You are on page 1of 68

‫االستخالف يف ضوء مقاصد التشريع‪:‬‬

‫‪-‬مقارنة فقهية نقدية معاصرة‪-‬‬

‫*‬
‫د‪ .‬عدانن حممود العساف‬

‫*أستاذ مساعد بقسم الفقه وأصوله‪ ،‬كلية الشريعة‪ ،‬اجلامعة األردنية‪ ،‬اململكة األردنية اهلامشية‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫ملخص البحث‪:‬‬

‫تناول هذا البحث دراسة موضوع االستخالف يف الفقه اإلسالمي مبنهج نقدي مقارن بني‬

‫املذاهب الفقهية املختلفة‪ ،‬ينطلق من مقاصد التشريع احلنيف كأساس للتوجيه والنظر‪ ،‬وقد قسم هذا‬

‫البحث إىل مقدمة وخامتة وأربعة مباحث‪.‬‬

‫انقش الباحث يف األول منها مفهوم االستخالف‪ ،‬وعرض يف الااي للمقاصد العامة للتشريع‬

‫احلنيف‪ ،‬وملقاصده اخلاصة ابلوالايت العامة‪ ،‬ودرس يف الاالث احلكم الشرعي لالستخالف يف نظر الفقهاء‬

‫املتقدمني واملعاصرين يف ظل مقاصد التشريع‪ ،‬مث بني يف املبحث الرابع الشروط الواجب توفرها يف أطرافه‬

‫املختلفة‪ ،‬ابإلضافة إىل آاثره على هذه األطراف‪ ،‬وذلك يف ظل مقاصد التشريع احلنيف أيضا‪.‬‬

‫وقد توصل البحث إىل مجلة من النتائج منها‪ :‬أن االستخالف هو ترشيح غري ملمم للعاهد‪ ،‬وال‬

‫للمعهود اليه‪ ،‬إأل اذا صدر بشكل ملمم‪ ،‬لضرورة حقيقية‪ ،‬فإنه يعد ملمما للمعهود إليه بعد قبوله له‪ .‬أما‬

‫ابلنسبة لألمة‪ ،‬فاألصل أن االستخالف غري ملمم هلا‪ ،‬األ يف حالة الضرورة‪ ،‬وذلك حتقيقا ملقاصد التشريع‬

‫احلنيف‪.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬العليم الكرمي‪ ،‬رب العرش العظيم‪ ،‬والصالة والسالم على سيدان حممد خامت‬

‫األنبياء واملرسلني‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن تبعه إبحسان إىل يوم الدين‪.‬‬

‫وبعد‪ ،‬فقد كرس هذا البحث لدراسة موضوع االستخالف‪ ،‬وهو من املواضيع اليت اهتم هبا العلماء‬

‫السابقون واحملدثون اهتماما ابلغا‪ ،‬واولوها عناية كبرية وذلك لكوهنا إحدى طرق تنصيب اخلليفة املسلم‪،‬‬

‫‪112‬‬
‫الذي يتوقف عليه حتقيق احد اهم أسباب خلق البشر‪ ،‬وهو‪ :‬استخالفهم يف األرض‪ .‬فهو الذي يقوم‬

‫إبقامة الدين‪ ،‬وسياسة أمور الدنيا ابلدين‪.‬‬

‫رغم اهتمام العلماء هبذا املوضوع‪ ،‬إأل انه ال يمال حباجة إىل مميد من الدراسة والبحث‪ ،‬لسد‬

‫الاغرات اليت تركتها الدراسات السابقة يف حباها له‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬ومل يقف الباحث على جهد سابق يشمل مجيع جوانب موضوع االستخالف‪ ،‬ويوليها القدر‬

‫الكايف من البحث والتحليل‪ ،‬حبيث حيدد مفهومه بشكل دقيق‪ ،‬ويبحث حكمه بشكل مقارن نقدي‪ ،‬مث‬

‫يدرس الشروط املطلوبة ملشروعيته‪ ،‬ويبني اآلاثر املرتتبة على انعقاده صحيحا‪ .‬فركمت بعضها على حكمه‬

‫فقط‪ ،‬يف حني كرس بعضها اآلخر لدراسة شروطه وآاثره‪ ،‬وهلذا اخذ الباحث على عاتقه القيام هبذا‬

‫البحث‪ ،‬لتغطية هذه األمور بشكل واف‪ ،‬وذلك بسرب آراء وأدلة العلماء بشكل نقدي أتصيلي‪ ،‬وحماولة‬

‫الوصول إىل نتائج دقيقة تساهم يف بلورة فهم هذا املوضوع املهم واستقصاء جوانبه‪ .‬وملا كانت األدلة‬

‫الشرعية املتعلقة هبذا املوضوع ظنية‪ ،‬وليست نصية تدل مبنطوقها مباشرة على حكمه‪ ،‬اخذ الباحث على‬

‫عاتقه دراستها بشكل نقدي مقارن يف ضوء مقاصد التشريع‪ ،‬ابعتبار املقاصد أصوال عامة جيب االلتمام هبا‬

‫يف كل األمور االجتهادية‪.‬‬

‫وتتمال مشكلة هذه الدراسة ابألسئلة التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬ما التكييف الفقهي لالستخالف‪ ،‬عقد‪ ،‬أم وعد‪ ،‬أم ترشيح؟‬

‫‪ .2‬ما مدى توافق فكرة االستخالف مع املقاصد العامة للتشريع ومقاصده اخلاصة يف جمال الوالايت‬

‫العامة؟‬

‫‪113‬‬
‫‪ .3‬ما حكم االستخالف وفقا ملقاصد التشريع والقواعد العامة للتشريع احلنيف؟‬

‫‪ .4‬ما الشروط والضوابط اليت جيب توافرها ليكون االستخالف مشروعا يف ضوء املقاصد واملبادي العامة‬

‫للتشريع؟‬

‫‪ .5‬ما اآلاثر املرتتبة على وقوع االستخالف صحيحا يف ضوء مقاصد التشريع؟‬

‫وقد اتبع الباحث يف معاجلة مشكلة الدراسة مجلة من مناهج البحث العلمي كاملنهج النقلي‪ ،‬والتحليلي‪،‬‬

‫واالستقرائي‪.‬‬

‫وقد قسم هذا البحث إىل مقدمة وأربعة مباحث وخامتة‪ ،‬وقد كرس املبحث األول لدراسة مفهوم‬

‫االستخالف والعهد ابلوالية‪ ،‬بينما تناول املبحث الااي مقاصد التشريع اإلسالمي واثرها يف الوالايت‬

‫العامة‪ ،‬وانصب املبحث الاالث على دراسة آراء علماء املذاهب املختلفة املتقدمني واملتأخرين حلكم‬

‫االستخالف يف ضوء مقاصد التشريع‪ ،‬أما املبحث الرابع فتناول شروط االستخالف وآاثره يف ضوء مقاصد‬

‫التشريع‪.‬‬

‫املبحث األوىل‬

‫مفهوم االستخالف والعهد بالوالية‬

‫يتضمن هذا املبحث دراسة مفهوم االستخالف والعهد لغة واصطالحا‪ ،‬وذلك يف مطلبني كما يلي‪:‬‬

‫‪114‬‬
‫املطلب األوىل‬

‫تعريف االستخالف والعهد لغة‬

‫يتناول هذا املطلب تعريف هذين املصطلحني يف اللغة‪ ،‬بغية التعرف على العالقة بينهما‪ ،‬واليت‬

‫تفيد يف حتديد املع ى االصطالحي لالستخالف‪ ،‬وذلك كاآليت‪:‬‬

‫أولا‪ -‬تعريف الستخالف‪:‬‬

‫‪ .1‬جاء يف لسان العرب‪( :‬واستخلف فالان من فالن‪ ،‬جعله مكانه‪ .‬وخلف فالن فالان اذا كان خليفته‪.‬‬

‫اخلُ ْف ِِن ِيف قَ ْوِمي)‪.1‬‬ ‫ِِ‬


‫وسى ألَخيه َه ُارو َن ْ‬
‫ال ُم َ‬
‫يقال خلفه يف قومه خالفة‪ .‬ويف التنميل العميم‪( :‬وقَ َ‬

‫وخلفته أيضا إذا جئت بعده‪ .‬ويقال‪ :‬خلفت فالان أخلفه ختليفا‪ ،‬واستخلفته أان أي جعلته خليفيت‪.‬‬

‫واستخلفة جعله خليفة)‪.2‬‬

‫‪ .2‬ويف املعجم الوسيط‪( :‬استخلفه‪ ،‬جعله خليفة‪ ..‬اخلالفة‪ :‬اإلمارة واإلمامة )‪.3‬‬

‫‪ .3‬ويف أساس البالغة‪( :‬خلفة‪ :‬جاء بعده خالفة‪ ،‬وخلفه على أهله فأحسن اخلالفة )‪.4‬‬

‫‪ .4‬ويف خمتار الصحاح‪( :‬استخلفه‪ :‬جعله خليفة‪ ،‬وجلس خلفه‪ ،‬أي بعده )‪.5‬‬

‫‪1‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪. 142‬‬


‫‪2‬ابن منظور‪ ،‬حممد‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.33‬‬
‫‪3‬أنيس‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬ورفاقه‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪.251‬‬
‫‪4‬المخمشري‪ ،‬حممود‪ ،‬ص ‪. 173‬‬
‫‪5‬الرازي‪ ،‬حممد‪ ،‬ص ‪.131‬‬

‫‪115‬‬
‫اثني ا‪ -‬تعريف العهد‪:‬‬

‫‪ .1‬عرفه صاحب لسان العرب‪( :‬العهد‪ :‬كل ما عوهد هللا عليه‪ ،‬وكل ما بني العباد من املواثيق‪ ،‬فهو‬

‫عهد‪ ،‬وأمر اليتيم من العهد‪ ،‬وكذلك كل ما امر هللا به من اآلايت وهنى عنه‪ ...‬والعهد‪ :‬الوصية ‪...‬‬

‫والعهد‪ :‬التقدم إىل املرء يف الشيء‪ ،‬والعهد‪ :‬الذي يكتب للوالة‪ ،‬وهو مشتق منه‪ ،‬واجلمع عهود)‪.6‬‬

‫‪ .2‬ويف القاموس احمليط بقوله‪( :‬العهد‪ :‬الوصية والتقدم إىل املرء يف الشيء واملوثق واليمني ‪ ...‬والذي‬

‫يكتب للوالة)‪.7‬‬

‫‪ .3‬ويف أساس البالغة‪( :‬عهد اليه‪ ،‬واستعهد منه اذا وصاة وشرط عليه‪ .‬والرجل العهد‪ :‬احملب للوالايت‬

‫والعهود)‪.8‬‬

‫‪ .4‬ويف خمتار الصحاح‪( :‬العهد‪ :‬األمان واليمني املوثق والذمة واحلفاظ والوصية‪ .‬وعهد إليه من ابب فهم‪،‬‬

‫أي أوصاه‪ ،‬ومنه اشتق العهد الذي يكتب للوالة)‪.9‬‬

‫ومن التعريفات اللغوية السابقة جند أن االستخالف والعهد مبع ى واحد‪ ،‬وهو‪ :‬الوصية‪ ،‬ومتابعة اإلمام‬

‫الالحق للسابق يف نفس املوقع‪.‬‬

‫‪6‬ابن منظور‪ ،‬حممد‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .311‬وابن منظور‪ :‬حممد بن مكرم بن علي‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬اإلمام اللغوي احلجة‪ .‬ولد سنة ‪ 136‬ه يف مصر‬
‫(وقيل يف طرابلس الغرب)‪ ،‬وتويف يف مصر سنة ‪ 711‬ه ‪ ،‬ترك ‪ -‬خبطه‪ .‬وراءه حنو مخسمائة جملدا‪ ،‬ومنها‪ :‬لسان العرب هذا‪ ،‬الذي مجع فيه‬
‫أمهات كتب اللغة‪ ،‬فكاد يغِن عنها مجيعا‪ .‬المركلي‪ ،‬خري الدين‪ ،‬األعالم‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.163‬‬
‫‪7‬الفريوز آابدي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .169‬والفريوز آابدي هو‪ :‬حممد بن يعقوب بن حممد بن إبراهيم‪ ،‬أبو طاهر‪ ،‬جمد الدين الدين الشريازي‪ ،‬من‬
‫أئمة اللغة واألدب‪ ،‬ولد بكارزين من أعمال شرياز سنة ‪ 729‬ه ‪ ،‬وله مؤلفات كارية‪ ،‬منها‪ :‬القاموس احمليط‪ ،‬واملغامن املطابة يف معامل طابة‪،‬‬
‫تويف يف زبيد سنة ‪ 317‬ه انظر المركلي‪ ،‬خري الدين‪ ،‬األعالم‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.141‬‬
‫‪8‬المخمشري‪ ،‬حممود‪ ،‬ص ‪ . 441‬والمخمشري هو‪ :‬حممود بن عمر بن امحد اخلوارزمي‪ ،‬امللقب جبار هللا‪ ،‬كان عامل تفسري ولغة وأدب‪ ،‬وكان‬
‫معتميل املذهب‪ ،‬ولد يف زخمشر سنة ‪ 417‬ه ‪ ،‬وسافر إىل مكة زماان فجاور فلقب جبار هللا‪ ،‬مث تنقل يف البلدان مث عاد إىل اجلرجانية من قرى‬
‫خوارزم وتويف فيها سنة ‪ 533‬ه ‪ ،‬من مؤلفاته‪ :‬تفسري الكشاف‪ ،‬واملفصل‪ ،‬واملقامات واملقدمة (معجم عريب فارسي ) وغريها الكاري‪ .‬انظر‬
‫المركلي‪ ،‬خري الدين‪ ،‬األعالم‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪. 173‬‬
‫‪9‬الرازي‪ ،‬حممد‪ ،‬ص ‪.416‬‬

‫‪116‬‬
‫املطلب الثاني‬

‫تعريف العهد بالوالية واالستخالف اصطالحا‪:‬‬

‫وردت يف كتب العلماء املختلفة عدة تعريفات اصطالحية للعهد ابلوالية واالستخالف‪ ،‬منها ما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬قال القلقشندي فيه‪( :‬العهد‪ :‬هو أن يعهد اخلليفة املستقر إىل غريه ‪ -‬ممن استجمع شرائط اخلالفة ‪-‬‬

‫ابخلالفة بعده‪ ،‬فإذا مات املستخلف انتقلت اخلالفة إىل املستخلف‪ ،‬وال حيتاج مع ذلك إىل جتديد‬

‫بيعة من أهل احلل والعقد)‪.10‬‬

‫‪ .2‬وجاء يف روضة الطالبني‪( :‬واالستخالف أن يعقد له يف حياته اخلالفة بعده)‪.11‬‬

‫‪ .3‬وقال البغوي يف االستخالف‪( :‬أن جيعله خليفة يف حياته‪ ،‬مث خيلفه بعده )‪.12‬‬

‫‪ .4‬وعرف العهد يف التعريفات أبنه‪( :‬حفظ الشيء ومراعاته حاال بعد حال‪ ،‬هذا اصله‪ ،‬مث استعمل يف‬

‫املوثق الذي تلمم مراعاته‪ ،‬وهو املراد)‪.13‬‬

‫‪ .5‬وجاء يف عون املعبود‪( :‬االستخالف‪ :‬هو تعيني اخلليفة عند موته خليفة بعده‪ ،‬أو يعني مجاعة ليتخريوا‬

‫منهم واحدا)‪.14‬‬

‫هذا وقد عرفه العلماء احملدثون بتعريفات قريبة إىل السابقة‪ .15‬وقد ذكر سابقا يف املطلب السابق أن‬

‫االستخالف والعهد أيتيان بنفس املع ى‪ ،‬وكذلك ذهب معظم الباحاني يف نظام احلكم اإلسالمي إىل أن‬

‫‪10‬القلقشندي‪ ،‬أمحد‪ ،‬مآثر األانفة يف معامل اخلالفة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.43‬‬


‫‪11‬النووي‪ ،‬حيىي‪ ،‬روضة الطالبني‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.211‬‬
‫‪12‬القلقشندي‪ ،‬أمحد‪ ،‬صبح األعشى (يف صناعة اإلنشا)‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ .311-315‬وانظر الرافعي‪ ،‬عبد الكرمي‪ ،‬العميم شرح الوجيم‪ ،‬ج‬
‫‪ ،11‬ص ‪.73‬‬
‫‪13‬اجلرجاي‪ ،‬علي‪ ،‬ص ‪ ، 264‬فقرة (‪. )1622‬‬

‫‪117‬‬
‫املقصود منهما يف الناحية االصطالحية واحد أيضا‪ ،16‬األ أن بعض الباحاني املعاصرين ذهبوا إىل التفريق‬

‫بني االستخالف ووالية العهد‪ ،‬فاالستخالف عندهم هو الذي يكون وقت حضور الوفاة للخليفة‪،‬‬

‫فيستخلف غريه للقيام مبهام اخلالفة بعد وفاته كاستخالف أيب بكر لعمر بن اخلطاب رضي هللا عنهما‪،‬‬

‫أما العهد ابلوالية فتكون عندهم يف حال صحة اخلليفة وعافيته‪ ،‬وحتدث غالبا قبل وفاته بوقت ليس قصريا‬

‫أو تكون على اثر توليه اخلالفة‪.17‬‬

‫ويرى بعضهم أن مفهوم االستخالف يتعلق مبا ال يقصد به ترسيخ احلكم يف عائلة املستخلف‪ ،‬بل‬

‫يقصد به املصلحة العامة‪ ،‬وهو منباق عن الشورى‪ ،‬أما العهد ابلوالية فينطبق على ما يستأثر اخلليفة فيه‬

‫حمابيا احد فروعه أو أقرابئه‪ ،‬بغض النظر عن املصلحة العامة‪.18‬‬

‫والذي يرتجح للباحث يف هذا الشأن هو أن االستخالف‪ ،‬والعهد ابلوالية‪ ،‬والعهد‪ ،‬والنص‪ 19‬كلها‬

‫الفاظ مرتادفة حتمل مع ى واحدا من الناحية العملية‪ ،‬كما أن أصوهلا اللغوية متقاربة أيضا‪ ،‬والتفريق بينها‬

‫‪14‬أبو الطيب آابدي‪ ،‬حممد‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪. 157‬‬


‫‪15‬وقال األستاذ ظافر القامسي‪( :‬أما العهد ابخلالفة‪ :‬فهو يف األصل‪ :‬أن يقرتح اخلليفة أو أن يرشح شخصا يتوىل اخلالفة من بعده‪ ،‬ويكون‬
‫العهد حال احلياة) راجع كتابه نظام احلكم يف الشريعة والتاريخ‪ ،‬ص ‪ ،113‬وقال الدكتور حسن صبحي يف مع ى العهد‪( :‬معناه أن اإلمام‬
‫يعهد ابحلكم إىل شخص معني‪ ،‬ليخلفه عقب وفاته )‪ ،‬وانظر أيضا‪ :‬كتابه الدولة اإلسالمية وسلطتها التشريعية‪ ،‬ص ‪. 157‬‬
‫‪16‬أبو عيد‪ ،‬عارف‪ ،‬وظيفة احلاكم يف الدولة اإلسالمية‪ ،‬ص ‪ ،31‬متويل‪ ،‬عبد احلميد‪ ،‬مبادئ نظام احلكم يف اإلسالم ‪ ،‬ص ‪،166‬‬
‫احلصري‪ ،‬أمحد‪ ،‬الدولة وسياسة احلكم يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.271‬‬
‫‪17‬عودة ‪ ،‬عبد القادر‪ ،‬اإلسالم وأوضاعنا السياسية‪ ،‬ص ‪ ،159‬عبد املنعم‪ ،‬فؤاد‪ ،‬أصول نظام احلكم يف اإلسالم‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪18‬فرعوش‪ ،‬كايد يوسف‪ ،‬طرق انتهاء والية احلكام يف الشريعة اإلسالمية والنظم الدستورية‪ ،‬ص ‪. 134‬‬
‫‪19‬انظر آل حممود‪ ،‬امحد حممود‪ ،‬البيعة يف اإلسالم‪ ،‬ص ‪ .224‬جاء يف كتاب دبوس‪ ،‬صالح الدين‪ ،‬اخلليفة توليته وعمله ص ‪141‬‬
‫(اهلامش)‪ :‬أن تسمية العهد (ابلنص) مطروقة يف كتب أهل السنة‪ .‬انظر البهويت‪ ،‬منصور‪ ،‬كشاف القناع عن منت اإلقناع‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.159‬‬
‫البهويت‪ ،‬منصور‪ ،‬شرح منتهي اإلرادات‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.337‬‬

‫‪118‬‬
‫إمنا هو اجتهاد شخصي مل يرد ذكره يف النصوص الشرعية‪ ،‬وال يف كتب السياسة الشرعية األصيلة‪ ،‬فقد‬

‫تعامل الفقهاء مع االستخالف والعهد بذات الطريقة‪ ،20‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫املبحث الثاني‬

‫مقاصد التشريع اإلسالمي وأثرها يف الواليات العامة‬

‫يتناول هذا املبحث بيان مفهوم مقاصد التشريع‪ ،‬وإلقاء الضوء على مقاصد التشريع اإلسالمي‬

‫عموما‪ ،‬وما تعلق منها ابلوالايت العامة خصوصا‪ ،‬وذلك يف املطالب الاالثة التالية كما يلي‪:‬‬

‫املطلب األول‬

‫تعريف مقاصد التشريع‬

‫أولا‪ -‬مقاصد التشريع لغة‪:‬‬

‫مقاصد التشريع مصطلح مركب إضايف من كلمتني‪ ،‬مقاصد‪ ،‬وتشريع ‪ ،‬أما األوىل‪ :‬فتعِن يف اللغة‬

‫استقامة الطريق واالعتماد‪ ،‬والتجاه ‪-‬الوجهة‪ ،-‬وتعِن أيضا موضع القصد‪ ،‬وضد اإلفراط‪ .21‬وأما الاانية‬

‫فهي مصدر من الفعل‪ -‬شرع‪ -‬وله معاي متعددة يف اللغة‪ ،‬ومنها‪ :‬جعل األمر مشروعا مسنوان‪ ،‬مد الطريق‬

‫ومتهيده‪ ،‬وتناول املاء ابلفم‪ ،‬وسن أحكام الدين وبياهنا‪.22‬‬

‫‪20‬انظر الرملي‪ ،‬حممد‪ ،‬هناية احملتاج إىل شرح املنهاج‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ .411‬الرافعي‪ ،‬عبد الكرمي‪ ،‬العميم شرح الوجيم‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص ‪ .74‬البهويت‪،‬‬
‫منصور‪ ،‬شرح منتهى اإلرادات‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.337‬‬
‫‪21‬الفريوز آابدي‪ ،‬حممد‪ ،‬القاموس احمليط‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .121‬وانظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬حممد‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .351-353‬انيس‪ ،‬د‪.‬‬
‫إبراهيم‪ ،‬ورفاقه‪ ،‬املعجم الوسيط ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.733‬‬
‫‪22‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬حممد‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،171-175‬الفريوز آابدي‪ ،‬حممد‪ ،‬القاموس احمليط‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .14-12‬انيس‪،‬‬
‫د‪ .‬إبراهيم‪ ،‬ورفاقه‪ ،‬املعجم الوسيط‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪. 479‬‬

‫‪119‬‬
‫اثني ا‪ -‬مقاصد التشريع اصطالح ا‪:‬‬

‫مبراجعة مصادر أصول الفقه اليت عنيت مبقاصد التشريع يتبني أن العلماء املتقدمني مل يقدموا تعريفا‬

‫اصطالحيا حمددا هلذا املصطلح‪ ،‬وذلك مع اهتمامهم البالغ ابستقراء الشرع واستنباط هذه املقاصد‪ ،‬وربطها‬

‫ابلفروع الفقهية‪ .23‬وقد وردت يف مراجع وأحباث العلماء املعاصرين عدة تعريفات ملقاصد التشريع وهي‬

‫على اختالفها تدور يف فلك واحد‪ ،‬ومنها‪ :‬التعريفات التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬تعريف الطاهر بن عاشور اهنا‪( :‬املعاي واحلكم امللحوظة للشارع يف مجيع أحوال التشريع أو‬

‫معظمها)‪.24‬‬

‫‪ .2‬تعريف عالل الفاسي الذي ينص على أن‪( :‬املراد مبقاصد الشريعة‪ :‬الغاية منها‪ ،‬واألسرار اليت وضعها‬

‫الشارع عند كل حكم من أحكامها)‪.25‬‬

‫‪ .3‬ما اختاره الريسوي من تعريفها أبهنا‪( :‬الغاايت اليت وضعت الشريعة من اجل حتقيقها ملصلحة‬

‫العباد)‪.26‬‬

‫‪ .4‬ما ذهب إليه د‪ .‬يوسف العامل اهنا‪( :‬الغاية اليت يرمي إليها التشريع واألسرار اليت وضعها الشارع‬

‫احلكيم عند كل حكم من األحكام )‪ .27‬ومن املالحظ‪ :‬مشاهبة هذا التعريف للتعريف الااي بشكل‬

‫كبري‪.‬‬

‫‪23‬انظر الريسوي‪ ،‬أمحد‪ ،‬نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطيب‪ ،‬ص ‪ .17‬البدوي ‪ ،‬يوسف‪ ،‬مقاصد الشريعة عند ابن تيمية‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪24‬مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ص ‪.171‬‬
‫‪25‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها‪ ،‬ص ‪. 3‬‬
‫‪26‬نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطيب‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪27‬املقاصد العامة للشريعة اإلسالمية‪ ،‬ص ‪.33‬‬

‫‪120‬‬
‫‪ .5‬ومنها أيضا‪ :‬ما فصله د‪ .‬نور الدين اخلادمي بقوله‪(( :‬هي) املعاي امللحوظة يف األحكام الشرعية‪،‬‬

‫واملرتتبة عليها‪ ،‬سواء أكانت تلك املعاي حكما جمئية‪ ،‬أم مصاحل كلية‪ ،‬أم مسات إمجالية‪ ،‬وهي‬

