You are on page 1of 95

‫املدخل إىل علم الفقه‬

‫تفريغ حملاضرة الدكتور عامر هبجت حفظه هللا‬


‫ىف مادة املدخل إىل علم الفقه‬
‫بعد الثناء على هللا و الصالة على رسول هللا‪ ،‬قال الشيخ حفظه هللا‪:‬‬

‫فهذا هو الدرس األول من دروس املقرر املدخل إىل علم الفقه اإلسالمي أو املدخل إىل علم الفقه‪ .‬و‬
‫هذا املقرر أو هذه الدورة هي من املقررات و تتضمن من املسائل املهمة لطالب العلم الذي يريد أن‬
‫يدرس الفقه‪ ،‬و ذلك أن اإلنسان ىف دراسته للفقه يشرع ىف دراسة املسائل الفقهية املتعلقة أبفعال‬
‫املكلفني¸ و لكنه حيتاج قبل ذلك إىل بعض املقدمات و القواعد اليت تتعلق هبذا العلم‪ .‬و ال أحب‬
‫أن أطيل ىف املقدمات ألن أصال هذه املادة هي املقدمة‪ .‬و لذا سنشرع إبذن هللا عز و جل هذا‬
‫املقرر‪.‬‬

‫[أهداف املقرر]‬

‫أول شيء نتعلم أهداف هذا املقرر‪.‬‬


‫أن يتعرف الدارس على معىن الفقه و فضله و حكم تعلمه‪.‬‬ ‫‪.1‬‬

‫أن يرغب الدارس ىف تعلم الفقه‪.‬‬ ‫‪.2‬‬


‫هذا املقرر أيها اإلخوة الكرام و هذه الدورة هتدف إىل أهداف‪ ،‬من أهم هذه األهداف ما يتعلق‬
‫حيصل اإلنسان ىف داخله رغبة تدفعه إىل‬
‫ابألهداف الوجدانية‪ ،‬يعين من أهم أهداف هذه الدورة أن ّ‬
‫حيصل ىف قلبه و صدره تعظيم هذا العلم اجلليل و هلذا نقول‪:‬‬
‫دراسة الفقه و أن ّ‬

‫أن يدرك الدارس املراحل التارخية لعلم الفقه‪.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫أن يصري الدارس معظما ألئمة الفقه‪ ،‬معرتفا بفضلهم‪ ،‬جمال جلهودهم‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫هذا هدف وجداين‪ ،‬ألننا إذا شرعنا مباشرة ىف دراسة الفقه‪ ،‬فإن بعض الدارس يبدأ بدراسة املسائل‬
‫و ليس له قناعة هبذ العلم و ليس له قناعة هبذا املذهب الذي يدرسه‪ .‬جتده يدخل ىف دراسة الفقه و‬
‫‪2‬‬
‫هو ىف نفسه و قرارته يقول أن هذا أقوال الرجال و كالم الفقهاء فنقبل منه ما وافق الكتاب و السنة‬
‫و ما خالفهما نضرب هبا عرض احلائط‪ ،‬و هو يفرتض ىف نفسه أن هذا الكالم جزء منه استقى من‬
‫األدلة الشرعية و بىن عليها‪ ،‬و أن فيه مسائل مل تنب على الدليل الشرعي‪ .‬و هو يتصور و يتخيل أن‬
‫حزءا من الفقه اإلسالمي هو رأي حمض أي رأي غر مبين على الدليل الشرعي من الكتاب و السنة‪،‬‬
‫بل إين أعرف أحدا بدأ ىف دراسة زاد املستقنع ىف كلية الشريعة‪ ،‬فيبدأ يشطب ىف نسخة زاد املستقنع‬
‫ىف بعض املسائل و يقول "أان أريد أن أحفظ زاد املستقنع‪ ،‬لكن ما وافق الكتاب و السنة و ما وافق‬
‫القول الراجح"‪ .‬فيشطب هذا أقسام املياه ثالثة‪ ،‬قال "ايش هذا خمالف للدليل الراجح أنه اثنان"‪،‬‬
‫فهكذا‪ .‬و هو يتصور ىف قررارة نفسه أن هذا الفقه فقه مبين على أقوال الرجال احملضة‪.‬‬

‫اإلنسان الذي يدخل ىف دراسة أي علم من العلوم و ليس علم الفقه فقط‪ ،‬إذا أقبلت على دراسته‬
‫حيصل أبدا حتصيال اتما‪ ،‬يعين لو أعطيتك كتااب ىف اإلجنليزية و أقول لك اقرأ‪ ،‬لكنك‬
‫هبذه النفسية ال ّ‬
‫تقول هو ما ىف فائدة كثري منه أغالط و احلقيقة أن اجلزء الكبري من املقرر مسائل ليس عليها العمل‪،‬‬
‫ستجد حجيزا منيعا بينك و بني هذا الكتاب‪ .‬مث إن كثريا من الناس أيتى و يسأل كيف أضبط الفقه‬
‫و هو علم متشعب؟ فأقول أول خطوة لضبط الفقه أن تكون على قناعة هبذا العلم‪ ،‬إن مل تكن عليها‬
‫فكيف تضبط إن بنيت ىف أول دراستك سورا و حجيزا منيعا بينك و بينه‪ .‬فلهذا جاءت هذه املادة‬
‫حىت إذا أراد اإلنسان أن يدرس علم الفقه يدخل فيه من املدخل الصحيح و يدرس هذا العلم و هو‬
‫على قناعة به و هو يعرف نسب هذا العلم و أن هذه املدارس الفقهية املوجودة األربعة امتداد‬
‫للمدرسة اليت علمها رسول هللا صلى هللا عليه و سلم الصحابة رضوان هللا عليهم الفقه‪ ،‬و امتداد‬
‫ملدارس الصحابة‪ ،‬و ليس فيها مسألة واحدة إال و هي مبنية على الدليل الشرعي‪ ،‬ال نقول أبن‬
‫النتيجة البد أن تكون صوااب فإن الكل من املذاهب فيه صواب و فيه خطأ‪ ،‬لكن ال ميكن للعامل‬
‫يتقى هللا يقول حرفا و ال كلمة بدون حجة و ال دليل‪ .‬فليس كل جمتهد مصيب و لكن اجملتهد الذي‬
‫يتقى هللا ال ميكن أن يقول ىف دين هللا بغري علم و ال دليل‪ .‬و قد قال يل أحد الطالب صراحة "لو‬
‫حذفنا متنا ىف الروض املربع ما ليس له دليل و ال أاثرة من الدليل‪ ،‬ملزقنا منه صفحات كثرية"‪ .‬فهل‬
‫ميكن اإلنسان يضبط كتاب الروض املربع هبذه النفسية (؟!) إذن اهلدف اخلامس هو‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫أن يفهم الدارس الفروق بني املدارس الفقهية‪ ،‬ما الفرق بني مدرسة أهل احلديث و‬ ‫‪.5‬‬
‫بني أهل الرأي و أهل الظاهر‪ ،‬و ما هي املدرسة الفقهية اليت ظهرت ىف العصر احلاضر‪.‬‬

‫أن يعرف الدارس معىن التمذهب و حكمه‪ ،‬و يفرق بني املمنوع منه و اجلائز‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫هذه ابلنسبة لألهداف‪.‬‬

‫[مفردات املقرر]‬

‫أما ابلنسبة ملفردات املقرر فسنتناول‪:‬‬

‫‪ -‬تعريف عام لعلم الفقه و يتضمن معناه لغة و شرعا و اصطالحا و موضوع علم الفقه و فضله و‬
‫فضل تعلمه‪.‬‬
‫‪ -‬و املراحل اليت مر هبا الفقه اإلسالمي و خصائص مرحلة التشريع و هي أول مرحلة الفقه و أهم‬
‫معاملها‪.‬‬
‫‪ -‬و الفقه ىف زمن الصحابة و أبرز فقهاء الصحابة‪.‬‬
‫‪ -‬مث املدارس الفقهية ىف زمن التابعني‪.‬‬
‫‪ -‬مث التعريف بكل مذهب من املذاهب األربعة و يتضمن تعريف اسم إمام املذهب و نسبه و‬
‫عبادته و علمه و املراحل اليت مر هبا املذهب و فقهاء املذهب لكل مرحلة‪.‬‬
‫‪ -‬مث نتكلم إبذن هللا عن املذاهب املندرسة‪ ،‬املذاهب اليت قامت ىف حقبة من التاريخ و كانت له‬
‫أتباع يدينون هبا و يقلدوهنا مث بعد ذلك اندرست و انتهت‪.‬‬
‫‪ -‬مث معامل الفقه ىف العصر احلاضر و بعض املعامل الرئيسية ىف ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬مث التمذهب و املوقف منه‪.‬‬
‫‪ -‬مث املدارس الفقهية (أهل احلديث‪ ،‬أهل الرأي‪ ،‬أهل الظاهر‪ ،‬املدرسة العقلية)‪.‬‬
‫‪ -‬مث الكالم عن أسباب اختالف العلماء و املوقف من ذلك‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫[تعريف الفقه لغة و شرعا و اصطالحا]‬

‫فنبدأ أوال ابلنقطة األوىل و هي ما يتعلق بتعريف الفقه لغة و اصطالحا‪ .‬الفقه له تعريف لغوي و‬
‫تعريف شرعي و اخر اصطالحي‪ ،‬و هذه التعريفات الثالثة متثل ثالث دوائر كربى‪ ،‬وسطى و‬
‫صغرى‪ .‬فأيها أوسع ؟ نعم‪ ،‬اللغوي‪.‬‬

‫• تعريف الفقه لغة هو الفهم عموما‪ ،‬سواء كان هذا الفهم يتعلق ابملسائل من مسائل الشريعة‪ ،‬أو‬
‫مسائل الكيمياء أو الرايضيات أو إىل آخره‪ .‬إذن الفقه لغة يشمل العلم الشرعي و غري الشرعي‪،‬‬
‫تقول مثال فقهت هذه املسائل (الرايضيات)‪ ،‬يعين فهمتها‪.‬‬

‫• و أما التعريف الشرعي فهو العلم مبسائل الدين عموما سواء كانت املسألة من مسائل العمل اليت‬
‫تتعلق أبفعال املكلفني مثل أركان الصالة و شروطها‪ ،‬هذا من مسائل الدين‪ ،‬و كذلك مسائل‬
‫الشريعة‪ ،‬فمعرفتها تدخل ىف الفقه ابملعىن الشرعي‪ ،‬و معرفة صفات هللا سبحانه و تعاىل و صفة اجلنة‬
‫و النار و قصص األنبياء و غري ذلك يشملها‪ .‬إذن إذا ورد ىف الكتاب و السنة لفظ الفقه و فضل‬
‫الفقه‪ ،‬حنو حديث ((من يرد هللا به خريا يفقهه ىف الدين))‪ ،‬و قوله تعاىل ((ليتفقهوا ىف الدين))‪،‬‬
‫فاملراد بذلك مجيع مسائل الدين سواء ما يتعلق ابملسائل العملية أو ما يتعلق يغري ذلك‪.‬‬

‫• النوع الثالث هو التعريف االصطالحي و هذا هو العلم ابألحكام الشرعية أي العملية اليت تتعلق‬
‫أبفعال املكلفني‪ .‬فاالصطالحي أعم أو الشرعي؟ أجيب الشرعي‪ .‬مثال واحد حضر حماضرة ىف صفة‬
‫اجلنة و النار و فهم احملاضرة‪ ،‬هذا الفقه أم ال؟ أجيب نعم‪ .‬مبعناه الشرعي؟ أجيب نعم‪ .‬أما معناه‬
‫االصطالحي اخلاص؟ أجيب ال يدخل‪.‬‬

‫اآلن نفرض املسألة هكذا‪ ،‬لو خرجت من املسجد و وجدت ثالثة إعالانت‪ ،‬إعالن ىف شرح كتاب‬
‫السلم املنورق ىف املنطق‪ ،‬و الثاين شرح كتاب الرقاق من صحيح البخاري‪ ،‬و الثالث شرح كتاب زاد‬
‫املستقنع‪ ،‬مث حضرت هذه الدروس و فهمت‪ .‬أيها يعترب مبعناه اللغوي؟ أجيب الثالثة كلها‪ .‬أما مبعناه‬

‫‪5‬‬
‫الشرعي الذي ورد فيه الفضل؟ أجيب الثاين و الثالث‪ ،‬و هذه مسألة حيصل فيها خلل عند بعض‬
‫الناس حىت بعض طلبة العلم‪ ،‬فهو يتصور إذا حضر موعظة أو ىف صفة اجلنة و النار أن هذا ليس من‬
‫طلب العلم الشرعي و ليس من التفقه ىف الدين‪ ،‬بل هو أوىل دخوال‪ ،‬ألن اآلية ((هل يستوى الذين‬
‫حصل خشية هللا و رجاء رمحته هذه من‬‫يعلمون و الذين ال يعلمون)) ىف سياق أن اإلنسان الذي ّ‬
‫أعظم العلم مبعناه الشرعي‪.‬‬

‫[موضوع علم الفقه]‬

‫مث ننتقل االن إىل موضوع علم الفقه‪ ،‬و هو أفعال العباد من حيث تعلق األحكام الشرعية هبا‪ .‬و‬
‫موضوع العلم هو ما يبحث ىف هذا العلم‪ ،‬مثل موضوع علم الطب هو بدن اإلنسان و موضوع‬
‫النحو هو الكلمة و موضوع الفقه يبحث ىف أفعال العباد من حيث التعلق ابألحكام الشرعية‪ .‬لذلك‬
‫ال يدخل ىف معىن الفقه االصطالحي اخلاص ما يتعلق بعلوم العقيدة و إن مساه بعض العلماء ابلفقه‬
‫األكرب‪.‬‬

‫[فضل علم الفقه]‬

‫أما فضل علم الفقه‪ ،‬فنقول كل النصوص الشرعية تدل على فضل العلم الشرعي يندرج فيه الفقه‬
‫ابملعىن اخلاص‪ ،‬ألن الفقه ابملعىن اخلاص علم شرعي‪ .‬و هناك فضل خاص بعلم الفقه‪ .‬و كل علم من‬
‫العلوم الشرعية له فضل خيتص به‪ .‬فالفقه ابملعىن اخلاص‪ ،‬يقول ابن اجلوزي رمحه هللا‪ :‬أعظم دليل على‬
‫فضيلة الشيء النظر إىل مثرته و من أتمل مثرة الفقه علم أنه أفضل العلوم‪ .‬ما معىن هذا الكالم؟ يعين‬
‫أنك إذا نظرت إىل مثرة علم الفقه و واقع الناس اليوم جتد أن حاجة الناس إىل املسائل الفقهية أكثر‪،‬‬
‫و هو إذا تصدرت إلفتاء الناس و تدريسه و بذلت نفسك لتعليم الناس فسوف جتد ‪ ٪٩٩،٩‬من‬
‫أسئلتهم تتعلق بعلم الفقه‪ ،‬فاحتياج الناس إىل علم الفقه أكثر من غريه‪ .‬ال نقول أعظم‪ ،‬فإن أعظم‬
‫حاجة الناس تصحيح عقائدهم و إخالص التوحيد هلل و لكن من جهة الكثرة فإن الناس كثري من‬

‫‪6‬‬
‫أسئلتهم تتعلق بعلم الفقه‪ .‬و مع هذه األمهية العظيمة لعلم الفقه‪ ،‬فإن كثريا من طلبة العلم قصروا ىف‬
‫تعلم الفقه‪.‬‬

‫مث ننتقل إىل استمداد علم الفقه‪ .‬و مل أذكره ىف اجلدول ألن استمداده يرجع إىل علم أصول الفقه‬
‫ابلتفصيل‪.‬‬

‫[حكم تعلم علم الفقه]‬

‫و أما تعلم علم الفقه‪ ،‬فنقول مسائل علم الفقه على نوعني منها مسائل حيب تعلمها على كل مسلم‬
‫أي أنه فرض عني‪ ،‬كمعرفة صفة الصالة فهي فرض عني‪ ،‬كذلك معرفة صفة الوضوء‪ .‬و هناك‬
‫مسائل تعلمها ليس بفرض عني على مجيع املكلفني‪ ،‬و إمنا هي من فروض الكفاايت لكنه قد يتعني‬
‫ىف حق بعض الناس كزكاة األسهم‪.‬‬

‫هذا ما يتعلق مبسألة التعريف اإلمجايل بعلم الفقه‪ ،‬و هذا موجز و من أراد التوسع عليه الرجوع إىل‬
‫كتاب الفقيه و املتفقه‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫[مراحل علم الفقه]‬

‫و اآلن نبدأ مبراحل الفقه‪ .‬كثري ممن تكلم عن مراحل علم الفقه‪ ،‬فهناك من كتب املدخل اىل الفقه‬
‫االسالمي‪ ،‬و املدخل اىل الشريعة االسالمية‪ ،‬و أيضا اتريخ الفقه االسالمي و كذلك اتريخ التشريع‬
‫اإلسالمي‪ ،‬و هذه الكتب تدور ىف فلك واحد و اختلفت طريقتهم ىف تقسيم اتريخ الفقه االسالمي‪.‬‬
‫طبعا‪ ،‬هناك من قال بتاريخ الفقه و من قال اتريخ التشريع‪ ،‬لكن األدق أن اتريخ التشريع خيتص‬
‫بزمن النبوة و ليس إطالقا يشمل مجيع مراحل الفقه‪ .‬هذه الطرائق متنوعة‪ ،‬منهم من جيعل الفقه ىف‬
‫زمن النبوة‪ ،‬الفقه ىف زمن الصحابة مث زمن التابعني مث العباسيني‪ ،‬فالتقاسيم متنوعة‪ .‬منهم من قال‬
‫زمن الطفولة و الشبابة و الشيخوخة‪ ،‬و لكن رأيت كثريا ممن كتب أو بعضهم مثال جعل مرحلة‬
‫اجلمود و التقليد مث مرحلة النهضة احلديثة‪ ،‬و رأيت هذا التقسيم تقسيم توصيفي من غري حكم‪.‬‬

‫املرحلة االوىل هي مرحلة التشريع‪ ،‬و هي خمتصة بزمن النبوة‪ ،‬و بعد وفاة النيب صلى هللا عليه و سلم‬
‫انقطع التشريع‪ .‬املراحل اليت بعد ذلك هي مراحل الفقه و ليس مرحلة التشريع‪ ،‬مبعىن أن الوحي‬
‫انقطع‪ .‬املرحلة الثانية‪ ،‬املرحلة ما قبل املذاهب الفقهية و هي تشمل الفقه ىف زمن الصحابة و الفقه‬
‫ىف زمن التابعني و الفقه ىف بداية زمن أتباع التابعني‪ ،‬يعين قبل استقرار املدارس أو املذاهب الفقهية‪.‬‬
‫الثالثة هي مرحلة املذاهب الفقهية من أوهلا إىل العصر احلاضر‪ .‬و املرحلة األخرية خصصتها مبا يتعلق‬
‫ىف العصر احلاضر‪ ،‬و هو قرابة ‪ ١٣٠٠‬و ما قبلها أو بعدها بقليل‪ .‬و هذه كلها تواريخ تقريبية‪ ،‬ما‬
‫عدا املرحلة االوىل‪ ،‬و هي مرحلة التشريع‪ ،‬فإن التاريخ فيها حتديدا‪ ،‬ألنك ال تستطيع أن تقول ىف‬
‫اليوم الفالين تشكلت املذاهب الفقهية‪ ،‬فاملذاهب الفقهية ظهورها شيئا فشيئا‪.‬‬

‫[مرحلة التشريع]‬

‫نبدأ ابملرحلة األوىل و هي مرحلة التشريع ‪.‬تبدأ هذه املرحلة ببعثة النيب صلى هللا عليه و سلم‪ ،‬ملا‬
‫بعث و نزل عليه الوحي‪ ،‬و هذا من حكمة هللا عز و جل‪ ،‬فان هللا خلق اخللق و أنزل عليهم الشرائع‬
‫و ال ميكن أن خيلق هللا عز و جل اخللق و يرتكه من غري تشريع‪ ،‬فإن هذا من العبث الذي ينزه هللا‬

‫‪8‬‬
‫عنه‪ ،‬و هلذا قال عز و جل ((و ما قدروا حق قدره إذ قالوا ما أنزل هللا على بشر من شيء))‪ ،‬فان‬
‫من يقول ما نزلت الشرائع على هؤالء الناس فإن هذا مما ال يقدر هللا حق قدره‪.‬‬

‫ىف زمن رسول هللا صلى هللا عليه و سلم كما قلنا‪ ،‬بدأت املرحلة من بعثة النيب صلى هللا عليه و سلم‪،‬‬
‫و انتهت بوفاته عليه الصالة و السالم‪ ،‬ألن التشريع انقطع عند ذلك‪ .‬هذه املرحلة و هي مرحلة‬
‫التشريع متر مبرحلتني أساسيتني‪ ،‬األوىل هي العهد املكي و الثانية املدين‪.‬‬

‫مرحلة العهد املكي كان التشريع فيها يرتكز على أصول الدين‪ ،‬و ملاذا نقول تركز على أصول الدين و‬
‫ال نقول اقتصر؟ أجيب ألن هناك تشريعات تتعلق ابلعمل‪ ،‬يعين من أهل العلم من يرى أن الصالة‬
‫فرضت ىف مكة‪ ،‬بل حىت من أوائل البعثة‪ ،‬كذلك حترمي ما مل يذكر اسم هللا عليه فإنه نزل أيضا مبكة‪.‬‬
‫و أما التشريعات التفصيلية‪ ،‬فقد نزل شيء منها‪ ،‬لكنه مل يكن كثريا‪ ،‬فإمنا هي تشريعات قليلة‪.‬‬

‫و أما ىف العهد املدين‪ ،‬فقد استمرت عناية التشريع اإلهلي أبصول الدين‪ ،‬فإن أصول الدين حيتاج‬
‫إليها الناس ىف كل عهد‪ ،‬و لكن بدأت التشريعات التفصيلية تكثر بعد بعثة النيب صلى هللا عليه و‬
‫سلم ابملدينة‪ .‬و من أراد أن يقف على تفاصيل ذلك‪ ،‬يعىن مثال مىت شرع األذان‪ ،‬مىت شرع الصيام‪،‬‬
‫مىت شرع اجلهاد‪ ،‬فلريجع إىل كتاب الفكر السامي للثعليب أو احلجاوي‪ ،‬و هو كتاب جيد من انحية‬
‫الرصد و اجلمع‪ ،‬و إن كان من انحية حتليل بعض األحداث و احلكم عليها يوجد بعض املآخذ اليت‬
‫ال ختفى على طالب العلم املتمرس‪.‬‬

‫ما هي املصادر ىف هذه املرحلة؟ هي القرآن و السنة‪ ،‬فأين اإلمجاع و القياس؟ ابلنسبة للقرآن و‬
‫السنة‪ ،‬اترة تنزل ابتداء و اترة تنزل بسؤال‪ ،‬كشخص يسأل مثال الظهار‪ ،‬فهو نزل بسبب السؤال‪ ،‬و‬
‫اترة يكون بسبب احلادثة املعينة‪ ،‬فينزل التشريع اإلسالمي لبيان احلكم ىف هذه احلادثة‪ .‬و كان‬
‫التشريع مقتصرا على الكتاب و السنة‪ .‬أين االمجاع؟ إذا تصوران أن اإلمجاع منعقد ىف زمن النبوة‪ ،‬و‬
‫إن أ ّقره النيب صلى هللا عليه و سلم فهو سنّة‪ ،‬و إمنا اكتسب حجيته من إقرار النيب صلى هللا عليه و‬
‫سلم‪ ،‬و هلذا يعرف العلماء ىف اصول الفقه اإلمجاع أبنه اتفاق علماء العصر بعد وفاة النيب صلى هللا‬

‫‪9‬‬
‫عليه و سلم على حكم شرعي‪ .‬و أين القياس؟ هل ىف هذه املرحلة يوجد القياس؟ النيب عليه الصالة‬
‫و السالم ما كان يقيس؟ اختلف العلماء رمحهم هللا ىف أصول الفقه‪ ،‬هل النيب صلى هللا عليه و سلم‬
‫حيكم ابالجتهاد أو ال يقوم إال بتوقيف و وحي؟ هذا خالف مذكور ىف أصول الفقه و على كال‬
‫القولني فاجتهاده عليه الصالة و السالم ىف عهده راجع إىل السنة‪ ،‬فهو يرجع إىل دليل السنة النبوية‪.‬‬

‫[معامل مرحلة التشريع]‬

‫ننتقل اآلن إىل بعض املعامل تتعلق مبرحلة التشريع‪.‬‬

‫‪ -‬املسألة األوىل‪ ،‬أن التشريع مبعىن إنشاء األحكام الشرعية خمتص هبذه املرحلة‪ ،‬انقطع التشريع بعد‬
‫وفاة عليه الصالة و السالم‪ .‬مث هل الصحابة ليس هلم اجتهادات و ال يفتون بعد وفاة رسول هللا و‬
‫كذا التابعون؟ و هل هذا تشريع أم ال؟ أجيب ال يسمى تشريعا و إمنا هو اجتهاد‪ ،‬و هلذا يسمى‬
‫ابلفقه‪ .‬الصحابة رضي هللا عنهم‪ ،‬هل قوهلم حجة أم ال؟ أجيب حجة‪ ،‬لكن هل معناه أن هذا‬
‫تشريع؟ أجيب أن الصحايب ال يشرع‪ ،‬فالتشريع ال يكون إال من عند هللا عز و جل و رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه و سلم‪ .‬فقول الصحايب على القول حبجيته و هو مذهب اجلمهور‪ ،‬أن الصحايب ال‬
‫يشرع و امنا نقول قول الصحايب حجة ألنه أفهم للكتاب و السنة‪ ،‬و هلذا التلمساين رمحه هللا و غريه‬
‫قسم األدلة إىل نوعني‪ ،‬األدلة بذاهتا منشئة لألحكام و هي الكتاب و السنة‪ ،‬و األدلة الثانية متضمنة‬
‫يشرع حكما‪ ،‬إمنا يظهر احلكم‪،‬‬ ‫للدليل كقول الصحايب و اإلمجاع‪ .‬اإلمجاع ال ينشئ حكما و ال ّ‬
‫يعىن هل ميكن العلماء العصر اجتمعوا و يقولون و هللاِ املسألة الفالنية نتفق على حلها‪ ،‬من غري دليل‬
‫من الكتاب و السنة؟ أجيب إنه ال ميكن‪ ،‬لكن إذا أمجع العلماء عرفنا أن هذا اإلمجاع هو الشرع‬
‫الذي نزل به هللا عز و جل‪ ،‬ملاذا؟ ألهنم أفهم لكتاب هللا و لسنة رسول هللا‪ ،‬و ألن دليل السنة دل‬
‫على عصمتهم من االجتماع على اخلطأ‪ ،‬و كذلك دليل القرآن ىف قوله عز و جل (( و من يشاقق‬
‫الرسول من بعد ما تبني له اهلدى و يتبع غري سبيل املؤمنني نوله ما توىل))‪ ،‬و الدليل على هذا كثري‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ -‬ىف هذا الزمن ّ‬
‫قل جمال االختالف‪ ،‬مل يظهر اختالف فقهي بشكل كبري و ظاهر‪ ،‬ال نقول مل يظهر‬
‫بل ظهر‪ ،‬و الصحابة رضوان هللا عليهم اختلفوا ىف زمن النيب صلى هللا عليه و سلم ىف بعض احلوادث‬
‫مثل قصة بين قريظة‪(( ،‬ال يصلني أحد منكم العصر إال ىف بين قريظة))‪ ،‬هذا ىف زمن النبوة‪ .‬و‬
‫اختفلوا أيضا خالفا فقهيا ىف فهم هذا النص‪ ،‬من الصحابة من قال ال نصلي أبدا إال إذا وصلنا بين‬
‫قريظة‪ ،‬و منهم من قال ال‪ ،‬بل نصلي ىف الطريق ألن املقصود هبذا النص اإلسراع و التعجيل‪ ،‬و النيب‬
‫عليه الصالة و السالم مل يعنف أاي من الطائفتني‪ ،‬و هذا اجتهاد حصل ىف زمن النبوة‪ .‬لكن ملاذا‬
‫قل جمال االختالف؟ ألن الصحابة إذا اختلفوا ىف مسألة‪ ،‬رجعوا إىل النيب صلى هللا عليه و سلم‬ ‫يقال ّ‬
‫و انتهى اخلالف‪ ،‬هذا ىف حق من ميكنه أن يرجع‪ .‬هناك من اجتهد مثال‪ ،‬ملا بعث النيب صلى هللا‬
‫عليه و سلم معاذا إىل اليمن قاضيا‪ ،‬قال له مباذا حتكم قال إىل آخره‪ ،‬أجتهد برأيي و ال آلوا‪ ،‬طبعا‬
‫السند هلذا احلديث فيه مقال‪ ،‬لكن املقصود أن النيب صلى هللا عليه و سلم بعث معاذا و الصحابة و‬
‫هم جيتهدون ىف هذه األحوال‪ ،‬ألن ىف بعض املسائل ال جيد فيها نصا و ال حيفظ نصا عن النيب عليه‬
‫الصالة و السالم و ليس فيه وسائل االتصال‪.‬‬

‫‪ -‬كذلك مما يتميز به هذا العصر التدرج التشريعي‪ ،‬و التدرج التشريعي انتهى‪ .‬بعض الناس اليوم‬
‫يريد أن يدرج التشريع مع الناس‪ ،‬يقول نسمح حلديث عهد ابإلسالم صالة واحدة ىف اليوم و ىف‬
‫األسبوع صالتني‪ ،‬مع أن التشريع انتهى‪ .‬ال ميكن أن يرجع الناس اليوم إىل العهد املكي فيبيح هلم‬
‫شرب اخلمر‪ ،‬كأنه يقول "و هللا نتدرج مع الناس‪ ،‬الناس اليوم صار عندهم التساهل و الضعف ىف‬
‫االميان‪ ،‬فنبدأ من الصفر و بعد سنتني نقول هلم ال تشربوا اخلمر ىف وقت الصالة"‪ ،‬فنقول هلم إن هذا‬
‫ال ميكن‪ ،‬و التشريع انقطع‪ ،‬و ال يزيد أحد و ال ينقص ألن هللا قال ((اليوم أكملت لكم دينكم و‬
‫أمتمت عليكم نعميت و رضيت لكم اإلسالم دينا))‪ .‬و لكن من املمكن أن يتدرج لإلنسان على تربية‬
‫الناس على هذا التشريع الذي انتهى‪ ،‬فمثال إذا جاء اإلنسان إىل مكتب دعوة اجلاليات يريد أن‬
‫يعلن إسالمه‪ ،‬فتلقنه كما ىف احلديث ((فليكن أول ما ختربهم به شهادة أن ال إله اال هللا))‪ ،‬فهناك‬
‫التدرج ىف تبليغ هذا التشريع و تربية الناس على هذا التشريع‪ .‬اذا جاء هذا رجل‪ ،‬و قال أان أريد‬
‫الدخول ىف اإلسالم‪ ،‬لقنته الشهادة و تقول "اآلن يلزمك اخلتان‪ ،‬إن مل يكن اآلن و هللا ال ينفع"‪،‬‬

