You are on page 1of 64

‫ملخص دورة‪:‬‬

‫"المدخـل إلى عــلم الفقـه"‬


‫للشيخ| عاـمر بهـجـت‬
‫‪-‬حفظه الل ّه‪-‬‬
‫يف علم ِ الفقه‬
‫المُق ّدِمة ُ وتعر ُ‬

‫مق ّدِمة ٌ‪:‬‬


‫ن هذه الدورة عدد ًا من المسائل المهمة في المق ّدِمات والقواعد التي يحتاج إليها طالب العلم قبل أن‬
‫‪-‬تتضم ُ‬
‫يشرع َ في دراسة علم الفقه‪.‬‬

‫داف الدورة ِ‪:‬‬


‫أهـ ُ‬
‫ف الطالبُ على معنى الفقه وفضله وح ُكم تعل ّمه‪.‬‬ ‫الأوّل‪ :‬أن َّ‬
‫يتعر ّ َ‬

‫ل له في قلبه تعظيم ٌ لهذا‬


‫ص َ‬ ‫الثانـي‪ :‬أن ي ِّ‬
‫ُحصل الطالبُ في داخله رغبة ً تدفعه إلى تعل ّم ودراسة الفقه‪ ،‬وأن يح ُ‬
‫العلم؛ وهذا مما َّ‬
‫يتعل ّق بالأهداف الوجدانية للدورة‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬أن ي ُدرك َ الطالبُ المراح َ‬


‫ل التار يخية لعلم الفقه‪.‬‬

‫هدف وجدانيّ أيضًا‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫الرابـع‪ :‬أن يصير َ الطالبُ مع ّ‬
‫ظِم ًا لأئمة الفقه‪ ،‬معترف ًا بفضلهم‪ ،‬مُج ِ ّل ًا لجهودهم؛ هذا‬
‫سـؤال‪ :‬ما فائدة هذه الأهداف الوجدانية في نفس الطالب؟‬
‫ل في دراسته وفي‬
‫عض الطلاب على دراسة علم الفقه‪ ،‬وليس عنده قناعة ٌ بهذا العلم؛ فيدخ ُ‬
‫=لأنه قد ي ُقدِم ُ ب ُ‬
‫ض مبني ٌ على أقوال الرجال‪،‬‬ ‫ظِم ًا لأقوال الأئمة؛ ويتصو ّر أ َّ ّ‬
‫ن جزءًا من الفقه هو رأيٌ مح ٌ‬ ‫قرارة ِ نفسه ليس مع ّ‬
‫وليس مبنيًا على الدليل الشرعي من الكتاب والس ُ َّن ّة‪.‬‬
‫حصله‬
‫ي ِّ‬
‫أيّ علم ٍ من العلوم بهذه النفسية الوجدانية =فلا ي ُمكن أبد ًا أن ُ‬ ‫ل الطالب على دراسة َّ‬ ‫‪-‬فإذا أقب َ‬
‫ٍ‬
‫منيع بينه وبين هذا العلم‪.‬‬ ‫ي وحاجز ٍ وجدان ٍيّ‬‫تحصيل ًا متقنًا تامّا؛ لما سيجده من سورٍ نفس ٍ ّ‬
‫ل الدراسة‪ :‬أن يكون على قناعة ٍ بهذا العلم‪ ،‬ولهذا؛‬ ‫ل خطوة ٍ لطالب العلم لـكي يضبط العلم مح َ‬‫‪-‬وعليه؛ فإن أوّ َ‬
‫جاءت ما َّدّة ُ هذه الدورة لـكي يدخل الطالب من المدخل الصحيح لدراسة علم الفقه؛ فيدر ُ ُ‬
‫سه وهو على‬
‫يعرف نسبه وسنده وامتداده ومدارسه ومسائله وطُر ُقُ بنائها على الدليل الشرعي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قناعة ٍ به‪،‬‬

‫الخامس‪ :‬أن يفهم َ الطالبُ الفروق بين المدارس الفقهية؛ فيعر ُ‬


‫ِف الفرق بين مدرسة أهل الحديث وأهل‬
‫الرأي وأهل الظاهر‪ ،‬وما هي المدارس الفقهية المحدَثة في العصر الحاضر‪.‬‬

‫يعرف الطالبُ معنى التمذهب وحكم َه‪ ،‬و يفرِ ّق بين الممنوع منه والجائز‪.‬‬
‫َ‬ ‫السادس‪ :‬أن‬

‫‪-2-‬‬
‫مفرداتُ الدورة ِ‪:‬‬
‫الـــأولى‪ :‬التعر ُ‬
‫يف العامّ بعلم الفقه؛ ويتضمن معناه لغة ً وشرعًا واصطلاح ًا‪ ،‬وموضوعه وفضله وحكم‬
‫تعل ّمه‪.‬‬
‫مر بها علم الفقه‪.‬‬ ‫الثانــيــة‪ :‬المراح ُ‬
‫ل التي َّ ّ‬

‫خصائص مرحلة التشر يع‪ ،‬وأهم معالمها؛ وهي أوّلُ مراحل الفقه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الثالثـــة‪:‬‬

‫الـرابــعة‪ :‬الفقه ُ في زمن الصحابة‪ ،‬وأبرز فقهائهم ‪-‬رضوان الل ّه عليهم‪.-‬‬

‫الخامسة‪ :‬المد ُ‬
‫ارس الفقهية في زمن التابعين‪.‬‬

‫مذهب من المذهب الأربعة؛ يتضمن ذلك‪ :‬اسم َ إمام المذهب ونسب َه وتار يخ َه‬
‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫السادسة‪ :‬التعر ُ‬
‫يف بك ّ ِ‬
‫مر بها المذهب وأبرز َ فقهاء المذهب في كل مرحلة ٍ‪.‬‬
‫ل التي َّ ّ‬
‫وعبادت َه وعلم َه‪ ،‬والمراح َ‬

‫السابعة‪ :‬المذاهب المندرسة؛ والتي المذاهب الفقهية التي قامت في ِ‬


‫حقبة من حقب التاريخ‪ ،‬وكان لها أتباعٌ‬
‫يدينون بها و يقلدونها‪ ،‬ثم اندرست وانتهت‪.‬‬

‫والموقف منه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الثامنة‪ :‬التمذهبُ‬

‫وبعض المعالم الرئيسية في ذلك‪.‬‬


‫ُ‬ ‫التاسعة‪ :‬معالم ُ الفقه في العصر الحاضر‪،‬‬

‫المدارس الفقهية؛ (أهل الحديث وأهل الرأي وأهل الظاهر والمدرسة العقلية)‪.‬‬
‫ُ‬ ‫العاشرة‪:‬‬

‫والموقف من ذلك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫اختلاف العلماء‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الحادية عشر‪ :‬أسبابُ‬

‫الثانية عشر‪ :‬خطة ٌ منهجية ٌ لدراسة علم الفقه‪.‬‬

‫‪-3-‬‬
‫يف العامّ بعلم ِ الفقه ِ‬
‫المفردة الأولى‪ :‬التعر ُ‬

‫يف الفقه ِ لغة ً وشرعًا واصطلاح ًا‪:‬‬


‫تعر ُ‬
‫ف اصطلاحيّ؛ وهذه التعر يفاتُ الثلاثة ُ تتمثل في ثلاثَ‬
‫يف شرعيّ وتعر ي ٌ‬
‫يف لغويّ وتعر ٌ‬
‫‪-‬لعلم الفقه تعر ٌ‬
‫دوائر َ؛ دائرة كبرى؛ تُمثل التعر يف الل ّغوي‪ ،‬ودائرة وسطى؛ تُمثل التعر يف الشرعي‪ ،‬ودائرة صغرى؛ تُمثل‬
‫التعر يف الاصطلاحي‪.‬‬

‫يف الفقه ِ لغة ً‪:‬‬


‫تعر ُ‬
‫‪-‬هو (الفهم ُ)؛ سواء كان هذا الفهم َّ‬
‫يتعل ّق بمسألة ٍ من مسائل علوم الشر يعة أو بمسألة من مسائل العلوم‬ ‫ٌ‬
‫ل العلم الشرعي وغير الشرعي؛ فإنك قد تقول‪:‬‬
‫الأخرى؛ كالـكيمياء والر ياضيات‪ ،‬وعليه؛ فإن الفقه لغة ً يشم ُ‬
‫(فقهتُ مسألة ً من مسائل الر ياضيات)؛ أي‪ :‬فهمتها‪.‬‬

‫يف الفقه ِ شرعًا‪:‬‬


‫تعر ُ‬
‫‪-‬هو (العلم ُ بمسائل الدين)؛ سواء كانت المسألة من مسائل الأحكام العملية التي َّ‬
‫تتعل ّق بأفعال المكلفين؛ مثل‬ ‫ٌ‬
‫معرفة الصلاة وأركانها الصلاة‪ ،‬أو كانت المسألة من مسائل التصــورات الاعتقادية؛ مثل معرفة صفات‬
‫الل ّه ‪-‬تعالى‪ ،-‬ومعرفة صفة ال َّجن ّة َّ‬
‫والن ّار‪ ،‬وقصص الأنبياء‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫فاـئدة‪ :‬إذا ورد َ في نصوص الكتاب والس َُّن ّة لفظ الفقه وفضله فإن المقصود به هو المعنى الشرعي للفقه؛‬
‫ل فرقة ٍ منهم طائفة ٌ ليتف َّ ّقهوا في الدين‬
‫كما في قوله تعالى‪" :‬وما كان المؤمنون لينف ِروا كافة ً فلولا نَف َر َ من ك ّ ِ‬
‫ولِيُنذِروا قومَهم إذا رجعوا إليهم َّ‬
‫لعل ّهم يحذرون"‪ ،‬وقول النبي ﷺ‪" :‬م َن يُرِدِ الل ّه ُ به خير ًا يُف ّق ِهه في الدين"‪.‬‬

‫يف الفقه ِ اصطلاح ًا‪:‬‬


‫تعر ُ‬
‫‪-‬هو (العلم ُ بالأحكام الشرعية العملية التي َّ‬
‫تتعل ّق بأفعال المكلفين)؛ وعليه فإن التعر يف الشرعي أع ّم من‬
‫التعر يف الاصطلاحي‪.‬‬
‫ل بيانيّ للتعر يفات الثلاثة‪:‬‬
‫مثاـ ٌ‬
‫‪ -1‬إذاحضر َ الطالبُ محاضرة ً في صفة ال َّجن ّة َّ‬
‫والن ّار وفهمها؛ فإن هذا يُع ّد فقه ًا بالمعنى الل ّغوي‪ ،‬و يُع ّد تف ّقه ٌ في‬
‫الدين بالمعنى الشرعي‪ ،‬لـكنه لا يدخل في المعنى الاصطلاحي الخاص للفقه‪.‬‬

‫‪-4-‬‬
‫ب وفَقِه َهم؛ هم‪ :‬كتاب (الس ُ َّل ّم المنورق في المنطق) وكتاب (الر ِقاق‬
‫‪ -2‬إذا حضر َ الطالبُ شروح ًا لثلاثة كُتـُ ٍ‬
‫من صحيح البخاري) وكتاب (زاد المستقن ِع ‪-‬من كتب الفقه‪)-‬؛ فأيّ فقهه لشروح الـكتب الثلاثة يدخل‬
‫في المعنى الل ّغوي أو الشرعي أو الاصطلاحي للفقه؟‬
‫ل في المعنى الل ّغوي للفقه‪ :‬فقه ُ الطالب لشروح الـكُتب الثلاثة‪.‬‬
‫=يدخ ُ‬
‫ل في المعنى الشرعي للفقه‪ :‬فقه ُ الطالب لشرحي كتابي (الر ِقاق من صحيح البخاري) و(زاد المستقن ِع)‪.‬‬
‫=يدخ ُ‬
‫ل في المعنى الاصطلاحي للفقه‪ :‬فقه ُ الطالب لشرح كتاب (زاد المستقنع)‪.‬‬
‫=يدخ ُ‬

‫فاـئدة‪:‬‬
‫ن صفة ً لل َّجن ّة َّ‬
‫والن ّار‪ ،‬وأسبابَ النجاة‬ ‫‪-‬من الخلل الشائع‪ :‬أن يتصو ّر طالبُ العلم أنه إذا حضر َ موعظة ً تتضم ُ‬
‫من عذاب القبر =أن هذا ليس من طلب العلم أو من التف ّقه في الدين‪ ،‬ولذا؛ إذا رأى طالبُ العلم إعلان ًا‬
‫ل ما يتبادر لذهنه على أنه من‬ ‫لمحاضرة ٍ عن (صفة ال َّجن ّة َّ‬
‫والن ّار) ومحاضرة ٍ عن (شرح زاد المستقنع)؛ فإن أوّ َ‬
‫التف ّقه وطلب العلم هو محاضرة (شرح زاد المستقنع) فقط‪ ،‬وهذا من الخطأ؛ لأن الفقه بالمعنى الشرعي‬
‫يشمل هذا وهذا؛ بل إن التف ّقه في بعض المسائل التي لا َّ‬
‫تتعل ّق بالعمل؛ كمعرفة صفات الل ّه وأمور الآخرة‬
‫من ال َّجن ّة َّ‬
‫والن ّار أعظم ُ وأولى دخول ًا في وصف العلم الشرعي من التف ّقه في بعض مسائل الفقه الفرعية‪.‬‬

‫ق بعد قوله تعالى‪" :‬أ َّمّنْ هو‬


‫‪-‬ولذا؛ نجد أن قوله تعالى‪" :‬ق ُلْ هلْ يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" سي َ‬
‫قانتٌ آناء َ الليل ساجدًا وقائمًا يَحذر ُ الآخرة َ ويرجو رحمة َ ربه"؛ وعليه فإن المعاني القلبية؛ كالحذر والخوف‬
‫والخشية والرجاء هي من أعظم العلم بالمعنى الشرعي‪ ،‬وإن لم تكن بالمعنى الاصطلاحي الخاص للفقه‪.‬‬

‫موضوع ُ علم ِ الفقه ِ‪:‬‬


‫‪-‬موضوع العلم‪ :‬هو ما يبحث فيه هذا العلم؛ فموضوع الطب هو بدنُ الإنسان‪ ،‬وموضوع النحو هو الكلمة ُ‪،‬‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫ل العباد من حيث الأحكام الشرعية المتعلقة بها؛ ولهذا لا يدخل في علم الفقه‬
‫‪-‬موضوع علم الفقه‪ :‬هو أفعا ُ‬
‫ِيت بالفقه الأكبر‪.‬‬ ‫بالمعنى الاصطلاحي الخاص‪ ،‬لا يدخل فيه ما يت َّ‬
‫عل ّق بعلوم العقيدة‪ ،‬وإن سُم ّ ْ‬

‫ل علم ِ الفقه ِ‪:‬‬


‫فض ُ‬
‫ج تحته علم الفقه بالمعنى الخاص‬ ‫ن ك َّ ّ‬
‫ل ما ورد َ من النصوص الشرعية في فضل العلم الشرعي يندر ُ‬ ‫‪ -1‬إ َّ ّ‬
‫َّ‬
‫المتعل ّق بأفعال العباد‪ ،‬لـكون الفقه علمًا شرعيًا‪.‬‬

‫‪-5-‬‬
‫ختص به وميزة ٌ يتميز بها)؛‬
‫لي ُ‬ ‫ن (ك َّ ّ‬
‫ل علمٍ من العلوم الشرعية له فض ٌ‬ ‫خاص بعلم الفقه؛ لأ َّ ّ‬
‫ٌ‬ ‫ل‬
‫‪ -2‬هناك فض ٌ‬
‫ل على فضيلة الشيء النظر ُ إلى ثمرته‪ ،‬وم َن تأ َّمّل ثمرة َ الفقه‬ ‫يقول الإمام بن الجوزي ‪-‬رحمه الل ّه‪( :-‬أعظم ُ دلي ٍ‬
‫ن احتياجات الناس إلى علم الفقه ومسائله أكثر من‬ ‫ل ثمرة الفقه في أ َّ ّ‬ ‫ع َلِم َ َّأن ّه أفضلُ العلوم)؛ فتتمث ُ‬
‫احتياجاتهم إلى بقية العلوم الأخرى؛ ذلك لأن عبادات وتعاملات الناس َّ‬
‫تتعل ّق بعلم الفقه‪ ،‬ومع هذه‬
‫الأهمية العظيمة لعلم الفقه؛ تجد كثير ًا من طلبة العلم قد قصروا في إتمام تعل ّم أبواب الفقه ومتونه‪ ،‬إذا لا ب ُ َّ ّد‬
‫من العناية بهذا العلم الجليل‪.‬‬
‫تنبيـه‪ :‬قلنا أكثر احتياجات الناس لعلم الفقه ولم نقل أعظم احتياجات الناس؛ لأن أعظم ما يحتاجه‬
‫ح عقائدهم وإخلاص توحيدهم لل ّه ‪-‬سبحانه وتعالى‪.-‬‬
‫الناس هو تصحي ُ‬

‫استمداد ُ علم ِ الفقه ِ‪:‬‬


‫ن استمداد َ علم الفقه يرجع إلى علم أصول الفقه‪ ،‬وقد َّبي ّنه علم ُ الأصول بالتفصيل؛ َّأن ّه‬
‫‪-‬لن أذكرها هنا؛ لأ َّ ّ‬
‫ي ُستمد ُ من الكتاب والس ُ َّن ّة والإجماع إلى آخره‪.‬‬

‫ح ُكم ُ تعل ّم ِ علم ِ الفقه ِ‪:‬‬


‫‪-‬مسائل علم الفقه على نوعين‪:‬‬
‫الأوّل‪ :‬مسائل تعل ّمها من (فــــروض العين)‪ :‬يجب تعل ّمها على ك ّ ِ‬
‫ل مسلمٍ‪ ،‬و يأثم م َن لم يتعلمها؛ مثل‪:‬‬
‫معرفة صفة الصلاة‪ ،‬وصفة الوضوء وغيرهما‪.‬‬
‫الثانـي‪ :‬مسائل تعل ّمها من (فروض الـكفايات)‪ :‬لا يجب تعل ّمها على ك ّ ِ‬
‫ل مسلمٍ‪ ،‬لـكن قد يتعيَّ ّن تعل ّمها‬
‫حق الشخص الذي‬
‫حق بعض الناس؛ مثل‪( :‬تعل ّم مسألة زكاة الأسهم) من فروض الـكفايات‪ ،‬أما في ّ ِ‬
‫في ّ ِ‬
‫فرض عينٍ؛ إما تقليدًا إن كان من أهل التقليد‪ ،‬أو اجتهاد ًا إن كان من أهل‬
‫َ‬ ‫يحتاج إليها =يكون تعل ّمها‬
‫الاجتهاد‪.‬‬
‫فاـئدة‪ :‬هذا موجز ٌ في التعر يف بعلم الفقه‪ ،‬وم َن أراد الاستزادة =يرجع إلى كتاب (الفقيه والمتفقه)‬
‫للخطيب البغدادي‪.‬‬

‫‪-6-‬‬
‫مساـئـل‪:‬‬
‫السؤال الأوّل‪ :‬هل تدخ ُ‬
‫ل معرفة ُ إعراب قول امرئ القيس في مطلع معلقته‪( :‬ق َف َا َ نبكِ م ِن ذكرى‬
‫ل) في معنى الفقه؟‬
‫حبيب ومنز ِ‬
‫ٍ‬
‫=نعم؛ تدخل في الفقه بالمعنى الل ّغوي‪.‬‬

‫بأنفسهنّ ثلاثة َ ق ُر ُوءٍ" في ّ ِ‬


‫أي‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫َّ‬
‫والمطل ّقاتُ يتربص َ‬ ‫السؤال الثانـي‪ :‬هل تدخ ُ‬
‫ل معرفة ُ إعراب قوله تعالى‪" :‬‬
‫معاني الفقه؟‬
‫ل في الفقه بالمعنى الل ّغوي وبالمعنى الشرعي وبالمعنى الاصطلاحي إذا انبنت عليه مسألة ٌ فقهية ٌ‪.‬‬
‫=تدخ ُ‬

‫السؤال الثالث‪ :‬هل تدخ ُ‬


‫ل معرفة ُ أ َّ ّ‬
‫ن التشهد الأوّل من واجبات الصلاة في معنى الفقه؟‬
‫ل في الفقه بالمعنى الل ّغوي وبالمعنى الشرعي وبالمعنى الاصطلاحي‪.‬‬
‫=نعم؛ تدخ ُ‬

‫ل النب ِيّ ﷺ‪" :‬م َن يُرِدِ الل ّه ُ به خير ًا يُف ّق ِهه في الدين" في الفضل العام للعلم‬ ‫السؤال الرابع‪ :‬هل يدخ ُ‬
‫ل قو ُ‬
‫الشرعي أم في الفضل الخاص بعلم الفقه؟‬
‫خصوص علم الفقه‪.‬‬
‫ل في الفضل العام للعلم الشرعي؛ لأن الفقه في الحديث لا ي ُراد به ُ‬
‫=يدخ ُ‬

‫ل الإمام ُ الشافعيّ ‪-‬رحمه الل ّه‪:-‬‬


‫قا َ‬

‫ن م َشغَلَة ٌ‬
‫ل الع ُلو ِم سِوى الق ُرآ ِ‬
‫(ك ُ ّ‬

‫ن‬
‫ِإلّا الحَديثَ وَع ِلم َ الف ِقه ِ في الدي ِ‬

‫ل ح َ َّ ّدََنا‬
‫الع ِـــلم ُ ما كانَ فيه ِ قاـ َ‬

‫َسواس الش َياطينِ)‬


‫ُ‬ ‫و َما سِوى ذاك َ و‬

‫‪-7-‬‬
‫مر بها علم ُ الفقه ِ‬
‫ل التي َّ ّ‬
‫المفردة الثانية‪ :‬المراح ُ‬

‫مق ّدِمة‪:‬‬
‫ل إلى‬
‫‪-‬كتب المصن ِّفون تصانيف كثيرة في مراحل علم الفقه‪ ،‬كلها تدور في فلكٍ واحد؛ إما بعنوان (مدخ ٌ‬
‫ل إلى الشر يعة)‪ ،‬أو بعنوان (تاريخ ُ الفقه)‪ ،‬أو بعنوان (تاريخ ُ التشر يع)؛ والأدق‬
‫الفقه)‪ ،‬أو بعنوان (مدخ ٌ‬
‫ختص زمن النبوة‪.‬‬
‫ل جميع مراحل الفقه‪ ،‬إنما ي ُ‬ ‫أ َّ ّ‬
‫ن التشر ي َع ليس إطلاقًا يشم ُ‬

‫‪-‬واختلفت طر يقة تقسيم المصن ِّفون لمراحل تاريخ الفقه؛ من هذه التقسيمات ما يلي‪:‬‬
‫ل الفقه فيه إلى‪ ( :‬الفقه في زمن النبوة‪ ،‬ثم في زمن الصحابة‪ ،‬ثم في ومن‬
‫ِمت مراح ُ‬
‫س ْ‬
‫‪ -1‬تقسيم ٌ ق ُ ّ‬
‫التابعين‪ ،‬ثم في زمن العباسيين‪ ،‬ثم زمن المذاهب وهكذا)‪.‬‬

‫ل الفقه فيه إلى‪( :‬مرحلة الطفولة‪ ،‬ومرحلة الشباب‪ ،‬ومرحلة الـكهولة‪،‬‬


‫ِمت مراح ُ‬
‫س ْ‬
‫‪ -2‬تقسيم ٌ ق ُ ّ‬
‫ومرحلة الشيخوخة)‪.‬‬

‫ل الفقه فيه إلى‪( :‬مرحلة الجمود والتقليد‪ ،‬ومرحلة النهضة الحديثة)‪.‬‬


‫ِمت مراح ُ‬
‫س ْ‬
‫‪ -3‬تقسيم ٌ ق ُ ّ‬

‫وصف بالجمود أو النهضة؛‬


‫ٍ‬ ‫ك في تقسيم مراحل الفقه مسلك ًا تار يخيًا بدون حكمٍ أو‬
‫‪-‬لـكني أرى أن نسل َ‬
‫في ُمكن أن نُقس ِّم مراحل الفقه إلى أربعة مراحل؛ وهم كالتالي‪:‬‬
‫المرحلة الأولى‪ :‬مرحلة ُ التشر ِ‬
‫يع (إلى ‪11‬هـ تحديد ًا)‪.‬‬

‫المذاهب (إلى ‪111‬هـ تقريبًا)‪.‬‬


‫ِ‬ ‫ل‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬مرحلة ُ الفقه ِ قب َ‬

‫المرحلة الثالثة‪ :‬مرحلة المذاهب الفقهية (إلى ‪1311‬هـ تقريبًا)‪.‬‬

‫المرحلة الرابعة‪ :‬مرحلة العصر الحاضر (من ‪1311‬هـ تقريبًا)‪.‬‬

‫‪-8-‬‬
‫(إلى ‪11‬هـ تحديد ًا)‬ ‫المفردة الثالثة‪ :‬مرحلة ُ التشر ِ‬
‫يع؛ خصائصها وأهم معالمها‬
‫ق وأنزل عليهم‬ ‫ق الخل َ‬
‫‪-‬تبدأ هذه المرحلة ببعثة النبي ﷺ ونزول الوحي عليه‪ ،‬فإن من حكمة الل ّه أن خل َ‬
‫ل الل ّه ُ على بشرٍ من شيء ٍ"‪ ،‬فإن م َن يقول أ َّ ّ‬
‫ن‬ ‫الشرائع؛ قال تعالى‪" :‬وم َا قدَر ُوا الل ّه َ َّ‬
‫حقّ ق ْدرِه إ ْذ قالوا م َا أنز َ‬
‫الل ّه لم يُنزِّل شيئًا من التشر يع =فإنه ممن لم يقدروا الل ّه َّ‬
‫حقّ قدره‪ ،‬فإن هذا من العبث الذي يُنزه الل ّه عنه‪.‬‬
‫مرت مرحلة التشر يع بمرحلتين أساسيتين؛ الأولى‪ :‬العهد المكي‪ ،‬والثانية‪ :‬العهد المدني‪َّ ،‬‬
‫ثم ّ انتهت بوفاة النبي‬ ‫‪ّ َّ -‬‬
‫ﷺ؛ لانقطاع التشر يع‪.‬‬

‫مرحلة ُ العهدِ المك ِيّ‪ :‬تركز التشر يع فيها على أصول الدين‪ ،‬لم نقل (اقتصر)؛ لأن التشر يع لم يقتصر على‬
‫يعات َّ‬
‫تتعل ّق بالعمل؛ فإن من أهل العلم م َن يرى نزول بعض‬ ‫ٌ‬ ‫أصول الدين فقط في مكة‪ ،‬بل كان هناك تشر‬
‫ل من‬
‫ل ما لم يُذكر اسم ُ الل ّه عليه‪ ،‬وقلي ٌ‬
‫التشر يعات بمكة؛ كفرض الصلاة في أوائل البعثة‪ ،‬وتحريم ُ أك ِ‬
‫التشر يعات التفصيلية‪.‬‬

‫مرحلة ُ العهدِ المدن ِيّ‪ :‬استمرت عناية التشر يع الإلهي بأصول الدين لحاجة الناس إليها في ك ّ ِ‬
‫ل عهدٍ‪ ،‬ولـكن‬
‫كث ُرت تشر يعات الأحكام التفصيلية بعد هجرة النبي ﷺ إلى المدينة؛ مثل‪ :‬تشر يع الأذان والصيام والجهاد‪.‬‬

‫فاـئدة‪ :‬م َن أراد أن يقف على التسلسل والتفصيل التار يخي للتشر يعات التفصيلية =فليرجع إلى كتاب‬
‫كتاب جيدٌ من ناحية الرصد والجمع‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫(الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي ) لمحمد الحجوي الثعالبي؛ فهو‬
‫وإن كان فيه بعض المآخذ من ناحية تحليل بعض الأحداث والحكم عليها‪.‬‬

‫مصادر ُ التشر ِ‬
‫يع في هذه ِ المرحلة ِ‪:‬‬
‫اقتصرت مصادر ُ التشر يع في هذه المرحلة على القرآن والس َُّن ّة؛ إما بنزول التشر يع ابتداءً‪ ،‬أو نزوله للجواب‬
‫ْ‬ ‫‪-‬‬
‫عن سؤال‪ ،‬أو لبيان الحكم في حادثة‪.‬‬
‫‪-‬أما الإجماع؛ إذا تَص َّو ّر وقوعه في زمن النبي ﷺ =فإنه يكتسب حُ جيته من إقرار النبي ﷺ له‪ ،‬وهو بذلك‬
‫يندرج تحت الس َُّن ّة‪ ،‬ولذا؛ يعرِّف الأصوليون الإجماع بأنه (اتفاقُ علماء ِ العصر بعد النبي ﷺ على حكمٍ‬
‫شرعي)‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بتوقيف ووحي‪ ،‬وعلى كلا‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬أما القياس؛ فقد اختلف الأصوليون في حكم النبي ﷺ؛ هل يكون بالاجتهاد أم‬
‫القولين؛ فإن اجتهاد أو قياس النبي ﷺ راج ٌع أيضًا إلى دليل الس َُّن ّة‪.‬‬

‫‪-9-‬‬
‫معالم ُ مهمة ٌ متعلقة ٌ بمرحلة ِ التشر ِ‬
‫يع‪:‬‬
‫اختصاص التشر ِ‬
‫يع بهذه ِ المرحلة ِ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫المعلَم الأوّل‪:‬‬
‫‪-‬انقطع التشر يع ‪-‬الذي هو إنشاء ُ الأحكام الشرعية‪ -‬بوفاة النبي ﷺ‪ ،‬ثم ما جاء بعد ذلك من اجتهادات‬
‫الصحابة والتابعين لا يُس َّمّى تشر يع ًا بل اجتهاد ًا؛ فليس معنى القاعدة الأصولية‪( :‬قو ُ‬
‫ل الصحابي حجة ٌ) أن‬
‫الن ّاس للكتاب والس َُّن ّة‪.‬‬
‫الصحابي يمكنه التشر يع من تلقاء نفسه‪ ،‬إنما كان قول الصحابة حجة ٌ لأنهم أفهم ُ َّ‬

‫قس ّم التلمساني ‪-‬رحمه الل ّه‪ -‬الأدلة إلى نوعين‪ :‬أدلة ٌ بذاتها منشئة ٌ للإحكام؛ وهي الكتاب والس َُّن ّة‪،‬‬
‫‪-‬ولذا؛ ( َّ‬
‫وأدلة ٌ متضمنة ٌ للدليل؛ كقول الصحابي والإجماع)؛ فإن الإجماع لا يُنشئ ُ حكمًا شرعي ّا‪ ،‬إنما يُظهر الحكم‬
‫الشرعي استناد ًا إلى الدليل من الكتاب والس َُّن ّة‪ ،‬فإذا أجمع العلماء على حكمٍ شرع ٍيّ =عرفنا أن هذا الإجماع‬
‫دل ّنا على عصمتهم من الاجتماع على الخطأ؛ ومن ذلك‪:‬‬ ‫ل القرآن والس َُّن ّة َّ‬
‫هو الشرع الذي أنزله الل ّه؛ لأن دلي َ‬
‫ل المؤمنين نُوَل ِّه ما تولَّ ّى"‪ ،‬وقوله‬ ‫ل من بعد ما تبيَّ ّن له اله ُدى َّ‬
‫ويت ّبع غير َ سبي ِ‬ ‫قوله تعالى‪" :‬وم َن يُشاقق الرسو َ‬
‫ن الل ّه َ لا يجم ُع أ َّمّتي على ضلالة ٍ‪ ،‬ويد ُ الل ّه ِ مع الجماعة ِ‪ ،‬وم َن ش َّ ّذ ش َّ ّذ في َّ‬
‫الن ّار"‪.‬‬ ‫ﷺ‪" :‬إ َّ ّ‬

‫الفقهي في هذه ِ المرحلة ِ‪:‬‬


‫ِّ‬ ‫الاختلاف‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫المعلَم الثانـي‪ :‬قلة ُ مجا ِ‬
‫اختلف اجتهاد ُ الصحابة في زمن‬
‫َ‬ ‫ل كبير؛ فقد‬
‫ي في هذه المرحلة‪ ،‬ولـكن ليس بشك ٍ‬
‫الاختلاف الفقه ّ‬
‫ُ‬ ‫‪-‬ظهر َ‬
‫اختلف‬
‫َ‬ ‫النبي ﷺ في بعض الحوادث؛ مثل حديث‪" :‬لا يُصلي َّ ّ‬
‫ن أحدٌ منكم العصر َ إلا ببني قر يظة"؛ فقد‬
‫الصحابة اختلافًا فقهيًا في فهم هذا النص؛ فمنهم م َن قال لا نُصلي أبد ًا إلا إذا وصلنا بني قر يظة‪ ،‬ومنهم م َن‬
‫قال نُصلي في الطر يق لأن المقصود بهذا النص الإسراع والتعجيل‪ ،‬ولم يُعن ِّف النبي ﷺ أي ّا من الطائفتين‪.‬‬

‫ل الاختلاف في هذه المرحلة؛ لأن الصحاـبة ‪-‬رضوان الل ّه عليهم‪ -‬كانوا إذا اختلفوا في مسألة ٍ‬ ‫‪-‬وقد ق َّ ّ‬
‫ل مجا ُ‬
‫رجعوا إلى النبي ﷺ ‪-‬إن أمكنهم الرجوع‪= -‬فينتهي الخلاف‪ ،‬أما م َن لم يُمكنه الرجوع إلى النبي ﷺ =اجتهد‬
‫برأيه إذا لم يجد الحكم في كتاب الل ّه ولا في س َُّن ّة نبيه ﷺ؛ كما حال الصحابة الذين بعثهم النبي ﷺ إلى‬
‫الأمصار؛ ومنهم‪ :‬معاذ بن جبل إلى اليمن قاضيًا‪.‬‬