‫تتجمع ضمن هدف واحد‪ ،‬هو‪ :‬تقرير عبودية هللا ومصلحة اإلنسان يف الدارين )‪.28‬‬

‫ومما سبق ميكن تعريف مقاصد التشريع أبهنا‪( :‬الغاايت اليت يهدف التشريع احلنيف لتحقيقها من سنه‬

‫لألحكام الشرعية املختلفة)‪.‬‬

‫املطلب الثاني‬

‫املقاصد العامة للتشريع اإلسالمي‬

‫تباينت طرق حبث وتقسيم مقاصد التشريع احلنيف يف مصادر أصول الفقه ومقاصد التشريع‪ ،‬األ أن‬

‫العلماء مجيعا ‪-‬يف املاضي واحلاضر‪ -‬متفقون على أن اهلدف األول واألمسى هلذا التشريع املستقيم هو‬

‫حتقيق مصاحل العباد يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬فأينما وجدت مصلحة فام شرع هللا‪.29‬‬

‫وقد قرر الشاطيب رمحه هللا‪ :‬أن أول املقاصد التشريعية هو إخراج املكلف من داعية هواه اختيارا كما‬

‫هو مطلوب منه اضطرارا‪ ،‬وذلك حتقيقا ملع ى عبودية املكلفني هلل تبارك وتعاىل‪.‬‬

‫وقد قسم رمحه هللا مصاحل العباد الدنيوية واألخروية واليت هي أساس مقاصد التشريع إىل ثالثة‬

‫أقسام‪ ،30‬هي‪:‬‬

‫‪28‬علم املقاصد الشرعية‪ ،‬ص ‪.17-11‬‬


‫‪29‬خالف‪ ،‬عبد الوهاب‪ ،‬السياسة الشرعية‪. 14 ،‬‬
‫‪30‬الشاطيب‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬املوافقات‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،76‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ .327-234‬وانظر – أيضا ‪ -‬ابن عاشور‪ ،‬حممد‪ ،‬مقاصد الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ص ‪.213-216‬‬

‫‪121‬‬
‫‪ .1‬الضرورايت‪ :‬وهي ما ال تقوم حياة املكلفني اال هبا‪ ،‬أو هي اليت يرتتب على فقدها ففد نعيم اآلخرة‪،‬‬

‫واستحقاق العقاب فيها‪ ،‬وتنقسم إىل مخسة أقسام‪ ،‬وتسمى ابلكليات اخلمس‪ ،‬وهي‪:31‬‬

‫أ‪ -‬حفظ الدين‪ :‬وذلك لكونه أساس نظام الدنيا‪ ،‬وحصول ثواب اآلخرة‪ ،‬والنجاة من عقاهبا‪،32‬‬
‫ِ ِ‬
‫اك إالَّ َر ْمحَة ل ْل َعالَم َ‬
‫ني)‪.33‬‬ ‫ولذلك قال تعاىل‪َ :‬‬
‫(وما أ َْر َس ْلنَ َ‬

‫ب‪ -‬حفظ النفس‪ :‬فبمواهلا زوال لنوع اإلنسان‪ ،‬وهو القائم مبقتضى التكليف بواجب عبودية هللا‬
‫ك َكتَ ب نَا علَى ب ِِن ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َج ِل ذَل َ ْ َ َ ْ‬
‫‪34‬‬
‫يل أَنَّهُ َمن قَتَ َل نَ ْفسا‬
‫إسَرائ َ‬ ‫تعاىل ‪ .‬ويف هذا يقول عم من قائل‪ (:‬م ْن أ ْ‬
‫مجيعا ومن أَحياها فَ َكأََّمنَا أَحيا النَّاس َِ‬
‫مجيعا)‪.35‬‬ ‫َْ َ‬ ‫َّاس َ َ ْ ْ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫س أ َْو فَ َس ٍاد ِيف األ َْر ِ‬
‫ض فَ َكأََّمنَا قَتَل الن ِ‬ ‫بِغَ ِْري نَ ْف ٍ‬

‫ج‪ -‬حفظ العقل‪ :‬فبدون العقل يستوي اإلنسان مع احليواانت فهو مناط التكليف واألهلية‪ ،‬فحفظه‬

‫السعِ ِري)‪.37‬‬ ‫َصح ِ‬ ‫ِ‬


‫امر ضروري ‪ .‬قال تعاىل ‪( :‬وقَالُوا لَ ْو ُكنَّا نَ ْس َم ُع أ َْو نَ ْعق ُل َما ُكنَّا ِيف أ ْ َ‬
‫‪36‬‬
‫اب َّ‬

‫د‪ -‬حفظ النسل والعرض‪ :‬أما النسل‪ :‬فألن دوام نوع اإلنسان ال يكون إال به‪ ،‬وأما العرض‪ :‬فألن فيه‬

‫حفظ األنساب من االختالط‪.38‬‬

‫‪31‬الشاطيب‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬املوافقات‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .321‬القرايف‪ ،‬امحد‪ ،‬شرح تنقيح الفصول‪ ،‬ص ‪ .364‬الريسوي‪ ،‬امحد‪ ،‬نظرية املقاصد عند‬
‫األمام الشاطيب‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫‪32‬انظر الشاطيب‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬املوافقات‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .321‬القرايف‪ ،‬امحد‪ ،‬شرح التنقيح‪ ،‬ص ‪ .364‬العامل‪ ،‬يوسف‪ ،‬املقاصد العامة للشريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ص ‪. 263‬‬
‫‪33‬سورة األنبياء‪ ،‬آية ‪. 167‬‬
‫‪34‬انظر الشاطيب‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬املوافقات‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .321‬القرايف‪ ،‬أمحد‪ ،‬شرح التنقيح‪ ،‬ص ‪ .364‬الدريِن‪ ،‬د‪ .‬فتحي‪ ،‬خصائص التشريع‬
‫اإلسالمي يف السياسة واحلكم‪ ،‬ص ‪ . 247-242‬عقلة‪ ،‬حممد‪ ،‬اإلسالم مقاصده وخصائصه‪ ،‬ص ‪ .114-113‬العامل‪ ،‬يوسف‪ ،‬املقاصد‬
‫العامة‪ ،‬ص ‪.271‬‬
‫‪35‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.32‬‬
‫‪36‬انظر الشاطيب‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬املوافقات‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪. 321‬القرايف‪ ،‬امحد‪ ،‬شرح تنقيح الفصول‪ ،‬ص ‪ .364‬العامل‪ ،‬يوسف‪ ،‬املقاصد العامة‪ ،‬ص‬
‫‪ .325‬عقلة‪ ،‬حممد‪ ،‬اإلسالم مقاصده وخصائصه‪ ،‬ص‪.133-182‬‬
‫‪37‬سورة امللك‪ ،‬اآلية ‪.16‬‬

‫‪122‬‬
‫ه‪ -‬حفظ املال‪ :‬ملا كان اإلنسان مدي بطبعه وهو حمتاج إىل تبادل املنافع املختلفة مع غريه‪ ،‬ومتلك‬

‫األشياء املختلفة‪ ،‬فإن حفظ ماله من األمور اليت ال تستوي حياته إال هبا‪ .39‬قال جل وعال‪:‬‬

‫ال والْبَ نُو َن ِزينَةُ احلَيَ ِاة الدُّنْيَا) ‪ ،‬وقال‪( :‬وال تُ ْؤتُوا ُّ‬
‫الس َف َهاءَ أ َْم َوالَ ُك ُم الَِّيت َج َع َل َّ‬ ‫‪40‬‬
‫اَّللُ لَ ُك ْم‬ ‫(امل ُ‬
‫َ‬
‫قِيَاما)‪.41‬‬

‫‪ .2‬احلاجيات‪ :‬وهي مصاحل اقل درجة من الضرورايت من حيث األيمهية‪ ،‬وهي ما يرتتب على فقده مشقة‬

‫وحرج‪ ،‬وان مل ختتل حياة اإلنسان‪ ،42‬وقد تظافرت النصوص الشرعية على تقرير مبدأ رفع احلرج‪ ،‬قال‬
‫اَّلل بِ ُكم اليسر وال ي ِريد بِ ُكم العسر)‪ .43‬قال تعاىل‪( :‬وما جعل علَي ُكم ِيف ِ‬
‫الدي ِن ِم ْن‬ ‫ََ َ َ َ َ ْ ْ‬ ‫ُ ُ ُ ُ َْ‬ ‫يد َُّ ُ ُ ْ َ‬ ‫تعاىل‪( :‬يُِر ُ‬

‫َحَرٍج)‪.44‬‬

‫‪ .3‬التحسينات‪ :‬وهذه املصاحل اقل درجة وأيمهية من سابقتيها‪ ،‬ولكن الشارع احلكيم أوالها اهتماما يف‬

‫سنه لألحكام الشرعية‪ ،‬عناية خبلقه وما ينفعهم من أمور دنياهم وأخراهم‪ ،‬وهذه املصاحل تتعلق‬

‫ابحملافظة على األخالق الكرمية والعادات احلسنة اليت تلمم اإلنسان من مقتضى طبيعة خلقه كمخلوق‬

‫مكرم ‪.45‬‬

‫‪38‬انظر الشاطيب‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬املوافقات‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪. 321‬القرايف‪ ،‬امحد‪ ،‬شرح تنقيح الفصول‪ ،‬ص ‪ .364‬عقلة‪ ،‬حممد‪ ،‬اإلسالم مقاصده‬
‫وخصائصه‪ ،‬ص ‪ .199-193‬العامل‪ ،‬يوسف‪ ،‬املقاصد العامة‪ ،‬ص ‪.393‬‬
‫‪39‬انظر الشاطيب‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬املوافقات‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪ .321‬العامل‪ ،‬يوسف‪ ،‬املقاصد العامة‪ ،‬ص ‪.417‬‬
‫‪40‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية ‪.41‬‬
‫‪41‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪. 5‬‬
‫‪42‬انظر الشاطيب‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬املوفقات‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ .327-321‬الريسوي‪ ،‬أمحد‪ ،‬نظرية املقاصد عند األمام الشاطيب‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫‪43‬سورة البقرة‪ ،‬آية ‪.135‬‬
‫‪44‬سورة احلج‪ ،‬آية ‪.73‬‬
‫‪45‬الشاطيب‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬املوافقات‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .327‬الريسوي‪ ،‬امحد‪ ،‬نظرية املقاصد عند الشاطيب‪ ،‬ص ‪.141‬‬

‫‪123‬‬
‫وعالوة على ما سبق‪ ،‬فإن من أبرز مقاصد التشريع حتقيق العدل بني الناس‪ 46‬قال تعاىل‪( :‬لََق ْد‬

‫َّاس ِابلْ ِق ْس ِط)‪ .47‬وحتقق العدل يف مجيع أمور‬


‫وم الن ُ‬
‫ِ ِ‬
‫اب والْم َيما َن ليَ ُق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أ َْر َس ْلنَا ُر ُسلَنَا ِابلْبَ يِنَات وأ َ‬
‫َنملْنَا َم َع ُه ُم الكتَ َ‬
‫احلياة بتطبيق الشرع احلنيف وأحكامه‪ ،‬ذلك ألن مفهوم العدل يقوم على االلتفات إىل املصلحة‪ ،‬وهذه‬

‫الشريعة الغراء مبنية على حتقيق مصاحل العباد يف الدارين‪ ،‬فتطبيقها حيقق العدل يف واقع حياهتم‪.48‬‬

‫ومما ال شك فيه‪ :‬أن مجيع مقاصد التشريع السابقة آايت يف بيان عظمة هذه الشريعة الغراء‬

‫ورمحتها ورفقها ابملكلفني‪ ،‬وهي أيضا من انحية أخرى مقياس واحد لألحكام اليت تستنبط من الشريعة أو‬

‫تلحق هبا‪ ،‬فكل حكم ال يندرج حتتها‪ ،‬أو ال يتوافق معها‪ ،‬أو يتعارض معها فهو ليس من هذه الشريعة‪،‬‬

‫وال من هذا الدين يف شيء‪ ،‬ويف هذا يقول ابن قيم اجلوزية رمحه هللا‪( :‬إن الشريعة مبناها وأساسها على‬

‫احلكم ومصاحل العباد يف املعاش واملعاد‪ ،‬وهي عدل كلها‪ ،‬ورمحة كلها‪ ،‬وحكمة كلها‪ .‬فكل مسالة خرجت‬

‫عن العدل إىل اجلور‪ ،‬وعن الرمحة إىل ضدها‪ ،‬وعن املصلحة إيل املفسدة‪ ،‬وعن احلكمة إىل العبث فليست‬

‫من الشريعة‪ ،‬وان أدخلت فيها ابلتأويل‪ ،‬فالشريعة هي عدل هللا بني عباده‪ ،‬ورمحته بني خلقه)‪.49‬‬

‫‪46‬انظر ابن تيمية‪ ،‬اخلالفة وامللك‪ ،‬ص ‪ .41‬ابن قيم اجلوزية‪ ،‬الطرق احلكمية يف السياسة الشرعية‪ ،‬ص ‪ .11‬وانظر الفاسي‪ ،‬عالل‪ ،‬مقاصد‬
‫الشريعة اإلسالمية ومكارمها‪ ،‬ص ‪ .214-212‬عقلة‪ ،‬حممد‪ ،‬اإلسالم مقاصده وخصائصه‪ ،‬ص ‪ 114 ، 112‬البدوي‪ ،‬يوسف‪ ،‬مقاصد‬
‫الشريعة عند بن تيمية‪ ،‬ص ‪ .271‬عبد اخلالق‪ ،‬فريد‪ ،‬يف الفقه السياسي اإلسالمي‪ ،‬ص ‪. 266-199‬‬
‫‪47‬سورة احلديد‪ ،‬آية ‪.25‬‬
‫‪48‬انظر ابن قيم اجلوزية‪ ،‬الطرق احلكمية‪ ،‬ص ‪ .4‬وانظر حلمي‪ ،‬د‪ .‬مصطفى‪ ،‬نظام اخلالفة يف الفكر اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.244‬‬
‫‪49‬ابن قيم اجلوزية‪( ،‬عالم املوقعني عن رب العاملني‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .3‬الفاسي‪ ،‬عالل‪ ،‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها‪ ،‬ص ‪.56‬‬

‫‪124‬‬
‫املطلب الثالث‬

‫مقاصد التشريع اإلسالمي اخلاصة بالواليات العامة‬

‫خصص هذا املطلب إللقاء الضوء على املقاصد التشريعية اخلاصة ابلوالايت العامة‪ ،‬وذلك فيما‬

‫يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬إقامة وحراسة الدين‪ :‬وهو املقصد األول من إقامة الدولة اإلسالمية وتنصيب اخلليفة املسلم‪ ،‬وينطلق‬

‫ك لِْل َمالئِ َك ِة‬


‫ال َربُّ َ‬
‫هذا املقصد من واجب استخالف هللا تعاىل لإلنسان يف األرض‪ ،‬قال تعاىل‪َ ( :‬وإ ْذ قَ َ‬

‫ض َخلِي َفة)‪ .50‬فهذه اخلالفة تقتضي إقامة أحكام شرع هللا يف األرض‪ ،‬وتطبيق دينه‬ ‫ِإي ج ِ‬
‫اع ٌل ِيف األ َْر ِ‬ ‫َ‬
‫يف مجيع أمور احلياة‪.51‬‬

‫‪ .2‬سياسة الدنيا ابلدين‪ :‬وهذا املفصد اتبع ملقصد حتقيق العبودية احلقة هلل تعاىل وهو منباق عن‬

‫استخالف اإلنسان يف هذه األرض‪ ،‬فالتشريع اإلسالمي يهدف الختاذ الدين احلنيف ‪ -‬ومصدراه‬

‫الرئيسيان‪ :‬القرآن الكرمي‪ ،‬والسنة املطهرة ‪ -‬أساسا ومرجعا الستنباط األحكام وتنفيذها يف أمور احلياة‬

‫اليومية كافة‪.52‬‬

‫‪ .3‬حتقيق مصاحل العباد العامة واخلاصة‪ :‬ويتطلق هذا املقصد من مقصد التشريع العام يف حتقيق مصاحل‬

‫العباد يف الدارين‪ .‬فال بد خلليفة املسلمني وراعيهم أن حيقق مصاحلهم يف خمتلف األمور‪ ،‬ويف مجيع‬

‫‪50‬سورة البقرة‪ ،‬آية ‪.36‬‬


‫‪51‬انظر املاوردي‪ ،‬علي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪ ،1-5‬املاوردي‪ ،‬علي‪ ،‬أدب الدنيا والدين‪ ،‬ص ‪ ،137-131‬البهويت‪ ،‬منصور‪ ،‬كشاف‬
‫القناع عن منت األقناع‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .116‬القلقشندي‪ ،‬امحد‪ ،‬صبح األعشى‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ .371‬خالف‪ ،‬عبد الوهاب‪ ،‬السياسة الشرعية‪،‬‬
‫ص ‪ .12‬الدريِن‪ ،‬د‪ .‬فتحي‪ ،‬خصائص التشريع اإلسالمي يف السياسة واحلكم‪ ،‬ص ‪.241-234‬‬
‫‪52‬الدميجي‪ ،‬عبد هللا‪ ،‬اإلمامة العظمى عند أهل السنة واجلماعة‪ ،‬ص ‪.94-93‬‬

‫‪125‬‬
‫املرافق‪ ،53‬ومن هنا أتيت القاعدة الفقهية املعروفة (تصرفات الراعي على الرعية منوطة ابملصلحة)‪،54‬‬

‫واليت تنطلق من قوله صلى هللا عليه وسلم‪( :‬كلكم راع‪ ،‬وكلكم مسؤول عن رعيته )‪.55‬‬

‫وقد شرع اإلسالم مبدا الشورى وجعله واجبا ملا فيه من تسهيل ملهمة اخلليفة يف حتقيق مصاحل الرعية‪،‬‬

‫ملا فيها من إانرة للسبيل‪ ،‬وكفالة للحقوق‪ ،‬وملا يف عدمها من خطورة ضياع مصاحلهم‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬

‫وشا ِوْرُه ْم ِيف األ َْم ِر)‪.56‬‬


‫( َ‬

‫اَّللَ‬
‫إن َّ‬‫‪ .4‬حتقيق العدل الشامل ورفع الظلم عن الناس وحفظ حقوقهم وحرايهتم العامة‪ ،57‬قال تعاىل‪َّ ( :‬‬

‫اَّللَ نِعِ َّما يَعِظُ ُكم بِِه‬


‫إن َّ‬‫َّاس أَن َْحت ُك ُموا ِابلْ َع ْد ِل َّ‬
‫ني الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫أيْمرُكم أَن تُؤُّدوا األَم َ ِ‬
‫اانت َإىل أ َْهل َها وإ َذا َح َك ْمتُم بَ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُُ ْ َ‬
‫اَّلل َكا َن َِمسيعا ب ِ‬
‫صريا)‪ .58‬فمن مقاصد التشريع اخلاصة يف الوالايت العامة حتقيق العدل يف خمتلف‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫إن ََّ‬
‫جماالت احلياة‪ :‬االجتماعية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬واإلدارية السياسية‪ ،‬والقضائية‪ .59‬ومن وسائل حتقيق العدل‬

‫اتباع ما فيه التيسري على الناس‪ ،‬واجتناب ما فيه التعسري عليهم‪ ،‬وابتغاء احلق يف سياسة أمورهم‪،‬‬

‫وعدم التسلط عليهم ابلقوة‪ .60‬ويتحقق العدل يف التصرفات ابلتوسط بني التقصري واإلسراف‪ ،‬فهو‬

‫‪53‬انظر املاوردي‪ ،‬علي‪ ،‬أدب الدنيا والدين‪ ،‬ص ‪ .117-111‬الدريِن‪ ،‬د‪ .‬فتحي‪ ،‬خصائص التشريع اإلسالمي يف السياسة واحلكم‪ ،‬ص‬
‫‪ ،164‬ص ‪.171‬‬
‫‪ 54‬قال السيوطي‪( :‬هذه القاعدة نص عليها الشافعي وقال‪ :‬منملة اإلمام من الرعية منملة الويل من اليتيم)‪ .‬السيوطي‪ ،‬اإلمام جالل الدين‪،‬‬
‫األشباه والنظائر‪ ،‬ص ‪ .153‬وانظر الدريِن‪ ،‬د‪ .‬فتحي‪ ،‬خصائص التشريع اإلسالمي يف السياسة واحلكم‪ ،‬ص ‪.164‬‬
‫‪55‬أخرجه اإلمام البخاري ‪ -‬واللفظ له ‪ -‬عن ابن عمر رضي هللا عنه يف صحيح البخاري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،364‬كتاب اجلمعة‪ ،‬ابب اجلمعة يف‬
‫القرى واملدن‪ ،‬حديث رقم (‪ .)353‬واإلمام مسلم‪ ،‬صحح مسلم‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،1459‬كتاب اإلمارة‪ ،‬ابب فضيلة اإلمام العادل‪ ،‬وعقوبة‬
‫اجلائر‪ ،‬واحلث على الرفق ابلرعية‪ ،‬والنهي عن إدخال املشقة عليهم ‪ ،‬حديث رقم (‪.)1339‬‬
‫‪56‬سورة آل عمران‪ ،‬من اآلية ‪.159‬‬
‫‪57‬انظر املاوردي‪ ،‬علي‪ ،‬أدب الدنيا والدين‪ ،‬ص ‪ ،139‬خالف‪ ،‬عبد الوهاب‪ ،‬السياسة الشرعية‪ ،‬ص ‪ 23-24‬الدميجي‪ ،‬عبد هللا‪،‬‬
‫اإلمامة العظمى‪ ،‬ص ‪ 115-116‬الدريِن‪ ،‬د‪ .‬فتحي‪ ،‬خصائص التشريع اإلسالمي يف السياسة واحلكم‪ ،‬ص ‪،251-255 ،14-57‬‬
‫‪ 339‬وما بعدها‪ .‬عبد اخلالق‪ ،‬فريد‪ ،‬يف الفقه السياسي اإلسالمي‪. 199-191 ،‬‬
‫‪58‬سورة النساء‪ ،‬آية ‪.53‬‬
‫‪59‬انظر الدريِن‪ ،‬د‪ .‬فتحي‪ ،‬خصائص التشريع اإلسالمي يف السياسة واحلكم‪ ،‬ص ‪.339-337‬‬
‫‪60‬انظر املاوردي‪ ،‬علي‪ ،‬أدب الدنيا والدين‪ ،‬ص ‪. 146 -139‬‬

‫‪126‬‬
‫مأخوذ من االعتدال‪ ،‬فما جاوز ذلك فهو خروج عنه‪ .61‬ولذلك فإن من واجبات اخلليفة تقليد‬

‫النصحاء واألمناء من الناس األمور العامة اإلدارية واملالية‪ ،‬حىت تضبط األعمال ابلكفاءة واألموال‬

‫ابألمانة‪.62‬‬

‫واجلدير ابلذكر أن العدل كمقصد تشريعي يشمل حفظ احلقوق الفردية واحلرايت العامة‪ ،‬وهو احلاكم‬

‫عليها أيضا‪ ،‬فال خيتص إنسان حبق إال إذا مل جيل ذلك االختصاص مبقتضى العدل‪ ،‬وكذلك األمر ابلنسبة‬

‫للحرية‪ .63‬وجيدر ابلذكر ‪ -‬أيضا‪ -‬أن العديد من احلقوق الفردية يرجع إىل اهم كليات التشريع ومقاصده‬

‫‪ -‬املصاحل الضرورية ‪ -‬مال حق احلياة‪ ،‬الذي يرجع حفظه إىل حفظ النفس‪ ،‬وهو من الضرورايت‪ ،‬فهذا‬

‫املقصد السياسي اخلاص ينباق عن مقصد التشريع العام ‪.64‬‬

‫‪ .5‬حتقيق األمن والنظام‪ :‬من املقاصد الرئيسة املتعلقة ابلسياسة الشرعية حفظ أمن الدولة واجملتمع من‬

‫جهة‪ ،‬وحفظ نظام اجملتمع من الفوضى وعدم االستقرار‪ .65‬ومن ذلك‪ :‬حماربة البغاة والمامهم ابلعدل‬

‫مع من بغوا عليه‪ ،66‬هذا على الصعيد الداخلي‪ .‬أما على الصعيد اخلارجي فإنه ال بد من محاية‬

‫حدود الدولة اإلسالمية وثغورها من أي خطر أو اعتداء خارجي يعرض امن األمة للخطر‪.67‬‬

‫‪61‬انظر ذات املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 141‬‬


‫‪62‬انظر املاوردي‪ ،‬علي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪ .15‬القلقشندي‪ ،‬امحد‪ ،‬صبح األعشى‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.372‬‬
‫‪63‬انظر الدريِن‪ ،‬د‪ .‬فتحي ‪ ،‬خصائص التشريع اإلسالمي يف السياسة واحلكم ‪ ،‬ص ‪.393‬‬
‫‪64‬انظر نفس املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 464‬‬
‫‪65‬املاوردي‪ ،‬علي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪ ،1-5‬املاوردي‪ ،‬علي‪ ،‬أدب الدنيا والدين ‪ ،‬ص ‪ ،143-142‬الدميجي‪ ،‬عبد هللا‪ ،‬اإلمامة‬
‫العظمى‪ ،‬ص ‪ . 87-88‬الدريِن‪ ،‬د‪ .‬فتحي‪ ،‬خصائص التشريع اإلسالمي يف السياسة واحلكم‪ ،‬ص ‪.344‬‬
‫‪66‬ابن تيمية‪ ،‬امحد‪ ،‬اخلالفة وامللك‪ ،‬ص ‪ .161-165‬املاوردي‪ ،‬علي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪ .14‬البهويت‪ ،‬منصور بن يونس‪ ،‬شرح‬
‫منتهى اإلرادات‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.339‬‬
‫‪67‬املاوردي‪ ،‬علي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص‪ ، 14‬املاوردي‪ ،‬علي‪ ،‬أدب الدنيا والدين‪ ،‬ص ‪ ،117-111‬ص ‪ 17 .143-142‬املواق‪،‬‬
‫حممد‪ ،‬مواهب اجلليل لشرح خمتصر خليل‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .271‬البهويت‪ ،‬منصور‪ ،‬كشاف القناع عن منت اإلقناع‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.116‬‬
‫القلقشندي‪ ،‬امحد‪ ،‬صبح األعشى‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.371‬‬