‫‪11‬‬
‫فنقول إن هذا قد يسبب النفرة‪ ،‬و ال نقول إن اخلتان غري واجب عليه (و لو أن هذا من مسائل‬
‫اخلالف‪ ،‬فبغض النظر عنه)‪ .‬فنحن ال منلك حق التشريع و الشرع مكتمل‪.‬‬

‫التدرج ىف التشريع منه التدرج ىف تشريع األحكام‪ ،‬فالنيب عليه الصالة و السالم أول ما بعث‪ ،‬أمر‬
‫الناس بتوحيد هللا مث بعد ذلك فرضت الصالة مث فرض الصيام مث فرضت غري ذلك من العبادات‪،‬‬
‫هذا تدرج ىف التشريع عموما‪.‬‬

‫مر بعدة املراحل ىف التشريع‪ ،‬و‬


‫و عندان التدرج ىف التشريع ىف حكم واحد‪ ،‬كتحرمي اخلمر مثال ّ‬
‫كوجوب اجلهاد ىف سبيل هللا أيضا‪.‬‬

‫‪ -‬كذلك من معامل هذا العصر أن النيب صلى هللا عليه و سلم ّ‬


‫درب الصحابة و علّمهم و رّابهم على‬
‫الفقه و الفتوى و االجتهاد‪ ،‬و قد ذكر بعضهم أن الصحابة الذين أفتوا ىف زمن النيب صلى هللا عليه‬
‫و سلم بلغوا أربعة عشر صحابيا‪ ،‬و هم أبو بكر‪ ،‬و عمر‪ ،‬و عثمان‪ ،‬و علي‪ ،‬و عبد الرمحن بن‬
‫عوف‪ ،‬و معاذ بن جبل‪ ،‬و عمار بن ايسر‪ ،‬و حذيفة‪ ،‬و زيد بن اثبت‪ ،‬و أبو الدرداء‪ ،‬و أبو موسى‬
‫و أيب بن كعب‪ ،‬و عبادة بن الصامت‪ ،‬و ابن مسعود‪ ،‬هؤالء أربعة عشر صحابيا ذكر أهنم كانوا أفتوا‬
‫ىف زمن النيب صلى هللا عليه و سلم‪ .‬و قد ثبت أن ىف زمن النبوة هناك من الصحابة من يعرف‬
‫ابلفقه‪ ،‬و هلذا جاء ىف بعض األحاديث‪ ،‬حديث العسيف قال "فسألت أهل العلم"‪ ،‬و ىف صحيح‬
‫مسلم أيضا "فقال له فقهاء األنصار"‪ ،‬فدل على وجود من يوصف ابلفقه و الفتوى حىت ىف زمن‬
‫النيب صلى هللا عليه و سلم‪.‬‬

‫مر مبرحلة التشريع املكي مث مرحلة العهد‬


‫هذا ما يتعلق ابلزمن األول و هو زمن التشريع و عرفنا أنه ّ‬
‫املدين‪ .‬بعد وفاة النيب صلى هللا عليه و سلم انقطع التشريع‪ ،‬و لكن االجتهاد و االستنباط ىف هذا‬
‫التشريع و الفتوى الفقه كان مستمرا‪ ،‬و كان الصحابة رضي هللا عنهم يستنبطون األحكام من‬
‫الكتاب و السنة و يقيسون‪ ،‬و برز عدد من فقهاء الصحابة‪ .‬و لكن الصحابة رضي هللا عنهم‬
‫تفاوتوا ىف كثرة ما نقل عنهم من الفقه و الفتوى‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫[الفقه ىف زمن الصحابة]‬

‫و هنا مسألة ذكرها بعض العلماء‪ ،‬هل الصحابة كلهم فقهاء جمتهدون أو بعضهم دون بعض؟‬
‫اجلواب ىف هذا أن يقال‪ ،‬إذا أردان ابالجتهاد و الفقه مبعىن القدرة على ذلك أي يعرب أهل العلم‬
‫ابلفقيه ابلقوة‪ ،‬فنقول نعم‪ ،‬ألهنم شهدوا التنزيل و لغتهم لغة صحيحة‪ ،‬لذلك يقال أن الصحابة كلهم‬
‫من أهل االجتهاد ابلقوة ال ابلفعل‪ .‬أما من رويت عنه الفتوى أو تصدى للفتوى أو للقضاء‪ ،‬فليس‬
‫كلهم‪.‬‬

‫إذا أردت أن تعرف بفقه الصحابة و فتواهم‪ ،‬أين ترجع؟ فعندان مصادر مسندة و غري مسندة‪ .‬من‬
‫املصادر املسندة مثل مصنف عبد الرزاق الصنعاين و مصنف ابن أيب شيبة‪ ،‬و كذلك األوسط البن‬
‫املنذر‪ ،‬و هو يذكر بعضها ابإلسناد و بعضها من غري اإلسناد‪ .‬و أما من املصادر غري مسندة فكتب‬
‫الفقه املقارن عموما‪ ،‬كاملغىن و اجملموع أو غريمها من كتب الفقه املقارن‪ ،‬فستجد فيها نسبة األقوال‬
‫الفقهية‪ ،‬مثال إىل ابن عمر أو ابن مسعود‪ ،‬و من الصحابة رضي هللا عنهم‪.‬‬

‫الصحابة الذين حفظت عنهم الفتوى مائة و ثالثون نفسا‪ ،‬كما قرر ذلك اإلمام ابن حزم رمحه هللا و‬
‫نقله عنه اإلمام ابن القيم ىف أعالم املوقعني‪ ،‬و هؤالء على ثالث مراتب‪ ،‬املكثرون و عددهم سبعة‪،‬‬
‫قال ابن حزم‪ :‬ميكن أن جيمع من فتاواهم ىف سفر ضخم‪ .‬و عمر بن اخلطاب فهو أفقه الصحابة بعد‬
‫أيب بكر رضي هللا عنهما‪ ،‬و أبو بكر هو أفقه الصحابة و أعلمهم على اإلطالق كما قرر على ذلك‬
‫أهل العلم بل حكي اإلمجاع‪ ،‬لكن أاب بكر مل تطل مدة خالفته بعد رسول هللا صلى هللا عليه و سلم‪،‬‬
‫هلذا مل ينقل منه كثري من الفتوى و الفقه و القضاء‪ ،‬لخالف عمر رضي هللا عنه‪ ،‬فقد امتدت خالفته‬
‫عشر سنوات و ستة أشهر‪ .‬كذلك علي رضي هللا عنه فقد نقل عنه الفتوى‪ ،‬ألنه آخر اخللفاء موات‪.‬‬
‫كذلك ابن مسعود رضي هللا عنه فهو صاحب املدرسة الفقهية و صاحب املذهب الفقهي‪ ،‬له أتباع‬
‫كما ذكره ابن املديين حيث قال‪ :‬إن الصحابة الذين عندهم مذاهب مقلدة ثالثة‪ ،‬منهم عبد هللا بن‬

‫‪13‬‬
‫يدونون ىف‬
‫مسعود و زيد بن اثبت و عبد هللا بن عباس‪ ،‬و قال‪ :‬كان لكل منهم أتباع ىف الفقه ّ‬
‫علمهم و فقهم و فتاويهم‪.‬‬

‫فمرحلة الصحابة هي من أعظم املراحل‪ ،‬و قد ذكر من نقل عنهم الفتوى منهم‪ ،‬و املكثرون فيه‬
‫منهم كابن مسعود رضي هللا عنه‪ ،‬فإن له أتباع مذهبه الفقهي ىف الكوفة أرسله عمر رضي هللا عنه‪ ،‬و‬
‫قال عمر ألهل الكوفة‪ :‬تعلّموا منه فقد آثرتكم به على نفسي‪ .‬فكان ابن مسعود معلّما و مفتيا‪ ،‬و‬
‫نشأ له طالب و املدرسة الفقهية‪ .‬فهنا يدل على أن نشأة املذاهب الفقهية نشأة مبكرة‪ ،‬و هو أمر‬
‫طبيعي‪ ،‬أي ملا كان هناك إمام و أكثر الناس كما تعلمون ال يبلغون مرتبة اإلمامة و العلماء‪ ،‬فمن‬
‫الطبيعي أن الناس يتحلقون حوله و أيخذون بفتاويه‪ .‬فتالميذ ابن مسعود يدونون مذهبه و يفىت‬
‫الناس و يتبعون هذا املذهب‪.‬‬

‫و من املكثرين أيضا سيدة عائشة رضي هللا عنها‪ ،‬فقد كانت معلمة و مفتية‪ ،‬انتفع هبا خلق كثري و‬
‫تفقه عليها عدد من فقهاء التابعني‪ ،‬بل حىت الصحابة كانوا يرجعون إليها ىف الفتوى ىف بعض‬
‫املسائل‪.‬‬

‫مث من املكثرين أيضا زيد بن اثبت رضي هللا عنه‪ ،‬و نقلنا قبل قليل عن ابن املديين أن لزيد مذهب‬
‫متبوع ىف املدينة‪ ،‬فاملدرسة السائدة ىف املدينة ذلك الزمن مدرسة زيد بن اثبت رضي هللا عنه‪ ،‬و ملا‬
‫تويف صارت املدينة على مذهب عبد هللا بن عمر‪ .‬و ابن عمر كما نقل عن أهل العلم‪ ،‬أنه أخذ‬
‫مبذهب زيد‪ ،‬و ليس هذا األخذ أخذ املقلد من اجملتهد ألهنما ال شك من أهل االجتهاد‪ ،‬و لكنه‬
‫أخذ اجملتهد من اجملتهد اآلخر‪.‬‬

‫و كذلك من الصحابة املكثرين عبد هللا بن عباس‪ ،‬و أيضا كان له مذهب متبوع ىف مكة‪ ،‬و كان‬
‫أعيان العلماء بعد وفاة ابن عباس تالميذه رضي هللا عنه الذين تفقهوا على يد ابن عباس‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫أما املتوسطون‪ ,‬فيمكن أن جتمع فتاوى كل واحد منهم ىف جزء صغري جدا‪ ،‬كما قرر ذلك ابن حزم‬
‫و تبعه ابن القيم ىف أعالم املوقعني‪ ،‬و هم أبو بكر‪ ،‬و عثمان‪ ،‬و أم سلمة‪ ،‬و أنس بن مالك‪ ،‬و أبو‬
‫سعيد‪ ،‬و أبو هريرة و عبد هللا بن عمرو‪ ،‬و عبد هللا بن زبري‪ ،‬و أبو موسى األشعري‪ ،‬و جابر بن عبد‬
‫هللا‪ ،‬و معاذ‪ .‬و معاذ ذكر ىف املتوسطني من جهة أنه مل ينقل عنه فتاوى كثرية كالطبقة األوىل‪ ،‬أما من‬
‫جهة العلم و تقدميه فيه‪ ،‬فال شك أنه من أعلم األمة ابحلالل و احلرام‪ ،‬فمعاذ وردت فيه األحاديث‪،‬‬
‫و لو كان بعض أهل العلم يتكلمون هل هو اثبت أم ال‪ ،‬لكنه كما قلنا من أعلم االمة ابحلالل و‬
‫احلرام‪ .‬و كان فقيها عليما‪ ،‬ذهب إىل اليمن و له تالميذ ىف الشام‪.‬‬

‫مث من املتوسطني أيضا هم سعد بن أيب وقاص‪ ،‬و سلمان الفارسي رضي هللا عنهم‪.‬‬

‫و أما املقلون‪ ،‬فعدد كبري مائة و عشرة فأكثر تقريبا‪ .‬و ميكن أن جتمع كل فتاويهم ىف جزء صغري‪.‬‬
‫منهم أبو الدرداء‪ ،‬و احلسن‪ ،‬و احلسني‪ ،‬و أيب بن كعب‪ ،‬و أبو أيوب‪ ،‬و أمساء‪ ،‬و زيد بن أرقم‪ ،‬و‬
‫ثوابن‪ ،‬و بريدة‪ ،‬و غريهم رضوان هللا تعاىل عليهم‪.‬‬

‫و ابملناسبة ذكران أن زيد من املكثرين‪ ،‬و معاذ من املتوسطني‪ .‬عمر رضي هللا عنه يقول‪ :‬من أراد‬
‫الفرائض فليأت زيد بن اثبت‪ .‬فزيد من فقهاء الصحابة و كان ختصصه الدقيق الفرائض‪ ،‬و قال‪ :‬و‬
‫من أراد الفقه فليأت معاذ بن جبل‪ ،‬و من أراد املال فليأتين‪.‬‬

‫حنن ذكران ىف السابق عن الصحابة‪ ،‬و هم الذين ذكروا ليس جلميعهم مدرسة فقهية هلا أتباع يسريون‬
‫عليها‪ ،‬لكن املدارس الفقهية الىت تشكلت ىف زمن الصحابة ثالث مدارس‪ ،‬املدرسة األوىل املدينة‪ ،‬و‬
‫الثانية مكة‪ ،‬و الثالثة العراق الىت ترتكز ىف الكوفة‪ .‬ابن القيم رمحه هللا يقول ىف أعالم املوقعني‪ :‬الفقه و‬
‫العلم انتشر ىف األمة عن أصحاب ابن مسعود‪ ،‬و أصحاب زيد بن اثبت‪ ،‬و أصحاب عبد هللا بن‬
‫عمر‪ ،‬و أصحاب عبد هللا بن عباس‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫املدرسة الفقهية ىف املدينة هي مدرسة زيد بن اثبت و عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما‪ .‬ابن جرير‬
‫الطربي يقول‪ :‬قيل أن ابن عمر و مجاعة ممن عاش بعد زيد بن اثبت ىف املدينة إمنا كانوا يفتون‬
‫مبذهب زيد بن اثبت و ما كانوا أخذوا عنه مما كانوا مل حيفظوا من رسول هللا قوال‪ .‬و مالك يقول‪:‬‬
‫كان إمام الناس ىف املدينة بعد عمر‪ ،‬زيد بن اثبت‪.‬‬
‫فإذن هذه هي املدارس الفقهية ىف زمن الصحابة و قد سبق التعليق عليها‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫[املدارس الفقهية ىف زمن التابعني]‬

‫ىف زمن التابعني استمر الفقه االسالمي‪ ،‬و تالميذ هؤالء الصحابة رضي هللا عنهم كانوا من الفقهاء و‬
‫العلماء و اجملتهدين و أفتوا‪ .‬و أبرز املدارس الفقهية ىف زمن التابعني هي مدرسة املدينة‪ ،‬و مكة‪ ،‬و‬
‫البصرة‪ ،‬و الكوفة‪.‬‬
‫فاملدرسة املدنية ظهر فيها الفقهاء التابعني السبعة‪ ،‬هم ابن املسيب‪ ،‬وعروة بن الزبري‪ ،‬والقاسم بن‬
‫حممد‪ ،‬وخارجة بن زيد‪ ،‬و أاب بكر بن عبد الرمحن بن حارث بن هشام‪ ،‬وسليمان بن يسار‪ ،‬وعبيد‬
‫هللا بن عبد هللا بن عتبة بن مسعود رمحهم هللا أمجعني‪.‬‬

‫فأما ىف مكة‪ ،‬منهم عطاء‪ ،‬و كيسان‪ ،‬و حممد بن جرب‪ ،‬و عكرمة رمحهم هللا تعاىل أمجعني‪.‬‬

‫و أما ىف البصرة‪ ،‬منهم احلسن بن يسار‪ ،‬و حممد بن سريين‪ ،‬و أبو قالبة‪ ،‬و قتادة رمحهم هللا تعاىل‬
‫أمجعني‪.‬‬

‫و كذلك ىف الكوفة‪ ،‬كعلقمة تلميذ ابن مسعود‪ ،‬و أخذ عنه إبراهيم النخعي‪ ،‬و أخذ عن إبراهيم‬
‫محاد شيخ أيب حنيفة‪ ،‬و أخذ عن محاد أبو حنيفة‪ .‬و هذه سلسلة املذهب احلنفي‪ ،‬أبو حنيفة عن‬
‫محاد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود‪ .‬كذلك ىف الكوفة تالميذ ابن مسعود‪ ،‬كعبيدة‪ ،‬أخذ عن‬
‫ابن مسعود و علي رضي هللا عنهم‪ ،‬ألن عليا كذلك انتشر فقهه ىف الكوفة‪ ،‬فإنه ملا توىل اخلالفة‬
‫انتقل إىل الكوفة‪ ،‬فأخذ الناس عنه‪ .‬كذلك من فقهاء الكوفة شريح رمحهم هللا أمجعني‪ .‬هذا الكالم‬
‫كله ما يتعلق ابلفقه قبل املذاهب الفقهية االربعة‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫[املذاهب الفقهية األربعة]‬

‫مث ننتقل إىل مرحلة املذاهب الفقهية األربعة‪.‬‬

‫اإلمام أبو حنيفة ولد ىف سنة ‪ ٨٠‬ه‪،‬ـ و قد قيل أنه رأى أنس بن مالك‪ ،‬و أنس تويف سنة ‪ ٩٣‬هـ‪ ،‬و‬
‫تويف أبو حنيفة سنة ‪ ١٥٠‬هـ‪ ،‬ىف السنة نفسها ولد اإلمام الشافعي رضي هللا عنهم‪ ،‬حىت قيل إنه ولد‬
‫ىف نفس اليوم‪ .‬فأبو حنيفة اختلف أو قيل إنه لقي أنس بن مالك‪ ،‬و األئمة الثالثة من أتباع‬
‫التابعني‪.‬‬

‫و الثاين من األئمة األربعة‪ ،‬اإلمام مالك‪ ،‬و ولد ىف سنة ‪ ٩٣‬هـ‪ ،‬هي نفس السنة اليت تويف فيها أنس‬
‫بن مالك‪ .‬تويف اإلمام مالك سنة ‪ ١٧٩‬هـ‪.‬‬

‫و أما اإلمام الشافعي ولد سنة ‪ ١٥٠‬هـ كما قلنا‪ ،‬و تويف سنة ‪ ٢٠٤‬هـ‪.‬‬

‫ولد اإلمام أمحد سنة ‪ ١٦٤‬هـ‪ ،‬و تويف سنة ‪ ٢٤١‬هـ‪.‬‬

‫قبل أن ندخل إىل تفاصيل هذه املذاهب‪ ،‬نريد أن نبني االمتداد التارخيي‪ ،‬و النسب العلمي هلذه‬
‫املدارس األربعة‪ ،‬و اإلسناد هلؤالء األئمة األربعة‪ .‬سبق أن ذكران أن املدارس الفقهية هي مدرسة‬
‫املدينة و مكة و العراق‪ .‬فمدرسة املدينة عندان زيد بن اثبت و عبد هللا بن عمر‪ .‬ابن عمر أخذ عن‬
‫زيد بن اثبت‪ ،‬و ابن عمر أخذ عنه مجع كما قد ذكران بعضهم‪ ،‬منهم انفع و سامل‪ .‬اإلمام مالك أخذ‬
‫عن الزهري عن سامل عن ابن عمر‪ ،‬و هذا من أصح االسانيد أيضا عن ابن عمر‪ ،‬و كذلك أخذ عن‬
‫انفع عن ابن عمر و هو من أصح االسانيد أيضا‪ ،‬بل قيل أصح األسانيد على اإلطالق‪.‬‬

‫و اإلمام الشافعي أخذ عن مالك و قرأ عليه املوطأ‪ .‬قال له اإلمام مالك ملا جاءه و حفظ املوطأ و‬
‫قرأ عليه‪ :‬اي بين إين أرى أن هللا قد قذف ىف قلبك نورا فال تطفئ بظلمة املعصية‪ .‬اإلمام الشافعي‬

‫‪18‬‬
‫تفقه على مالك‪ ،‬و اإلمام أمحد أخذ عن الشافعي‪ ،‬لكن ال نستطيع أن نقول أنه تلميذ الشافعي‬
‫مبعىن التلمذة احملضة‪ ،‬نعم استفاد عن الشافعي و أخذ عنه الفقه‪ ،‬و كذلك استفاد منه الشافعي‪،‬‬
‫فأخذ عنه احلديث و استفاد منه‪ ،‬و هبذا نلحظ االمتداد‪.‬‬

‫مدرسة مكة إمامها ابن عباس‪ ،‬أخذ عنه عمرو بن دينار‪ ،‬و أخذ عنه سفيان بن عيينة‪ ،‬و هو من‬
‫الفقهاء‪ ،‬و سيأتى معنا أنه صاحب مذهب متبوع لكنه اندرس‪ .‬و اإلمام الشافعي أخذ عن سفيان‬
‫بن عيينة‪ ،‬و كذلك اإلمام أمحد أخذ عن سفيان بن عيينة‪ ،‬فحصل هلم حتصيل فقه أهل مكة ابلنسبة‬
‫لإلمام الشافعي و اإلمام أمحد رمحهما هللا‪.‬‬
‫ابلنسبة لفقه أهل العراق و أهل الكوفة كما قلنا‪ ،‬إنه يرجع إىل فقه ابن مسعود‪ ،‬و كذلك علي رضي‬
‫هللا عنهم‪ .‬أخذ عن ابن مسعود علقمة‪ ،‬و أخذ عنه إبراهيم‪ ،‬و أخد عنه محاد‪ ،‬و أخذ عنه أبو‬
‫حنيفة‪.‬‬

‫اإلمام أبو حنيفة‪ ،‬أي املذهب احلنفي أتسيسه مجاعي ال يقتصر فقط على فقه أيب حنيفة‪ ،‬بل هو‬
‫جمموع فقه أيب حنيفة‪ ،‬و حممد بن احلسن الشيباين‪ ،‬و أبو يوسف‪ ،‬و سنأيت اىل هذه القضية‪ .‬ألن أاب‬
‫حنيفة طريقته ىف تقرير املذهب‪ ،‬و تقرير الفقه حلقة‪ ،‬و هذه احللقة حيضرها أساطني الفقهاء‪ ،‬و ال‬
‫حتسبون أهنم يتلقون عنه و يكتبون و ميشون‪ .‬حيضره حممد بن احلسن‪ ،‬و أبو يوسف‪ ،‬و حفص بن‬
‫غياث‪ ،‬و أكابر احملدثني‪ ،‬و أكابر أهل اللغة‪ ،‬و أكابر الفقهاء و القضاة فكلهم ىف جملسه‪ .‬فتطرح‬
‫يرد‪ ،‬و حيصل النقاش‪ ،‬و قيل قد تناقش املسألة ملدة شهر‪ ،‬و هو‬
‫املسألة‪ ،‬و سئل أبو يرسف و ّ‬
‫أتسيس أول اجملمع الفقهي إن صحت األولية‪ ،‬و إذا انتهت من املسألة‪ ،‬يقررها اإلمام بعد ما يسمع‬
‫دونت ىف فقه أيب حنيفة‪ ،‬و لذلك كان أتسيسه على الفقه‬ ‫من اجلميع‪ ،‬و إذا استقرت املسألة ّ‬
‫اجلماعي‪.‬‬

‫صاحبا أيب حنيفة‪ ،‬حممد بن احلسن الشيباين و القاضي أبو يوسف‪ .‬اإلمام أمحد أخذ عن القاضي‬
‫أيب يوسف‪ ،‬فاتصل نسبه ابملدرسة احلنفية حتديدا و بفقه أهل الكوفة من طرق كثرية‪ .‬كذلك أخذ‬

‫‪19‬‬
‫اإلمام أمحد و اإلمام الشافعي عن حممد بن احلسن الشيباين‪ ،‬حىت قال‪ :‬كتبت عن حممد بن احلسن‬
‫وقر بعري من الكتب‪ ،‬فأخذ عنه و استفاد و حصل له فقه أهل العراق و احلنفية‪.‬‬
‫و هنا نلحظ التداخل و الرتابط بني هذه املدارس الفقهية‪.‬‬

‫اإلمام أمحد أوسع مادة‪ ،‬التصاله جبميع املدارس الفقهية للصحابة و سعة روايته عن الصحابة‪.‬‬

‫العلماء رمحهم هللا تعاىل متيز كل منهم ابمليزة‪ ،‬يعىن اإلمام أبو حنيفة متيز بقدرته على املناظرة و التقرير‬
‫و االستدالل حىت قال مالك‪ :‬لقيت رجال لو أراد أن يقنع الناس أن هذه السارية من ذهب لفعل‪،‬‬
‫من قوة حجته رمحه هللا و فقهه‪.‬‬
‫االمام أمحد متيز بسعة روايته للحديث‪ ،‬و هذه امليزة ال شك أنه فاق اجلميع فيها‪ ،‬و خاصة فيما‬
‫يتعلق آباثر الصحابة‪ ،‬لذلك قال الناظم‪:‬‬

‫و هو من األئمة الكبار ‪ #‬و أعلم اجلميع ابآلاثر‬


‫و قام ابإلسالم حني أحجم ‪ #‬كل عن احلق حني مل يفتح الفم‬

‫ىف مسألة حمنة خلق القرآن‪ .‬هذا ما يتعلق ابملدارسة الفقهية‪ ،‬و ابملناسبة الفقه اليوم مشاخينا الذين‬
‫أخذان عنهم‪ ،‬تعرف سلسلتهم الفقهية إىل هؤالء األئمة‪ .‬فالفقه نسب علمي متصل أيخذ فيه التلميذ‬
‫عن شيخهم‪ .‬فاملدرسة الفقهية األربعة هي قائمة و كتبها موجودة إىل عصران هذا‪.‬‬

‫هناك مذاهب وجدت ىف زمن مضى‪ ،‬لكنها انقطعت و اندرست‪ .‬من تلك املذاهب هي مذهب‬
‫اإلمام احلسن البصري‪ ،‬عده القاضي عياض من أئمة أصحاب املذاهب املقلدة املدونة‪ ،‬و قد مجع‬
‫بعض العلماء فتواى احلسن البصري ىف سبعة أسفار‪ .‬و روى ما يقارب عن مائة و عشرين من‬
‫الصحابة منهم عثمان بن عفان‪ ،‬و قد تويف احلسن البصري سنة ‪ ١١٠‬هـ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫و أما سفيان الثوري و هو من أرابب املذاهب املقلدة أيضا‪ ،‬له أتباع و أصحاب يفتون مبذهبه و قد‬
‫تويف سنة ‪ ١٦١‬هـ‪ ،‬يقول ابن عيينة عن سفيان الثوري‪ :‬ما رأيت أعلم ابحلالل و احلرام منه‪ .‬و لكن‬
‫مذهب احلسن البصري و سفيان الثوري مل يطل تقليده و انقرض أتباعهم بعد مدة يسرية‪.‬‬

‫من األئمة الذين كان له مذهب اإلمام األوزاعي‪ ،‬يقول النووي‪ :‬انعقد اإلمجاع على إمامته و جاللته‪.‬‬
‫و قد قيل إنه أفىت ىف سبعة ألف مسألة‪ ،‬تويف رمحه هللا ‪ ١٥٧‬ه‪ ،‬و كان قد سكن دمشق مث انتقل‬
‫إىل بريوت و مات فيها مرابطا رمحه هللا تعاىل‪.‬‬

‫و من األئمة كذلك الذي اندرس مذهبه الليث بن سعد‪ ،‬حىت قال الشافعي‪ :‬الليث أفقه من مالك‬
‫لكنه ضيعه أصحابه‪ .‬و هلذا‪ ،‬العامل قد يضيع علمه بسبب طالبه ال ينشرون علمه فيضيع علمه‪ .‬و‬
‫الليث بن سعد من جهة نسبه هو أصبهاين‪ ،‬سكن مصر و تويف سنة ‪ ١٧٥‬هـ ىف مصر‪.‬‬

‫و من الفقهاء كذلك سفيان بن عيينة‪ ،‬يقول اإلمام الشافعي‪ :‬إن العلم يدور على ثالثة مالك‪ ،‬و‬
‫الليث‪ ،‬و ابن عيينة‪ .‬و قال ابن وهب‪ :‬ما رأيت أعلم بكتاب هللا عز و جل من ابن عيينة‪ .‬و تويف‬
‫سنة ‪ ١٩٨‬هـ‪.‬‬

‫و كذلك منهم اإلمام إسحاق بن راهويه‪ ،‬قال اإلمام أمحد‪ :‬ال أعلم إلسحاق نظريا‪ ،‬و تويف رمحه هللا‬
‫سنة ‪ ٢٣٨‬هـ‪ .‬و ليس هناك كتاب يبني فقه إسحاق بن راهويه رمحة هللا عليه‪ ،‬و إن كان بعض‬
‫العلماء مثل احلرب الكرماين و إسحاق بن منصور الكوسج كانوا جيمعون فقه أمحد و إسحاق‬
‫رمحهما هللا‪.‬‬

‫مدون انقطع أتباعه بعد ثالمثائة‪ ،‬و‬


‫كذلك من األئمة‪ ،‬اإلمام أبو ثور رمحه هللا‪ ،‬و قد كان له مذهب ّ‬
‫قد اختلف فيه‪ ،‬قيل إنه من أكابر فقهاء الشافعية‪ ،‬و قيل إنه جمتهد مستقل‪ ،‬تويف رمحه هللا سنة‬
‫‪ ٢٤٠‬هـ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫و أما ابن جرير الطربي‪ ،‬فقد كان له أتباع يقال هلم اجلريرية‪ ،‬قال ابن خزمية‪ :‬ما أعلم أحدا على أدمي‬
‫األرض أعلم من ابن جرير‪ .‬و هو فقيه و مفسر‪ ،‬صاحب التفسري الذي يقال له‪ :‬لو رحل إنسان إىل‬
‫الصني ليأخذ تفسري ابن جرير ملا كان ذلك كثريا عليه‪ ،‬و كذلك مؤرخ‪ ،‬كتب اتريخ األمم و امللك‪.‬‬
‫و قد انقطع أتباعه بعد أربعمائة‪ ،‬و هو قد أخذ عن أصحاب مالك و أصحاب الشافعي‪ ،‬و هلذا‬
‫تنازع املالكية و الشافعية‪ ،‬فرتجم له القاضي عياض رمحه هللا ىف املدارك‪ ،‬و ترجم له السبكي ىف‬
‫الطبقات‪ ،‬مث صار بعد ذلك جمتهدا مستقال‪ ،‬تويف رمحه هللا سنة ‪ ٣١٠‬هـ‪.‬‬

