You are on page 1of 38

‫جامعة الجزائر‪1‬‬

‫كلية الحقوق‬

‫محاضرات‬

‫في‬

‫المدخل الى الشريعة االسالمية‬

‫ألقيت على طلبة السنة األولى حقوق‬


‫المجموعة األولى‬

‫من اعداد األستاذ‪ :‬لنوار عبد الرحيم‬

‫‪2022-2021‬‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫إن دراس ة الم دخل إلى الش ريعة اإلس المية‪ ،‬بالنس بة لطلب ة كلي ات الحق وق والمهتمين بالدراس ات‬
‫القانونية عموما له أهمية بالغة‪.‬‬
‫فالط الب في حاج ة ماس ة إلى الموض وعات ال تي تتناوله ا ه ذه الم ادة‪ ،‬ذل ك أن هذاالرص يد المع رفي‪،‬‬
‫وإ ن كان متواضعا‪ ،‬يشكل مرشدا معينا لمستقبل الطالب الدراسي والمهني‪.‬‬
‫وق د حاولن ا‪-‬من خالل ه ذه المحاض رات –تن اول موض وعات ه ذه الم ادة بش يء من المقارن ة‬
‫بينالشريعة والقانون‪ ،‬مع علمنا بسمو هذه الشريعة وكمالها‪.‬‬
‫وفي ضوء ما ذكرنا‪ ،‬فإننا سنتعرض –بقليل من االختصار والتبسيط‪-‬ألهم محاور هذه المادة‪ ،‬وهي‬
‫كاآلتي‪:‬‬

‫المحور األول‪:‬اإلطار المفاهيمي للشريعة اإلسالمية‪.‬‬


‫المحور الثاني‪:‬خصائص الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫المحور الثالث‪:‬مقاصد الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫المحور الرابع‪:‬مصادر التشريع اإلسالمي‪.‬‬
‫المحور الخامس‪:‬القواعد الفقهية الكلية‪.‬‬

‫واهلل ولي التوفيق‬

‫‪2‬‬
‫المحور األول‪:‬‬
‫اإلطارالمفاهيمي لمادة الشريعة االسالمية‬
‫تحت ه ذا العن وان‪ ،‬س نتناول بش يء من التبسيطـ‪ ،‬تعري ف الش ريعة اإلس المية‪ ،‬لغ ة‬
‫واص طالحا‪ ،‬ومع نى‪ :‬التش ريع اإلس المي‪ ،‬وس نبين العالق ة بين الش ريعة اإلس المية‬
‫والشرائع السماوية السابقة‪ ،‬وكذا العالقة بين الشريعة والفقه اإلسالمي‪ ،‬وأخيرا الفرق‬
‫بين التشريع السماوي والوضعي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تعريف الشريعة اإلسالمية لغة واصطالحا‪.‬‬

‫أ)الشريعة في لغة العرب‪:‬‬

‫تطلق الشريعة في لغة العرب‪ ،‬على الطريقة المستقيمة‪ ،‬ومن هذا المعنى قوله تعالى‪":‬‬

‫ثم جعلن‪::‬اك على ش‪::‬ريعة من األم‪::‬ر فاتبعه‪::‬ا‪ ،‬وال تتب‪:‬ع‪ :‬أه‪::‬واء ال‪::‬ذين ال يعلم‪::‬ون"‪.‬الجاثي ة‪:‬‬

‫‪ .18‬ومثلها في ذلك‪ :‬الشرعة‪،‬بكسرالشين‪ ،‬قالتعالى‪ " :‬لكل جعلنا منكم ش‪::‬رعة ومنهاج‪::‬ا"‬

‫المائ دة(‪،)48‬أي طريق ة مس تقيمة‪ ،‬ال اعوج اج فيه ا وال الت واء‪ ،‬كم اتطلق على ش رعة‬

‫الماء‪ ،‬وهو مورد الشاربة‪.‬‬

‫ب)الشريعة في اصطالح الفقهاء‪:‬‬

‫هي‪ ":‬األحك ام ال تي ش رعها اهلل لعب اده على لس ان رس ول من الرس ل"‪ ( .‬راج ع‪ :‬د‪ .‬محم د مص طفى‬

‫‪)1‬‬
‫شلبي‪ ،‬المدخل للفقه اإلسالمي‪ ،‬ص‪).27‬‬

‫وس ميت ه ذهاألحكام" ش‪::‬ريعة"‪ ،‬الس تقامتها وع دم انحرافه ا عن الطري ق المس تقيم‪ ،‬كم ا أنه ا ش بيهة‬

‫بمورد الماء في أن كال منهما سبيل للحياة‪ ،‬فهي تحيي النفوس والعقول‪ ،‬وهو يحيي األبدان‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وكلم ة‪":‬اإلس‪::‬المية "‪ :‬نس بة إلىاإلس الم‪ ،‬واإلس الم لغ ة‪ ،‬مص در أس لم‪ ،‬وه و يس تعمل في االص طالح‬

‫الش رعي بمع نى الخض وع واالنقي اد ألمراهلل‪ ،‬والتس ليم لقض ائه وأحكام ه والرض ا به ا‪،‬ومنه ا‪ ،‬قول ه‬

‫تعالى‪:‬‬

‫"إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين"البقرة(‪.)131‬‬

‫ثانيا‪ :‬معنى التشريع اإلسالمي‪.‬‬

‫التش‪::‬ريع‪،‬معن اه‪ :‬س ن القواع د‪ ،‬وبي ان األحك اموالنظم‪ ،‬ق ال تع الى‪":‬ش‪::‬رع لكم من ال‪::‬دين م‪::‬ا وص‪::‬ى ب‪::‬ه‬

‫نوحا"الش ورى(‪ ،)13‬أي بين من التوحي د م ا وص ى ب ه نوح ا‪،‬وق ال‪" :‬أم لهم شركاء ش‪:‬رعوا لهم من‬

‫ال‪::‬دين م‪::‬ا لم ي‪::‬أذن ب‪::‬ه اهلل" الش ورى(‪ ،)20‬أي بين وا لهم من األحك ام والنظم م ا لم ينزل ه اهلل تع الى‪.‬‬
‫‪)2‬‬
‫(راجع‪:‬عبد العزيز الخياط‪ ،‬المجتمع المتكافل في اإلسالم‪ ،‬ص‪).48‬‬

‫وبذلك‪ ،‬يكونمعنى" التشريع اإلسالمي" هو‪ :‬بيان األحكام من األوامر والنواهي‪ ،‬التي تنظم عالقات‬

‫الناس بعضهم ببعض‪،‬وهو بهذا‪،‬السبيل إلى السعادة البشرية‪،‬ورفاهها وطمأنينتها ‪،‬ألنه من الشريعة‬

‫اإلسالمية‪ ،‬وهي الدين الكامل الذي انزله الحق تبارك وتعالى على سيدنا محمد عليه الصالة والسالم‬

‫ليه دي ب ه البش ر‪،‬وله ذا اختص ال دين اإلس المي باس م‪":‬الش‪::‬ريعة "‪ ،‬فال تطل ق على س واه‪ ،‬ألنه ا هي‬

‫الطريقة المستقيمة والمورد الصافي‪،‬اكتملت قواعدها‪،‬ووض حت معالمها‪،‬وش ملت أحكامها وأنظمتها‬

‫ش ؤون البش ر كاف ة‪،‬ورض يها اهلل تع الى لعب اده خاتم ة الش رائع‪،‬ق ال تع الى‪":‬الي‪:: :‬وم أكملت لكم‬

‫دينكم‪،‬وأتممت عليكم نعمتي‪ ،‬ورضيت لكم اإلسالم دينا"المائدة(‪.)3‬‬

‫ثالثا‪:‬عالقة الشريعة اإلسالمية بالشرائع السماوية السابقة‪:‬‬

‫من المعلوم أن دعوة كل نبي تقوم على أساسين أثنين‪:‬العقيدة والشريعة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫فأما العقيدة‪،‬فلم يختلف مضمونها منذ بعثة آدم عليه السالم إلى بعثته صلى اهلل عليه وسلم‪،‬فقد كان‬

‫ك ل ن بي ي دعو قوم ه إلى توحي د اهلل وت نزيههم من ك ل م ا ال يلي ق ب ه من الص فات‪،‬واإليم ان ب اليوم‬

‫اآلخر‪،‬والحساب والجنة والنار‪،‬وكان كل منهم يأتي مصدقا لدعوة من قبله‪،‬ومبشرا ببعثة من سيأتي‬

‫بع ده‪ ،‬يق ول الح ق تب ارك وتع الى‪":‬ش‪::‬رع لكم من ال‪::‬دين م‪::‬ا وص‪::‬ى ب‪::‬ه نوح‪::‬ا‪،‬وال‪::‬ذي أوحيناإلي‪::‬ك‪،‬وم‪::‬ا‬

‫وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين وال تتفرقوا فيه"الشورى(‪.)13‬‬

‫وأم ا التش‪::‬ريع‪،‬فق د ك ان يختل ف في الكيف والكم م ا بين بعث ة ن بي وآخ ر‪،‬ألن أص ل التش ريع ق ائم على‬

‫أساس ما تقتضيه مصالح العباد في دنياهم وآخرتهم‪،‬باإلضافة إلى أن دعوة كل من األنبياء السابقين‬

‫كانت خاصة بأمة معينة‪،‬ولم تكن عامة للناس كافة‪.‬‬

‫فق د بعث موس ى علي ه الس الم إلى ب ني إس رائيل بش ريعة ش ديدة‪ ،‬قائم ة على أس اس العزيم ة ال‬

‫الرخص ة‪،‬ثم بعث عيس ى علي ه الس الم بش ريعة أس هل وأيس ر‪،‬يق ول تع الى على لس ان ن بيهم(علي ه‬

‫السالم)‪":‬ومصدقا لما بين يدي من التوراة‪،‬وألحل لكم بعض الذي حرم عليكم"آل عمران(‪.)50‬‬

‫فق د بين لهم أن ه فيم ا يتعل ق ب أمور العقي دة‪ ،‬مص دق لم ا ج اء في الت وراة ومؤك د ل ه‪ ،‬ومج دد لل دعوة‬

‫إليه‪.‬أما بالنسبة للتشريع‪،‬وأحكام الحالل والحرام‪ ،‬فقد كلف بالتيسير في بعضها‪.‬‬

‫إذن‪،‬فشريعة كل رسول ناسخة للشريعة السابقة‪ ،‬إال ما أيده التشريع المتأخر‪ ،‬أو سكت عنه‪ ،‬وذلك‬

‫على مذهب من يقول‪":‬شريعة من قبلنا شريعة لنا إذا لم يرد ما يخالفها"‪( .‬راجع‪ :‬محمد سعيد رمضان‬

‫‪)3‬‬
‫البوطي‪ ،‬فقه السيرة‪ ،‬ص ص‪)13- 10‬‬

‫رابعا‪ :‬الشريعة والفقه اإلسالمي‪.‬‬

‫من األفك ار المغلوط ة ل دى الكث يرين الخل ط بين الش ريعة والفق ه اإلس المي‪،‬وق د اس تقر ه ذا الفهم في‬

‫أذه ان كث يرة من ذ ق رون‪ ،‬نتيج ة لعص ور التخل ف ال تي ط رأت على المس لمين بع د تراج ع الحض ارة‬

