You are on page 1of 83

‫نحو تفسير مقاصدي للقرآن الكريم‬

‫رؤية تأسيسية لمنهج جديد في تفسير القرآن‬

‫د‪ .‬وصفي عاشور أبو زيد‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‬
‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول اهلل‪ ،‬سيدنا حممد‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن وااله‪ ،‬وبعد‪،‬‬
‫فإن القرآن الكرمي كتاب اإلنسانية‪ ،‬أول نداء فيه هو‪" :‬يَا أَيُّ َها النَّاس ْاعبدوا َربَّكم الَّ ِذي َخلَ َقك ْم‬
‫ين ِمن قَ ْبلِك ْم لَ َعلَّك ْم تَتَّقو َن"‪[ .‬سورة البقرة‪ ،]12 :‬وفيه سورة تسمى "سورة اإلنسان"‪ ،‬وآخر سورة‬ ‫َّ ِ‬
‫َوالذ َ‬
‫فيه هي سورة "الناس"‪ ،‬وآخر كلمة فيه هي كلمة الناس‪ ،‬وكلمة الناس تكررت فيه أكثر من (‪)142‬‬
‫مرة‪ ،‬وكلمة "بين آدم" تكررت أربع مرات‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فلو جاز لنا أن نطلق على القرآن وصفا لكان‪:‬‬
‫"كتاب اإلنسانية"‪.‬‬
‫ولقد اهتمت البشرية – وال أقول األمة املسلمة فقط – بالقرآن الكرمي كما مل هتتم بكتاب‬
‫مساوي؛ فضال عن قانون أرضي أو دستور بشري‪ ،‬و ْأولْته من الرعاية والعناية والدراسات والتأمالت‬
‫والتفاسري ما مل حيدث مع كتاب آخر‪ ،‬وأقامت حوله من العلوم خلدمته ما مل يقم حول غريه‪.‬‬
‫وتنوع هذا االهتمام مبا قام من اجتاهات يف التعامل مع القرآن الكرمي‪ ،‬فهذا اجتاه التفسري باملأثور‪،‬‬
‫وذاك اجتاه التفسري بالرأي‪ ،‬وآخر تفسري مذهيب‪ ،‬وهنالك اجتاه التفسري اللغوي‪ ،‬وآخر للبالغي أو‬
‫النحوي‪ ،‬وهذا اجتاه التفسري العلمي‪ ،‬وذاك التفسري العقدي والفلسفي‪ ،‬وغري ذلك من مدارس‬
‫واجتاهات‪.‬‬
‫وكل اجتاه من هذه االجتاهات فيه العديد من التفاسري‪ ،‬وقد يبلغ عدد التفاسري يف االجتاه الواحد‬
‫ص به من‬ ‫عشرات التفاسري‪ ،‬وهذا يقفنا على قيمة هذا الكتاب العظيم‪ ،‬واهتمام البشرية به؛ ملا خ َّ‬
‫خصائص‪ ،‬ومتتع به من مزايا‪ ،‬وأودع فيه من مقومات‪ ،‬جعلت منه كتاب الزمان واملكان واإلنسان إىل أن‬
‫يرث اهلل األرض ومن عليها‪.‬‬
‫ومن أهم هذه االجتاهات اليت جيب الكشف عنها واحلديث حوهلا والتأسيس والتأصيل هلا‪ :‬اجتاه‬
‫التفسري املقاصدي للقرآن الكرمي؛ إذ أنزل اهلل القرآن العظيم ألهداف سامية وغايات عالية‪ ،‬تنشد هداية‬
‫البشرية وإسعادها يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫وينبغي أن يكون هذا االجتاه هو املقدَّم ؛ ألنه اجتاه معياري وحاكم على غريه من االجتاهات‬
‫نقوم ونقيِّم وجندد االجتاهات األخرى يف ضوء اجتاه التفسري املقاصدي‬
‫واملدارس؛ حيث إننا نستطيع أن ِّ‬
‫للقرآن الكرمي‪.‬‬
‫إننا لن نستطيع أن نفهم القرآن حق الفهم‪ ،‬ونستنزله حق االستنزال‪ ،‬ونستلهمه للحياة معه‬
‫واجلهاد به يف واقع أمتنا املعاصر‪ ،‬إال إذا تعاملنا مع القرآن الكرمي وفق أهدافه اليت نص عليها القرآن‬
‫‪2‬‬
‫نفسه‪ ،‬وكما تراءت لنا عرب مسالك الكشف عنه‪ ،‬ونظرنا إليه نظرة مقاصدية‪ ،‬تستكشف غاياته‪،‬‬
‫وتستجلي مراداته‪ ،‬وتستبطن ما يريده من البشرية‪ ،‬حىت حتط رحاهلا على شاطئ النجاح والفالح يف‬
‫املعاش واملعاد مجيعا‪.‬‬
‫ومن أجل هذا يدعو هذه البحث‪" :‬حنو تفسري مقاصدي للقرآن الكرمي" إىل تأسيس اجتاه‬
‫جديد‪ ،‬ورسم معامل له؛ حيث مل يربز يف تراثنا التفسريي‪ ،‬ولكن من وجهة تأسيسية تأصيلية وتأطريية؛‬
‫وهلذا جاءت التسمية الفرعية للبحث "رؤية تأسيسية"؛ حيث يبني تاريخ القضية‪ ،‬وجيتهد يف حتديد‬
‫مقوماته اليت ينهض هبا ويتأسس عليها‪ ،‬وحيدد مسالك الكشف عن هذه املقاصد بأنواعها‪ ،‬وبيان أمهية‬
‫كل نوع من تلك األنواع وفوائده‪ ،‬ويفصل القول يف أنواع هذا التفسري‪ ،‬وحياول أن يضع له الضوابط‬
‫احلاكمة له والضابطة ملمارسته‪ ،‬مث يكشف النقاب عن أمهيته من خالل ذكر مقاصده وبيان وظائفه اليت‬
‫يؤديها يف التعامل مع القرآن الكرمي‪ ،‬ويف احل ياة؛ أمال يف أن يسرر اهلل تعاىل أحد العلماء أو أحد املراكز‬
‫ميحضوا أنفسهم هلذا املشروع الكامل‪( :‬مشروع التفسري‬ ‫البحثية أو فريقا من أهل العلم القرآين أن ِّ‬
‫استلهاما له‬
‫ً‬ ‫املقاصدي للقرآن الكرمي)؛ ليكون لبنة جديدة يف عمارة التفسري‪ ،‬وحلقة من حلقاته املشيدة؛‬
‫يف احلياة؛ وتلبية الحتياجات األمة من القرآن الكرمي‪.‬‬
‫واقتضت خطة البحث أن تكون على النحو اآليت‪:‬‬
‫المقدمة‪ :‬حول أهمية الموضوع وخطته‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تعريف التفسير المقاصدي وعالقته بأنواع التفسير‪:‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أنواع مقاصد القرآن الكريم‪:‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مسالك الكشف عن مقاصد القرآن الكريم‪:‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬مقومات المفسر المقاصدي‪:‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬ضوابط التفسير المقاصدي للقرآن الكريم‪.‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬فوائد التفسير المقاصدي للقرآن الكريم‪:‬‬
‫ثم كانت الخاتمة التي جاءت بخالصة ألفكار البحث‪.‬‬
‫ومن اجلدير بالذكر اإلشارة إىل املساحة اليت أخذها الفصل األخري من هذا البحث‪ ،‬وهي فوائد‬
‫أو مقاصد التفسري املقاصدي للقرآن الكرمي‪ ،‬وهو ما يشري إىل أن الفوائد واملقاصد والثمرات اليت تنتظر‬

‫‪3‬‬
‫من التفسري املقاصدي ومشروعه كبرية وكثرية ومتنوعة ومهمة؛ األمر الذي حيملنا على أن نقوم مبشروع‬
‫تفسريي مقاصدي للقرآن الكرمي‪.‬‬
‫مث إن هذا البحث كان ورقة مقدمة إىل الدورة العلميّة املترصصة يف مقاصد الشريعة اإلسالمية‪،‬‬
‫حتت عنوان‪« :‬مقاصد القرآن الكرمي (‪»)2‬؛ حيث جاءت بعدها ندوتان حتت العنوان نفسه‪ ،‬وهي‬
‫الندوات املتميزة اليت يقيمها مركز دراسات مقاصد الشريعة اإلسالميّة بلندن‪ ،‬وكانت الندوة األوىل‬
‫بالتعاون مع مركز املقاصد للدراسات والبحوث (بالرباط)‪ ،‬وكليّة اآلداب والعلوم اإلنسانيّة (جبامعة حممد‬
‫اخلامس – أكدال)‪ ،‬وتعقد يف مدينة الرباط ‪ -‬اململكة املغربيّة‪ ،‬أيام اخلميس واجلمعة والسبت ‪22‬‬
‫‪21/22/‬شعبان ‪2441‬ه ‪ ،‬املوافق ل ‪ 42/12/12‬مايو ‪1222‬م‪ ،‬لكنين أضفت إليه مباحث جديدة‬
‫وأفكارا جديدة وفقرات كثرية مبا ضاعف حجم البحث عن حالته اليت قدم هبا للندوة‪.‬‬
‫وهذا البحث ال يؤسس لفن غري مسبوق به‪ ،‬فهناك إشارات واضحة يف تفاسري كثرية‪ ،‬منها على‬
‫سبيل التمثيل‪ :‬تفسري التحرير والتنوير البن عاشور‪ ،‬وتفسري املنار لرشيد رضا‪ ،‬وتفسري نظام القرآن‬
‫وتأويل الفرقان بالفرقان للفراهي‪ ،‬ولكنه يؤسس ملشروع مهم خلدمة القرآن الكرمي من خالل إقامة مشروع‬
‫تفسريي جديد يضع املقاصد القرآنية بأنواعها قبلته‪ ،‬ويقوم بتفسري القرآن الكرمي كامال تفسريا مقاصديا‪،‬‬
‫مراعيا املقاصد العامة‪ ،‬ومقاصد اجملاالت‪ ،‬ومقاصد السور‪ ،‬ومقاصد اآليات‪ ،‬ومقاصد الكلمات‬
‫واحلروف‪ ،‬وهو مشروع حيتاج ملركز أحباث أو فريق عمل متميز يقوم عليه ويقدمه خدمة للقرآن الكرمي‬
‫وتنويرا لألمة يف عصر تتالطم فيه أمواج الفنت‪ ،‬وتتعاظم فيه حبار الظلمات واالضطرابات‪ ،‬ولن جتد األمة‬
‫ً‬
‫خمرجا من ذلك إال يف ضوء أنوار القرآن وهداياته‪ ،‬ويف ظالل مقاصده وغاياته‪.‬‬
‫ً‬
‫ومما جتدر اإلشارة إليه‪ ،‬وبعد هذه الرحلة مع هذا البحث يف ظالل القرآن الكرمي أن نقرر أن‬
‫مقاصد القرآن أوسع وأوعب من مقاصد الشريعة‪ ،‬فالقرآن الكرمي وهو كتاب الكتب ودليل األدلة وعمدة‬
‫امللة وقطب الشريعة ورحى العقيدة – أمشل من الشريعة وأحكامها‪ ،‬وهذا يرتتب عليه أن مقاصد القرآن‬
‫أوسع وأوعب من مقاصد الشريعة‪ ،‬ففي القرآن العقيدة واألخالق والعبادات واملعامالت واآلداب‪ ،‬وفيه‬
‫السياسة واالقتصاد والرتبية والثقافة والتزكية والفكر واالجتماع‪ ،‬والدوائر املرتلفة والعالقات املتباينة‪ ،‬وهذا‬
‫يثمر مقاصد أوسع من مقاصد الشريعة‪ ،‬وهو ما ينعكس على تناول القرآن وينكس بالتبعية على‬
‫األحكام الشرعية واالجتهاد الفقهي‪..‬‬
‫إن املشتغلني بالقرآن الكرمي أحوج ما يكونون اليوم‪ ،‬وأحوج ما تكون أمتنا – قبل أي وقت مضى‬
‫وتقوم على أساسه‬
‫– إىل التعامل مع القرآن من منظور املقاصد‪ ،‬وتقيِّم عليه أعماهلا وتعاملَها مع القرآن‪ِّ ،‬‬
‫سريها إىل اهلل‪ ،‬وتعاملها مع الناس‪ ،‬فعصور إرادة النهضة‪ ،‬والرغبة يف التطوير‪ ،‬وممارسة التجديد‬

‫‪4‬‬
‫واالجتهاد‪ ،‬ورد الشبهات واحلفاظ على اهلوية ‪ ...‬كل هذا وغريه يوجب علينا شرعا‪ ،‬ويفرض علينا‬
‫حضارًة وواقعا ومستقبال أن نؤسس للفهم املقاصدي للقرآن الكرمي‪ ،‬ونتعامل معه وفق هذه الرؤية‪ ،‬وهذا‬
‫ما يسعى هذا البحث إىل التأسيس له‪ ،‬والتأطري جلوانبه‪ ،‬واهللَ أسأل حسن القبول‪ ،‬وأن جيعله – مبنه‬
‫وكرمه – من العلم اخلادم للقرآن والنافع ألمة القرآن‪ ،‬واحلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات‪،،‬‬
‫الفقري إىل عفو ربه‬
‫وصفي عاشور أبو زيد‬
‫اسطنبول ‪ 14‬ربيع األول ‪2442‬ه املوافق ‪ 1‬ديسمرب ‪1222‬م‬

‫‪5‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تعريف التفسير المقاصدي وعالقته بأنواع التفسير‪:‬‬

‫م ن األم ور املهم ة قب ل االنط الق يف البح ث حتدي د املص طلحات وض بط مض امينها؛ ح ىت ينطل ق‬
‫على أساس اصطالح ما اصطَلح عليه يف البداية أهل الفن‪ ،‬وقد ق ال اب ن ح زم را ه اهلل تع اىل‪« :‬واألص ل‬
‫يف ك ل ب الء وعم اء وفل يط وفس اد‪ :‬اخ تالط األمس اء‪ ،‬ووق وع اس كم واح كد عل ى مع ك‬
‫ان كث رية؛ فير ِرب املر ِرب‬
‫ب ذلك االس ِم وه و يري د أح َد املع اين ال يت حتت ه‪ ،‬فيحمل ه الس امع عل ى غ ري ذل ك املع ا ال ذي أراد املر رب‪،‬‬
‫فيق ع ال بالء واإلش كال‪ ،‬وه ذا يف الش ريعة أض ُّر ش يء وأش دُّه هال ًك ا مل ن اعتق د الباط ل‪ ،‬إال م ن وفّق ه اهلل‬
‫تعاىل"(‪.)1‬‬

‫تعريف التفسير المقاصدي‪:‬‬

‫والتفس ري املقاص دي للق رآن الك رمي ميكنن ا تعريف ه بأن ه‪" :‬ن وووع م وون أن ووواع التفس ووير واتج ووان م وون‬
‫اتجاهاتووه يبحووث فووي الكشووف عوون المعوواني المعقولووة والغايووات المتنوعووة التووي يوودور حوللووا القوورآن‬
‫الكريم كليًّا أو جزئيًّا مع بيان كيفية اإلفادة منلا في تحقيق مصلحة العباد"‪.‬‬

‫ونعين ب "كليًّا أو جزئيًّا" املقاصد العام ة للق رآن الك رمي‪ ،‬وال يت حت دث عنه ا الق رآن نفس ه‪ ،‬وكث ري م ن‬
‫العلم اء‪ ،‬وس يأيت تفص يل عنه ا‪ ،‬واملقاص د اجلزئي ة ال يت رمب ا تك ون خاص ة مبوض وع أو س ورة أو موع ة م ن‬
‫اآليات‪ ،‬أو حىت آية واحدة‪ ،‬ورمبا لفظة واحدة‪ ،‬وبيان املراد منها‪.‬‬

‫النص على "بيان كيفية اإلفادة منها" ج اء للتأكي د عل ى أن التفس ري ل يس للتفس ري وحس ب‪ ،‬وإ ا‬
‫و ُّ‬
‫لبيان كيفية استنزال هدايات القرآن للواقع املعاصر‪ ،‬وكيف تفيد منه ا ال دوائر االجتماعي ة املرتلف ة‪ :‬الف رد‪،‬‬
‫واألسرة‪ ،‬واجملتمع‪ ،‬والدولة‪ ،‬واألمة‪ ،‬واإلنسانية مجعاء‪.‬‬

‫(‪)1‬اإلحكام في أصول األحكام‪ .101/8 :‬دار اآلفاق الجديدة‪ .‬ط‪ .2‬بيروت‪ .‬في التعريف اآلتي للتفسير‬
‫المقاصدي لم نشأ أن نعرفه تعريفًا كما ُعهد في تعريف المصطلحات المركبة فنعرف كل كلمة لغة واصطالحا‬
‫ثم نعرف المركب جملة واحدة‪ ،‬وانما عرفنا المركب مباشرة لتداول تعريف التفسير والمقاصد في مئات‬
‫المواضع في الدراسات المعاصرة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫والرؤية هي استطالع األمر بشكل واضح(‪ )1‬من كل أطرافه وأبعاده حبيث يظهر جليًّا‬
‫مبعامله وأحنائه وحدوده ملن أراد أن يراه‪.‬‬

‫ومعا التأسيس ال خيرج عن معناه اللغوي(‪)2‬؛ إذ هو أصل الشيء وجذره ومبتدؤه‪.‬‬


‫وبناء على هذا فإن الرؤية التأسيسية تعين وضوح الشيء وظهوره ببيان معامله‪ ،‬وحتديد‬
‫أبعاده‪ ،‬وتوضيح أصوله وجذوره‪.‬‬
‫وفي مقامنا هذا فإنلا تعني وضوح أصول ومعالم التفسير المقاصدي للقرآن الكريم‬
‫‪ ..‬فلذا البحث ‪ -‬إذن ‪ -‬يلتم ببيان الجوانب التأصيلية للتفسير المقاصدي من خالل‬
‫ذكر عالقاته بأنواع التفسير األخرى‪ ،‬وتفصيل أنواعه‪ ،‬وترسيخ مقوماته‪ ،‬وذكر مسالكه‪،‬‬
‫وتقرير ضوابطه‪ ،‬وبيان مقاصدن وفوائدن‪ ،‬بما يضبط تناول التفسير المقاصدي للقرآن‬
‫الكريم‪ ،‬ويكون ركيزة ينطلق منلا المفسر المقاصدي‪.‬‬