‫و نشرع اآلن الكالم ىف املذاهب الفقهية األربعة اليت ما زالت قائمة إىل اليوم‪ ،‬يفىت هبا و يقضى هبا‬
‫و يصنف فيها‪ .‬و هذه املذاهب األربعة ذكر ابن رجب رمحه هللا ىف الرد على من اتبع غري املذاهب‬
‫األربعة أن هللا عز و جل حفظ القرآن‪ ،‬و كان من األسباب اليت هيّأها هللا عز و جل حفظ القرآن‬
‫ما قام به عثمان بن عفان ىف مجع املصحف‪ ،‬فعثمان رضي هللا عنه مجع الناس على حرف واحد و‬
‫على مصحف واحد‪ ،‬و هيّأ هللا من األسباب حلفظ السنة ابألسانيد و بعلم الرجال‪ ،‬و قام احملدثون‬
‫ابجلهود العظيمة ىف دراسة أسانيدها و معرفة طرقها‪ .‬و كذلك حفظ هللا احلالل و احلرام و حلفظ‬
‫الفقه و ذلك عن طريق هذه املذاهب األربعة‪ ،‬فجمع هللا هبا األمة‪ ،‬و بعض الناس ظن أن املذاهب‬
‫الفقهية سبب لتفرق األمة‪ ،‬و هو غلط كبري أن حتارب املذاهب الفقهية‪ ،‬بل هو سبب اجتماع‬
‫األمة‪ .‬بعض الناس يتصور أن املذاهب األربعة متثل أربعة أشخاص من األمة‪ ،‬و ليست القضية أربعة‬
‫أشخاص‪ ،‬بل اجتمعت األمة ىف هذه املذاهب األربعة‪ ،‬فهؤالء ميثلون املدارس الفقهية من زمن‬
‫الصحابة رضي هللا عنهم‪.‬‬

‫[املذهب احلنفي]‬

‫اإلمام أبو حنيفة هو أول األئمة زمنا‪ ،‬ولد سنة ‪ ٨٠‬هـ و هو النعمان بن اثبت بن زوطى‪ ،‬اختلف ىف‬
‫نسبه‪ ،‬قيل إنه فارسي و قيل إنه عريب‪ ،‬لكنه ال يؤثر‪ ،‬فإنه إمام من أئمة الدين‪ ،‬تويف سنة ‪ ١٥٠‬هـ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫اإلمام أبو حنيفة كان من أئمة العبادة‪ ،‬فإن أئمة السلف جتدون أهنم جيمعون اإلمامة ىف العلم و‬
‫اإلمامة ىف العبادة‪ .‬ذكر الذهيب أنه روي أن أاب حنيفة قرأ القرآن كله ىف ركعة‪ ،‬و هذا ثبت من غري‬
‫واحد من الصحابة و التابعني و غريهم‪ ،‬هل هو متصور؟ نعم بال شك إنه متصور‪ ،‬هذا دليل على‬
‫عبادته و زهده رمحه هللا تعاىل‪ .‬يقول أبو عاصم النبيل‪ :‬كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صالته‪ ،‬و‬
‫مما يدل على تقواه أنه قال له رجل‪ :‬اتق هللا‪ ،‬فانتفض و اصفر و أطرق‪ ،‬و قال‪ :‬جزاك هللا خريا‪ ،‬ما‬
‫أحوج الناس ىف كل وقت من يقول له مثل هذا‪ ،‬هذا هو الذي ينبغي ىف كل أهل العلم‪ ،‬و هو احلال‬
‫ىف مجيع أهل العلم و األئمة املتبوعني‪ ،‬أهنم كانوا أصحاب العبادة و التقوى‪.‬‬
‫أما من جانب العلم‪ ،‬قيل ملالك‪ :‬هل رأيت أاب حنيفة‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬رأيت رجال لو كلّمك ىف هذه‬
‫السارية أن جيعلها ذهبا لقام حبجته‪ ،‬فهذا دليل على قوة احلجة‪.‬‬

‫و اإلمام أبو حنيفة كانت حلقته حلقة مناظرة‪ ،‬و كما ذكران أن حلقته مقتضى أبئمة الدين‪ ،‬فاحللقة‬
‫الرئيسية ىف الكوفة حلقة أيب حنيفة‪ ،‬فيحضرها القضاة و العلماء و أهل اللغة و أهل احلديث‪ ،‬و كان‬
‫ردوا عليه‪ ،‬و هلذا يروى أن وكيعا قيل له‪ :‬أخطأ أبو حنيفة‪ ،‬و قال‪:‬‬
‫يفتح جماال للنقاش‪ ،‬فإذا أخطأ ّ‬
‫كيف خيطئ أبو حنيفة و عنده مثل حممد بن احلسن و أبو يوسف ىف الفقه و عنده فالن بن فالن‬
‫ذكر من أهل اللغة و عنده حفص بن غياث ىف احلديث و عنده الفضيل بن عياض ىف الزهد‪ ،‬كيف‬
‫ردوا عليه‪ .‬فهذا املذهب كما قلنا نشأ نشأة مجاعية‪ ،‬يعين اجملمع الفقهي‪ .‬و قال ابن‬
‫هذا اذا اخطأ ّ‬
‫املبارك‪ :‬أبو حنيفة أفقه الناس‪ ،‬و حسبك هذه الكلمة‪ .‬و قال اإلمام الشافعي رمحه هللا‪ :‬الناس ىف‬
‫الفقه عيال على أيب حنيفة‪ ،‬فشهد لإلمام أيب حنيفة ابلفقه مالك و الشافعي من أئمة املذاهب رمحة‬
‫هللا تعاىل عليهم‪.‬‬

‫مر بثالث مراحل ىف تدوين املذهب و نشأة املذهب‪.‬‬


‫ابلنسبة للمذهب احلنفي‪ ،‬فإته ّ‬

‫املرحلة األوىل هي مرحلة النشوء و التكوين‪ ،‬و ال شك إنه يبدأ من اإلمام أيب حنيفة نفسه‪ ،‬و معه‬
‫ىف ذلك أبو يوسف القاضي الذي ولد سنة ‪ ١١٣‬هـ‪ ،‬و تويف سنة ‪ ١٨٣‬هـ‪ .‬و اإلمام أبو يوسف‬

‫‪23‬‬
‫كان ركنا من أركان املذهب احلنفي‪ ،‬و كان له دور كبري ىف نشر املذهب احلنفي‪ ،‬و السبب ىف ذلك‬
‫أن اإلمام أاب يوسف مسؤول القضاة ىف الدولة العباسية‪ ،‬فلما كان قاضيا يقضي ابملذهب احلنفي‬
‫فسبب ذلك ىف انتشار املذهب‪ ،‬و كثري من القضاة من أتباع املذهب احلنفي‪.‬‬

‫كذلك من أركان املذهب احلنفي اإلمام حممد بن احلسن الشيباين رمحه هللا‪ .‬القاضي أبو يوسف له‬
‫دور ىف نشر املذهب من الناحية العملية و القضائية‪ ،‬أما اإلمام حممد بن احلسن الشيباين له دور كبري‬
‫ىف املذهب من انحية التأليف و التصنيف‪ .‬كتب أيب يوسف مل يبقى منها شيء كثري‪ ،‬يعين بقي منها‬
‫كتاب اخلراج‪ ،‬و أما كتب حممد بن احلسن كانت هي العمدة ىف املذهب احلنفي‪ ،‬و له ستة كتب‬
‫تعرف بظاهر الرواية‪ ،‬و هي األصل أو املبسوط و اجلامع الصغري و اجلامع الكبري و الزايدات و السري‬
‫الكبري و السري الصغري‪ .‬تويف رمحه هللا سنة ‪ ١٨٩‬هـ‪.‬‬

‫و من علماء املذهب احلنفي و تالميذ أيب حنيفة زفر بن اهلذيل رمحه هللا تعاىل‪ ،‬و هو أول اصحاب‬
‫أيب حنيفة موات‪ ،‬و هو تويف سنة ‪ ١٥٨‬هـ‪.‬‬

‫و منهم أيضا احلسن بن زايد اللؤلؤي رمحه هللا و تويف سنة ‪ ٢٠٤‬هـ‪ ،‬و كان من آخر اصحاب أيب‬
‫حنيفة‪ ،‬و كان من أركان املذهب‪.‬‬

‫أبو يوسف و حممد بن احلسن يطلق عليهما ىف كتب املذهب احلنفي و فقه اخلالف الصاحبان‪ ،‬فإذا‬
‫قرأت ىف كتب العلماء "ذهب الصاحبان إىل كذا"‪ ،‬فهما أبو يوسف و حممد بن احلسن‪ ،‬و مها من‬
‫الفقهاء اجملتهدين‪ ،‬يعين مل يكونوا من املقلدين بل كانوا جزءا ىف تكوين املذهب‪ ،‬بل هم خالفوا اإلمام‬
‫أاب حنيفة ىف مسائل‪ ،‬و اعتمد بعضها ىف الفتوى ىف املذهب احلنفي‪ .‬فاملذهب احلنفي مكون من‬
‫أقوال أيب حنيفة و حممد بن احلسن و أيب يوسف‪ ،‬و أحياان كذلك زفر و غريه‪ .‬قد تكون الفتوى‬
‫عند احلنفية على قول الصاحبني و ليس على قول أيب حنيفة‪ ،‬خاصة أهنما مل يقتصروا ىف األخذ على‬
‫أيب حنيفة‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫القاضي أبو يوسف و حممد بن احلسن التقى ابإلمام مالك‪ ،‬و روى عنه املوطأ‪ ،‬و النسخة موجودة‬
‫مطبوعة ابسم املوطأ برواية حممد بن احلسن الشيباين‪ ،‬فلما رحل إىل اإلمام مالك و التقى به‪ ،‬رجع و‬
‫عند مزج بني مدرسة العراق و مدرسة املدينة‪ ،‬و هذا أيضا أثّر على مدرسة العراق حىت تثبت احلنفية‬
‫آراء حممد بن احلسن اليت ختالف شيخه أاب حنيفة‪.‬‬

‫استقر املذهب جبمع أقوال‬


‫مث انتقل املذهب إىل الدور الثاين‪ ،‬و هو مرحلة التوسع و منو االنتشار‪ّ ،‬‬
‫اإلمام أيب حنيفة‪ ،‬مث بدأ التدوين يتطور‪ ،‬صنفت املختصرات و املتون‪ ،‬فكتب الطحاوي خمتصرا ىف‬
‫الفقه و هو صاحب شرح العقيدة الطحاوية‪.‬‬
‫و كذلك من اإلمام ىف هذا املذهب ىف هذه املرحلة‪ ،‬اإلمام السرخسي و له كتاب املبسوط‪ .‬و من‬
‫علماء هذه املرحلة الكساين له كتاب بدائع الصنائع و هو شرح لكتاب السمرقندي أيب الليث حتفة‬
‫الفقهاء‪ ،‬و قال البعض‪ :‬شرح حتفته و تزوج ابنته‪ .‬و هناك أيضا كتاب خمتصر الكرخي لإلمام‬
‫الكرخي‪ .‬و كذلك عندان خمتصر القدوري و هو من املتون املعتمدة ىف املذهب احلنفي‪ ،‬و يسمونه‬
‫الكتاب‪ ،‬و شرح له امسه اللباب ىف شرح الكتاب‪.‬‬

‫و من علماء هذه املرحلة الشيخ املرغناين‪ ،‬له كتاب بداية املبتدي و هو كتاب اشتغل به احلنفية‬
‫اشتغاال كبريا و صنف عليه شروح‪ ،‬و ممن شرحه مؤلفه ىف كتابه اهلداية شرح البداية‪ ،‬و اعتىن علماء‬
‫خرجوا أحاديثه و شرحوه بشروح كثرية‪ ،‬منها املعروف بشرح فتح القدير‪،‬‬ ‫احلنفية بكتاب اهلداية هذا‪ّ ،‬‬
‫و أيضا كتاب البناية و غريه‪.‬‬

‫كذلك من علماء هذه املرحلة النسفي له كتاب كنز الدقائق‪ ،‬و هو أحد املتون املعتمدة عند احلنفية‬
‫و شرح بعده شروح‪ ،‬منها البحر الرائق و أيضا شرح تبيني احلقائق للزيلعي‪.‬‬

‫مث مرحلة استقرار املذهب‪ .‬و علماء هذه املرحلة اإلمام ابن النجيم الذي كتب كتاب البحر الرائق‬
‫رد املختار‪.‬‬
‫شرح كنز الدقائق‪ ،‬و كذلك صنف ابن عابدين كتابه ّ‬

‫‪25‬‬
‫[املذهب املالكي]‬

‫ننتقل بعد ذلك إىل مذهب اإلمام مالك‪ ،‬و هو اثين املذهب حسب التسلسل الزمين‪ .‬هو مالك بن‬
‫أنس بن مالك بن عامر األصبحي‪ ،‬و قد اختلف ىف نسبه بعد ذلك مع االتفاق أنه من قحطان‪ ،‬و‬
‫ال يعنينا كثريا حتقيق نسب اإلمام مالك رمحه هللا تعاىل‪ .‬ولد ومحه هللا سنة ‪ ٩٣‬هـ و هي السنة اليت‬
‫تشهد عند وفاته‪ ،‬و هو‬
‫تويف فيها أنس بن مالك رضي هللا عنه‪ ،‬و تويف رمحه هللا سنة ‪ ١٧٩‬هـ‪ ،‬و قد ّ‬
‫من حسن اخلامتة و قال بعد تشهده "هلل األمر من قبل و من بعد"‪.‬‬
‫اإلمام مالك شأنه كشأن أئمة السلف‪ ،‬قدره عظيم ىف العبادة و من التقوى و خشية هللا عز و جل‪،‬‬
‫و هذا رأس العلم فإن رأس العلم خمافة هللا عز و جل‪ .‬لذلك ملا سئل إىل أخت اإلمام مالك‪ :‬ما كان‬
‫شغله ىف بيته؟ قالت‪ :‬كان شغله املصحف و التالوة‪ .‬و يقول ابن وهب‪ :‬لو شئت أن أمأل واحي من‬
‫قول مالك ال أدري لفعلت‪ .‬و قد جاء رحل إىل اإلمام مالك و سأله عن بضع و أربعني مسألة‬
‫فقال ىف ست و ثالثني منها‪ :‬ال أدري‪ ،‬و هذه املسألة من أعظم ما ينبغي عليها طالب العلم‪ ،‬جيب‬
‫على طالب العلم أن حيفظ "ال أدري"‪ ،‬و جيعل فيها وردا و هذا دأب األئمة‪ ،‬و سيأيت هذا أيضا ىف‬
‫اإلمام أمحد‪ ،‬فإنك جتد مئات فتاوى اإلمام أمحد قال فيها ال أدري مع أنه ميكن حيفظ ىف املسألة‬
‫مائيت حديث‪ ،‬ألنه توقف ىف الرتجيح ىف املسألة‪ ،‬و حدثنا شيخنا الشيخ حممد بن عبد هللا احلسني‬
‫بن إبراهيم يقول‪ :‬كنا نسأل الشيخ حممد بن إبراهيم (مفىت الداير السعودية) بعض املسائل فيقول‪ :‬ال‬
‫أدري مع أنه من املسائل الواضحة‪ ،‬فعرفنا أن الشيخ يريد أن يربينا على ذلك‪ ،‬فاملشايخ يؤخذ عنهم‬
‫األدب قبل العلم‪ ،‬هلذا كان حيضر جملس اإلمام أمحد مخسة آالف‪ ،‬مخسمائة منهم يكتبون و الباقون‬
‫أخذوا من أدبه و مسته و خلقه و خشيته‪.‬‬

‫و اجلانب اآلخر من عبادة اإلمام‪ ،‬مالك يقول فيها ابن مهدي‪ :‬ما رأيت أحدا أهيب و أمت عقال و‬
‫ال أش ّد تقوى منه‪ .‬كان رمحه هللا معظما للحديث فال أييت جملس احلديث إال بعد أن يغتسل و‬
‫يتطيب و يلبس أحسن ثيابه‪ ،‬حىت يروى أنه لدغ و ال يتحرك ىف جملسه تعظيما للسنة‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫و أما علمه فأعظم ما انله من الشرف أن النيب صلى هللا عليه و سلم قال‪ :‬ليضربن الناس أكباد اإلبل‬
‫ىف طلب العلم فال جيدون عامل أعلم من عامل املدينة‪ .‬من هو عامل املدينة؟ اختلف العلماء فيه و لكن‬
‫بعض أهل العلم كسفيان بن عيينة قال إنه مالك‪ ،‬و قال‪ :‬ما ترك على ظهر األرض مثله‪ .‬و من‬
‫علمه و ذكاءه أنه أتهل للفتيا‪ ،‬و جلس لإلفادة و عمره واحد و عشرون سنة‪ ،‬لكنه ال جيلس للفتيا‬
‫إال بعد أن شهد له سبعون حمنكا أنه أهل لذلك كما صرح به اإلمام مالك‪ .‬و قال عنه الشافعي‬
‫رمحه هللا‪ :‬إذا ذكر العلماء فمالك النجم‪.‬‬

‫أما اتريخ هذا املذهب فقد مر بثالثة أطوار‪.‬‬

‫الدور األول دور النشوء الذي يتمثل ىف بداية هذا الدور بتدريس اإلمام مالك رمحه هللا تعاىل و‬
‫تصنيفه‪ ،‬فكان يفيت و يدرس و صنف الفقه و احلديث ىف كتابه املوطأ‪ ،‬ألنه يذكر األحاديث و‬
‫يبوب عليها و التبويب جزء من الفقه‪ ،‬و األمر الثاين أنه يعلق على األحاديث‪ ،‬فاملوطأ كتاب فقهي‬
‫و كتاب ىف احلديث و هو من أعظم كتب اإلسالم‪ ،‬حىت قال الشافعي‪ :‬ما حتت أدمي السماء كتاب‬
‫أصح من املوطأ (و هذا قبل تصنيف الصحيحني)‪ .‬من تالميذ اإلمام مالك و من أكربه و أعظمه‬
‫لنشر املذهب هو اإلمام عبد الرمحن بن قاسم املصري رمحه هللا تعاىل‪ ،‬و تويف سنة ‪ ١٩١‬هـ‪.‬‬

‫أخذ عنه األسد بن الفرات و سحنون‪ ،‬و هؤالء الثالثة هم الذين صنفوا املدونة‪ .‬و املدونة هذه هي‬
‫األم ىف مذهب اإلمام مالك‪ ،‬فهي عمدة من جاء بعده و تسمى مسائل سحنون‪ .‬جاء رجل إىل‬
‫سحنون استفىت عن مسألة قال‪ :‬مسألتك هذه مسألة مشكلة‪ ،‬قال أنت هلا اي إمام‪ ،‬فقال‪ :‬ليس‬
‫لقولك هذا أعرض جسدي على النار‪.‬‬

‫و من تالميذ اإلمام مالك ابن وهب‪ ،‬و تويف رمحه هللا سنة ‪ ١٩٩‬هـ‪ .‬و أخرج له أصحاب الكتب‬
‫الستة‪ ،‬و سبب وفاته أن له كتاب اجلامع‪ ،‬فلما وصل إىل كتاب األهوال (أهوال يوم القيامة) قال‬
‫أخذه شيء كالغشي‪ ،‬فحمل إىل داره فلم يزل كذلك إىل أن مات من خوفه من أهوال يوم القيامة‬
‫رمحه هللا تعاىل‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫و من تالميذ اإلمام مالك أيضا اإلمام أشهب املصري املتوىف سنة ‪ ٢٠٤‬هـ‪.‬‬

‫انتقل بعد ذلك إىل مرحلة التطور‪ ،‬فبدأ تصنيف الكتب و املختصرات و الشروح‪ ،‬فكان ىف قريوان‬
‫عامل امسه ابن أيب زيد‪ ،‬و صنف كتابه الرسالة‪ ،‬كذلك ىف العراق بغداد القاضي عبد الوهاب صنف‬
‫كتابه التلقني و هو من فقهاء و قضاة املالكية‪ ،‬و له أبيات من الشعر‪ ،‬منها قوله رمحه هللا ملا خرج‬
‫من بغداد بسبب الفقر‪:‬‬

‫بغداد دار ألهل املال طيبة ‪ #‬و للمفاليس دار الضنك و الضيق‬
‫ضللت حريان أمشي ىف أزقتها ‪ #‬كأنين مصحف ىف بيت زنديق‬

‫و من علماء هذا الدور ىف األندلس‪ ،‬اإلمام ابن عبد الرب و هو عمر بن يوسف بن عبد الرب‪ ،‬له‬
‫كتاب الكايف ىف فقه أهل املدينة و كتاب االستذكار و كذا التمهيد و هو من العلماء احملققني‪،‬‬
‫فالكتاابن األخريان شرح للموطأ لإلمام مالك‪ ،‬إال أن األول اعتىن جبانب الفقه و الثاين من جانب‬
‫احلديث‪.‬‬

‫و من كتب هذا الدور أيضا كتب اإلمام الباجي أبو الوليد و هو أيضا من علماء األندلس‪ ،‬طاف‬
‫الدنيا و وحل شرقا و غراب‪ ،‬و هو إمام حمقق ىف احلديث و ىف الفقه‪ ،‬رحل سنوات طويلة ترك‬
‫األندلس و رجع إىل األندلس و هو إمام حمقق‪ ،‬و حني غيابه كان البن حزم األندلسي صولة و‬
‫حولة‪ ،‬و صار املذهب الظاهري قواي هناك‪ .‬و ال يستطيع أحد أن يقف حينئذ أمام ابن حزم‬
‫للمناظرة‪ ،‬و املناظرة من أعظم ما يبين طالب العلم ىف الفقه و ال يقصد هبا أن يعلو واحد على‬
‫اآلخر‪ ،‬لكنها للتفقه و طلب احلق و التعليم‪ ،‬ألنه ملا كان يرى العاملني يتناظران ابألدب و احلجة و‬
‫يرد على اآلخر و ابلطريقة املنهجية العلمية تتكون ىف شخصية طالب العلم‬ ‫الدليل و االستدال و كل ّ‬
‫ملكة ال حتصل إال ابملناظرة‪ ،‬و حىت يذكرون ىف تراجم العلماء يقولون فالن درس عليه و تفقه و أخذ‬
‫عنه املناظرة‪ ،‬و كانت جمالس املناظرة تعقد بني الفقهاء‪ .‬الشاهد‪ ،‬أن اإلمام الباجي ملا رجع إىل‬

‫‪28‬‬
‫رد‪ ،‬و املدرسة‬
‫األندلس وقف على ابن حزم للمناظرة‪ ،‬و صارت بينهما مناظرات كثرية و أخذ و ّ‬
‫املالكية انتعشت بعودة اإلمام أبو الوليد الباجي‪ .‬و له كتب منها املنتقى شرح املوطأ‪ ،‬و ىف أصول‬
‫الفقه إحكام الفصول‪ ،‬و ىف احلديث و الرجال و فنون أخرى و هو من العلماء احملققني‪.‬‬

‫و من علماء هذه املرحلة اإلمام ابن رشد صاحب كتاب املقدمات املمهدات‪ .‬و ابملناسبة أن ابن‬
‫رشد إذا أطلق ذكره ىف املذهب املالكي‪ ،‬فرياد يه ابن رشد اجل ّد‪ ،‬أما ابن رشد احلفيد هو القاضي‬
‫صاحب كتاب بداية اجملتهد و هناية املقتصد‪ .‬و قد اشتغل رمحه هللا بشيء من الفلسفة‪ ،‬و أما من‬
‫يعتمد ىف كتبه لتصحيح و تنقيح املذهب هو ابن رشد اجل ّد‪.‬‬

‫و من علماء هذه املرحلة أيضا هو القاضي عياض‪ ،‬له كتاب املستنبطة و له كتب أخرى أيضا‪ ،‬و هو‬
‫عامل له شرح على صحيح مسلم‪.‬‬

‫بعد ذلك انتقل املذهب إىل مرحلة االستقرار‪ .‬من علماء هذه املرحلة هو اإلمام ابن احلاجب‪ ،‬له‬
‫خمتصر ىف الفقه و خمتصر ىف األصول‪.‬‬

‫و منهم اإلمام القرايف صاحب الذخرية و هو كتاب موسع ىف الفقه املالكي و يذكر أحياان الفقه‬
‫املقارن و االستدالل‪ ،‬و القرايف من علماء املالكية احملققني له كتاب الفروق و الذخرية و غريها‪.‬‬

‫و كذلك عندان اخلليل و هو املنت النهائي عند املذهب املالكي‪ .‬ملا ألف اخلليل املختصر قال بعضهم‬
‫جتوزا أهنم ليس مالكيون لكنهم خليليون‪ ،‬ألن خمتصر اخلليل هو ميثل املعتمد النهائي ىف مذهب‬
‫اإلمام مالك‪ ،‬و هلذا صار الكتب بعدها تدور ىف فلكه‪ .‬و من شروحه كتاب احلطاب املسمى‬
‫مبواهب اجلليل شرح خمتصر اخلليل و من شروحه أيضا شرح الدردير املسمى ابلشرح الكبري و عليه‬
‫حاشية الدسوقي‪ .‬و هذا ما يتعلق مبذهب اإلمام مالك‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫[املذهب الشافعي]‬

‫اإلمام مالك رمحه هللا تعاىل ممن أخذ عنه و تفقه عليه اإلمام الشافعي‪ ،‬و طبعا هو مل يقتصر ىف‬
‫التفقه عى مذهب اإلمام مالك‪ ،‬فإنه كذلك أخذ فقه أهل بغداد‪ ،‬فأخذ عن حممد بن احلسن‬
‫الشيباين و رحل إىل اليمن‪.‬‬

‫و هو حممد بن إدريس الشافعي‪ ،‬التقى نسبه مع النيب صلى هللا عليه و سلم ىف ج ّده عبد مناف‪ ،‬و‬
‫هو املطليب نسبة إىل املطلب و هو أخو هاشم‪ .‬ولد اإلمام الشافعي ىف السنة اليت تويف فيها اإلمام‬
‫أبو حنيفة‪ ،‬و املشهور أنه ولد ىف غزة‪ ،‬و تويف سنة ‪ ٢٠٤‬هـ مبصر‪ .‬و رحل إىل مكة و أخذ عن أهل‬
‫مكة‪ ،‬و هذا هو النشأة األوىل العلمية‪ .‬و أخذ عن سفيان بن عيينة و غريه‪ ،‬مث رحل إىل املدينة قرأ‬
‫املوطأ على اإلمام مالك‪ ،‬مث رحل إىل بغداد و لقي مبحمد بن احلسن الشيباين‪ .‬و كما ذكران أنه قال‪:‬‬
‫كتبت عن حممد بن احلسن وقر بعري‪.‬‬

‫اإلمام الشافعي مجع بني مدرسة احلجاز و مدرسة العراق و كان بينهما منافسة‪ ،‬فجاء اإلمام‬
‫الشافعي مجع بني املدرستني و ّقرب بينهما‪.‬‬

‫كان اإلمام الشافعي من العباد مع علمه و اجتهاده‪ ،‬حىت إنه كان خيتم القرآن ىف رمضان ستني‬
‫بت مع الشافعي ليلة و كان يصلي حنو ثلثي الليل‪ ،‬فما رأيته يزيد‬
‫ختمة‪ ،‬قال احلسني الكرابيسي‪ّ :‬‬
‫جزأ الليل ثالثة أجزاء‪ ،‬ثلثه يكتب و ثلثه يصلي‬
‫على مخسني آية‪ .‬قال الربيع سليمان‪ :‬كان الشافعي ّ‬
‫و ثلثه ينام‪ ،‬و الربيع بن سليمان من تالميذ اإلمام و روى كتاب األم‪.‬‬

‫كان الشافعي ذكيا فطنا و حفظ القرآن ىف السابعة و حفظ املوطأ ىف العاشرة‪ ،‬و أجازه شيخه مسلم‬
‫بن خالد الزجني ابإلفتاء و هو ابن مخسة عشر سنة و هذا من شيوخه ىف مكة‪ .‬و قال سفيان بن‬
‫عيينة و هو شيخه‪ :‬الشافعي أفضل أهل زمانه‪ ،‬و قال اإلمام أمحد‪ :‬ما أحد مس حمربة و ال قلما إال‬

‫‪30‬‬
‫للشافعي منة‪ ،‬بل يروى عن اإلمام أمحد‪ :‬الشافعي كالشمس للدنيا و كالعافية للناس فهل عنهما من‬
‫غىن‪.‬‬

‫مر‬
‫الشافعي رمحه هللا مر مذهبه مبرحلتني‪ ،‬املذهب القدمي و املذهب اجلديد‪.‬املذهب الشافعي ّ‬
‫مبرحلتني ىف نفس حياة الشافعي رمحه هللا‪ .‬اإلمام الشافعي ملا ذهب إىل بغداد صنف كتبا ىف الفقه و‬
‫ىف األصول و عرفت هذه الكتب ابملذهب القدمي‪ ،‬ملا قدم إىل مصر صنف و أعاد تصنيف بعض‬
‫هذه الكتب و عرفت املصنفات و اآلراء و االجتهادت اليت ىف مصر ابملذهب اجلديد‪ ،‬و ال يعين‬
‫ابملذهب اجلديد أن اإلمام ألغى كل فقهه السابق و أييت بفقه جديد‪ ،‬فإمنا االختالف بني القدمي و‬
‫اجلديد فقط ىف بعض املسائل‪ ،‬و املعتمد عند الشافعية هو املذهب اجلديد و الذي صنفه ىف كتابه‬
‫الرسالة و يسمى الرسالة اجلديدة‪ ،‬و كذلك ىف كتابه األم‪ ،‬و من مميزات املذهب الشافعي و هو ىف‬
‫احلقيقة مما يغبطون عليه الشافعية أن إمامهم صنف ىف األصول و ىف الفروع‪.‬‬

‫و مناقب الشافعي كثرية و قد صنف فيها العلماء‪ ،‬و من مناقبه أنه أول من صنف علم أصول الفقه‬
‫ىف كتابه الرسالة‪ ،‬هلذا جند أن دورة التأسيس تبدأ من اإلمام الشافعي نفسه بتصنيف كتاب األم الذي‬
‫رواه تلميذه الربيع بن سليمان املرادي‪ ،‬و هو كتاب عظيم جدا ميتلئ فقها و علما‪ ،‬و من الطرائف‬
‫أن ىف معرض الكتاب كثري من النساء يشرتين كتاب األم حيتسنب أن الكتاب يتكلم عن األم و‬
‫فضلها‪.‬‬