‫‪127‬‬
‫وينطلق مقصد حفظ األمن والنظام من مقصد التشريع الكلي يف حفظ النفس‪ ،‬والعرض‪،‬‬

‫والنسل‪ ،‬واملال‪ ،‬وكلها مصاحل ضرورية لإلنسان‪ ،‬ال ميكن حتقيقها األ حبفظ األمن والنظام‪ ،‬فالفوضى‬

‫وانعدام األمن أسباب الستباحة االعتداء على هذه الكليات‪.‬‬

‫‪ .1‬مجع كلمة األمة ومنع تفرقها‪ :‬فقد أمر هللا تعاىل ابلوحدة واالحتاد واالجتماع بني أفراد األمة‬
‫اَّللِ‬
‫ص ُموا ِحبَْب ِل َّ‬
‫اإلسالمية على كلمة التوحيد ودين اإلسالم ومنهجه‪ .68‬قال عم من قائل‪( :‬و ْاعتَ ِ‬

‫اعب ُد ِ‬
‫ون)‪.70‬‬ ‫ِ‬ ‫مجيعا وال تَ َفَّرقُوا)‪ .69‬وقال أيضا جل وعال‪ِ ِ َّ ( :‬‬
‫َِ‬
‫إن َهذه أ َُّمتُ ُك ْم أ َُّمة واح َدة وأ ََان َربُّ ُك ْم فَ ْ ُ‬

‫‪ .7‬القيام بعمارة األرض وتطوير وسائل العيش الكرمي والسعي للنهضة الشاملة لالمة‪ .71‬قال جل‬

‫استَ ْع َمَرُك ْم فِ َيها)‪.72‬‬


‫ضوْ‬‫َنشأَ ُكم ِم َن األ َْر ِ‬
‫وعال‪ُ ( :‬ه َو أ َ‬

‫وهذا كله ينطلق من امر هللا تعاىل لألمة أن تعد الفوة الالزمة لبقائها يف مقابلة اعدائها الذين يرتبصون‬

‫هبا‪ ،‬فال ميكن للدولة اإلسالمية أن تصمد أمام غريها من الدول إذا مل حتصل هذه القوة عن طريق القيام‬

‫ومن ِرَاب ِط اخلَْي ِل تُ ْرِهبُو َن بِِه َع ُد َّو‬


‫َع ُّدوا َهلم َّما استَطَعتُم ِمن قُ َّوةٍ ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫ُ‬
‫ابلنهضة الشاملة‪ .73‬قال عم من قائل‪( :‬وأ ِ‬

‫وع ُد َّوُك ْم)‪ .74‬وهلذا جيب على الدولة االهتمام ابلعلم بكل أنواعه ومناهجه لكون التقدم التقِن منوط به‪،‬‬ ‫َِّ‬
‫اَّلل َ‬
‫وهو أساس لتحقيق الفوة يف اجملاالت املختلفة‪ ،75‬وجيب على الدولة ‪ -‬أيضا ‪ -‬االهتمام بتحقيق حالة‬

‫‪68‬الدميجي‪ ،‬عبد هللا‪ ،‬اإلمامة العظمى‪ ،‬ص ‪.126-115‬‬


‫‪69‬سورة آل عمرآن‪ ،‬آية ‪. 163‬‬
‫‪70‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.92‬‬
‫‪71‬انظر املاوردي‪ ،‬علي‪ ،‬أدب الدنيا والدين‪ ،‬ص‪ ،144-143‬الدريِن‪ ،‬د‪ .‬فتحي‪ ،‬خصائص التشريع اإلسالمي يف السياسة واحلكم‪ ،‬ص‬
‫‪ .175-171 ،91‬الدميجي‪ ،‬عبد هللا‪ ،‬اإلمامة العظمى‪ ،‬ص ‪ ،122-126‬بتصرف ‪.‬‬
‫‪72‬سورة هود‪ ،‬آية ‪.11‬‬
‫‪73‬الدريِن‪ ،‬د‪ .‬فتحي‪ ،‬خصائص التشريع اإلسالمي يف السياسة واحلكم ‪ ،‬ص ‪.172-171‬‬
‫‪74‬سورة األنفال‪ ،‬آية ‪. 16‬‬
‫‪75‬الدريِن‪ ،‬د‪ .‬فتحي‪ ،‬خصائص التشريع اإلسالمي يف السياسة واحلكم‪ ،‬ص ‪. 362-299‬‬

‫‪128‬‬
‫اقتصادية خصبة لألمة‪ ،‬ينتفع منها الغِن والفقري‪ ،‬ملا لذلك من اثر يف درا التحاسد والبغضاء‪ ،‬وحفظ األمن‬

‫واالستقرار‪.76‬‬

‫املبحث الثالث‬

‫حكم االستخالف يف ضوء مقاصد التشريع‬

‫متهيد‪ :‬اختلف الفقهاء يف حكم االستخالف فذهب كاري من الفقهاء املتقدمني إىل شرعيته وجوازه‪،‬‬

‫بينما رأى بعض الفقهاء املتقدمني‪ ،‬والعديد من الفقهاء السياسيني املعاصرين خالف ذلك‪ ،‬فذهبوا إىل انه‬

‫امر غري مشروع‪ ،‬وان الطريق الصحيح لتويل اخلالفة هو البيعة من املسلمني بعد املشاورة واالختيار‪ ،‬ويعذ‬

‫االستخالف مباابة الرتشيح من اإلمام ‪ -‬القائم ‪ -‬لألمة‪ ،‬فإن شاءت ابيعت من استخلف‪ ،‬واال فاألمر هلا‬

‫ختتار من تريد‪ .‬وذهب الشيعة اإلمامية إىل أن الطريق الوحيد لالمامة هو النص‪ ،‬وال يوجد طريق آخر غريه‬

‫لتوليها‪ ،77‬ويتناول هذا املبحث هذه اآلراء وادلتها ابلدراسة واملناقشة يف ضوء مقاصد التشريع احلنيف‪ ،‬بغية‬

‫الوصول إىل الراي الراجح ‪ -‬يف نظر الباحث ‪ -‬عن دراية ودليل قومي‪ ،‬وذلك يف املطالب األربعة التالية‪:‬‬

‫‪76‬انظر املاوردي‪ ،‬علي‪ ،‬أدب الدنيا والدين‪ ،‬ص ‪. 144-143‬‬


‫‪77‬انظر األشعري‪ ،‬أبو احلسن‪ ،‬مقاالت اإلسالميني‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.154‬‬
‫وقد خلص البغدادي آراء املذاهب املختلفة يف ثبوت اإلمامة ابالختيار أو النص يقوله‪ ...( :‬فقال اجلمهور األعظم من أصحابنا‪ ،‬واملعتملة‪،‬‬
‫واخلوارج‪ ،‬والنجارية‪ :‬إن طريق ثبوهتا االختيار من األمة ابجتهاد أهل االجتهاد منهم‪ ،‬واختيارهم من يصلح هلا‪ .‬وكان جائما ثبوهتا ابلنص‪ ،‬غري‬
‫أن النص مل يرد فيها على واحد بعينه‪ ،‬فصارت األمة فيها إىل االختيار‪ .‬وزعمت اإلمامية واجلارودية من الميدية والراوندية من العباسية أن‬
‫اإلمامة طريقها النص من هللا تعاىل على لسان رسوله صلى هللا عليه وسلم على اإلمام مث نص اإلمام على اإلمام بعده‪ .‬واختلف هؤالء يف علة‬
‫وجوب النص عليه‪ ،‬فمنهم‪ :‬من بناه على‬
‫اصله يف وجوب عصمة اإلمام ‪ ،‬وزعم أن العصمة ال تعرف ابالجتهاد‪ ،‬دائما يعرف املعصوم ابلنص‪ .‬فأما البرتية واجلريرية من الميدية فقد وافقوا‬
‫الفريق األول يف االختيار أمنا خالفوهم يف تعيني األوىل ابإلمام )‪ .‬أصول الدين‪ ،‬املسالة السابعة من األصل الاالث عشر‪ :‬يف بيان ما يابت به‬
‫اإلمامة لإلمام‪ ،‬ص ‪.236-279‬‬

‫‪129‬‬
‫املطلب األوىل‬

‫رأي القائلني مبشرويية االستخالف كطريق لإلمامة‬

‫ذهب كاري من العلماء املتقدمني إىل شرعية االستخالف‪ ،‬واعتباره طريقة صحيحة لتوىل اإلمامة‪،‬‬

‫ومنهم املاوردي‪ ،78‬واجلويِن‪ ،79‬والنووي ‪ ،80‬والقلقشندي‪ ،81‬وابن حمم‪ ،82‬وابن خلدون‪.83‬‬

‫واستدل أصحاب هذا الراي ابألدلة التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬إمجاع الصحابة رضوان هللا عليهم‪ :‬فقد استدل أصحاب هذا الراي ابنعقاد إمجاع صحابة رسول هللا‬

‫صلى هللا عليه وسلم على جواز االستخالف‪ .85،84‬قال البغدادي‪( :‬وإذا أوصى اإلمام إىل من يصلح‬

‫هلا وجب على األمة إنفاذ وصيته‪ ،‬كما أوصى هبا أبو بكر إىل عمر وأمجعت الصحابة على متابعته‬

‫فيها)‪.86‬‬

‫‪ 78‬قال املاوردي‪( :‬والظاهر من مذهب الشافعي رمحه هللا وما عليه مجهور الفقهاء‪ :‬انه جيوز ملن أفضت إليه اخلالفة من أولياء العهد أن يعهد‬
‫هبا إىل من شاء ويصرفها عمن كان مرتبا معه ويكون هذا الرتتيب مقصورا على من يستحق اخلالفة منهم بعد موت املستخلف)‪ ،‬األحكام‬
‫السلطانية ص ‪ .13‬وانظر الشربيِن‪ ،‬حممد‪ ،‬مغِن احملتاج إيل معرفة معاي الفاظ املنهاج‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ص ‪.422‬‬
‫‪79‬غياث األمم يف التياث الظلم‪ ،‬ص ‪.134‬‬
‫‪80‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬كتاب اإلمارة‪ ،‬ابب اإلستخالف وتركه‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪ .441‬منهاج الطالبني‪ ،‬ص ‪.292‬‬
‫‪81‬مآثر األانفة يف معامل اخلالفة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.55‬‬
‫‪82‬الفصل يف امللل والنحل‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.119‬‬
‫‪83‬املقدمة‪ ،‬ص ‪.216‬‬
‫‪84‬اجلويِن‪ ،‬عبد امللك‪ ،‬غياث األمم‪ ،‬ص ‪ ،135-134‬ابن حمم‪ ،‬علي‪ ،‬الفصل يف امللل والنحل‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ ،117‬النووي‪ ،‬حيىي‪ ،‬شرح‬
‫صحح مسلم‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪ ،441‬أبو الطيب آابدي ‪ ،‬حممد‪ ،‬عون املعبود شرح سنن أيب داود‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،157‬ابن خلدون‪ ،‬املقدمة‪،‬‬
‫ص ‪ .216‬انظر أبو عيد‪ ،‬عارف‪ ،‬وظيفة احلاكم‪ ،‬ص‪ . 86‬آل حممود‪ ،‬امحد‪ ،‬البيعة يف اإلسالم‪ ،‬ص‪ . 226‬إمساعيل ‪ ،‬د‪ .‬حيىي ‪ ،‬منهج‬
‫السنة يف العالقة بني احلاكم واحملكوم ‪ ،‬ص ‪.375-374‬‬
‫‪85‬قال املاوردي‪( :‬وأما انعقاد اإلمامة بعهد من قبله‪ :‬فهو مما انعقد اإلمجاع على جوازه‪ ،‬ووقع االتفاق على صحته ألمرين عمل املسلمون هبما‬
‫ومل يتناكرويمها‪ :‬احديمها‪ :‬أن أاب بكر رضي هللا عنه عهد هبا إىل عمر رضي هللا عنه‪ ،‬فال سبت املسلمون إمامته بعهده‪ .‬والااي‪ :‬أن عمر رضي‬
‫هللا عنه عهد هبا إىل أهل الشورى‪ ،‬فقبلت اجلماعة دخوهلم فيها وهم أعيان العصر لصحة العهد هبا‪ ،‬وخرج ابقي الصحابة منها‪ ،‬وقال علي‬
‫للعباس رضوان هللا عليهما حني عاتبه على الدخول يف الشورى‪ :‬كان امرا عظيما من أمور اإلسالم مل أن لنفسي اخلروج منه‪ ،‬فصار العهد هبا‬
‫إمجاعا يف انعقاد اإلمامة )‪ .‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪. 9‬‬
‫‪86‬أصول الدين‪ ،‬ص ‪.235‬‬

‫‪130‬‬
‫‪ .2‬حتقيق املصلحة العامة لالمة‪ ،‬وسد ذريعة الفوضى والفتنة‪ :‬استدل ابن حمم هبذا الدليل على مشروعية‬

‫االستخالف‪ ،‬والذي اعتربه الطريق األمال لتنصيب اإلمام ملا فيه من انتظام أمر اإلسالم وأهله‪،‬‬

‫وحفظ األمن والنظام مما قد حيدث من التنازع الداخلي بني املسلمني‪ ،‬ومن إاثرة األطماع واخلالف‬

‫والفتنة‪.87‬‬

‫كما واستدل ابن خلدون ابملصلحة أيضا‪ ،‬ابعتبار أن اإلمام موكل مبصاحل األمة‪ ،‬فيدخل يف ذلك‬

‫اختيار من خيلفه عليها بعده‪.88‬‬

‫‪ .3‬واستدل ابن حمم ‪ -‬أيضا ‪ -‬بعدم وجود ما مينع االستخالف من نص شرعي أو إمجاع‪ .‬يقول ابن‬

‫حمم‪( :‬إذ ال نص وال إمجاع علي املنع من احد هذه الوجوه)‪.89‬‬

‫‪91‬‬
‫ابن اإلمام هو األحق هبذا األمر‪ -‬اخلالفة ‪ -‬وهو قدوة املسلمني‪،‬‬ ‫‪ .4‬واحتج املاوردي‪ ،90‬واجلويِن‬

‫وهو صاحب مراس وخربة يف أمورهم‪ ،‬قال املاوردي يف هذا‪( :‬وألن اإلمام احق هبا فكان اختياره فيها‬

‫أمضى‪ ،‬وقوله فيها أنفذ)‪ .92‬واملقصود هنا أن اإلمام هو األحق ابلسلطة شرعا فكان اختياره أمرا‬

‫مشروعا‪ ،‬وطاعته يف هذا من لوازم طاعته الواجبة شرعا‪.93‬‬

‫‪87‬يقول ابن حمم‪( :‬فوجدان عقد اإلمامة يصح بوجوه أوهلا وافضلها وأصحها أن يعهد اإلمام امليت إىل إنسان خيتاره إماما بعد موته‪ .‬وهذا هو‬
‫الوجه الذي خنتاره وذكره غريه‪ ،‬ملا يف هذا الوجه من اتصال اإلمامة وانتظام امر اإلسالم وأهله ورفع ما يتخوف من االختالف والشغب مما‬
‫يتوقع يف غريه من بقاء األمة فوضى وانتشار األمر‪ ،‬وارتفاع النفوس‪ ،‬وحدوث األطماع )‪ .‬الفصل يف امللل والنحل‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪. 119‬‬
‫‪88‬يقول ابن خلدون‪( :‬اعلم أان قدمنا الكالم يف اإلمامة ومشروعيتها ملا فيها من املصلحة‪ ،‬وان حقيقتها للنظر يف مصاحل األمة لدينهم ودنياهم‬
‫فهو وليهم واألمني عليهم ينظر هلم ذلك يف حياته‪ ،‬ويتبع ذلك أن ينظر هلم بعد مماته‪ ،‬ويقيم هلم من‬
‫يتوىل أمورهم كما كان هو يتوالها‪ ،‬وياقون بنظره هلم يف ذلك‪ ،‬كما وثقوا به فيما قبل) املقدمة‪ ،‬ص ‪. 216‬‬
‫‪89‬الفصل يف امللل والنحل‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.119‬‬
‫‪90‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪. 9‬‬
‫‪91‬اجلويِن‪ ،‬عبد امللك‪ ،‬غياث األمم ‪ ،‬ص ‪.135‬‬
‫‪92‬املاوردي‪ ،‬علي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪. 9‬‬
‫‪93‬اجلويِن‪ ،‬عبد امللك‪ ،‬غياث األمم ص ‪.131-135‬‬

‫‪131‬‬
‫املطلب الثاني‬

‫راي القائلني بعدم مشرويية االستخالف كطريق لإلمامة‬

‫يرى بعض الفقهاء املتقدمني ومعظم الفقهاء املعاصرين عدم مشروعية االستخالف كطريق لتعيني‬

‫اخلليفة‪ ،‬فاألمة خمرية يف اختيار من حيكمها فلها مبايعة من تشاء وختتار‪ ،‬ويعد االستخالف مباابة الرتشيح‬

‫هلا ال غري‪ ،94‬فاألمة هي صاحبة السلطة احلقيقية يف الدولة ‪.95‬‬

‫وقد قال هبذا الرأي‪ :‬معظم األشاعرة‪ ،‬واملعتملة‪ ،96‬وأبو يعلى الفراء‪ ،97‬وابن تيمية‪ ،98‬وعبد القاهر‬

‫البغدادي‪ ،99‬وعدد من الباحاني املعاصرين‪.100‬‬

‫واستدل أصحاب هذا الراي ابألدلة التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬فعل الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقد مات عليه الصالة والسالم ومل يعهد ابخلالفة ألحد‪ .101‬ومن‬

‫األدلة على ذلك ما يلي‪:‬‬

‫‪94‬انظر الفراء‪ ،‬أبو يعلى‪ ،‬األحكام السلطانية ص ‪ .31‬وانظر القامسي‪ ،‬ظافر‪ ،‬نظام احلكم يف الشريعة والتاريخ‪ ،‬ص ‪.261‬‬
‫‪ 95‬يقول الدكتور الدوري‪ ،‬قحطان‪ ،‬يف كتابه الشورى بني النظرية والتطبيق‪ ،‬ص ‪ 71‬حتت عنوان األمة صاحبة السلطة احلقيقية يف الدولة‬
‫‪(:‬يقصد بسلطة األمة‪ :‬أهنا صاحبة احلق يف ا نتخاب اإلمام وعضو جملس الشورى ومراقبته‪ ،‬ألن األمة وكيلة عن هللا يف األرض‪ ،‬وهي بذلك‬
‫ختالف ما تنص عليه التشريعات اليوم‪ :‬أن ‪ -‬الشعب مصدر السلطات ‪ ،-‬ألهنا تعترب أن الشعب هو املشرع األول املراقب للسلطة التنفيذية‪،‬‬
‫ومانح السلطة القضائية‪ ،‬وميارس هذه السلطات مبن انتخبوا ألداء هذه املهمات)‪.‬‬
‫‪96‬أبو عيد‪ ،‬عارف‪ ،‬وظيفة احلاكم‪ ،‬ص ‪. 166‬‬
‫‪97‬الفراء‪ ،‬أبو يعلى‪ ،‬األحكام السلطانية ص ‪ .31‬وانظر أبو فارس‪ ،‬حممد‪ ،‬القاضي أبو يعلى الفراء وكتابه األحكام السلطانية ص ‪.312‬‬
‫‪98‬ابن تيمية‪ ،‬امحد‪ ،‬منهاج السنة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.317‬‬
‫‪99‬يقول يف أصول الدين ص ‪ 279‬يف املسألة السابعة‪( :‬واختلفوا يف طريق ثبوت اإلمامة‪ :‬فقال اجلمهور األعظم من أصحابنا ومن املعتملة‬
‫واخلوارج والنجارية‪ :‬إن طريق ثبوهتا االختيار من األمة ابجتهاد أهل االجتهاد منهم‪ ،‬واختيارهم من يصلح هلا)‪.‬‬
‫‪100‬عودة‪ ،‬عبد القادر‪ ،‬اإلسالم وأوضاعنا السياسية‪ ،‬ص ‪ ،111-115‬العيلي‪ ،‬عبد احلكيم حسن‪ ،‬احلرايت العامة يف الفكر والنظام‬
‫السياسي يف اإلسالم‪ ،‬ص ‪ .221-226‬وانظر أبو عيد‪ ،‬عارف‪ ،‬وظيفة احلاكم‪ ،‬ص ‪.94‬‬
‫‪101‬انظر أبو عيد‪ ،‬عارف‪ ،‬وظيفة احلاكم‪ ،‬ص ‪ 161‬وما بعدها‪ .‬العيلي‪ ،‬عبد احلكيم حسن‪ ،‬احلرايت العامة‪ ،‬ص ‪.222-221‬‬

‫‪132‬‬
‫أ‪ -‬ما روي عن ابن عباس رضي هللا عنه قال‪ :‬ملا اشتد ابلنيب صلى هللا عليه وسلم وجعه قال‪( :‬إئتوي‬

‫بكتاب كتب لكم كتااب ال تضلوا بعده)‪ .‬قال عمر‪ :‬إن النيب صلى هللا عليه وسلم غلبه الوجع‪،‬‬

‫وعندان كتاب هللا حسبنا‪ ،‬فاختلفوا وكار اللغط‪ ،‬قال‪( :‬قوموا عِن‪ ،‬وال ينبغي عندي التنازع)‪.‬‬

‫فخرج ابن عباس يقول‪ :‬إن الرزية ‪102‬كل الرزية ما حال بني رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وبني‬

‫كتابه)‪.103‬‬

‫ب‪ -‬ما روي عن عبد هللا كعب بن مالك‪ :‬أن ابن عباس اخربه‪( :‬أن علي بن أيب طالب رضي هللا عنه‬

‫خرج من عند رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يف وجعه الذي تويف فيه‪ ،‬فقال الناس‪ :‬اي أاب حسن‪،‬‬

‫كيف أصبح رسول هللا صلى هللا عليه وسلم؟ فقال‪ :‬اصبح حبمد هللا ابرئ‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬فاخذ‬

‫بيده عباس بن عبد املطلب فقال‪ :‬أال ترى أنت وهللا ؟ إن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم سيتوىف‬

‫يف وجعه هذا‪ ،‬إي اعرف وجوه بِن عبد املطلب عند املوت‪ .‬فاذهب بنا إىل رسول هللا صلى هللا‬

‫عليه وسلم فلنسأله فيمن هذا األمر‪ ،‬فإن كان فينا علمنا ذلك‪ ،‬وان كان يف غريان كلمناه فأوصى‬

‫بنا‪ ،‬فقال علي رضي هللا عنه‪ :‬وهللا لئن سألناها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فمنعناها ال‬

‫يعطيناها الناس ابدأ‪ ،‬فوهللا ال أساله ابدأ)‪.104‬‬

‫ج‪ -‬وعن ابن عمر قال‪( :‬حضرت أيب حني أصيب‪ .‬فأثنوا عليه وقالوا‪ :‬جماك هللا خريا فقال‪ :‬راغب‬

‫وراهب‪ .‬قالوا‪ :‬استخلف‪ .‬فقال‪ :‬أحتمل أمركم حيا وميتا؟ لوددت أن حظي منها الكفاف‪ ،‬ال‬

‫‪102‬الرزية‪ :‬املصيبة‪ ،‬انظر صحيح البخاري‪ ،‬حتقيق د‪ .‬مصطفى البغا‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪( 54‬اهلامش)‪.‬‬
‫‪103‬اإلمام البخاري‪ ،‬صحح البخاري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،54‬كتاب العلم‪ ،‬ابب كتابة العلم‪ ،‬حديث رقم )‪. (114‬ويف كتاب اجلهاد‪ ،‬حديث رقم‬
‫(‪ ،)2333‬ويف كتاب اجلمية‪ ،‬حديث (‪ ،)2997‬وكتاب املغازي‪ ،‬حديث رقم (‪ ،)4168‬وحديث رقم )‪ ،)4119‬وكتاب املرضى‪ ،‬حديث‬
‫(‪ ،)5345‬وكتاب االعتصام ابلكتاب والسنة‪ ،‬حديث )‪ .)1932‬وأخرجه اإلمام مسلم‪ ،‬صحح مسلم‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪،1259-1257‬‬
‫كتاب الوصية‪ ،‬ابب ترك الوصية ملن ليس له شيء يوصي فيه‪ ،‬حديث رقم (‪ )1137‬األحاديث رقم ‪ .22 ،21 ،26‬وأخرجه اإلمام امحد‪،‬‬
‫مسند امحد‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،477‬حديث رقم (‪.)1935‬‬

‫‪133‬‬
‫علي وال يل‪ ،‬فإن أستخلف‪ ،‬فقد استخلف من هو خري مِن (يعِن أبو بكر)‪ ،‬وان أترككم فقد‬

‫ترككم من هو خري مِن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم)‪.105‬‬

‫فهذه النصوص تدل على انه عليه الصالة والسالم مل يستخلف ألحد من املسلمني‪.‬‬

‫د‪ -‬ما ورد يف اجتماع الصحابة رضوان هللا عليهم يف سقيفة بِن ساعدة‪ :‬فقد أخرج البخاري يف صحيحه‬

‫عن عائشة رضي هللا عنها‪ ...( :‬واجتمعت األنصار إىل سعد بن عبادة يف سقيفة بِن ساعدة‪ ،‬ففالوا‪:‬‬

‫منا أمري ومنكم أمري‪ ،‬فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن اخلطاب وأبو عبيدة بن اجلراح ‪ ،‬فذهب عمر‬