‫عالقة التفسير المقاصدي بأنواع التفسير‪:‬‬


‫أما عالقة التفسري املقاصدي بأنواع التفسري ومنزلته منها‪ ،‬فإن أي نوع من أنواع التفسري ال‬
‫غا له عن مقاصد القرآن‪ ،‬فالتفسري املقاصدي – إضافة إىل أنه نوع من أنواع التفسري‪ ،‬فإنه‬
‫متغلغل يف أنواع التفسري مجيعا‪ ،‬وكل أنواع التفسري ال غا هلا عنه‪ ،‬بينما هو يستغا عن أنواع من‬
‫التفسري‪ ،‬وهذا يربز أمهية التفسري املقاصدي والفهم املقاصدي للقرآن الكرمي‪ ،‬ومكانته يف التعامل‬
‫معه‪.‬‬
‫وقد تناول املفسرون القرآن الكرمي بالبيان والتفسري عرب مناهج هلم وطرق هي أنواع‬
‫التفسري‪ :‬التفسير التحليلي‪ ،‬والتفسير الموضعي‪ ،‬والتفسير اإلجمالي‪ ،‬والتفسير الموضوعي‪،‬‬
‫السنَنِي(‪.)2‬‬
‫والتفسير المقارن(‪ ،)1‬والتفسير ُّ‬

‫(‪)1‬انظر مثال‪ :‬القاموس المحيط‪ :‬فصل الراء ‪ ،‬وانظر‪ :‬لسان العرب‪ :‬مادة (رأي)‪ ،‬والمحيط في اللغة‪ :‬ما أوله‬
‫راء‪.‬‬

‫(‪)2‬انظر مثال‪ :‬المصباح المنير‪ .‬مادة‪ ( :‬ء س س )‪ ،‬و لسان العرب‪ :‬مادة (أسس)‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫وتتأكد حاجة كل نوع من هذه األنواع من التفسري إىل التفسري املقاصدي مبا يدل على‬
‫أن التفسري املقاصدي هو أبو كل هذه األنواع من التفسري‪ ،‬أو الثمرة منها‪ ،‬وأن التفسري ينبغي أن‬
‫يكون مقاصديًّا‪.‬‬
‫فالتفسري التحليلي يبحث يف معاين األلفاظ ومراميها واملقصود منها‪ ،‬وارتباطه بالتفسري‬
‫املقاصدي ظاهر؛ إذ معاين األلفاظ ودالالهتا هي إحدى مسالك الكشف عن املقاصد من‬
‫اآليات الكرمية‪ ،‬ويف الوقت نفسه ينضبط النظر التفسريي التحليلي مبقاصد اآليات والسور؛ فضال‬
‫عن املقاصد العامة للقرآن الكرمي‪.‬‬
‫والتفسري املوضعي الذي يرجع فيه املفسر إىل موضع واحد من القرآن الكرمي‪ ،‬متتبعاً ترتيب‬
‫انسجاما واتساقا بني أحكام‬
‫ً‬ ‫اآليات يف سورها‪ ،‬حيتاج إىل النظر املقاصدي يف القرآن الذي يقيم‬
‫هذا املوضع ومقاصد القرآن‪ ،‬وينكشف كذلك مقصد هذا املوضع من خالل تتبعه يف القرآن؛‬
‫حيث تتضح رؤية القرآن حول هذا املوضع ومقاصده ومعامله‪.‬‬
‫والتفسري اإلمجايل يبني معاين السورة إمجاال وهو مرتبط بالتفسري املقاصدي كذلك؛ إذ‬
‫ينطلق من مقاصد السورة اليت تنكشف من خالل آيات السورة واستقراء ما ترمي إليه‪.‬‬
‫وأما التفسري املقارن‪ ،‬فهو يعرض أقوال املفسرين يف اآلية أو اجلزء من اآلية مث يبني‬
‫مرجوحها من راجحها‪ ،‬وضعيفها من قويها‪ ،‬ولن يتأسس ذلك إال على أساس الفهم املقاصدي‬
‫أيضا‪.‬‬
‫لآلية أو اجلزء منها‪ ،‬يف ضوء مقاصد السورة ً‬
‫وأما التفسري املوضوعي فهو يتناول موضوع السورة أو موضوعا يتتبعه يف آيات القرآن‬
‫مجيعا‪ ،‬واهلدف منه هو الكشف عن معامل املوضوع‪ ،‬ورؤية القرآن له‪ ،‬وبيان مقاصد القرآن الكرمي‬
‫من موضوع السورة أو موضوع ما يف طول القرآن الكرمي وعرضه‪.‬‬

‫(‪ )1‬راجع في هذه األنواع وتعريفها‪ :‬التفسير الموضوعي للقرآن الكريم‪ ،9 :‬وما بعدها للشيخين أحمد الكومي‬
‫ومحمد قاسم‪ .‬الطبعة األولى‪1002 .‬هـ‪1982 .‬م‪ ،‬والمدخل إلى التفسير الموضوعي‪ .18-11 :‬لشيخنا‬
‫العالمة د‪ .‬عبد الستار فتح اهلل سعيد‪ ،‬والبداية في التفسير الموضوعي‪ ،11 :‬وما بعدها‪ .‬د‪ .‬عبد الحي‬
‫الفرماوي‪ .‬الطبعة الثانية‪1991 .‬هـ ‪1911 -‬م‪ ،‬والتفسير الموضوعي بين النظرية والتطبيق لصالح عبد الفتاح‬
‫الخالدي‪ ،01 :‬وما بعدها‪ .‬دار النفائس‪ .‬الطبعة الثالثة‪1099 .‬هـ‪2012 .‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬راجع في هذا النوع‪ :‬نحو تفسير سنني للقرآن الكريم‪ ،1 :‬و‪ .10-9‬د‪ .‬رمضان خميس زكي الغريب‪ .‬دار‬
‫المقاصد‪ .‬القاهرة‪ .‬الطبعة األولى‪2011 .‬م‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫فأما التفسري السنين الذي يتناول القرآن يف ضوء علم السنن فهو وثيق الصلة باملقاصد‬
‫وفكرها؛ إذ ال فهم للسنن إال مع فكر املقاصد‪ ،‬وال حركة للمقاصد يف الواقع إال يف ظالل السنن‬
‫الربانية‪.‬‬
‫***‬
‫وهكذا يتضح لنا أن الفهم املقاصدي للقرآن الكرمي أو لسوره أو موضوعاته ال غا ألي‬
‫نوع من أنواع التفسري عنه‪ ،‬وال تتصور عملية التفسري إال يف وجوده وظالله‪ ،‬وال ينفك عنه املفسر‬
‫أبدا يف أي منهج يتبعه للتعامل مع القرآن الكرمي‪ ،‬فغرض املفسر ‪ -‬كما قال ابن عاشور ‪ -‬بيان‬
‫ما يصل إليه أو ما يقصده من مراد اهلل تعاىل يف كتابه بأمت بيان حيتمله املعا وال يأباه اللفظ من‬
‫كل ما يوضح املراد من مقاصد القرآن‪ ،‬أو ما يتوقف عليه فهمه أكمل فهم‪ ،‬أو خيدم املقصد‬
‫تفصيال وتفريعا(‪ ،)1‬وهذا يشري إىل حمورية املقاصد وضروريتها و َّأوليتها لدى املفسر حني ينظر يف‬
‫القرآن العظيم مبناهج تفسريه مجيعا‪.‬‬

‫(‪ )1‬التحرير والتنوير‪ .99 /1 :‬طبعة بيروت‪2000 .‬م‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أنواع مقاصد القرآن الكريم‪:‬‬
‫من األمهية مبكان أن يعرف املفسر أنواع مقاصد القرآن الكرمي حىت تكون نصب عينيه‬
‫أثناء بذله جلهده العقلي والنفسي يف تفسريه للقرآن‪ ،‬فإنه مبعرفته هلذه األنواع‪ ،‬واستحضاره هلا‪،‬‬
‫ستنكشف أمامه أمور كثرية‪ ،‬وتتضح له معامل وآراء ورؤى وترجيحات وتفسريات مل تكن لتتضح‬
‫له دوهنا‪ ،‬وقد قسمت مقاصد القرآن إىل مخسة أنواع(‪ ،)1‬على النحو اآليت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬المقاصد العامة للقرآن الكريم‪:‬‬
‫هو ذلك النوع الذي يبحث يف الغايات الكلية والعامة للقرآن الكرمي‪ ،‬وقد حتدث القرآن‬
‫الكرمي بنفسه عن هذه املقاصد‪ ،‬فالقرآن يتحدث عن مقاصده؛ إذ ليس من املعقول أال يفرط‬
‫القرآن يف شيء‪ ،‬أو أن يكون نزل تبيانا لكل شيء‪ ،‬مث ال يذكر مقاصده وأغراضه اليت نزل من‬
‫أجلها‪ ،‬وهي اليت جندها مبثوثة يف طول القرآن وعرضه‪ ،‬ويف مجيع سوره‪ ،‬وقد عرفها د‪ .‬عبد الكرمي‬
‫حامدي بقوله‪" :‬هي تلك األغراض العليا احلاصلة من موع أحكام القرآن"(‪ .)2‬وقال هي‪:‬‬
‫"الغايات اليت أنزل القرآن ألجلها حتقيقا ملصاحل العباد‪ ،‬فالغايات املراد هبا املعاين واحلكم املقصودة‬
‫من إنزال القرآن‪ ،‬وهذه الغايات هتدف إىل حتقيق مصاحل العباد يف العاجل واآلجل(‪.)3‬‬

‫وللعالمة حممد عبد اهلل دراز إشارات مهمة يف كتابه‪" :‬مدخل إىل القرآن الكرمي"‪ ،‬وهو‬
‫أميل إىل املقاصد العامة للقرآن الكرمي؛ حيث رأى أن القرآن يدور حول ثالثة جوانب‪ :‬احلق أو‬
‫العنصر الديين‪ ،‬واخلري أو العنصر األخالقي‪ ،‬واجلمال أو العنصر األديب‪.‬‬
‫وقد ذكر أستاذنا الدكتور أاد الريسوين ستة مقاصد من هذا النوع‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫(‪ )1‬ذكر أستاذنا الدكتور أحمد الريسوني ثالثة منها‪ ،‬هي‪ :‬المقاصد العامة‪ ،‬ومقاصد السور‪ ،‬والمقاصد‬
‫التفصيلية لآليات‪ ،‬وأفدت منه هنا في الحديث عنها‪ ،‬وقد ذكر ذلك في بحثه‪" :‬جهود األمة في مقاصد القرآن‬
‫الكريم"‪ ،‬وهو بحث شارك به في المؤتمر العالمي األول للباحثين في القرآن الكريم وعلومه بعنوان‪« :‬جهود‬
‫األمة في خدمة القرآن الكريم وعلومه»‪ ،‬أيام ‪ 12-11-10‬جمادى األول ‪1092‬هـ الموافق ‪11-11-10‬‬
‫أبريل ‪ 2011‬م‪ ،‬بمدينة فاس ـ المملكة المغربية‪ ،‬الذي نظمته مؤسسة البحوث والدراسات العلمية «مبدع»‪،‬‬
‫بالتعاون مع جهات أخرى‪ ،‬وقد أدرج د‪ .‬الريسوني هذا البحث فيما بعد ضمن كتابه "مقاصد المقاصد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬مقاصد القرآن من تشريع األحكام‪ .01 :‬دار ابن حزم‪ .‬بيروت‪ .‬الطبعة األولى‪1029 .‬هـ‪2008/‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬مقاصد القرآن من تشريع األحكام‪.29 :‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ .1‬مقصد توحيد اهلل وعبادته‪.‬‬
‫‪ .2‬مقصد اللداية الدينية والدنيوية للعباد‪.‬‬
‫‪ .3‬مقصد التزكية وتعليم الحكمة‪.‬‬
‫‪ .4‬مقصد الرحمة والسعادة‪.‬‬
‫‪ .5‬مقصد إقامة الحق والعدل‪.‬‬
‫‪ .6‬مقصد تقويم الفكر(‪.)1‬‬
‫وأورد لكل مقصد من هذه املقاصد عددا من اآليات تشري إليها وتشهد هلا‪ ،‬ووضعها حتت‬
‫مسلك من مسالك الكشف عن مقاصد القرآن‪ ،‬وهو حديث القرآن بنفسه عن مقاصده‪ ،‬يف حني‬
‫جعل املسلك الثاين هو جتارب العلماء وجهودهم يف استنباط مقاصد القرآن‪ ،‬ومنهم أبو حامد الغزايل‪،‬‬
‫والعز ابن عبد السالم‪ ،‬والبقاعي‪ ،‬ورشيد رضا‪ ،‬وسعيد النورسي‪ ،‬والطاهر ابن عاشور؛ حيث هلم‬
‫حماوالت استقرائية يف الوصول ملقاصد القرآن العامة من خالل معايشتهم للقرآن وتدبرهم له(‪.)2‬‬
‫واملتأمل يف ه ذا النوع من املقاصد ميكنه أن يأيت مبقاصد أخرى للقرآن الكرمي‪ ،‬ومطلوبات من‬
‫املكلفني‪ ،‬فالقرآن يريد منا أن نرتك اجلرائم واخلطيئات؛ فردية كانت أو مجاعية‪ ،‬ويريد منا أن نعمل‬
‫الصاحلات‪ ،‬ونفعل اخلريات‪ ،‬ويرحم بعضنا بعضا‪ ،‬ونبين اجملتمع بناء صاحلاً طيباً‪ ،‬والقرآن يدعونا لنشر‬
‫اخلري والصالح‪ ،‬ودعوة الناس إليه‪ ،‬ورد من وقف يف وجهه؛ حىت يعم هذا اخلري مجيع األرض‪ ،‬وحيصل‬
‫التمكني ألهله ‪ ،‬ويريد منا أن نعمل خلري هذه اإلنسانية‪ ،‬وفالحها وجناهتا وإسعادها مبا حنن أمة اخلريية‬
‫والشهادة على العاملني‪.‬‬
‫ويظل استنباط هذه املقاصد هبذا التعدد واالختالف يف الرؤى عند كل صاحب جتربة من العلماء‬
‫حمكوما بعصره‪ ،‬وبالثقافة السائدة فيه‪ ،‬والقضايا املثارة بني أهل الزمان‪ ،‬فإذا نظرنا إىل املتقدمني وجتارهبم‬
‫يف ذلك وجدناها متقاربة‪ ،‬وإذا انتقلنا إىل املعاصرين ابتداء من األئمة‪ :‬رشيد رضا مث الطاهر ابن عاشور‬
‫مث القرض اوي وجدنا أصداء العصر يف جتربتهم؛ حيث برز من املقاصد عندهم ما يتعلق باملرأة وكرامة‬
‫اإلنسان واألسرة واحلريات‪ ،‬وإذ ا تغري العصر وحاجات املكان فال يبعد أن يأيت علماء آخرون يضيفون‬

‫(‪ )1‬هذا المقصد ليس موجودا في البحث المشار إليه وانما هو مضاف في طبعة الكتاب "مقاصد المقاصد"‪:‬‬
‫‪ .00-28‬طبعة دار النداء‪ .‬اسطنبول‪2010 .‬م‪ ،‬وهو من باب اإلضافة والتنقيح لما يكتبه العالم قبل إعادة‬
‫النشر‪.‬‬
‫(‪)2‬انظر‪ :‬مقاصد المقاصد‪.90-21 :‬‬

‫‪11‬‬
‫إىل املقاصد السابقة ما يستوعب عصرهم ويليب حاجاهتم‪ ،‬ويبقى القرآن الكرمي معطاء‪ ،‬فيه من اهلدايات‬
‫ما يستوعب اجلديد يف كل عصر‪ ،‬واملناسب لكل مصر!‬
‫وهكذا فإن املقاصد العامة للقرآن الكرمي مع عدم قلتها‪ ،‬فإهنا أهداف وغايات كبرية‪ ،‬تنتظم‬
‫موضوعات القرآن الكرمي وحماوره‪ ،‬وتلتئم حتتها سوره وآياته‪ ،‬فال يند عنها موضوع أو سورة أو آية‪.‬‬

‫مقاصد معرفة المقاصد العامة للقرآن الكريم‪:‬‬


‫ذكر أستاذنا د‪ .‬أاد الريسوين مخسة من مقاصد مقاصد القرآن‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ .2‬معرفة مقاصد القرآن الكرمي هي املدخل السليم إىل فهم الرسالة القرآنية اإلسالمية على‬
‫وجهها الصحيح‪...‬‬
‫‪ .1‬معرفة هذه املقاصد العامة واستحضارها عند قراءة القرآن وتدبره‪ ،‬ت َم ِّكن قارئَه من الفهم‬
‫السليم للمعاين التفصيلية‪...‬‬
‫‪ .4‬مبعرفة مقاصد القرآن يتسدد فهمنا ملقاصد السنة النبوية مجلة وتفصيال‪ ،‬ومن خالل ذلك‬
‫يتسدد النظر الفقهي واالجتهاد الفقهي‪....‬‬
‫‪ .4‬مقاصد القرآن هي امليزان واملعيار الذي جيب أن نزن به أعمالنا الفردية واجلماعية‪ ،‬وحياتنا‬
‫اخلاصة والعامة‪....‬‬
‫‪ .2‬مقاصد القرآن هي امليزان واملعيار الذي ال بد منه كذلك للمفسرين يف مناهجهم وتفسرياهتم؛‬
‫فبمعرفتها ومراعاهتا يضمن املفسر لنفسه ولتفسريه أن تكون اهتماماته ومقاصده واستنباطاته يف نطاق‬
‫مقاصد القرآن ‪ ...‬وهذه هي الفائدة العلمية األهم واألوسع أثرا؛ وهي اليت تعصم املفسرين من االجنرار‬
‫وراء أمور ال مكان هلا يف مقاصد الكتاب العزيز(‪.)1‬‬
‫وعند التأمل يف املقاصد العامة للقرآن الكرمي أو التفسري املقاصدي بشكل عام سنقف على فوائد‬
‫فسر نفسه‪،‬‬
‫أخرى ووظائف جديدة ملعرفة هذه املقاصد وهذا املنهج تعود على منهجية التفسري‪ ،‬وعلى امل ِّ‬
‫وعلى املهتمني بالقرآن الكرمي عامةً‪ ،‬وسنشري لبعضها يف مبحث الفوائد بإذن اهلل تعاىل‪.‬‬