‫ج التشر يعيّ في هذه ِ المرحلة ِ‪:‬‬


‫المعلَم الثالـث‪ :‬التدرّ ُ‬
‫‪-‬وقد انتهى التدرّج التشر يعي بانتهاء مرحلة التشر يع؛ قال تعالى‪" :‬اليوم َ أكملتُ لـكم دين َكم وأتممتُ عليكم‬
‫نعمتي ورضيتُ لـكم الإسلام َ دينًا"‪ ،‬لـكن يُمكن أن يتد َّرّج الإنسان في تبليغ هذا التشر يع وتربية الناس‬
‫عليه؛ ومن أمثلة لك‪:‬‬
‫ف للقلوب؛ ومن‬
‫‪-‬التدرّج في تـلقين وتبليغ تشر يعاـت الإســلام للداخلين الجــدد فيه لماـ في ذلك من تأليـ ٍ‬
‫‪- 01 -‬‬
‫اب‪،‬‬
‫ل ك ِت َ ٍ‬ ‫ن؛ قال‪َّ " :‬إن ّ َ‬
‫ك سَت َأْ تي قَوْم ًا أهْ َ‬ ‫ل حِينَ بَع َث َه ُ إلى اليم َ َ ِ‬ ‫الل ّه ِ ﷺ لم ِ ُع َاذِ ب ِن جَب َ ٍ‬
‫ل َّ‬
‫شواهد ذلك‪ :‬قول ر َسو ُ‬
‫ك بذلكَ‪،‬‬ ‫الل ّهِ‪ ،‬فإ ْن ه ُ ْم أ َطاع ُوا ل َ‬ ‫ن مُح ََّم ّدًا ر َسولُ َّ‬
‫الل ّهُ‪ ،‬وأ َّ ّ‬
‫جئْتَهُمْ‪ ،‬فَا ْدعُه ُ ْم إلى أ ْن يَشْهَد ُوا أ ْن لا إلَه َ إ َّلّا َّ‬
‫ف َِإذ َا ِ‬
‫ك بذلكَ‪ ،‬فأخْبِرْه ُ ْم أ َّ ّ‬
‫ن‬ ‫ل يَو ٍم ولَي ْلَة ٍ‪ ،‬فإ ْن ه ُ ْم أطَاع ُوا ل َ‬
‫َات في ك ُ ّ ِ‬
‫ْس صَلَو ٍ‬
‫الل ّه َ ق ْد ف َر ََض عليهم خَم َ‬
‫ن َّ‬‫فأخْبِرْه ُ ْم أ َّ ّ‬
‫ك بذلكَ‪ ،‬ف َِإ َّي ّاك َ وك َرَاِِم َ‬
‫صدَق َة ً تُؤْخَذ ُ م ِن أغْن ِيَائِه ِ ْم فَتُرَدّ علَى فُق َرَائِهِمْ‪ ،‬فإ ْن ه ُ ْم أطَاع ُوا ل َ‬
‫الل ّه َ ق ْد ف َر ََض عليهم َ‬ ‫َّ‬
‫َاب"‪.‬‬ ‫الل ّه ِ ِحج ٌ‬
‫ليس بي ْن َه ُ وبيْنَ َّ‬ ‫فإن ّه َ‬‫ق دَعْو َة َ المَظْلُو ِم؛ َّ‬ ‫أمْو َالِهِمْ‪َّ ،‬‬
‫وات ّ ِ‬
‫‪-‬القول بصحة إسلام المرأة الكافرة حتى لو لم تترك زوجها الكافر لتعل ّقها وحبها له؛ فإن بقاء المرأة على‬
‫الـكُفر أعظم إثمًا وشر ًا من بقائها مع زوجها الكافر وهي مسلمة‪ ،‬لـكن يتم إخبارها بأن هذه الأمر محرم ٌ في‬
‫في شر يعة الإسلام‪ ،‬ولا يُقال لها لا تُسلمي حتى تتركي زوجكِ الكافر‪.‬‬

‫أنــواع التدرّج في التشر يع‪:‬‬


‫اس بأن يشهدوا أن لا إله‬ ‫ل ما بُعثَ به النبي ﷺ أمر َّ‬
‫الن ّ َ‬ ‫‪ -1‬التدرّج في تشر يع الأحكام عموم ًا؛ ومنه‪ :‬أن أوّ َ‬
‫َ‬
‫ِض الصيام ثم غير ذلك من العبادات‪.‬‬‫َت الصلاة ُ ثم فُر َ‬‫إلا الل ّه وأن محمد رسول الل ّه‪ ،‬ثم بعد ذلك؛ فُرِض ْ‬
‫‪ -2‬التدرّج في تشر يع الحُكم الواحد؛ ومنه‪ :‬مرور تحريم الخمر ووجوب الجهاد بع َّ ّدة مراحل في تشر يعهما‪.‬‬

‫المعلَم الرابع‪ :‬تدريبُ الصحابة ِ على الاجتهادِ‪:‬‬


‫‪-‬حيث ع َّل ّم النبيّ ﷺ الصحابة و رباهم على الفقه والاجتهاد‪ ،‬وقد ذُك ِر َ أن الصحابة َ الذين أفتوا في زمن النبي‬
‫ﷺ بلغوا أربعة َ عشر َ صحابيًا؛ وهم‪( :‬أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل‬
‫وعمار بن ياسر وحذيفة وزيد بن ثابت وأبو الدرداء وأبو موسى وأب َ ْي بن كعب وع ُبادة بن الصامت وابن‬
‫مسعود )‪ ،‬وقد ثبت أنه في زمن النبوة كان هناك من الصحابة م َن يُعر َف و يُوصّف بالفقه والفتوى؛ ومنهم‪:‬‬
‫فقهاء الأنصار‪.‬‬
‫‪-‬انقطع التشر يعُ بعد وفاة النبي ﷺ‪ ،‬لـكن استمر َ الاجتهاد والاستنباط في التشر يع والفقه؛ فكان الصحابة ‪-‬‬
‫رضوان الل ّه عليهم‪ -‬يستنبطون الأحكام من الكتاب ومن الس َُّن ّة و يقيسون‪ ،‬وبرز عدد ٌ من فقهاء الصحابة‪،‬‬
‫وقد تفاوت الصحابة من جهة كثرة ما نُقل عنهم في الفقه والفتوى‪ ،‬ولذا؛ ذكر أهلُ العلم مسألة‪( :‬هل كان‬
‫الصحابة كلهم فقهاء مجتهدون أم كان بعضهم دون بعض؟) =وللجواب على ذلك؛‬
‫=يقال‪( :‬إذا أردنا بالاجتهاد والفقه بمعنى أن القدرة على ذلك ‪-‬وهو ما يُع َّب ّر عنه أهلُ العلم بالفقه بالقوة‪:-‬‬
‫ل بعض العلماء يذهبُ إلى أن‬
‫كنهم من الل ّغة العربية بسليقتهم =جع َ‬
‫فإن شهود الصحابة للتنز يل مع تم ّ‬
‫الصحابة كلهم كانوا من أهل الاجتهاد بالقوة لا بالفعل‪ ،‬أما من جهة م َن رويت عنهم الفتوى وتصدوا‬
‫للقضاء =فإن هذا لم يحصُل من جميع الصحابة‪ ،‬بل من بعضهم)‪.‬‬

‫‪- 00 -‬‬
‫(إلى ‪111‬هـ تقريبًا)‬ ‫المذاهب‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫المفردة الرابعة‪ :‬مرحلة ُ الفقه ِ قب َ‬
‫ن الصحابة ِ‪ ،‬وأبرز فقهائهم‬
‫أوّل ًا‪ :‬الفقه ُ في زم ِ‬
‫المذاهب في؛ الفقه في عصر الصحابة‪ ،‬ثم الفقه في عصر التابعين‪ ،‬وقد استمرت إلى‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫‪-‬تتمثل مرحلة ُ الفقه ِ قب َ‬
‫(‪111‬هـ) تقريبًا‪.‬‬
‫تنبيـه‪ :‬التواريخ في هذه المرحلة وبقية المراحل التالية تقريبية ٌ؛ لأنه لا نستطيع أن نُجزم َ بالتاريخ المح َّ ّدد الذي‬
‫ظهرت ونشأت وتش َّكّلت واستقرت فيه المذاهب الفقهية‪.‬‬

‫مصاـدر ُ الفقه ِ في هذه ِ المرحلة ِ‪:‬‬


‫‪-‬إذا أردت أن ترجع إلى فقه أبي حنيفة ترجع إلى كتب المذهب الحنفي؛ لـكن إذا أردت أن ترجع فقه‬
‫الصحابة ترجع مصادر هذا الفقه وهي على نوعين‪:‬‬
‫الأوّل‪ :‬مصادر م ُسندة‪ :‬أي‪ :‬مرو ية ٌ بالإسناد؛ ومنهم‪:‬‬
‫‪ -1‬مصنف عبد الرزاق الصنعاني‪.‬‬
‫‪ -2‬مصنف ابن أبي شيبة‪.‬‬
‫‪ -3‬مصنف الأوسط لابن المنذرك‪ :‬يذكر ُ فيه بعض المرو يات من فقه الصحابة بالإسناد‪ ،‬وبعضها من غير‬
‫إسنادٍ‪.‬‬
‫الثانـي‪ :‬مصادر غير مسندة‪ :‬وهي كتب الفقه المقارن أو فقه الخلاف؛ مثل كتاب (المُغني)‬
‫و(المجموع)؛ تجد في هذه الـكتب نسبة َ الأقوال الفقهية إلى فقهاء الصحابة كابن عمر وابن مسعود وغيرهما‪.‬‬

‫مراتبُ فقهاـء ِ الصحابة ِ‪:‬‬


‫‪-‬نقل الإماـم ابن القيم ‪-‬رحمه الل ّه‪ -‬في كتاـبه (إعـــلام الموقعين) تقرير الإمام ابن حـز ٍم ‪-‬رحمه الل ّه‪( -‬أ َّ ّ‬
‫ن‬
‫ت عنهم الفتوى مائة ٌ وثلاثون نفسًا)؛ وهم على ثلاثة ِ مراتب؛ وهم كالتالي‪:‬‬
‫ت ونُق ِل َ ْ‬
‫حف ِظَ ْ‬
‫الصحابة َ الذين ُ‬
‫المرتبة الأولى‪ :‬المكثرون‪:‬‬
‫‪-‬وعددهم سبعة؛ وهم‪ ( :‬عمر‪ ،‬وعلي‪ ،‬وابن مسعودٍ‪ ،‬وعائشة‪ ،‬وزيدٍ‪ ،‬وابن عباسٍ ‪ ،‬وابن عمر ‪-‬رضي الل ّه‬
‫سفر ٌ ضخمٌ)؛ فإنك إذا أردت أن‬
‫ل واحدٍ منهم ِ‬
‫ن حز ٍم فيهم‪( :‬ي ُمكن أن ي ُجم َع من فتاوى ك ّ ِ‬
‫عنهم‪)-‬؛ قال اب ُ‬
‫تجم َع فتاوى وأقضية وآراء واحدٍ منهم كعمر بن الخطاب =ستجد أنها تجتم ُع في مجلدٍ كبيرٍ‪.‬‬

‫‪- 02 -‬‬
‫ن أفقه َ الصحابة وأعلمهم على الإطلاق هو أبو بكر ثم يليه عمر بن الخطاب ‪-‬رضي الل ّه‬ ‫‪-‬أجم َع أهلُ العلم أ َّ ّ‬
‫عنهما‪ ،-‬لـكن لم يُنقل عن أبي بكر كثير ٌ من الفتوى والفقه والقضاء ل ِقصر م َّ ّدة خلافته ‪-‬سنتين وثلاثة أشهر‪-‬‬
‫ل عن عمر كثير ٌ من الفتاوى والأقضية‬
‫سنوات وستة أشهر‪ ،‬لذا؛ نُق ِ َ‬
‫ٍ‬ ‫بخلاف خلافة عمر التي امتدت عشر َ‬
‫في عددٍ من المسائل‪.‬‬
‫ل عن علي ‪-‬رضي الل ّه عنه‪ -‬فقه ٌكثير ٌ؛ لأنه آخر ُ الخلفاء موت ًا‪ ،‬وكذلك ابن مسعود ‪-‬رضي الل ّه‬
‫‪-‬وكذلك ن ُق ِ َ‬
‫مذهب فقه ٍ ّي في (العراق والـكوفة) حين بعثه عمر ‪-‬رضي الل ّه عنه‪ -‬وقال‬
‫ٍ‬ ‫عنه‪ -‬وهو صاحبُ مدرسة ٍ و‬
‫ل على أن نشأة َ المذاهب الفقهية نشأة ً‬ ‫لأهل الـكوفة‪َّ ( :‬‬
‫تعل ّموا منه فوالله لقد آثرتكم به على نفسي) وهذا يد ّ‬
‫مبكرة ً؛ فقد ذكر َ ابن المديني ‪-‬رحمه الل ّه‪( :-‬أ َّ ّ‬
‫ن الصحابة َ الذين كانت لهم مذاهبَ مقلدة ٌ‪ ،‬ولها أتباعٌ يتبعون‬
‫مذاهبهم‪ ،‬ويدونون علمهم وفتاوهم وفقههم‪ ،‬هم ثلاثة ٌ‪ :‬ابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس)‪.‬‬

‫ق‬
‫‪-‬وكذلك من المكثرين‪ :‬أمّ المؤمنين عائشة ‪-‬رضوان الل ّه عليها‪-‬؛ فقد كانت معلمة ً فقيهة ً مفتية ً وانتفع بها خل ٌ‬
‫كثير ُ‪ ،‬وتف َّ ّقه َ عليها عدد ٌ من فقهاء التابعين‪ ،‬وكان الصحابة يرجعون إليها في الفتوى في بعض المسائل‪.‬‬

‫‪-‬وكذلك من المكثرين‪ :‬زيد بن ثابت ‪-‬رضي الل ّه عنه‪-‬؛ فكانت مدرسته الفقهية هي المدرسة الفقهية السائدة‬
‫في المدينة‪ ،‬وكان لها أتباعٌ يصدرون عنها‪ ،‬ولما توفي زيد ٌ صارت المدينة على مذهب عبد الل ّه بن عمر‪ ،‬وقد‬
‫ل المجتهدِ‪ ،‬ولـكن أخذ َ‬ ‫ل العلم‪( :‬أ َّ ّ‬
‫ن ابن عمر كان يأخذ بمذهب زيد بن ثابت؛ ليس أخذ َ المقلد ِ لقو ِ‬ ‫ل أه ُ‬
‫نق َ‬
‫المجتهد بقول مجتهد آخر‪ ،‬فكلاهما من أئمة الاجتهاد رضي الل ّه عنهما)‪.‬‬

‫فليأت معاذ بن‬


‫ِ‬ ‫فليأت زيد بن ثابت وم َن أراد الفقه‬
‫ِ‬ ‫‪-‬وكان عمر ‪-‬رضي الل ّه عنه‪ -‬يقول‪( :‬م َن أراد الفرائض‬
‫جبل‪ ،‬وم َن أراد المال فليأتني)‪.‬‬

‫مذهب متبوعٌ في الحجاز (مكة تحديد ًا)؛ لأن الحجاز‬


‫ٌ‬ ‫‪-‬وكذلك من المكثرين‪ :‬عبد الل ّه بن عباس؛ فقد كان له‬
‫يشمل مكة والمدينة‪ ،‬وكان أعيان الفقهاء في مكة بعد وفاته هم تلاميذه‪ ،‬وكذلك كان أعيان الفقهاء في‬
‫المدينة بعد وفاة ابن عمر هم تلاميذه‪.‬‬

‫المرتبة الثانية‪ :‬المتوسطون‪:‬‬


‫‪-‬نقل الإمام ابن القيم ‪-‬رحمه الل ّه‪ -‬في كتابه (إعلام الموقعين) تقرير الإماـم ابن حز ٍم ‪-‬رحمه الل ّه‪( -‬أنه ي ُمكن‬
‫أن ت ُجم َع من فتاوى ك ّ ِ‬
‫ل واحدٍ منهم جزء ٌ صغير ٌ ج ّدا)؛ وهم‪( :‬أبو بكر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وأم سلمة‪ ،‬وأنس بن مالك‬
‫وأبو سعيد‪ ،‬وأبو هريرة‪ ،‬وعبد الل ّه بن عمر‪ ،‬وعبد الل ّه بن الزبير‪ ،‬وأبو موسى الأشعري‪ ،‬وجابر بن عبد الل ّه‪،‬‬
‫ومعاذ‪ ،‬وسعد بن أبي وقاص‪ ،‬وسلمان الفارسي ‪-‬رضي الل ّه عنهم‪.)-‬‬

‫‪- 03 -‬‬
‫‪-‬ذُك ِر َ معاذ ٌ في هذه المرتبة من جهة أنه لم ي ُنقل عنه فتاوى كثير ًا كالطبقة الأولى‪ ،‬أما من جهة العلم‪ :‬فقد‬
‫كان معاذ ٌ فقيه ًا عالم ًا في اليمن و بلاد الشام وكان له تلاميذ بها‪ ،‬وكان من أعلم الأ َّمّة بالحلال والحرام‪.‬‬

‫المرتبة الثالثة‪ :‬المُقلون‪:‬‬


‫‪-‬وهم عدد ٌ كبير ٌ؛ مائة ٌ وعشرة ٌ تقريب ًا (بقية المائة والثلاثين ممن نُق ِلت فتاويهم)‪ ،‬وهؤلاء المقلون ي ُمكن أن‬
‫ت ُجم َع فتاويهم جميع ًا في جزء ٍ صغيرٍ؛ وهم‪( :‬أبو الدرداء‪ ،‬والحسن‪ ،‬والحسين‪ ،‬وأب َيْ بن كعب‪ ،‬وأبو أيوب‪،‬‬
‫وأسماء‪ ،‬وزيد بن أرقم‪ ،‬وثوبان‪ ،‬وبريدة ‪-‬رضوان الل ّه عليهم‪.)-‬‬

‫المدارس الفقهية ُ للصحاـبة ِ‪:‬‬


‫ُ‬
‫‪-‬لم يكن لجميع فقهاء الصحابة مدرسة ٌ فقهية ٌ لها أتباعٌ يسيرون عليها؛ يقول ابن القيم ‪-‬رحمه الل ّه‪ -‬في كتابه‬
‫(إعلام الموقعين)‪( :‬انتشر َ الفقه ُ والعلم ُ في الأ َّمّة عن أصحاب ابن مسعود‪ ،‬وأصحاب زيد بن ثابت وأصحاب‬
‫عبد الل ّه بن عمر وأصحاب عبد الل ّه بن عباس ‪-‬رضي الل ّه عنهم‪ ،)-‬ولذا؛ فإن المدارس الفقهية التي تش َّكّلت‬
‫مدارس؛ وهم‪:‬‬
‫َ‬ ‫في زمن الصحابة هي ثلاثُ‬
‫المدرسة الأولى‪ :‬مدرسة المدينة‪:‬‬
‫ن‬ ‫ل إ َّ ّ‬
‫ن اب َ‬ ‫‪-‬وهي مدرسة ُ زيد بن ثابت ثم عبد الل ّه بن عمر ‪-‬رضي الل ّه عنهما‪-‬؛ يقول ابن جرير الطبري‪( :‬قي َ‬
‫عمرٍ وجماعة ً ممن عاشوا بعد زيد بن ثابت في المدينة‪ ،‬إنما كانوا يفتون بمذهب زيد بن ثابت؛ وما كانوا أخذوا‬
‫عنه مما لم يكونوا حفظوا من رسول الل ّه ﷺ فيه قول ًا)‪ ،‬و يقول مالك –فقيه وإمام أهل المدينة ‪( :-‬كان‬
‫إمام ُ الناس بالمدينة بعد عمر زيد بن ثابت‪ ،‬وكان إمام ُ الناس بعده عبد الل ّه بن عمر)‪.‬‬

‫المدرســة الثانية‪ :‬مدرسة مـــكة‪ :‬وهي مدرسة ُ ابن عباس ‪-‬رضي الل ّه عنهما‪.-‬‬

‫المدرســة الثالثة‪ :‬مدرسة العراق‪ :‬وهي مدرسة ُ ابن مسعود ‪-‬رضي الل ّه عنه‪ ،-‬وتتركز في الـكوفة‪.‬‬

‫‪- 04 -‬‬
‫(إلى ‪111‬هـ تقريبًا)‬ ‫المذاهب‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫المفردة الخامسة‪ :‬مرحلة ُ الفقه ِ قب َ‬
‫ن التابعين ِ؛ وأهم مدارسهم‬
‫ثانيًا‪ :‬الفقه ُ في زم ِ‬
‫‪-‬استمر الفقه الإسلامي على يد فقهاء وأئمة التابعين من طلاب الصحابة ‪-‬رضوان الل ّه عليهم‪-‬؛ وأبرز المدارس‬
‫الفقهية في زمن التابعين هي‪:‬‬

‫‪ -1‬مدرسة ُ المدينة ِ‪:‬‬


‫‪-‬ظهر فيها الفقهاء ُ السبعة من التابعين؛ وهم (عبيد الل ّه بن عبد الل ّه بن عتبة بن مسعود‪ ،‬وع ُروة بن الزبير‪،‬‬
‫والقاسم بن محمد بن أبي بكر‪ ،‬وسعيد ابن المُسيب‪ ،‬وأبو بكرٍ بن حزم‪ ،‬وسُليمان بن يَسار‪ ،‬وخارِجه بن زيد)‪،‬‬
‫وقد جمعهم الشاعر بقوله‪:‬‬
‫ل م َن في العلم سبعة ُ أبحرٍ **** روايت ُهم ليست عن العلم ِ خارجه‬
‫(إذا قي َ‬
‫فقل هم‪ :‬ع ُبيد الل ّه عروة ُ قاسم ُ **** سعيدٌ أبو بكرٍ سليمانُ خارجـه)‪.‬‬
‫‪-‬كذلك؛ كان في المدينة‪ :‬سالم بن عبد الل ّه بن عمر ‪-‬رضي الل ّه عنهما‪ ،-‬ونافع مولى بن عمر؛ الذي أخذ عنه‬
‫الإمام مالك السلسلة الذهبية (وهي أصح ما ي ُروىَ عن ابن عمر؛ وهي‪ :‬مالك عن نافع عن ابن عمر)‪ ،‬وكان‬
‫في المدينة أيضًا‪ :‬محمد بن عبيد الل ّه بن شهاب الزهري‪.‬‬

‫وأكثر فقهائها من طلاب ابن عباس؛ وهم‪( :‬عطاء‪ ،‬وطاوس بن كيسان‪ ،‬ومجاهد‬ ‫‪ -2‬مدرسة ُ مكة َ‪:‬‬
‫بن جبر‪ ،‬وعكرمة ‪-‬رحمهم الل ّه‪.)-‬‬

‫مدرسة ُ البصرة ِ‪ :‬ومن فقهائها‪( :‬الحسن بن يسار البصري‪ ،‬ومحمد بن سرين‪ ،‬وأبو قلابة‪ ،‬وقتادة بن‬ ‫‪-3‬‬
‫دعامة السدوسي)‪.‬‬

‫‪ -4‬مدرسة ُ الـكوفة ِ‪:‬‬


‫‪-‬ومن فقهائها‪( :‬علقمة تلميذ ابن مسعود)‪ ،‬وأخذ َ عن علقمة إبراهيم النخعي‪ ،‬وأخذ عن إبراهي النخعي َّ‬
‫حم ّاد‬
‫بن زيد الذي أخذَ عنه أبو حنيفة وهذه (سلسلة المذهب الحنفي)‪ ،‬ومن فقهاء الـكوفة أيضًا‪( :‬مسروق‬
‫تلميذ ابن مسعود)‪ ،‬و(ع َبيدة السلماني) الذي أخذَ عن ابن مسعودٍ وعن علي بن أبي طالب ‪-‬رضي الل ّه عنه‪-‬‬
‫ل إليها َّلم ّا تولى الخلافة‪ ،‬ومن فقهاء الـكوفة‪( :‬شريح القاضي ‪-‬رحمهم‬
‫؛ لانتشار فقه علي في الـكوفة الذي انتق َ‬
‫الل ّه‪.)-‬‬

‫‪- 05 -‬‬
‫(إلى ‪1311‬هـ تقريبًا)‬ ‫هب الفقهية ِ‬
‫المفردة السادسة‪ :‬مرحلة ُ المذا ِ‬

‫س الصحابة ِ الفقهية ِ‪:‬‬


‫ي وامتدادها لمدار ِ‬
‫لمذاهب الأربعة ِ العلم ِّ‬
‫ِ‬ ‫نسبُ ا‬
‫‪ -1‬مدرسة ُ المدينة ِ‪:‬‬
‫‪-‬فيها زيد ٌ ابن ثابت وأخذَ عنه ابن عمر‪ ،‬وأخذَ عن ابن عمر جمعٌ؛ منهم‪ :‬نافع وسالم‪ ،‬والإمام مالك أخذَ عن‬
‫الزهري عن سالم عن ابن عمر (وهذا من أصح الأسانيد عن ابن عمر أيضًا)‪ ،‬وكذلك أخذ َ الإمام مالك عن‬
‫نافع عن ابن عمر عالي ًا (أي‪ :‬بإسنادٍ أعلى من طر يق الزهري‪ :‬لأن بينه وبين ابن عمر نافع فقط‪ ،‬وهو من‬
‫أصح الأسانيد على الإطلاق)‪.‬‬
‫ثم ّ أخذ َ الإمام الشافعي عن الإمام مالك؛ فحفظ الموطأ وقرأه عليه وتف َّ ّقه على يديه‪ ،‬فقال له الإمام مالك‪:‬‬
‫‪َّ -‬‬
‫قذف في قلبك نور ًا؛ فلا ت ُطفئه بظلمة ِ المعصية)‪.‬‬
‫َ‬ ‫(يا ب ُني‪ :‬إني أرى أ َّ ّ‬
‫ن الل ّه قد‬
‫‪َّ -‬‬
‫ثم ّ أخذَ الإمام ُ أحمد عن الإمام الشافعي الفقه واستفاد منه؛ لـكنه لا يعتبر من تلامذته‪ ،‬لأن الشافعي‬
‫استفاد أيضًا من أحمد وأخذَ عنه الحديث‪ ،‬وبهذا نلحظ الامتداد العلمي لمدرسة المدينة‪.‬‬

‫‪ -2‬مدرسة ُ مكة َ‪:‬‬


‫ن عباس‪ ،‬أخذ َ عنه عمرو بن دينار‪ ،‬وأخذَ عن عمرو بن دينار سفيانُ بن عيينة؛ وهو صاحبُ‬ ‫‪-‬إمام ُها اب ُ‬
‫ل فقه أهل‬
‫ل لهما تحصي ُ‬ ‫ٍ‬
‫متبوع لـكنه اندرس‪ ،‬ثم أخذَ عن سفيان بن عيينة الشافعي ّ وأحمد؛ فحص َ‬ ‫مذهب‬
‫ٍ‬
‫مكة أيضًا‪.‬‬

‫ق والـكوفة ِ‪:‬‬
‫‪ -3‬مدرسة ُ العرا ِ‬
‫ن مسعود والإمام علي ‪-‬رضي الل ّه عنهما‪ ،-‬وأخذَ عن ابن مسعود علقمة ٌ‪ ،‬وأخذ َ عن علقمة إبراهيم ُ‬ ‫‪-‬إمامُها اب ُ‬
‫النخعي‪ ،‬وأخذَ عن إبراهيم َّ‬
‫حم ّاد بن زيد الذي أخذ َ عنه الإمام أبو حنيفة‪.‬‬

‫‪-‬يقول العلماء عن مذهب أبي حنيفة‪ :‬أن تأسيسه كان على فقه ٍ جماعيّ؛ لا يقتصر ُ على فقه أبي حنيفة فقط‪،‬‬
‫بل هو مجموعٌ من فقه أبي حنيفة مع فقه محمد بن حسن الشيباني مع فقه القاضي أبي يوسف وغيرهم؛ لأن‬
‫طر يقة الإمام أبو حنيفة في تقرير مذهبه الفقهي كانت عبارة عن حلقة ٍ يحضرها أساطين الفقهاء والقضاء‬
‫ل إن المسألة قد تُناقش في‬
‫وأكابر المحدثين وأكابر أهل الل ّغة؛ فت ُطرح المسألة ٌ ثم يتناقشون فيها‪ ،‬حتى قي َ‬
‫مجلس أبي حنيفة لمدة شهر‪َّ ،‬‬
‫ثم ّ إذا استقر َ القول في المسألة =يقررها الإمام أبو حنيفة في مذهبه‪.‬‬

‫‪- 06 -‬‬
‫‪-‬صاحبا الإمام أبي حنيفة هما‪ :‬محمد بن حسن الشيباني والقاضي أبو يوسف‪ ،‬أخذ َ عن القاضي أبو يوسف‬
‫ق كثيرة‪ ،‬وكذلك أخذ‬
‫الإمام ُ أحمد؛ فاتصل نسبه بالمدرسة الحنفية تحديد ًا وبفقه أهل الـكوفة من طر ٍ‬
‫الإمام ُ الشافعي عن أبي حنيفة من طر يق محمد بن حسن الشيباني؛ حتى قال الإمام الشافعي‪( :‬كتبتُ عن‬
‫ل له فقه الحنفية ومدرسة أهل العراق‪.‬‬
‫محمد بن الحسن وقر َ بعيرٍ من الـكتب)؛ فأخذ عنه واستفاد منه فحص َ‬

‫‪-‬أخذَ الإمام ُ أحمد عن الشافعي‪ ،‬وكذلك أخذَ فقه أهل مكة عن طر يق سفيان بن عيينة وغيره‪ ،‬وكذلك‬
‫والترابط بين المدارس الفقهية‪( ،‬وكان الإمام أحمد‬
‫ُ‬ ‫ل‬
‫أخذَ عن القاضي أبي يوسف‪ ،‬وهنا يظهر ُ التداخ ُ‬
‫أوسعهم ما َّدّة من جهة اتصاله بجميع المدارس الفقهية للصحابة‪ ،‬و ِ‬
‫سعة روايته عن الصحابة)‪.‬‬

‫‪-‬تم َّي ّز أئمة المذاهب بميزات مختلفة؛ فتم َّي ّز الإمام أبو حنيفة بقدرته على المناظرة والتقرير والاستدلال‪ ،‬حتى‬
‫ل)؛ وهذا من قوة حجة‬
‫ذهب لفع َ‬
‫ٍ‬ ‫قال الإمام مالك‪( :‬لقيتُ رجل ًا لو أراد أن ي ُقنعك أن هذه السار ية من‬
‫أبي حنيفة‪ ،‬أما الإمام أحمد فقد تم َّي ّز بسعة ِ روايته للحديث‪ ،‬وقد فاق جميع الأئمة في هذه الميزة خاصة ً فيما‬
‫َّ‬
‫يتعل ّق بأثار الصحابة؛ حتى قال فيه الناظم‪:‬‬
‫(فهْو م ِـــن الأئمـة ِ الـكباـرِ *** وأعـــــلم ُ الجمـــــ ِ‬
‫يع بالآثاـرِ‬
‫حاز َ في الفقـه ِ وفي العبادةْ *** والح ِفظِ والزهدِ ذُر َى السيادةْ‬
‫ق القرآن‪-‬‬
‫‪-‬يقصد محنة َ خل ِ‬ ‫ق فلم ْ يفــت َحْ فما‬
‫ل عن الحـــ ّ ِ‬
‫وقام بالإسلا ِم حينَ أحجما *** ك ُ ّ‬
‫خ الإســـلا ِم بغيرِ م ِْريَة ِ)‪.‬‬
‫وشي َ‬ ‫ل قـُ ْدوَة ِ ***‬
‫فكاـنَ ق ُــ ْدوَة ً لك ِ‬
‫ل؛ يأخذ ُ التلاميذ فيه عن شيوخهم‪ ،‬ومنه‪ :‬امتداد ُ السلسلة الفقهية‬
‫ي متص ٌ‬
‫نسب علم ّ‬
‫ٌ‬ ‫فاـئدة‪ :‬إ َّ ّ‬
‫ن الفقه‬
‫ق يوصله إلى الإمام‬
‫لمشايخ الدكتور عامر بهجت إلى أئمة المذاهب؛ مثل‪( :‬الشيخ عبد الل ّه بن عقيل) له طر ي ٌ‬
‫أحمد من طر يق (الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ) و(الشيخ عبد الرحمن السعدي) ‪-‬رحمهم الل ّه‪-‬‬

‫المذاهبُ الفقهية ُ الأربعة‪:‬‬


‫صن ّف فيها‪ ،‬وقد ذكر َ الإمام ابن رجب ‪-‬رحمه الل ّه‪ -‬في‬ ‫‪-‬ما زالت هذه المذاهب قائمة ً إلى اليوم ي ُفتى بها و ي ُ َّ‬
‫ظ القرآنَ وهيئ الأسباب لذلك؛ منها‪:‬‬ ‫عز وج َّ ّ‬
‫ل‪ -‬حف ِ َ‬ ‫رسالته للرد على م َن اتبع غير هذه المذاهب‪( :‬أ َّ ّ‬
‫ن الل ّه ‪ّ َّ -‬‬
‫ومصحف واحد‪ ،‬وكذلك؛ هيئ الل ّه ُ من‬
‫ٍ‬ ‫حرف‬
‫ٍ‬ ‫قيام عثمان بن عثمان ‪-‬رضي الل ّه عنه‪ -‬بجمع الناس على‬
‫الأسباب لحفظ الس ُ َّن ّة بالأسانيد وبعلم الرجال؛ فقام المح ّدِثون بجهودٍ عظيمة ٍ في دراسة أسانيدها ومعرفة‬
‫طُر ُقها ورجالها‪ ،‬وكذلك؛ هيئ الل ّه الأسباب لحفظِ العلم والفقه؛ وذلك عن طر يق هذه المذاهب الأربعة‪،‬‬
‫فجمع الل ّه ُ بها الأ َّمّة)‪.‬‬

‫‪- 07 -‬‬
‫‪-‬لذا؛ فإن من التصو ّر الخاطئ‪ :‬أن تجد َ م َن يُحارب المذاهب الفقهية لتصو ّره أنها سبب ًا لتفرق الأ َّمّة‪ ،‬بل‬
‫سبب لاجتماع الناس‪ .‬وكذلك؛ قد يتصو ّر البعض أن المذاهب الأربعة تتمثل في شخص أربعة أئمة‬
‫ٌ‬ ‫كانت‬
‫مجتهدين فقط دون مئات المجتهدين من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين‪ ،‬وهذا خطأٌ؛ فقد اجتمعت‬
‫المدارس الفقهية ُ للأ َّمّة في هذه المذاهب الأربعة (وقد عرفنا ذلك من امتداد المدارس الفقهية ونسب‬
‫ُ‬
‫المذاهب لها)‪.‬‬
‫مذهب من المذهب الأربعة؛ يتضمن ذلك‪ :‬اسم َ إمام المذهب ونسب َه‬
‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫تنبيـه‪ :‬يبدأ الشيخ بالتعر ِ‬
‫يف بك ّ ِ‬
‫مر بها المذهب وأبرز َ فقهاء المذهب في كل مرحلة ٍ‪.‬‬
‫ل التي َّ ّ‬
‫وتار يخ َه وعبادت َه وعلم َه‪ ،‬والمراح َ‬

