You are on page 1of 102

‫بسـ اهلل الرحمف الرحيـ‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫الحمد هلل كحده‪ ،‬كالصالة كالسالـ عمى مكالنا رسكؿ اهلل‪ ،‬كعمى آلو كصحبو كمف اتبع‬
‫ىداه إلى يكـ الديف‪.‬‬

‫ك بعد ‪:‬‬

‫فقد اقتضت العادة‪ ،‬في كمية الشريعة (بجامعة سيدم محمػد بف عبد اهلل بفاس)‪ ،‬كبعد‬
‫ممارسة حية استمرت عدة سنيف‪ ،‬تقديـ مداخؿ لطالب الفصؿ األكؿ كالتي مف بينيا‪ :‬مدخؿ‬
‫لدراسة الشريعة لتسميط الضكء عمى معالـ ىذه الشريعة كخصائصيا‪ ،‬كمقاصدىا كمصادرىا‪،‬‬
‫كأطكار التشريع اإلسالمي كمراحمو‪ ،‬ك بياف تميز الشريعة اإلسالمية عف غيرىا مف الشرائع‬
‫السماكية‪ ،‬كالكقكؼ عمى جكانب المركنة فييا‪ ،‬مما جعميا أىال لمخمكد بحؽ‪ ،‬كلمصالحية لكؿ‬
‫زماف كمكاف‪ ،‬كما شيد بذلؾ منطؽ الكحي‪ ،‬كمنطؽ التاريخ‪ ،‬كمنطؽ الكاقع‪ ،‬كالمنصفكف ليذا‬
‫الديف‪ ،‬مف أنحاء العالـ‪.‬‬

‫كنرجك مف اهلل العمي القدير أف يجد طالب العمـ في ىذا المدخؿ ما ييميـ معرفتو‬
‫عف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬كأف يحقؽ ما أراده المنيج مف أىداؼ التي يتنادل العالـ اإلسالمي‬
‫مف مشرقو إلى مغربو‪ ،‬بضركرة االحتكاـ إلى الشريعة اإلسالمية في كؿ جكانب الحياة‪ ،‬كىك‬
‫ما نأمؿ أف يتحقؽ في كاقعنا الحالي عمى ىدل كبصيرة إف شاء اهلل‪.‬‬

‫كيتضمف ىذا المدخؿ مقدمة كتمييدا كثالثة فصكؿ كخاتمة كفيارس عممية‪.‬‬

‫خصصت التمييد لمتعريؼ بالشريعة كالفرؽ بينيا كبيف الفقو كالقانكف‪.‬‬

‫كتحدثت في الفصؿ األكؿ عف مكانة الشريعة كمقاصدىا كأسسيا مف خالؿ مباحث‬


‫ثالثة‪.‬‬

‫كتناكلت في الفصؿ الثاني خصائص الشريعة كنطاقيا كمصادرىا مف خالؿ مباحث‬


‫ثالثة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫كخصصت الفصؿ الثالث لمحديث عف أطكار التشريع اإلسالمي مف خالؿ مباحث‬
‫ستة‪.‬‬

‫أما الخاتمة فضمنتيا بعض النتائج كالخالصات التي تكصمت إلييا‪.‬‬

‫كذيمت البحث بفيرس خاص بالمصادر كالمراجع المعتمدة‪ ،‬كفيرس خاص‬


‫بالمكضكعات‪.‬‬

‫كعمى اهلل قصد السبيؿ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫تمييد ‪:‬‬

‫‪ ‬تعريؼ الشريعة‪:‬‬

‫الشريعة لغة‪ :‬مشتقة مف شرع الشيء‪ ،‬بمعنى بينو كأكضحو‪ ،‬أك ىك مف الشرعة‬
‫كالشريعة‪ ،‬بمعنى المكضع الذم يكصؿ منو إلى ماء معيف ال انقطاع لو‪ ،‬كال يحتاج كارده أك‬
‫شاربو إلى آلة‪.‬‬

‫كمادة ‪" :‬شرع" كردت خمس مرات في القرآف‪ ،‬جاءت في صيغة فعؿ ماضي في قكلو‬
‫تعالى ‪ ( :‬شرع لكـ مف الديف ما كصى بو نكحا كالذم أكحينا إليؾ كما كصينا بو إبراىيـ‬
‫كمكسى كعيسى أف أقيمكا الديف كال تتفرقكا فيو)‪.1‬‬

‫كما شرعو اهلل ىنا يتعمؽ باألصكؿ ال بالفركع كبالعقائد ال باألعماؿ كىذا ما اتفقت‬
‫عميو كؿ الرساالت اإلليية‪ ،‬مف عيد سيدنا نكح عميو السالـ إلى عيد سيدنا محمد خاتـ‬
‫النبييف‪.‬‬

‫كجاءت مادة شرع في ذـ المشركيف ؛ ألنيـ أعطكا ألنفسيـ حؽ التشريع في الديف‪،‬‬


‫كلـ يأذف اهلل ليـ بو‪ .‬قاؿ تعالى ‪ ( :‬أـ ليـ شركاء شرعكا ليـ مف الديف ما لـ يأذف بو‬
‫اهلل)‪.2‬‬

‫كىذا كمو في القرآف المكي‪ ،‬كفي القرآف المدني‪ ،‬جاء قكلو تعالى في سكرة المائدة‪:‬‬
‫(لكؿ جعمنا منكـ شرعة كمنياجا)‪.3‬‬

‫كجاءت بمعنى الطريقة في قكلو تعالى ‪ ( :‬ثـ جعمناؾ عمى شريعة مف األمر فاتبعيا‬
‫كال تتبع أىكاء الذيف ال يعممكف)‪.4‬‬

‫كالشريعة في االصطالح الشرعي‪ :‬ما شرعو اهلل تعالى مف األحكاـ‪ ،‬كسميت ىذه‬
‫األحكاـ شريعة الستقامتيا كلشبييا بمكرد الماء؛ ألف بيا حياة النفكس كالعقكؿ كاألبداف‪.‬‬

‫‪ -1‬سكرة الشكرل‪ ،‬اآلية ‪.13‬‬


‫‪ -2‬سكرة الشكرل‪ ،‬اآلية ‪.21‬‬
‫‪ -3‬سكرة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.48‬‬
‫‪ -4‬سكرة الجاثية‪،‬اآلية ‪.18‬‬
‫‪3‬‬
‫كالشريعة كالديف كالممة بمعنى كاحد‪ ،‬كىك ما شرعو اهلل تعالى لعباده مف أحكاـ‪ ،‬كلكف‬
‫ىذه األحكاـ تسمى شريعة باعتبار كضعيا كبيانيا كاستقامتيا‪ ،‬كتسمى دينا باعتبار الخضكع‬
‫قؿ إنني‬ ‫ليا كعبادة اهلل بيا‪ ،‬كتسمى ممة باعتبار إمالئيا عمى الناس‪ ،‬يقكؿ اهلل تعالى‪( :‬‬
‫)‪ ،1‬أما اإلسالـ فيك االنقياد‬ ‫ىداني ربي إلى صراط مستقيـ دينا قيما ممة إبراىيـ حنيفا‬
‫كالخضكع كاإلسالـ‪ .‬ثـ خص باستعماؿ الديف الذم أرسؿ اهلل بو نبيو محمد صمى اهلل عميو‬
‫كسمـ‪ ،‬كبيذه كردت كممة اإلسالـ في قكلو تعالى‪ ( :‬اليكـ أكممت لكـ دينكـ كأتممت عميكـ‬
‫نعمتي كرضيت لكـ اإلسالـ دينا )‪ 2‬كقكلو تعالى ‪ (:‬كمف يبتغ غير اإلسالـ دينا فمف يقبؿ منو‬
‫كىك في اآلخرة مف الخاسريف)‪.3‬‬

‫‪ ‬الشريعة كالفقو‪:‬‬

‫الشريعة‪ :‬ما شرعو اهلل مف األحكاـ الثابتة باألدلة مف الكتاب كالسنة‪ ،‬كما تفرع عنيا‬
‫مف اإلجماع كالقياس كاألدلة األخرل‪.‬‬

‫كالفقو‪ :‬لغة الفيـ كىك أخص مف العمـ‪ ،‬كقد غمب عمى عمـ الديف لسيادتو كشرفو‬
‫كفضمو عمى سائر أنكاع العمـ ‪ .4‬كفي االصطالح الشرعي‪ :‬ىك العمـ المتعمؽ باستنباط‬
‫األحكاـ الشرعية العممية المكتسبة مف أدلتيا التفصيمية‪.‬‬

‫قاؿ الجرجاني‪ :‬كىك عمـ مستنبط بالرأم كاالجتياد كيحتاج فيو إلى النظر المتأمؿ‪،‬‬
‫كليذا ال يجكز أف يسمى اهلل تعالى فقييا؛ألنو ال يخفى عميو شيء ‪.5‬‬

‫فالشريعة‪ :‬ىي الغاية‪ ،‬كالفقو ىك الطريؽ‪ ،‬كيطمؽ الفقو كذلؾ عمى مجمكعة األحكاـ‬
‫الشرعية العممية المستنبطة مف األدلة التفصيمية‪ .‬كليذا نقكؿ‪ :‬كتب"الفقو" كمكسكعة "الفقو"‪،‬‬
‫كيراد بالفقو‪ :‬مجمكعة األحكاـ المدكنة‪.‬‬

‫‪ -1‬سكرة األنعاـ‪ ،‬اآلية ‪162‬ك‪163‬‬


‫‪ -2‬سكرة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.4‬‬
‫‪ -3‬سكرة آؿ عمراف‪ ،‬اآلية ‪. 85‬‬
‫‪ -4‬لساف العرب البف منظكر حرؼ الفاء مادة فقو‪.‬‬
‫‪ -5‬التعريفات لمجرجاني ص‪ .616‬عالـ الكتب بيركت‪ ،‬تحقيؽ الدكتكر عبد الرحمف عميرة ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫كأحكاـ الشريعة نكعاف‪:‬‬

‫نكع ثابت بأدلة مباشرة مف نصكص الكتاب كالسنة‪ ،‬مما ىك صريح الداللة عمى‬
‫الحكـ‪ ،‬كىك قميؿ بالنسبة لباقي األحكاـ‪ ،‬لكنو أكثر أىمية؛ ألنو يمثؿ األساس المكيف لبناء‬
‫الشريعة كميا‪ ،‬كىذا النكع يمثؿ جزءا أساسيا مف الشريعة‪ ،‬كىذا أمر بيف كال يختمؼ فيو اثناف‪.‬‬
‫كالنكع الثاني كىك أكثر أحكاـ الشريعة‪ ،‬كىك مجاؿ عمـ الفقو‪ ،‬كعمؿ الفقياء‪ ،‬كقد عممت فيو‬
‫عقكؿ أىؿ الفقو اجتيادا كاستنباطا مف أدلة الكتاب كالسنة‪ ،‬أك مما ال نص فيو‪ ،‬عف طريؽ‬
‫القياس أك االستصالح أك االستحساف‪ ،‬أك رعاية العرؼ‪ ،‬أك االستصحاب‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫الفقو عمـ شرعي مبني عمى الكحي اإلليي كعمؿ العقؿ في استنباط األحكاـ ليس‬
‫مطمقا مف كؿ قيد‪ ،‬بؿ ىك مقيد باألصكؿ الشرعية في االستدالؿ‪.‬‬

‫كالشريعة تكجد داخؿ مجمكعة الفقو اإلسالمي‪ ،‬إال فيما جد مف أحداث ككقائع‪ ،‬فإف‬
‫حكـ الشريعة فيو ما تستنبطو عقكؿ الفقياء المعاصريف في ضكء أصكؿ الشريعة‬
‫كمقاصدىا‪ ،‬ثـ يضاؼ بعد ذلؾ إلى باقي العمكـ الفقيية‪ ،‬كليذا فإف رفض الفقو اإلسالمي‬
‫باعتباره عمال بشريا غير معصكـ‪ ،‬يؤدم إلى رفض الشريعة ذاتيا‪.‬‬

‫‪ ‬الشريعة كالقانكف كالكضعي‪:‬‬

‫أما الشريعة فقد ثـ تعريفيا‪.‬‬

‫كأما "القانكف" فيك كممة ُم َع َّرَبة‪ ،‬كفي المعجـ الكسيط‪" :‬ىك أمر كمي ينطبؽ عمى‬
‫جميع جزئياتو التي تعرؼ أحكاميا منو"‪.‬‬

‫كعرؼ القانكف العمماء قديما بأنو‪ :‬القاعدة الكمية التي تندرج تحتيا أحكاـ جزئية‪.‬‬

‫كالقانكف في تعريؼ آخر‪ :‬ما كضعو البشر مف أحكاـ لتنظيـ شؤكف حياتيـ كعالقاتيـ‬
‫بعضيـ ببعض أفرادا كجماعات كدكال‪.‬‬

‫فالشريعة مف كحي اهلل تعالى‪ ،‬كالقانكف مف كضع الناس‪ .‬كليذا يطمؽ عميو "القانكف‬
‫الكضعي"‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫كقد يطمؽ لفظ القانكف‪ :‬عمى مجمكعة مف القكاعد الممزمة التي تنظـ عالقات األفراد‬
‫في المجتمع تنظيما عادال يكفؿ حريات ىؤالء األفراد‪ ،‬كيحقؽ الخير العاـ لمجماعة‪ ،‬أم أنو‬
‫مجمكعة األحكاـ الكضعية في مجتمع معيف‪ ،‬أكفي زماف معيف‪ ،‬كفي مكاف معيف كفي مجاؿ‬
‫معيف مثؿ القانكف الجنائي‪ ،‬أك القانكف المدني‪ ،‬أك قانكف األسرة‪ ،‬كقد يراد بو مجمكعة‬
‫األحكاـ الكضعية كميا‪ ،‬التي يرجع إلييا الناس إذا اختصمكا فيما بينيـ‪.‬‬

‫كال يمكف فيـ القانكف كدراستو دكف االستعانة بمصادره األخرل كالعرؼ كالفقو‬
‫كالقضاء‪.‬‬

‫كالشريعة شاممة لمعقيدة كاألخالؽ كالفضائؿ كاألحكاـ‪ ،‬كىي صالحة لكؿ زماف كمكاف‪،‬‬
‫كالجزاء فييا دنيكم كأخركم‪ ،‬بينما الجزاء في القانكف دنيكم فقط‪.‬‬

‫كليس في القانكف اعتبار لمفضائؿ األخالقية التي تكقظ الضمير اإلنساني‪ ،‬كتحفز‬
‫اإلنساف عمى فعؿ الخير‪ ،‬كال اعتبار لمعقيدة الدينية فيو التي تكطد العالقة بيف العبد كخالقو‪.‬‬

‫كمف أقدـ القكانيف الكضعية التي عرفيا البشر‪ :‬قانكف "حمك رابي" في بابؿ‪ ،‬كمف‬
‫أشير المجمكعات القانكنية القديمة‪ :‬القانكف الركماني‪ ،‬الذم كاف لو تأثيره عمى القكانيف‬
‫الغربية الحديثة‪ ،‬كالذم تأثرت بو قكانيننا الكضعية في البالد اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ ‬نشأة الشريعة‪:‬‬

‫جاءت الشريعة شابة كمكتممة‪ ،‬كنزلت مف عند اهلل تعالى شريعة كاممة كشاممة‬
‫كجامعة كمانعة ال ترل فييا عكجا‪ ،‬كال تشيد فييا نقصا‪ ،‬أنزليا اهلل تعالى مف سمائو عمى‬
‫قمب رسكلو محمد صمى اهلل عميو كسمـ في فترة قصيرة ال تجاكز المدة الالزمة لنزكليا‪ ،‬فترة‬
‫بدأت ببعثة الرسكؿ كانتيت بكفاتو‪ ،‬أك انتيت يكـ قاؿ اهلل تعالى ‪ " :‬اليكـ أكممت لكـ دينكـ‬
‫كأتممت عميكـ نعمتي كرضيت لكـ اإلسالـ دينا "‪.1‬‬

‫كلـ تأت الشريعة لجماعة دكف جماعة‪ ،‬أك لقكـ دكف قكـ‪ ،‬أك لدكلة دكف دكلة‪ ،‬كانما‬
‫جاءت لمناس كافة مف عرب كعجـ‪ ،‬فيي شريعة عالمية‪ ،‬شريعة كؿ أسرة‪ ،‬كشريعة كؿ قبيمة‬
‫كشريعة كؿ جماعة‪ ،‬كشريعة كؿ دكلة‪.‬‬

‫‪ -1‬سكرة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.4‬‬


‫‪6‬‬
‫كقد جاءت الشريعة كاممة ال نقص فييا‪ ،‬جامعة تحكـ كؿ حالة‪ ،‬مانعة ال تخرج عف‬
‫حكميا حالة‪ ،‬شاممة ألمكر األفراد كالجماعات كالدكؿ‪ ،‬فيي تنظـ األحكاؿ الشخصية‬
‫كالمعامالت ككؿ ما يتعمؽ باألفراد‪ ،‬كتنظـ شؤكف الحكـ كاإلدارة كالسياسة كغير ذلؾ مما‬
‫يتعمؽ بالجماعة‪ ،‬كما تنظـ عالقات الدكؿ بعضيا بالبعض اآلخر في الحرب كالسمـ‪.‬‬

‫كلـ تأت الشريعة لكقت دكف كقت‪ ،‬أك لعصر دكف عصر‪ ،‬أك لزمف دكف زمف‪ ،‬كانما‬
‫ىي شريعة كؿ كقت‪ ،‬كشريعة كؿ عصر كشريعة الزمف كمو حتى يرث اهلل األرض كمف‬
‫عمييا‪.‬‬

‫كنصكص الشريعة عامة كمرنة بحيث تحكـ كؿ حالة جديدة كلك لـ يكف في اإلمكاف‬
‫تكقعيا‪ ،‬كىي غير قابمة لمتغير كالتبديؿ‪ ،‬كما تتغير نصكص القكانيف الكضعية كتتبدؿ‪.‬‬

‫كلقد جاءت الشريعة مف يكـ نزكليا بأحدث النظريات التي كصؿ إلييا أخي ار القانكف‬
‫الكضعي‪ ،‬كحسبنا أف نعرؼ أف كؿ ما يتمنى رجاؿ القانكف اليكـ أف يتحقؽ مف المبادئ‬
‫مكجكد في الشريعة مف يكـ نزكليا‪.‬‬

‫‪ ‬نشأة القانكف‪:‬‬

‫القانكف الكضعي كالكليد ينشأ صغي ار ضعيفا‪ ،‬ثـ ينمك كيقكل شيئا فشيئا حتى يبمغ‬
‫أشده‪ ،‬كىك يسرع في التطكر كالنمك كالسمك كمما تطكرت الجماعة التي يحكميا‪ ،‬كيبطئ في‬
‫تطكره كنمكه كمما كانت الجماعة بطيئة النمك كالتطكر‪ ،‬فالجماعة إذف ىي التي تخمؽ القانكف‬
‫الكضعي كتصنعو عمى الكجو الذم يسد حاجاتيا‪ ،‬كينظـ حياتيا‪ ،‬كىك تابع ليا كتقدمو مرتبط‬
‫بتقدميا‪.‬‬

‫كقد نشأ القانكف في البداية مع األسرة كالقبيمة كالجماعة إلى نشكء الدكلة‪ ،‬التي كحدت‬
‫العادات كالتقاليد كجعمت منيا قانكنا ممزما لمجميع‪ ،‬لكف قانكف كؿ دكلة لـ يكف يتفؽ مع‬
‫قكانيف الدكؿ األخرل‪.‬‬

‫إال أف ىذا الخالؼ ظؿ قائما إلى بداية القرف الثامف عشر‪،‬كتطكر القانكف الكضعي‪ ،‬مع‬
‫ظيكر نظريات فمسفية كعممية كاجتماعية حديثة تقكـ عمى أساس العدالة كالمساكاة كالرحمة‬
‫كاإلنسانية‪ ،‬كقد أدل شيكع ىذه النظريات في العالـ إلى تكحيد معظـ القكاعد القانكنية في‬

‫‪7‬‬
‫كثير مف دكؿ العالـ‪ ،‬كلكف بقي لكؿ دكلة قانكنيا الذم يختمؼ عف غيره مف القكانيف في‬
‫كثير مف الدقائؽ كالتفاصيؿ‪.‬‬

‫‪ ‬االختالؼ بيف الشريعة كالقانكف‪:‬‬

‫إف الشريعة ال تماثؿ القانكف كال تساكيو‪ ،‬كال يصح أف تقاس بو‪ ،‬كطبيعة الشريعة‬
‫تختمؼ تماما عف طبيعة القانكف‪ ،‬كتختمؼ الشريعة اإلسالمية عف القكانيف اختالفا أساسيا مف‬
‫ثالثة كجكه‪:‬‬

‫أف الشريعة مف عند اهلل‪ ،‬أما القانكف مف صنع البشر‪.‬‬ ‫الكجو األكؿ‪:‬‬

‫فالشريعة تتمثؿ فييا قدرة الخالؽ ككمالو كعظمتو كاحاطتو بما كاف كما ىك كائف‪،‬‬
‫كليست في حاجة لمتغيير كالتبديؿ ميما تغيرت األكطاف كاألزماف كتطكر اإلنساف‪.‬‬

‫أما القانكف فيتمثؿ فيو نقص البشر كعجزىـ كضعفيـ كقمة حيمتيـ‪ ،‬كمف ثـ كاف‬
‫القانكف عرضة لمتغيير كالتبديؿ أك التطكر مع تطكر الجماعة‪ ،‬فالقانكف ناقص دائما كال‬
‫يمكف أف يبمغ حد الكماؿ ماداـ صانعو غير كامؿ كغير محيط بما سيككف كاف استطاع‬
‫اإللماـ بما كاف‪.‬‬

‫أف الشريعة قكاعد دائمة ال تقبؿ التغيير كالتبديؿ لكنيا عامة كمرنة‬ ‫الكجو الثاني‪:‬‬
‫كسامية كمرتفعة ال تتأخر عف مستكل الجماعة في أم عصر‪.‬‬

‫أما القانكف‪ :‬فيك عبارة عف قكاعد مؤقتة تضعيا الجماعة لتنظيـ شؤكنيا كسد‬
‫حاجاتيا‪ ،‬فيي متأخرة عف الجماعة‪.‬‬

‫الكجو الثالث‪ :‬أف الجماعة ىي التي تصنع القانكف كتمكنو بعاداتيا كتقاليدىا‬
‫كتاريخيا‪ ،‬فالقانكف متأخر عف الجماعة كتابع لتطكرىا‪.‬‬

‫أما الشريعة فميست مف صنع الجماعة‪ ،‬بؿ مف صنع اهلل تعالى الذم أتقف كؿ شيء‬
‫خمقو‪ ،‬كأف الشريعة يقصد بيا خمؽ الفرد الصالح كالجماعة الصالحة‪ ،‬كالمسممكف مف صنع‬
‫الشريعة كتقدميـ كرقييـ رىيف بتطبيؽ الشريعة‪.‬‬

‫‪8‬‬
9
‫الفصؿ األكؿ ‪:‬‬

‫مكانة الشريعة كمقاصدىا كأسسيا‬


‫شاء اهلل تعالى أف تككف رسالة محمد صمى اهلل عميو كسمـ‪ ،‬خاتمة الرساالت‬
‫السماكية‪ ،‬كدعكة إنسانية عالمية‪ ،‬مختصة بمدلكؿ كممة اإلسالـ‪ ،‬فما ىي مكانتيا ؟ كما ىي‬
‫مقاصدىا ؟ كما ىي أسسيا ؟ ‪.‬‬

‫ىذا ما سأجيب عنو مف خالؿ مباحث ثالثة ‪:‬‬

‫المبحث األكؿ‪ :‬مكانة الشريعة‬


‫المطمب األكؿ‪:‬رسالة محمد عميو الصالة كالسالـ خاتمة الرساالت السماكية‪:‬‬

‫إف الشريعة التي أنزليا اهلل عمى نبينا محمد عميو الصالة كالسالـ‪ ،‬بمغت ذركة الكماؿ‪،‬‬
‫كرضييا اهلل تعالى لمناس دينا‪ ،‬فكانت ىي الديف الكامؿ الذم أتـ اهلل تعالى بو عمينا نعمتو‪:‬‬
‫(اليكـ أكممت لكـ دينكـ كأتممت عميكـ نعمتي كرضيت لكـ اإلسالـ دينا )‪ ،1‬كبعد ما نادل‬
‫جميع األنبياء كالرسؿ عمييـ السالـ بالتكحيد كنبذ الشرؾ كالمشركيف؛ فييتؼ كؿ بقكمو‪ ( :‬إنا‬
‫أرسمنا نكحا إلى قكمو أف أنذر قكمؾ قبؿ أف يأتييـ عذاب أليـ قاؿ‪ :‬يا قكـ إني لكـ نذير‬
‫مبيف)‪ ،2‬كقكلو تعالى‪ (:‬لقد أرسمنا نكحا إلى قكمو فقاؿ‪ :‬يا قكـ اعبدكا اهلل ما لكـ مف إلو‬
‫غيره إني أخاؼ عميكـ عذاب يكـ عظيـ )‪ ،3‬كجاء الرسكؿ األميف خاتـ النبييف كجامع كممة‬
‫المرسميف كنادل الناس جميعا‪ ( :‬يا أييا الناس اعبدكا ربكـ الذم خمقكـ كالذيف مف قبمكـ‬
‫لعمكـ تتقكف)‪. 4‬‬

‫‪ -1‬سبؽ تخريجيا‪ ،‬ص ‪.4‬‬


‫‪ -2‬سكرة نكح‪ ،‬اآلية ‪1‬ك‪.2‬‬
‫‪ -3‬سكرة األعراؼ‪ ،‬اآلية ‪.58‬‬
‫‪ -4‬سكرة البقرة اآلية ‪20‬‬
‫‪10‬‬
‫إلي ىذا القرآف ألنذركـ بو كمف بمغ أينكـ لتشيدكف أف مع‬
‫كقكلو تعالى‪ ( :‬كأكحي َّ‬
‫اهلل آلية أخرل )‪ .1‬كالجف كاإلنس في ىذا الخطاب كالبالغ سكاء حيث قاؿ عز كجؿ‪ ( :‬يا‬
‫معشر الجف كاإلنس ألـ ياتكـ رسؿ منكـ يقصكف عميكـ آياتي كينذركنكـ لقاء يكمكـ ىذا‬
‫قالكا شيدنا عمى أنفسنا)‪.2‬‬

‫كقد فصؿ اهلل تعالى سمات ىذه الدعكة العالمية العامة‪ ،‬كعرضيا في كثير مف اآليات‬
‫القرآنية‪ ،‬فقاؿ تعالى ‪ ( :‬قؿ يا أييا الناس إني رسكؿ اهلل إليكـ جميعا الذم لو ممؾ‬
‫السماكات كاألرض ال إلو إال ىك يحيي كيميت فآمنكا باهلل كرسكلو النبي األمي الذم يؤمف‬
‫باهلل ككمماتو كاتبعكه لعمكـ تيتدكف)‪.3‬‬

‫كما أرسمناؾ إال كافة لمناس بشي ار كنذي ار كلكف أكثر الناس ال‬ ‫كقكلو تعالى ‪( :‬‬
‫يعممكف)‪ ،4‬كقكلو تعالى‪ ( :‬يا أييا الناس قد جاءكـ الرسكؿ بالحؽ مف ربكـ فآمنكا خي ار لكـ‬
‫كاف تكفركا فإف هلل ما في السماكات كاألرض)‪( ،5‬تبارؾ الذم نزؿ الفرقاف عمى عبده ليككف‬
‫لمعالميف نذي ار)‪.6‬‬

‫كأشار رسكؿ اهلل صمى اهلل عميو كسمـ إلى عمكـ بعثتو كعالمية دعكتو فقاؿ‪:‬‬
‫"كأعطيت خمسا لـ يعطيف أحد قبمي‪ :‬كاف كؿ نبي يبعث إلى قكمو خاصة‪ ،‬كبعثت إلى كؿ‬
‫أحمر كأسكد‪ ،‬كأحمت لي الغنائـ‪ ،‬كلـ تحؿ ألحد قبمي‪ ،‬كجعمت لي األرض طيبة كطيك ار‬
‫كمسجدا‪ ،‬فأيما رجؿ أدركتو الصالة صمى حيث كاف‪ ،‬كنصرت بالرعب بيف يدم مسيرة‬
‫شير‪ ،‬كأعطيت الشفاعة"‪.7‬‬

‫‪ -1‬سكرة األنعاـ اآلية ‪.20‬‬


‫‪ -2‬سكرة األنعاـ اآلية ‪.131‬‬
‫‪ -3‬سكرة األعراؼ اآلية ‪.158‬‬
‫‪ -4‬سكرة سبأ اآلية ‪.28‬‬
‫‪ -5‬سكرة النساء اآلية ‪.169‬‬
‫‪ -6‬سكرة الفرقاف اآلية ‪.1‬‬
‫‪ -7‬أخرجو مسمـ في صحيحو عف جابر بف عبد اهلل حديث رقـ ‪. 523‬‬
‫‪11‬‬
‫كقاؿ عميو الصالة كالسالـ‪" :‬فضمت عمى األنبياء بست‪ :‬أعطيت جكامع الكمـ‪،‬‬
‫كنصرت بالرعب‪ ،‬كأحمت لي الغنائـ‪ ،‬كجعمت لي األرض طيك ار كمسجدا‪ ،‬كأرسمت إلى الخمؽ‬
‫كافة‪ ،‬كختـ بي النبيكف" ‪.1‬‬

‫كمف ثـ كاف محمد رسكؿ اهلل صمى اهلل عميو كسمـ خاتـ األنبياء كالمرسميف‪ ،‬ككانت‬
‫رسالتو خاتمة الرساالت جميعا‪ ( :‬ما كاف محمدا أبا أحد مف رجالكـ كلكف رسكؿ اهلل كخاتـ‬
‫النبييف)‪.2‬‬

‫كيصكر الرسكؿ الكريـ صمى اهلل عميو كسمـ ختـ رسالتو لمرساالت السابقة‪ ،‬ككيؼ أتـ‬
‫البناء الذم تعاقبت عميو رسؿ اهلل الكراـ‪ ،‬فيقكؿ ‪" :‬مثمي كمثؿ األنبياء مف قبمي‪ ،‬كمثؿ رجؿ‬
‫بنى بيتا‪ ،‬فأحسنو كأجممو إال مكضع لبنة مف زاكية (مف زكاياه) فجعؿ الناس يطكفكف بو‪،‬‬
‫كيعجبكف لو‪ ،‬كيقكلكف ‪ :‬ىال كضعت ىذه المبنة؟ فأنا المبنة كأنا خاتـ النبييف" ‪.3‬‬

‫المطمب الثاني‪ :‬رسالة محمد عميو الصالة كالسالـ ناسخة الرساالت‬

‫السابقة‪:‬‬

‫كاذا كاف الرسكؿ الكريـ عميو أفضؿ الصالة كالسالـ قد أرسؿ مف عند اهلل تعالى بديف‬
‫بمغ ذركة الكماؿ‪ ،‬ككجيت الدعكة لمعالميف كافة‪ ،‬كختـ اهلل باإلسالـ الرساالت‪ ،‬فإف ىذا‬
‫الكماؿ كتماـ النعمة يقضي بقطع صمة اإلنسانية عف سائر الرساالت في طاعتيا كاتباعيا‪،‬‬
‫مع اإليماف بأصكليا المنزلة‪ ،‬ال بما آلت إليو بعد التحريؼ عمى يد األتباع‪.‬‬

‫فكؿ ما جاء بو األنبياء السابقكف كعرضكه عمى اإلنسانية كدعكىا إلى اتباعو‪ ،‬قد نسخ‬
‫برسالة محمد صمى اهلل عميو كسمـ‪ ،‬كالشؾ أف اإليماف بنبكتيـ كصدؽ دعكتيـ عمى يد‬
‫األتباع‪.‬‬

‫فكؿ ما جاء بو األنبياء السابقكف كعرضكه عمى اإلنسانية كدعكىا إلى اتباعو‪ ،‬قد نسخ‬
‫برسالة محمد صمى اهلل عميو كسمـ‪ ،‬لكف اإليماف بنبكتيـ كصدؽ دعكتيـ عمى كجو اإلجماؿ‬

‫‪ -1‬أخرجو مسمـ في صحيحو في باب المساجد ج‪ 1‬ص ‪.371‬‬


‫‪ -2‬سكرة األحزاب اآلية ‪.40‬‬
‫‪ -3‬أخرجو البخارم في صحيحو‪ ،‬كتاب المناقب‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.558‬‬
‫‪12‬‬
‫الزـ؛ إذ ما كانكا إال دعاة إلى اإلسالـ‪ ،‬كما التصديؽ بدعكتيـ إال تصديؽ باإلسالـ‪ ،‬كمع‬
‫ذلؾ فقد انقطعت عنيـ صمة اإلنسانية في طاعتيا كاتباعيا فعال‪ ،‬كانما ارتبطت برسالة محمد‬
‫صمى اهلل عميو كسمـ كتعاليمو كأسكتو الحسنة؛ ألف الذم يقتضيو المبدأ‪:‬‬

‫أ‪ -‬أف ال تعكد اإلنسانية بحاجة إلى الناقص بعد أف جاءىا الكامؿ‪.‬‬

‫ب‪ -‬أنو قد لعبت يد التحريؼ كاإلىماؿ بسيرة كتعاليـ األنبياء السابقيف مما لـ يعد مف‬
‫الممكف أف تتبعيـ اإلنسانية فعال ‪.1‬‬

‫كليذا فإف القرآف الكريـ حيثما يأمر بطاعة الرسكؿ كاتباع أحكامو كأكامره‪ ،‬ال يأتي‬
‫بكممة‪" :‬الرسكؿ" ك"النبي" إال معرفتيف باأللؼ كالالـ لتككنا خاصيتيف بمحمد صمى اهلل عميو‬
‫كسمـ‪.2‬‬

‫كأطيعكا اهلل كالرسكؿ لعمكـ ترحمكف )‪ .3‬كيقكؿ عز كجؿ‪ ( :‬يا أييا‬ ‫يقكؿ اهلل تعالى ‪( :‬‬
‫الذيف آمنكا أطيعكا اهلل كأطيعكا الرسكؿ كأكلي األمر منكـ )‪ ،4‬كيقكؿ أيضا ‪ ( :‬مف يطع‬
‫الرسكؿ فقد أطاع اهلل كمف تكلى فما أرسمناؾ عمييـ حفيظا)‪.5‬‬

‫‪ -1‬محاضرات في النصرانية لمشيخ محمد أبي زىرة‪ ،‬ص ‪.77‬‬


‫‪ -2‬الحضارة اإلسالمية لممكدكدم‪ ،‬ص ‪.196-192‬‬
‫‪ -3‬سكرة آؿ عمراف‪ ،‬اآلية ‪.132‬‬
‫‪ -4‬سكرة النساء‪ ،‬اآلية ‪.58‬‬
‫‪ -5‬سكرة النساء‪ ،‬اآلية ‪.79‬‬
‫‪13‬‬
‫المطمب الثالث‪ :‬ىيمنة القرآف الكريـ عمى الكتب السماكية السابقة‪:‬‬