‫(‪ )1‬مقاصد المقاصد‪ .01-00 :‬باختصار‪ ،‬والمقاصد هنا نستخدمها بمعنى الفوائد‪ ،‬ال بالمعنى األصولي‬
‫المعروف‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫ثانيا‪ :‬المقاصد الخاصة للقرآن الكريم (مقاصد المجاالت والموضوعات)‪:‬‬
‫هذا النوع من املقاصد هو الذي يبحث يف مقاصد خاصة‪ ،‬ليست مضطردة يف القرآن كله‪ ،‬يف‬
‫مجيع سوره ‪ ،‬أو مجيع آياته‪ ،‬وإ ا هلا نطاق حمدد و ال معني تعمل فيه‪ ،‬وميكننا تقسيم هذا النوع من‬
‫املقاصد إىل نوعني‪:‬‬
‫األول‪ :‬مقاصد خاصة بمجال من المجاالت‪ ،‬وهو ما يتصل بدائرة تشريعية من الدوائر‪ ،‬أو‬
‫شعبة من الشعب؛ فمجاالت القرآن الكرمي متنوعة‪ ،‬مثل‪ :‬ال العقائد‪ ،‬و ال األخالق‪ ،‬و ال‬
‫العبادات‪ ،‬و ال املعامالت‪ ،‬و ال الزواج والطالق‪ ،‬و ال املواريث‪ ،‬و ال احلدود والعقوبات‪ ،‬و ال‬
‫السياسة الداخلية أو اخلارجية‪ ،‬و ال الرتبية‪ ،‬و ال االجتماع البشري ‪ ...‬اخل‪.‬‬
‫واخلطة املثلى للبحث عن املقاصد اخلاصة يف ال من اجملاالت هو مجع اآليات املتصلة به‪،‬‬
‫اعا وطبيعة وأركانا وشروطا وقواعد وضوابط وفوائد‬
‫وتصنيفها‪ ،‬والنظر والتأمل فيها‪ ،‬فسوف جند هلا أنو ً‬
‫وآثارا‪ ،‬والتحقيق والنظر والتدبر يف هذا كله يفضي بنا إىل الوقوف على مقاصد القرآن الكرمي من هذا‬
‫اجملال أو ذاك‪ ،‬وقد ينص القرآن الكرمي على ذلك بشكل واضح‪ ،‬وقد يستنبط من خالل النظر والتأمل‬
‫يف الشروط والضوابط والقواعد املنظمة للعمل به‪.‬‬
‫ولو أخذنا مثاال لذلك بمجال مثل مجال الزواج – وهو جزء من ال األسرة ‪ -‬لوجدنا‬
‫وجعل ذلك من نعمه وآياته‪ ،‬قال‬ ‫القرآن الكرمي يسعى سعيًا إلقامة هذه األسرة‪ ،‬باحلث على الزواج‪َ ،‬‬
‫ضلِ ِه‬
‫ني ِم ْن ِعبَ ِادك ْم َوإِ َمائِك ْم إِ ْن يَكونوا ف َقَراءَ ي ْغنِ ِهم اللَّه ِم ْن فَ ْ‬‫تعاىل‪" :‬وأَنْ ِكحوا ْاألَيامى ِمْنكم و َّ ِِ‬
‫الصاحل َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫َواللَّه َو ِاسع َعليم"‪ .‬سورة النور‪.41 :‬‬
‫اجا لِتَ ْسكنوا إِلَْي َها َو َج َع َل بَْي نَك ْم َم َوَّد ًة َوَر ْاَةً إِ َّن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫وقال‪َ " :‬وم ْن آَيَاته أَ ْن َخلَ َق لَك ْم م ْن أَنْفسك ْم أ َْزَو ً‬
‫ات لَِق ْوكم يَتَ َف َّكرو َن"‪ .‬سورة الروم‪.12 :‬‬ ‫ِيف َذلِك َآلَي ك‬
‫َ َ‬
‫ني َو َح َف َد ًة َوَرَزقَك ْم ِم َن‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال‪َ " :‬واللَّه َج َع َل لَك ْم م ْن أَنْفسك ْم أ َْزَو ً‬
‫اجا َو َج َع َل لَك ْم م ْن أ َْزَواجك ْم بَن َ‬
‫اط ِل ي ْؤِمنو َن َوبِنِ ْع َم ِة اللَّ ِه ه ْم يَكْفرو َن"‪ .‬سورة النحل‪.21 :‬‬ ‫الطَّيِّب ِ‬
‫ات أَفَبِالْب ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ومل يسمه اهلل تعاىل عقدا‪ ،‬بل أمساه "ميثاقا"‪ ،‬ووصفه بأنه "غليظ"‪ ،‬وهذا مل حيدث يف عقد‬
‫استِْب َد َال َزْو كج َم َكا َن َزْو كج َوآَتَْيت ْم‬
‫معامالت قط‪ ،‬ال يف القرآن وال يف السنة‪ ،‬قال تعاىل‪َ " :‬وإِ ْن أ ََرْدمت ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضى بَ ْعضك ْم‬ ‫ف تَأْخذونَه َوقَ ْد أَفْ َ‬ ‫إِ ْح َداه َّن قْنطَ ًارا فَ َال تَأْخذوا مْنه َشْيئًا أَتَأْخذونَه ب ْهتَانًا َوإِْْثًا مبِينًا ‪َ .‬وَكْي َ‬
‫َخ ْذ َن ِمْنك ْم ِميثَاقًا َغلِيظًا"‪ .‬سورة النساء‪.12- 12 :‬‬ ‫ض َوأ َ‬‫إِ َىل بَ ْع ك‬

‫‪13‬‬
‫ووضع القرآن الكرمي القوامة عند الرجل على املرأة "مبا فضل بعضهم على بعض ومبا أنفقوا من‬
‫ِّس ِاء ِمبَا‬
‫الر َجال قَ َّوامو َن َعلَى الن َ‬ ‫أمواهلم"؛ فالبد للحياة من قائد يقودها باحلكمة وفق شرع اهلل احلنيف‪ِّ " :‬‬
‫ض َوِمبَا أَنْ َفقوا ِم ْن أ َْم َواهلِِ ْم"‪ .‬سورة النساء‪.44 :‬‬ ‫َّل اللَّه بَ ْع َ‬
‫ضه ْم َعلَى بَ ْع ك‬
‫فَض َ‬
‫وعند نشوز الزوجة وضع القرآن الكرمي عدة تدابري تدرجيية يف التعامل معها‪ ،‬أمجلها القرآن‬
‫الالِيت َفَافو َن‬‫وفصلتها السنة‪ ،‬مبا مل يشهده التاريخ يف شريعة مساوية أو قوانني أرضية‪ ،‬قال تعاىل‪َ ..." :‬و َّ‬
‫اض ِربوه َّن فَِإ ْن أَطَ ْعنَك ْم فَ َال تَْب غوا َعلَْي ِه َّن َسبِ ًيال إِ َّن اللَّهَ َكا َن‬ ‫نشوزه َّن فَعِظوه َّن واهجروه َّن ِيف الْم ِ‬
‫ضاج ِع َو ْ‬
‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ائعا فلرياجع مكانه‪.‬‬ ‫َعليًّا َكبِ ًريا"‪ .‬سورة النساء‪ .44 :‬وقد قال األستاذ سيد قطب هنا كالما ر ً‬
‫وعند اخلالف مل يرتك القرآن الكرمي هذا الكيان يتصدع وينهار‪ ،‬وإ ا وضع من التدابري ما حيافظ‬
‫عليه‪ ،‬ويبعد عنه التشقق والتصدع‪ ،‬وإ ا أمر الزوجني بإحضار حكمني عدلني من أهلهما لإلصالح‬
‫بينهما‪ ،‬وجعلهما القرآن الكرمي من األهل نظرا حلرص األهل هنا وهنا على استدامة األسرة واستقرارها‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اق بَْينِ ِه َما فَابْ َعثوا َح َك ًما ِم ْن أ َْهل ِه َو َح َك ًما ِم ْن أ َْهل َها إِ ْن ي ِر َ‬
‫يدا إِ ْ‬
‫ص َال ًحا ي َوفِّ ِق‬ ‫قال تعاىل‪َ " :‬وإِ ْن ِخ ْفت ْم ِش َق َ‬
‫يما َخبِ ًريا"‪ .‬سورة النساء‪.42 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللَّه بَْي نَ ه َما إ َّن اللَّ َه َكا َن َعل ً‬
‫فاملتأمل يف هذا اجملال‪ ،‬أو جزء من ال األسرة‪ ،‬يتبني له بيقني أن اإلسالم يقصد قصدا ويسعى‬
‫سعيا يف البدء واألثناء واخلتام أن تقوم هذه األسرة‪ ،‬وأن تبقى قوية متماسكة متحابة مرتااة متواددة‪،‬‬
‫تتأَّب مبا وضعه الشرع هلا من تدابري على التشقق والتصدع‬ ‫قوية النسيج‪ ،‬عزيزة اجلناب‪ ،‬مرفوعة شاخمة‪َّ ،‬‬
‫واالهنيار ‪ ..‬حىت يف حالة االهنيار "الطالق" الذي كرهه الشرع ونفَّر منه‪ ،‬لكنه أباحه لرفع الضرر‪َ " :‬وإِ ْن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫يما"‪ .‬سورة النساء‪ ...242 :‬حىت يف هذه احلالة أمر‬ ‫يَتَ َفَّرقَا ي ْغ ِن اللَّه ك ًّال م ْن َس َعته َوَكا َن اللَّه َواس ًعا َحك ً‬
‫القرآن الكرمي أن يكون التسريح "بإحسان"‪ ،‬وطلب من الطرفني أن يتعامال بالفضل ال العدل‪َ " :‬وإِ ْن‬
‫ضت ْم إَِّال أَ ْن يَ ْعفو َن أ َْو يَ ْعف َو الَّ ِذي‬
‫صف َما فَ َر ْ‬ ‫ضتم َهل َّن فَ ِر ِ‬
‫يضةً فَن ْ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫طَلَّ ْقتموه َّن م ْن قَ ْب ِل أَ ْن متََ ُّسوه َّن َوقَ ْد فَ َر ْ ْ‬
‫ضل ب ي نَكم إِ َّن اللَّه ِمبَا تَعملو َن ب ِ‬ ‫ِ‬ ‫بِيَ ِدهِ ع ْق َدة النِّ َك ِ‬
‫صري"‪ .‬سورة‬ ‫َ َْ َ‬ ‫اح َوأَ ْن تَ ْعفوا أَقْ َرب للتَّ ْق َوى َوَال تَْن َسوا الْ َف ْ َ َْ ْ‬
‫البقرة‪.142 :‬‬
‫هكذا يرسم القرآن الكرمي صورة مثالية للحياة الزوجية‪ ،‬ويتضح من خالهلا مقصد القرآن الكرمي‬
‫منها‪ ،‬من خالل مجع اآليات والتأمل فيها‪ ،‬والتفحص يف تدابريها وأحكامها‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ويف ال القصص القرآين مثال يبني الطاهر ابن عاشور أن املقصد من سرد القصص ليس التلهي‬
‫وال التسلية‪ ،‬وإ ا لغرض آخر‪ ،‬يقول‪" :‬إن من مقاصد القرآن يف ذكر القصص املاضية أن يعترب هبا‬
‫املسلمون يف اخلري والشر"(‪.)1‬‬
‫وهكذا يف أي ال من االت القرآن الكرمي نقوم باستقراء اآليات اليت حتدثت عنه والتدبر فيها‬
‫وتصنيفها‪ ،‬ومن مث الوقوف على مقاصد هذا اجملال أو ذاك‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬مقاصد خاصة بموضوع من الموضوعات‪ :‬وهذا هو التفسري املوضوعي‪ ،‬الذي قد‬
‫يكون خاصا مبوضوع يف سورة معينة‪ ،‬أو يتناول موضوعا يف طول القرآن وعرضه‪ ،‬كاليهود يف القرآن‪ ،‬أو‬
‫التقوى يف القرآن‪ ،‬أو اإلحسان يف القرآن‪ ،‬أو يوسف يف القرآن‪ ،‬أو اجلبال يف القرآن‪ ،‬أو الصالة يف‬
‫القرآن‪ ،‬أو األمثال يف القرآن ‪...‬اخل‬
‫فأي موضوع من هذه املوضوعات تتمثل خطواته يف مجع اآليات القرآنية‪ ،‬وتفسريها تفسريا علميا‬
‫على أساس املوضوع‪ ،‬وتدون يف حبث منفرد أو كتاب جامع على ط مبسوطات التفسري التحليلي؛‬
‫حبيث يرجع الباحث إىل املوضوع الذي يريده‪ ،‬ويعلم موقف القرآن منه يف يسر وسهولة(‪.)2‬‬
‫ومن خالل التأمل يف اآليات اجملموعة مجيعا‪ ،‬ودراستها والتدبر فيها‪ ،‬وتصنيفها وحتليلها‪ ،‬يتبني‬
‫مقصد القرآن الكرمي من موضوع من هذه املوضوعات‪.‬‬
‫ولو أخذنا مثاال باليلود في القرآن الكريم‪ ،‬لوجدنا من صفاهتم‪ :‬اإلحلاد املطلق يف العقائد‪،‬‬
‫وقسوة القلوب إىل درجة اهلمجية والوحشية‪ ،‬واحرتاف التزييف والتحريف واجلدل‪ ،‬والغدر ونقض‬
‫الناس‬
‫ويذكرون َ‬ ‫العهود‪ ،‬وأهنم بلغوا قمة احلقد واحلسد‪ ،‬وأهنم يسفهون إذا أمنوا‪ ،‬ويَ ْقتلون إذا قَدروا‪ِّ ،‬‬
‫باملثل العليا وباحلقوق إذا وجلوا‪ ،‬ولكن لفائدهتم وحدهم‪ ،‬وأهنم يستهينون باألخالق واحلرمات والشرائع‪،‬‬
‫وأهنم مفسدون يف األرض ‪...‬اخل(‪.)3‬‬
‫والقرآن الكرمي حني يقص علينا ويبني لنا طبيعة اليهود وصفاهتم يقصد من وراء ذلك‪ :‬أن نعرف‬
‫صفاهتم‪ ،‬وأن نعاملهم على أساسها‪ ،‬فال نأمن غدرهم‪ ،‬وال نثق يف وعودهم‪ ،‬وال نأمن جانبهم‪ ،‬وال‬

‫(‪ )1‬التحرير والتنوير‪.18 /2 :‬‬


‫(‪ )2‬محاضرات في التفسير الموضوعي‪ .19 :‬لشيخنا د‪ .‬عبد الستار فتح اهلل سعيد‪ .‬دار النداء‪ .‬اسطنبول‪.‬‬
‫الطبعة األولى‪2010 .‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬يراجع في هذه الصفات وغيرها بتوسع كتاب‪ :‬معركة الوجود بين القرآن والتلمود‪ .110-111 :‬لشيخنا‬
‫العالمة د‪ .‬عبد الستار فتح اهلل سعيد‪ .‬الطبعة الثانية‪1002 .‬هـ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫هنادهنم أو جنري بيننا وبينهم اتفاقات إال بشروط عادلة حازمة حامسة‪ ،‬وغري ذلك من مقاصد ‪...‬‬
‫فدراسة موضوع واحد من مجيع جوانبه يكشف الرؤية القرآنية له‪ ،‬وتتجلى مقاصده وأغراضه بالتأمل‬
‫والتدبر يف أحنائه وجنباته‪.‬‬

‫مقاصد معرفة المقاصد الخاصة للقرآن الكريم‪:‬‬


‫يتحصل لدى املتعامل مع القرآن الكرمي من معرفة مقاصده اخلاصة بنوعيها عدد من الفوائد‪،‬‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ -2‬استرالص رؤية القرآن الكرمي املقاصدية حول موضوع من املوضوعات أو ال من‬
‫اجملاالت‪.‬‬
‫‪ -1‬العمل على اتساق جزئيات اجملال أو املوضوع مع مقاصده حبيث تكون كل اجلزئيات‬
‫والفرعيات دائرة يف إطار مقاصد املوضوع أو اجملال‪.‬‬
‫‪ -4‬فهم جزئيات املوضوع أو اجملال يف إطار مقاصده‪.‬‬
‫‪ -4‬انعكاس هذه املقاصد للمجاالت أو املوضوعات على العمل الفقهي‪ :‬فهما وتنزيال واجتهادا‬
‫يف النوازل واملستجدات‪.‬‬
‫‪ -2‬تقومي وتقييم هذه اجملاالت أو املوضوعات يف حياتنا العلمية والعملية يف ضوء مقاصدها؛‬
‫معا عند تطبيقها يف واقع احلياة‪.‬‬
‫فمقاصد اجملال أو الوضوع تكون معيارا حاكما يف تقييمها وتقوميها ً‬
‫‪ -1‬اإلفادة من مقاصد هذه اجملاالت يف التشريعات املعاصرة عند التقنني أو إرادة تيسريها‬
‫للتطبيق؛ فإن ملعرفة املقاصد هنا أمهية ال ففى يف التقنني والتطبيق‪ :‬رعاية وضبطًا وصحة يف التنزيل‬
‫والتطبيق مجيعا‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬مقاصد سور القرآن الكريم‪:‬‬