‫ىف هذه املرحلة صنف بعض تالميذ اإلمام املختصرات ىف الفقه الشافعي‪ ،‬منها خمتصر البويطي و‬
‫خمتصر املزين‪ ،‬و أما الربيع بن سليمان املرادي فهو راوي كتب الشافعي كاألم و الرسالة‪ ،‬لذلك إذا‬
‫قرأت الكتابني وجدته يقول‪" :‬حدثنا الشافعي"‪ .‬و من غلط من كتب ىف اتريخ التشريع أن يقول أن‬
‫الكتابني ليس من أتليف اإلمام الشافعي‪ ،‬بل هذا من منهج املتقدمني ىف التصنيف و هو بذكر الرواة‬
‫مثله املوطأ لإلمام مالك‪ ،‬حىت قال مشاخينا أن نسبة كتاب األم لإلمام الشافعي أشهر من نسبة‬
‫اإلمام إىل أمه‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫مث بعد ذلك انتقل إىل مرحلة النشوء و االنتشار‪ ،‬و صنف فيها بعض الكتب‪ ،‬و من أعالمها ابن‬
‫سريج و القفال الشاشي و القفال املروزي و كذلك اإلسفراييين‪ .‬و وجدت ىف هذه املرحلة طريقتان‬
‫ىف املذهب الشافعي‪ ،‬مها طريقة اخلرسانيني و طريقة العراقيني‪.‬‬

‫و ممن صنف أيضا ىف هذه املرحلة اإلمام املاوردي ىف كتابه احلاوي الكبري و هو كتاب عظيم يرجع‬
‫إليه من أراد الوقوف على أدلة الشافعية و استدالالهتم‪.‬‬

‫من علماء هذه املرحلة أيضا اجلويين صاحب كتاب هناية املطلب ىف دراية املذهب‪ ،‬و عندان الشريازي‬
‫له كتب ىف األصول منها اللمع و شرحه‪ ،‬و له كتب ىف الفقه‪ ،‬منها املهذب الذي شرحه اإلمام‬
‫النووي ىف كتابه اجملموع لكنه مل يكمله‪ ،‬مث أكمله السبكي مث املطيعي من املعاصرين (حممد جنيب‬
‫املطيعي)‪.‬‬

‫و من علماء هذه املرحلة اإلمام الغزايل‪ ،‬له كتب ىف األصول منها املستصفى‪ ،‬و له كتب ىف الفقه‬
‫منها الوجيز و الوسيط و البسيط و هذا األخري هو أطوهلا‪ .‬هذا ما يتعلق مبرحلة النشوء و االنتشار‪.‬‬

‫جاء بعده مرحلة حترير املذهب و هو التحرير األول‪ ،‬ذلك على يد اإلمامني النووي و الرافعي‪ ،‬فكان‬
‫املعتمد ىف املذهب هو ما اتفق عليه النووي و الرافعي‪ .‬الرافعي له كتاب احملرر و آخر موسع شرح‬
‫فتح العزيز‪ ،‬و صنف اإلمام النووي منها روضة الطالبني و اجملموع و منهاج الطالبني و هو ما اعتمده‬
‫الشافعية و ساروا ىف شرحه و داروا ىف فلكه‪ ،‬و كتبت عليه شروح متعددة منها مغىن احملتاج و هناية‬
‫احملتاج و حتفة احملتاج و غرياها كثري‪ .‬مث جاء بعد ذلك دور التحرير الثاين على يد العاملني‪ ،‬مها الرملي‬
‫و ابن حجر اهليتمي‪ ،‬و مها اعتمد الشافعية املتأخرون على أقواهلما‪ ،‬فالرملي صنف شرحا على‬
‫املنهاج مساه هناية احملتاج و ابن حجر صنف شرحا على املنهاج مساه حتفة احملتاج‪ .‬هذا ما يتعلق‬
‫مبراحل مذهب اإلمام الشافعي ومحه هللا تعاىل‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫[املذهب احلنبلي]‬

‫و اآلن ما يتعلق مبذهب اإلمام أمحد رمحه هللا تعاىل‪.‬‬

‫اإلمام أمحد ممن أخذ عن اإلمام الشافعي و استفاد منه و تفقه عليه‪ ،‬و إن كانت العالقة بني اإلمام‬
‫أمحد و بني اإلمام الشافعي ليست عالقة التلمذة احملضة‪ ،‬ألنه أخذ عنه و هو عامل فقيه و استفاد ىف‬
‫بناء الشخصية الفقهية‪ ،‬و قد حث أهل احلديث على ذلك‪ ،‬حىت روي عنه أنه أخذ ببغلة الشافعي‬
‫و هو ميشي معه و يقول له أصحاب احلديث‪ :‬أتخذ عنه و عندك األسانيد العالية‪ ،‬فقال هلم‪ :‬إذا‬
‫فاتك إسناد فالن بعلو أتخذه بنزول و أما إذا فاتك عقل هذا فال جتد له عوضا و بدال‪.‬‬

‫و هو أمحد بن حممد ين حنبل الشيباين‪ ،‬و يسمى أمحد بن حنبل نسبة إىل ج ّده‪ ،‬ولد سنة ‪ ١٦٤‬هـ‬
‫و تويف سنة ‪ ٢٤١‬هـ‪ .‬و قد رحل إىل كل بلدان الدنيا‪ ،‬فكل ما خيطر ببالك عن بلد فيه العلم و‬
‫احلديث‪ ،‬فاإلمام قد رحل إليه ىف طلب احلديث‪ ،‬حىت قال ابن اجلوزي‪ :‬طاف أمحد الدنيا مرتني‬
‫جلمع املسند‪ ،‬رمحه هللا تعاىل‪ .‬لذلك فهو أكثر األئمة من جهة كثرة الرواية و مادة اآلاثر اليت‬
‫اجتمعت له‪ ،‬حىت قال ابن رجب‪ :‬و ال يعلم عن الصحابة أو التابعني أثر إال و قد أحاط به اإلمام‬
‫أمحد رمحه هللا تعاىل علما‪.‬‬

‫و أما عن عبادته و تقواه فهو من أكابر الزهاد و العباد‪ ،‬يقول ابنه‪ :‬كان أيب يصلي ىف كل يوم و ليلة‬
‫ثالمثائة ركعة‪ ،‬فلما مرض من تلك األسواط أضعفته‪ ،‬و كان يصلي ىف يوم و ليلة مائة و مخسني‬
‫ركعة‪ .‬قال أمحد‪ :‬ما كتبت حديثا إال و قد عملت به حىت مر يب أن رسول هللا صلى هللا عليه و سلم‬
‫احتجم و أعطى أاب طيبة دينارا‪ ،‬أعطيت احلجام دينارا حني احتجمت‪ .‬فهذا يقصد أن العلم ابلعمل‬
‫و ال يقصدون بذلك كثرة الرواية و التكاثر أمام الناس ابملروي و احملفوظ‪ ،‬و هو حيفظ ألف ألف‬
‫حديث‪ .‬قال الربيع قال لنا الشافعي‪ :‬أمحد إمام ىف مثان خصال‪ ،‬إمام ىف احلديث إمام ىف الفقه إمام‬
‫ىف اللغة إمام ىف القرآن إمام ىف الفقر إمام ىف الزهد إمام ىف الورع إمام ىف السنة‪ ،‬و حسبك هبذه‬
‫الشهادة من اإلمام الشافعي‪ .‬و هذا يدل على أن اإلمام أمحد مجع بني اإلمامات كلها و مل يكن‬

‫‪33‬‬
‫مقتصرا ىف احلديث‪ ،‬ألن بعض الناس يقول أن أمحد بن حنبل حمدث و ليس بفقيه‪ ،‬هذا من غلط‬
‫كبري‪ ،‬بل هو من أكابر الفقهاء و اجملتهدين و له ىف الفقه ابع طويل‪.‬‬

‫و أما علمه و ذكاءه‪ ،‬يقول عبد هللا بن أمحد‪ :‬قال يل أبو زرعة‪ :‬أبوك حيفظ ألف ألف حديث‪ ،‬فقيل‬
‫و ما يدريك؟ قال‪ :‬ذاكرته و أخذت عليه األبواب‪ .‬و قال عبد الرزاق الصنعاين‪ :‬ما رأيت أحدا أفقه‬
‫و أورع من أمحد بن حنبل‪ .‬و قال الشافعي‪ :‬خرجت من بغداد فما خلفت هبا رجال أفضل و ال‬
‫أعلم و ال أفقه و ال أتقى من أمحد بن حنبل‪ .‬و قال الشافعي‪ :‬اي أاب عبد هللا‪ ،‬إذا صح عندكم‬
‫احلديث فأخربوان حىت نرجع إليه‪ ،‬أنتم أعلم ابألخبار الصحاح منا‪ .‬و هذه هي الشهادات من‬
‫الشافعي‪ .‬لكن من األسف أن بعض الناس قال "مل يصل ألمحد حديث هذا"‪ ،‬و هذا ىف احلقيقة جرأ‬
‫على األئمة‪.‬‬
‫مث مذهب اإلمام أمحد مر بعدة مراحل‪.‬‬

‫املرحلة األوىل مرحلة التأسيس اليت بدأت من اإلمام أمحد نفسه‪ ،‬لكن هل اإلمام أمحد كتب فقهه؟‬
‫ال‪ ،‬مل يصنف ىف الفقه‪ ،‬لكنه كتب املسند و هو من أعظم كتب احلديث‪ .‬فصنف له فتاويه تالميذه‬
‫و يسمون أصحاب املسائل‪ ،‬كانوا يسألون اإلمام أمحد مسائل فكتبوه‪ ،‬و هم أكثر من مائيت‬
‫شخص‪ ،‬من هذه املسائل مسائل أيب داود صاحب السنن فهو من تالميذ اإلمام أمحد‪ ،‬فكتب له ىف‬
‫الفقه و كتب له ىف احلديث و هذا من فقه السلف‪ ،‬يعين أنه كتب فقه شيخه مع أنه حمدث‪ ،‬و‬
‫كتابه السنن يقرأ ىف املساجد‪ ،‬أما اليوم بعض الناس قالوا "أنخذ من الكتاب و السنة مباشرة"‪.‬‬

‫من أصحاب املسائل أيضا عبد هللا و صاحل‪ ،‬و مها ابناه و مسائلهما مطبوع‪ ،‬كذلك الكوسج ابن‬
‫منصور و هو مطبوع أيضا‪ ،‬ممن كتب أيضا حرب بن إمساعيل الكرماين‪ ،‬و كذلك مسائل ابن هانئ‪.‬‬

‫مث جاء عامل من علماء احلنابلة له على املذهب منة‪ ،‬هو أبو بكر اخلالل مجع هذه املسائل ىف كتاب‬
‫واحد‪ ،‬و يسمى اجلامع لعلوم اإلمام أمحد أي جامع اخلالل‪ ،‬لكن من املبكي أن هذا الكتاب مل‬
‫يصل إلينا إال أجزاء يسرية‪ ،‬مثل الرتجل و الوقوف و غريها‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫مث جاء ىف العصر احلاضر جهود عظيم ينبغي أن حيتفى به‪ ،‬مسي به اجلامع لعلوم اإلمام أمحد ىف حنو‬
‫من عشرين جملد‪ ،‬مجع فيه املسائل مرة أخرى لكن من املسائل املطبوعة و كتب احلنابلة‪ ،‬و غري‬
‫احلنابلة مجعوا أيضا مجيع ما روي عن اإلمام أمحد من األلفاظ ىف الفقه و غريه كاحلديث و العقيدة و‬
‫الرجال و غريه‪ ،‬و هو كتاب مهم و مفيد لكل طالب يتفقه على مذهب اإلمام أمحد‪.‬‬

‫بعد اخلالل جاء تلميذه‪ ،‬و له كتاب زاد املسافر‪ ،‬مث جاء بعد ذلك اإلمام اخلرقي و صنف كتابه‬
‫املختصر و صار يقرأ ىف املساجد و حيفظه املتفقهة و اشتغل احلنابة بعد ذلك بشرحه‪ ،‬من أبرزه‬
‫اإلمام ابن قدامة املقدسي ىف كتابه املغين‪ ،‬قال بعضهم‪ :‬املغين عما سواه يغين‪.‬‬
‫مث جاء بعد ذالك اإلمام احلسن بن حامد‪ ،‬صنف كتبا ىف الفقه و أصول الفقه ىف طريقة فهم كالم‬
‫اإلمام أمحد‪ ،‬امسه هتذيب األجوبة ىف جملدين‪ .‬فتالحظ أن التأسيس من اإلمام أمحد‪ ،‬مث النشر من‬
‫أصحاب املسائل‪ ،‬و اجلمع من اخلالل‪ ،‬و االختصار من اخلرقي‪ ،‬و التقعيد من احلسن بن حامد‪.‬‬

‫مث جاء مرحلة التحرير و التنقيح اليت بدأت ابلقاضي أيب يعلى‪ ،‬و قد كتب ىف الفقه و األصول‪ ،‬منه‬
‫العدة ىف أصول الفقه‪ ،‬و ىف الفقه الروايتني و الوجهني‪ ،‬و له الكتب ىف املختصر و املطول كالتعليقة‬
‫و غريها‪ .‬فإذا قرأت ىف كتب املذهب احلنبلي "قال القاضي" فرياد به القاضي أبو يعلى‪.‬‬

‫مث أيضا من علماء مرحلة التحرير و التنقيح تلميذ القاضي أيب يعلى و هو أبو اخلطاب الكلوذاين‪ ،‬له‬
‫مصنفات منها كتاب االنتصار و كتاب التمهيد ىف أصول الفقه و غري ذلك‪.‬‬

‫و أيضا ىف هذه املرحلة اإلمام موفق الدين ابن قدامة املتوىف سنة ‪ ٦٢٠‬هـ‪ ،‬و هذا اإلمام يعترب من‬
‫النقاط املهمة ىف مذهب اإلمام أمحد‪ ،‬و قد صنف كتبا كثرية ىف هذا املذهب‪ ،‬ىف أصول الفقه صنف‬
‫كتاب روضة الناظر و جنة املناظر (و هو كتاب مقرر ىف كثري من كليات الشريعة ىف اململكة العربية‬
‫السعودية)‪ ،‬و له ىف الفقه عدة كتب‪ ،‬صنف للمبتدئني عمدة الفقه و هو كتاب مفيد و انفع‪ ،‬و ملن‬

‫‪35‬‬
‫فوقهم كتاب املقنع‪ ،‬مث صنف ملن فوقهم كتاب الكايف‪ ،‬و بعده الكتاب املوسع كتاب املغين‪ ،‬هلذا قال‬
‫الشاعر‪:‬‬

‫كفى الناس ابلكايف و أقنع طالبا مبقنع فقه عن كتاب مطول‬


‫و أغىن مبغىن الفقه من كان عاملا و عمدته من يعتمدها حيصل‬

‫و هذا من فقهه ىف التعليم‪ ،‬فذكر ىف العمدة على القول الواحد و ال يذكر أي خالف أبدا و ذلك‬
‫ألن يكون الطالب معتمدا عليه و يسري عليه و يتعبد به‪ ،‬مث بعد ذلك تنتقل إىل املرحلة الثانية ىف‬
‫املقنع‪ ،‬ذكر الرواايت داخل املذهب ينقل الروايتني غالبا‪ ،‬و ابملناسبة كتاب املقنع‪ ،‬يعين إذا جئت‬
‫للحنابلة جتد أن عمل احلنابلة و شغلهم األكرب ىف املتقدمني على خمتصر اخلرقي فهو املعتمد ىف‬
‫التدريس و الشروح‪ ،‬حىت جاء اإلمام ابن قدامة بكتابه املقنع‪ ،‬فدار الناس ىف فلكه و صار شغل‬
‫احلنابلة ىف التدريس و الشرح و احلفظ على كتاب املقنع‪ ،‬و له عدة شروح منها املبدع‪ ،‬و الشرح‬
‫الكبري البن أيب عمر فهي كتب مفيدة و نفيسة‪ .‬أما الكايف فهو املرحلة الثالثة‪ ،‬فيذكر فيه األدلة و‬
‫يتوسع ىف ذكر الرواايت‪ ،‬و املرحلة األخرية املغين فيذكر فيه املذاهب األخرى‪ .‬فمن اخلطأ أن أييت‬
‫الطالب املبتدئ للعمدة فيصب له املغين‪.‬‬

‫قلنا أن اإلمام ابن قدامة صار هو النقطة و االرتكاز ىف املذهب بكتابه املقنع‪ ،‬من شروحه كتاب‬
‫اإلنصاف ىف معرفة الراجح من اخلالف‪ ،‬و كتاب اإلنصاف أخذ من املقنع مسألة فمسألة‪ ،‬فيبني‬
‫رواايت اإلمام أمحد ىف كل مسألة‪.‬‬

‫جاء بعد ذلك اإلمام ابن تيمية اجل ّد رمحه هللا‪ ،‬و ألف كتاب احملرر‪( .‬ال تيمية‪ ،‬و ال قدامة‪ ،‬و ال‬
‫مفلح‪ ،‬من بيوت احلنابلة اليت خرج منها عدة علماء املذهب‪ .‬ال قدامة صنفوا كثريا من الكتب و هم‬
‫املقادسة‪ ،‬فاحلنابلة له مكانته ىف بيت املقدس‪ .‬و ال تيمية كذلك‪ ،‬هناك اجلد جمد الدين ابن تيمية‬
‫صاحب احملرر و املنتقى الذي شرحه الشركاين ىف كتابه نيل األوطار‪ ،‬كذلك عندان االبن عبد احلليم‬

‫‪36‬‬
‫والد شيخ اإلسالم‪ ،‬و احلفيد شيخ اإلسالم ابن تيمية أبو العباس أمحد بن عبد احلليم بن عبد‬
‫السالم‪ ،‬فهم الثالثة العلماء)‪.‬‬

‫من علماء مرحلة التحرير و التنقيح أيضا ابن مفلح‪ ،‬و هذا أيضا عندان اجلد و االبن‪ ،‬فاجلد صاحب‬
‫كتاب الفروع و اآلداب الشرعية‪ ،‬و عندان ابن مفلح احلفيد صاحب كتاب املبدع‪.‬‬

‫و من علماء هذه املرحلة و به ختم التحرير األول و يسمى املصحح املرجح املنقح‪ ،‬و هو عالء‬
‫الدين املرداوي القاضي‪ ،‬ألف كتاب اإلنصاف ىف معرفة الراجح من اخلالف‪ ،‬هذا الكتاب الواحد‬
‫لكن ىف بطنه ممكن مئات كتب‪ ،‬أخذ كتب احلنابلة قبله و استقرأها فيذكر مجيع األقوال اليت قال هبا‬
‫علماء احلنابلة‪ .‬فإذا أردت أن تعرف الرواايت و األوجه ىف املذهب احلنبلي ترجع إىل كتاب‬
‫اإلنصاف للمرداوي‪ ،‬فهو املصحح و اعتمد الناس على تصحيحه ىف املذهب‪ .‬املرداوي عنده كتب‬
‫أخرى ىف أصول الفقه‪ ،‬منها التحرير و شرحه التحبري‪ ،‬و له كتب أخرى ىف الفقه ككتاب التنقيح‬
‫املشبع و تصحيح الفروع‪.‬‬

‫مث جاءت مرحلة االستقرار و كتبت املتون‪ ،‬منها اإلقناع للحجاوي‪ ،‬و هو أوسع املنت ىف املذهب‬
‫احلنبلي‪ ،‬و هو مطبوع بتحقيق الشيخ عبد هللا الرتكي‪ .‬و له كتاب مشهور أيضا ىف التدريس امسه زاد‬
‫املستقنع الذي شرحه كثري من أهل العلم‪ .‬اإلقناع شرحه البهويت ىف كتابه كشاف القناع‪ .‬أما زاد‬
‫املستقنع فشرحه البهويت ىف كتابه الروض املربع (و هو مقرر ىف كثري من كلية الشريعة ابململكة العربية‬
‫السعودية)‪ .‬الشيخ منصور البهويت كتب الروض املربع‪ ،‬مث جاء من بعده وضعوا احلواشي عليه‪ ،‬من‬
‫أوسعها الشيخ عبد الرمحن بن قاسم النجدي ىف سبع جملدات‪ ،‬كذلك حاشية الشيخ العنقري ىف‬
‫ثالث جملدات‪ ،‬و هناك حاشية ابن فريوز‪ .‬و من الشروح املعاصرة على زاد املستقنع الشرح املمتع‬
‫للشيخ حممد بن صاحل العثيمني رمحه هللا‪ ،‬كذلك شرح للشيخ صاحل الفوزان‪ ،‬و الشرح للشيخ فيصل‬
‫مبارك امسه كلمة السداد على منت الزاد‪ ،‬هناك أيضا الشرح للشيخ صاحل البليهي املسمى ابلسلسبيل‬
‫ىف معرفة الدليل‪ .‬فالشيخ البهويت هو أكثر من خدم املذهب بشروحه‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫مث ننتقل بعد ذلك إىل العامل الثاين و هو ابن النجار الفتوحي املصري‪ .‬و ابملناسبة أن ىف املرحلة‬
‫األخرية هذه‪ ،‬تكاد تنحصر املذهب ىف أهل الشام و أهل مصر‪ ،‬و ظهرت أيضا املدرسة ىف جند‪.‬‬
‫الكتاب الذي ألفه ابن النجار يسمى منتهى اإلرادات‪ ،‬و بعد أن ألف احلجاوي اإلقناع و ابن‬
‫النجار املنتهى صار املعتمد عند املذهب هو ما اتفق عليه هذان الكتاابن‪ ،‬قال شيخنا ابن عقيل‪:‬‬

‫اإلقناع ‪ #‬فهو املذهب فال نزاع‬


‫َ‬ ‫املنتهى إن وافق‬

‫و ابن النجار ألف أيضا ىف أصول الفقه‪ ،‬املسمى مبختصر التحرير و شرحه ىف كتاب شرح الكوكب‬
‫املنري‪ ،‬فهو من أنفس ما كتب ىف أصول الفقه ىف املذهب احلنبلي‪ ،‬و هو كتاب مركز و خمتصر و‬
‫مرتب و جامع‪.‬‬
‫كذلك العلماء من هذه املرحلة الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي من بلد الشام‪ ،‬و ألف كتبا كثرية‪،‬‬
‫من أبرزها كتاابن كتاب غاية املنتهى و هو موسع‪ ،‬مجع فيه اإلقناع و منتهى اإلرادات‪ ،‬و شرحه‬
‫الرحيباين ىف كتاب مطالب أوىل النهى‪ ،‬و الكتاب الثاين له كتاب دليل الطالب لنيل املطالب و هو‬
‫معتمد ىف التدريس‪ ،‬من شروحه منار السبيل للشيخ إبراهيم الضواين‪ ،‬كذلك نيل املآرب شرح دليل‬
‫الطالب للتغليب و هناك شروح أخى للمتأخرين‪.‬‬

‫اختلف املشايخ أين األفضل لطالب العلم‪ ،‬دليل الطالب أو زاد املستقنع؟ منهم من يرجح الزاد و‬
‫منهم من يرجح دليل الطالب و لكل واحد منهما ميزة‪ .‬دليل الطالب أكثر ترتيبا و أسهل‪ ،‬لذلك‬
‫قال الناظم‪:‬‬

‫و فضلوا الزاد على الدليل ‪ #‬و عللوا لذلك التفضيل‬


‫بكثرة الفروع و املسائل ‪ #‬ال تكن ىف حفظها بذاهل‬
‫و بعضهم يفضل الدليل ‪ #‬ليسره فاحفظ جتد السبيل‬

‫‪38‬‬
‫هناك متون أخرى معتمد ىف التدريس كعمدة الطالب للشيخ منصور البهويت‪ ،‬و له شرح هداية‬
‫الراغب‪ .‬و من الكتب املعتمدة أيضا ىف التدريس أخصر املختصرات البن بلبان و من شروحه كشف‬
‫املخدرات و كذلك الفوائد املنتخبات‪ .‬و من املتون املعتمدة ىف التدريس أيضا خمتصر خوقري للشيخ‬
‫أبو بكر خوقري من علماء مكة‪ ،‬و كذلك عندان عمدة الفقه البن قدامة‪.‬‬

‫فإذا أردت معرفة رواايت اإلمام أمحد‪ ،‬ترجع إىل كتب مسائل اإلمام أمحد و مجعها ىف اجلامع لعلوم‬
‫اإلمام أمحد‪ .‬و إذا أردت معرفة األوجه و الرواايت فرتجع إىل كتاب اإلنصاف للمرداوي‪ .‬و إذا‬
‫أردت معرفة أدلة املذهب و كيف أجابوا على أدلة املذهب األخرى ترجع إىل املغين البن قدامة و‬
‫الشرح الكبري البن أيب عمر و ترجع أيضا إىل املمتع البن املنجى‪ ،‬أو ميكنك أن ترجع إىل كتاب‬
‫التنقيح البن اجلوزي‪ ،‬كذلك التعليقة للقاضي أيب يعلى‪ ،‬و االنتصار للقاضي أيب اخلطاب‪.‬‬
‫فهذا ما يتعلق ابملذاهب الفقهية األربعة‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫[التمذهب]‬

‫مث أيتى السؤال اآلن‪ ،‬ما حكم التمذهب أبحد املذاهب الفقهية األربعة؟ و هذه مسألة مهمة و‬
‫مطروحة ىف كتب العلماء من قدمي الزمن و تثار ما بني فرتة و أخرى‪ .‬هذه املسأله هناك مواضع‬
‫االتفاق بني العلماء و هناك مواضع اختلف العلماء فيها‪.‬‬

‫أما مواضع االتفاق‪ ،‬فاألول أنه ال خالف بني العلماء أن التعصب ملذهب من املذاهب الفقهية أمر‬
‫مذموم‪ ،‬و املقصود من التعصب املذموم هنا‪ ،‬أن يتخذ اإلنسان املذهب معيارا للوالء و الرباء‪ ،‬فمثال‬
‫أنت شافعي ال تزوج بنتك مبالكي و ال جتالس مبالكي و ال تصلى خلف املالكية‪ ،‬هذا أمر ال شك‬
‫أنه مذموم‪.‬‬

‫و كذلك من املواضع اليت ال يكاد أن يكون متفقا‪ ،‬مسألة االنتساب اللفظي إىل أحد املذاهب‪ ،‬كأن‬
‫يقول اإلنسان أنه حنبلي‪ ،‬و ال يفهم أن من انتسب ألحد املذاهب أنه ترك الكتاب و السنة‪ ،‬ألن‬
‫يظن أن هناك مسار امسه مسار‬
‫البعض إذا سئل ما مذهبك؟ قال مذهيب الكتاب و السنة‪ .‬فال ّ‬
‫الكتاب و السنة‪ ،‬مث يوازنه مسار املذاهب الفقهية‪ ،‬فهذا التصور تصور خاطئ مائة ابملائة‪ ،‬فإن من‬
‫أثر هذا التصور أن يقول "ما األفضل دارسة فقه الدليل أم فقه املذاهب؟"‪ ،‬فهذا سؤال فرضه خطأ‪،‬‬
‫ألنه مبين على املقدمة األوىل أن فقه املذاهب ليس من فقه الدليل‪ ،‬بل إن هذه املذاهب كلها بال‬
‫استثناء فقه للدليل‪ ،‬و ال شك أن التفقه بتلك املذاهب مبعرفة مسائلها و أدلتها تفقه ىف الدين و‬
‫الشريعة و تفقه على الكتاب و السنة‪.‬‬

‫قل‪ ،‬و ابلعكس أن التعصب ضد املذاهب يشت ّد‪ ،‬و ال‬ ‫و األمر الواقع اليوم أن التعصب للمذاهب ي ّ‬
‫شك أنه تعصب مذموم‪ ،‬فجعل أن االنتساب إىل هذه املذاهب من الضالل‪ ،‬و جعل هذه املذاهب‬
‫ال متثل الشريعة‪ ،‬و ال هي من فقه الدليل و إمنا آراء الرجال‪ ،‬و جعل يستنكر من اتبع مذهبا من‬
‫املذاهب‪ .‬فاملشكلة اليوم أن واحدا منهم منع من تقليد املذاهب اليت جممع على جواز تقليدها‪ ،‬و‬

‫‪40‬‬
‫سلك مسلكا أدىن منه بتقليد األفراد‪ .‬على كل حال نقول أن التعصب مذموم‪ ،‬إما تعصب مذهب‬
‫من املذاهب أو تعصب ضد املذاهب‪.‬‬

‫و مما اتفق عليه العلماء أيضا أهنم يقبلون وجود هذه املذاهب‪ ،‬و ال يرونه أمرا مرفوضا شرعا‪ ،‬و ال‬
‫أحد من األئمة يدعو إىل إلغاء هذه املذاهب أو حرق كتب املذاهب‪ ،‬و ما وجد من هذا فهو ال‬
‫ميثل اجتاه علماء الشريعة‪ ،‬و قد حصل ىف حقب من التاريخ أن البعض أخذوا كتب املالكية و‬
‫حرقوها‪ ،‬بل العلماء يدركون أن هذه املذاهب نتيجة طبيعية و قدر هللا هلا كوان و ليس أمرا مرفوضا‬
‫شرعا‪.‬‬

