ْ‬

‫الزوج الذي ال خالق له إىل انتحال أسباب‬


‫الزوجة إعالهنا؛ بل قد يضطر َّ‬
‫واخلطورة بحيث يرض َّ‬
‫ضارة باملرأة‪ ،‬وال يستطيع القضاء الوقوف عليها‪ ،‬وماذا يفعل القايض إذا قال الزوج‪ :‬إين‬
‫كاذبة َّ‬
‫ومضارة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫أكرهها‪ ،‬وإن أمسكتُها أمسكتها عىل بغض‬

‫الزواج عاطفية بناها اهلل عىل املو َّدة واأللفة فمن ال َّطبعي يف الغالب أال يرتك َّ‬
‫الزوج‬ ‫احلق َّ‬
‫أن عقدة َّ‬ ‫ُّ‬

‫زوجته التي أحبها وسكن إليها وأنفق يف سبيلها‪ ،‬إال لداع قد يستتبع املقام معه من املضار ما ال‬

‫أن بيتها جحيم ال ُيطاق‪ ،‬واملعروف يف الرشيعة أن املرأة‬ ‫ٍ‬


‫عندئذ َّ‬ ‫الزوج حأح‬
‫يعلمه إال اهلل‪ ،‬ويشعر َّ‬
‫إذا كرهت زوجها كان هلا أن تفتدي منه بامهلا ليفارقها؛ كام قالت مجيلة امرأة ثابت بن يسار‬

‫لرسول اهلل ﷺ ‪((:‬إين أخاف الكفر يف اإلسالم لشدة بغيض إياه))‪ ،‬فامذا يكون احلال إذا اقشتد‬

‫‪68‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫بغضه هلا‪ ،‬ومنعه القايض من تطليقها؛ ألنه مل تقم لديه مربرات لل َّطالق؟ ولئن كان ال ُبغض من‬

‫املربرات عند القايض فلكل واحد من األزواج أن يدَّ عيه‪.‬‬

‫الرضرين‪ ،‬واألحوال القليلة‬ ‫ٍ‬


‫عندئذ أن يكون ارتكا ًبا ألخف َّ‬ ‫وعليه فأقل حاالت ال َّطالق‬

‫الزوج‪ ،‬املجتمع مضطر إىل حتملها إذ ال سبيل إال هذا‪.‬‬


‫التي قد يفسد فيه تقدير َّ‬

‫والذي ينبغي لتالفيها هو إصالح املجتمع‪ ،‬وإقشاعة مبادئ اإلسالم الصحيحة بني أهله بجميع‬

‫ال ُّطرق املمكنة‪.‬‬

‫الزوجات‪:‬‬
‫‪ – 4‬حق تعدُّ د َّ‬

‫الزوجات مرشوع قط ًعا إالَّ عند خوف َّ‬


‫الزوج أن يظلم من يف عصمته‪ ،‬فعندئذ ال‬ ‫تعدد َّ‬

‫يكون ح ًّقا له‪ ،‬والظلم املانع هو الظلم يف اإلنفاق‪ ،‬أو يف اإلقامة عند َّ‬
‫الزوجة‪ ،‬أ َّما املحبة وميل‬

‫القلوب فأمره إىل اهلل‪ ،‬وقد َّبني سبحانه وتعاىل أنَّه خارج عن استطاعة البرش‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َل ْن‬

‫أن العدل املرشوط‬ ‫تَستَطِيعوا َأ ْن َتع ِد ُلوا بني النِّس ِ‬


‫اء َو َل ْو َح َر ْصت ُْم﴾[النساء‪ ،]129 :‬والدَّ ليل عىل َّ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬
‫يف اآلية ليس هو املح َّبة التي أخرب اهلل عنها أهنا غري مستطاعة قول النَّبي ‪ -‬ﷺ ‪(( :-‬اللهم َّ‬
‫إن هذا‬

‫قسمي فيام أملك فال تؤاخذين فيام متلك وال أملك))‪ ،‬يعني ميل القلب‪.‬‬

‫والتَّعدد مرشوع حلاجات اجتامع َّية وعاطف َّية ال يستطيع بنو اإلنسان االستغناء عنها‪،‬‬

‫والذين منعوا التَّعدد بالقانون والقضاء وقعوا فيه من طريق الرس واجلريمة‪ ،‬وليس هنا بسط‬

‫أسباب التَّعدد؛ وإنام إمجال ما نريد أن نقوله هنا أن اهلل العليم بأحوال عباده‪ ،‬وما يصلحهم رشعه‬

‫الرضرين‪،‬‬
‫ملصالح اجتامعية سامية‪ ،‬وأقلها عند املحافظة عىل العدل الواجب أنه ارتكاب ألخف َّ‬
‫وهو املتعة من طريق حالل‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫هلذا ال يمكن أن يثبت من طريق القضاء يف حق التَّعدد تعسف يف استعامله متى حت َّقق‬

‫العدل الواجب‪.‬‬

‫نعم؛ قد يتعدَّ ى الناس فيفعلون ما ليس مرشو ًعا‪ ،‬وهو التَّزوج مع العجز عن حتقيق‬

‫العدل‪ ،‬فإذا قشاع ذلك بني الناس‪ ،‬ومل تكن هلم من ضامئرهم رقابة عىل أنفسهم يف تنفيذ أوامر‬

‫يتدخل فيمنع من التَّعدد كل من يثبت باألد َّلة أن حالته املالية ال يستطيع‬


‫الدين‪ ،‬ساغ للقضاء أن َّ‬

‫معها أن َيمون نساءه‪ ،‬أو يعدل بينهن‪.‬‬

‫نظرية الظروف الطارئة‬

‫فضيلة املفتي الدكتور حممود فهد مهيدات‬


‫مدير الدراسات والبحوث‬

‫امللخص‬
‫تقوم نظرية الظروف الطارئة التي تقوم عىل افرتاض وجود عقد تراخى تنفيذه ‪-‬كعقد‬
‫املقاولة وعقد التوريد والبيع اآلجل وبيع التقسيط ونحوها‪ -‬فيطرأ ظرف طارئ جيعل تنفيذ‬
‫العقد يلحق رضرا بالغا بأحد العاقدين خيرج عن املألوف‪ ،‬فتتدخل حينئذ إلزالة ذلك الرضر‬
‫الذي سيلحق بأحد املتعاقدين‪ ،‬وذلك برد التزامات العقد إىل احلد املعقول‪ ،‬حتقيقا ملقتضيات‬
‫العدالة ورفعا للظلم عن املتعاقدين‪.‬‬
‫لذا جاءت هذه الورقة لبيان التأصيل الفقهي لنظرية الظروف الطارئة من خالل القواعد‬
‫الفقهية التي تنهض هبا‪ ،‬ومن ثم بيان دور هذه النظرية يف معاجلة اآلثار الضارة التي قد تلحق‬
‫بأحد املتعاقدين نتيجة لتغري الظروف‪ ،‬ومن ثم دورها يف إعادة التوازن العقدي الذي حيقق‬
‫العدالة بني األطراف املتعاقدة‪ ،‬وأثر ذلك عىل اجلانب االقتصادي‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫وقد توصلت الدراسة إىل أن نظرية الظروف الطارئة هلا دور كبري يف تعديل االلتزامات‬
‫العقدية لكثري من املعامالت املالية‪ ،‬كتغري قيمة النقود عند الوفاء ببعض االلتزامات العقدية ‪-‬‬
‫كالبيع اآلجل وبيع التقسيط وكعقد التوريد وعقد املقاولة ونحوها‪ -‬عىل نحو حتقيق العدالة بني‬
‫املتعاقدين‪ ،‬كام توصلت الدراسة إىل أن النظرية ومن خالل تعديلها لبعض االلتزامات ستكون‬
‫بمثابة ائتامن وأداة من أدوات التحوط للمستثمرين مما سينعكس بالتايل أثر ذلك عىل النشاط‬
‫االقتصادي‪.‬‬
‫املقدمة‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم عىل سيدنا حممد وعىل آله وصحبه أمجعني وبعد‪:‬‬
‫األصل يف العقود اللزوم والوفاء‪ ،‬لكن قد حيدث ظروف طارئة حتول دون ذلك فتتسبب يف‬
‫مظلمة مل تكن معتربة وقت العقد‪ ،‬والرشيعة اإلسالمية قد قامت عىل أساس حتقيق العدالة عند‬
‫التطبيق العميل لعقود املعامالت املالية التي تقوم عىل أساس الرتايض غري املشتمل عىل الظلم‬
‫وأكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬فهي تنظم حقوق العباد لتبادل األموال واملنافع بينهم‪ ،‬وعليه فإن‬
‫القواعد الفقهية تسهم يف استخراج األحكام الرشعية ملا يستجد من نوازل ومسائل طارئة‪ ،‬لذا‬
‫فان دراستها هلا أمهية كربى لكل من الفقيه واملجتهد واملفتي ألهنا تيرس هلم تتبع جزئيات‬
‫األحكام واستخراجها من موضوعاهتا املختلفة وحرصها يف موضوع واحد وبذلك يتفادى‬
‫التناقض يف احلكام الرشعية املتشاهبة‪.‬‬
‫وبام أن أبواب املعامالت املالية من أهم أبواب الفقه وأدقها‪ ،‬وبخاصة يف هذا العرص التي‬
‫تطورت فيه املعامالت املالية تطورا باهرا‪ ،‬فإن بيان أحكامها الرشعية من خالل القواعد الفقهية‬
‫جينب تلك الوقائع كثريا من التناقض واالضطراب يف أحكامها الرشعية‪ ،‬ونظرية الظروف‬
‫الطارئة املستخلصة من جمموعة من القواعد الفقهية الكربى هلا دور كبري يف معاجلة الكثري من‬
‫اآلثار الضارة التي قد تلحق بطريف العقد نتيجة لتغري الظروف‪ ،‬وما تلك املعاجلة إال حتقيقا‬
‫للعدالة التي قامت الرشيعة اإلسالمية يف ترشيعاهتا عىل أساسها عند التطبيق العميل لاللتزامات‬
‫‪70‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫العقدية‪ ،‬وعليه فان نظرية الظروف الطارئة هتدف إىل تعديل االلتزامات العقدية عىل نحو حيقق‬
‫العدالة بني املتعاقدين ألن مبنى النظرية يقوم عىل إزالة الرضر الناتج من جراء إمضاء العقد عىل‬
‫مقتضاه‪ ،‬نتيجة ظرف مل يكن متوقعا‪ ،‬ومل يتسبب به أحد العاقدين‪.‬‬
‫وتأيت هذه الورقة مسامهة يف بيان القواعد الفقهية التي تنهض هبذه النظرية‪ ،‬ومن ثم بيان‬
‫دور هذه النظرية يف كيفية معاجلة االلتزامات العقدية يف املعامالت املالية وبيان أثر ذلك عىل‬
‫النشاط االقتصادي‪.‬‬