‫إف القرآف مييمف عمى الكتب السماكية السابقة كىك كممة اهلل األخيرة ليذه البشرية‪،‬‬
‫التي يجب أف يفيء إلييا الناس كميـ حتى يككنكا مؤمنيف‪ ،‬ككؿ اختالؼ يجب أف يرد إلى‬
‫القرآف الكريـ ليفصؿ سكاء‪ ،‬كاف في العقيدة‪ ،‬أك في أعماؿ اإلنساف مف عبادات كمعامالت‪،‬‬
‫كما جاء كؿ ذلؾ في القرآف بصكرتو األخيرة‪ ،‬أك كاف االختالؼ بيف المسمميف أنفسيـ‪ ،‬قاؿ‬
‫اهلل تعالى‪( :‬كأنزلنا إليؾ الكتاب بالحؽ مصدقا لما بيف يديو مف الكتاب كمييمنا عميو )‪.1‬‬

‫كعبر اهلل تعالى عف القرآف بمفظ الكتاب؛ ألنو الكتاب الكامؿ الجدير بأف يسمى كتابا‪،‬‬
‫كألنو الكتاب اإلليي الصادؽ عند اإلطالؽ‪ ،‬لتضمنو جميع األكصاؼ الكمالية لجنس الكتاب‬
‫السماكم كتفكقو عمى بقية الكتب بعد أف استعمؿ في اآليات السابقة ليذه اآلية‪ ،‬لفظ التكراة‬
‫كاإلنجيؿ لمكتابيف الذيف أنزليما اهلل عمى مكسى كعيسى عمييما السالـ ‪.2‬‬

‫كقد تعددت تفسيرات المفسريف لمفظ‪" :‬الييمنة" فقالكا‪ :‬مييمنا أم مؤتمنا كشاىدا كرقيبا‬
‫كحاكما كقاضيا كداال كمصدقا‪.‬‬

‫فالقرآف أميف عمى كؿ كتاب قبمو في أصمو المنزؿ‪ ،‬كىك بيذا حافظ ليذا األصؿ ال‬
‫تبديؿ فيو كال تحريؼ‪ ،‬فيككف ما جاء فيو ىك الحؽ‪.‬‬

‫‪ ،3‬كيشيد عمى‬ ‫كىك شاىد عمى ما في تمؾ الكتب‪ ،‬يشيد ألصكليا المنزلة بالصدؽ‬
‫أصحابيا بما كقعكا فيو مف تحريؼ كاضاعة كنسياف‪.‬‬

‫كىك رقيب عمى سائر الكتب السماكية المحفكظة عف التغيير‪ ،‬حيث يشيد ليا بالثبات‬
‫كالصحة‪ ،‬كيقرر أصكؿ شرائعيا كما يتأبد مف فركعيا‪ ،‬كيعيف أحكاميا المنسكخة ببياف انتياء‬
‫مشركعيتيا المستفادة مف تمؾ الكتب كانقضاء كقت العمؿ بيا‪.‬‬

‫‪ -1‬سكرة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.50‬‬


‫‪ -2‬تفسير المنار لرشيد رضا‪.410/6 ،‬‬
‫‪ -3‬تمخيص البياف في مجازات القرآف لمشريؼ الرضي‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪14‬‬
‫كىك حاكـ عمى ما في تمؾ الكتب كقائـ عمييا كقاضي عمييا بالحؽ ‪.1‬‬

‫كىذه المعاني كميا متقاربة‪ ،‬فإف لفظ المييمف يتضمف ىذا كمو‪ ،‬فيك أميف كشاىد‬
‫كحاكـ عمى كؿ كتاب قبمو‪ ،‬كجعمو اهلل عز كجؿ آخر الكتب كخاتميا كأتميا كأعظميا‬
‫كأكمميا‪ ،‬حيث جمع فيو محاسف ما قبمو كزاده مف الكماالت ما ليس في غيره‪ ،‬كىك الكتاب‬
‫الذم ال ينسخ كال يغير‪ ،‬كقد تكفؿ اهلل عز كجؿ بحفظو ككانت شيادتو عمى الكتب السماكية‬
‫األخرل‪ :‬التكراة كاإلنجيؿ كالزبكر كسائر الكتب المنزلة‪ ،‬حقا كصدقا ‪.2‬‬

‫كمف أسماء اهلل تعالى ‪ :‬المييمف‪ ،‬كىك الحاكـ عمى الناس‪ ،‬كالقائـ عمى أمكرىـ‪ ،‬كقاؿ‬
‫بعض أىؿ المغة‪ :‬الييمنة القياـ عمى الشيء كالرعاية لو‪.‬‬

‫‪ ‬كجكه ىذه الييمنة‪:‬‬

‫‪ -‬القرآف قرر ما في الكتب السماكية السابقة مف الخبر عف اهلل عز كجؿ كعف اليكـ‬
‫اآلخر‪ ،‬كزاد ذلؾ بيانا كتفصيال‪.‬‬

‫‪ -‬كضح األدلة كالحجج كالبراىيف كبينيا عمى كؿ ذلؾ‪.‬‬

‫‪ -‬قرر نبكة األنبياء كميـ كرسالة المرسميف‪.‬‬

‫‪ -‬قرر الشرائع الكمية التي بعثت بيا الرسؿ‪.‬‬

‫‪ -‬جادؿ المكذبيف بالكتب كالرسؿ‪ ،‬كقدـ ليـ الحجج كاألدلة كالبراىيف‪.‬‬

‫‪ -‬بيف عقكبات اهلل ليـ‪ ،‬كنصره ألىؿ الكتب المتبعيف ليا‪.‬‬

‫‪ -‬بيف ما حرؼ منو كبدؿ‪ ،‬كما فعمو أىؿ الكتاب في الكتب المتقدمة‪.‬‬

‫‪ -‬بيف ما كتمو أىؿ الكتاب مما أمر اهلل ببيانو‪ ،‬ككؿ ما جاءت بو النبكات بأحسف‬
‫الشرائع كالمناىج التي نزؿ بيا القرآف‪ ،‬فصارت لو الييمنة عمى ما بيف يديو مف الكتب مف‬
‫كجكه متعددة‪:‬‬

‫‪ -1‬أحكاـ القرآف لمجصاص‪.97/4 ،‬‬


‫‪ -2‬تفسير ابف كثير‪.66/2 ،‬‬
‫‪15‬‬
‫فيك شاىد بصدقيا‪ ،‬كشاىد بكذب ما حرؼ منيا‪ ،‬كىك حاكـ بإق ارره ما أقره عز كجؿ‪،‬‬
‫كنسخ ما نسخو‪ ،‬فيك شاىد في الخبريات‪ ،‬كحاكـ في األمريات‪.‬‬

‫ككذلؾ معنى الشيادة كالحكـ‪ :‬إثبات ما أثبتو اهلل عز كجؿ مف صدؽ كمحكـ‪ ،‬كابطاؿ‬
‫مف أبطمو مف كذب كمنسكخ‪.‬‬

‫كالقرآف الكريـ معجزة في نفسو ال يقدر الخالئؽ أف يأتكا بمثمو‪ ،‬ففيو دعكة الرسكؿ‪،‬‬
‫كىك آية الرسكؿ كبرىانو عمى صدقو كنبكتو‪.‬‬

‫كقد أخبر اهلل عز كجؿ بإظيار ىذا الديف عمى سائر األدياف حيث قاؿ تبارؾ كتعالى‪:‬‬
‫"ىك الذم أرسؿ رسكلو باليدل كديف الحؽ ليظيره عمى الديف كمو كلك كره المشرككف "‪.1‬‬

‫المطمب الرابع‪ :‬دعكة أىؿ الكتاب لإليماف بخاتـ األنبياء محمػد‬

‫عميو الصالة كالسالـ‬

‫يأمر اهلل عز كجؿ باإليماف بالرسكؿ الكريـ عميو الصالة كالسالـ‪ ،‬كطاعتو كاتباعو‬
‫كاالىتداء بيديو حتى األمـ المؤمنة برسالة نبي مف األنبياء السابقيف فإف القرآف يكجو إلييا‬
‫ىذا الخطاب أيضا‪ ،‬مصداقا لقكلو تعالى‪ ( :‬يا أىؿ الكتاب قد جاءكـ رسكلنا يبيف لكـ كثي ار‬
‫مما كنتـ تخفكف مف الكتاب كيعفك عف كثير‪" .‬قد جاءكـ مف اهلل نكر ككتاب مبيف ييدم‬
‫بو اهلل مف اتبع رضكانو سبؿ السالـ كيخرجيـ مف الظممات إلى النكر بإذنو كييدييـ إلى‬
‫صراط مستقيـ)‪.2‬‬

‫كيقكؿ عز كجؿ في آية أخرل ‪ ( :‬الذيف يتبعكف الرسكؿ النبي األمي الذم يجدكنو‬
‫مكتكبا عندىـ في التكراة كاإلنجيؿ يأمرىـ بالمعركؼ كينياىـ عف المنكر كيحؿ ليـ‬
‫الطيبات كيحرـ عمييـ الخبائث كيضع عنيـ إصرىـ كاألغالؿ التي كانت عمييـ فالذيف‬
‫آمنكا بو كعزركه كنصركه كاتبعكا النكر الذم أنزؿ معو أكالئؾ ىـ المفمحكف قؿ يا أييا‬
‫الناس إني رسكؿ اهلل إليكـ جميعا الذم لو ممؾ السماكات كاألرض ال إلو إال ىك يحيي‬

‫‪ -1‬سكرة التكبة‪ ،‬اآلية ‪.33‬‬


‫‪ -2‬سكرة المائدة‪ ،‬اآلية ‪16‬ك‪17‬ك‪.18‬‬
‫‪16‬‬
‫كيميت فآمنكا باهلل كرسكلو النبيء األمي الذم يؤمف باهلل ككمماتو كاتبعكه لعمكـ‬
‫تيتدكف)‪.1‬‬

‫المطمب الخامس ‪ :‬اإليماف بنبكة محمد عميو الصالة كالسالـ شرط‬

‫اإليماف بنبكة األنبياء جميعا‬

‫ال يمكف اإليماف بنبي مف األنبياء مع جحكد نبكة محمد رسكؿ اهلل صمى اهلل عميو‬
‫كسمـ‪ ،‬كمف جحد نبكتو فيك لنبكة غيره مف األنبياء أشد جحدا‪ ،‬كيتضح ىذا مف كجكه ثالثة‪:‬‬

‫‪ -1‬الكجو األكؿ‪ :‬أف األنبياء المتقدميف بشركا بنبكتو كأمركا أمميـ باإليماف بو‪.‬‬

‫‪ -2‬الكجو الثاني‪ :‬أف دعكة محمد عميو الصالة كالسالـ ىي دعكة جميع المرسميف‬
‫قبمو‪ ،‬مف أكليـ إلى آخرىـ‪.‬‬

‫‪ -3‬الكجو الثالث‪ :‬أف اآليات كالبراىيف التي دلت عمى صحة نبكتو كصدقو عميو‬
‫الصالة كالسالـ أضعاؼ أضعاؼ آيات مف قبمو مف الرسؿ‪ ،‬فآيات نبكتو عميو الصالة‬
‫كالسالـ أعظـ كأكبر‪ ،‬كالعمـ بنقميا قطعي‪.2‬‬

‫المطمب السادس‪ :‬مصير مف كذب نبكة محمد عميو الصالة كالسالـ‬

‫يأتي التيديد كالكعيد الشديد لمف يعرض عف اإليماف بما نزؿ اهلل تعالى عمى محمد‬
‫عميو الصالة كالسالـ في قكلو تعالى‪ " :‬يا أييا الذيف أكتكا الكتاب آمنكا بما نزلنا مصدقا لما‬
‫معكـ مف قبؿ أف نطمس كجكىا فنردىا عمى أدبارىا أك نمعنيـ كما لعنا أصحاب السبت‬
‫ككاف أمر اهلل مفعكال"‪.3‬‬

‫كجاءت سكرة البينة لتقرر ما كاف عميو أىؿ الكتاب كالمشرككف الذيف كفركا برسالة‬
‫محمد عميو الصالة كالسالـ مف االنحراؼ عف ديف اهلل كمنيجو ‪.4‬‬

‫‪ -1‬سكرة األعراؼ‪ ،‬اآلية ‪157‬ك‪.158‬‬


‫‪ -2‬انظر دالئؿ النبكة لمبييقي كأعالـ النبكة لمماكردم‪.‬‬
‫‪ -3‬سكرة النساء‪ ،‬اآلية ‪.46‬‬
‫‪ -4‬انظر سكرة البينة مف اآلية ‪ 1‬إلى ‪.8‬‬
‫‪17‬‬
‫كفي ىذا يقكؿ عميو الصالة كالسالـ‪" :‬كالذم نفسي بيده ال يسمع بي أحد مف ىذه‬
‫األمة ييكدم أك نصراني‪ ،‬ثـ يمكت كلـ يؤمف بالذم أرسمت بو إال كاف مف أصحاب النار" ‪.1‬‬

‫كقد دخؿ عمر بف الخطاب بجزء مف التكراة عمى النبي صمى اهلل عميو كسمـ فقاؿ‪:‬‬
‫"ىذه كنت أصبتيا مف رجؿ مف أىؿ الكتاب‪ ،‬فقاؿ‪ :‬فاعرضيا عمي فعرضتيا‪ ،‬فتغير كجيو‬
‫تغي ار شديدا ثـ قاؿ‪" :‬لك نزؿ مكسى فاتبعتمكه كتركتمكني لضممتـ‪ ،‬أنا حظكـ مف النبييف كأنتـ‬
‫حظي مف األمـ"‪.2‬‬

‫‪ -1‬أخرجو مسمـ في صحيحو في اإليماف‪.134/1 ،‬‬


‫‪ -2‬ركاه أحمد في مسنده‪.471/3 ،‬‬
‫‪18‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مقاصد الشريعة‬
‫مف الثابت أف الشريعة كضعت لمصالح العباد في المعاش كالمعاد‪ ،‬كأف األحكاـ‬
‫الشرعية عمى اختالؼ مكضكعاتيا شرعت لجمب المصالح كدرء المفاسد‪ ،‬كتمؾ ىي مسبباتيا‬
‫المباشرة؛ إذ الشارع سبحانو كتعالى ىك أعمـ بما فيو مصمحة العباد كما فيو مفسدتيـ‪ ،‬لذلؾ‬
‫فإف ما أمر اهلل بو إنما أمر بو لمصمحة يقتضييا فعمو‪ ،‬كأف ما نيى عنو إنما نيى عنو‬
‫لمفسدة يقتضييا فعمو‪ ،‬كأف شخص المكمؼ ىك الذم تنجر لو مصمحة ذلؾ الفعؿ أك تدفع‬
‫عنو مفسدتو أكال كأخي ار‪.‬‬

‫كاف المصالح التي تقكـ بيا أحكاؿ العبد ال يعرفيا حؽ معرفتيا إال خالقيا ككاضعيا‪،‬‬
‫كليس لمعبد عمـ بيا إال مف بعض الكجكه‪ ،‬كالذم يخفى عميو منيا أكثر مف الذم يبدك لو‪،‬‬
‫فقد يككف ساعيا في مصمحة نفسو مف كجو ال يكصمو إلييا‪ ،‬أك يكصمو إلييا عاجال ال آجال‪،‬‬
‫أك يكصمو إلييا ناقصة غير كاممة‪ ،‬أك يككف فييا مفسدة تربك عمى المصمحة فال يقكـ خيرىا‬
‫بشرىا‪ ،‬ككـ مف مدبر أم ار ال يتـ لو عمى كمالو أصال‪ ،‬كال يجني منو ثمرة أصال‪ ،‬كىذا معمكـ‬
‫مشاىد بيف العقالء‪ ،‬فميذا بعث اهلل النبيئيف مبشريف كمنذريف‪.‬‬

‫المطمب األكؿ‪ :‬تعريؼ المقاصد‪:‬‬

‫المقاصد جمع مقصد‪ ،‬كىك في المغة‪ :‬المراد؛ كالقصد لو معاني كثيرة منيا‪ :‬استقامة‬
‫الطريؽ كاالعتماد‪.‬‬

‫كأما في الشرع‪ :‬فيي الغايات التي كضعت الشريعة لتحقيقيا‪ ،‬كتنقسـ إلى مقاصد‬
‫عامة كمقاصد خاصة‪.‬‬

‫‪ ‬كالمقاصد في أصكؿ الفقو ليا معنياف‪:‬‬

‫‪ -1‬مقاصد المكمؼ كتبنى عمييا قاعدة فقيية ىي ‪" :‬األمكر بمقاصدىا"‪.‬‬

‫‪ -2‬مقاصد الشارع أك مقاصد الشريعة كالمقاصد الشرعية كميا عبارات تستعمؿ‬


‫بمعنى كاحد‪ ،‬كيمكف حصر المراد منيا باآلتي‪:‬‬

‫‪ -‬نفي الضرر كرفعو كقطعو‪.‬‬


‫‪19‬‬
‫‪ -‬الكميات الشرعية الخمس (حفظ الديف كالنفس كالعقؿ كالنسؿ كالماؿ)‪.‬‬

‫‪ -‬العمؿ الجزئية لألحكاـ الفقيية‪.‬‬

‫‪ -‬مطمؽ المصمحة سكاء أكانت ىذه المصمحة جمبا لمنفعة أـ درء لمفسدة‪.‬‬

‫فمقاصد الشريعة ىي األىداؼ التي يرمي إلييا الشارع الحكيـ‪ ،‬أك ىي المقصد‬
‫بالتكاليؼ الشرعية‪.‬‬

‫كأف اهلل سبحانو كتعالى لـ يخمؽ ىذا الككف عبثا كلـ يتركو سدل‪ ،‬بؿ خمؽ اإلنساف‬
‫لعبادتو كحده ال شريؾ لو‪ ...‬كسخر ىذا الككف ألداء كتسييؿ ىذه الميمة العظيمة فقاؿ‬
‫"‪ .1‬كقاؿ عز كجؿ‪ " :‬كسخر لكـ ما في‬ ‫تعالى‪ " :‬كما خمقت الجف كاإلنس إال ليعبدكف‬
‫السماكات كما في األرض جميعا منو إف في ذلؾ آليات لقكـ يتفكركف "‪.2‬‬

‫كشرع اهلل لإلنساف الشرائع التي تيدؼ إلى مصمحتو الدنيكية كاألخركية كتسيؿ عميو‬
‫القياـ بأداء الميمة التي مف أجميا خمؽ‪.‬‬

‫يقكؿ اإلماـ الشاطبي في كتابو المكافقات‪" :‬إف كضع الشرائع إنما ىك لمصالح العباد‬
‫في العاجؿ كاآلجؿ معا‪ ،‬كالمحافظة عمى الضركريات كالحاجيات كالتحسينات"‪.‬‬

‫يقكؿ ابف تيمية ‪ :‬كمف مقاصد الشريعة اإلسالمية المحافظة عمى الكميات الخمس‬
‫التي تكاترت رسؿ اهلل تعالى عمى كجكب المحافظة عمييا‪" .‬كىي الديف كالنفس كالعقؿ كالنسب‬
‫كالماؿ كالعرض"‪ ،‬كمنيا‪ :‬اليسر كرفع الحرج كالمشقة‪.‬‬

‫كيقكؿ أبك بكر بف عاصـ الغرناطي المالكي في نظمو في أصكؿ الفقو "مرتقى‬
‫الكصكؿ إلى عمـ األصكؿ"‪:‬‬

‫‪ -1‬سكرة الذاريات‪ ،‬اآلية ‪.56‬‬


‫‪ -2‬سكرة الجاثية‪ ،‬اآلية ‪.12‬‬
‫‪20‬‬
‫كأصميا ما بالضركرة اشتيػر‬ ‫**‬ ‫مقاصد الشرع ثالث تعتب ػػر‬
‫إف كاف أصال كسكاه تابػ ػػع‬ ‫**‬ ‫كاتفقت في شأنيا الش ارئ ػػع‬
‫صالح دنيا كصالح األخػػرل‬ ‫**‬ ‫كىك الذم برعيػو استقػ ػ ار‬
‫كالنفس كالماؿ معا كالنس ػػؿ‬ ‫**‬ ‫كذاؾ حفظ الديف ثـ العق ػػؿ‬
‫كاألكؿ كالنكاح كالصػ ػػالة‬ ‫**‬ ‫مف جية الكجكد كالثبػ ػػات‬
‫كالحد كالقصاص كالجي ػػاد‬ ‫**‬ ‫كتارة بالػدرء لمفس ػ ػػاد‬
‫لو مكمؼ بأمػر معتب ػ ػػر‬ ‫**‬ ‫كبعده الحاجي كىك ما افتقػػر‬
‫أك رفع تضييؽ مؤد لمح ػػرج‬ ‫**‬ ‫مف جية التكسيع فيما ينتيػػج‬
‫ما كاف مف مسائؿ الع ػػادات‬ ‫**‬ ‫كثالػث قسػـ المحسن ػػات‬
‫ما ىػك مف تتمػة األصمػػي‬ ‫**‬ ‫كفي الضركرم كفي الحاجػػي‬

‫المطمب الثاني‪ :‬مقاصد الشريعة في القرآف‬

‫إف النصكص القرآنية الدالة عمى تعميؿ أفعالو تعالى كأحكامو كثيرة‪ ،‬كلك كانت‬
‫كما‬ ‫األحكاـ غير معممة لكانت ليكا كعبثا‪ ،‬كىك منزه عف ذلؾ عز كجؿ‪ ،‬يقكؿ تعالى ‪( :‬‬
‫خمقنا السماء كاألرض كما بينيما العبيف )‪.1‬‬

‫كالقرآف الكريـ يشير إلى المقاصد بالصيغ اآلتية‪ :‬إما بالنص عمى أنو مف مقاصد‬
‫الشريعة كذا‪ ...‬بمفظ اإلرادة‪ ،‬كما في قكؿ اهلل ‪ ( :‬يريد اهلل بكـ اليسر كال يريد بكـ العسر‬
‫كلتكممكا العدة كلتكبركا اهلل عمى ما ىداكـ كلعمكـ تشكركف)‪.2‬‬

‫– أييا المؤمنكف – التخفيؼ عميكـ لعممو بمشقة‬ ‫قاؿ اإلماـ الطبرم‪" :‬يريد اهلل بكـ‬
‫ذلؾ عميكـ في ىذه األحكاؿ"‪.3‬‬

‫‪ -1‬سكرة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.16‬‬


‫‪ -2‬سكرة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.184‬‬
‫‪ -3‬البياف في تأكيؿ القرآف‪ ،‬دار الكتب العممية‪ ،‬بيركت‪ ،‬ط‪1992/1 .‬ـ‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.162‬‬
‫‪21‬‬
‫كمف صيغ التعميؿ في القرآف‪ :‬الـ التعميؿ‪ :‬قكلو تعالى‪ ( :‬إنا أنزلنا إليؾ الكتاب بالحؽ‬
‫لتحكـ بيف الناس بما أراؾ اهلل كال تكف لمخائنيف خصيما )‪ ،1‬فعمة إنزاؿ الكتاب ىك الحكـ‬
‫بيف الناس بشرع اهلل‪.‬‬

‫فبظمـ مف الذيف ىادكا حرمنا عمييـ طيبات‬ ‫كباء السببية‪ ،‬كمثاؿ ذلؾ؛ قكلو تعالى‪( :‬‬
‫أحمت ليـ كبصدىـ عف سبيؿ اهلل كثي ار )‪ .2‬قاؿ القرطبي عف ىذه اآلية‪" :‬كقدـ الظمـ عمى‬
‫التحريـ إذ ىك الغرض الذم قصد إلى اإلخبار عنو بأنو سبب لمتحريـ" ‪ – .3‬ك"كي" كمثاليا‪:‬‬
‫قكلو تعالى ‪ ( :‬لكيال تأسكا عمى ما فاتكـ كال تفرحكا بما أتاكـ كاهلل ال يحب كؿ مختاؿ‬
‫فخكر)‪ .4‬كتكجد صيغ أخرل يصؼ فييا اهلل تعالى نفسو بالحكمة كالرحمة‪ ،‬أك يبيف اهلل تعالى‬
‫فييا فكائد المأمكرات كعكاقب المنييات‪.‬‬

‫المطمب الثالث‪ :‬مقاصد الشريعة في السنة‪:‬‬

‫‪ -‬حديث ‪" :‬ال ضرر كال ضرار" ‪ ،5‬فيذا الحديث يدؿ عمى مقصد مف مقاصد الشريعة‬
‫كىك رفع الضرر بالنفس كاإلضرار بالغير‪.‬‬

‫‪ -‬حديث سعد بف أبي كقاص حيف قاؿ‪" :‬يا رسكؿ اهلل إف لي ماال كثي ار كليس يرثني‬
‫إال ابنتي أفأكصي بمالي كمو؟" قاؿ‪ :‬ال قمت‪ :‬فثمثي مالي؟ قاؿ‪" :‬ال قمت فالشطر"‪ .‬قاؿ‪ :‬ال‪،‬‬
‫قمت‪ :‬فالثمث؟ قاؿ‪" :‬الثمث كالثمث كثير إنؾ أف تذر كرثتؾ أغنياء خير مف أف تذرىـ عالة‬
‫يتكففكف الناس"‪.6‬‬

‫كىذه كغيرىا كثير كالمقصكد مف ذلؾ أف السنة مميئة بالمقاصد كالرسكؿ عميو الصالة‬
‫كالسالـ قد استعمؿ المقاصد كراعاىا كىذا مف أىداؼ الرسالة ‪.‬‬

‫‪ -1‬سكرة النساء‪ ،‬اآلية ‪.104‬‬


‫‪ -2‬سكرة النساء‪ ،‬اآلية ‪.159‬‬
‫‪ -3‬تفسير القرطبي ألبي عبد اهلل القرطبي‪ ،‬دار الكتب العممية‪ ،‬ط‪ ،2005/2 .‬ج ‪ 6‬ص ‪.10‬‬
‫‪ -4‬سكرة الحديد‪ ،‬اآلية ‪.22‬‬
‫‪ -5‬ركاه أحمد في مسنده عف ابف عباس ج‪ 1‬ص‪.313‬‬
‫‪ -6‬ركاه البخارم في صحيحو‪ ،‬كتاب الكصايا‪ ،‬باب ‪:‬أف يترؾ كرثتو أغنياء خير مف أف يتكففكف الناس‪. 2591 ،‬‬
‫‪22‬‬
‫المطمب الرابع‪ :‬فكائد معرفة مقاصد الشريعة‪:‬‬

‫كأما فكائد معرفة مقاصد الشريعة‪ ،‬فيي كثيرة نذكر بعضيا باختصار شديد‪:‬‬

‫‪ -‬الفائدة األكلى‪ :‬الفيـ الصحيح لمشريعة‪.‬‬

‫‪ -‬الفائدة الثانية‪ :‬تعميؽ فيـ كتاب اهلل كسنة رسكلو صمى اهلل عميو كسمـ‪.‬‬

‫‪ -‬الفائدة الثالثة‪ :‬الكصكؿ إلى الحكـ الشرعي في النكازؿ التي لـ ينص عمييا في الشرع‪.‬‬

‫‪ -‬الفائدة الرابعة‪ :‬التيسير عمى الناس في دينيـ كدنياىـ‪ ،‬قاؿ تعالى‪ ( :‬يريد اهلل بكـ‬
‫اليسر كال يريد بكـ العسر)‪.1‬‬

‫المطمب الخامس ‪ :‬مؤلفات في المقاصد‪:‬‬

‫‪ -1‬المكافقات لإلماـ الشاطبي‪.‬‬

‫‪ -2‬مقاصد الشريعة البف عاشكر‪.‬‬

‫‪ -3‬الفائؽ في المقاصد الشرعية‪ ،‬أبك عبد الرحمف األخضر األخضرم‪.‬‬

‫‪ -4‬مدارس النظر إلى التراث كمقاصدىا أبك عبد الرحمف األخضر األخضرم‪.‬‬

‫‪ -6‬اإلماـ في مقاصد رب األناـ أبك عبد الرحمف األخضر األخضرم‪.‬‬

‫المطمب السادس‪ :‬أقساـ المقاصد باعتبار المصالح‪:‬‬

‫تتنكع المقاصد تبعا لتنكع المصالح‪ ،‬كىي ثالثة‪ :‬مقاصد ضركرية‪ ،‬كمقاصد حاجية‪،‬‬
‫كمقاصد تحسينية‪.‬‬

‫أ ‪ -‬المقاصد الضركرية ‪ :‬ىي التي تقكـ عمييا مصالح الناس في دينيـ كدنياىـ‪،‬‬
‫بحيث لك اختمت كميا أك بعضيا الختؿ نظاـ حياة الناس كعمتيـ الفكضى حتى قيؿ‪ :‬إف‬
‫ىذه األمكر ممحكظة في كؿ ممة مف الممؿ السابقة ؛ألنيا يتكقؼ عمييا نظاـ العاـ‪ ،‬كألف بقاء‬
‫النكع اإلنساني ال يستقيـ حالو إال بالحفاظ عمييا‪ ،‬كىذه األمكر الضركرية ىي الديف كالنفس‬

‫‪ -1‬سكرة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.185‬‬


‫‪23‬‬
‫كالعقؿ كالنسؿ كالماؿ‪ ،‬بيا يقكـ أمر الديف كالدنيا‪ ،‬كبالمحافظة عمييا تستقيـ الحياة كينتظـ‬
‫أمر المجتمع‪.‬‬

‫كايجاد الديف يككف بكجكب اإليماف باهلل تعالى كرسمو كالمالئكة كالكتب كاليكـ اآلخر‬
‫كالنطؽ بالشيادتيف كأصكؿ العبادات مف صالة كصياـ كزكاة كحج‪.‬‬

‫كلحفظ الديف أمرت الشريعة اإلسالمية بالجياد كأكجبت قتؿ المرتد‪ ،‬كلحفظ النفس‬
‫شرعت القصاص مف القاتؿ عمدا‪ ،‬كالدية كالكفارة عمى مف يقتؿ خطأ‪ ،‬كعقكبة مف يتعدل‬
‫عمى األطراؼ‪ ،‬كأباحت لممضطريف تناكؿ المحرمات‪ ،‬كلحفظ النسؿ شرع الزكاج كرغب فيو‪،‬‬
‫كحرـ الزنا كمنع اإلجياض‪ ،‬كإليجاد الماؿ أكجب الشارع السعي كالعمؿ كنيى عف التكاكؿ‬
‫كالكسؿ كشرع أصكؿ المعامالت مف بيع كاجارة كغيرىما‪ ،‬كلحفظ الماؿ حرـ أكؿ أمكاؿ‬
‫الناس بالباطؿ سكاء عف طريؽ الربا أك الغصب أك السرقة أك الرشكة أك القمار أك غيرىا‪،‬‬
‫كلحفظ العقؿ حرـ شرب الخمر كباقي المسكرات كالمخدرات المضرة لمعقؿ‪.‬‬

‫ب‪ -‬المقاصد الحاجية‪ :‬كىي التي يحتاج إلييا الناس لرفع الضيؽ كالحرج كالمشقة‪،‬‬
‫بحيث لك اختمت كميا أك بعضيا كقعكا في الحرج كلحقتيـ المشقة مف غير أف يختؿ نظاـ‬
‫الحياة كما ىك الشأف بالنسبة لمضركريات المتقدمة كىذه الحاجيات ىي في الحقيقة ترجع إلى‬
‫تيسير التعامؿ بيف الناس كالترخيص بأحكاـ تخفؼ عنيـ المشقة كترفع الحرج‪ ،‬كىي مكجكدة‬
‫في العبادات كالعادات كالمعامالت كالجنايات‪.‬‬

‫ففي العبادات كالرخص المخففة لممشقة بالمرض كإباحة التيمـ عند العجز عف‬
‫استعماؿ الماء أك فقدانو كاباحة الفطر في رمضاف لممسافر كالمريض كقصر الصالة‬
‫لممسافر‪ ،‬كاباحة الصالة جمكسا لمعاجز عف القياـ‪ ،‬كباإليماء بالرأس لمف عجز عف الرككع‬
‫كالسجكد كالسفر‪ ،‬كفي العادات كإباحة الصيد كميتة البحر كالتمتع بالطيبات مما ىك حالؿ‬
‫مأكال كممبسا كمسكنا كمركبا‪ ،‬كفي المعامالت كالقراض كالمساقاة كالمزارعة كشرع الطالؽ‬
‫عند الحاجة‪ ،‬كفي الجنايات كتضميف الصناع عمى تمؼ األمتعة كجعؿ لكلي القتيؿ العفك‬
‫عف القصاص‪.‬‬

‫ج‪ -‬المقاصد التحسينية‪ :‬كمعناىا األخذ بما يميؽ مف محاسف العادات كمكارـ‬
‫األخالؽ كتجنب ما تأبو النفس الكريمة كينفر منو العقؿ بحيث لك فقدت ال يختؿ مف أجميا‬
‫‪24‬‬
‫نظاـ الحياة كما في الضركريات كال يمحقيـ حرج كال مشقة في عيشيـ كما في فقد‬
‫الحاجيات‪ ،‬كانما تصير حياتيـ غير طيبة تنكرىا الفطرة السميمة كتسقط في تقدير العقكؿ‬
‫السميمة‪ ،‬كىي ترجع في جممتيا إلى مكارـ األخالؽ كمحاسف العادات كتراىا في كؿ نكع مف‬
‫أنكاع التشريعات مف عبادات كمعامالت كعادات كعقكبات كشأف سابقتيا‪ ،‬ففي العبادات شرع‬
‫اهلل تعالى طيارة الحدث كالخبث كستر العكرة كأخذ الزينة عند الصالة‪ ،‬كفي العادات كآداب‬
‫األكؿ كالشرب كالنيي عف اإلسراؼ كالتقتير في اإلنفاؽ‪ ،‬كفي المعامالت كالمنع مف الغش‬
‫كاالحتياؿ كالنيي عف بيع اإلنساف عمى بيع أخيو كالخطبة عمى خطبة أخيو‪ ،‬كفي الجنايات‬
‫كمنع قتؿ النساء كاألطفاؿ كالشيكخ في الحركب‪ ،‬كما نيى عف التمثيؿ كالغدر‪ ،‬كىذه النماذج‬
‫كغيرىا راجعة إلى محاسف زائدة عمى أصؿ المصالح الضركرية كالحاجية‪ ،‬إذ ليس فقدانيا‬
‫بمخؿ بأمر ضركرم كال حاجي‪ ،‬كانما جرت مجرل التحسيف كالتزييف مما يجعؿ المسمميف‬
‫عمى أجمؿ صكرة كأكرـ منياج‪.1‬‬