‫يتكلم فأسكته أبو بكر‪ ،‬وكان عمر يقول‪ :‬وهللا ما أردت بذلك إال اي قد هيأت كالما قد أعجبِن‪،‬‬

‫خشيت أن ال يبلغه أبو بكر‪ ،‬مث تكلم أبو بكر‪ ،‬فكان ابلغ الناس‪ ،‬فقال يف كالمه‪ :‬حنن األمراء وانتم‬

‫الوزراء‪ ،‬فقال حباب بن املنذر‪ :‬ال وهللا ال نفعل‪ ،‬منا أمري‪ ،‬ومنكم أمري‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬ال‪ ،‬ولكنا‬

‫األمراء وانتم الوزراء‪ ،‬هم أوسط العرب دارا‪ ،‬واعرهبم أحسااب‪ ،‬فبايعوا عمر أو أاب عبيدة بن اجلراح‪،‬‬

‫فقال عمر‪ :‬بل نبايعك أنت‪ ،‬فأنت سيدان‪ ،‬وخريان‪ ،‬واحبنا إىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فأخذ‬

‫عمر بيده فبايعه‪ ،‬وابيعه الناس‪ ،‬فقال قائل‪ :‬قتلتم سعدا‪ ،‬فقال عمر‪ :‬قتله هللا)‪.106‬‬

‫فحادثة السقيفة هذه توضح لنا أن الصحابة ‪ -‬رضي هللا عنهم‪ -‬اجتمعوا بعد وفاة رسول هللا صلى‬

‫هللا عليه وسلم لينظروا فيمن يكون امر اخلالفة‪ ،‬ومن يكون إمام املسلمني‪ ،‬وهذا دليل واضح على عدم‬

‫‪104‬ابن حنبل‪ ،‬اإلمام أمحد‪ ،‬مسند امحد‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،511‬حديث رقم (‪ ،)2374‬مراجعة وتعليق صدقي حممد العطار‪.‬‬
‫‪105‬اإلمام البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،2133‬كتاب األحكام ‪ ،‬ابب االستخالف حديث رقم (‪ .)1792‬صحيح مسلم ‪-‬‬
‫واللفظ له‪ ،-‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،1454‬كتاب اإلمارة‪ ،‬ابب االستخالف وتركه‪ ،‬حديث رقم (‪ .)1323‬اإلمام أبو داود‪ ،‬سنن أيب داود‪ ،‬ج ‪، 3‬‬
‫ص ‪ ،14‬كتاب اخلراج‪ ،‬ابب يف اخلليفة يستخلف‪ ،‬حديث رقم (‪. )2939‬اإلمام الرتمذي‪ ،‬سنن الرتمذي‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ 97-91‬حديث رقم‬
‫(‪ .)2232‬اإلمام أمحد‪ ،‬مسند اإلمام أمحد‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،99‬حديث رقم (‪ ،)299‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،165-164‬حديث رقم (‪ ،)322‬ج ‪،1‬‬
‫ص ‪ ،167‬حديث رقم (‪.)332‬‬
‫‪106‬اإلمام البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،1342-1342‬حديث رقم (‪.)3417‬وأخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬يف مسند أمحد‪ ،‬ج ‪،1‬‬
‫ص ‪ ،124-121‬حديث رقم (‪.)391‬‬

‫‪134‬‬
‫وجود استخالف منه عليه الصالة والسالم ألي احد من الصحابة رضوان هللا عليهم‪ ،‬فلو انه استخلف‬

‫احدا منهم لكان سبب اجتماعهم يف السقيفة احد امرين‪ :‬أما اهنم علموا أبنه صلى هللا عليه وسلم عهد‬

‫ابلوالية لصحايب معني فكتموا ذلك‪ ،‬وهذا فحال من الصحابة املشهود هلم ابخلريية واألمانة‪ ،‬وأما اهنم مل‬

‫يعلموا ابالستخالف‪ ،‬وهذا احتمال ضعيف‪ ،‬ألنه لو وجد استخالف لشاع خربه وعرف به اجلميع‪ ،‬وملا‬

‫احتاجوا إىل هذا االجتماع مبا فيه من جدل ونفاش‪.107‬‬

‫‪ .2‬خمالفته لفعل الصحابة رضي هللا عنهم أمجعني‪:108‬‬

‫فلم يرد عن الصحابة رضي هللا عنهم اهنم عهدوا ألحد ابخلالفة‪ ،‬فتنصيب أيب بكر الصديق ‪ -‬رضي‬

‫هللا عنه ‪ -‬جاء عن مشاورة الصحابة الطويلة يف سقيفة بِن ساعدة‪ ،‬مث مبايعتهم له مهاجرين وانصار‪ .‬أما‬

‫استخالف أيب بكر لعمر رضي هللا عنهما ابخلالفة فال يدل على مشروعية االستخالف‪ ،‬فهي حالة‬

‫خاصة‪ ،‬إذ أن أاب بكر رضي هللا عنه جعل األمر للناس فخريهم أبن جيتهد هلم رايه‪ ،‬فطلبوا منه ذلك ووكلوه‬

‫يف أمرهم هذا‪ ،‬فاختار هلم عمر رضي هللا عنه بعد ما كان قد شاور فيه العديد من أجالء الصحابة رضوان‬

‫هللا عليهم أمجعني‪.109‬‬

‫كما أن عمر رضي هللا عنه ملا طعن وحضرته الوفاة‪ ،‬طلب منه املسلمون أن يستخلف عليهم‪ ،‬فرتدد‬

‫يف ذلك يف بداية األمر‪ ،‬مث رشح هلم ستة من خرية الصحابة رضوان هللا عليهم ممن مات رسول هللا صلى‬

‫هللا عليه وسلم وهو راض عنهم‪ ،‬ليؤمروا عليهم احدهم‪ ،‬وهم‪ :‬علي بن أيب طالب‪ ،‬وعامان بن عفان‪،‬‬

‫والمبري بن العوام‪ ،‬وطلحة بن عبيد هللا‪ ،‬وسعد بن أيب وقاص‪ ،‬وعبد الرمحن بن عوف –رضي هللا عنهم‬

‫‪107‬عامان‪ ،‬حممد رأفت‪ ،‬رايسة الدولة يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪ .344‬وانظر‪ :‬أبو عيد‪ ،‬عارف‪ ،‬وظيفة احلاكم‪ ،‬ص ‪. 165-164‬‬
‫‪108‬انظر أبو عيد‪ ،‬عارف‪ ،‬وظيفة احلاكم‪ ،‬ص ‪ 165‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪109‬الدينوري‪ ،‬ابن قتيبة‪ ،‬اإلمامة والسياسة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .22‬السيوطي‪ ،‬اإلمام جالل الدين‪ ،‬اتريخ اخللفاء‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪135‬‬
‫أمجعني ‪ -‬فاجتمع هؤالء الرهط ليتباحاوا يف األمر فأوكلوا أمرهم لعبد الرمحن بن عوف‪ ،‬فاختار هلم عامان‬

‫بن عفان بعد مشورة من املسلمني‪.110‬‬

‫أخرج البخاري يف صحيحه عن املشور بن خمرمة‪( :‬أن الرهط الذين وألهم عمر اجتمعوا فتشاوروا‪،‬‬

‫ففال هلم عبد الرمحن‪ :‬لست ابلذي أانفسكم على هذا األمر‪ ،‬ولكنكم إن شئتم اخرتت لكم منكم‪ ،‬فجعلوا‬

‫ذلك إىل عبد الرمحن‪ ،‬حىت ما أرى أحدا من الناس يتبع أولئك الرهط وال يطأ عقبه‪ ،‬ومال الناس على عبد‬

‫الرمحن يشاورنه تلك الليايل‪ ،‬حىت إذا كانت الليلة اليت أصبحنا منها فبايعنا‪ .111‬فهذا دليل على أن عامان‬

‫رضي هللا عنه توىل اخلالفة ابختيار املسلمني‪ ،‬وليس ابستخالف خاص به‪.‬‬

‫وكذلك موقف متأخري الصحابة رضوان هللا عليهم من معاوية بن أيب سفيان رضي هللا عنه عندما أراد‬

‫أن يعهد ابلوالية البنه يميد‪ ،‬قال ابن قتيبة‪( :‬وذكروا أن معاوية كتب إىل سعيد بن العاص وهو على املدينة‬

‫أيمره أن يدعو أهل املدينة إىل البيعة‪ ،‬ويكتب إليه مبن سارع منهم ممن مل يسارع ‪ ...‬فكتب سعيد بن‬

‫العاص إىل معاوية‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإنك أمرتِن أن أدعو الناس لبيعة يميد بن أمري املؤمنني‪ ،‬وان اكتب إليك مبن‬

‫سارع منهم ممن أبطأ‪ .‬واي أخربك أن الناس عن ذلك بطاء‪ ،‬السيما أهل البيت من بِن هاشم‪ ،‬فإنه مل جيبِن‬

‫منهم احد‪ ،‬وبلغِن عنهم ما اكره‪ ،‬وأما الذي جاهر بعداوته واابئه فعبد هللا بن المبري‪ .‬ولست اقوى عليهم‬

‫إال ابخليل والرجال أو تقدم بنفسك‪ ،‬فرتى رايك يف ذلك والسالم)‪ .112‬فمعارضتهم الشديدة هلذا األمر‬

‫دليل على عدم جوازه وخطئه‪.‬‬

‫‪110‬الدينوري‪ ،‬ابن قتيبة‪ ،‬اإلمامة والسياسة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.23-25‬‬


‫‪111‬أخرجه اإلمام البخاري يف صحح البخاري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،2135-2934‬كتاب األحكام‪ ،‬ابب كيف يبايع اإلمام الناس‪ ،‬حديث رقم‬
‫(‪.)1731‬‬
‫‪112‬الدينوري‪ ،‬ابن قتيبة‪ ،‬عبد هللا‪ ،‬اإلمامة والسياسة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪. 144‬‬

‫‪136‬‬
‫فكل هذه األدلة تدل على عدم وجود فعل من أفعال الصحابة رضي هللا عنهم يدل على مشروعية‬

‫االستخالف‪ ،‬بل إن أفعاهلم تدل على أن امر اخلالفة للمسلمني يبايعون من يرونه مناسبا‪ ،‬وليس ألحد أن‬

‫يفرض رايه وسلطانه عليهم‪.‬‬

‫‪ .3‬خمالفته لروح التشريع احلنيف‪:113‬‬

‫فاالستخالف مبدأ يقوم على استئاار شخص واحد ‪-‬وهو اخلليفة القائم‪ -‬بتحديد مصري قيادة األمة‬

‫املستقبلية‪ ،‬وهذا امر خيالف احد قواعد نظام احلكم يف اإلسالم وهي قاعدة الشورى‪ ،‬فالشورى هي الطريقة‬

‫الشرعية الصحيحة لتنصيب اإلمام ‪ ،114‬وهذا اثبت أبدلة من القرآن والسنة الشريفة‪ ،‬يقول تبارك وتعاىل‪:‬‬

‫ِ‬
‫وشا ِوْرُه ْم يف األ َْم ِر) ‪ ،‬ويقول أيضا‪( :‬وأ َْم ُرُه ْم ُش َ‬
‫ورى بَْي نَ ُه ْم)‪.116‬‬ ‫‪115‬‬
‫( َ‬

‫وعن أيب هريرة رضي هللا عنه أنه قال‪( :‬ما رأيت أحدا اكار مشورة من رسول هللا صلى هللا عليه‬

‫وسلم)‪ ،117‬فمن املعروف‪ :‬انه صلى هللا عليه وسلم كان يشاور أصحابه يف غمواته كلها‪ ،‬فقد شاورهم يف‬

‫غموة بدر‪ ،‬ويف أسرى بدر‪ ،‬ويف غموة احد‪ ،‬وغريها‪ ،‬ونمل على رايهم املخالف لرايه‪ ،‬وذلك ترسيخا منه‬

‫عليه الصالة والسالم ملبدا الشورى لعلمه أبيمهيته هلم‪. 118‬‬

‫فلذلك ال جيوز أن يستخلف اإلمام القائم لغريه ابلوالية بعده من غري مشورة املسلمني واختيارهم‪.‬‬

‫‪113‬متويل‪ ،‬عبد احلميد‪ ،‬مبادئ نظام احلكم يف اإلسالم ص ‪. 165‬‬


‫‪114‬الدوري‪ ،‬قحطان‪ ،‬الشورى بني النظرية والتطبيق ص ‪. 71‬‬
‫‪115‬سورة آل عمران‪ ،‬من اآلية ‪. 159‬‬
‫‪116‬سورة الشورى‪ ،‬من اآلية ‪. 38‬‬
‫‪117‬أخرجه الرتمذي‪ ،‬سنن الرتمذي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،275-274‬حديث رقم (‪.)1726‬‬
‫‪118‬ابو فارس‪ ،‬حممد‪ ،‬النظام السياسي يف اإلسالم‪ ،‬ص ‪ 94‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫‪ .4‬أنه يفضي إىل اجتماع إمامني يف عصر واحد‪:‬‬

‫قال أبو يعلى الفراء‪ ...( :‬لو كان عقدا هلا ألفضى ذلك إىل اجتماع إمامني يف عصر واحد‪ ،‬وهذا‬

‫غري جائم‪ ،‬واذا مل يعترب حضورهم ‪ -‬أي أهل احلل والعقد ‪ ،-‬وكان معتربا بعد موت اإلمام العاقد)‪.119‬‬

‫‪ .5‬انه ل وجو اكإررا يف اكإسال إلالقا‪:‬‬

‫الر ْش ُد ِم َن الغَ ِي)‪ ،120‬فكما أن اإلكراه حمظور يف االعتقاد‬ ‫ِ‬


‫قال تعاىل‪( :‬ال إ ْكَر َاه ِيف الدي ِن قَد تَّبَ َّ َ‬
‫ني ُّ‬

‫فيجب أن يكون حمظورا فيما هو دونه كاخلالفة‪ ،‬وذلك من ابب أوىل‪.121‬‬

‫املطلب الثالث‬

‫راي الشيعة اإلمامية يف ثبوت اإلمامة بطريق النص‬

‫ذكران يف املطلب السابق أن اكار أهل السنة ‪ -‬وغريهم ‪ -‬يرون أن طريق ثبوت اإلمامة‪ :‬االختيار من‬

‫املسلمني‪ .122‬أما الشيعة فلهم راي خمتلف يف هذا األمر‪ ،‬فقد ذهبوا إىل أن اإلمامة ال تابت إال‬

‫ابلنص‪ ،123‬فهم يعتقدون أبن الرسول صلى هللا عليه وسلم قد أوصى ابإلمامة لعلي رضي هللا عنه‪ ،‬وذلك‬

‫أبمر من هللا تعاىل‪ ،‬مث انتقلت اإلمامة بعد ذلك ابلنص منه إىل اإلمام الذي يليه وهكذا إىل أن بلغوا اثِن‬

‫عشر إماما‪ .‬فالطريق الوحيد لإلمامة ‪ -‬عندهم – إذا تكون بنص من النيب صلى هللا عليه وسلم أو من‬

‫‪119‬الفراء‪ ،‬أبو يعلى‪ ،‬األحكام السلطانية ص ‪ .31‬عبد اللطيف‪ ،‬حسن‪ ،‬الدولة اإلسالمية وسلطتها التشريعية‪ ،‬ص ‪. 112‬‬
‫‪120‬سورة البقرة‪ ،‬من اآلية ‪.351‬‬
‫‪121‬العيلي‪ ،‬عبد احلكيم حسن‪ ،‬احلرايت العامة‪ ،‬ص ‪.221‬‬
‫‪122‬انظر امحد‪ ،‬فؤاد‪ ،‬أصول نظام احلكم يف اإلسالم ص ‪.175‬‬
‫‪123‬املظفر‪ ،‬حممد رضا‪ ،‬عقائد اإلمامية‪ ،‬ص ‪ .74‬احللو‪ ،‬حممد علي‪ ،‬عقائد اإلمامية برواية الصحاح الستة‪ ،‬ص ‪ .33-32‬العتوم‪ ،‬حممد‪،‬‬
‫النظرية السياسية للشيعة اإلمامية ص ‪ ،135‬البغدادي‪ ،‬عبد القاهر‪ ،‬أصول الدين ص ‪ ،279‬متويل‪ ،‬عبد احلميد‪ ،‬مبادئ نطام احلكم يف‬
‫اإلسالم ص ‪ ،161‬بسيوي‪ ،‬حسن‪ ،‬الدولة نظام احلكم يف اإلسالم‪ ،‬ص ‪ .17‬قرعوش‪ ،‬كايد‪ ،‬طرق انتهاء والية احلكام‪ ،‬ص ‪.261‬‬

‫‪138‬‬
‫اإلمام ‪ -‬السابق – على تويل شخص معني أمر اخلالفة‪ ،‬وهي أمر من هللا تعاىل‪ ،‬وال جيوز ألحد أن يعني‬

‫اإلمام‪ ،‬أو خيتاره‪ ،‬أو يستخلفه‪ ،‬أو ينتخبه‪ ،‬وتعتد اإلمامة والنص عندهم من أركان الدين الرئيسية‪.124‬‬

‫أدلة هذا الفريق‪:‬‬

‫اَّلل ورسولُه والَّ ِذين آمنوا الَّ ِذ ِ‬ ‫ِ‬


‫وه ْم‬ ‫الصالةَ ويُ ْؤتُو َن َّ‬
‫المَكاةَ ُ‬ ‫يمو َن َّ‬
‫ين يُق ُ‬
‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫‪ .1‬قوله تعاىل‪َّ ( :‬إمنَا وليُّ ُك ُم َُّ َ ُ ُ‬
‫َراكِعُو َن)‪ 125‬فقد فسروا هذه اآلايت مبا يوافق معتقدهم هذا‪ ،‬فقالوا‪ :‬أبن املقصود هبا علي رضي‬

‫هللا عنه‪ ،‬فقد نملت فيه عندما تصدق ابخلامت وهو راكع ‪.126‬‬

‫‪ .2‬واستدلوا بقول الرسول صلى هللا عليه وسلم‪( :‬من كنت مواله فعلي مواله‪ ،‬اللهم وايل من وااله‪،‬‬

‫وعاد من عاداه)‪.127‬‬

‫‪ .3‬أن العصمة امر مهم لإلمام‪ ،‬واأل ألمكن أن يقع يف االحنراف أو الطيش أو غري ذلك‪ ،‬وال يكون‬

‫اإلمام معصوما ابختيار احد من الناس‪ ،‬والعصمة امر خفي ال يعلمه إال هللا تعاىل‪ ،‬فال بد إذن أن‬

‫ينص عليه كإمام معصوم منه تبارك وتعاىل ‪.128‬‬

‫‪124‬املظفر‪ ،‬حممد‪ ،‬عقائد اإلمامية‪ ،‬ص ‪. 74‬احللو‪ ،‬حممد‪ ،‬عقائد اإلمامية برواية الصحاح الستة‪ ،‬ص ‪ .33-32‬وانظر البغدادي‪ ،‬أصول‬
‫الدين‪ ،‬ص ‪ .236-379‬أبو عيد‪ ،‬عارف‪ ،‬وظيفة احلاكم ‪ ،‬ص ‪. 55‬‬
‫ويف هذا الشأن يقول حممد رضا مظفر‪( :‬نعتقد أن اإلمامة كالنبوة‪ ،‬ال تكون إال بنض من هللا تعاىل على لسان رسوله‪ ،‬ولسان اإلمام املنصوب‬
‫ابلنص إذا أراد أن ينص على اإلمام من بعده‪ ،‬وحكمها يف ذلك حكم النبوة بال فرق‪ ،‬فليس للناس أن يتحكموا فيمن يعينه هللا هاداي ومرشدا‬
‫لعامة البشر‪ ،‬كما ليس هلم حق تعيينه أو ترشيحه أو انتخابه‪ ،‬ألن الشخص الذي له من نفسه القدسية استعدادا لتحمل أعباء اإلمامة العامة‬
‫وهداية البشر قاطبة جيب أن ال يعرف إال بتعريف هللا‪ ،‬وال يعني إال بتعيينه)‪ .‬عقائد اإلمامية ‪ ،‬ص ‪. 74‬‬
‫ولكن هذا األصل عند الشيعة مل يعد ابقيا إىل اآلن‪ ،‬فقد ظل موجودا إىل أن انتهت اإلمامة إىل اإلمام الااي عشر حممد بن احلسن العسكري‬
‫الذي اختفى يف السرداب‪ ،‬وسيظهر آخر الممان فيمأل األرض عدال ‪ -‬على حد اعتقادهم ‪ ،-‬ولذلك فإن الدستور اإليراي احلديث نص على‬
‫أن رئيس اجلمهورية خيتاره الشعب ‪ .‬انظر أبو فارس‪ ،‬حممد‪ ،‬النظام السياسي يف اإلسالم‪ ،‬ص ‪. 253-252‬‬
‫‪125‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪. 55‬‬
‫‪126‬املظفر‪ ،‬حممد‪ ،‬عقائد اإلمامية‪ ،‬ص ‪ .74‬احللو‪ ،‬حممد علي‪ ،‬عقائد اإلمامية برواية الصحاح الستة‪ ،‬ص ‪ .33-32‬وانظر البغدادي‪،‬‬
‫أصول الدين‪ ،‬ص ‪ .236 -279‬ابو عيد‪ ،‬عارف‪ ،‬وظيفة احلاكم‪ ،‬ص ‪. 55‬‬
‫‪127‬املظفر‪ ،‬حممد‪ ،‬عقائد اإلمامية‪ ،‬ص ‪ .74‬وانظر أبو عيد‪ ،‬عارف‪ ،‬وظيفة احلاكم ‪ ،‬ص ‪.57‬‬

‫‪139‬‬
‫‪ .4‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم اشفق على األمة من الوالد على الولد‪ ،‬وقد بني هلا كل أمور‬

‫حياهتا فكيف يرتكها دون أن ينص على من يلي أمرها بعده؟ ففي ذلك اهتام له عليه الصالة‬

‫وسالم إبيمهاهلا وعدم إرشادها‪.129‬‬

‫املطلب الرابع‬

‫مناقشة األدلة وبيان الراي الراجح يف ضوء مقاصد التشريع‬

‫بعد عرض آراء املذاهب املختلفة يف حكم االستخالف أتيت يف هذا املطلب مناقشة هذه اآلراء وأدلتها‬

‫يف ضوء مقاصد التشريع للوصول إىل راي راجح يف هذه املسألة‪ ،‬وذلك كما يلي‪:‬‬

‫أولا‪ -‬مناقشة أدلة القائلني جبوا الستخالف‪:‬‬

‫‪ .1‬نوقش استدالهلم إبمجاع الصحابة رضي هللا عنهم أبنه خاطي‪ ،‬إذ انه ال وجود ألي دليل عليه من‬

‫أفعاهلم رضوان هللا عليهم‪ .‬ففول املاوردي أبن أاب بكر استخلف لعمر بن اخلطاب غري صحيح‪ ،‬إذ انه‬

‫رضى هللا عنه جعل األمر للمسلمني يؤمروا عليهم من شاءوا فأوكلوا األمر إليه‪ ،‬فاختار هلم عمر رضي‬

‫هللا عنه بعد مشورة من كبار الصحابة‪ .130‬كما أن قوله أبن عمر رضي هللا عنه عهد هبا إىل أهل‬

‫الشورى فقبلت اجلماعة الدخول فيها وهم أعيان العصر لصحة االستخالف هبا وخرج ابقي الصحابة‬

‫منها‪ ،‬غري دقيق‪ ،‬إذ أن عمر رضي هللا عنه رشح الستة الكرام من الصحابة رضي هللا عنهم وهم الذين‬

‫تويف الرسول صلى هللا عليه وسلم وهو راض عنهم‪ ،‬وذلك بعدما طلب املسلمون منه ذلك‪ .‬مث اؤكل‬

‫‪128‬املظفر‪ ،‬حممد‪ ،‬عقائد اإلمامية‪ ،‬ص ‪ .74‬وانظر بسيوي ‪ ،‬حسن‪ ،‬الدولة نظام احلكم يف اإلسالم ‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪129‬احللو‪ ،‬حممد‪ ،‬عقائد اإلمامية برواية الصحاح الستة‪ ،‬ص ‪ .32‬نقال عن العالمة احللي‪ ،‬جتريد االعتقاد‪ ،‬ص ‪ . 311‬املظفر‪ ،‬حممد‪ ،‬عقائد‬
‫اإلمامية‪ ،‬ص ‪ .74‬وانظر البغدادي‪ ،‬أصول الدين ‪ ،‬ص ‪.236‬‬
‫‪130‬ابن تيمية‪ ،‬امحد‪ ،‬منهاج السنة ج ‪ ،1‬ص ‪.317‬‬

‫‪140‬‬
‫هؤالء الستة أمرهم إىل عبد الرمحن بن عوف رضى هللا عنه الذي اختار عامان بن عفان بعد مشورة‬

‫من املسلمني مث انعقدت اخلالفة له عن طريق بيعة املسلمني‪ ،‬وهذا يدحض القول‪ :‬أبنه توىل اخلالفة‬

‫بعهد سابق وينافيه‪ .131‬فاإلمجاع إذا انعقد من الصحابة على اخلليفة نفسه يف كال احلالتني‪ ،‬وليس‬

‫على مشروعية االستخالف ‪.132‬‬

‫ويرى الباحث أن هذا الرد غري دقيق إذ أن وقوع اإلمجاع يف هاتني احلالتني يلمم منه اإلمجاع على‬

‫مشروعية االستخالف أيضا‪ ،‬فهو السبب الذي أوصل الصحابة إىل مبايعة اخلليفتني‪ :‬أيب بكر‪ ،‬وعمر‪،‬‬

‫رضي هللا تعاىل عنهما‪ .‬ولكن يفهم من هذين املاالني مجلة من األمور والضوابط اهلامة‪ ،‬منها‪ :‬ما يلي‪:‬‬