‫و من األمر املتفق أيضا‪ ،‬أن املتمذهب إذا بلغ درجة االجتهاد و خالف مذهب إمامه لرجحان غريه‬
‫فقد أحسن‪ ،‬و مل يوجد من أحد إنكار على أيب يوسف القاضي ألنه خالف شيخه أاب حنيفة‪ ،‬و‬
‫كذا حممد ين احلسن الشيباين فقد خالفا شيخه كما ذكران‪ ،‬و قيل أهنما خالفا شيخه أاب حنيفة ىف‬
‫الثلث و ال يراد به التقدير بل لكثرة خمالفتهما لشيخه‪ .‬من األمثلة األخرى أيضا ىف املالكية ابن عبد‬
‫الرب فقد خالف اإلمام مالك‪ ،‬لكن ذلك ملن بلغ رتبة االجتهاد‪ .‬و مثله ىف الشافعية املزين فقد خالف‬
‫اإلمام الشافعي ىف املسائل‪ ،‬و كذا ىف احلنابلة وجدت اجتهادات و اختيارات ختالف اإلمام أمحد‬
‫كشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬لكن ذلك مرة أخرى بعد التأهل‪ ،‬و هذا مما ينبغي أن يتنبه إليه فهو قيد‪.‬‬
‫و أما غري املتأهل فليس له أن خيتار أصال‪ .‬إذا رأيت سري العلماء ىف الطبقات على مر القرون فإنك‬
‫جتد العلماء الذي له اختيارات هم قلّة و ال جتد واحد بعد واحد إال بعد مائة سنة‪ ،‬لخالف حالنا‬
‫اليوم‪ ،‬كل طالب العلم أو كل من مسك قلما و ورقة البد أن يذكر ىف املسألة اختياره و الراجح عنده‬
‫مع أن كثريا جدا جدا أن من يكتب ليس أهل للرتجيح‪ ،‬و الرتجيح هو اجتهاد و ال جيوز أن‬
‫يصدر إال عن جمتهد توفرت فيه شروط االجتهاد‪ .‬أما ميل النفس إىل أحد أقوال األئمة فليس‬
‫اجتهاد و ال هو مرجح شرعي و ليس هو اختيار ابملعىن العلمي‪ ،‬نعم إذا طولب من الباحث الرتجيح‬
‫على جهة التعلم ال على سبيل احلقيقة‪ ،‬فهذا اببه واسع‪ ،‬هلذا يقول ابن هبرية الوزير احلنبلي‪ :‬إن بني‬
‫أرابب املذاهب خترج خمرج اإلعادة و الدرس‪ ،‬يعين لو كان اثنان تناظرا‪ ،‬هذه املناظرة ال تكون سبيال‬

‫‪41‬‬
‫للرتجيح بل تعليما و تدريبا للطالب على ذلك‪ .‬فالبحوث العلمية املوجودة اليوم‪ ،‬طالب العلم‬
‫يستفيد منها اجلمع من املعلومات و التقريب‪.‬‬

‫و هنا ننبه‪ ،‬إذا كان طالب علم يدرس عند شيخ مل يبلغ رتبة االجتهاد‪ ،‬فإن معرفة الراجح و اختيار‬
‫الشيخ ىف مسألة‪ ،‬تقليد ابلنسبة للطالب و ال هو أحسن حاال من تقليد قول أحد األئمة املتبوعة‪.‬‬
‫لكن الناس اليوم يظنون أن الزمن املتأخر يستطيع أن يكون حاكما و مغربال لرتاث الفقه‪ ،‬و قد قيل‬
‫أنه ميكن أن خيفى على األئمة األدلة‪ ،‬نقول نعم‪ ،‬قد خفي عليهم لكن االحتمال للمعاصرين ىف‬
‫ذلك عشرة أضعاف‪ ،‬فاألئمة إذا قال ىف مسألة‪ ،‬خيتلف متاما حاله ابلباحث املعاصر إذا تكلم ىف‬
‫مسألة من املسائل‪ .‬فأوصي لطالب العلم أن يقرأ كتابني البن رجب رمحه هللا‪ ،‬األول كتاب بيان‬
‫فضل علم السلف على اخللف‪ ،‬و الثاين كتاب الرد على من اتبع غري املذاهب األربعة‪ .‬و كذلك ننبه‬
‫أنه قد يكون احلديث رجاله ثقات لكنه مضعف من قبل األئمة كحديث "إذا انتصف شعبان‪،"..‬‬
‫ذلك أن املتقدمني خيتلف نظرهم مع املعاصرين ىف مسألة من املسائل‪.‬‬

‫فاملقصود أن منهج املتقدمني و نظرهم ىف املسائل ال يكاد أن يطبقه طلبة العلم اليوم‪ ،‬و الرتجيح إذا‬
‫حصلت له األهلية‪ ،‬و خالف اإلنسان فهو مأجور و حمسن إن شاء هللا‪ ،‬أما إذا مل حتصل له األهلية‬
‫أبن مالت نفسه إىل قول الشافعي مثال فال أبس أن تقلد قول الشافعي‪ ،‬لكن لو مالت نفسك إىل‬
‫قول الشافعي و تقول أن قول أمحد خمالف للنص ىف هذه املسألة و اإلمام الشافعي أسعد الناس‬
‫ابلسنة ىف املسألة‪ ،‬فلتمسك نفسك من أن تكون حكما بني األئمة‪.‬‬

‫مث من املواضع املتفق عليها من مسائل التمذهب‪ ،‬أنه ال خالف ىف قبول التمذهب مبعىن التخرج‬
‫على مدرسة فقهية أصولية مع العناية ابلدليل و طلب الراجح‪ ،‬حىت لو كان االنتساب أبحد‬
‫املذاهب‪ ،‬فإن هذا تفقه ىف الدليل بال شك‪ .‬فال تكاد جتد أحد من العلماء و الفقهاء املربزين بعد‬
‫املذاهب األربعة إال و هو منتسب و خترج على أحد تلك املذاهب‪ ،‬فشيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫حنبلي‪ ،‬اإلمام النووي شافعي‪ ،‬العز بن عبد السالم شافعي‪ ،‬اإلمام القرايف مالكي‪ ،‬الكساين حنفي و‬
‫إىل غري ذلك من األئمة‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫مث من حمل االتفاق أنه جيوز للمتمذهب أبخذ قول إمامه انسبا له إىل إمامه و قانعا له برجحانه بعد‬
‫نظره ألدلة األقوال‪ ،‬يعين رجل من املتمذهبني وصل إىل مرتبة التأهل و الرتجيح‪ ،‬فنظر ىف املسألة و‬
‫ترجح عنده قول إمامه الذي متذهب مبذهبه فيأخذ به بال إشكال و نسبه إىل إمامه و مل ينبسه إىل‬
‫نفسه و قال الصحيح ىف هذه املسألة من مذهب اإلمام أمحد كذا و كذا و أفىت الناس به‪ ،‬فمثل هذا‬
‫جوزت التقليد لقولك فينبغي‬‫ال إشكال و ال إمث مع عدم إفصاحه بنسب القول إىل نفسه‪ .‬فأنت إذا ّ‬
‫جتوزه ألقوال األئمة األربعة‪.‬‬
‫أن ّ‬

‫فاملفيت إذا سئل عن مسألة و قال فيها بقول غريه‪ ،‬مثال سئل اإلمام أمحد عن مسألة و قال فيها‬
‫بقول مالك‪ ،‬فهنا ال خيلو من حالتني‪:‬‬
‫أن يعتقد صحة قول غريه فهذا ال إشكال ىف جواز ذلك‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫أن يعتقد أن الراجح ليس ىف قول غريه أي القول الذي ذكره لكنه اعتقد أن املسألة‬ ‫‪.2‬‬
‫اجتهادية ليس فيها قاطع‪ ،‬فهل جيوز له أن يذكر قول غريه؟ نقول‪ ،‬قال صاحب اإلقناع "و‬
‫له (املفيت) أن خيري املستفيت بني مذهبه و مذهب غريه"‪ ،‬ألنه ال يلزم الناس أن يقلدوك‪ .‬هلذل‬
‫روي عن اإلمام أمحد أنه جاءه رجل فقال اذهب إىل حلقة املدنيني فاسأهلم‪ ،‬فأحاله إىل غريه‬
‫مع أنه يرى خالف رأيهم‪ .‬و هذه هي املسائل املتفق عليها ىف قضية التمذهب‪.‬‬

‫مث ننتقل بعد ذلك إىل بيان حمل االختالف‪ .‬ما هي املسائل املختلف فيها ىف هذه القضية‪ ،‬هذا أوال‪،‬‬
‫مث اثنيا هل هذا اخلالف حقيقي أم لفظي؟‬

‫نقول‪ ،‬التمذهب مبعىن لزوم إنسان ىف تقلد مذهب من املذاهب و عدم االنتقال عن هذا املذهب‪،‬‬
‫كإنسان قال إين سأسري ىف التعبد بقول اإلمام الشافعي‪ ،‬فما قاله ابلتحرمي امتنعت منه و ما قاله‬
‫إبابحته فاستبحته‪ ،‬فهو أخذ بقول إمام من األئمة حىت ال يتتبع الرخص و ال حيصل له اضطراب ىف‬
‫الفتوى‪ ،‬ما حكم هذا؟ فنقول‪ ،‬أن بعض العلماء اجتهوا ابلتمذهب إىل هذا املعىن و أوجبه على املقلد‬
‫جيوزه ابلتلفيق‪ ،‬حىت قال الشيخ حممد األمني الشنقيطي أن متأخرى األصوليني اتفقوا على‬ ‫و ال ّ‬
‫وجوبه‪ ،‬ألنه أضبط لإلنسان و أمنع من تتبع الرخص و ما إىل ذلك‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫االجتاه الثاين و هو اجتاه أكثر العلماء و هم ال يرون وجوب التمذهب و ال يرون أن التمذهب ممنوع‬
‫بل هو مباح‪ ،‬فاملقلد جيب عليه أن يصدر عن قول أهل العلم‪ ،‬ألن هللا تعاىل يقول ((فاسألوا أهل‬
‫الذكر إن كنتم ال تعلمون))‪ .‬فيجوز له أخذ قول عامل لثقته به‪ .‬فعلى االجتاه الثاين فإن املقلد ابخليار‬
‫بني التزام مذهب من املذاهب أو أن يسأل عاملا يثق به كمن سأل ىف مرة شيخ فالن و مرة شيخ‬
‫عالن و هو ال يقصد به تتبع الرخص‪ .‬و من العبارات اليت نقلت هلذا االجتاه عبارة القاضي عياض‬
‫حيث قال‪ :‬وقع إمجاع املسلمني على اتباعهم و درس مذاهبهم‪ ،‬و قال ابن هبرية الوزير احلنبلي‬
‫كال منها جيوز العمل به‪ ،‬و ابن فرحون يقول‪ :‬وقع‬ ‫واصفا املذاهب األربعة‪ :‬اليت اجتمعت األمة أن ّ‬
‫إمجاع الناس على تقليدهم و اتفاق العلماء على اتباعهم و االقتداء مبذاهبهم و درس مذاهبهم و‬
‫التفقه على مآخذهم‪ ،‬فهؤالء الثالثة من أهل العلم نقلوا اإلمجاع على جواز التمذهب بواحد من‬
‫املذاهب األربعة و قد بينا معىن ذلك و هو يلزم املذهب ىف التعبد فيما رخص عنه و ما منع منه‪ ،‬و‬
‫نذكر الشرط أبن ال يكون فيه التعصب كما بينا ىف حمل االتفاق‪.‬‬

‫و االجتاه الثالث هو منع التمذهب و املعىن منه ال يلزم اإلنسان مذهبا واحدا و إمنا يقلد و لكن‬
‫ليس على سبيل مالزمة مذهب بعينه‪ .‬و ممن ش ّدد تشديدا ىف مسألك التقليد حىت جعل ىف كتابه‬
‫اباب امسه ابب إبطال التقليد هو اإلمام أبو حممد ابن حزم األندلسي رمحه هللا ىف كتابه اإلحكام ىف‬
‫أصول األحكام‪ ،‬و قد قال ىف هذه الكتاب‪ :‬فليعلم أن من أخذ جبميع قول أيب حنيفة أو جبميع قول‬
‫مالك أو جبميع قول الشافعي أو جبميع قول أمحد ممن يتمكن من النظر أنه قد خالف إمجاع األمة‪،‬‬
‫فهنا ابن حزم حيكي اإلمجاع على العكس أي أنه ال جيوز أن أيخذ جبميع قول أحد من األئمة‪ ،‬لكن‬
‫إذا دققنا النظر‪ ،‬وجدان أن اإلمام ابن حزم قد ذكر شرطا ىف كالمه‪ ،‬ألنه قال "ممن يتمكن من النظر"‬
‫و التمكن من النظر معناه أهلية االجتهاد و هذا مسلم‪ ،‬أن الشخص الذي بلغ رتبة االجتهاد ال‬
‫جيوز له أن يقلد فضال عن أن يلزم مذهبا بعينه‪ .‬و احلقيقة أن التشديد ىف التقليد و إن وجد ىف كالم‬
‫اإلمام ابن حزم رمحه هللا أو غريه إال أنه ىف األخري أن التقليد ال ميكن أن يستقيم للناس يعين التعبد‬
‫إال به‪ .‬و ابملناسبة أننا إذا ذكران التقليد‪ ،‬فإنه ليس مرتبة واحدة بل مراتب كما كان االجتهاد فله‬
‫مراتب‪ ،‬فهناك جمتهد املذهب و جمتهد مطلق و أن االجتهاد يتجزأ‪ ،‬و اإلنسان الذي وصل إىل رتبة‬

‫‪44‬‬
‫االجتهاد فهو متفاوت مع غريه ىف تلك الرتبة‪ ،‬فيختلف جمتهد حيفظ ألف ألف حديث مع جمتهد‬
‫حيفظ ألف حديث فقط‪.‬‬

‫سئل اإلمام أمحد هل يفيت الرجل و هو حيفظ مائة ألف حديث قال ال‪ ،‬فقيل مائتا ألف حديث؟‬
‫قال ال‪ ،‬فقيل ثالمثائة ألف حديث؟ فقال ال‪ ،‬فقيل أربعمائة ألف حديث‪ ،‬فقال أرجو‪ .‬و العجيب‬
‫اليوم قال البعض "اي أخي األصوليون املتأخرون شددوا شروط االجتهاد و هي شروط تعجيزية"‪،‬‬
‫لكن احلقيقة إذا قارنت بني شروط االجتهاد عند اإلمام أمحد مثال و األصوليون فإهنم سهلوا لك‬
‫الشروط‪ ،‬و إن العاجزين يريدون فتح ابب االجتهاد كما أرادوا‪ ،‬لذلك بعض أهل العلم يرى أن ابب‬
‫االجتهاد مغلق و يرى أن ابب االجتهاد قد يدخله من ليس من أهله‪ ،‬و ليس هذا تقرير بصحة قول‬
‫إغالق ابب االجتهاد لكن املقصود أن بعض الناس يريد تكسري ابب االجتهاد‪.‬‬

‫فاملقصود هنا أن أكثر أهل العلم بعد القرن الرابع انتسبوا ملذهب من املذاهب و أنه جيوز تقليد واحد‬
‫من هذه املذاهب‪ .‬لكن إذا قيل كيف يعمل اإلنسان لزم مذهبا (و قد بينا معناه) و مذهبه مصادم‬
‫للنص؟ نقول أن مثل هذا السؤال إذا كانت املسألة مما شاعت بني املذاهب و ظاهر‪ ،‬ففرض السؤال‬
‫مثل هذا غلط‪ ،‬و رمبا أن النص الذي يظنه البعض ضعيف عند بعض أهل العلم‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫[معامل الفقه ىف العصر احلاضر]‬

‫و هذه املرحلة تكون ما بعد ‪ ١٣٠٠‬للهجرة تقريبا‪ .‬و سبق أن أشران أنه ظهر ىف العصر احلاضر‬
‫دعوة ترك املذهبية‪ ،‬حىت يوجد من قال أن ما قبل سنة ‪ ١٣٠٠‬للهجرة أو ما قبل االستعمار ىف العامل‬
‫اإلسالمي أنه عصر اجلمود و التقليد مع أن ىف تلك العصور الطويلة جهود فقهية و التصور ابجلمود‬
‫غلط‪ .‬فإننا إذا نظران حياتنا اليوم و نرجع إىل ما قبل مائيت سنة‪ ،‬و نقارن بينه (ما قبل مائيت سنة) و‬
‫بني زمن التابعني فال جند فرقا إال األشياء ليست كثرية‪ ،‬أما إذا قاران ما ىف اليوم و ما قبل اليوم‬
‫لخمسني سنة سنحد فروقا كثرية بسبب الثورة الصناعية‪ ،‬فإذا كان الرتاث الفقهي و املذهب الفقهي و‬
‫املدوانت الفقهية ما دامت تليب االحتياج‪ ،‬فما احلاجة إىل جتديد البناء و تصنيف الكتب اجلديدة‪.‬‬
‫فالبعض يرى أن إعادة البناء هو املطلب اليوم‪ ،‬و هذا مثله كمن عنده عمارة ممتازة و شاخمة و ابقية‬
‫أللف سنة‪ ،‬مث جاء أحد يوما قال انقضها من ابب التجديد‪ ،‬فهذا عبث‪ .‬فإن العلماء دونوا النوازل‬
‫ىف كتبهم و خدموها و صنفوا فيها‪ .‬فال يصح وصف تلك األزمان ابجلمود و التقليد على اإلطالق‪.‬‬

‫و من االخرتاعات ىف العصر احلاضر اليت هلا عالقة مبوضوع الفقه مسألة الطباعة‪ ،‬و هلا أثر كبري ىف‬
‫انتشار العلم و الكتب‪ .‬طباعة الكتب الفقهية ىف عصران احلاضر تتمثل ىف نوعني؛‬

‫النوع األول‪ ،‬طباعة الكتب اليت كتبها العلماء ىف القدمي و إعادة نشرها و حتقيقها و حتويلها من‬
‫النسخ اخلطية قليلة التداول و النسخ املطبوعة اليت تطبع أبلف فقط مثال‪ .‬فطالب العلم ىف القدمي‬
‫حىت يكون له الكتب ىف الدوالبني حيتاج إىل أشهر‪ ،‬ألهنم نسخوا أبيديهم و هذا حتصيل العلم بل‬
‫أكثر من جمرد القراءة‪ ،‬و منهم من ينسخ كتااب واحدا عدة مرات‪ ،‬مما يروى ىف هذا أن رجال امسه ابن‬
‫اخلاضبة‪ ،‬نسخ ىف سنة واحدة صحيح مسلم سبع مرات‪ ،‬فهو ينسخ و يقابل‪ ،‬من شدة تعبه أنه انم‬
‫و رأى ىف منامه أنه دخل اجلنة فاستلقى على ظهره و بدأ يلعب برجله و قال احلمد هلل اسرتحنا من‬
‫النسخ‪ .‬و املقصود من هذا أن الطباعة أدت إىل انتشار كبري للكتب و صار طالب العلم العادي‬
‫عنده مكتبة ما ال تكون عند بعض العلماء‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫من هذه الكتب ما هو حتقيق لكتب املتقدمني‪ ،‬و هو على أنواع‪ ،‬كتب صنفت ىف مسائل اإلمجاع‬
‫فقط‪ ،‬منها كاإلمجاع البن املنذر‪ ،‬و مراتب اإلمجاع البن حزم‪ ،‬و لشيخ اإلسالم رد على هذا‬
‫الكتاب امسه نقض مراتب اإلمجاع‪.‬‬

‫ابملناسبة أن أهل العلم من قدمي الزمن بينهم مناقشات و مناظرات‪ ،‬حىت قال اخلطيب البغدادي و‬
‫حنوه ابن عبد الرب أن األمة جممعة على اجلدال و املناظرة ىف مسائل الفقه‪ ،‬فمحمد بن احلسن تناظر‬
‫مع مالك‪ ،‬و أبو يوسف تناظر مع مالك‪ ،‬و الشافعي تناظر مع حممد بن احلسن و كتب الرد عليه و‬
‫كذا الرد على سري األوزاعي‪ ،‬و الردود ابألدب و العلم "أخربان و حدثنا"‪ ،‬هذا كان دأهبم و ليس فيه‬
‫قول عنيف أو جارح كاإلمام ابن حزم‪ ،‬فإن أسلوبه ىف مناقشة مسائل الفقه ىف كتاب احمللى ليس من‬
‫األسلوب املرتضى‪ ،‬لذلك كتاب احمللى ال يصلح أبدا أن يقرأه طالب العلم املبتدئ‪ ،‬و إمنا يقرأه‬
‫العلماء بعد ما يرتىب و يتأدب و حيصل العلم‪ ،‬مع إقراران أن فيه علما كثريا‪.‬‬

‫و من كتاب ىف مسائل اإلمجاع و هو كتاب مهم كتاب اإلقناع ىف مسائل اإلمجاع البن القطان‪ ،‬و‬
‫من ميزته أنه جامع و هو مطبوع بتحقيق الدكتور فاروق محادة‪ ،‬هناك كتاب آخر معاصر و سهل‪،‬‬
‫من إصدارات مؤسسة الدرر السنية امسه إمجاعات العبادات‪.‬‬

‫عندان أيضا طباعة الكتب ىف املذاهب األربعة و حيسن أن نذكر مذهبا مذهب‪.‬‬

‫من الكتب املفيدة ىف املذهب احلنفي بدائع الصنائع للكساين و حاشية ابن عابدين و مها مفيد‬
‫ملعرفة املسائل املعتمدة ىف مذهب أيب حنيفة‪.‬‬

‫أما املذهب املالكي فمن أمهها شروح خمتصر خليل و من أجلها مواهب اجلليل للحطاب و طبعا‬
‫املوطأ لإلمام مالك و املدونة‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫و ىف املذهب الشافعي كتاب األم لإلمام الشافعي حققه الشيخ رفعت فوزي عبد املطلب و حتفة‬
‫احملتاج البن حجر اهليتمي و روضة الطالبني للنووي و احلاوي للماوردي‪.‬‬

‫أما املذهب احلنبلي من الكتب املفيدة ملعرفة املسائل املعتمدة و أدلتها كتاب كشاف القناع للبهويت‪،‬‬
‫و ضم إليه الشرح الكبري البن أيب عمر بتحقيق الرتكي‪ ،‬و الكشاف بتحقيق جلنة وزارة العدل و هو‬
‫أفضل الطبعة‪ ،‬و الشيخ عبد هللا الرتكي ممن له جهود ىف خدمة كتب احلنابلة و كذا الشيخ ابن‬
‫دهيش‪.‬‬

‫مث هناك كتب مطبوعة ىف الفقه املقارن‪ ،‬و هي كتب مفيدة و انفعة لطالب العلم إذا أراد أن يعرف‬
‫املسائل اخلالفية و أقواهلا و أدلتها‪ ،‬و ابملناسبة نذكر أنه ينبغي أن يعرف طالب العلم هدف أتليف‬
‫كتاب حىت يرجع إليه ليحقق اهلدف له‪ .‬فمن الكتب املطبوعة ىف الفقه املقارن منها األوسط البن‬
‫املنذر و هو كتاب جليل عظيم (ذكر كتاب ما أنه عظيم و جليل ال يدل على أنه يصلح جلميع‬
‫طبقات املتعلمني حىت ال يبدأ الطالب املبتدئ مثال بكتاب األوسط ألنه مسع شيخه وصف كتاب‬
‫األوسط ابجلليل و العظيم)‪ .‬منها أيضا كتاب اختالف العلماء البن هبرية الوزير و ميزته فإنه يوضح‬
‫مواضع االختالف و مواضع االتفاق‪ ،‬و منها بداية اجملتهد و هناية املقتصد البن رشد احلفيد و ميزته‬
‫أنه يذكر اخلالف أبخصر العبارات و يقتصر على مهمات املسائل و رووسها و يبني ما هو سبب‬
‫االختالف ىف كل مسألة‪ ،‬و من الكتب ىف اخلالف العايل أيضا كتاب املغين البن قدامة و هو‬
‫مطبوع بتحقيق الشيخ الرتكي و كذلك كتاب الشرح الكبري البن أيب عمر و غري ذلك من الكتب‪.‬‬
‫فهذا ما يتعلق ابلكتب املطبوعة للعلماء املتقدمني ىف الفقه‪.‬‬

‫ننتقل اآلن إىل قضية الكتب املعاصرة أي اليت ألفت ىف العصر احلاضر‪ ،‬و هي أنواع‪،‬‬

‫منها املوسوعات الفقهية و تعين هبا الكتب اليت ألفت ىف مسائل اخلالف العايل و مرتب على‬
‫احلروف‪ ،‬و من أجل املوسوعات ىف العصر احلاضر بال منازع املوسوعة الفقهية الكويتية‪ ،‬و هي عمل‬
‫عظيم جدا‪ ،‬و ال يعين أنه ال خيلو من امللحوظات لكنه ىف اجململ كتاب نفيس جيمع لك املسائل‬

‫‪48‬‬
‫الفقهية من املذاهب األربعة من معتمداهتا و ال يتوسع ىف ذكر األدلة‪ .‬و ال يوثق أحد معتمد مذهب‬
‫من هذه املوسوعة إبطالق‪ ،‬فإمنا من أراد أن يوثق معتمد مذهب يرجع إىل الكتب املعتمدة ىف ذلك‬
‫املذهب‪.‬‬

‫و من املوسوعات اليت كتب ىف العصر احلاضر لكنها ال تستوعب موضوعات الفقه كلها بل ىف‬
‫موضوع ما كموسوعة أحكام الطهارة للشيخ ذبيان الذبيان و هي أوسع ما كتب ىف ابب الطهارة‪ ،‬و‬
‫الرتتيب فيها على أبواب ال على احلروف‪ ،‬و من املوسوعات ىف األبواب أيضا موسوعة املعامالت‬
‫املالية للشيخ ذبيان الذبيان أيضا و هي كتاب قيم و نفيس لكنها مل تكتمل‪ ،‬فهناك موسوعة أخرى‬
‫تعترب تكملة هلا و هي موسوعة الشيخ خالد املشيقح (امسها اجلامع ىف الوصااي و األوقاف و‬
‫اهلبات)‪ ،‬و كتب الشيخ الذبيان يعترب مرجعا و ليس دراسيا‪.‬‬
‫هناك أيضا موسوعة صدرت مؤخرا من مركز التميز البحثي امسها موسوعة القضااي الفقهية املعاصرة‪،‬‬
‫لكنها يبدو مل توزع توزيعا كافيا‪ ،‬و هي تشتمل أبواب الفقه من الطهارة إىل األخري‪ ،‬إال أهنا تقتصر‬
‫على املسائل املعاصرة‪ .‬و توجد أيضا كتب ىف ابب معني ككتاب النوازل ىف الزكاة للدكتور عبد هللا‬
‫الغفيلي‪ ،‬و ىف ابب الصيام كتاب مشكالت املفطرات للدكتور فؤاد اهلامشي‪ ،‬ىف ابب احلج كتاب‬
‫متقدم ككتاب املنسك البن مجاعة و املنسك البن اجلاسر‪ ،‬فاألول يذكر املذاهب األربعة و الثاين‬
‫يركز ىف املذهب احلنبلي‪ .‬هذا ما يتعلق ابملطبوعات‪.‬‬

‫من املعامل اليت ظهرت ىف هذه املرحلة إنشاء اجملاميع الفقهية نظرا لكثرة املستجدات و النوازل و أهنا‬
‫تتعلق أببواب فقهية متعددة‪ ،‬و أيضا قد يكون فيها من التقعيد ما ال يكفي أن تصدر فيه فتوى‬
‫فردية من عامل لوحده خاصة بعض النوازل ىف املعامالت‪ ،‬فإهنا قد حتتاج للفتوى و احلكم فيها إىل‬
‫الرجوع إىل املتخصصني ىف املصرفية و االقتصاد و غري ذلك‪ ،‬كذلك ما يتعلق ابلطبية فتحتاج إىل أن‬
‫تسمع إىل الرأي الطيب بشكل متخصص و متعمق‪ ،‬و من أجل ذلك نشأت اجملامع الفقهية‪ .‬فيها‬
‫مجع من أهل العلم ينظر ىف املسائل مث يصدر قرارا أو فتوى‪ ،‬و غالبا أن هذه القرارات تصدر‬
‫ابألغلبية و ال يلزم أن تصدر ابإلمجاع من مجيع األعضاء‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫و اجملامع الفقهية متنوعة أشهرها اجملمع الفقهي التابع ملنظمة التعاون‪ ،‬هي اليت كانت تسمى منظمة‬
‫املؤمتر اإلسالمي و مقرها الرئيسي جدة‪ .‬الثاين من اجملامع‪ ،‬اجملمع الفقهي التابع لرابطة العامل‬
‫اإلسالمي و مقرها الرئيسي ىف مكة‪ .‬هناك جمامع فقهية إقليمية خاصة ىف بعض البلدان‪ ،‬كاجملمع‬
‫الفقهي لعلماء اهلند‪ ،‬و جممع البحوث اإلسالمية ابلقاهرة‪ ،‬و اجملمع الفقهي ىف السودان و غريها‪.‬‬

‫اجملمع الفقهي الدويل التابع ملنظمة املؤمتر اإلسالمي صدرت منه القرارات و مطبوعة و له أيضا جملة‬
‫كبرية جدا فيها مجيع املناقشات اليت تتم ىف اجمللس‪ ،‬و مثل هذه تنمي الطالب ألن كل املناقشات‬
‫مفرغة ىف اجمللة‪ .‬و أما اجملمع الفقهي التابع لرابطة العامل اإلسالمي له أيضا اجمللة املطبوعة و إن كان‬
‫انتشارها ليس كبريا‪ ،‬و طالب العلم ينبغي أن حيرص ىف اطالع مثل ذلك‪ .‬و كتاب شيخنا الشيخ‬
‫حممد حسني اجليزاين فقه النوازل ىف أربع جملدات‪ ،‬فيه قرارات اجملامع الفقهية‪ ،‬من أراد أن يبحث عن‬
‫قرارات اجملامع فلريجع إليه‪.‬‬

‫و قد ظهرت املوسوعات الفقهية كما ذكران أن من أبرز املوسوعات الفقهية املطبوعة‪ ،‬املوسوعة‬
‫الفقهية الكويتية‪ ،‬أما النوع الثاين املوسوعة الفقهية اإللكرتونية‪ ،‬فالتقنية بال شك خدمت البحث‬
‫العلمي‪ ،‬لكن طالب العلم حيتاج ليس فقط الوصول إىل املعلومة ألن التقنية تساعدك أن تصل إىل‬
‫املعلومة‪ ،‬لكن طالب العلم ال يفتقر فقط إىل الوصول بل حيتاج إىل شيء مهم جدا ال يقل أمهتيه من‬
‫الوصول إىل املعلومة‪ ،‬و هو كيفية التعامل مع هذه املعلومة‪ ،‬و احلقيقة أن املوسوعة اإللكرتونية قد‬
‫توقفك على الكالم‪ ،‬لكن غري املتمرس تضله هذه املعلومة و يفهمها على نقيض املقصود هبا‪ .‬قد‬
‫وجدت هذا كثريا ىف بعض الرسائل العلمية‪ ،‬أن أحدا يبحث ىف البحث اإللكرتوين مثال نفرتض ىف‬
‫فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬فيأيت و ينقل الكالم و يوثق‪ ،‬لكن لو رجع ثالث صفحات إىل‬
‫اخللف أو صفحة واحدة إىل اخللف الكتشف أن هذا الكالم ليس لشيخ اإلسالم ابن تيمية و إمنا‬
‫ينقله من غريه‪ ،‬و أحياان ينقل عن غريه ىف الصفحة السابقة أو أن ىف الصفحة الالحقة الرد على ذاك‬
‫الكالم‪ ،‬فالذي أييت فقط إىل املعلومة دون أن يكون عنده امللكة رمبا فسيضل بذلك‪ .‬لذلك قيل‪:‬‬