‫‪ -1‬التشريع اإلسالمي أصكلو كمقاصده‪ ،‬الدكتكر عمر الجيدم‪ ،‬منشكرات عكاظ‪ ،1987 ،‬ص ‪.254-253‬‬
‫‪25‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أسس الشريعة‬
‫تنبني الشريعة عمى أسس متينة تتجمى في إصالح أحكاؿ الناس كعقائدىـ كىدييـ إلى‬
‫الطريؽ المستقيـ‪ ،‬كجمب المنفعة ليـ كدرء الضرر عنيـ‪ ،‬كقد بينيا القرآف في قكلو تعالى‪:‬‬
‫(يامرىـ بالمعركؼ كينياىـ عف المنكر كيحؿ ليـ الطيبات كيحرـ عمييـ الخبائث )‪ ،1‬كأىـ‬
‫األسس التي تقكـ عمييا الشريعة ثالثة كىي ‪ :‬عدـ الحرج‪ ،‬كالتقميؿ مف التكاليؼ‪ ،‬كالتدرج في‬
‫التشريع‪.‬‬

‫المطمب األكؿ‪ :‬عدـ الحرج‪:‬‬

‫الحرج‪ :‬في المغة الضيؽ‪ ،‬كقد كردت آيات عديدة في القرآف دالة عمى رفع الحرج‬
‫كمبينة لمبدأ اليسر في الدعكة كقكلو تعالى‪ ( :‬كما جعؿ عميكـ في الديف مف حرج )‪ ،2‬كقكلو‬
‫تعالى‪ ( :‬ال يكمؼ اهلل نفسا إال كسعيا )‪ 3‬كفي السنة قكلو عميو الصالة كالسالـ‪ ( :‬أحب الديف‬
‫إلى اهلل الحنيفية السمحة)‪ ،4‬كقكلو ‪( :‬إف الديف يسر كلف يشاد الديف أحد إال غمبو)‪.5‬‬

‫ككنتيجة لعدـ الحرج يقع التخفيؼ مف التكاليؼ إذا ظيرت شدتيا‪ ،‬كيككف العبد مطالبا‬
‫إف اهلل يحب أف‬ ‫باستعماؿ الرخص دفعا لكؿ تكميؼ كمشقة‪ ،‬قاؿ عميو الصالة كالسالـ‪" :‬‬
‫تؤتى رخصو كما يحب أف تؤتى عزائمو "‪ .6‬كمف ىذه الرخص الفطر لممريض كالمسافر قاؿ‬
‫تعالى‪ ( :‬كمف كاف مريضا أك عمى سفر فعدة مف أياـ أخر يريد اهلل بكـ اليسر كال يريد بكـ‬
‫العسر)‪ ،7‬كالتيمـ‪ ( :‬إف كنتـ مرضى أك عمى سفر أك جاء أحد منكـ مف الغائط أك المستـ‬
‫النساء فمـ تجدكا ماء فتيممكا صعيدا طيبا)‪.8‬‬

‫‪ -1‬سكرة األعراؼ‪ ،‬اآلية ‪.157‬‬


‫‪ -2‬سكرة الحج‪ ،‬اآلية ‪.76‬‬
‫‪ -3‬سكرة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.285‬‬
‫‪ -4‬أخرجو البخارم في صحيحو‪ ،‬كتاب اإليماف‪ ،‬باب الديف يسر‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.23‬‬
‫‪ -5‬أخرجو البخارم في صحيحو‪ ،‬كتاب اإليماف‪ ،‬باب الديف يسر رقـ ‪.39‬‬
‫‪ -6‬ركاه اإلماـ أحمد في مسنده‪ ،،‬حديث رقـ ‪.5832‬‬
‫‪ -7‬سكرة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.184‬‬
‫‪ -8‬سكرة النساء‪ ،‬اآلية ‪.43‬‬
‫‪26‬‬
‫كاباحة المحظكرات عند الضركرة‪ ،‬قاؿ تعالى‪ ( :‬إنما حرـ عميكـ الميتة كالدـ كلحـ‬
‫الخنزير كما أىؿ بو لغير اهلل فمف اضطر غير باغ كال عاد فال إثـ عميو إف اهلل غفكر‬
‫رحيـ)‪.1‬‬

‫المطمب الثاني‪ :‬تقميؿ التكاليؼ‬

‫إف منيج الدعكة في الشريعة اإلسالمية ينبني عمى تقميؿ التكاليؼ تيسي ار عمى العباد‪،‬‬
‫كىذا مف مستمزمات رفع الحرج ؛ ألف في كثرة التكاليؼ إحراجا كمشقة‪ ،‬كليذا لـ تشرع‬
‫األحكاـ في القرآف إال عمى قدر الحاجات التي دعت إلييا كاألقضية كالحكادث التي‬
‫اقتضتيا‪ ،‬كلـ تشرع أحكاـ لحؿ مسائؿ افتراضية‪ ،‬أك لمفصؿ في خصكمات محتممة‪ ،‬كدليمو‬
‫مف القرآف قكلو تعالى ‪ ( :‬يا أييا الذيف آمنكا ال تسألكا عف أشياء إف تبد لكـ تسؤكـ كاف‬
‫تسألكا عنيا حيف ينزؿ القرآف تبد لكـ عفا اهلل عنيا كاهلل غفكر حميـ قد سأليا قكـ مف‬
‫قبمكـ ثـ أصبحكا بيا كافريف )‪ ،2‬ففي ىذه اآلية نيى اهلل عف السؤاؿ الذم قد يؤدم إلى‬
‫التكميؼ بسبب ما ينشأ عف السؤاؿ مف أشياء سكت عنيا القرآف رحمة بالناس مف غير‬
‫نسياف فترؾ الخيار في فعميا أك الكؼ عنيا‪.‬‬

‫كقاؿ صمى اهلل عميو كسمـ‪ " :‬إف اهلل فرض فرائض فال تضيعكىا كحد حدكدا فال‬
‫تعتدكىا كحرـ أشياء فال تنتيككىا كسكت عف أشياء رحمة بكـ مف غير نسياف فال تبحثكا‬
‫عنيا"‪.3‬‬

‫‪ -1‬سكرة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.172‬‬


‫‪ -2‬سكرة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.104‬‬
‫‪ -3‬أخرجو الدارقطني عف أبي ثعمبة الخشني‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫المطمب الثالث‪ :‬التدرج في التشريع‬

‫لـ تنزؿ األحكاـ الشرعية دفعة كاحدة‪ ،‬كقد استغرؽ ىذا التدرج زمف الرسالة ثالث‬
‫كعشريف سنة حسب األقضية كالحكادث‪ ،‬حيث كاف لكؿ حكـ تشريعي تاريخ لصدكره كسبب‬
‫خاص لتشريعو‪.‬‬

‫كالحكمة مف ذلؾ تكمف في سيكلة نفاذ األحكاـ إلى قمكب كعقكؿ المكمفيف كاالستعداد‬
‫لتقبميا كالعمؿ بيا‪.‬‬

‫أ‪ -‬التدرج في تحريـ الخمر‪:‬‬

‫سئؿ الرسكؿ عميو الصالة كالسالـ عف الخمر كالميسر كىما مف العادات المستحكمة‬
‫عند العرب في جاىميتيـ فنزؿ القرآف مجيبا‪ ( :‬يسألكنؾ عف الخمر كالميسر قؿ فييما إثـ‬
‫كبير كمنافع لمناس كاثميما أكبر مف نفعيما )‪ .1‬فيذه اآلية لمحت بالكؼ عف الخمر‪ ،‬ثـ لما‬
‫أخذ بعض الناس يخمط في قراءة القرآف في الصالة بسبب السكر نزؿ قكلو تعالى‪ ( :‬يا أييا‬
‫الذيف آمنكا ال تقربكا الصالة كأنتـ سكارل حتى تعممكا ما تقكلكف)‪.2‬‬

‫كىذه اآلية صرحت بالنيي عف الخمر إال أف ذلؾ مخصكص بكقت الصالة‪ ،‬فضيؽ‬
‫عمى الناس مزاكلة السكر مع الصمكات الخمس‪ ،‬ثـ جاء التحريـ بصفة قاطعة كجازمة في‬
‫قكلو تعالى ‪ ( :‬يا أييا الذيف آمنكا إنما الخمر كالميسر كاألنصاب كاأل زالـ رجس مف عمؿ‬
‫الشيطاف فاجتنبكه لعمكـ تفمحكف إنما يريد الشيطاف أف يكقع بينكـ العداكة كالبغضاء في‬
‫الخمر كالميسر كيصدكـ عف ذكر اهلل كعف الصالة فيؿ أنتـ منتيكف)‪.3‬‬

‫‪ -1‬سكرة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.217‬‬


‫‪ -2‬سكرة النساء‪ ،‬اآلية ‪.43‬‬
‫‪ -3‬سكرة المائدة‪ ،‬اآلية ‪. 93-92‬‬
‫‪28‬‬
‫ب‪ -‬التدرج في تشريع حد الزنا‪:‬‬

‫نزلت آيات كثيرة قبؿ التحريـ القطعي لمزنا‪ ،‬منيا ما جاء في قكلو تعالى‪ ( :‬كال تكرىكا‬
‫"‪ .1‬ثـ نزؿ قكلو تعالى ‪:‬‬ ‫فتياتكـ عمى البغاء إف أردف تحصنا لتبتغكا عرض الحياة الدنيا‬
‫"كالالتي يأتيف الفاحشة مف نسائكـ فاستشيدكا عمييف أربعة منكـ فإف شيدكا فأمسككىف‬
‫في البيكت حتى يتكفاىف المكت أك يجعؿ اهلل ليف سبيال )‪ .2‬فاآلية فييا عقاب لممرأة الزانية‬
‫دكف الرجؿ‪.‬‬

‫ثـ نزؿ قكلو تعالى‪ ( :‬كالمذاف يأتيانيا منكـ فآذكىما فإف تابا كأصمحا فأعرضكا عنيما‬
‫إف اهلل كاف تكابا رحيما)‪ ،3‬كىذا العقاب يشمؿ الرجؿ متزكجا كاف أـ ال‪.‬‬

‫ثـ نزلت اآليات التي سكت بيف الرجؿ كالمرأة في العقاب عمى الزنا كأكدت تحريمو‬
‫فقاؿ تعالى‪ ( :‬الزانية كالزاني فاجمدكا كؿ كاحد منيما مائة جمدة كال تأخذكـ بيما رأفة في‬
‫ديف اهلل إف كنتـ تؤمنكف باهلل كاليكـ اآلخر كليشيد عذابيما طائفة مف المؤمنيف الزاني ال‬
‫ينكح إال زانية أك مشركة كالزانية ال ينكحيا إال زاف أك مشرؾ كحرـ ذلؾ عمى المؤمنيف )‪.4‬‬

‫ت‪ -‬التدرج في تحريـ الربا‪:‬‬

‫نيى اإلسالـ عف التعامؿ بالربا كحرمو‪ ،‬كىيأ المسمميف لتقبؿ ىذا الحكـ كاالنقياد بأف‬
‫سبقتو أحكاـ تندرج بيـ إلى الحكـ النيائي‪.‬‬

‫فأكؿ ما نزؿ عف الربا قكلو تعالى‪ ( :‬كما آتيتـ مف ربا لتربكا في أمكاؿ الناس فال‬
‫يربك عند اهلل‪ ،‬كما آتيتـ مف زكاة تريدكف كجو اهلل فأكالئؾ ىـ المضعفكف )‪ ،5‬ثـ نزؿ قكلو‬
‫تعالى ‪ ( :‬فبظمـ مف الذيف ىادكا حرمنا عمييـ طيبات أحمت ليـ كبصدىـ عف سبيؿ اهلل‬
‫كثي ار كأخذىـ الربا كقد نيكا عنو كأكميـ أمكاؿ الناس بالباطؿ‪ ،‬كاعتدنا لمكافريف منيـ عذابا‬

‫‪ -1‬سكرة النكر‪ ،‬اآلية ‪.33‬‬


‫‪ -2‬سكرة النساء‪ ،‬اآلية ‪.15‬‬
‫‪ -3‬سكرة النساء‪ ،‬اآلية ‪.16‬‬
‫‪ -4‬سكرة النكر‪ ،‬اآلية ‪.3-2‬‬
‫‪ -5‬سكرة الركـ‪ ،‬اآلية ‪.38‬‬
‫‪29‬‬
‫يا أييا الذيف آمنكا ال تأكمكا الربا‬ ‫أليما)‪ ،1‬ثـ جاء التحريـ األكؿ لمربا في قكلو تعالى‪( :‬‬
‫أضعافا مضاعفة كاتقكا اهلل لعمكـ تفمحكف)‪ .2‬ثـ جاء التحريـ النيائي في قكلو تعالى‪ ( :‬الذيف‬
‫يأكمكف الربا ال يقكمكف إال كما يقكـ الذم يتخبطو الشيطاف مف المس ذلؾ بأنيـ قالكا إنما‬
‫البيع مثؿ الربا كأحؿ اهلل البيع كحرـ الربا)‪.3‬‬

‫‪ -‬اآلية األكلى تبيف أف اهلل تعالى ينيى عف الربا كيحث عمى الصدقات حتى يككف‬
‫ذلؾ حاف از عمى اإلقالع عنو كالميؿ إلى البر بالفقراء كأنو سيضاعؼ ليـ تمؾ الصدقات‪ ،‬كقد‬
‫كاف ليذه اآلية أثر في إقالع بعض المسمميف عف الربا‪.‬‬

‫‪ -‬كفي اآلية الثانية تحذير لمف يتعامؿ بالربا أف يصيبيـ ما أصاب الييكد مف‬
‫غضب اهلل عمييـ كتحريـ طيبات كانت حالال ليـ‪ ،‬فتراجع المسممكف بسبب ىذا التحذير عف‬
‫الربا قميال‪ ،‬إال أف ىناؾ تدرجا في التشريع بالنسبة ألحكاـ‪ ،‬كىناؾ أيضا ما يعرؼ بتأخير‬
‫البياف لكقت الحاجة بالنسبة ألحكاـ أخرل‪ ،‬كما أف أحكاما نزلت دفعة كاحدة‪ ،‬كقكلو تعالى‪:‬‬
‫"كالسارؽ كالسارقة فاقطعكا أيدييما جزاء بما كسبا نكاال مف اهلل كاهلل عزيز حكيـ "‪ ،4‬كمنو‬
‫تحريـ قتؿ النفس بغير حؽ‪.‬‬

‫‪ -1‬سكرة النساء‪ ،‬اآلية ‪ 159‬ك ‪.160‬‬


‫‪ -2‬سكرة آؿ عمراف‪ ،‬اآلية ‪.130‬‬
‫‪ -3‬سكرة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.274‬‬
‫‪ -4‬سكرة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.40‬‬
‫‪30‬‬
‫الفصؿ الثاني‪:‬‬

‫خصائص الشريعة كنطاقيا كمصادرىا‬


‫المبحث األكؿ ‪ :‬خصائص الشريعة‬
‫تتميز الشريعة اإلسالمية بخصائص ترفعيا إلى أرقى درجة العظمة كالكماؿ‪ ،‬ال يرقى‬
‫إلييا أم قانكف كضعي كأىـ خصائصيا ما يمي‪:‬‬

‫المطمب األكؿ‪ :‬الشريعة ربانية المصدر‬

‫الشريعة اإلسالمية شريعة سماكية ك ربانية جاءت مف عند اهلل تعالى عالـ الغيب‬
‫المنزه عف الخطأ كاليكل‪ ( ،‬ال يضؿ ربي كال ينسى )‪ ،1‬فيي شريعة ربانية ألنيا مف كحي اهلل‬
‫تعالى الذم يعمـ أحكاؿ عباده كما يصمح معاشيـ كمعادىـ‪ ( :‬يعمـ خائنة األعيف كما تخفي‬
‫الصدكر)‪ ،2‬كيعمـ ما يحقؽ ليـ الخير في دنياىـ كأخراىـ‪ ،‬فيك الخالؽ المطمع عمى شؤكف‬
‫خمقو‪ ( :‬أال يعمـ مف خمؽ كىك المطيؼ الخبير )‪ ،3‬كىك المنشئ العالـ لما يطيقو البشر مف‬
‫تكاليؼ كما ال يطيقو‪ ( ،‬ىك أعمـ بكـ إذ أنشأكـ مف األرض كاذ أنتـ أجنة في بطكف‬
‫أمياتكـ)‪ ،4‬فيي شريعة مستقيمة في نيجيا‪ ،‬سامية في مغزاىا‪ ،‬ليس فييا اعكجاج كال‬
‫انحراؼ‪ ،‬ألف اهلل تعالى تكفؿ بحفظيا‪ ،‬قاؿ تعالى‪ ( :‬إنا نحف نزلنا الذكر كانا لو لحافظكف)‪.5‬‬

‫فمصدر الشريعة اإلسالمية ىك اهلل تعالى‪ ،‬رب البشر فيي كحيو إلى رسكلو محمد‬
‫صمى اهلل عميو كسمـ بالمفظ كالمعنى كىك القرآف أك بالمعنى دكف المفظ كىك السنة‪ ،‬في حيف‬

‫‪ -1‬سكرة طو‪ ،‬اآلية ‪.51‬‬


‫‪ -2‬سكرة غافر‪ ،‬اآلية ‪.19‬‬
‫‪ -3‬سكرة الممؾ‪ ،‬اآلية ‪.14‬‬
‫‪ -4‬سكرة النجـ‪ ،‬اآلية ‪.31‬‬
‫‪ -5‬سكرة الحجر‪ ،‬اآلية ‪.9‬‬
‫‪31‬‬
‫أف القكانيف الكضعية مف كضع البشر‪ ،‬كقد ترتب عمى ىذا الخالؼ الجكىرم عدة نتائج‬
‫منيا‪:‬‬

‫أ‪ -‬العدؿ‪:‬‬

‫إف مبادئ الشريعة كأحكاميا خالية مف معاني الجكر كالنقص كاليكل؛ ألف صانعيا‬
‫ىك اهلل تعالى‪ ،‬كاهلل لو الكماؿ المطمؽ الذم ىك مف لكازـ ذاتو‪ ،‬بخالؼ القكانيف الكضعية‬
‫التي ال تنفؾ عف ىذه المعاني؛ ألنيا صادرة مف اإلنساف الذم ال يخمك مف معاني الجيؿ‬
‫كالجكر كالنقص كاليكل‪.‬‬

‫ب‪ -‬المساكاة ‪:‬‬

‫جاءت الشريعة بمبدأ المساكاة بيف الناس بغض النظر عف اختالفيـ في المكف أك‬
‫الجنس أك المغة‪ ،‬كجعمت أساس التفاضؿ بينيـ العمؿ الصالح‪ ،‬كمقدار ما يقدمو الفرد مف‬
‫خير‪ ،‬قاؿ تعالى‪ ( :‬يا أييا الناس إنا خمقناكـ مف ذكر كأنثى كجعمناكـ شعكبا كقبائؿ لتعارفكا‬
‫إف أكرمكـ عند اهلل أتقاكـ)‪ ،1‬كىذا المبدأ األصيؿ جاءت بو الشريعة في كقت كانت العصبية‬
‫لمجنس كالقبيمة ىي األساس في المجتمع‪ ،‬كفي تمايز الناس كتفاضميـ‪ ،‬كقد طبؽ ىذا المبدأ‬
‫العدؿ القكيـ كاجتثت جذكر العصبية‪ ،‬كلـ يعد ىناؾ امتياز لمكف أك الجنس‪" ،‬فال فضؿ‬
‫لعربي عمى أعجمي إال بالتقكل" ‪ ،2‬كما قاؿ الرسكؿ الكريـ عميو الصالة كالسالـ‪.‬‬

‫‪ -1‬سكرة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪.13‬‬


‫‪ -2‬أخرجو أحمد في مسنده عف أبي نضرة‪ ،‬برقـ ‪ .23536‬كالبييقي في "الشعب" برقـ ‪.5137‬‬
‫‪32‬‬
‫ت‪ -‬الييبة كاالحتراـ‪:‬‬

‫تتميز أحكاـ الشريعة اإلسالمية بالييبة كاالحتراـ في نفكس المؤمنيف حكاما كانكا أك‬
‫محككميف ألنيا صادرة مف عند اهلل‪ ،‬كمف ثـ فميا صفة الديف‪ ،‬كمالو ىذه الصفة مف حقو أف‬
‫يحترـ كيطاع طاعة اختيارية تنبعث مف النفس البشرية كتقكـ عمى اإليماف كال يجبر عمييا‬
‫اإلنساف جب ار‪.‬‬

‫المطمب الثاني‪ :‬الشريعة مكصكفة بالكماؿ كالخمكد‬

‫لما كانت الشريعة اإلسالمية مف عند اهلل تعالى‪ ،‬ككاف سبحانو متصفا بالكماؿ‪ ،‬فالبد‬
‫أف تتميز شريعتو التي يكحي بيا لخمقو بصفتو يقكؿ تعالى‪ ( :‬اليكـ أكممت لكـ دينكـ كأتممت‬
‫عميكـ نعمتي كرضيت لكـ اإلسالـ دينا )‪ ،1‬ككماؿ الشريعة اإلسالمية يجعميا صالحة لكؿ‬
‫زماف كمكاف‪ ،‬كمكافقة لسائر العصكر كاألقكاـ‪ ،‬كقد مر عمى الشريعة اإلسالمية أزيد مف‬
‫أربعة عشر قرنا مف الزماف حكمت خالليا مختمؼ شعكب األمة اإلسالمية‪ ،‬كدخمت فييا‬
‫بالدا شتى‪ ،‬ككاجيت مشاكؿ جديدة‪ ،‬لـ تكف في العيد النبكم‪ ،‬فكجدت ليا حمكال مالئمة‪ ،‬مما‬
‫يؤكد أنيا شريعة غضة صالحة لكؿ زماف كمكاف‪ ،‬تحمؿ نصكصيا عناصر النمك‬
‫كاالرتقاء‪.2‬‬

‫‪ -1‬سكرة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.4‬‬


‫‪ -2‬المدخؿ لدراسة الشريعة ليداية اهلل‪ ،‬ص ‪.41-39‬‬
‫‪33‬‬
‫المطمب الثالث‪ :‬الشريعة عالمية‬

‫الشريعة اإلسالمية تصمح لكؿ مكاف‪ ،‬فتككف بذلؾ شريعة عالمية‪ ،‬بخالؼ الشرائع‬
‫السماكية السابقة التي كانت محدكدة كمكجية إلى أقكاـ معينيف‪ ،‬فالنبي نكح عميو السالـ بعث‬
‫إلى قكمو خاصة‪ ،‬قاؿ تعالى‪ ( :‬إنا أرسمنا نكحا إلى قكمو أف أنذر قكمؾ مف قبؿ أف يأتييـ‬
‫عذاب أليـ)‪ ،1‬ككذلؾ النبي إبراىيـ عميو السالـ‪ ،‬قاؿ تعالى ‪ ( :‬كاتؿ عمييـ نبأ إبراىيـ إذ قاؿ‬
‫ألبيو كقكمو ما تعبدكف )‪،2‬ككذلؾ النبي مكسى عميو السالـ‪ ،‬قاؿ تعالى ‪ ( :‬كاذ قاؿ مكسى‬
‫لقكمو اذكركا نعمة اهلل عميكـ )‪ ،3‬ككذلؾ النبي عيسى عميو السالـ‪ ،‬قاؿ تعالى ‪ ( :‬كاذ قاؿ‬
‫)‪ ،4‬بينما جاءت شريعة اإلسالـ إذا‬ ‫عيسى بف مريـ يا بني إسرائيؿ إني رسكؿ اهلل إليكـ‬
‫لتككف شريعة عامة لكؿ البشر‪ ،‬أينما كجدكا في ىذا العالـ‪ ،‬كبعث اهلل تعالى محمدا صمى اهلل‬
‫كما‬ ‫عميو كسمـ‪ ،‬ليككف رحمة لمعالميف كرسكلو إلى الناس أجمعيف‪ ،‬حيث قاؿ تعالى ‪( :‬‬
‫أرسمناؾ إال رحمة لمعالميف )‪ ،5‬كقاؿ عز كجؿ‪ ( :‬قؿ يا أييا الناس إني رسكؿ اهلل إليكـ‬
‫جميعا)‪ ،6‬كقاؿ رسكؿ اهلل صمى اهلل عميو كسمـ‪" :‬بعثت إلى الناس جميعا" ‪.7‬‬

‫كليذه الغاية انتشرت الشريعة اإلسالمية بانتشار اإلسالـ في العالـ كبدخكؿ الناس في‬
‫اإلسالـ‪ ،‬فجاءت قكاعدىا مالئمة لممصمحة الزمنية كالمكانية كحاجات الناس‪ ،‬فيي قكاعد‬
‫جمعت بيف مصادر ثابتة كىي القرآف كالسنة‪ ،‬كمصادر مرنة متطكرة كالقياس كالمصالح‬
‫المرسمة كاالستحساف‪ ،‬ككؿ ما يعتمد عمى الرأم كاالجتياد‪ ،‬كما تتميز بو أيضا تمؾ القكاعد‬

‫‪ -1‬سكرة نكح‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬


‫‪ -2‬سكرة الشعراء‪ ،‬اآليتاف‪.70-69 :‬‬
‫‪ -3‬سكرة إبراىيـ‪ ،‬اآلية ‪.8‬‬
‫‪ -4‬سكرة الصؼ‪ ،‬اآلية ‪.6‬‬
‫‪ -5‬سكرة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.106‬‬
‫‪ -6‬سكرة األعراؼ‪ ،‬اآلية ‪.158‬‬
‫‪ -7‬حديث متفؽ عميو‪ .‬أخرجو البخارم في كتاب التيمـ كفي كتاب الصالة بمفظ آخر‪" ،‬كبعثت إلى الناس عامة"‪ ،‬كمسمـ‬
‫في صحيحو بمفظ "كبعثت إلى كؿ أحمر كأسكد"‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫مف مراعاة التقاليد كاألعراؼ التي تعبر عف تطكر المجتمعات‪ ،‬كذلؾ في حدكد التشريع‬
‫اإلسالمي فيما ال نص فيو‪.1‬‬

‫المطمب الرابع‪ :‬الجزاء في الشريعة دنيكم كأخركم‬

‫األصؿ في أجزية الشريعة ىك الجزاء األخركم‪ ،‬كلكف مقتضيات الحياة كضركرة‬


‫استقرار المجتمع كتنظيـ عالقات األفراد‪ ،‬اقتضى أف يككف مع الجزاء األخركم جزاء دنيكم‪،‬‬
‫كىذا الجزاء الدنيكم منو ما يككف جنائيا كمنو ما يككف مدنيا كما ىك الحاؿ في القكانيف‬
‫الكضعية‪ ،‬كاف كاف نطاقو أكسع مف نطاؽ الجزاء في القانكف الكضعي‪ .‬يقكؿ تعالى بعد أف‬
‫بيف أحكاـ المكاريث كنصيب كؿ كارث‪ ( :‬تمؾ حدكد اهلل كمف يطع اهلل كرسكلو ندخمو جنات‬
‫تجرم مف تحتيا األنيار خالديف فييا كذلؾ الفكز العظيـ‪ ،‬كمف يعص اهلل كرسكلو كيتعد‬
‫حدكده ندخمو نا ار خالدا فييا كلو عذاب مييف )‪ .2‬كفي أكؿ ماؿ الغير بالباطؿ يقكؿ اهلل عز‬
‫كجؿ‪ ( :‬إف الذيف يأكمكف أمكاؿ اليتامى ظمما إنما يأكمكف في بطكنيـ نا ار كسيصمكف‬
‫سعي ار)‪ ،3‬كفي جريمة قطع الطريؽ‪ ،‬يقكؿ سبحانو ‪ ( :‬إنما جزاء الذيف يحاربكف اهلل كرسكلو‬
‫كيسعكف في األرض فسادا أف يقتمكا أك يصمبكا أك تقطع أيدييـ كأرجميـ مف خالؼ أك‬
‫)‪ ،4‬كفي األخالؽ‬ ‫ينفكا مف األرض ذلؾ ليـ خزم في الدنيا كليـ في اآلخرة عذاب عظيـ‬
‫يقكؿ اهلل تعالى ‪( :‬كيؿ لكؿ ىمزة لمزة)‪.5‬‬

‫كيترتب عمى ىذا أف المسمـ يخضع ألحكاـ الشريعة خضكعا اختياريا في السر كالعمف‬
‫خكفا مف عقاب اهلل تعالى‪ ،‬كحتى لك استطاع أف يفمت مف عقاب الدنيا فإف النفس البشرية‬
‫تنزجر بدافع الحياء مف اهلل تعالى كاالحتراـ لو أك الخكؼ مف العقاب األخركم‪ ،‬يقكؿ اهلل عز‬

‫‪ -1‬المدخؿ لدراسة التشريع اإلسالمي لعبد الرحمف الصابكني‪ ،14/1 ،‬ط‪ .1981 .‬المدخؿ ليداية اهلل‪ ،‬ص ‪.45-44‬‬
‫‪ -2‬سكرة النساء‪ ،‬اآلية ‪.14-13‬‬
‫‪ -3‬سكرة النساء‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬
‫‪ -4‬سكرة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.33‬‬
‫‪ -5‬سكرة اليمزة‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬
‫‪35‬‬
‫كجؿ ‪ ( :‬يكـ تجد كؿ نفس ما عممت مف خير محض ار كما عممت مف سكء تكد لك أف بينيا‬
‫كبينو أمدا بعيدا )‪ ،1‬كيقكؿ في آية أخرل ‪ ( :‬فمف يعمؿ مثقاؿ ذرة خي ار يره كمف يعمؿ مثقاؿ‬
‫ذرة ش ار يره)‪ ،2‬ككؿ ىذا يضمف ابتعاد النفكس عف المخالفة كالعصياف‪.‬‬

‫المطمب الخامس‪ :‬مراعاة الشريعة المصمحة العامة‬

‫المصمحة العامة أساس كؿ تشريع‪ ،‬كلذلؾ كانت الشريعة اإلسالمية تراعي ىذه‬
‫المصمحة كتضمنيا‪ ،‬فإذا كاف تصرؼ ما يحقؽ مصمحة شخصية كلكنو يضر بالغير غمب‬
‫اإلسالـ ناحية الضرر كحرـ ذلؾ التصرؼ‪ ،‬كال ينظر إلى ناحية المصمحة ألنيا شخصية‬
‫تتنافى مع المصمحة العامة‪.‬‬

‫كليذا كاف مف قكاعد الفقو أنو‪" :‬يتحمؿ الضرر الخاص لدفع الضرر العاـ"‪ ،‬كأنو‪" :‬إذا‬
‫اجتمع ضرراف كجب اجتناب أكبرىما"‪ ،‬كالشؾ أف الضرر الذم يمحؽ المصمحة العامة يككف‬
‫أكبر مف ذلؾ الذم يمحؽ المصمحة الخاصة‪.3‬‬

‫‪ -1‬سكرة آؿ عمراف‪ ،‬اآلية ‪.30‬‬


‫‪ -2‬سكرة الزلزلة‪ ،‬اآلية ‪.8-7‬‬
‫‪ -3‬المدخؿ لدراسة الشريعة‪ ،‬لزيداف‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪36‬‬
‫المطمب السادس‪ :‬العصمة‬

‫العصمة‪ :‬في المغة‪ :‬المنع كاإلمساؾ‪ ،‬يقاؿ‪ :‬عصمت فالنا مف السكء إذا منعت مف‬
‫حمكلو‪.‬‬

‫العصمة اصطالحا ‪ :‬ىي المصكنية عف الخطأ كالعصياف كبيذا كصؼ سبحانو‬ ‫ك‬
‫المالئكة المككميف عمى الجحيـ بقكلو تعالى ‪ ( :‬عمييا مالئكة غالظ شداد ال يعصكف اهلل ما‬
‫أمرىـ كيفعمكف ما يؤمركف)‪.1‬‬

‫إف الشريعة اإلسالمية مكصكفة بالعصمة‪ ،‬ككذلؾ الشأف في صاحبيا صمى اهلل عميو‬
‫كسمـ‪ ،‬كفي أمتو فيما اجتمعت عميو‪ ،‬قاؿ اإلماـ الشاطبي ‪ :‬تنقسـ ىذه العصمة إلى كجييف‪:‬‬

‫إنا نحف نزلنا الذكر كانا لو‬ ‫أحدىما‪ :‬األدلة الصريحة عمى ذلؾ‪ ،‬كقكلو تعالى‪( :‬‬
‫حافظكف)‪ .2‬كقكلو تعالى ‪ ( :‬كتاب أحكمت آياتو) ‪ ،3‬كالسنة النبكية منو كاف لـ تذكر فإنيا‬
‫مبينة لو كدائرة حكلو‪ ،‬فيي منو‪ ،‬كاليو ترجع في معانييا‪ ،‬ككؿ كاحد مف الكتاب كالسنة يعضد‬
‫بعضو بعضا‪ ،‬قاؿ تعالى ‪ ( :‬اليكـ أكممت لكـ دينكـ كأتممت عميكـ نعمتي كرضيت لكـ‬
‫اإلسالـ دينا)‪.4‬‬

‫كثانييما‪ :‬االعتبار الكجكدم الكاقع مف زمف رسكؿ اهلل إلى يكمنا ىذا‪.‬‬

‫فقد قيض اهلل تعالى حفظة لمقرآف الكريـ‪ ،‬ككذلؾ لسنة نبيو عميو الصالة كالسالـ‪،‬‬
‫ككذلؾ جرل األمر في جممة الشريعة فقيض اهلل لكؿ عمـ رجاال حفظة عمى أيدييـ عمى أف‬
‫عصمة الشريعة اإلسالمية ال تعني بالضركرة ثبات األحكاـ الشرعية ثباتا مطمقا تنتفي معو‬
‫مكاكبة التطكر في الحياة البشرية جممة كتفصيال‪ ،‬بؿ المراد أف ىذه الشريعة المباركة اكتسبت‬

‫‪ -1‬سكرة التحريـ‪ ،‬اآلية ‪.6‬‬


‫‪ -2‬سكرة الحجر‪ ،‬اآلية ‪.9‬‬
‫‪ -3‬سكرة ىكد‪ ،‬اآلية ‪.9‬‬
‫‪ -4‬سكرة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.4‬‬
‫‪37‬‬
‫العصمة مف كتاب اهلل ألنو ثابت‪ ( :‬ال يأتيو الباطؿ مف بيف يديو كال مف خمفو تنزيؿ مف‬
‫حكيـ حميد)‪ ،1‬كمف خاتـ رسؿ اهلل كما قاؿ تعالى ‪ ( :‬كما ينطؽ عف اليكل إف ىك إال كحي‬
‫يكحى)‪ ،2‬كاف في اكتساب الشريعة لكصؼ "العصمة" تأكيدا صريحا لخمكدىا كاستمرارىا‬
‫الفريد كمنياجيا األصيؿ‪.3‬‬