‫تفسري سور القرآن يف ضوء مقاصدها هو "نوع من أنواع التفسير المقاصدي يبحث في‬
‫أهد اف وغايات السورة الواحدة‪ ،‬مع الكشف عن وجه اإلفادة منلا لتحقيق مصلحة العباد في‬
‫العاجل واآلجل"‪ .‬وقد يندرج أيضا حتت املقاصد اخلاصة للقرآن الكرمي‪ ،‬لكن إفراده بنوع خاص به‬
‫أوىل‪ ،‬ألمهيته من ناحية‪ ،‬ولالهتمام الذي حظي به على مر التاريخ من ناحية أخرى‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫وإّا تأملنا يف مقاصد السور جند أنه قد يكون للسورة مقصد أكرب مث غايات وأهداف كبرية تنتهي‬
‫إىل هذا املقصد األكرب‪ ،‬مث أجزاء وموضوعات داخل السورة هلا هي األخرى أهداف وغايات تنتهي أو‬
‫تصب يف أهداف السورة العليا‪.‬‬
‫وهو نوع يتطلب القراءة املتأنية للسورة‪ ،‬والتدبر العميق فيها‪ ،‬ومللمة أطراف موضوعاهتا‪،‬‬
‫والتفحص يف أبعاد ها مجيعا‪ ،‬والنظر يف أهداف كل موضوع‪ ،‬مث التأمل يف النهاية السترالص املقصد‬
‫سي يأيت عرب مسالك وطرق للوقوف‬‫تلم ٌّ‬
‫األكرب من السورة‪ ،‬وهو – على أي حال – نوع اجتهادي ُّ‬
‫عليها‪ ،‬وتدور أغلبها حول التدبر والتأمل من خالل توفري املقومات اليت سنتحدث عنها يف مبحث ك‬
‫تال‪.‬‬
‫ولعل أول بداياته كانت على يد اإلمام د الدين الفريوزابادي (ت‪222 :‬ه )‪ ،‬يف كتابه‪" :‬بصائر‬
‫ذوي التمييز يف لطائف الكتاب العزيز"‪ ،‬وقد طبعه اجمللس األعلى للشئون اإلسالمية يف مصر بتحقيق‬
‫األستاذ حممد علي النجار‪ ،‬وهو كتاب يف مقاصد العلوم واملعارف‪ ،‬ويذكر مباحث تتعلق بالقرآن‪ :‬سورة‬
‫سورة على ترتيبها املعروف يف املصحف‪ ،‬فيذكر يف كل سورة مباحث تسعة‪ :‬موضع النزول ‪ -‬عدد‬
‫اآليات واحلروف والكلمات ‪ -‬اختالف القراء يف عدد اآليات ‪ -‬موع فواصل السورة ‪ -‬اسم السورة‬
‫أو أمساؤها ‪ -‬مقصود السورة وما هي متضمنة له ‪ -‬الناسخ واملنسوخ ‪ -‬املتشابه منها ‪ -‬فضل السورة‪.‬‬
‫واحملاولة الناضجة يف القدمي كانت على يد اإلمام برهان الدين البقاعي (ت‪222 :‬ه )‪ ،‬يف كتابه‪:‬‬
‫"مصاعد النظر لإلشراف على مقاصد السور"‪ ،‬الذي جعله كاملقدمة أو املدخل لكتابه اآلخر واألهم‪:‬‬
‫"نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور"‪ ،‬قال‪" :‬تكون السورة كالشجرة النضرية العالية‪ ،‬والدوحة البهيجة‬
‫األنيقة اخلالية‪ ،‬املزينة بأنواع الزينة املنظومة بعد أنيق الورق بأفنان الدر‪ ،‬وأفناهنا منعطفة إىل تلك املقاطع‬
‫كالدوائر‪ ،‬وكل دائرة منها هلا شعبة متصلة مبا قبلها ‪ ،‬وشعبة ملتحمة مبا بعدها‪ ،‬وآخر السورة قد واصل‬
‫أوهلا ‪ ،‬كما الحم انتهاؤها ما بعدها‪ ،‬وعانق ابتداؤها ما قبلها ‪ ،‬فصارت كل سورة دائرة كربى‪ ،‬مشتملة‬
‫الغر‪ ،‬البديعة النظم‪ ،‬العجيبة الضم‪ ،‬بلني تعاطف أفناهنا‪ ،‬وحسن تواصل ْثارها‬ ‫على دوائر اآليات ّ‬
‫وأغصاهنا"(‪.)1‬‬
‫أما يف العصر احلديث فقد برع فيه عدد من العلماء‪ ،‬منهم‪:‬‬

‫(‪)1‬مصاعد النظر لإلشراف على مقاصد السور‪ .109/1 :‬برهان الدين البقاعي‪ .‬تحقيق د‪ .‬عبد السميع محمد‬
‫حسنين‪ .‬مكتبة المعارف‪ .‬الرياض‪ .‬الطبعة األولى‪1008 .‬هـ‪1981 .‬م‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫اإلمام حممد عبده وتلميذه العالمة رشيد رضا‪ ،‬اللذان كان هلما منهج يف التفسري يقوم على عدة‬
‫أسس‪ ،‬منها‪ :‬الوحدة املوضوعية للسورة‪ ،‬وأن فكرة السورة جيب أن تكون أساسا يف فهم آياهتا‪،‬‬
‫واملوضوع جيب أن يكون أساسا يف فهم اآليات اليت نزلت فيه‪.‬‬
‫وتأثر بتفسري املنار أساتذة يف العصر احلديث‪ ،‬منهم‪ :‬الشيخ حممد مصطفى املراغي‪ ،‬والشيخ‬
‫حممود شلتوت‪ ،‬وله تفسريه للعشرة أجزاء األوىل من القرآن‪ ،‬حاول فيه أن يوضح أهداف السور‬
‫وأغراضها(‪ ،)1‬وكذلك العالمة حممد الطاهر ابن عاشور له إشارات وحماوالت مهمة يف تفسريه "التحرير‬
‫والتنوير"‪.‬‬
‫والعالمة حممد عبد اهلل دراز‪ ،‬الذي له إشارات مهمة يف كتابه "النبأ العظيم"؛ فقد احتوى على‬
‫تفسري موضوعي مقاصدي لسورة البقرة بل ميكن عدُّه أول تفسري موضوعي لسورة كاملة‪ ،‬بني فيه حماور‬
‫سورة البقرة والغايات اليت ترمي إىل حتقيقها‪ ،‬ولعله أول جتربة يف التفسري املوضوعي للسور‪،‬ة والكشف‬
‫عن غاياهتا‪ ،‬يقول‪" :‬ملاذا نقول إن املعاين تنتسق يف السورة كما تنتسق احلجرات يف البنيان؟ ال‪ .‬بل إهنا‬
‫لتلتحم فيها كما تلتحم األعضاء يف جسم اإلنسان‪ ،‬فبني كل قطعة وجارهتا رباط موضعي من أنفسهما‪،‬‬
‫كما يلتقي العظمان عند املفصل‪ ،‬ومن فوقهما متتد شبكة من الوشائج حتيط هبما عن كثب‪ ،‬كما‬
‫يشتبك العضوان بالشرايني والعروق واألعصاب‪ ،‬ومن وراء ذلك كله يسري يف مجلة السورة اجتاه معني‪،‬‬
‫وتؤدي مبجموعها غرضاً خاصاً‪ ،‬كما يأخذ اجلسم قواماً واحداً‪ ،‬ويتعاون جبملته على أداء غرض واحد‪،‬‬
‫مع اختالف وظائفه العضوية"(‪.)2‬‬
‫واألستاذ الشهيد سيد قطب‪ ،‬الذي برع براعة منقطعة النظري يف هذا‪ ،‬فهو قبل بداية التفسري‬
‫التفصيلي أو التحليلي آليات السورة يرسم لنا لوحة مجالية هلا‪ ،‬وصورة مشسية جلوانبها وأبعادها‪ ،‬يبني‬
‫فيها اهلدف األساس واملقصد األمسى للسورة‪ ،‬فهذه سورة حمور احلديث فيها عن وحدانية اهلل‪ ،‬وتلك‬
‫تدور حول الوحي‪ ،‬وهذه حول اليوم اآلخر‪ ،‬وتلك عن العقيدة‪ ،‬وهذه حول قيم أخالقية تريد السورة أن‬
‫ترسرها يف اجلماعة املؤمنة‪ ،‬وتلك عن اآلداب االجتماعية ‪ ..‬اخل‪ .‬يقول‪" :‬ومن مث يلحظ من يعيش يف‬
‫ظالل القرآن أن لكل سورة من سوره شرصية مميزة! شرصية هلا روح يعيش معها القلب كما لو كان‬
‫يعيش مع روح حي مميز املالمح والسمات واألنفاس‪ ،‬وهلا موضوع رئيسي أو عدة موضوعات رئيسية‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬أهداف كل سورة ومقاصدها في القرآن الكريم‪ .1-0 :‬د‪ .‬عبد اهلل شحاتة‪ .‬طبعة الهيئة المصرية‬
‫العامة للكتاب‪ .‬القاهرة‪1911 .‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ظالل القرآن‪.28-21/1 :‬‬

‫‪18‬‬
‫مشدودة إىل حمور خاص‪ .‬وهلا جو خاص يظلل موضوعاهتا كلها وجيعل سياقها يتناول هذه املوضوعات‬
‫من جوانب معينة ‪ ،‬حتقق التناسق بينها وفق هذا اجلو"(‪.)1‬‬
‫وأحيانا جيعل األستاذ سيد اجلزء من القرآن وحد ًة موضوعية واحدة‪ ،‬كما فعل يف اجلزء الثالثني‪،‬‬
‫يقول‪" :‬هذا اجلزء كله ‪ -‬ومنه هذه السورة ‪ -‬ذو طابع غالب ‪ ..‬سوره مكية فيما عدا سوريت «البينة»‬
‫و«النصر» وكلها من قصار السور على تفاوت يف القصر‪ .‬واألهم من هذا هو طابعها اخلاص الذي‬
‫جيعلها وحدة ‪ -‬على وجه التقريب ‪ -‬يف موضوعها واجتاهها‪ ،‬وإيقاعها‪ ،‬وصورها وظالهلا‪ ،‬وأسلوهبا‬
‫بنوم غارقني يف‬
‫العام‪ ..‬إهنا طرقات متوالية على احلس‪ .‬طرقات عنيفة قوية عالية‪ .‬وصيحات‪ .‬صيحات ّ‬
‫النوم! نومهم ثقيل! أو بسكارى خممورين ثقل حسهم اخلمار! أو بالهني يف سامر راقصني يف ضجة‬
‫وتصدية ومكاء! تتواىل على حسهم تلك الطرقات والصيحات املنبثقة من سور هذا اجلزء كله بإيقاع‬
‫واحد ونذير واحد‪ :‬اصحوا‪ .‬استيقظوا‪ .‬انظروا‪ .‬تلفتوا‪ .‬تفكروا‪ .‬تدبروا ‪ ..‬إن هنا لك إهلا‪ .‬وإن هنالك‬
‫تدبريا‪ .‬وإن هنالك تقديرا‪ .‬وإن هنالك ابتالء‪ .‬وإن هنالك تبعة‪ .‬وإن هنالك حسابا‪ .‬وإن هنالك جزاء‪.‬‬
‫وإن هنالك عذابا شديدا‪ .‬ونعيما كبريا ‪ ..‬اصحوا‪ .‬استيقظوا‪ .‬انظروا‪ .‬تلفتوا‪ .‬تفكروا‪ .‬تدبروا ‪ ...‬وهكذا‬
‫مرة أخرى‪ .‬وثالثة ورابعة وخامسة ‪ ...‬وعاشرة ‪ ...‬ومع الطرقات والصيحات يد قوية هتز النائمني‬
‫املرمورين السادرين هزا عنيفا ‪ ..‬وهم كأ ا يفتحون أعينهم وينظرون يف مخار مرة ‪ ،‬مث يعودون ملا كانوا‬
‫فيه! فتعود اليد القوية هتزهم هزا عنيفا ويعود الصوت العايل يصيح هبم من جديد وتعود الطرقات العنيفة‬
‫على األمساع والقلوب ‪ ..‬وأحيانا يتيقظ النوام ليقولوا ‪ :‬يف إصرار وعناد ‪ :‬ال ‪ ..‬مث حيصبون الصائح املنذر‬
‫ا ملنبه باألحجار والبذاء ‪ ..‬مث يعودون ملا كانوا فيه‪ .‬فيعود إىل هزهم من جديد‪ ..‬هكذا خيل إيل وأنا أقرأ‬
‫هذا اجلزء‪ .‬وأحس تركيزه على حقائق معينة قليلة العدد‪ ،‬عظيمة القدر‪ ،‬ثقيلة الوزن‪ .‬وعلى إيقاعات‬
‫معينة يلمس هبا أوتار القلوب‪ .‬وعلى مشاهد معينة يف الكون والنفس‪ .‬وعلى أحداث معينة يف يوم‬
‫الفصل‪ .‬وأرى تكرارها مع تنوعها‪ .‬هذا التكرار املوحي بأمر وقصد!" (‪.)2‬‬
‫وكذلك العالمة حممد الطاهر ابن عاشور‪ ،‬كثريا ما يبني مقاصد السورة وينص على ذلك بشكل‬
‫واضح‪ ،‬ففي سورة الفاحتة مثال قال‪ " :‬تشتمل حمتوياهتا على أنواع مقاصد القرآن وهي ثالثة أنواع‪ :‬الثناء‬
‫على اهلل ثناء جامعا لوصفه جبميع احملامد وتنزيهه من مجيع النقائص‪ ،‬وإلثبات تفرده باإلهلية وإثبات‬
‫ك يَ ْوِم الدِّي ِن} واألوامر والنواهي من قوله‬
‫{احلمد لِلَّ ِه} إىل قوله {مالِ ِ‬
‫َ‬ ‫البعث واجلزاء وذلك من قوله َْ ْ‬

‫(‪ )1‬النبأ العظيم‪ .111 :‬د‪ .‬محمد عبد اهلل دراز‪ .‬دار الثقافةـ الدوحة‪1981 .‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ظالل القرآن‪ .9800 /1 :‬دار الشروق‪ .‬القاهرة‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫ين} إىل آخرها‪ ،‬فهذه هي أنواع مقاصد القرآن كله‪،‬‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫{إِيَّ َ‬
‫اك نَ ْعبد} والوعد والوعيد من قوله {صَرا َط الذ َ‬
‫وغريها تكمالت هلا"(‪.)1‬‬
‫ولألستاذ الشيخ سعيد حوى نظرات يف كتابه "األساس يف التفسري"‪ ،‬يبني فيها كذلك مالمح‬
‫السورة وجوها العام‪ ،‬يقول‪" :‬قد استطعت حبمد اهلل أن أبرهن على أن كمال القرآن يف وحدة آياته يف‬
‫السورة الواحدة وكماله يف الوحدة اجلامعة اليت جتمع ما بني سوره وآياته على طريقة مل يعرف هلا العامل‬
‫مثيال‪ ،‬وال ميكن أن فطر على قلب بشر"(‪.)2‬‬
‫وأما الداعية العالمة الشيخ حممد الغزايل فقد قدم حماولة عن هذا النوع من التفسري‪ ،‬وهو كتابه‪:‬‬
‫"حنو تفسري موضوعي لسور القرآن الكرمي"‪ ،‬قال يف مقدمته عن التفسري املوضوعي للسورة‪ :‬إنه "يتناول‬
‫السورة كلها حياول رسم صورة مشسية هلا تتناول أوهلا وآخرها‪ ،‬وتتعرف على الروابط اخلفية اليت تشدها‬
‫كلها‪ ،‬وجتعل أوهلا متهيدا آلخرها‪ ،‬وآخرها تصديقا ألوهلا ‪ ...‬إنين أختار من اآليات ما يربز مالمح‬
‫السورة‪ ،‬وأترك غريها للقارئ يضمها إىل السياق املشابه؛ وذلك حىت ال يطول العرض ويتشتت"(‪.)3‬‬
‫ولألستاذ الدكتور عبد اهلل شحاتة كتاب بعنوان "أهداف كل سورة ومقاصدها يف القرآن‬
‫الكرمي"‪ ،‬سبق النقل عنه‪ ،‬قال يف مقدمته‪" :‬فالكتاب الذي نشاهده اآلن ليس تفسريا حرفيا آليات‬
‫القرآن الكرمي‪ ،‬ولكنه ضوء يلقى على أهداف السور ومقاصدها‪ ،‬ويوضح بعض األحكام واآلداب اليت‬
‫اشتملت عليها"(‪.)4‬‬
‫وإذا نقلنا عن هؤالء مجيعا أمثلة دالَّة على بيان جهودهم يف تلمس مقاصد كل سورة لطال املقام؛‬
‫تتبعا وانتقاءً وتعقيبات وتوضيحات ليس هذا موضعها‪.‬‬‫إذ األمر سيقتضي ً‬

‫(‪ )1‬التحرير والتنوير‪ .191 :‬محمد الطاهر ابن عاشور‪ .‬مؤسسة التاريخ العربي‪ ،‬بيروت – لبنان‪ .‬الطبعة ‪:‬‬
‫األولى‪1020 ،‬هـ‪2000/‬م‬
‫(‪ )2‬األساس في التفسير‪ .21 /1 :‬سعيد حوى‪ .‬دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع‪ .‬القاهرة‪ .‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫‪1001‬هـ‪1981 .‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم‪ .1-1 :‬محمد الغزالي‪ .‬دار الشروق‪ .‬القاهرة‪ .‬الطبعة الرابعة‪.‬‬
‫‪1020‬هـ‪2000 .‬م‪.‬‬
‫(‪)4‬أهداف كل سورة ومقاصدها في القرآن الكريم‪ .9 :‬د‪ .‬عبد اهلل شحاتة‪ .‬طبعة الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب‪ .‬القاهرة‪1911 .‬م‪ ،‬وهو يقصد بالتفسير الحرفي‪ :‬التفسير التحليلي‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫اضا مهمة‪،‬‬
‫مقاصد وأغر ً‬
‫َ‬ ‫لكننا نشري فقط يف ختام هذا النوع إىل أن هلذا النوع من مقاصد القرآن‬
‫ذكرها د‪ .‬عبد اهلل شحاته يف كتابه املشار إليه‪ ،‬وأمجلها يف خامتة مقدمته‪ ،‬فقال‪" :‬وآمل أن يستفيد منه‬
‫– أي الكتاب ‪ -‬عشاق القرآن والدارسون له‪ ،‬ومن حياولون حفظه أو فهمه‪ ،‬فإن قراءته ستيسر عليهم‬
‫هذه املهمة‪ ،‬فمن قرأ تعريفا بسورة من السور مث حاول حفظها أو فهمها كان أكثر إحساسا مبعناها‪،‬‬
‫وأكثر إدراكا للروح العامة السارية بني آياهتا‪ ،‬فيسهل احلفظ ملن أراد احلفظ‪ ،‬وتسهل اإلحاطة باملعا‬
‫اإلمجايل لآليات ملن أراد القراءة أو الفهم"(‪.)1‬‬

‫مقاصد معرفة مقاصد سور القرآن الكريم‪:‬‬


‫وميكن بسط مقاصد معرفة مقاصد سور القرآن الكرمي مبا جاء يف كالم د‪ .‬عبد اهلل شحاته يف‬
‫اآليت ونضيف عليه ما تيسر‪:‬‬
‫تيسري مهمة الفهم العام للسورة‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫تسكني جزئيات السورة يف مقصدها العام وموضوعها األساس‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫تيسري مهمة حفظ القرآن الكرمي املبنية على تيسري الفهم واالستيعاب العام‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫تعميق اإلحساس واإلدراك بالروح العامة للسورة السارية بني آياهتا‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫املفسر إىل ما يهتم به وما ال يهتم به‪.‬‬
‫وجه مقاصد السورة َ‬
‫ت ِّ‬ ‫‪-2‬‬
‫الوقوف على تناسب اآليات يف السورة‪ ،‬قال البقاعي‪" :‬ومن حقق املقصود من السورة‬ ‫‪-1‬‬
‫عرف تناسب آيها وقصصها ومجيع أجزائها"(‪.)2‬‬
‫متثل معرفة مقاصد السور ز ًادا متميزا للدعاة واخلطباء حني حيدثون الناس عن سور‬ ‫‪-2‬‬
‫القرآن الكرمي‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬المقاصد التفصيلية آليات القرآن الكريم‪:‬‬