‫‪50‬‬
‫إذا رمت العلوم بغري شيخ ‪ #‬تضل عن الصراط املستقيم‬
‫و تلتبس األمر عليك حىت ‪ #‬تسري أضل من تومى احلكيم‬

‫و مما ظهرت ىف العصر احلاضر املواقع الشبكية ىف االنرتنت‪ ،‬منها ما هو متخصص ىف الفقه و ال‬
‫أريد أن أطيل‪ ،‬املهم عندان الشبكة الفقهية و امللتقى الفقهي و غريها‪ ،‬و هذه املواقع االكرتونية تسهل‬
‫التواصل بني أهل العلم‪ .‬فباملناسبة مسألة اإلمجاع ذكرها العلماء أن اإلمجاع يعسر حتصيله و يعسر‬
‫الوقوف عليه‪ ،‬ألن العلماء انتشروا ىف األقطار و تفرقوا‪ ،‬فكيف نعرف أقواهلم؟ نقول أن هذه املسألة‬
‫تيسرت ىف العصر احلاضر و يسهل التواصل بني العلم ىف مجيع األقطار‪ .‬كان ابن املنذر يقول‪ :‬أمجع‬
‫من أحفظ من أهل العلم‪ ،‬أمجع علماء األمصار‪ ،‬كانت هذه الكلمة حىت حيصلها اإلنسان حتتاج‬
‫البذل و اجلهود و الرحلة و التنقل‪ ،‬لكن اآلن سهل إىل حد كبري‪.‬‬

‫كذلك مما ظهرت ىف العصر اخلاضر دعوى التجديد ىف علم أصول الفقه‪ ،‬لكن سنفرد الكالم عليه‬
‫ىف مكانه‪.‬‬

‫ظهرت أيضا ىف العصر احلاضر كثرة النوازل الفقهية‪ ،‬و قد ذكران أن من أسباهبا التقنية و استخدام‬
‫املكائن و الثورة الصناعية‪ ،‬ففى كل يوم تظهر األشياء العجائب و تكثر النوازل الفقهية ىف كل أبواب‬
‫الفقه كالصالة ىف الطائرة و قراءة املصحف من اجلوال و غريها‪ .‬فكتب العلماء ىف النوازل و صدرت‬
‫القرارات فيها و نشأ أيضا مركز ىف دراسة هذه القضااي كمركز التميز البحثي ىف جامعة اإلمام حممد‬
‫بن سعود اإلسالمية ابلرايض‪.‬‬

‫و من معامل هذا العصر أيضا ظهور الكليات الشريعة و األقسام الفقهية ىف اجلامعات‪ ،‬و تلك‬
‫الكليات و األقسام خدمت من انحية نشر العلم و تعليم الناس‪ ،‬كجامعة اإلمام و حامعة أم القرى‬
‫و اجلامعة اإلسالمية و لكل جامعة هلا منهجها و مفرداهتا‪ .‬كذلك من حركات العلم ىف البحث‬
‫العلمي أنه تفتح الدراسات العليا ىف تلك الكليات‪ ،‬و كل طالب يريد أن يتخرج البد من تقدمي‬

‫‪51‬‬
‫حبث‪ ،‬بعضه يطبع و بعضه ال يطبع‪ ،‬لكنه حركات ىف الفقه‪ .‬هذه ما تتعلق مبعامل العصر احلاضر اليت‬
‫تتعلق ابلفقه‪.‬‬

‫مث مما تظهر ىف العصر احلاضر دعوى التجديد لعلم الفقه اإلسالمي و إعادة النظر فيه و بناء الفقه‬
‫من جديد و تنقية املذاهب‪ ،‬و ظهر التعصب ضد املذاهب الفقهية املعتربة‪ ،‬و سبقت اإلشارة إىل‬
‫ذلك‪.‬‬

‫هناك أيضا دعوة التجديد ىف علم أصول الفقه‪ ،‬و املقصود من التجديد هنا ليس إبداعا ىف التأليف‬
‫كتقريب أساليب املتقدمني أو تسهيلها أو التشجري‪ ،‬لكن املقصود منه دعوة إىل جتديد مضامن هذا‬
‫العلم و أن قواعد الفهم للشريعة اليت سار عليها السلف البد من إعادة النظر فيها ىف عصران‬
‫احلاضر‪ .‬اإلمام الشافعي رمحه هللا تعاىل ملا ألف كتابه الرسالة و هو أول من صنف ىف أصول الفقه‪،‬‬
‫ذكر بعض الباحثني أن املستشرقني حاولوا أن خيفوا كتاب الرسالة و تتبعوا خمطوطاته‪ ،‬و ال أدري عن‬
‫صحة هذا‪ ،‬لكن املقصود أهنم ال يريدون أن يقوم هذا العلم‪ ،‬ألن علم أصول الفقه الذي هو طريقة‬
‫فهم السلف هو سور الشريعة‪ ،‬لذلك قال بعضهم‪:‬إن الكتاب و السنة حصن سوره اإلمجاع و بواابته‬
‫أصول الفقه‪ ،‬ألنه ال مبكن فهم الشريعة إال على ما فهمه الصحابة الذين عاينوا التنزيل و مسعوا عن‬
‫النيب صلى هللا عليه و سلم مباشرة و مشافهة‪ ،‬فاإلمام الشافعي ملا صنف ىف أصول الفقه إمنا أراد‬
‫بذلك أن يدون القواعد اليت سار عليها الصحابة و التابعون ىف فهم الشريعة‪ .‬هذه القواعد غري قابلة‬
‫للتجديد‪ ،‬مبعىن هل ميكن أن نقول ملاذا كان العرب األوائل جيعلون الفاعل مرفوعا لكن املناسب ىف‬
‫العصر احلاضر أن جنعل الفاعل جمرورا أو منصواب‪ ،‬هذا أمر ال يقبل التجديد أبدا‪ .‬كذلك قواعد فهم‬
‫الشريعة ال تقبل التجديد‪ .‬الصحابة و السلف كانوا يفهمون من األمر الوجوب لكننا اليوم الناس‬
‫ضعفت مهمهم و تكاسلوا فنحتاج أن نعيد النظر ىف قضية األمر للوجوب فنجعل األمر لالستحباب‪،‬‬
‫و من مث تتغري األحكام الفروعية إذا تغريت األصول ألن بينهما ارتباط‪ .‬فمثل هذه الدعوة أي دعوة‬
‫التجديد ىف أصول الفقه دعوة مرفوضة متام الرفض و ال شك أهنا هدم للشريعة‪ .‬و الذين على هذه‬
‫الدعوة هم ليسوا على رتبة واحدة‪ .‬أما التجديد ىف طريقة العرض و التصنيف فهو جتديد حممود كمن‬
‫مجع من العلماء طريقة املتكلمني و طريقة الفقهاء‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫هناك عدة أمناط من دعوات اليت تتعلق ابلتجديد ىف أصول الفقه‪ ،‬منهم من مسى أنفسهم‬
‫ابلعقالنيني‪ ،‬منهم من مسى أنفسهم ابلتنويرين‪ ،‬و كذلك اللرباليني و غري ذلك من األمساء‪.‬‬

‫و من الدعوات اليت حصل منها شيء من اإلشكال ىف قضية أصول الفقه و التجديد فيه هو الدعوة‬
‫اليت جعل علم املقاصد حاكما لالجتهاد و االستنباط‪ ،‬و الدعوة إىل أنه ليس هناك حاجة كبرية إىل‬
‫علم أصول الفقه و أن علم املقاصد يغين عن علم أصول الفقه‪.‬‬

‫هناك من دعوته أخف من ذلك و ال يدعي أن علم املقاصد يغين عن علم أصول الفقه ابلكلية و‬
‫لكنه رمبا يضخم فيه‪ .‬و من األشياء اليت استدل هبا على ذلك أهنم ‪-‬أعين أصحاب املدرسة‬
‫املقاصدية املعاصرة‪ -‬حاولوا أن يستثمروا كتاابت اإلمام الشاطيب رمحه هللا‪ .‬تعلمون أن الشاطيب رمحه‬
‫هللا هو من أوائل من أبرز علم مقاصد الشريعة‪ ،‬و أريد أن أنبه هنا على أنه على ممر ثالثة عشر قران‬
‫ال يعرف علم مستقل امسه علم مقاصد الشريعة‪ ،‬فال جتد ىف ترمجة أحد العلماء كان فقيها أصوليا‬
‫مقاصداي‪ .‬فجعل علم املقاصد علما مستقال هذا أمر حدث ىف األزمنة املتأخرة‪ .‬قد يقول قائل‪ :‬ال‬
‫مشاحة ىف االصطالح‪ .‬نقول نعم‪ ،‬فكون املبحث ما يتعلق ابملقاصد يفرد ىف علم مستقل أو كتاب‬
‫مستقل هذا ال إشكال فيه و قد أفرده بعض املتقدمني كالعز بن عبد السالم كتب كتااب يركز ىف‬
‫قضية املصاحل ىف كتابه القواعد الكربى و الصغرى‪ ،‬فأين إشكال؟ تقول‪ ،‬هو عندما يفرد عذا العلم‬
‫يدرس لغري املتخصصني و يدعى أن هذا هو األداء الذي يؤهل إىل االجتهاد‪ ،‬و بعضهم‬ ‫استقالال مث َّ‬
‫يستدل لذلك بكالم اإلمام الشاطيب ىف املوافقات حيث قال‪ :‬إن اإلنسان يشرتط ليكون جمتهدا‬
‫شرطان‪ ،‬الشرط األول العلم ابللغة العربية و الشرط الثاين العلم مبقاصد الشريعة‪.‬‬

‫و مل يقصد رمحه هللا مبقاصد الشريعة ما توجد اليوم أبدا‪ ،‬ألنه حىت ىف الكالم نفسه هذا هو قال‬
‫كمعرفة العموم و اخلصوص و األمر و النهي‪ ،‬و املقصود مبقاصد الشريعة أن اإلنسان إىل معرفة‬
‫احلقائق اللغوية و لسان العرب و حيتاج أن يعرف مقاصد الشرع و لسان الشرع و اصطالحات‬
‫الشرع فال يكفي معرفته ابللغة العربية‪ ،‬فمعرفته أن األمر ‪-‬يعين اإلنسان إذا درس اللغة العربية‪ ،‬هل‬

‫‪53‬‬
‫يتحصل من دراسته للغة العربية معرفة أن مقصد األمر هو الوجود؟‪ ،-‬ال حيصل ذلك مبجرده‪ .‬إذن‬
‫من مقاصد الشرع إرادة الوجوب من صيغة األمر‪ ،‬و من مقاصد الشرع إرادة االستغراق لألفراد من‬
‫صيغة العموم و إرادة التحرمي من صيغة النهي و هكذا‪ .‬فباختصار أن مقاصد الشريعة ىف كالم اإلمام‬
‫الشاطيب هي علم أصول الفقه جبميع أبوابه‪ .‬مث جاء اليوم من أفرد ذلك و أبرز هذا و قال الشاطيب‬
‫يقول يكفي لتحصيل االجتهاد معرفة مقصد الشريعة و يسمونه اجتهاد مقاصدي‪ ،‬و كأن عندان‬
‫االجتهاد الثاين و هو اجتهاد غري مقاصدي كاجتهاد نصي و هو النظر إىل النصوص الشرعية و‬
‫اجتهاد آخر هم يرونه فوق هذا و مسوه اجتهاد مقاصدي‪.‬‬

‫اإلمام الشاطيب ىف كتابه املوافقات يركز ىف املقاصد األخروية اليت ال تتمثل ىف املصاحل الدنيوية‪ ،‬و هلذا‬
‫ملا ذكر مقصد الشرع لوضع الشريعة قال‪ :‬املقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج املكلف عن‬
‫داعية هواه ليكون عبد هلل اختيارا كما أنه عبد هلل اضطرارا‪ ،‬هذا ذكره ىف أول املقاصد‪ ،‬األمر األول‬
‫أن الشاطيب يركز ىف املقاصد األخروية‪ ،‬و األمر الثاين أن الشاطيب يركز جدا على تعظيم فهم السلف‬
‫و اتباع السلف و أن اإلنسان ال جيتهد ىف خارج فهم السلف‪ ،‬و له ىف ذلك عبارات قوية‪ ،‬منها أنه‬
‫قال‪ :‬فكل ما جاء خمالفا ملا عليه السلف الصاحل فهو الضالل بعينه‪ ،‬و هذه العبارة عند أصحاب‬
‫املدرسة املقاصدية الدنيوية هم قالوا أن اإلمام الشاطيب ال ميكن أن يقول مثل هذه العبارة‪ ،‬و‬
‫ابلعكس هم يدعون للتجديد ىف أصول الفقه لنقض فهم السلف و أييت بطريقة الفهم العصرية‪ ،‬و‬
‫بعضهم يعرب عن ذلك حبرية الفهم‪ .‬و كذلك من عبارات اإلمام الشاطيب رمحه هللا‪ :‬فلهذا كله جيب‬
‫على كل انظر ىف الدليل الشرعي مراعاة ما فهم منه األولون و ما كانوا عليه ىف العمل به‪ .‬و ابملناسبة‬
‫قال اإلمام الشاطيب ىف املوافقات‪ :‬و هلذا فال حيل ألحد ينظر ىف كتايب هذا نظر مفيد أو مستفيد إال‬
‫و هو راين من علوم الشريعة أصوهلا و فروعها‪...‬ألنه إن فعل ذلك كان ذلك عليه فتنة ابلعرض و‬
‫إن كان حكمة ابلذات‪ .‬و هلذا مسألة املقاصد و املصاحل هي من أدق مسائل أصول الفقه تتعلق‬
‫مببحث املناسبة ىف القياس و ليست من املسائل اليت تشاع لكل أحد‪.‬‬

‫و من الفروق بني الشاطيب و املقاصديني أن الشاطيب يعظم مقام اجملتهدين و املدارس الفقهية حىت‬
‫إنه قال‪ :‬و ىف اجلملة أن املفيت خمرب عن هللا كالنيب و موقع للشريعة على أفعال املكلفني حبسب نظره‬

‫‪54‬‬
‫كالنيب و انفذ أمره ىف األمة مبنشور اخلالفة كالنيب و لذلك مسوا أويل األمر و قرنت طاعته بطاعة هللا‬
‫و رسوله‪ ،‬و املقصود بذلك أن العلماء ورثة األنبياء فيجب اتباعهم ىف فهم الشريعة‪.‬‬

‫و الشاطيب نفسه كان مالكيا ال خيرج عن مذهب مالك ىف الفتوى‪ ،‬و يقول رمحه هللا تعاىل‪ :‬و أما‬
‫نقل مذاهب األمصار و الفتوى هبا ابلنسبة إلينا فهو أشد ألهنا مذاهب يذكر لنا أطراف ىف مسائل‬
‫اخلالف مل نتفقه فيها‪ .‬و قال‪ :‬و ال رأينا من تفقه فيها و ال عرف أصوهلا و ال دل معانيها و ال‬
‫حصر قواعدها اليت يبىن علينا فنحن و العوام سواء‪ ،‬فكما أنه ال حيل للعامي الذي مل يقرأ كتااب و ال‬
‫مسع فقها أن أيخذ كتاب الفقه و يقريها لنفسه و يفيت مبا حصل منها على علمه‪ ،‬كذلك من مل‬
‫يتفقه ىف مذهب غري مذهب مالك و إن كان إماما ىف مذهب مالك‪ .‬و كذلك يقول‪ :‬و أان ال‬
‫أستحل إن شاء هللا ىف دين هللا و أمانته أن أجد قولني ىف املذهب فأفيت أبحدمها على التخيري‪ ،‬مع‬
‫أين مقلد بل أحترى ما هو املشهور و املعمول به فهو الذي أذكره للمستفيت‪ .‬قال أيضا‪ :‬و قد نقل‬
‫عن اإلمام املازري على إمامته أنه ال يفيت بغري املشهور من مذهب مالك و حمله من العلم ما قد‬
‫علم‪ .‬و قال أيضا‪ :‬و إمنا يبقى النظر ىف املسألة أن من يرتخص ىف ذلك يبين على بعض التأويالت‬
‫اليت هي خالف املعتمد ىف مذهب مالك‪ .‬يقول أيضا‪ :‬و العمل إمنا يكون ىف املسائل اخلالفية على‬
‫ما هو املشهور‪ .‬فإذا كان هذا اإلمام الشاطيب‪ ،‬فكيف ينتسب هؤالء إىل اإلمام الشاطيب‪ ،‬ففرق‬
‫شاسع بني من يدعو إىل املقاصد اليوم الذين يدعون إىل فتح ابب االجتهاد عن طريق النظر ىف‬
‫املقاصد و املصاحل احملضة‪ ،‬شتان بينه و بني طريقة اإلمام الشاطيب‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫[املدارس الفقهية أو االجتاهات الفقهية]‬

‫مث أييت الكالم اآلن عن قضية االجتاهات الفقهية‪ .‬تسمعون كثريا مدرسة أهل الرأي و أهل احلديث‪،‬‬
‫ما الفرق بينهما و مىت نشأت هذه القضية‪ .‬أول األمر أن نعرفه أن مجيع فقهاء اإلسالم بال استثناء‬
‫جعلوا احلديث مصدرا أساسيا من مصادر التشريع و مصادر الفقه‪ ،‬و هذا أمر ال خالف فيه و ال‬
‫جدال عليه‪ .‬و لكن نصيب العلماء رمحهم هللا و حفظهم للسنة متفاوت‪ ،‬فعندان بعضهم قد يكون‬
‫أكثر حفظا للسنة من البعض اآلخر‪.‬‬

‫ىف زمن التابعني كما ذكران سابقا‪ ،‬كانت هناك مدرستان أساسيتان‪ ،‬مدرسة أهل احلجاز سواء مكة‬
‫أو املدينة‪ ،‬و مدرسة أهل العراق اليت تتمثل ىف الكوفة بشكل أساسي‪ .‬مدرسة أهل احلجاز كان‬
‫هناك عدد الصحابة أوفر بال شك‪ ،‬فإن الصحابة الذين كانوا ىف املدينة أكثر من عدد الصحابة‬
‫الذين انتقلوا إىل الكوفة‪ .‬و األمر الثاين أن األسانيد أصحها الذي عند أهل املدينة‪ ،‬فما كانوا‬
‫حيتاجون كثريا إى اللجوء إىل القياس لوفرة احلديث عندهم و وفرة الصحابة بينهم و األحاديث‬
‫وصلتهم أبسانيد صحيحية و عالية‪ .‬لخالف ما كانت عليه املدسة الكوفية‪ ،‬فقد كانت األحاديث‬
‫فيها أقل‪ ،‬و ال شك أن هناك علماء و حمدثون و ال نزاع فيه‪ ،‬لكن إذا قارنت بينهما‪ ،‬وجدت أن‬
‫احلديث أقل منه ابلنسبة عند أهل املدينة‪ .‬هذا ما جيعل الرأي كثريا ىف مدرسة أهل الكوفة من مدرسة‬
‫احلجاز‪ ،‬و السبب أن أهل احلجاز إذا جاءت مسألة و فيها حديث و هم يعملون به‪ ،‬أما أهل‬
‫الكوفة ما وصلهم احلديث إال إبسناد ضعيف ‪-‬و ال تتصور املسألة كما احلال اليوم‪ ،‬فإن الكتب‬
‫مدونة و مطبوعة و متداولة‪ ،‬فإن األحاديث وقتئذ تنقل ابلتلقي و السماع‪ ،-‬فاحتاجوا حينئذ إىل‬
‫إعمال القياس بشكل أكرب مما عليه أهل املدينة‪ ،‬مث صارت تصل األخبار إىل املدرسة املدنية أن أهل‬
‫الكوفة ىف مسألة كذا حكم بكذا‪ ،‬مث قالت املدرسة املدنية أن ذلك خالف احلديث النبوي‪ .‬فعلماء‬
‫الكوفة ليس كون احلديث ما وصل إليهم‪ ،‬لكن احلديث وصل إال أنه بسند ضعيف‪ ،‬هلذا السبب‬
‫بدأت تظهر معامل التمايز بني املدرستني‪ ،‬و صارت بينهما منافسة حىت أهل احلجاز ع ّدوا مدرستهم‬
‫هي املدرسة األساسية للفقه اإلسالمي و أهنم أقرب إىل احلديث النبوي‪ ،‬و بدأت الردود‪ ،‬إىل أن‬

‫‪56‬‬
‫التقى اإلمام مالك مبحمد بن احلسن الشيباين و كذلك أبو يوسف و اإلمام الشافعي‪ ،‬فزالت‬
‫اإلشكاالت بني املدرستني‪.‬‬

‫كذلك ظهرت مدرسة اثلثة عندما دخل الفكر املعتزيل ىف املسلمني و عندما ترمجت الكتب اليواننية‬
‫مث قرأها بعض املسلمني و أتثروا هبا فظهرت تلك املدرسة و ليست من املذاهب الفقهية املعتربة بل‬
‫هي على طريقة املعتزلة‪ .‬هم يردون على أهل احلديث و يرون تقدمي العقل على النص الشرعي و‬
‫احلديث‪ ،‬لكن املعتزلة ليس هلم فقه منقول‪ .‬هلم تنظريات ىف أصول الفقه و رد عليهم العلماء‪ ،‬فلماذا‬
‫تذكر املعتزلة ىف أصول الفقه؟ ألهنا كانت شائعة ىف ذلك الزمن ىف أصول الفقه فاحتاج العلماء أن‬
‫يذكروا أقواهلم و يردون عليها‪ .‬هناك قول بعض العلماء أنه البد على التحقيق الذي ال شك فيه‪ ،‬ما‬
‫من إمام إال و قد قال ابلرأي‪ ،‬و ليس معىن هذا أن علماء أهل احلديث ال يقولون ابلرأي‪ ،‬و ما من‬
‫إمام منهم إال و يتبعون احلديث‪ ،‬إال أن اخلالف و إن كان ظاهره ىف املبدأ لكنه ىف التحقيق إمنا هو‬
‫ىف بعض اجلزئيات‪ ،‬يثبت األثر عند احلجازيني دون العراقيني فيأخذون به األولون و يرتكون اآلخرون‬
‫لعدم اطالعهم عليه أو وجود قادح عندهم‪ .‬فمن األشياء اليت موجودة عند الكوفة من أهل الرأي‬
‫أهنم كانوا ال يقبلون حديث اآلحاد الذي جاءهم من طريق شخص واحد و لكنه خمالف للقياس ‪-‬و‬
‫القياس قد يكون على النص القرآين‪ -‬فكأن عندهم احلديث الذي جاء من طريق واحد خمالف‬
‫للنص القرآين فال يقبولونه‪ ،‬و ذلك ىف بعض املواضع‪ .‬كذلك قد يتوقفون و يشددون احلديث ىف خرب‬
‫الواحد الذي تعم به البلوى و يشتهر‪ ،‬قالوا كيف كانت املسألة مشهورة لكنه ينقل من طريق شخص‬
‫واحد؟ فيتوقفون كثريا من ذلك‪ .‬أما أهل احلديث فقد يقبلون احلديث إذا صح دون نظر آخر‪.‬‬
‫فيمكن أن نلخص فنقول أن أهل احلديث يتميزون بقوة عنايتهم ابحلديث و اآلاثر و أتيت عنايتهم‬
‫ابلقياس ىف الدرجة الثانية و هم متيزوا بتقدمي احلديث على القياس مطلقا سواء كان احلديث آحادا أو‬
‫مستفيضا و سواء أ كانت املسألة مما تعم به البلوى أو غري ذلك‪ .‬أما أهل الرأي فكانت هلم عناية‬
‫للحديث أقل من أهل احلديث و عنايتهم ابلقياس قوية‪ ،‬مث تقدمي القياس على خري الواحد ىف بعض‬
‫األحوال و ليس على اإلطالق و هم يقبلون خرب الواحد‪ ،‬و ال توجد مدرسة من املدارس الفقهية إال‬
‫و قد قبلت خرب الواحد لكنهم خيتلفون ىف شروط القبول‪ .‬و كان أكثر علماء العامل تبعا لعلماء أهل‬
‫احلديث‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫و اآلن الكالم ىف املدرسة الظاهرية‪ .‬ظهرت هذه املدرسة عقب زمن األئمة األربعة‪ .‬األئمة األربعة و‬
‫من قبلهم من التابعني و الصحابة كانوا يقولون ابلقياس‪ .‬من تالميذ اإلمام الشافعي رمحه هللا داود بن‬
‫علي الظاهري‪ ،‬و داود هذا ظهر له القول إبنكار القياس اخلفي و قال ال نقبل إال القياس اجللي ‪-‬و‬
‫هو مثل ما ىف قوله تعاىل ((و ال تقل هلما أف))‪ .-‬مث املذهب الظاهري أي أتباع داود بن علي كما‬
‫سبقت اإلشارة إىل ذلك نستطيع أن نعد مذهبه من املذاهب املندرسة و ليس من املدرسة الباقية إىل‬
‫اآلن‪ ،‬يدل ذلك أنه ال جند كتااب مؤلفا على املذهب الظاهري‪ ،‬مع أن منهج تفكريه موجود ىف كتب‬
‫ابن حزم‪ ،‬لكن ابن حزم مل يهدف أصالة إىل تدوين مذهب و آراء داود بن علي‪ ،‬و إمنا اجتهد‬
‫اجتهادا مستقال وفق أصول أهل الظاهر اليت تشرتك ىف اجلملة مع أصول داود ابعتبارهم أتباعا له ىف‬
‫اجلملة‪ ،‬لكن أيضا هناك خالف حىت ىف األصول‪ ،‬يعين مثال ىف حجية القياس اجللي‪ .‬ذكر غري واحد‬
‫من أهل العلم أن داود قال حبجية القياس اجللي‪ ،‬لكن ابن حزم أنكر القياس مجلة‪ .‬فمذهب داود بن‬
‫علي ليس من املذاهب الباقية إىل اآلن‪ .‬أيضا ىف مسألة املفهوم‪ ،‬قد نسب غري وحد من العلماء أن‬
‫داود قال حبجية مفهوم اللقب‪ ،‬بل نسب بعضهم حبجية مفهوم اللقب و هو من أضعف املفاهيم‪ ،‬و‬
‫أما ابن حزم فإنه ينكر املفاهيم مجلة‪.‬‬

‫الظاهرية قصروا العناية بظاهر النص و رفضوا اال حتجاج ابلقياس‪ ،‬و أيضا من الفروق الواضحة بني‬
‫مدرسة أهل احلديث و الظاهرية‪ ،‬مسألة آاثر الصحابة‪ ،‬كان أهل احلديث حيتجون آباثر الصحابة و‬
‫ينزلوهنا منزلة عالية رافعة تكاد تكون بعد احلديث النبوي‪ ،‬هلذا نسب بعض العلماء إىل األئمة األربعة‬
‫االحتجاج بقول الصحايب‪ ،‬لخالف الظاهرية ‪-‬و ىف التدقيق‪ -‬أن ابن حزم ال حيتج آباثر الصحابة‪ ،‬و‬
‫هلذا يرى مجهرة من العلماء أن املذهب الظاهري مذهب غري معترب‪ ،‬و بعضهم يرى أهنم ال يعتد ىف‬
‫اخلالف‪ ،‬حىت قال بعضهم‪ :‬إن مذهب الظاهرية بدعة ظهرت بعد املائتني‪ ،‬و قال إمام احلرمني‪ :‬إن‬
‫احملققني ال يقيمون للظاهرية وزان و خالفهم ال يعترب‪ ،‬و ال يعين أهنم ليسوا من العلماء‪ ،‬أ ّان إذا تكلمنا‬
‫عن شخص داود و ابن حزم‪ ،‬ال شك أهنم من العلماء‪ ،‬و لكن منهجيتهم الفقهية منهجية غري‬
‫مقبولة عند مجاهري أهل العلم مبا يتعلق من رفض القياس و عدم االحتجاج به‪ .‬و هم إذا مل جيدوا ىف‬
‫املسألة نصا منطوقا‪ ،‬انتقلوا مباشرة إىل االستصحاب و هو أن األصل ىف األشياء اإلابحة‪ ،‬و عندما‬

‫‪58‬‬
‫قلنا أن مذهب الظاهرية بدعة‪ ،‬فليس هذا تصنيف طائفة ابعتبار الفرق و املذاهب العقدية‪ ،‬و ليس‬
‫معناه أيضا أنه من الفرق الضالة و من الثالثة و السبعني فرقة و مبتدعة و ما إىل ذلك‪ .‬و إمنا‬
‫التصنيف هنا ابلنظر إىل املنهج الفقهي ال إىل النحلة و االعتقاد‪ ،‬فيميز بني هذا و هذا‪ ،‬لذلك حىت‬
‫بعض األقوال الفقهية قد حيكم العلماء عليها أبنه بدعة مع أنه اجتهاد‪ ،‬فليس ذلك تشنيع كما‬
‫يكون ىف االعتقاد‪ ،‬فيتنبه لذلك‪.‬‬

‫هناك أيضا مدرسة و االجتاه الفقهي ظهر و هو وريث ملا ذكرانه و هو مذهب املعتزلة‪ ،‬فالتفكري هو‬
‫املدرسة العقلية و هي وريث غري شرعي ملدرسة املعتزلة‪ .‬و املدرسة العقلية هي اليت هتمل األحاديث‬
‫خاصة أحاديث اآلحاد و تقلل من مكانتها و ثبوهتا‪ ،‬و بعضهم رمبا غال ىف هذه القضية و قال‬
‫بتارخيية النص‪ ،‬و هذه مسألة خطرية جدا‪ ،‬فتجده يقول هذه األحاديث تراعي حال الصحابة‪ ،‬و ال‬
‫ميكن أن نعمل هذه األحاديث اليت خاطب هبا النيب صلى هللا عليه و سلم الصحابة و هم ىف‬
‫الصحراء و هكذا‪ ،‬و ال ميكن أن نطبقها ىف هذا القرن الواحد و العشرين‪ ،‬فهذا أمر غاية ىف اخلطورة‬
‫و ال شك أنه هدم للشريعة‪.‬‬