‫املبحث األول‬

‫القواعد الفقهية‪ :‬مفهومها ومصدرها وحجيتها وأمهيتها‬


‫املطلب األول‪ :‬القواعد الفقهية لغة واصطالحا‪:‬‬
‫القاعدة يف اللغة‪ :‬األساس‪ ،‬وهي أساس اليشء وأصوله حسيا كان ذلك اليشء كقواعد‬
‫اعدَ ِمن ا ْلبي ِ‬ ‫اهيم ا ْل َقو ِ‬
‫ِ‬
‫ت‬ ‫َ َْ‬ ‫البيت أو معنويا كقواعد الدين (أي دعائمه)‪ .‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ َي ْر َف ُع إِ ْب َر ُ َ‬
‫يم﴾ [البقرة ‪ .]127:‬وقال تعاىل‪َ ﴿:‬قدْ َمك ََر ا َّل ِذي َن‬ ‫ِ‬
‫يع ا ْل َعل ُ‬
‫ِ‬
‫السم ُ‬ ‫َوإِ ْس َام ِع ُيل َر َّبنَا َت َق َّب ْل ِمنَّا إِن ََّك َأن َ‬
‫ْت َّ‬
‫اب ِم ْن َح ْي ُث‬ ‫ِ‬ ‫اع ِد َف َخر َع َلي ِهم الس ْق ُ ِ‬
‫ف م ْن َف ْوق ِه ْم َو َأت ُ‬
‫َاه ُم ا ْل َع َذ ُ‬ ‫َّ ْ ُ َّ‬
‫ِمن َقبلِ ِهم َف َأتَى اهللَُّ بنْياهنم ِمن ا ْل َقو ِ‬
‫ُ َ َُْ َ َ‬ ‫ْ ْ ْ‬
‫َال َي ْش ُع ُر َ‬
‫ون﴾[النحل‪ .]26:‬فالقاعدة يف هاتني اآليتني الكريمتني بمعنى األساس وهو‪ :‬ما يرفع‬
‫عليه البنيان‪.‬‬
‫أما القاعدة يف االصطالح‪ :‬اختلف الفقهاء يف تعريفها وذلك بناء عىل اختالفهم يف‬
‫عرفها بام يدل عىل‬
‫مفهومها‪ ،‬هل هي قضية كلية أم قضية أغلبية؟ فمن نظر إليها أهنا قضية كلية ّ‬
‫ذلك‪ ،‬ومن هذه التعريفات عىل سبيل املثال ال احلرص‪:‬‬
‫‪ .1‬هي "قضية كلية يتعرف منها أحكام جزئياهتا‪.‬‬
‫‪ .2‬هي "أصول فقهية كلية يف نصوص موجزة دستورية أحكاما ترشيعية عامة يف احلوادث‬
‫التي حتت موضوعاهتا"‪ .‬وبالنظر إىل هذه التعريفات والتعريفات األخرى التي تسنى يل‬

‫‪72‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫االطالع عليها نجدها كلها تعريفات متقاربة املعنى‪ ،‬أي أهنا تؤدي معنى واحدا هو "أهنا‬
‫حكم أو أمر كيل أو قضية كلية تفهم منها أحكام اجلزئيات التي تندرج حتت موضوعاهتا‬
‫عرفها بأهنا "حكم أكثري ال كيل ينطبق‬
‫وتنطبق عليها"‪ .‬ومن نظر إليها أهنا قضية أغلبية ّ‬
‫عىل أكثر جزئياته لتعرف أحكامها منه"‪ .‬وقد أقشار إىل هذا املعنى القرايف بقوله‪" :‬من‬
‫املعلوم أن أكثر قواعد الفقه أغلبية"‪ .‬وهذا القول مبني عىل وجود مسائل مستثناة من‬
‫تلك القواعد ختالف أحكام حكم القاعدة مثال ذلك‪ :‬جواز السلم واإلجارة يف بيع‬
‫املعدوم الذي فيه عدم اجلواز‪ ،‬وطهارة احلياض واآلبار يف الفلوات مع ما تلقيه الرياح من‬
‫البعر والروث وغريه‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬مصادر القواعد الفقهية‪:‬‬
‫مصادر القواعد الفقهية هي تلك املصادر التي استمدت منها القواعد الفقهية‪ ،‬وهي‬
‫الكتاب والسنة واإلمجاع‪ ،‬وتفصيل ذلك كام ييل‪:‬‬
‫أوال‪ :‬القواعد الفقهية التي مصدرها الكتاب‪:‬‬
‫أي التي استمدت من نصوص الكتاب‪ .‬ونذكر منها ما ييل‪:‬‬
‫ف‬‫الر َبا َف َم ْن َجا َء ُه َم ْو ِع َظ ٌة ِم ْن َر ِّب ِه َفا ْنت ََهى َف َل ُه َما َس َل َ‬
‫‪ -1‬قال تعاىل‪َ ﴿:‬و َأ َح َّل اهللَُّ ا ْل َب ْي َع َو َح َّر َم ِّ‬
‫ون﴾ [البقرة‪ ]275 :‬فهذه اآلية‬ ‫َّار ُه ْم فِ َيها َخالِدُ َ‬ ‫اب الن ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َأ ْم ُر ُه إِ َىل اهللَِّ َو َم ْن َعا َد َف ُأو َلئ َك َأ ْص َح ُ‬
‫أحل منها وما حرم عدا ما استثنى‪.‬‬ ‫قد مجعت وجازة لفظها أنواع البيوع ما ّ‬
‫ُون ِ َجت َار ًة َع ْن‬
‫‪ -2‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬يا َأ ُّ َهيا ا َّل ِذي َن آ َمنُوا َال ت َْأ ُك ُلوا َأ ْم َوا َلك ُْم َب ْينَك ُْم بِا ْل َباطِ ِل إِ َّال َأ ْن َتك َ‬
‫َان بِك ُْم َر ِح ًيام﴾ [النساء‪ .]29‬هذه القاعدة قشاملة‬ ‫اض ِمنْك ُْم َو َال َت ْق ُت ُلوا َأ ْن ُف َسك ُْم إِ َّن اهللََّ ك َ‬
‫ت ََر ٍ‬

‫لتحريم كل تعامل وترصف يؤدي إىل أكل أموال الناس بالباطل من غري وجه مرشوع حيله‬
‫اهلل تعاىل ورسوله عليه السالم ‪-‬كالرسقة والغصب‪ -‬وكل عقد باطل يعترب نوعا من أكل‬
‫أموال الناس بالباطل‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ -3‬قال تعاىل‪﴿ :‬يا َأهيا ا َّل ِذين آمنُوا َأو ُفوا بِا ْلع ُق ِ‬
‫ود﴾[املائدة‪ .]1:‬فاألمر يف هذه اآلية يقتيض‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُّ َ‬
‫الوفاء بكل عقد مرشوع‪ ،‬واحرتام كل ما يلتزم به اإلنسان مع الناس‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬القواعد الفقهية التي استمدت من نصوص السنة نذكر منها ما ييل‪:‬‬
‫ضاره اهلل‪،‬‬
‫ضار ّ‬
‫‪ -1‬عن أيب سعيد اخلدري أن رسول اهلل ﷺ قال‪( :‬ال رضر وال رضار‪ ،‬ومن ّ‬
‫قشاق ّ‬
‫قشاق اهلل عليه)‪ ،‬هذا النص من أهم القواعد وأقشملها فروعا‪ ،‬وهي أساس منع‬ ‫ومن ّ‬
‫الفعل الضار‪ ،‬وميزان القايض يف تقرير القضايا واحلكم عليها بالعدل واإلنصاف‪.‬‬
‫‪ -2‬قال عليه السالم‪( :‬املسلمون عند رشوطهم)‪ ،‬فظاهر احلديث يدل عىل وجوب احرتام كل‬
‫ما يرتضيه املتعاقدين من الرشوط‪ ،‬إال الرشوط التي حتل احلرام وحترم احلالل‪.‬‬
‫‪ -3‬سئل النبي عليه السالم عن حكم أنواع من األرشبة فقال‪( :‬كل مسكر حرام)‪ ،‬فدل هذا‬
‫عىل حتريم كل مسكر من عنب أو غريه مائع أو جامد‪ ،‬نبايت أو حيواين أو مصنوع‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬القواعد الفقهية التي مصدرها النصوص الترشيعية املعللة‪:‬‬
‫وهي القواعد الفقهية التي استنبطها الفقهاء واملجتهدون من معقول نصوص الكتاب‬
‫والسنة نذكر منها عىل سبيل املثال ال احلرص‪ :‬القاعدة الفقهية "األمور بمقاصدها"‪ .‬فاألصل فيها‬
‫قوله عليه السالم‪( :‬إنام األعامل بالنيات‪ ،‬وإنام لكل امرئ نوى‪ ...‬احلديث)‪ .‬فالذي توخاه‬
‫الفقهاء من وضع هذه القاعدة يف ضوء هذا احلديث هو بيان أن ترصفات اإلنسان وأعامله ختتلف‬
‫أحكامها ونتائجها باختالف مقصود اإلنسان من تلك الترصفات واألعامل‪ ،‬وبذلك جتد أن‬
‫اج ْر ِيف‬ ‫القاعدة متثل املعاين التي تضمنها احلديث‪ ،‬ويشهد هلذه القاعدة قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وم ْن هي ِ‬
‫َ َُ‬
‫اج ًرا إِ َىل اهللَِّ َو َر ُسول ِ ِه ُث َّم ُيدْ ِر ْك ُه‬
‫ض مرا َغام كَثِريا َوس َع ًة َوم ْن َخيْر ْج ِم ْن َب ْيتِ ِه م َه ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً َ‬ ‫يل اهللَِّ َجيِدْ ِيف ْاألَ ْر ِ ُ َ ً‬ ‫َسبِ ِ‬
‫ورا َر ِح ًيام﴾ [النساء ‪.]111‬‬ ‫ا َْمل ْو ُت َف َقدْ َو َق َع َأ ْج ُر ُه َع َىل اهللَِّ َوك َ‬
‫َان اهللَُّ َغ ُف ً‬

‫‪74‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫املبحث الثاني‬

‫األدلة التي نهضت بتأصيل نظرية الظروف الطارئة‬

‫املطلب األول‪ :‬مفهوم نظرية الظروف الطارئة‪:‬‬


‫الظرف الطارئ هو‪ :‬كل حادث عام الحق عىل تكوين العقد‪ ،‬وغري متوقع احلصول عىل‬
‫العقد ينجم عنه اختالل ّبني يف املنافع املتولدة عن عقد يرتاخى تنفيذه إىل أجل أو آجال‪ ،‬ويصبح‬
‫تنفيذ املدين اللتزامه كام أوجبه العقد يرهقه إرهاقا قشديدا ويتهدده بخسارة فادحة خترج عن احلد‬
‫املألوف يف خسائر التجار‪ ،‬وذلك كخروج سلعة تعهد املدين بتوريدها وارتفع سعرها ارتفاعا‬
‫فاحشا غري مألوف وال متوقع‪.‬‬
‫وعليه تعرف نظرية الظروف الطارئة بأهنا " جمموعة القواعد واألحكام التي تعالج اآلثار‬
‫تم بناء العقد يف ظلها"‪ ،‬إذا فإن‬
‫الضارة الالحقة بأحد العاقدين الناجتة عن تغري الظروف التي ّ‬
‫الوصف الرشعي لنظرية الظروف الطارئة " أهنا صورة من صور تعديل التزام العقد‪ ،‬أو فسخه‬
‫عىل خالف فيه بني القانونيني أو انفساخه بحكم الرشع" ‪ ،‬وعليه فإن مبنى نظرية الظروف‬
‫الطارئة يقوم عىل تعديل العقد أو فسخه انفساخه تلقائيا بحكم الرشع لظرف طارئ غري قاهر مل‬
‫يكن متوقعا عند إنشاء العقد‪ ،‬لكون العقد يكون مرتاخي التنفيذ وال يقع دفعة واحدة‪ ،‬فيطرأ‬
‫ظرف يؤدي إيل جريان العقد عىل نحو مرهق ألحد العاقدين عىل حساب اآلخر‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬األدلة الرشعية التي هنضت بتأصيل نظرية الظروف الطارئة‪:‬‬
‫هنضت بتأصيل نظرية الظروف الطارئة عدة أدلة نجملها فيام ييل‪:‬‬
‫احلُكَّا ِم لِت َْأ ُك ُلوا َف ِري ًقا ِم ْن‬
‫أوال‪ :‬قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َال ت َْأ ُك ُلوا َأ ْم َوا َلك ُْم َب ْينَك ُْم بِا ْل َباطِ ِل َوتُدْ ُلوا ِ َهبا إِ َىل ْ‬
‫ون﴾ [البقرة‪.]188 :‬‬ ‫َّاس بِ ْ ِ‬
‫اإل ْث ِم َو َأ ْنت ُْم َت ْع َل ُم َ‬ ‫َأم َو ِ‬
‫ال الن ِ‬ ‫ْ‬
‫وجه الداللة‪ :‬إن ما أتت عليه اجلائحة مثال من الثامر أو الزروع ينبغي أن حيط وخيفض من‬
‫الثمن بقدر التالف حتى يتم إعادة التوازن بني ما يعطى كل من العاقدين وبني ما يأخذ‪ ،‬وإال‬