‫المطمب السابع‪ :‬الكسطية‬

‫ككذلؾ‬ ‫تقكـ الشريعة عمى التكسط كالتكازف دكف غمك أك تقصير‪ ،‬يقكؿ اهلل تعالى‪( :‬‬
‫جعمناكـ أمة كسطا لتككنكا شيداء عمى الناس كيككف الرسكؿ عميكـ شييدا )‪.4‬‬

‫كمعنى الكسطية ىي‪ :‬تحقيؽ لمبدأ التكازف الذم تقكـ عميو سنة اهلل تعالى في خمقو‪،‬‬
‫فيككف بذلؾ المراد مف كسطية الشريعة اإلسالمية أنيا ال إفراط فييا كال تفريط‪ ،‬مصداقا لقكلو‬
‫)‪ ،5‬كقكلو تعالى‪ ( :‬ال نكمؼ نفسا إال كسعيا )‪،6‬‬ ‫تعالى‪ ( :‬ال يكمؼ اهلل نفسا إال كسعيا‬
‫كالكسط‪ :‬ىك الخيار كاألجكد‪ ،‬يقاؿ ‪ :‬قريش أكسط العرب نسبا‪ ،‬ككاف النبي صمى اهلل عميو‬
‫كسمـ كسطا في قكمو أم أشرفيـ نسبا‪ ،‬كقد كاف الرسكؿ عميو الصالة كالسالـ يحث أصحابو‬
‫عمى ترؾ السؤاؿ لئال تفرض عمييـ فرائض بسبب سؤاليـ‪ ،‬فقد أكرد البخارم في صحيحو أف‬
‫رجال سأؿ رسكؿ اهلل صمى اهلل عميو كسمـ عمى الحج فقاؿ‪ :‬أفي كؿ عاـ ىك؟ فقاؿ‪( :‬لك‬
‫قمت‪ :‬نعـ لكجبت‪ ،‬كلما استطعتـ‪ ،‬ذركني ما تركتكـ) ‪ ،7‬لقد قامت الشريعة اإلسالمية عمى‬
‫التكسط كالتكازف دكف عمـ أك تقصير‪ ،‬كالكسط‪ :‬ىك العدؿ فتككف ىذه األمة ىي أعدؿ األمـ‬

‫‪ -1‬سكرة فصمت‪ ،‬اآلية ‪.42‬‬


‫‪ -2‬سكرة النجـ‪ ،‬اآلية ‪.4-3‬‬
‫‪ -3‬المدخؿ لدراسة الشريعة‪ ،‬ليداية اهلل‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪ -4‬سكرة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.141‬‬
‫‪ -5‬سكرة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.286‬‬
‫‪ -6‬سكرة األنعاـ‪ ،‬اآلية ‪.152‬‬
‫‪ -7‬ركاه مسمـ كالنسائي كأحمد‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫كشريعتيا أعدؿ الشرائع‪ ،‬كعميو تككف ىذه األمة أكسط األمـ كأفضميا‪ ،‬كشريعتيا خير الشرائع‬
‫كأكسطيا‪.‬‬

‫المطمب الثامف‪ :‬الجمع بيف الثبات كالمركنة‬

‫مف مظاىر الكسطية‪ ،‬التي تميزت بيا الشريعة‪ ،‬كبالتالي يتميز بيا المجتمع اإلسالمي‬
‫عف غيره‪ :‬التكازف بيف الثبات كالتطكر‪ ،‬أك الثبات كالمركنة‪.‬‬

‫إف الشريعة تكازف بيف مصالح الفرد كالجماعة فال تميؿ إلى الجماعة عمى حساب‬
‫الفرد‪ ،‬كال تقدس الفرد عمى حساب الجماعة‪ ،‬فيي كسط بينيا‪ ،‬ىذا ما يكسبيا القكة كالدكاـ‪.‬‬

‫كال تجعؿ‬ ‫فقد أمرت الشريعة باإلنفاؽ كىك كسط بيف البخؿ كالتبذير في قكلو تعالى‪( :‬‬
‫يدؾ مغمكلة إلى عنقؾ كال تبسطيا كؿ البسط فتقعد ممكما محسك ار )‪ ،1‬كحثت عمى الشجاعة‬
‫إلغائو كتحريره مف كؿ‬ ‫كىي كسط بيف الجبف كالتيكر‪ ،‬كنصت عمى التممؾ الفردم بيف‬
‫القيكد‪ ،‬فيتجمى الثبات في أصكليا ككمياتيا كقطعياتيا‪ ،‬كتتجمى المركنة في فركعيا كجزئياتيا‬
‫كظنياتيا فالثبات يمنعيا مف الميكعة كالذكباف في غيرىا مف الشرائع‪ ،‬كالمركنة تجعميا‬
‫تستجيب لكؿ متطمبات كمستجدات العصر‪.‬‬

‫‪ -1‬سكرة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.29‬‬


‫‪39‬‬
‫المطمب التاسع‪ :‬الكاقعية كالكضكح‬

‫أ‪ -‬الكاقعية‬

‫تتجمى الكاقعية في اعتبار كاقع المكمفيف عند تشريع األحكاـ كفي التعامؿ معيا‪ ،‬كمف‬
‫مظاىر ذلؾ‪:‬‬

‫‪ -‬تقرير أنكاع التخفيفات مثؿ‪ :‬تخفيؼ إسقاط؛ كإسقاط القبمة عف أصحاب األعذار‪،‬‬
‫كتخفيؼ إبداؿ؛ كالتيمـ بدؿ الكضكء عند تحقؽ مكجباتو‪ ،‬كتناكؿ المحرـ لمضركرة في مثؿ‬
‫قكلو تعالى‪( :‬فمف اضطر غير باغ كال عاد فال إثـ عميو )‪.1‬‬

‫ب‪ -‬الكضكح‬

‫تتميز الشريعة بالكضكح التاـ‪ ،‬في األصكؿ كالعقائد‪ ،‬كفي الشرائع‪ ،‬كفي الغايات‬
‫كاألىداؼ‪ ،‬كفي المناىج كالطرؽ‪ ،‬كترجع سمة الكضكح أساسا إلى كضكح المصدر الذم‬
‫تستقي منو أحكاـ الشرائع أال كىك الكتاب كالسنة‪.‬‬

‫‪ -‬فالكتاب الكريـ ‪ :‬المنياج الحؽ المبيف ال خالؼ عميو‪ ،‬كال خالؼ فيو‪ ،‬صانو اهلل‬
‫كلقد يسرنا‬ ‫تبارؾ كتعالى عف التبديؿ كالتغيير‪ ،‬كيسره كسيمو لمذكر‪ ،‬يقكؿ اهلل عز كجؿ‪( :‬‬
‫القرآف لمذكر فيؿ مف مدكر)‪ ،2‬كقكلو تعالى ‪( :‬إنا نحف نزلنا الذكر كانا لو لحافظكف)‪.3‬‬

‫‪ -‬كسنة الرسكؿ عميو أفضؿ الصالة كالسالـ كاضحة جمية رغـ محاكالت أعداء الديف‬
‫تشكيييا كخمطيا بما ليس منيا لمتمبيس عمى الناس‪ ،‬كلكف اهلل تعالى حفظيا ككفؽ أناسا‬
‫لتدكينيا كتمييز صحيحيا مف سقيميا‪.‬‬

‫‪ -1‬سكرة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.172‬‬


‫‪ -2‬سكرة القمر‪ ،‬اآلية ‪ 17‬ك ‪.32‬‬
‫‪ -3‬سكرة الحجر‪ ،‬اآلية ‪.9‬‬
‫‪40‬‬
‫كأحكاـ الشريعة ال تقتصر معرفتيا عمى بعض الناس دكف غيرىـ‪ ،‬فيي أحكاـ‬
‫كاضحة جمية في مصادر ثابتة كاضحة تدعك كؿ مف عنده قمب كعقؿ كفيـ ليعييا كيعمؿ‬
‫بيا كيعمميا غيره‪ ،‬قاؿ عميو الصالة كالسالـ‪" :‬خيركـ مف تعمـ القرآف كعممو" ‪ ،1‬كقاؿ أيضا‪:‬‬
‫"طمب العمـ فريضة عمى كؿ مسمـ"‪.2‬‬

‫كلكف الناس يتفاكتكف في سعة مداركيـ كمقدار أخذىـ كاستيعابيـ ألحكاـ ىذه‬
‫الشريعة‪ ،‬فمنيـ العمماء المجتيدكف‪ ،‬كمنيـ الحفاظ الناقمكف‪ ،‬كمنيـ المعرضكف عف الحؽ‬
‫كالخير‪ ،‬كفي بياف ذلؾ يضرب النبي صمى اهلل عميو كسمـ المثؿ‪ ،‬فيقكؿ ‪" :‬إف مثؿ ما بعثني‬
‫اهلل بو مف اليدل كالعمـ كمثؿ غيث أصاب أرضا‪ ،‬فكانت منيا طائفة طيبة قبمت الماء‬
‫فأنبتت الكأل كالعشب الكثير‪ ،‬ككاف منيا أجاذب أمسكت الماء فنفع اهلل بيا الناس فشربكا‬
‫كسقكا كزرعكا‪ ،‬كأصاب منيا طائفة أخرل إنما ىي قيعاف ال تمسؾ ماء كال تنبت كأل‪ ،‬فذلؾ‬
‫مثؿ مف فقو في ديف اهلل كنفعو اهلل بما بعثني بو فعمـ كعمـ‪ ،‬كمثؿ مف لـ يرفع بذلؾ رأسا كلـ‬
‫يقبؿ ىدل اهلل الذم أرسمت بو"‪.3‬‬

‫كعميو تككف أحكاـ الشريعة قسميف‪:‬‬

‫‪ -‬قسـ يجب عمى المكمفيف معرفتو كال يمكف لممسمـ أف يجيمو‪( :‬كاإليماف كاالعتقاد‬
‫كالصالة كالطيارة كالصكـ كالزكاة كالحج)‪ ،‬كىك فرض عيف عمى كؿ مسمـ مكمؼ‪.‬‬

‫‪ -‬كقسـ ال يجب عمى كؿ المكمفيف معرفتو‪ ،‬كانما يجب عمى مجمكع المكمفيف أف‬
‫يككف مف بينيـ مف يعممو‪ ،‬كيسمكف أىؿ الذكر الذيف قاؿ اهلل فييـ‪ ( :‬فاسألكا أىؿ الذكر إف‬
‫كنتـ ال تعممكف)‪ ،4‬فيذا القسـ فرض كفاية إذا قاـ بو البعض سقط عف الباقيف‪ ،‬لذلؾ لـ يأمر‬

‫‪ -1‬أخرجو البخارم في صحيحو‪ ،‬كتاب فضائؿ القرآف‪ ،‬باب خيركـ مف تعمـ القرآف كعممو‪ ،‬رقـ ‪.4739‬‬
‫‪ -2‬ركاه ابف ماجو في سننو‪.‬‬
‫‪ -3‬أخرجو مسمـ في صحيحو‪ ،‬كتاب الفضائؿ‪ ،‬باب بياف مثؿ ما بعث بو النبي صمى اهلل عميو كسمـ‪ ،‬رقـ ‪ ،2282‬كأخرجو‬
‫البخارم في صحيحو‪ ،‬كتاب العمـ‪ ،‬باب فضؿ مف عمـ كعمـ‪.‬‬
‫‪ -4‬سكرة النحؿ‪.43 ،‬‬
‫‪41‬‬
‫اهلل تعالى الجميع بالسفر لطمب العمـ‪ ،‬كلكف أمرىـ أف يسافر بعضيـ لطمبو ‪" :‬كما كاف‬
‫المؤمنكف لينفركا كافة فمكال نفر مف كؿ فرقة منيـ طائفة ليتفقيكا في الديف كلينذركا قكميـ إذا‬
‫رجعكا إلييـ لعميـ يحذركف"‪.1‬‬

‫خالصة القكؿ‪:‬‬

‫يتبيف مف خالؿ ىذه الخصائص أف الشريعة اإلسالمية نزلت لتسع حياة اإلنساف مف‬
‫كؿ أطرافيا‪ ،‬كبكؿ أبعادىا فال تضيؽ بالحياة‪ ،‬كال تضيؽ الحياة بيا‪ ،‬كما نزلت الشريعة‬
‫اإلسالمية لترفع قدر اإلنساف كتعمي مكانتو‪ ،‬كتسمك بو كتحرره كتكرمو كتسعده كتحافظ عمى‬
‫كافة حقكقو‪.‬‬

‫‪ -1‬سكرة التكبة اآلية ‪.123‬‬


‫‪42‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬نطاؽ الشريعة‬
‫جاء اإلسالـ إلرشاد اإلنسانية إلى طريؽ الحؽ‪ ،‬فكاف أكؿ ما أرشد إليو القرآف الكريـ‬
‫ىك تكحيد اهلل عز كجؿ كعدـ اإلشراؾ بو‪ ،‬كلذلؾ دعت اآليات القرآنية إلى عبادة اهلل تعالى‬
‫كتكحيده‪ ،‬كىجر كؿ معبكد سكاه‪ ،‬كأقامت الدليؿ عمى كجكد اهلل تعالى‪ ،‬ثـ بينت جانب‬
‫األخالؽ الفاضمة كالصفات الحميدة‪ ،‬ثـ بينت بعد ذلؾ طرؽ ربط العالقة بيف العباد كبيف‬
‫خالقيـ‪ ،‬كبينيـ كبيف أنفسيـ كبينيـ كبيف غيرىـ مف الناس كسائر ما يتصؿ بيـ‪ ،‬كمف ثمة ‪:‬‬
‫يتضح أف نطاؽ الشريعة اإلسالمية يشتمؿ عمى التكحيد‪ ،‬كاألخالؽ‪ ،‬كالفقو اإلسالمي‪.‬‬

‫المطمب األكؿ‪ :‬التكحيد‬

‫أ‪ -‬تعريؼ التكحيد‪:‬‬

‫التكحيد في المغة‪ :‬اإليماف باهلل كحده ال شريؾ لو‪.‬‬

‫كفي االصطالح الشرعي‪ :‬ىك عمـ يبحث فيو عف كجكد اهلل تعالى‪ ،‬كما يجب أف‬
‫يثبت لو مف صفات‪ ،‬كما يجكز أف يكصؼ بو‪ ،‬كما يجب أف ينفى عنو‪.‬‬

‫كاألبحاث المتعمقة بالتكحيد تدخؿ كميا ضمف مصطمح‪" :‬عمـ التكحيد" أك "أصكؿ‬
‫الديف" أك "عمـ الكالـ"‪.‬‬

‫كعرؼ أيضا بأنو عمـ يبحث في إثبات العقائد الدينية باألدلة اليقينية العقمية كالنقمية‬
‫التي تزيؿ كؿ شؾ‪.‬‬

‫كالتكحيد ضد الشرؾ‪ ،‬كضد الكفر فإذا عبد اإلنساف اهلل‪ ،‬كلـ يشرؾ بو شيئا‪ ،‬كاف‬
‫مكحدا‪ ،‬كالتكحيد ضد الكفر‪ ،‬كقد كاف التكحيد بار از في ديف اهلل تعالى كمو‪ ،‬لكف التحريؼ كقع‬
‫في كؿ الديانات‪ ،‬كلـ يبؽ صحيحا إال الديف اإلسالمي الذم جاء بو محمد صمى اهلل عميو‬
‫كسمـ‪ ،‬كمف ثـ أصبح التكحيد مف خصائص ىذا الديف‪ ،‬كالركف األكؿ مف أركاف اإلسالـ‬
‫الخمسة متمثال في شيادة أف ال إاله إال اهلل كأف محمدا رسكؿ اهلل صمى اهلل عميو كسمـ‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫ب‪ -‬أدلة التكحيد‪:‬‬

‫يشتمؿ القرآف الكريـ عمى أدلة كثيرة تبيف مجاالت تفرد اهلل باأللكىية كخصائصيا‬
‫منيا‪ :‬إف اهلل كاحد في ذاتو‪ ،‬متفرد في كؿ خصائصو‪ ،‬كقكلو تعالى‪ ( :‬قؿ ىك اهلل أحد‪ ،‬اهلل‬
‫الصمد‪ ،‬لـ يمد كلـ يكلد‪ ،‬كلـ يكف لو كفؤا أحد )‪ ،1‬كقكلو تعالى‪ ( :‬ليس كمثمو شيء)‪ ،2‬كقكلو‬
‫تعالى‪ ( :‬ذلكـ اهلل ربكـ ال إاله إال ىك خالؽ كؿ شيء فاعبدكه كىك عمى كؿ شيء ككيؿ )‪،3‬‬
‫كقكلو تعالى‪ ( :‬كهلل ممؾ السماكات كاألرض كما بينيما )‪ ،4‬كقكلو تعالى‪ ( :‬ككأيف مف دابة ال‬
‫تحمؿ رزقيا اهلل يرزقيا كاياكـ )‪ ،5‬كقكلو تعالى ‪ ( :‬كىك القاىر فكؽ عباده )‪ ،6‬كقكلو تعالى ‪:‬‬
‫(كهلل يسجد ما في السماكات كما في األرض مف دابة كالمالئكة كىـ ال يستكبركف )‪ ،7‬كقكلو‬
‫تعالى ‪( :‬كمف آياتو أف تقكـ السماء كاألرض بأمره )‪.8‬‬

‫كقكلو تعالى‪ ( :‬يا أييا الناس اعبدكا ربكـ الذم خمقكـ كالذيف مف قبمكـ لعمكـ تتقكف‬
‫الذم جعؿ لكـ األرض فراشا كالسماء بناء كأنزؿ مف السماء ماء فأخرج بو مف الثمرات‬
‫رزقا لكـ فال تجعمكا هلل أندادا كأنتـ تعممكف)‪.9‬‬

‫كقكلو تعالى ‪ ( :‬أيشرككف ما ال يخمؽ شيئا كىـ يخمقكف كال يستطيعكف ليـ نص ار كال‬
‫أنفسيـ ينصركف‪ ،‬كاف تدعكىـ إلى اليدل ال يتبعككـ سكاء عميكـ أدعكتمكىـ أـ أنتـ‬
‫صامتكف)‪.10‬‬

‫كفي سكرة النمؿ مثاؿ رائع لإللزاـ اإلليي بإفراد العبادة لو استدالال بربكبيتو كذلؾ في‬
‫آيات كثيرة‪:‬‬

‫‪ -1‬سكرة اإلخالص‪ ،‬اآلية ‪.4-1‬‬


‫‪ -2‬سكرة الشكرل‪ ،‬اآلية ‪.9‬‬
‫‪ -3‬سكرة األنعاـ‪ ،‬اآلية ‪.103‬‬
‫‪ -4‬سكرة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.19‬‬
‫‪ -5‬سكرة العنكبكت‪ ،‬اآلية ‪.60‬‬
‫‪ -6‬سكرة األنعاـ‪ ،‬اآلية ‪.62‬‬
‫‪ -7‬سكرة النحؿ‪ ،‬اآلية ‪.49‬‬
‫‪ -8‬سكرة الركـ‪ ،‬اآلية ‪.24‬‬
‫‪ -9‬سكرة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.22-21‬‬
‫‪ -10‬سكرة األعراؼ‪.193-192 ،‬‬
‫‪44‬‬
‫(أمف خمؽ السماكات كاألرض كأنزؿ لكـ مف السماء ماء فأنبتنا بو حدائؽ ذات‬
‫بيجة ما كاف لكـ أف تنبتكا شجرىا أإلو مع اهلل بؿ ىـ قكـ يعدلكف أمف جعؿ األرض ق ار ار‬
‫كجعؿ خالليا أنيا ار كجعؿ ليا ركاسي كجعؿ بيف البحريف حاج از أإلو مع اهلل بؿ أكثرىـ ال‬
‫يعممكف أمف يجيب المضطر إذا دعاه كيكشؼ السكء كيجعمكـ خمفاء األرض أإلو مع اهلل‬
‫قميال ما تذكركف أمف ييديكـ في ظممات البر كالبحر كمف يرسؿ الرياح نش ار بيف يدم‬
‫رحمتو أإلو مع اهلل تعالى اهلل عما يشرككف أمف يبدأ الخمؽ ثـ يعيده كمف يرزقكـ مف‬
‫السماء كاألرض أإلو مع اهلل قؿ ىاتكا برىانكـ إف كنتـ صادقيف )‪.1‬‬

‫كقكلو تعالى‪ ( :‬اهلل الذم رفع السماكات بغير عمد تركنيا ثـ استكل عمى العرش‬
‫كسخر الشمس كالقمر كؿ يجرم ألجؿ مسمى‪ .2 )..‬كؿ ىذه األدلة تؤكد كحدانية اهلل في‬
‫ذاتو كجميع صفاتو فيزداد بيا المؤمف إيمانا‪.‬‬

‫ت‪ -‬مجاالت عمـ التكحيد‪:‬‬

‫يبحث عمـ التكحيد في عدة مجاالت ىي‪:‬‬

‫‪ -1‬مجاؿ اإليماف باهلل كتكحيده‪ ،‬كاخالص العبادة لو دكف شريؾ‪.‬‬

‫‪ -2‬مجاؿ اإليماف برسؿ اهلل‪ ،‬حممة اليدم اإلليي كمعرفة ما يجب ليـ كالصدؽ‬
‫كاألمانة‪ ،‬كما ال يجكز في حقيـ كالكذب كالخيانة‪ ،‬كمعرفة معجزاتيـ كبينات رسالتيـ‪،‬‬
‫كخاصة معجزات كبينات كأدلة رسالة سيدنا محمد صمى اهلل عميو كسمـ‪.‬‬

‫‪ -3‬مجاؿ اإليماف بالكتب اإلليية التي أنزليا اهلل ىداية لعباده عبر التاريخ البشرم‬
‫الطكيؿ‪.‬‬

‫‪ -4‬مجاؿ اإليماف بالمالئكة كما يقكمكف بو مف أعماؿ كصمتيـ بنا في الدنيا كاآلخرة‪.‬‬

‫‪ -5‬مجاؿ اإليماف باليكـ اآلخر كما أعد اهلل فيو مف جزاء لممؤمنيف كالكافريف‪ :‬مف‬
‫نعيـ الجنة كعذاب في النار‪.‬‬

‫‪ -1‬سكرة النمؿ اآليات مف ‪.66-62‬‬


‫‪ -2‬سكرة الرعد‪ ،‬اآلية ‪.2‬‬
‫‪45‬‬
‫‪ -6‬مجاؿ اإليماف بقدر اهلل الحكيـ‪ ،‬الذم يسير عميو كؿ ما في الككف‪ :‬قاؿ تعالى ‪:‬‬
‫(آمف الرسكؿ بما أنزؿ إليو مف ربو كالمكمنكف كؿ آمف باهلل كمالئكتو ككتبو كرسمو )‪.1‬‬

‫ف تؤمف باهلل كمالئكتو‬ ‫كلقد سئؿ رسكؿ اهلل صمى اهلل عميو كسمـ عف اإليماف فقاؿ‪" :‬أ‬
‫ككتبو كرسمو كاليكـ اآلخر كتؤمف بالقدر خيره كشره"‪.2‬‬

‫ث‪ -‬مكانة عمـ التكحيد بيف سائر العمكـ‪:‬‬

‫شرؼ كؿ عمـ يقدر بشرؼ مكضكعو‪ ،‬كمجاؿ بحثو‪ ،‬كاذا كاف الطب أشرؼ مف‬
‫النجارة ‪ :‬فألف ميداف بحث النجارة ‪ :‬األخشاب كميداف بحث الطب‪ :‬األجساـ البشرية‪.‬‬

‫أما شرؼ عمـ التكحيد فيستمد مف شرؼ مجاالت بحثو‪ ،‬كىؿ ىناؾ ما ىك أعظـ مف‬
‫خالؽ الككف؟ كىؿ ىناؾ مف ىك أطير مف رسؿ اهلل مف بني البشر؟ كىؿ ىناؾ ما ىك أىـ‬
‫مف معرفة اإلنساف بربو كخالقو ؟ كالحكمة مف كجكده في ىذه الدنيا‪ ،‬كلماذا خمقو اهلل عمييا؟‬
‫كما ىك المصير الذم ينتظره بعد مكتو؟ ىذه ىي مجاالت عمـ التكحيد كمكضكعاتو‪.‬‬

‫كعمـ التكحيد ىك أصؿ عمكـ اإلسالـ كأفضميا كأىميا عمى اإلطالؽ‪.‬‬

‫ج‪ -‬اىتماـ القرآف بيذا العمـ‪:‬‬

‫إف المكضكع األساسي في القرآف الكريـ ىك مكضكع عمـ التكحيد فأنت ال تجد سكرة‬
‫في كتاب اهلل تخمك مف الدعكة إلى اإليماف باهلل كبرسكلو‪ ،‬أك باليكـ اآلخر‪ ،‬أك بالمالئكة‪ ،‬أك‬
‫بالكتب اإلليية السابقة أك بالقدر الذم سنو اهلل لسير ىذا الككف كاف القرآف المكي الذم نزؿ‬
‫بمكة قبؿ اليجرة لمدة ثالثة عشر عاما يكاد يككف كمو حكؿ التكحيد كما يتصؿ بو‪.‬‬

‫‪ -1‬سكرة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.285‬‬


‫‪ -2‬صحيح مسمـ كتاب اإليماف‪ ،‬باب بياف اإليماف كاإلسالـ كاإلحساف كاإليماف بالقدر‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫ح‪ -‬اىتماـ المسمميف بو‪:‬‬

‫إف عناية المسمميف بيذا العمـ مستمدة مف عناية القرآف بو‪ ،‬فقد كاف ىميـ األكبر ىك‪:‬‬
‫الدعكة إلى ديف اهلل بالحكمة‪ ،‬كالمكعظة الحسنة‪ ،‬بما يقدمو عمـ التكحيد مف أدلة كبراىيف‬
‫لتثبيت العقيدة كدعكة الناس لإليماف بيا كاستمرت عناية المسمميف بو مدة طكيمة‪ ،‬ك لما‬
‫أىمؿ المسممكف بناء العقيدة الصحيحة بكاسطة عمـ التكحيد الذم يقكـ عمى العمـ كاليقيف بدأ‬
‫الخمؿ يتسرب إلى عقائدىـ كسمككاتيـ كأعماليـ‪ ،‬كأصبح مف السيؿ عمى األعداء التسمط‬
‫عمييـ‪.‬‬

‫حكمو‪:‬‬ ‫خ‪-‬‬

‫إف تعمـ القدر الضركرم مف التكحيد فرض عيف عمى كؿ مسمـ لتثبيت اإليماف باهلل‬
‫كرسمو ككتبو كمالئكتو كاليكـ اآلخر كالقدر خيره كشره‪.‬‬

‫د‪ -‬أنكاع التكحيد‪ :‬الربكبية كاأللكىية كاألسماء كالصفات‪:‬‬

‫‪ -1‬تكحيد الربكبية ‪ :‬كالمقصكد بو اإلقرار بأف ربنا تبارؾ كتعالى كاحد في أفعالو ال‬
‫يشاركو أحد فييا‪ ،‬كمعناه ‪ :‬ىك إفراد اهلل تعالى بالخمؽ كالرزؽ كاإلحياء كاإلماتو‪ ،‬كسائر أنكاع‬
‫التصريؼ كالتدبير (التصرؼ في الككف لممككت السماكات كاألرض‪ ،‬كافراده تعالى بالحكـ‬
‫كالتشريع بإرساؿ الرسؿ كانزاؿ الكتب كغيرىا مف األفعاؿ اإلليية)‪.‬‬

‫‪ -2‬تكحيد األلكىية‪ :‬كالمقصكد بو تكحيد اهلل بأفعاؿ العباد أم ‪ :‬ىك إفراد اهلل تعالى‬
‫بالعبادة فال يعبد غيره‪ ،‬كال يدعى سكاه‪ ،‬كال يستغاث كال يستعاف إال بو‪ ،‬كال ينذر كال يذبح كال‬
‫ينحر إال لو (التضرع كالخكؼ كالرجاء) فال يجكز صرؼ شيء مف العبادات ألحد مف الخمؽ‬
‫ميما كانت مكانتو أك منزلتو‪.‬‬

‫‪ -3‬تكحيد األسماء كالصفات‪ :‬ىك كصؼ اهلل تعالى كتسميتو بما كصؼ كسمى بو‬
‫نفسو كبما كصفو كسماه بو رسكلو صمى اهلل عميو كسمـ في األحاديث الصحيحة‪ ،‬كاثبات‬
‫ذلؾ لو مف غير تشبيو كال تمثيؿ كمف غير تأكيؿ‪ ،‬كال تعطيؿ عمى الكجو الالئؽ بو سبحانو‪،‬‬
‫دكف أف نحاكؿ ذكر كيفية ليا‪ ،‬أك نمثؿ صفات اهلل بصفات خمقو‪ ،‬أك نحرؼ أك ننفي صفات‬
‫اهلل تعالى كأسمائو‪ ،‬كننكر قياـ صفات اهلل تعالى‪ ،‬مع تنزييو عف كؿ ما ال يميؽ بو سبحانو‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫المطمب الثاني‪ :‬األخالؽ‬

‫ترتكز الشريعة اإلسالمية عمى عدة أسس لبناء المجتمع اإلسالمي‪ ،‬مف أىميا أساس‬
‫األخالؽ‪ ،‬ذلؾ أف المجتمع بغير أخالؽ ال تقكـ عميو قائمة‪ ،‬ميما تقدـ كارتقى‪ ،‬كلقد كاف‬
‫رسكؿ اهلل صمى اهلل عميو كسمـ الصكرة المثمى لإلنساف األخالقي‪ ،‬فقد مدحو اهلل تعالى بذلؾ‬
‫كقاؿ ‪ ( :‬كانؾ لعمى خمؽ عظيـ )‪ .1‬كذكر صمى اهلل عميو كسمـ أف مف أىـ ما بعث بو إتماـ‬
‫مكارـ األخالؽ‪ ،‬فقاؿ عميو الصالة كالسالـ‪ " :‬إنما بعثت ألتمـ مكارـ األخالؽ" ‪ ،2‬كاألدلة التي‬
‫ترشد إلى مكارـ األخالؽ كتحث عمى فضائؿ اآلداب في القرآف الكريـ أجؿ مف أف تحصى‪،‬‬
‫كما أف المتتبع لسنة رسكؿ اهلل صمى اهلل عميو كسمـ يجد العنصر األخالقي بار از أصيال‬
‫فييا‪ ،‬فعف سعيد بف ىشاـ قاؿ‪ :‬سألت عائشة فقمت‪ :‬أخبريني يا أـ المؤمنيف عف خمؽ رسكؿ‬
‫اهلل صمى اهلل عميو كسمـ‪ ،‬فقالت‪" :‬كاف خمقو القرآف"‪ ،‬كاألحاديث التي تحث عمى مكارـ‬
‫األخالؽ كثيرة كمتعددة‪.‬‬

‫أ‪ -‬تعريؼ عمـ األخالؽ‪:‬‬

‫األخالؽ جمع خمؽ عمى كزف قفؿ‪ ،‬كخمؽ عمى كزف أفؽ‪ ،‬كعمى حد تعبير الراغب في‬
‫كتابو المفردات‪ ،‬أف ىاتيف الكممتيف ترجعاف إلى أصؿ كاحد‪ ،‬كىك "خمؽ" بمعنى الييئة‬
‫كالشكؿ الذم يراه اإلنساف بعينو‪ ،‬كالخمؽ بمعنى القكل كالسجايا الذاتية لإلنساف‪.‬‬

‫كلذا يمكف القكؿ إف ‪ :‬األخالؽ ىي مجمكعة الكماالت المعنكية كالسجايا الباطنية‬


‫لإلنساف‪ ،‬كقاؿ بعض العمماء‪ :‬إف األخالؽ أحيانا تطمؽ عمى العمؿ كالسمكؾ الذم ينشأ مف‬
‫الممكات النفسانية لإلنساف أيضا فاألكلى‪ :‬األخالؽ الصفاتية كالثانية‪ :‬السمككية‪.‬‬

‫كيمكف تعريؼ األخالؽ مف آثارىا الخارجية أيضا‪ ،‬حيف يصدر أحيانا مف اإلنساف‬
‫فعؿ اعتباطي كلكف عندما يتكرر ذلؾ العمؿ منو ‪ :‬مثؿ البخؿ كعدـ مساعدة اآلخريف‪ ،‬يككف‬
‫دليال عمى أف ذلؾ الفعؿ يمد جذكره في أعماؽ ركح ذلؾ اإلنساف‪ ،‬تمؾ الجذكر تسمى بالخمؽ‬

‫‪ -1‬سكرة القمـ‪ ،‬اآلية ‪.4‬‬


‫‪ -2‬أخرجو أحمد في مسنده‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫كاألخالؽ‪ ،‬كفي ذلؾ قاؿ ابف مسككيو في كتاب "تيذيب األخالؽ كتطيير األعراؽ" ‪ :‬إف‬
‫الخمؽ ىك تمؾ الحالة النفسية التي تدعك اإلنساف ألفعاؿ ال تحتاج إلى تفكر كتدبر ‪.1‬‬

‫كعميو قسمكا األخالؽ إلى قسميف‪ :‬الممكات التي تنبع منيا األعماؿ كالسمككيات‬
‫الحسنة كتسمى‪" :‬الفضائؿ"‪ ،‬كأخرل تككف مصد ار لألعماؿ كالسمككيات السيئة كتسمى‬
‫الرذائؿ‪.‬‬

‫كمف ىنا يمكف أف نعرؼ عمـ األخالؽ بأنو عمـ يبحث فيو عف الممكات كالصفات‬
‫الحسنة كالسيئة كآثارىا كجذكرىا‪.‬‬

‫ب‪ -‬األخالؽ في القرآف‪:‬‬

‫جؿ آيات كسكر القرآف الكريـ ال تخمك مف األخالؽ‪ ،‬كتحث عمى التمسؾ بيا‪ ،‬فالقرآف‬
‫الكريـ اىتـ بأخالؽ المسمـ‪ ،‬بحيث لـ يغفؿ صغيرة كال كبيرة مما يتصؿ باألخالؽ إال نبو‬
‫عمييا مكجبا التزاـ الحسنة كدرء السيئة ليككف أنمكذجا لمكماؿ اإلنساني ذم التربية القرآنية‬
‫كاألخالقية‪.‬‬

‫فاألخالؽ الكاردة في القرآف تكاد ال تعد كال تحصى‪ ،‬فاألمر فيو أخالؽ‪ ،‬كالنيي فيو‬
‫أخالؽ‪ ،‬كالخاص فيو أخالؽ كالعاـ فيو أخالؽ‪.‬‬

‫ككؿ ىذه اآليات تدكر كتمح عمى التمسؾ باألخالؽ الفاضمة كتبينيا‪ ،‬كتنفر مف‬
‫األخالؽ الرذيمة فتذكرىا حتى يتمكف المسمـ مف معرفة الخبيث مف الطيب‪ ،‬كالخير مف الشر‬
‫كالصدؽ مف الكذب‪.‬‬

‫كاىتـ ببياف معظـ األخالؽ الفاضمة كمبدإ اإلحساف إلى الناس عمى اختالؼ فئاتيـ‬
‫مف أقارب كجيراف كأباعد كمف جممتيـ الفئات الضعيفة‪.‬‬