‫المذهب الأوّل‪ :‬مذهبُ الإما ِم أبي حنيفة‪:‬‬


‫الاسم والنسب والتاريخ‪:‬‬
‫ل الأئمة من جهة الزمان؛ فقد ول ِد َ في سنة ثمانين للهجرة وتُوفي سنة مائة وخمسين للهجرة (‪-81‬‬
‫‪-‬هو أوّ ُ‬
‫‪151‬هـ) وهي السنة التي ولِد َ فيها الإمام الشافعي‪ ،‬وهو النعمان ابن ثابت ابن ز ُو َطة أو ز ْوطة‪ ،‬اخت ُل ِف في‬
‫نسبه؛ قيل إ َّن ّه فارسي وقيل إنه عربي‪.‬‬
‫‪-‬أثبت كثير ٌ من التابعين أ َّ ّ‬
‫ن الإمام أبا حنيفة رأى أنس بن مالك‪ ،‬نعم لم تثبتُ له رواية ٌ عن الصحابة‪،‬‬
‫فإن ّه الوحيد من الأئمة الأربعة الذي ع ُ َّ ّد‬
‫ِف َّأن ّه معدود ٌ من التابعين‪ ،‬وعليه؛ َّ‬
‫لـكن ثبتت له الرؤ ية وبها وُص َ‬
‫في التابعين‪ ،‬وهناك م َن يرى أ َّ ّ‬
‫ن أبا حنيفة من أتباع التابعين؛ فلا يثبتُ له رؤ ية أنس بن مالك‪.‬‬

‫العبادة والتقوى‪:‬‬
‫وصف لأئمة السلف‪ ،‬وقد ذكر َ الذهبي في‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬جمع الإماـم أبو حنيفة بين الإمامة في العلم والعبادة‪ ،‬وكان هـذا‬
‫(سِير أعلام النبــلاء) قال‪( :‬رويَ من وجهين أ َّ ّ‬
‫ن أبا حنيفة قرأ القرآنَ كله في ركعة ٍ)‪ ،‬وهذا ثبتَ عن غير‬
‫واحد من السلف‪ ،‬وهذا متصوّر ٌ وممكن وفيه دلالة ٌ على عبادته وزهده ‪-‬رحمه الل ّه‪.-‬‬
‫‪-‬يقول أبو عاصم النبيل‪( :‬كان أبو حنيفة ي ُس َّمّى الوتد لـكثرة صلاته)‪ ،‬ومما يدل على تقواه َّأن ّه لما قال له‬
‫انتفض واصْ فر َ وأطرق وقال‪( :‬جزاك َ الل ّه خير ًا؛ ما‬
‫َ‬ ‫الن ّاس‪( :‬اتق الل ّه)‪ ،‬فما كان منه إلا َّأن ّه‬
‫ل من عامة َّ‬ ‫رج ٌ‬
‫وقت إلى م َن يقول لهم مثل هذا)‪ ،‬وهذا ما يحتاجه العالم‪ :‬مقو ّم الجانب العلمي ومقو ّم‬ ‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫الن ّاس ك َّ ّ‬
‫ج َّ‬‫أحو َ‬
‫الجانب الإيماني؛ ولا يكتفي بأحدهما عن الآخر‪.‬‬

‫العلم والذكاء‪:‬‬
‫‪-‬قيل للإمام مالك‪( :‬هل رأيت أبا حنيـفة؟)‪ ،‬قال‪( :‬نعم؛ رأيت رجل ًا لو كلمك في هذه السار ية أن يجعلها‬

‫‪- 08 -‬‬
‫ذهب ًا لقام بحجته) دلالة ً على قوة الحجة‪ ،‬وقد كانت حلقة ُ الإمام أبي حنيفة حلقة َ مناظرة ٍ مكتظة ٍ بأئمة‬
‫الدين‪ ،‬وكانت الحلقة الرئيسية في الـكوفة؛ يحضرها القضاء والعلماء وأهل الل ّغة وأهل الحديث‪ ،‬وكان يفتح‬
‫المجال للنقاش فإذا أخطأ =ردوا عليه‪ ،‬ولهذا ي ُروى أن وكيع ًا بن الجراح قيل له‪( :‬أخطأ أبو حنيفة)‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يخطأ أبو حنيفة وعنده مثل محمد بن الحسن وأبو يوسف في فقههم‪ ،‬وعنده مثل فلان بن فلان‬
‫(كيف ُ‬
‫وذكر رجل ًا من أئمة الل ّغة‪ ،‬وعنده حفص بن غِياـث في الحديث‪ ،‬وعنده الفضيل بن عياض في الزهد‪ ،‬إذا‬
‫أخطأ ردوا عليه)‪ ،‬ولهذه؛ فإن مذهب أبي حنيفة نشأ نشأة ً جماعية ً‪.‬‬
‫ل على أبي‬
‫الناس في الفقه عيا ٌ‬
‫‪-‬قال الإمام ابن المبارك‪( :‬أبو حنيفة أفقه ُ الناس)‪ ،‬وقال الإمام الشافعي‪ُ ( :‬‬
‫حنيفة)؛ فشهد مالك والشافعي من أئمة المذاهب للإمام أبي حنيفة بالفقه‪.‬‬

‫تاريخ المذهب الحنفي وأشهر رجاله‪:‬‬


‫مر مذهبُ الإمام أبي حنيفة بثلاثة مراحل في تدوينه؛ وهم‪:‬‬
‫‪ّ َّ -‬‬
‫المرحلة الأولى‪ :‬دوْر النشوء والتكوين (إلى ‪214‬هـ)‪:‬‬
‫‪-‬تبدأ نشأة المذهب الحنفي من الإمام أبي حنيفة ومعه القاضي أبو يوسف الذي ول ِد َ سنة مائة وثلاثة عشر‬
‫وتوفي سنة مائة وثلاثة وثمانين للهجرة (‪183-113‬هـ)‪ ،‬وكان الإمام أبو يوسف ركناً من أركان المذهب‬
‫الحنفي؛ فكان له دور ٌ كبير ٌ في انتشار المذهب الحنفي‪ ،‬وسبب ذلك‪َّ :‬أن ّه كان مسؤول القضاء في الدولة‬
‫العباسية؛ فكان يقضي بمذهب أبي حنيفة‪ ،‬وكذلك عيَّ ّن الإمام أبو يوسف كثير ًا من القضاة الفقهاء من‬
‫أتباع المذهب الحنفي‪.‬‬

‫ضا‪ :‬الإمام محمد بن الحسن الشيباني؛ وإن كان للقاضي أبو يوسف دور ٌ في نشر‬
‫‪-‬من أركان المذهب الحنفي أي ً‬
‫المذهب من الناحية العملية القضائية‪ ،‬فإن للإمام محمد دور ٌ كبير ٌ في نشر المذهب من ناحية التدوين‬
‫كت ُب الإمام محمد‬
‫كت ُب القاضي أبي شيء ٌ كثير ٌ؛ ككتاب (الخراج)‪ ،‬بينما كانت ُ‬
‫ق من ُ‬
‫والتصنيف‪ ،‬فلم يب َ‬
‫ب تُعر َف بـ(كُت ُب ظاـهر الرواية) وهي‪:‬‬
‫بن حسن الشيباـني هي الع ُمــدة في المذهب الحنفي؛ وله ستة ُكُت ُ ٍ‬
‫سير الصغير)‪،‬‬ ‫(المبسوط وي ُس َّمّى الأصل‪ ،‬والجامع الصغير‪ ،‬والجامع الـكبير‪ ،‬والز يادات‪ ،‬وال ِ‬
‫سير الـكبير‪ ،‬وال ِ‬
‫وقد ت ُوفي الإمام محمد سنة مائة وتسعة وثمانين للهجرة (‪189‬هـ)‪.‬‬

‫ل أصحابه موت ًا‪ ،‬ت ُوفي سنة مائة وثمانية‬


‫‪-‬ومن أصحاب أبي حنيفة وطلابه‪ :‬الإمام ز ُفر بن اله ُذيل؛ وهو أوّ ُ‬
‫وخمسين للهجرة (‪158‬هـ)‪.‬‬
‫‪-‬ومن أصحاب أبي حنيفة أيضًا‪ :‬الإمام الحسن بن ز ياد اللؤلؤي؛ ت ُوفي سنة مائتين وأربعة للهجرة‬
‫(‪214‬هـ)‪ ،‬وهو آخر ُ أصحاب أبي حنيفة الذين اعت ُمدوا في مذهبه‪.‬‬
‫‪- 09 -‬‬
‫ق على القاضي أبي يوسف ومحمد بن الحسن في كتب المذهب الحنفي وكتب الخلاف‪( :‬الصاحبان)؛‬
‫‪-‬يُطل ُ‬
‫وهما من الفقهاء المجتهدين‪ ،‬فلم يكونا من المقلدة لأبي حنيفة‪ ،‬بل كانا جزء ًا في تكوين المذهب‪ ،‬وقد خالفوا‬
‫ن من أقوال‬‫بعض فتاواهم في المذهب الحنفي؛ فإن المذهب مكو ٌ‬ ‫ُ‬ ‫الإمام أبا حنيفة في مسائل واعت ُمِد َت‬
‫الإمام أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وأحيان ًا ز ُفر بن اله ُذيل وغيرهم في المسألة الواحدة‪.‬‬

‫‪-‬وعليه؛ قد يكون اعتماد ُ الفتوى عند الحنفية على قول الصاحبين وليست على قول الإمام أبي حنيفة؛‬
‫خاصة ً أنهما لم يقتصرا في أخذهم وتلقيهم على أبي حنيفة‪ ،‬بل التقيا بالإمام مالك وأخذا عنه ورو يا عنه‬
‫ل الإمام محمد بن الحسن إلى مالك =رج َع وعنده شيء ٌ من المزج بين مدرسة‬ ‫(الموطأ)‪ ،‬وعليه؛ لما رح َ‬
‫العراق ومدرسة المدينة‪ ،‬مما أ َّث ّر على المدرسة الحنفية‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬دوْر التوسع والنمو والانتشار (إلى ‪ 711‬هـ)‪:‬‬


‫ل الإمام أبي حنيفة وغيره من أئمة المذهب في المرحلة الأولى‪ ،‬ثم بدأ تدوين المذهب؛ فبدأ‬
‫ِعت أقوا ُ‬
‫‪-‬جُم ْ‬
‫العلماء بالنظر في هذه الأقوال‪ ،‬ف َّ‬
‫صن ّفوا فيها الم ُختصرات والمتون لبيان المعتمد في المذهب؛ ومن ذلك ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬الإمام أبو جعفر الطحاوي‪ :‬وهو صاحب الكتاب المشهور في العقيدة (العقيدة الطحاو ية)‪ ،‬كتب‬
‫مختصر ًا في الفقه‪.‬‬
‫‪ -2‬الإمام السرخسي‪ :‬كتب كتاب (المبسوط)‪.‬‬

‫‪ -3‬الإمام الكاساني‪ :‬كتب كتاب (بدائع الصنائع)؛ شرح فيه كتاب (تحفة الفقهاء) وهو لأحد علماء‬
‫الحنفية وهو أبو الليث السمرقندي‪ ،‬ولهذا يقولون‪( :‬شرح تحفت َه ُ وتز َّوّ َ‬
‫ج ابنت َه ُ)‪.‬‬

‫‪ -4‬الإمام الـكرخي‪ :‬له كتابُ (مختصر الـكرخي)‪.‬‬


‫‪ -5‬الإمام الق ُدوري‪ :‬له كتابُ (مختصر الق ُدوري)؛ وهو أحد المتون الأساسية في مذهب الحنفية و يسمونه‬
‫ح له باسم (اللُباب في شرح الكتاب)‪.‬‬
‫(الكتاب)‪ ،‬وهناك شر ٌ‬

‫‪ -6‬الشيخ المرغناني‪ :‬له كتاـبُ (بداية المبتدي)؛ اشتغل به الحنفية اشتغاـل ًا كبير ًا‪ ،‬ف َّ‬
‫صن ّفوا عليه الشروح؛‬
‫ومنه‪ :‬شرح مؤلفه (الهداية شرح البداية)؛ اعتنى علماء الحنفية بهذا الشرح؛ ف َّخر ّجوا أحاديثه وشرحوه‬
‫ٍ‬
‫بشروح كثيرة منها الكتاب المعروف بـ(شرح فتح القدير)‪ ،‬وكذلك كتاب (البناية شرح الهداية) وغيرهما‪.‬‬

‫ح بع َّ ّدة‬
‫‪ -7‬الإمام الن َسفي‪ :‬له كتاب (كنز الدقائق)؛ وهو أحد ُ المتون المعتمدة في مذهب الحنيفة؛ وقد ش ُرِ َ‬
‫شروح كثيرة؛ منها‪ :‬كتاب (البحر الرائق في شرح كنز الدقائق)‪ ،‬وكتاب (تبين الحقائق شرح كنز الدقائق)‬ ‫ٍ‬

‫للز يلعي‪.‬‬
‫‪- 21 -‬‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬د ْور الاستقرار (بعد ‪711‬هـ)‪:‬‬
‫‪-‬استقر مذهب الإمام أبي حنيفة بعد سبعمائة وعشرة للهجرة؛ فاستقرت المتون المعتمدة واشتغل العلماء‬
‫بالتصنيف في شرحها وبيان معانيها؛ ومن هؤلاء العلماء ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬الإمام ابن نُجيم الحنفي‪ :‬كتب كتاب (البحر الرائق شرح كنز الدقائق)‪.‬‬
‫‪ -2‬الإمام ابن عابدين‪ :‬كتب حاشيته (ردّ المحتار) على (شرح الدر المختار) للحصكفي على كتاب (تنوير‬
‫الأبصار) للتمرتاشي‪ ،‬وهو ختام ُ التصنيف في مذهب الحنفي‪.‬‬

‫فاـئدة‪ :‬لا يلزم الطالب أن َّ‬


‫يتكل ّف ب حفظ أسماء هذه الـكتب في هذه المرحلة من المدخل إلى علم الفقه‪،‬‬
‫فلا يُمكن لطالب العلم أن يُتقن حفظ أسماء هذه الـكتب إلا بالدخول إلى المكتبة الفقهية والاشتغال‬
‫بممارسة البحث الفقهي والتخصص فيه؛ حتى يصير حفظ أسماء هذه الـكتب ومؤلفيها سجية ً عنده‪ ،‬فتستقر‬
‫عنده بمرور مراحل ترقية في دراسة علم الفقه‪.‬‬

‫المذهب الثاني‪ :‬مذهبُ الإما ِم مالك‪:‬‬


‫الاسم والنسب والتاريخ‪:‬‬
‫‪-‬الثاني من المذاهب الفقهية من حيث التسلسل الزمني هو مذهب الإمام مالك إمام ُ دار الهجرة‪ ،‬وهو‬
‫مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي؛ فلا ينتسبُ إلى أنس بن مالك الصحابي‪ ،‬وقد اخت ُل ِف في‬
‫نسبه ر ُغم الاتفاق على كونه من قحطان‪.‬‬
‫‪-‬ولِد َ الإمام مالك سنة ثلاثة وتسعين للهجرة‪ ،‬وهي السنة التي ت ُوفي فيها أنس بن مالك ‪-‬رضي الل ّه عنه‪،-‬‬
‫وتُوفي الإمام مالك في سنة مائة وتسعة وسبعين للهجرة (‪179-93‬هـ)‪ ،‬وقد وفقه الل ّه أن تشَّ ّهد َ عند وفاته‬
‫ثم قال‪( :‬لل ّه الأمر من قبل ومن بعد)‪.‬‬

‫العبادة والتقوى‪:‬‬
‫‪-‬كان شأنُ الإمام مالك شأنَ أئمة السلف؛ حيث كانوا على قدرٍ عظيٍم في العبادة والتقوى والخشية من‬
‫لأخت الإمام مالك‪( :‬ما كان شغله في بيته؟)‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الل ّه‪ ،‬وهذا رأس العلم وهو (مخافة الل ّه)‪ ،‬ولهذا؛ َّلم ّا قي َ‬
‫ل‬
‫قالت‪( :‬كان شغل ُه ُ المصحف والتلاوة)‪.‬‬
‫‪-‬يقول الإمام ابن وهب‪( :‬لو شئتَ أن أملأ ألواحي من قول مالك لا أدري لفعلت ‪-‬يقصد المسائل التي‬
‫ٍ‬
‫بضع‬ ‫ل من العراق إلى الإمام مالك؛ فسأله عن‬
‫أجاب فيها الإمام مالك بلا أدري‪( ،)-‬وقد جاء َ رج ٌ‬
‫ست وثلاثين مسألة ٍ منها لا أدري)‪.‬‬
‫وأربعين مسألة ً‪ ،‬فقال في ٍ‬

‫‪- 20 -‬‬
‫فــوائد‪:‬‬
‫‪-‬من أعظم ما يجب أن يتربى عليه طالب العلم‪ :‬أن يحفظ كلمة (لا أدري) و يجعل له فيها ورْد ٌ‪ ،‬لا أن‬
‫يُطلق الكلام في دين الل ّه حتى لا يق َع في الافتراء على الل ّه بغير علمٍ؛ فينسبَ لدينه ما لا ليس منه‪ ،‬فإن هذه‬
‫الفواحش ما ظهر َ منها وما بطن والإثم والبغي َ بغير الحق‬
‫َ‬ ‫من كبائر الذنوب؛ قال تعالى‪" :‬ق ُلْ إنما ح َّرّم َ ربي‬
‫وأن تشركوا بالل ّه ما لم ي ُنزِّل به سلطان ًا وأن تقولوا على الل ّه ما لا تعلمون"‪ ،‬وكان هذا دأبُ الأئمة‪.‬‬

‫‪-‬يقول الدكتور عاـمر بهجت‪( :‬حدَنا بعض المشاـيخ وهو الشيخ محمـد بن عبد الل ّه الحسين ‪-‬رحمه الل ّه‪ -‬من‬
‫طلاب الشيخ محمد بن إبراهيم يقول‪ :‬كنا نسأل الشيخ محمد بن إبراهيم ‪-‬مفتي الديار السعودية‪ -‬عن بعض‬
‫المسائل الواضحة‪ ،‬فيقول لنا لا أدري‪ ،‬فعرفنا بعد ذلك أن الشيخ يريد أن يربينا على هذه الكلمة)‪.‬‬

‫جلس الإمام أحمد أكثر ُ‬


‫‪-‬كان العلماء يتلقون عن شيوخهم الأدب والسمت قبل العلم‪ ،‬ولهذا؛ كان يحضر ُ م َ‬
‫من خمسة آلاف‪ ،‬لـكن الذين يكتبون العلم فيهم نحو خمسائة‪ ،‬والبقية يأخذون من سمته وأدبه وهديه‬
‫وخشيته؛ ومن ذلك‪( :‬كان ابن مسعود أشبه الناس بالنبي ﷺ في هديه وسمته‪ ،‬وكان علقمة ٌ يشبه ابن‬
‫مسعود في هديه وسمته‪ ،‬وكان إبراهيم ُ النخعي يشبه علقمة َ في هديه وسمته‪ ،‬وكان منصور ُ بن المعتمر يشبه‬
‫إبراهيم َ في هديه وسمته‪ ،‬وكان سفيانُ الثوري يشبه منصور في هديه وسمته‪ ،‬كان وكي ُع بن الجراح يشبه‬
‫سفيان في هديه وسمته‪ ،‬وكان أحمد ُ بن حنبل يشبه وكيع في هديه وسمته‪ ،‬وكان أبو داود سليمان بن‬
‫أبيات شعر ية بديعة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫الأشعث يشبه أحمد في هديه وسمته) وقد نظمها الشيخ محمد سالم ولد عدود في‬

‫‪-‬قال الإمام ابن مهدي ‪-‬رحمه الل ّه‪( :-‬ما رأيتُ أحدًا أهيبُ ولا أتم ّ عقل ًا من مالك ولا أش ّد تقو ًى منه)؛‬
‫ن‬
‫يلبس أحس َ‬
‫ل ويتطيبَ و َ‬ ‫وكان الإمام مالك معظم ًا للس ُ َّن ّة؛ (فلا يأتي مجلس الحديث إلا بعد أن يغتس َ‬
‫َيابه‪ ،‬حتى يروىَ أنه ل ُد ِغَ في مجلس الدرس فما ت َّحر ّك تعظيم ًا لس ُ َّن ّة النبي ﷺ)‪.‬‬

‫العلم والذكاء‪:‬‬
‫اس أكباد َ الإبل في طلب العلم؛‬ ‫ن َّ‬
‫الن ّ ُ‬ ‫‪-‬من أعظم ما نال الإمام مالك من شرف العلم‪ :‬قول النبي ﷺ‪" :‬ليضرب َ‬
‫فلا يجدون أعلم َ من عالم المدينة"؛ قال سفيان بن عيينة‪( :‬هو مالكٌ ؛ ما ترك على ظهرِ الأرض مثل َه ُ)‪.‬‬

‫‪-‬من علمه وذكائه‪َّ :‬أن ّه تأ َّه ّل للف ُتيا وجلس للإفادة وعمره واحد وعشرين (‪ )21‬سنة‪ ،‬قال الإمام مالك‪:‬‬
‫(ما أفتيتُ إلا بعد أن شهد لي سبعون م َّحن ّك ًا أني أه ٌ‬
‫ل لذلك)‪ ،‬وقال الشافعي‪( :‬إذا ذ ُك ِر َ العلماء ُ فمالكٌ‬
‫النجم ُ)‪.‬‬
‫ْس تجديد َ نيتك؛ وســؤال الل ّه إصلاحهاـ"‬
‫"لا تن َ‬

‫‪- 22 -‬‬
‫تاريخ المذهب المالـكي وأشهر رجاله‪:‬‬
‫مر المذهب بثلاثة مراحل؛ وهم‪:‬‬ ‫‪ّ َّ -‬‬
‫المرحلة الأولى‪ :‬د ْور النشوء والتكوين (إلى ‪282‬هـ)‪:‬‬
‫‪-‬تتمثل بداية هذا الد ْور بتدريس الإمام مالك وتصنيفه في الفقه والحديث‪ ،‬فكتب (الموطأ) في الحديث‬
‫والفقه؛ حيث يذكر الأحاديث و يُعل ّق عليها‪ ،‬ويبوِ ّب عليها أبواب ًا فقهية‪ ،‬ويذكر مذهبه في مسائله‪ ،‬قال‬
‫اب أصح من الموطأ)‪.‬‬
‫الشافعي ‪-‬قبل تصنيف الصحيحين‪( :-‬ما تحتَ أدي ِم السماء كت ٌ‬

‫‪-‬من أكبر طلاب الإمام مالك وأكثرهم نشر ًا لمذهبــه‪ :‬عبد الرحمن بـن القاسم المصري‪ ،‬وقد تُوفي سنة مائة‬
‫وواحد وتسعين للهجرة (‪191‬هـ)‪.‬‬
‫‪-‬أخذ عن الإمام مالك أيضًا‪ :‬أسد بن الفرات وسحنون‪ ،‬وهؤلاء الثلاثة هم الذين َّ‬
‫صن ّفوا (المدونة) الذي‬
‫َّ‬
‫صن ّفها سحنون أخذًا عن أسد بن الفرات عن مسائل عبد الرحمن بن القاسم‪ ،‬و(المدونة) هي الكتاب الأم في‬
‫مذهب الإمام مالك‪ ،‬وت ُس َّمّى أيضًا بـ(مسائل سحنون)‪.‬‬
‫ل للإمام سحنون بمسألة ٍ‪ ،‬فقال له‪ :‬إن مسألتك هذه معضلة ٌ‪ ،‬فقال له‪ :‬أنت لها يا إماـم‪،‬‬
‫‪-‬قيلَ‪( :‬جاء رج ٌ‬
‫فقال الإماـم سحنـــون‪ :‬ليس بقولك هذا أعرض جسدي على النار)‪.‬‬

‫حت واخت ُص ِر َت‪ ،‬ورواية ابن القاسم لها‬


‫‪-‬ثم صار ع ُمدة المالـكية على (المدونة) بعد تصنيفها؛ فه ُذِب َت وش ُر ِ َ‬
‫هي المق َّ ّدمة عند المالـكية‪.‬‬
‫‪-‬ومن طلاب الإمام مالك أيضًا‪ :‬الإمام ابن وهب ‪-‬رحمه الل ّه‪ -‬المتوفي سنة مائة وتسعة وتسعين للهجرة‬
‫(‪199‬هـ)‪ ،‬وقد أخرج له أصحابُ كتب الأحاديث الستة‪ ،‬وسبب وفاته‪( :‬أ َّ ّ‬
‫ن طلابه كانوا يقرؤون عليه كتابه‬
‫(الجامع)؛ فلما وصلوا إلى كتاب أهوال يوم القيامة؛ أخذه شيء كالغشي‪ ،‬فح ُمل إلى داره فلم ينزل كذلك‬
‫إلى أن مات)‪ ،‬وهذا من شدة خوفه وخشيته لل ّه‪.‬‬

‫‪-‬ومن طلاب الإمام مالك أيضًا‪ :‬الإمام أشهب المصري المتوفى سنة مائتين وأربعة للهجرة (‪214‬هـ)‪،‬‬
‫وهذه سنة وفاة الإمام الشافعي والإمام الحسن بن ز ياد اللؤلؤي‪.‬‬
‫ٍ‬
‫تاريخ واحدٍ‪.‬‬ ‫فاـئدة‪ :‬من الأشياء التي تساعد طالب العلم في حفظ التواريخ‪ :‬أن يربط عدد ًا من العلماء في‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬دوْر التطور (إلى ‪616‬هـ)‪:‬‬


‫ح؛ ومن علماء هذه المرحلة ما يلي‪:‬‬
‫ت الـكتبُ والمختصراتُ والشرو ُ‬
‫صن ِّف ْ‬
‫‪-‬حيث ُ‬
‫كتب أخرى‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫وصن ّف كتابه (الرسالة)‪ ،‬وله‬ ‫‪ -1‬العالم ابن أبي زيد‪ :‬كان في القيروان‪،‬‬

‫‪- 23 -‬‬
‫َّ‬
‫وصن ّف كتابه (التلقين)‪ ،‬وهو من فقهاء وقضاة‬ ‫‪ -2‬القاضي عبدالوهاب بن نصر‪ :‬كان في العراق في بغداد‪،‬‬
‫أبيات من الشعر في الغزل؛ ذكرها الشيخ على الطنطاوي في كتابه (غزل الفقهاء)‪ ،‬ولما خرج‬
‫ٌ‬ ‫المالـكية‪ ،‬وله‬
‫من بغداد بسبب الفقر؛ أنشدَ قائل ًا‪:‬‬
‫ق‬
‫س دار ُ الضنكِ والضي ِ‬
‫ل طــيبة ٌ *** وللمفالي ِ‬
‫ل الما ِ‬
‫(بغداد ُ دار ٌ لأه ِ‬
‫بيت زنديق)‪.‬‬
‫مصحف في ِ‬
‫ٌ‬ ‫ظللتُ حيرانَ أمشي في أزقتها *** كأنني‬

‫كتب أخرى؛‬
‫ٌ‬ ‫‪ -3‬الإمام ابن عبدالبر‪ :‬كان في الأندلس‪ ،‬وله كتاب (الكافي) في فقه أهل المدينة وله‬
‫ككتاب (الاستذكار) وكتب (التمهيد) وكلاهما من شروح الموطأ‪ ،‬ولـكن (التمهيد) يعنى أصالة ً بالجانب‬
‫الحديثي و(الاستذكار) يعنى أصالة ً بالجانب الفقهي‪ ،‬وهو من الأئمة المحققين‪.‬‬

‫ل شرق ًا وغرب ًا في طلب العلم وما‬


‫‪ -4‬الإمام أبو الوليد الباجي‪ :‬وهذا من علماء الأندلس‪ ،‬طاف الدنيا ورح َ‬
‫ق في الحديث والأصول والفقه‪ ،‬وفي فترة ِ غيابه‪ :‬كان لمذهب ابن حزم‬
‫رجع إلى الأندلس إلا وهو إمام ٌ محق ٌ‬
‫يقف أمام ابن حزم في‬
‫(المذهب الظاهري) قوة ٌ في الأندلس؛ فما كان أحدٌ من فقهاء المالـكية يستطيع أن َ‬
‫المناظرة‪ ،‬فلما رج َع الإمام الباجي إلى الأندلس وقف لابن حزم في المناظرة؛ وصارت بينهما مناظرات‬
‫كثيرة انتعشت بها المدرسة المالـكية في الأندلس‪.‬‬
‫كتب؛ منها‪( :‬المنتقى) شرح الموطأ‪ ،‬ومنها في أصول الفقه كتاب (إحكام الف ُصول)‪ ،‬وله‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬للإمام الباجي‬
‫كتب في ع َّ ّدة فنون؛ في الحديث وفي الرجال وغيرهما‪ ،‬وهو من العلماء المحققين‪.‬‬
‫ٌ‬

‫فاـئدة‪ :‬من أعظم ما يبني و يكو ّن طاـلب العلم في الفقه‪ :‬مجاـلس المناظرة؛ وليس المقصــود بها الظهور‬
‫على الخصم‪ ،‬وإنما يقصد بها التف ّقه والتعل ّم؛ حينما يحضر طالب العلم مناظرة ً بين العلماء‪ ،‬يتناظرون بالأدب‬
‫والحجة والدليل والاستدلال‪ ،‬يردان على بعضهما بالطر يقة المنهجية العلمية =تتكو ّن في شخصية طالب العلم‬
‫ملـَكة ٌ عظيمة ٌ لا تحصل إلا بالمناظرة‪ ،‬ولذا؛ كانوا يذكرون في تراجم العلماء يقولون‪ :‬فلان درس على فلان‬
‫وتف َّ ّقه عليه وأخذ عنه المناظرة‪.‬‬

‫‪ -5‬الإمام ابن رشد‪ :‬صاحبُ كتاب (المق ّدِمات الممهدات)‪.‬‬


‫ن رشد عند المالـكية في تحقيق المذهب وتحريره وتصحيحه =في ُراد به (ابن رشد الجد)؛‬ ‫تنبيـه‪ :‬إذا أطل ِ َ‬
‫ق اب ُ‬
‫لأن عندنا ابن رشد الجد وابن رشد الحفيد‪ ،‬والمذكور هنا هو ابن رشد الجد‪ ،‬أما الحفيد‪ :‬فهو القاضي‬
‫صاحب كتاب (بداية المجتهد ونهاية المقتصد)‪ ،‬وقد اشتغل بشيء ٍ من الفلسفة‪.‬‬

‫ح على (صحيح مسلم)‪.‬‬


‫ضا‪ ،‬وهو عالم ٌ له شر ٌ‬
‫كتب كثيرة ٌ أي ً‬
‫ٌ‬ ‫‪ -6‬القاضي عياض‪ :‬له كتاب (المستنبطة)‪ ،‬وله‬
‫‪- 24 -‬‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬دوْر الاستقرار‪:‬‬
‫ت الـكتبُ والمختصراتُ ‪ ،‬وبدأ استقرار ومعرفة الصحيح من المذهب؛ ومن علماء هذه المرحلة‬
‫صن ِّف َ ْ‬
‫‪-‬حيث ُ‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫ضا مختصر ٌ في الفقه‪ ،‬وفي الأصول‪.‬‬
‫‪ -1‬الإمام ابن الحاجب‪ :‬له كتاب (جامع الأمهات)‪ ،‬وله أي ً‬

‫‪ -2‬الإمام القرافي‪ :‬صاحب كتاب (الذخيرة) وهو كتابٌ م ُوس ٌع في الفقه المالـكي والفقه المقارن‬
‫ضا وغيره من الـكتب‪.‬‬
‫والاستدلال‪ ،‬والقرافي من علماء المالـكية المحققين له كتاب (الفروق) أي ً‬

‫‪ -3‬العلامة خليل‪ :‬له كتاب (المختصر)؛ يمثل الاعتماد النهائي في القول المعتمد عند المالـكية‪ ،‬ولهذا؛ صارت‬
‫ل الـكتب بعد (مختصر خليل) تدور في فلـكه بالشروحات والحواشي؛ ومن شروحه‪ :‬كتاب (مواهب‬
‫ج ّ‬
‫الجليل في شرح مختصر خليل) للحطاب‪ ،‬و(الشرح الـكبير على مختصر خليل) للدردير‪ ،‬ثم جاء الدسوقي‬
‫ووضع حاشية ً على شرح الدردير‪.‬‬
‫يعكف الطالب على حفظها جملة ً‬
‫َ‬ ‫تنبيـه‪ :‬ليس المقصود ُ من سرد كتب مراحل تاريخ المذهب هو أن‬
‫صل لديه‬
‫ي هو ما يح ُ‬
‫واحدة ً‪ ،‬وإن كان سيضبطها في مرحلة ٍ ما من مراحل الدراسة‪ ،‬لـكن المقصود ُ الأساس ّ‬
‫عند المرور على هذه الـكتب من المعنى والمعرفة الإجمالية حتى لو نسيهم الطالب‪.‬‬

‫المذهب الثالث‪ :‬مذهبُ الإما ِم الشافع ِيّ‪:‬‬


‫الاسم والنسب والتاريخ‪:‬‬
‫‪-‬هو محمد بن إدريس الشافعي‪ ،‬يلتقي نسبه مع النبي ﷺ في جده عبد مناف‪ ،‬وهو مطلبيّ نسبة ً إلى المطلب‬
‫ي بـ(عبد المطلب) لأنهم رأوه معه فظنوا َّأن ّه عبده فقالوا (هذا عبد‬
‫عم عبد المطلب جد النبي ﷺ‪ ،‬وس ُم ِّ َ‬
‫ف بذلك‪.‬‬
‫المطلب) فع ُرِ َ‬
‫فاـئدة‪ :‬يُمكن حفظ نسب النبي ﷺ عن طر يق الأبيات التي نُظِم َت فيه‪ ،‬وهي مشهورة‪.‬‬

‫‪-‬ول ِد َ الإمام الشافعي في المشهور من الأقوال في غزة سنة مائة وخمسين للهجرة وتُوفي بمصر سنة مائتين‬
‫وأربعة للهجرة (‪214-151‬هـ)‪.‬‬

‫‪-‬كانت نشأته العلمية الأولى أن رحل إلى مكة وأخذ عن علمائها الفقه؛ فأخذ َ عن سفيان بن عيينة وغيره‪،‬‬
‫ثم رحل إلى المدينة وقرأ (الموطأ) على الإمام مالك وحفظه‪ ،‬ثم رحل إلى بغداد والتقى بمحمد بن الحسن‬
‫الشيباني؛ قال الشافعي‪( :‬كتبتُ عن محمد بن الحسن وقر َ بعيرٍ من الـكتب)‪.‬‬

‫‪- 25 -‬‬
‫‪-‬جمع الإمام الشافعي بين مدرسة الحجاز (مكة والمدينة) ومدرسة العراق؛ وكان هناك شيء من المنافسة بين‬
‫ل الحجاز) يقولون‪ :‬كان فينا النبي ﷺ وأكثر الصحابة‪ ،‬و(أهل العراق) يقولون‪ :‬كانت فينا‬
‫المدرستين؛ فـ(أه ُ‬
‫خلافة علي ‪-‬رضي الل ّه عنه‪ -‬وأخذنا الفقه عن ابن مسعود‪ ،‬جاء الإمام الشافعي َّ‬
‫فقر ّب بين فقه هاتين‬
‫المدرستين‪.‬‬