‫‪75‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫اختل هذا التوازن فأخذ أحدمها أضعاف ما أعطى‪ ،‬أو العكس‪ ،‬وهو رضب من أكل أموال‬
‫الناس بالباطل ودون مقابل‪ ،‬ذلك ألن ما استفيد نتيجة للظروف ال يقوم عىل سبب ثابت يف نظر‬
‫الرشع وهذا هو الباطل الذي ال يقوم عىل سبب رشعي معترب‪ ،‬وكذلك إذا حال العذر الطارئ‬
‫دون متكن أحد طريف العقد من استيفاء املنفعة مع كوهنا قائمة‪ ،‬لذا فالسكوت عن تعديل االلتزام‬
‫أو السكوت عن الفسخ أصبح أمرا مفضيا إىل التظامل واىل أكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬وهذا مما‬
‫هنت عنه الرشيعة‪ ،‬فاآلية حتتوي عىل أصل تكليفي يتمثل باحلرمة وهذا يشمل كل األنشطة التي‬
‫تسفر عن أكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬لذلك فالنبي ﷺ استنكر بقوله‪( :‬أرأيت إن منع اهلل الثمر‬
‫فبم يستحل أحدكم مال أخيه) أن يأكل أحد العاقدين مال اآلخر إذا اجتاحت اجلائحة الثمر‪،‬‬
‫عىل الرغم أن األصل يف العقود اللزوم والوفاء‪.‬‬
‫اإلحس ِ‬ ‫ِ‬
‫ان﴾ [النحل‪.]91:‬‬ ‫ثانيا‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬إِ َّن اهللََّ َي ْأ ُم ُر بِا ْل َعدْ ل َو ْ ِ ْ َ‬
‫وجه الداللة‪ :‬العدل هو املساواة والدقة يف االقتضاء باملعامالت‪ ،‬أما اإلحسان فيتجاوز‬
‫العدل إىل الفضل واملفرسون قالوا‪ :‬العدل هو الواجب‪ ،‬والواجب هو أمر اهلل تعاىل‪ ،‬وقد يقيض‬
‫بتكليف ما ال يطاق‪ ،‬ويف ذلك ظلم وجور ومها مما ال يتصور صدورمها عن اهلل تعاىل‪ ،‬لذلك‬
‫فكان األمر باإلحسان للتخفيف من تفريط العدل أو املبالغة يف تطبيقه‪ ،‬ألجل ذلك يتحول عن‬
‫العدل إىل اإلحسان‪ ،‬فوجوب الوفاء بالعقد عدل‪ ،‬وهو أمر اهلل تعاىل ولكن جاء باإلحسان إذا‬
‫تسبب الوفاء بالعقد يف رضر زائد نجم عن ظرف طارئ مل يكن يف احلسبان‪ ،‬فيتحول عن العدل‬
‫إىل اإلحسان‪ .‬بمعنى يوقف حكم الدليل نفيا للرضر الالزم ال لذاته بل آلثاره ويعمل عىل تعديل‬
‫العقد أو إىل فسخه ختفيفا من آثار تنفيذ العقد‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬القواعد الفقهية العامة‪.‬‬
‫استنبط الفقهاء املسلمون ضمن سعيهم هذا العديد من القواعد الفقهية وعملوا عىل‬
‫تطبيقها ملعاجلة الظروف الطارئة واألرضار النامجة عنها ومن هذه القواعد نذكر ما ييل‪:‬‬
‫‪ .1‬درء املفاسد أوىل من جلب املصالح‪:‬‬
‫‪76‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫تتمثل هذه القاعدة يف دفع املفسدة عند تعارضها مع املنفعة‪ ،‬بمعنى إذا تعارضت منفعة‬
‫دائن يف إلزام املدين بتنفيذ التزامه مع مفسدة الرضر الذي يصيب املدين إذا نفذ التزامه مع‬
‫حدوث الظرف الطارئ‪ ،‬وجب دفع املفسدة‪ ،‬وبالتايل يدفع الرضر الناقشئ عنها بالفسخ للعذر يف‬
‫ال أو باحلط من الثمن بقدر التلف الذي سببته اجلائحة يف بيع الثامر‪ ،‬وهذه القاعدة‬ ‫عقد اإلجيار مث ً‬
‫اختِالَفِ ِه ْم َع َىل‬ ‫َان َقب َلكُم بِس َؤ ِ‬
‫اهل ْم َو ْ‬ ‫وين َما ت ََر ْك ُتك ُْم إِن ََّام َه َل َك َم ْن ك َ ْ ْ ُ‬ ‫ترتجم قول النبي ﷺ ‪َ ( :‬د ُع ِ‬
‫ِ‬ ‫َأنْبِي ِائ ِهم َفإِ َذا هني ُتكُم َعن َيش ٍء َف ِ‬
‫اس َت َط ْع ُت ْم)‪ ،‬فالنبي ﷺ ق ّيد‬ ‫اجتَن ُبو ُه‪َ ،‬وإِ َذا َأ َم ْر ُتك ُْم بِ َأ ْم ٍر َف ْأتُوا منْ ُه َما ْ‬
‫ْ‬ ‫َ َْ ْ ْ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫الطاعة باالستطاعة‪ ،‬وباملقابل جعل النهي مطلقا‪ ،‬ويف هذا ما يدل عىل حرج املفاسد ووجوب‬
‫التصدي هلا وتقديمها عىل جلب املنافع أو املصالح‪ ،‬ألن الواجبات تتأثر بالرخص من باب رفع‬
‫احلرج‪ ،‬أما املفاسد فال تتطرق إليها الرخص‪ ،‬وعليه إذا تعارضت مفسدة ومصلحة قدّ م درء‬
‫املفسدة‪ ،‬الناجتة عن الظرف الطارئ الذي مل يكن باحلسبان‪.‬‬
‫‪ .2‬الرضر يزال‪:‬‬
‫هي قاعدة متفرعة عن قول النبي ﷺ‪( :‬ال رضر وال رضار)‪ .‬واملعنى أن الرضر غري املستحق‬
‫جتب إزالته إذا وقع أيا كان منشؤه‪ ،‬ألنه ظلم‪ ،‬وال ريب أنه إذا كانت إزالته واجبة رشعا إذا وقع‬
‫فان دفعه قبل وقوعه واجب من باب أوىل‪ ،‬إذ من املقررات الرشعية أن الرضر يدفع بقدر‬
‫اإلمكان‪ ،‬ألن يف ذلك حكمة بالغة‪ ،‬فالوقاية خري من قنطار عالج‪.‬‬
‫‪ .3‬احلاجة تنزل منزلة الرضورة عامة كانت أم خاصة‪:‬‬
‫إذا كانت مواقع الرضورة مستثناة من قواعد الرشع‪ ،‬دفعا هلا فاحلاجة كذلك تيسريا عىل‬
‫الناس‪ ،‬ورفعا للعرس والضيق غري املألوف عنهم‪ ،‬واملدين بااللتزام املرهق نتيجة لعذر طارئ‬
‫واقع يف احلاجة التي تقرب من الرضورة‪ ،‬فيجب رفع الضيق غنه ولو استثناء من قواعد الرشع‪.‬‬
‫‪ .4‬أدلة من السنة هنضت بتأصيل النظرية‪:‬‬
‫‪ -1‬قوله ﷺ ‪( :‬لو بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فال حيل لك أن تأخذ منه قشيئا بم‬
‫تأخذ مال أخيك بغري حق)‪ .‬وجه االستدالل‪ :‬قال القرطبي‪ :‬هذا دليل واضح عىل‬
‫‪77‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫وجوب إسقاط ما أجيج من الثمرة عن املشرتى وال يلتفت إىل قول من قال‪ :‬إن ذلك مل‬
‫يثبت مرفو ًعا إىل النبي ﷺ وإنام ثبت من قول أنس؛ ألن ذلك ليس بصحيح؛ بل‬
‫الصحيح‪َ :‬ر ْف ُع ذلك من حديث جابر وأنس‪ .‬واعتضد ذلك بأمره ﷺ بوضع اجلوائح‪.‬‬
‫‪ -2‬وعن جابر أن النبي ﷺ "أمر بوضع اجلوائح"‪ .‬وجه االستدالل‪ :‬من القواعد الفقهية أن‬
‫األمر يفيد الوجوب ما مل ترصفه قرينة‪ ،‬بل عىل العكس األمر هنا أن هناك روايات تبني أن‬
‫عدم وضع اجلوائح ال حيل‪ ،‬وهو أكل ألموال الناس بالباطل وبدون وجه‪ ،‬فعن أبى سعيد‬
‫ريض اهلل عنه قال‪" :‬أصيب رجل يف عهد رسول اهلل ﷺ يف ثامر ابتاعها فكثر دينه فقال‬
‫رسول اهلل ﷺ تصدقوا عليه فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال رسول اهلل‬
‫ﷺ لغرمائه خذوا ما وجدتم وليس لكم إال ذلك"‪ .‬فقوله ﷺ يف آخر احلديث ليس لكم‬
‫إال ذلك يدل عىل أنه لو كانت اجلوائح ال توضع لكان هلم طلب بقية الدين‪.‬‬
‫‪ -3‬عائشة ريض اهلل عنها‪ :‬سمع النبي ﷺ صوت خصوم بالباب‪ ،‬عالية أصواهتم‪ ،‬وإذا‬
‫أحدمها يستوضع اآلخر‪ ،‬ويسرتفقه يف يشء‪ ،‬وهو يقول‪ :‬واهلل ال أفعل‪ ،‬فخرج عليهام‬
‫رسول اهلل ﷺ فقال‪ :‬أين املتأيل عىل اهلل‪ ،‬ال يفعل املعروف فقال‪ :‬أنا‪ ،‬يا رسول اهلل‪ ،‬وله أي‬
‫ذلك أحب‪ .‬ووجوه االستدالل‪ :‬أن احلديث فيه احلض عىل الرفق بالغريم واإلحسان إليه‬
‫والوضع عنه‪ .‬قال املهلب‪ :‬وىف حديث عائشة النهي عن التأيل عىل اهلل؛ ألن فيه معنى‬
‫االستبداد بنفسه‪ ،‬والقدرة عىل إرادته‪ ،‬فكأنه ملا حتم بأال يفعل‪ ،‬ففهم من إنكار النبي ﷺ‬
‫التحريم لذلك رجع عن تأليه ويمينه‪ ،‬وقال‪( :‬له أي ذلك أحب) أي من الوضع عنه أو‬
‫الرفق به‪.‬‬
‫خالصة األمر‪ :‬إن هذه األحاديث تنهض بمجموع لتفيد احلط من الثمن أو الفسخ‪ ،‬وقد أكد هذا‬
‫اإلمام القرطبي بقوله "ويف هذه األحاديث دليل واضح عىل وجوب إسقاط ما اجتيح من الثمرة‬
‫عن املشرتي" ‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬ضوابط تطبيق نظرية الظروف الطارئة‪:‬‬