‫كاعبدكا اهلل كال تشرككا بو شيئا كبالكالديف إحسانا كبذم‬ ‫قاؿ تعالى في شأف ذلؾ ‪( :‬‬
‫القربى كاليتامى كالمساكيف كالجار ذم القربي كالجار الجنب كالصاحب بالجنب كابف السبيؿ‬
‫كما ممكت أيمانكـ إف اهلل ال يحب مف كاف مختاال فخك ار )‪.1‬‬

‫‪ -1‬تيذيب األخالؽ كتطيير األعراؽ البف مسككيو‪ ،‬ص ‪.51‬‬


‫‪49‬‬
‫كما حذر مف الكثير مف الرذائؿ كالظمـ كالكذب كألح عمى الصدؽ في األفعاؿ‬
‫كاألقكاؿ قاؿ تعالى ‪ ( :‬كال تقربكا ماؿ اليتيـ إال بالتي ىي أحسف حتى يبمغ أشده كأكفكا‬
‫الكيؿ كالميزاف بالقسط ال نكمؼ نفسا إال كسعيا كاذا قمتـ فاعدلكا كلك كاف ذا قربى كبعيد‬
‫اهلل أكفكا ذلكـ كصاكـ بو لعمكـ تذكركف)‪.2‬‬

‫كقد نفر مف الزنا كعدـ قتؿ النفس التي تعد مف الضركريات الخمس‪ ،‬كرغب بفضيمة‬
‫الصبر في المحف‪ ،‬كأكثر مف الدعكل إلى تقكل اهلل‪.‬‬

‫ت‪ -‬األخالؽ في السنة النبكية‪:‬‬

‫كانؾ لعمى‬ ‫حامؿ رسالة القرآف الرسكؿ الكريـ كاف صاحب خمؽ عظيـ لقكلو تعالى‪( :‬‬
‫خمؽ عظيـ)‪.‬‬

‫أدبني ربي فأحسف تأديبي"‪.3‬‬ ‫كقد حدث عف نفسو عميو الصالة كالسالـ فقاؿ‪" :‬‬

‫كانما بعث ألتمـ مكارـ األخالؽ "‪4‬؛ ألف اهلل تعالى تكلى تربيتو كحفظو‬ ‫كقاؿ أيضا‪" :‬‬
‫مف أدناس الجاىمية حتى يككف مؤىال لحمؿ الرسالة لمعالميف فجمع كؿ محاسف األخالؽ‬
‫كأنبميا مف حمـ كأمانة كعفة كصبر ككفاء كعفك كعفة ككرـ كشجاعة كفضيمة‪.‬‬

‫كقد سئمت أـ المؤمنيف عائشة رضي اهلل عنيا عف خمقو صمى اهلل عميو كسمـ فأجممتو‬
‫في قكليا البميغ ‪ " :‬كاف خمقو القرآف "‪ 5‬أم عمؿ بأكامر القرآف كانتيى بنكاىيو كنيى عنيا‪،‬‬
‫فكاف صمى اهلل عميو كسمـ القدكة الحسنة لمف أراد اخذ األخالؽ الصالحة‪.‬‬

‫مف سعادة المرء حسف الخمؽ "‪ " .6‬أكثر ما يدخؿ‬ ‫كلو في ىذا أحاديث كثيرة منيا ‪" :‬‬
‫الناس الجنة تقكل اهلل كحسف الخمؽ"‪.1‬‬

‫‪ -1‬سكرة النساء‪ ،‬اآلية ‪.36‬‬


‫‪ -2‬سكرة األنعاـ‪ ،‬اآلية ‪.153‬‬
‫‪ -3‬حديث معناه صحيح كاسناده غير ثابت (قالو ابف تيمية في مجمكع الفتاكل كابف حجر العسقالني في أسئمة كأجكبة‬
‫كالسخاكم في األجكبة المرضية فقاؿ‪ :‬ال يعرؼ لو إسناد ثابت كركم عف عمي كابف مسعكد بسند ال يصح‪.‬‬
‫‪ -4‬مسند أحمد‪ ،‬رقـ ‪.3729‬‬
‫‪ -5‬مسند أحمد‪ .91/6 ،‬كسنف النسائي‪.58/6 ،‬‬
‫‪ -6‬ركاه الطبراني في األكسط‪ ،‬كالبييقي في الشعب مف حديث ابف عباس‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫إف الحياة اإلنسانية ترتكز عمى حسف المعاممة كركح التآخي ؛ ألف اإلنساف اجتماعي‬
‫بطبعو كيحتاج إلى التعاكف مع أخيو في عدة مجاالت ‪ :‬في مجاؿ المعامالت (مف بيع‬
‫كشراء كزكاج)‪ ،‬كفي المجاؿ االجتماعي كاالقتصادم كالسياسي‪.‬‬

‫فاإلسالـ ربط األخالؽ بالديف كجعؿ العبادة تسمك بيا‪ ،‬كترتفع إلى درجة الخير‬
‫األسمى‪.‬‬

‫كما أجؿ قكؿ أحمد شكقي‪:‬‬

‫كانما األمـ األخالؽ ما بقيت ** فإف ىـ ذىبت أخالقيـ ذىبكا‬

‫كتتجمى األخالؽ االجتماعية في‪ :‬عدـ السخرية كاساءة الظف كالتجسس كالغيبة‬
‫كاالعتداء كالسرقة كغيرىا كثير‪.‬‬

‫المطمب الثالث‪ :‬الفقو اإلسالمي‬

‫أ‪ -‬تعريؼ الفقو اإلسالمي‬

‫الفقو لغة‪ :‬ىك العمـ بالشيء كالفيـ لو كالفطنة فيو‪.‬‬

‫كفي االصطالح الشرعي‪ :‬العمـ باألحكاـ الشرعية العممية المكتسبة مف أدلتيا‬


‫التفصيمية‪.‬‬

‫*األحكاـ ‪ :‬جمع حكـ كىك كؿ ما يصدره الشارع لمناس مف أكامر كنظـ عممية تنظـ‬
‫حياتيـ االجتماعية كعالقاتيـ بعضيـ ببعض‪ ،‬كقد قسـ الفقياء الحكـ إلى أقساـ ‪ :‬الكاجب‬
‫كالمندكب كالمباح كالمكركه كالمحرـ‪ ،‬كىي المعركفة باألحكاـ الشرعية الخمسة‪ ،‬كاحترز‬
‫باألحكاـ عف العمـ بالذكات‪.‬‬

‫*الشرعية‪ :‬أم مصدرىا الشارع‪ ،‬كمصادر التشريع ىي القرآف كالسنة كاإلجماع كاعتبر‬
‫الفقياء اإلجماع مصد ار أصميا ثالثا مستدليف في ذلؾ بقكؿ الرسكؿ صمى اهلل عميو كسمـ‪ " :‬إف‬

‫‪ -1‬الجامع الصحيح لمترمذم عف عبد الرحمف بف صخر‪ ،‬كفي حديث حسف صحيح كسئؿ عف أكثر مف يدخؿ النار؟‬
‫فقاؿ‪ :‬الفـ كالفرج‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫أمتي ال تجتمع عمى ضاللة "‪ ،1‬كالقياس كالمصالح المرسمة كاالستحساف كالعرؼ كسد الذريعة‬
‫كاالستصحاب كقكؿ الصحابي كشرع مف قبمنا كما يتفرع عنيا مف فتاكل كأحكاـ كىذه كميا‬
‫مصادر فرعية‪ ،‬كاحترز بالشرعية عف العمكـ العقمية كالحساب كاليندسة‪ ،‬كعف عمكـ المغة‪.‬‬

‫*العممية‪ :‬إف الفقو يبحث في أعماؿ اإلنساف كىي العبادات كالمعامالت أما المسائؿ‬
‫االعتقادية مف إيماف كفركعو‪ ،‬فال تعتبر فقيا كانما تدخؿ في عمكـ أخرل كعمـ العقيدة كعمـ‬
‫الكالـ‪ ،‬كسميت بالعممية احت ار از عف العممية‪.‬‬

‫*المكتسبة‪ :‬احت ار از عف عمـ اهلل عز كجؿ‪ ،‬فإنو غير مكتسب عكس عمـ اإلنساف‪.‬‬

‫*األدلة التفصيمية‪:‬‬

‫كىي القرآف كالسنة كاإلجماع كالقياس كغيرىا مف المصادر التي تعتبر أدلة تستخرج‬
‫منيا األحكاـ الشرعية‪ .‬كالمراد بككنيا تفصيمية أنيا جزئية تدؿ عمى الحكـ في جزئية بالذات‪،‬‬
‫كداللة آية ‪ ( :‬كال تقربكا الزنا إنو كاف فاحشة كساء سبيال )‪ 2‬عمى حرمة الزنا‪ ،‬كداللة ‪:‬‬
‫(كأحؿ اهلل البيع كحرـ الربا )‪ 3‬عمى حمية البيع كحرمة الربا‪ ،‬كاحترز بالتفصيمية عف العمـ‬
‫الحاصؿ لممقمد فإنو ال يسمى فقيا بؿ تقميدا‪.‬‬

‫‪ 4253‬بمفظ ‪" :‬كأف ال تجتمعكا عمى‬ ‫‪ -1‬أخرجو أبك داكد في سننو‪ ،‬كتاب الفتف‪ ،‬باب ذكر الفتف كدالئميا‪ ،‬حديث رقـ‬
‫ضاللة"‪ .‬كأخرجو ابف ماجو في كتاب الفتف‪ ،‬باب السكاد األعظـ‪ ،‬حديث رقـ ‪ 3950‬بيذا المفظ‪.‬‬
‫‪ -2‬سكرة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.32‬‬
‫‪ -3‬سكرة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.274‬‬
‫‪52‬‬
‫ب‪ -‬الفرؽ بيف الشريعة كالفقو‪:‬‬

‫ثـ جعمناؾ عمى‬ ‫إف كممة الشريعة أسبؽ في الظيكر مف كممة فقو لقكلو تعالى‪( :‬‬
‫شريعة مف األمر فاتبعيا )‪ ،1‬كقد استعممت كممة فقو بمعناىا الداؿ عمى العمـ باألحكاـ‬
‫الشرعية بعد فترة مف صدكر اإلسالـ‪.2‬‬

‫كالشريعة ىي جميع األحكاـ الشرعية التي شرعيا اهلل لعباده ال فرؽ بيف أصمية أك‬
‫فرعية كعممية أك أخالقية فيي تشمؿ العقيدة كاألخالؽ كما تشمؿ العبادات ك المعامالت‪ ،‬أما‬
‫الفقو فيعني ‪ :‬األحكاـ العممية المتعمقة بالعبادات كالمعامالت دكف ما سكاىا‪.‬‬

‫المصدر في الشريعة القرآف كالسنة فيي تشريع إالىي مقدس ال يجكز ألحد مخالفتو‬
‫كلك كاف مجتيدا‪ ،‬أما الفقو فإف جزءا منو يعتمد عمى نصكص الكحي مف الكتاب كالسنة‪ ،‬كما‬
‫أف جزءا آخر يعتمد عمى مصادر شيد ليا الشرع باالعتبار فيي محؿ اجتياد كاختالؼ‬
‫كترجيح كاختيار‪.‬‬

‫ت‪ -‬أقساـ الفقو اإلسالمي‪:‬‬

‫ينقسـ الفقو اإلسالمي إلى عبادات كمعامالت‪:‬‬

‫‪ -1‬العبادات‪ :‬كىي ما كاف الغرض منيا التقرب إلى اهلل تعالى كاالمتثاؿ ألكامره‬
‫كما‬ ‫كاجتناب نكاىيو كالخضكع الكامؿ لو‪ :‬كالصالة كالصكـ كالزكاة كالحج‪ ،‬يقكؿ تعالى ‪( :‬‬
‫خمقت الجف كاإلنس إال ليعبدكف)‪.3‬‬

‫‪ -2‬المعامالت‪:‬‬

‫كىي التي تنظـ أفراد المجتمع كىي أقساـ‪:‬‬

‫‪ -‬أحكاـ األسرة (مف زكاج كطالؽ كنسب كحضانة كنفقة كأىمية كنيابة شرعية‪ ،‬كارث‪،‬‬
‫ككصية)‪.‬‬

‫‪ -1‬سكرة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.285‬‬


‫‪ -2‬الفقو اإلسالمي لمحمد يكسؼ مكسى‪ ،‬ط‪ ،3 .‬دار الكتاب العربي بمصر‪ ،‬ص ‪.10-9‬‬
‫‪ -3‬سكرة الذاريات‪ ،‬اآلية ‪.56‬‬
‫‪53‬‬
‫‪ -‬أحكاـ المعامالت المالية ‪(:‬مف بيع كشراء‪ ،‬كاجارة‪ ،‬كقرض‪ ،‬كقراض‪)..‬‬

‫‪ -‬أحكاـ التقاضي‪( :‬الدعكل المدنية‪ ،‬كالجنائية‪)...‬‬

‫‪ -‬أحكاـ نظاـ الحكـ ‪( :‬إدارة شؤكف الدكلة)‪.‬‬

‫‪ -‬أحكاـ الجنايات ‪( :‬عقكبات كتعازير كحدكد شرعية)‬

‫‪ -‬عالقات الدكلة مع غيرىا مف الدكؿ في السمـ كالحرب ‪:‬‬

‫في السمـ‪ :‬االتفاقيات الدكلية‪ :‬التعاكف االقتصادم كالسياسي كاالجتماعي‪.‬‬

‫دكؿ ليس بينيف عداء‪ :‬التزكيد بالمعدات كالتعاكف‬


‫العسكرم (شراء األسمحة منيا)‪.‬‬ ‫في الحرب‪:‬‬
‫دكلة معادية لدكلة يطبؽ بينيما قانكف الحرب‪.‬‬

‫‪.1‬‬ ‫‪ -‬النظاـ المالي لمدكلة ‪( :‬قانكف ميزانية الدكلة كمكاردىا كمصارفيا)‬

‫‪ -1‬مدخؿ الفقو اإلسالمي لمحمد سالـ مدككر‪ ،‬ط‪ ،1964 .‬ص ‪.20-19‬‬
‫‪54‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مصادر الشريعة‬

‫اتفؽ جميكر الفقياء عمى أف المصادر األصمية لمشريعة ىي‪ :‬الكتاب كالسنة‬
‫كاإلجماع كالقياس كيستدلكف عمى ترتيبيا التسمسمي بقكلو تعالى‪ ( :‬يا أييا الذيف آمنكا أطيعكا‬
‫اهلل كأطيعكا الرسكؿ كأكلي األمر منكـ فإف تنازعتـ في شيء فردكه إلى اهلل كالرسكؿ إف‬
‫كنتـ تكمنكف باهلل كاليكـ اآلخر ذلؾ خير كأحسف تأكيال )‪ .1‬فقكلو تعالى ‪( :‬أطيعكا اهلل) ‪ :‬أم‬
‫امتثمكا ألكامره كاجتنبكا نكاىيو التي جاء بيا القرآف الكريـ‪ .‬كقكلو تعالى‪( :‬كأطيعكا الرسكؿ) ‪:‬‬
‫بمعنى ما جاء بو الرسكؿ صمى اهلل عميو كسمـ‪ ،‬مف قكؿ أك فعؿ أك تقرير كما نقمو الصحابة‬
‫مف سنة‪ ،‬أما المراد مف قكلو تعالى‪ ( :‬أكلي األمر ) فيـ المجتيدكف مف عمماء األمة‪ ،‬فإذا‬
‫اتفؽ ىؤالء كاف حكميـ إجماعا‪.‬‬

‫فإف تنازعتـ في شيء فردكه إلى اهلل كالرسكؿ ) ؛ فمعناه إذا لـ‬ ‫أما قكلو تعالى ‪( :‬‬
‫تجدكا حكما كحادثة طارئة فردكىا إلى ما يشبييا في القرآف كالسنة فإذا اشتركت في العمة‬
‫كاف ما يعرؼ بالقياس المتمثؿ في ما ال نص فيو‪ .‬كقكلو تعالى‪ ( :‬ذلؾ خير كأحسف تأكيال )‬
‫أم عاقبة كمآال‪.‬‬

‫كأف احكـ بينيـ‬ ‫كينص القرآف الكريـ صراحة عمى مصادر التشريع في قكلو تعالى ‪" :‬‬
‫بما أنزؿ اهلل"‪.2‬‬

‫كما أتاكـ الرسكؿ فخذكه كما نياكـ عنو‬ ‫كيشير إلى السنة في قكلو تعالى ‪( :‬‬
‫فانتيكا)‪.3‬‬

‫‪ -1‬سكرة النساء‪ ،‬اآلية ‪.59‬‬


‫‪ -2‬سكرة المائدة‪،‬اآلية ‪.49‬‬
‫‪ -3‬سكرة الحشر‪ ،‬اآلية ‪.7‬‬
‫‪55‬‬
‫كما يعترؼ باإلجماع في قكلو تعالى ‪ ( :‬كمف يشاقؽ الرسكؿ مف بعد ما تبيف لو‬
‫اليدل كيتبع غير سبيؿ المكمنيف نكلو ما تكلى كنصمو جينـ كساءت مصي ار )‪.1‬‬

‫نكلو ما تكلى‪ :‬نخؿ بينو كبيف ما اختاره‪ .‬نصمو‪ :‬ندخمو‪.‬‬

‫إنا أنزلنا إليؾ الكتاب‬ ‫كالقياس لما يقرر باالجتياد كاألخذ فيو بالرأم لقكلو تعالى‪( :‬‬
‫بالحؽ لتحكـ بيف الناس بما أراؾ اهلل كال تكف لمخائنيف خصيما )‪.2‬‬

‫خصيما‪ :‬مخاصما مدافعا عنيـ‪.‬‬

‫كمف أحاديث النبي عميو الصالة كالسالـ يتبيف لنا صحة كسالمة ىذا التسمسؿ الذم‬
‫ال يختمؼ حكلو اثناف‪.‬‬

‫ركل سعيد بف المسيب عف عمي رضي اهلل عنو أنو قاؿ‪ :‬قمت يا رسكؿ اهلل األمر‬
‫أجمعكا العالميف مف المؤمنيف‬ ‫ينزؿ بنا لـ ينزؿ فيو القرآف كلـ تمض فيو منؾ سنة قاؿ‪" :‬‬
‫فاجعمكه شكرل بينكـ كال تقضكا فيو برأم كاحد"‪.3‬‬

‫كركل معاذ بف جبؿ أف رسكؿ اهلل صمى اهلل عميو كسمـ لما بعثو إلى اليمف قاضيا قاؿ‬
‫لو‪" :‬بما تقضي يا معاذ قاؿ‪ :‬بكتاب اهلل قاؿ‪ :‬فإف لـ تجد قاؿ‪ :‬بسنة رسكؿ اهلل قاؿ‪ :‬فإف لـ‬
‫تجد قاؿ‪ :‬اجتيد رأيي كال ألك‪ ،‬فقاؿ عميو السالـ الحمد هلل الذم كفؽ رسكؿ رسكؿ اهلل لما‬
‫يرضي اهلل كرسكلو"‪.4‬‬

‫كمف خالؿ ىذيف الحديثيف يتبيف أف مصادر التشريع اإلسالمي ىي‪ :‬الكتاب كالسنة‬
‫كاالجتياد بالرأم الذم يككف بالجماعة فيسمى‪ :‬اإلجماع‪ ،‬أك االجتياد الفردم كيدعى‪ :‬القياس‬
‫لذا فإننا نعتبر المصادر األصمية أربعة‪:‬‬

‫‪ -1‬سكرة النساء‪ ،‬اآلية ‪.115‬‬


‫‪ -2‬سكرة النساء‪ ،‬اآلية ‪.105‬‬
‫‪ -3‬أخرجو الطبراني في األكسط مف ركاية الكليد بف صالح‪.‬‬
‫‪ -4‬أخرجو أحمد في مسنده كأبك داكد في سننو كالترمذم في سننو (‪ )1327‬ك (‪. )1328‬‬
‫‪56‬‬
‫المطمب األكؿ‪ :‬الػقػػرآف‪:‬‬

‫أ‪ -‬تعريؼ القرآف ‪:‬‬

‫القرآف في األصؿ مصدر ق أر قراءة كقرآنا‪ ،‬كمعناه في المغة‪ :‬الجمع كالضـ يقكؿ‬
‫تعالى‪" :‬إف عمينا جمعو كقرآنو فإذا قرآنو فاتبع قرآنو"‪.1‬‬

‫كفي االصطالح الشرعي ىك‪" :‬كالـ اهلل الذم أنزؿ عمى محمد صمى اهلل عميو كسمـ‬
‫المنقكؿ بالتكاتر كالمتعبد بتالكتو كأحكامو" ‪.2‬‬

‫ألـ ذلؾ الكتاب ال ريب فيو ىدل‬ ‫كيطمؽ عمى القرآف‪ :‬الكتاب‪ ،‬قاؿ تعالى‪( :‬‬
‫لممتقيف)‪ ،3‬كىاتاف التسميتاف – القرآف كالكتاب – ىما الغالبتاف‪ ،‬كبجانبيما تسميات أخرل‬
‫مثؿ ‪" :‬الفرقاف" قاؿ تعالى ‪ ( :‬تبارؾ الذم نزؿ الفرقاف عمى عبده ليككف لمعالميف نذير) "‪،4‬‬
‫كالذكر‪ ،‬قاؿ تعالى ‪ ( :‬إنا نحف نزلنا الذكر كانا لو لحافظكف )‪ ،5‬كالتنزيؿ‪ ،‬قاؿ تعالى‪ ( :‬كانو‬
‫لتنزيؿ رب العالميف)‪ ،6‬إلى غير ذلؾ مما كرد في القرآف‪.‬‬

‫ب ‪ -‬نزكؿ القرآف منجما كالحكمة مف ذلؾ‪:‬‬

‫نزؿ القرآف عمى الرسكؿ محمد صمى اهلل عميو كسمـ منجما أم مفرقا في نحك ثالث‬
‫كعشريف سنة‪ ،‬منيا ثالث عشرة بمكة عمى األرجح كعش ار بالمدينة‪ ،‬فقد كاف ينزؿ خمس‬
‫آيات أك عش ار أك أقؿ‪ ،‬كذلؾ إما لبياف حكـ الحكادث التي تنزؿ بالمسمميف‪ ،‬أك لمجكاب عف‬
‫أسئمة صدرت مف المسمميف أك مف غيرىـ أك لممكعظة كالتذكير‪ .‬فعف عبد اهلل بف عباس‬

‫‪ -1‬سكرة القيامة‪ ،‬اآلية ‪.17-16‬‬


‫‪ -2‬التشريع كالفقو في اإلسالـ لمناع القطاف‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪ -3‬سكرة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬
‫‪ -4‬سكرة الفرقاف‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬
‫‪ -5‬سكرة الحجر‪ ،‬اآلية ‪.9‬‬
‫‪ -6‬سكرة الشعراء‪ ،‬اآلية ‪.192‬‬
‫‪57‬‬
‫ككاف‬ ‫رضي اهلل عنيما قاؿ ‪ " :‬أنزؿ القرآف في ليمة القدر جممة كاحدة إلى السماء الدنيا‪،‬‬
‫بمكاقع النجكـ‪ ،‬ككاف اهلل ينزلو عمى رسكلو صمى اهلل عميو كسمـ بعضو في أثر بعض "‪.1‬‬

‫ت‪ -‬دكر القرآف كمكانتو في التشريع‪:‬‬

‫القرآف ىك المصدر األكؿ كالرئيسي لمتشريع اإلسالمي‪ ،‬ككؿ المصادر األخرل إنما‬
‫ترتبط بو كتستمد أصكليا منو‪ ،‬فيك عماد الديف‪ ،‬كدستكر المسمميف‪ ،‬كقد جمع أحكاـ الديف‬
‫كالدنيا في أكمؿ قكاعدىا كأتـ صكرىا‪ ،‬لقكلو تعالى ‪ ( :‬ليكـ أكممت لكـ دينكـ كأتممت عميكـ‬
‫نعمتي‪ ،2)...‬كتنازؿ تشريعو كؿ ما ييـ اإلنساف في معاشو كمعاده‪ ،‬قاؿ تعالى‪ ( :‬ما فرطنا‬
‫في الكتاب مف شيء )‪ ،3‬قاؿ القرطبي في تفسير ىذه اآلية‪ :‬أم ما تركنا شيئا مف أمر الديف‬
‫إال كقد دلننا عميو في القرآف‪ ،‬إما داللة مبينة مشركحة‪ ،‬كاما مجممة يتمقى بيانيا مف الرسكؿ‬
‫عميو الصالة كالسالـ‪ ،‬أك مف اإلجماع‪ ،‬أك مف القياس الذم ثبت بنص الكتاب‪ ...‬فصدؽ‬
‫‪4‬‬
‫خبر اهلل بأنو ما فرط في الكتاب مف شيء إال ذكره إما تفصيال‪ ،‬كاما تأصيال‪...‬‬

‫‪ -1‬أخرجو الحاكـ كالبييقي كغيرىما‪.‬‬


‫‪ -2‬سكرة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.4‬‬
‫‪ -3‬سكرة األنعاـ‪ ،‬اآلية ‪.83‬‬
‫‪ -4‬الجامع ألحكاـ القرآف‪ ،‬ـ‪ ،420/3‬مطبعة دار الكتب المصرية‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫المطمب الثاني‪ :‬السنػػة‬

‫أ‪ -‬تعريؼ السنة‬

‫السنة في المغة‪ :‬الطريقة كالسيرة سكاء كانت محمكدة أك مذمكمة‪ ،‬يقكؿ اهلل تعالى‪:‬‬
‫(سنة اهلل التي قد خمت مف قبؿ كلف تجد لسنة اهلل تبديال )‪ ،1‬كفي صحيح مسمـ أف رسكؿ‬
‫اهلل تعالى قاؿ‪ " :‬مف سف سنة حسنة فمو أجرىا كأجر مف عمؿ بيا بعده مف غير أف ينقص‬
‫مف أجكرىـ شيء‪ ،‬كمف سف في اإلسالـ سنة سيئة كاف عميو كزرىا ككزر مف عمؿ بيا‬
‫مف بعده مف غير أف ينقص مف أجكرىـ شيء "‪.2‬‬

‫كتطمؽ السنة في اصطالح الفقياء عمى ما جاء عف النبي صمى اهلل عميو‬
‫الخصكص‪ ،‬مما لـ ينص عميو في القرآف‪.‬‬

‫كتطمؽ السنة عند األصكلييف عمى ما صدر عف النبي صمى اهلل عميو كسمـ مف قكؿ‬
‫أك فعؿ أك تقرير فيقاؿ‪ :‬سنة قكلية‪ ،‬كسنة فعمية‪ ،‬كسنة تقريرية‪.‬‬

‫كيراد بيا عند المحدثيف عمى ما أثر عف النبي صمى اهلل عميو كسمـ مف قكؿ أك فعؿ‬
‫أك تقرير أك صفة أك سيرة‪ ،‬كىي مرادفة لمحديث عند أكثرىـ‪ .‬كالسنة النبكية الصحيحة جزء‬
‫ال يتج أز مف الكحي ‪ ،3‬مصداقا لقكلو تعالى‪ ( :‬كما ينطؽ عف اليكل إف ىك إال كحي‬
‫يكحى)‪ ،4‬لذلؾ يككف األخذ بيا كاجبا‪ ،‬كالعمؿ بأحكاميا الزما‪ ،‬كتؤيد ىذا نصكص القرآف‬
‫)‪ ،5‬كقاؿ سبحانو‪:‬‬ ‫نفسو‪ ،‬قاؿ تعالى‪ ( :‬كما أتاكـ الرسكؿ فخذكه كما نياكـ عنو فانتيكا‬
‫(أطيعكا اهلل كأطيعكا الرسكؿ)‪ ،6‬كقاؿ تعالى‪( :‬مف يطع الرسكؿ فقد أطاع اهلل‪.1)7‬‬

‫‪ -1‬سكرة الفتح‪ ،‬اآلية ‪.23‬‬


‫‪ -2‬حديث متفؽ عميو‪.‬‬
‫‪ -3‬المدخؿ لدراسة الشريعة‪ ،‬ص ‪.83-82‬‬
‫‪ -4‬سكرة النجـ‪ ،‬اآلية ‪.4-3‬‬
‫‪ -5‬سكرة الحشر‪ ،‬اآلية ‪.7‬‬
‫‪ -6‬سكرة النساء‪ ،‬اآلية ‪.58‬‬
‫‪ -7‬سكرة النساء‪ ،‬اآلية ‪.79‬‬
‫‪59‬‬
‫ب‪ -‬تدكيف السنة‪:‬‬

‫بدأت المحاكالت األكلى لتدكيف السنة في بداية القرف الثاني اليجرم‪ ،‬كذلؾ في خالفة‬
‫عمر بف عبد العزيز‪ ،‬ككاف أكؿ مف دكف السنة عالـ الحجاز كالشاـ محمد بف مسمـ بف‬
‫شياب الزىرم‪ ،‬ثـ أخذت حركة تدكيف السنة طريقيا كأصبحت عمما قائما بذاتو منذ منتصؼ‬
‫القرف الثاني اليجرم في العصر العباسي‪ ،‬ككاف مكطأ اإلماـ مالؾ أقدـ كتاب كصؿ إلينا‪،‬‬
‫ثـ تمتو مجمكعات عظيمة في تدكيف السنة كمسند اإلماـ أحمد بف حنبؿ كالكتب الستة‬
‫المشيكرة كىي‪ :‬الجامع الصحيح لإلماـ البخارم‪ ،‬كالجامع الصحيح لإلماـ مسمـ‪ ،‬كسنف‬
‫الترمذم‪ ،‬كسنف أبي داكد‪ ،‬كسنف النسائي‪ ،‬كسنف ابف ماجو ‪.2‬‬

‫ت‪ -‬أنكاع السنة‪:‬‬

‫تنقسـ السنة مف حيث سندىا أم اعتبار ركاتيا إلى سنة متكاترة كسنة آحاد‪ ،‬كجعؿ‬
‫الحنفية درجة كسطى بينيما كىي السنة المشيكرة‪ ،‬كما تنقسـ مف حيث درجاتيا مف الصحة‬
‫أك الضعؼ إلى حديث صحيح كحديث حسف كحديث ضعيؼ ‪.3‬‬

‫‪ -1‬المدخؿ لدراسة الشريعة‪ ،‬ص ‪.85-84‬‬


‫‪ -2‬نفسو‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪ -3‬نفسو‪ ،‬ص ‪.85-84‬‬
‫‪60‬‬
‫ث‪ -‬مكانة السنة في التشريع‪:‬‬

‫تعتبر السنة النبكية المصدر الثاني مف مصادر التشريع اإلسالمي بعد كتاب اهلل‬
‫تعالى ليا دكر في بياف ما جاء في القرآف مف أحكاـ كتفسيرىا‪ ،‬كما ليا مكانة سامية في‬
‫تشريع أحكاـ أخرل مستقمة‪ ،‬كاف كانت أصكليا راجعة إلى القرآف‪ ،‬مصداقا لقكلو تعالى‪:‬‬
‫(تبيانا لكؿ شيء)‪ ،1‬كقكلو تعالى‪( :‬كأنزلنا إليؾ الذكر لتبيف لمناس ما نزؿ إلييـ) ‪.2‬‬

‫المطمب الثالث‪ :‬اإلجمػػاع‬

‫أ‪ -‬تعريؼ اإلجماع‬

‫اإلجماع‪ :‬في المغة يككف بمعنى العزـ كالتصميـ عمى األمر‪ ،‬كما في قكلو تعالى‪:‬‬
‫(فاجمعكا أمركـ كشركاءكـ )‪ ،3‬كفي قكلو عميو الصالة كالسالـ‪ " :‬مف لـ يجمع الصياـ قبؿ‬
‫الفجر فال صياـ لو "‪ .4‬كيككف بمعنى االتفاؽ عمى األمر‪ ،‬يقاؿ‪ :‬أجمع القكـ عمى كذا‪ :‬إذا‬
‫اتفقكا عميو‪.‬‬

‫كفي اصطالح عمماء الشريعة ىك‪ :‬اتفاؽ المجتيديف مف أمة محمد صمى اهلل عميو‬
‫كسمـ في عصر مف العصكر بعد كفاتو عمى حكـ شرعي ال نص فيو‪ .‬فإذا كقعت حادثة في‬
‫عصر مف العصكر كليس ليا نص في كتاب اهلل كال في سنة رسكلو‪ ،‬كعرضت عمى جميع‬
‫المجتيديف مف األمة اإلسالمية كقت حدكثيا‪ ،‬كاتفقكا عمى حكـ فييا سمي اتفاقيـ إجماعا‪،‬‬
‫كاعتبر إجماعيـ عمى حكـ كاحد فييا دليال عمى أنو الحكـ الشرعي في الكاقعة ‪.5‬‬

‫‪ -1‬سكرة النحؿ‪ ،‬اآلية ‪.89‬‬


‫‪ -2‬سكرة النحؿ‪ ،‬اآلية ‪.44‬‬
‫‪ -3‬سكرة يكنس‪ ،‬اآلية ‪.71‬‬
‫‪ -4‬أخرجو أبك داكد كالترمذم كالنسائي كابف ماجو‪.‬‬
‫‪ -5‬المدخؿ لدراسة الشريعة‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫‪61‬‬
‫ب‪ -‬أنكاع اإلجماع‪:‬‬

‫‪ -1‬اإلجماع الصريح‪:‬‬

‫كيتحقؽ باتفاؽ مجتيدم عصر مف العصكر عمى حكـ شرعي كاحد في الكاقعة‬
‫المعركضة إما عف طريؽ إبداء كؿ منيـ رأيو صراحة بفتكل أك قضاء‪ ،‬أم أف كؿ مجتيد‬
‫يصدر منو قكؿ أك فعؿ يعبر صراحة عمى رأيو‪ ،‬أك عف طريؽ مؤتمر فقيي يضـ جميع‬
‫المجتيديف مف فقياء المسمميف‪ ،‬كيحصؿ فيو االتفاؽ عمى حكـ شرعي معيف بعد مناقشة‬
‫اآلراء كاألدلة المتعمقة بيذا الحكـ‪ .‬كال خالؼ عند جميكر المسمميف في أف اإلجماع الصريح‬
‫حجة قطعية في ثبكت األحكاـ‪.‬‬

‫‪ - 2‬اإلجماع السككتي أك الضمني‪:‬‬

‫كيتحقؽ بإبداء بعض مجتيدم العصر رأييـ في كاقعة بفتكل أك قضاء‪ ،‬كيقابؿ ىذا‬
‫الرأم بسككت البعض اآلخر مف مجتيدم نفس العصر مف اطالعيـ عميو‪ ،‬فيعتبر ىذا‬
‫السككت إق ار ار كبالتالي يعد إجماعا سككتيا‪ .‬كاختمؼ في حجية اإلجماع السككتي ألف‬
‫السككت ليس جازما لممكافقة كبالتالي ال يتحقؽ الجزـ باالتفاؽ كانعقاد اإلجماع‪ ،‬فذىب‬
‫المالكية كالشافعية إلى أنو ليس حجة‪ ،‬كذىب أكثر الحنفية كالحنابمة إلى أنو حجة إذا ثبت‬
‫أف المجتيد الذم سكت عرضت عميو الكاقعة كعرض عميو الرأم الذم أبدم فييا‪ ،‬كمضت‬
‫عميو فترة كافية لمبحث كتككيف الرأم كسكت كلـ تكجد شبية في أنو سكت خكفا أك تممقا أك‬
‫استيزاء‪.1‬‬