‫اإلسالمية‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫والواقع‪ ،‬أن الفرق بين الشريعة والفقه مثل الفرق بين السماء واألرض‪ ،‬وبين ما هو إلهي وما هو‬

‫بشري‪،‬وقد أدى هذا الخلط إلىإضفاء طابع القداسة على آراء الفقهاء السابقين‪ ،‬لدرجة جعلت بعضهم‬

‫يعتقد أن الخروج على هذه اآلراء يعد خروجا على الدين نفسه‪.‬‬

‫وقد كان الفقه يقصد به‪ ،‬فيالبداية‪ ،‬جميع األحكام الدينية التي جاءت بها الشريعة اإلسالمية في أمور‬

‫العقي دة واألخالقوالعب ادات والمع امالت‪ ،‬ولكن‪ ،‬ح دث تط ور في مع نى الفق ه جعل ه يقتص ر على العلم‬

‫باألحك ام العملي ة من أدلته ا التفص يلية باالس تدالل‪ ،‬وب ذلك‪ ،‬خ رج من ه مفه وم األحك ام االعتقادي ة‬

‫واألخالقية‪،‬وصارمدلوله قاصرا على األحكامالعملية‪ ،‬أي على العباداتوالمعامالت‪( .‬راجع‪ :‬عبد الكريم‬

‫زيدان‪ ،‬المدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ص‪ 62‬وما بعدها‪ .‬ومحمد حمدي زقزوق‪ ،‬مقاصد الشريعة اإلسالمية‪،‬‬

‫‪)4‬‬
‫وضرورات التجديد‪ ،‬ص‪)26-23‬‬

‫أما الشريعة‪ ،‬فإنها كلها تستند إلى الوحي اإللهي‪ ،‬وال مجال فيها الجتهاد اإلنسان‪ ،‬وغني عن البيان‬

‫أن الفق ه اإلس المي ليس ك ذلك‪ ،‬فه وإ ذ يعتم د على الق رآن والس نة‪،‬فإن ه يعتم د‪ ،‬في ال وقت نفس ه‪ ،‬على‬

‫مص درين آخ رين هم ا‪:‬اإلجم اع والقي اس‪،‬حيث هن اك مج ال لرأياإلنس ان واجته اده‪ ،‬فيم ا ع دا م ا ه و‬

‫معلوم من الدين بالضرورة من األحكام‪ ،‬مثل حرمة الزنا ووجوب الصالة‪.‬‬

‫أما ما عدا ذلك من األحكام الفقهية‪،‬فإنها تخضع لالجتهاد‪ ،‬ويراعى فيها ظروف الزمان والمكان‪،‬‬

‫والمص الح المرس لة واألع راف‪ ،‬وغ ير ذل ك من االعتب ارات‪ ،‬فالفقهاإلس الميإذن ال يع دو‪ ،‬في نهاي ة‬

‫األمر‪ ،‬أن يكون فهما بشريا‪ ،‬وتفسيرا وبيانا لنصوص الشريعة وأحكامها‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬التشريع سماوي ووضعي‪.‬‬

‫التش ريع‪ ،‬إم ا أن يك ون من اهلل‪ ،‬وإ م ا أن يك ون من اإلنس ان‪ ،‬ف إذا أن زل اهلل التش ريع على رس ول من‬

‫الرسل وأمره بالتبليغ‪ ،‬كان ذلك تشريعا سماويا‪ ،‬وإ ذا قام الناس بوضع ما ينظم عالقاتهم في قوانين‬

‫وتشريعات‪ ،‬كان ذلك تشريعا وضعيا‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫فالتش‪::‬ريع الس‪::‬ماوي‪ ،‬ه و األوام ر والنواهيوالقواعدواإلرش ادات‪ ،‬ال تي ش رعها الح ق تب ارك وتع الى‬

‫لعباده‪ ،‬وبلغها بواسطة رسول يختاره من الناس‪.‬‬

‫أم ا التش‪::‬ريع الوض‪::‬عي‪ ،‬فه و مجموع ة التنظيم ات ال تي يض عها البش ر لض بط العالق ات البش رية‪،‬ف إذا‬

‫‪)5‬‬
‫اختارتها الدولة أصبحت قوانين يعمل بها‪( .‬راجع‪ ،‬عبد العزيز الخياط‪ ،‬المرجع السابق)‬

‫وال ش ك أن التش ريع الس ماوي أكم ل وأش مل‪ ،‬وأك ثر ض بطا للعالق ات ومنع ا للفس اد‪ ،‬لم ا يحم ل من‬

‫خص ائص ومم يزات‪،‬س نقف على أهمه ا في المحاض رات المقبل ة‪ ،‬وذل ك عن د ح ديثنا عن خص ائص‬

‫الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫المحور الثاني‪:‬‬

‫خصائص الشريعة اإلسالمية‬

‫امتازت شريعة اإلسالم بمجموعة من المزايا والخصائص‪ ،‬استطاعت بموجبها أن تفي بحاجات كل‬

‫المجتمع ات ال تي حكمته ا‪ ،‬وأن تع الج كاف ة المش كالت‪ ،‬في ك ل البيئ ات ال تي حلت به ا‪ ،‬رغم تنوعه ا‬

‫وتعددها‪،‬بأعداللحلول وأمثل األحكام‪( .‬راج ع‪ ،‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬شريعة اإلس الم خلودها وصالحها لكل‬

‫‪)6‬‬ ‫زمان ومكان‪.‬‬

‫والحق‪ ،‬أن الشريعة اإلسالمية تمتاز بمزايا كثيرة‪ ،‬أهمها ما يلي‪:‬‬

‫أوال‪-‬أنها شريعة شاملة‪:‬‬

‫أي أنه ا اس توعبت ك ل قض ايا الحي اة‪ ،‬ففيه ا‪:‬تنظيم الف رد بنفس ه‪ ،‬وعالقت ه بخالق ه‪ ،‬وعالقتهبأس رته‪،‬‬

‫وعالقتهبمجتمع ة‪ ،‬وفيهابي ان لألص ول والقواع د ال تي تحكم س ير المجتم ع والن اس‪ ،‬وف ق نظ رة‬

‫اإلس المللكون واإلنس ان والحي اة‪،‬و"ش ريعة ش املة ألم ور األف راد والجماع ات وال دول‪ ،‬فهي تنظم‬

‫‪7‬‬
‫األح وال الشخص ية والمع امالت وش ؤون الحكم واإلدارة والسياس ة‪ ،‬كم ا تنظم عالق ة ال دول بعض ها‬

‫‪)7‬‬
‫ببعض فيالحرب والسلم"‪(.‬راجع‪ ،‬عبد القادر عودة‪ ،‬اإلسالم بين جهل أبنائه وعجز علمائه‪ ،‬ص‪).16‬‬

‫ثانيا‪-‬وهي شريعة ربانية المصدر والوجهة‪:‬‬

‫والمقصود بربانية المصدر‪ ،‬أن أحكام هذه الشريعة وأسسها من وضع اهلل‪،‬فهو شارعها وهو صاحب‬

‫الخلق واألمر في هذا الكون‪ ،‬فهو الذي خلق والذي يعلم ما يصلح لعباده وما يصلحهم‪":‬أال يعلم من‬

‫خلق وهو اللطيف الخبير"‪،‬أما البشر‪ ،‬فيعتريهم النقص والقصور‪ ،‬والظلم والجور‪.‬‬

‫أماربانية الوجهة‪:‬فمعناها‪ ،‬أن هدف الشريعة األعلىواألسمى‪:‬هو ربط الناس بخالقهم حتى يعرفونه‬

‫حق المعرفة‪ ،‬ويعبدونه حق العبادة‪ ،‬فهم لهذا خلقوا‪.‬‬

‫فإذن‪،‬ميزة الربانية في هذه الشريعة‪،‬تجعل المسلمين يحترمونها وينقادون ألحكامها ويطيعونها ألنها‬

‫حكم اهلل تعالى‪":‬ومن أحسن من اهلل حكما لقوم يوقنون"‪ .‬ومن ثم لم يكن للمس لم خي ار في قب ول هذه‬

‫الشريعة وأحكامها‪،‬فإن هذا مقتضى اإليمان وعقد اإلسالم‪،‬كما قال تعالى"فال وربك ال يؤمنون حتى‬

‫يحكموك فيما شجر بينهم‪،‬ثم ال يجدوا في أنفسهم‪ :‬حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما"النساء(‪.)56‬‬

‫ثالثا‪-‬هي شريعة اليسر والتيسير ورفع الحرج على الناس‪:‬‬

‫ليس في الش ريعة م ا يش ق على الن اس‪ ،‬أو يخ رج عن نط اق اس تطاعتهم‪ ،‬ف الحج لمن اس تطاع‬

‫إليه سبيال‪ ،‬والصوم للقادر عليه‪ ،‬والزكاة على من عنده فضل مال‪...‬الخ‪.‬‬

‫كما قرر القرآن الكريم هذا التيسير في قوله‪":‬يريد اهلل بكم اليسر وال يري‪::‬د بكم العس‪::‬ر"البق رة(‬

‫‪.)185‬‬

‫رابعا‪-‬هي شريعة عالمية‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫فهي عالمية‪ :‬انزلها الحق سبحانه وتعالى على رسوله محمد صلى اهلل عليه وسلم‪،‬ليبلغها إلى‬

‫الن اس كاف ة‪ ،‬من ع رب وعجم‪ ،‬ش رقيهموغربيهم‪،‬على اختالفمش اربهم وتب اين ع اداتهم وتقالي دهم‬

‫‪)8‬‬
‫وتاريخهم‪":‬وما أرسلناكإال رحمة للعالمين"‪( .‬راجع‪ ،‬عبد القادر عودة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪).14‬‬

‫وهي ش ريعة عالمي ة‪،‬فليس ت تش ريعا لجنس خ اص من البش ر‪ ،‬أو إلقليم معين من األرض‪،‬ب ل‬

‫هي لإلنس ان من حيث ه و إنس ان‪،‬وال ف رق بين ع ربي وعجمي وال أبيض وال أس ود إال ب التقوى‪،‬فال‬

‫عنصرية في هذا التشريع وال عصبية وال طبقية‪،‬وإ نما الناس فيه سواء‪(.‬راجع‪ ،‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪،‬‬

‫‪)9‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪).19‬‬

‫وهذه الميزة‪ ،‬هي أثر من آثار الصبغة الربانية في هذا التشريع‪ ،‬فلو كان واضعه من البشر‬

‫لتعصب‪-‬بوعي أو بالوعي‪-‬لجنسه أو وطنه‪.‬‬

‫خامسا‪-‬هي شريعة عادلة‪،‬وعدلها مطلق‪:‬‬

‫من مزاي ا التش ريع اإلس المي‪ ،‬أن هدف ه إقام ة الع دل المطل ق بين الن اس جميع ا‪ ،‬وتحقيقاإلخ اء‬

‫بينهم‪ ،‬وص يانة دم ائهم وأعراض هموأموالهم وعق ولهم‪ ،‬بع د أن ص ان دينهم وأخالقهم‪ ،‬فغايت ه تحقي ق‬

‫مصالح العباد في المعاش والمعاد‪ ،‬كما قرر الفقهاء‪.‬‬

‫سادسا‪-‬هي شريعة توازن بين الفرد والجماعة‪:‬‬

‫ومن مزايا التشريع اإلسالمي‪ ،‬موازنت ه بين مصلحة الفرد ومص الح الجماعة‪ ،‬دون جور على أحد‬