‫لنظرية الظروف الطارئة رشوط يلزم توافرها لتطبيقها حتى يكون النظر فيها معتربا‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬وجود عقد يرتاخى تنفيذه عن وقت إبرامه سواء أكان من العقود املستمرة التنفيذ كام عقد‬
‫اإلجارة أو كعقود بيع الثامر القائم عىل الشجر وبعد بدو صالحه‪ ،‬أو كان عقد بيع فوري‬
‫التنفيذ فيام عدا الزروع والثامر إذا كان الثمن كله مؤجل التنفيذ أو كان مقسطا‪ ،‬وعىل هذا‬
‫فال بد من وجود عقد تراخى وقت تنفيذه عن وقت إبرامه ليتصور طروء العذر أو‬
‫احلادث بعد اإلبرام وقبل التنفيذ أو أثناءه مما جيعل تنفيذ االلتزام التعاقدي ضارا رضرا‬
‫زائدا نتيجة للظرف الطارئ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون احلادث الطارئ ليس يف الوسع توقعه وال دفعه والتحرز منه‪ ،‬كحدوث‬
‫فيضانات‪ ،‬أو تغري قيمة النقود‪ ،‬أو انتشار وباء‪ ،‬أو حدوث حروب‪ ..‬الخ من احلوادث‬
‫التي ال يمكن دفعها وال التحرز منها‬
‫‪ -3‬أن يكون الظرف الطارئ خارجا عن إرادة املتعاقدين‪ ،‬وعليه فإذا كان طوع إرادهتم فال‬
‫يعد من الرضر املسوغ إلعادة النظر يف االلتزام‪ ،‬لذلك فيشرتط أن ال يكون حدوثه بسبب‬
‫أي من املتعاقدين وأن ال يكون مسئوال عن آثاره وحده‪ ،‬وال ينتفع بأحكام هذه النظرية‪،‬‬
‫‪ -4‬أن حيدث رضر زائد أو فاحش غري معتاد نتيجة هلذا الظرف أو العذر الطارئ‪ ،‬ال نتيجة‬
‫االلتزام نفسه‪ ،‬ومالزم حدوثه لتنفيذ موجب العقد‪ ،‬بحيث ال يمكن انفكاكه يف األعم‬
‫األغلب‪ ،‬ويستوي أن يكون الرضر ماديا اقتصاديا خيل بالتوازن بني االلتزامات الناقشئة‬
‫عن العقد‪ ،‬أو أن يكون معنويا يمس االعتبار اإلنساين‪ ،‬أو رشعيا يمنع الشارع نفسه من‬
‫تنفيذ العقد لطروء هذا احلادث أو املانع الرشعي‬
‫خالصة الرشوط‪ :‬أن تطبيق نظرية الظروف الطارئة يكون عىل العقود التي يفصل‬
‫بني إبرامها وبني تنفيذها فرتة من الزمن يطرأ خالهلا حادث استثنائي غري متوقع وال‬
‫يمكن دفعه أو التحرز منه‪ ،‬وخارجا عن إرادة املتعاقدين‪ ،‬يؤدي إىل جعل تنفيذ االلتزام‬
‫‪79‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫مرهق ًا للمدين ولكن ال جيوز إعامل أحكام نظرية الظروف الطارئة إذا كان تراخي تنفيذ‬
‫االلتزام إىل ما بعد وقوع الظرف الطارئ راجع ًا إىل خطأ املدين‪.‬‬

‫املبحث الثالث‬

‫تطبيقات نظرية الظروف الطارئة وآثارها االقتصادية‬


‫املعامالت املالية هي عصب حياة الناس‪ ،‬وحمط كثري من احتياجاهتم وهي كثرية احلدوث‬
‫رسيعة التطور ختتلف باختالف األحوال والعادات‪ ،‬وتتجدد بحسب املطالب واحلاجات وقد‬
‫راعى الشارع فيها ذلك فجعل األصل فيها احلل‪ ،‬وأوجب منها ما ال بد منه‪ ،‬وحرم ما فيه فساد‬
‫ظاهر أو باطن‪ ،‬وحينام توجد حاجة ملحة أو رضورة ملحة ملعاملة من املعامالت ويرتتب عىل‬
‫ٍ‬
‫حينئذ يرخص يف الفعل أو الرتك إبقا ًء للترشيع العام‬ ‫االمتناع عنها رضر أكرب من نفعها فالشارع‬
‫حمافظ ًا به عىل املصلحة العامة‪ ،‬وضامن ًا ملصلحة الفرد‪ ،‬دون انفالت واملهم يف كل هذا هو املحافظة‬
‫عىل مقاصد الرشع‪ .‬وعليه سنتناول يف هذا املبحث أهم التطبيقات لنظرية الظروف الطارئة‪ ،‬ومن‬
‫ثم نبني أهم اآلثار االقتصادية للنظرية‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تغيري قيمة النقود يف العقود اآلجلة‪:‬‬
‫عالج الفقهاء ما يطرأ عىل العقود اآلجلة املعقودة بالنقود‪ ،‬فوضعوا له أحكام ًا خاصة يف حال‬
‫تغريت قيمة النقود‪ ،‬ومن هذه األحكام إعامل نظرية الظروف الطارئة يف العقود اآلجلة موقوفة‬
‫التنفيذ لتغري قيمة النقود لظروف طارئة أدت إىل ذلك التغري‪ ،‬وتفصيل ذلك عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫مفهوم تغيري قيمة النقود‪:‬‬
‫يقصد بتغري قيمة النقود ما يطرأ عليها من كساد أو انقطاع أو فقدان أو رخص أو غالء ال‬
‫سيام مع ظهور الفلوس والقروش والنقود الورقية‪ .‬وعليه‪ :‬فتغري قيمة النقود هي ُأس‬
‫االختالالت العقدية‪ ،‬بمعنى أن مجيع االختالالت العقدية مرتبطة بتغري قيمة النقود وجود ًا‬
‫وعدم ًا‪ ،‬فإن تغري قيمة النقود بجميع حاالته وصوره يؤدي إىل اختالل التوازن التعاقدي يف‬

‫‪81‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫العقود املرتاخية التنفيذ‪ ،‬وهي العقود اآلجلة‪ ،‬لذا كيف يمكن معاجلة اختالل التوازن التعاقدي‬
‫يف العقود اآلجلة إذا ما تغريت قيمة النقود؟ يمكن معاجلة اختالل التوازن التعاقد ‪-‬بسبب‬
‫الظروف الطارئة‪ -‬يف العقود املرتاخية التنفيذ من خالل إعامل نظرية الظروف الطارئة‪ ،‬وبيان‬
‫ذلك كام ييل‪:‬‬
‫ب ّينا فيام سبق الرشوط التي جيب توافرها لتطبيق النظرية‪ ،‬وعليه‪ :‬فإذا حدث تغري يف قيمة‬
‫النقود ينظر إىل طبيعة التغري‪ ،‬وإىل أسبابه‪ ،‬واىل آثاره‪ ،‬فإذا كانت الرشوط متحققة يف تغري قيمة‬
‫النقود من حيث الرخص أو الغالء الفاحش‪ ،‬أو الكساد‪ ،‬أو االنقطاع‪ ،‬أو إبطال السلطان العمل‬
‫هبا‪ ،‬ننظر إىل السبب فإذا كان ظرف ًا طارئ ًا غري متوقع‪ ،‬ننظر إىل آثاره‪ ،‬هل أدى إىل إحلاق الرضر‬
‫بأحد طريف التعاقد عىل نحو يؤدي إىل إرهاقه يف التزاماته‪ ،‬إذا حتقق ذلك كله نلجأ إىل إعامل‬
‫نظرية الظروف الطارئة إلعادة التوازن التعاقدي وذلك رفع ًا للظلم وحتقيق ًا للعدالة من خالل‬
‫توزيع العبء الطارئ بني املتعاقدين‪ ،‬وتوضيح ذلك ببيان بعض التطبيقات للنظرية عىل بعض‬
‫عقود املعاوضات التي تكون مرتاخية التنفيذ‪ ،‬وذلك عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬العقود اآلجلة‪ :‬العقد اآلجل عبارة عن اتفاقية بني قشخصني لتسليم أصل معني يف‬
‫وقت الحق مستقب ً‬
‫ال وبسعر حمدد يسمى سعر التنفيذ‪ ،‬ويتحدد يف العقود عادة مواصفات‬
‫األصل‪ ،‬كدرجة اجلودة أو التصنيف‪ ،‬والكمية وطريقة التسليم‪ ،‬ومكان التسليم والسعر وطريقة‬
‫السداد‪ ،‬حيث يتم التفاوض عىل مجيع هذه األمور بني البائع واملشرتي‪ .‬وعليه فيقصد بالعقود‬
‫اآلجلة‪ :‬عقود املعاوضات املرتاخي تنفيذها ألجل عن وقت إبرامه سوا ًء أكان من العقود‬
‫املستمرة التنفيذ‪ ،‬كام يف عقد اإلجارة‪ ،‬أو كعقود بيع الثامر القائم عىل الشجر وبعد بدو صالحه‪،‬‬
‫أو كان عقد بيع فوري التنفيذ فيام عدا الزروع والثامر‪ ،‬إذا كان الثمن كله مؤجل التنفيذ أو كان‬
‫مقسط ًا " كبيع التقسيط‪ ،‬والتوريد‪ ،‬واملقاولة‪ ،‬والسلم‪ ،‬و االستصناع "‪ .‬وليس املقصود هبا‬
‫العقود اآلجلة املتعامل هبا يف األسواق املالية (البورصة) كالبيع عىل املكشوف والبيع عىل‬
‫اهلامش‪ ...‬إلخ‪ ،‬وعليه فإذا حدث ظرف طارئ غري متوقع وقت العقد‪ ،‬جيعل تنفيذ العقود‬
‫‪80‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫اآلجلة حتدث اختالال يف التوازن التعاقدي عىل نحو يلحق إرهاق ًا ب ّين ًا بأحد طريف التعاقد‪ .‬عندها‬
‫ال بد من رد االلتزام إىل احلد املعقول‪ ،‬رفعا للرضر وحتقيقا للعدالة‪ ،‬ويكون ذلك بثالثة طرق‬
‫هي‪:‬‬
‫‪ -1‬وقف تنفيذ العقد حتى يزول احلادث الطارئ إذا كان احلادث وقتي ًا يقدّ ر له الزوال يف‬
‫وقت قصري ‪-‬كام يف عقد املقاولة إذا ما ارتفعت األسعار ارتفاع ًا فاحش ًا‪ -‬ولكن ارتفاع‬
‫يوقشك أن يزول لقرب فتح باب االستيالء مثالً‪ ،‬فيوقف القايض تسليم البناء يف املوعد‬
‫املتفق عليه‪ ،‬حتى يتمكن املقاول من القيام بالتزامه دون إرهاق إذا مل يكن يف وقف التنفيذ‬
‫رضر جسيم يلحق صاحب املبنى‪ ،‬جاء يف قرار جممع الفقه اإلسالمي السابع‪" :‬وحيق‬
‫للقايض أيض ًا أن يمهل امللتزم إذا وجد أن السبب الطارئ قابل للزوال يف وقت قصري وال‬
‫يترضر امللزمني له كثري ًا هبذا"‪.‬‬
‫‪ -2‬زيادة االلتزام املقابل لاللتزام املرهق‪ ،‬وذلك ليقلل خسارة املدين‪ ،‬مثال‪ :‬إذا تعهد تاجر‬
‫بتوريد ألف إردب من الشعري‪ ،‬بسعر ستني قرقش ًا لإلردب‪ ،‬فريتفع السعر إىل أربعة‬
‫جنيهات فريفع القايض السعر الوارد يف العقد‪ ،‬ولكن يالحظ هنا أمران‪ :‬األمر األول‪ :‬أن‬
‫القايض ال يرفع السعر الوارد يف العقد إىل أربعة جنيهات‪ ،‬وإال كان يف ذلك حتميل‬
‫للطرف اآلخر‪ ،‬ليس فقط تبعة االرتفاع الفاحش لألسعار بأكمله‪ ،‬بل أيض ًا تبعة االرتفاع‬
‫املألوف‪ .‬األمر الثاين‪ :‬أن القايض عندما يرفع السعر ال يفرض عىل الطرف اآلخر أن‬
‫يشرتي هبذا السعر‪ ،‬بل خيريه أن يشرتي به أو يفسخ العقد‪.‬‬
‫‪ -3‬إنقاص االلتزام املرهق‪ :‬كام إذا تعهد تاجر بتوريد كميات كبرية من السكر‪ ،‬ملصنع من‬
‫مصانع احللوى بالتسعرية الرسمية‪ ،‬ثم قل املتداول من السكر يف السوق إىل حد كبري‬
‫حلادث طارئ‪ ،‬كحرب منعت استرياد السكر‪ ،‬أو إغالق بعض مصانع السكر‪ ،‬فيصبح‬
‫من العسري عىل التاجر توريد مجيع الكميات املتفق عليها؛ فللقايض يف هذه احلالة أن‬