‫العبادة والتقوى‪:‬‬
‫‪-‬كان الإمام الشافعي مع علمه وفقه واجتهاده من َّ‬
‫العب ّاد؛ قال الربيع بن سليمان‪( :‬كان الشافعي ّ يختم القرآن‬
‫في شهر رمضان ستين ختمة)‪ ،‬وقال حسين الـكرابيسي‪( :‬ب ِتُ مع الشافعي ليلة ً؛ فكان يصلي نحو ثلث الليل‬
‫فما رأيته يزيد على خمسين آية فإذا أكثر فمائة آية)؛ أي‪ :‬يكررها و يرددها‪ ،‬وقال الربيع بن سليمان ‪-‬تلميذ‬
‫الشافعي‪( :-‬كان الشافعي قد ج َّزّأ الليل ثلاثة َ أجزاء؛ فثلثه الأوّل يكتب‪ ،‬والثاني يصلي‪ ،‬والثالث ينام)‪.‬‬

‫العلم والذكاء‪:‬‬
‫‪-‬كان الإمام ُ الشافعي ّ ذكياً فطن ًا؛ حفظ القرآن في السابعة وحفظ (الموطأ) في العاشرة‪ ،‬وأجازه شيخه في‬
‫مكة مسلم بن خالد الزنجي بالإفتاء وهو في الخامس عشرة‪ ،‬وقال شيخه سفيان بن عيينة‪( :‬الشافعي ّ أفضلُ‬
‫أهل زمانه)‪ ،‬وقال الإمام أحمد‪( :‬ما أحدٌ َّ ّ‬
‫مس محبرة ً ولا قلم ًا إلا للشافعي في عنقه منة ٌ)‪ ،‬بل يروى عن‬
‫خلف أو عِوضٍ )‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫س للدنيا وكالعافية ِ َّ‬
‫للن ّا‪ ،‬فانظر هل لهذين من‬ ‫الإمام أحمد أنه قال‪( :‬الشافعيّ كالشم ِ‬

‫‪-‬وقد َّ ّ‬
‫حث الإمام أحمد إسحاق بن راهو يه فقيه خراساـن ‪-‬وهو من المح ّدِثين الأفذاذ ومن شــيوخ البخاري‪-‬‬
‫فقال له‪( :‬ائت لتسم َع هذا الشيخ)‪ ،‬فنظر إليه فوجده شاب ًا يافع ًا‪ ،‬فقال‪( :‬أأترك ُ ابن عيينة وأذهب إلى هذا‬
‫الحدث؟!)؛ فقال له الإمام أحمد ناصً حا‪ ( :‬إن فاتك الحديث من ابن عيينة بعلوٍ خذه بنزولٍ‪ ،‬وإن فاتك العلم‬
‫من الشافعي لا تجده عند غيره)‪.‬‬

‫تاريخ المذهب الشافعي وأشهر رجاله‪:‬‬


‫مر المذهبُ الشافعيّ بمرحلتين في حياة الإمام الشافعي؛ فلما ذهب إلى بغداد َّ‬
‫صن ّف كتب ًا في الفقه‬ ‫‪ّ َّ -‬‬
‫والأصول وع ُر ِف َت بالمذهب القديم‪ ،‬ولما انتقل إلى مصر أعاد تصنيف بعض هذه الـكتب وع ُر ِف َت‬
‫المصنفات والآراء والاجتهادات التي ذهب إليها في مصر بالمذهب الجديد‪ ،‬ولا يعني ذلك أن الإمام‬
‫الاختلاف في بعض الاجتهادات والمسائل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الشافع َّي ّ أتى بفقه ٍ جديدٍ‪ ،‬بل كان‬

‫صن ّفه في كتابه (الرسالة) وت ُس َّمّى (الرسالة‬


‫‪-‬القول المعتمد عند الشافعية هو المذهب الجديد‪ ،‬وهو الذي َّ‬
‫الجديدة) وفي كتابه (الأم) أيضًا‪.‬‬
‫‪- 26 -‬‬
‫المرحلة الأولى‪ :‬دوْر التأسيس‪:‬‬
‫ن إمام َهم َّ‬
‫صن ّف في الأصول وفي الفقه‪ ،‬لذا؛ من‬ ‫غبط عليها الشافعية في مذهبهم‪ :‬أ َّ ّ‬
‫‪-‬من المميزات التي ي ُ ُ‬
‫ل م َن َّ‬
‫صن ّف في علم أصول الفقه في كتابه (الرسالة)‪ ،‬ولهذا؛ نجد د ْور‬ ‫مناقب الإمام الشافعي‪َّ :‬أن ّه أوّ ُ‬
‫تأسيس المذهب يبدأ من الإمام الشافعي في كتابه (الأم)؛ وهو كتاب عظيم ٌ ج ّدا يمتلئ فقه ًا وعلم ًا ورواه‬
‫عنه تلميذه الربيع بن سليمان الم ُرادي‪.‬‬
‫فاـئدة‪ :‬للإمام الشافعي تلميذان باسم (الربيع)؛ الأوّل‪ :‬الربيع الم ُرادي وهو الأشهر فقد روى ج َّ ّ‬
‫ل كتب‬
‫الشافعي‪ ،‬والثاني‪ :‬الربيع الج ِيزي المصري‪.‬‬

‫ختصرات اختصروا فيها فقه الشافعي؛ منها‪:‬‬


‫ٍ‬ ‫‪-‬من تلاميذ الإمام الشافعي في مرحلة التأسيس م َن َّ‬
‫صن ّفوا م‬
‫كتاب (مختصر البو يطي) للبو يطي‪ ،‬وكتاب (مختصر الم ُزني) للم ُزني‪.‬‬
‫كتب الشافعي؛ روى كتاب (الأم) وكتاب (الرسالة)؛ لذا تجد‬
‫‪-‬أما الربيع بن سليمان الم ُرادي فهو را ٍو ُ‬
‫فيهما قول‪( :‬حدَنا الشافعي) لأ َّن ّه راو لهذين الكتابين؛ وهذا منه ُ‬
‫ج المتق ّدِمين في التصنيف‪ :‬أنهم ي ُثبتون اسم‬
‫ل كتاب (الموطأ ‪ -‬برواية يحيى بن يحيى)؛ يقول‪( :‬حدَنا يحيى بن يحيى‪ :‬قال‬
‫الراوي‪ ،‬ومثل ذلك‪ :‬في أوّ ِ‬
‫حدَنا‪/‬أخبرنا مالك)‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬دوْر النشوء والانتشار‪:‬‬


‫بعض الـكتب‪ ،‬ومن أعلام هذه المرحلة ما يلي‪:‬‬
‫صن ِّف َت فيها ُ‬
‫‪ُ -‬‬
‫‪ -1‬ابن س ُريج‪.‬‬
‫‪ -2‬الق َّ ّفال‪ :‬وهما؛ القفال الـكبير الشاشي‪ ،‬والقفال الصغير الم َروزي‪.‬‬

‫‪ -3‬الإسفراييني‪ :‬ووجدت في هذه المرحلة طر يقتان في المذهب الشافعي؛ الطر يقة الأولى‪ :‬طر يقة‬
‫الخ ُرسانيين‪ ،‬والطر يقة الثانية‪ :‬طر يقة العراقيين‪.‬‬

‫كتاب عظيم ٌ للوقوف على أدلة الشافعية واستدلالاتهم‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫‪ -4‬الماوردي‪َّ :‬‬
‫صن ّف كتاب (الحاوي الـكبير)؛ وهو‬

‫‪ -5‬أبو المعالي الجويني‪ :‬صاحب كتاب (نهاية المطلب)‪ ،‬وهناك الجويني (أبو محمد الجويني) والد ُ الإمام‬
‫الجويني‪.‬‬
‫كتب في الأصول؛ منها‪( :‬الل ّمع) و(شرح الل ّمع)‪ ،‬وله في الفقه (الم ُهذب)‬
‫ٌ‬ ‫‪ -6‬أبو إسحاق الشيرازي‪ :‬له‬
‫وشرحه الإمام النووي في كتابه (المجموع)؛ وهذا الكتاب تعاقب عليه ثلاثة ُ أئمة‪ :‬ألفه النووي ولم ي ُكمله‪،‬‬
‫وأكمل فيه السبكي بعده‪ ،‬ثم من المعاصرين أكمله محمد نجيب المطيعي‪ ،‬وهناك من علماء الحنفية‪ :‬محمد بخيت‬

‫‪- 27 -‬‬
‫المطيعي المصري؛ وهذا ي ُس َّمّى عند المح ّدِثين (المؤتلف والمختلف) لأن (نجيب و بخيت) كتابتها واحدة لـكن‬
‫نطقها مختلف‪.‬‬
‫كتب في أصول الفقه؛ من أشهرها‪( :‬المستصفى)‪ ،‬وله في الفقه (الوجيز) و(الوسيط)‬
‫ٌ‬ ‫‪ -7‬الغزالي‪ :‬له‬
‫و(البسيط)؛ وأطولهم (البسيط)‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة‪ :‬دوْر التحرير الأوّل للمذهب‪:‬‬


‫‪-‬كان هذا الدوْر على يد الإمامين النووي والرافعي‪ ،‬حيث كان المذهب المعتمد عند الشافعية ما اتفق عليه‬
‫النووي والرافعي‪.‬‬
‫كتاب موس ٌع وهو (شرح فتح العزيز في شرح الوجيز)‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪ -1‬الرافعي‪َّ :‬‬
‫صن ّف كتابه (المحرر)‪ ،‬وله‬

‫كتب ًا كثير ًا في الفقه الشافعي؛ منها‪( :‬روضة الطالبين) و(المجموع) و(منهاج الطالبين)؛‬ ‫‪ -2‬النووي‪َّ :‬‬
‫صن ّف ُ‬
‫ح‬
‫كت ِب َت عليه شرو ٌ‬
‫يُعرف عند الشافعية بـ(المنهاج)‪ ،‬وهو المتن الذي اعتمده الشافعية وداروا في فلـكه و ُ‬
‫متعددة ُ؛ منها‪( :‬تحفة المحتاج) و(مغني المحتاج) و(نهاية المحتاج) و(عمدة المحتاج)‪.‬‬

‫المرحلة الرابعة‪ :‬دوْر التحرير الثاني للمذهب‪:‬‬


‫‪-‬كان هذا الد ْور على يد الرملي وابن حجر الهيتمي‪ ،‬وهما الذان اعتمدَ الشافعية ُ المتأخرون على أقوالهما‪.‬‬
‫صن ّف شرح ًا على (المنهاج) َّ‬
‫سم ّاه (نهاية المحتاج)‪.‬‬ ‫‪ -1‬الرملي‪َّ :‬‬

‫‪ -2‬ابن حجر الهيتمي‪ :‬وهو ابن حجر الهيتمي المكي وليس ابن حجر العسقلاني‪َّ ،‬‬
‫صن ّف شرح ًا على (المنهاج)‬
‫َّ‬
‫سم ّاه (تحفة المحتاج)‪.‬‬

‫المذهب الرابع‪ :‬مذهبُ الإما ِم أحمد‪:‬‬


‫الاسم والنسب والتاريخ‪:‬‬
‫‪-‬هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني‪ ،‬و ي ُس َّمّى أحمد بن حنبل نسبة ً إلى جده‪ ،‬ول ِد َ سنة مائة وأربعة وستين‬
‫للهجرة وت ُوفي سنة مائتين وواحد وأربعين للهجرة (‪241-164‬هـ)‪.‬‬

‫ل البلدان في طلب الحديث حتى قال ابن الجوزي ‪-‬رحمه الل ّه‪:-‬‬ ‫‪-‬وقد رحل الإمام أحمد ‪-‬رحمه الل ّه‪ -‬إلى ك ّ ِ‬
‫طاف أحمد الدنيا مرتين في جمع المسند)‪ ،‬ولهذا؛ فهو أكثر الأئمة من جهة الرواية وما َّدّة الآثار التي‬ ‫( َ‬
‫رجب ‪-‬رحمه الل ّه‪( :-‬ولا ي ُعلم أثر ٌ عن الصحابة أو التابعين إلا وقد أحاط‬
‫ٍ‬ ‫ن‬
‫اجت ُمِع َت له‪ ،‬حتى قال الإمام اب ُ‬
‫به الإمام أحمد علم ًا)‪.‬‬

‫‪- 28 -‬‬
‫العبادة والتقوى‪:‬‬
‫ل يو ٍم‬
‫‪-‬كان الإمام أحمد من أكابر الزهاد والعباد‪ ،‬قال عبد الل ّه بن الإمام أحمد‪( :‬كان أبي ي ُصلي في ك ّ ِ‬
‫ل يو ٍم وليلة ٍ مائة وخمسين‬‫مرض من تلك الأسواط =أضعفته‪ ،‬فكان ي ُصلي ك َّ ّ‬ ‫َ‬ ‫وليلة ٍ ثلاثمائة ركعة ً‪ ،‬فلما‬
‫ركعة ً)‪.‬‬
‫ن النب َّيّ ﷺ احتجم‪ ،‬وأعطى أبا طيبة ٍ‬
‫مر بي أ َّ ّ‬
‫‪-‬وقال الإمام أحمد‪( :‬ما كتبتُ حديث ًا إلا وقد عم ِلتُ به حتى َّ ّ‬
‫دينار ًا‪ ،‬فأعطيت الحَّج ّام دينار ًا حين احتجمت) وفي هذا دلالة ٌ على قصده بالعلم العمل وليس كثرة الرواية‬
‫والتكاثر أمام الناس بالمروي والمحفوظ‪.‬‬
‫ل؛ إمام ٌ في الحديث‪ ،‬إمام ٌ في الفقه‪،‬‬
‫ن خصا ٍ‬
‫‪-‬قال الربيع بن سليمان‪( :‬قال لنا الشافعي‪ :‬أحمد ُ إمام ٌ في ثما ِ‬
‫إمام ٌ في الل ّغة‪ ،‬إمام ٌ في القرآن‪ ،‬إمام ٌ في الفقر‪ ،‬إمام ٌ في الزهد‪ ،‬إمام ٌ في الورع‪ ،‬إمام ٌ في الس ُ َّن ّة)؛ فجمع الإمام‬
‫ل مجالاتها‪ ،‬فلم يكن مقتص ِر ًا على الحديث‪ ،‬بل كان من أكابر الفقهاء والمجتهدين‪.‬‬
‫أحمد الإمامة في ك ّ ِ‬

‫العلم والذكاء‪:‬‬
‫‪-‬قال عبد الل ّه بن أحمد‪( :‬قال لي أبو زرعة‪ :‬أبوك يحفظ ألف ألف حديث‪ ،‬فقيل له‪ :‬وما يدر يك؟‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ل إحصاء لما في هذه‬
‫ذاكرته؛ فأخذت عليه الأبواب)؛ يقصد‪ :‬سألته في أبواب الحديث كلها‪ ،‬ثم عم ِ َ‬
‫الأبواب من أحاديث =فوجدها ألف ألف حديث ًا‪.‬‬
‫‪-‬قال عبد الرزاق الصنعاني‪( :‬ما رأيتُ أحدًا أفقه َ ولا أورع َ من أحمد بن حنبل)‪.‬‬
‫ل ولا أعلم َ ولا أفقه َ ولا أتقى من أحمد بن‬ ‫‪-‬وقال الشافعي‪( :‬خرجتُ من بغداد‪ ،‬فما َّ‬
‫خل ّفتُ بها رجل ًا أفض َ‬
‫حنبل)‪.‬‬
‫‪-‬وقال الشافعي للإمام أحمد‪( :‬يا أبا عبد الل ّه‪ ،‬إذا َّ‬
‫صح ّ عندكم الحديث فأخبرونا حتى نرج َع إليه‪ ،‬أنتم أعلم ُ‬
‫الصحاح َّ‬
‫من ّا)‪.‬‬ ‫بالأخبار ِّ‬

‫تاريخ المذهب الحنبلي وأشهر رجاله‪:‬‬


‫مر المذهبُ الحنبليّ بع َّ ّدة مراحل؛ منها‪:‬‬
‫‪ّ َّ -‬‬
‫المرحلة الأولى‪ :‬دوْر التأسيس (إلى ‪413‬هـ)‪:‬‬
‫‪-‬بدأ دوّر تأسيس المذهب من الإمام أحمد‪ ،‬لـكنه لم يُصن ِّف كتاب ًا في الفقه كما فعل الإمام الشافعي والإمام‬
‫مالك‪ ،‬وقد رويَ أن الإمام أبو حنيفة َّ‬
‫صن ّف في الفقه‪ ،‬وهذه الرواية فيها نظر ٌ عند المؤرخين؛ فبعضهم لا‬
‫يثبتون َّأن ّه صن ّف في الفقه وإنما يثبتون له كتاب (الفقه الأكبر) في العقيدة‪ ،‬لـكنه َّ‬
‫صن ّف مذهبه على يد‬
‫طلابه في الحلقة كما تق َّ ّدم معنا؛ وتتمثل مرحلة التأسيس فيما يلي‪:‬‬
‫‪- 29 -‬‬
‫‪ -1‬نقل المذهب‪ :‬لم يدون الإمام أحمد مذهبه‪ ،‬لـكنه كتب (الم ُسند) وهو من أعظم كتب الحديث‪ ،‬أما‬
‫في الفقه‪ :‬فقد نقل طلابه عنه مذهبه من فتاو يه وإجاباته وي ُسمون بـ(أصحاب المسائل)؛ كانوا يسألون‬
‫الإمام أحمد عن المسائل و يصنفون‪ ،‬وهم أكثر من مائة شخص لـكن المكثرون منهم محصورين؛ من هذه‬
‫المسائل‪:‬‬
‫‪( -1‬مسائل أبي داوود)‪ :‬والإمام أبو داوود من تلاميذ الإمام أحمد؛ كتب عنه المسائل في الفقه‬
‫والحديث‪ ،‬وهذا من فقه السلف أنهم يعرفون للأئمة قدرهم (فتجد إمام ًا عظيم ًا مثل أبي داوود صاحب‬
‫السنن يكتبُ فقه َ أحمد)‪.‬‬
‫‪( -2‬مسائل عبد الل ّه وصالح) وهما أبناء الإمام أحمد‪.‬‬
‫‪( -3‬مسائل إسحاق بن منصور الـكوْسج)‪ ،‬و(مسائل حرب ابن اسماعيل الـك ِرماني)‪ ،‬و(مسائل ابن هانئ)‬
‫وهذه الـكتب مطبوعة اليوم‪.‬‬

‫‪ -2‬جمع المذهب‪ :‬ثم جاء الإمام أبو بكر ال َّخل ّال فجمع مذهب الإمام أحمد من خلال جمعه لـكتب المسائل‬
‫في كتابه (الجامع)‪ ،‬وهذا الكتاب مفقود وصلت منه أجزاء يسيرة؛ كالترج ّل والوقوف‪ ،‬ثم جاء غلام الخلال‬
‫‪-‬تلميذه‪ -‬وهو أبو بكر عبدالعزيز فكتب كتابه (زاد المسافر)‪.‬‬
‫فاـئدة‪ :‬قام الباحث الأستاذ أحمد الر َّب ّاط و بعض الباحثين المعاصرين بجمع جميع ما روي عن الإمام‬
‫أحمد من المسائل في الفقه والحديث والعقيدة والرجال وغيرهم في كتاب (الجامع لعلوم الإمام أحمد) نحو‬
‫طالب علمٍ يتفقه على مذهب الإمام أحمد‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫عشرين مجلد ًا؛ وهو كتابٌ مفيدٌ لك ّ ِ‬

‫‪ -3‬اختصار المذهب‪ :‬حيث َّ‬


‫صن ّف الإمام أبو القاسم حسين الخ ِرقي كتابه (المختصر)؛ اختصر فيه كتب‬
‫كتاب مختصر ٌ تعليم ّي؛ اشتغل به الحنابلة وشرحه عدد ٌ من أهل العلم؛ ومن‬
‫ٌ‬ ‫المسائل الـكبيرة والمتناثرة‪ ،‬وهو‬
‫أبرزهم‪ :‬الإمام بن قدامة المقدسي في كتابه (المغني)‪ ،‬و(شرح الزركشي) وهو مطبوع بتحقيق الشيخ عبد الل ّه‬
‫بن جبر يل‪.‬‬

‫‪ -4‬تقعيد المذهب‪َّ :‬‬


‫صن ّف الإماـم الحسن بن حامد كتب ًا في الفقه‪ ،‬وفي أصول الفقه؛ منها‪ :‬كتاب (تهذيب‬
‫الأجوبة) مطبوع في مجلدين؛ كتب فيه طر يقة التقعيد والاستنباـط والفهم لكلام الإمام أحمد؛ فمثل ًا‪ :‬ما‬
‫معنى قول الإمام أحمد (لا ينبغي) هل يقصد بها الـكراهة أم التحريم‪.‬‬

‫فاـئدة‪ :‬للوقوف على تراجم أصحاب وتلاميذ الإمام أحمد =فليرجع إلى كتاب (طبقات الحنابلة) لابن أبي‬
‫يعلى ‪-‬رحمه الل ّه‪.-‬‬

‫‪- 31 -‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬دوْر التحرير والتنقيح للمذهب (إلى ‪885‬هـ)‪:‬‬
‫‪-‬بدأت بالقاضي أبي يعلى ‪-‬رحمه الل ّه‪-‬؛ وقد كتب كتب ًا كثيرة ً في الفقه؛ منها‪ :‬كتاب (الروايتين والوجهين)‪،‬‬
‫وكتاب (التعليقة الـكبيرة)‪ ،‬وفي علم الأصول؛ كتب كتاب (الع ُ َّ ّدة)‪ ،‬ثم جاء أبو الخطاب الكلوذاني وهو‬
‫كتب؛ منها‪ :‬كتاب (الانتصار)‪ ،‬وكتاب (التمهيد) في أصول الفقه‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫تلميذ القاضي أبي يعلى‪ ،‬وله‬
‫فاـئدة‪ :‬إذا قرأت في كتب الحنابلة قول (قال القاضي)؛ فإن المراد به هو (القاضي أبو يعلى)‪.‬‬

‫‪-‬ثم جاء الإمام ابن ق ُدامة المقدسي المتوفى سنة (‪621‬هـ)؛ ف َّ‬
‫صن ّف في أصول الفقه كتاب (روضة الناظر‬
‫َّ‬
‫وصن ّف كتب ًا كثيرة ً في المذهب الحنبلي؛ منها‪:‬‬ ‫وجُنة المناظر)‪،‬‬
‫ل واحدٍ ولا يذكر فيها‬ ‫ل ومختصر ٌ َّ‬
‫صن ّف َه ُ على قو ٍ‬ ‫كتاب مفيدٌ وسه ٌ‬
‫ٌ‬ ‫‪َّ -1‬‬
‫صن ّف للمبتدئين كتاب (عُمدة الفقه) وهو‬
‫خلاف‪ ،‬وهذا التدرّج من فقهه في التعليم؛ أن يذكر للطالب المبتدي قول ًا واحدًا يعتمده و يحفظه ويسير‬
‫ٍ‬ ‫أي‬
‫َّ‬
‫ويتعب ّد به‪.‬‬ ‫عليه‬
‫ٍ‬
‫شروح؛ منها‪:‬‬ ‫ح ع َّ ّدة َ‬ ‫‪ -2‬ثم َّ‬
‫صن ّف للمتوسطين كتاب (المُقنع) يذكر ُ فيه روايتين غالب ًا في المذهب‪ ،‬وقد ش ُرِ َ‬
‫(المبدع)‪ ،‬و(الشرح الـكبير) لابن أبي عمر‪ ،‬و(الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف) للمَر ْداوي؛ يشرح‬
‫فيه كل مسألة ٍ في (المُقنع) ويبيِّن روايات الإمام أحمد في كل مسألة‪.‬‬
‫َّ‬
‫وتوسّ ع في ذكر الروايات‪ ،‬وبعده في المرحلة الأخيرة‪:‬‬ ‫‪ -3‬ثم َّ‬
‫صن ّف للمنتهين كتاب (الكافي) ذكر َ فيه الأدلة‬
‫ف كتاب (المغني) ذكر َ فيه جميع الأقوال حتى الأقوال المخالفة من المذاهب الأخرى‪.‬‬ ‫َّ‬
‫صن ّ َ‬
‫فاـئدة‪ :‬كان شغل الحنابلة الأكبر في مرحلة المتق ّدِمين على كتاب (المختصر) للِخرقي؛ فكان المعتمد في‬
‫التدريس والشرح والخدمة‪ ،‬فلما َّأل ّف ابن قدامة كتابه (المُقنع) =صار عليه شغل الحنابلة في الشرح‬
‫والتدريس والحفظ‪.‬‬
‫‪-‬بعد ذلك جاء الإمام مجد الدين ابن تيمية َّ‬
‫وأل ّف كتاب (المحرر) في الفقه‪ ،‬وهو صاحب كتاب (م ُنتقى‬
‫الأخبار) في الحديث الذي شرحه الشوكاني في كتابه (نيل الأوطار في شرح منتقى الأخبار)‪ ،‬وهو ج ّد‬
‫شيخ الإسلام ابن تيمية‪ ،‬وابنه هو عبد الحليم والد شيخ الإسلام‪ ،‬ويُسميه الحنابلة ُ بـ(المجد)‪.‬‬

‫فاـئدة‪ :‬يعتبر (آل قُدامة وآل تيمية وآل م ُفلح) من بيوت الحنابلة التي خرج منها عدد ٌ من العلماء‪ ،‬حتى‬
‫َّ‬
‫صن ّف عدد ٌ من أهل العلم في (آل قدامة المقدسي)؛ منهم‪ :‬ابن قدامة المقدسي صاحب (المقنع)‪ ،‬وابن‬
‫أخيه عبد الرحمن بن قــدامة صاـحب (الشــرح الـكبير) على (المقنع)‪ ،‬وعبد الغني المقــدسي صاـحب‬
‫(عمــدة الأحكام)‪ ،‬و بهاء الدين المقدسي صاحب (الع ُ َّ ّدة) شرح (الع ُمدة)‪ ،‬وكان للحنابلة وجود ٌ كبير ٌ في‬
‫فلسطين و بلاد الشام‪.‬‬
‫‪- 30 -‬‬
‫‪-‬من علماء المذهب في مرحلة التحرير والتنقيح‪ :‬ابن م ُفلح الجد صاحب كتاب (الفروع) وكتاب (الآداب‬
‫الشرعية)‪ ،‬وهناك ابن مفلح الحفيد صاحب كتاب (المبدع) شرح (المقنع)‪.‬‬

‫‪-‬ثم خُتِم َت مرحلة التنقيح للمذهب بالعالم الم ُصحح والم ُرجح والم ُنقح القاضي علاء الدين المرداوي؛ ف َّأل ّف‬
‫كتابه العظيم (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف) أخذ ك َّ ّ‬
‫ل كتب الحنابلة قبله واستقرأها؛ فيذكر جميع‬
‫أقوال وروايات وأوجه الحنابلة ‪-‬ذلك لأنه قد يكون داخل المذهب أكثر من قول ورواية‪ -‬فاعتمد الناس‬
‫عليه في تصحيح المذهب‪.‬‬
‫كتاب كبير ٌ في أصول الفقه اسمه (التحرير) ولديه شرح اسمه (التحبير)‪ ،‬وله كتبٌ أخرى في‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬للمرداوي‬
‫الفقه؛ منها‪( :‬التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع) وكتاب (تصحيح الفروع)‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة‪ :‬دوْر استقرار المذهب‪:‬‬


‫كت ِب َت فيها المتون؛ ومنها‪:‬‬
‫‪ُ -‬‬
‫‪ -1‬العالم موسى الحجاوي الشامي‪َّ :‬أل ّف كتابه (الإقناع لطالب الانتفاع)؛ وهو أوس ُع متنٍ في المذهب الحنبلي‬
‫في أربع مجلدات‪ ،‬وهو مطبوعٌ بتحقيق الشيخ عبد الل ّه التركي وقد شرحه منصور بن يونس الب ُهوتي المصري في‬
‫شاف القناع عن متن الإقناع)‪.‬‬‫(ك َّ ّ‬
‫شروحات كثيرة ٍ ج ّدا‪َّ ،‬‬
‫وأل ّف عليه‬ ‫ٍ‬ ‫ح‬
‫‪-‬وللحجاوي كتاب (زاد المستقنع) اعتمده الحنابلة في التدريس‪ ،‬وشُرِ َ‬
‫الشيخ البُهوتي (الروض المُر ْب ِع)؛ ثم جاء عدد ٌ من العلماء وكتبوا حواشي على (الروض المربع) من أوسعها‬
‫(حاشية الشيخ عبد الرحمن بن قاسم النجدي) في سبع مجلدات‪ ،‬و(حاشية الشيخ عبد الل ّه العنقري) في‬
‫ثلاث مجلدات‪ ،‬و(حاشية ابن فيروز)‪.‬‬
‫ح على (منتهى الإرادات)‪ ،‬فهو أكثر ُ م َن خدم َ المذهب من ناحية الشروح‪.‬‬
‫‪-‬وللشيخ منصور البهوتي شر ٌ‬
‫‪-‬ومن الشروح المعاصرة على (زاد المستقنع)‪ :‬الشرح الممتع للشيخ ابن عيثمين‪ ،‬وهناك أكثر من شرح‬
‫للشيخ صالح الفوزان‪ ،‬وشرح للشيخ فيصل المبارك اسمه (كلمات السداد على متن الزاد)‪ ،‬وشرح المستقنع‬
‫لصالح البليهي المس َّمّى بـ(السلسبيل في معرفة الدليل)‪.‬‬

‫‪ -2‬العالم ابن النجار الفتوحي المصري‪َّ :‬أل ّف كتابه (منتهى الإرادات)؛ ثم إذا اتفـق (الإقناع) و(المنتهى)‬
‫ل =صاـر هو المعتمــد في المذهب عند الحناـبلة‪ ،‬لذا؛ يقــول الشيخ ابن عـقيل ‪-‬رحمه الل ّه‪-‬‬
‫على قو ٍ‬
‫ق الإقناعا *** فذلك المذهبُ لا نزاعا)‪.‬‬
‫(والمنتهى إ ْن واف َ‬
‫‪-‬و َّأل ّف ابن النجار في أصول الفقه كتابه (مختصر التحرير) وشرحه في كتابه (شرح الـكوكب المنير) وهو من‬
‫أنفس كتب الحنابلة في أصول الفقه‪ ،‬وهو كتابٌ مركز ٌ ومختصر ٌ ومرتبٌ وجام ٌع‪.‬‬
‫‪- 32 -‬‬
‫‪ -3‬الشيخ مرعي الـكرمي الشامي‪َّ :‬أل ّف كتبًا كثيرة ً؛ من أبرزها كتابان‪:‬‬
‫‪-‬الكتاب الأوّل‪ :‬كتاب (غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى) وهو مرج ٌع في معرفة المذهب؛ جمع‬
‫كتابي (الإقناع) مع (المنتهى)‪ ،‬شرحه الرحيباني في كتابه (مطالب أولي النهى)‪.‬‬

‫ح بع َّ ّدة‬
‫ي ومتنٌ مختصر ٌ‪ ،‬وقد ش ُرِ َ‬
‫‪-‬الكتاب الثاني‪ :‬كتاب (دليل الطالب لنيل المطالب) وهو كتابٌ دراس ّ‬
‫شروح؛ منها‪( :‬منار السبيل) للشيخ إبراهيم الضو يان‪ ،‬و(نيل المآرب شرح دليل الطالب) للتغلبي‪ ،‬و(شرح‬ ‫ٍ‬

‫بن عوض) وهو مطبوع‪.‬‬


‫فاـئدة‪ :‬اختلف أهل العلم فيما هو الأفضل لطالب العلم (دليل الطالب) أم (زاد المستقنع)؛ فك ّ‬
‫ل واحدٍ‬
‫ل ترتيب ًا‪ ،‬وأما (زاد المستقنع) فهو أوسع في الفروع‬
‫منهما له ميزة ٌ؛ لـكن (دليل الطالب) أكثر َ وأسه ً‬
‫والمسائل‪.‬‬

‫‪-‬صارت الـكتب المعتمدة فيه في تدريس المذهب الحنبلي؛ إما (زاد المستقنع) أو (دليل الطالب)‪ ،‬وهناك‬
‫ح اسمه (هداية الراغب) للشيخ عثمان‬
‫متون أخرى مثل‪( :‬عمدة الطالب) للشيخ منصور البهوتي وله شر ٌ‬
‫النجدي‪.‬‬
‫‪-‬ومن الـكتب المعتمدة في التدريس أيضًا عند المتأخرين‪( :‬أخصر المختصرات) لابن بلبان؛ وله أكثر من‬
‫شرح؛ منهم‪( :‬كشف المخ َّ ّدرات) للبعلي‪ ،‬و(الفوائد المنتخبات) للشيخ عثمان النجدي‪ ،‬وهناك م َن يعتني‬
‫بـ(مختصر الشيخ أبي بكر خوقير) وكذلك (عمدة الفقه) لابن قدامة‪.‬‬

‫ل واحدٍ منها له ميزة ٌ؛‬


‫‪-‬تتعدد كتبُ الفقه الحنبلي؛ وك ّ‬
‫‪ -1‬فإذا أردت أن تقف على نصوص الإمام أحمد في مسألة =ترجع إلى كتب المسائل ويجمعها‬
‫كتاب(الجامع لعلوم الإمام أحمد)‪.‬‬
‫‪ -2‬وإذا أردت أن تقف على الروايات والأوجه المتعددة في المسألة =ترجع إلى كتاب (الإنصاف)‬
‫للمرداوي‪.‬‬
‫‪ -3‬وإذا أردت أن تقف على أدلة المذهب وإجاباتهم عن أدلة المذهب الأخرى =ترجع إلى كتاب (المغني)‬
‫لابن قدامة و(الشرح الـكبير) لابن أبي عمر و(الممتع شرح المقنع) لابن المُن ََّجّ ى وإلى كتب موسعة مثل‪:‬‬
‫(التحقيق لأحاديث التعليق) لابن الجوزي‪ ،‬وكتاب (التعليقة) للقاضي أبي يعلى‪ ،‬وكتاب (الانتصار)‬
‫للقاضي أبي الخطاب الكلوذاني‪.‬‬