‫منهما‪.‬‬

‫فالقوانين في البالد الليبرالية‪ ،‬منذ قامت الثورة الفرنسية تحابي الفرد‪،‬وتسرف فيالحقوقالممنوحة له‪،‬‬

‫وبذلك يتضخم الفرد ويطغى على حساب الفئات الضعيفة‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫أم ا في البالد االش تراكية‪،‬ف ان الق وانين هن اك تض غط على الف رد وتطغى على حقوق ه من أج ل‬

‫الجماعة‪(،‬فال تملك‪ ،‬وال حرية وال تعبير‪ ،‬وال نقد للحاكم‪ ،‬وال حرية اجتماع‪)...‬وبهذا تذبل شخصية‬

‫الفرد‪ ،‬وتتقلص قدراته‪.‬‬

‫ومث ال الت‪::‬وازن في الش ريعة‪ ،‬يتجلى في مس ألة التمل ك‪ ،‬فق د أب احت التمل ك‪ ،‬ولكنه ا تقي د ح ق الملكي ة‬

‫الفردي ة بقي ود كث يرة لمص لحةالمجتمع‪ ،‬ق ال تع الى‪ " :‬أنفق‪::‬وا‪ :‬مم‪::‬ا جعلكم مس‪::‬تخلفين في‪::‬ه"الحدي د(‪،)7‬‬

‫فالمالك الحقيقي للمال‪ ،‬ليس الفرد وإ نمااهلل‪ ،‬فتصرفه فيه تصرف الوكيل المقيد بأوامرالموكل‪( .‬راجع‪،‬‬

‫‪10‬‬
‫يوسف القرضاوي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪).22‬‬

‫سابعا‪-‬تجمع الشريعة بين الجزاء الدنيوي واألخروي‪:‬‬

‫من المعل وم أن الش ريعة تتف ق م ع الق انون الوض عي في توقي ع الج زاء على المخ الف ألحكامه ا في‬

‫ال دنيا‪،‬في حين ال تمت د ي د الق انون الوض عي إلى معاقب ة اإلنس ان في آخرت ه‪،‬بينم ا تعاقبالش ريعة‬

‫اإلسالمية مخالفيها في اآلخرة فهي بهذا تجمع بين الجزاءين معا‪.‬‬

‫ثامنا‪-‬تجمعالشريعة بين الثبات والمرونة‪:‬‬

‫فالثبات في األصولواألهداف‪ ،‬والمرونة في الفروع والوسائل‪.‬‬

‫‪-‬فهي بثب ات أص ولهاوأهدافها تستعص ي على الخض وع لك ل تغي ير‪ ،‬وهيبمرونته ا‪،‬بإمكانه ا التكي ف‬

‫ومواجهة التطور‪،‬ومالئمة كل وضع جديد‪.‬‬

‫إن ه ذا التشريعاإلس المي‪،‬من وض ع الخ الق س بحانهوتعالى‪ ،‬لهدايةاإلنس ان وهداي ةالمجتمع‪،‬‬

‫وليس معنى هذا أن الناس يقفون أمام هذا التشريع موقف المشلول‪،‬كال‪،‬فان لالجتهاد البشري مجاال‬

‫كب يرا في هذا التشريع‪،‬االجته اد في فهم نصوص ه‪،‬واالس تنباط منه ا‪،‬وتف اوت درج ات هذه النصوص‬

‫في ثبوتها وداللتها من حيث القطعية والظنية‪،‬يعطي فسحة الجتهاد المجتهدين‪ ،‬واالجتهاد في استنباط‬

‫‪10‬‬
‫األحكام لما ال نص فيه‪ ،‬عن طريق القياس الصحيح أو اعتبار المصالح المرسلة‪ ،‬أو غير ذلك من‬

‫األدلة التي تختلف في تقديرها اراء الفقهاء باختالف مدارسهم‪.‬‬

‫فهن اك منطق ة محرم ة ال ي دخلها االجته اد‪ ،‬وهي منطق ة "القطعي ات" من األحك ام‪،‬ال تي ج اءت به ا‬

‫النص وص المحكم ة‪ ،‬واجتمعت عليه ا األم ة‪ ،‬وتلقته ا األم ة جيال بع د جي ل‪،‬كفرض ية الص الة والزك اة‬

‫(وباقي األركان) فهي ليست‪-‬بأي حال من األحوال‪-‬قابلة للنقاش‪،‬كأن يبحث بعض الناس في جواز‬

‫تعطيل فريضة الزكاة‪،‬اكتفاء بالضرائب أوبتعطيل الصيام‪ ،‬تشجيعا لإلنتاج‪.‬‬

‫وهن اك منطق ة‪ ،‬ب ل من اطق مفتوح ة لالجته اد البش ري في مج ال التش ريع اإلس المي‪ ،‬وهي‬

‫منطقة"الظنيات" من األحكام وهي كثيرة‪.‬‬

‫وهناك االجتهاد فيما ال نص فيه‪ ،‬ومجاله فسيح اعتمادا على القياس أو المصلحة أواالستحسان‪...‬إلى‬

‫غير ذلك من األدلة واالمتيازات‪.‬‬

‫وهن اك قواع‪::‬د تش‪::‬ريعيةمأخوذة من اس تقراء النص وص والوق ائع الش رعية مث ل‪ :‬الض رورات ت بيح‬

‫المحظورات‪ ،‬والضرورة تقدر بقدرها‪ ،‬المشقة تجلب التيسير‪( .‬راجع‪ ،‬يوسف القرضاوي‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬

‫ص‪،11).22‬كما سنوضحه في المحور الخامس‪.‬‬

‫ومن أجل هذه المرونة في هذه الشريعة الخالدة‪ ،‬يجد أهل االجتهاد في األمة المسلمة أمامهم مجاال‬

‫فس يحا في ب اب السياس‪:: :‬ة الش‪:: :‬رعية‪-‬أي سياس ة األم ة بأحك ام الش رع‪-‬بحيث تس تطيع الدول ة‬

‫المسلمةتحقيق كل مصلحة خالصة أو راجحة‪ ،‬ودرأ كل مفسدة خالصة أو غالبة‪.‬‬

‫بهذا كله‪ ،‬يتضح لنا أن أمام ولياألمر المسلم مجاال رحبا في اتخاذ العقوبات المالئمة‪ ،‬لقطع‬

‫دابر الفساد‪ ،‬وتحقيق مصالح العباد‪ ،‬ولهأن يقنن هذه العقوبات ان تعينت المصلحة في ذلك‪ ،‬على أن‬

‫ي ترك مج اال‪ ،‬ويجع ل ح دين‪:‬أقص ىوأدنى للعقوب ة‪،‬يخت ار أيهماانس ب‪،‬حس ب حال ة ال دعوى‪ ،‬وعلى أن‬

‫تكون هذه القوانين خاضعة للتعديل بين حين وآخر‪،‬كلمااقتضت األوضاع ذلك‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫المحور الثالث‬

‫مقاصد الشريعة اإلسالمية‬

‫أجمع علماء المسلمين‪،‬على أن اهلل سبحانه وتعالى ما شرع حكما إال لمصلحة عباده‪،‬وأجملوا مقاصد‬

‫الشريعة في خمس مسائل هي‪:‬حفظ النفس‪ ،‬حفظ الدين‪ ،‬حفظ العقل‪ ،‬حفظ العرض‪ ،‬حفظ المال (راجع‪،‬‬

‫صالح الدين جباري‪ ،‬تاريخ النظم القانونية‪ ،‬ص‪ ،83‬وما بعدها)‪ .)12‬والتي سنلخصها فيما يلي من سطور‪.‬‬

‫أوال‪:‬حفظ النفس‪.‬‬

‫أوجب الشارع حفظ النفس‪ ،‬فحرم قتلها بغير حق‪ ،‬وشرع حماية اإلنسان من االعتداء وعدم اإللقاء‬

‫بالنفس إلى التهلكة‪ ،‬وشرع التزاوج الستمرارية الجنس البشري‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬حفظ الدين‪.‬‬

‫اوجب اإلسالم المحافظة على الدين الذي هو أهم شيء في حياة اإلنسان وشرع الدفاع عنه بالجهاد‬

‫في سبيله بالمال والنفس‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬حفظ العقل‪.‬‬

‫أوجب حف ظ العق ل‪ ،‬وح رم الخم ر والمس كرات والمخ درات‪ ،‬ورص د العقوب ات لك ل من يتناوله ا أو‬

‫يروجها‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬حفظ العرض‪.‬‬


‫‪12‬‬
‫أوجب الشارع حفظ العرض‪،‬وقرر العقابفي جريمة الزنا‪ ،‬وجريمة القذف‪ ،‬وجرائم السب والشتم‪،‬‬
‫وكل ما يحط من كرامة اإلنسان‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬حفظ المال‪.‬‬
‫أح ل الكس ب الحالل والتج ارة‪،‬وح رم الس رقة والرب ا والغش والخيان ة وإ تالف الم ال ووض عه بي د‬
‫السفهاءواإلسراف والتبذير‪.‬‬

‫المحور الربع‬
‫مصادر التشريع اإلسالمي‬
‫يقصد بمصادر التشريع اإلسالمي‪،‬مجموعة األحكام الشرعية المستقاة من أدلتها التفصيلية في‬
‫الكت اب والس نة واإلجماعوالقي اس‪ .‬ووج ه االس تدالل في حجي ة ه ذه المص ادر‪،‬اآلي ة الكريم ة‪ ،‬قول ه‬
‫تعالى‪":‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا‪ :‬اهلل‪،‬وأطيعوا الرسول‪ ،‬وأولي األمر منكم‪ ،‬ف‪::‬إن تن‪::‬ازعتم في ش‪::‬يء‬
‫فردوه إلى اهلل والرسول‪،‬إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخ‪::‬ر‪ ،‬ذل‪:‬ك خ‪::‬ير وأحس‪::‬نتأويال"س ورة النس اء(‬
‫‪.)59‬‬
‫فاألمربإطاعة اهلل وإ طاعة رسوله‪ ،‬هو أم ر بإتب اع القرآن والسنة‪ ،‬واألمربإطاع ةأولىاألمر من‬
‫المسلمين‪ ،‬هو أمربإتباع ما اتفقت عليه كلمة المجتهدين من األحكامأي اإلجماع‪ ،‬ألنهم أولوااألمر‪.‬‬
‫واألمر برد الوقائع المتنازع فيها إلى اهلل والرسول‪ ،‬هوأمربإتباعالقياس‪ ،‬بالنسبة للوقائع التي‬
‫ال يك ون له ا حكم في النص أو اإلجم اع‪ ،‬ألن القي اس ه و إلح اق واقع ة لم ي رد نص بحكمه ا بواقع ة‬
‫ورد النص بحكمهما لتساوي الواقعتين في علة الحكم‪.‬‬
‫فاآلية الكريمة السابقة تدل على وجوب إتباع المصادر التشريعية األربعة‪ ،‬فمصادر التشريع‬
‫اإلسالمياألساس يةأربعة‪:‬الق‪::‬رآن‪ ،‬الس‪::‬نة‪ ،‬اإلجم‪::‬اع‪ ،‬القي‪::‬اس‪ ،‬وهي مرتب ة كم ا هي في اآلي ة وكم ا هي‬
‫في حديث معاذ‪.‬‬
‫أم ا المص ادر االحتياطي ة فهي‪:‬االستحس ان‪ ،‬المص الح المرس لة‪ ،‬الع رف‪ ،‬االستص حاب‪ ،‬م ذهب‬