‫من اإلشكاالت املوجودة ىف املدرسة العقلية هي العناية ابلنظر املصلحي و تقدمي العقل على النص‪،‬‬
‫و كذلك تقدمي املصلحة على النص‪ ،‬و بعضهم وجد ىف كالم بعض العلماء شيئا يشعر أبمهية‬
‫املصلحة‪ ،‬فاستخدموه ىف تقدمي املصلحة على النص‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫[أسباب اختالف العلماء و املوقف منه]‬

‫مث ننتقل اآلن إىل مسألة مهمة جدا‪ ،‬و هي أسباب اختالف العلماء‪ .‬أوال البد أن نعرف أن بداية‬
‫اخلالف الفقهي ظهر ىف زمن النبوة‪ ،‬و النيي صلى هللا عليه و سلم موجود ىف زمن الصحابة و هو‬
‫عليه الصالة و السالم بني أظهرهم‪ .‬و هناك قصة معروفة يقول النيب صلى هللا عليه و سلم‪(( :‬ال‬
‫يصلني أحد منكم العصر إال ىف بين قريظة))‪ ،‬اختلف الصحابة اختالفا فقهيا‪ ،‬مع أن احلديث بلغ‬
‫اجلميع‪ ،‬و اجلميع يدين ابلطاعة و االمتثال بكالم النيب صلى هللا عليه و سلم‪ ،‬فاختلفوا فيه‪ ،‬مع أهنم‬
‫اتفقوا على ثبوت احلديث عن نطق رسول هللا صلى هللا عليه و سلم‪ ،‬لكنهم اختلفوا ىف فهم هذا‬
‫احلديث‪ ،‬فطائفة قالوا أن النيب صلى هللا عليه و سلم أراد بذلك االستعجال‪ ،‬يعين استعجل و ال‬
‫تتأخر‪ ،‬فمنهم من فهم أن نصلي ىف بين قريظة و لو أتخران‪ ،‬و منهم من قال نصلي و نستعجل ىف‬
‫السري‪ ،‬فلما رجعوا إىل النيي صلى هللا عليه و سلم‪ ،‬مل ينكر و مل يعنف أاي من الطائفتني‪ ،‬نعم‬
‫املصيب واحد لكن املخطئ يعذر الجتهاده‪ ،‬و اإلنسان اجملتهد إذا كان أهال له فهو بني األجر و‬
‫األجرين‪.‬‬

‫فما أسباب اختالف العلماء؟ نقول أهنا ترجع إىل أمرين‪ ،‬هناك أسباب ترجع إىل ثبوت الدليل‪ ،‬و‬
‫هناك أسباب ترجع إىل اخلالف ىف الداللة و فهم الدليل‪.‬‬

‫أما ابلنسبة ما يرجع إىل ثبوت الدليل‪ ،‬فأول أسباب االختالف ىف هذا األمر هو عدم بلوغ الدليل‪،‬‬
‫جتد احلديث بلغ عاملا من العلماء‪ ،‬مثل ما قلنا مثال ىف املدينة و ىف الكوفة‪ ،‬و الكالم متقدم طبعا ىف‬
‫صدر اإلسالم‪ ،‬الذي ذهب إىل الكوفة كابن مسعود‪ ،‬و هو ال نستطيع أن نقول أنه يسمع كل‬
‫األحاديث من النيب صلى هللا عليه و سلم‪ ،‬فهناك أحاديث بلغتهم و أحاديث مل تبلغهم‪ ،‬فعملوا على‬
‫خالف احلديث و أفتوا لخالف احلديث‪ ،‬و هم ىف ذلك معذور بل مأجور‪ .‬من أمثلة هذا و هذا‬
‫موجود حىت ىف زمن الصحابة‪ ،‬فإن أاب بكر الصديق رضي هللا عنه سئل عن مرياث اجلدة‪ ،‬قال‪ :‬ما‬
‫لك ىف كتاب هللا من شيء و ما علمت لك ىف سنة رسول هللا صلى هللا عليه و سلم شيئا و لكن‬
‫أسأل الناس‪ ،‬فسأهلم فأخربوه أبن اجلدة قضى هلا رسول هللا صلى هللا عليه و سلم ابلسدس‪ ،‬فرجع‬

‫‪60‬‬
‫إىل هذا احلديث‪ .‬كذلك املتعة‪ ،‬النيب صلى هللا عليه و سلم رخص ىف زواج املتعة مث هنى عن ذلك‪،‬‬
‫بعض الصحابة مل يبلغهم النهي و بلغهم الرتخيص‪ ،‬فأفىت جبواز املتعة‪ ،‬فلما بلغه النهي رجع عن قوله‪.‬‬
‫فكون اإلنسان مل يبلغه الدليل من األدلة ألنه ال يوجد من العلماء أحاط أبحاديث النيب صلى هللا‬
‫عليه و سلم كلها‪ .‬لكن يتنبه طالب العلم إىل متييز بعض املسائل‪ ،‬كما كان اإلمام مالك‪ ،‬فإنه جاءه‬
‫رجل سأله‪ :‬هل علمت حديث الييعان ابخليار ما مل يتفرقا؟ فقال نعم‪ ،‬و قال له رجل‪ :‬ملا رويت‬
‫احلديث ىف احلديث ىف املوطأ و مل تعمل به؟ فقال له‪ :‬ليعلم اجلاهل مثلك أين على علم تركته‪،‬‬
‫فالقضية ليست أنه يعرض عن احلديث لكنه أتول احلديث‪.‬‬

‫كذلك من األسباب اليت ترجع إىل ثبوت الدليل‪ ،‬أن احلديث بلغ عاملا و وصله‪ ،‬لكنه ال يثثبِته‪ ،‬و‬
‫خيالف العامل اآلخر فيصحح احلديث فيختلفان‪ .‬من أمثلة ذلك مسألة طهارة جلود امليتة ابلدابغ‪،‬‬
‫اإلمام أمحد يرى أن جلود امليتة ال يطهر ابلدابغ و هو رواية مشهورة و معتمدة ىف املذهب احلنبلي‪،‬‬
‫مع أن حديث ((أميا إهاب دبغ فقد طهر)) بلغه‪ ،‬لكنه قال أن احلديث معلول فقال أن جلود امليتة‬
‫ال يطهر‪ .‬و اإلمام الشافعي قال‪ :‬إذا صح احلديث فهو مذهيب‪ ،‬و قد قال لإلمام أمحد‪ :‬إذا صح‬
‫احلديث عندكم فأخربوان لنأخذ به‪ ،‬هلذا بعض علماء الشافعية أتوا إىل املسائل توقف فيها الشافعي و‬
‫علق القول فيها على صحة احلديث‪ ،‬فنسب القول فيها إىل الشافعي مع أنه مل ينطق به‪ ،‬قالوا ألن‬
‫الشافعي قال‪ :‬إذا صح احلديث فهو مذهيب‪ ،‬لكن شرطه كما قال اإلمام النووي أنه يغلب على ظنه‬
‫أن الشافعي مل يبلغ على ذلك احلديث أو مل يعلم صحته‪ ،‬و هذا ال يكون إال مبطالعة كتب الشافعي‬
‫كلها و حنوها كتب أصحابه اآلخذين عنه‪ ،‬و هذا شرط صعب قل من ينصف به‪ ،‬و إمنا اشرتطوا‬
‫كما ذكران ألن الشافعي ترك العمل بظاهر أحاديث كثرية رآها و علمها‪ ،‬لكن قام الدليل عنده على‬
‫طعن ىف صحتها أو نسخها أو ختصيصها أو أتويلها أو حنو ذلك‪.‬‬

‫و النوع الثالث من هذه األسباب هو أن ال يكون الدليل املستدل ىف مسألة حجة عند هذا العامل‪،‬‬
‫مثال ذلك العلماء رمحهم هللا تعاىل اختلفوا ىف وجوب تتابع الصيام ىف كفارة اليمني‪ ،‬يعين من حنث‬
‫ىف ميينه‪ ،‬قال هللا تعاىل ((ال يؤاخذكم هللا ابللغو ىف أميانكم و لكن يؤاخذكم مبا عقدمت األميان فكفارته‬
‫إطعام عشرة مساكني من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوهتم أو حترير رقبة فمن مل جيد فصيام‬

‫‪61‬‬
‫ثالثة أايم))‪ ،‬ىف قراءة ابن مسعود‪ :‬فصيام ثالثة أايم متتابعات‪ ،‬فاإلمام أمحد مذهبه وجوب التتابع ىف‬
‫صيام هذه ثالثة أايم‪ ،‬و اإلمام مالك مذهبه عدم وجوب التتابع‪ ،‬ما السبب ىف اخلالف؟ السبب هو‬
‫جنس هذا الدليل‪ ،‬و هو القراءة غري املتواترة حجة ىف مذهب أمحد و ليست حجة ىف مذهب غريه‪.‬‬
‫كذلك االحتجاج بعمل أهل املدينة‪ ،‬فإن اإلمام مالك يرى عمل أهل املدينة حجة‪ ،‬و غريه ال يرى‬
‫ذلك‪ .‬لذلك جتد بعض املسائل اليت اختلف فيها بناء على حجية عمل أهل املدينة‪ ،‬مثل عدم القراءة‬
‫خلف اإلمام‪ ،‬فإن اإلمام مالك مذهبه عدم وجوب القراءة خلف اإلمام ىف الصالة اجلهرية حبجة‬
‫عمل أهل املدينة‪.‬‬

‫من أسباب االختالف ما يرجع إىل اخلالف ىف داللة الدليل و فهم الدليل‪ .‬فاحلديث يكون صحيحا‬
‫عند اجلميع‪ ،‬مثل القصة اليت ذكران ىف الصحابة ملا قال هلم النيب صلى هللا عليه و سلم ((ال يصلني‬
‫أحد منكم العصر إال ىف بين قريظة))‪ ،‬و يرجع ذلك إىل ثالثة أنواع‪،‬‬

‫منها ما يعرض للدليل من عوارض األدلة‪ ،‬من جهة التعميم و التخصيص‪ ،‬هل احلديث عام أو‬
‫خاص‪ ،‬فتجد بعض العلماء يرى عموم األلفاظ و بعضهم ال يرى عموم تلك األلفاظ‪ ،‬و من أمثلة‬
‫ذلك اختالف العلماء ىف عموم املفهوم‪ ،‬هل املفهوم له عموم أم ال‪ ،‬و هلذا ذهب احلنابلة و غريهم‬
‫ىف قول عليه الصالة و السالم ((إذا بلغ املاء قلتني مل حيمل اخلبث))‪ ،‬قالوا مفهم املخالفة من هذا‬
‫احلديث أن كل ماء مل يبلغ القلتني فإنه يتنجس مبجرد وقوع النجاسة فيه‪ ،‬فهم جعلوا مفهوم املخالفة‬
‫عاما ىف مجيع الصور‪ ،‬و بعض العلماء يقول ال‪ ،‬أي مفهوم املخالفة ال يعم ىف مجيع الصور املسكوت‬
‫عنها‪ ،‬فيكون مفهوم املخالفة للحديث يعين إذا مل يبلغ قلتني فقد حيمل اخلبث ىف بعض الصور كما‬
‫قرره شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬و السبب ىف ذلك أهنم اختلفوا ىف فهم الداللة‪ ،‬هل مفهوم املخالفة‬
‫يعم أو ال يعم‪ .‬و من أمثلة ذلك أيضا عدم حجية املفهوم ىف ختصيص العموم‪ ،‬و املسألة كما ذكران‬
‫قبل قليل‪ ،‬حديث ((إن املاء طهور ال ينجسه شيء))‪ ،‬هل خيص عمومه ابملفهوم أم نقول أن‬
‫منطوقه مقدم على املفهوم؟ قوالن ىف أصول الفقه‪ ،‬و هذان القوالن أداي إىل قولني ىف فروع الفقه‪،‬‬
‫فاختلفوا ىف القاعدة و بناء على ذلك اختلفوا ىف التفريع‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫و كذلك قد يكون اخلالف ىف داللة األلفاظ‪ ،‬كحجية ىف املفهوم أصال‪ ،‬عند احلنفية مفهوم املخالفة‬
‫ال حيتج به‪ ،‬لذلك ذهب بعض الفقهاء إىل أن حديث ىف الغنم ىف سائمتها‪ ،‬ال يدل على أن ال زكاة‬
‫ىف معلوفها‪ ،‬و أيخذ حبديث ىف أربعني شاة شاة ىف إجياب زكاة الشياة ىف سائمتها و غريها‪ .‬كذلك‬
‫قصة بين القريظة اليت سبقت اإلشارة إليها‪.‬‬

‫و قد يكون اخلالف ىف حتقيق املناط‪ ،‬يعين اتفق العلماء ىف صحة احلديث و يبلغ احلديث اجلميع و‬
‫طريقة فهمه متفقا عند اجلميع‪ ،‬فيأيت اخلالف ىف انطباق هذا احلديث بعد فهم معناه على هذه‬
‫الصورة أو عدم انطباقه عليها‪ ،‬من أمثلة ذلك أن العلماء اتفقوا على أن الورق النقدي مال ربوي‬
‫جيري فيه الراب‪ ،‬و متفقون قبل ذلك على أن الراب حمرم‪ ،‬مث اختلف بعد ذلك العلماء املعاصرون ىف‬
‫تطبيق قواعد الراب عليها‪ ،‬و هي مسألة سحب اإلنسان من صراف البنك غري البنك الذي فيه‬
‫حسابه‪ ،‬فاألكثرون قالوا جبوازه و منهم من قال بعدم جوازه ألنه يفضي إىل الراب‪ .‬كذلك اتفق العلماء‬
‫على أن السعي بني الصفا و املروة‪ ،‬و ما حدود الصفا و ما حدود املروة لننزهلا على األرض الواقع‪،‬‬
‫فحصل االختالف ىف حدود الصفا و كذا املروة‪.‬‬
‫فهذا ما يتعلق أبسباب اختالف العلماء‪.‬‬

‫فما موقف اإلنسان من اختالف العلماء؟ فهو يتمثل فيما أييت‪،‬‬

‫أوال‪ ،‬أن ال يكون اخلالف بني العلماء سببا للتنازع و النفرة‪ ،‬فيعتدي اإلنسان على اآلخر أو يفسقه‬
‫أو يكفره أو يشنع عليه بسبب هذا اخلالف‪ ،‬فإن وجد فهذا خطأ غري مقبول‪ ،‬و من أمثلته ما يروى‬
‫عن بعضهم أنه ملا قيل له إن مالكا ال يقول لخيار اجمللس‪ ،‬قال "يستتاب مالك و إال قتل"‪ ،‬ال شك‬
‫أن هذا ابطل ىف غاية اخلطأ‪ ،‬فإن اخلالف الفقهي ال جيوز أن يكون سببا للتنازع و النفرة‪.‬‬

‫األمر الثاين‪ ،‬أن يعذر املخالف غريه ىف مسائل االجتهاد‪ ،‬فإن اجملتهد إذا اجتهد ىف مسألة فأصاب‬
‫فله أجران و إذا اجتهد و أخطأ فله أجر واحد‪ ،‬فهو بني أجر و أجرين فيعذر ىف مسائل االجتهاد‪.‬‬
‫و العلماء رمحهم هللا ّفرقوا بني مسائل االجتهاد و املسائل فيها نص‪ .‬إذا كان عندان عامل فاجتهد ىف‬

‫‪63‬‬
‫مسألة ألنه مل يبلغه النص‪ ،‬فبلغه النص بعد ذلك‪ ،‬و نفرتض املسألة ىف اإلمام أيب حنيفة و اإلمام‬
‫حممد بن احلسن الشيباين‪ ،‬احلديث مل يبلغ اإلمام أاب حنيفة مثال‪ ،‬مث بلغ حممد بن احلسن الشيباين‪ ،‬و‬
‫ىف املسألة نص واضح و لكنه مل يبلغه‪ ،‬و حينئذ نقول جيب عليه األخذ هبذ احلديث‪ ،‬و هلذا أهل‬
‫العلم يرتاجعون و يرجعون ىف مسائل الفقه و الفتوى إذا بلغهم النص‪ ،‬و مثل هذه املسائل اليت تتعلق‬
‫ببلوغ النص و عدمه و ىف املسألة نص يقطع النزاع‪ ،‬لكنه مل يبلغ العامل‪ ،‬فيجب على العامل أن يرجع‬
‫ىف حال بلوغ النص له‪.‬‬

‫الثالث من موقف اإلنسان من اختالف العلماء هو عدم جواز تتبع الرخص‪ ،‬و هذه قضية غاية ىف‬
‫الشر كله‪ .‬مثال ذلك أن مذهب‬
‫األمهية‪ ،‬فإن اإلنسان إذا أخذ من كل مذهب برخص جيتمع فيه ّ‬
‫اإلمام أبو حنيفة صحة النكاح بغري ويل (مع وجود اخلالف داخل املذهب)‪ ،‬لكن يشرتط الشهود و‬
‫يشرتط األشياء األخرى‪ ،‬فجاء رجل يريد الزواج بغري ويل‪ ،‬فقيل له أين الشهود‪ ،‬قال إن مذهب‬
‫اإلمام مالك الشهود ليس شرطا ىف النكاح‪ ،‬قيل له نعم مذهب مالك الشهود ليس شرطا لكن الويل‬
‫شرط و و و إخل‪ ،‬فمثل هذا ال جيوز عند أحد من أهل العلم‪ ،‬و الحظوا خطورة تتبع الرخص‪ ،‬فإنه‬
‫قد يفضي إىل الصور من املسائل ال يقول هبا عامل جمتمعة أبدا‪ ،‬بل ال ميكن أن جتتمع أصال عند‬
‫عامل‪ ،‬فتتبع الرخص خطر عظيم على اإلنسان و على دينه إذا فتح ابب تتبع الرخص لنفسه‪ ،‬هلذا قال‬
‫السلف‪ :‬من تتبع الرخص تزندق‪ ،‬و هو فعال كالم حقيقي‪ ،‬و لو ال أن يكون الكالم ىف هذا فتنة‬
‫لذكرت أمثلة مفزعة‪ ،‬هبذا السبب قال بعض أهل العلم أن األفضل لإلنسان أن يتبع مذهبا و‬
‫يتمذهب مبذهب معني حىت مع ضعف الدين و رغبة الدين‪ ،‬حىت ال يفضي إىل تتبع الرخص‪.‬‬

‫طبعا تتبع الرخص يرجع إىل قصد اإلنسان‪ ،‬فهو قد يستفيت ىف املسألة فريخص له فيها من العامل‬
‫الذي استفتاه‪ ،‬فال يكون آمثا أبخذ قول هذا العامل ملن قصده بذلك معرفة حكم شرعي‪ ،‬أما إذا سأل‬
‫العامل فيفتيه ابلعزمية و يرتك قوله و يسأل عن الثاين و الثالث و الرابع حىت جيد من يفتيه ابلرخصة‪،‬‬
‫هذا هو تتبع الرخص‪ ،‬فاملسألة ترجع إىل قصد اإلنسان‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫و مما يتعلق مبسائل اخلالف‪ ،‬أن املصيب فيها واحد‪ ،‬يعين ال نقول كل جمتهد مصيب‪ ،‬لكن اجملتهد‬
‫مأجور‪ ،‬فإما مصيب و إما خمطئ‪ ،‬ألن احلديث قال ((إذا اجتهد احلاكم فأصاب فله أجران و إذا‬
‫اجتهد فأخطأ فله أجر واحد))‪ ،‬و اخلطأ هنا ال يتعلق به ذم و ال إمث‪ ،‬لكن احلق ىف املسألة واحد‪،‬‬
‫يعين ال ميكن أن يكون ىف ذات األمر و ىف دين هللا و عند هللا أن هذه املسألة حالل و حرام‪ ،‬لكن‬
‫هذا قال حالل اجتهادا و هذا قال حرام اجتهادا‪ ،‬كل منهم جمتهد مأجور لكن الصواب مع واحد‬
‫منهم‪ ،‬فال نقول أن احلق نسيب أو أن احلق متعدد‪.‬‬

‫كذلك ما يتعلق ابملوقف من اخلالف‪ ،‬أن اخلالف ال جيوز أن يكون حجة‪ ،‬و هذا من أكرب‬
‫األخطاء‪ .‬بعض الناس يظن أن وجود اخلالف دليل على اجلواز‪ ،‬فهو ال يستقيم على أي أصل من‬
‫أصول االستدالل أن جتعل اخلالف دليال على اإلابحة‪.‬‬

‫ففى اخلتام أود أن أشري إىل مسألة يكثر السؤال عنها‪ ،‬و هو منهجية دراسة الفقه و التفقه‪ ،‬كيف‬
‫أتقن الفقه و كيف أضبطه و كيف أحصله‪ ،‬و السبب ىف كثرة هذا السؤال حتديدا أن علم الفقه علم‬
‫واسع و متشعب‪ .‬فأهم احلواب لذاك السؤال ليس معرفة الكتاب الذي يدرس‪ ،‬و هذا خلل ىف‬
‫التفكري عند بعض طلبة العلم‪ ،‬فهو يظن أنه سيحصل الفقه حبسب الكتاب الذي درسه مع أنه مل‬
‫يدرس أبفضل الطريقة‪ ،‬فاألهم أفضل الطريقة ال أفضل الكتاب‪.‬‬

‫فأول مسألة لضبط الفقه‪ ،‬أن تكون على قناعة به‪ ،‬إذا دخلت الفقه من غري قناعة فلن تضبط الفقه‪.‬‬

‫و املسألة الثانية حفظ املنت الفقهي و هذا أمر أساسي‪ .‬ما هو هذ املنت؟ هو ليس أساسيا بل نقول‬
‫هو أمر هامشي أو تكميلي‪.‬‬

‫األمر الثالث املذاكرة مع األقران‪ ،‬فتحعل جملسا مع األصدقاء اجل ّادين‪ ،‬و أن يكون على االستمرار و‬
‫املواظبة‪ ،‬و اجمللس ليس قراءة الكتاب‪ ،‬لكنه سؤال و جواب‪ ،‬إذا وجد الغلط يصحح‪ ،‬و إذا أشكل‬
‫شيئا فتح الكتاب ليعرف ما غاب عنه‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫و مما يساعد على ضبط الفقه االختبارات‪ ،‬إما ىف بعض أجزاء الكتاب أو ىف الكتاب كامال‪.‬‬

‫و األمر األخري هو التطبيق و التمرين‪ ،‬فالتطبيق يتمثل ىف العمل و األمر الثاين ىف الفتوى التدريب‪،‬‬
‫معىن ذلك أن تكون معك فتوى أهل العلم و أتخذ السؤال و جتاوب عليه مث ترجع ماذا أجابوا‪ ،‬فهل‬
‫وافق جوابك جوابه‪.‬‬

‫مث التدريس‪ ،‬فهو يساعد على ضبط الفقه‪ ،‬لكن التدريس بعد اإلتقان‪ ،‬أما رجل مل يتقن فيدرس‬
‫ففاقد الشيء ال يعطي‪ .‬قال الناظم‪:‬‬

‫تصـدر للتدريس كل مهوس ‪ #‬بليد تسمى ابلفقيه املدرس‬


‫فحق ألهل العلم أن يتمثلوا ‪ #‬ببيت قدمي شاع يف كل جملس‬
‫لقد هزلت حىت بدا من ثهـزاهلا ‪ #‬كالها وحىت سامها كل مفلس‬

‫فهذا ذكر جممل و موجز مما يتعلق ابملدخل إىل علم الفقه‪ ،‬و نسأل هللا سبحانه و تعاىل أن يكون‬
‫هذا املدخل انفعا للمتكلم و للسامع و أن يكون حمفزا لإلنسان للشروع لدراسة علم الفقه‪.‬‬

‫[واحلمد هلل رب العاملني]‬

‫‪66‬‬
‫فهرس الموضوعات‬
‫مقدمة ‪2 ....................................................................................................................‬‬
‫[أهداف املقرر] ‪2 .........................................................................................................‬‬
‫[مفردات املقرر]‪4 .........................................................................................................‬‬
‫[تعريف الفقه لغة و شرعا و اصطالحا] ‪5 .................................................................................‬‬
‫[موضوع علم الفقه] ‪6 .....................................................................................................‬‬
‫[فضل علم الفقه] ‪6 .......................................................................................................‬‬
‫[حكم تعلم علم الفقه] ‪7 ..................................................................................................‬‬
‫[مراحل علم الفقه] ‪8 ......................................................................................................‬‬
‫[مرحلة التشريع] ‪8 ........................................................................................................‬‬
‫[معامل مرحلة التشريع] ‪10 .................................................................................................‬‬
‫[الفقه ىف زمن الصحابة] ‪13 ...............................................................................................‬‬
‫[املدارس الفقهية ىف زمن التابعني] ‪17 .....................................................................................‬‬
‫[املذاهب الفقهية األربعة] ‪18 .............................................................................................‬‬
‫[املذهب احلنفي] ‪22 ......................................................................................................‬‬
‫[املذهب املالكي] ‪26 .....................................................................................................‬‬
‫[املذهب الشافعي] ‪30 ....................................................................................................‬‬
‫[املذهب احلنبلي] ‪33 .....................................................................................................‬‬
‫[التمذهب] ‪40 ...........................................................................................................‬‬
‫[معامل الفقه ىف العصر احلاضر] ‪46 ........................................................................................‬‬
‫[املدارس الفقهية أو االجتاهات الفقهية] ‪56 ...............................................................................‬‬
‫[أسباب اختالف العلماء و املوقف منه] ‪60 ..............................................................................‬‬

‫‪67‬‬
‫مقررات شهادة التأهيل الفقهي (‪)2‬‬

‫مدخل إىل الفقه اإلسالمي‬


‫حتكيم‪/‬‬ ‫إعداد‪/‬‬
‫اجلمعية الفقهية السعودية‬ ‫د‪ .‬عامر بن حممد فداء هبجت‬
‫مقدمة‬
‫مفردات املقرر‪:‬‬
‫‪ .1‬تعريف عام بعلم الفقه‪ ،‬يتضمن‪ :‬معناه لغ ًة‪ ،‬ورشعا‬ ‫احلمد هلل‪ ،‬وصىل اهلل وسلم عىل رسول اهلل‪ ،‬وعىل آله‬
‫واصطالح ًا‪ ،‬وموضوعه‪ ،‬وفضله‪ ،‬وحكم تعلمه‪.‬‬ ‫وصحبه‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫‪ .2‬املراحل التي مر هبا الفقه‪.‬‬ ‫فيحسن بالراغب يف تعلم علم أن يتعرف عىل مبادئ هذا‬
‫العلم وتارخيه ومراحله قبل رشوعه يف دراسة مسائله‬
‫‪ .3‬خصائص مرحلة الترشيع‪ ،‬وأهم معاملها‪.‬‬
‫تفصي ً‬
‫ال‪.‬‬
‫‪ .4‬الفقه يف زمن الصحابة‪ ،‬وأبرز فقهائهم‪.‬‬
‫من أجل ذلك رأى مركز فقهاء أن يكون ضمن مقررات‬
‫‪ .5‬املدارس الفقهية يف زمن التابعني‪.‬‬ ‫(شهادة التأهيل الفقهي) هذا املقرر‪ ،‬أال وهو‪( :‬املدخل إىل‬
‫‪ .6‬التعريف بكل مذهب من املذاهب األربعة‪ ،‬يتضمن‪:‬‬ ‫الفقه)‪.‬‬
‫اسم إمام املذهب ونسبه‪ ،‬تارخيه‪ ،‬عبادته‪ ،‬علمه‪،‬‬ ‫أهداف املقرر‪:‬‬
‫املراحل التي مر هبا املذهب‪ ،‬أبرز فقهاء املذهب يف‬
‫‪ .1‬أن يتعرف الدارس عىل معنى الفقه وفضله وحكم‬
‫كل مرحلة‪.‬‬
‫تعلمه‪.‬‬
‫‪ .7‬املذاهب املندرسة‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يرغب الدارس يف تعلم الفقه‪.‬‬
‫‪ .8‬معامل الفقه يف العرص احلارض‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يدرك الدارس املراحل التارخيية لعلم الفقه‪.‬‬
‫‪ .9‬التمذهب واملوقف منه‪.‬‬
‫‪ .4‬أن يصري الدارس مع ِّظ ًام ألئمة الفقه‪ ،‬معرت ًفا‬
‫‪ .01‬ااملدارس الفقهية (أهل احلديث‪ ،‬أهل الرأي‪ ،‬أهل‬ ‫ال جلهودهم‪.‬‬‫بفضلهم‪ ،‬جم ً‬
‫الظاهر‪ ،‬املدرسة العقلية)‪.‬‬
‫‪ .5‬أن يفهم الدارس الفروق بني املدارس الفقهية‪.‬‬
‫‪ .11‬أسباب اختالف العلامء‪ ،‬واملوقف منه‪.‬‬
‫‪ .6‬أن يعرف الدارس معنى التمذهب وحكمه‪ ،‬ويفرق‬
‫ونسأل اهلل أن ينفع هبذا املقرر وصىل اهلل وسلم عىل نبينا حممد‪.‬‬
‫بني املمنوع منه واجلائز‪.‬‬
‫عامر بن حممد فداء هبجت ‪ -‬رئيس مكتب فقهاء للتدريب واالستشارات‬
‫‪2‬‬ ‫‪foqhaatu@gmail.com‬‬
‫الفهم‬ ‫اللغوي‬

‫العلم بمسائل الدين‬ ‫الرشعي‬ ‫تعريفه‬


‫العلم باألحكام الرشعية الفرعية‬ ‫االصطالحي‬

‫أفعال العباد من حيث تعلق األحكام الرشعية هبا‬ ‫موضوعه‬


‫الفضل العام للعلم‬
‫الرشعي‬
‫قال ابن اجلوزي‪( :‬أعظم دليل‬ ‫فضله‬ ‫الفقه‬
‫عىل فضيلة اليشء النظر إىل‬ ‫الفضل اخلاص بعلم‬
‫ثمرته‪ ،‬ومن تأمل ثمرة الفقه‪،‬‬ ‫الفقه‬ ‫استمداده‬
‫علم أنه أفضل العلوم)‬

‫ضابطه‬
‫ما تعلمه فرض عني‬ ‫حكم‬
‫ضابطه‬
‫ما تعلمه فرض كفاية‬ ‫تعلمه‬ ‫لالستزادة‪ :‬الفقيه واملتفقه‬
‫‪3‬‬ ‫(ص‪)605-570( ،)148-55‬‬
‫تنوعت طرائق الباحثني واملؤلفني يف تاريخ الفقه يف تقسيم املراحل واألدوار التي مر‬
‫هبا الفقه اإلسالمي‪ ،‬فمنهم من قسمها إىل ست مراحل‪ ،‬ومنهم من زاد عىل ذلك‪ ،‬إال‬
‫أين رأيت األنسب يف الرتتيب الذهني‪ ،‬واألكثر حتقيق ًا ملقصود املقرر هو التقسيم‬
‫الرباعي‪ ،‬مع التفريع منه‪:‬‬