‫"من وسائل حفظ الوقت‪ :‬مراقبته"‬

‫‪- 33 -‬‬
‫المفردة السابعة‪ :‬المذاهبُ المندرسة ُ وأئمتها‬
‫حقبة من حقب التاريخ‪ ،‬وكان لها أتباعٌ يدينون بها‬
‫‪-‬المذاهب المندرسة‪ :‬هي المذاهب الفقهية التي قامت في ِ‬
‫و يقلدونها‪ ،‬ثم اندرست وانتهت‪.‬‬
‫‪-‬وليس معنى انقراض هذه المذاهب أن أقوال أصحاـبها لم تعد موجــودة ً في الـكتب‪ ،‬بل هي موجودة ٌ‬
‫ل صاـحب (المُغني)‬
‫لـكنها متفرقة ً في بطـون الـكتب وينقلها أهل العـــلم عنهم في كتبهم؛ ومن ذلك‪ :‬نق ُ‬
‫لأقــوال الإمام الحسن البصري‪.‬‬

‫المذاهب المندرسة ِ‪:‬‬


‫ِ‬ ‫أئمة ُ‬
‫‪ -1‬الإمام الحسن البصري‪:‬‬
‫‪-‬ع َّ ّده القاضي عياض من أصحاب المذاهب المقلدة المدونة‪ ،‬وقد جم َع بعض العلماء فتاوى الحسن البصري‬
‫في سبع مجلدات‪ ،‬وروىَ عن ما يقارب مائة وعشرين من الصحابة؛ منهم عثمان بن عفان‪ ،‬وقد ت ُوفي‬
‫الحسن البصري في سنة مائة وعشرة للهجرة (‪111‬هـ)‪.‬‬

‫‪ -2‬الإمام سفيان الثوري‪:‬‬


‫حاب يفتون بمذهبه وقد ت ُوفي سنة مائة وواحد وستين للهجرة‬
‫‪-‬هو من أرباب المذاهب المقلدة‪ ،‬وله أتباعٌ وأص ٌ‬
‫(‪161‬هـ)‪ ،‬يقول سفيان بن عيينة‪( :‬ما رأيتُ أعلم َ بالحلال والحرام من سفيان الثوري)‪ ،‬لـكن مذهب‬
‫الحسن البصري ومذهب سفيان الثوري لم يط ُلْ تقليدهما؛ فانقرض أتباعهما بعد مدة ٍ يسيرة ٍ‪.‬‬

‫‪ -3‬الإمام الأوزاعي‪:‬‬
‫‪-‬كان له مذهبٌ في الشام؛ يقول الإمام النووي‪( :‬انعقد الإجماع على إمامته وجلالته)‪ ،‬وقد قيل أنه أفتى‬
‫في سبعين ألف مسألة ً‪ ،‬وت ُوفي سنة مائة وسبعة وخمسين للهجرة (‪157‬هـ)‪ ،‬وكان قد سكن دمشق ثم انتقل‬
‫إلى بيروت ومات فيها مرابطًا‪.‬‬

‫‪ -4‬الإمام الليث بن سعد‪:‬‬


‫مذهب؛ حتى قال الشافعيّ‪( :‬الليثُ أفقه ُ من مالكٍ ‪ ،‬لـكن َّ‬
‫ضي ّعه أصحابه)‪ ،‬ولهذا؛‬ ‫ٍ‬ ‫ل صاحبُ‬
‫‪-‬هو إمام ٌ جلي ٌ‬
‫ن‬
‫قد يضيع علم ُ العالم بسبب عدم اعتناء طلابه بنشر علمه‪ ،‬والإمام الليث أصبهانيّ من حيث النسب‪ ،‬سك َ‬
‫مصر وت ُوفي بها سنة مائة وخمسة وسبعين للهجرة (‪175‬هـ)‪.‬‬

‫‪- 34 -‬‬
‫‪ -5‬الإمام سفيان بن عيينة‪:‬‬
‫‪-‬يقول الإمام الشافعي‪( :‬إ َّ ّ‬
‫ن العلم َ يدور على ثلاثة ٍ‪ :‬مالكٌ والليثُ وابن عيينة)‪ ،‬وقال الإمام ابن وهب‪( :‬ما‬
‫رأيتُ أعلم بكتاب الل ّه من ابن عيينة)‪ ،‬والإمام ابن عيينة كوفيّ الأصل ومكي ّ الدار‪ ،‬ت ُوفي الإمام ابن عيينة‬
‫سنة مائة وثمانية وتسعين للهجرة (‪198‬هـ)‪.‬‬

‫‪ -6‬الإمام إسحاق بن راهو يه‪:‬‬


‫‪-‬قال الإمام أحمد‪( :‬لا أعلم ُ لإسحاقَ نظير ًا)‪ ،‬وليس هناك كتبٌ مستقلة ٌ في بيان مذهب الإمام إسحاق‪ ،‬وإن‬
‫بعض العلماء ِ كحرب الـك ِرماني وإسحاق بن منصور الـكَوْسج كانا يجمعان فقه أحمد وإسحاق‪ ،‬وقد تُوفي‬
‫ُ‬ ‫كان‬
‫الإمام إسحاق سنة مائتين وثمانية وثلاثين للهجرة (‪238‬هـ)‪.‬‬

‫‪ -7‬الإمام أبو ثور‪:‬‬


‫ل هو من أكابر فقهاء‬
‫ف؛ فقي َ‬
‫ن‪ ،‬لـكن انقطع أتباعه بعد الثلاثمائة للهجرة‪ ،‬وقد اخت ُل ِ َ‬
‫مذهب مدو ٌ‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬كان له‬
‫ل‪ ،‬وقد ت ُوفي سنة مائتين وأربعين للهجرة (‪241‬هـ)‪.‬‬
‫ل إنه مجتهدٌ مستق ٌ‬
‫الشافعية‪ ،‬وقي َ‬

‫‪ -8‬الإمام ابن جرير الطبري‪:‬‬


‫‪-‬كان له أتباعٌ ي ُقال لهم الجرير ية‪ ،‬قال ابن الخزيمة ‪-‬رحمه الل ّه‪( :-‬ما أعلم أحدًا على أديم الأرض أعلم من‬
‫ن إلى الصين ليأخذ َ‬
‫ل إنسا ٌ‬
‫ل فيه‪( :‬لو رح َ‬
‫ابن جرير)‪ ،‬وهو فقيه مفس ِّر ٌ صاحبُ تفسير (الطبري)؛ الذي قي َ‬
‫خ كتبَ (تاريخ الأمم والملوك)‪.‬‬
‫تفسير ابن جرير لما كان ذلك كثير ًا عليه)‪ ،‬وكذلك مؤر ٌ‬

‫حاب مالك والشافعي‪ ،‬ولذا؛ تنازعه المالـكية‬


‫‪-‬وقد انقطع أتباعه بعد الأربعمائة للهجرة‪ ،‬وقد أخذَ عن أص ِ‬
‫والشافعية‪ ،‬فترجمَ له من المالـكية‪ :‬القاضي عياض في (المدارك)‪ ،‬وترجمَ له من الشافعية‪ :‬السبكي في‬
‫(طبقات الشافعية)‪ ،‬ثم صار مجتهدًا مستقل ًا‪ ،‬وت ُوفي سنة ثلاثمائة وعشرة للهجرة (‪311‬هـ)‪.‬‬

‫ن عقيل ‪-‬رحمه الل ّه‪:-‬‬


‫قال الإمام اب ُ‬
‫ل لي أن أضي َع ساعة ً من عمري؛‬
‫"إن َّّه لا يح ّ‬
‫وإني لأجد ُ من حرصي على العلم وأنا في الثمانين أش َّّد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين؛‬
‫فالتكاليف كثيرة ٌ‪ ،‬والأوقاتُ خاطفة ٌ"‬
‫ُ‬ ‫الفرص؛‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بإجماع العلماء‪ :‬هو الوقت؛ فهو غنيمة ٌ ت ُنتهز فيها‬ ‫ل عند العقلاء‬ ‫وإ َّّن أج َّ ّ‬
‫ل تحصي ٍ‬

‫‪- 35 -‬‬
‫المفردة الثامنة‪ :‬التمذْه ُب؛ والموقف منه‬
‫‪-‬هذه مسألة ٌ مهمة ٌ ومطروحة ٌ في كتب العلماء من قديم الزمان‪ ،‬وتثار ُ ما بين فترة ٍ وأخرى‪ ،‬هذه المسألة فيها‬
‫مواضع اتفق عليها العلماء بجميع مذاهبهم واتجاهاتهم‪ ،‬ومواضع اختلف العلماء فيها‪.‬‬

‫التمذهب‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ق العلماء ِ في مسألة ِ‬
‫ل اتفا ِ‬
‫أ ّول ًا‪ :‬مح ُ‬
‫الأوّل‪ :‬ذمّ التعصّ ب‪:‬‬
‫‪-‬والمقصود بالتعصّ ب المذموم هو أن يتخذ الإنسان المذهب معيار ًا للولاء والبراء؛ فيوالي م َن على مذهبه‬
‫و يعادي م َن على غير مذهبه‪.‬‬
‫‪-‬في السابق‪ :‬قد تجد التعصبَ من عامة الناس؛ كأن ي ُقال‪( :‬هل يزوج الحنفي ابنته للشافعي؟‪ ،‬وهل تصح‬
‫صلاة الحنفي خلف الشافعي؟) =هذه المسائل ت ُطرح من قبيل التعصب من عامة الناس وليست معتمدة في‬
‫المذاهب‪ ،‬أما في زماننا‪ :‬فقد ق َّ ّ‬
‫ل التعصب للمذاهب ونشأ عند الناس تعصب ًا ضد المذاهب‪ ،‬فيجعلون‬
‫أمرا من الضلال و يستنكرون على م َن يتبعها‪ ،‬و يجعلون المذاهب لا تمثل فقه‬
‫الانتساب لهذه المذاهب ً‬
‫ل‪.‬‬
‫الدليل‪ ،‬وإنما هي آراء ُ رجا ٍ‬

‫مذهب م ُ ٍ‬
‫جمع على جواز تقليده‪ ،‬ثم يسلك مسلك ًا أدنى‬ ‫ٍ‬ ‫ل ‪-‬اليوم‪ -‬أن بعض الناس يذم تقليدَ‬
‫‪-‬وصار الإشكا ُ‬
‫منه في التقليد وهو تقليد الأفراد‪.‬‬
‫ل ذلك‪ :‬يقولون لك‪( :‬لا تدرس كتب المتون المذهبية‪ ،‬بل ادرس متون غير المذهبية مثل‪ :‬الدرر‬
‫مثاـ ُ‬
‫متمذهب بمذهب الشوكاني؛ فيكون ترك َ‬
‫ٌ‬ ‫البهية للشوكاني) =في الحقيقة‪ :‬الذي سيدرس الدرر البهية هو‬
‫التمذهب بمذاهب الأئمة‪ ،‬وذهب إلى التمذهب بمذاهب م َن دونهم‪ ،‬وعليه؛ فالتعصبُ مذموم ٌ؛ سواء ُ كان‬
‫للمذاهب أو كان ضد المذاهب‪.‬‬

‫‪-‬لا إشكال في مسألة الانتساب اللفظي إلى المذهب الذي لا يتر َّت ّب عليه تعصبٌ ؛ كأن يقول الإنسان حين‬
‫يُسأل عن مذهبه أنه حنبلي أو شافعي أو مالـكي أو حنفي‪.‬‬

‫بعض الناس يقول أنا على الكتاب والس ُ َّن ّة تصور ًا منه أن الانتساب إلى مذهب من المذاهب يعني ترك‬
‫َ‬ ‫‪-‬تجد‬
‫الكتاب والس ُ َّن ّة‪ ،‬وهذا التصور ُ خاطئ ٌ؛ ومن آثار هذا التصور‪ :‬أن تجد الطالب يقول‪( :‬أيهما أفضل أن‬
‫ضه ُ خطأ ٌ لأنه مبنيّ على مق ّدِمة ٍ خاطئة ٍ وهي (أ َّ ّ‬
‫ن‬ ‫أدرس فقه الدليل أم فقه المذاهب) وهذا السؤال فر ُ‬

‫‪- 36 -‬‬
‫المذاهب ليست من فقه الدليل) وهذا خطأ ٌ عظيم ٌ ج ّدا‪ ،‬بل ك ّ‬
‫ل المذاهب من فقه الدليل والتف ّقه عليها‬
‫بمعرفة مسائلها وأدلتها من التف ّقه في الدين‪.‬‬

‫المذاهب‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ل العلم‪ :‬قبوله ُم لوجودِ هذه ِ‬
‫ق بين أه ِ‬
‫ل الاتفا ِ‬
‫الثاني من مح ِ‬
‫َّ‬
‫أمر ق ّدره الل ّه كون ًا‪ ،‬ولا يرون أن وجودها أمرٌ‬
‫‪-‬يُدرك ُ أئمة الدين أن وجود َ المذاهب نتيجة ٌ طبيعية ٌ و ٌ‬
‫مرفوض شرع ًا‪ ،‬ولم يدع أحدٌ منهم إلى إلغائها أو ترك وحرق كتبها‪ ،‬وما كان من هذا في بعض الح ِقب‬ ‫ٌ‬
‫تصرفات لا ت ُمثل أئمة الدين‪ ،‬بل هو من التعصب المذموم الذي يأتي تحتَ مظلة ِ محاربة ِ التعصب‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫=فإنما هو‬
‫ومدارس علمية ٍ معتبرة‪.‬‬
‫َ‬ ‫مذاهب‬
‫ٍ‬ ‫تعصب لآراءٍ شخصية ٍ وليس إلى‬
‫ٌ‬ ‫وهو في حقيقته‬
‫كتاب باسم (التعصّ ب المذهبي)؛ جمع فيه بعضًا من حوادث التعصب‬
‫ٌ‬ ‫فاـئدة‪ :‬للدكتور خالد كبير َّ‬
‫عل ّال‬
‫جدَ هذا التعصب على سبيل الن ُدرة لا على سبيل الشيوع‪.‬‬
‫في بعض أتباع المذاهب الفقهية‪ ،‬وقد و ُ ِ‬

‫مذهب‬
‫َ‬ ‫وخالف‬
‫َ‬ ‫ل العلم ِ‪ :‬أ َّ ّ‬
‫ن المتم ْذه ِب إذا بل َغ رتبة َ الاجتهاد‬ ‫ق بين أه ِ‬
‫ل الاتفا ِ‬
‫الثالث من مح ِ‬
‫ن ولا ي ُنكر ذلك عليه‪ :‬ومن شواهد ذلك‪:‬‬
‫ن غيره فقد أحس َ‬
‫إمامه لر ُجحا ِ‬
‫أ‪ -‬أنه لم يُنكر أحدٌ على القاضي أبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني َّلم ّا خالفا شيخهما أبا حنيفة في بعض‬
‫خالف اجتهاد َ شيخهما‪ ،‬وقد قيلَ‪( :‬إن القاضي أبا يوسف ومحمد بن‬ ‫المسائل التي َّ‬
‫توصّ لا فيها إلى اجتهادٍ ي ُ‬
‫الحسن قد خالفا أبا حنيفة في ثلثي المذهب) وهذا لا ي ُراد به التقدير الحقيقي وإنما المراد كثرة المسائل التي‬
‫خالفا فيها شيخهما أبا حنيفة‪.‬‬
‫بعض المالـكية الإمام َ مالك في بعض المسائل التي ثبتت عنه؛ ومنهم‪ :‬ابن عبدالبر فإنه قد‬
‫ُ‬ ‫خالف‬
‫َ‬ ‫ب‪-‬‬
‫ل بخلاف قوله‪.‬‬
‫خالف الإمام مالك في مسألة (خيار المجلس) واستد َ‬

‫بعض الشافعية الإمام َ الشافعي؛ ومنه‪ :‬المزني فإنه خالف الإمام الشافعية في مسائل مع أنه كتب‬
‫خالف ُ‬
‫َ‬ ‫جـ‪-‬‬
‫مختصر ًا في مذهب الشافعية‪.‬‬
‫خالف مذهب الإمام أحمد‪.‬‬
‫ت ُ‬ ‫د‪ -‬كان لبعض الحنابلة لم اختياراتٌ واجتهاداتٌ ُ‬

‫‪-‬وهذه الاختيارات والاجتهادات التي يخالفون بها الأئمة لا تكون إلا بعد التأه ّل؛ ومن أمثلة ذلك من‬
‫المتأخرين‪ :‬شيخ الإسلام ابن تيمية ‪-‬رحمه الل ّه‪-‬؛ فإنه لما بل َغ رتبة َ الأهلية في النظر في الأدلة الشرعية كان له‬
‫اجتهادات واختياراتٌ في تصحيح أحد‬
‫ٌ‬ ‫اجتهادات خارجة ٌ عن عموم مذهب الإمام أحمد‪ ،‬وكذلك‬
‫ٌ‬
‫الروايات عن الإمام أحمد‪.‬‬
‫"صلوا على صاحب الس ُن َّّة ﷺ"‬

‫‪- 37 -‬‬
‫‪-‬ينبغي أن نتنبه إلى القيد المذكور في هذا المحل‪ :‬وهو (المتمذهب إذا تأ َّه ّ َ‬
‫ل)؛ فإنه إذا اجتهدَ واختار َ قول ًا‬
‫من الأقوال فقد أحسن‪ ،‬وأما غير المتأهل فليس له حقّ أن يختار َ‪ ،‬وإذا نظرت في طبقات الفقهاء على مر‬
‫اختيارات استقلالية ٌ فقهية ٌ كانوا قلة ً ولا تجد إلا الواحد بعد الواحد‬
‫ٌ‬ ‫التاريخ؛ فإنك تجد أن العلماء الذين لهم‬
‫ل مائة سنة‪.‬‬
‫في ك ّ ِ‬
‫‪-‬ينحصر اجتهاد المجتهد في الترجيح بين أقوال الفقهاء في المسائل التي تك َّل ّموا فيها قبله‪ ،‬وليس بأن يأتي المجتهد‬
‫ج عن إجماعهم‪ ،‬وإذا‬
‫ل =لا يجوز له أن يخر َ‬
‫ل لم يقلْ به أحدٌ‪ ،‬بل إذا أجم َع العلماء قبل المجتهد على قو ٍ‬
‫بقو ٍ‬
‫ل إجماعهم‪ ،‬وهذا الاجتهاد لا‬
‫ج عن مح ِ‬
‫يحدِثَ قول ًا ثالث ًا يخر ُ‬
‫اختلف العلماء قبله على قولين =لا يجوز له أن ُ‬
‫َ‬
‫ح أن يصدر َ إلا عن مجتهدٍ تحققت فيه شروط الاجتهاد‪.‬‬
‫يص ُ‬

‫ل النفس إلى أحد الأقوال فليس اجتهاد ًا ولا مرجح ًا شرعي ّا أو اختيار ًا بالمعنى العلمي‪ ،‬لـكن يُمكن‬
‫‪-‬أما مي ُ‬
‫أن يُطلب من الباحث أن يكتبَ شيئ ًا من هذا القبيل لا على وجه الاجتهاد والاختيار الحقيقة وإنما من‬
‫باب التعل ّم حتى تظهر َ شخصية ُ الباحث لأجل أن تق َّو ّم من الناحية العلمية‪ ،‬ولهذا يقول الوزير ابن هبيرة‬
‫ج الإعادة والدرس) أي‪ :‬يُقصد ُ بالمناظرة التربية‬
‫ج مخر َ‬
‫الحنبلي‪( :‬إن المناظرة َ بين أرباب المذاهب تخر ُ‬
‫ج الإعادة‬
‫ج مخر َ‬
‫والتعليم والتدريب للطالب على ذلك‪ ،‬وكذلك الترجيح في كتابة البحوث العلمية فإن هذا يخر ُ‬
‫والدرس؛ يستفيد طالبُ العلم مما فيها من المادة العلمية المجموعة من مصادر متنوعة‪ ،‬ولا يكون هذا من‬
‫الاجتهاد والاختيار‪.‬‬

‫حث ونظرِ المسائل الفقهية‪:‬‬


‫طر يقة ُ الأئمة المتق ّدِمين في ب ِ‬
‫درس طالبُ علم عند شيخ حتى لو لم بلغ رتبة الاجتهاد؛ فإن معرفة َ الطالب بترجيح شيخه للقول‬
‫َ‬ ‫‪-‬إذا‬
‫الراجح في مسألة =تقليدٌ ليس بأحسن حال ًا بأي معيارٍ مما لو قلد َ الطالبُ قول أحد الأئمة‪ ،‬لـكن الناس ‪-‬‬
‫ن المتأخر َ يم ُكن أن يكون حاكً ما ومغربل ًا للتراث الفقهي؛ فيأتي العالم المتأخر أو‬ ‫اليوم‪ -‬صاروا يظنون أ َّ ّ‬
‫ن الزم َ‬
‫الباحث فيجمع أقوال م َن سبقه ثم يقول القول الفلان هو الراجح =هذا لا يجوز‪ ،‬ولا يمكن أبد ًا أن ينظر‬
‫إلى المسائل الفقهية بهذه النظرة السطحية‪.‬‬

‫‪-‬طر يقة حكم الإمام أحمد على مسألة ٍ من المسائل‪ :‬أنه يحفظ الآيات التي وردت فيها وما قيل في تفسيرها‬
‫حديث منهم يحفظهم من عشرين إلى‬
‫ٍ‬ ‫ل‬
‫بالإسناد‪ ،‬ثم يحفظ خمسة َ عشر حديث ًا ‪-‬مثل ًا‪ -‬فيها بأسانيدها‪ ،‬ك ّ‬
‫خمسة وثلاثين طر يق بأسانيدها أيضًا‪ ،‬وكان بعض المح ّدِثين يقول‪( :‬الحديث الذي لا أحفظه من عشرين‬
‫ل إسنادٍ يحتوي على ثلاثة إلى خمسة من الرجال؛ يحفظ الإمام أحمد كل واحدٍ‬
‫طر يقًا =أنا فيه يتيم ٌ)‪ ،‬ك ّ‬
‫ل واحدٍ منهم استقلال ًا واجتهاد ًا من خلال حفظه‬
‫من رجال هذه الأسانيد‪ ،‬و يعرف الحكم على ك ّ ِ‬
‫‪- 38 -‬‬
‫لمرو ياتهم‪ ،‬ثم هو يحفظ في هذه المسألة من آثار الصحابة والتابعين وأتباعهم خمسين أثر ًا منها‪ ،‬وله في كل‬
‫ل نظرٍ ثم بعد ذلك كله من العلم والتحقيق يحكم ُ في المسألة‪( :‬فلا يقول حلال أو‬
‫ذلك ملـَكة ٌ فقهية ٌ وإعما ُ‬
‫حرام لـكن يقول‪ :‬يعجبني كذا أو أكره كذا) يقول ذلك وراع ًا وديانة ً‪.‬‬

‫بعض أهل العلم من‬


‫‪-‬أما الباـحث المعاصر الذي سيبحث المسألة؛ إما أن يأخــذَ حديث ًا بدون إسنادٍ صححه ُ‬
‫المتأخرين‪ ،‬أو إذا كان سيدرس الإسناد‪ :‬يأخذ الأحكام على الرجال والطرق من كتاب (تقريب التهذيب)‬
‫للحافظ بن حجر‪ ،‬فليس أمامه من الطرق التي كانت في صدور الأئمة إلا شيء ٌ يسير ٌ ثم يقول‪ :‬القول الراجح‬
‫بعض الأحاديث في المسألة‪ ،‬فإن احتمال خفاء ِ بعض‬ ‫كذا‪ ،‬فإذا كان يُحتمل أنه قد يكون خفِ َي على الأئمة ُ‬
‫أضعاف ذلك الإحتمال الوارد على الأئمة سواء من متون الحديث‬
‫ِ‬ ‫الأحاديث على الباحث المعاصر عشرة ُ‬
‫أو من أسانيدها وطرقها والكلام على رجالها‪.‬‬
‫ُلاصات للحكم‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬وقد يأخذ الباحث توَيق الحافظ ابن حجر للراوي في (تقريب التهذيب ‪-‬هذا الكتاب فيه خ‬
‫على الرواة والروايات‪ )-‬و يكون الحافظ ابن حجر اعتمد أصل ًا في توَيق الراوي على الإمام أحمد؛ لـكنه َّ‬
‫وث ّق‬
‫انتصف‬
‫َ‬ ‫الراوي وض َّع ّف هذا الحديث من حديثه؛ ومثا ُ‬
‫ل ذلك‪ :‬حديث الراوي علاء بن عبد الرحمن‪" :‬إذا‬
‫ضعيف وهذه قضية ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ق عند الأئمة ولـكن هذا الحديث من حديثه‬
‫شعبان فلا تصوموا"؛ هذا الراوي موث ٌ‬
‫ن أ َّن ّه إذا كان جميع رواة الإسناد ثقات =فإن الحديث صحي ٌ‬
‫ح؛ فقد يكوة رواة الحديث‬ ‫ي ُغفل عنها‪( :‬أن يُظ ُ‬
‫ضعيف)‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ل والحديثُ‬
‫ثقات والإسناد ُ متص ٌ‬
‫ٌ‬ ‫كلهم‬

‫ل علم السلف على علم الخلف؛ وفي هذا أوصيكم بكتابين مهمين‪ :‬الكتاب الأوّل‪ :‬كتاب (بيان‬
‫‪-‬وهنا يبرز فض ُ‬
‫فضل علم السلف على علم الخلف)‪ ،‬وكتاب (الرد على م َن ا َّت ّبع غير المذاهب الأربعة) للإمام ابن رجب‬
‫الحنبلي ‪-‬رحمه الل ّه‪.-‬‬
‫المصحف بغير طهارة)‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ل ذلك‪ :‬بحث مسألة ( ّ‬
‫مس‬ ‫مثا ُ‬
‫سه إلا المطهرون" أن المراد بذلك الملائكة تقليدًا لبعض‬
‫‪-‬تجد ُ كثير ًا من الباحثين يقول في قوله تعالى‪" :‬لا يم ّ‬
‫المفسرين وليس اجتهاد ًا؛ لأنه لم يقف على جميع الآثار الواردة عن المفسرين في تفسير الآية فضل ًا عن‬
‫دراسة أسانيدها (هذه مرتبة ٌ أعلى)‪ ،‬وحتى لو درس أسانيدها =سيدرسها عن طر يق كتاب (تقريب‬
‫مر بثلاث أو‬
‫التهذيب) وهنا صار مقلد ًا للأئمة في توَيق الرجال وتضعيفهم في مراتب متعددة‪ ،‬فتجد أنه َّ ّ‬
‫ج بعد ذلك ترجيح ًا يتصو ّر أنه اجتهاد ًا‪.‬‬
‫أربع مراحل من التقليد‪ ،‬ثم ينت ُ‬

‫يعرف حال كل راوٍ من رواة‬


‫َ‬ ‫‪-‬لـكن إذا أراد أن يدرس المسألة باجتهادٍ وبدون تقليد؛ فأوّل ًا‪ :‬لا ب ُ َّدّ أن‬
‫الحديث؛ ولا يكون ذلك بأخذ خ ُلاصة الحكم عليه من كتب مثل‪( :‬تقريب التهذيب) أو (تهذيب‬
‫‪- 39 -‬‬
‫التهذيب) أو (تهذيب الـكمال) =فهذا تقليدٌ‪ ،‬أما الاجتهاد يكون بجمع مرو يات رواة الحديث كلها‪ ،‬قد تصل‬
‫مرو يات الراوي الواحد إلى ألف وخمسمائة حديث ًا‪.‬‬

‫حديث منها؛ فتقارنه بمن شاركه في رواية الحديث؛ هل رواه بنفس‬


‫ٍ‬ ‫‪-‬ثم بعد جمعها‪ ،‬تبدأ عملية المقارنة لكل‬
‫اللفظة والسياق‪ ،‬فتنظر كم عدد الأحاديث التي وافقت روايته فيها مع روايات الثقات‪ ،‬وكم عدد الأحاديث‬
‫التي خالفت روايته فيها مع روايات الثقات مخالفة يسيرة‪ ،‬وكم عدد الأحاديث التي خالفت روايته فيها مع‬
‫روايات الثقات مخالفة بي ِّنة‪ ،‬فإذا وجد الأئمة بأن روايات الرواي وافقت روايات الثقات في الجملة‬
‫وخالفتهم في اليسير =حكموا على هذا الراوي بأنه ثقة‪ ،‬لـكن إذا خالف في حديثه رواية الثقات =يُحكم على‬
‫حديثه هذا بالضعف مع توَيق الأئمة له؛ (لأنه ليس من شرط الثقة بأنه لا يُخطئ)‪.‬‬

‫‪-‬يأتي الباحث المعاصر الذي يفتقر إلى الاجتهاد؛ فينظر إلى توَيق الأئمة للراوي‪ ،‬ولا يفهم كيف ض َّع ّفوا‬
‫حديثه‪ ،‬فيقول بصحة الحديث و يعترض على تضعيف الأئمة‪ ،‬مع أنه ما أخذ توَيق الراوي إلا تقليدًا لهم!!‪،‬‬
‫ديث وارد في مسألة ٍ واحدة‪ ،‬فكم يحتاج هذا‬
‫لح ٍ‬‫ل واحدٍ من رجال إسنادٍ واحدٍ من أو َ ِ‬
‫وهذه دراسة لرج ٍ‬
‫الباحث لدراسة ٍ را ٍو واحدٍ عن طر يق الاستقلال والاجتهاد (سنة على الأقل مع الجد!!)‪ ،‬أما الأئمة؛‬
‫فكانوا يحفظون الأحاديث حفظًا متقنًا‪ ،‬وكلما حفظوا حديثًا قاموا بعملية المقارنة تلقائيًا بينه وبين ما حفظوا‬
‫سابقًا‪.‬‬
‫ل واحد‬
‫ل واحدٍ من رجال الإسناد في سنة ٍ كاملة‪ ،‬وهذا فقط في دلي ٍ‬
‫‪-‬إذا انتهى الباحث من دراسة رج ٍ‬
‫من الأدلة الواردة في المسألة من القرآن‪ ،‬فكيف ببقية الأدلة من القرآن‪ ،‬وكيف بأدلتها من الس َُّن ّة‪ ،‬وكيف‬
‫بأدلتها من آثار الصحابة (وهذه الآثار يغفل عنها كثير ٌ من الباحثين المعاصر ين)‪ ،‬هذا إذا أراد أن يسلك‬
‫الباحث طر يق الاجتهاد الذي يعرِّفه الأصوليون بأنه‪( :‬استفراغ ُ الفقيه ِ وسع َه ُ في درك حكم شرعي) حتى‬
‫يقف على مزيدٍ في المسألة)‪ ،‬هكذا كان نظر الأئمة المتق ّدِمين في‬
‫َ‬ ‫ن أ َّن ّه لا يمكن أن‬
‫قال بعضهم‪( :‬حتى يظ ُ‬
‫المسائل‪ ،‬وهو مما لا يكاد أن يطبقه طلبة العلم اليوم‪.‬‬

‫التمذهب بمعنى التخر ّج على‬


‫ِ‬ ‫ل‬
‫التمذهب‪ :‬قبو ُ‬
‫ِ‬ ‫ل العلم ِ في مسألة ِ‬
‫ق بين أه ِ‬ ‫ل الاتفا ِ‬‫الرابع من مح ِ‬
‫ِ‬
‫الراجح‪:‬‬ ‫وطلب‬
‫ِ‬ ‫مدرسة ٍ فقهية ٍ أصولية ٍ مع العناية بالدليل‬
‫لمذهب من المذاهب والتخر ّج عليه‪ ،‬والاعتناء بمعرفة أدلته هو من التف ّقه في الدليل‪ ،‬وهو‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬فإن الانتساب‬
‫أمر سائغٌ‪ ،‬سار عليه أغلب الفقهاء بعد استقرار المذاهب الأربعة؛ مثل شيخ الإسلام ابن تيمية الحنبلي‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫والإمام النووي الشافعي‪ ،‬والإمام القرافي المالـكي‪ ،‬والإمام الكاساني الحنفي‪ ،‬ومما يشابه ذلك‪ :‬أن يقول م َن‬

‫‪- 41 -‬‬
‫ت َّخر ّج في الأزهر َّأن ّه أزهريّ ‪ ،‬وم َن ت َّخر ّج من كلية دار العلوم أن ّه درعم ّي‪ ،‬وعليه؛ فإن الانتساب إذا لم‬
‫بأس به‪.‬‬
‫تعصب =فلا َ‬
‫ٌ‬ ‫يصاحبه‬

‫ل إمام ِه ِ‬
‫المتمذهب بقو ِ‬
‫ِ‬ ‫التمذهب‪ :‬جواز ُ أخذِ‬
‫ِ‬ ‫ل العلم ِ في مسألة ِ‬
‫ق بين أه ِ‬
‫ل الاتفا ِ‬
‫الخامس من مح ِ‬
‫ل‪:‬‬
‫ناسب ًا له إلى إمام ِه ِ مع قناعت ِه ِ برجحان ِه ِ بعد َ نظرِه ِ في أدلة ِ الأقوا ِ‬
‫ل إماـمه الذي تمـذهب‬ ‫‪-‬إذا وصـل المتمذهب إلى مرتبة التــأه ّل والترجيح؛ فنظر َ في مسألة ٍ َّ‬
‫فترجّ ح عنده قو ُ‬
‫بمذهبه =فلا إشكال أن يأخذ َ به‪ ،‬ولا إشكال في أن ينسب هذا القول إلى إمامه‪ ،‬أو أن يميل نفسه إليه‪.‬‬

‫‪-‬فإذا ج َّو ّز المجتهد للناس أن يقلدوه فيما يأخذون عنه من فتاواه في المسائل‪ ،‬فلا يجوز له أن يمنع الناس أن‬
‫يقلدوا أحدَ الأئمة الأربعة‪.‬‬
‫‪-‬وإذا أفتى عالم ٌ مجتهدٌ بقول مجتهدٍ آخر في المسألة؛ كأن يقول الإمام أحمد في مسألة ٍ‪( :‬قال الشافعي ّ فيها‬
‫ل من حالتين‪:‬‬
‫كذا)؛ فإن ذلك لا يخ ُ‬
‫الحالة الأولى‪ :‬أن يعتقدَ صحة َ قول هذا المجتهد؛ فلا إشكال في ذلك‪.‬‬

‫ل الراجح غير ما ذكره هذا المجتهد‪ ،‬ولـكن المسألة ُ اجتهادية ً ليس فيها قاط ٌع؛‬ ‫الحالة الثانيـة‪ :‬أن يعتقد َ أ َّ ّ‬
‫ن القو َ‬
‫ومذهب‬
‫ِ‬ ‫يخير َ المستفتي بين مذهب ِه ِ‬
‫فلا إشكال في أن يذكر َ مذهبَ غيره؛ يقول صاحبُ الإقناع‪( :‬وللمفتي أن ُ‬
‫غيره)؛ لأنه لا يلزم ُ الناس أن يقلدوه‪ ،‬فإذا جاز َ للمفتي أن يذكر للناس قوله =جاز َ أن يذكر له قول الأئمة‬
‫ل يسأله؛ فقال له‪ :‬اذهب إلى حلقة المدنيين فاسألهم)؛‬ ‫الأربعة‪ ،‬ولهذا؛ (روي أ َّ ّ‬
‫ن الإمام َ أحمد جاءه رج ٌ‬
‫أي أنه أحاله إلى غيره مع أ َّن ّه يرى خلاف رأي المدنيين‪.‬‬