‫‪82‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫ينقص من هذه الكميات بالقدر الذي يراه كافيا لرد االلتزام املرهق إىل احلد املعقول‬
‫فيصبح ملتزما بتوريد الكميات التي عينها القايض ال أكثر‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬تغري قيمة النقود "الوفاء بالقرض"‪:‬‬


‫القرض‪ :‬هو دفع مال إرفاقا ملن ينتفع به ويرد بدله‪ ،‬ويسمى نفس املبلغ املدفوع عىل‬
‫الوجه املذكور قرضا‪ ،‬والدافع للامل‪ :‬مقرضا‪ ،‬واآلخذ‪ :‬مقرتضا ومستقرضا‪ .‬وعليه إذا ما تغريت‬
‫قيمة النقود ارتفاعا أو انخفاضا‪ ،‬أو كسادا‪ ،‬أو انقطع التعامل هبا‪ ،‬أو أبطل السلطان العمل هبا‪،‬‬
‫وبافرتاض حتقق رشوط النظرية ّ‬
‫فإن إلزام املدين برد القرض سواء بمثله أو بقيمته يلحق الرضر‬
‫بأحد الطرفني عىل نحو يؤدي إرهاقهم دون سبب‪ ،‬لذلك فليس من املطلوب أن يكافأ املحسن‬
‫بالرضر‪ ،‬وليس املطلوب أن حيسن إليه ألن اإلحسان بمثل هذه احلالة يعني اإلرضار باملدين‪،‬‬
‫ومضارة الدائن للمدين بام نشأ له عن العقد من حق غري مرشوع بمقتىض عموم قوله عليه‬
‫السالم‪" :‬ال رضر وال رضار" ويعني هذا أن الرضر غري املستحق جتب إزالته إذا وقع أيا كان‬
‫منشؤه ألنه ظلم‪ ،‬إذن فاملطلوب أال يضار ال الدائن وال املدين‪ ،‬وعليه ال بد من حل يرفع الظلم‬
‫عن الطرفني‪ ،‬وهو توزيع العبء الطارئ بني املتعاقدين يتقاسم كل منهام الرضر الناقشئ عن تغري‬
‫قيمة النقود وهو" الصلح عىل األوسط منها لئال خيتص الرضر من هذا اهلبوط بأحد العاقدين"‪.‬‬
‫وهبذا يتقاسم كل من املقرض واملقرتض الرضر الناقشئ عن تغري قيمة النقود‪ ،‬وهو احلل الذي‬
‫ترتضيه نظرية الظروف الطارئة‪ ،‬حتقيقا للعدالة بني املتعاقدين‪ ،‬ورفعا للظلم يف االلتزامات‬
‫العقدية وإعادة لتوازن االختالل التعاقدي‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬اجلائحة يف الثمر "عقد املساقاة واملزارعة"‪:‬‬


‫اجلائحة‪ :‬هي اآلفة التي هتلك الثامر واألموال وتستأصلها‪ ،‬ومن طبيعة الثامر والبقول قبل‬
‫جنيها‪ ،‬أن تصاب بآفات تقلل من قيمتها أو كميتها‪ ،‬وقد تكون اإلصابة هبا من الشدة بحيث‬
‫تكون اخلسارة الواقعة بسببها كبريا خارجا عن النطاق العادي الذي يدخله املتعاقد يف حسابه‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫وعليه فهل يتحمل املشرتي هذه اخلسارة وحده‪ ،‬أم يرجع هبا عىل البائع‪ ،‬أم يوزع عبء االلتزام‬
‫بني املتعاقدين‪ ،‬من خالل إعامل نظرية الظروف الطارئة‪ ،‬وذلك رفعا للظلم‪ ،‬وحتقيقا للعدالة‪،‬‬
‫وإعادة للتوازن التعاقدي؟ إن السبيل لرفع الظلم عن العامل هو بإعامل نظرية الظروف الطارئة‪،‬‬
‫لكن أن تكون اجلوائح آفات طبيعية " كالربد‪ ،‬واجلراد‪ ،‬والقحط‪ ،‬والنار‪ ،‬والعفن"‪ ،‬وليست من‬
‫صنع اآلدميني‪ ،‬وأن وقت اإلصابة بعد بدو صالحه‪ ،‬وقبل قطفه حلني استطابته‪ ،‬وعليه فإذا‬
‫أصابت اجلائحة الثمر بعد بدو صالحه وبعد ختلف العامل عن قطفه بعد استطابته‪ ،‬فال يعمل‬
‫بالنظرية ألن الضامن عىل العامل لتقصريه برتك النقل يف وقته مع قدرته‪ ،‬وعليه وبافرتاض حتقق‬
‫مجيع رشوط تطبيق النظرية يف اجلائحة‪ ،‬فإذا تلف من الثمر قدر خارج عن العادة وضع من الثمن‬
‫ما يساويه‪ ،‬وإن تلف كل الثمر بطل العقد‪ ،‬ورجع املشرتي عىل البائع بجميع الثمن‪ ،‬وهذا يتوافق‬
‫مع نظرية الظروف الطارئة‪ ،‬وقد أخذ هبذا جممع الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫العذر يف اإلجارة أو الزروع‪:‬‬
‫اإلجارة‪ :‬عقد منفعة مقصودة معلومة‪ ،‬قابلة للبذل واإلباحة بعوض معلوم ‪ ،‬وهي من‬
‫العقود الالزمة التي ال يستقل أحد العاقدين بفسخه‪ ،‬غري أن بقاء العقد عىل اللزوم مبني عىل‬
‫رشط أن ال حيصل منه رضر للعاقدين‪ ،‬وينقسم هذا الرشط إىل نوعني مها‪:‬‬
‫‪ -1‬سالمة املأجور من حدوث عيب فيه خيل باالنتفاع به‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم حصول عذر يمنع من استيفاء املنفعة إال برضر‪.‬‬
‫وعليه فأي رضر حيصل ألحد املتعاقدين من بقاء العقد عىل اللزوم‪ ،‬ويكون ناقشئا من‬
‫سبب خارج عن نطاق االلتزام فهو عذر‪ ،‬والعذر‪ :‬هو العجز عن امليض عىل موجب العقد إال‬
‫بتحمل رضر زائد مل يستحق بالعقد‪ ،‬ناقشئ عن الظرف الطارئ‪ ،‬ويفرتض انه مالزم التنفيذ‪،‬‬
‫االلتزام ال ينفك عنه‪ ،‬فيتعني الفسخ طريقا لدفع الرضر‪ ،‬وعليه فالفسخ ليس لذات العذر‪ ،‬إنام‬
‫ملآله‪ ،‬وهو الرضر غري املستحق يف حد ذاته أيا كان منشؤه‪ ،‬ويؤيد هذا ما قرره الشاطبي بقوله‬
‫"أصل النظر يف مآالت األفعال معترب مقصود رشعا"‪ .‬والعذر قد يكون بجانب املؤجر‪ :‬كأن‬
‫‪84‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫يلحقه دين فادح ال جيد قضاءه إال من ثمن املأجور‪ ،‬وبام أن البيع ال ينفذ إال بإجازة املستأجر‪،‬‬
‫جعل الدين عذرا يف فسخ اإلجارة؛ ألن إبقاء اإلجارة مع حلوق الدين الفادح العاجل إرضار‬
‫باملؤجر؛ ألنه حيبس به وال جيوز اجلرب عىل حتمل رضر غري مستحق بالعقد‪ .‬وقد يكون بجانب‬
‫املستأجر‪ :‬إذا أفلس وخرج من السوق‪ ،‬جعل عذرا يف فسخ اإلجارة‪ ،‬ألنه مل يعد ينتفع باملأجور‪،‬‬
‫وبقاء العقد من غري استيفاء املنفعة رضر مل يلتزمه بالعقد‪ ،‬من كل ما تقدم فإن احلكم بجواز فسخ‬
‫عقد اإلجارة بالعذر الذي يتعذر معه استيفاء املنفعة املقصودة من العقد‪ ،‬سواء كانت املنفعة‬
‫للمؤجر أو للمستأجر‪ ،‬أو يتعذر معه بقاء العقد عىل اللزوم‪ ،‬إال برضر يلحق أحد طريف العقد‪،‬‬
‫يتوافق مع نظرية الظروف الطارئة‪ ،‬حتقيقا للعدالة بني املتعاقدين‪ ،‬ورفعا للظلم يف االلتزامات‬
‫العقدية وإعادة لتوازن االختالل التعاقدي‪.‬‬

‫النتائج والتوصيات‬
‫النتائج‪:‬‬
‫تم يف هذه الورقة‪ ،‬نبني أهم‬
‫بعد محد اهلل تعاىل وقشكره عىل ما م ّن به علينا من كتابة وعرض ما ّ‬
‫النتائج التي وصل الباحث إليها يف هذه الورقة وهي ما ييل‪:‬‬
‫‪ -1‬إن القواعد الفقهية تسهم يف استخراج األحكام الرشعية ملا يستجد من نوازل ومسائل‬
‫طارئة بأيرس الطرق‪ ،‬وأقرهبا‪ ،‬ألن هبا تعرف مقاصد الرشيعة وأرسارها‪ ،‬وعلل األحكام‪.‬‬
‫‪ -2‬إن نظرية الظروف الطارئة املستخلصة من جمموعة من القواعد الفقهية الكربى هلا دور‬
‫كبري يف ختفيف الكثري من اآلثار الضارة التي قد تلحق بطريف العقد نتيجة لتغري الظروف‪.‬‬
‫‪ -3‬نظرية الظروف الطارئة يمكن أن تكون بمثابة ائتامن (أي أداة حتوطية) رشعية‪،‬‬
‫للمستثمرين ختفف من عبء خساراهتم التي قد حتدث بسبب ظروف طارئة‪ .‬كام ويمكن‬
‫أن تسهم يف معاجلة آثار التضخم بالنسبة ألصحاب الدخول املحدودة‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ -4‬يمكن اعتبار نظرية الظروف الطارئة أسلوبا من أساليب حتقيق العدالة بني املتعاقدين‪،‬‬
‫ورفع الظلم يف االلتزامات العقدية‪ ،‬وإعادة لتوازن االختالل التعاقدي‪.‬‬