‫أ‪ -‬وجوب املشاورة يف ترشيح من يستخلف‪ ،‬وهذا ينطلق من النصوص الشرعية املوجبة للشورى‪ ،‬ومن‬

‫مقصد التشريع احلنيف يف حتقيق مصاحل العباد وحتقيق العدل‪.‬‬

‫ب‪ -‬اشرتاط الكفاءة فيه والتأكد من حتققها ابستشارة الاقات يف حال املستخلف‪ ،‬وذلك حتقيقا ملقصد‬

‫العدل ومقصد حفظ مصاحل األمة‪ ،‬وبقية مقاصد التشريع املتعلقة ابلوالايت العامة‪.‬‬

‫ج‪ -‬وجود فرق بني االستخالف والبيعة‪ ،‬فاألول‪ :‬ترشيح من اخلليفة حلكمة ابلغة وبعد مشورة‪ ،‬والااي‪:‬‬

‫عقد ملمم بني املستخلف كخليفة جديد وبني األمة‪.‬‬

‫‪ .2‬رد على استدالهلم ابملصلحة‪ ،‬وأبن االستخالف هو افضل طريق لابوت اإلمامة ‪ -‬كما قال ابن حمم‬

‫‪ -‬أبنه ينافيه امرأن‪ :‬احديمها‪ :‬انه لو كانت مصلحة املسلمني تتحقق ابالستخالص‪ ،‬وانه افضل طريق‬

‫لابوت اإلمامة‪ ،‬لعهد الرسول صلى هللا عليه وسلم ألحد أصحابه‪ ،‬وألوصاان ابالستمرار على ذلك‪.‬‬

‫‪131‬أبو عيد‪ ،‬عارف‪ ،‬وظيفة احلاكم‪ ،‬ص ‪ 37‬وما بعدها‪ .‬آل حممود‪ ،‬امحد‪ ،‬البيعة يف إلسالم ‪ ،‬ص ‪.229‬‬
‫‪132‬عبد املنعم ‪ ،‬فؤاد‪ ،‬أصول نظام احلكم يف اإلسالم ص ‪.172‬‬

‫‪141‬‬
‫فالقول هبذا يؤدي إىل أن الرسول صلى هللا عليه وسلم غاب عنه أن مصلحة األمة يف ذلك فرتكه‪،‬‬

‫وهذا غري قومي‪ .‬والااي‪ :‬أن هذا االستدالل ليس مستقيما دائما‪ ،‬إذ أن اإلمام غري معصوم‪ ،‬فقد مييل‬

‫يف ساعة إىل قريب أو صديق فيحابيه فيستخلفه‪ ،‬ويف هذه احلالة ال تتحقق مصلحة املسلمني‪ ،‬بل‬

‫على العكس‪ .‬وهذا ما حصل عندما عهد معاوية إىل ابنه يميد‪ ،‬والذي أدى إىل فنت عظيمة مل حتمد‬

‫عقباها‪ .‬ولعل الذي أوقع ابن حمم يف هذا القول هو ما ذهب اليه من ان الرسول صلى هللا عليه وسلم‬

‫استخلف ااب بكر رضي هللا عنه‪ ،‬واعتقاده أبن الصحابة قاموا بنفس العمل بعده ‪.133‬‬

‫ويرى الباحث‪ :‬ان هنالك مصلحة واضحة يف االستخالف تتمال حبقن دماء املسلمني برتشيح من‬

‫هو كفؤ لسياسة أمورهم‪ ،‬ال سيما يف األحوال الصعبة حيث الفنت واالضطراابت األمنية‪ ،‬بل إن هذا الزم‬

‫لتحقيق مقصد التشريع يف حفظ النفس‪ ،‬والعرض‪ ،‬واملال من جهة‪ ،‬ومقصده يف حفظ امن الدولة من‬

‫جهة أخرى‪ .‬أما ما ذكر من عدم وجود عهد من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فال يدل ابلضرورة على‬

‫عدم جوازه‪ ،‬صمان دل على عدم وجوبه‪ .‬أما ما ذكر من أن االستخالف من شأنه احملاابة‪ ،‬فال يسلم به‬

‫يف مجيع األحوال‪ ،‬ملا يوجد يف اخلليفة الشرعي من صفات العدالة والورع واإلخالص‪ ،‬وإن كان جيدر أيخذ‬

‫به بعني االعتبار يف عدم اعتبار االستخالف اكار من ترشيح لألمة‪ ،‬فإن كان فيه حماابة لغري كفؤ‪ ،‬فال‬

‫يلممها األخذ به ومبايعة املستخلف‪.‬‬

‫‪ .3‬ورد على استدالل ابن حمم بعدم وجود نص أو إمجاع مينع االستخالف غري صحيح‪ ،‬إذ أن النصوص‬

‫الدالة على أن الييعة واجبة على األمة‪ ،‬واهنا طريق اإلمامة الشرعية ‪ -‬بعد املشاورة واالختيار ‪ -‬كارية‬

‫‪133‬انظر أبو عيد‪ ،‬عارف‪ ،‬وظيفة احلاكم‪ ،‬ص ‪.93-97‬‬

‫‪142‬‬
‫‪ ،134‬منها قوله صلى هللا عليه وسلم‪( :‬من خلع يدا من طاعة لقي هللا يوم القيامة ال حجة له‪ ،‬ومن‬

‫مات وليس يف عنقه بيعة‪ ،‬مات ميتة جاهلية)‪.135‬‬

‫ويرى الباحث أن وجوب البيعة ال مينع جواز االستخالف كرتشيح‪ ،‬بل إن ذلك قد خيدم األمة من‬

‫عدة وجوه‪ :‬كإبراز مرشح كفؤ يرتفع عن إشهار نفسه‪ ،‬أو قطع اجملال على من قد يفرق األمة‪ ،‬أو إعطاء‬

‫ميمة وأفضلية ملرشح حبيث ميكن اإلمجاع عليه يف وقت قلقلة وقتنة‪ ،‬وهذا بدون شك من شأنه حتقيق‬

‫مقصد يف حفظ األمن والنظام‪.‬‬

‫‪ .4‬وقد نوقش استدالل املاوردي أبن اإلمام ‪ -‬القائم ‪ -‬احق هبا فاختياره فيها امضى وانفذ أبنه خمالف‬

‫لقاعدة سياية شرعية هامة وهي‪ ،‬كون السلطة لألمة‪ ،‬فاستخالف اإلمام وعهده لشخص ما عقد فيه‬

‫فضول لصدوره ممن ال ميلك إصداره فال ينعقد‪ ،‬لكون اخلالفة عقد والية عامة‪ ،‬ينطبق عليها ما ينطبق‬

‫على العقود األخرى من وجوب حتقق رضا من أتهل إلبرامها‪.136‬‬

‫اثني ا‪ -‬مناقشة ادله القائلني بعد جوا الستخالف‪:‬‬

‫‪ .1‬ما استدلوا به من أن رسول هللا عليه أفضل الصالة والسالم مل يستخلف ليس فيه داللة على عدم‬

‫جواز االستخالف كما سبق ذكره ‪.‬‬

‫‪134‬اخلالدي‪ ،‬حممود‪ ،‬البيعة‪ ،‬ص ‪.113-112‬‬


‫‪135‬اإلمام مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ، 1473‬كتاب اإلمارة‪ ،‬حديث رقم (‪.)1351‬‬
‫‪ 136‬انظر القامسي‪ ،‬ظافر‪ ،‬نظام احلكم يف الشريعة والتاريخ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،212-211‬نقال عن موسى‪ ،‬حممد يوسف‪ ،‬نظام احلكم يف‬
‫اإلسالم‪ ،‬ص ‪ 71‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫‪ .2‬استدالهلم بفعل أيب بكر وعمر رضي هللا عنهما وما ذهبوا اليه من انه مشورة حبتة ال يسلم به‪ ،‬فمن‬

‫الواضح جدا‪ :‬أن أاب بكر قد عهد إىل عمر رضي هللا عنهما‪ ،‬وما ورد عنه يف املشاورة يف ذلك يدل‬

‫على أيمهية الشورى يف هذا الشأن‪ ،‬وال يدل على عدم وجود االستخالف والعهد‪.‬‬

‫‪ .3‬ما احتجوا به من أنه خيالف مبدا الشورى وروح التشريع فال يسلم به أيضا‪ ،‬إال يف حالة االستئاار‬

‫ابالستخالف دون مشورة‪ ،‬والواجب أن ال يستخلف اخلليفة دون أن يشاور من هم أهل لذلك‪.‬‬

‫‪ .4‬ما استدل به أبو يعلى الفراء من انه يؤدي إىل اجتماع إمامني يف وقت واحد غري صحيح‪ ،‬إذ أن‬

‫االستخالف هو ترشيح لألمة يلمم املصادقة عليه ابلبيعة‪ ،‬حىت أيخذ املستخلف صفة اخلالفة ويتمتع‬

‫بصالحياهتا‪.‬‬

‫‪ .5‬ما ذكره بعضهم من وجود اإلكراه يف االستخالف‪ ،‬وهو غري جائم ال يكون صحيحا إذا اعترب‬

‫االستخالف ترشيحا لألمة من اخلليفة القائم‪ ،‬وترك هلا بعد ذلك حق االختيار ابلبيعة‪.‬‬

‫‪ .1‬جيدر ابلذكر أن بعض العلماء احملدثني أساء الظن يف العلماء السابقني ويف مجهور املسلمني‪ ،‬مال‬

‫األستاذ عبد القادر عودة الذي قال‪( :‬فلعل بعض الفقهاء الذين ابعوا الدنيا ابآلخرة هم الذين أشاروا‬

‫على معاوية بوالية العهد لولده يميد‪ ،‬وهم الذين زينوا له هذا األمر‪ ...‬وهكذا تظافر احلكام املسلمون‬

‫وبعض الفقهاء املسلمني ‪ -‬وكال الفريقني امني على مصاحل األمة ‪ -‬تظافروا على خيانة األمة‬

‫اإلسالمية وسلبها حقوقها اليت فرضها اإلسالم‪ ،‬فاإلسالم يعطي لألمة حق اختيار حكامها وعمهلم‪،‬‬

‫وجيعلهم مباابة التواب عنها‪ ،‬ولكن احلكام وبعض الفقهاء آتمروا على األمة اإلسالمية فسلبوها كل‬

‫حقوقها‪ ،‬وجعلوا من أفرادها عبيدا‪ ،‬ومن احلكام سادة‪ ،‬أيمرون فال يرد هلم امر‪ ،‬ويتصرفون يف حقوق‬

‫‪144‬‬
‫األمة ومستقبلها وأرواح أبنائها دون حسيب وال رقيب‪ .‬وقد شارك يف هذه اخليانة مجاهري املسلمني‬

‫بسكوهتم على الباطل‪ ،‬وبرضاء بعضهم به‪ ،‬وبعدم ثورهتم عليه ‪.137)...‬‬

‫ويرى الباحث أن هذا االهتام فيه جتِن غري مستند إىل دليل كاف‪ ،‬فالعلماء السابقون اجتهدوا‪،‬‬

‫وكذلك اجتهد املتأخرون‪ ،‬واخلالف الفقهي موجود يف معظم املسائل وهو رمحة لألمة‪ ،‬وأسبابه كارية‪،‬‬

‫وهؤالء العلماء ومجاهري املسلمني هم الذين نقلوا لنا هذا الدين‪ ،‬فال ننظر إليهم إال نظرة االحرتام والتقدير‪،‬‬

‫فقد بنوا رايهم هذا على أدلة كارية راوا اهنا تابت ذلك احلكم‪ ،‬والقول خبيانتهم هو ظن أبن نيتهم تتجه‬

‫لإلساءة عن عمد‪ ،‬وهذا أمر ال يستطيع أحد أن يطلع عليه من البشر‪ ،‬فيجب علينا الاقة بعلمائنا وعدم‬

‫اتباع الظن ألنه اكذب احلديث‪.‬‬

‫اثلث ا ‪ -‬مناقشة أدلة الشيعة‪:‬‬

‫عارض العلماء ‪ -‬قدميا وحدياا ‪ -‬قول الشيعة أبن اإلمامة ال تابت إال ابلنص من الرسول صلى هللا‬

‫عليه وسلم أو من اإلمام القائم إىل الذي يليه‪ ،‬وانه صلى هللا عليه وسلم نص على إمامة علي رضي هللا‬

‫عنه‪ ،‬وقد بني البغدادي ‪ -‬بعدما عرض رايهم ‪ -‬رد رأي اجلمهور الداحض لرايهم فقال‪( :‬ودليل اجلمهور‬

‫أن النص على اإلمام لو كان واجبا على الرسول صلى هللا عليه وسلم بيانه لبينه على وجه تعلمه األمة‬

‫علما ظاهرا ال خيتلفون فيه‪ ،‬ألن فرض اإلمامة يعم الكافة معرفته‪ ،‬كمعرفة القبلة وأعداد الركعات‪ .‬ولو وجد‬

‫نص فيه هكذا لنقلته األمة ابلتواتر ولعلموا صحته ابلضرورة كما اضطروا إىل سائر ما تواتر اخلرب فيه‪ .‬فلما‬

‫كنا مع كارة عددان وزايدتنا على مجيع فرق املدعني للنص غري مضطرين إىل العلم بذلك علمنا أن النص‬

‫على واحد بعينه لإلمامة مل يتواتر النقل فيه‪ .‬دائما زوي فيه أخبار آحاد من جهة الروافض‪ ،‬وليست هلم‬

‫‪137‬اإلسالم وأوضاعنا السياسية‪ ،‬ص ‪.111-115‬‬

‫‪145‬‬
‫معرفة بشروط األخبار وال رواهتم ثقات‪ ،‬وإبزائها أخبار اشهر منها يف النص على غري من يدعون النص‬

‫عليه‪ ،‬وكل منها غري موجب للعلم ‪ .‬واذا مل يكن فيه ما يوجب العلم صارت املسألة اجتهادية وصح فيها‬

‫االختيار واالجتهاد)‪.138‬‬

‫اَّلل ورسولُه والَّ ِذين آمنوا الَّ ِذ ِ‬ ‫ِ‬


‫الصال َة‬
‫يمو َن َّ‬
‫ين يُق ُ‬
‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫وأما استدالهلم من القرآن‪ ،‬بقوله تعاىل‪َّ ( :‬إمنَا وليُّ ُك ُم َُّ َ ُ ُ‬
‫وه ْم َراكِعُو َن)‪ ،139‬وقوهلم‪ :‬أبن املقصود هبا علي رضي هللا عنه‪ ،‬فيجاب عنه أبن الوالية ‪-‬‬ ‫ويُ ْؤتُو َن َّ‬
‫المَكاةَ ُ‬
‫ومنها املويل‪ -‬هي مبع ى النصرة واحملبة وتطلق على الناصر واحملبوب‪ ،140‬وامالة ذلك من القران الكرمي‬

‫وقَ ْد‬ ‫َّخ ُذوا ع ُد ِوي وع ُد َّوُكم أَولِياء تُْل ُقو َن إلَي ِهم ِابلْموَّدةِ‬
‫كارية‪ ،‬منها قوله تعاىل‪( :‬اي أَيُّها الَّ ِذين آمنُوا ال تَت ِ‬
‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ض ُه ْم أ َْولِيَاءُ بَ ْع ٍ‬
‫ض)‪.142‬‬ ‫ات بَ ْع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪141‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َك َف ُروا مبَا َجاءَ ُكم م َن احلَ ِق) ‪ .‬وقوله تعاىل ‪( :‬والْ ُم ْؤمنُو َن والْ ُم ْؤمنَ ُ‬

‫وأما ما ذهبوا إليه يف مذهبهم من إثبات العصمة لإلمام فال دليل عليه إذ أن العصمة لألنبياء والرسل‬

‫فقط‪ ،‬أما غريهم فلم تابت هلم‪ ،‬وهذا االستدالل ما هو األ يل ألعناق النصوص إلثبات امور مبتدعة‪،‬‬

‫وخري رد عليه قول البغدادي السابق يف إثبات راي اجلمهور وانكار راي الشيعة‪ ،‬أبنه ال دليل على ثبوت‬

‫اإلمامة ابلنص‪ ،‬فكل أدلتهم غري اثبتة‪ ،‬ولذلك فاملسألة اجتهادية يصح فيها االختيار واالجتهاد‪.‬‬

‫وأما استدالهلم ابحلديث اآلمر مبواالة علي فريد عليه من وجوه‪:‬‬

‫‪138‬أصول الدين ص ‪ .236‬وقال ابن خلدون‪( :‬واألمر الااي‪ :‬هو شأن العهد مع النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وما تدعيه الشيعة من وصيته‬
‫لعلي رضي هللا عنه‪ ،‬وهو امر مل يصح‪ ،‬وال نقله احد من أئمة النقل‪ ،‬والذي وقع يف الصحيح من طلب الدواة والقرطاس ليكتب الوصية‪ ،‬وأن‬
‫عمر منع من ذلك فدليل واضح على انه مل يقع‪ ،‬وكذا قول عمر رضي هللا عنه حني طعن وسئل يف العهد فقال‪ :‬أن أعهد فقد عهد من هو‬
‫خري مِن‪ ،‬أن اترك فقد ترك من هو خري مِن‪ ،‬يعِن أن النيب صلى هللا عليه وسلم مل يعهد‪ ،‬وكذلك قول علي للعباس رضي هللا عنهما حني دعاه‬
‫للدخول إىل النيب صلى هللا عليه وسلم يساالنه عن شأهنما يف العهد‪ ،‬فأىب علي ذلك وقال‪ :‬إنه إن منعنا منها فال نطمع فيها أخر الدهر‪،‬‬
‫وهذا دليل عظيم على أن عليا علم أنه مل يوص وال عهد إىل احد)‪ .‬املقدمة ص ‪ ،212‬وانظر بسيوي‪ ،‬حسن‪ ،‬الدولة ونظام احلكم يف اإلسالم‬
‫ص ‪.13‬‬
‫‪139‬سورة املائدة‪ ،‬من اآلية ‪.55‬‬
‫‪140‬بسيوي‪ ،‬حسن‪ ،‬الدولة ونظام احلكم يف اإلسالم‪ ،‬ص ‪ ،13‬أبو عيد‪ ،‬عارف‪ ،‬وظيفة احلاكم‪ ،‬ص ‪.57‬‬

‫‪146‬‬
‫‪ .1‬أنه حديث آحاد مل يابت األ عندهم‪.‬‬

‫‪ .2‬وعلى فرض صحة حديث ‪ -‬غدير خم ‪ -‬فقد رد عليه أبنه خيرب عن دعاء رسول هللا صلى هللا عليه‬

‫وسلم‪ ،‬ومن املعلوم‪ :‬أن دعاءه مستجاب‪ ،‬ولو كان ذلك صحيحا للمم أن يكون النصر حليف علي‬

‫رضي هللا عنه وشيعته على الدوام‪ ،‬وقد خالف الواقع كل ذلك‪ ،‬فاستشهد احلسني بن علي رضي هللا‬

‫عنهما‪ ،‬وكان معه اكار أهل بيته‪ ،‬وكذلك األمر ابلنسبة ألشياع علي رضي هللا عنه فقد همموا يف‬

‫مواطن عديدة‪ ،‬ويف هذا كله داللة على عدم صحة هذا احلديث‪.143‬‬

‫ويرى الباحث أن راي الشيعة اإلمامية بكل أدلته يفتقر إىل صحة الابوت وموضوعية الطرح‪ ،‬وذلك‬

‫لألسباب الواردة يف الردود السابقة‪ .‬كما أن فيه خطورة عقدية واضحة‪ ،‬حيث يلمم األمة ابإلميان أبمر غري‬

‫حمقق وموثق ابلدليل‪ ،‬وهذا كله يتعارض مع مقصد الشارع يف اتباعه واخلروج من داعية اهلوى‪ ،‬ومقصده‬

‫حبفظ املصلحة الضرورية العامة املتمالة حبفظ الدين‪ ،‬والذي ال يكون إال ابمتاال ما نص عليه يف النصوص‬

‫الشرعية‪ ،‬والتوقف عن اتباع الراي يف األمور التوقيفية‪ ،‬وخاصة العقدية‪.‬‬

‫رابعا ‪ -‬الرتجيح يف ضوء مقاصد التشريع‪:‬‬

‫ابلنظر يف اآلراء الاالثة السابقة الذكر وأدلتها‪ ،‬فيرتجح للباحث القول أبن السلطة يف اإلسالم‬

‫للشعب‪ ،‬وهذا يكون ابالختيار والشورى‪ ،‬مث ابلبيعة العامة لإلمام‪ ،‬وهذا ال مينع من وجود استخالف‬

‫يكون مباابة ترشيح من اإلمام القائم لشخص معني إذا انطبقت عليه شروط اإلمامة‪ ،‬وذلك ملا وقع من‬

‫‪141‬سورة املمتحنة‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬


‫‪142‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.71‬‬
‫‪143‬أبو عيد‪ ،‬عارف‪ ،‬وظيفة احلاكم‪ ،‬ص ‪. 16‬‬

‫‪147‬‬
‫الصحابة رضوان هللا عليهم من الرتشيح هلذا املنصب‪ ،‬وملا فيه من مصلحة حقيقية من شأهنا حتقيق مقاصد‬

‫التشريع يف العدل وحفظ األمن والنظام‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬وهللا اعلم‪.‬‬

‫ويرى الباحث انه جيب أن تراعى حالة استانائية جيوز للخليفة فيها أن يستخلف املستخلف بعهد‬

‫ملمم يقوم مقام البيعة‪ ،‬وذلك اذا ما غلب على ظنه وقوع الفرقة بني املسلمني‪ ،‬والفتنة بعد وفاته‪ ،‬وذلك‬

‫ألن حقن دماء املسلمني أوىل من حتقق الكفاءة املطلقة يف من حيكمهم‪ ،‬وأوىل من تولية الفاضل‪ ،‬وهو أوىل‬

‫أيضا من إشراك الشعب يف القرار واحرتام رغبته واختياره‪ .‬وهذا موافق للقاعدة الفقهية املعروفة‪( :‬درء‬

‫املفاسد أوىل من جلب املصاحل)‪ .‬وهو منطلق أيضا من مقصد التشريع يف حفظ املصاحل الضرورية املتعلقة‬

‫ابلدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬والعرض‪ ،‬واملال‪ ،‬ومقصده يف حتقيق األمن والنظام واالستقرار‪.‬‬

‫كما انه موافق ملا روي عن أيب بكر الصديق يف هذا الشأن عندما استخلف عمر رضي هللا عنهما‬

‫انه قال‪( :‬إي استخلفت عليكم عمر بن اخلطاب‪ ،‬فامسعوا له وأطيعوا‪ ،‬واي مل آل هللا ورسوله ودينه ونفسي‬

‫وأايكم خريا‪ ،‬فإن عدل فذلك ظِن به وعلمي فيه‪ ،‬وان بدل فلكل امرئ ما اكتسب‪ ،‬واخلري أردت‪ ،‬وال‬

‫ب يَن َقلِبُو َن)‪... 144‬مث دعا أبو بكر عمر خاليا‪ ،‬فأوصاه مبا‬
‫َي ُمن َقلَ ٍ‬
‫ين ظَلَ ُموا أ َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫وسيَ ْعلَ ُم الذ َ‬
‫أعدم الغيب‪َ ( ،‬‬
‫أوصاه‪ ،‬مث خرج من عنده‪ ،‬فرفع أبو بكر يديه‪ ،‬وقال‪ :‬اللهم إي مل ارد بذلك إال صالحهم‪ ،‬وخفت عليهم‬

‫الفتنة‪ ،‬فعملت فيهم مبا أنت اعلم به‪ ،‬واجتهدت هلم رااي‪ ،‬فوليت عليهم خريهم وأفواههم عليهم‪ ،‬واحرصهم‬

‫على ما ارشدهم)‪.145‬‬

‫‪144‬سورة الشعراء‪ ،‬اآلية ‪.227‬‬


‫‪145‬السيوطي‪ ،‬اإلمام جالل الدين‪ ،‬اتريخ اخللفاء‪ ،‬ص ‪. 11‬الدينوري‪ ،‬ابن قتيبة‪ ،‬اإلمامة والسياسة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .22‬حلمي‪ ،‬د‪ .‬مصطفى‪،‬‬
‫نظام اخلالفة يف الفكر اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.51‬‬

‫‪148‬‬
‫وقال اجلويِن يف مقصود العهد ‪ -‬االستخالف ‪ -‬وحكمته‪ ... ( :‬والغرض من العهد تنجيم نظر‪،‬‬

‫وكفاية املسلمني هواجم خطر عند موت املويل على اقصى اإلمكان يف احلال واألوان)‪.146‬‬

‫ومن هذا كله يستنتج الباحث أن األصل يف االستخالف انه جمرد ترشيح غري ملمم لألمة‪ ،‬تشرتط‬

‫لصحته مجلة من الشروط ‪-‬أييت بياهنا يف املبحث القادم‪ ،-‬وال يصري عقدا ملمما هلا األب ابختيارها وبيعتها‬

‫للمعهود إليه بعد وفاة اخلليفة املستخلف‪ ،‬وان األصل أن تبايع األمة من ختتار ممن حتققت فيهم الشروط‬

‫الشرعية بغض النظر عن وجود عهد ابلضرورة‪ ،‬ولكن جيوز استاناء للخليفة أن يستخلف من تتحقق فيه‬

‫الكفاءة بعهد ملمم غري مفتقر لبيعة الناس‪ ،‬إذا أتكد من أن مصري األمة بعده الفرقة واالقتتال‪ ،‬وذلك‬

‫حتقيقا للمصلحة العامة لألمة‪ ،‬وملقصد التشريع يف حفظ الضرورايت‪ ،‬ومقاصده املتعلقة حبفظ األمن‪ ،‬ومجع‬

‫كلمة األمة ومنع تفرقها‪ ،‬على األ يكون ذلك ذريعة إىل احتكار احلكم وتورياه دون مراعاة الكفاءة‪ ،‬فإنه‬

‫كما جيب على األمة أن تطيع ويل أمرها ما التمم امر هللا وامتال ألحكام دينه‪ ،‬فإنه جيب على اخلليفة أن‬