‫الصحابي‪ ،‬شرع من قبلنا‪ ،‬وسد الذرائع‪ ،‬وهي مصادر أو أدلة مختلف فيها‪.‬‬

‫أوال‪ :‬المصادر المتفق عليها‬


‫‪13‬‬
‫مصادر التشريع اإلسالمي األساسية‪ ،‬كم ا س بق وأن بين ا‪ ،‬أربع ة‪ :‬القرآن‪ ،‬السنة‪ ،‬اإلجماع‪ ،‬القي‪:‬اس‪.‬‬
‫وسنفصلها فيما يلي‪:‬‬

‫أ‪ :‬القرآن الكريم‬


‫تحت ه ذا العن وان‪ ،‬س نتحدث عن‪ :‬تعري ف الق رآن الك ريم‪ ،‬وحجيت ه‪ ،‬وبعض وج وه‬
‫اعجازه‪ ،‬وأخيرا‪ ،‬عن داللة القرآن على األحكام‪ ،‬وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫‪-1‬تعريفه‪:‬‬
‫ه و كالم اهلل تع الى الم نزل على س يدنا محم د ص لى اهلل علي ه وس لم‪ ،‬باللف ظ الع ربي‪،‬‬
‫المنقوإللين ا ب التواتر‪ ،‬المكت وب بالمص احف‪ ،‬المتعب د بتالوت ه‪ ،‬المب دوء بس ورة الفاتح ة‪،‬‬
‫المختوم بسورة الناس‪.‬‬
‫‪-2‬حجيته‪:‬‬
‫اتفق جميع المسلمين على حجية القرآن الكريم‪ ،‬ووجوب العمل بمقتضى حكم ورد فيه‪،‬‬
‫ويع د المرج ع األول ال ذي يع ود إليهالمجته د لمعرف ة حكم اهلل‪ ،‬وال ينتق ل إلى غ يره من‬
‫المصادر إال عند عدم وجود الحكم المبتغى فيه‪.‬‬
‫‪-3‬بعض وجوه إعجازه‪:‬‬
‫اقتض ت حكم ة اهلل ع ز وج ل أن يؤي د أنبي اءه ورس له ب المعجزات للدالل ة على أن ه‬
‫مرسلهم‪،‬ومكلفهم بتبليغ دينه‪،‬وقد خص اهلل الرسول محمدا صلى اهلل عليه وسلم بأعظم‬
‫معجزة تمثلت في "القران الكريم"‪.‬‬
‫وفي هذا المقام نكتفي بذكر بعضها اختصارا على الوجه اآلتي‪:‬‬
‫‪-(1‬فصاحة ألفاظه وبالغة عباراته‪:‬‬
‫وقدبلغ القران في ذلك أعلى المستويات‪،‬وبذلك شهد علماء اللغة وأئمة البيان‪،‬وقد تحدى‬
‫اهلل العرب وهم عمالقة الفصاحة والبالغة باإلتيان بمثل القرآن فعجزوا‪،‬ثم تحداهم بأن‬
‫يأتوا بعشر سور فلم يقدروا‪ ،‬ثمتحداهم بأن يأتوا بسورة فعجزوا‪،‬قالتعالى‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫‪... "-‬ق‪::‬ل لئن اجتمعت اإلنس والجن على أن ي‪::‬أتوا بمث ‪:‬ل‪ :‬ه‪::‬ذا الق‪::‬رآن الي‪::‬أتون بمثل‪::‬ه‬
‫ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا"اإلسراء(‪.)88‬‬
‫‪..."-‬ق‪::‬ل ف‪::‬أتوا بعش‪::‬ر س‪::‬ور مثل‪::‬ه مفتري‪::‬ات وادع‪::‬وا من اس‪::‬تطعتم من دون اهلل إن كنتم‬
‫صادقين" هود(‪.)13‬‬
‫‪ "-‬ق‪::‬ل ف‪::‬أتوا بس‪::‬ورة مثل‪::‬ه وادع‪::‬وا من اس‪::‬تطعتم من‪::‬دون اهلل إن كنتم ص‪::‬ادقين"ي ونس (‬
‫‪.)38‬‬
‫ثم يؤكد عجز البشر عن اإلتيان بسورة واحدة‪-‬حاضرا ومستقبال‪-‬فقال‪:‬‬
‫"وإ ن كنتم في ريب مما نزلنا على عب‪::‬دنا ف‪::‬أتوا بس‪::‬ورة من مثل‪::‬ه وادع‪::‬وا ش‪::‬هداءكم من‬

‫دون اهلل إن كنتم ص‪::‬ادقين‪،‬ف‪::‬إن لم تفعل‪::‬وا ولن تفعل‪::‬وا ف‪::‬اتقوا الن‪::‬ار ال‪::‬تي وقوده‪::‬ا الن‪::‬اس‬

‫والحجارة أعدت للكافرين"البقرة(‪.)24-23‬‬

‫‪-(2‬اإلعجاز العلمي في القرآن الكريم‪:‬‬

‫إن الق رآن الك ريم كت اب هداي ة وتش ريع ولكن ه ذا ال يمن ع وج ود إش ارات إلى حق ائق‬

‫علمي ة أك دها العلم الح ديث‪،‬منه ا قول ه تع الى‪":‬أيحسب اإلنسان أن لن نجم‪::‬ع عظام‪::‬ه‪،‬بلى‬

‫ق ‪:: : :‬ادرين على أن نس ‪:: : :‬وي بنانه‪ ":‬القيام ة(‪ )4-3‬وهي إش ارة إلى اختالف بص مات‬

‫البشر‪... .‬وغيرها كثير‪.‬‬

‫‪-3‬اإلخبار عن الغيبيات‪:‬‬

‫إخبار اهلل تعالى عن انتصار الروم على الفرس‪ ،‬قبل وقوع الحرب‪":‬ألمغلبت الروم في‬

‫أدنى‪::‬األرض وهم من بع‪::‬د غلبهم س‪::‬يغلبون في بض‪::‬ع س‪::‬نين‪.‬هلل األم‪::‬ر من قب‪::‬ل ومن بع‪::‬د‬

‫‪15‬‬
‫ويومئذ‪ :‬يفرح المؤمنون بنص‪:‬ر‪ :‬اهلل ينص‪:‬ر‪ :‬من يش‪:‬اء وه‪:‬و العزي‪:‬ز ال‪:‬رحيم"ال روم(‪.)5-1‬‬

‫وغيرها كثير‪.‬‬

‫‪-(3‬بقاؤه وخلوده‪ :‬مصداقا لقوله تعالى‪:‬إنا نحن نزلنا الذكر وإ نا له لحافظون"‪.‬‬

‫د‪-‬داللة القرآن على األحكام‪:‬‬

‫إنآيات القران الكريم ثابتة بطريق قطعي‪ ،‬ألنها نقلت إلينا بالتواتر الذي يوحي بالجزم‬

‫أناآلية التي يقرأها كل مسلم في بقاع األرض‪ ،‬هي نفسها التي تالها الرسول صلى اهلل‬

‫علي ه وس لم على أص حابه‪ ،‬وهي ال تي ن زل به ا جبري ل علي ه الس الم من الل وح المحف وظ‬

‫من غ ير تب ديل وال تغي ير‪،‬تحقيق ا لقول ه تع الى‪":‬إن ‪:: :‬ا نحن نزلن ‪:: :‬ا ال ‪:: :‬ذكر وإ ن ‪:: :‬ا ل ‪:: :‬ه‬

‫لحافظون"الحجر(‪.)9‬‬

‫أم ا دالل ة النص الق رآني على الحكم فليس ت واح دة‪،‬فمنه ا م ا ه و قطعي الدالل ة‪،‬‬

‫ومنها ما هو ظني الداللة‪:‬‬

‫‪-1‬ف النص القطعي الدالل ‪::‬ة‪ :‬ه و م ا دل على مع نى متعين فهم ه من ه‪،‬وال يحتم ل‬

‫تأويال آخر معه‪،‬وذلك مثل النصوص التي وردت فيها أعدادا معينة أو أنصبة محددة‬

‫في المواريثوالح دود‪ ،‬ق ال تع الى‪":‬ولكم نص‪:::::‬ف م‪:::::‬ا ت‪:::::‬رك أزواجكم‪:::::‬إن لم يكن لهن‬

‫ول ‪:: :‬د‪"...‬النس ‪:: :‬اء(‪ ،)12‬ف إن دالل ة النص قطعي ة على أن ف رض ال زوج النص ف‪،‬‬

‫وقالتعالى‪":‬الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جل‪::‬دة‪".‬الن ور (‪،)2‬فاآلي ة قطعي ة‬

‫‪16‬‬
‫الدالل ة في مق دار ح د الزن ا‪،‬وق ال تع الى في كف ارة اليمين‪..."":‬فص ‪::‬يام ثالث ‪::‬ة أي ‪::‬ام‪"...‬‬

‫المائدة(‪ )89‬فالعدد قطعي الداللة‪ ،‬وال تقبل الكفارة بأقل من ذلك والبأكثر منه‪.‬‬

‫‪-2‬أماالنص الظ‪:::‬ني الدالل‪:::‬ة‪ :‬فه و م ا س يدل على ع دة مع ان‪ ،‬أو م ا ي دل على‬

‫معنى‪،‬ولكنه يحتمل معاني أخرى‪،‬مثل لفظة "القرء" في قول ه تع الى‪":‬والمطلقات يتربصن‬

‫بأنفسهن ثالثة قروء‪"...‬البقرة (‪،)228‬فلف ظ القرء في اللغ ة مشترك بين معنيين‪:‬الطهر‬

‫والحيض‪،‬والنص الق رآني يحتم ل أن ي راد من ه ثالث ة أطه ار كم ا ق ال الش افعي‬

‫وغيره‪،‬ويحتمل أن يراد منه ثالث حيضات كما قال اإلمامأبو حنيفة ومن معه‪.‬‬

‫ثانيا‪:‬السنة النبوية‬

‫تحت ه ذا العن وان‪ ،‬س نتناول تعري ف الس نة لغ ة واص طالحا‪ ،‬كم ا نتع رض لحجيته ا‪،‬‬

‫ومرتبتها في االحتجاج بها‪ ،‬وأقسامها‪،‬وأخيرا مسألة قطعية السنة وظنيتها‪ ،‬وذلك على‬

‫النحو التالي‪:‬‬

‫أ‪-‬تعريف السنة‪ :‬لغة واصطالحا‪.‬‬

‫‪-1‬تعريف السنة لغة‪:‬السنة في اللغة هي الطريقة‪ ،‬حمودة كانت أو مذمومة‪ ،‬ومنها قوله‬

‫ص لى اهلل علي ه وس لم‪ ":‬من س ن س نة حس نة‪ ،‬فل ه أجره ا وأج ر من عم ل به ا الى ي وم‬

‫القيامة‪،‬‬

‫ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة"‪ .‬رواه مسلم‬
‫‪17‬‬
‫‪-2‬تعري‪::‬ف الس‪::‬نة اصطالحا‪:‬ي راد بالس نة م ا ص در عن الن بي ص لى اهلل علي ه وس لم‪ ،‬غ ير‬

‫الق رآن‪ ،‬من ق ول أو فع ل أو تقري ر‪ :‬فمث ال الق ول‪ ،‬كقول ه علي ه الص الة والس الم‪ ":‬انم ا‬