‫ت‪ -‬حجية اإلجماع‪:‬‬

‫يعتبر اإلجماع حجة شرعية ثابتة بالكتاب كالسنة كعمؿ الصحابة كالعقؿ أما الكتاب‪،‬‬
‫فقكلو تعالى ‪( :‬كمف يشاقؽ الرسكؿ مف بعد ما تبيف لو اليدل كيتبع غير سبيؿ المؤمنيف‬
‫نكلو ما تكلى كنصمو جينـ كساءت مصي ار)‪.2‬‬

‫‪ -1‬عمـ أصكؿ الفقو لعبد الكىاب خالؼ‪ ،‬ص ‪.51‬‬


‫‪ -2‬سكرة النساء‪ ،‬اآلية ‪.114‬‬
‫‪62‬‬
‫‪1‬‬
‫إف أمتي ال تجتمع عمى ضاللة "‬ ‫كأما السنة‪ :‬فمنيا قكلو صمى اهلل عميو كسمـ ‪" :‬‬
‫كقكلو عميو الصالة كالسالـ‪ " :‬يد اهلل مع الجماعة فمف شذ شذ في النار "‪ ،2‬كقكلو صمى اهلل‬
‫عميو كسمـ‪" :‬فما رآه المسممكف حسنا فيك عند اهلل حسف "‪ ،3‬كقكلو صمى اهلل عميو كسمـ ‪:‬‬
‫"مف فارؽ الجماعة شب ار فمات إال مات ميتة جاىمية "‪.4‬‬

‫كأما عمؿ الصحابة فمنو إجماعيـ عمى تكلي أبي بكر الخالفة بعد كفاة رسكؿ اهلل‬
‫صمى اهلل عميو كسمـ‪ ،‬كاجماعيـ عمى محاربة أىؿ الردة عند امتناعيـ مف إعطاء الزكاة‪،‬‬
‫كاجماعيـ عمى جمع القرآف في مصحؼ كاحد‪.‬‬

‫كأما العقؿ فيستحيؿ اجتماع كؿ المجتيديف مخطئيف في إجماعيـ فما اتفقكا عميو إذا‬
‫ىك صكاب مستند إلى دليؿ مف الكتاب أك السنة فيككف العمؿ بو كاجبا ‪.5‬‬

‫المطمب الرابع‪ :‬القيػػاس‬

‫أ‪ -‬تعريفو‪:‬‬

‫القياس في المغة معناه‪ :‬التقدير كالمساكاة‪.‬‬

‫كفي اصطالح عمماء الشريعة ىك إلحاؽ كاقعة ال نص عمى حكميا بكاقعة كرد نص‬
‫بحكميا لتساكم الكاقعتيف في عمة الحكـ‪.‬‬

‫ب‪ -‬أركاف القياس‪:‬‬

‫‪ -1‬األصؿ‪ :‬كىك ما كرد بحكمو نص‪ ،‬كيسمى المقيس عميو‪.‬‬

‫‪ -2‬الفرع‪ :‬كىك ما لـ يرد بحكمو نص‪ ،‬كيراد إلحاقو باألصؿ في الحكـ‪ ،‬كيسمى‬
‫المقيس‪.‬‬

‫‪ -1‬ركاه ابف ماجو في سننو‪.‬‬


‫‪ -2‬ركاه الترمذم كالنسائي‪.‬‬
‫‪ -3‬ركاه أحمد في مسنده‪.‬‬
‫‪ -4‬ركاه البخارم في صحيحو‪.‬‬
‫‪ -5‬أصكؿ التشريع اإلسالمي‪ ،‬عمي حسب اهلل‪ ،‬ص ‪ .113‬كالمدخؿ لدراسة الشريعة‪ ،‬ص ‪.100-99‬‬
‫‪63‬‬
‫‪ -3‬الحكـ‪ :‬كىك الحكـ الشرعي الذم بو النص في األصؿ‪ ،‬كيراد أف يككف حكما‬
‫لمفرع‪.‬‬

‫‪ -4‬العمة‪ :‬كىي الكصؼ الذم بني عميو حكـ األصؿ‪ ،‬كبناء عمى كجكده في الفرع‬
‫يسكل باألصؿ في حكمو‪.‬‬

‫ج‪ -‬حجية القياس‪:‬‬

‫يعتبر الجميكر القياس حجة كمصد ار مف مصادر التشريع اإلسالمي بنصكص‬


‫الكتاب كالسنة كاإلجماع‪.‬‬

‫يا أييا الذيف آمنكا أطيعكا اهلل كأطيعكا الرسكؿ كأكلي‬ ‫أما الكتاب فمنو قكلو تعالى‪( :‬‬
‫األمر منكـ‪ ،‬فإف تنازعتـ في شيء فردكه إلى اهلل كالرسكؿ إف كنتـ تؤمنكف باهلل كاليكـ‬
‫اآلخر ذلؾ خير كأحسف تأكيال )‪ ،1‬فالرد يككف بتعرؼ عمؿ األحكاـ الكاردة في القرآف كالسنة‪،‬‬
‫كالبناء لكضع أحكاـ شرعية لمكقائع الجديدة إذا تحققت المماثمة في العمؿ‪ ،‬كذلؾ ىك القياس‪.‬‬

‫أما السنة ‪ :‬فعف ابف عباس رضي اهلل عنيما أف امرأة مف جيينة جاءت إلى النبي‬
‫صمى اهلل عميو كسمـ فقالت‪ " :‬إف أمي نذرت أف تحج كلـ تحج حتى ماتت أفأحج عنيا؟‬
‫قاؿ‪ :‬نعـ حجي عنيا‪ ،‬أرأيت لك كاف عمى أمؾ ديف أكنت قاضيتو؟ اقضكا اهلل فاهلل أحؽ‬
‫بالكفاء"‪.2‬‬

‫أما اإلجماع‪ :‬فقد ثبت أف الصحابة احتجكا بالقياس كعممكا بو في كثير مف الكقائع‬
‫كلـ ينكر أحد عمييـ ذلؾ فكاف إجماعا منيـ عمى القياس‪ .‬فقد ثبت أف الصحابة بايعكا أبا‬
‫بكر رضي اهلل عنو لككف النبي صمى اهلل عميو كسمـ اختاره في إمامة الصالة‪ ،‬فقاسكا أمر‬
‫الخالفة عمى إمامة الصالة‪ ،‬ككذلؾ قاسكا حد الشرب عمى حد القذؼ‪ ،‬فقد ركل اإلماـ مالؾ‬
‫في المكطأ أف عمر بف الخطاب رضي اهلل عنو شاكر الناس في حد الخمر كقاؿ‪ :‬إف الناس‬
‫قد شربكىا كاجترؤكا عمييا فقاؿ لو عمي بف أبي طالب رضي اهلل عنو‪ :‬إف السكراف إذا سكر‬
‫ىذل كاذا ىذل افترل فاجعمو حد الفرية‪ ،‬فجعمو عمر حد الفرية ثمانيف جمدة‪ ،‬كلـ ينفرد عمي‬

‫‪ -1‬سكرة النساء‪ ،‬اآلية ‪.58‬‬


‫‪ -2‬ركاه البخارم في صحيحو كتاب جزاء الصيد‪ ،‬باب الحج كالنذكر عف الميت كالرجؿ يحج عف المرأة حديث رقـ ‪:‬‬
‫‪. 1754‬‬
‫‪64‬‬
‫بيذا القياس بؿ كافقو عميو الصحابة كحد الفرية ثمانيف جمدة‪ ،‬كلـ ينفرد عمي بيذا القياس بؿ‬
‫كافقو عميو الصحابة كحد الفرية حد القذؼ لقكلو تعالى‪ ( :‬كالذيف يرمكف المحصنات ثـ لـ‬
‫يأتكا بأربعة شيداء فاجمدكىـ ثمانيف جمدة )‪ .1‬ككرد في رسالة عمر بف الخطاب إلى أبي‬
‫مكسى األشعرم قكلو‪" :‬ثـ اعرؼ األشباه كاألمثاؿ فقس األمكر عند ذلؾ بنظائرىا كاعمد إلى‬
‫أقربيا إلى اهلل كأشبييا بالحؽ‪.2‬‬

‫المطمب الخامس‪ :‬المصمحة المرسمة‬

‫أ‪ -‬تعريفيا‪:‬‬

‫المصمحة في المغة ضد المفسدة‪ ،‬كفي االصطالح الشرعي تطمؽ عمى السبب الذم‬
‫يكصؿ إلى المنفعة كالخير‪ ،‬كما تطمؽ عمى نفس ىذه المنفعة كالخير‪.‬‬

‫كالمصمحة المرسمة عند عمماء الشريعة ىي تشريع الحكـ في كاقعة لـ يرد نص فييا‬
‫كال إجماع بناء عمى مراعاة مصمحة مرسمة أم مطمقة لـ يرد عف الشارع دليؿ خاص‬
‫باعتبارىا كال بإلغاء‪ ،‬كسميت مرسمة أم مطمقة‪ ،‬ألنيا لـ تقيد بدليؿ اعتبار كال بدليؿ إلغاء‪.‬‬
‫كجمع القرآف في عيد أبي بكر‪ ،‬كجمع الناس عمى مصحؼ كاحد في عيد عثماف‪ ،‬كتقدير‬
‫حد لشرب الخمر مقداره أربعيف جمدة ثـ ثمانيف جمدة‪ ،‬كتضميف الصناع إذا ادعكا تمفو كما‬
‫قضى بذلؾ عمي رضي اهلل عنو‪.3‬‬

‫ب‪ -‬شركطيا‪:‬‬

‫‪ -1‬أف تككف المصمحة المرسمة متفقة مع مقاصد الشريعة‪ ،‬فال تنافي أصال مف‬
‫أصكليا كال دليؿ مف أدلتيا‪.‬‬

‫‪ -2‬أف تككف معقكلة في ذاتيا‪ ،‬تتمقاىا العقكؿ بالقبكؿ متى عرضت عمييا‪.‬‬

‫‪ -1‬سكرة النكر‪ ،‬اآلية ‪.4‬‬


‫‪ -2‬إعالـ المكقعيف‪ ،‬البف قيـ الجكزية‪ ،‬ج ‪/1‬ص ‪.100‬‬
‫‪ -3‬المدخؿ لدراسة الشريعة‪،‬ص ‪.105-104‬‬
‫‪65‬‬
‫‪ .1‬لقكلو‬ ‫‪ -3‬أف يككف في األخذ بيا حفظ أمر ضركرم أك رفع حرج الزـ في الديف‬
‫تعالى‪( :‬كما جعؿ عميكـ في الديف مف حرج)‪.2‬‬

‫ت‪ -‬حجيتيا‪:‬‬

‫استدؿ القائمكف بالمصمحة عمى حجيتيا بالقرآف كالسنة كاإلجماع كالقياس‪:‬‬

‫أما القرآف فتتجمى مراعاتو لمصالح الناس كرفع الحرج عنيـ كالتيسير عمييـ في أدلة‬
‫‪ ،3‬كقكلو‬ ‫كثيرة منيا قكلو تعالى‪ ( :‬كأقـ الصالة إف الصالة تنيى عف الفحشاء كالمنكر)‬
‫تعالى‪ " :‬ما يريد اهلل ليجعؿ عميكـ مف حرج كلكف يريد ليطيركـ "‪ ،4‬فيككف اعتماد المصمحة‬
‫المرسمة مبنيا عمى مبدأ رفع الحرج‪.‬‬

‫كأما السنة‪ :‬كبيانو صمى اهلل عميو كسمـ لدية القتؿ الخطأ بأنيا مائة مف اإلبؿ أك ألؼ‬
‫دينار مف الذىب أك عشرة آالؼ درىـ مف الفضة فالشؾ أف ىذا التخيير قد ركعيت فيو حالة‬
‫خاصة ىي أف قيـ ىذه األنكاع الثالثة كانت متساكية أك متقاربة في البيئة العربية‪.‬‬

‫كأما اإلجماع‪ :‬فإف اعتباره حجة تقكـ عمييا المصمحة المرسمة يأتي مف ككف اهلل عز‬
‫كجؿ يفسح أماـ رعاية المصمحة عف طريؽ اإلجماع‪.‬‬

‫كأما القياس فاتفؽ الجميكر عمى أف العمؿ ترجع إلى تحقيؽ مصالح الناس‪ ،‬كألنو ال‬
‫تعقؿ في الشريعة عمة حكـ غير داخمة في عمكـ المصمحة ‪.5‬‬

‫‪ -1‬مقاصد الشريعة كمكارميا لعالؿ الفاسي‪ ،‬ص ‪.142‬‬


‫‪ -2‬سبؽ تخريجيا‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ -3‬سكرة العنكبكت‪ ،‬اآلية ‪.45‬‬
‫‪ -4‬سكرة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.7‬‬
‫‪ -5‬المدخؿ لدراسة الشريعة‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫‪66‬‬
‫المطمب السادس‪ :‬سػد الذريعة‬

‫لغة‪ :‬الكسيمة‪ ،‬كفي االصطالح يقصد بيا كؿ ما يفضي إلى مصمحة‬ ‫أ‪ -‬سد الذريعة‪:‬‬
‫أك مفسدة كإشعاؿ النار قصد االستدفاء فتؤدم إلى إحراؽ األشجار أك المزركعات‪.‬‬

‫ب‪ -‬حجيتيا‪:‬‬

‫كال تسبكا الذيف يدعكف مف دكف اهلل فيسبكا اهلل عدكا‬ ‫أما الكتاب ‪ :‬فقكلو تعالى‪( :‬‬
‫بغير عمـ)‪.1‬‬

‫كأما السنة ‪ :‬فمنيا ‪ :‬ما ركاه عمرك بف العاص رضي اهلل عنيما‪ ،‬أنو عميو الصالة‬
‫كالسالـ قاؿ‪" :‬إف مف أكبر الكبائر أف يمعف الرجؿ كالديو‪ ،‬قيؿ‪ :‬يا رسكؿ اهلل‪ ،‬ككيؼ يمعف‬
‫‪ .2‬كمف ذلؾ نييو عميو‬ ‫الرجؿ كالديو‪ ،‬قاؿ‪ :‬يسب الرجؿ أبا الرجؿ‪ ،‬فيسب أباه كيسب أمو"‬
‫الصالة كالسالـ عف بناء المساجد عمى القبكر كعف الصالة إلييا مخافة تقديس مف فييا‬
‫كعبادتيـ مف دكف اهلل‪.3‬‬

‫كمف أعماؿ الصحابة في ىذا الباب تكريثيـ المطمقة طالقا بائنا في مرض المكت‪،‬‬
‫لكيال يككف ذلؾ الطالؽ ذريعة لمحرماف مف الميراث كافتاؤىـ بحرمة اليدية مف المفترض‬
‫لكيال يؤدم ذلؾ إلى الربا‪ ،‬فتتخذ اليدايا ذريعة إلى الربا‪.4‬‬

‫المطمب السابع‪ :‬االستحساف‬

‫أ‪ -‬تعريفو‪:‬‬

‫االستحساف في المغة معناه عد الشيء حسنا‪ ،‬كفي االصطالح الشرعي‪ :‬عدكؿ‬


‫المجتيد عف حكـ كمي إلى حكـ جزئي استثنائي لدليؿ أقكل رجح لديو ىذا العدكؿ ‪.5‬‬

‫‪ -1‬سكرة األنعاـ‪ ،‬اآلية ‪.109‬‬


‫‪ -2‬أخرجو البخارم في صحيحو‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب ال يسب الرجؿ كالديو‪ ،‬حديث رقـ ‪.5628 :‬‬
‫‪ -3‬أخرجو البخارم في صحيحو‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب ما يكره مف اتخاذ المساجد عمى القبكر‪.‬‬
‫‪ -4‬الفركؽ لمقرافي ‪ :‬ج‪ 2‬ص ‪.33‬‬
‫‪ -5‬المدخؿ لدراسة الشريعة‪ ،‬ص ‪. 112‬‬
‫‪67‬‬
‫ب‪ -‬حجيتو‪:‬‬

‫انقسـ العمماء حكؿ حجية االستحساف إلى فريقيف‪ :‬فريؽ يقكؿ بحجية االستحساف‬
‫‪،1‬‬ ‫كعمى رأسو المالكية كالحنفية‪ ،‬فقد ركم عف مالؾ قكلو‪" :‬تسعة أعشار العمـ االستحساف"‬
‫كفريؽ ينكره كىـ الشافعية كالظاىرية كاعتبركه استنباطا لألحكاـ الشرعية باليكل كالتمذذ‪ ،‬قاؿ‬
‫اإلماـ الشافعي‪" :‬مف استحسف فقد شرع" أم جعؿ نفسو مشرعا مف دكف اهلل ‪.2‬‬

‫المطمب الثامف ‪ :‬االستصحاب‪:‬‬

‫أ‪ -‬تعريفو‪:‬‬

‫االستصحاب في المغة‪ :‬ىك طمب المصاحبة كالمالزمة أك استمرار الصحبة‪.‬‬

‫كفي االصطالح الشرعي‪ :‬ىك بقاء الحكـ الذم ثبت في الماضي بدليؿ مصاحبا‬
‫لكاقعتو كمالزما ليا‪ ،‬حتى يكجد دليؿ آخر مخالؼ يدؿ عمى زكاؿ ىذه المصاحبة ‪.3‬‬

‫‪ :‬ذىب المالكية كالحنابمة كجميكر الشافعية كالظاىرية إلى أف‬ ‫ب‪ -‬حجيتو‬
‫االستصحاب حجة في النفي كاإلثبات كالكجكد كالعدـ عمى السكاء ذلؾ أف الفطرة تقضي‬
‫باستصحاب ما كاف عمى ما كاف حتى يثبت ما يغيره‪ ،‬كيرل الحنفية أف االستصحاب يصمح‬
‫حجة لمدفع فقط‪ ،‬ال إلثبات الحكـ الذم يستصحب‪.‬‬

‫كخالصة القكؿ‪ :‬إذا عارض االستصحاب دليؿ آخر قدـ عميو‪ ،‬كلذا كاف آخر ما يمجأ‬
‫إليو المجتيد‪.4‬‬

‫‪ -1‬المكافقات لمشاطبي ج‪ 4‬ص ‪ .127‬مطبعة المدني القاىرة ‪.‬‬


‫‪ -2‬الرسالة لمشافعي‪ ،‬ص ‪ ،220‬ط‪.1962/1‬‬
‫‪ -3‬المدخؿ لدراسة الشريعة‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪ -4‬نفسو‪ ،‬ص ‪.117‬‬
‫‪68‬‬
‫المطمب التاسع‪ :‬العػرؼ‬

‫أ ‪ -‬تعريفو‪:‬‬

‫العرؼ في المغة يطمؽ عمى الشيء المعركؼ المألكؼ المستحسف‪ ،‬كفي اصطالح‬
‫الفقياء ىك ما استقر في النفكس مف جية العقكؿ كتمقتو الطباع السميمة بالقبكؿ ‪.1‬‬

‫ب‪ -‬مكانة العرؼ في التشريع‪:‬‬

‫ىك ركف مف أركاف التشريع التي يعتمد عمييا الفقياء في استنباطاتيـ كتخريجاتيـ‪،‬‬
‫ذلؾ أف الناس إذا تعارفكا عمى فعؿ شيء‪ ،‬كاف ذلؾ تأكيدا لحاجاتيـ إليو‪ ،‬إذ ىك الذم يحقؽ‬
‫ليـ النفع كيدفع عنيـ الضرر‪ ،‬فمك منعكا مف ذلؾ بعد اعتيادىـ إياه كقعكا في الحرج كلحقتيـ‬
‫المشقة‪.2‬‬

‫ت‪ -‬أنكاع العرؼ‪:‬‬

‫ينقسـ العرؼ إلى عرؼ صحيح كعرؼ فاسد‪ .‬العرؼ الفاسد ىك ما كاف مخالفا لمشرع‬
‫كتعارؼ الناس عمى التعامؿ بالربا كاالختالط في الحفالت أك عمى التبرج‪ ،‬أما العرؼ‬
‫الصحيح‪ :‬ىك الذم ال يخالؼ الشرع كىك يتنكع إلى نكعيف ‪ :‬عرؼ قكلي كعرؼ عممي‪،‬‬
‫القكلي ىك ما شاع بيف الناس مف استعماؿ ألفاظ كإطالؽ المحـ عمى لحـ الضأف كالبقر دكف‬
‫كمف كؿ تأكمكف لحما طريا )‪،3‬‬ ‫لحـ السمؾ‪ ،‬كقد جعؿ القرآف السمؾ مف جممة المحـ‪( :‬‬
‫ككإطالؽ لفظ الكلد عمى الذكر كاألنثى‪ ،‬أما العرؼ العممي فيك غمبة معنى مف المعاني عمى‬
‫جميع البالد أك بعضيا كتعارؼ الناس عمى التعاطي في بعض البيكع مف غير صيغة لفظية‬
‫أك عمى دفع العربكف قبؿ إتماـ البيع‪ ،‬كىك إما عرؼ خاص أك عرؼ عاـ فالعاـ يعـ جميع‬
‫البالد‪ ،‬كالخاص يككف مخصكصا ببمد أك مكاف دكف آخر ‪.4‬‬

‫‪ -1‬المدخؿ لدراسة الشريعة ص ‪.118‬‬


‫‪ -2‬نفسو‪ ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪ -3‬سكرة فاطر‪ ،‬اآلية ‪.12‬‬
‫‪ -4‬المدخؿ لدراسة الشريعة‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪69‬‬
‫ث‪ -‬حجيتو‪:‬‬

‫خذ العفك كامر بالعرؼ كأعرض عف الجاىميف)‪.1‬‬ ‫مف الكتاب‪ :‬قكلو تعالى‪( :‬‬

‫فما رآه المسممكف حسنا فيك عند اهلل‬ ‫كمف السنة ‪ :‬حديث عبد اهلل بف مسعكد‪" :‬‬
‫"‪ ،2‬كلـ يخالؼ في األخذ بالعرؼ الصحابة‬ ‫حسف‪ ،‬كما رأكه سيئا فيك عند اهلل سيء‬
‫كالتابعكف اقتداء بفعؿ الرسكؿ عميو الصالة كالسالـ‪ ،‬كقد بنى اإلماـ مالؾ أحكاما كثيرة عمى‬
‫عرؼ أىؿ المدينة‪.‬‬

‫المطمب العاشر‪ :‬شػرع مف قبمنا‬

‫أ‪ -‬معناه‪:‬‬

‫ىك استمرار حكـ الشرائع السماكية السابقة لإلسالـ عمى المسمميف إذا كرد اإلخبار‬
‫عنيا في القرآف كالسنة‪ ،‬كلـ يدؿ دليؿ عمى نسخيا‪ ،‬كنص عمى أنو مكتكب عمينا كما كاف‬
‫يا أييا الذيف‬ ‫مكتكبا عمييـ‪ ،‬فال خالؼ في أنو شرع لنا بتقرير شرعنا لو‪ ،‬كقكلو تعالى ‪( :‬‬
‫)‪ ،3‬ككقكؿ الرسكؿ عميو الصالة‬ ‫آمنكا كتب عميكـ الصياـ كما كتب عمى الذيف مف قبمكـ‬
‫كالسالـ‪" :‬ضحكا فإنيا سنة أبيكـ إبراىيـ عميو السالـ "‪.4‬‬

‫ب‪ -‬مكقؼ الفقياء منو‪:‬‬

‫انقسـ الفقياء بيف مجيز كمخالؼ العتبار شرع مف قبمنا شرعا لنا كبالتالي مصد ار مف‬
‫مصادر التشريع اإلسالمي‪ ،‬فاستدؿ مالؾ كأبك حنيفة بقكلو تعالى‪ " :‬شرع لكـ مف الديف ما‬
‫كصى بو نكحا كالذم أكحينا إليؾ كما كصينا بو إبراىيـ كمكسى كعيسى أف أقيمكا الديف‬
‫كال تتفرقكا "‪ ،5‬كاستدؿ الفريؽ الثاني أف الشرائع السابقة لـ تكف صالحة لكؿ زماف كمكاف‬

‫‪ -1‬سكرة األعراؼ‪ ،‬اآلية ‪.199‬‬


‫‪ -2‬أخرجو أحمد في مسنده عف عبد اهلل بف مسعكد‪.‬‬
‫‪ -3‬سكرة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.182‬‬
‫‪ -4‬أخرجو ابف ماجو في سننو‪.‬‬
‫‪ -5‬سكرة الشكرل‪ ،‬اآلية ‪.13‬‬
‫‪70‬‬
‫كالشريعة اإلسالمية‪ ،‬بدليؿ قكلو تعالى ‪ " :‬كما أرسمناؾ إال كافة لمناس بشي ار كنذي ار "‪ ،1‬كبقكلو‬
‫تعالى ‪" :‬ثـ جعمناؾ عمى شريعة مف األمر فاتبعيا "‪.2‬‬

‫المطمب الحادم عشر‪ :‬قكؿ الصحابي‬

‫أ‪ -‬معناه‪:‬‬

‫ىك كؿ ما يفتي بو الصحابي أك يقضي بو أك يجرم عمى لسانو مف رأم في أمكر‬


‫الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫ب‪ -‬حجيتو‪:‬‬

‫كالسابقكف‬ ‫يرل الفقياء أف أقكاؿ الصحابة حجة بعد النصكص بدليؿ قكلو تعالى‪( :‬‬
‫األكلكف مف المياجريف كاألنصار كالذيف اتبعكىـ بإحساف رضي اهلل عنيـ كرضكا عنو )‪،3‬‬
‫عميكـ بسنتي‬ ‫مدح اهلل تعالى مف اتبع المياجريف كاألنصار‪ ،‬كقكلو صمى اهلل عميو كسمـ‪" :‬‬
‫كسنة الخمفاء الراشديف مف بعدم "‪ ،4‬فيذاف دليالف في كجكب اتباع الصحابة كاعتبار‬
‫أقكاليـ‪.5‬‬

‫‪ -1‬سكرة سبأ‪ ،‬اآلية ‪.28‬‬


‫‪ -2‬سكرة الجاثية‪ ،‬اآلية ‪.17‬‬
‫‪-3‬سكرة التكبة‪ ،‬اآلية ‪.101‬‬
‫‪ -4‬أخرجو أبك داكد كالترمذم ‪.‬‬
‫‪ -5‬المدخؿ لدراسة الشريعة‪ ،‬ص ‪.126‬‬
‫‪71‬‬
‫الفصؿ الثالث ‪:‬‬

‫أطكار التشريع اإلسالمي‬

‫كيتضمف المباحث التالية‪:‬‬

‫المبحث األكؿ‪ :‬التشريع في عيد الرسكؿ عميو الصالة كالسالـ‬


‫يعتبر عصر النبي صمى اهلل عميو كسمـ أىـ العصكر الفقيية عمى اإلطالؽ ألف‬
‫التشريع اإلليي تـ في ىذا العصر‪ ،‬كالتشريع اإلليي ىك أساس الفقو في جميع أدكاره‬
‫كعصكره في الماضي كالحاضر كالمستقبؿ ‪.‬‬

‫كالفقو في ىذا العصر ىك فقو الكحي فقط‪ ،‬حيث كانت األحكاـ الشرعية تتنزؿ عمى النبي‬
‫صمى اهلل عميو كسمـ بمفظيا أم القرآف كمعناىا أم السنة‪ ،‬كيقكـ النبي صمى اهلل عميو كسمـ‬
‫بتبميغيا إلى الناس‪ ،‬فمصدر األحكاـ الشرعية ىك الكحي كال شيء غيره‪ ،‬أما اجتياد النبي‬
‫صمى اهلل عميو كسمـ كأصحابو فراجع إلى الكحي كما سيتبيف فيما بعد ‪.1‬‬

‫المطمب األكؿ‪ :‬مميزات التشريع في عيد الرسكؿ عميو الصالة كالسالـ‬

‫أ ‪ -‬إف سمطة التشريع في ىذا العصر كانت لمنبي صمى اهلل عميو كسمـ كحده‪،‬‬
‫ككاف مرجعو في ذلؾ الكحي بقسميو المتمك كىك القرآف الكريـ‪ ،‬كغير المتمك كىك السنة‪ ،‬فمـ‬
‫يكف مجاؿ لالختالؼ في حكـ مف األحكاـ ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬إف آيات األحكاـ كانت تتنزؿ بمناسبة كاقعة أك حادثة كقعت أك كانت جكابا‬
‫عف سؤاؿ أك استفتاء‪.2‬‬

‫‪ -1‬المدخؿ لدراسة الشريعة لعبد الكريـ زيداف دار الكفاء ط‪ 1992-12‬ص‪.91‬‬


‫‪ -2‬تاريخ الفقو اإلسالمي لمحمد يكسؼ مكسى ط‪ 21964‬دار المعرفة القاىرة ص‪.27-26‬‬
‫‪72‬‬
‫ت ‪ -‬كركد األحكاـ غير مسبكقة بسؤاؿ أك حادثة معينة‪ ،‬لضركرتيا لممجتمع‪،‬‬
‫كمقادير الزكاة كالشكرل في الحكـ كبياف أحكاـ األسرة كبعض العقكبات ‪.1‬‬
‫ث ‪ -‬إف التشريع اإلسالمي لـ يثبت جممة كاحدة بؿ ثبت منجما متتابع اآليات‬
‫كاألحاديث كفؽ المناسبات كالكقائع‪.2‬‬
‫المطمب الثاني‪ :‬االجتياد في عصر الرسكؿ عميو الصالة كالسالـ‬

‫سبؽ القكؿ‪ :‬إف الفقو في عصر النبي عميو الصالة كالسالـ ىك فقو الكحي‪ ،‬أم أف‬
‫مصدر التشريع ىك كحي اهلل في قرآنو أك عمى لساف رسكلو في السنة‪ ،‬كلكف ثبت أف النبي‬
‫صمى اهلل عميو كسمـ اجتيد‪ ،‬كأنو أذف ألصحابو باالجتياد كأقرىـ عمى بعض ما اجتيدكا فيو‪،‬‬
‫فيؿ يعتبر االجتياد في ىذا الدكر مصد ار لمفقو كتشريع األحكاـ ؟ كىك ما ستتـ اإلجابة عميو‬
‫بدءا باجتياد النبي صمى اهلل عميو كسمـ كاجتياد الصحابة رضي اهلل عنيـ ‪.3‬‬

‫أ‪ -‬اجتياد الرسكؿ عميو الصالة كالسالـ في ىذا العصر ‪.‬‬

‫يرل أكثر األصكلييف أف االجتياد كاقع منو شرعا كاستدلكا بأدلة في كتب أصكؿ الفقو‪،‬‬
‫كقالكا‪ :‬إف اجتياده بمنزلة الكحي الثابت‪ ،‬ألنو ال يقر عمى الخطأ فيك صكاب ال محالة‪،‬‬
‫بخالؼ اجتياد غيره مف المجتيديف فإنو يحتمؿ الخطأ كاإلقرار عميو‪ ،‬أما اجتياد الرسكؿ فإنو‬
‫كاف احتمؿ رأيا خاصا لكنو ال يحتمؿ اإلقرار عميو‪ ،‬كقد أمر اهلل تعالى بكجكب اتباع النبي‬
‫(فال كربؾ ال يؤمنكف حتى‬ ‫صمى اهلل عميو كسمـ في حكمو كاجتياده‪ ،‬قاؿ اهلل تعالى ‪:‬‬
‫يحكمكؾ فيما شجر بينيـ ثـ ال يجدكا في أنفسيـ حرجا مما قضيت كيسممكا تسميما) ‪.4‬‬

‫‪ -1‬المدخؿ لعبد الكريـ زيداف ص‪.93‬‬


‫‪ -2‬تاريخ الفقو اإلسالمي ص‪.27‬‬
‫‪ -3‬المدخؿ لعبد الكريـ زيداف ص‪.96-95‬‬
‫‪ -4‬سكرة النساء اآلية ‪.64‬‬
‫‪73‬‬
‫ب‪ -‬أمثمة مف اجتياد الرسكؿ عميو الصالة كالسالـ ‪.‬‬

‫‪-1‬اجتياده يكـ بدر في مكاف النزكؿ‪.1‬‬

‫‪-2‬اجتياده في أخد الفداء مف أسرل بدر‪.2‬‬

‫‪-3‬اجتياده في سف السكاؾ‪.3‬‬

‫‪-4‬مسألة حج المرأة عف أميا‪.4‬‬

‫ت‪ -‬أمثمة مف اجتياد الصحابة في ىذا العصر‬

‫أ‪ -‬مف ذلؾ حديث معاذ بف جبؿ لما بعثو الرسكؿ صمى اهلل عميو كسمـ إلى اليمف‬
‫ليقكـ ببعض األمكر بينيـ‪ ،‬قاؿ ‪ :‬كيؼ تصنع إذا عرض لؾ قضاء ؟ قاؿ أقضي بما في‬
‫كتاب اهلل‪ ،‬قاؿ ‪ :‬فإف لـ يكف في كتاب اهلل ؟ قاؿ فبسنة رسكؿ اهلل قاؿ‪ :‬فإف لـ يكف في سنة‬
‫رسكؿ اهلل ؟ قاؿ ‪ :‬أجتيد رأيي كال آلك‪ ،‬فضرب رسكؿ اهلل صمى اهلل عميو كسمـ بيده عمى‬
‫صدرم كقاؿ ‪ :‬الحمد هلل الذم كفؽ رسكؿ رسكؿ اهلل لما يرضي اهلل كرسكلو ‪ ،5‬فيذا دليؿ عمى‬
‫إذنو لممسمميف باالجتياد كارتياحو لما رآه مف رأم سديد لمعاد بف جبؿ في االجتياد كالقياس‪.‬‬

‫ث‪ -‬حديث الصحابييف المذيف خرجا في سفر‪ ،‬كلما حضرت الصالة كلـ يكف معيما‬
‫ماء تيمما كصميا‪ ،‬ثـ لما كجدا الماء في الكقت أعاد أحدىما كلـ يعد اآلخر‪ ،‬فصكبيما‬
‫الرسكؿ عميو السالـ بقكلو لمذم لـ يعد صالتو‪ :‬أصبت السنة كأجزأتؾ صالتؾ)‪ ،‬كقكلو لمذم‬
‫أعاد ‪ :‬لؾ األجر مرتاف‪.6‬‬