‫خيلص لألمة وينصح هلا يف هذا األمر‪.‬‬

‫وبناء على ما تقدم‪ ،‬وابلرجوع إىل املع ى اللغوي واالصطالحي لالستخالف والعهد ابلوالية‪ ،‬واىل‬

‫مصادر السياسة الشرعية‪ ،‬فإنه ميكن حتديد التكييف الفقهي له‪ :‬أبنه تصرف شرعي قويل‪ ،‬وهو ليس عقدا‬

‫وال وعدا‪ ،‬وإمنا هو ترشيح لألمة‪ .‬أما كونه ليس عقدا فألن العقد يقوم على توافق إراديت العاقدين حبيث‬

‫يظهر أثره يف املعقود عليه‪ ،‬واالستخالف ‪ -‬هنا ‪ -‬ليس مما يعقد عليه هبذه الصورة‪ ،‬وأما كونه ليس وعدا‪،‬‬

‫فألن الوعد تصرف إبرادة منفردة يلتمم منشؤه من خالله مبنح حق للموعود يف املستقبل‪ ،‬وهذه الصورة غري‬

‫متحققة يف االستخالف أيضا‪ ،‬لكون اخلليفة ال ميلك سلطة تنصيب شخص بعده دون رضا األمة‬

‫‪146‬غياث األمم يف التياث الظلم‪ ،‬ص ‪. 144‬‬

‫‪149‬‬
‫واستشارهتا بعده‪ ،‬فتكييف االستخالف ‪ -‬إذا ‪ -‬هو أنه تصرف قويل من اإلمام ينتج عنه ترشيح شخص‬

‫لألمة ليخلفه يف منصب اإلمامة‪.‬‬

‫املبحث الرابع‬

‫شروط االستخالف وآثاره يف ضوء مقاصد التشريع‬

‫بعد بيان آراء العلماء املتقدمني واحملدثني يف حكم االستخالف ومناقشة أدلتهم وبيان الراي‬

‫الراجح يف هذه املسألة‪ ،‬أييت هذا املبحث لدراسة الشروط اليت وضعها العلماء والباحاون‪ -‬يف هذا اجملال‪-‬‬

‫هلذا التصرف يف ضوء مقاصد التشريع‪ ،‬مع إابنة بعض الشروط اجلديدة اليت يلمم اشرتاطها وفقا ملا متليه‬

‫مقاصد التشريع العامة‪ ،‬وما تستلممه مقاصده اخلاصة يف جمال الوالايت العامة‪ ،‬كما ويشمل دراسة اآلاثر‬

‫اليت ترتتب على االستخالف فيما يتعلق ابملستخلف ‪ -‬العاهد ‪ ،-‬وابملستخلف‪ ،‬واألمة‪ ،‬وذلك يف‬

‫املطلبني التاليني كما يلي‪:‬‬

‫املطلب األول‬

‫شروط االستخالف يف ضوء مقاصد التشريع‬

‫كرس هذا املطلب لدراسة الشروط اليت يلمم توافرها يف االستخالف يف ضوء ما يفهم من‬

‫النصوص الشرعية‪ ،‬ومن مقاصد التشريع احلنيف‪ ،‬حىت يكون مشروعا‪ ،‬وهي إما أن تتعلق ابملستخلف‪ ،‬أو‬

‫ابملستخلف‪ ،‬أو ابالستخالف نفسه‪ ،‬وأييت بياهنا فيما يلي‪:‬‬

‫‪150‬‬
‫أولا‪ -‬الشروط الواجب توافرها يف اسمستخلف‪:‬‬

‫‪ .1‬أن يكون متوليا سمنصب اخلالفة عندما يصدر الستخالف‪ ،‬ليكون مالكا كإجرائه‪ :‬فال جيوز أن‬

‫يكون معموال أو انتهت واليته‪ ،‬أو حمجورا على سلطانه كأن يقع يف األسر ويصبح فكاكه منه امرأ‬

‫ميؤسا منه‪ ،‬ففي هذه احلالة ال يصح منه االستخالف‪ ،‬ألنه خرج من حالة اإلمامة‪ ،‬وينطبق هذا‬

‫احلكم عليه سواء أكان مأسورا عند املشركني أو عند أهل البغي‪.148،147‬‬

‫ومن انحية أخرى‪ ،‬فإن املستخلف إذا مل يكن توىل سلطاته يف احلكم فلم ينصب ابإلمامة‪ ،‬فإنه ال‬

‫ميلك أن يستخلف‪ ،‬فهو حيتاج أوال إىل تويل مقاليد احلكم‪ ،‬ليمتلك إبرام هذا التصرف‪ ،‬ففاقد الشيء ال‬

‫يعطيه‪ .149‬ويف هذا قال‬

‫املاوردي‪( :‬وهكذا لو قال جعلته ويل عهدي إذا أفضت اخلالفة إيل مل خيم‪ ،‬ألنه يف احلال ليس خليفة فلم‬

‫يصح عهده ابخلالفة)‪.150‬‬

‫واإلخالل هبذا الشرط قد يؤدي إىل فرقة واضطراب بني املسلمني‪ ،‬وهو خيل مبفصد التشريع بتحقيق‬

‫العدل واألمن وتوحيد صف املسلمني ومجع كلمتهم‪ ،‬فال بد من حتققه لصحة االستخالف‪.‬‬

‫‪147‬دبوس‪ ،‬صالح الدين‪ ،‬اخلليفة توليته وعمله‪ ،‬ص ‪ ،143‬احلصري‪ ،‬امحد‪ ،‬الدولة وسياسة احلكم يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪ .271‬الريس‪،‬‬
‫حممد ضياء‪ ،‬النظرايت السياسية اإلسالمية ‪ ،‬ص ‪.237‬‬
‫‪148‬وقال أبو يعلى الفراء يف املأسور عند أهل البغي الذين نصبوا هلم إماما‪ ...( :‬خارج من االمامة ابإلايس من خالصه‪ ،‬ألهنم احنازوا بدار‬
‫انعمل حكمها عن اجلماعة‪ ،‬وخرجوا هبا عن الطاعة‪ ،‬فلم يبق ألهل العدل هبم نصرة‪ ،‬وال ملأسور معهم قدرة )‪ .‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪،23‬‬
‫وقال أيضا‪( :‬أما اإلمام املأسور عند أهل البغي ليس هلم إمام فإن املسلمني على إمامته‪ ،‬وجيوز له أن يعهد إىل غريه من بعده)‪ .‬دبوس‪ ،‬صالح‬
‫الدين‪ ،‬اخلليفة توليته وعمله‪ ،‬ص ‪. 148‬‬
‫‪149‬السنهوري‪ ،‬عبد الرزاق‪ ،‬فقه اخلالفة وتطورها‪ ،‬ص ‪ ،161‬دبوس ‪ ،‬صالح الدين‪ ،‬اخلليفة توليته وعمله ‪ ،‬ص ‪.143‬‬
‫‪150‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪. 11‬‬

‫‪151‬‬
‫‪ .2‬أن يتوخى املستخلف يف املستخلف مصلحة املسلمني‪ :‬فيجب عليه أن يبذل اقصى جهده يف‬

‫البحث عن األصلح هلذا املنصب املهم‪ .151‬وجيب عليه أن ال يتأثر أبي مصلحة شخصية أو أي‬

‫اعتبار للقرابة أو غريها‪ .152‬ومما ال شك فيه أن حتقق هذا الشرط مطلب أساس لتحقيق املقاصد‬

‫العامة للتشريع احلنيف‪ ،‬فاملستخلف مرشح لقيادة األمة‪ ،‬فيجب أن يكون ممن هم مظنة حتقيق مقام‬

‫العبودية هلل تعاىل‪ ،‬ورعاية مصاحل الناس الضرورية واحلاجية والتحسينية‪ ،‬وحتقيق العدل بينهم‪ ،‬وكذلك‬

‫األمر ابلنسبة ملقاصد التشريع اخلاصة ابلوالايت العامة‪ ،‬كحراسة الدين وسياسة الدنيا به‪ ،‬وحتقيق‬

‫األمن والنظام‪ ،‬وحفظ احلقوق واحلرايت‪ ،‬ومجع كلمة األمة‪ ،‬وعمارة األرض‪ ،‬وإعداد القوة الالزمة‬

‫لألمة‪ ،‬فال بد لتحقيقها من وجود الكفؤ لذلك‪.‬‬

‫اثني ا‪ -‬الشروط الواجب توافرها يف اسمستخلف‪:‬‬

‫‪ .1‬أن يكون كامل األهلية هلذا املنصب من وقت االستخالف إىل وقت توليه السلطة‪ :‬وذلك أبن تتوافر‬

‫فيه مجيع شروط اإلمامة‪ ،‬من اإلسالم واحلرية والبلوغ والعقل والذكورة والعدالة والكفاءة وغريها( ‪.153‬‬

‫ومما ال شك فيه أن حتقق هذا الشرط غاية يف األيمهية‪ ،‬حتقيقا ملقاصد التشريع يف الوالايت العامة ‪-‬ملا‬

‫‪151‬املاوردي‪ ،‬علي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪ ،9‬السنهوري‪ ،‬عبد الرزاق‪ ،‬فقه اخلالفة وتطورها‪ ،‬ص ‪ ،154‬دبوس‪ ،‬صالح الدين‪ ،‬اخلليفة‬
‫توليته وعمله‪ ،‬ص ‪.149‬‬
‫‪152‬السنهوري‪ ،‬عبد الرزاق‪ ،‬فقه اخلالفة وتطورها‪ ،‬ص ‪. 154‬‬
‫‪153‬انظر املاوردي‪ ،‬علي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪ .1‬اجلويِن‪ ،‬عبد امللك‪ ،‬غياث األمم ص ‪ ،135‬املواق‪ ،‬حممد‪ ،‬مواهب اجلليل لشرح‬
‫خمتصر خليل‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .271‬الشربيِن‪ ،‬حممد‪ ،‬مغِن احملتاج‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ص ‪ ،422‬النووي‪ ،‬حيىي‪ ،‬روضة الطالبني‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.215‬‬
‫القلقشندي‪ ،‬أمحد‪ ،‬مآثر األانفة يف معامل اخلالفة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.49‬‬
‫وانظر يف تفصيالت شروط اإلمام‪ :‬أبو فارس‪ ،‬حممد‪ ،‬النظام السياسي يف اإلسالم‪ ،‬ص ‪ ،241‬السنهوري‪ ،‬عبد الرزاق‪ ،‬فقه اخلالفة وتطورها‪،‬‬
‫ص ‪ ،154‬خالف‪ ،‬عبد الوهاب‪ ،‬السياسة الشرعية‪ ،‬ص ‪ .13-11‬عامان‪ ،‬حممد رافت‪ ،‬رايسة الدولة يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪-119‬‬
‫‪ .221‬الريس‪ ،‬حممد ضياء‪ ،‬النظرايت السياسية اإلسالمية‪ ،‬ص ‪ .233‬دبوس‪ ،‬صالح الدين‪ ،‬اخلليفة توليته وعمله‪ ،‬ص ‪،156 -149‬‬
‫احلصري‪ ،‬أمحد‪ ،‬الدولة وسياسة احلكم‪ ،‬ص ‪.272‬‬

‫‪152‬‬
‫ذكر يف الفرع السابق ‪ -‬حيث إن املعهود إلية مرشح للخالفة‪ ،‬فيجب أن يكون أهال ملنصبه‪ ،‬وقادرا‬

‫على الوفاء بواجبات هذا املنصب‪.‬‬

‫‪ .2‬أن ال يكون املستخلف غائبا‪ ،‬حبيث ال يعرف أحي هو أم ميت‪ :‬فإذا استخلف يف هذه احلالة فعهده‬

‫ابطل‪ ،‬أما اذا كان غائبا ‪ -‬مبع ى عدم احلضور فقط ‪ -‬فهذا ال يؤثر على صحة االستخالف له‪ ،‬فإذا‬

‫مل يعد وقت بدء خالفته فيجب انتخاب انئب له يباشر اخلالفة حىت يعود‪.155،154‬‬

‫ويرى الباحث انه يف اشرتاط وجود املستخلف حكمة مهمة تتمال مبقصد مجع كلمة املسلمني‪ ،‬ودفع‬

‫احتمال وقوع الفرقة بينهم بعد انتهاء خالفة املستخلف‪ .‬أما ما ذكره املاوردي فهو مبِن على كون‬

‫االستخالف ‪ -‬بذاته‪ -‬عقد بيعة هنائي‪ ،‬فلذلك قال ابستنابة أهل االختيار ملن يقوم مقام املستخلف‬

‫الغائب‪ ،‬وقد رجح الباحث عدم صحة ذلك‪ ،‬فما االستخالف األ ترشيحا لألمة‪ ،‬ال يلمم إأل ببيعتها له‪،‬‬

‫ولكن جيوز يف حاالت الطوارئ االستانائية اعتبار االستخالف عقدا هنائيا ملمما لألمة‪ ،‬شريطة أن تتحقق‬

‫فيه مجيع الشروط الشرعية‪ ،‬ويف هذه احلالة جيوز البيعة للغائب‪ ،‬ومبايعة انئب له مؤقتا حىت اذا ما رجع‬

‫انعمل النائب‪ ،‬وذلك حفظا لألمن والنظام‪ ،‬ومجعا للصف‪ ،‬ومنعا للفرقة يف حالة االضطرار‪.‬‬

‫‪ .3‬واختلفوا يف اشرتاط عدم االستخالف لألصول والفروع على رايني يمها‪ :‬الراي األول‪ :‬ذهب مجع من‬

‫العلماء إىل مشروعية ذلك وجوازه‪ ،‬ومنهم‪ :‬الشافعية‪ ،156‬واجلويِن ‪ ،157‬وأبو يعلى الفراء‪ ،158‬وابن‬

‫خلدون‪.159‬‬

‫‪154‬الرافعي‪ ،‬عبد الكرمي‪ ،‬العميم شرح الوجيم‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص ‪ .74‬وانظر السنهوري‪ ،‬عبد الرزاق‪ ،‬فقه اخلالفة وتطورها‪ ،‬ص ‪ ،155‬دبوس‪،‬‬
‫صالح الدين‪ ،‬اخلليفة توليته وعمله‪ ،‬ص ‪.151‬‬
‫‪155‬قال املاوردي‪( :‬واذا عهد اإلمام إىل غائب هو جمهول احلياة مل يصح عهده وإن كان معلوم احلياة وكان موقوفا على قدومه‪ ،‬فإن مات‬
‫املستخلف‪ ،‬ويل العهد على غيبته أهل االختيار‪ ،‬فإن بعدت غيبته واستضر املسلمون بتأخري النظر يف أمورهم استناب أهل االختيار‪ ،‬انئبا عنه‬
‫يبايعونه ابلنيابة دون اخلالفة‪ .‬فإذا قدم اخلليفة الغائب انعمل املستخلف النائب‪ ،‬وكان نظره قبل قدوم اخلليفة ماضيا وبعد قدومه مردودا)‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫واستدل اجلويِن ابلقياس على جواز شهادة األصل بعدالة فرعه يف جمال الشهادة الفضائية‪ .‬كما‬

‫واستدل ابلقياس على صحة عقد أمان املسلم لفرعه الكافر دون البحث يف صفاته وتفاصيل حالته ‪.160‬‬

‫وقال ابن خلدون أيضا‪( :‬وال يتهم اإلمام يف هذا األمر وان استخلف أابه أو ابنه‪ ،‬ألنه مأمون على‬

‫النظر هلم يف حياته‪ ،‬فأوىل أن ال حيتمل فيها تبعة بعد مماته ‪.161)...‬‬

‫أما أبو يعلى الفراء‪ :‬فقال يف هذا الشأن‪( :‬وجيوز أن يعهد إىل من ينتسب اليه أببوة أو بنوة اذا كان‬

‫املعهود له على صفات األئمة‪ ،‬ألنه ال تنعقد اإلمامة للمعهود إليه بنفس االستخالف‪ ،‬وإمنا تنعقد بعهد‬

‫املسلمني‪ ،‬والتهمة تنتفي عنه)‪.162‬‬

‫الراي الااي‪ :‬ذهب بعض العلماء إىل عدم جواز االستخالف لألصول والفروع‪ ،‬ألن يف ذلك أاثرة‬

‫الشبهة يف املستخلف‪ ،‬ألن االستخالف يشبه الشهادة‪ ،‬وهي ال جتوز يف القضاء يف مصلحة األصول أو‬

‫الفروع‪ ،‬سواء أكانت من القاضي أم من الشاهد العادي ‪ .163‬كما أن عاطفة املستخلف ألصوله وفروعه‬

‫قد تسوقه إىل االستخالف إىل من هو ليس بكفء‪.165،164‬‬

‫املاوردي‪ ،‬علي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪ .16‬وانظر الرافعي‪ ،‬عبد الكرمي‪ ،‬العميم شرح الوجيم‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص ‪. 74‬‬
‫‪156‬الشربيِن‪ ،‬حممد‪ ،‬مغِن احملتاج‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ص ‪.423‬‬
‫‪157‬اجلويِن‪ ،‬عبد امللك‪ ،‬غياث األمم‪ ،‬ص ‪. 133-137‬‬
‫‪158‬الفراء‪ ،‬أبو يعلى‪ ،‬األحكام السلطانية ص ‪ .31‬وانظر أبو فارس‪ ،‬حممد‪ ،‬النظام السياسي يف اإلسالم ‪ ،‬ص ‪. 243‬‬
‫‪159‬املقدمة‪ ،‬ص ‪.216‬‬
‫‪160‬اجلويِن‪ ،‬عبد امللك‪ ،‬غياث األمم‪ ،‬ص ‪. 133‬‬
‫‪161‬املقدمة‪ ،‬ص ‪.216‬‬
‫‪162‬الفراء‪ ،‬أبو يعلى‪ ،‬األحكام السلطانية ص ‪.31‬‬
‫‪163‬انظر املاوردي‪ ،‬علي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪ ،9‬وانظر أيضا‪ :‬السنهوري‪ ،‬عبد الرزاق‪ ،‬فقه اخلالفة وتطورها‪ ،‬ص ‪ .155‬الريس‪ ،‬حممد‬
‫ضياء‪ ،‬النظرايت السياسية اإلسالمية‪ ،‬ص ‪.239-233‬‬
‫‪164‬أبو فارس‪ ،‬حممد‪ ،‬النظام السياسي يف اإلسالم‪ ،‬ص ‪ .247‬الريس‪ ،‬حممد ضياء‪ ،‬النظرايت السياسية اإلسالمية‪ ،‬ص ‪.239‬‬
‫‪165‬وقد خلص املاوردي ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬هذا اخلالف بقوله ‪( :‬وإن كان ويل العهد ولدا أو والدا فقد اختلف يف جواز انفراده بعقد البيعة له على‬
‫ثالثة مذاهب‪ ،‬احدها‪ :‬ال جيوز أن ينفرد بعقد البيعة لولد وال لوالد حىت يشاور فيه أهل االختيار فريونه أهأل‪ ،‬فيصح منه حينئذ عقد البيعة له‪،‬‬
‫ألن ذلك منه تمكية له جتري جمرى الشهادة‪ ،‬وتقليد على األمة جيري جمرى احلكم‪ ،‬وهو ال جيوز أن يشهد لوالد وال لولد‪ ،‬وال حيكم لواحد‬

‫‪154‬‬
‫املناقشة والرتجيح يف ظل مقاصد التشريع‪ :‬يرى الباحث رجحان الراي األول فيجوز لألصل‬

‫استخالف الفرع‪ ،‬وذلك لقوة أدلتهم‪ ،‬ال سيما أن الباحث رجح آنفا كون االستخالف ال يعدو الرتشيح‬

‫لألمة‪ ،‬وهلا بعده حرية االختيار‪ .‬وكذلك األمر فيما إذا اضطر اإلمام القائم أن يستخلف بشكل قطعي‬

‫ملمم إىل أحد فروعه يف ظرف طارئ‪ ،‬على أن تتوافر يف املستخلف الكفاءة هلذا املنصب‪ ،‬وأيخذ هذا‬

‫الرتجيح بعني االعتبار مقاصد التشريع يف حتقيق املصلحة العامة‪ ،‬وحفظ الدين والنفس والعرض واملال‪،‬‬

‫ووحدة الصف‪ ،‬وحفظ األمن والنظام‪.166‬‬

‫‪ .4‬واختلفوا يف اشرتاط قبول املستخلف لالستخالف‪ ،‬وذلك على ثالثة آراء وهي‪:‬‬

‫الرأي األول‪ :‬ذهب العديد من العلماء إىل اشرتاط ذلك‪ ،‬فاإلجياب الصادر من اخلليفة (املستخلف)‬

‫يشرتط أن يتبعه قبول من املستخلف‪ ،‬ويكفي يف ذلك عدم رده ابلرفض أو القبول‪ ،‬فيعترب سكوته مباابة‬

‫القبول‪.167‬‬

‫الرأي الااي‪ :‬ذهب بعض العلماء إىل أنه ال بد من صدور القبول من املستخلف لفظا‪ ،‬ألن البيعة‬

‫عقد‪ ،‬فال بد فيها من اإلجياب والقبول‪.168‬‬

‫منهما للتهمة العائدة اليه مبا جبل من امليل إليه‪ .‬واملذهب الااي‪ :‬جيوز أن ينفرد بعقدها لولد ووالد‪ ،‬ألنه أمري األمة انفذ األمر هلم وعليهم ‪،‬‬
‫فغلب حكم النصب على حكم النسب‪ ،‬ومل جيعل للتهمة طريقا على أمانته وال سبيال إىل معارضته‪ ،‬وصار فيها كعهده هبا إىل غري ولده‬
‫ووالده‪ ،‬وهل يكون رضا أهل االختيار بعد صحة العهد معتربا يف لمومه لألمة أو ال؟ على ما قدمناه من الوجهني‪ .‬واملذهب الاالث‪ :‬انه جيوز‬
‫أن ينفرد بعقد البيعة لوالده وال جيوز أن ينفرد هبا لولده ‪ ،‬ألن الطبع يبعث على مماألة الولد اكار مما يبعث على مماألة الوالد‪ ،‬وكذلك كان كل‬
‫ما يقتنيه يف األغلب مذخورا لولده دون والده‪ ،‬فأما عقدها ألخيه ومن قاربه من عصبته ومناسبيه فكعقدها للبعداء األجانب يف جواز تفرده‬
‫هبا)‪ .‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪ ،16-9‬وانظر النووي‪ ،‬حيىي‪ ،‬روضة الطالبني‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ .211‬القلقشندي‪ ،‬امحد‪ ،‬صبح األعشى‪ ،‬ج ‪،9‬‬
‫ص ‪ .313‬األشعري‪ ،‬أبو احلسن‪ ،‬مقاالت اإلسالميني‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪. 154‬‬
‫‪166‬قال ابن تيمية‪ ... ( :‬فهذا يقتضي أن شوب اخلالفة ابمللك جائم يف شريعتنا‪ ،‬وأن ذلك ال ينايف العدالة‪ ،‬وان كانت اخلالفة احملضة‬
‫أفضل)‪ .‬اخلالفة وامللك ‪ ،‬ص ‪. 32-31‬‬
‫‪167‬انظر املاوردي‪ ،‬علي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪ ،16‬اجلويِن‪ ،‬عبد امللك‪ ،‬غياث األمم ص ‪ ،131‬هناية احملتاج ج ‪ ،7‬ص ‪.411‬‬
‫القلقشندي‪ ،‬امحد‪ ،‬صبح األعشى‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪ .371-376‬وانظر احلصري‪ ،‬امحد‪ ،‬الدولة وسياسة احلكم يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪273‬‬
‫‪.‬أبو فارس‪ ،‬حممد‪ ،‬النظام السياسي يف اإلسالم‪ ،‬ص ‪.247‬‬

‫‪155‬‬
‫الرأي الاالث‪ :‬اكتفى بعض العلماء بوجود عهد يصدر من املستخلف إىل املستخلف‪ ،‬دون اشرتاط‬

‫صدور القبول من املستخلف لفظا أو داللة‪.169‬‬

‫أما وقت القبول من املستخلف‪ :‬فقد اختلف فيه أيضا‪.‬‬

‫قال املاوردي‪( :‬واختلف يف زمان قبوله‪ ،‬فقيل‪ :‬بعد موت املويل‪ ،‬يف الوقت الذي يصح فيه نظر‬

‫املويل‪ ،‬وقيل ‪ -‬وهو األصح ‪ :-‬إنه ما بني عهد املويل وموته‪ ،‬لتنقل عنه اإلمامة إيل املويل مستقرة ابلقبول‬

‫املتقدم‪ ،‬وليس لألمام املويل عمل من عهد إليه ما مل يتغري حاله)‪.170‬‬

‫املناقشة والرتجح يف ظل مقاصد التشريع‪ :‬ابلنظر يف اآلراء الاالثة السابقة وأدلتها يرتجح للباحث‬

‫القول ابشرتاط قبول املستخلف االستخالف‪ ،‬سواء كان ذلك صراحة ابلفظ‪ ،‬أم كان ضمنا ابلسكوت‪،‬‬

‫وهو ما ذهب اليه أصحاب الراي األول‪ .‬أما ما ذهب إليه الراي الااي فهو مبِن على أن االستخالف‬

‫يتضمن البيعة الفورية‪ ،‬والذي يعقدها اإلمام القائم املستخلف‪ ،‬وقد مر سابقا أبن النصوص الشرعية‬

‫الشريفة‪ ،‬وداللة احلوادث السياسية‪ ،‬من فعل الصحابة واخللفاء الراشدين‪ ،‬تدل داللة واضحة على أن البيعة‬

‫أتيت من األمة للمرشح للخالفة‪ ،‬وليس من اخلليفة القائم وحده‪ ،‬سواء كان ذلك الرتشيح صادرا من أهل‬

‫االختيار أم ابالستخالف‪ ،‬ولذلك فإنه ال يشرتط القبول الصريح من املستخلف لالستخالف‪ ،‬ولكن‬