‫األعمال بالنيات "‪ .‬ومثال الفعل ما نقله الصحابة من أفعال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬

‫في شؤون العبادة وغيرها‪ ،‬كأداء الصلوات‪ ،‬ومناسك الحج‪ ،‬وغيرها‪ .‬ومثال التقرير‪ ،‬ما‬

‫أقره الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬من أفعال صدرت عن بعض أصحابه‪ ،‬بسكوت منه‬

‫مع داللة الرضا‪،‬‬

‫او بإظهار استحسان وتأييد‪ .‬كإقراره الجتهاد أصحابه في أمر صالة العصر‪ ،‬في غزوة‬

‫بني قريظة‪ .‬حين قال لهم‪" :‬ال يصلين أحدكم العصر اال في بني قريظة"‪ .‬البخاري عن‬

‫ابن عمر‪( .‬راجع مصطفى السباعي‪،‬السنة ومكانتها‪ ،‬ص‪.)47،48:‬‬

‫ب‪-‬حجيتها‪:‬‬

‫اتفق العلماء على أن السنة الصحيحة الثابتة‪ ،‬التي صدرت عن رسول اهلل صلة اهلل عليه وسلم‬

‫بقص د التش ريع واالقت داء‪ ،‬حج ة على المس لمين ومص در تش ريعي لهم‪ ،‬م تى ثبتت بطري ق القط ع او‬

‫غلبة الظن‪.‬‬

‫‪-1‬أدلة من القرآن على حجية السنة‪:‬‬

‫قال تعالى‪:‬‬

‫‪..."-‬وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة وأطيعوا‪ :‬الرسول لعلكم ترحمون"النور(‪.)56‬‬

‫‪18‬‬
‫‪"-‬يا أيها الذين آمنواأطيعوا اهلل وأطيعوا الرسول وأولياألمر منكم‪"...‬النساء(‪.)59‬‬

‫‪"-‬ومن يطع الرسول فقد أطاع اهلل‪"...‬النساء(‪.)80‬‬

‫‪..."-‬وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"الحشر(‪.)7‬‬

‫هذه النصوص القرآنية‪-‬وغيرها كثير‪-‬برهان ودليل قاطع على حجية السنة‪ ،‬واعتبارها مصدرا من‬

‫مصادر التشريع اإلسالمي‪ ،‬وأن أحكام السنة تشريع إلهي‪ ،‬واجب اإلتباع‪.‬‬

‫‪-2‬أدلة من السنة على حجية السنة‪:‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم‪ :‬بهما‪:‬كتاب اهلل وسنتي)‪.‬‬

‫وقوله أيضا‪( :‬أال وإ ني أوتيت القرآن ومثله معه)‪.‬‬

‫وما رويعن معاذ بن جبل‪ ،‬أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن‪ ،‬قال له‪:‬‬

‫" كي‪::‬ف تص‪::‬نع ان ع‪::‬رض ل‪::‬ك قض‪::‬اء؟ق‪::‬ال‪:‬اقض‪::‬ي بم‪::‬ا في كت‪::‬اب اهلل‪ ،‬ق‪::‬ال‪:‬ف‪::‬إن لم يكن في كت‪::‬اب اهلل‪،‬‬

‫قال‪:‬فبسنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬قال‪:‬فإن لم يكن في سنة رسول اهلل؟قال‪:‬‬

‫اجتهد رأيي ال ألو‪،‬قال معاذ‪:‬فضرب رسول اهلل صدري ثم قال‪:‬الحمد هلل الذي وف‪::‬ق رسولرس‪::‬ول اهلل‬

‫لما يرضى اهلل ورسوله"‪.‬‬

‫‪-3‬إجماع الصحابة‪:‬‬

‫أجمع صحابة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم في حياته وبعد مماته على وجوب إتباع سنته‬

‫والعمل بها‪ ،‬وااللتزام بما ورد فيها من أحكام‪ ،‬وتنفيذ ما فيها من أوامر واالنتهاء عما فيها من نواه‪.‬‬

‫ج‪-‬مرتبة السنة في االحتجاج بها‪:‬‬

‫تأتي السنة النبوية –في االحتجاج بها‪-‬في المرتبة الثانية بعد القرآن الكريم‪ ،‬فالمفتي والمجتهد‬

‫يرجع إلىالكتاب أوال‪ ،‬ثم إلى السنة ثانيا‪ ،‬في كل ما يطرح من سؤال أو يقع من قضية‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫د‪-‬أقسام السنة‪:‬‬

‫‪-1‬من حيث ماهيتها‪:‬تنقسم إلى ما يلي‪ :‬سنة قولية‪ ،‬وفعلية‪ ،‬وتقريرية‪.‬‬

‫‪ -‬سنة قولية‪:‬وهي ما نقل عن الرسول ص لى اهلل عليه وسلم من قول على س بيل التشريع‪،‬مث ل (ال‬

‫ضرر وال ضرار) و(إنما األعمال بالنيات‪ ،‬وإ نما لكل امرئ ما نوى)‪.‬‬

‫‪ -‬سنة فعلية‪:‬كل ما فعله على سبيل التشريع‪ ،‬مثل‪ :‬كيفية أدائه لصالته‪ ،‬وأدائه مناسك الحج‪.‬‬

‫‪ -‬سنة تقريرية‪:‬هي استحس ان الن بي ص لى اهلل علي ه وس لم أو س كوته عن إنك ار ق ول أو فع ل ص در‬

‫عن الصحابة‪.‬‬

‫‪- 2‬من حيث سندها‪:‬وانقسم العلماء في ذلك إلى قسمين‪:‬‬

‫األول‪ :‬يمثله علماء الحديث وجمهور علماء األصول‪ ،‬ويقسمون السنة إلى‪:‬سنة متواترة وسنةآحاد‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬يمثله علماء الحنفيةزادوا السنة المشهورة‪.‬‬

‫‪-1‬السنة المتواترة‪:‬الت واتر لغ ة‪ ،‬التت ابع‪،‬وفي االص طالح‪:‬م ا رواه جم ع عن جم ع ي ؤمن‬

‫تواط ؤهم على الك ذب‪ ،‬أي ينقل ه عنرس ول اهلل ص لى اهلل عل ه وس لم ع دد كب ير من‬

‫الصحابة‪ ،‬ثم ينقله عنهم عدد من التابعين‪،‬وهكذا حتى يصل العلماء الذين قاموا بتدوين‬

‫السنة وتسجيلها في القرنيين الثاني والثالث الهجريين‪.‬‬

‫والس نة المت واترة تك ثر في الس نة العملي ة‪،‬وتق ل في الس نة القولي ة‪،‬والس نة المت واترة حج ة‬

‫كاملة وتفيد العلم اليقيني القطعي في صحتها وثبوتها عنرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫‪-2‬السنة المشهورة‪:‬وهي ما رواها عن النبي صلى اهلل عليه وسلم واحد أو اثنان‪ ،‬أي‬

‫ع دد ال يبل غ ح د الت واتر‪ ،‬ثم اش تهرت فنقله ا جم وع الت واتر في عص ر الت ابعين وت ابعي‬

‫‪20‬‬
‫التابعين‪ ،‬مثل ما رواه عمر ابن الخطاب عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪:‬‬

‫(إنما األعمال بالنيات وإ نما لكل امرئ ما نوى)‪.‬‬

‫‪-3‬سنة اآلحاد‪:‬وهي ما يرويها عن النبي صلى اهلل عليه وسلم عدد لم يبلغ حد التواتر‪،‬‬

‫ثم يرويها عنهم مثلهم وهكذا حتى تصل إلى عهد التدوين‪.‬‬

‫‪-3‬السنة من حيث هي تشريع وغير تشريع‪::‬‬

‫تنقسم السنة باعتبارها تشريعا أو غير تشريع إلى قسمين‪:‬‬

‫األول‪:‬ما صدر عن النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬باعتباره نبيا ومبلغا عن اهلل‪ ،‬فهذا يعتبر‬

‫تشريعا لألمة بال خالف‪.‬‬

‫الثاني‪:‬وال يعتبر تشريعا‪ ،‬وهي كاآلتي‪:‬‬

‫‪-1‬ما صدر عن الرسول عليه السالم من األقوالواألفعالوالتقريرات قبل البعثة‪.‬‬

‫‪-2‬م ا ص در عن ه بمقتض ى طبيعت ه البش رية‪ ،‬كاألك ل والش رب والن وم والمش ي‬

‫والتزاور‪...‬‬

‫‪-3‬ما صدر عنه بمقتضى الخبرة البشرية التي استقاها من تجاربه الخاصة في الحياة‪،‬‬

‫كالتجارة والزراعة وقيادة الجيش ووصف الدواء وغير ذلك‪.‬‬

‫‪-4‬ما كان خاصا بالنبي صلى اهلل عليه وسلم مثل وصاله في الصوم والتزويج بأكثر‬

‫من أرب ع زوج ات والتهج د باللي ل‪،‬واكتفائ ه في إثب ات ال دعوى بش هادة خزيم ة وح ده في‬

‫مجال إثبات الواقعة‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫و‪-‬قطعية السنة وظنيتها‪:‬‬

‫إن الس نة النبوي ة ق د تك ون ظني ة الثب وت والنس بة إلى الرس ول ص لى اهلل علي ه‬

‫وسلم‪،‬إذا كانت مشهورة أو كانت أحادية ‪،‬ثم هي بعد ذلك‪-‬سواء أكانت قطعية الثبوت أم‬

‫ظني ة الثب وت وال ورود‪-‬ق د تك ون قطعي ة الدالل ة على معناه ا‪،‬إذا لم تحتم ل مع نى‬

‫غيره‪،‬وقد تكون ظنية الداللةإذا احتملت معنى آخر‪،‬فقوله عليه الصالة والسالم‪( :‬اطعموا‬

‫الجدة السدس) ظني في ثبوته‪،‬ألنه حديث أحادي قطعي في داللته على أن فرض الج دة‬

‫الس دس‪،‬وقول ه علي ه الص الة والس الم (ال ص الة لمن لم يق رأ بفاتح ة الكت اب) ظ ني في‬

‫ثبوت ه لكون ه ح ديثا أحادي ا‪،‬وظ ني في داللت ه أيض ا الحتم ال توج ه النفي إلى ص حة‬

‫الص الة ‪،‬كم ا ق ال الش افعي أي ال ص الة ص حيحة أوتوجي ه إلى كم ال الص الة كم ا ق ال‬

‫اإلمامأبوحنيفة أي ال صالة كاملة‪.‬‬

‫ز‪-‬أنواع األحكام التي جاءت بها السنة‪:‬‬

‫‪-‬النوع األول‪ :‬أحكام موافقة ألحكام القرآن الكريم ومؤكدة لها‪:‬‬

‫مث ل ح ديث‪( :‬ال يح‪::‬ل م‪::‬ال ام‪::‬رئ مس‪::‬لم إال بطيب من نفس‪::‬ه)‪ ،‬فان ه مواف ق ومؤك د‬

‫لقول ه تع الى‪":‬يا أيها الذين آمن‪::‬وا ال ت‪::‬أكلواأموالكم بينكم بالباط‪::‬ل إالأن تك‪::‬ون تج‪::‬ارة عن‬

‫تراض منكم‪ ).‬النساء(‪ )29‬ومثله أيضا ما جاء في السنة من النهي عن عقوق الوالدين‬