‫(إىل ‪11‬هـ)‬ ‫مرحلة الترشيع‬

‫(إىل ‪100‬هـ تقريبا)‬ ‫مرحلة الفقه قبل املذاهب‬ ‫مراحل‬


‫(إىل ‪1300‬هـ تقريبا)‬ ‫مرحلة املذاهب الفقهية‬ ‫الفقه‬
‫(من ‪1300‬هـ تقريبا)‬ ‫العرص احلارض‬
‫‪4‬‬
‫بمجرد بعثة النبي صىل اهلل‬
‫الرتكيز عىل أصول‬
‫عليه وس ّلم بدأ الترشيع‬
‫الدين‬
‫العهد املكي‬ ‫اإلسالمي واستمر إىل وفاته‬
‫قلة الترشيعات‬
‫صىل اهلل عليه وس ّلم‪،‬‬
‫التفصيلية‬ ‫من بعثة النبي‬
‫وتتضح معامل هذه املرحلة‬
‫–صىل اهلل‬

‫التاريخ‬
‫استمرار العناية‬ ‫إىل وفاته‬ ‫عليه وسلم‪-‬‬ ‫من الشكل اآليت‪:‬‬
‫بأصول الدين‬
‫العهد املدين‬
‫ترشيع األحكام‬
‫التفصيلية‬ ‫ابتدائي‬ ‫القرآن‬
‫مصادر‬
‫بسؤال‬
‫الترشيع‬ ‫مرحلة الترشيع‬
‫السنة‬
‫بسبب‬
‫الترشيع خمتص هبذه املرحلة‬
‫قلة جمال االختالف‬
‫يف ترشيع األحكام‬ ‫املعامل‬
‫التدرج الترشيعي‬
‫يف ترشيع حكم واحد‬
‫تدريب الصحابة عىل االجتهاد‬
‫‪5‬‬
‫بعد وفاة النبي صىل اهلل عليه وس ّلم انقطع الترشيع‪ ،‬ومل ينقطع الفقه‪ ،‬فكان الصحابة‬
‫رضوان اهلل عليهم يستنبطون من الكتاب والسنة ويفتون الناس‪ ،‬وبرز يف الصحابة‬
‫عدد من الفقهاء الذين نقل عنهم الفقه والفتوى عىل تفاوت بينهم يف كثرة ذلك‪ ،‬ثم‬
‫ظهر بعد ذلك عدد من فقهاء التابعني الذين تفقهوا عىل الصحابة ريض اهلل عنهم‪،‬‬
‫وشكَّلت طبقة الصحابة والتابعني مرحلة ما قبل املذاهب الفقهية‪:‬‬

‫عرص الصحابة‬
‫مصنف عبدالرزاق‬ ‫مرحلة ما قبل‬
‫عرص التابعني‬
‫مصنف ابن أيب شيبة‬ ‫مسندة‬ ‫املذاهب‬
‫من مصادر فقه هذه‬
‫األوسط البن املنذر‬
‫املرحلة‬
‫كتب الفقه املقارن‬ ‫غري مسندة‬

‫‪6‬‬
‫الذين حفظت عنهم الفتوى من أصحاب رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪ 130 :‬نفسا‬

‫• عمر‪ ،‬عيل‪ ،‬ابن مسعود‪ ،‬عائشة‪،‬‬ ‫‪7‬‬

‫–ريض اهلل عنهم‪-‬‬ ‫زيد‪ ،‬ابن عباس‪ ،‬ابن عمر‬


‫املكثرون‬
‫يمكن أن جيمع من فتوى كل واحد منهم‬
‫سفر ضخم‬

‫• أبو بكر‪ ،‬عثامن‪ ،‬أم سلمة‪ ،‬أنس‪ ،‬أبو سعيد‪ ،‬أبوهريرة‪،‬‬ ‫‪13‬‬
‫عبداهلل بن عمرو‪ ،‬ابن الزبري‪ ،‬أبوموسى‪ ،‬جابر‪ ،‬معاذ‪ ،‬سعد‬ ‫املتوسطون‬
‫ابن أيب وقاص‪ ،‬سلامن –ريض اهلل عنهم‪-‬‬ ‫يمكن أن جيمع من فتيا كل واحد منهم‬
‫جزء صغري جدا‬

‫املقلون‬
‫• منهم‪ :‬أبو الدرداء‪ ،‬احلسن واحلسني‪ ،‬أيب بن كعب‪ ،‬أبو‬
‫أيوب‪ ،‬أسامء‪ ،‬زيد بن أرقم‪ ،‬ثوبان‪ ،‬بريدة‪– ........‬ريض‬
‫اهلل عنهم‪-‬‬ ‫يمكن أن جيمع من فتيا مجيعهم جزء‬
‫صغري فقط بعد التقيص والبحث‬
‫‪7‬‬ ‫ينظر‪ :‬إعالم املوقعني ‪1/10‬‬
‫(الفقه والعلم انترش يف األمة عن أصحاب ابن مسعود‪ ،‬وأصحاب زيد بن‬
‫ثابت‪ ،‬وأصحاب عبد اهلل بن عمر‪ ،‬وأصحاب عبد اهلل بن عباس)‪ .‬ابن القيم‬

‫املدارس الفقهية‬
‫للصحابة‬

‫العراق‬ ‫مكة‬ ‫املدينة‬ ‫املدرسة‬


‫ابن‬ ‫زيد بن‬
‫ابن عباس‬ ‫ابن عمر‬ ‫مؤسسها‬
‫مسعود‬ ‫ثابت‬
‫‪8‬‬
‫الفقه يف عرص التابعني‬

‫الزهري‬ ‫نافع‬ ‫سامل‬ ‫الفقهاء السبعة‬ ‫املدينة‬

‫عكرمة‬ ‫جماهد‬ ‫طاووس‬ ‫عطاء‬ ‫مكة‬

‫قتادة‬ ‫أبو قالبة‬ ‫ابن سريين‬ ‫البرصي‬ ‫احلسن‬ ‫البرصة‬

‫علقمة ثم‬
‫رشيح القايض‬ ‫عبيدة‬ ‫مرسوق‬
‫تلميذه إبراهيم‬
‫الكوفة‬
‫‪9‬‬
‫أبو حنيفة‬
‫‪80‬هـ‬
‫‪150‬هـ‬
‫‪93‬هـ‬
‫‪179‬هـ‬
‫مالك‬ ‫األئمة‬
‫‪150‬هـ‬
‫‪204‬هـ‬
‫الشافعي‬ ‫األربعة‬
‫‪164‬هـ‬
‫‪241‬هـ‬
‫أمحد‬
‫‪10‬‬
‫املدارس الفقهية للصحابة وامتدادها‬

‫العراق‬ ‫مكة‬ ‫املدينة‬

‫ابن مسعود‬ ‫ابن عباس‬ ‫ابن عمر‬ ‫زيد بن ثابت‬

‫علقمة‬ ‫عمرو بن دينار‬ ‫سامل‬ ‫نافع‬

‫إبراهيم‬ ‫سفيان بن عيينة‬ ‫الزهري‬

‫محاد‬ ‫مالك‬

‫حممد بن‬
‫أبوحنيفة‬ ‫الشافعي‬
‫احلسن‬

‫أمحد بن حنبل‬
‫‪11‬‬
‫ما معنى‬
‫االندراس؟‬
‫وما أسبابه؟‬
‫من أئمة املذاهب املندرسة‬
‫سفيان الثوري‬ ‫احلسن البرصي‬

‫الليث بن سعد‬ ‫األوزاعي‬

‫إسحاق بن راهويه‬ ‫سفيان بن عيينة‬

‫ابن جرير الطربي‬ ‫أبو ثور‬


‫‪12‬‬
‫النعامن بن ثابت‪ ،‬اختلف يف نسبه‪ ،‬قيل‪ :‬فاريس‪ ،‬وقيل‪ :‬عريب‪.‬‬ ‫االسم والنسب‬

‫‪80‬هـ – ‪150‬هـ‪ ،‬رأى أنس بن مالك‪.‬‬ ‫التاريخ‬

‫روي من وجهني‪ :‬أن أبا حنيفة قرأ القرآن كله يف ركعة‬

‫قال أبو عاصم النبيل‪ :‬كان أبو حنيفة يسمى الوتد؛ لكثرة صالته‬ ‫العبادة‬ ‫أبو‬
‫والتقوى‬
‫قال رجل أليب حنيفة‪ :‬اتق اهلل‪ .‬فانتفض‪ ،‬واصفر‪ ،‬وأطرق‪ ،‬وقال‪ :‬جزاك اهلل خريا‪،‬‬ ‫حنيفة‬
‫ما أحوج الناس كل وقت إىل من يقول هلم مثل هذا‪.‬‬

‫قيل ملالك‪ :‬هل رأيت أبا حنيفة؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬رأيت رجال لو كلمك يف هذه‬
‫السارية أن جيعلها ذهبا‪ ،‬لقام بحجته‪.‬‬
‫العلم‬
‫قال ابن املبارك‪ :‬أبو حنيفة أفقه الناس‪.‬‬ ‫والذكاء‬

‫وقال الشافعي‪ :‬الناس يف الفقه عيال عىل أيب حنيفة‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫أبو حنيفة‬
‫أبو يوسف‬ ‫دور النشوء‬
‫األصل‬ ‫حممد بن احلسن‬ ‫والتكوين‬
‫زفر بن اهلذيل‬ ‫(إىل ‪204‬هـ)‬
‫احلسن بن زياد‬
‫خمترص الطحاوي‬ ‫الطحاوي‬ ‫تاريخ مذهب‬
‫املبسوط‬ ‫الرسخيس‬
‫بدائع الصنائع‬ ‫الكاساين‬ ‫دور التوسع‬
‫احلنفية‬
‫خمترص الكرخي‬ ‫الكرخي‬ ‫والنمو واالنتشار‬ ‫وأشهر رجاله‬
‫خمترص القدوري‬ ‫القدوري‬ ‫(إىل‪710‬هـ)‬

‫بداية املبتدي‬ ‫املريغناين‬


‫كنز الدقائق‬ ‫النسفي‬
‫البحر الرائق‬ ‫ابن نجيم‬
‫دور االستقرار‬
‫رد املحتار‬ ‫ابن عابدين‬
‫‪14‬‬
‫مالك بن أنس بن مالك بن أيب عامر األصبحي‪ ،‬وقد اختلف يف نسبه بعد ذلك مع‬
‫االسم والنسب‬
‫االتفاق عىل كونه من قحطان‪.‬‬

‫‪93‬هـ– ‪179‬هـ تشهد عند وفاته‪ ،‬ثم قال‪ :‬هلل األمر من قبل ومن بعد‬ ‫التاريخ‬

‫قيل ألخت مالك‪ :‬ما كان شغل مالك يف بيته؟ قالت‪ :‬املصحف‪ ،‬التالوة‪.‬‬

‫قال ابن وهب‪ :‬لو شئت أن أمأل ألواحي من قول مالك‪( :‬ال أدري) لفعلت‪.‬‬ ‫العبادة‬
‫والتقوى‬ ‫مالك‬
‫قال ابن مهدي‪ :‬ما رأيت أحدا أهيب وال أتم عقال من مالك وال أشد تقوى‪.‬‬

‫حديث‪« :‬ليرضبن الناس أكباد اإلبل يف طلب العلم‪ ،‬فالجيدون أعلم من عامل‬
‫املدينة» ابن عيينة‪ :‬هو مالك‪ ..‬ماترك عىل ظهر األرض مثله‪.‬‬
‫تأهل للفتيا وجلس لإلفادة وله (‪)21‬سنة‪ ،‬مع قوله‪ :‬ما أفتيت حتى شهد يل‬ ‫العلم‬

‫سبعون أين أهل لذلك‪.‬‬ ‫والذكاء‬

‫ٌ‬
‫فاملك النجم‪.‬‬ ‫قال الشافعي‪ :‬إذا ُذكر العلامء‬
‫‪15‬‬
‫املوطأ‬ ‫مالك‬
‫ابن القاسم‬
‫دور النشوء إىل‪282‬هـ‬
‫املدونة‬ ‫أسد بن الفرات‬
‫سحنون‬
‫الرسالة‬ ‫ابن أيب زيد‬
‫التلقني‬ ‫القايض عبدالوهاب‬ ‫تاريخ مذهب‬
‫الكايف‬ ‫ابن عبدالرب‬
‫دور التطور إىل‪616‬هـ‬ ‫املالكية وأشهر‬
‫املنتقى‬ ‫الباجي‬
‫املقدمات املمهدات‬ ‫ابن رشد‬
‫املستنبطة‬ ‫القايض عياض‬ ‫رجاله‬
‫جامع األمهات‬ ‫ابن احلاجب‬
‫الذخرية‬ ‫القرايف‬
‫املخترص‬ ‫خليل‬
‫مواهب اجلليل‬ ‫احلطاب‬
‫دور االستقرار‬
‫الرشح الكبري‬ ‫الدردير‬
‫احلاشية‬ ‫الدسوقي‬
‫‪16‬‬
‫حممد بن إدريس الشافعي يلتقي نسبه مع النبي‪‬يف جده عبدمناف‬ ‫االسم والنسب‬

‫‪150‬هـ بغزة – ‪204‬هـ بمرص ورحل إىل مكة واملدينة وبغداد‬ ‫التاريخ‬

‫قال الربيع بن سليامن‪ :‬كان الشافعي خيتم القرآن يف شهر رمضان ستني ختمة‬

‫قال حسني الكرابييس‪ :‬بت مع الشافعي ليلة‪ ،‬فكان يصيل نحو ثلث الليل‪ ،‬فام رأيته يزيد‬ ‫العبادة‬
‫عىل مخسني آية‪ ،‬فإذا أكثر فامئة آية‪..‬‬
‫والتقوى‬ ‫الشافعي‬
‫قال الربيع بن سليامن‪ :‬كان الشافعي قد جزأ الليل‪ :‬فثلثه األول يكتب‪ ،‬والثاين‬
‫يصيل‪ ،‬والثالث ينام‪.‬‬

‫حفظ القرآن يف السابعة‪ ،‬واملوطأ يف العارشة‪ ،‬وأجازه شيخه مسلم بن خالد‬


‫الزنجي باإلفتاء وهو يف اخلامسة عرشة‪.‬‬
‫العلم‬
‫قال ابن عيينة‪ :‬الشافعي أفضل أهل زمانه‪.‬‬ ‫والذكاء‬

‫قال أمحد‪ :‬ما أحد مس حمربة وال قلام إال وللشافعي يف عنقه منة‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫األم‬ ‫الشافعي‬
‫ماذا تعرف‬
‫املخترص‬ ‫البويطي‬ ‫عن املذهب‬
‫دور التأسيس‬ ‫القديم‬
‫الربيع املرادي‬
‫واجلديد؟‬
‫املخترص‬ ‫املزين‬
‫ابن رسيج‬
‫الكبري الشايش‬
‫القفال‬
‫طريقة اخلرسانيني‬ ‫الصغري املروزي‬
‫طريقة العراقيني‬ ‫اإلسفراييني‬ ‫دور النشوء‬ ‫مذهب‬
‫احلاوي‬ ‫املاوردي‬ ‫واالنتشار‬
‫هناية املطلب‬ ‫اجلويني‬ ‫الشافعية‬
‫املهذب‬ ‫الشريازي‬
‫الوسيط‬ ‫الغزايل‬
‫املحرر‬ ‫الرافعي‬
‫دور التحرير‬
‫منهاج الطالبني‬ ‫النووي‬

‫هناية املحتاج‬ ‫الرميل‬ ‫دور التحرير‬


‫حتفة املحتاج‬ ‫ابن حجر اهليتمي‬ ‫الثاين للمذهب‬
‫‪18‬‬
‫أمحد بن حممد بن حنبل الشيباين‬ ‫االسم والنسب‬

‫‪164‬هـ ‪241 -‬هـ‪ ،‬قال ابن اجلوزي‪ :‬طاف أمحد الدنيا مرتني يف مجع املسند‬ ‫التاريخ‬

‫قال عبد اهلل بن أمحد‪ :‬كان أيب يصيل يف كل يوم وليلة ثالث مائة ركعة‪ ،‬فلام مرض من تلك األسواط‪،‬‬
‫أضعفته‪ ،‬فكان يصيل كل يوم وليلة مائة ومخسني ركعة‪.‬‬

‫قال أمحد‪ :‬ما كتبت حديثا إال وقد عملت به‪ ،‬حتى مر يب أن النبي ‪-‬صىل اهلل عليه وسلم‪ -‬احتجم‪ ،‬وأعطى أبا‬ ‫العبادة‬
‫طيبة دينارا‪ ،‬فأعطيت احلجام دينارا حني احتجمت‪.‬‬ ‫والتقوى‬ ‫أمحد‬
‫محد إمام ِيف ثامن خصال إمام ِيف احلديث إمام ِيف الفقه إمام ِيف اللغة إمام‬ ‫الربِيع‪َ :‬ق َال لنا الشافعي َأ م َ‬
‫وقال َّ‬
‫ِيف القرآن إمام ِيف الفقر إمام ِيف الزهد إمام ِيف الورع إمام ِيف السنة‬

‫قال عبد اهلل بن أمحد‪ :‬قال يل أبو زرعة‪ :‬أبوك حيفظ ألف ألف حديث‪ .‬فقيل له‪ :‬وما يدريك؟ قال‪:‬‬
‫ذاكرته‪ ،‬فأخذت عليه األبواب‪.‬‬

‫قال عبد الرزاق‪ :‬ما رأيت أحدا أفقه وال أورع من أمحد بن حنبل‪.‬‬
‫العلم‬
‫قال الشافعي‪ :‬خرجت من بغداد‪ ،‬فام خلفت هبا رجال أفضل‪ ،‬وال أعلم‪ ،‬وال أفقه‪ ،‬وال أتقى من أمحد‬
‫والذكاء‬
‫بن حنبل‪.‬‬

‫قال الشافعي‪ :‬يا أبا عبد اهلل‪ ،‬إذا صح عندكم احلديث‪ ،‬فأخربونا حتى نرجع إليه‪ ،‬أنتم أعلم باألخبار‬
‫الصحاح منا‬
‫‪19‬‬
‫اإلمام أمحد‬ ‫التأسيس‬
‫مل يكتب مذهبه‬ ‫اإلمام أمحد‬ ‫من هم؟‬
‫أصحاب املسائل‬ ‫النقل‬
‫أبوداود‪ ،‬ابناه‪ ،‬الكوسج‪..‬‬ ‫أصحاب املسائل‬
‫اجلامع‬ ‫اخلالل‬ ‫دور التأسيس‬ ‫اخلالل‬ ‫اجلمع‬
‫االختصار اخلرقي‬
‫زاد املسافر‬ ‫غالم اخلالل‬ ‫ابن حامد‬ ‫التقعيد‬
‫إىل ‪403‬هـ‬
‫املخترص‬ ‫اخلرقي‬
‫هتذيب األجوبة‬ ‫احلسن بن حامد‬
‫كتاب الروايتني والوجهني‬ ‫القايض أبويعىل‬
‫املقنع‬ ‫ابن قدامة‬ ‫املذهب‬
‫دور التحرير والتنقيح‬
‫املحرر‬ ‫ابن تيمية‬
‫إىل ‪885‬هـ‬ ‫احلنبيل‬
‫الفروع‬ ‫ابن مفلح‬
‫اإلنصاف‬ ‫املرداوي‬
‫اإلقناع‬ ‫احلجاوي‬
‫املنتهى‬ ‫ابن النجار‬ ‫دور استقرار‬ ‫بعض هذه األسامء‬
‫ُيطلق عىل أكثر من‬
‫غاية املنتهى‬ ‫مرعي الكرمي‬
‫املذهب‬ ‫شخص‪ ،‬ماهي؟‬

‫كشاف القناع‬ ‫البهويت‬


‫‪20‬‬
‫ذم التعصب‪ :‬بمواالة اإلنسان من هم عىل مذهبه‪،‬‬
‫ومعاداة أتباع املذاهب األخرى‬

‫قبول وجود املذاهب الفقهية األربعة‪ ،‬وعدم الدعوة إىل‬


‫إلغائها وترك كتبها‬
‫حمل االتفاق يف‬
‫املتمذهب إذا بلغ رتبة االجتهاد وخالف مذهب إمامه‬
‫مسألة‬
‫لرجحان غريه فقد أحسن‬
‫*‬ ‫التمذهب‬
‫قبول التمذهب بمعنى التخرج عىل مدرسة فقهية‬
‫أصولية مع العناية بالدليل وطلب الراجح‬

‫جواز أخذ املتمذهب بقول إمامه ناسبا له إىل إمامه مع‬


‫* الكالم عىل التمذهب ملخص من‬
‫قناعته برجحانه بعد نظره يف أدلة األقوال‬ ‫رسالة دكتوراه بجامعة اإلمام بعنوان‬
‫‪21‬‬ ‫(التمذهب) للدكتور خالد الرويتع‪.‬‬
‫قال الشيخ حممد األمني الشنقيطي‪( :‬متأخرو‬
‫اجتاه إجياب‬
‫األصوليني من مجيع املذاهب مطبقون كلهم عىل‬
‫وجوبه)‪.‬‬
‫التمذهب‬

‫قال القايض عياض‪( :‬وقع إمجاع املسلمني عىل‬


‫اتباعهم ودرس مذاهبهم)‬

‫قال ابن هبرية واصفا املذاهب األربعة‪( :‬التي‬ ‫اجتاه إباحة‬ ‫املوقف من‬
‫اجتمعت األمة عىل أن كال منها جيوز العمل‬ ‫التمذهب‬
‫به)‪.‬‬ ‫(أكثر العلامء)‬
‫التمذهب‬
‫قال ابن فرحون‪( :‬وقع إمجاع الناس عىل تقليدهم‪..‬‬
‫واتفاق العلامء عىل اتباعهم واالقتداء بمذاهبهم‬
‫ودرس كتبهم والتفقه عىل مآخذهم)‪.‬‬

‫قال ابن حزم‪( :‬فليعلم من أخذ بجميع قول أيب حنيفة أو‬ ‫اجتاه منع‬
‫بجميع قول مالك أو بجميع قول الشافعي أو بجميع قول‬
‫أمحد ممن يتمكن من النظر‪ ...‬أنه قد خالف إمجاع األمة)‪.‬‬ ‫التمذهب‬
‫‪22‬‬
‫طباعة الكتب الفقهية‬
‫منظمة التعاون اإلسالمي‬
‫نشأة املجامع الفقهية‬
‫رابطة العامل اإلسالمي‬

‫املطبوعة‪ :‬املوسوعة الكويتية‬


‫ظهور املوسوعات الفقهية‬
‫اإللكرتونية‪ :‬جامع الفقه‬
‫معامل الفقه يف‬
‫ظهور املجالت الفقهية‬ ‫العرص احلارض‬

‫إنشاء املواقع الفقهية‬

‫ظهور دعوى التجديد يف أصول الفقه‬

‫كثرة النوازل الفقهية‬

‫كثرة الرسائل العلمية يف الفقه‬ ‫الكليات الرشعية‪ ،‬واألقسام الفقهية‬


‫‪23‬‬
‫نبذة عن االجتاهات الفقهية‬
‫وهذا جعل فقههم مبنيا عىل القرآن وأصول‬ ‫ال شك أن احلديث النبوي مصدر أسايس‬
‫األحاديث التي صحت عندهم مع القياس‬ ‫من مصادر الترشيع والفقه عند مجيع فقهاء‬
‫والرأي الذي أكثروا من استعامله حتى عرفوا‬ ‫اإلسالم‪ ،‬ولكن نصيب العلامء من حفظ‬
‫به‪ ،‬وأدى إىل صدور آراء فقهية خمالفة‬ ‫احلديث واالطالع عليه متفاوت‪.‬‬
‫لألحاديث الصحيحة التي مل تشتهر عندهم‪.‬‬ ‫ويف عرص التابعني متيزت مدرسة احلجاز‬
‫وأدى ذلك إىل يشء من التاميز بني فقه‬ ‫بكثرة من فيها من الصحابة‪ ،‬ووفرة احلديث‬
‫املدرستني‪ ،‬وظهرت مدرسة أهل الرأي‬ ‫فيها مع صحة األسانيد وجودهتا؛ مما جعل‬
‫ومدرسة أهل احلديث‪.‬‬ ‫احتياجهم إىل القياس قليال نسبيا ومل يكونوا‬
‫يرفضون القياس إال عند وجود النص‪.‬‬
‫وبعد ذلك ظهرت مدرسة بالغت يف رفض‬
‫القياس وهي مدرسة أهل الظاهر‪.‬‬ ‫وهذه احلال كانت عىل عكس حال مدرسة‬
‫الكوفة أو العراق‪ ،‬فقد كان احلديث فيها أقل‪،‬‬
‫وعندما دخل الفكر املعتزيل عىل املسلمني‬ ‫والصحابة الذين سكنوها أقل‪ ،‬واألسانيد‬
‫يقدم العقل عىل خرب اآلحاد‪،‬‬‫برز اجتاه عقيل ّ‬ ‫كانت عند علامئهم أقل حاال مما عند علامء‬
‫ويتخذ موقفا عدائيا من أهل احلديث‪.‬‬ ‫احلجاز‪ ،‬حيث وصلتهم كثري من األحاديث‬
‫وتظهر معامل كل واحد من هذه املدارس أو‬ ‫بأسانيد ضعيفة فلم يعملوا هبا وقدموا القياس‬
‫االجتاهات من خالل اآليت‪:‬‬ ‫عليها‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫قوة العناية باحلديث واآلثار‪ ،‬وتأيت العناية بالقياس يف الدرجة‬
‫الثانية‪.‬‬
‫أهل احلديث‬
‫تقديم احلديث عىل القياس‪ ،‬سواء كان احلديث آحادا أم مستفيضا‪،‬‬
‫وسواء كانت املسألة مما تعم به البلوى أم ال‪.‬‬

‫العناية باحلديث أقل من أهل احلديث‪ ،‬والعناية بالقياس قوية‪.‬‬


‫أهل الرأي‬
‫تقديم القياس عىل خرب الواحد يف بعض األحوال مثل‪ :‬ما تعم به‬ ‫املدارس‬
‫البلوى‪.‬‬
‫واالجتاهات‬
‫قرص العناية بظاهر النص‪ ،‬ورفض االحتجاج بالقياس وآثار‬
‫الصحابة‪.‬‬ ‫الفقهية‬
‫الظاهرية‬
‫االنتقال إىل االستصحاب فيام ال نص فيه‪.‬‬
‫ليست مدرسة فقهية‬
‫إمهال أحاديث اآلحاد والتقليل من مكانتها وثبوهتا‪.‬‬
‫معتربة‪ ،‬ولكن‬
‫املدرسة‬ ‫ذكرت لوجودها يف‬
‫الواقع‪ ،‬ولبيان‬
‫العناية بالنظر املصلحي‪ ،‬وتقديم العقل واملصلحة عىل النص‪.‬‬ ‫العقلية‬ ‫خمالفتها‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫الظاهرية‪:‬‬ ‫أهل الرأي‪:‬‬
‫من املعلوم أن أهل‬
‫الرأي اليردون‬
‫احلديث‪ ،‬لكن يظهر‬
‫الفرق بني مدرسة أهل‬
‫احلديث وأهل الرأي‬
‫يف منزلة خرب الواحد‬
‫ومنزلة القياس السيام‬
‫عند تعارضهام‪.‬‬
‫ويظهر الفرق بني أهل‬
‫احلديث والظاهرية يف‬
‫اعتبار القياس‪ ،‬فأهل‬ ‫أهل احلديث‪:‬‬
‫املدرسة العقلية‬
‫الظاهر يرفضون‬
‫القياس عىل تفاوت‬
‫بينهم‪.‬‬
‫وأما املدرسة العقلية‬
‫فقد جعلت النظر‬
‫املصلحي العقيل مقدما‬
‫عىل ظاهر النص‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫اختالف العلامء‬

‫املوقف منه‬ ‫أسبابه‬ ‫بدايته‬

‫عدم جعله سبب ًا للنفرة‬ ‫زمن الصحابة‬


‫اخلالف يف داللة‬ ‫اخلالف يف ثبوت‬
‫والنزاع‬
‫الدليل وفهمه‬ ‫الدليل واالستدالل به‬
‫عذر املخالف يف‬
‫مسائل االجتهاد‬ ‫ما يعرض للدليل من‬
‫عدم بلوغ الدليل للعامل‬
‫عوارض األدلة‬
‫عدم تتبع الرخص‬
‫اخلالف يف دالالت‬ ‫عدم ثبوت الدليل عند‬
‫األلفاظ‬ ‫العامل‬

‫املصيب واحد‬ ‫عدم حجية الدليل عند‬


‫اخلالف يف حتقيق املناط‬
‫العامل‬
‫‪27‬‬
‫مراجع لالستزادة‬
‫تاريخ الفقه اإلسالمي‪ ،‬تأليف‪ :‬حممد عيل السايس‪.‬‬ ‫•‬
‫تاريخ الترشيع اإلسالمي‪ ،‬تأليف‪ :‬د‪.‬مناع القطان‪.‬‬ ‫•‬
‫تاريخ الفقه اإلسالمي‪ ،‬تأليف‪ :‬د‪ .‬عمر األشقر‪.‬‬ ‫•‬
‫املدخل إىل الرشيعة والفقه اإلسالمي‪ ،‬تأليف‪ :‬د‪ .‬عمر األشقر‪.‬‬ ‫•‬
‫املدارس واملذاهب الفقهية‪ ،‬تأليف‪ :‬د‪ .‬عمر األشقر‪.‬‬ ‫•‬
‫تاريخ الترشيع ومراحله‪ ،‬تأليف‪ :‬أ‪.‬د‪.‬عبداهلل الطريقي‪.‬‬ ‫•‬
‫خالصة تاريخ الترشيع‪ ،‬تأليف‪ :‬أ‪.‬د‪.‬عبداهلل الطريقي‪.‬‬ ‫•‬
‫املذهب عند احلنفية واملالكية والشافعية واحلنابلة‪ ،‬تأليف‪ :‬د‪.‬حممد عيل إبراهيم‪،‬‬ ‫•‬
‫الشيخ‪ :‬عيل اهلندي‪.‬‬
‫االجتاهات الفقهية عند أصحاب احلديث يف القرن الثالث اهلجري لعبد املجيد‬ ‫•‬
‫حممود‪.‬‬
‫‪28‬‬

You might also like