‫التوصيات‪:‬‬
‫يمكن أن يويص الباحث بام ييل‪:‬‬
‫‪ -1‬عىل كل فقيه وجمتهد ومفتي دراسة القواعد الفقهية وذلك هلا أمهية كربى لكل منهم‪ ،‬ألهنا‬
‫تيرس هلم تتبع جزئيات األحكام واستخراجها من موضوعاهتا املختلفة وحرصها يف‬
‫موضوع واحد وبذلك يتفادى التناقض يف احلكام الرشعية املتشابه‪.‬‬
‫‪ -2‬تطبيق نظرية الظروف الطارئة يف ظل اقتصاد يرتكز عىل كم هائل من االلتزامات اآلجلة‬
‫والتي جيب أن حترتم‪ ،‬وأن حتمى من التغريات الفادحة يف القوة الرشائية للنقود‪.‬‬
‫‪ -3‬أن ينص يف العقود اآلجلة عىل االحتكام إىل نظرية الظروف الطارئة يف حال حدوث‬
‫ظروف طارئة قاهرة ختل بالتزامات طريف التعاقد‪.‬‬

‫قواعد االجتهاد والوالية‬

‫«أدلة األحكام»‬

‫تقسيمها ‪:‬‬
‫‪ .1‬ما يدل عىل رشعيتها ‪ :‬فالكتاب ‪ ،‬والسنة ‪ ،‬واإلمجاع ‪ ،‬والقياس الصحيح ‪ ،‬واالستدالل‬
‫املعترب ‪.‬‬
‫‪ .2‬ما يدل عىل وقوعها مستندة إىل أسباهبا ‪:‬ومنها ما يفيد اليقني‪ ،‬ومنها ما يفيد الظن ‪ ،‬وما‬
‫يفيد الظن رتبة متفاوتة ‪.‬‬
‫‪ -‬الرضب األول ‪ :‬ما يتحقق ‪ ،‬ويعلم أسباب وقوعه كالعلم بطلوع الفجر الذي هو سبب‬
‫لصالة الصبح وتوابعها من األذان واإلقامة والسنة املقدمة عىل الصالة وكالعلم بزوال‬

‫‪86‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫الشمس الذي هو سبب لوجود الظهر وتوابعها ‪ ،‬وكذلك مصري ظل الشمس مثله ‪،‬‬
‫وغروب الشمس ‪ ،‬ومغيب الشفق األمحر وهي أسباب لوجوب العرص واملغرب‬
‫والعشاء وتوابعها ‪ ،‬وكذلك األسباب املرتبات كالقتل والقطع ‪ ،‬وكذلك املسموعات‬
‫كالطالق والعتاق وعقود املعاوضات‬
‫‪ -‬الرضب الثاين ‪:‬‬
‫‪ )1‬منها إقرار املقرين ‪ ،‬ثم قشهادة أربع من املعدلني ‪ ،‬ثم قشهادة رجلني من املؤمنني ‪ ،‬ثم‬
‫قشهادة رجل وامرأتني من الصاحلني ‪ ،‬ثم قشهادة عدل واحد مع اليمني ‪.‬‬
‫‪ )2‬قشهادة أربع نسوة بام خيفى غالبا عىل الرجال املعدلني ‪ ،‬ومنها األيامن الواقعة بعد‬
‫نكول الناكلني ‪.‬‬
‫‪ )3‬أيامن القسامة مع اللوث عىل القائلني ‪،‬‬
‫‪ )4‬أيامن اللعان عىل القاذفني ‪.‬‬
‫‪ )5‬خرب الواحد يف دخول األوقات وتعريف جهات القبلة ‪ ،‬وتعريف ما وقع يف األواين‬
‫من النجاسات ‪.‬‬
‫‪ )6‬تقويم املقومني ‪ ،‬ومسح املاسحني ‪ ،‬وقسمة القاسمني ‪ ،‬وخرص اخلارصني ‪.‬‬
‫‪ )7‬استلحاق املستلحقني ‪ ،‬وقيافة القائفني ‪ ،‬واالنتساب عند عدم القيافة إىل الوالدين ‪.‬‬
‫‪ )8‬زفاف العروس إىل بعلها مع إخبارها بأهنا زوجته أو مع إخبار غريها من النساء ‪.‬‬
‫‪ )9‬داللة األيدي عىل استحقاق املستحقني ‪.‬‬
‫‪ )11‬داللة األيدي والترصف إىل إمالك املالكني‪.‬‬
‫‪ )11‬داللة الدار عىل إسالم اللقيط‪.‬‬
‫‪ )12‬داللة االستطراق عىل اقشرتاك أهل املحلة فيام يستطرقون فيه إذا كان مفسدا من‬
‫أحد طرفيه ‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ )13‬داللة األجنحة وامليازيب والقنى واجلداول والسواقي واألهنار عىل استحقاق ما‬
‫اتصلت بملكه ‪ .‬ومنها استصحاب األصول كمن لزمه طهارة أو صالة أو زكاة أو‬
‫حج أو عمرة أو دين آلدمي ثم قشك يف أداء ركن من أركانه أو رشط من رشائطه فإنه‬
‫يلزمه القيام به ؛ ألن األصل بقاؤه يف عهدته ‪ ،‬ولو قشك هل لزمه يشء من ذلك أو‬
‫لزمه دين يف ذمته ‪ ،‬أو عني يف ذمته ‪ ،‬أو قشك يف عتق أمته أو طالق زوجته ‪ ،‬أو قشك‬
‫يف نذر أو يشء مما ذكرناه فال يلزمه يشء من ذلك ؛ ألن األصل براءة ذمته ‪ ،‬فإن اهلل‬
‫خلق عباده كلهم أبرياء الذمم واألجساد من حقوقه وحقوق العباد إىل أن تتحقق‬
‫أسباب وجوهبا‬
‫قال العز ‪ :‬فهذه أدلة مفيدة لظنون متفاوتة يف قوهتا وضعفها أثبت ضعيفها ملسيس احلاجة‬
‫إليه فاكتفى يف االستفاضة يف السيب إىل اإلبانة إذ ال سبيل إىل معرفته ‪ ،‬ولو ثبتت االستفاضة‬
‫النسد باب إثبات األنساب ‪ ،‬وإنام اكتفى يف األموال ومنافع األموال بالشاهد واليمني ؛ لكثرة‬
‫الترصف بينهام واالرتفاق يف الظعن واإلقامة ‪ ،‬فلو رشط فيهام عدد الشهود لتعذر ذلك يف كثري‬
‫من األحوال ‪ ،‬إذ ال يتيرس العدد يف كل مكان من احلرض أو السفر واكتفى يف النساء املجردات فيام‬
‫ال يطلع عليه الرجال إذ لو مل نكتف هبن لغلب ضياع ذلك احلق وفواته‬
‫وبعد عرفنا أن من األدلة ما يفيد العلم فال يتصور كذب األدلة التي تفيد العلم ‪ ،‬وعىل‬
‫هذا نشأت قاعدة نقض األحكام ‪ ،‬وكذلك نشأت قاعدة ال عربة بالظن البني خطؤه‪.‬‬
‫اما الظنون فهي متفاوتة وليس ظن أوىل من اآلخر وبناء عىل ذلك نشأت قاعدة االجتهاد ال‬
‫ينقض باالجتهاد ‪ ،‬ألن أحد الظنني ليس بأوىل من اآلخر‪.‬‬
‫قال العز ‪ :‬وال يتصور كذب العلم وإخالفه ‪ ،‬والظن يتصور الكذب واإلخالف ‪.‬‬
‫إال أن الصدق والوفاق غالب عليه ‪ ،‬ولذلك اعتربه الرشع واتبعه العقالء يف الترصفات الدنيوية‪،‬‬
‫فإن الصدق الظن املستفاد مع مجيع األدلة املذكورة ‪ ،‬فقد حصل مقصود الرشع من جلب‬
‫املصالح ودرء املفاسد ظاهرا وباطنا ‪ ،‬وإن كذب الظن فقد فاتت املصالح وحتققت املفاسد ومل‬
‫‪88‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫حيصل مقصود الرشع من ذلك ‪ ،‬ويعفى عن كذبه يف حق العاملني به جلهلهم بكذبه ‪ ،‬ولن يكلف‬
‫اهلل نفسا إال وسعها وطاقتها ‪.‬‬

‫الفرق بني أدلة املشروعية وبني أدلة وقوع األحكام ‪.‬‬

‫الفرق السادس عرش بني قاعدة أدلة مرشوعية األحكام وبني قاعدة أدلة وقوع األحكام‬
‫وهو أن أدلة مرشوعية األحكام حمصورة رشعا يف نحو العرشين كل واحد منها يتوقف عىل‬
‫مدرك رشعي يدل عىل أن ذلك الدليل نصبه صاحب الرشع الستنباط األحكام‪ ،‬أما أدلة وقوعها‬
‫فهي غري منحرصة فالزوال مثال دليل مرشوعيته سببا لوجوب الظهر عند قوله تعاىل أقم الصالة‬
‫لدلوك الشمس ودليل وقوع الزوال وحصوله يف العامل اآلالت الدالة عليه ونحو ذلك‪ ،‬مجيع‬
‫األسباب والرشوط واملوانع ال تتوقف عىل نصب من جهة الرشع بل املتوقف سببية السبب‬
‫ورشطية الرشط و مانعية املانع أما وقوع هذه األمور فال يتوقف عىل نصب من جهة صاحب‬
‫الرشع‪.‬‬
‫مثال ‪ :‬بيع املغيب يف األرض كاجلزر وغريه ‪ ،‬فدليل الرشعية أو منعها موقوف عىل‬
‫الشارع ال يعلم إال من جهته‪ ،‬وهو النهي عن الغرر ‪ ،‬وكونه غررا ‪ ،‬ألنه مستور حتت األرض‬
‫يرجع فيه إىل الواقع وال يتوقف عىل الرشع ‪ ،‬فإنه من األمور العادية املعلومة باحلس أو العادة ‪،‬‬
‫ومثل هذا الرشاب مسكر فخو حرام ‪ ،‬فدليل حتريمه بالرشع‪ ،‬ودليل اسكاره احلس‪.‬‬

‫املبحث الثاني‬

‫«قاعدة االجتهاد ال ينقض باالجتهاد»‬


‫االجتهاد هو بذل املجهود يف حتصيل املقصود ال ينقض باالجتهاد الالحق فيصح ما فعله‬
‫باالجتهاد األول وتربأ به ذمته سواء يف العبادات أو يف احلكومات فإذا حكم حاكم بالصحة أو‬
‫املوجب مل ينقض حكمه ‪.‬‬

‫دليل القاعدة‪:‬‬

‫‪89‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫األصل يف ذلك إمجاع الصحابة ريض اهلل عنهم نقله ابن الصباغ و أن أبا بكر حكم يف‬
‫مسائل خالفه عمر فيها و مل ينقض حكمه و حكم عمر يف املشرتكة بعدم املشاركة ثم باملشاركة و‬
‫قال ذلك عىل ما قضينا و هذا عىل ما قضينا و قىض يف اجلد قضايا خمتلفة ‪.‬‬
‫و علته أنه ليس االجتهاد الثاين بأقوى منا ألول فإنه يؤدي إىل أنه ال يستقر حكم و يف‬
‫ذلك مشقة قشديدة فإنه إذا نقض هذا احلكم نقض ذلك النقض و هلم جرا‪.‬‬