‫وشهادة الزور وقتل النفس بغير حق ووجوب الصالة والزكاة والصوم والحج‪...‬‬

‫‪ -‬النوع الثاني‪ :‬أحكاممبينة‪ :‬لما جاء في القرآن‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫‪-1‬بتفصيل‪ :‬مجمله‪ :‬كالسنة العملية في كيفية الصالة ومناسك الحج‪.‬‬

‫‪-2‬بتخصيص‪ :‬عامة‪ :‬كح ديث‪(:‬نحن معاشر األنبياء‪ ،‬ال نورث‪ ،‬م‪::‬ا تركن‪::‬ا ص‪::‬دقة)‪ ،‬ال ذي‬

‫خصص عم وم قول ه تع الى‪":‬يوصيكم اهلل في أوالدكم للذكر مثل ح‪::‬ظ األنث‪::‬يين‪"...‬النس اء(‬

‫‪ )11‬وجعله غير شامل لألنبياء‪.‬‬

‫‪-3‬بتقييد‪ :‬مطلقه‪ :‬كحديث سعد بن أبي وقاص في الوصية التي قال فيها الرسول عليه‬

‫الص الة والس الم‪( :‬الثلث والثلث كث‪::‬ير)‪ ،‬فق د قي د مطل ق الوص ية في قول ه تع الى‪...":‬من‬

‫بعد وصية يوصي بها أو دين‪ "...‬النساء(‪ )12‬بعدم الزيادة على ثلث التركة‪.‬‬

‫‪-‬النوع الثالث‪ :‬أحكام جديدة لم يذكرها الق‪::‬رآن‪ ،‬ألن الس نة مس تقلة بتش ريع األحك ام‪،‬‬

‫وهي ك القرآن في ذل ك‪ ،‬وق د ثبت عن ه علي ه الص الة والس الم أن ه ق ال‪( :‬أال وإ ني أوتيت‬

‫الق‪::‬رآن ومثل‪::‬ه مع‪::‬ه)‪،‬ومن ه ذا الن وع‪ ،‬تح ريم ال ذهب والحري ر على الرج ل‪ ،‬وت وريث‬

‫الجدة‪ ...‬وغيره‪.‬‬

‫ثالثا‪:‬اإلجماع‬

‫وه و اتف اق جمي ع المجته دين من المس لمين في عص ر من العص ور‪ ،‬بع د وف اة‬

‫ة‪.‬‬ ‫ة معين‬ ‫رعي‪ ،‬في واقع‬ ‫لم على حكم ش‬ ‫ه وس‬ ‫لى اهلل علي‬ ‫ول ص‬ ‫الرس‬

‫ولإلجماعأركانوأنواع‪:‬‬

‫‪23‬‬
‫أ‪-‬أركانه‪:‬‬

‫ال ينعقد االجماع شرعا إال بتحقيق أربعة أركان‪:‬‬

‫‪/1‬أن يعاص ر الحادث ة ع دد من المجته دين العلم اء‪ ،‬ألن االتف اق ال يتص ور إال في ع دة‬

‫آراء متوافقة‪.‬‬

‫‪/2‬أن يتفق جميع المجتهدين من المسلمين على الحكم الشرعي في الواقعة وقت وقوعها‬

‫بصرف النظر عن أوطانهم أو طوائفهم‪.‬‬

‫‪/3‬أن يب دي ك ل واح د منهم رأي ه ص ريحا في الواقع ة‪ ،‬ويك ون موافق ا آلراء العلم اء‬

‫المجتهدين في كافة األقطار اإلسالمية في ذلك العصر‪.‬‬

‫‪/4‬أن يتحق ق االتف اق من جمي ع المجته دين على الحكم‪ ،‬فال ينعق د اإلجم اع باتف اق أك ثر‬

‫المجته دين مهم ا ق ل ع دد المخ الفين وكثرع دد المتفقين‪ ،‬ألن ه م ا دام ق د وج د االختالف‪،‬‬

‫فقد وجد احتمال الصواب في جانب واحتمال الخطأ في جانب آخر‪.‬‬

‫ب‪:‬أنواعه‪:‬‬

‫اإلجماع نوعان‪:‬اإلجماع الصريح‪ ،‬واإلجماع السكوتي‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪/1‬اإلجماع الصريح‪:‬وه و أن يتف ق مجته دوا العص ر على حكم واقع ة‪ ،‬بإب داءرأيهمبفتوى‬

‫أو قضاء‪.‬‬

‫‪/2‬اإلجماع الس‪::‬كوتي‪:‬وه و أن يب دي مجته دو العص ر رأيهم ص راحة في الواقع ة بقض اء‬

‫أو فتوى‪،‬ويسكت عنإبداء الرأي فيها‪.‬‬

‫أما الن‪::‬وع األول‪ ،‬وه و اإلجم اع الص ريح‪ ،‬فه و اإلجماع الحقيقي‪،‬وه و حج ة ش رعية في‬

‫م ذهب الجمه ور‪،‬أي جمهورالعلم اء‪.‬أم ا الن‪::‬وع الث‪::‬اني‪ ،‬وه و اإلجم اع الس كوتي‪ ،‬فه و‬

‫إجماع اعتباري‪ ،‬ألن الساكت ال يجزم بأنه موافق طبقا للقاعدة الفقهية‪":‬ال ينسب لس‪::‬اكت‬

‫قول"وق د أجم ع الجمه ور على أن ه ليس حج ة‪ ،‬فه و ال يخ رج عن ق ول بعض المجته دين‬

‫لرأيهم‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬القياس‬

‫القياس في االصطالح‪ ،‬هوإ لحاق حكم واقعة ال نص على حكمها بحكم واقعة ورد‬

‫حكمها في النص‪ ،‬لتشابه الواقعتين في العلة‪.‬‬

‫أ‪-‬أمثلة عملية عن القياس‪:‬‬

‫من أمثلة القياس‪:‬‬

‫‪-1‬تحريم شرب النبيذ قياسا على تحريم شرب الخمر التحاد العلة‪،‬التي هي السكر‪،‬وهذا‬

‫التحريم دل عليه قوله تعالى‪":‬يا أيها الذين آمنوا إنما الخم‪::‬ر والميس‪::‬ر واألنص‪::‬ابواألزالم‬

‫رجس من عمل الشيطان‪ ،‬فاجتنبوه لعلكم تفلحون"‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪-2‬حرمانالموص ى ل ه‪،‬ال ذي يقت ل الموص ي‪ ،‬من اس تحقاق الوص ية‪ ،‬قياس ا على حرم ان‬

‫القاتل من الميراث‪،‬ألن قتل الوارث لمورثه واقعة ثبت بالنص حكمها‪،‬وهو منع القاتل‬

‫من اإلرث لقول ه ص لى اهلل علي ه وس لم ‪ (:‬ال ي‪::‬رث القات‪::‬ل)‪ ،‬بعل ة أن قتل ه في ه اس تعجال‬

‫الش يء قب ل أوان ه فيع اقب بحرمان ه‪،‬وعلى مث ل ذل ك يق اس‪ ،‬فيحرمالموص ى ل ه من‬

‫استحقاق الوصية‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فإن القياس هو المصدر التشريعي الذي يساير الوقائع المتجددة ويكشف‬

‫حكم الشريعة ويوفق بين التشريع والمصالح‪.‬‬

‫ب‪-‬أركان القياس‪:‬‬

‫يقوم القياس على أربعة أركان هي‪:‬األصل‪ ،‬والفرع‪ ،‬حكم األصل‪ ،‬والعلة‪.‬‬

‫‪-1‬األصل‪:‬وهو ما ورد بحكمه نص‪،‬ويسمى بالمقيس عليه‪.‬‬

‫‪-2‬الفرع‪:‬وهو ما لم يرد بحكمة نص ويراد تسويته بحكم األصل‪ ،‬ويسمى المقيس‪.‬‬

‫‪-3‬حكم األصل‪:‬وهو الحكم الشرعي الذي ورد به النص في األصل ويراد به أن يكون‬

‫حكما للفرع‪.‬‬

‫‪-4‬العل‪::‬ة‪:‬وهي الوص ف ال ذي ب ني علي ه حكم األص ل‪ ،‬وبن اء على وج وده في الف رع‪،‬‬

‫يسوىاألصل في حكمه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المصادر المختلف فيها‪.‬‬

‫وهي مصادر احتياطية‪ ،‬نقتصر منها على‪:‬االستحسان والمصالح المرسلةوالعرف‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫أوال‪ :‬االستحسان‪:‬‬

‫االستحسان اصطالحا‪ ،‬هو عدول المجتهد عن قياس وضحت علته‪،‬إلى قياس خفيت علته‬

‫استحسانا منه‪،‬دفعا لمفسدة‪ ،‬أو جلبا لمصلحة‪،‬أو اتقاء فتنة أو حرج‪.‬‬

‫ف إذارأى المجته د أن القي اس في مس ألة م ا ينتج عن ه ح رج أو ض يق على‬

‫العب اد‪،‬كتف ويت مص لحة أو إح داث مفس دة ديني ة أو دنيوي ة ظ اهرة‪،‬فان ه يع دل عن ذل ك‬

‫القياس إلى دليل شرعيآخر استحسانا لذلك الحكم‪.‬‬

‫ومثاله‪:‬تنص القاعدة الفقهية على أنه ال يجوز بيع المعدوم‪ ،‬إال أنه أجيزاالستصناع من‬

‫ب اب االستحس ان‪،‬ك أن تتعاق د م ع نج ار على أن يص نع ل ك أثاث ا‪،‬فالش يء المتعاق د علي ه‬

‫معدوم وقت العقد‪،‬فكان القياس هو بطالن هذا العقد‪،‬إال أنه أجيز استحسانا‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المصالح المرسلة‪:‬‬

‫يقص د بالمص الح المرس لة‪ ،‬ك ل م ا في ه مص لحة للعب اد ب دون تقيي د‪ ،‬فهي مص لحة‬

‫مطلقة‪ ،‬فيها نفع للناس‪ ،‬أو دفع ضرر عنهم‪ ،‬غير أنه لم يرد بشأنها نص شرعي يحلها‬

‫أو يحرمها‪ ،‬فهي مرسلة ومطلقة تختلف باختالف متطلبات كل زمان ومكان‪.‬‬

‫وس وف نض رب أمثل ة عملي ة عن المص الح المرس لة‪ ،‬ون بين ش روط األخ ذ به ذا‬

‫المصدر الشرعي فيما يلي‪:‬‬

‫أ‪-‬أمثلة عن المصالح المرسلة‪:‬‬

‫‪27‬‬
‫من أبرز األمثلة الواقعية على األخذ بالمصالح المرسلة‪:‬‬

‫‪-1‬المصلحة التي من أجلها أمر عمر بن الخطاب‪ ،‬رضي اهلل عنه‪ ،‬بإبقاء أرض السواد‬

‫في أيدي أهلها ووضع الخراج عنها‪ ،‬بعد فتح تلك البالد من طرف الجيش اإلسالمي‪.‬‬

‫‪-2‬والمصلحة التيمن أجلها أمر الخليفة عثمان بن عفان‪ ،‬رضي اهلل عنه‪،‬بصناعة األسطول البحري‬

‫اإلسالمي لمجابهة خطر الروم على بالد المسلمين من جهة البحر‪.‬‬

‫‪-3‬والمصلحة التي من أجلها أمر الخليفة عثمان بن عفان‪ ،‬رضي اهلل عنه بجمع القرآن في مص حف‬