‫(‪)1‬أهداف كل سورة ومقاصدها في القرآن الكريم‪.9 :‬‬


‫(‪ )2‬مصاعد النظر لإلشراف على مقاصد السور‪.109/1 :‬‬

‫‪21‬‬
‫أما النوع الرابع من أنواع مقاصد القرآن الكرمي‪ ،‬فهو املقاصد التفصيلية لآليات القرآنية‪ ،‬وهو‬
‫النوع الذي يهتم باآليات كل آية على حدة‪ ،‬وحيتاج املفسر هنا إىل التعمق يف اللغة العربية(‪،)1‬‬
‫والتمكن من دالالهتا‪ ،‬وطرائق استعمال العرب هلا‪ ،‬وسياقات إيرادها ودالالت هذا اإليراد يف هذه‬
‫السياقات‪ ،‬وهو ما يسمى بالسياقات املقالية‪ ،‬وهذا له أثره الواضح يف التعامل مع القرآن الكرمي مبا هو‬
‫كتاب عريب مبني‪.‬‬
‫وهذا النوع من مقاصد القرآن يهتم باآلية ووحماولة الوقوف على مقصودها كما يهتم باأللفاظ‬
‫ويتتبعها ببيان معانيها ودالالهتا‪ ،‬وهو نوع مبثوث يف أغلب تفاسري القرآن الكرمي مع التفسري املوضعي أو‬
‫التفصيلي للكلمات الشريفة؛ حيث يسري املفسر مع األلفاظ مبينا معناها‪ ،‬وكاشفا عن غايتها وأوجه‬
‫الداللة منها‪.‬‬
‫إن أغلب تراثنا التفسريي – كما أسلفنا ‪ -‬هو من هذا النوع‪ ،‬حىت لو انتمى إىل مدارس ومناهج‬
‫واجتاهات خمتلفة يف التفسري‪ ،‬فأغلبه من التفسري التحليلي‪ ،‬الذي ينصب على بيان املراد من اآليات‬
‫والكلمات‪ ،‬ولعل أقرب التفاسري املعاصرة اليت تسعف القارئ يف هذا النوع من التفسري أو هذا النوع من‬
‫املقاصد‪ ،‬هو "يف ظالل القرآن"‪ ،‬و تفسري السعدي‪ ،‬املسمى‪" :‬تيسري الكرمي الران يف تفسري كالم‬
‫املنان"‪.‬‬
‫ومن ذلك آية الكرسي مثال‪ ،‬فهي أعظم آية يف كتاب اهلل‪ ،‬واملقصود منها تعظيم اهلل عز وجل‬
‫وتوحيده‪ ،‬يقول سيد قطب عنها‪ :‬إهنا‪" :‬بيان عن وحدانية اهلل وحياته‪ ،‬وقيامه على كل شيء وقيام كل‬
‫شيء به‪ ،‬وملكيته املطلقة لكل شيء‪ ،‬وعلمه احمليط بكل شيء‪ ،‬وهيمنته الكاملة على كل شيء‪ ،‬وقدرته‬
‫الكاملة وحفظه لكل شيء"(‪.)2‬‬
‫وهكذا فإن لآليات القرآنية مقاصد‪ ،‬فقد يكون لكل آية مقصد‪ ،‬وقد جتتمع عدة آيات يف‬
‫مقصد واحد‪ ،‬وقد يكون يف اآلية الواحدة أكثر من مقصد‪ ،‬واألهم من هذا أال يقع املفسر املقاصدي‬
‫يف التكلف فيعتسف إجياد مقاصد لكل آية‪ ،‬بل يرتك القرآن الكرمي وآياته تتحدث عن مقاصدها‪.‬‬

‫مقاصد معرفة المقاصد التفصيلية آليات القرآن الكريم‪:‬‬

‫(‪)1‬يعد التفقه بها أحد المقومات األساسية للتفسير المقاصدي كما ستأتي اإلشارة في موضعها‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ظالل القرآن‪.211 :1 :‬‬

‫‪22‬‬
‫وكما كان ملعرفة املقاصد العامة للقرآن الكرمي فوائد‪ ،‬وكذلك املقاصد اخلاصة مبجاالهتا‬
‫وموضوعاهتا‪ ،‬وسور القرآن‪ ،‬فإن ملعرفة املقاصد التفصيلية آليات القرآن الكرمي مقاصد كذلك‪ ،‬ومن‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ -2‬فهم اآلية الكرمية على وجهها الصحيح والوقوف على حقائق مضامينها‪.‬‬
‫‪ -1‬ربط اآلية مبا قبلها وما بعدها يف ضوء املقاصد التفصيلية لكل منها‪.‬‬
‫‪ -4‬حتقيق االتساق بني اآلية مبا قبلها وما بعدها من ناحية‪ ،‬واالتساق العام يف السورة كلها‬
‫بآياهتا مجيعا من ناحية أخرى‪.‬‬
‫حاكما للمفسر يف تفسريه هلا‪ ،‬فال يسرح يف شرح اآلية إال بقدر ما‬
‫ً‬ ‫‪ -4‬يكون مقصد اآلية‬
‫يسرحه مقصدها‪ ،‬ويستعني يف تفسريها من العلوم مبا حيقق مقصدها‪ ،‬ويستبعد إيراد ما ال خيدم الغرض‬
‫املقصود‪.‬‬
‫‪ -2‬حت قيق املقصد من إنزال هذا القرآن كله وهو تدبره واالهتداء مبا تضمنه؛ وذلك ألن التدبر ال‬
‫يكون إال بعد فهم املعاين‪ ،‬وهذا املقصد يصدق على أنواع مقاصد القرآن مجيعا‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬مقاصد الكلمات والحروف القرآنية‪:‬‬


‫ً‬
‫هذا مستوى آخر ورمبا يكون أخريا ملستويات أنواع املقاصد يف القرآن الكرمي‪ ،‬وهو مقاصد‬
‫ومقوم أساس من بنية النظم‬
‫الكلمات واألحرف فيه‪ ،‬ومن املعلوم أن الكلمات واألحرف جزء رئيس ّ‬
‫القرآين‪ ،‬وهي النظرية اليت أرسى دعائمها وشيد عمارهتا اإلمام عبد القاهر اجلرجاين يف كتابه "دالئل‬
‫اإلعجاز"‪.‬‬
‫فالقرآن الكرمي خيتار من الكلمات املتكونة من حروف تتناسب أجراسها ودالالهتا وإيقاعاهتا مع‬
‫السياق العام لآلية والسورة‪ ،‬وتتسق مع املقصد العام هلا واألغراض اليت يساق الكالم من أجلها‪.‬‬
‫وقد برع األستاذ سيد قطب يف بيان هذه اخلاصية للكلمات واحلروف املرتارة‪ ،‬بل ربط فواصل‬
‫اآليات بذلك أيضا‪ ،‬ففي سورة مرمي يقول‪" :‬والظل الغالب يف اجلو هو ظل الراة والرضى واالتصال‪.‬‬
‫ك َعْب َده َزَك ِريَّا» وهو يناجي ربه جناء‪« :‬إِ ْذ نادى َربَّه‬ ‫فهي تبدأ بذكر راة اهلل لعبده زكريا « ِذ ْكر ر ْا ِ‬
‫ت َربِّ َ‬ ‫ََ‬
‫نِداءً َخ ِفيًّا» ‪ ..‬ويتكرر لفظ الراة ومعناها وظلها يف ثنايا السورة كثريا‪ .‬ويكثر فيها اسم « َّ‬
‫الر ْا ِن» ‪.‬‬
‫الص ِ‬
‫احل ِ‬ ‫ين َآمنوا َو َع ِملوا َّ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ات َسيَ ْج َعل َهلم‬ ‫ويصور النعيم الذي يلقاه املؤمنون به يف صورة ود‪« :‬إ َّن الذ َ‬

‫‪23‬‬
‫الر ْان وًّدا» ويذكر من نعمة اهلل على حيىي أن آتاه اهلل حنانا « َو َحناناً ِم ْن لَدنَّا َوَزكا ًة َوكا َن تَِقيًّا» ‪ .‬ومن‬ ‫َّ‬
‫نعمة اهلل على عيسى أن جعله برا بوالدته وديعا لطيفا‪َ « :‬وبًَّرا بِوالِ َدِيت َوَملْ َْجي َع ْل ِين َجبَّاراً َش ِقيًّا» ‪ ..‬وإنك‬
‫لتحس ملسات الراة الندية ودبيبها اللطيف يف الكلمات والعبارات والظالل‪ .‬كما حتس انتفاضات‬
‫الكون وارجتافاته لوقع كلمة الشرك اليت ال تطيقها فطرته‪ ..‬كذلك حتس أن للسورة إيقاعا موسيقيا‬
‫خاصا‪ .‬فحىت جرس ألفاظها وفواصلها فيه رخاء وفيه عمق‪ :‬رضيا‪ .‬سريا‪ .‬حفيا‪ .‬جنيا‪ ..‬فأما املواضع اليت‬
‫عزا‪.‬‬
‫تقتضي الشد والعنف‪ ،‬فتجيء فيها الفاصلة مشددة داال يف الغالب‪ .‬م ّدا‪ .‬ض ّدا‪ّ .‬إدا‪ ،‬ه ّدا‪ ،‬أو زايا‪ّ :‬‬
‫ّأزا‪.‬‬
‫وتنوع اإليقاع املوسيقي والفاصلة والقافية بتنوع اجلو واملوضوع يبدو جليا يف هذه السورة ‪ .‬فهي‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫تبدأ بقصة زكريا وحيىي فتسري الفاصلة والقافية هكذا‪ِ « :‬ذ ْكر ر ْا ِ‬
‫ك َعْب َده َزَكريَّا‪ .‬إ ْذ نادى َربَّه نداءً‬ ‫ت َربِّ َ‬ ‫ََ‬
‫َخ ِفيًّا ‪ ...‬إخل» ‪.‬‬
‫تاب َم ْرَميَ إِ ِذ‬
‫وتليها قصة مرمي وعيسى فتسري الفاصلة والقافية على النظام نفسه‪« :‬واذْكر ِيف الْ ِك ِ‬
‫َ ْ‬
‫َّل َهلا بَ َشراً َس ِويًّا ‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫انْتَب َذت ِمن أَهلِها مكاناً َشرقِيًّا‪ .‬فَ َّافَ َذ ِ ِِ ِ‬
‫وحنا فَتَ َمث َ‬
‫ت م ْن دوهن ْم حجاباً فَأ َْر َس ْلنا إلَْيها ر َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ْ ْ َ‬
‫إخل» إىل أن ينتهي القصص‪ ،‬وجييء التعقيب‪ ،‬لتقرير حقيقة عيسى ابن مرمي‪ ،‬وللفصل يف قضية بنوته‪.‬‬
‫فيرتلف نظام الفواصل والقوايف‪ ..‬تطول الفاصلة‪ ،‬وتنتهي القافية حبرف امليم أو النون املستقر الساكن‬
‫احلَ ِّق الَّ ِذي فِ ِيه‬
‫يسى ابْن َم ْرَميَ قَ ْو َل ْ‬ ‫عند الوقف ال بالياء املمدودة الرخية‪ .‬على النحو التايل‪« :‬ذلِ َ ِ‬
‫كع َ‬
‫َّر َذ ِم ْن َولَ كد سْبحانَه إِذا قَضى أ َْمراً فَِإَّ ا يَقول لَه‪ :‬ك ْن فَيَكون ‪ ...‬إخل» ‪.‬‬
‫ميَْتَ رو َن‪ .‬ما كا َن لِلَّ ِه أَ ْن ي ت ِ‬
‫َ‬
‫حىت إذا انتهى التقرير والفصل وعاد السياق إىل القصص عادت القافية الرخية املديدة‪َ « :‬واذْك ْر‬
‫ت ِمل تَعبد ما ال يسمع وال ي ب ِ‬
‫ِ‬ ‫تاب إِبر ِاهيم إِنَّه كا َن ِصدِّيقاً نَبِيًّا‪ .‬إِ ْذ َ ِ ِ‬
‫ِيف الْ ِك ِ‬
‫صر َوال ي ْغ ِين‬ ‫ََْ َ ْ‬ ‫قال ألَبِيه‪ :‬يا أَبَ َ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫ك َشْيئاً‪ ..‬إخل» ‪.‬‬‫َعْن َ‬
‫حىت إذا جاء ذكر املكذبني وما ينتظرهم من عذاب وانتقام‪ ،‬تغري اإليقاع املوسيقي وجرس القافية‪:‬‬
‫ذاب َوإِ َّما‬ ‫الر ْان مدًّا‪ .‬ح َّىت إِذا رأَوا ما ي َ ِ‬ ‫ِ‬
‫وعدو َن إ َّما الْ َع َ‬ ‫َْ‬ ‫«ق ْل‪َ :‬م ْن كا َن ِيف الضَّاللَة فَ ْليَ ْمد ْد لَه َّ َ َ‬
‫َض َعف جْنداً‪ ..‬إخل» ‪.‬‬
‫اعةَ فَ َسيَ ْعلَمو َن َم ْن ه َو َشٌّر َمكاناً َوأ ْ‬
‫الس َ‬
‫َّ‬
‫الر ْان َولَداً‪ .‬لََق ْد ِجْئت ْم‬
‫ويف موضع االستنكار يشتد اجلرس والنغم بتشديد الدال‪َ « :‬وقالوا‪َّ :‬افَ َذ َّ‬
‫اجلِبال َهدًّا ‪ ...‬إخل» ‪.‬‬
‫السماوات يَتَ َفطَّْر َن ِمْنه َوتَْن َش ُّق ْاأل َْرض َوَِفُّر ْ‬
‫َشْيئاً إِ ًّدا‪ ،‬تَكاد َّ‬

‫‪24‬‬
‫وهكذا يسري اإليقاع املوسيقي يف السورة وفق املعا واجلو ويشارك يف إبقاء الظل الذي يتناسق مع‬
‫املعا يف ثنايا السورة‪ ،‬وفق انتقاالت السياق من جو إىل جو ومن معا إىل معا"(‪.)1‬‬
‫ويعلق على كلمة‪" :‬الصاخة" من سورة عبس فيقول‪«" :‬والصاخة لفظ ذو جرس عنيف نافذ‪،‬‬
‫يكاد خيرق صماخ األذن‪ ،‬وهو يشق اهلواء شقا‪ ،‬حىت يصل إىل األذن صاخا ملحا! «وهو ميهد هبذا‬
‫اجلرس العنيف للمشهد الذي يليه‪ :‬مشهد املرء يفر وينسلخ من ألصق الناس به‪« :‬يَ ْوَم يَِفُّر الْ َم ْرء ِم ْن‬
‫صاحبَتِ ِه َوبَنِ ِيه»"(‪.)2‬‬
‫أ َِخ ِيه وأ ِّم ِه وأَبِ ِيه‪ ،‬و ِ‬
‫َ َ َ‬
‫واحلق أن األستاذ سيد قطب قد أشبع هذا اللون من احلديث القرآين يف انتقائه لأللفاظ واحلروف‬
‫ومناسبة ذلك للسياق القرآين وأغراضه يف كتابه‪" :‬التصوير الفين يف القرآن"‪ ،‬وخباصة يف فصل "التناسق‬
‫الفين"‪ ،‬فقد بني ألوانا ودرجات من هذا التناسق تنبه هلا البعض‪ ،‬وبني ألوانا أخرى مل يتحدث عنها أحد‬
‫قبله‪ ،‬وذكر من ذلك‪ :‬التنسيق يف تأليف العبارات بترري األلفاظ مث نظمها يف نسق خاص‪ ،‬ومن ذلك‬
‫أيضا اإليقاع املوسيقي الناشئ من فري األلفاظ ونظمها يف نسق خاص‪ ،‬ومنها ذلك التسلسل املعنوي‬
‫بني "األغراض" يف سياق اآليات‪ ،‬والتناسب يف االنتقال من "غرض" إىل "غرض"(‪.)3‬‬
‫ونتوقف هنا مع األستاذ سيد يف حديثه عن اختيار القرآن لبعض األلفاظ ودالالهتا يف سياقها‬
‫ووفائها بالغرض املقصود من السورة الكرمية‪ ،‬يقول‪" :‬وقد يستقل لفظ واحد ‪-‬ال عبارة كاملة‪ -‬برسم‬
‫صورة شاخصة ‪ -‬ال مبجرد املساعدة على إكمال معامل صورة‪ .-‬وهذه خطوة أخرى يف تنسيق التصوير‪،‬‬
‫مفردا هو‬
‫أبعد من اخلطوة األوىل‪ ،‬وأقرب إىل قمة جديدة يف التناسق‪ .‬خطوة يزيد من قيمتها أن لفظًا ً‬
‫الذي يرسم الصورة‪ ،‬تارة جبرسه الذي يلقيه يف األذن‪ ،‬وتارة بظله الذي يلقبه يف اخليال‪ ،‬وتارة باجلرس‬
‫مجيعا‪.‬‬
‫والظل ً‬
‫يل لَكم انِْفروا ِيف َسبِ ِيل‬‫ِ ِ‬
‫ين َآمنوا َما لَك ْم إذَا ق َ‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ‬
‫تسمع اآلذن كلمة "اثاقلتم" يف قوله‪{ :‬يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫ض} فيتصور اخليال ذلك اجلسم املثاقل‪ ،‬يرفعه الرافعون يف جهد‪ ،‬فيسقط من أيديهم‬ ‫اللَّ ِه اثَّاقَ ْلت ْم إِ َىل ْاأل َْر ِ‬
‫يف ثقل‪ .‬إن يف هذه الكلمة "طنًّا" على األقل من األثقال! ولو أنك قلت‪ :‬تثاقلتم‪ ،‬خلف اجلرس‪ ،‬ولضاع‬
‫األثر املنشود‪ ،‬ولتوارت الصورة املطلوبة اليت رمسها هذا اللفظ‪ ،‬واستقل برمسها‪.‬‬