‫يشرتط له القبول الضمِن ابلسكوت أو بعدم الرفض‪ ،‬وذلك ألن عدم قبوله قد يستتبع إجباره على التمام‬

‫ما ال يرغب‪ ،‬والذي من شأنه اإلخالل ابملصلحة العامة‪ ،‬وبتحقيق شروط الوالية واحلكم اليت قصد التشريع‬

‫احلنيف حتقيقها‪.‬‬

‫‪168‬احلصري‪ ،‬امحد‪ ،‬الدولة وسياسة احلكم يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪ ،273‬دبوس‪ ،‬صالح الدين‪ ،‬اخلليفة توليته وعمله‪ ،‬ص ‪. 141‬‬
‫‪169‬احلصري‪ ،‬امحد‪ ،‬الدولة وسياسة احلكم‪ ،‬ص ‪.273‬‬

‫‪156‬‬
‫أما وقت القبول‪ :‬فريجح الباحث انه جيب أن يكون يف ما بني صدور االستخالف من اخلليفة‬

‫القائم إىل ما قبل وفاته‪ ،‬فإن صدر رفض من املستخلف قبل وفاة املستخلف ‪ -‬العاهد – مث اتبع بقبوله‬

‫بعد وفاته‪ ،‬فإنه ال يعتد هبذا القبول‪ ،‬ألن االستخالف ترشيح من اخلليفة القائم ملصلحة تدور يف الغالب‬

‫على قطع احتمال النماع ووقوع الفرقة والفتنة بني املسلمني‪ ،‬وقبوله يف هذه احلالة قد يؤدي إىل خصومة‬

‫ونماع وحرية‪ ،‬وهللا تعاىل اعلم‪.‬‬

‫اثلث ا‪ -‬الشروط اسمتعلقة ابلستخالف‪:‬‬

‫‪ .1‬واختلفوا يف اشرتاط شهادة أهل احلل والعقد‪ ،‬وذلك على قولني‪:‬‬

‫‪173‬‬
‫من عدم اشرتاط رضاهم‪،‬‬ ‫الرأي األول‪ :‬ما ذهب إليه املاوردي‪ ،171‬واجلويِن ‪ ،172‬واحلنابلة‬

‫واستدلوا لذلك أبن أاب بكر وىل عمر رضي هللا عنهما دون التوقف على رضا الصحابة من أهل االختيار‬

‫مع توافر العديد منهم من مهاجرين وانصار‪.175،174‬‬

‫‪170‬األحكام السلطانية ص ‪ .16‬وانظر الشربيِن‪ ،‬حممد‪ ،‬مغِن احملتاج‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ .423-422‬القلقشندي‪ ،‬أمحد‪ ،‬صبح األعشى‪ ،‬ج ‪،9‬‬
‫ص ‪ .371‬عامان‪ ،‬حممد فتحي‪ ،‬من أصول الفكر السياسي اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.431‬‬
‫‪171‬املاوردي‪ ،‬علي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪ .9‬وانظر عامان‪ ،‬حممد فتحي‪ ،‬من أصول الفكر السياسي اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.433‬‬
‫‪172‬غياث األمم يف التياث الظلم‪ ،‬ص ‪. 139‬‬
‫‪173‬البهويت‪ ،‬منصور‪ ،‬كشاف القناع ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪. 159‬‬
‫‪174‬املاوردي‪ ،‬علي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪ ،9‬اجلويِن‪ ،‬عبد امللك‪ ،‬غياث األمم ‪ ،‬ص ‪ .139‬البهويت‪ ،‬منصور‪ ،‬كشاف القناع‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‬
‫‪.159‬‬
‫‪175‬قال املاوردي‪( :‬فإذا أراد اإلمام أن يعهد هبا فعليه أن جيهد رأيه يف األحق هبا واألقوم بشروطها‪ ،‬فإذا تعني له االجتهاد يف واحد نظر فيه‪،‬‬
‫فإن مل يكن ولدا وال والدا جاز أن ينفرد بعقد البيعة له‪ ،‬وبتفويض العهد إليه‪ .‬أن مل يستشر فيه أحدا من أهل االختيار‪...‬ألن بيعة عمر رضي‬
‫هللا عنه مل تتوقف على رضا الصحابة‪ ،‬وألن اإلما م أحق هبا‪ ،‬فكان اختياره فيها أمضى‪ ،‬وقوله فيها أنفذ)‪ .‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫إمساعيل‪ ،‬د‪ .‬حيىي‪ ،‬منهج السنة يف العالقة بني احلاكم واحملكوم‪ ،‬ص ‪.375‬‬

‫‪157‬‬
‫الراي الااي‪ :‬ما نقله املاوردي عن بعض علماء أهل البصرة اهنم ذهبوا إىل اشرتاط رضا أهل احلل‬

‫والعقد للموم البيعة لألمة‪ ،‬ألن ذلك حق يتعلق ابألمة‪ ،‬فال يلممهم االستخالف األ برضا أهل احلل‬

‫والعقد‪.176‬‬

‫الراي الاالث‪ :‬ما ذهب اليه أبو يعلى الفراء من أن االستخالف ال يعد عقد إمامة‪ ،‬فال تعترب شهادهتم‬

‫قبل موت اإلمام املستخلف‪ ،‬وإمنا تعترب بعدها‪ ،‬ألن اإلمامة ال تنعقد للمعهود اليه بنفس االستخالف بل‬

‫تنعقد بعهد املسلمني‪ ،‬فتولية اخلليفة ابالستخالف عنده متر مبرحلتني‪:‬‬

‫‪ .1‬عهد اخلليفة إىل املستخلف‪ ،‬وهذا ال حيتاج لشهادة أهل احلل والعقد‪ ،‬ألنه جمرد ترشيح‪.‬‬

‫‪ .2‬عقد اإلمامة والذي يتم مببايعة املسلمني‪ ،‬ويف هذه املرحلة تكون شهادهتم امرأ الزما‪.177‬‬

‫املناقشة والرتجح يف ظل مقاصد التشريع‪ :‬وبدراسة اآلراء الاالثة السابقة يرى الباحث أن الرأي الاالث‬

‫هو اقواها‪ ،‬فال تشرتط شهادة أهل احلل والعقد لالستخالف ‪ ،‬لكونه ترشيحا فقط‪ ،‬ولكن جيدر به‬

‫استشارة واستمماج آرائهم‪ ،‬وآراء املؤهلني إلبداء الرأي يف ذلك‪ ،‬وهذا ما فعله أبو بكر عندما استخلف‬

‫عمر رضي هللا عنهما‪ .178‬أما بعد وفاة اخلليفة املستخلف فيشرتط لصحة إمامة املستخلف مبايعة أهل‬

‫احلل والعقد له‪ ،‬للنصوص الواردة يف ذلك‪ .‬ويرد على ما ذهب إليه الراي األول مبا سبق ذكره من األدلة‬

‫الدالة على أن االستخالف ترشيح وليس بعقد يستأثر اخلليفة إببرامه مع املستخلف‪.‬‬

‫‪176‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪ .9‬وانظر الريس‪ ،‬حممد ضياء‪ ،‬النظرايت السياسية اإلسالمية‪ ،‬ص ‪ .242‬آل حممود‪ ،‬أمحد‪ ،‬البيعة يف اإلسالم‪،‬‬
‫ص ‪.231‬‬
‫‪177‬الفراء‪ ،‬أبو يعلى‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪ .31‬وانظر دبوس‪ ،‬صالح الدين‪ ،‬اخلليفة توليته وعمله‪ ،‬ص ‪.155-154‬‬
‫‪178‬ابن قتيبة‪ ،‬عبد هللا‪ ،‬اإلمامة والسياسة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .22‬خالف‪ ،‬عبد الوهاب‪ ،‬السياسة الشرعية‪ ،‬ص ‪.14‬‬

‫‪158‬‬
‫ويرى الباحث انه إذا اضطر اخلليفة لعقد البيعة للمعهود إليه مباشرة يف ظرف استانائي حلكمة ابلغة‪،‬‬

‫فإنه ال تشرتط شهادهتم‪ ،‬وان كانت مستحبة‪ ،‬وهللا اعلم‪.‬‬

‫وينطلق هذا الرتجيح من مراعاة مقصد التشريع يف حفظ مصاحل العباد‪ ،‬وأمنهم ونظامهم واستقرارهم‪،‬‬

‫ومجع كلمتهم الذي من شأنه حفظ دينهم‪ ،‬وأنفسهم‪ ،‬وأعراضهم ‪ ،‬وأمواهلم‪.‬‬

‫‪ .2‬أن يرتبط ابنتهاء خالفة اخلليفة اسمستخلف‪ ،‬ل ابنتهاء خالفة غري ‪:‬‬

‫قال د‪ .‬صالح دبوس أن من شروط االستخالف‪( :‬أن يرتبط العهد ابنتهاء خالفة اخلليفة العاهد‪ ،‬ال‬

‫ابنتهاء خالفة غريه ممن عهد إليهم ‪-‬وذلك حىت يكون العهد منربما‪ -‬ذلك ألنه إذا عهد إىل شخص حبيث‬

‫يتوىل اخلالفة بعد من أفضت اليه اخلالفة من املستخلفني السابقني عليه فإن العهد ال يكون (منربما) أي‬

‫اتما وصحيحا‪ ،‬ألن املستخلف السابق عليه قد ميوت قبل انقضاء اخلالفة إليه)‪.179‬‬

‫‪ .3‬إعال األمة بصدور الستخالف‪:‬‬

‫يرى البحث أن مقاصد التشريع يف حفظ األمن والنظام‪ ،‬ومجع كلمة األمة‪ ،‬وسد ذريعة االختالف‬

‫تقتضي مجيعا اشرتاط أعالم اخلليفة لألمة ابستخالفه لشخص معني‪ ،‬وهو أيضا من متطلبات الرتشيح‬

‫عقال‪.‬‬

‫‪ .4‬النص الصريح على رون الستخالف إلزامي ا‪ ،‬واته عقد للبيعة يف حالة الضرورة ‪:‬‬

‫انطالقا من مقاصد التشريع احلنيف‪ ،‬وما مر ذكره سابقا‪ ،‬يرى الباحث اشرتاط هذا الشرط الذي‬

‫خيتص ابحلالة االستانائية اليت رجح ‪ -‬سابقا‪ -‬جواز اعتبار االستخالف فيها ملمما لألمة‪ .‬فإذا مل يوجد‬

‫‪179‬دبوس‪ ،‬صالح الدين‪ ،‬اخلليفة توليته وعمله‪ ،‬ص ‪. 153‬‬

‫‪159‬‬
‫نص صريح يف االستخالف ‪ -‬ذاته ‪ -‬على أنه ملمم ومتضمن للبيعة‪ ،‬فال يصح للمعهود الية تقلد اخلالفة‬

‫األ بعد طلب البيعة من األمة‪.‬‬

‫املطلب الثاني‬

‫آثار االستخالف يف ضوء مقاصد التشريع‬

‫اختلفت النظرة آلاثر االستخالف ‪-‬ابلنسبة للعاهد واملستخلف واألمة‪ -‬وذلك ابختالف اعتبار‬

‫االستخالف بذاته عقد إمامة‪ ،‬أو اعتباره جمرد ترشيح‪ .180‬ويتناول هذا املطلب دراسة هذه اآلاثر وذلك‬

‫حسب اجتاه كل من الفريقني كما يلي‪:‬‬

‫أولا‪ -‬اثر على اسمستخلف‪ -‬العاهد ‪:-‬‬

‫‪ .1‬حسب اجتاه الفريق األول‪ ،‬القائل مبشروعية االستخالف‪ ،‬وابلتايل فهو عقد بني املستخلف‬

‫واملستخلف‪ ،‬فإن أثر ذلك على املستخلف يتمال بعدم استطاعته إبطال هذا العقد مبحض إرادته‪،‬‬

‫طبقا للقواعد العامة للعقود‪ ،‬ولكن هذا اإللمام مشروط ببقاء أهلية املستخلف‪ ،‬فإذا زالت أهليته‬

‫وجب على املستخلف عمله‪ ،‬وكما أنه ال يستطيع أبطال العقد وعمله فإنه ال حيق له أن يستخلف‬

‫لشخص غريه‪ ،‬ألن ذلك يعترب عمال له‪ ،‬وهذا ال جيوز‪.181‬‬

‫‪ .2‬وحبسب اجتاه الفريق الااي‪ ،‬القائل أبن االستخالف ال يعدو كونه ترشيحا لألمة‪ ،‬فإنه يكون للعاهد‬

‫أن يرجع عن عهده‪ ،‬فيخرج املستخلف من االستخالف‪.182‬‬

‫‪180‬نفس املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 151‬‬


‫‪181‬السنهوري‪ ،‬عبد الرزاق‪ ،‬فقه اخلالفة وتطورها‪ ،‬ص ‪ .159‬وانظر أيضا‪ :‬دبوس‪ ،‬صالح الدين‪ ،‬اخلليفة توليته وعمله‪ ،‬ص ‪. 151‬‬
‫‪182‬دبوس‪ ،‬صالح الدين‪ ،‬اخلليفة توليته وعمله‪ ،‬ص ‪.151‬‬

‫‪160‬‬
‫ويرى الباحث أن رأي االجتاه الااي هو األرجح‪ ،‬وهو موافق ملقاصد التشريع‪ ،‬وذلك ألن املصلحة‬

‫العامة لألمة تستلمم عدم إلمامية االستخالف‪ ،‬وعلى هذا فإنه جيوز للخليفة القائم أبطاله ملصلحة األمة‪،‬‬

‫كما جاز له إنشاؤه ابتداء‪ ،‬وكذلك األمر ابلنسبة للحالة االستانائية االضطرارية اليت رجح الباحث فيها‬

‫سابقا جواز إصدار عهد ملمم كعقد لألمة‪ ،‬فإن هذا العقد غري الزم له‪ ،‬ألنه هو صاحب السلطة الشرعية‪،‬‬

‫وقد أنشأ هذا العقد منطلقا من مقاصد التشريع احلنيف يف حفظ النفس‪ ،‬والعرض‪ ،‬واملال‪ ،‬وحفظ األمن‬

‫والنظام‪ ،‬وسد ذريعة الفتنة‪ ،‬ومجع كلمة املسلمني‪ ،‬فلذلك جيوز له الرجوع عنه للحكمة ذاهتا فيما إذا تبني‬

‫له أمر آخر فيه حتقيق ملصلحة األمة‪ ،‬أو دفع ملفسدة حمتملة عنها‪.‬‬

‫اثني ا‪ -‬اثر على اسمستخلف‪:‬‬

‫‪ .1‬حسب اجتاه الفريق األول‪ ،‬فإن االستخالف عقد بني ‪ -‬املستخلف‪ -‬واملستخلف‪ ،‬فإذا قبل‬

‫املستخلف االستخالف وانعقد العقد صحيحا‪ ،‬صار املستخلف إماما مبوت املستخلف‪ ،183‬وال‬

‫يستطيع الرجوع عنه مبحض إرادته‪ ،‬حىت لو اتفق مع املستخلف على ذلك‪ ،‬ويستا ى من ذلك إذا ما‬

‫وجد يف األمة من تتوافر فيه شروط اإلمامة‪ ،‬أما إذا مل يوجد أي شخص تتوافر فيه شروطها‪ ،‬فإن‬

‫االستخالف يستمر على لمومه‪ ،‬فال جيوز إعفاوه وال استعفاوه‪.184‬‬

‫والسبب يف هذا اخلروج عن القواعد العامة يف العقود هو حتقيق مصلحة املسلمني العامة‪ ،‬إذ أنه ينشأ‬

‫من هذا العقد حق مباشر هلم‪-‬كما يف االشرتاط ملصلحة الغري يف العقود املدنية ‪ -‬كما وينشأ عليهم‬

‫التمامات نتيجة هذا العقد‪ ،‬وان مل يشاركوا فيه أبنفسهم‪.185‬‬

‫‪183‬اجلويِن‪ ،‬عبد امللك‪ ،‬غياث األمم‪ ،‬ص ‪. 131‬‬


‫‪184‬دبوس‪ ،‬صالح الدين‪ ،‬اخلليفة توليته وعمله‪ ،‬ص ‪ ،157‬السنهوري‪ ،‬عبد الرزاق‪ ،‬فقه اخلالفة وتطورها‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫‪185‬السنهوري‪ ،‬عبد الرزاق‪ ،‬فقه اخلالفة وتطورها‪ ،‬ص ‪.116‬‬

‫‪161‬‬
‫‪ .2‬وحسب اجتاه الفريق الااي‪ ،‬فإنه ال يتعلق للمعهود اليه أي حق كأثر للعهد‪ ،‬فال يكون لقبوله اعتبار‬

‫إال بعده‪ ،‬وتكون ابالختيار ‪ -‬كما سبق ‪.186-‬‬

‫ويرى الباحث أن األصل عدم ثبوت أي حق‪ ،‬أو ترتب أي استئاار على االستخالف لصاحل‬

‫املستخلف‪ ،‬األ أن فيه تمكية له قد تنفعه يف احلصول على بيعة األمة‪ .‬أما إذا استخلفه اإلمام بعهد ‪ -‬ملمم‬

‫‪ -‬هنائي يقوم مقام البيعة اضطرارا لسبب استانائي‪ ،‬فإن هذا االستخالف يكون ملمما له بعد قبوله له‪،‬‬

‫وذلك حفظا لالستقرار واألمن وسدا لذريعة الفرقة والفتنة‪.‬‬

‫اثلث ا‪ -‬اثر على األمة‪:‬‬

‫‪ .1‬حسب اجتاه الفريق األول‪ ،‬فإنه ينشأ لصاحل األمة حق مباشر ابلتمام املستخلف واملستخلف ابلعقد‬

‫واخلضوع إىل مقتضاه‪ ،‬بعدم الرجوع عنه وإبطاله‪ .‬كما ويعترب من حق األمة عدم إبطال أي‬

‫استخالف بعد هذا االستخالف‪ ،‬وذلك لتعلق حقها به‪.187‬‬

‫ويف موضوع استخالف اخلليفة ألكار من واحد ليخلفوه يف اخلالفة بعده على التوايل‪ ،‬ذهب مجع من‬

‫الفقهاء إىل لموم ذلك الرتتيب للناخبني وللمتصرف نفسه ونفاذة عليهم‪ ،‬وذكر املاوردي أن الظاهر عند‬

‫الشافعية أن هذا االستخالف ال يكون ملمما للخليفة املستخلف إذا ما اصبح خليفة‪ ،‬وجيوز له إلغاء‬

‫استخالف املستخلف الذي يليه واالستخالف لغريه‪.188‬‬

‫‪186‬دبوس‪ ،‬صالح الدين‪ ،‬اخلليفة توليته وعمله‪ ،‬ص ‪. 157‬‬


‫‪187‬السنهوري‪ ،‬عبد الرزاق‪ ،‬فقه اخلالفة وتطورها‪ ،‬ص ‪ .116‬دبوس ‪ ،‬صالح الدين‪ ،‬اخلليفة توليته وعمله‪ ،‬ص ‪. 153‬‬
‫‪188‬املاوردي‪ ،‬علي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪ .13‬وانظر السنهوري‪ ،‬عبد الرزاق‪ ،‬فقه اخلالفة وتطورها‪ ،‬ص ‪. 112‬‬

‫‪162‬‬
‫‪ .2‬وحسب اجتاه الفريق الااي فإن االستخالف ال يتجاوز كونه ترشيحا‪ ،‬وال يؤثر يف حرية الناخبني يف‬

‫قبوله ورفضه‪ ،‬فاالستخالف غري الزم لألمة‪ ،‬فلها اخليار يف النهاية‪ ،‬وهي اليت تنصب من تشاء‪.189‬‬

‫ويرتجح للباحث القول‪ :‬أبنه جيدر ابألمة ‪ -‬وال يلممها – مبايعة املستخلف إن مل يكن هنالك‬

‫خري منه من أهل الكفاءة‪ ،‬حتقيقا للعدل واملصلحة العامة ومقاصد التشريع‪ ،‬وكذلك األمر يف حالة‬

‫االستخالف إىل اكار من شخص على التوايل‪ .‬اما يف حالة الضرورة‪ :‬فإنه جيب عليها االلتمام‬

‫ابالستخالف كعقد إمامة يستلمم السمع والطاعة كأثر شرعي‪ ،‬وذلك حتقيقا للمصلحة العامة‪ ،‬وحفظا‬

‫للمصاحل الضرورية‪ ،‬وتابيتا لألمن والنظام‪ ،‬وهللا تبارك وتعاىل اعلم‪.‬‬

‫‪189‬السنهوري‪ ،‬عبد الرزاق‪ ،‬فقه اخلالفة وتطورها‪ ،‬ص ‪ ،111‬دبوس ‪ ،‬صالح الدين‪ ،‬اخلليفة توليته وعمله‪ ،‬ص ‪. 157‬‬

‫‪163‬‬
‫اخلامتة‬

‫وتشمل هذه اخلامتة على اهم ما توصلنا اليه من نتائج من البحث السابق‪:‬‬

‫‪ .1‬أن االستخالف والعهد والنص‪ ،‬ألفاظ مرتادفة ذات مع ى واحد‪ ،‬وهو الوصية من اإلمام القائم إىل‬

‫احد املسلمني ممن استجمع شرائط اخلالفة‪ ،‬ابخلالفة بعده‪ .‬وقد يكون عقدا للبيعة للمعهود إليه إذا‬

‫نص اخلليفة القائم على ذلك يف حالة الضرورة واالضطرار‪.‬‬

‫‪ .2‬يرجع اختالف آراء العلماء يف حكم االستخالف إىل الفكر السياسي الذي يتبناه أصحاب كل رأي‬

‫منهم‪ .‬فأصحاب الفكر السياسي ذي النمعة اجلماعية نبذوا االستخالف وحظروه‪ ،‬أن كان فيه‬

‫مصلحة عامة‪ .‬وذلك ملا رأوه فيه من خمالفة لفعل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وصحابته رضوان هللا‬

‫عليهم‪ ،‬وملا اعتقدوه من أن فيه إكراها للجماعة‪ ،‬واستئاارا فرداي ابلرأي‪ ،‬فلم يروه شرعيا لذلك‪ ،‬حىت‬

‫أن كان على سبيل الرتشيح غري امللمم‪ .‬أما أصحاب الفكر ذي النمعة املذهبية الوراثية‪ -‬كالشيعة‬

‫اإلمامية ‪ -‬فقرروا أن االستخالف والنص يمها سبيل تنصيب اإلمام دون غرييمها‪ ،‬ولو كان هذا احلصر‬

‫على حساب املصلحة العامة‪ .‬وذلك اعتقادا منهم أبحقية آل البيت لإلمامة واحلكم ووراثة ذلك‪-‬دون‬

‫غريهم من املسلمني ‪ .-‬بينما ذهب ذوو الفكر املتوسط من علماء املسلمني إىل قبول االستخالف‬

‫إذا كان فيه حتقيق للمصلحة العامة فقط‪ ،‬وذلك انطالقا من روح التشريع‪ ،‬ومقاصده‪ ،‬وفعل الصحابة‬

‫الكرام ‪.‬‬

‫‪ .3‬ترجح للباحث ‪ -‬من خالل هذه الدراسة ‪ -‬القول أبن األصل يف االستخالف أن يعد مباابة ترشيح‬

‫من اخلليفة لألمة‪ ،‬فال إلمام به عليها‪ ،‬فهي صاحبة السلطة احلقيقية يف احلكم‪ ،‬فلها تنصيب ومبايعة‬

‫‪164‬‬
‫من تشاء ابختيارها احملض‪ ،‬فالتكييف الفقهي لالستخالف هو انه تصرف قويل من اإلمام ينشئ‬

‫ترشيحا لشخص ليخلفه يف منصبه‪.‬‬

‫‪ .4‬الوسطية والعدل يقتضيان اعتبار االستخالف مشروعا بشكل إلمامي يف حالة استانائية‪ ،‬وهي إذا ما‬

‫احتاجت إليه األمة لفض نماع حمتمل‪ ،‬أو سد ذريعته يف بعض األحيان‪ .‬فراي ذو الفكر اجلماعي‬

‫الذي ينبذ االستخالف قد يفوت مصلحة عامة لألمة‪ ،‬ويؤدي هبا إىل اخلالف والتنازع ‪ ،‬ويوقعها يف‬

‫الفتنة‪.‬‬

‫والقول املذهيب الوراثي الذي يقرر االستخالف والنص قد يؤثر سلبا على املصلحة العامة ومستقبل‬

‫الدولة اإلسالمية‪.‬‬

‫أما القول بق بول االستخالف إذا ما كان فيه حتقيق للمصلحة العامة فهو انسب واعدل وأوفق لنظام‬

‫سياسي اقوى وأثبت‪ ،‬والذي من شأنه – بدون شك ‪ -‬حتقيق األمن واالستقرار وحفظ الدولة‬

‫اإلسالمية من الناحية الداخلية واخلارجية‪ ،‬وهو أيضا منطلق من املقاصد العامة للتشريع‪ ،‬وحمقق‬

‫ملقاصدها اخلاصة ابلوالايت العامة كحراسة الدين‪ ،‬وحتقيق مصلحة الناس العامة واخلاصة‪ ،‬وحفظ‬

‫األمن والنظام‪ ،‬ومجع كلمة األمة ومنع تفرقها‪.‬‬

‫‪ .5‬يشرتط ملشروعية االستخالف مجلة من الشروط يتعلق بعضها ابملستخلف‪ ،‬وبعضها ابملستخلف‪،‬‬

‫وبعضها ابالستخالف ذاته‪ ،‬وذلك انطالقا من مقاصد التشريع احلنيف‪:‬‬

‫أولا‪ :‬الشروط اسمتعلقة ابسمستخلف‪:‬‬

‫أ‪ -‬أن يكون متوليا ملنصب اخلالفة عندما يصدر االستخالف‪ ،‬ليكون مالكا إلجرائه‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫ب‪ -‬أن يتوخى املستخلف يف الذي يستخلفه مصلحة املسلمني‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬الشروط اسمتعلقة ابسمستخلف‪:‬‬