‫واحد‪ ،‬وأمر بتوزيعه موحدا على كافة األقطاراإلسالمية‪.‬‬

‫‪-4‬والمصلحة التي شرع ألجلهااإلمام علي رضي اهلل عنه السجون‪.‬‬

‫‪-5‬والمص لحة ال تي من اجله ا أم ر الخليف ة األم وي عب د المال ك بن م روان بض رب النق ود أي ص ك‬

‫العملة تحريرا القتصاد الدولة من ربقة العملة األجنبية للفرس والروم‪.‬‬

‫وغيرها من المصالح في كل زمان ومكان‪...‬‬

‫ب‪-‬شروط األخذ بالمصالح المرسلة‪:‬‬

‫شروط األخذ بالمصالح المرسلة أربعة‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ :1‬أن تكون هناك مصلحة لألمة في األخذ بها كرفع حرج أو جلب منفعة راجحة‪.‬‬

‫‪ :2‬أن تك ون ه ذه المص لحة مرس لة أي مطلق ة‪ ،‬فال يوج د حكم ث ابت ب النص أو اإلجم اع أو القي اس‬

‫يحلها أو يحرمها‪.‬‬

‫‪ :3‬أن تكون هذه المصلحة معقولة يقبلها العقل والمنطق‪.‬‬

‫‪ :4‬أال تتعارض تلك المصلحة مع مقاصد الشريعة‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫ثالثا‪:‬العرف‬

‫ويقصد بالعرف ما تعارف عليه الناس من عادات وتقاليد واستقامت عليه أمورهم‪.‬‬

‫وللعرف أهميته وشروطه كمصدر احتياطي للتشريع نتناولها فيما يلي‪:‬‬

‫أ‪-‬أهمية العرف‪:‬‬

‫ان األخ ذ ب العرف كمص دراحتياطي‪ ،‬يس تمد دليل ه من الح ديث الش ريف ‪(:‬م‪::‬ا رآه المس‪::‬لمون‬

‫حسنا فهو عند اهلل حسنا) رواه مسلم‪.‬‬

‫وق د ج اءت الش ريعة اإلس المية رحم ة للعب اد وموافق ة لفط رة الن اس ال تي فط رهم اهلل‬

‫عليه ا‪،‬ف أقرت الكث ير من األعرافالس ائدة بين الع رب‪،‬وه ذبت بعض ها ونهت عن بعض ها‪،‬كم ا ج اءت‬

‫بأحكام جديدة الستيعاب حاجات ومصالح العباد ورفع الحرج عنهم‪،‬فالشريعة اإلسالمية تقر الحسن‬

‫من العادات وتحرم القبيح الفاسد منها‪،‬وتبرز أهمية العرف كمصدرللتشريع‪ ،‬خاصة لدى الشعوب‬

‫التي ال شريعة لها وال كتاب منزل‪.‬‬

‫ب‪-‬شروط األخذ بالعرف‪:‬‬

‫يشترط في األخذ بالعرف ثالث شروط هي‪:‬‬

‫‪-1‬أن تكون هناك عادة معروفة بين الناس منذ أمد طويل وقد رضوا بها وخضعوا لحكمها طوعا‬

‫دون إكراه وال استنكار‪.‬‬

‫‪-2‬ان يكون العرف حسنا‪ ،‬فيه مصلحة للعباد‪ ،‬فال يعتد باألعراف الفاسدة‬

‫‪-3‬أال يخالف العرف أحكام الشريعة كأن يحل حراما أو يحرم حالال أو يبطل واجبا أو يحول دون‬

‫إحياء سنة حسنة فيها خير للعباد‪.‬‬

‫المحور الخامس‬

‫‪29‬‬
‫القواعد الفقهية‬

‫وهي قواعد تشريعية مأخوذة مناستقراء النصوص والوقائع الشرعية مثل‪:‬‬

‫ال ض رر وال ض رار‪،‬المش قة تجلب التس يير‪،‬درأ المفاس د يق دم على جلب المص الح‪...‬إلى غ ير ذل ك‪،‬‬

‫مم ا ه و منش ور في كتب الفق ه‪،‬ومجم وع في كتب القواع د واألش باه والنظ ائر‪،‬وق د اخترن ا منه ا ه ذه‬

‫المجموعة من القواعد الفقهية‪:‬‬

‫‪-1‬الجهل باألحكام الشرعية ليس عذرا‬

‫هذه القاعدةاألصولية تمنع التمسك بالجهل باألحكام‪ ،‬وهي قاعدة شرعية معمول بها في الفقه‬

‫الحديث تحت اسم(ال يعذر أحد لجهله بالقانون)‪.‬‬

‫‪-2‬االستثناء ال يقاس عليه وال يتوسع في تفسيره‪:‬‬

‫فبالتالي فإنه ال يجوز القياس عليه‪ ،‬كما أنه تفريعا على ذلك فإنه ال يجوز التوسع في تفسيره‬

‫وإ نما يتم ذلك في حدود الضرورة التي دعت لهذا االستثناء‪.‬‬

‫ه ذه القاع دة تق رر أص ال عام ا من أص ول القواع د التفس يرية مف اده ع دم ج واز القي اس على‬

‫االس تثناء‪،‬والقي اس ه و إثب ات حكم للف رع حكم األص ل بن اء على وج ود مماثل ة في العل ة بين المقيس‬

‫والمقيس عليه‪،‬أو بين المشبه والمشبه به‪،‬ويتبين من ذلك أن القياس يكون على أصل‪.‬‬

‫‪-3‬ما ثبت بنص آمر يقدم على ما وجب بالشرط‪:‬‬

‫ومثال ذلك أن تشرط المرأة على زوجها أن يدفع لها تعويضا إذا أراد أن يرجعها بعد طالق‬

‫رجعي‪ ،‬ثم وقع الطالق الرجعي وأراد رجعتها فان ذلك له‪ ،‬بدون أن يدفع لها تعويضا‪ ،‬ألن الرجعة‬

‫أمر ثابت بنص‪،‬وشرط التعويض ال عبرة به‪.‬‬

‫‪-4‬ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب‪:‬‬

‫‪30‬‬
‫ومثال ذلك الطهارة بالنسبة للصالة ال تصح إال بها فهي إذن واجبة والتوبة ال يتوصل إليهاإال‬

‫بمعرف ة ال ذنوب‪،‬إذن فمعرف ة ال ذنوب إذن واجب ة وفهم الكت اب والس نة ف رض لكن ه ذا الفهم ال يمكن‬

‫إالبمعرفة اللغة العربية فتعلمها إذن واجب‪.‬‬

‫‪-5‬الحكم‪ :‬يدور مع علته وجودا وعدما‪:‬‬

‫وهي قاعدة أصولية مبناها مرتبط بعلته‪،‬فمتى وجدت العلة وجد الحكم‪،‬بصرف النظر عن أي‬

‫اعتبار‪ ،‬فال يجوز بناء الحكم على الحكمة ولو تخلفت العلة‪-‬كما أن الحكم يتحقق بتحقيق العلة وأن‬

‫تخلفت الحكمة‪،‬فالسفر يبيح اإلفطار فيرمضان‪،‬والحكمة منع اإلرهاق عن المسافر‪،‬والعلةفي اإلفطار‬

‫السفر‪،‬وبالتالي إذا تحقق السفر‪ ،‬وهو العلة‪،‬أبيحاإلفطار وهو الحكم‪ ،‬ولو لم تتحقق الحكمة‪،‬أي ولو‬

‫كان في صوم المسافر عدم إرهاق له‪.‬‬

‫‪-6‬اليقين ال يزول بالشك‪:‬‬

‫فال يرتفع اليقين القوي بالشك الضعيف‪،‬أما اليقين فيزول باليقين اآلخر‪،‬وهذه القاعدة مأخوذة‬

‫منقاع دة (م ا ثبت بيقين ال ي ترفع بالش ك وم ا ثبت بيقين ال يرتف ع إال بيقين) والمقص ود بالش ك هن ا‬

‫(الشك الطارئ) بعد حصول اليقين في األمر‪.‬‬

‫ومثال ذلك‪:‬إذا سافر رجل إلى بالد بعيدة فانقطعت أخباره مدة طويلة‪،‬فانقطاع أخباره يجعل‬

‫شكا في حياته‪،‬أال أن ذلك الشك ال يزيل وهو حياته المتبقية قبال‪،‬وعلى ذلك فال يجوز الحكم بموته‬

‫وليس لورثته اقتسام تركته ما لم يثبت موته يقينا‪،‬وبالعكس إذا سافر آخر بسفينته وثبت غرقها فيحكم‬

‫بموت الرجل ألن موته ظن غالب والظن الغالب بمنزلة اليقين‪.‬‬

‫مث ال آخ ر‪:‬ل و اق ر ش خص بمبل غ آلخ ر ق ائال (أظن أن ه يوج د ل ك ب ذمتي ك ذا) ف إقراره ه ذا ال‬

‫ي ترتب علي ه حكم‪ ،‬إذن ف إن إق راره لم ينش أ من ه عن يقين ب ل عن ش ك وظن‪،‬وه ذا ال يزي ل اليقين‬

‫ببراءة ذمة المقر‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪-7‬األصل بقاء ما كان على ما كان‪:‬‬

‫وه ذا األص ل يس مى االستص حاب وه و اعتب ار الحال ة الثابت ة في وقت م ا مس تمرة في س ائر‬

‫األوقات حتى يثبت انقطاعها أوتبدلها‪.‬‬

‫فلو أدعى المقترض دفع الدين إلى المقرض أو أدعى المشتري دفع الثمن إلى البائع أو أدعى‬

‫المستأجر دفع األجرإ لى المؤجر أو البائع كان القول لهؤالء المنكرين مع اليمين‪،‬أي أن هذه الديون‬

‫تعتبر باقية في ذمة الملتزمين بها ما لم يثبتوا الدفع‪،‬ألنها كانت مستحقة عليهم بيقين ‪،‬فاألصل بقاؤها‬

‫في ذممهم حتى يثبت سقوطها وإ مامهم تحليف الدائنين اليمين على دم القبض فإذا حلفوا قضى لهم‪.‬‬

‫‪-8‬األصل براءة الذمة‪:‬‬

‫وأس اس ه ذه القاع دة أن الم رء يول د خالي ا من ك ل دين أو ال تزام أو مس ؤولية وك ل ش غل لذمت ه من‬

‫الحقوق إنما يطرأ ألسباب عارضة بعد الوالدة واألصل في األمور العارضة العدم‪،‬فمن أدعى إلى‬

‫غيره التزاما بدين أو عمل أيا كان سببه من عقد أوإ تالف أو أي سبب من أسباب الضمان فعليه هو‬

‫اإلثباتإذاأنكر الخصم ألن هذا الخصم يتمسك بحالة أصلية هي براءة الذمة فيكون ظاهر الحال شاهدا‬

‫له ما لم يثبت خالفه‪.‬‬

‫‪-9‬ال مساغ لالجتهاد في مورد النص‪:‬‬

‫وتع ني أن م ا ك ان معن اه واض حا كقول ه تع الى‪":‬أح‪::‬ل اهلل ال‪::‬بيع وح‪::‬رم الربا" ال يس وغ الحكم‬

‫بخالفه بحمله على معنى آخر‪.‬‬

‫فلو قضى القاضي بجواز بيع متروك التسمية وحل أكله ال ينفذ مع جواز بيعه عند الشافعي‬