‫(‪ )1‬في ظالل القرآن‪.2901-2900 /0 :‬‬


‫(‪ )2‬في ظالل القرآن‪.9890 /1 :‬‬
‫(‪ )3‬التصوير الفني في القرآن‪ .89-81 :‬سيد قطب‪ .‬دار الشروق‪ .‬القاهرة‪ .‬الطبعة السابعة عشرة‪1021 .‬هـ‪.‬‬
‫‪2000‬م‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫{وإِ َّن ِمْنك ْم لَ َم ْن لَيبَطِّئَ َّن} فرتتسم صورة التبطئة يف جرس العبارة كلها ‪-‬ويف جرس‬
‫وتقرأ‪َ :‬‬
‫"ليبطئن" خاصة‪ .‬وإن اللسان ليكاد يتعثر‪ ،‬وهو يتربط هبا‪ ،‬حىت يصل ببطء إىل هنايتها!‬
‫ِ ِ ِِ‬ ‫كِ‬
‫وتتلو حكاية قول هود‪{ :‬أ ََرأَيْت ْم إِ ْن كْنت َعلَى بَيِّ نَة م ْن َرِّيب َوآتَ ِاين َر ْاَةً م ْن عْنده فَع ِّميَ ْ‬
‫ت َعلَْيك ْم‬
‫وها َوأَنْت ْم َهلَا َكا ِرهو َن} فتحسن أن كلمة "أنلزمكموها" تصور جو اإلكراه بإدماج كل هذه‬ ‫أَن ْل ِزمكم َ‬
‫الضمائر يف النطق‪ ،‬وشد بعضها إىل بعض‪ ،‬كما يدمج الكارهون مع ما يكرهون‪ ،‬ويشدون إليه وهم منه‬
‫نافرون! ‪ ..‬وهكذا يبدو لون من التناسق أعلى من البالغة الظاهرية‪ ،‬وأرفع من الفصاحة اللفظية‪ ،‬اللتني‬
‫حيسبهما بعض الباحثني يف القرآن ‪-‬قدميًا وحديثًا‪ -‬أعظم مزايا القرآن!‬
‫ضى َعلَْي ِه ْم فَيَموتوا َوَال‬ ‫وتسمع كلمة‪" :‬يصطرخون" يف اآلية‪ِ َّ :‬‬
‫َّم َال ي ْق َ‬ ‫ين َك َفروا َهل ْم نَار َج َهن َ‬
‫{والذ َ‬‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َخ ِر ْجنَا نَ ْع َم ْل َ‬
‫صاحلًا َغْي َر‬ ‫صطَ ِرخو َن ف َيها َربَّنَا أ ْ‬ ‫خيَفَّف َعْن ه ْم ِم ْن َع َذاهبَا َك َذل َ‬
‫ك َْجن ِزي ك َّل َكفوكر‪َ ،‬وه ْم يَ ْ‬
‫الَّ ِذي كنَّا نَ ْع َمل}‪ .‬فيريل إليك جرسها الغليظ‪ ،‬غلظ الصراخ املرتلط املتجاوب من كل مكان‪ ،‬املنبعث‬
‫من حناجر مكتظة باألصوات اخلشنة؛ كما تلقي إليك ظل اإلمهال هلذا االصطراخ الذي ال جيد من‬
‫يهتم به أو يلبيه‪ .‬وتلمح من وراء ذلك كله صورة ذلك العذاب الغليظ الذي هم فيه يصطرخون‪ ،‬وحني‬
‫يستقل لفظ واحد هبذه الصورة كلها يكون ذلك فنا من التناسق الرفيع‪.‬‬
‫{وَما‬ ‫ومثلها كلمة "عتل" يف متثيل الغليظ اجلايف املتنطع‪{ :‬عت ٍّل ب ع َد ذَلِ َ ِ‬
‫ك َزنيم} ‪ .‬فإذا مسعت‪َ :‬‬ ‫َْ‬
‫اب أَ ْن ي َع َّمَر} صورت لك كلمة "مبزحزحه" ‪-‬املقدمة يف التعبري على الفاعل‬ ‫هو ِمبز ْح ِزِح ِه ِمن الْع َذ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫إلبرازها‪ -‬صورة الزحزحة املعروفة كاملة متحركة‪ ،‬من وراء هذه اللفظة املفردة‪ ،‬وكذلك قوله‪{ :‬فَكْب ِكبوا‬
‫َمجَعو َن}‪ .‬فكلمة "فكبكبوا" حيدث جرسها صوت احلركة اليت تتم‬ ‫يس أ ْ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ف َيها ه ْم َوالْغَاوو َن‪َ ،‬وجنود إبْل َ‬
‫هبا"(‪.)1‬‬
‫وهكذا يتجلى اإلعجاز القرآين يف اختياره لأللفاظ والعبارات واحلروف اخلادمة للمعا واملتسقة‬
‫مع الغرض املقصود‪ ،‬وهو فن من التناسق رفيع‪ ،‬كما يقول صاحب التصوير والظالل‪.‬‬

‫مقاصد معرفة مقاصد الكلمات واألحرف القرآنية‪:‬‬


‫إن ملعرفة خصائص الكلمات ومقاصد اختيارها وكذلك احلروف يف اآليات القرآنية له مقاصد‬
‫مهمة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫(‪ )1‬التصوير الفني في القرآن‪.99-91 :‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ -2‬تذوق البالغة اآلسرة للقرآن الكرمي‪.‬‬
‫‪ -1‬زيادة اإلميان بأن هذا القرآن كالم اهلل وليس كالم بشر‪.‬‬
‫‪ -4‬إدراك التناسق املدهش بني احلروف والكلمات واآليات والسورة كلها‪ ،‬فال غرابة وال شذوذ‬
‫وال تننافر بني األلفاظ واحلروف املنتقاة من جهة‪ ،‬وبني أغراض السياق ومقاصد السورة من جهة أخرى‪.‬‬
‫‪ -4‬تعظيم قدر القرآن يف قلب املؤمن وتوثيق العالقة به ومضاعفة حبه‪.‬‬
‫‪ -2‬الوقوف على أمهية دراسة اللغة العربية مبستوياهتا املرتلفة من أصوات وحنو وصرف وبالغة‬
‫وأسلوب ودالالت يف تذوق القرآن وتدبره وحتقيق السعادة به‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مسالك الكشف عن مقاصد القرآن الكريم‪:‬‬
‫كيف نكتشف مقاصد القرآن الكرمي؟ هل كل ما يقال عنه مقصد قرآين يتم اعتماده والعمل به‬
‫وتفعيله والبناء عليه؟ أم أن هناك طرقًا ومسالك للكشف عن مقاصد القرآن الكرمي؟‬
‫من املعلوم أن ملقاصد الشريعة مسالك للكشف عنها‪ ،‬وكذلك مقاصد املكلفني هلا مسالكها‪،‬‬
‫كما أن العلة األصولية هلا مسالكها املوجودة يف مدونات أصول الفقه‪ ،‬فكيف ال يكون للقرآن الكرمي –‬
‫وهو كتاب الكتب‪ ،‬ودليل األدلة‪ ،‬وعمدة امللة – مسالك للكشف عن مقاصده وغاياته؟!‬
‫إن البحث يف مسالك الكشف عن مقاصد القرآن هو مبحث ضابط السترراج املقاصد القرآنية‬
‫وحتصيلها‪ ،‬وهو يسلِّم إىل العمل الصحيح والتفعيل السليم هلا‪ ،‬فهي خطوة أساسية إذا صحت صح ما‬
‫بعدها‪ ،‬وإذا كانت خطأ اضطرب املفسر املقاصدي وأساء من حيث أراد اإلحسان ‪ ..‬ومن هنا نريد أن‬
‫حنمي مبحث مقاصد القرآن من اللعب به‪ ،‬أو أن يكون مدخال هلدم النصوص القرآنية بدعوى املقاصد‬
‫كما يفعل بعض أدعياء مقاصد الشريعة يف هذا العصر‪.‬‬
‫واملسالك اليت نراها سبيال للكشف عن مقاصد القرآن الكرمي أربعة‪ ،‬هي‪ :‬النص القرآين على‬
‫املقصد‪ ،‬واالستقراء‪ ،‬واالستنباط‪ ،‬وجتارب علماء القرآن وجهودهم يف هذا الباب‪.‬‬

‫أوال‪ :‬النص القرآني على المقصد‪:‬‬


‫ال يفصح أحد عن أغراض كالمه كما يفصح هو‪ ،‬فاإلنسان هو املصدر األول لبيان مقصوده من‬
‫كالمه‪ ،‬واهلل ‪ -‬تعاىل شأنه‪ ،‬وله املثل األعلى – هو الذي أخرب يف القرآن الكرمي عن مقاصد القرآن‬
‫الكرمي‪.‬‬
‫ففي املقاصد العامة اليت أوردناها من قبل عن أستاذنا الريسوين من اهلداية والراة والسعادة وتقومي‬
‫الفكر وغريه‪ ،‬كل هذا أخرب عنه القرآن الكرمي بوضوح‪ ،‬ونص عليه يف آياته الكرمية‪.‬‬
‫ففي مقصد توحيد اهلل وعبادته يقول اهلل تعاىل يف القرآن الكرمي‪:‬‬
‫ت ِم ْن لَد ْن َح ِكي كم َخبِ كري (‪ )2‬أََّال تَ ْعبدوا إَِّال اللَّهَ إِن َِّين لَك ْم‬ ‫صلَ ْ‬‫ت آيَاته مثَّ ف ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪" -‬الر كتَاب أ ْحك َم ْ‬
‫ت ك َّل‬‫ِمْنه نَ ِذير وب ِشري (‪ )1‬وأ َِن است ْغ ِفروا ربَّكم مثَّ توبوا إِلَي ِه ميَتِّعكم متاعا حسنًا إِ َىل أَج كل مس ًّمى وي ؤ ِ‬
‫َ َ َْ‬ ‫ْ ْ ْ ََ ً َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫ََ‬
‫اب‬ ‫احل ِكي ِم (‪ )2‬إِنَّا أَنْزلْنَا إِلَي َ ِ‬
‫ك الْكتَ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ضلَه"‪ .‬هود‪ .‬ويقول تعاىل‪" :‬تَْن ِزيل الْكتَاب م َن اللَّه الْ َع ِزي ِز َْ‬ ‫ِذي فَ ْ‬
‫ض كل فَ ْ‬
‫اخلَالِص‪ ."..‬الزمر‪.‬‬ ‫ِّين (‪ )1‬أََال لِلَّ ِه الدِّين ْ‬
‫صا لَه الد َ‬
‫ِ‬ ‫احل ِّق فَ ِ‬
‫بِ َْ ْ‬
‫اعبد اللَّهَ خمْل ً‬

‫‪28‬‬
‫ويف مقصد اهلداية الدينية والدنيوية للعباد يقول جل شأنه‪:‬‬
‫ضا َن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ك الْ ِكتَاب َال ري ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني (‪ . ")1‬البقرة‪ .‬ويقول سبحانه‪َ " :‬ش ْهر َرَم َ‬ ‫ب فيه ه ًدى ل ْلمتَّق َ‬ ‫َْ َ‬ ‫"امل (‪َ )2‬ذل َ‬
‫ان"‪ .‬البقرة‪ .222 :‬ويقول‪" :‬ق ْلنَا ْاهبِطوا‬ ‫ات ِمن ا ْهل َدى والْفرقَ ِ‬ ‫َّاس وب يِّ نَ ك‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫الَّذي أنْ ِزَل فيه الْق ْرآن ه ًدى للن ِ َ َ‬
‫اي فَ َال َخ ْوف َعلَْي ِه ْم َوَال ه ْم َْحيَزنو َن (‪ .")42‬البقرة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫مْن َها َمج ًيعا فَإ َّما يَأْتيَ نَّك ْم م ِّين ه ًدى فَ َم ْن تَب َع ه َد َ‬
‫ِ‬ ‫اب بِ ْ‬ ‫احلي الْ َقيُّوم (‪ )1‬نََّزَل علَي َ ِ‬
‫ني‬
‫ص ِّدقًا ل َما بَ ْ َ‬
‫احلَ ِّق م َ‬ ‫ك الْكتَ َ‬ ‫َْ‬ ‫ويقول عز شأنه‪" :‬امل (‪ )2‬اللَّه َال إِلَهَ إَِّال ه َو َْ ُّ‬
‫َّاس َوأَنْ َزَل الْف ْرقَا َن"‪ .‬آل عمران‪ .‬ويقول سبحانه‪" :‬قَ ْد‬ ‫اإل ِْجنيل (‪ِ )4‬م ْن قَ ْبل ه ًدى لِلن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يَ َديْه َوأَنْ َزَل الت َّْوَراةَ َو ْ َ‬
‫الس َالِم َوخيْ ِرجه ْم ِم َن‬ ‫ِ‬
‫ض َوانَه سب َل َّ‬ ‫َجاءَك ْم ِم َن اللَّ ِه نور َوكِتَاب مبِني (‪ )22‬يَ ْهدي بِِه اللَّه َم ِن اتَّبَ َع ِر ْ‬
‫اط م ْستَ ِقي كم (‪ .")21‬املائدة‪ .‬ويقول تبارك امسه‪" :‬إِ َّن َه َذا‬ ‫ات إِ َىل النُّوِر بِِإ ْذنِِه وي ه ِدي ِهم إِ َىل ِصر ك‬
‫َ‬ ‫ََْ ْ‬
‫الظُّلم ِ‬
‫َ‬
‫َجًرا َكبِ ًريا (‪ .")2‬اإلسراء‪.‬‬ ‫احل ِ‬
‫ات أ َّ‬ ‫الْقرآ َن ي ه ِدي لِلَِّيت ِهي أَقْ وم وي بشِّر الْمؤِمنِني الَّ ِذين ي عملو َن َّ ِ‬
‫َن َهل ْم أ ْ‬ ‫الص َ‬ ‫ْ َ َ َْ َ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫ْ َْ‬
‫ويف مقصد التزكية وتعليم احلكمة يقول اهلل تعاىل‪:‬‬
‫ك وي علِّمهم الْ ِكتَاب و ِْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫"ربَّنا واب ع ْ ِ‬
‫ت‬ ‫ْم َة َوي َزِّكي ِه ْم إِن َ‬
‫َّك أَنْ َ‬ ‫احلك َ‬ ‫َ َ‬ ‫ث في ِه ْم َرس ًوال مْن ه ْم يَْت لو َعلَْي ِه ْم آيَات َ َ َ‬ ‫َ َ َ َْ‬
‫احلَ ِكيم (‪ . ")212‬البقرة‪ .‬ويقول‪َ " :‬ك َما أ َْر َس ْلنَا فِيك ْم َرس ًوال ِمْنك ْم يَْت لو َعلَْيك ْم آيَاتِنَا َوي َزِّكيك ْم‬ ‫الْ َع ِزيز ْ‬
‫ْمةَ َوي َعلِّمك ْم َما َملْ تَكونوا تَ ْعلَمو َن (‪ .")222‬البقرة‪ .‬ويقول عز وجل‪" :‬لََق ْد َم َّن‬ ‫وي علِّمكم الْ ِكتَاب و ِْ‬
‫احلك َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اللَّه علَى الْمؤِمنِني إِ ْذ ب ع ِ‬
‫اب‬‫ث في ِه ْم َرس ًوال م ْن أَنْفس ِه ْم يَْت لو َعلَْي ِه ْم آيَاته َوي َزِّكي ِه ْم َوي َعلِّمهم الْكتَ َ‬ ‫ْ َ ََ َ‬ ‫َ‬
‫ض َال كل مبِ ك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫و ِْ‬
‫ني (‪ .")214‬آل عمران‪.‬‬ ‫ْمةَ َوإِ ْن َكانوا م ْن قَ ْبل لَفي َ‬
‫احلك َ‬ ‫َ‬
‫ويف مقصد الراة والسعادة يقول جل شأنه‪:‬‬
‫آن َما ه َو ِش َفاء َوَر ْاَة‬ ‫اك إَِّال ر ْاةً لِْلعالَ ِمني (‪ .")222‬األنبياء‪ .‬ويقول‪" :‬ون نَ ِّزل ِمن الْقر ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫" َوَما أ َْر َس ْلنَ َ َ َ َ َ‬
‫ني إَِّال َخ َس ًارا (‪ .")21‬اإلسراء‪ .‬ويقول سبحانه‪" :‬طه (‪َ )2‬ما أَنْ َزلْنَا َعلَْي َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ك‬ ‫ني َوَال يَِزيد الظَّالم َ‬
‫ل ْلم ْؤمن َ‬
‫استَ ِجيبوا لِلَّ ِه‬
‫ين َآمنوا ْ‬
‫َّ ِ‬ ‫َِّ ِ ِ‬
‫الْق ْرآ َن لتَ ْش َقى (‪ )1‬إال تَ ْذكَرةً ل َم ْن َخيْ َشى (‪ .")4‬طه‪ .‬ويقول عز شأنه‪" :‬يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫ِ‬
‫ني الْ َم ْرِء َوقَ ْلبِ ِه َوأَنَّه إِلَْي ِه ْحت َشرو َن (‪.")14‬‬ ‫ولِ َّلرس ِ‬
‫ول إِذَا َد َعاك ْم لِ َما ْحييِيك ْم َو ْاعلَموا أ َّ‬
‫َن اللَّهَ َحيول بَ ْ َ‬ ‫َ‬
‫األنفال‪.‬‬
‫وهذه اآليات يف كل مقصد على سبيل التمثيل فقط وليست على سبيل احلصر‪ ،‬وهناك آيات‬
‫أخرى تنص على كل مقصد من املقاصد السابقة‪ ،‬وهناك مقاصد أخرى عامة للقرآن الكرمي حتدث عنها‬
‫القرآن بنفسه ونص عليها ‪ ،‬مثل‪ :‬مقصد إقامة احلق والعدل‪ ،‬ومقصد إخراج الناس من الظلمات إىل‬
‫مباشرا‪.‬‬
‫اضحا ً‬‫النور‪ ،‬وغري ذلك من مقاصد حتدث القرآن عنها حديثًا و ً‬