‫خلاف العلماء ِ في مسألة ِ التمذْه ِ‬


‫ُب‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ل‬
‫مح ُ‬
‫المتذهب‪:‬‬
‫ِ‬ ‫جاب‬
‫الاتجاه الأوّل‪ :‬اتجاه ُ إ ي ِ‬
‫لمذهب من المذاهب في التقليد‪ ،‬وعــدم الانتقال عن هــذا المذهب حتى لا يدع لنفسه‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬هو لزوم ُ الإنساـ ِ‬
‫ن‬
‫مذهب في التعب ّد فما قال به في التحريم‬
‫ٍ‬ ‫مجاـل ًا لتتبع الرخـص والاضطراب في الفتوى؛ بأن يسير المُقلِّد على‬
‫تعصب ولا إلزام الناس بذلك‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫=امتنع عنه وما قال به في الجواز =أخذ َ به‪ ،‬من غير‬

‫بعض العلماء إلى‬


‫ُ‬ ‫ارتباط بمسألة ٍ تسمى (التلفيق) وهي نقيض مسألة التمذهب؛ وقد اتجه‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬هذه المسألة لها‬
‫ق؛ أي‪ :‬أن يأخذَ مرة ً‬
‫إ يجاب التمذهب بهذا المعنى؛ بأن يلزم المقلد مذهب ًا من المذاهب ولا يجوز له أن ي ُلف َ‬
‫بقول الحنفية ومرة ً بقول الشافعية ومرة ً بقول الحنابلة‪.‬‬

‫‪- 40 -‬‬
‫‪-‬قاـل الشيخ الأمــين الشنقيطي ‪-‬رحمه الل ّه‪( :-‬متأخرو الأصـــوليين من جميع المذاهب مطبــقون كلهم على‬
‫وجوبه)؛ و يستدلون بأن هذا أضبط للإنسان‪ ،‬وأ َّن ّه يمنع من اتباع الرخص‪.‬‬

‫التمذهب‪:‬‬
‫ِ‬ ‫الاتجاه الثاني‪ :‬اتجاه ُ إباحة ِ‬
‫‪-‬ذهب أكثر العلماء إلى جواز التمذهب؛ فلا يرون وجوب أو امتناع التمذهب؛ بأن يجب على المقلد أن‬
‫ل الذكر إن كنتم لا تعلمون"‪ ،‬و يجوز له في ذلك‪:‬‬
‫يصدر َ عن قول أهل العلم؛ لقوله تعالى‪" :‬فاسألوا أه َ‬
‫‪ -1‬أن يلزم مذهب ًا؛ فيسأل عالم ًا محدد ًا من العلماء لثقته بدينه وأمانته‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يسأل من العلماء م َن يثق في دينه وأمانته دون الالتزام بعال ٍم معيَّ ّنٍ محدد‪ ،‬دون أن يقصد في ذلك‬
‫تتبع رخص العلماء‪ ،‬وإنما يقصد البحث عن الحكم الشرعي‪.‬‬
‫س مذاهبهم)‪.‬‬
‫‪-‬قال القاضي عياض ‪-‬رحمه الل ّه‪( :-‬وق َع إجماع ُ المسلمين على اتباعِهم ود ْر ِ‬
‫‪-‬قال الوزير ابن هبيرة الحنبلي ‪-‬رحمه الل ّه‪ -‬واصفًا المذاهب الأربعة‪( :‬التي اجتمعت الأ َّمّة على أ َّ ّ‬
‫ن كل ًا منها‬
‫يجوز ُ العمل به)‪.‬‬
‫‪-‬قال ابن فرحون ‪-‬رحمه الل ّه‪( :-‬وق َع إجماع ُ َّ‬
‫الن ّاس على تقليدِهم‪ ،‬واتفاقُ العلماء على اتباعهم والاقتداء‬
‫س كتبهم والتف ّقه على مآخذهم)‪.‬‬
‫بمذاهبهم ود ْر ِ‬

‫التمذهب‪:‬‬
‫ِ‬ ‫الاتجاه الثالث‪ :‬اتجاه ُ ِ‬
‫منع‬
‫مذهب بعينه‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ل ملازمة ِ‬
‫‪-‬بأن ي ُقل ِّد الإنسان؛ ولـكن ليس على سبي ِ‬
‫‪-‬وقد ش َّ ّدد الإمام أبو محمد بن حز ٍم الأندلسي ‪-‬رحمه الل ّه‪ -‬في مسألة التقليد حتى جعل في كتابه (الإحكام في‬
‫ِ‬
‫بجميع‬ ‫ل أبي حنيفة أو‬ ‫ِ‬
‫بجميع قو ِ‬ ‫أصول الأحكام) باب ًا اسمه (باب إ بطال التقليد) وقال فيه‪( :‬فليعلم م َن أخذَ‬
‫خالف إجماعَ الأ َّمّة)؛‬
‫َ‬ ‫ن من النظر؛ َّأن ّه قد‬
‫ل أحمدِ ممن يتمك ُ‬
‫ل الشافع ِي ّ أو بجميع قو ِ‬
‫قو ِ‬ ‫ِ‬
‫بجميع‬ ‫ك أو‬
‫ل مال ِ‬
‫قو ِ‬
‫الإجماعَ على َّأن ّه لا يجوز ُ الآخذ ُ بجميع قول أحد الأئمة‪ ،‬لـكنه ذكر شرطًا وهو قوله (ممن‬ ‫ن حز ٍم‬
‫وهنا يحكي اب ُ‬
‫سل ّم ٌ به؛ (بأ َّ ّ‬
‫ن الذي بل َغ رتبة َ الاجتهاد لا يجوز له‬ ‫يتمكن من النظر) والمقصود به‪ :‬أهلية الاجتهاد‪ ،‬وهذا م ُ َّ‬
‫أن يقل ِّد َ فضل ًا عن أن يلزم َ مذهب ًا بعينه)‪ ،‬والحقيقة َّأن ّه لا يمكن أن يستقيم للناس تعب ّدٌ إلا بالتقليد‪.‬‬

‫‪-‬التقليد والاجتهاد ليسا على مرتبة ٍ واحدة ٍ؛ فإن العلماء يذكرون أن المجتهد على درجات؛ منها‪ :‬مجتهد مذهب‬
‫ومجتهد مطلق‪ ،‬فإذا كان النظر في الاجتهاد يكون على رتبة المجتهد في العلم؛ فإن مراتب الاجتهاد تتع َّ ّدد ُ‬
‫بتع ّددِ المجتهدين؛ فإن المجتهد الذي يحفظ ألف حديث ًا غير المجتهد الذي يحفظ عشرة آلاف حديثًا غير المجتهد‬
‫ل وهو‬ ‫الذي يحفظ ألف ألف حديث ًا‪ ،‬وقد رويَ عن الإمام أحمد ‪-‬رحمه الل ّه‪ -‬أ َّن ّه قي َ‬
‫ل له‪( :‬أي ُفتي الرج ُ‬
‫يحفظ مائة ألف حديث ًا‪ ،‬قال‪ :‬لا‪ ،‬قيل‪ :‬أي ُفتي الرجلُ وهو يحفظ مائتي ألف حديث ًا‪ ،‬قال‪ :‬لا‪ ،‬قيل‪ :‬أي ُفتي‬
‫‪- 42 -‬‬
‫ل وهو يحفظ أربعمائة ألف حديث ًا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ل وهو يحفظ ثلاثمائة ألف حديث ًا‪ ،‬قال‪ :‬لا‪ ،‬قيل‪ :‬أي ُفتي الرج ُ‬
‫الرج ُ‬
‫أرجو)‪.‬‬
‫ن الأصوليين المتأخرين ش َّ ّددوا في شروط الاجتهاد‪ ،‬وهذا من العجب؛ لأنك لو‬
‫الن ّاس أ َّ ّ‬
‫بعض َّ‬
‫ُ‬ ‫ل‬
‫‪-‬يقو َ‬
‫قارنتها بمثل النقل السابق عن الإمام أحمد؛ لوجدتَ أن الأصوليين المتأخرين س َّهّلوا في الاجتهاد‪ ،‬لـكن‬
‫بعض أهل العلم إلى غلق‬
‫ُ‬ ‫بعض الناس العاجزين يريدون أن يفتحوا باب الاجتهاد على مسرعيه‪ ،‬ولهذا؛ دعا‬
‫باـب الاجتهاد‪ ،‬وقالوا بانقطاـع الاجتهاد من القرن الرابع سـدًا للذر يعة؛ لأنهم رأوا َّأن ّه قد يدخل في باب‬
‫الاجتهاد م َن ليس منه‪ ،‬وليس هذا تقرير ًا لصحة قولهم بغلق باب الاجتهاد‪.‬‬

‫فرض خاطئ؛ فلا يُمكن أن توجد هذه المسألة‬


‫ٌ‬ ‫المذهب للنص الشرعي) هو‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫فرص مسألة‪( :‬مصادمة ُ قو ِ‬
‫‪ُ -‬‬
‫بعض َّ‬
‫الن ّاس يتصو ّر في بعض المسائل أنها مصادمة ٌ للنص‪ ،‬والحقيقة‬ ‫ٍ‬
‫وشائع‪ ،‬لأن َ‬ ‫ل ظاهرٍ‬
‫في المذاهب بشك ٍ‬
‫ن فيه مصادمته لأقوال المذاهب ضعيفًا‪.‬‬
‫النص الذي يظ ُ‬
‫ُ‬ ‫أنها ليست كذلك‪ ،‬بل ربما يكون‬
‫ق بالتمذهب بعد ذكر المذاهب من باب تتميم البحث في قضية المذاهب‪.‬‬ ‫فاـئدة‪ :‬الحديث عما َّ‬
‫يتعل ّ ُ‬

‫"كان إمام الحرم عبد الملك النيسابوري ح َّّفاظًا لوقته؛ فكان ينام و يأكل إضطرار ًا لا عادة ً‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أنا لا أنام ولا آكل عادة ً‪ ،‬وإنما أنام إذا غلبني النوم‪ ،‬وآكل إ ّذا اشتهيت"‬

‫‪- 43 -‬‬
‫(من ‪1311‬هـ تقريبًا)‬ ‫المفردة التاسعة‪ :‬مرحلة ُ الفقه ِ في العصر ِ الحاضر ِ‬

‫مق ّدِمة‪:‬‬
‫جد َ م َن يسمون المراحل قبل (‪1311‬هـ)‬
‫‪-‬ظهرت دعواتٌ ‪-‬في هذا العصر‪ -‬تدعو إلى ترك المذاهب‪ ،‬بل و ُ ِ‬
‫ل‪ ،‬ما قبل بداية الاستعمار للعالم الإسلامي بـ(عصر الجمود‬
‫وتراث فقه ٍ ّي مكتم ٍ‬
‫ٍ‬ ‫بما فيها من جهودٍ فقهية ٍ‬
‫والتقليد)‪.‬‬
‫‪-‬إذا نظرت للفروق في حياة الناس قبل مائتي سنة ً وبين زمن التابعين =لوجدتَ أن الفروق ليست كثيرة‪،‬‬
‫بينما لو نظرت للفروق في حياة الناس قبل خمسين سنة ً وبين اليوم =لوجدتَ أن الفروق التي حصلت في‬
‫بأضعاف مضاعفة ٍ من الفروق التي حصلت قبل ذلك بخمسمائة‬
‫ٍ‬ ‫حياة الناس بسبب الثورة الصناعية أكثر‬
‫سنة؛ فإذا كان التراث الفقهي ي ُلبي احتياجات الناس =فما هي الحاجة إلى تصنيف كتب ًا جديدة ً!‪ ،‬وهل‬
‫إعادة البناء مطلبٌ في ح ّدِ ذاته‪ ،‬أو يع ّد من باب التجديد!‬

‫نصف قرون ًا متطاولة ً من الجهد الفقهي بأنها زمن الجمود‪ ،‬بدعوى أنهم اقتصروا على الشرح‬
‫ُ‬ ‫‪-‬لذا؛ عندما‬
‫والتخريج على الـكتب والمدونات الفقهية =فإن هذا من العبث‪ ،‬لأن هذا الجهد الفقهي كان يلبي‬
‫ح أن‬
‫احتياجات الناس‪ ،‬ولما تأتت بعض النوازل القليلة =خدموها بالكتابة والتصنيف‪ ،‬وعليه؛ لا يص ُ‬
‫بوصف الجمود والتقليد على جهة الإطلاق‪.‬‬
‫ِ‬ ‫توصف هذه الأزمان‬
‫َ‬
‫يوصف العصر الحاضر في تاريخ الفقه بـ(عصر النهضة الحديثة)؛ هل المطلوب منا أن ننقض‬
‫ُ‬ ‫‪-‬ثم بعد ذلك؛‬
‫هذا البناء الشامخ من التراث الفقهي ونعيده من جديدٍ حتى يكون ما نحياه هو نهضة ٌ فقهية ٌ حديثة ٌ؟!‬
‫ل وكتابات مستقلة‪ ،‬أما المدارس‬
‫=بالطبع لا‪ .‬بل غاية الأمر‪ :‬هو وجود نوازل جديدة تحتاج إلى نظرٍ مستق ٍ‬
‫الفقهية =فلا حاجة إلى أن ي ُعاد النظر فيها أو كما يدعي البعض بتنقية أو تصفية التراث الفقهي وغير ذلك‬
‫من الدعوات التي لا تصدر إلا عن شخص لم يدرس المذاهب الفقهية ولم يعرف عنها شيئًا‪.‬‬

‫معالم ُ الفقه ِ في العصرِ الحاضرِ‪:‬‬


‫الـكتب الفقهية ِ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫المعلَم الأوّل‪ :‬طباعة ُ‬
‫‪-‬كما كان اكتشاف مادة (الكاغد) في زمن العباسيين له أثر ٌ كبير ٌ في التأليف‪ ،‬كان لظهور الطباعة من‬
‫مخترعات عصر الثورة الصناعية أثر ٌ كبير ٌ في طباعة الـكتب الفقهية وانتشارها‪ ،‬وتتمثل طباعة الـكتب الفقهية‬
‫في العصر الحاضر في نوعين‪:‬‬

‫‪- 44 -‬‬
‫النوع الأوّل‪ :‬طباعة الـكتب التي صنفها العلماء قديمًا‪:‬‬
‫‪-‬وذلك بإعاـدة نشرها وتحقيقها وتحو يلها من النسخ الخطية قليلة التــداول‪ ،‬تلك التي تحتاـج إلى أشهرٍ من‬
‫الجهد للنسخة الواحدة‪ ،‬إلى النسخ المطبوعة سر يعة التداول التي لا تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين‪ ،‬بل‬
‫ٍ‬
‫أنواع؛ منها‪:‬‬ ‫يمكن طباعة ألف نسخة في أيا ٍم معدودة؛ وهذه الـكتب الفقهية على‬
‫كتب طُب ِع َت في مسائل الإجماع فقط‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫‪-1‬‬
‫ن أنها من‬
‫‪-‬فإن معرفة مسائل الإجماع من الأمور المهمة لطالب العــلم؛ فربما تأتي مسألة ٌ إجماعية ٌ يظ ُ‬
‫مفردات المذهب إن لم يكن على علمٍ بها؛ من هذه الـكتب‪:‬‬
‫أ‪ -‬كتاب (الإجماع) لابن المنذر؛ وهو مطبوعٌ بتحــقيق صغير شاغف الباكستاني‪.‬‬
‫ب‪ -‬كتاب (مراتب الإجماع) لابن حز ٍم وقد نقده شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (نقد مراتب الإجماع)‬
‫وهذا من المناقشات والم ناظرات والردود بين أهل العلم التي تُحيي الحركة العلمية حتى قال الخطيب‬
‫ن الأ َّمّة َ م ُجمعة ٌ على الجدال والمناظرة في مسائل الفقه) ولـكن هذا الجدال والمناظرات تكون‬
‫البغدادي‪( :‬أ َّ ّ‬
‫ق في مسائل الفقه؛ مثل‪ :‬مناقشة الإمام‬
‫بأدب العلم‪ ،‬ولهذا؛ شن َع العلماء على بعض م َن يتكلم بكلا ٍم غير لائ ٍ‬
‫ابن حزم للمسائل الفقهية في كتابه (الم ُحلى)؛ فيه علم ٌ كثير ٌ‪ ،‬لـكن لا يصلح أن يقرأ طالب العلم المبتدئ فيه‬
‫حصل العلم‪ ،‬وكذلك؛ لا ينبغي أن ينظر الطالب في مساوئ أهل العلم أو أن‬
‫إلا بعد أن يتربى ويتأدب و ي ِّ‬
‫يتكلم عن شيءٍ من مثالبهم‪.‬‬
‫جـ‪ -‬كتاب (الإقناع في مسائل الإجماع) لابن القطان الفاسي؛ وهذا الكتاب جام ٌع لعدد من إجماعات أهل‬
‫العلم‪ ،‬وهو مطبوع بتحقيق الدكتور فاروق حمادة‪.‬‬
‫كتاب مفيدٌ ناف ٌع‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫د‪ -‬من الـكتب المعاصرة‪ :‬كتاب (إجماعات العبادات) طبعة مؤسسة الدرر السنية‪ ،‬وهو‬

‫كتب طبعت في المذاهب الأربعة؛ منها‪:‬‬


‫ٌ‬ ‫‪-2‬‬
‫أ‪ -‬في مذهـــب الحنفـية‪ :‬كتاب (بدائع الصنائع) للكاساني‪ ،‬وحاشية (ابن عابدين)؛ يصلح بهذين الكتابين أن‬
‫يكونا مرجع ًا لطالب العلم في معرفة مسألة من مسائل المذهب الحنفي‪.‬‬
‫ب‪ -‬في مذهب المالـكية‪ :‬كتاب (مواهب الجليل) للح َّ ّ‬
‫طاب‪ ،‬وقد طُبع كتابي (الموطأ) و(المدونة)‪.‬‬

‫جـ‪ -‬في مذهب الشافعية‪ :‬كتاب (الأم) بتحقيق الشيخ رفعة فوزي عبد المطلب‪ ،‬وكتاب (تحفة المحتاج) لابن‬
‫حجر الهيتمي‪ ،‬وكتاب (روضة الطالبين) للنووي‪ ،‬وكتاب (الحاوي) للموردي‪.‬‬

‫د‪ -‬في مذهب الحنابــلة‪ :‬كتاب (ك َّ ّ‬


‫شاف القناع) للبهوتي‪ ،‬وأفضل طبعاته‪ :‬طبعة وزارة العدل‪ ،‬وهو من‬
‫الـكتب التي تصلح أن تكون مرجع ًا يستغنى به الطالب في معرفة الصحيح من المذهب مع أدلة المسائل‪،‬‬
‫‪- 45 -‬‬
‫وكتاب (الشرح الـكبير) لابن أبي عمر بتحقيق الشيخ عبد الل ّه التركي الذي له جهود ٌ كبيرة ٌ في طباعة كتب‬
‫المذهب الحنبلي‪ ،‬وكذلك الشيخ عبد الملك ابن دهيش‪.‬‬

‫فاـئدة‪ :‬من المهم أن يعرف طالب العلم كيفية التعامل مع المكتبة الفقهية؛ وذلك بمعرفة الهدف من‬
‫ل بحثه؛ فإذا أراد أدلة المسائل =عرف ما هو الكتاب المناسب‬
‫تأليف الـكتب حتى يحقق هذا الهدف حا َ‬
‫لذلك‪ ،‬وإذا أراد معرفة الخلاف في المسألة =عرف ما هو الكتاب المناسب‪ ،‬إذا أراد أن يعرف هل المسألة‬
‫من مسائل الإجماع أو المفردات =عرف ما هو الكتاب المناسب‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬

‫كتب طُب ِع َت في الفقه المقارن‪:‬‬


‫ٌ‬ ‫‪-3‬‬
‫‪-‬يرجع إليها الطالب في معرفة الأقوال وأدلتها في مسائل الخلاف؛ منها‪:‬‬
‫ل في معرفة اختلاف العلماء‪.‬‬
‫‪-‬كتاب (الأوسط) لابن المندر؛ وهو كتاب جلي ٌ‬
‫‪-‬كتاب (اختلاف العلماء) للوزير ابن هبيرة؛ وميزته في توضيح مواضع الاتفاق والخلاف‬
‫‪-‬كتاب (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) لابن رشدٍ الحفيد؛ ومميزته أنه أنه يذكر الخلاف بأوجز العبارات‬
‫و يقتصر على ذكر مهمات المسائل ورؤوسها‪ ،‬ويبين سبب الخلاف في كل مسألة‪.‬‬
‫‪-‬كتاب (المغني) لابن قدامة بتحقيق الشيخ عبد الل ّه التركي‪.‬‬
‫‪-‬كتاب (الشرح الـكبير) لابن أبي عمر‪.‬‬
‫ل) أن يناسب الكتاب جميع طبقات المتعلمين‪ ،‬فمثل ًا‪:‬‬
‫كتاب جلي ٌ‬
‫ٌ‬ ‫فاـئدة‪ :‬لا يُشترط أن يقو َ‬
‫ل الشيخ (هذا‬
‫أعظم ُ تفسيرٍ أل ِّف هو تفسير (ابن جرير الطبري) ومع ذلك لا يصلح لطالب العلم أن يبدأ تعل ّم التفسير به‪.‬‬
‫كتب في الفنون الإسلامية الأخرى وهي خادمة ٌ للفقه؛ مثل‪ :‬كتب أحاديث الأحكام وآيات‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬هناك‬
‫الأحكام وشروحها‪.‬‬

‫النوع الثاني من الـكتب الفقهية المطبوعة في العصر الحاضر‪ :‬الـكتب المعاصرة‪:‬‬


‫ٍ‬
‫أنواع؛ منها‪:‬‬ ‫‪-‬وهذه الـكتب على‬
‫‪ -1‬الموسوعات الفقهية‪ :‬وهي ليست كتب ًا دراسية ً للتف ّقه‪ ،‬بل هي مراجعٌ؛ تستهدف أن تجم َع الخلاف العالي‬
‫مرتبة ً للمسائل بحسب الحروف‪ ،‬وليس الأبواب‪.‬‬
‫ل على ترتيب المسائل‪:‬‬
‫مثاـ ٌ‬
‫‪-‬في الـكتب‪ :‬مثل‪ :‬كتاب (المغني) لابن قدامة؛ إذا أردت أن تبحث عن مسألة (الآنية) تبحث عنها في‬
‫كتاب (الطهارة)‪ ،‬بينما في الموسوعة الفقهية ترجع إليها في (حرف الألف)‪.‬‬

‫‪- 46 -‬‬
‫فاـئدة‪ :‬كتب الموسوعات مفيدة ٌ مساعدة ٌ لطالب العلم في البحث‪ ،‬لـكن لا يعتمد عليها اعتماد ًا تامّا في‬
‫مذهب من المذاهب تكون‬
‫ٍ‬ ‫تحرير المذهب ‪ ،‬ولا حتى على كتب المتق ّدِمين‪ ،‬فإن المنهجية العلمية في توَيق‬
‫بالـكتب المعتمدة في ذلك المذهب‪.‬‬
‫أمثلة ُ هذه الموسوعات‪:‬‬
‫ل الموسوعات الفقهية التي كتبت في العصر‬
‫ل عظيم ٌ ج ّدا من أج ّ‬
‫أ‪( -‬الموسوعة الفقهية الـكويتية)‪ :‬فهي عم ٌ‬
‫الحاضر‪ ،‬وليس معنى ذلك أنها لا تخلو من ملحوظات أو أوهام فـ(لا ي ُمكن أن يخلو كتابٌ من هذا)‪،‬‬
‫وهذا الموسوعة تجمع لك القول المعتمد في المسألة عند المذاهب الأربعة بغير توسّ ٍع في الاستدلال فلا‬
‫تستوعب ذكر الأدلة‪.‬‬
‫ب‪ -‬هناك موسوعات َّ‬
‫تتعل ّق بأبواب محددة من الفقه‪ ،‬وليس بجميع الأبواب؛ ويُمكن لطالب العلم أن‬
‫يستغني بها في الباب الذي أل ِّفت فيه؛ منها‪:‬‬
‫‪-‬موسوعة (أحكام الطهارة) للشيخ د ُب َيان الد ُب َيان؛ وهي أوسع من كتب في الطهارة‪ ،‬وترتيبها ليس على‬
‫الحروف إنما على الأبواب‪.‬‬
‫نفيس في أبواب‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬موسوعة (المعاملات المالية أصالة ومعاصرة) للشيخ دبيان الدبيان؛ وهي كتاب‬
‫المعاملات‪ ،‬لم يكمل الشيخ فيها جميع المعاملات؛ فقد بدأ في التبرعات ولم يكملها وانتهى من المعاوضات‬
‫وتوقف عند (أبواب العار ية)‪.‬‬
‫َّ‬
‫تتعل ّق بأبواب التبرعات؛ هي موسوعة (الجامع في الوصايا‬ ‫‪-‬وهناك موسوعة ٌ أكملت هذا الجانب وهي‬
‫والأوقاف والهبات) للشيخ خالد المشيقح‪.‬‬
‫‪-‬موسوعة (القضايا الفقهية المعاصرة) عن مركز التمي ّز البحثي؛ وهي شاملة ٌ لجميع أبواب الفقه‪ ،‬لـكنها تقتصر‬
‫فقط على مسائل النوازل المعاصرة؛ مثل‪ :‬مسائل المعاملات المصرفية‪ ،‬والقضايا الطبية المعاصرة‪.‬‬
‫بأبواب محددة ٍ؛ مثل‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬هناك عدد ٌ من الـكتب التي َّ‬
‫تتعل ّق‬
‫‪ -1‬كتاب (النوازل في الزكاة) للدكتور عبد الل ّه الغفيلي؛ وهو كتابٌ يخدم جزء ًا من باب الزكاة فقط وهو‬
‫(النوازل)‪.‬‬
‫‪ -2‬في باب الصيام‪ :‬كتاب (مشكلات المفطرات) للدكتور فؤاد الهاشمي‪ ،‬وكتاب (النوازل المتعلقة بالتداوي‬
‫في الصيام) للشيخ أسامة خلاوي‪.‬‬
‫‪ -3‬في أبواب الحج‪ :‬كتاب (منسك ابن جماعة الكناني) يتميز بذكر المذاهب الأربعة في المسائل‪ ،‬و(منسك بن‬
‫كت ِب َت فيها (رسالة‬
‫جاسر) يركز على المذهب الحنبلي؛ وهما من أوسع كتب المناسك‪ ،‬وأما نوازل الحج‪ :‬فقد ُ‬
‫دكتوراه للشلعاني)‪.‬‬
‫‪- 47 -‬‬
‫المعلَم الثاني من معال ِم الفقه ِ في العصر ِ الحاضر ِ‪ :‬نشأة ُ الم ِ‬
‫جامع الفقهية ِ‪:‬‬
‫بأبواب فقهية ٍ متعددة ٍ‪ ،‬والتي قد يكون فيها من التعقيد‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬وذلك نظر ًا لـكثرة المستجدات والنوازل التي َّ‬
‫تتعل ّق‬
‫ما لا يكفي أن تصدر َ فيه فتوى فردية ُ من عال ٍم واحدٍ؛ منها‪ :‬بعض نوازل أبواب المعاملات التي تحتاج‬
‫الرجوع فيها إلى المتخصصين في المصرفية والاقتصاد‪ ،‬والنوازل الطبية التي تحتاج فيها إلى سماع الرأي الطبي‬
‫ل متخصصٍ ‪.‬‬
‫بشك ٍ‬
‫هيئات علمية ٌ ل ٍ‬
‫جمع من أهل العلم‪ ،‬يجتمعون للنظر في المسائل‪ ،‬ثم يصدر ُ فيها فتوى أو‬ ‫ٌ‬ ‫‪-‬المجامع الفقهية هي‬
‫قرار ًا بالأغلبية‪ ،‬ولا يلزم أن تصدر َ بالإجماع من جميع الأعضاء‪.‬‬

‫‪-‬تتنوع المجامع الفقهية؛ ولـكن أشهر المجامع التي فيها تمثيل من جميع بلدان العالم الإسلامي إَنان؛ هما‪:‬‬
‫الأوّل‪ :‬المجمع الفقهي الدولي التابع لمنظمة التعاون التي كانت ت ُس َّمّى (منظمة المؤتمر الإسلامي)‪ ،‬ومقرها‬
‫الرئيسي في (جدة)‪ ،‬صدرت له قراراتٌ وهي مطبوعة في مجلد ٍ‪ ،‬وله موق ٌع على الإنترنت‪ ،‬وله مجلة ٌكبيرة ٌ‬
‫ج ّدا؛ فيها جميع المناقشات والأبحاث التي تتم في جلساته‪ ،‬والقراءة في تلك المناقشات تُنمي ملـَكة النقاش عند‬
‫الطالب‪ ،‬ولذلك؛ قد يصدر ُ العدد الواحد من المجلة في ثلاث مجلدات‪.‬‬

‫الثانـي‪ :‬المجمع الفقهي التابع لـ(رابطة العالم الإسلامي)‪ ،‬ومقرها الرئيسي في (مكة)‪ ،‬وللمجمع مجلة ٌ‬
‫مطبوعة ٌ‪ ،‬وإن كان انتشارها ليس كبير ًا‪ ،‬وينبغي على طالب العلم أن يحرص على مطالعة مثل ذلك‪.‬‬
‫‪-‬وهناك مجام ُع فقهية ٌ إقليمية ٌ أو خاصة ٌ ببعض البلدان؛ منها‪ :‬المجمع لفقهي لعلماء الهند‪ ،‬مجمع البحوث‬
‫الإسلامية في القاهرة‪ ،‬المجمع الفقهي في السودان‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬

‫‪-‬إذا أراد طالب العلم أن يرجع إلى قرارات المجامع العلمية =فإنه يرجع إلى كتاب (فقه النوازل) في أربع‬
‫مجلدات للشيخ محمد حسين الجزاني؛ ر َّت ّب فيه الأبواب الفقهية‪ ،‬و يأتي في كل مسألة ٍ بالقرارات التي‬
‫صدرت من المجمعين المذكورين وغيرهما‪.‬‬

‫الموسوعات الفقهية ِ؛ ومنها‪:‬‬


‫ِ‬ ‫المعلَم الثالث من معال ِم الفقه ِ في العصر ِ الحاضر ِ‪ :‬ظهور ُ‬
‫‪ -1‬الموســـوعات المطبوعـــة‪ :‬ومن أبرزها‪( :‬الموسوعة الفقهية الـكويتية)‪.‬‬
‫ل البحث العلمي‪،‬‬
‫‪ -2‬الموسوعات الإلـكترونيــة‪ :‬فقد خدمت التقنية طالب العلم في الوصول إلى المعلومة حا َ‬
‫لـكن الطالب يحتاج أيضًا إلى كيفية التعامل مع المعلومات وفهمها‪ ،‬فإذا وقف الطالب على المعلومة دون‬
‫ل بهذه المعلومة‪.‬‬
‫أن يكون له ملـَكة في التعامل معاها أو فهمها =فلربما يُض ّ‬
‫‪-‬من أبرز الموسوعات الالـكترونية‪( :‬جامع الفقه الاسلامي)‪.‬‬

‫‪- 48 -‬‬
‫جلات الفقهية ِ‪:‬‬
‫المعلَم الرابع من معال ِم الفقه ِ في العصر ِ الحاضر ِ‪ :‬ظهور ُ الم ِ‬
‫‪-‬المجلات الفقهية‪ :‬هي مجلاتُ ت ُعنى بالأبحاث الفقهية المح َّكّمة؛ ومن أبرزها‪( :‬مجلة المجمع الفقهي الدولي‬
‫التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي) و(مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة تعاليم الإسلامي) و(مجلة الجمعية‬
‫ل عددٍ يكون في نحو ثلاثمائة‬
‫الفقهية السعودية)؛ وهي مجلة ٌ نفيسة ٌ وصلت إلى نحو عشرين عدد ًا إلى الآن؛ ك ّ‬
‫إلى أربعمائة صفحة‪ ،‬و(مجلة البحوث الفقهية المعاصرة)‪.‬‬

‫المعلَم الخامس من معال ِم الفقه ِ في العصر ِ الحاضر ِ‪ :‬إنشاء ُ المواقع الفقهية ِ‪:‬‬
‫‪-‬وقد س َّهّلت هذه المواقع التواصــ َ‬
‫ل بين أهل العلم؛ وقد ساهم ذلك في تيسير (مسألة الإجماـع)؛ حيث ذكر‬
‫العلماء أن الإجماع يعس ُر الوقوف عليه لتفر ّق العلماء في الأقطار وصعوبة الوصول إلى أقوالهم‪ ،‬ولذلك؛ كان‬
‫ل وجهدٍ ورحلة ٍ وتن ّقل‪ ،‬ومن هذه المواقع‪( :‬الشبكة الفقهية) و(الملتقى الفقهي)‬
‫الإجماع يحتاج إلى بذ ٍ‬
‫وغيرها‪.‬‬

‫ل الفقهية‪:‬‬
‫المعلَم السادس من معال ِم الفقه ِ في العصر ِ الحاضر ِ‪ :‬كثرة ُ النواز ِ‬
‫‪-‬وذلك بسبب الثورة الصناعية وظهور التقنية واستخدام التكنولوجيا والمخترعات الجديدة؛ فظهرت نوازل‬
‫ل الأبواب الفقهية؛ ومن هذه النوازل‪( :‬حكم استعمال مياة الصرف الصحي المعالج)‪،‬‬
‫كثيرة ٌ ج ّدا في ك ّ ِ‬
‫(حكم الصلاة في الطائرة)‪( ،‬حكم مس المصحف بغير طهارة إذا كان في الجوال)‪.‬‬

‫َّ‬
‫المتعل ّق بأفعال المكلفين‪ ،‬وتلك الأفعال تتنوع وتتطور‬ ‫‪-‬وسبب كثرة النوازل الفقهية‪ :‬أن علم الفقه هو العلم‬
‫جيب‪ ،‬وكل هذه المستجدات من الأفعال النوازل فيها‬
‫لع ٍ‬‫وتتسارع وتتغير من ناحية أنواعها وأجناسها بشك ٍ‬
‫عز‬ ‫حكم ٌ شرعي ٌ؛ ولذا؛ يقول الإمام الشافعيّ‪َّ ( :‬‬
‫فإن ّه لا تنزل بأحدٍ من الناس نازلة ٌ إلا وفي كتاب الل ّه ‪ّ َّ -‬‬
‫وج َّ ّ‬
‫ل‪ -‬بيانُ اله ُدى فيها)‪.‬‬
‫قرارات فقهية ً‪ ،‬ونشأ مركز يختص بدراسة‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬كتب العلماء والباحثون في هذه النوازل‪ ،‬وصدرت المجام ٌع فيها‬
‫هذه القضايا و بخدمتها وهو مركز (التمي ّز البحثي في فقه القضايا المعاصرة) في (جامعة الإمام)؛ وقد صدرت‬
‫عنه عدد ٌ من الندوات والمؤتمرات والدراسات والأبحاث وكذلك صدرت عنه (الموسوعة القضايا الفقهية‬
‫المعاصرة)‪.‬‬