‫رحم ه اهلل تع الى‪ ،‬لمخالفت ه قول ه تع الى‪":‬وال ت‪::‬أكلوا مم‪::‬ا لم ي‪::‬ذكر اس‪::‬م اهلل عليه" وألن ص حة القي اس‬

‫واالجتهاد بشروط النص في الفرع وحينئذ إن وافقه القياس فيها‪،‬وإ ن خالفه رد‪.‬‬

‫‪-10‬المشقة تجلب التسيير‪:‬‬

‫‪32‬‬
‫وتعني أن الصعوبة تصير سببا للتسهيل ويلزم التوسيع في وقت المضايقة ويتفرع على هذا‬

‫األص ل كث ير من األحك ام الفقهي ة ك القرض‪،‬الحوال ة‪،‬وغ ير ذل ك وم ا ج وزه الفقه اء من ال رخص‬

‫والتخفيضات في األحكام الشرعية مستنبط من هذه القاعدة‪.‬‬

‫‪-11‬ال ضرر وال ضرار‪:‬‬

‫فالضرر مفسده بالغير‪،‬والضرار مقابلة الضرر بالضرر‪.‬‬

‫وهذه القاعدة نص حديث نبوي شريف‪ ،‬وهي من أركان الشريعة‪ ،‬وتشهد لها نصوص كثيرة وهي‬

‫أس اس لمن ع الفع ل الض ار‪ ،‬وت رتب نتائجه افي التع ويض الم الي والعقوب ة‪ ،‬كم ا أن ه س ند مب دأ‬

‫االستصالح في جلب المصالح ودرء المفاسد‪.‬‬

‫ونص ها ي وجب من ع الض رر مطلق ا‪ ،‬عام ا أو خاص ا‪ ،‬كم ا يش مل دفع ه قب ل الوق وع ب الطرق‬

‫الممكنة‪ ،‬وبعد الوقوع بإزالة آثاره ومنع تكراره‪.‬‬

‫والمقصود بمنع الضرر‪ ،‬نفي فكرة الثأر المحض الذي يزيد في الضرر وال يفيد سوى توسيع‬

‫دائرته‪ ،‬فمن اتلف غيره ماله‪ ،‬ليس له إتالف مال الغير‪.‬‬

‫‪-12‬الضرر يزال‪:‬‬

‫وهي تع بر عن وج وب رف ع الض رر وترميمآث اره بع د الوق وع‪ ،‬ك التزام من يض ر ب ه ش يئا‬

‫المارين بالطريق بإزالتهأوإ لزام المتلف عوض ما أتلفه‪.‬‬

‫وقد شرعت كثير من الخيارات في العقود إلزالةاألضرار الواقعة على أحد المتعاقدين‪ ،‬كخيار‬

‫العيب وخيار الغبن بالتغرير وخيار تفرق الصفقة‪.‬‬

‫‪-13‬الضرورات تبيح المحظورات‪:‬‬

‫‪33‬‬
‫وتع ني إذا ن زل باإلنس ان احتي اج ملجئ‪ ،‬ك الجوع المميت يب اح ل ه أكاللميت ةواألكل من م ال‬

‫أجنبي بغير رضاه ونحو ذلك‪ ،‬من الممنوعات وقت الرخاء والسعة واالختيار‪.‬‬

‫ومن ثم ج از أكاللميت ة عن د المخمص ة‪ ،‬واس اغة اللقم ة ب الخمر‪ ،‬والتلف ظ بكلم ة الكف ر‬

‫لإلك راه‪،‬وك ذا إتالف الم ال وأخ ذ م ال الممتن ع األداء عن اليمين بغ ير إذن ه‪ ،‬ودف ع الص ائل ول و‬

‫أدىإلىقتله‪ ،‬والصائل هو الحيوان الهائج المندفع لألضرار بالناس والمال‪.‬‬

‫‪-14‬الضرورات تقدر بقدرها‪:‬‬

‫وتع ني‪ ،‬أن م ا أبيح لض رورة إنم ا تك ون إباحت ه على ق در إزال ة الض رورة‪ ،‬فال تب اح الزي ادة‬

‫على ذلك‪ ،‬بل يجب االقتصار على ما يبقى الرمق ويكون سدادا من عوز‪ ،‬ومن فروعه‪ ،‬المضطر‬

‫ال يأكل من الميتة إال قدر سد الرمق‪ ،‬والطعام في دار الحرب يؤخذ على سبيل الحاجة‪ ،‬ألنه إنما‬

‫أبيح للضرورة‪.‬‬

‫‪-15‬درء المفاسد أولى من جلب المنافع‪:‬‬

‫وس ببها أن للمفاس د س ريانا وتوس عا كالوب اء والحري ق‪ ،‬فمن الحكم ة والح زم القض اء عليه ا في‬

‫مه دها ول و ت رتب على ذل ك حرم ان من من افع أو تأخيره ا‪ ،‬ومن ثم ح رص الش ارع على من ع‬

‫المنهيات أقوى من حرصه على تحقيق المأمورات‪.‬‬

‫وقد روي عن رسول اهلل ص لى اهلل علي ه وس لم أن ه ق ال‪( :‬ما نهيتكم عنه فاجتبوه وما أم‪:‬رتكم‬

‫به فأتوا منه ما استطعتم)‪.‬‬

‫وعلى ه ذا يجب ش رعا من ع التج ارة بالمحرم ات‪ ،‬من خم ر ومخ درات‪ ،‬ول و أن فيه ا أرباح ا‬

‫ومنافع اقتصادية‪.‬‬

‫‪-16‬العبرة للغالب الشائع ال للنادر‪:‬‬

‫‪34‬‬
‫والشائع هو األمر الذي يصبح معلوما للناس وذائعا بينهم‪،‬وما الى ذلك‪،‬كالحكم بموت المفقود‬

‫لمرور تسعين سنة من عمره‪،‬مستندا على الشائع الغالب بين الناس‪ ،‬من أن اإلنسان ال يعيش أكثر‬

‫من تسعين عاما‪ ،‬على أن البعض قد يعيش أكثر من ذلك إال أنه نادر‪ ،‬والنادر ال حكم له‪ ،‬بل يحكم‬

‫بموته على العرف الشائع‪ ،‬وتقسم أمواله بين ورثته‪.‬‬

‫‪-17‬المعروف عرفا كالمشروط شرطا‪:‬‬

‫وفي الكتب الفقهي ة عب ارات أخرىله ذه القاع دة مث ل (الث ابت ب العرف كالث ابت ب دليل ش رعي)‬

‫و(المع روف عرف ا كالمش روط ش رطا) و(الث ابت ب العرف كالث ابت ب النص) و(المع روف ب العرف‬

‫كالمشروط باللفظ) ومن أمثلتهاإذا اتفق شخص مع أجير ولم يتفق على األجر‪،‬دفع له أجرة المثل‪،‬‬

‫عمال بالعرف والعادة‪،‬وكمن ينام في فندق يدفع أجرته المتعارف عليها‪ ،‬وإ ذا اشترى قصاب بقرة فال‬

‫يجوز له ردها على أنها غير حلوب‪ ،‬ألنه من المعروف انه يشتري للذبح‪.‬‬

‫‪-18‬الجواز الشرعي ينافي الضمان‪:‬‬

‫فمثال‪ ،‬لو حفر إنسان في ملكه بئرا‪ ،‬فوقع فيه حيوان او رجل‪ ،‬وهلك‪ ،‬ال يضمن حافر البئر‬

‫شيئا‪ ،‬فإن حفر بئرا في ملكه لم يضمن‪ ،‬وكذا إذا حفر في فناء داره‪ ،‬وقيل هذا إذا كان الفناء مملوكا‬

‫ل ه‪ ،‬أو ك ان ل ه ح ق الحف ر في ه‪ ،‬أم ا إذا ك ان لجماع ة المس لمين أو مش اركا‪ ،‬ب أن ك ان في س كة غ ير‬

‫نافذة‪ ،‬يضمن‪.‬‬

‫‪-19‬البينة على المدعي واليمين على من أنكر‪:‬‬

‫وتعني حيث أن األصل براءة الذمة يكون المنكر متمسكا باألصل فيقبل قوله مع يمينه‪،‬أي دائما ألنها‬

‫تك ون من ج انب الم دعى علي ه‪ ،‬وه و منك ر‪ ،‬وم ا يك ون من ج انب المنك ر يك ون على النفي‪،‬‬

‫‪35‬‬
‫ف اليمينيكون على النفي‪ ،‬روى ابن عب اس رض ي اهلل عن ه‪ ،‬عنهص لى اهلل علي ه وس لم‪ ،‬أن ه ق ال‪:‬‬

‫" ‪...‬البينة على المدعي واليمين على من أنكر"‪.‬‬

‫‪-20‬من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه‪:‬‬

‫وتعني‪ ،‬لو قتل إنسان وارثه مثال‪ ،‬يحرم من ارثه‪ ،‬كمن قطف ثمرة بستانه قبل صالحيتها يحرم من‬

‫االنتف اع به ا في أوان قطافه ا‪،‬وأمثل ة ذل ك كث يرة ال تحص ى (ومن اس تعجل الش يء قب ل أوان ه ع وقب‬

‫بحرمان ه) ومن فروعه ا‪ :‬حرم ان القات ل مورث ه من اإلرث (ومن فروعه ا)‪ ،‬ل و طلقه ا بال رض اها‬

‫قاصدا حرمانها من اإلرث في مرض موته فإنها ترثه‪.).‬‬

‫تم بحمد اهلل وتوفيقه‪.‬‬

‫قائمة المراجع‪:‬‬

‫أهم المراجع المعتمد عليها‪:‬‬

‫‪-1‬د‪.‬محمد مصطفى شلبي‪،‬المدخل في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ط‪ ،10‬الدار الجامعية‪ ،‬بيروت‪.1985 ،‬‬
‫‪36‬‬
‫‪-2‬د‪.‬مص طفى الس باعي‪،‬الس نة ومكانته ا في التشريعاإلس المي‪ ،‬ط‪ ،4‬المكتب اإلس المي‪ ،‬ب يروت‪،‬‬

‫‪.1985‬‬

‫‪-3‬د‪.‬مصطفى احمد الزرقاء‪ ،‬شرح القواعد الفقهية‪ ،‬ط‪ ،10‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪.2012 ،‬‬

‫‪-4‬د‪.‬محمود الشربيني‪،‬القضاء في اإلسالم‪ ،‬ط‪ ،2‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪.2005،‬‬

‫‪-5‬د‪.‬يوسف القرضاوي‪،‬شريعة اإلسالم‪،‬خلودها‪،‬صالحها للتطبيق في كل زمان ومكان‪.‬‬

‫‪-6‬د‪.‬محم ود حم دي زق زوق‪،‬مقاص د الش ريعة اإلس المية وض رورات التجدي د‪ ،‬ط‪ ،2‬المجلس األعلى‬

‫للشؤون اإلسالمية‪ ،‬العدد‪ ،‬القاهرة‪.2007 ،‬‬

‫‪-7‬د‪.‬عبد العزيز الخياط‪،‬المجتمع المتكافل في اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.1972 ،‬‬

‫مالحظة هامة‬
‫‪37‬‬
‫هذه المطبوعة تحتوي على آيات قرآنية‪،‬وأحاديث نبوية شريفة‬

‫ينبغي صيانتها وحفظها‪:.‬‬

‫‪38‬‬

You might also like