‫‪29‬‬
‫ويعترب هذا املسلك هو أول املسالك اليت جيب أن يعتمد يف الكشف عن مقاصد القرآن الكرمي‬
‫العامة‪ ،‬وكذلك املقاصد اخلاصة اليت تتحدث عن االت أو موضوعات‪ ،‬فقد ينص القرآن الكرمي يف‬
‫ثنايا حديثه عن موضوع يف طول القرآن وعرضه أو ال من اجملاالت على مقصده أو مقاصده‪ ،‬كما‬
‫أوردنا عن الزواج سابقا‪ ،‬فهنا يقطع القرآن الكرمي بأن املقاصد يف هذا اجملال أو هذا املوضوع ما ذكره هو‬
‫وقرره هو‪ ،‬ومن مث يكون هذا املسلك هو أقوى املسالك وأوالها؛ إذا القرآن نفسه هو الذي يتحدث عن‬
‫مقاصده‪ ،‬وهذا يقطع الطريق على ظنية املقاصد أو احتماليتها‪ ،‬ويقرر ثبات املقصد وظهوره ووضوحه‬
‫بيقني‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬االستقراء‪:‬‬
‫االستقراء ‪ -‬كما هو معلوم ‪ -‬تتبع اجلزئيات السترراج حكم كلي أو قاعدة عامة‪ ،‬وقد عرفه أبو‬
‫حامد الغزايل باصطالح املنطق فقال‪" :‬هو أن تتصفح جزئيات كثرية داخلة حتت معا كلي‪ ،‬حىت إذا‬
‫وجدت حكما يف تلك اجلزئيات حكمت على ذلك الكلي به"(‪ .)1‬ووصفه العالمة الطاهر ابن عاشور‬
‫بأنه أعظم الطرق‪ ،‬وهو على نوعني‪ :‬األول ووصفه بأنه أعظمها وهو استقراء علل كثرية متماثلة تفضي‬
‫إىل حكمة متحدة جنزم بأهنا مقصد شرعي‪ ،‬الثاين‪ :‬استقراء أدلة أحكام اشرتكت يف علة حبيث حيصل لنا‬
‫اليقني بأن تلك العلة مقصد مراد للشارع(‪ ،)2‬وينقسم إىل استقراء تام‪ ،‬واستقراء ناقص ‪ ..‬وهو مسلك‬
‫من مسالك الكشف عن مقاصد الشريعة ومقاصد القرآن الكرمي‪ ،‬وأحسب أن أي مقاصد عامة وخاصة‬
‫ألي علم من العلوم حتتاج إىل االستقراء مسلكا للكشف عنها‪.‬‬
‫االستقراء مسلكا للكشف عن المقاصد العامة‪:‬‬
‫ويف باب املقاصد القرآنية فإن االستقراء يكون مسل ًكا للكشف عن أنواع املقاصد مجيعا عدا‬
‫النوعني األخريين ومها‪ :‬املقاصد التفصيلية لآليات القرآنية‪ ،‬ومقاصد الكلمات واحلروف؛ إذ يقوم على‬
‫االستنباط من خالل األلفاظ ودالالهتا‪ ،‬واستعماالت العرب هلا‪.‬‬

‫(‪)1‬معيار العلم في فن المنطق‪ .108 :‬ألبي حامد الغزالي‪ .‬شرحه أحمد شمس الدين‪ .‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫بيروت‪ .‬لبنان‪ .‬الطبعة الثانية‪2019 .‬م‪.‬‬

‫(‪ )2‬مقاصد الشريعة‪ .18-11 :‬طبعة دار السالم‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫وهو ما يذكرنا مبسالك الكشف عن مقاصد الشريعة يف املقاصد العامة واملقاصد اخلاصة؛ إذ‬
‫سبيلهما االستقراء‪ ،‬يف حني أن املقاصد اجلزئية سبيل الكشف عنها قائم على االستنباط يف مله(‪.)1‬‬
‫فاملقاصد العامة للقرآن الكرمي اليت أسلفنا ذكرها يف أول نوع من أنواع مقاصد القرآن سبيلها‬
‫ومقاصده‪ ،‬ليس يف آية‬
‫َ‬ ‫استقراء آيات القرآن الكرمي نفسه‪ ،‬فالقرآن حتدث عن نفسه‪ ،‬وبني بنفسه غاياتِه‬
‫واحدة‪ ،‬وإ ا يف عدد من اآليات؛ إذ القرآن الكرمي مقاصده متعددة ومتنوعة ال حتصرها آية واحدة‪ ،‬وال‬
‫نستطيع أن نقف على مقاصد القرآن مجيعا إال عرب استقراء تام آلياته مجيعا بشكل دقيق ووفق منهج‬
‫وخطة مدروسة حبيث ال يند عنه شيء‪.‬‬
‫واالستقراء مبا هو مسلك للمقاصد العامة للقرآن يكون على طريقتني‪ :‬طريقة الستقراء هذه‬
‫املقاصد من القرآن الكرمي‪ ،‬وحصرها‪ ،‬وتصنيفها ‪ ..‬وطريقة الستقراء ما يتصل بكل مقصد من اآليات‬
‫القرآنية يف القرآن كله‪ ،‬وقد تكون الطريقة الثانية من التفسري املوضوعي‪ ،‬فلو افذنا مثاال لذلك "وحدانية‬
‫مقصدا عاما من مقاصد القرآن‪ ،‬وتوخينا البحث عنه يف القرآن الكرمي كله‪،‬‬
‫ً‬ ‫اهلل وإفراده بالعبودية"‬
‫لظهرت لنا رؤية القرآن الكرمي هلذا املقصد‪ ،‬من حيث ماهيته‪ ،‬وطبيعته‪ ،‬وأنواعه‪ ،‬وطرقه‪ ،‬وقواعده‪،‬‬
‫وموانعه‪ ،‬وفوائده ‪...‬اخل‪.‬‬
‫االستقراء مسلكا للكشف عن المقاصد الخاصة‪:‬‬
‫واملقاصد اخلاصة كذلك‪ ،‬سواء أردنا هبا مقاصد اجملاالت والدوائر‪ ،‬أم مقاصد املوضوعات يف‬
‫القرآن كله أو سورة من سوره ‪ ..‬فسبيل الكشف عن املقاصد القرآنية هنا هو مجع اآليات الواردة يف‬
‫اجملال أو املوضوع‪ ،‬وتصنيفها‪ ،‬ومتييز املكي عن املدين ملالحظة املرحلة أو كيفية حتقيق هذا املقصد أو‬
‫طريقة بنائه‪ ،‬ومن هنا نستطيع أن نكتشف املقصد أو املقاصد من ال أو موضوع‪.‬‬
‫وما سقناه يف املقاصد اخلاصة عند اجملاالت من مثال بالزواج يوضح هذا األمر‪ ،‬وهكذا يف كل‬
‫موضوع أو ال‪.‬‬
‫االستقراء مسلكا للكشف عن مقاصد السور‪:‬‬

‫بعض الباحثني املعاصرين يف التفسري جعل مقاصد السور علما مستقال(‪ )1‬له أمهيته‪ ،‬وأدلته‪،‬‬
‫وتأصيله‪ ،‬وأمهيته يف التفسري‪ ،‬وطرق الكشف عنه‪.‬‬

‫(‪ )1‬راجع كتابنا‪ :‬المقاصد الجزئية ضوابطها حجيتها وظائفها أثرها في االستدالل الفقهي‪ .918-900 :‬دار‬
‫المقاصد‪ .‬القاهرة‪ .‬الطبعة األولى‪1091 .‬هـ‪2011/‬م‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ومن أهم الطرق اليت يكشف هبا عن مقصد السورة هو االستقراء؛ حيث يستقرئ املفسر‬
‫موضوعات السورة‪ ،‬وجزئياهتا‪ ،‬وجيتهد يف الوصول إىل هدف عام أو مقصد واضح تتناوله كل هذه‬
‫اجلزئيات‪ ،‬وهو عمل حيتاج مزيدا من التدبر والتأمل‪ ،‬واجلهد املبذول‪ ،‬والعيش اخلاص مع القرآن‪ :‬تالوة‬
‫وتدبرا وعمال وحبا ودميومة‪ ،‬ومن قبل ومن بعد توفيق اهلل تعاىل‪.‬‬
‫ومن الطرق املهمة للكشف عن مقاصد السور التأمل يف اسم السورة‪ ،‬و أن يكون موضوع‬
‫السورة ظاهراً من مطلعها وفواحتها‪ ،‬فيظهر للمفسر أن السورة مبنية على أوهلا‪ ،‬وفواحتها مؤثرة يف‬
‫{ال أقْ ِسم بِيَ ْوِم الْ ِقيَ َام ِة} [القيامة‪،]2:‬‬
‫موضوعها ومقصودها؛ مثال ذلك‪( :‬سورة القيامة)‪ ،‬فإن مطلعها‪َ :‬‬
‫مث إن كل ما فيها هو ذكر ألحوال يوم القيامة وما يسبقه من املوت‪ ،‬ووسائل اإلميان بيوم القيامة‪.‬‬
‫ويف هذا املسلك امل هم من مسالك الكشف عن مقاصد السور يقول البقاعي يف كتابه (نظم‬
‫الدرر يف تناسب اآليات والسور)‪" :‬وقد ظهر يل باستعمايل هلذه القاعدة بعد وصويل إىل سورة سبأ يف‬
‫رتجم عن مقصودها ألن اسم كل‬ ‫السنة العاشرة من ابتدائي يف عمل هذا الكتاب أن اسم كل سورة م ِ‬

‫مسماه عنوانه الدال إمجاالً على تفصيل ما فيه"‪.)2(.‬‬


‫شيء تظهر املناسبة بينه وبني َّ‬
‫وقد أورد د‪ .‬حممد الربيعة عددا من األمور بلغت ثالثة عشر مسلكا حيتاج إليها ويعتمد عليها يف‬
‫ا لوصول إىل مقصد السورة‪ ،‬هي‪ :‬الفهم الصحيح للمقصد وحده وضابطه‪ ،‬وتدبر كالم اهلل بإدامة النظر‬
‫ودقة التأمل فيه‪ ،‬وإخالص النية يف طلب فهم كالم اهلل تعاىل‪ ،‬والدعاء الصادق‪ ،‬ومعرفة مقدمات السورة‬
‫من أحوال نزوهلا وفضائلها وخصائصها‪ ،‬ومعرفة مقاصد القرآن العامة واالنطالق منها يف حتديد مقصد‬
‫كل سورة‪ ،‬والنظر يف اسم السورة وما ورد من أمسائها وإمعان النظر يف الرابط بينها‪ ،‬واالطالع على‬
‫اآلثار الواردة عن السلف يف بيان ما أنزلت فيه السورة وما يكون منطلقا لتحديد مقصدها‪ ،‬والنظر يف‬
‫افتتاحية السورة وخامتتها والتأمل يف الرابط بينها‪ ،‬والنظرة الكلية للسورة ومراعاة سياقها العام واملناسبات‬
‫والروابط فيها‪ ،‬وإمعان النظر يف دالالت الكلمات واأللفاظ وسر اختيارها وما يتكرر يف السورة من‬

‫(‪ )1‬م ن هؤالء الدكتور محمد الربيعة‪ ،‬األستاذ المساعد بقسم القرآن وعلومه‪ ،‬كلية الشريعة والدراسات‬
‫قيما بعنوان‪" :‬علم مقاصد السور"‪ ،‬تحدث فيه عن أهميته ومنزلته‬
‫اإلسالمية بجامعة القصيم‪ ،‬الذي نشر بحثًا ً‬
‫في التفسير‪ ،‬وتأصيله وأدلته‪ ،‬وعناية العلماء بمقاصد السور‪ ،‬وطرق الكشف عن مقاصد السور‪.‬‬

‫(‪ )2‬نظم الدرر في تناسب اآليات والسور‪ .12-11/1 :‬برهان الدين البقاعي‪ .‬تحقيق ‪ :‬عبد الرزاق غالب‬
‫المهدي‪ .‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت – ‪1011‬هـ‪1991 .‬م‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫األلفاظ واألحرف‪ ،‬واملعايشة الروحية احلية للسورة‪ ،‬واملدارسة واملباحثة بني شرصني أو أكثر يف بيت من‬
‫بيوت اهلل تعاىل‪ ،‬واالستعانة ببعض الكتب والتفاسري اليت تعتين مبقاصد السور(‪.)1‬‬
‫وكما يبدو أن هذه األمور كلها ال تصلح أن تتمحض للمسلكية أو الطرقية يف الكشف عن‬
‫املقاصد‪ ،‬وإ ا يصلح للكشف عن مقاصد السور وغريه‪ ،‬وقد ال يصلح مسل ًكا‪ ،‬فبعضها يرجع إىل ك‬
‫معان‬
‫تربوية يف التعامل مع القرآن‪ ،‬مثل املعايشة الروحية‪ ،‬واملدارسة مع صديق‪ ،‬وإخالص النية والدعاء‬
‫الصادق‪ ،‬وبعضها شروط وضوابط لصحة مقصد السورة وسالمته‪ ،‬مثل‪ :‬الفهم الصحيح للمقصد وحده‬
‫وضابطه‪ ،‬واالنطالق من املقاصد العامة للقرآن‪ ،‬واألمر حيتاج لتحرير وحتقيق ومتحيص رغم اجلهد املتميز‬
‫املبذول يف هذا البحث‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬االستنباط‪:‬‬

‫مسلك االستنباط ليس مبعزل عن االس تقراء‪ ،‬فبع د مت ام االس تقراء ال يق ف املفس ر أو الفقي ه عن ده‪،‬‬
‫أو يكتفي به‪ ،‬وإ ا ينظر فيما مجعه واستقرأه نظ ر املس تنبط املت دبر املتأم ل‪ ،‬س واء أك ان ذل ك م ع املس توى‬
‫أو النوع األول وهو املقاصد القرآنية العامة‪ ،‬أم املقاصد القرآنية اخلاصة؛ فضال عن النوع األخ ري م ن أن واع‬
‫مقاصد القرآن‪ ،‬وهو املقاصد التفصيلية لآليات القرآنية‪ ،‬فهو قائم بالدرجة األوىل على االس تنباط مبنهج ه‬
‫وفهما‪.‬‬
‫وقواعده املقررة‪ ،‬من خالل النظر يف األلفاظ ودالالهتا وما وضعت له استعماال ً‬

‫وبعد النظر يف اجملموع من اآلي ات املس تقراة يتب ني للن اظر أو املس تنبط م ن خ الل عملي ة االس تنباط‬
‫أمور مل تكن لتبدو له دون مجع اآليات ودون نظر شرعي سديد فيها ‪ -‬وخباصة إذا اس تقرأ م ا يف اآلي ات‬
‫توضيحا ملبهم أو رواية أخرى فيها زيادة توض ح املقص ود م ن احلك م‪ ،‬أو رواي ة‬
‫ً‬ ‫من قراءات ‪ -‬فإن يف ذلك‬
‫أخ رى فص ص ع ام األوىل أو تقي د مطلقه ا‪ ،‬وحن و ذل ك؛ فه ذا مس لك ض روري يف التعام ل م ع الق رآن‬
‫الكرمي والسنة النبوية على السواء‪.‬‬

‫يق ول اإلم ام اب ن ح زم‪« :‬وال جي وز ألح د أن يأخ ذ ب بعض ال نص ال وارد دون بع ض‪ ...‬ف ال جي وز أن‬
‫يفص ل ش يء م ن ذل ك يف احلك م ع ن بيان ه‪ ،‬كم ا ال حي ل ألح د أن يأخ ذ القائ ل ال إل ه إال اهلل يف بع ض كالم ه‬

‫(‪ )1‬علم مقاصد السور‪ .18-01 :‬د‪ .‬محمد الربيعة‪ .‬الطبعة األولى‪1029 .‬هـ‪2011 .‬م‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫دون بعض؛ فيقضي عليه بقوله ال إله بالكفر لكن نض م كالم ه كل ه بعض ه إىل بع ض فنأخ ذه بكالم ه‪ ،‬وك ذلك‬
‫تثا بعض ه‬
‫موما بعض ه إىل بع ض‪ ،‬ومس ً‬
‫إذا نزلت اآلية اجململة أتى بعقبها األحاديث املفسرات‪ ،‬فكان ذل ك مض ً‬
‫من بعض‪ ،‬ومعطوفًا بعضه على بعض»(‪.)1‬‬

‫وقد صرح العالمة اب ن الق يم ب أن ه ذا ب اب عجي ب م ن فه م الق رآن ال يتنب ه ل ه إال الن ادر م ن أه ل‬
‫العل م؛ ف إن ال ذهن ق د ال يش عر بارتب اط ه ذا هب ذا وتعلق ه ب ه(‪ ،)2‬وع د اإلم ام الش اطيب ذل ك م ن مس لك‬
‫بديعا بأهنا كاإلنسان الص حيح الس وي؛ فكم ا أن اإلنس ان ال‬
‫تصويرا ً‬
‫ً‬ ‫األئمة الراسرني(‪ ،)3‬ويصور الشريعة‬
‫يك ون إنس انًا ح ىت يس تنطق فينط ق ال بالي د وح دها‪ ،‬وال بالرج ل وح دها‪ ،‬وال ب الرأس وح ده‪ ،‬وال باللس ان‬
‫وحده‪ ،‬بل جبملته ال يت مس ي هب ا إنس انًا‪ ،‬ك ذلك الش ريعة ال يطل ب منه ا احلك م عل ى حقيق ة االس تنباط إال‬
‫جبملته ا‪ ،‬ال م ن دلي ل منه ا أي دلي ل ك ان‪ ،‬وإن ظه ر لب ادي ال رأي نط ق ذل ك ال دليل‪ ،‬فإ ا ه و ت ومهي ال‬
‫حقيقي‪ ،‬كالي د إذا اس تنطقت فإ ا تنط ق تومه ا ال حقيق ة‪ ،‬م ن حي ث علم ت أهن ا ي د إنس ان ال م ن حي ث‬
‫هي إنس ان؛ ألن ه حم ال‪ ،‬فش أن الراس رني تص ور الش ريعة ص ورة واح دة خي دم بعض ها كأعض اء اإلنس ان إذا‬
‫صورت صورة مثمرة‪ ،‬وشأن متبعي املتشاهبات أخذ دلي ل م ا أيًّا ك ان عف ًوا وأخ ًذا أوليًّا‪ ،‬وإن ك ان َمثَّ م ا‬
‫يعارضه من كلي أو جزئي(‪.)4‬‬

‫ابعا‪ :‬تجارب علماء القرآن وجلودهم‪:‬‬


‫رً‬
‫وما‪ ،‬أو يف ق وة‬
‫ه ذا مس لك مه م م ن مس الك الكش ف ع ن مقاص د الق رآن‪ ،‬وإن مل يك ن معص ً‬
‫املسالك السابقة‪ ،‬لكن له اعتباره مب ا هل ؤالء العلم اء م ن خ ربة وعل م وجترب ة "فالعلم اء ال ذين أفن وا أعم ارهم‬

‫(‪ )1‬اإلحكام في أصول األحكام‪ .910-919/9 :‬علي بن أحمد بن حزم األندلسي أبو محمد‪ .‬دار الحديث‪.‬‬
‫القاهرة‪ .‬الطبعة األولى‪1000 .‬هـ‪.‬‬

‫(‪ )2‬إعالم الموقعين‪.011/1 :‬‬


‫(‪ )3‬االعتصام‪ .11-10/2 :‬ألبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي‪ .‬ضبط نصه وقدم له وعلق عليه وخرج‬
‫أحاديثه مشهور بن حسن آل سلمان‪ .‬مكتبة التوحيد‪ .‬د‪ .‬ط‪ .‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬السابق‪.12-11/2 :‬‬