‫يات الشرعية ِ والأقسا ِم الفقهية ِ‪:‬‬


‫المعلَم السابع من معال ِم الفقه ِ في العصر ِ الحاضر ِ‪ :‬نشأة ُ الكل ِ‬
‫‪-‬وقد خدمت هذه الكليات نشر العلم وتعليم الناس؛ منها‪ :‬كلية الشر يعة في (جامعة الإمام) و(جامعة أم‬
‫القرى) و(جامعة القصيم) و(الجامعة الإسلامية)‪.‬‬

‫‪- 49 -‬‬
‫‪-‬من الأشياء التي ح َّرّكت البحث العلمي في هذه الكليات‪ :‬افتتا ُ‬
‫ح الدراسات العليا؛ فإذا أراد الطالب أن‬
‫يت َّخر ّج في الماجستير أو في الدكتوراه؛ لا ب ُ َّدّ أن يكتبَ بحث ًا أو رسالة ً علمية‪ ،‬وقد يكون فيهما ما هو على‬
‫مستوى الجودة والإفادة و يعتبر مرجع ًا في بابه‪ ،‬وفيها ما هو دون ذلك‪( ،‬وليس تحصيل الشهادات في ح ّدِ‬
‫ذاته دليل ًا على العلم)‪ ،‬كما قال الشيخ حافظ الحكمي ‪-‬رحمه الل ّه‪:-‬‬
‫ل من نثرٍ ومنتظ ِم‬
‫بزخرف القو ِ‬
‫ِ‬ ‫شهادات مزخرفة ٍ ***‬
‫ٍ‬ ‫ل‬
‫(ما العلم ُ حم ُ‬
‫ن *** فاعلم هي العلم ُ ك َّ ّ‬
‫ل العلم ِ فالتز ِم)‪.‬‬ ‫بل خشية ُ الل ّه في سرٍ وفي عل ٍ‬

‫ل الفقه‪:‬‬
‫المعلَم الثامن من معال ِم الفقه ِ في العصر ِ الحاضر ِ‪ :‬ظهور ُ دعوة ِ التجديدِ في أصو ِ‬
‫‪-‬كما ظهرت الدعوات في هذا العصر إلى إعادة بناء الفقه الإسلامي؛ بإعادة النظر في الفروع الفقهية‪ ،‬فقد‬
‫ظهرت أيضًا دعوات إلى إعادة بناء أصول الفقه من باب التجديد؛ وليس المقصود بالتجديد معنى الإبداع‬
‫في التأليف؛ كأن نكتب شروح ًا وتشجيرات على كتب المتق ّدِمين من أجل تقريبها لطلبة العلم‪ ،‬هذا تجديد ٌ‬
‫ل‬
‫ق أو تفصي ِ‬ ‫في طر يقة العرض والتصنيف ولا إشكال فيه؛ فقد دأب أهل العلم على ذلك إما ب ِ‬
‫جمع م ُتفر ٍ‬
‫مسألة ٍ‪ ،‬وكان في تصنيف الأصوليين‪ :‬طر يقة الشافعي‪ ،‬وطر يقة الحنفية‪ ،‬وجاء م َن جمع بين الطر يقتين في‬
‫كتاب واحدٍ‪ .‬لـكن مقصود التجديد الذي تنادي به تلك الدعوات هو التجديد في مضامين هذا العلم‪ ،‬وأن‬
‫ٍ‬
‫القواعد التي سار عليها السلف في فهم الشر يعة لا ب ُ َّدّ من إعادة النظر فيها‪.‬‬

‫بعض‬
‫صن ّف في أصول الفقه في كتابه (الرسالة)‪ ،‬وقد ذكر َ ُ‬‫ل م َن َّ‬
‫‪-‬كان الإمام ُ الشافعي ّ ‪-‬رحمه الل ّه‪ -‬أوّ َ‬
‫يخفوا كتاب (الرسالة) وأن يتتبعوا مخطوطاته للقضاء عليه‪ ،‬ولا أدري‬‫ن المستشرقين حاولوا أن ُ‬ ‫الباحثين أ َّ ّ‬
‫عن صحة ذلك‪ ،‬لـكن المقصود أنهم لا يريدون لهذا العلم أن يقوم؛ لأ َّ ّ‬
‫ن علم َ أصول الفقه ‪-‬الذي هو طر يقة‬
‫ن الكتابَ والس ُ َّن ّة حص ٌ‬
‫ن؛ سور ُه ُ‬ ‫فهم السلف للأدلة الشرعية‪ -‬هو سور ُ الشر يعة‪ ،‬ولهذا؛ قال بعضهم‪( :‬إ َّ ّ‬
‫الإجماع وبوابت ُه ُ أصول الفقه)؛ لأنه لا ي ُمكن أن ت ُفهمَ الشر يعة إلا على الوجه الذي فهمه بها الصحابة الذين‬
‫شهدوا التنز يل وسمعوا من النبي ﷺ مباشرة ً ومشافهة ً‪.‬‬

‫فلم ّا َّ‬
‫صن ّف الإمام ُ الشافعيّ في أصول الفقه‪ ،‬إنما أراد بذلك أن يدوِّن القواعد التي سار عليها الصحابة‬ ‫‪َّ -‬‬
‫والتابعون في فهم الشر يعة‪ ،‬وهذه القواعد غير ُ قابلة ٍ للتجديد‪.‬‬
‫أمثـلة ُ ذلك‪:‬‬
‫ل مرفوع ًا‪ ،‬فلا يُمكن أن نقول‪( :‬لـكن المناسب للعصر الحاضر أن‬
‫‪ -1‬كان العربُ الأوائل يجعلون الفاع َ‬
‫ل التجديد أبد ًا‪ ،‬وكذلك قواعد فهم الشر يعة‪.‬‬
‫أمر لا يقب ُ‬
‫ل مجرور ًا أو منصوب ًا) =هذا ٌ‬
‫ل الفاع َ‬
‫نجع َ‬

‫‪- 51 -‬‬
‫‪ -2‬كان السلف يفهمون أن الأمر للوجوب‪ ،‬فلا يمكن أن نقول‪( :‬لـكن اليوم ضعف ُت همم ُ الناس‬
‫وتكاسلوا؛ فنحتاج أن ن ُعيد النظر في قضية الأمر للوجوب‪ ،‬ونجعل الأمر للاستحباب أو الإباحة‪ ،‬وعلى أثر‬
‫ن َّ‬
‫أيّ تأثيرٍ‬ ‫ذلك؛ تكون الصلوات الخمس بدل ًا من كونها مفروضة ً تكون مستحبة ً أو مباحة)‪ ،‬وهذا؛ لأ َّ ّ‬
‫ل الأثر ُ مباشرة ً بالتبعية إلى الفروع الفقهية‪.‬‬
‫يمس أصول الفقه سينتق ُ‬
‫ّ‬

‫ل فيه من الصور ما تقتضيه‬


‫ل اللفظ العام يدخ ُ‬
‫ل النهي للـكراهة بدل ًا من التحريم‪ ،‬ونجع َ‬
‫‪ -3‬أو (أن نجع َ‬
‫المصلحة بدل ًا من أن يشمل جميع صور العام‪ ،‬ولا نجعل الكتاب والس ُ َّن ّة أوّ َ‬
‫ل الأدلة نظرًا‪ ،‬بل ننظر أوّل ًا‬
‫المصلحة؛ ثم ننظر في الكتاب والس َُّن ّة؛ فما كان منهما معضدًا للمصلحة أخذنا به)‪.‬‬

‫ل‬
‫‪ -4‬من القواعد الأصولية أن الإجماع حجة ٌ؛ فيقولون‪( :‬الإجماع ليس بحجة ٍ؛ وعلينا أن ن ُعيدَ النظر َ في ك ّ ِ‬
‫مسائل الشر يعة المُجمع عليها) =ولا شك في خطورة هذه الدعوة من صور التجديد‪.‬‬

‫‪-‬هذه أمثلة ٌ على صورة الدعوة إلى التجديد في أصول الفقه‪ ،‬وهذه دعوة ٌ مرفوضة ُ تمام ًا؛ لأنها بلا شك هدم ٌ‬
‫للشر يعة‪ ،‬لأنهم بدل ًا من أن يتتبعوا نقض الفروع الفقهية فرعًا فرعًا =يتتبعوا نقض القواعد الأصولية ‪-‬التي‬
‫ل ٍ‬
‫فرع من تلك الفروع‪ -‬وبالتالي تنتقض الفروع تبع ًا لها؛ فبدل ًا من أن يقول لك مثل ًا‪( :‬الزنا‬ ‫تتعلق بك ّ ِ‬
‫مكروه) =هذا فرعٌ واحد‪ ،‬يقول لك مثل ًا‪( :‬الأمر للاستحباب وليس للوجوب) =فتنتقض فروعٌ فقهية ٌ‬
‫كثيرة ٌ بانتقاض هذا الأصل‪ ،‬ولا شك أن هذه من الدعوات الهدامة‪.‬‬

‫َّ‬
‫تتعل ّق بالتجديد في أصول الفقه؛ منهم‪ :‬م َن سموا أنفسهم‬ ‫‪-‬هناك أيضًا ع َّ ّدة ُ أنماطٍ من الدعوات التي‬
‫بالعقلانيين‪ ،‬أو التنوير يين‪ ،‬أو الليبراليين‪ ،‬وغير ذلك من الأسماء‪.‬‬

‫دعوة ُ مدرسة المقاصد (المقاصديين)‪:‬‬


‫‪-‬من الدعوات في قضية التجديد في أصول الفقه‪ :‬ما َّ‬
‫يتعل ّق بالدعوة إلى جعل علم مقاصد الشر يعة هو العلم ُ‬
‫الحاكم ُ على الاجتهاد والاستنباط‪ ،‬وأنه ليس هناك حاجة ٌكبيرة ٌ إلى علم أصول الفقه؛ فعلم مقاصد الشر يعة‬
‫مراتب؛ منها‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫يغني عنه‪ ،‬وأصحابُ هذه الدعوة على‬
‫‪ -1‬منهم م َن يستغني بعلم ِ مقاصد الشر يعة؛ َّ‬
‫لأن ّه هو العلم الذي تضبط من خلاله مصالح العباد في المعاش‬
‫يتعل ّق بالكتاب والس ُ َّن ّة والإجماع والقياس وغير ذلك‪.‬‬
‫والمعاد‪ ،‬ولذا؛ يقول‪ :‬لا نحتاج علم أصول الفقه الذي َّ‬

‫أخف من ذلك؛ فلا يدعي أ َّ ّ‬


‫ن علم َ مقاصد الشر يعة ي ُغني بالكلية عن علم أصول‬ ‫ّ‬ ‫‪ -2‬منهم م َن تكون دعوته‬
‫الفقه؛ لـكنه ي ُضخم فيه‪ ،‬ولـكي يستدل أصحاب المدرسة المقاصدية المعاصرة على قولهم؛ حاولوا أن يستثمروا‬
‫كتابات الإمام الشاطبي ‪-‬وهو من أوائل م َن أبرز مقاصد الشر يعة‪.-‬‬
‫‪- 50 -‬‬
‫‪-‬لم يُعرف في مدونات الإسلام على مر ثلاثة عشر َ قرن ًا أن هناك علم ًا مستقل ًا يُس َّمّى (علم مقاصد‬
‫أمر حدثَ في الأزمنة المتأخرة ليس قبل مائة‬
‫الشر يعة)؛ فإن إفراد َ مقاصد الشر يعة وجعلها علم ًا مستقل ًا ٌ‬
‫سنة من الآن‪ ،‬ولا مشاحة في الاصطلاح على علم مقاصد الشر يعة؛ فلا إشكال في إفراد المبحث الذي‬
‫ل‪ ،‬وقد أفرده بعض المتق ّدِمين؛ مثل‪ :‬العز بن عبد السلام َّ‬
‫صن ّف كتب ًا تركز‬ ‫َّ‬
‫يتعل ّق بمقاصد الشر يعة بعلمٍ مستق ٍ‬
‫على قضية المصلحة ومراتبها؛ منها‪ :‬كتاب (القواعد الـكبرى) وكتاب (القواعد الصغرى)‪.‬‬

‫‪-‬ولـكن يقع الإشكالُ‪ :‬حينماـ ي ُفرد هذا العلم استقلال ًا‪ ،‬ثم ي ُد َّرّس لغــير المتخصصين وي ُدعى أنه هو الأداة‬
‫ل بعضهم في ذلك بكلام للإمام الشاطبي؛ وقد اشترط الإمام الشاطبي في كتابه‬
‫التي ت ُؤهل للاجتهاد‪ ،‬و يستد ُ‬
‫(الموافقات) فقال‪( :‬يشترط في المجتهد شرطان؛ الشرط الأوّل‪ :‬هو العلم بالل ّغة العربية‪ ،‬والشرط الثاني‪ :‬العلم‬
‫بمقاصد الشر يعة؛ كمعرفة العموم والخصوص والأمر والنهي)؛ فلم يقصد (العلم بمقاصد الشر يعة) بما ي ُس َّمّى‬
‫اليوم بعلم مقاصد الشر يعة‪ ،‬بل قصد َ معرفة الحقائق الل ّغو ية من لسان العرب مع معرفة مقاصد الشرع‬
‫واصطلاحاته‪ ،‬فلا تكفي المعرفة بالل ّغة العربية في معرفة أن من مقاصد الشرع‪ :‬إرادة الوجوب من صيغة‬
‫الأمر أو إرادة الاستغراق للأفراد من صيغة العموم أو إرادة التحريم من صيغة النهي‪ ،‬وعليه؛ فإن مراد‬
‫الإمام الشاطبي بـ(مقاصد الشر يعة) هي (علم أصول الفقه بجميع أبوابه)‪.‬‬

‫‪-‬وعليه؛ زعم البعض ‪-‬اليوم‪ -‬أن الشاطبي يقول‪( :‬يكفي لتحصيل الاجتهاد معرفة مقاصد الشر يعة)‬
‫ويسمونه اجتهاد مقاصدي يجعلونه فوق الاجتهاد في فهم نصوص الشر يعة‪ ،‬فلا تنظر في حروف النص‬
‫الشرعي وإنما تنظر في روح ومقاصد الشر يعة‪ ،‬ولا شك َّأن ّه لا ي ُمكن تحصيل هذا المعنى إلا بالنظر في‬
‫النصوص الشرعية‪.‬‬

‫‪-‬ليس من شرط الاجتهاد‪ :‬معرفة ُ المصالح بالمعنى الدنيوي؛ فإن هذه المعرفة بهذا المعنى ليست مختصة بعلماء‬
‫الشر يعة فقط ولا حتى عموم المسلمين‪ ،‬بل إن الـكفار يدركون مصالحهم الدنيو ية‪ ،‬فبهذا المعنى‪ :‬يصير أكثر‬
‫الـكفار مجتهدين؛ لأن آلة الاجتهاد هي معرفة المصالح ور ُتبها‪.‬‬

‫فس ّر كلامه هكذا‪ ،‬بل َّأل ّف كتابه‬


‫‪-‬لم ي ُفرد الإمام الشاطبي علم ًا باسم (علم مقاصد الشر يعة) حتى ي ُ َّ‬
‫ل فيه أبوابَ أصول الفقه ومن ضمنها باب (المقاصد)‪ ،‬وللإمام الشاطبي كتاب‬
‫(الموافقات) وجع َ‬
‫يتكل ّم فيه عن أهمية الاعتصام بالكتاب والس ُ َّن ّة والتحذير من البدعة‪ ،‬ولهذا؛ سمى بعضهم الذين‬
‫َّ‬ ‫(الاعتصام)‬
‫يركزون فقط على كتاب (الموافقات) بـ(أنصاف الشاطبي)؛ لأنهم أخذوا بكلامه في (الموافقات) وتركوا‬
‫كلامه في (الاعتصام)‪.‬‬

‫‪- 52 -‬‬
‫‪-‬كما أن الإمام الشاطبي في (الموافقات)‪ :‬ر َّك ّز َ على أمرين‪:‬‬
‫الأوّل‪ :‬ر َّك ّز َ على المقاصد الأخرو ية للشر يعة التي لا تتمثل في المصالح الدنيو ية‪ ،‬ولهذا؛ ذكر المقصد الشرعي‬
‫المكل ّف عن داعية ِ هواه ليكونَ عبدًا لل ّه اختيار ًا كما َّأن ّه عبدٌ لل ّه‬
‫َّ‬ ‫من وض ِع الشر يعة؛ فقال‪( :‬إخرا ُ‬
‫ج‬
‫اضطرار ًا)‪.‬‬
‫الثانـي‪ :‬ر َّك ّز َ على تعظيم فهم السلف واتباعهم؛ وأنه لا يجوز الاجتهاد خارج فهم السلف؛ فقال‪( :‬فك ّ‬
‫ل ما‬
‫ل بعينه )‪ ،‬وهذا لا يُمكن أن يقول به أصحاب مدرسة المصالح‬
‫جاء مخالفًا لما عليه السلف الصالح فهو الضلا ُ‬
‫والمقاصد الدنيو ية؛ فهم يدعون إلى التجديد في أصول الفقه لـكي ينقضوا طر يقة فهم السلف و يأتون بطر يقة ِ‬
‫فهمٍ عصر ية ٍ؛ و يعب ِّرون عن ذلك بقولهم‪( :‬ق ُدسية النص وحر ية الفهم)‪.‬‬

‫ل ناظرٍ في الدليل الشرعي‪ :‬مراعاة ُ ما فهم منه‬


‫‪-‬وكذلك؛ يقول الإمام الشاطبي‪( :‬فلهذا كله؛ يجبُ على ك ّ ِ‬
‫الأولون‪ ،‬وما كانوا عليه في العمل به فهو أحرى بالصواب وأقوى في العلم والعمل)‪ ،‬ثم و َّجّه الإمام رسالة ً‬
‫بعض الـكتب قبل أن يتأ َّه ّل؛ فقال‪( :‬ولهذا؛ فلا يح ّ‬
‫ل لأحدٍ أن ينظر َ في كتابي هذا نظر َ مفيدٍ أو‬ ‫لمن َّ‬
‫يتقحّ م َ‬
‫ل ذلك =كان ذلك عليه فتنة ً بالع َر َض‬ ‫ن من علو ِم الشر يعة أصوله ُا وفروع ُها؛ َّ‬
‫لأن ّه إ ْن فع َ‬ ‫مستفيدٍ إلا وهو ر َّي ّا ٌ‬
‫وإن كان حكمة ً بالذات )؛ يقصد‪ :‬أن م َن لم يفهم كلامه في كتابه لفقره في تحصيل علوم الشر يعة =فإنه قد‬
‫يفتتن به في َضل‪.‬‬
‫ل أحدٍ‪ ،‬وعليه؛‬ ‫‪-‬فلهذا؛ فإ َّ ّ‬
‫ن مسألة َ المقاصد والمصالح من أدق مسائل أصول الفقه فلا ينبغي أن تُشاعَ لك ّ ِ‬
‫س علم أصول الفقه ابتداءً؛ لأن‬ ‫فإن غير المتخصص الذي يريد أن يدرس مقاصد الشر يعة =عليه أن يدر ُ َ‬
‫الكلام على مقاصد الشر يعة هو جزء ٌ من أصول الفقه‪ ،‬ومثل ذلك‪َّ :‬أن ّه لا ينبغي لمن لم يدرس (الآج ُرّومية)‬
‫ل متنٍ في النحو‪ -‬أن يدر َُس (علل النحو يين في مسائل النحو) لأنه لا يعرف كلام النحو يين أصل ًا حنى‬
‫‪-‬أوّ ُ‬
‫يعرف طر يقة تعليلهم‪.‬‬
‫ظِم مقام َ المجتهدين‬‫‪-‬من الفروق بين الشاطبي وأصحاب مدرسة المقاصد‪ :‬أن الشاطبي ‪-‬رحمه الل ّه‪ -‬ي ُع ّ‬
‫َّ‬
‫المكل ّفين‬ ‫ل‬
‫والمدارس الفقهية؛ فقال‪( :‬وعلى الجملة؛ فالمفتي مخبر ٌ عن الل ّه كالنب ِيّ‪ ،‬وم ُوق ِ ٌع للشر يعة على أفعا ِ‬
‫حسب نظرِه ِ كالنب ِيّ‪ ،‬ونافذٌ أمرُه ُ في الأ َّمّة بمنشورِ الخلافة ِ كالنب ِيّ؛ ولذلك سُموا أولي الأمر وق ُرنت طاعتهم‬
‫ب ِ‬
‫بطاعة ِ الل ّه ِ ورسول ِه ِ)؛ يقصد‪ :‬أ َّ ّ‬
‫ن العلماء َ ورثة ُ الأنبياء؛ فيجب اتباعهم في فهم الشر يعة‪.‬‬

‫مذاهب‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫مذهب الإمام مالك في الفتوى؛ فقال‪( :‬وأما نق ُ‬
‫ِ‬ ‫ج عن‬
‫‪-‬وكان الإمام الشاطبي مالكيًا؛ لا يخر ُ‬
‫أطراف في‬
‫ٌ‬ ‫مذهب مالك والفتوى بها بالنسبة إلينا فهو أشد؛ لأنها مذاهبَ ي ُذكر ُ لنا منها‬
‫ِ‬ ‫الأمصار سوى‬
‫عرف أصولها‬
‫َ‬ ‫درس غير مذهب مالك‪ -‬ولا رأينا م َن تفقه فيها ولا‬
‫َ‬ ‫مسائل الخلاف لم نتفقه فيها ‪-‬يقصد ما‬

‫‪- 53 -‬‬
‫ل للعام ِيّ الذي‬ ‫ل على معانيها ولا َّ‬
‫حصّ ل قواعدها التي ت ُبنى عليها =فنحن والعوام سواء؛ فكما أنه لا يح ّ‬ ‫ولا د َّ ّ‬
‫ل منها على علمه‪ ،‬كذلك م َن‬
‫لم يقرأ كتاب ًا ولا سم ِ َع فقه ًا أن يأخذَ كتبَ الفقه فيقريها لنفسه و ي ُفتي بما حص َ‬
‫مذهب مالك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫مذهب مالكٍ وإن كان إمام ًا في‬
‫ِ‬ ‫مذهب غير ِ‬
‫ٍ‬ ‫لم يتفقه في‬
‫ل ‪-‬إن شاء الل ّه‪ -‬في دين الل ّه وأمانته أ ْن أجدَ قولين في المذهب فأفتي بأحدهما على التخيير مع‬
‫‪-‬وأنا لا أستح ّ‬
‫ل عن الإمام المازري‬
‫أني مقل ِّد ٌ‪ ،‬بل أتحرى ما هو المشهور والمعمول به فهو الذي أذكره للمستفتي‪ ،‬وقد ن ُق ِ َ‬
‫مح ِل ُه من العلم ما قد ع ُلِم‪ .‬وإنما يبقى النظر في المسألة‪:‬‬
‫مذهب مالك‪ ،‬و َ‬
‫ِ‬ ‫على إمامته أنه لا ي ُفتي بغير المشهور من‬
‫أن م َن يترخص في ذلك يبني على بعض التأو يلات التي هي خلاف المعتمد من مذهب مالك‪ ،‬والعمل‬
‫إنما يكون في المسائل الخلافية على ما هو المشهور)‪.‬‬

‫‪-‬وعليه؛ فإن كان هذا كلام الإمام الشاطبي؛ فكيف ينتسبُ له دعاة ُ المقاصـدية الذين يدعون إلى فتح باب‬
‫الاجتهاد عن طر يق النظر في المقاصد والمصالح المحضة‪ ،‬وبينهما هذا البون الشاسع في الطر يقة‪ ،‬ومن أجل‬
‫المذهب ظ َّ ّ‬
‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ذلك؛ كتب أحدهم يقول‪( :‬لقد بدا لنا من خلال هذه الفتوى المطولة‪ :‬كيف أ َّ ّ‬
‫ن التزام َ‬
‫مقيدًا للشاطبي في طبيعة تنز يل ِه ِ واجتهادِه ِ المقاصدي‪ ،‬وهو ما يؤكد أنه لم يخرج في مجال الاجتهاد الفقهي‬
‫المذهب‪ ،‬فالشاطبي على جلالته مقاصدي ّا لم يتمكن من ذلك‪ ،‬وتفعيله المقاصدي على‬
‫ِ‬ ‫التنز يلي عن حدودِ‬
‫مستوى الاختيار الفقهي لم يكن يتناسب مع حجم تنظيره) يقصد‪ :‬أن المقاصد التي يريدونها ليست هي‬
‫بالنمط الذي َّ‬
‫طب ّقه الشاطبي‪.‬‬

‫‪-‬هناك تجديد ٌ محمود ٌ لا إشكال فيه؛ وهو التجديد في طر يقة العرض والتصنيف والكتابة‪ ،‬وقد ج َّ ّدد َ عدد ٌ من‬
‫كتاب واحدٍ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أهل العلم؛ فكان هناك طر يقة الشافعي‪ ،‬وطر يقة الحنفية‪ ،‬وجاء م َن جمع بين الطر يقتين في‬

‫تنبيـه‪َّ :‬‬
‫توسّ ع الشيخ في هذه المسألة واستطرد فيها كثير ًا لمدى أهميتها وغلو الناس ‪-‬اليوم‪ -‬فيها؛ حتى وصل‬
‫ل واحدٍ ولم يدرس أصول الفقه‪ ،‬ثم يبدأ يدرس‬
‫بعض طلبة العلم لم يدرس متن ًا فقهي ًا على قو ٍ‬
‫الحال بأن تجد َ‬
‫ك من الخطأ المنهجي في طلب العلم‪.‬‬
‫المقاصد وربما يكتب أبحاث فيها‪ ،‬وهذا لا ش َ‬

‫‪- 54 -‬‬
‫المدارس والاتجاهاتُ الفقهية ُ‬
‫ُ‬ ‫المفردة العاشرة‪:‬‬
‫مق ّدِمة‪:‬‬
‫َّ‬
‫النبويّ مصدر ًا أساسي ًا من مصادر التشر يع والفقه‪،‬‬ ‫خلاف فيه؛ أ َّ ّ‬
‫ن جمي َع الفقهاء يجعلون الحديثَ‬ ‫َ‬ ‫‪-‬مما لا‬
‫ولـكن نصيبُ العلماء وحفظهم للس ُ َّن ّة متفاوت ًا؛ فقد يكون بعض ُهم أكثر َ حفظًا من البعض الآخر‪.‬‬

‫‪-‬في زمن التابعين‪ :‬كان هناك مدرستان أساسيتان؛ مدرسة مدرسة أهل الحجاز في (مكة أو المدينة)‪،‬‬
‫ومدرسة أهل العراق في (الـكوفة) وكان من أهم وأميز الفروق بينهما ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬كثرة عدد الصحابة في مدرسة أهل الحجاز‪ ،‬لأن الصحابة الذين كانوا في المدينة أكثر ُ بكثيرٍ من الصحابة‬
‫الذين انتقلوا إلى الـكوفة‪.‬‬
‫‪ -2‬امتلاك مدرسة أهل الحجاز لأصح وأدق الأسانيد؛ حتى قيل‪( :‬أصح ّ الأسانيدِ‪ :‬أسانيد ُ أهل المدينة)‪.‬‬

‫‪-‬ولهذا؛ لم يكونوا يحتاجون كثير ًا إلى اللجوء إلى القياس‪ ،‬لوفرة الصحابة بينهم‪ ،‬ووفرة الأحاديث بأصح‬
‫الأسانيد‪ ،‬بخلاف ما كانت عليه مدرسة الـكوفة؛ فقد كانت الأحاديث فيها أقل حيث كانت وسيلة نقل‬
‫الأحاديث هي التلقي والسماع؛ فإذا وصلهم الحديثُ ضعيفًا أو من سيء الحفظ =لم يقبلوه‪ ،‬واحتاجوا‬
‫ل أكبر مما عليه أهل المدينة؛ مما أدى إلى ظهور الـكثير من الرأي في المدرسة‬
‫حينئذ إلى إعمال القياس بشك ٍ‬
‫الـكوفية أكثر من ظهوره في المدرسة الحجاز ية‪ ،‬ولا يعني ذلك أن علماء مدرسة الحديث لا يقولون بالرأي‪.‬‬

‫بعض العلماء‪( :‬ولا ب ُ َّدّ على التحقيق الذي لا شك فيه‪َّ :‬أن ّه ما من إما ٍم إلا وقد قال بالرأي وما من‬
‫ُ‬ ‫‪-‬قال‬
‫إما ٍم منهم إلا وقد تبع الحديث‪ ،‬إلا أ َّ ّ‬
‫ن الخلاف وإن كان ظاهر ُه ُ في المبدأ لـكنه في التحقيق إنما هو في‬
‫بعض الجزئيات يثبت فيها الأثر ُ عند الحجاز يين دون العراقيين؛ فيأخذ ُ به الأولون و يتركه الآخرون لعدم‬
‫قادح عندهم)‪.‬‬‫ٍ‬ ‫اطلاعهم عليه أو وجودِ‬

‫‪-‬وعلى أثر ذلك‪ :‬صار أهل الـكوفة يقولون في المسائل بخلاف ما عند أهل المدينة من الحديث النبوي؛‬
‫ضعيف =فلم يقولوا بمقتضاه‪ ،‬وبسبب ذلك؛ بدأ ظهور معالم التمايز والمنافسة‬
‫ٍ‬ ‫لأنهم ربما بلغهم الحديث بإسنادٍ‬
‫بين المدرستين‪ ،‬حتى أن أهل الحجاز كانوا يعدون أنفسهم هم المدرسة الأساسية للفقه وأن فقهم هو الفقه‬
‫الأقرب إلى الحديث النبوي لـكثرة ما عندهم الحديث‪.‬‬

‫‪ -‬نتيجة ً لذلك؛ نشأت الإشكالات والردود بين المدرستين إلى حصل الالتقاء بينهم؛ كما حصل بين الإمام‬
‫محمد بن الحسن الشيباني من فقهاـء الـكوفة والإماـم مالك من فقهاـء المدينة‪ ،‬وأخـذ الإمام الشافعي عن‬
‫‪- 55 -‬‬
‫الإمام ماـلك من فقهاء المدينة‪ ،‬وعن م ُسلم بن خالد الزنجي من فقهاء مكة‪ ،‬وعن محمد بن الحسن الشيباني‪،‬‬
‫بسبب هذه الالتقاء بدأ زوال الإشكالات الموجودة بين المدرستين‪.‬‬

‫ل الفكر ُ المعتزلي إلى المسلمين؛‬


‫‪-‬نشأت مدرسة ٌ ثالثة ٌ؛ لـكنها ليست من المدارس الفقهية المعتبرة‪ ،‬عندما دخ َ‬
‫وذلك عندما ت ُرجمت الـكتب اليونانية إلى الل ّغة العربية وقرأها بعض المسلمين =فتأثروا بها وأنتجوا طر يقة‬
‫المعتزلة؛ وهي تقديم العقل على النص الشرعي‪ ،‬فكانوا يردون على أهل الحديث‪.‬‬
‫‪-‬لم يكن للمعتزلة فقه ٌ منقولٌ‪ ،‬ولـكن كان لهم تنظيرات في أصول الفقه ورد عليها العلماء‪ ،‬ولذا؛ تجد في‬
‫كتب أصول الفقه‪ :‬أقوال المعتزلة والرد عليها‪ ،‬لأنها كانت شائعة ٌ في ذلك الزمان؛ فاحتاج العلماء أن يذكروا‬
‫هذه الأقوال و يفندوها ويردون عليها‪.‬‬

‫حديث‪:‬‬
‫ل ال ِ‬
‫أ ّول ًا‪ :‬مدرسة ُ أه ِ‬
‫‪-‬تميزوا بقوة عنايتهم بالحديث والآثار‪ ،‬وتأتي عنايتهم بالقياس في الدرجة الثانية‪.‬‬
‫ضا‪ ،‬وسواء كانت المسألة مما‬
‫‪-‬تميزوا بتقديم الحديث على القياس مطلقًا؛ سواء كان الحديث آحاد ًا أم مستفي ً‬
‫م به البلوى أم لا‪.‬‬
‫تع ّ‬

‫ي‪:‬‬
‫ل الرأ ِ‬
‫ثانيًا‪ :‬مدرسة ُ أه ِ‬
‫‪-‬تميزوا بالعناية بالحديث أقل من أهل الحديث‪ ،‬وعنايتهم بالقياس قو ية‪.‬‬
‫م به البلوى‪.‬‬
‫‪-‬تميزوا بتقديم القياس على خبر الواحد في بعض الأحوال؛ مثل ما تع ّ‬
‫فاـئدة‪ :‬جميع المدارس الفقهية المعتبرة يقبلون خبر الآحاد؛ إلا أنهم يختلفون في شروط القبول‪ ،‬وكان‬
‫أكثر علماء الإسلام من مدرسة أهل الحديث‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬المدرسة ُ الظاهر ية ُ‪:‬‬