‫‪ -1‬تاريخ المذاىب اإلسالمية لمحمد أبي زىرة دار الفكر العربي ‪.9/2‬‬
‫‪ -2‬نفسو ‪.8/2‬‬
‫‪ -3‬تاريخ الفقو اإلسالمي ص‪.95‬‬
‫‪ -4‬نفسو ص‪.35‬‬
‫‪ -5‬ركاه أبك داكد كالترمذم كالنسائي كابف ماجو كأحمد‪.‬‬
‫‪ -6‬ركاه أبك داكد كالنسائي‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫المطمب الثالث‪ :‬التدكيف في ىذا العصر‬

‫اتخذ النبي عميو الصالة كالسالـ كتابا يكتبكف لو ما ينزؿ مف القرآف‪ ،‬كمف ىؤالء زيد بف‬
‫ثابت كعمي بف أبي طالب كعثماف بف عفاف‪ ،‬كتكفي الرسكؿ عميو الصالة كالسالـ كالقرآف‬
‫محفكظ في الصدكر‪ ،‬مدكف كمو في الرقاع‪ ،‬إال أنو لـ يكف مجمكعا في مصحؼ كاحد كانما‬
‫كاف مفرقا حتى تـ جمعو في مجمكعة كاحدة أم في مصحؼ كاحد في زمف أبي بكر‪.‬‬

‫أما السنة فنيى الرسكؿ صمى اهلل عميو كسمـ عف كتابتيا خشية اختالطيا بالقرآف‬
‫كلكنيا حفظت في صدكر الصحابة كبمغكىا لغيرىـ كلـ يفقد منيا‪ ،‬ألف السنة مبينة لمقرآف‬
‫إنا نحف نزلنا الذكر كانا لو‬ ‫كشارحة لو‪ ،‬كالقرآف محفكظ بحفظ اهلل تعالى‪ ،‬قاؿ تعالى ‪( :‬‬
‫لحافظكف )‪ ،‬كمف تماـ حفظو حفظ السنة لو ‪.1‬‬

‫المطمب الرابع‪ :‬أشير الفقياء في ىذا العصر‬

‫كانت كممة فقو في ىذا العصر تطمؽ عمى معرفة سائر األحكاـ ككاف الفقياء يسمكف‬
‫بالقراء أم يقرءكف كتاب اهلل كيعرفكف معانيو‪.‬‬

‫كمف أشير الفقياء في ىذا العصر‪ :‬عبد اهلل بف عباس حتى سمي البحر لكثرة عممو‬
‫كسمماف الفارسي الذم قاؿ فيو النبي عميو الصالة كالسالـ ‪" :‬أنو مع الحػؽ كالحػؽ معو"‪،‬‬
‫كأبي بف كعب الذم ركم عف رسكؿ اهلل صمى اهلل عميو كسمـ أنو أق أر أمتو ‪.2‬‬

‫‪ -1‬المدخؿ لدراسة الشريعة ص‪.98‬‬


‫‪-2‬أدكار الفقو كأطكاره لعمي محمد رضا ىادم‪ ،‬دار الزىراء ط‪1979-1‬ص‪. 19-17‬‬

‫‪75‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التشريع في عيد الصحابة رضي اهلل عنيـ‬

‫عاصر الصحابة الرسكؿ عميو الصالة كالسالـ كشاىدكا أفعالو كسمعكا أقكالو كتقريراتو‬
‫كحفظكىا كرككىا‪ ،‬كىـ الذيف كانكا يستفتكنو كيسألكنو فيجيبيـ كيخبرىـ عف األحكاـ في‬
‫المسائؿ كميا‪ ،‬فعرفكا مقاصد التشريع كأس ارره فمـ يكف الفقو مدكنا‪ ،‬بؿ انحصر في جممة مف‬
‫القكاعد كاألصكؿ كالتشريعات الجزئية مف القرآف كالسنة المطيرة‪.1‬‬

‫المطمب األكؿ ‪ :‬منيج التشريع في عصر الصحابة ‪:‬‬

‫التشريع في ىذا العصر كاف جماعيا ال فرديا‪ ،‬كىك ما سمي باإلجماع كىك المصدر‬
‫الثالث مف مصادر التشريع اإلسالمي‪ ،‬خاصة في عيد عمر بف الخطاب رضي اهلل عنو‬
‫الجتماع الصحابة بالمدينة‪ ،‬كيستند ىذا اإلجماع إلى النصكص كالى المصمحة‪ ،‬كينسخ‬
‫بإجماع آخر كفقا لممصمحة‪ ،‬لذلؾ كاف اإلجماع مف أكسع المصادر الشرعية لألحكاـ‪،‬‬
‫كيكاكب القضايا المستجدة في ىذا العصر كما بعده مف العصكر الالحقة اختالؼ مصالح‬
‫الناس مف جيؿ إلى جيؿ‪ ،‬كاختالؼ الفتكل أيضا باختالؼ الزماف كالمكاف‪.‬‬

‫كقد سمؾ مسمؾ عمر رضي اهلل عنو عثماف كعمي رضي اهلل تعالى عنيما‪ ،‬فكاف يعتمداف‬
‫عمى الكتاب كالسنة أكال‪ ،‬فإف لـ يجدا‪ ،‬يستشيراف الصحابة فيما يعرض ليما مف قضايا‬
‫عمال بمبدأ الشكرل ‪ ،2‬لقكلو تعالى‪( :‬كأمرىـ شكرل بينيـ) ‪ ،3‬كقكلو تعالى‪( :‬كشاكرىـ في‬
‫األمر )‪.4‬‬

‫‪ -1‬تاريخ الفقو اإلسالمي ص‪.50‬‬


‫‪ -2‬نفسو ص‪.35-25‬‬
‫‪ -3‬سكرة الشكرل اآلية ‪.35‬‬
‫‪ -4‬سكرة آؿ عمراف اآلية ‪.159‬‬
‫‪76‬‬
‫المطمب الثاني‪:‬أسباب اختالؼ الفقياء في عصر الصحابة‪:‬‬

‫يرجع أسباب اختالؼ الفقياء في ىذا العصر إلى عدة أسبا ب مف أىميا‪:‬‬

‫أ‪-‬اختالفيـ بسبب عمـ البعض بالسنة كعدـ عمـ البعض اآلخر بيا‪:‬‬

‫ألف السنة ما كانت مدكنة‪ ،‬بؿ كانت مكزعة بينيـ‪ ،‬كترتب عمى ذلؾ أف مف عمـ سنة‬
‫نبكية أفتى بيا‪ ،‬كمف لـ يعمميا أفتى برأيو‪ ،‬كربما كافؽ رأيو السنة كربما خالفو‪ .‬كمثالو أف‬
‫عمر بف الخطاب لـ ير أف أصابع اليد في الدية سكاء حتى بمغتو السنة القاضية في‬
‫مساكاة أصابع اليد في الدية فعدؿ عف رأيو‪.1‬‬

‫ب‪ -‬اختالفيـ بسبب عدـ كثكقيـ ببعض األحاديث ‪:‬‬

‫فقد يجيؿ أحدىـ السنة فإذا ركيت لو ربما ال يطمئف لركايتيا كال يأخذ بيا‪.‬‬

‫فمف ذلؾ أف عمر بف الخطاب لـ يثؽ بحديث فاطمة بنت قيس حيث قالت‪ :‬إف النبي‬
‫عميو الصالة كالسالـ لـ يفرض ليا نفقة كال سكنى لما طمقيا زكجيا بائنا‪ ،‬كأفتى عمر بأف‬
‫المبتكتة ليا النفقة كليا السكنى بدليؿ قكلو تعالى ‪( :‬ال تخرجكىف مف بيكتيف كال يخرجف‬
‫إال أف يأتيف بفاحشة مبينة ) ‪ ،2‬كأفتى غيره بحديث فاطمة بنت قيس‪ ،‬كأفتى آخركف بأنو ال‬
‫نفقة ليا كليا السكنى‪. 3‬‬

‫ت‪ -‬اختالفيـ في فيـ النصكص‪:‬‬

‫كاختالفيـ في العدة ىؿ ىي ثالثة أطيار أك ثالثة حيض الختالفيـ في المقصكد‬


‫بكممة قركء في قكلو تعالى‪ ( :‬كالمطمقات يتربصف بأنفسيف ثالثة قركء ) ‪ ،4‬فمنيـ مف‬
‫حممو عمى معنى الطير كمنو مف حممو عمى معنى الحيض‪.‬‬

‫‪ -1‬المدخؿ لدراسة الشريعة ص‪.108-107‬‬


‫‪ -2‬سكرة الطالؽ اآلية ‪.1‬‬
‫‪ -3‬تاريخ التشريع اإلسالمي ص‪.79‬‬
‫‪ -4‬سكرة البقرة اآلية ‪.226‬‬
‫‪77‬‬
‫ث‪-‬اختالفيـ بسبب االجتياد فيما ال نص فيو‪:‬‬

‫اختالؼ عمر كعمي في مف نكح امرأة في عدتيا كدخؿ بيا‪ ،‬فقضى عمر بالحرمة‬
‫المؤبدة بعد التفريؽ بينيما‪ ،‬كقضى عمي بالتفريؽ دكف الحرمة كتعزيره عمى ما فعؿ ‪.1‬‬

‫المطمب الثالث‪ :‬أكثر الفقياء إفتاء في ىذا العصر‬

‫الصحابة الذيف حفظت عنيـ الفتكل مف أصحاب رسكؿ اهلل عميو الصالة كالسالـ‬
‫أكثر مف مائة كثالثيف نفسا ما بيف رجؿ كامرأة‪ ،‬ككاف المكثركف منيـ في الفتكل سبعة ‪:‬‬
‫عمر كعمي كعبد اهلل بف مسعكد كعائشة أـ المؤمنيف كزيد بف ثابت كعبد اهلل بف عباس‬
‫كعبد اهلل بف عمر رضي اهلل عنيـ‪.‬‬

‫كالمتكسطكف منيـ ‪ :‬أبك بكر الصديؽ كعثماف بف العفاف كأبك مكسى األشعرم كسعد‬
‫بف أبي كقاص كسمماف الفارسي كغيرىـ‪.2‬‬

‫المطمب الرابع ‪ :‬التدكيف في ىذا العصر‬

‫تـ تدكيف القرآف في مجمكعة كاحدة أم في مصحؼ كاحد‪ ،‬القتراح عمر عمى أبي‬
‫بكر جمعو نظ ار لمكت القراء أثناء الجياد‪ ،‬كخشية ضياع القرآف بمكتيـ‪ ،‬كقد تردد أبك بكر‪،‬‬
‫كبعد إلحاح شديد مف لدف عمر عميو كافقو الرأم‪ ،‬فأمر أبك بكر زيد بف ثابت بتتبع القرآف‬
‫كجمعو فتـ ذلؾ‪ ،‬ككاف زيد مف كتاب الكحي‪ ،‬كدكف القرآف في مجمكعة كاحدة بقيت عند‬
‫أبي بكر ثـ عمر ثـ حفصة بنت عمر أـ المؤمنيف‪ ،‬كفي عيد عثماف نسخت ستة أك سبعة‬
‫مصاحؼ كفرقت في األمصار‪ ،‬أما السنة فمـ تدكف في ىذا العصر كظمت محفكظة في‬
‫صدكر الصحابة بال تدكيف‪.3‬‬

‫‪ -1‬تاريخ التشريع ص ‪.83‬‬


‫‪ -2‬نفسو ص‪ ،84-83‬المدخؿ لدراسة الشريعة‪ ،‬ص‪.109‬‬
‫‪ -3‬نفسو ص‪.70-69‬‬
‫‪78‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬التشريع في عيد بني أمية‬
‫اعتمد الفقو في ىذا عمى مصادره األكلى ‪ :‬الكتاب كالسنة ثـ اإلجماع كالقياس‪ .‬إال‬
‫أف التفرؽ السياسي الذم عرفو ىذا العصر أدل إلى اضطراب في الحركة التشريعية كالعممية‬
‫مما كاف لو األثر في تعميؽ الخالفات الفقيية‪.‬‬

‫المطمب األكؿ‪ :‬مميزات ىذا الدكر‪:‬‬

‫أ ‪ -‬تفرؽ المسمميف سياسيا فقد كاف كؿ مف الخكارج كالشيعة لو ميكؿ خاصة‪.‬‬


‫ب ‪ -‬تفرؽ العمما ء في األمصار كمنيـ القارئ كمنيـ المحدث كنقؿ عنيـ جماعة‬
‫مف كبار التابعيف شارككىـ في الفتكل‪.‬‬
‫ت ‪ -‬شيكع ركاية الحديث بسبب تفرؽ الصحابة في األمصار كتجدد الحكادث‪.‬‬
‫ث ‪ -‬ظيكر الكضاعيف لمحديث ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬ظيكر المكالي كىـ عمماء مف المسمميف غير العرب مف الركـ كفارس‬
‫كمصر‪.‬‬
‫ح ‪ -‬ظيكر المدارس الفقيية ‪:‬‬
‫‪-1‬مدرسة أىؿ الحديث‪.‬‬
‫‪-2‬مدرسة أىؿ الرأم‪. 1‬‬

‫‪ -1‬تاريخ التشريع ص‪.96-92‬‬


‫‪79‬‬
‫المطمب الثاني ‪ :‬ظيكر الفرؽ اإلسالمية‪:‬‬
‫أ‪ -‬الخكارج ‪:‬‬
‫كىـ المعارضكف لفكرة التحكيـ‪ ،‬خرجكا عف طاعة عمي بف أبي طالب‪ ،‬متخذيف أمي ار‬
‫عمييـ يدعى عبد اهلل بف كىب الراسي‪ ،‬دعاىـ إلى الخركج مف الككفة إلى حاركراء‪ ،‬كسميت‬
‫ىذه الطائفة حركرية كالطائفة المحكمة‪ ،‬كتـ ليـ قتؿ عمي بالككفة‪ ،‬كاستكلكا عمى كثير مف‬
‫األقاليـ مف الجزيرة العربية إلى نياية الدكلة األمكية كبداية العباسية‪.‬‬
‫ب‪ -‬مبادئ الخكارج الفقيية‪:‬‬
‫‪ -‬تكفيرىـ مرتكب الكبائر كالذيف اشترككا في فكرة التحكيـ كدعكا إلييا‪.‬‬
‫‪ -‬يكجبكف الخركج عف اإلماـ الجائر كال يقكلكف بالتقية التي يقكؿ بيا أكثر الشيعة‪.‬‬
‫‪ -‬يعتبر الخكارج أف العمؿ جزء مف اإليماف فال يكفي عندىـ التصديؽ بالقمب أك‬
‫اإلقرار بالمساف فقط‪.‬‬
‫‪ -‬يركف أف الخالفة لمف يختاره المسممكف‪ ،‬كلك لـ يكف قريشيا أك عربيا‪ ،‬فميست‬
‫بالتعييف كما يقكؿ الشيعة‪.‬‬
‫( الزانية‬ ‫‪ -‬ينكر الخكارج رجـ المحصف كيركف أف حده الجمد أخذا بعمكـ اآلية ‪:‬‬
‫دكف األخذ باألحاديث الكاردة التي تقضي‬ ‫كالزاني فاجمدكا كؿ كاحد منيما مائة جمدة )‪،‬‬
‫برجـ المحصف كدكف األخذ باإلجماع في ذلؾ ‪.1‬‬
‫ت ‪ -‬الشيعة‪:‬‬
‫ىـ أنصار عمي بف أبي طالب رضي اهلل عنو‪ ،‬كمبدأىـ أف عمي أكلى بالخالفة مف‬
‫غيره‪ ،‬كمنصب الخالفة ال مجاؿ لمشكرل فيو‪ ،‬كال مكضع لمنظر أف يككف النبي قد عيف مف‬
‫يخمفو بالنص أك الكصؼ‪ ،‬كالبد أف يككف معصكما مثمو‪ ،‬كأف عمي ىك المكصى لو مف‬
‫الرسكؿ عميو الصالة كالسالـ كأكالد عمي ىـ األكصياء مف بعده دكف سكاىـ‪ ،‬كاستدلكا في‬
‫ذلؾ إلى أحاديث كثيرة تؤيد ما ذىبكا إليو في دعكاىـ‪ ،‬منيا ‪" :‬الميـ كالي مف كااله كعادم‬
‫مف عاداه"‪" ،‬مف كنت لو كليا فعمي مكاله"‪" ،‬أنت مني بمنزلة ىاركف مف مكسى"‪" ،‬أنا مدينة‬
‫العمـ كعمي بابيا"‪.2‬‬

‫‪ -1‬تاريخ الفقو اإلسالمي ص‪.113-108‬‬


‫‪ -2‬نفسو ص‪.116-114‬‬
‫‪80‬‬
‫كلـ تكف فكرة التحكيـ في صالح عمي رضي اهلل عنو فبقي عمى حقو في الخالفة إلى‬
‫أف استشيد غد ار عمى يد أحد الخكارج كىك عبد الرحماف بف ممجـ‪ ،‬فبكيع الحسف بف عمي ثـ‬
‫تنازؿ عنيا لمعاكية بف أبي سفياف‪ ،‬لكف الشيعة لـ يصرفيـ سمطاف معاكية عف قصدىـ‬
‫كمعتقدىـ بأف خالفة عمي حؽ ديني‪ ،‬فسكتكا إلى أف تكلى زيد بف معاكية الخالفة فاستنيضكا‬
‫الحسيف بف عمي رضي اهلل عنو لمقضاء عمى زيد‪ ،‬فاستشيد الحسيف في كربالء بالعراؽ‪،‬‬
‫كلحؽ بأىمو كذريتو ظمـ كبير‪ ،‬كلـ يبؽ مف كلد الحسف كالحسيف إال أطفاؿ صغار لـ يتمكنكا‬
‫مف النيكض بالدعكة آلؿ البيت رضي اهلل عنيـ كمف ثمة اختمؼ الشيعة فيمف يككف اإلماـ‪،‬‬
‫كتنكعت الطكائؼ الشيعية‪ ،‬كسمكت كؿ طائفة في الفقو كاألحكاـ كطرؽ االستنباط مذىبا‬
‫مغاي ار لمفرؽ األخرل‪.1‬‬
‫ث‪ -‬طكائؼ الشيعة‪:‬‬
‫*الزيدية ‪ :‬نسبة إلى اإلماـ زيد بف عمي زيف العابديف بف الحسيف بف عمي بف أبي‬
‫طالب رضي اهلل عنو‪ ،‬عاش بالككفة‪ ،‬كتميز بالكرع كالتقكل‪ ،‬مف أشير كتبو ‪ ":‬مجمكع الفقو‬
‫الكبير "‪.‬‬
‫*مميزات فقو الزيدية‪:‬‬
‫‪ -1‬اعتبار اإلجماع كالقياس مف مصادر التشريع خالفا لإلمامية كمكافقة لجميكر‬
‫المسمميف‪.‬‬
‫‪ -2‬زيادة "حي عمى خير العمؿ" في اآلذاف كاإلقامة كىي محؿ اتفاؽ عند الشيعة‪.‬‬
‫‪ -3‬عدـ حؿ طعاـ المذبكح مف غير المسمـ‪.‬‬
‫‪ -4‬تحريـ نكاح الكتابيات كىك محؿ اتفاؽ عند الشيعة‪.‬‬
‫‪ -5‬منع نكاح المتعة المعركؼ عند غيرىـ مف الشيعة‪.‬‬
‫‪ -6‬منع المسح عمى الخفيف‪.2‬‬

‫‪ -1‬تاريخ الفقو اإلسالمي ص‪.115-114‬‬


‫‪ -2‬نفسو ص‪.120-119‬‬
‫‪81‬‬
‫*الشيعة اإلمامية‪:‬‬
‫ينتسب الشيعة اإلمامية إلى اإلماـ محمد الباقر بف عمي زيف العابديف بف الحسيف‪،‬‬
‫كىك أخ اإلماـ زيد بف عمي زيف العابديف بف الحسيف‪.‬‬
‫*أىـ فرؽ الشيعة اإلمامية‬
‫ىـ االثنا عشرية‪ ،‬كالسبعية (باليند)‪ ،‬كالشيعة الصفكية بإيراف باإلضافة إلى المذىب‬
‫الرسمي لمدكلة‪ ،‬كالغالية‪ ،‬كالكيسانية نسبة إلى كيساف الذم خرج كطمب دـ الحسيف رضي اهلل‬
‫عنو‪ ،‬كالشيعة الجعفرية نسبة إلى اإلماـ جعفر الصادؽ‪.‬‬
‫*مميزات فقو اإلمامية‪:‬‬
‫‪ -1‬عدـ تكريث النساء مف األرض كالعقار بؿ مف الماؿ المنقكؿ فقط‪.‬‬
‫فما استمتعتـ بو منيف فآتكىف‬ ‫‪ -2‬جكاز نكاح المتعة‪ ،‬مستدليف بقكلو تعالى ‪( :‬‬
‫أجكرىف فريضة)‪ ،1‬كىي محمكلة عمى النكاح المشركع كنكاح المتعة كاف جائ از ثـ نسخ‪.‬‬
‫*فقو الشيعة كفقو أىؿ السنة‪:‬‬

‫‪- 1‬فقو اإلمامية أقرب إلى مذىب الشافعية‪.‬‬


‫‪- 2‬كفقو الزيدية أقرب إلى فقو الحنفية‪.‬‬
‫كؿ ذلؾ بسبب عكامؿ المعاصرة كالمدارسة كالمناظرة كالجدؿ العممي كاالختالؼ بيف‬
‫فقو الشيعة كفقو أىؿ السنة ىك في طرؽ االستنباط مف النصكص‪ ،‬كشركط الركاية في‬
‫الحديث كالصحابة المركم عنيـ‪ ،‬كالتشريع كاإلمامة "الخالفة" ىي اختالفات سياسية ال‬
‫عقائدية‪.2‬‬

‫‪ -1‬سكرة النساء اآلية ‪.24‬‬


‫‪ -2‬تاريخ الفقو اإلسالمي ص‪.127-123‬‬
‫‪82‬‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬التشريع في عيد األئمة المجتيديف‬
‫يبتدئ ىذا العيد مف أكائؿ القرف الثاني لميجرة إلى منتصؼ القرف الرابع اليجرم (انتقاؿ‬
‫الخالفة مف بني أمية إلى بني العباس)‪.‬‬

‫المطمب األكؿ ‪ :‬مميزات ىذا العصر‬

‫يتميز ىذا العصر بعدة مميزات ‪:‬‬

‫أ‪ -‬اتساع الحضارة اإلسالمية نظ ار لمتعايش بيف العرب كالفرس كالركـ في ظؿ‬
‫اإلسالـ ‪.‬‬

‫ب‪ -‬ازدىار الحركة العممية‪ ،‬ككاف لمخمفاء العباسييف دكر كبير في ذلؾ؛ ألنيـ‬
‫شجعكا العمماء كالفقياء كاألدباء كالشعراء‪ ،‬باإلضافة إلى امتزاج الثقافة العربية بغيرىا مف‬
‫الثقافات كالفارسية كاليندية كاليكنانية كدخكؿ أصحابيا في اإلسالـ‪.‬‬

‫ت‪ -‬اتساع حركة التدكيف التي شممت مختمؼ فركع العمـ كخاصة الفقو حيث‬
‫نشأت نكاتيا في العيد األمكم‪،‬كنمت كاتسعت كنظمت في ىذا العيد‪.‬‬

‫ث‪ -‬اتساع دائرة الفقو نظ ار لتشجيع الخمفاء العباسييف لمفقياء كمجالستيـ كاتساع رقعة‬
‫البالد اإلسالمية شرقا كغربا ككثرة المجتيديف كتعدد المذاىب ‪.1‬‬

‫المطمب الثاني ‪ :‬مظاىر التشريع في ىذا العصر‪:‬‬

‫أ‪-‬االىتماـ بالقرآف حفظا كتفسي ار كأداء‪.‬‬

‫ب‪-‬تدكيف السنة‪.‬‬

‫ت‪-‬النزاع في اإلجماع‪.‬‬

‫ث‪-‬النزاع في القياس‪.‬‬

‫ج‪-‬تدكيف أصكؿ الفقو‪.‬‬

‫‪ -1‬المدخؿ لدراسة الشريعة‪.189-183 :‬‬


‫‪83‬‬
‫ح ‪ -‬ظيكر االصطالحات الفقيية‪.‬‬

‫خ‪ -‬نشأة المذاىب الفقيية كىي‪:‬‬

‫‪ -‬المذىب الحنفي‪.‬‬

‫‪ -‬المذىب المالكي‪.‬‬

‫‪ -‬المذىب الشافعي‪.‬‬

‫‪ -‬المذىب الحنبمي‪.1‬‬

‫المطمب الثالث ‪ :‬المذىب الحنفي‪ :‬نشأتو كخصائصو كأصكلو‪:‬‬

‫أ‪ -‬نشأة المذىب الحنفي‪:‬‬

‫‪-‬ترجمة اإلماـ أبي حنيفة‪:‬‬

‫ىك اإلماـ البارع أبك حنيفة النعماف بف ثابت بف زكطي مكلى تيـ اهلل بف ثعمبة كلد‬
‫سنة ‪80‬ىػ‪ ،‬كمات ببغداد سنة ‪150‬ىػ‪ ،‬كىك رائد مذىبو‪ ،‬كاماـ أصحاب الرأم‪ ،‬كفقيو أىؿ‬
‫العراؽ‪ ،‬نشأ تاج ار بالككفة كجالس العمماء بيا‪ ،‬كأقبؿ عمى الفقو حتى صار إماـ أىؿ الرأم‪،‬‬
‫كأسس أكؿ مذىب سني جمع فيو آراء السمؼ مف الصحابة كالتابعيف‪ ،‬كقد أكثر مف الفقو‬
‫التقديرم الفرضي‪ ،‬كعرؼ بالحيؿ الشرعية‪ ،‬كاىتـ بعمـ الكالـ كدرس الحديث‪ ،‬ككضع شركطا‬
‫ثقيمة في قبكلو‪،‬نظ ار لفشك الكذب في العراؽ ككثرة الكضاعيف ‪.2‬‬

‫مف أشير شيكخو حماد بف أبي سمماف بف كييؿ كعامر الشعبي‪ ،‬كعكرمة كعطاء‬
‫كقتادة كالزىرم كنافع مكلى ابف عمر كيحيى بف سعيد األنصارم‪.‬‬

‫كمف أشير تالميذه ‪ :‬أبك يكسؼ كمحمد بف الحسف كأبك اليذيؿ كالحسف بف زياد ‪.3‬‬

‫‪ -1‬التشريع اإلسالمي ص ‪ 118‬كما بعدىا‪.‬‬


‫‪ -2‬المدخؿ إلى دراسة الشريعة لعبد الكريـ زيداف‪:‬ص ‪،131-130‬تيذيب األسماء كالمغات لإلماـ النككم ‪221-216/2‬‬
‫ط‪-‬المنيرية ‪.‬‬
‫‪ -3‬المدخؿ لعبد الكريـ زيداف ‪:‬ص ‪. 135-133‬‬
‫‪84‬‬
‫ب‪ -‬خصائص المذىب الحنفي ‪ :‬تميز المذىب الحنفي‪ :‬بتدكيف المسائؿ الفقيية بناء‬
‫عمى التشاكر كالمناظرات‪ ،‬كطريقة أبي حنيفة في تفقييو أصحابو أنو يذكر احتماال في‬
‫المسألة‪ ،‬فيدلي كؿ كاحد برأيو فييا‪ ،‬كيجرم النقاش فييا بينيـ‪ ،‬فإذا ما انتيكا إلى رأم كاحد‬
‫أماله عمييـ أك دكنو أحد التالميذ‪ ،‬كربما بقي الخالؼ بيف التالميذ كأستاذىـ‪ ،‬كيدكف الرأم‬
‫مع ذكر ما فيو مف خالؼ‪ ،‬ككاف مف نتائج ىذه الطريقة المميزة في التثقيؼ أف كاف مذىبو‪:‬‬

‫‪ -‬مذىب جماعة‪.‬‬

‫‪ -‬تدريب أصحابو عمى استنباط األحكاـ‪.‬‬

‫‪ -‬أف دكر تالميذه كأصحابو كاف دكر المسيـ البناء في المذىب ‪.1‬‬

‫ت‪ -‬أصكؿ مذىبو‪:‬‬

‫االعتماد عمى الكتاب‪،‬كالسنة المتكاترة كالمشيكرة‪،‬أما خبر اآلحاد فيعتمد عميو مالـ‬
‫يكف مخالفا لقياس راجح‪ ،‬كاإلجماع‪ ،‬كأقكاؿ الصحابة‪ ،‬كالقياس بمعناه الكاسع ليشمؿ‬
‫االستحساف كالعرؼ كالحيؿ الشرعية‪.2‬‬

‫المطمب الرابع‪ :‬المذىب المالكي ‪ :‬نشأتو كخصائصو كأصكلو‪:‬‬

‫أ ‪ -‬نشأة المذىب المالكي‪:‬‬

‫‪ -‬ترجمة اإلماـ مالؾ ‪:‬‬

‫ىك أبك عبد اهلل مالؾ بف أنس بف مالؾ بف أبي عامر بف عمرك بف الحارث بف غيماف بف‬
‫خثيؿ بف عمرك بف الحارث األصبحي المدني‪ ،‬إماـ دار اليجرة كىك مف تابعي التابعيف‪.‬‬

‫‪179‬ىػ‪ ،‬أخذ فقو الرأم عف‬ ‫كلد بالمدينة سنة ‪93‬ىػ عمى األرجح المختار كتكفي سنة‬
‫ربيعة الرأم كىك صغير كانتقؿ بيف مجالس العمماء كالزـ شيخو عبد الرحمف بف ىرمز كأخذ‬
‫عف نافع مكلى عبد اهلل بف عمر كابف شياب الزىرم حيث أخذ عنو الحديث كما طمب فتاكل‬
‫الصحابة كالتابعيف الذيف لـ يمقيـ‪ ،‬كاىتـ بعمـ اآلثار كالركاية كالعقائد كفقو الرأم كالفتاكل في‬

‫‪ -1‬المدخؿ لعبد الكريـ زيداف ‪ :‬ص‪.132‬‬


‫‪ -2‬المدخؿ ليداية اهلل ص‪. 206-205‬‬
‫‪85‬‬
‫المسائؿ الكاقعية‪ ،‬كتتممذ عميو فقياء كثيركف منيـ ابف القاسـ العتقي كابف كىب كأشيب‬
‫القيسي كيحيى الميثي كأسد بف الفرات‪،‬كمف أشير كتبو‪ :‬المكطأ جمع فيو بيف الحديث كالفقو‪،‬‬
‫كالمدكنة ركاىا سحنكف عف ابف القاسـ‪.1‬‬

‫ب‪ -‬خصائص المذىب المالكي ‪ :‬يتميز المذىب المالكي بالعممية كبخصكبتو كسعتو‬
‫كامكاف تخريج األحكاـ عمى أصكلو المالئمة لكؿ عصر كمكاف‪،‬السيما عمى أصؿ المصمحة‬
‫المرسمة الذم سيطر عمى جميع فقو مالؾ في كؿ المسائؿ التي ال نص فييا ‪.2‬‬

‫ت‪ -‬أصكؿ مذىبو‪:‬‬

‫االعتماد عمى المصادر األساسية القرآف كالسنة مع صحة السند‪ ،‬كاإلجماع كخاصة‬
‫إجماع أىؿ المدينة كالقياس‪ ،‬كقكؿ الصحابي‪ ،‬كالمصمحة المرسمة كالعرؼ كالعادة‪ ،‬كسد‬
‫الذرائع‪ ،‬كاالستحساف كاالستصحاب‪.3‬‬

‫المطمب الخامس‪ :‬المذىب الشافعي‪ :‬نشأتو كخصائصو كأصكلو ‪:‬‬

‫أ‪ -‬نشأة المذىب الشافعي‪:‬‬

‫‪-‬ترجمة اإلماـ الشافعي‪:‬‬

‫ىك اإلماـ أبك عبد اهلل محمد بف إدريس بف العباس بف عثماف بف شافع بف السائب بف‬
‫‪150‬ىػ بغزة كتكفي بمصر‬ ‫عبيد بف عبد يزيد بف ىاشـ بف المطمب بف عبد مناؼ كلد سنة‬
‫سنة ‪204‬ىػ‪ ،‬حفظ القرآف كدرس الحديث‪ ،‬كحفظ أشعار ىديؿ‪ ،‬طمب العمـ بمكة كالمدينة‬
‫كحفظ المكطأ‪ ،‬كنزؿ بغداد فأخذ فقو العراقييف عف محمد بف الحسف‪ ،‬مف أشير كتبو الرسالة‬
‫كاألـ‪ ،‬كعرؼ بفقيو القديـ كالجديد كمف أشير تالميذه‪ :‬أبك ثكر الكمبي كاسماعيؿ المزني‬
‫كالحسف الكرابيسي‪.4‬‬

‫‪ -1‬تيذيب األسماء ‪ ،79-75/2‬المدخؿ لزيداف ص‪. 140‬‬


‫‪ -2‬المدخؿ لعبد الكريـ زيداف ص‪.137‬‬
‫‪ -3‬نفسو ص‪.138‬‬
‫‪ -4‬ضحى اإلسالـ ‪ 234/2‬كتاريخ التشريع اإلسالمي ص‪ 170‬كالمدخؿ لزيداف ص‪.144‬‬
‫‪86‬‬
‫ب‪ -‬خصائص المذىب الشافعي ‪:‬‬

‫اطمع اإلماـ الشافعي عمى المذاىب المعركفة في زمانو كدرسيا دراسة فاحصة كفقو‬
‫مالؾ كأبي حنيفة حيث جمع بيف فقو الحجاز كفقو العراؽ‪،‬ثـ بدأ يتميز بفقيو الجديد الخاص‬
‫بو‪ ،‬كيعد فقيو كسطا بيف أىؿ الحديث كأىؿ الرأم‪ ،‬فقد نصر األخذ بالسنة كلك كانت آحادا‪،‬‬
‫كرفض األخذ بالحديث المرسؿ كما أخذ بالقياس دكف غيره مف أنكاع الرأم ‪.1‬‬

‫ت‪ -‬أصكؿ مذىبو ‪:‬‬

‫‪-1‬االعتماد عمى الكتاب كالسنة ‪.‬‬

‫‪-2‬األخذ باإلجماع‪ ،‬كال يتحقؽ اإلجماع عنده إال إذا كاف عاما ‪.‬‬

‫‪-3‬القياس كسماه اإلماـ الشافعي اجتيادا ‪.‬‬

‫‪-4‬إنكار االستحساف بقكلو ‪":‬مف استحسف فقد شرع "كالمصمحة المرسمة‪.‬‬

‫‪-5‬األخذ بقكؿ الصحابي‪.2‬‬

‫المطمب السادس‪ :‬المذىب الحنبمي‪ :‬نشأتو كخصائصو كأصكلو‪:‬‬

‫أ‪ -‬نشأة المذىب الحنبمي ‪:‬‬

‫‪-‬ترجمة اإلماـ أحمد بف حنبؿ ‪:‬‬

‫ىك أبك عبد اهلل أحمد بف حنبؿ بف ىالؿ بف أسد الشيباني المركزم البغدادم كلد‬
‫ببغداد سنة ‪164‬ىػ‪ ،‬كنشأ بيا كأكب عمى السنة يجمعيا كيحفظيا حتى صار إماـ المحدثيف‬
‫في عصره‪ ،‬اتجو إلى الفقو الجامع بيف الركاية كالدراية‪ ،‬كأخذ عف أبي يكسؼ كالتقى‬
‫بالشافعي في مكة‪ ،‬ثـ أصبح مجتيدا مستقال‪ ،‬كتجاكز عدد شيكخو المائة‪،‬كمف أشير‬