‫أ‪ -‬أن يكون كامل األهلية هلذا املنصب من وقت االستخالف إىل وقت توليه السلطة‪.‬‬

‫ب‪ -‬أن ال يكون غائبا حبيث ال يعرف أحي هو أم ميت‪.‬‬

‫ج‪ -‬أن يقبل االستخالف‪ ،‬سواء أكان ذلك صراحة ابللفظ‪ ،‬أم كان ضمنا ابلسكوت ‪.‬‬

‫اثلثا‪ :‬الشروط اسمتعلقة ابلستخالف‪:‬‬

‫أ‪ -‬أن يرتبط ابنتهاء خالفة اخلليفة املستخلف‪ ،‬ال ابنتهاء خالفة غريه ‪.‬‬

‫ب‪ -‬إعالم األمة بصدور االستخالف ‪.‬‬

‫ج‪ -‬النص الصريح على كون االستخالف المامي‪ ،‬وانه عقد للبيعة يف حالة الضرورة ‪.‬‬

‫‪ .7‬انه يرتتب على االستخالف آاثر تتعلق ابملستخلف‪ ،‬وأخرى ابملستخلف‪ ،‬وأخرى ابالستخالف‬

‫نفسه‪ ،‬وختتلف هذه اآلاثر ابختالف وجهة النظر يف كون االستخالف مشروعا وملمما من كونه‬

‫ترشيحا لألمة وغري ملمم‪ .‬وقد‬

‫ترجح للباحث ‪ -‬يف ضوء الدراسة املقاصدية ألحكام هذا املوضوع – أن االستخالف غري ملمم‬

‫للعاهد‪ ،‬فله الرجوع عنه للمصلحة العامة‪ ،‬وكذلك األمر ابلنسبة للمعهود إليه ‪ ،‬األ إذا صدر‬

‫االستخالف بصورة ملممة يف حالة ضرورية استانائية‪ ،‬فإنه يعد ملمما للمعهود إليه بعد قبوله له‪ .‬أما‬

‫‪166‬‬
‫ابلنسبة لألمة فاألصل أن االستخالف غري ملمم هلا‪ ،‬فهو مباابة الرتشيح‪ ،‬وهلا أن تعقد البيعة ملن تراه‬

‫مناسبا‪ .‬األ أنه يكون ملمما هلا يف احلالة االستانائية سابقة الذكر‪ ،‬حتقيقا ملقاصد التشريع احلنيف‪.‬‬

‫‪ .8‬اثبت البحث السابق أيمهية الدراسة املقاصدية ملوضوعات السياسة الشرعية والوالايت العامة‪ ،‬حيث‬

‫أن الشرع ترك أجماء عديدة منها دون نص صريح‪ ،‬ومنلك توسعة على األمة‪ ،‬وهلذا فإن البحث فيها‬

‫حيتاج إىل مصادر شرعية أخرى تتصف ابلابات ‪ ،‬حبيث ينطلق منها بدراسة حتليلية تفصيلية للوصول‬

‫إىل األحكام الشرعية الراجحة املتعلقة ابملسائل اجلمئية منها‪ ،‬ال سيما اخلالفية‪ ،‬ومما ال شك فيه‪ :‬أن‬

‫مقاصد التشريع من اهم املصادر الكلية الاابتة اليت جيدر الرجوع إليها يف هذه األحوال‪ ،‬ملا تتضمنه‬

‫من معاي وأهداف كلية جيب حتققها يف كل األحكام الشرعية الفرعية‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫املراجع واملصادر‬

‫رتب احلديث الشريف‪:‬‬

‫‪ .1‬ابن العريب‪ ،‬أبو بكر حممد بن عبد هللا‪ ،‬عارضة األحوذي بشرح صحح الرتمذي‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪ .2‬أبو الطيب آابدي‪ ،‬حممد مشس احلق‪ ،‬عون املعبود شرح سنن أيب داود‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪ .3‬امحد بن حنبل‪ ،‬املسند‪ ،‬مراجعة صدقي حممد مجيل العطار‪ .‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة الاانية‪ 1414 ،‬ه ‪-‬‬

‫‪ 1994‬م‪ ،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪ .4‬اإلمام مسلم‪ ،‬أبو احلسن مسلم بن احلجاج القشريي النيسابوري‪ ،‬صحح مسلم‪ ،‬حتقيق حممد فؤاد عبد‬

‫الباقي‪ .‬املكتبة اإلسالمية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1374 ،‬ه – ‪ 1955‬م‪ ،‬إسطنبول ‪ -‬تركيا‪.‬‬

‫‪ .5‬البخاري‪ ،‬أبو عبد هللا حممد بن إمساعيل اجلعفي‪ ،‬صحح البخاري‪ ،‬حتقيق د‪ .‬مصطفى البغا‪ .‬دار ابن‬

‫كاري‪ ،‬دار اليمامة‪ ،‬الطبعة الاالاة‪ 1467 ،‬ه ‪ 1937-‬م‪ ،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪ .1‬الرتمذي‪ ،‬أبو عيسى حممد بن عيسى بن سورة‪ ،‬سنن الرتمذي‪ ،‬حتقيق امحد شاكر وحممد فؤاد عبد‬

‫الباقي‪ ،‬وكمله عبد القادر عامان‪ ،‬مراجعة صدقي حممد مجيل العطار‪ .‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬

‫‪ 1414‬ه ‪ 1994 -‬م‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪ .7‬السجستاي‪ ،‬أبو داود سليمان بن األشعث‪ ،‬سنن أيب داود‪ ،‬حتقيق صدقي حممد مجيل‪ .‬دار الفكر‪،‬‬

‫الطبعة األوىل‪ 1414 ،‬ه ‪ 1994-‬م‪ ،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫‪ .3‬النووي‪ ،‬حمىي الدين أبو زكراي حيىي بن شرف‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬راجعه خليل امليس‪ .‬دار القلم‪،‬‬

‫بريوت ‪.‬‬

‫رتب علم الكال والفرق‪:‬‬

‫‪ .1‬ابن تيمية‪ ،‬أبو العباس تقي الدين امحد بن عبد احلليم‪ ،‬منهاج السنة النبوية‪ ،‬حتقيق د‪ .‬حممد رشاد‬

‫سامل‪ .‬مكتبة دار العروبة‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،1912 ،‬القاهرة ‪.‬‬

‫‪ .2‬ابن حمم‪ ،‬أبو حممد علي بن أمحد الظاهري‪ ،‬الفصل يف امللل والنحل‪ .‬دار املعرفة‪ ،‬الطبعة الاانية‪،‬‬

‫‪ 1975-1395‬م‪ ،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪ .3‬األشعري‪ ،‬اإلمام أبو احلسن علي بن إمساعيل‪ ،‬مقاالت اإلسالميني‪ .‬املكتبة العصرية‪ ،‬حتقيق حممد‬

‫حميي الدين عبد احلميد‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1411 ،‬ه ‪ 1995-‬م‪ ،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪ .4‬البغدادي‪ ،‬اإلمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي‪ ،‬أصول الدين‪ .‬مطبعة الدولة‪ ،‬الطبعة‬

‫األوىل ‪ 1341‬ه ‪ 1933-‬م‪.‬‬

‫‪ .5‬احللو‪ ،‬حممد علي‪ ،‬عقائد اإلمامية برواية الصحاح الستة‪ .‬دار اهلادي‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1426 ،‬ه ‪-‬‬

‫‪ 2666‬م‪ ،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪ .1‬املظفر‪ ،‬الشيخ حممد رضا املظفر‪ ،‬عقائد اإلمامية‪ .‬مكتبة األمني‪ 1333 ،‬ه ‪ 1931 -‬م‪ ،‬النجف‪.‬‬

‫رتب الفقه وأصوله ومقاصد التشريع‪:‬‬

‫ابن عاشور‪ ،‬الشيخ حممد الطاهر‪ ،‬مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ .‬حتقيق‪ :‬حممد الطاهر امليساوي‪.‬‬ ‫‪.1‬‬

‫البصائر لإلنتاج العلمي‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1413 ،‬ه ‪ 1993 -‬م‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫ابن قيم اجلوزية‪ ،‬اإلمام مشس الدين حممد بن أيب بكر‪ ،‬إعالم املوقعني عن رب العاملني‪ .‬دار‬ ‫‪.2‬‬

‫احلديث‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1415 ،‬ه ‪ 1995 -‬م‪ ،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪ ،‬الطرق احلكمية يف السياسة الشرعية‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1415 ،‬ه ‪-‬‬ ‫‪.3‬‬

‫‪ 1995‬م‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫البدوي‪ ،‬يوسف أمحد‪ ،‬مقاصد الشريعة عند ابن تيمية‪ .‬دار النفائس‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1421 ،‬ه‪-‬‬ ‫‪.4‬‬

‫‪ 2666‬م‪ ،‬عمان‪.‬‬

‫البهويت‪ ،‬الشيخ منصور بن يونس‪ ،‬شرح منتهي اإلرادات‪ .‬عامل الكتب‪ ،‬الطبعة الاانية‪ 1411 ،‬ه‬ ‫‪.5‬‬

‫‪ 1991 -‬م‪ ،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪ ،‬كشاف القناع عن منت اإلقناع‪ .‬دار الفكر‪ 1462 ،‬ه ‪ 1932-‬م‪ ،‬بريوت ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬

‫اخلادمي‪ ،‬د‪ .‬نور الدين بن خمتار‪ ،‬علم املقاصد الشرعية‪ .‬مكتبة العبيكان‪ ،‬الطبعة األوىل‪1421 ،‬‬ ‫‪.7‬‬

‫ه ‪ 2661 -‬م‪ ،‬الرايض ‪.‬‬

‫الرافعي‪ ،‬اإلمام أبو القاسم عبد الكرمي بن حممد بن عبد الكرمي‪ ،‬العميم شرح الوجيم‪ .‬حتقيق الشيخ‬ ‫‪.3‬‬

‫علي حممد معوض‪ ،‬والشيخ عادل أمحد عبد املوجود‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل‪1417 ،‬‬

‫ه ‪ 1997 -‬م‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫الرملي‪ ،‬مشس الدين حممد بن امحد بن محمة‪ ،‬هناية احملتاج إىل شرح املنهاج‪ .‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫‪.9‬‬

‫الطبعة األوىل‪ 1414 ،‬ه ‪ 1993-‬م‪ ،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫‪ .16‬الريسوي‪ ،‬د‪ .‬أمحد‪ ،‬نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطيب‪ ،‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪ ،‬سلسلة‬

‫الرسائل اجلامعية (‪ ،)1‬الطبعة الرابعة‪ 1415 ،‬ه ‪ 1995-‬م‪ ،‬هريندن ‪ -‬فرجينيا‪ ،‬أمريكا‪.‬‬

‫‪ .11‬السيوطي‪ ،‬اإلمام جالل الدين عبد الرمحن‪ ،‬األشباه والنظائر‪ .‬مؤسسة الكتب الاقافية‪ ،‬الطبعة‬

‫األوىل‪ 1415 ،‬ه ‪ 1994 -‬م‪ ،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪ .12‬الشربيِن‪ ،‬مشس الدين حممد بن حممد اخلطيب‪ ،‬مغِن احملتاج إىل معرفة معاي ألفاظ املنهاج‪ .‬حتقيق‬

‫الشيخ علي حممد معوض‪ ،‬والشيخ عادل امحد عبد املوجود‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪،‬‬

‫‪ 1415‬ه ‪ 1994 -‬م‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪ .13‬العامل‪ ،‬د‪ .‬يوسف حامد‪ ،‬املقاصد العامة للشريعة اإلسالمية‪ .‬دار احلديث‪ -‬القاهرة‪ ،‬الدار‬

‫السودانية ‪ -‬اخلرطوم‪.‬‬

‫‪ .14‬عقلة‪ ،‬حممد‪ ،‬اإلسالم مقاصده وخصائصه‪ .‬مكتبة الرسالة احلدياة‪ ،‬الطبعة الاانية‪ ،‬عمان‪1411 ،‬‬

‫ه‪ 1991 -‬م ‪.‬‬

‫‪ .15‬الفاسي‪ ،‬عالل‪ ،‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها‪ .‬مكتبة الوحدة العربية‪ ،‬الدار البيضاء‪.‬‬

‫‪ .11‬القرايف‪ ،‬اإلمام شهاب الدين أمحد بن إدريس‪ ،‬شرح تنقيح الفصول‪ .‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬

‫‪ 1413‬ه ‪ 1997-‬م‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪ .17‬املواق‪ ،‬أبو عبد هللا حممد بن بن يوسف العبدري‪ ،‬مواهب اجلليل لشرح خمتصر خليل‪ .‬دار الفكر‪،‬‬

‫الطبعة الاالاة‪ 1412 ،‬ه ‪ 1992-‬م‪ ،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫‪ .13‬النووي‪ ،‬حمي الدين أيب زكراي حيىي بن شرف‪ ،‬روضة الطالبني‪ .‬حتقيق الشيخ علي حممد معوض‪،‬‬

‫والشيخ عادل امحد عبد املوجود‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪ ،‬منهاج الطالبني وعمدة املفتني يف الفقه‪ .‬مكتبة الاقافة‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬عدن ‪ -‬اليمن‪.‬‬ ‫‪.19‬‬

‫رتب السياسة الشرعية وما يتعلق هبا‪:‬‬

‫أبو عيد‪ ،‬د‪ .‬عارف‪ ،‬وظيفة احلاكم يف الدولة اإلسالمية‪ .‬دار القلم‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1465 ،‬ه ‪-‬‬ ‫‪.1‬‬

‫‪ 1935‬م‪ ،‬الكويت‪.‬‬

‫أبو فارس‪ ،‬د‪ .‬حممد عبد الفادر‪ ،‬القاضي أبو يعلى الفراء وكتابه‪ .‬جامعة األزهر‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬ ‫‪.2‬‬

‫‪ 1466‬ه ‪ 1936 -‬م‪ ،‬كلية الشريعة‪ ،‬قسم الدراسات العليا‪ ،‬القاهرة ‪.‬‬

‫‪ ،‬النظام السياسي يف اإلسالم‪ .‬دار الفرقان‪ ،‬الطبعة الاانية‪ 1469 ،‬ه‪ 1939 -‬م‪،‬‬ ‫‪.3‬‬

‫عمان ‪.‬‬

‫امحد‪ ،‬د‪ .‬فؤاد عبد املنعم‪ ،‬أصول نظام احلكم يف اإلسالم‪ .‬مؤسسة شباب اجلامعة‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬ ‫‪.4‬‬

‫‪ 1411‬ه‪ 1991 -‬م‪ ،‬اإلسكندرية‪.‬‬

‫إمساعيل‪ ،‬د‪ .‬حيىي‪ ،‬منهج السنة يف العالقة بني احلاكم واحملكوم ‪ .‬دار الوفاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬ ‫‪.5‬‬

‫‪ 1461‬ه ‪ 1931-‬م‪ ،‬املنصورة ‪.‬‬

‫آل حممود‪ ،‬أمحد حممود‪ ،‬البيعة يف اإلسالم‪ .‬دار البيارق ‪ ،‬عمان ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬

‫بسيوي‪ ،‬د‪ .‬حسن السيد‪ ،‬الدولة ونظام احلكم يف اإلسالم ‪ .‬عامل الكتب‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬ ‫‪.7‬‬

‫‪ ،1935-1465‬بريوت‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫اجلويِن‪ ،‬إمام احلرمني أبو املعايل عبد امللك بن عبد هللا‪ ،‬غياث األمم يف التياث الظلم‪ ،‬حتقيق د‪.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫عبد العظيم الديب‪ ،‬احملقق نفسه‪ ،‬الطبعة الاانية‪ 1461 ،‬ه‬

‫احلصري‪ ،‬د‪ .‬امحد‪ ،‬الدولة وسياسة احلكم يف الفقه اإلسالمي‪ .‬مكتبة الكليات األزهرية‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪.9‬‬

‫األوىل‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ .16‬حلمي‪ ،‬د‪ .‬مصطفى‪ ،‬نظام اخلالفة يف الفكر اإلسالمي‪ .‬دار الدعوة‪ ،‬الطبعة الاانية‪ 1421 ،‬ه‪-‬‬

‫‪ 1935‬م ‪ ،‬اإلسكندرية‪.‬‬

‫‪ .11‬اخلالدي‪ ،‬د‪ .‬حممود‪ ،‬البيعة (يف الفكر اإلسالمي)‪ .‬مكتب الرسالة احلدياة‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬

‫‪ 1465‬ه ‪ 1935 -‬م‪ ،‬عمان ‪.‬‬

‫‪ .12‬خالف‪ ،‬عبد الوهاب‪ ،‬السياسة الشرعية‪ .‬دار القلم ‪ 1463 ،‬ه ‪ 1933-‬م‪ ،‬الكويت‪.‬‬

‫‪ .13‬دبوس‪ ،‬د‪ .‬صالح الدين‪ ،‬اخلليفة‪ :‬توليته وعمله‪ .‬مؤسسة الاقافة اجلامعية‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬

‫اإلسكندرية‪.‬‬

‫‪ .14‬الدريِن‪ ،‬د‪ .‬فتحي‪ ،‬خصائص التشريع اإلسالمي يف السياسة واحلكم‪ .‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة‬

‫الاانية‪ 1407 ،‬ه ‪ 1937-‬م‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪ .15‬الدميجي‪ ،‬عبد هللا بن عمر‪ ،‬اإلمامة العظمي عند اهل السنة واجلماعة‪ .‬دار طيبة‪ ،‬الطبعة الاانية‪،‬‬

‫‪ 1469‬ه ‪ ،‬الرايض ‪.‬‬

‫‪ .11‬الدوري‪ ،‬د‪ .‬قحطان عبد الرمحن‪ ،‬الشورى بني النظرية والتطبيق‪ .‬مطبعة األمة‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬

‫‪ 1394‬ه ‪ 1974-‬م‪ ،‬بغداد‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫‪ .17‬الريس‪ ،‬حممد ضياء‪ ،‬النظرايت السياسية اإلسالمية‪ .‬دار الرتاث‪ 1979 ،‬م‪ ،‬القاهرة ‪.‬‬

‫‪ .13‬السنهوري‪ ،‬د‪ .‬عبد الرزاق‪ ،‬فقه اخلالفة وتطورها‪ .‬ترمجة د‪ .‬انديه عبد الرزاق السنهوري‪ .‬اهليئة‬

‫املصرية للكتاب‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1939 ،‬م‪.‬‬

‫‪ .19‬عبد اخلالق‪ ،‬فريد‪ ،‬يف الفقه السياسي اإلسالمي‪ .‬دار الشروق ‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1419 ،‬ه ‪-‬‬

‫‪ 1993‬م‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ .26‬عبد اللطيف‪ ،‬د‪ .‬حسن صبحي امحد‪ ،‬الدولة اإلسالمية وسلطتها التشريعية‪ .‬مؤسسة شباب‬

‫اجلامعة‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬اإلسكندرية‪.‬‬

‫‪ .21‬العتوم‪ ،‬حممد عبد الكرمي‪ ،‬النظرية السياسية املعاصرة للشيعة‪ .‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬

‫‪ 1469‬ه ‪ 1933-‬م‪ ،‬عمان‪.‬‬

‫‪ .22‬عامان‪ ،‬حممد رافت‪ ،‬رايسة الدولة يف الفقه اإلسالمي‪ .‬دار الكتاب اجلامعي‪ ،‬مصر‪.‬‬

‫‪ .23‬عامان‪ ،‬حممد فتحي‪ ،‬من أصول الفكر السياسي اإلسالمي‪ .‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة الاانية‪،‬‬

‫‪ 1464‬ه ‪ 1934-‬م‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪ .24‬العوا‪ ،‬حممد سليم‪ ،‬يف النظام السياسي الدولة اإلسالمية‪ .‬دار الشروق‪ ،‬الطبعة األوىل‪1416 ،‬‬

‫ه ‪ 1939-‬م‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪ .25‬عودة‪ ،‬عبد القادر‪ ،‬اإلسالم وأوضاعنا السياسية‪ .‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1461 ،‬ه ‪-‬‬

‫‪ 1931‬م‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫‪ .21‬العيلي‪ ،‬عبد احلكيم حسن‪ ،‬احلرايت العامة يف الفكر والنظام السياسي يف اإلسالم‪ .‬دار الفكر‬

‫العريب‪ 1394 ،‬ه‪ 1974-‬م‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ .27‬القامسي‪ ،‬ظافر‪ ،‬نظام احلكم يف الشريعة والتاريخ‪ .‬دار النفائس‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1394 ،‬ه‪-‬‬

‫‪ 1974‬م‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪ .23‬قرعوش‪ ،‬كايد يوسف‪ ،‬طرق انتهاء والية احلكام يف الشريعة اإلسالمية والنظم الدستورية‪ .‬مؤسسة‬

‫الرسالة‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1407،‬ه ‪ 1937-‬م‪ ،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪ .29‬القلقشندي‪ ،‬امحد بن علي‪ ،‬صبح األعشى يف صناعة اإلنشا‪ .‬حتقيق د‪ .‬يوسف علي طويل‪ .‬دار‬

‫الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1467 ،‬ه‪ 1937-‬م‪ ،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪ ،‬مآثر األانفة يف معامل اخلالفة‪ .‬حتقيق عبد الستار امحد فراج‪ .‬الرتاث العريب ‪-‬‬ ‫‪.36‬‬

‫سلسلة تصدرها وزارة اإلرشاد واألنباء يف الكويت‪ ،1914 ،‬الكويت‪.‬‬

‫‪ .31‬املاوردي‪ ،‬علي بن حممد حبيب البصري‪ ،‬األحكام السلطانية والوالايت الدينية‪ .‬دار الفكر‪،‬‬

‫الطبعة األوىل‪ 1464 ،‬ه ‪ 1933-‬م‪ ،‬القاهرة ‪.‬‬

‫‪ .32‬متويل‪ ،‬د‪ .‬عبد احلميد‪ ،‬مبادئ نظام احلكم يف اإلسالم‪ .‬دار املعارف‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬اإلسكندرية‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫رتب اللغة واسمصطلحات‪:‬‬

‫‪ .1‬ابن منظور‪ ،‬مجال الدين حممد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‪ .‬دار صادق‪ ،‬الطبعة الاالاة‪ 1414 ،‬ه ‪-‬‬

‫‪ 1994‬م‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪ .2‬انيس‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬ورفاقه‪ ،‬املعجم الوسيط‪ .‬دار احلديث للطبع والنشر‪ ،‬الطبعة الاانية‪ ،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪ .3‬اجلرجاي‪ ،‬علي بن حممد بن علي‪ ،‬التعريفات‪ ،‬حتقيق إبراهيم األبياري‪ .‬دار الكتاب العريب‪ ،‬الطبعة‬

‫الاانية‪ 1413 ،‬ه‪ 1992 -‬م‪.‬‬

‫‪ .4‬المخمشري‪ ،‬جار هللا ايب القاسم حممود بن عمر‪ ،‬أساس البالغة‪ .‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة األوىل‪1469 ،‬‬

‫ه ‪ 1939-‬م‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪ .5‬الفريوزاابدي‪ ،‬حممد بن يعقوب‪ ،‬القاموس احمليط‪ .‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1412‬ه‪-‬‬

‫‪ 1991‬م‪ ،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪ .1‬الرازي‪ ،‬حممد بن أيب بكر بن عبد القادر‪ ،‬خمتار الصحاح‪ .‬املكتبة األموية‪ ،‬الطبعة األوىل‪1393 ،‬‬

‫ه ‪ 1973 -‬م‪ ،‬دمشق‪.‬‬

‫رتب التاريخ واألعال والجتماع واألدب‪:‬‬

‫‪ .1‬ابن خلدون‪ ،‬عبد الرمحن املغريب‪ ،‬مقدمه ابن خلدون‪ .‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة األوىل‪.‬‬

‫‪ .2‬ابن قتيبة‪ ،‬اإلمام عبد هللا بن مسلم‪ ،‬اإلمامه والسياسة (املعروف بتاريخ اخللفاء)‪ .‬مؤسسة انصر‬

‫الاقافية‪ ،1936 ،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫‪ .3‬المركلي‪ ،‬خري الدين‪ ،‬األعالم ‪ .‬دار العلم للماليني‪ ،‬الطبعة العاشرة ‪ 1993 ،‬م‪ ،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪ .4‬السيوطي‪ ،‬اإلمام جالل الدين‪ ،‬اتريخ اخللفاء‪ .‬دار األرقم ‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬حتقيق قاسم الرفاعي‪،‬‬

‫وحممد العاماي‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪ .5‬املاوردي‪ ،‬أبو احلسن علي بن حممد حبيب البصري‪ ،‬أدب الدنيا والدين‪ .‬دار مكتبة احلياة‪ ،‬الطبعة‬

‫األوىل ‪ ،1937‬بريوت ‪.‬‬

‫‪177‬‬
Succession in light of legislation intention a Fiqh
relatively critical modern study
Dr. Adnan Mohmoud Al-Assaf
Prof. Assistant in the department of Fiqh and its basics
Shariah Faculty- Jordanian University - Hashimite Kingdom
of Jordan
This research handled the study of succession in Islamic Figh
through a critical method among different Figh schools based on divine
legislation intentions for direction and thinking. This research is divided
into introduction, conclusion and four fields of research.
This research discussed the concept of succession in the first topic.
The second topic exposed general intentions of divine legislation in public
sovereignty. The third topic dealt with Shariah rule for succession
according to old scholars’ views as well as contemporary scholars’. The
fourth topic mentioned duly conditions that should be available in different
parties in addition to their impact on these parties through divine
legislation.
The research led to some results such like: Succession is a non-
obligatory proposal and the candidate can accept it in case of being
expressly obliged to, or if there was a real necessity. In this case, it shall be
an obligation to the candidate after his acceptance. Concerning the national
succession, it is not obligatory except in case of necessity when it realizes
intentions of divine legislation.

178

Powered by TCPDF (www.tcpdf.org)

You might also like