‫و من فروع ذلك ‪:‬‬

‫‪ -1‬لو تغري اجتهاده يف القبلة عمل بالثاين و ال قضاء حتى صىل أربع ركعات ألربع جهات‬
‫باالجتهاد فال قضاء ‪.‬‬
‫‪ -2‬لو اجتهد فظن طهارة أحد اإلناءين فاستعمله و ترك اآلخر ثم تغري ظنه ال يعمل بالثاين بل‬
‫يتيمم ‪.‬‬
‫‪ -3‬لو قشهد الفاسق فردت قشهادته فتاب و أعادها مل تقبل ألن قبول قشهادته بعد التوبة يتضمن‬
‫نقض االجتهاد باالجتهاد كذا علله يف التتمة ‪.‬‬
‫‪ -4‬لو أحلقه القائف بأحد املتداعيني ثم رجع و أحلقه باآلخر مل يقبل ‪.‬‬
‫‪ -5‬لو حكم احلاكم بيشء ثم تغري اجتهاده مل ينقض األول وإن كان الثاين أقوى‪ ،‬غري أنه يف‬
‫واقعة جديدة ال حيكم إال بالثاين بخالف ما لو تيقن اخلطأ‬

‫ما يستثىن من القاعدة‬


‫‪ .1‬أن لإلمام احلمى فلو أراد من بعده نقضه فاألصح نعم ألنه للمصلحة وقد تتغري ومنع‬
‫إلمام االستثناء وقال ليس مأخذ التجويز هذا ولكن محى األول كان للمصلحة وهي‬
‫املتبع يف كل عرص‬

‫‪91‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ .2‬لو قسم القاسم بني الرشكاء يف قسمة إجبار ثم قامت بينة بغلطه أو حيفه نقضت مع أن‬
‫القاسم قسم باجتهاده فنقض القسمة بقول مثله واملشهود به جمتهد فيه مشكل استشكله‬
‫صاحب املطلب هلذه القاعدة‬
‫‪ .3‬إذا قوم املقومون ثم اطلع عىل صفة نقص أو زيادة بطل التقويم األول لكن هذا ليس‬
‫بنقض االجتهاد باإلجتهاد بل يشبه نقض االجتهاد بالنص‬

‫أمثلة تطبيقية‬

‫‪ ( .1‬ومن صىل باجتهاد فتيقن اخلطأ قىض يف األظهر فلو تيقنه فيها وجب استئنافها وإن‬
‫تغري اجتهاده عمل بالثاين وال قضاء ) ملا فعله أوال ؛ ألن االجتهاد ال ينقض باالجتهاد‪( ،‬‬
‫حتى لو صىل أربع ركعات ألربع جهات باالجتهاد فال قضاء ) ؛ ألن كل واحدة مؤداة‬
‫باجتهاد ومل يتعني فيها اخلطأ‪.‬‬
‫‪( .2‬وإذا استعمل ما ظنه أراق اآلخر فإن تركه وتغري ظنه مل يعمل بالثاين عىل النص) لئال‬
‫ينقض االجتهاد باالجتهاد ( بل يتيمم بال إعادة يف األصح)‪.‬‬
‫‪ .3‬لو ( أحلقه القائف بأحدمها ثم باآلخر مل ينقل إليه ) ألن االجتهاد ال ينقض باالجتهاد‬
‫‪ .4‬لو ( أفتاه ) مفت ( ثم رجع ) عن فتواه ( قبل العمل ) هبا كف ( عنه ) وجوبا ( وكذا إذا‬
‫نكح امرأة ) أو استمر عىل نكاحها ( بفتواه ثم رجع ) عنها ( لزمه فراقها كام ) يف نظريه (‬
‫يف القبلة ) واحتياطا لإلبضاع ( وإن رجع ) عنها ( بعد العمل ) هبا ( وقد خالف ) ما أفتاه‬
‫به املفتي ( دليال قاطعا نقضه ) أي عمله ( وإال ) أي ‪ ،‬وإن مل خيالف قاطعا بأن كان يف حمل‬
‫االجتهاد ( فال ) ينقضه ؛ ألن االجتهاد ال ينقض باالجتهاد‬
‫‪ .5‬لو قال خصامن لقاض حكم بيننا فالن بكذا فانقضه واحكم بيننا مل جيبهام ) ؛ ألن‬
‫االجتهاد ال ينقض بمثله‬

‫‪90‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫املبحث الثالث‬

‫«حكم احلاكم يرفع اخلالف»‬


‫معناها ‪ :‬أن حكم احلاكم يف املسائل املختلف فيها يرفع اخلالف ‪ ،‬بمعنى يكون نافذا من‬
‫حيث الظاهر والباطن ‪ ،‬وال حيل ألحد من احلكام نقضه ‪ ،‬ألن االجتهاد ال ينقض باالجتهاد‪.‬‬
‫وهذا مرشوط برشوط ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يتقدم احلكم دعوى وجواب صحيحني ‪ ،‬وإال فهو إفتاء جمرد‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون مما ال ينقض فيه حكم احلاكم ‪ ،‬فإن كان مما ينقض فيه قضاء القايض فال يرفع‬
‫اخلالف لوجوب نقضه‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يوافق ظاهر األمر باطنه‪ ،‬وإال فإنه ينفذ يف الظاهر فقط‪.‬‬

‫أمثلته ‪:‬‬

‫‪ ( -1‬تنبيه ) أفتى ابن الصالح بأن حكم احلنفي بصحة الوقف عىل النفس ال يمنع الشافعي‬
‫باطنا من بيعه وسائر الترصفات فيه قال ؛ ألن حكم احلاكم ال يمنع ما يف نفس األمر وإنام‬
‫منع منه يف الظاهر سياسة رشعية ويلحق هبذا ما يف معناه انتهى ‪ ،‬وتبعه عىل ذلك مجع‬
‫ورده آخرون بأنه مفرع عىل الضعيف إن حكم احلاكم يف حمل اختالف املجتهدين ال ينفذ‬
‫باطنا كام رصح به يف تعليله واألصح كام يف الروضة يف مواضع نفوذه باطنا وال معنى له‬
‫إال ترتب اآلثار عليه من حل وحرمة ونحومها وقد رصح األصحاب بأن حكم احلاكم يف‬
‫املسائل اخلالفية يرفع اخلالف ويصري األمر متفقا عليه‪.‬‬

‫املسائل التي يرفع اخلالف باحلكم‪.‬‬


‫منها احلكم بحصول الفرقة يف اللعان بأكثر الكلامت اخلمس و ببطالن خيار املجلس و‬
‫العرايا و منع القصاص يف املثقل و صحة نكاح الشغار و املتعة و أنه ال قصاص بني الرجل و‬
‫املرأة يف األطراف و رد الزوائد مع األصل يف الرد بالعيب و جريان التوارث بني املسلم و الكافر‬

‫‪92‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫و قتل الوالد بالولد و احلر بالعبد و املسلم بالذمي عىل ما صححه يف أصل الروضة يف اجلميع و‬
‫إن كان الصواب يف األخري النقض بمخالفته النص الصحيح الرصيح‬

‫املبحث الرابع‬

‫«حكم احلاكم ينفذ يف الظاهر والباطن»‬


‫احلكم الرشعي من حيث املؤاخذة به ‪:‬‬
‫‪ -1‬ما يؤاخذ به يف الظاهر دون الباطن وهو مسائل التديني يف الطالق‪.‬‬
‫‪ -2‬ما يؤاخذ به يف الباطن دون الظاهر كام لو باع املال الزكوي فرارا من الزكاة يسقط عنه يف‬
‫الظاهر وهو مطالب فيام بينه وبني اهلل تعاىل وكذلك إذا طلق املريض زوجته فرارا من‬
‫اإلرث وكذا لو أقر لوارثه حلرمان الباقي‬
‫‪ -3‬ما يؤاخذ به يف الظاهر والباطن وهو كثري‬

‫املبحث اخلامس‬

‫«أمر ويل األمر»‬


‫قاعدة ‪ :‬فيمن جتب طاعته ومن جتوز طاعته ومن ال جتوز طاعته ‪ ،‬ال طاعة ألحد‬
‫املخلوقني إال ملن أذن اهلل يف طاعته كالرسل والعلامء واألئمة والقضاة والوالة واآلباء واألمهات‬
‫والسادات واألزواج واملستأجرين يف اإلجارات عىل األعامل والصناعات‪ ،‬وال طاعة ألحد يف‬
‫معصية اهلل عز وجل ملا فيه من املفسدة املوبقة يف الدارين أو يف أحدمها‪ ،‬فمن أمر بمعصية فال‬
‫سمع وال طاعة له‪ ،‬إال أن يكره إنسانا عىل أمر يبيحه اإلكراه فال إثم عىل مطيعه‪ ،‬وقد جتب‬
‫طاعته ال لكونه آمرا بل لدفع مفسدة ما هيدده به من قتل أو قطع أو جناية عىل بضع‪ ،‬ولو أمر‬
‫اإلمام أو احلاكم إنسانا بام يعتقد اآلمر حله واملأمور حتريمه فهل له فعله نظرا إىل رأي اآلمر أو‬
‫يمتنع نظرا إىل رأي املأمور‪ ،‬فيه خالف‪ ،‬وهذا خمتص فيام ال ينقض حكم اآلمر به‪ ،‬فإن كان مما‬

‫‪93‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫ينقض حكمه به فال سمع وال طاعة‪ ،‬وكذلك ال طاعة جلهلة امللوك واألمراء إال فيام يعلم املأمور‬
‫أنه مأذون يف الرشع‪.‬‬

‫أمثلة تطبيقية‬

‫‪ -1‬جيب امتثال أمر اإلمام فيام لو أمر بصيام قبل اخلروج لصالة االستسقاء ‪ ،‬ألنه أمر‬
‫بمندوب مصلحة عامة ‪ .‬قوله يف املنهاج ‪ :‬ويأمرهم اإلمام بصيام ثالثة أيام أوال‬

‫املبحث السادي‬
‫«ترصف احلاكم هل هو حكم أم ال ؟»‬
‫الترصفات الصادرة من احلكام كام إذا عقد نكاحا أو بيعا خمتلفا فيه هل يستلزم صدوره منه‬
‫احلكم بصحته حتى ال جيوز لغريه نقضه كام لو عقده غريه؟ األصح أن ترصف احلاكم ليس‬
‫بحكم إال إن كان يف قضية رفعت إليه وطلب منه فصلها ‪ ،‬وقيل إن ترصف احلاكم حكم مطلقا‬
‫‪.‬والصحيح أنه ليس بحكم ألنه لو كان حكام الستدعى تقدم دعوى يف ذلك ألن احلكم يستدعي‬
‫ذلك وهو مفقود هنا وألن احلكم يستدعي حمكوما له وعليه وبه وذلك مفقود هنا‪.‬‬

‫مثال تطبيقي‬

‫(ومن أرس أو فقد وانقطع خربه ترك ماله حتى تقوم بينة بموته أو متيض مدة يغلب عىل‬
‫الظن أنه ال يعيش فوقها فيجتهد القايض وحيكم بموته ثم يعطي ماله من يرث وقت احلكم )‪،‬‬
‫وال تتضمن قسمة احلاكم احلكم بموته إال إن وقعت بعد رفع إليه ؛ ألن األصح أن ترصف‬
‫احلاكم ليس بحكم إال إذا كان يف قضية رفعت إليه وطلب منه فصلها‪.‬‬