‫‪-‬كان الصحابة والتابعون وأتباع التابعين ‪-‬ومنهم الأئمة الأربعة‪ -‬يقولون بالقياس‪ ،‬ثم ظهرت المدرسة‬
‫الظاهر ية عقب زمن الأئمة الأربعة؛ حيث قال داود بن علي الظاهري ‪-‬من أصحاب الشافعي‪ -‬بإنكار‬
‫ل إلا بالقياس الجلي) الذي يُدرك= بم َّجر ّد الل ّغة ولا يحتاج إلى إعمال عق ٍ‬
‫ل؛‬ ‫القياس الخفي‪ ،‬وقال‪( :‬لا نقب ُ‬
‫ل بالقياس الجلي على تحريم ضرب الوالدين‪ ،‬ثم ظهر القول‬
‫ف" فإنها تد ّ‬
‫كما في قوله تعالى‪" :‬ولا تقلْ لهما أ ٌ‬
‫بإنكار القياس‪.‬‬
‫اندرس مذهب داوود بن علي الظاهري؛ فلا تجد ‪-‬اليوم‪ -‬كتاب ًا مصنفًا على مذهــبه؛ إنما يتواجد المذهب‬
‫َ‬ ‫‪-‬ثم‬
‫الظاهري باعتباره منهج ًا للتفكير أو اتجاه ًا في كتب ابن حز ٍم‪ ،‬ولم يكن ابن حزم يهدف أصالة ً إلى تدوين‬
‫ق أصول أهل الظاهر التي تشترك في الجملة‬
‫مذهب وآراء داوود بن علي‪ ،‬وإنما كان يجتهد اجتهاد ًا مستقل ًا وف َ‬
‫‪- 56 -‬‬
‫بعض الخلاف في الأصول؛ فقد كان داوود بن علي يقول بح ُجية القياس‬
‫ُ‬ ‫مع أصول داوود‪ ،‬وكان هناك‬
‫الجلي وحُ جية مفهوم المخالفة ومفهوم اللقب ‪-‬وهو من أضعف المفاهيم‪ ،-‬بينما أنكر ابن حزم القياس والمفاهيم‬
‫جملة ً‪.‬‬
‫‪-‬قصر َ الظاهر ية العناية على ظاهر النص‪ ،‬ورفضوا الاحتجاج بالقياس وآثار الصحابة‪.‬‬
‫‪-‬كان الظاهر ية يأخذون بمنطوق الحديث فقط‪ ،‬وكان بعضهم يأخذ بمفهوم الحديث مثل داوود وبعضهم لا‬
‫يأخذ بالمفهوم ولا المعقول ‪-‬الذي هو القياس‪ -‬مثل ابن حز ٍم‪ ،‬بينما كان أهل الحديث يعظمون الحديث‬
‫بمنطوقه ومفهومه ومعقوله‪.‬‬
‫‪-‬كان أهل الحديث يحتجون بآثار الصحابة و يجعلونها في منزلة ٍ عالية ٍ تكاد تكون بعد الحديث النبوي‪ ،‬ولهذا‬
‫بعض الباحثين إلى الأئمة الأربعة القول بحجية قول الصحابة‪ ،‬بخلاف الظاهر ية؛ فقد كان ابن حزم‬
‫ُ‬ ‫نسبَ‬
‫لا يحتج بآثار الصحابة‪.‬‬
‫‪-‬ولهذا؛ اعتبر جمهرة ٌ من العلماء أن مذهب الظاهر ية مذهبٌ غير معتبر‪ ،‬وبعضهم يرى أنه لا ي ُعتد ُ به في‬
‫الخلاف‪ ،‬حتى قال بعضهم‪( :‬إ َّ ّ‬
‫ن مذهبَ الظاهر ية بدعة ٌ ظهرت بعد المائتين)؛ وليس المقصود بذلك أنهم‬
‫من الفرق العقدية المبتدعة الضالة‪ ،‬وإنما التصنيف البدعي هنا بالنظر إلى المنهج الفقهي‪ ،‬لأنه قد يحكم بعض‬
‫حدث أو بدعة‪ ،‬وهذا لا يتضمن التشنيع‬
‫لم ٌ‬‫العلماء على بعض الفروع والأحكام الفقهية عن اجتهادٍ بأنه قو ٌ‬
‫ل من الأصول العقدية بأنه بدعة ٌ‪.‬‬
‫الذي يتضمنه الحكم على أص ٍ‬
‫‪-‬وقال إمام الحرمين‪( :‬إ َّ ّ‬
‫ن المحققين لا يقيمون للظاهر ية وزن ًا وخلافهم لا يعتبر)‪ ،‬وليس معنى ذلك أنهم‬
‫ليسوا علماء؛ فلا شك أن داوود بن علي وابن حز ٍم كانوا من العلماء‪ ،‬لـكن منهجيتهم الفقهية في عدم‬
‫الاحتجاج بالقياس كانت غير مقبولة عند جماهير أهل العلم‪.‬‬
‫‪-‬كان الظاهر ية إذا لم يجدوا في المسألة نصً ا منطوق ًا؛ فإنهم ينتقلون مباشرة ً إلى الاستصحاب؛ وهو أ َّ ّ‬
‫ن‬
‫ل في الأشياء الإباحة‪.‬‬
‫الأص َ‬

‫رابع ًا‪ :‬المدرسة ُ العقلية ُ‪:‬‬


‫‪-‬هي مدرسة ٌ واتجاه ٌ فقه ّي‪ ،‬وهو وريثٌ غير شرع ٍيّ لمذهب المعتزلة في التفكير‪ ،‬كانت تهمل الأحاديث‬
‫خاصة أحاديث الآحاد‪ ،‬وتقلل من مكانتها وَبوتها؛ وربما غلا بعضهم في ذلك وقال بـ(تار يخية النص)؛‬
‫فتجد من يقول‪( :‬هذه الأحاديث كانت تراعي حياة الصحاـبة في الصحراء ولا يمــكن أن نطبقها في عصر‬
‫الحداثة اليوم)‪ ،‬ولا شك أ َّ ّ‬
‫ن ذلك هدم ٌ للشر يعة‪.‬‬
‫‪-‬ومن الإشكالات الموجودة في المدرسة العقلية‪ :‬هي العناية بالنظر المصلحي وتقديم العقل والمصلحة على‬
‫النص‪ ،‬وهذا ليس من الاجتهاد المعتبر‪ ،‬لذا؛ فإن المدرسة العقلية ليست من المدارس الفقهية المعتبرة‪.‬‬
‫‪- 57 -‬‬
‫اختلاف العلماء ِ‬
‫ِ‬ ‫المفردة الحادية عشر‪ :‬أسبابُ‬
‫مق ّدِمة‪:‬‬
‫‪-‬إذا كان مصدر الأئمة في استقاء الأحكام واحدًا؛ وهو القرآن والس َُّن ّة‪ ،‬فكيف حصل الخلاف بين‬
‫المدارس والمذاهب الفقهية؛ فتجد في مسألة واحدة‪ :‬يقول الإمام مالك أنها واجبة و يقول الإمام أحمد أنها‬
‫ح العمل إلا بها‬
‫مستحبة ً‪ ،‬بل ربما نجد خلافًا أبعد من ذلك؛ فتجد م َن يقول في مسألة ٍ أنها واجبة لا يص ُ‬
‫و يقول غيره في نفس المسألة أنها من مكروهات هذا العمل‪.‬‬

‫الاختلاف‪:‬‬
‫ِ‬ ‫أ ّول ًا‪ :‬بداية ُ‬
‫‪-‬ظهر بداية الخلاف الفقهي في زمن النبي ﷺ؛ وذلك في القصة المعروفة‪ :‬حيث قال النبي ﷺ للصحابة ‪-‬‬
‫رضي الل ّه عنهم‪" :-‬لا يصلين أحدكم العصر َ إلا في بني قر يظة"؛ ومع أن الحديث بلغهم جميع الصحابة‪ ،‬وأنهم‬
‫جميع ًا يدينون بالطاعة والامتثال لأمر النبي ﷺ‪ ،‬إلا أنهم اختلفوا في فهم الحديث حين أدركهم العصر؛‬
‫فقالت طائفة ٌ‪( :‬نصلي العصر في بني قر يظة ولو تأخرنا)‪ ،‬وقالت طائفة أخرى‪( :‬نصلي ونستعجل في السير)‪،‬‬
‫فلما رجعوا إلى النبي ﷺ لم ينكر عليهم اختلافهم‪ ،‬ولم يعنف أيّ من الطائفتين؛ لأن المخطئ معذور ٌ‬
‫باجتهاده‪.‬‬

‫اختلاف العلماـء ِ‪:‬‬


‫ِ‬ ‫ثانيًا‪ :‬أسبابُ‬
‫‪-‬ترجع أسباب اختلاف العلماء في المسائل إلى أمرين‪:‬‬
‫ل به؛ ومنها‪:‬‬
‫ل والاستدلا ِ‬
‫َبوت الدلي ِ‬
‫ِ‬ ‫لاف في‬ ‫السبب الأوّل‪ :‬الخ ُ‬
‫ل للعال ِم‪:‬‬ ‫‪ -1‬عدم ُ ِ‬
‫بلوغ الدلي ِ‬
‫ل عن مراث الجدة‪ ،‬قال‪( :‬ما لكِ في‬ ‫سئ ِ َ‬
‫‪-‬حصل هذا في زمن الصحابة؛ فإن أبا بكر ‪-‬رضي الل ّه عنه‪ -‬لما ُ‬
‫س َّن ّة الرسول ﷺ شيئ ًا‪ ،‬ولـكن أسأل الناس‪ ،‬فسألهم فأخبروه بأ َّ ّ‬
‫ن‬ ‫ك في ُ‬ ‫كتاب الل ّه من شيءٍ وما علمتُ ل ِ‬
‫ِ‬
‫النب َّيّ ﷺ قضى للجدة بالس ُدس =فرجع إلى قولهم)‪ ،‬ولم يكن بلغه الحديث‪.‬‬
‫‪-‬ر َّ ّ‬
‫خص النبي ﷺ في زواج المتعة‪ ،‬ثم نهى عنه؛ فبلغ بعض الصحابة الترخيص ولم يبلغه النهي =فأفتى‬
‫بجواز المتعة =فلما بلغه النهي؛ رجع عن قوله‪.‬‬
‫بعض من الأحاديث لم تبلغ مدرسة أهل الـكوفة؛ فأفتوا وعملوا بخلاف هذه الأحاديث‪ ،‬وهم في‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬هناك‬
‫ذلك معذرون مأجورون‪.‬‬

‫‪- 58 -‬‬
‫ل من الأدلة؛ لأنه لا يوجـد عالم ٌ أحاط بجميع الأدلة‪ ،‬ولـكن يتنبه طاـلب‬
‫‪-‬وعليه؛ فإنه قد لا يبلغ العالم دلي ٌ‬
‫ن بالخيار في الموطأ ولم تعملوا به)‪،‬‬
‫العلم إلى تمييز المسائل؛ فمثل ًا‪ :‬قيل للإمام مالك‪( :‬لم َ رو يتم حديث البيعا ِ‬
‫ل مثلك؛ أني على علمٍ تركته)؛ أي‪ :‬أنه تركه على علمٍ وفهم؛ فقد رواه الإمام‬
‫فقال الإمام مالك‪( :‬ليعلم َ الجاه ُ‬
‫مالك بأصح إسنادٍ ‪-‬عن نافع عن ابن عمر‪ ،-‬لـكنه تأ َّوّله وحمله على التفر ّق بالأقوال واستدل على ذلك بأن‬
‫ل المدينة على عدم إَبات خيار المجلس‪.‬‬
‫ل أه ِ‬
‫ع َم َ َ‬

‫ل عند َ العال ِم‪:‬‬


‫َبوت الدلي ِ‬
‫ِ‬ ‫‪ -2‬عدم ُ‬
‫فيصحِحه‬
‫ّ‬ ‫‪-‬فقد يبل ُغ الحديثُ عالمًا؛ لـكنه يض َّع ّفه ولا يثبت عنده فلا يعمل به‪ ،‬ويبلغ الحديث عالمًا آخر‬
‫ويثبت عنده فيعمل به =فيختلفان‪.‬‬
‫ل ذلك‪:‬‬
‫مثاـ ُ‬
‫أ‪( -‬الخلاف في طهارة جلود الميتة بالدباغ)‪:‬‬
‫ل =فلم‬
‫إيهاب د ُب ِ َغ فقد طه ُر" وأسنده‪ ،‬لـكنه حكم عليه بأنه حديثٌ معلو ٌ‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬فقد بلغ الإمام أحمد حديث‪" :‬أي ّما‬
‫يصح عنده ولم يعمل به‪ ،‬لـكن الحديث َّ‬
‫صح ّ عند بعض العلماء =فعملوا به‪.‬‬
‫‪-‬كذلك؛ بلغ الإمام أحمد حديث عبد الل ّه بن ع ُكَيم‪( :‬أن النبي ﷺ كتب قبل أن يموت بشهرٍ ألا تنتفعوا‬
‫هاب ولا عصب)‪ ،‬فصححه وقال‪( :‬ما أجود َ إسناده)‪ ،‬لـكن لم يصح الحديث عند بعض‬
‫من الميتة بإ ي ٍ‬
‫العلماء‪ ،‬فلم يعملوا به‪.‬‬
‫‪-‬ولذا كان الإمام الشافعي يقول للإمام أحمد‪( :‬إذا َّ‬
‫صح ّ الحديثُ عندكم فأخبرون لنأخذ َ به)‪ ،‬ولهذا؛ أتى‬
‫توق ّف فيها الشافعي أو َّ‬
‫عل ّق القول فيها على صحة الحديث =فنسبوا القول فيها‬ ‫بعض علماء الشافعية إلى مسائل َّ‬
‫إلى الشافعي مع أنه لم ينطق به؛ لأنه قال‪( :‬إذا َّ‬
‫صح ّ الحديثُ فهو مذهبي)؛ قال الإمام النووي‪( :‬وشرط‬
‫يقف على هذا الحديث أو لم يعلم صحته‪ ،‬وهذا إنما‬
‫الشافعي في ذلك‪ :‬أن يغلب على ظن المجتهد أن الشافعي لم َ‬
‫صعب ق َّ ّ‬
‫ل م َن‬ ‫ٌ‬ ‫شرط‬
‫ٌ‬ ‫يكون بعد مطالعة كتب الشافعي كلها ونحوها من كتب أصحابه الآخذين عنه‪ ،‬وهذا‬
‫ن الشافع َّي ّ ‪-‬رحمه الل ّه‪ -‬ترك َ العم َ‬
‫ل بظاهر أحاديث كثيرة رآها وعلمها‬ ‫يتصف به‪ ،‬وإنما اشترط ما ذكرنا؛ لأ َّ ّ‬
‫ن في صحتها أو نسخها أو تخصيصها أو تأو يلها أو نحو ذلك)‪.‬‬
‫لـكن قام الدليلُ عنده على طع ٍ‬

‫ب‪ -‬مسألة (موضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة)‪:‬‬


‫‪-‬بلغ الإمام أحمد حديث‪" :‬وضع اليمنى على اليسرى على الصدر" وأسنده في مسنده‪ ،‬لـكنه لا يثبت صحة‬
‫هذه الحديث‪ ،‬وعليه؛ يرى أن وضع اليمنى على اليسرى على الصدر =مكروه ٌ‪ ،‬والمستحب أن تكون تحت‬
‫الصدر‪.‬‬

‫‪- 59 -‬‬
‫ل عند َ العال ِم‪:‬‬
‫‪ -3‬عدم ُ حُ جية ِ الدلي ِ‬
‫ل ذلك‪:‬‬
‫مثاـ ُ‬
‫أ‪ -‬مسألة‪( :‬وجوب التتابع في صيام كفارة اليمين)‪:‬‬
‫‪-‬لقوله تعالى‪" :‬فكفار َت ُه ُ إطعام ُ عشرة ِ مساكينَ من أوسطِ ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير ُ رقبة ٍ فم َن‬
‫لم يجد فصيام ُ ثلاثة ِ أيا ٍم"‪ ،‬وفي قراءة ابن مسعود‪( :‬فصيام ُ ثلاثة ِ أيا ٍم متتابعات)‪.‬‬
‫‪-‬رأى الإمام أحمد وجوب التتابع‪ ،‬بينما يرى الإمام مالك عدم وجوب التتابع؛ وسبب الخلاف‪ :‬هو‬
‫الخلاف في جنس الدليل؛ وهو أن (القراءة غير المتواترة حجة ٌ في مذهب أحمد‪ ،‬بينما ليست بح ُجة ٍ في‬
‫مذهب مالك)‪.‬‬
‫ب‪ -‬القاعدة الأصولية‪( :‬الاحتجاج بعمل أهل المدينة)‪:‬‬
‫ل أهل المدينة حُ جة‪ ،‬وغيره لا يرى ذلك‪ ،‬وعلى أثر ذلك‪ :‬اختلفوا في بعض الفروع‬
‫‪-‬حيث يرى الإمام أن عم َ‬
‫الفقهية؛ منها‪ :‬مسألة (القراءة خلف الإمام)‪ ،‬فبينما يرى الإمام مالك أ َّن ّه لا تجب القراءة خلف الإمام في‬
‫الصلاة الجهر ية؛ ودليله على ذلك‪ :‬عمل أهل المدينة في هذه المسألة‪ ،‬يرى غيره من العلماء أنها تجب؛ لأنهم‬
‫لا يروا حُ جية عمل أهل المدينة‪.‬‬

‫ل وفهمِه ِ‪:‬‬
‫لاف في دلالة ِ الدلي ِ‬
‫السبب الثاني‪ :‬الخ ُ‬
‫‪-‬حيث يكون الحديث صحيح ًا عند الجميع ؛ لـكن يكون الاختلاف في دلالة الدليل وفهمه‪ ،‬كما حدث في‬
‫ٍ‬
‫أنواع منها‪:‬‬ ‫حديث‪" :‬لا ي ُصلين أحدكم العصر إلا في بني قر يظة"؛ وهو على ثلاثة‬
‫ض الأدلة ِ‪:‬‬
‫ل من عوار ِ‬
‫ض للدلي ِ‬
‫‪ -1‬ما يعرِ ُ‬
‫‪-‬فمثل ًا‪ :‬من جهة التعميم والتخصيص‪ :‬فقد يرى بعض العلماء العموم َ في بعض الالفاظ‪ ،‬وبعضهم لا يرى‬
‫عموم تلك الالفاظ‪.‬‬
‫ل ذلك‪:‬‬
‫مثاـ ُ‬
‫أ‪( -‬اختلاف العلماء في عموم المفهوم؛ هل تع ّم جميع صوره أم لا تعم)‪:‬‬
‫‪-‬فبينما ذهب الحنابلة وغيرهم في حديث‪" :‬إذا بل َغ الماء ُ قلتين لم يحملْ الخبث"؛ فقالوا‪ :‬أن مفهوم المخالفة‬
‫ل ماءٍ لم يبلغ القلتين فإنه يتنجس بمجرد وقوع النجاسة فيه‪ ،‬فجعلوا مفهوم المخالفة عام ًا في جميع‬
‫ن ك َّ ّ‬
‫يقتضي أ َّ ّ‬
‫الصور‪.‬‬
‫م جمي َع الصور المسكوت عنها؛ فيكون مفهوم المخالفة في الحديث‬ ‫‪-‬رأى بعض العلماء أ َّ ّ‬
‫ن مفهوم المخالفة لا يع ّ‬
‫يعني‪( :‬إذا لم يبلغ فقد يحمل الخبث في بعض الصور)‪ ،‬كما َّ‬
‫قر ّره شيخ الإسلام ابن تيمية ‪-‬رحمه الل ّه‪.-‬‬
‫‪- 61 -‬‬
‫ب‪ -‬القاعدة الأصولية‪( :‬عدم حُ جية المفهوم في تخصيص العموم)‪:‬‬
‫يخص عمومه بالمفهوم‪ ،‬أم أن المنطوق مق َّ ّدم ٌ على‬ ‫‪-‬كما في حديث‪" :‬إ َّ ّ‬
‫ن الماء َ طهور ٌ لا ينجسه شيء ٌ" هل ُ‬
‫المفهوم؟‪ ،‬هذان القولان في القاعدة الأصولية أديا إلى قولين مختلفين في الفروع الفقهية‪.‬‬

‫دلالات الألفاظِ ‪:‬‬


‫ِ‬ ‫خلاف في‬
‫‪ - 2‬ال ُ‬
‫ل ذلك‪( :‬الاختلاف في حُ جية المفهوم)‪:‬‬
‫مثاـ ُ‬
‫ن مفهوم المخالفة لا يحتج به‪ ،‬ولذا؛ ذهب بعض الفقهاء إلى أ َّ ّ‬
‫ن حديث‪" :‬في الغنم‪ :‬في‬ ‫‪-‬يرى الحنفية أ َّ ّ‬
‫سائمتها" لا يدل على أن المعلوفة ليس فيها زكاة‪ ،‬وأخذوا بحديث‪" :‬في أربعين شاة ً شاة ٌ" في إ يجاب الزكاة‬
‫على كل الشياة ولو لم تكن سائمة ً؛ أي‪ :‬حتى لو كانت معلوفة‪.‬‬

‫ق المناطِ ‪:‬‬
‫خلاف في تحقي ِ‬
‫‪ -3‬ال ُ‬
‫‪-‬فقد يبلغ جميع العلماء الحديث‪ ،‬ويتفقون على صحته وطر يقة فهمه‪ ،‬ثم يأتي الخلاف في انطباق الحديث على‬
‫صورة المسألة وعدم انطباقه عليها‪.‬‬
‫ل ذلك‪:‬‬
‫مثاـ ُ‬
‫ل ربويّ ) يجري فيه الربا‪،‬‬ ‫أ‪ -‬اتفق العلماء على تأصيل حرمة الربا‪ ،‬ثم اتفق أغلبهم على أ َّ ّ‬
‫ن (الورق النقدي ما ٌ‬
‫ثم اختلف العلماء المعاصرون في تطبيق وتنز يل حكم الربا على مسألة (سحب الإنسان من ص َّرّاف بنكٍ غير‬
‫البنك الذي فيه حسابه )؛ أكثر ُ العلماء على جواز ذلك؛ لأن الإنسان يسحب من حسابه فليس ثمة دين‪،‬‬
‫بينما قال بعضهم بعدم الجواز؛ لأن هذا يفضي إلى الربا؛ فالمال الذي يسحبه من هذا البنك‪ ،‬سوف يكون‬
‫دينًا على بنكه‪ ،‬يسدده بز يادة وهي رسوم خدمة السحب‪.‬‬
‫ب‪ -‬اتفق العلماء على أن (السعي يكون بين الصفا والمروة)‪ ،‬بينما اختلفوا في تنز يل ذلك على أرض الواقع؛‬
‫فاختلفوا في حدود الصفا والمروة‪.‬‬

‫اختلاف العلماءِ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫الموقف م ِن‬
‫ُ‬ ‫ثالثًا‪:‬‬
‫ِ‬
‫للتنازع والنفرة ِ‪:‬‬ ‫اختلاف العلماء ِ سببًا‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫الأوّل‪ :‬عدم ُ جع ِ‬
‫‪-‬فيعتدي الإنسان على أخيه و ي ُفسقه أو ي ُكفره أو ي ُشنع عليه بسبب هذا الخلاف‪ ،‬وقد رويَ َّأن ّه لما قي َ‬
‫ل‬
‫ل) ولا شك أن‬
‫لبعضهم أن الإمام مالك لا يقول بخيار المجلس؛ قال‪( :‬ي ُستتاب مالك؛ فإن تاب وإلا ق ُت ِ َ‬
‫هذا كلام في غاية البطلان والخطأ‪.‬‬

‫‪- 60 -‬‬
‫ل الاجتهادِ‪:‬‬
‫خالف في مسائ ِ‬
‫الثاني‪ :‬ع ُذر ُ الم ُ ِ‬
‫‪-‬فإ َّن ّه إذا اجتهد المجتهد في مسألة ٍ؛ فإن أصاب =فله أجران‪ ،‬وإن أخطأ =فله أجر ٌ واحدٌ‪ ،‬فهو بين الأجرين‪.‬‬
‫نص قاط ٌع للنزاع؛ فإذا اجتهد العالم في مسألة‬
‫‪-‬يُفرِّقُ العلماء بين مسائل الاجتهاد ومسائل الخلاف التي فيها ٌ‬
‫َّ‬
‫لأن ّه لم يبلغه النص‪ ،‬ثم بلغه النص بعد ذلك =يجب عليه أن يأخذ بالنص‪ ،‬ويرجع عن اجتهاده‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عدم ُ جوازِ تتب ّ ِع الر ّخ ِ‬
‫ص‪:‬‬
‫مذهب =يجتمع فيه الشر ّ كله‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ل‬
‫‪-‬فإذا أخذ َ الإنسان بالر ّخص من ك ّ ِ‬
‫ل ذلك‪:‬‬
‫مثاـ ُ‬
‫ل له‪( :‬أين الشهود على مذهب أبي حنيفة‬ ‫‪-‬إذا أخذ َ ش ٌ‬
‫خص بمذهب أبي حنيفة في الزواج بدون ولي‪ ،‬ثم قي َ‬
‫ل له‪( :‬أين الإعلان على‬
‫الذي أخذت به)‪ ،‬قال‪( :‬سأخذ بمذهب مالك في عدم اشتراط الشهود)‪ ،‬فإذا قي َ‬
‫مذهب مالك الذي أخذت به)‪ ،‬قال‪( :‬سأخذ بمذهب أحمد في عدم إشتراط الإعلان واستحبابه)‪ ،‬فإذا‬
‫قيل له (ولـكن أحمد الذي يرى استحباب الإعلان يرى اشتراط الإشهاد)‪ ،‬قال‪( :‬الإشهاد أخذتُ فيه‬
‫بقول مالك!)!!‬
‫‪-‬نلاحظ هنا أ َّ ّ‬
‫ن تتب ّع الرخص قد يُفضي إلى صو ٍر من المسائل التي لا يمكن أن تجتمع عند عال ٍم‪ ،‬فلا يجيز‬
‫عالم ٌ مثل هذه الصورة بـ(أن تقول إمرأة ٌ لرجلٌ‪ :‬زوجتك نفسي)‪ ،‬ولهذا؛ قال السلف‪( :‬م َن َّ‬
‫تتب ّع الر ّخص‬
‫بعض العلماء التمذهب مع ضعف الدين حتى لا ي ُفضي به إلى تتب ّع الر ّخص‪.‬‬ ‫تزندق)‪ ،‬ولهذا َّ‬
‫فضّ ل ُ‬
‫ِص له فيها‪ ،‬فأخذَ‬
‫خ َ‬‫ليعرف الحكم الشرعي فر ُ ّ‬
‫َ‬ ‫‪-‬يرجع تتب ّ ُع الر ّخص إلى قصد الإنسان ؛ فإذا سأل في مسألة‬
‫خِص له‪ ،‬ثم ذهب إلى غيره حتى يجد م َن‬
‫بالرخصة =لا يكون آثمًا‪ ،‬أما إذا استفتى عالمًا فأفتاه بالعزيمة ولم ي ُر ّ‬
‫يفتيه بالرخصة =فإن هذا تتب ّع ًا للر ّخص و يكون آثمًا‪.‬‬

‫الاختلاف واحدٌ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫الرابع‪ :‬المصيبُ في‬
‫يخطئ‪ ،‬لحديث‪" :‬إذا اجتهدَ الحاكم ُ‬
‫مصيب؛ بل المجتهد مأجور ٌ‪ ،‬لـكنه قد ي ُصيب وقد ُ‬
‫ٌ‬ ‫ل مجتهدٍ‬
‫‪-‬فليس ك ّ‬
‫فأصاب فله أجران‪ ،‬وإذا اجتهد َ فأخطأ فله أجر ٌ واحدٌ"‪ ،‬والخطأ هنا لا َّ‬
‫يتعل ّق به ذمّ ولا إثم ٌ‪ ،‬ولـكن الحق‬
‫ق نسبيّ أو متعدد‪.‬‬ ‫في المسألة ِ واحدٌ؛ فلا نقول أ َّ ّ‬
‫ن الح َ‬

‫خلاف حُ جة ً‪:‬‬
‫الخامس‪ :‬لا يجوز ُ أن يكونَ ال ُ‬
‫أي‬
‫ل على الجـــواز‪ ،‬وهذا خطأ‪ ،‬ولا يستقيم على ّ ِ‬
‫‪-‬قد يظن بعض الناس أن اختلاف العلماـء في مسألة ٍ دلي ٌ‬
‫ل من أصول الاستدلال‪ ،‬إنما الدليل يكون في إجماع العلماء وليس في اختلافهم‪ ،‬ومن خطورة‬
‫أص ٍ‬
‫الاحتجاج بالخلاف َّأن ّه يفضي إلى أن يتحلل الإنسان من التكاليف الشرعية‪.‬‬
‫‪- 62 -‬‬
‫المفردة الثانية عشر‪ :‬خطة ٌ منهجية ٌ في دراسة ِ الفقه ِ‬
‫مق ّدِمة‪:‬‬
‫‪-‬في دراسة علم مصطلح الحديث‪ :‬يمكن للطالب المبتدئ أن يحفظ متن (نخبة الفكر) و يضبطه و يتقنه‬
‫حصّ ل حصيلة ً جيدة ً في علم مصطلح الحديث‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫أسبوع واحد‪ ،‬و يكون قد َّ‬ ‫و يراجعه في‬

‫ومتشعب؛ إذا أخذتَ متن ًا يشمل جميع أبواب‬


‫ٌ‬ ‫‪-‬بينما في دراسة علم الفقه‪ :‬تجد أن علم َ الفقه علم ٌ واس ٌع‬
‫الفقه‪ ،‬تجد مثل ًا في المذهب الحنبلي‪ :‬متن (النظم الجلي) للفضفري في ثمانمائة وثمانية وثمانين (‪ )888‬بيت ًا؛‬
‫يوصف م َن حفظه بأنه م ُتخصص في الفقه‪ ،‬بل يُقال‪َّ :‬أن ّه على‬
‫َ‬ ‫ومع ذلك فهو مختصرٍ جدًا؛ ولا يمكن أن‬
‫عتبة باب الفقه‪ ،‬من أجل ذلك‪ :‬كث ُر َ السؤالُ عن كيفية ضبط الفقه‪.‬‬

‫فاـئدة‪ :‬تُبنى الخطة المنهجية لدراسة الفقه على معرفة أفضل الط ُر ُ ِ‬
‫ق لدراسة الـكتب‪ ،‬وليس على معرفة‬
‫كتاب له أفضلية من وجه ٍ ما‪ ،‬وهذه الأفضلية يُبي ِّنُها الشيخ للطالب‬
‫ٍ‬ ‫أفضل الـكتب التي ت ُدر َس؛ لأن ك َّ ّ‬
‫ل‬
‫بحسب مستواه في العلم‪ ،‬فمثل ًا‪ :‬إذا كان الشيخ يُدرِّس كتاب واحد مثل كتاب (الروض المُر ْب ِع شرح زاد‬
‫المستقنع) =فإن أفضل كتاب يحفظه الطالب هو متن (زاد المستقنع)‪ ،‬أما إذا كان أمام الطالب كتابين على‬
‫نفس الرتبة العلمية؛ مثل‪ :‬كتاب (دليل الطالب) وكتاب (زاد المستقنع) هنا تحتاج إلى المفاضلة بينهما‪.‬‬

‫معالم ُ خطة ِ دراسة ِ وضبطِ علم ِ الفقه ِ‪:‬‬


‫الأوّل‪ :‬أن يكونَ الطالبُ على قناعة ٍ بدراسة ِ علم ِ الفقه ِ‪:‬‬
‫‪-‬فإذا دخل الطالب لدراسة علم الفقه وهو على غير قناعة ٍ؛ فيظنه مبنيًا على أقوال الرجال أو على خلاف‬
‫الدليل =فلن يضبط الفقه دراسة ً وفهم ًا‪.‬‬

‫ي‪:‬‬
‫حفظ متنٍ فقه ٍ ّ‬
‫ُ‬ ‫الثانـي‪:‬‬
‫أمرا تكميلي ًا تحسنيًا؛ فمثل ًا في‬
‫حفظ المتن أمرٌ أساسيٌ ضروريّ ‪ ،‬لـكن تحديد المتن الذي سيحفظه الطالب ً‬
‫ُ‬ ‫‪-‬و‬
‫المذهب الحنبلي‪:‬‬
‫‪ -1‬فإن أردتَ متن ًا صغير ًا فعليك بـ(النظم الجلي) للفضفري‪.‬‬
‫‪ -2‬وإن أردتَ متن ًا متوسطًا فعليك بـ(أخصر مختصرات) لابن بلبان‪.‬‬
‫‪ -3‬وإن أردتَ فوقَ المتوسط فعليك بـ(زاد المستقنع) للحجاوي‪ ،‬أو (دليل الطالب) للـكرمي‪.‬‬

‫‪- 63 -‬‬
‫ن‪:‬‬
‫الثالث‪ :‬المذاكرة ُ م َع الأقرا ِ‬
‫ل من زملائه الجادين‪،‬‬ ‫‪-‬إذ لا ب ُ َّدّ أن يجع َ‬
‫ل الطالبُ الفقه َ حاضر ًا في يومك؛ فيجعل له مجلسًا مع زمي ٍ‬
‫س محددٍ زمنيًا للمذاكرة‪.‬‬
‫ويشترط في ذلك المجلس‪ :‬المواظبة في الاستمرار على مجل ٍ‬
‫طر يقة المذاكرة‪:‬‬
‫‪-‬لا ب ُ َّدّ أن يحضِّر َ الطالبان لمجلس المذاكرة؛ بضبط ودراسة وحفظ وإتقان الما َّدّة مح َ‬
‫ل المذاكرة‪ ،‬ثم يجتمعان‪،‬‬
‫و ي ُعدان ورقة ً بأسئلة ٍ شاملة ٍ للدرس المُحدد؛ فيسأل الأوّل الآخر‪ ،‬ثم يسأل الآخر الأول‪ ،‬فإذا أخطأ أحدهما‬
‫ل عليهما شيء ٌ =رجعا إلى الكتاب لتحصيل المسألة المشكلة بالمراجعة والضبط‪.‬‬
‫صحح له الآخر‪ ،‬فإن أشك َ‬

‫مرات؛ فـ(إن من الضروري أن يُعاد الكتاب الذي درسه‬


‫ٍ‬ ‫‪-‬بهذه الطر يقة تنتهي من المتن الواحد ع َّ ّدة‬
‫الطالب أكثر من مرة للضبط والإتقان والمراجعة والاختبار والمناقشة والمذاكرة حتى يتقن الكتاب و يصير‬
‫سجية ً له)‪.‬‬

‫الأمر الرابع‪ :‬الاختبارات‪:‬‬


‫‪-‬بأن يض َع الطالب اختبار ًا لقرينه‪ ،‬و يضع قرينه اختبار ًا له‪ ،‬إما اختبار ًاجزئي ّا في باب معيَّ ّن أو في ع َّ ّدة‬
‫أبواب‪ ،‬أو اختبار ًا شامل ًا في الكتاب كله بعد الانتهاء منه‪.‬‬
‫ٍ‬

‫الأمر الخامس‪ :‬التطبيق والتمرين‪:‬‬


‫‪-‬التطبيق‪ :‬يتمثل في العمل؛ بأن يُطب ِّ َ‬
‫ق الطالبُ ما درسه و يعمل به‪.‬‬
‫‪-‬التمر يــن‪ :‬يتمثل في التدريب في الفتوى؛ بأن يأخذ َ الطالبُ السؤالات من فتاوى أهل العلم‪ ،‬ثم يجاوب‬
‫على هذه السؤالات‪ ،‬ثم يراجع أجوبته مع أجوبة أهل العلم‪ ،‬حتى يمرن نفسه على تطبيق المسائل الفقهية‪.‬‬

‫الأمر السادس‪ :‬التدريس‪:‬‬


‫‪-‬و يكون التدريس بعد الإتقان والضبط للتثبيت والاستزادة‪.‬‬

‫لمزيدٍ من التلخيصات تابع القناة على التيليجرام من الرابط التالي|‬

‫‪https://t.me/swaadelaalwaai‬‬

‫تم تلخيص الـدورة بفضل الل ّه‪..‬‬

‫‪- 64 -‬‬

You might also like