‫‪ -1‬المدخؿ لعبد الكريـ زيداف ص‪.141‬‬


‫‪ -2‬المدخؿ ليداية اهلل ص‪ 210‬كما بعدىا ‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫تالميذه‪ :‬كلداه صالح كعبد اهلل‪ ،‬كأحمد ابف ىانئ البغدادم كأبك بكر أحمد المركدم كابف‬
‫تيمية كابف القيـ ‪،‬ك مف أشير مؤلفاتو ‪ :‬المسند ‪.1‬‬

‫ب‪ -‬خصائص المذىب الحنبمي ‪:‬‬

‫تميز الفقو الحنبمي بثركتو الفقيية التي نيميا اإلماـ أحمد مف المذاىب الفقيية‬
‫السابقة‪ ،‬كتميز بمنيجو الذم يغمب عميو طابع السنة التي أكب صاحبيا عمى دراستيا‪ ،‬فكاف‬
‫إماما في الحديث كالفقو‪.‬‬

‫ت‪ -‬أصكؿ مذىبو‪:‬‬

‫‪-1‬االعتماد عمى النصكص مف الكتاب كالسنة‪.‬‬

‫‪-2‬االعتماد عمى فتكل الصحابي ‪.‬‬

‫‪-3‬اختيار ما كاف أقرب إلى الكتاب كالسنة مف أقكاؿ الصحابة‪.‬‬

‫‪-4‬األخذ بالمرسؿ كالحديث الضعيؼ كجعمو أكلى مف القياس‪.‬‬

‫‪ -5‬عدـ األخذ باإلجماع‪.‬‬

‫‪-6‬القياس كىك آخر أصكلو يستعممو عند الضركرة لعدـ كجكد ما يبحث عنو في‬
‫األصكؿ السابقة‪.2‬‬

‫‪ -1‬المدخؿ لمتعريؼ بالفقو اإلسالمي مصطفى شمبي ‪ :‬ص‪. 20‬‬


‫‪ -2‬المدخؿ لعبد الكريـ زيداف ص‪.143‬‬
‫‪88‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬التشريع في عيد التقميد‬
‫يقصد بالتقميد تمقي األحكاـ مف إماـ معيف كاعتبار أقكالو كأنيا مف الشارع نصكص‬
‫يمزـ المقمد اتباعيا‪ .‬كقد تغمب في ىذا العصر التقميد المذىبي عمى االجتياد مخافة أف يمجو‬
‫مف ليس أىال لو فيفسد أمكر الديف كذلؾ تبعا لعدة عكامؿ‪ ،‬مف أبرزىا ‪ :‬انقساـ الدكلة‬
‫اإلسالمية إلى دكيالت صغيرة‪.‬‬

‫المطمب األكؿ‪ :‬أسباب التقميد كمظاىره‪:‬‬

‫أ‪ -‬أسباب التقميد‪:‬‬

‫‪ -1‬تدىكر الكضع السياسي لمعالـ اإلسالمي‪.‬‬

‫‪ -2‬خضكع القضاء لممذىبية كعدـ استقاللو ‪.‬‬

‫‪ -3‬العصبية المذىبية‪.‬‬

‫‪ -4‬تدكيف المذاىب‪.‬‬

‫‪ -5‬إغالؽ باب االجتياد‪.1‬‬

‫ب‪ :‬مظاىر التقميد في ىذا العصر‪:‬‬

‫‪ -1‬انتشار المختصرات كالمتكف‪.‬‬

‫‪ -2‬المناظرات المذىبية‪.‬‬

‫‪ -3‬كجكد االجتياد المقيد‪.‬‬

‫‪ -4‬تنظيـ فقو المذاىب األربعة ك كلـ شتاتيا‪.‬‬

‫‪ -5‬تدكيف كتب الفتاكل الفقيية ‪.‬‬

‫‪ -6‬نشأة حركة التقنيف ‪.‬‬

‫‪ -1‬المدخؿ ليداية اهلل ص‪ 233‬كما بعدىا ‪.‬‬


‫‪89‬‬
‫‪ -7‬بركز أعالـ مف الفقياء‪.1‬‬

‫المطمب الثاني‪ :‬االجتياد في قذا العصر كأشير الفقياء‪.‬‬

‫أ‪ -‬االجتياد في ىذا العصر‪.‬‬

‫تبدؿ الحاؿ في قذا العصر مف القكة إلى الضعؼ كمف الحركة إلى الفتكر حتى قعد‬
‫عف االجتياد كثيركف‪ ،‬كعجزكا عف أخ ذ األحكاـ مف الكتاب كالسنة استقالال باستثناء بعض‬
‫العمماء الذيف نيضكا باالجتياد في ّىذا العصر كاإلماـ ابف جرير الطبرم ت ‪310‬ىػ‪ ،‬الذم‬
‫سمؾ طريؽ االستنباط مف الكتاب كالسنة كاإلفتاء دكف تقيد بمذىب معيف ‪.2‬‬

‫ب‪ -‬أشير الفقياء في ىذا العصر ‪:‬‬

‫‪ -‬المذىب الحنفي‪:‬‬

‫‪ -‬محمد أحمد السرخسي صاحب كتاب المبسكط ت‪ 438‬ىػ‪.‬‬

‫‪-‬أحمد الكاساني صاحب البدائع ت‪587‬ىػ‪.‬‬

‫‪ -‬محمد بف عابديف صاحب رد المحتار ت ‪1252‬ىػ‪.‬‬

‫‪ -‬المذىب المالكي‪:‬‬

‫‪ -‬أبك بكر بف العربي صاحب أحكاـ القرآف ت ‪543‬ىػ‪.‬‬

‫‪ -‬أبك الفضؿ القاضي عياض صاحب التنبييات كترتيب المدارؾ ت ‪544‬ىػ‪.‬‬

‫‪ -‬محمد بف أحمد ابف رشد الحفيد صاحب بداية المجتيد ت ‪595‬ىػ‪.‬‬

‫‪ -‬شياب الديف القرافي صاحب الفركؽ كالذخيرة ت‪ 684‬ىػ‪.‬‬

‫‪ -‬محمد بف أحمد بف جزم صاحب القكانيف الفقيية ت ‪741‬ىػ‪.‬‬

‫‪ -1‬المدخؿ الفقيي العاـ مصطفى أحمد الزرقا ‪ 181/1‬كما بعدىا‪ ،‬المدخؿ لمتعريؼ بالفقو اإلسالمي محمد مصطفى شمبي‬
‫ص‪ 140‬كما بعدىا ‪.‬‬
‫‪ -2‬تاريخ الفقو اإلسالمي ص‪.315‬‬
‫‪90‬‬
‫‪ -‬المذىب الشافعي‪:‬‬

‫‪ -‬محمد الغزالي صاحب المستصفى ت ‪505‬ىػ‪.‬‬

‫‪ -‬محيي الديف النككم صاحب الركضة كشرح مسمـ ت ‪676‬ىػ‪.‬‬

‫‪ -‬أحمد بف حجر صاحب تحفة المحتاج شرح المنياج ت ‪995‬ىػ‪.‬‬

‫‪ -‬المذىب الحنبمي‪:‬‬

‫‪ -‬ابف قدامة صاحب المغني ت‪334‬ىػ‪.‬‬

‫‪ -‬أحمد ابف تيمية صاحب الفتاكل ت ‪728‬ىػ‪.‬‬

‫‪ -‬محمد بف قيـ الجكزية صاحب إعالـ المكقعيف عف رب العالميف كزاد المعاد‬


‫كالطرؽ الحكمية ت‪751‬ىػ‪.‬‬

‫‪ -‬عبد الرحمف بف رجب صاحب القكاعد الفقيية ت ‪795‬ىػ‪.1‬‬

‫ت‪ -‬أثر التقميد في ىذا العصر‪:‬‬

‫التزـ كؿ عالـ بمذىب إمامو ال يتعداه إلى غيره‪ ،‬حتى أصبحت العصبية المذىبية شعا ار‬
‫يستظؿ تحتو الجميع ‪.2‬‬

‫‪ -1‬المدخؿ ليداية اهلل ص‪.242-241‬‬


‫‪ -2‬تاريخ الفقو اإلسالمي ص‪.315‬‬
‫‪91‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬عصر النيضة الفقيية‬
‫دخؿ الفقو اإلسالمي مرحمة جديدة‪ ،‬كما كقع مف نيضة فقيية يبشر بعكدة الفقو إلى‬
‫أكجو‪ ،‬كقد بدأت الفكرة تظير في أكاخر عصر الخالفة العثمانية (القرف الرابع عشر اليجرم‬
‫–التاسع عشر الميالدم) حينما دكف األستاذ قدرم باشا رحمو اهلل أبكابا مف فقو المعامالت‪،‬‬
‫عمى مذىب الحنفية‪ ،‬كتبعو عبد الرحمف بف رجب صاحب القكاعد الفقيية ت ‪795‬ىػ‪ ،‬ذلؾ ما‬
‫‪1882‬ـ‪ ،‬حيث ال يزاؿ العمؿ‬ ‫دكف في المجمة العدلية الصادرة في استانبكؿ بتركيا سنة‬
‫بأحكاـ ىذه المجمة قائما ببعض البالد اإلسالمية بالمشرؽ العربي‪ ،‬فيما يتعمؽ بأحكاـ األسرة‬
‫(األحكاؿ الشخصية) كتتجمى مظاىر النيضة الفقيية في ثالثة أحداث ىامة ‪:‬‬

‫المطمب األكؿ ‪ :‬مظاىر النيضة الفقيية‪:‬‬

‫‪1286‬ىػ في‬ ‫أ‪ -‬ظيكر مجمة األحكاـ العدلية‪ :‬كقد كضعتيا الدكلة العثمانية سنة‬
‫المذىب الحنفي كمجمكع مكادىا ‪1851‬مادة ‪ ،1‬كىي بمثابة قانكف مدني جمع مف أحكاـ‬
‫المعامالت في المذىب الحنفي‪.‬‬

‫ب‪ -‬اتساع دائرة التقنيف الفقيي‪ ،‬في مصر كالعراؽ كتكنس كالمغرب كغيرىا‪ ،‬ففي‬
‫المغرب صدر مف مدكنة األحكاؿ الشخصية المزمع إصدارىا‪ ،‬كتاباف األكؿ كيتعمؽ بالنكاح‬
‫‪ 27‬ربيع الثاني سنة‬ ‫كالثاني كيتعمؽ بالطالؽ‪ ،‬كقد صدر فيما بعد أمر السمطاف في‬
‫‪17‬جمادل‬ ‫‪ 1985‬كقد نشر النص الرسمي في‬ ‫‪1377‬ىػ كالقاضي بتطبيقيا في أكؿ سنة‬
‫األكلى سنة ‪1377‬ق ‪.11957-‬‬

‫ت‪ -‬تطبيؽ االجتياد الجماعي‪ :‬إف الحاجة ماسة لحمكؿ االجتياد الجماعي محؿ‬
‫االجتياد الفردم‪ ،‬كىذا يحقؽ المصمحة الكبرل لألمة اإلسالمية مف جية‪ ،‬لما تستحقو مف‬
‫تطبيؽ مستمر لمشريعة اإلسالمية كلمفقو اإلسالمي مف جية أخرل‪ ،‬مما أدل إلى تأسيس‬
‫مجامع عممية مف أبرزىا ‪:‬‬

‫‪ -1‬المدخؿ لعبد الكريـ زيداف ص‪. 127‬‬


‫‪92‬‬
‫‪ -‬مجمع البحكث اإلسالمية في األزىر سنة ‪1961‬ـ‪.‬‬

‫‪ -‬كمجمع الفقو اإلسالمي بمكة المكرمة سنة ‪1384‬ىػ‪ ،‬كيضـ عمماء الفقو اإلسالمي‬
‫مف مختمؼ المذاىب كاألقطار‪ ،‬كظيرت مكسكعات فقيية مف أشيرىا‪:‬‬

‫‪ -‬مكسكعة الفقو اإلسالمي أصدرتيا كمية الشريعة بدمشؽ سنة ‪1956‬ـ‪.‬‬

‫‪ -‬كأخرل أصدرىا المجمس األعمى لمشؤكف اإلسالمية بالقاىرة سنة ‪1958‬ـ‪ ،‬كميمتيا‬
‫جمع األحكاـ الفقيية كترتيبيا كنقميا بدقة كأمانة ‪.1‬‬

‫المطمب الثاني‪ :‬النيضة الفقيية بالمغرب‬

‫كفي عصرنا الحالي بالمغرب ىناؾ نيضة فقيية تتجمى مظاىرىا في‪:‬‬

‫أ‪ -‬إحداث مؤسسات تعميمية تعتني بالدراسات اإلسالمية‪.‬‬

‫ب‪ -‬إحداث مجالس عممية إسالمية‪.‬‬

‫ت‪ -‬تنظيـ دركس كندكات كمؤتمرات لخدمة الشريعة‪ ،‬كالدركس الحسنية بشير‬
‫رمضاف‪ ،‬كندكة اإلماـ مالؾ سنة ‪ 1980‬بفاس‪ ،‬كغيرىا مف الندكات الكطنية كالدكلية التي‬
‫تيدؼ إلى النيكض بالفقو اإلسالمي‪.‬‬

‫ج‪ -‬دراسة الفقو اإلسالمي دراسة مقارنة‪.‬‬

‫ح‪ -‬تأليؼ كتب تجمع بيف الفقو كالقانكف في شكؿ رسائؿ جامعية أك مؤلفات فقيية‪.‬‬

‫‪ -1‬المدخؿ الفقيي العاـ الزرقا ‪،198/1‬المدخؿ التشريعي لفاركؽ النبياف ص ‪ ،375‬المدخؿ إلى التشريع اإلسالمي كامؿ‬
‫مكسى ص‪ ،188‬المدخؿ ليداية اهلل ص‪. 248‬‬
‫‪93‬‬
‫خاتػػػمة‬

‫بعد إتماـ محاكر ىذا المدخؿ بعكف اهلل تعالى أخمص إلى ما يمي‪ :‬أنو لما اكتمؿ‬

‫النضج العقمي لمبشرية جمعاء‪ ،‬كأصبحت قادرة عمى تمقي أحكاـ الشريعة الغراء‪ ،‬خاتمة‬

‫الرساالت‪ ،‬عمى لساف خاتـ األنبياء كالمرسميف‪ ،‬كجو الخطاب الشرعي إلى كافة الناس‪ ،‬فجاء‬

‫ىذا الديف عاما كشامال ككامال كمرنا كصالحا لكؿ زماف كمكاف‪.‬‬

‫مما استدعى االىتماـ بالشريعة دراسة كفيما كتطبيقا‪ ،‬مف خالؿ معرفة مفيكميا بدقة‬

‫كمكانتيا بيف الشرائع السماكية السابقة ‪ ،‬كفيـ مقاصدىا كأسرارىا كخصائصيا ‪ ،‬كدراسة‬

‫مصادرىا‪ ،‬ثـ االطالع عمى أطكار التشريع بمختمؼ مراحمو‪ ،‬كما نتج عنو مف آثار عمى‬

‫مستكل االجتياد الفقيي كاإلفتاء‪ ،‬كبالتالي ظيكر نكابغ الفقياء الذيف ألقيت إلييـ مقاليد‬

‫الزعامة الدينية‪ ،‬فخمفكا آثا ار فقيية قيمة‪ ،‬أغنت الفقو اإلسالمي بصفة خاصة ‪ ،‬كأنارت السبؿ‬

‫لتطبيؽ أحكاـ الشريعة بصفة عامة ‪.‬‬

‫كنتمنى أف نحذك حذك أسالفنا‪ ،‬كنناؿ ممكة التفقو في الديف‪ ،‬حتى نككف خير خمؼ‬

‫لخير سمؼ‪.‬‬

‫كفقنا اهلل جميعا إلى الخير‪ ،‬كالى سبيؿ اليداية كالرشاد‪ ،‬إنو سميع مجيب‪ ،‬كالصالة‬

‫كالسالـ عمى مكالنا رسكؿ اهلل كعمى آلو كصحبو أجمعيف ‪.‬‬

‫‪94‬‬
95
‫فيرس المصادر كالمراجع‬

‫القرآف الكريـ بركاية كرش عف نافع‪.‬‬

‫‪ ‬البياف في تأكيؿ القرآف‪ ،‬دار الكتب العممية‪ ،‬بيركت‪ ،‬ط ‪. 1992/1 .‬‬
‫‪ ‬أصكؿ التشريع اإلسالمي لعمي حسب اهلل ط‪ 1976/5‬دار المعارؼ مصر‪.‬‬
‫‪ ‬أدكار الفقو كأطكاره لعمي محمد رضا ىادم‪ ،‬دار الزىراء ‪.1917/1‬‬
‫‪450‬ىػ‪ ،‬دار كمكتبة اليػالؿ‪ ،‬بيػركت‪،‬‬ ‫‪ ‬أعالـ النبكة ألبي الحسف عمي الماكردم ت‬
‫ط‪1409/ 1‬ىػ‪.‬‬
‫‪ ‬إعالـ المكقعيف البف الجكزية‪،‬دار الفكر بيركت لبناف تحقيؽ محمد محيي الديف عبد‬
‫الحميد‪.‬‬
‫‪ ‬تاريخ المذاىب اإلسالمية لمحمد أبك زىرة دار الفكر العربي‪.‬‬
‫‪ ‬تاريخ الفقو اإلسالمي لمحمد يكسؼ مكسى ط‪ ،4 .‬دار المعرفة القاىرة‪.‬‬
‫‪ ‬التشريع اإلسالمي أصكلو كمقاصده الدكتكر عمر الجيدم منشكرات عكاظ ‪.1987‬‬
‫‪ ‬التشريع كالفقو في اإلسالـ تاريخا كمنيجا لمناع القطاف مؤسسة الرسالة ط‪. 2‬‬
‫‪ ‬التعريفات لمجرجاني ط‪ .‬عالـ الكتب بيركت‪ ،‬تحقيؽ الدكتكر عبد الرحمف عميرة ‪.‬‬
‫‪1354‬ق‪ ،‬الييأة‬ ‫‪ ‬تفسير المنار لمحمد رشيد بف عمي رضا القممكني الحسيني ت‬
‫المصرية العامة لمكتاب‪.‬‬
‫‪ ‬تفسير ابف كثير‪ ،‬دار طيبة‪1422 ،‬ىػ‪2002/‬ـ ‪.‬‬
‫‪ ،2005/2‬كدار الكتب‬ ‫‪ ‬الجامع ألحكاـ القرآف القرطبي‪ ،‬دار الكتب العممية‪ ،‬ط‬
‫المصرية‪.‬‬
‫‪458‬ىػ‪ ،‬دار الكتب العممية‪ ،‬تحقيؽ عبد‬ ‫‪ ‬دالئؿ النبكة ألبي بكر أحمد البييقي ت‬
‫المعطي قمعجي‪ ،‬ط‪1408 1‬ىػ‪1988-‬ـ ‪.‬‬
‫‪ ‬تمخيص البياف في مجازات القرآف لمشريؼ الرضي‪ ،‬تحقيؽ كتقديـ د‪ .‬عمي محمكد‬
‫مقمد‪ ،‬دار مكتبة الحياة بيركت لبناف ‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫‪ ‬تيذيب األخالؽ كتطيير األعراؽ البف مسككيو‪ ،‬ط ‪1317‬ىػ‪ ،‬مطبعة الترقي‪ ،‬شػارع‬
‫عبد العزيز مصر‪.‬‬
‫‪ ‬تيذيب األسماء كالمغات لإلماـ النككم‪ ،‬المطبعة المنيرية ‪.‬‬
‫‪ ‬الجامع ألحكاـ القرآف ألبي عبد اهلل محمد األنصارم القرطبي‪ ،‬دار الكتب المصرية ‪.‬‬
‫‪ ‬الجامع الصحيح لمترمذم ف تحقيؽ بشار عكاد معركؼ‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪،‬‬
‫بيركت‪ 1998 ،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ ‬الحضارة اإلسالمية أصكليا كمبادئيا ألبي األعمى المكدكدم‪ ،‬ط ‪1350‬ىػ‪1932 /‬ـ ‪.‬‬
‫‪ ‬سنف أبي داكد‪ ،‬مؤسسة الرسالة العالمية‪ ،‬عماف‪ ،‬األردف ‪.‬‬
‫‪ ‬سنف أبي عبد اهلل محمد بف يزيد القزكيني ابف ماجو‪ ،‬تحقيؽ محمد فؤاد عبد الباقي‪،‬‬
‫دار إحياء الكتب العربية ‪.‬‬
‫‪ ‬سنف أبي الحسف عمي الدارقطني‪ ،‬تحقيؽ األرنؤكط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪،‬‬
‫ط‪2004-1424/1‬ـ ‪.‬‬
‫‪ ‬سنف أبي عبد الرحمف أحمد النسائي‪ ،‬تحقيؽ عبد الفتاح أبك غدة‪ ،‬مكتب المطبكعات‬
‫اإلسالمية‪ ،‬حمب‪ ،‬ط‪1406/2‬ىػ‪ 1986-‬ـ ‪.‬‬
‫‪ ‬شعب اإليماف ألبي بكر البييقي‪ ،‬تحقيؽ عبد العمي عبد الحميد حامد‪ ،‬مكتبة الرشد‬
‫الرياض‪ ،‬ط‪1423/1‬ىػ‪2003-‬ـ‪.‬‬
‫‪ ‬صحيح أبي عبد اهلل محمد بف إسماعيؿ البخارم‪ ،‬دار ابف كثير‪ ،‬دمشؽ‬
‫‪1423‬ىػ‪2002/‬ـ‪.‬‬
‫‪ ‬صحيح مسمـ بف حجاج‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬تحقيؽ نظر بف محمد الفاريابي‪،‬‬
‫‪1427‬ىػ‪2006/‬ـ‪.‬‬
‫‪ ‬ضحى اإلسالـ ألحمد أميف ط ‪-10‬دار الكتاب العربي بيركت‪.‬‬
‫‪ ‬الرسالة لمشافعي ط‪ 1962/1 .‬ـ‪.‬‬
‫‪ ‬عمـ أصكؿ الفقو لعبد الكىاب خالؼ ط‪1972/10 .‬ـ‪.‬‬
‫‪ ‬الفقو اإلسالمي لمحمد يكسؼ مكسى ط‪ ،3 .‬دار الكتاب العربي بمصر‪.‬‬
‫‪ ‬محاضرات في النصرانية لمشيخ محمد أبي زىرة‪ ،‬نشر الرئاسة العامة لمبحكث العممية‬
‫كاإلفتاء‪ ،‬كالدعكة كاإلرشاد‪ ،‬الرياض‪ ،‬المممكة العربية السعكدية‪ ،‬ط ‪1404/4‬ىػ‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫‪ ‬المدخؿ في التعريؼ بالفقو اإلسالمي كقكاعد الممكية كالعقكد فيو لمحمد مصطفى‬
‫شمبي ط‪ ،3 .‬دار النيضة العربية بيركت‪.‬‬
‫‪ ‬المدخؿ لدراسة الشريعة اإلسالمية لعبد الكريـ زيداف‪ ،‬دار الكفاء ط‪1992 .‬ـ‪ ،‬مكتبة‬
‫القدس العراؽ‪.‬‬
‫‪ ‬المدخؿ لدراسة الشريعة لعبد المطيؼ ىداية اهلل مطبعة النجاح الجديدة البيضاء ط‪.‬‬
‫‪1996/3‬ـ‪.‬‬
‫‪ ‬المدخؿ لدراسة التشريع اإلسالمي لعبد الرحمف الصابكني‪ ،‬دار الكتاب العربي‬
‫بمصر‪.‬‬
‫‪ ‬المدخؿ لمتشريع اإلسالمي محمد فاركؽ النبياف ط‪1981/2 .‬ـ‪.‬‬
‫‪ ‬المدخؿ الفقيي العاـ مصطفى أحمد الزرقا ط‪1963 .‬ـ‪ ،‬مطبعة جامعة دمشؽ ‪.‬‬
‫‪ ‬مدخؿ الفقو اإلسالمي لمحمد سالـ مدككر‪ ،‬ط ‪1964/4‬ـ‪.‬‬
‫‪ ‬مسند أبي عبد اهلل أحمد ابف حنبؿ بف ىالؿ بف أسد الشيباني‪ ،‬تحقيؽ شعيب‬
‫األرنؤكط كعادؿ مرشد كآخركف‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬ط‪1421/1‬ىػ‪2001-‬ـ ‪.‬‬
‫‪ ‬المعجـ األكسط ألبي القاسـ سميماف الطبراني‪ ،‬دار الحرميف‪ ،‬القاىرة ‪.‬‬
‫‪ ‬معالـ الشريعة اإلسالمية صبحي الصالح ط ‪.1975/1‬‬
‫‪ ‬مقاصد الشريعة كمكارميا لعالؿ الفاسي الطبعة الثانية ‪.‬‬
‫‪ ‬ممخص محاضرات في النظرية العامة لمشريعة اإلسالمية لمشيخ محمد المكي‬
‫الناصرم ‪.‬‬
‫‪ ‬المكافقات في أصكؿ األحكاـ ألبي إسحاؽ الشاطبي‪ ،‬مطبعة المدني القاىرة‪ ،‬تحقيؽ‬
‫محمد محيي الديف عبد الحميد‪.‬‬
‫‪ ‬الفركؽ‪ :‬أنكار البركؽ في أنكاء الفركؽ ألبي العباس شيػاب الديػف أحمػد الق ارفػي‪ ،‬ت‬
‫‪684‬ىػ‪ ،‬نشر عالـ الكتب‪ ،‬بدكف تاريخ الطبع ‪.‬‬

‫الكجيز في نظرية القانكف لمحمد حسنيف المؤسسة الكطنية لمكتاب الجزائر ط‪.1986 .‬‬

‫‪98‬‬
‫فيرس المكضكعات‬
‫الصفحة‬ ‫المكضكع‬
‫‪1‬‬ ‫مقدمة‬
‫‪3‬‬ ‫تمييد‬
‫‪10‬‬ ‫الفصؿ األكؿ‪ :‬مكانة الشريعة كمقاصدىا كأسسيا‬
‫‪10‬‬ ‫المبحث األكؿ‪ :‬مكانة الشريعة‬
‫‪10‬‬ ‫المطمب األكؿ‪:‬رسالة محمد عميو الصالة كالسالـ خاتمة الرساالت‬
‫‪12‬‬ ‫المطمب الثاني‪ :‬رسالة محمد عميو الصالة كالسالـ ناسخة الرساالت السابقة‬
‫‪14‬‬ ‫المطمب الثالث‪ :‬ىيمنة القرآف عمى الكتب السماكية السابقة‬
‫‪16‬‬ ‫المطمب الرابع‪ :‬دعكة أىؿ الكتاب لإليماف بخاتـ األنبياء محمد عميو الصالة كالسالـ‬
‫‪17‬‬ ‫المطمب الخامس‪ :‬اإليماف بنبكة محمد عميو الصالة كالسالـ شرط اإليماف بنبكة‬
‫األنبياء جميعا‬
‫‪17‬‬ ‫المطمب السادس‪ :‬مصير مف كذب نبكة محمد عميو الصالة كالسالـ‬
‫‪19‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬مقاصد الشريعة‬
‫‪19‬‬ ‫المطمب األكؿ‪ :‬تعريؼ المقاصد‬
‫‪21‬‬ ‫المطمب الثاني‪ :‬مقاصد الشريعة في القرآف‬
‫‪22‬‬ ‫المطمب الثالث‪ :‬مقاصد الشريعة في السنة‬
‫‪23‬‬ ‫المطمب الرابع‪ :‬فكائد معرفة مقاصد الشريعة‬
‫‪23‬‬ ‫المطمب الخامس‪ :‬مؤلفات في المقاصد‬
‫‪23‬‬ ‫المطمب السادس‪ :‬أقساـ المقاصد باعتبار المصالح‬
‫‪26‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬أسس الشريعة‬
‫‪26‬‬ ‫المطمب األكؿ‪ :‬عدـ الحرج‬
‫‪27‬‬ ‫المطمب الثاني‪ :‬تقميؿ التكاليؼ‬

‫‪28‬‬ ‫المطمب الثالث‪ :‬التدرج في التشريع‬


‫‪31‬‬ ‫الفصؿ الثاني‪ :‬خصائص الشريعة كنطاقيا كمصادرىا‬
‫‪99‬‬
‫‪31‬‬ ‫المبحث األكؿ‪ :‬خصائص الشريعة‬
‫‪31‬‬ ‫المطمب األكؿ‪ :‬الشريعة ربانية المصدر‬
‫‪33‬‬ ‫المطمب الثاني‪ :‬الشريعة مكصكفة بالكماؿ كالخمكد‬
‫‪34‬‬ ‫المطمب الثالث‪ :‬الشريعة عالمية‬
‫‪35‬‬ ‫المطمب الرابع ‪ :‬الجزاء في الشريعة دنيكم كأخركم‬
‫‪36‬‬ ‫المطمب الخامس‪ :‬مراعاة الشريعة المصمحة العامة‬
‫‪37‬‬ ‫المطمب السادس‪ :‬العصمة‬
‫‪38‬‬ ‫المطمب السابع ‪ :‬الكسطية‬
‫‪39‬‬ ‫المطمب الثامف ‪ :‬الجمع بيف الثبات كالمركنة‬
‫‪40‬‬ ‫المطمب التاسع‪ :‬الكاقعية كالكضكح‬
‫‪43‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬نطاؽ الشريعة‬
‫‪43‬‬ ‫المطمب األكؿ ‪ :‬التكحيد‬
‫‪48‬‬ ‫المطمب الثاني ‪ :‬األخالؽ‬
‫‪51‬‬ ‫المطمب الثالث ‪ :‬الفقو اإلسالمي‬
‫‪55‬‬ ‫المبحث الثالث ‪ :‬مصادر الشريعة‬
‫‪57‬‬ ‫المطمب األكؿ ‪ :‬القرآف‬
‫‪59‬‬ ‫المطمب الثاني ‪ :‬السنة‬
‫‪61‬‬ ‫المطمب الثالث ‪ :‬اإلجماع‬
‫‪63‬‬ ‫المطمب الرابع ‪ :‬القياس‬
‫‪65‬‬ ‫المطمب الخامس ‪ :‬المصمحة المرسمة‬
‫‪66‬‬ ‫المطمب السادس ‪ :‬سد الذريعة‬
‫‪67‬‬ ‫المطمب السابع ‪ :‬االستحساف‬
‫‪68‬‬ ‫المطمب الثامف ‪ :‬االستصحاب‬
‫‪69‬‬ ‫المطمب التاسع ‪ :‬العرؼ‬
‫‪70‬‬ ‫المطمب العاشر ‪ :‬شرع مف قبمنا‬
‫‪71‬‬ ‫المطمب الحادم عشر‪ :‬قكؿ الصحابي‬

‫‪100‬‬
‫‪72‬‬ ‫الفصؿ الثالث ‪ :‬أطكار التشريع اإلسالمي‬
‫‪72‬‬ ‫المبحث األكؿ ‪ :‬التشريع في عيد الرسكؿ عميو الصالة كالسالـ‬
‫‪72‬‬ ‫المطمب األكؿ ‪ :‬مميزات التشريع في عيد الرسكؿ عميو الصالة كالسالـ‬
‫‪73‬‬ ‫المطمب الثاني ‪ :‬االجتياد في عصر الرسكؿ عميو الصالة كالسالـ‬
‫‪75‬‬ ‫المطمب الثالث ‪ :‬التدكيف في ىذا العصر‬
‫‪75‬‬ ‫المطمب الرابع ‪ :‬أشير الفقياء في ىذا العصر‬
‫‪76‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬التشريع في عيد الصحابة رضي اهلل عنيـ‬
‫‪76‬‬ ‫المطمب األكؿ ‪ :‬منيج التشريع في عصر الصحابة‬
‫‪77‬‬ ‫المطمب الثاني ‪ :‬أسباب اختالؼ الفقياء في عصر الصحابة‬
‫‪78‬‬ ‫المطمب الثالث ‪ :‬أكثر الفقياء إفتاء في ىذا العصر‬
‫‪78‬‬ ‫المطمب الرابع ‪ :‬التدكيف في ىذا العصر‬
‫‪79‬‬ ‫المبحث الثالث ‪ :‬التشريع في عيد بني أمية‬
‫‪79‬‬ ‫المطمب األكؿ ‪ :‬مميزات ىذا الدكر‬
‫‪80‬‬ ‫المطمب الثاني ‪ :‬ظيكر الفرؽ اإلسالمية‬
‫‪83‬‬ ‫المبحث الرابع ‪ :‬التشريع في عيد األئمة المجتيديف‬
‫‪83‬‬ ‫المطمب األكؿ ‪ :‬مميزات ىذا العصر‬
‫‪83‬‬ ‫المطمب الثاني ‪ :‬مظاىر التشريع في ىذا العصر‬
‫‪84‬‬ ‫المطمب الثالث ‪ :‬المذىب الحنفي ‪ :‬نشأتو كخصائصو كأصكلو‬
‫‪85‬‬ ‫المطمب الرابع ‪ :‬المذىب المالكي ‪ :‬نشأتو كخصائصو كأصكلو‬
‫‪86‬‬ ‫المطمب الخامس ‪ :‬المذىب الشافعي ‪ :‬نشأتو كخصائصو كأصكلو‬
‫‪87‬‬ ‫المطمب السادس ‪ :‬المذىب الحنبمي ‪ :‬نشأتو كخصائصو كأصكلو‬
‫‪89‬‬ ‫المبحث الخامس ‪ :‬التشريع في عيد التقميد‬
‫‪89‬‬ ‫المطمب األكؿ ‪ :‬أسباب التقميد كمظاىره‬
‫‪90‬‬ ‫المطمب الثاني ‪ :‬االجتياد في ىذا العصر كأشير الفقياء‬
‫‪92‬‬ ‫المبحث السادس ‪ :‬عصر النيضة الفقيية‬
‫‪92‬‬ ‫المطمب األكؿ ‪ :‬مظاىر النيضة الفقيية‬

‫‪101‬‬
‫‪93‬‬ ‫المطمب الثاني ‪ :‬النيضة الفقيية بالمغرب‬
‫‪94‬‬ ‫خاتمة‬
‫‪95‬‬ ‫فيرس المصادر كالمراجع‬
‫‪98‬‬ ‫فيرس المكضكعات‬

‫‪102‬‬

You might also like