‫املبحث السادس‬
‫«نقض قضاء القايض»‬
‫دليل القاعدة ‪:‬‬
‫هو اإلمجاع يف خمالفة اإلمجاع ‪ ،‬وقياس عليه يف البقية ‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫االختالف يف النقض‪.‬‬
‫قد خيتلف الفقهاء يف النقض يف بعض املسائل ‪ ،‬الختالفهم هل خالفت قشيئا مما ذكر‬
‫أوال؟ قال الشيخ ابن حجر ذاكرا بعض أمثلته ‪ :‬وذكر األئمة لبعض ذلك أمثلة كنفي خيار‬
‫املجلس والعرايا‪ ،‬والقود يف املثقل‪ ،‬وكقتل مسلم بذمي‪ ،‬وصحة بيع أم الولد ‪ ،‬ونكاح الشغار‪،‬‬
‫واملتعة‪ ،‬وزوجة املفقود بعد أربعة سنني ‪ ،‬والعدة‪ ،‬وكتحريم الرضاع بعد حولني‪ ،‬واختلفوا يف‬
‫نقضها‪ ،‬وأكثرهم عىل النقض‪ ،‬وفيه حترير ليس هذا حمل بسطه‪.‬‬

‫املبحث السابع‬

‫«ال عربة بالظن البني خطؤه»‬


‫من فروعها ‪:‬‬
‫‪ .1‬لو ظن املكلف يف الواجب املوسع ألنه ال يعيش إىل آخر الوقت ‪ :‬تضيق عليه فلو مل يفعله‬
‫ثم عاش و فعله ‪ :‬فأداء عىل الصحيح‬
‫‪ .2‬و لو ظن أنه متطهر فصىل ثم بان حدثه ‪ ،‬أو ظن دخول الوقت فصىل ثم بان أنه مل يدخل ‪،‬‬
‫أو طهارة املاء فتوضأ به ثم بان نجاسته ‪ ،‬أو ظن أن إمامه مسلم أو رجل قارئ فبان كافرا‬
‫أو امرأة أو أميا ‪ ،‬أو بقاء الليل أو غروب الشمس فأكل ثم بان خالفه ‪ ،‬أو دفع الزكاة إىل‬
‫من ظنه من أهلها فبان خالفه ‪ ،‬أو رأوا سوادا فظنوه عدوا فصلوا صالة قشدة اخلوف فبان‬
‫خالفه أو بان أن هناك خندقا ‪ ،‬أو استناب عىل احلج ظانا أنه ال يرجى برؤه فربئ ‪ :‬مل جيز‬
‫يف الصور كلها‬
‫‪ .3‬إذا أنفق عىل البائن احلائل ظانا محلها ثم تبني خالفه فإنه يسرتده وقشبهه الرافعي بام إذا ظن‬
‫أن عليه دينا فأداه ثم بان خالفه وما إذا أنفق عىل ظن إعساره ملدة ثم بان يساره ‪ ،‬ولو رسق‬
‫دنانري ظنها فلوسا قطع وهذا بخالف ما لو رسق ماال يظنه ملكه أو ملك أبيه فال قطع كام‬
‫لو وطىء امرأة يظنها زوجته أو أمته‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫ومن تطبيقات القاعدة ‪:‬‬

‫‪ ( -1‬ولو صلوها ملا ظنوه عدوا أو أكثر فبان خالفه قضوا )‪ ،‬إذ ال عربة بالظن خطؤه‪.‬‬
‫‪( -2‬تسحر ولو بشك يف بقاء ليل فلو أفطر ‪ ،‬أو تسحر بتحر وبان غلطه بطل صومه) إذ ال‬
‫عربة بالظن البني خطؤه‬
‫‪( -3‬لو رسق دنانري ظنها فلوسا ال تساوي ربعا قطع ) ألنه قصد رسقة عينها وهي تساوي‬
‫ربعا ‪ ،‬ولوجود االسم ‪ ،‬وال عربة بالظن البني خطؤه‪.‬‬
‫‪ -4‬قال الزركيش وقشمل إطالقه ما لو خوف آخر بام حيسبه مهلكا أي فبان خالفه ولإلمام فيه‬
‫احتامالن من اخلالف فيام لو صلوا لسواد ظنوه عدوا قال يف البسيط لعل األوجه عدم‬
‫الوقوع ؛ ألنه ساقط االختيار وإن كان ذلك بظن فاسد ‪.‬انتهى ‪ .‬فإن قلت ينافيه قوهلم ال‬
‫عربة بالظن البني خطؤه قلت ال ينافيه ؛ ألن العربة هنا بكونه ملجأ ظاهرا ‪ ،‬وهذا كذلك‬
‫وتلك القاعدة حملها فيام يشرتط له نية ونحوه دون ما نيط األمر فيه بالظاهر كام هنا ‪.‬‬

‫ما يستثىن من القاعدة‬


‫‪ -1‬لو صىل خلف من يظنه متطهرا فبان حدثه تصح صالته‬
‫‪ -2‬لو رأى املتيمم املسافر ركبا فظن أن معهم ماء فإن تيممه يبطل وان مل يكن معهم ماء‬
‫لتوجه الطلب عليه ولو خاطب امراته بالطالق يظن أهنا أجنبية فكانت زوجته نفذ‪،‬‬
‫‪ -3‬ولو وطئ أجنبية حرة يظنها زوجته الرقيقة ‪ ،‬فاألصح اهنا تعتد بقرأين‪ ،‬اعتبارا بظنه أو‬
‫أمة يظنها زوجته احلرة ‪ ،‬فاألصح أهنا تعتد بثالثة أقراء لذلك ‪.‬‬
‫وسبب االستثناء ‪ :‬يف املسألة األوىل هو أنه مما خيفى وال يطلع عليه غالبا ‪ ،‬وسبب االستثناء الثالثة‬
‫ألنه خاطب حمل الوقوع فوقع ما قبله ‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫املبحث الثامن‬

‫«ترصف اإلمام عىل الرعية منوط باملصلحة»‬


‫القاعدة ‪ :‬كل مترصف عن الغري فعليه أن يترصف باملصلحة‪.‬‬
‫يترصف الوالة ونواهبم بام ذكرنا من الترصفات بام هو األصلح للموىل عليه درءا للرضر‬
‫والفساد‪ ،‬وجلبا للنفع والرقشاد‪ ،‬وال يقترص أحدهم عىل الصالح مع القدرة عىل األصلح إال أن‬
‫يؤدي إىل مشقة قشديدة‪ ،‬وال يتخريون يف الترصف حسب ختريهم يف حقوق أنفسهم مثل أن‬
‫يبيعوا درمها بدرهم‪ ،‬أو مكيلة زبيب بمثلها لقول اهلل تعاىل‪َ { :‬وال َت ْق َر ُبوا َم َال ا ْل َيتِي ِم إِ َّال بِا َّلتِي ِه َي‬
‫َأ ْح َس ُن}‪ ،‬وإن كان هذا يف حقوق اليتامى فأوىل أن يثبت يف حقوق عامة املسلمني فيام يترصف فيه‬
‫األئمة من األموال العامة؛ ألن اعتناء الرشع باملصالح العامة أوفر وأكثر من اعتنائه باملصالح‬
‫اخلاصة‪ ،‬وكل ترصف جر فسادا أو دفع صالحا فهو منهي عنه كإضاعة املال بغري فائدة‪،‬‬

‫دليل القاعدة ‪:‬‬

‫هذه القاعدة نص عليها الشافعي و قال منزلة اإلمام من الرعية منزلة الويل من اليتيم قلت‬
‫‪ :‬و أصل ذلك ‪ :‬ما أخرجه سعيد بن منصور يف سننه قال حدثنا أبو األحوص عن أيب إسحاق‬
‫عن الرباء بن عازب قال ‪ :‬قال عمر ريض اهلل عنه ‪ :‬إين أنزلت نفيس من مال اهلل بمنزلة وايل اليتيم‬
‫إن احتجت أخذت منه فإذا أيرست رددته فإن استغنيت استعففت ‪.‬‬

‫و من فروع ذلك ‪:‬‬

‫‪ -1‬إذا قسم الزكاة عىل األصناف حيرم عليه التفضيل مع تساوي احلاجات ‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه ال جيوز ألحد من والة األمور أن ينصب إماما للصلوات فاسقا و إن صححنا الصالة‬
‫خلفه ألهنا مكروهة و ويل األمر مأمور بمراعاة املصلحة و ال مصلحة يف محل الناس عىل‬
‫فعل املكروه ‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫‪ -3‬أنه ليس له العفو عن القصاص جمانا ألنه خالف املصلحة بل إن رأى املصلحة يف‬
‫القصاص اقتص أو يف الدية أخذها ‪.‬‬
‫‪ -4‬أنه ليس له أن يزوج امرأة بغري كفء و إن رضيت ألن حق الكفاءة للمسلمني و هو‬
‫كالنائب عنهم فال يقدر عىل إسقاطه ‪.‬‬
‫‪ -5‬أنه ال جييز وصية من ال وارث له بأكثر من الثلث ز‬
‫‪ -6‬ال جيوز له أن يقدم يف مال بيت املال غري األحوج عىل األحوج ‪.‬‬
‫‪ ( -7‬وال يقطع ) اإلمام ( إال ) قشخصا ( قادرا عىل اإلحياء ‪ ،‬و ) يكون ما يقطعه له ( قدرا‬
‫يقدر عليه) لو أراد إحياءه ؛ ألنه منوط باملصلحة ‪.‬‬

‫املبحث التاسع‬
‫«الوالية اخلاصة أقوى من الوالية العامة»‬
‫ضابطها ‪:‬‬
‫الويل ‪ :‬قد يكون وليا يف املال و النكاح كاألب و اجلد‬
‫و قد يكون يف النكاح فقط كسائر العصبة و كاألب فيمن طرأ سفهها‬
‫و قد يكون يف املال فقط كالويص‬
‫من فروعه ‪:‬‬
‫‪ .1‬ال يترصف القايض مع حضور الويل اخلاص وأهليته‪ ،‬ألن الويل اخلاص أقوى من الويل‬
‫العام ‪.‬‬
‫‪ .2‬و لو أذنت للويل اخلاص أن يزوجها بغري كفء ففعل صح أو للحاكم مل يصح يف األصح‬
‫‪ .3‬للويل اخلاص استيفاء القصاص و العفو عىل الدية و جمانا و ليس لإلمام العفو جمانا‬
‫‪ .4‬لو زوج اإلمام لغيبة الويل و زوجها الويل النائب بآخر يف وقت واحد و ثبت ذلك بالبينة‬
‫قدم الويل إن قلنا ‪ :‬إن تزوجيه بطريق النيابة عن الغائب و إن قلنا ‪ :‬أنه بطريق الوالية فهل‬

‫‪98‬‬
‫نظريات فقهية‬ ‫‪Ashyf Collection‬‬

‫يبطل كام لو زوج الوليان معا أو تقدم والية احلاكم لقوة واليته و عمومها كام لو قال‬
‫الويل‪ :‬كنت زوجتها يف الغيبة فإن نكاح احلكم يقدم كام رصحوا به تردد فيه صاحب‬
‫الكفاية و األصح ‪ :‬أن تزوجيه بالنيابة بدليل عدم االنتقال إىل األبعد فعىل هذا يقدم نكاح‬
‫الويل‪.‬‬
‫واهلل أعلم‬

‫‪99‬‬

You might also like