‫‪34‬‬
‫يف ت دبر ك الم اهلل وك الم رس وله‪ ،‬ويف تقلي ب النظ ر يف أحك ام الش رع وهدي ه ‪ -‬وخاص ة م نهم املفس رين ‪-‬‬
‫هل م كام ل األهلي ة والص الحية ليرربون ا مب ا اس تقرأوه وم ا حص لوه م ن مقاص د الكت اب العزي ز‪ .‬وهل م كام ل‬
‫احلق علينا أن ننصت إليهم ونأخذ عنهم"(‪.)1‬‬

‫وما أحسن ما عرب به العز بن عبد السالم عن هذا املعا حني ق ال‪« :‬وم ن تتب ع مقاص د الش رع يف‬
‫جل ب املص احل ودرء املفاس د حص ل ل ه م ن م وع ذل ك اعتق اد أو عرف ان ب أن ه ذه املص لحة ال جي وز‬
‫إمهاهل ا‪ ،‬وأن ه ذه املفس دة ال جي وز قرباهن ا‪ ،‬وإن مل يك ن فيه ا إمج اع وال ن ص وال قي اس خ اص‪ ،‬ف إن فه م‬
‫نفس الشرع يوجب ذلك‪ ،‬ومثل ذلك أن من عاشر إنسانا من الفضالء احلكم اء العق الء‪ ،‬وفه م م ا ي ْؤثره‬
‫ك‬
‫ويكرهه يف كل ِوْرد َ‬
‫وص ْدر مث سنحت ل ه مص لحة أو مفس دة مل يع رف قول ه فيه ا‪ ،‬فإن ه يع رف مبجم وع م ا‬
‫عهده من طريقته وألفه من عادته أنه ي ْؤثر تلك املصلحة‪ ،‬ويكره تلك املفسدة»(‪.)2‬‬

‫فم ن ع ايش الق رآن الك رمي‪ ،‬وعم ل ب ه‪ ،‬ودع ا إلي ه‪ ،‬وجاه د يف س بيله‪ ،‬ال ش ك يك ون ل ه م ن معرف ة‬
‫القرآن واستبطان معاني ه واس تنباط أغراض ه م ا ال يك ون لغ ريه‪ ،‬وتتك ّون لدي ه ملك ة عام ة كلي ة مت ّكن ه وتت يح‬
‫له من اإلمكانات واألفق ما يستطيع أن حيدد ب ه أن الق رآن الك رمي يرم ي إىل ك ذا‪ ،‬أو يقص د م ن ه ذا ك ذا‬
‫وك ذا‪ ،‬أو أن نظ رة الق رآن هل ذا املوض وع هت دف إىل غاي ات ومقاص د ك ذا وك ذا ‪ ..‬وه ي ملك ة تتك ون لدي ه‬
‫م ن ط ول عش رته للق رآن وتعامل ه مع ه وت دبره ل ه‪ ،‬كم ا يتك ون ل دى الفقي ه واجملته د ملك ة االس تنباط م ن‬
‫ط ول معايش ته للش ريعة بقواع دها وض وابطها‪ ،‬مبص ادرها وموارده ا‪ ،‬بأص وهلا وفقهه ا‪ ،‬باتف اق فقهائه ا‬
‫واختالفهم‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬

‫وق د أش رنا يف احل ديث ع ن املقاص د العام ة للق رآن الك رمي إىل ع دد مم ن اهتم وا هب ا وقض وا أعم ارهم‬
‫م ع الق رآن ويف خدمت ه وحت ت رايت ه‪ ،‬أورد كث ريا م نهم األس تاذ الريس وين يف كتاب ه "مقاص د املقاص د"‪ ،‬وأورد‬
‫الدكتور مسعود بودوخة عددا كبريا منهم يف حبثه‪" :‬جهود العلماء يف استنباط مقاصد القرآن الكرمي"‪.‬‬

‫(‪ )1‬مقاصد المقاصد‪.22 :‬‬


‫(‪ )2‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ .110/2 :‬تحقيق‪ :‬محمود بن التالميذ الشنقيطي‪ .‬دار المعارف‪.‬‬
‫بيروت‪ .‬لبنان‪ .‬بدون تاريخ‪ .‬أو ‪ .921/2‬طبعة مؤسسة الريان‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬مقومات المفسر المقاصدي‪:‬‬
‫ذك ر علم اء التفس ري ش روطًا وآدابًا للمفس ر يف مص نفات عل وم الق رآن ال ميكن ه أن يتص دى ملهم ة‬
‫تفسري الق رآن إال إذا حتق ق هب ذه الش روط وتل ك اآلداب‪ ،‬ولك ي يتأه ل املفس ر للنظ ر املقاص دي يف الق رآن‬
‫ددا م ن املقوم ات ال يت متكن ه‬
‫الك رمي بأنواع ه‪ ،‬فالب د أن حي وز – إىل ج وار الش روط واآلداب األخ رى ‪ -‬ع ً‬
‫من هذا النوع من النظر يف القرآن الكرمي‪ ،‬ومن هذه املقومات‪:‬‬

‫أوال‪ :‬فلم اللغة العربية وآدابلا واستعماالتلا‪.‬‬


‫نزل القرآن الكرمي بلسان عريب مبني‪ ،‬وكذلك السنة النبوية اليت تولت تفصيله وبيانه‪ ،‬فمن‬
‫مل يتفقه يف اللغة العربية بألفاظها وأساليبها‪ ،‬ودالالهتا‪ ،‬واستعماالت العرب هلا مل يكن على‬
‫بصرية بالوقوف على مرامي األلفاظ ومعانيها‪ ،‬وهي خطوة أوىل ومقوم أساس وضروري ألي‬
‫تعامل مع القرآن الكرمي‪ ،‬وكذلك السنة النبوية‪ ،‬والفقه واالجتهاد؛ فضال عن التعامل املقاصدي‪.‬‬
‫قال اإلمام الشافعي بعدما حتدث عن لسان العرب وأمهيته‪" :‬وإ ا بدأت مبا وصفت من‬
‫أن القران نزل بلسان العرب دون غريه؛ ألنه ال يعلم من إيضاح مجل علم الكتاب أحد جهل‬
‫سعة لسان العرب وكثرة وجوهه ومجاع معانيه وتفرقها‪ ،‬ومن علمه انتفت عنه الشبه اليت دخلت‬
‫على من جهل لساهنا"(‪.)1‬‬
‫ويبني اإلمام الشاطيب أمهية العلم بالعربية لفقه الشريعة – والقرآن هو عماد الشريعة وأصل‬
‫أصوهلا ومصدر مصادرها – فيتحدث عن عربية الشريعة قائال‪" :‬وإذا كانت عربية فال يفهمها‬
‫حق الفهم إال من فهم اللغة العربية حق الفهم؛ ألهنما سيان يف النمط ما عدا وجوه اإلعجاز‪،‬‬
‫فإذا فرضنا مبتدئًا يف فهم العربية فهو مبتدئ يف فهم الشريعة‪ ،‬أو متوسطا؛ فهو متوسط يف فهم‬
‫الشريعة واملتوسط مل يبلغ درجة النهاية‪ ،‬فإن انتهى إىل درجة الغاية يف العربية كان كذلك يف‬
‫الشريعة؛ فكان فهمه فيها حجة كما كان فهم الصحابة وغريهم من الفصحاء الذين فهموا‬
‫القرآن حجة‪ ،‬فمن مل يبلغ شأوهم؛ فقد نقصه من فهم الشريعة مبقدار التقصري عنهم‪ ،‬وكل من‬

‫(‪ )1‬الرسالة‪ :‬فقرة رقم (‪ ،)119‬وانظر الفقرات‪ ،)111-119( :‬وانظر‪ :‬الموافقات للشاطبي‪.20-19 /0 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬مشهور بن حسن آل سلمان‪ .‬دار ابن عفان الطبعة ‪ :‬الطبعة األولى ‪1011‬هـ‪1991 /‬م‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫مقبوال‪ ،‬فال بد من أن يبلغ يف العربية مبلغ األئمة‬
‫قصر فهمه مل يعد حجة‪ ،‬وال كان قوله فيها ً‬
‫فيها؛ كاخلليل‪ ،‬وسيبويه‪ ،‬واألخفش‪ ،‬واجلرمي‪ ،‬واملازين ومن سواهم"(‪.)1‬‬
‫واملطلوب من الفقه بالعربية هو مل العلم باللسان العريب‪ ،‬قال الشاطيب‪" :‬وال أعين‬
‫بذلك النحو وحده‪ ،‬وال التصريف وحده‪ ،‬وال اللغة‪ ،‬وال علم املعاين‪ ،‬وال غري ذلك من أنواع‬
‫العلوم املتعلقة باللسان‪ ،‬بل املراد مجلة علم اللسان ألفاظًا أو معاين كيف تصورت"(‪.)2‬‬
‫هذه األقوال ‪ -‬وغريها كثري ‪ -‬تدلنا داللة واضحة على ضرورة فهم اللغة العربية ولسان‬
‫العرب‪ ،‬وأساليبهم واستعماالهتم لأللفاظ والعبارات ودالالهتا؛ سبيال لفهم القرآن الكرمي والوقوف‬
‫على أسراره وقيمه ومبادئه‪ ،‬ومعانيه ومقاصده‪.‬‬
‫والناظر يف تارخينا التفسريي والفقهي واألصويل بل يف تاريخ اإلسالم العلمي والثقايف لن‬
‫تستوعب ذاكرته ممن خدم األمة وجدد العلوم والدين‪ ،‬وبقي علمه نافعا لألمة‪ ،‬وقادرا على‬
‫استيعاب مفاهيم اإلسالم ومبادئه ومقاصده وتصوراته‪ ،‬وأكثر قدرة على التعبري عن هذا كله‪،‬‬
‫وأعمق فعالية يف استيعاب الواقع مبستجداته ونوازله – إال من كان عاملا باللغة العربية وآداهبا‪ ،‬فما‬
‫من عامل يصدق عليه الوصف السابق إال كان له من العربية وآداهبا أكرب احلظ وأوفر النصيب‪.‬‬
‫فهذا اإلمام الشافعي أحد ددي اإلسالم‪ ،‬وهذا اإلمام ابن حزم‪ ،‬واإلمام عز الدين بن‬
‫عبد السالم‪ ،‬واإلمام القرايف‪ ،‬واإلمام ابن تيمية‪ ،‬واإلمام ابن القيم‪ ،‬واإلمام الشاطيب‪ ،‬واإلمام‬
‫املقري‪ ،‬واإلمام ابن دقيق العيد‪ ،‬وويل اهلل الدهلوي‪ ،‬وعبد احلميد الفراهي‪ ،‬وغريهم كثري‪.‬‬
‫ومن املعاصرين‪ :‬حممد عبده‪ ،‬ورشيد رضا‪ ،‬أبو احلسن الندوي‪ ،‬وسيد قطب‪ ،‬وعبد الران‬
‫السعدي‪ ،‬وعبد احلميد بن باديس‪ ،‬والبشري اإلبراهيمي‪ ،‬وسعيد النورسي‪ ،‬وحممد الطاهر ابن‬
‫عاشور‪ ،‬وعلي الطنطاوي‪ ،‬وحممد بن الصاحل العثيمني‪ ،‬ومصطفى الزرقا‪ ،‬وحممد عبد اهلل دراز‪،‬‬
‫وعبد الستار فتح اهلل سعيد‪ ،‬ويوسف القرضاوي‪ ،‬وحممد الغزايل‪ ،‬وحممد متويل الشعراوي‪،‬‬
‫وغريهم‪.‬‬
‫كل هؤالء كانت هلم صوالت وجوالت مع العربية بفروعها وآداهبا‪ ،‬وكان هلم اهتمام‬
‫بالشعر والنثر‪ ،‬بل إن بعضهم له دواوين شعرية ‪ ..‬فهؤالء – املهتمني بالعربية وآداهبا ‪ -‬هم أبرز‬

‫(‪ )1‬الموافقات‪.19 /1 :‬‬


‫(‪)2‬الموافقات‪.12 /1 :‬‬

‫‪37‬‬
‫العلماء يف التعامل مع النص الشرعي‪ ،‬وأقرب الفقهاء للفهم الصحيح‪ ،‬وأقدر املفسرين على‬
‫التعبري عن حقائق اإلسالم ومقاصده ورد أباطيل خصومه!‬

‫ثانيا‪ :‬تدبر القرآن الكريم وإرادة العيش به‪.‬‬


‫ومن املقومات املهمة اليت جيب توافرها للتأهيل للنظر املقاصدي يف القرآن الكرمي هي تدبر‬
‫القرآن والعيش معه‪ ،‬فبغري التدبر كيف نفهم؟ وبغري الشعور هبدايات القرآن وآياته وتفسري الواقع‬
‫هبا وهلا كيف نستطيع فهم القرآن؟‬
‫وهلذا قال اهلل تعاىل مبينا أن الغاية من نزول القرآن هي أن يقرأه الناس‪ ،‬ويتدبره الناس‪:‬‬
‫اب {‪ .}12‬سورة ص‪.‬‬ ‫ك مبارك لِّيدَّبَّروا آياتِِه ولِيتَ َذ َّكر أولوا ْاألَلْب ِ‬ ‫"كِتَاب أ َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ََ َ ْ‬ ‫َنزلْنَاه إلَْي َ َ َ َ‬
‫قال اإلمام الشاطيب‪" :‬فالتدبر إ ا يكون ملن التفت إىل املقاصد‪ ،‬وذلك ظاهر يف أهنم‬
‫أعرضوا عن مقاصد القرآن؛ فلم حيصل منهم تدبر"(‪.)1‬‬

‫اختِالَفاً‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬


‫وقال عز من قائل‪" :‬أَفَالَ يَتَ َدبَّرو َن الْق ْرآ َن َولَ ْو َكا َن م ْن عند َغ ِْري اللّه لََو َجدواْ فيه ْ‬
‫َكثِرياً {‪ ."}21‬سورة النساء‪.‬‬
‫وقال جل شأنه‪" :‬أَفَ َال ي تَ َدبَّرو َن الْقرآ َن أ َْم َعلَى ق ل ك‬
‫وب أَقْ َفاهلَا {‪ ."}14‬سورة حممد‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام القرطيب‪" :‬فالواجب على من خصه اهلل حبفظ كتابه أن يتلوه حق تالوته ويتدبر‬
‫ك مبَ َارك لِيَدَّبَّروا‬
‫حقائق عبارته ويتفهم عجائبه ويتبني غرائبه قال اهلل تعاىل‪{ :‬كِتَاب أَنْ َزلْنَاه إِلَْي َ‬
‫وب أَقْ َفاهلَا}‪ .‬جعلنا اهلل ممن يرعاه حق‬ ‫آياتِِه}‪ .‬وقال اهلل تعاىل‪{ :‬أَفَال ي تَ َدبَّرو َن الْقرآ َن أ َْم َعلَى ق ل ك‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫رعايته‪ ،‬ويتدبره حق تدبره‪ ،‬ويقوم بقسطه‪ ،‬ويويف بشرطه‪ ،‬وال يلتمس اهلدى يف غريه‪ ،‬وهدانا‬
‫ألعالمه الظاهرة وأحكامه القاطعة الباهرة‪ ،‬ومجع لنا به خري الدنيا واآلخرة‪ ،‬فإنه أهل التقوى وأهل‬
‫املغفرة"(‪.)2‬‬

‫(‪)1‬الموافقات‪.209 /0 :‬‬

‫(‪)2‬الجامع ألحكام القرآن‪ .2 /1 :‬أبو عبد اهلل محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزرجي شمس‬
‫الدين القرطبي‪ .‬تحقيق‪ :‬هشام سمير البخاري‪ .‬دار عالم الكتب‪ .‬الرياض‪ .‬المملكة العربية السعودية‪1029 .‬هـ‪/‬‬
‫‪2009‬م‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫ومما يتصل هبذا أيضا – وإن كان إيراده يف سياق دعوي وتربوي أوقع وألصق ‪ -‬أن يقرأ‬
‫املسلم كتاب اهلل كأنه يعيش يف عصر الرسالة وزمن التنزيل‪ ،‬فإن هذا أدعى للرشوع والتدبر‬
‫واستيعاب ما يقدر عليه من معان وأسرار‪ ،‬واستصحاب الظروف والسياقات واحلالة اليت نزلت‬
‫فيها اآليات‪ ،‬ويعرض كل هذا على عقله وقلبه‪ ،‬وقد سئل اإلمام حسن البنا عن أفضل التفاسري‬
‫وأقرب طرق الفهم لكتاب اهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬فكان جوابه‪" :‬قلبك"‪ ،‬فقلب املؤمن وال شك هو‬
‫أفضل التفاسري لكتاب اهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬وأقرب طرائق الفهم؛ أن يقرأ القارئ بتدبر وخشوع‪ ،‬وأن‬
‫يستلهم اهلل الرشد والسداد‪ ،‬وجيمع شوارد فكره حني التالوة‪ ،‬وأن يلم مع ذلك بالسرية النبوية‬
‫املطهرة‪ ،‬ويعا بنوع خاص بأسباب النزول وارتباطها مبواضعها من هذه السرية‪ ،‬فسيجد يف ذلك‬
‫أكرب العون على الفهم الصحيح السليم ‪ ..‬وإذا قرأ يف كتب التفسري بعد ذلك فلِْلوقوف على‬
‫معا لفظ دق عليه أو تركيب خفى أمامه معناه أو استزادة من ثقافة تعينه على الفهم الصحيح‬
‫لكتاب اهلل‪ ،‬فهي مساعدات على الفهم‪ ،‬والفهم بعد ذلك إشراق ينقدح ضوؤه يف صميم‬
‫القلب"(‪.)1‬‬
‫ومن وصايا األستاذ اإلمام الشيخ حممد عبده ‪-‬راه اهلل‪ -‬لبعض تالمذته‪" :‬وأدم قراءة‬
‫القرآن‪ ،‬وافهم أوامره ونواهيه‪ ،‬ومواعظه ِ‬
‫وع َربه كما كان يتلى على املؤمنني أيام الوحى‪ ،‬وحاذر‬
‫النظر إىل وجوه التفاسري إال لفهم لفظ غاب عنك مراد العرب منه‪ ،‬أو ارتباط مفرد بآخر خفي‬
‫عليك متصله‪ ،‬مث اذهب إىل ما يشرصك القرآن إليه‪ ،‬واال نفسك على ما حيمل عليه"‪ .‬وال‬
‫شك أن من أخذ هبذه الطريقة سيجد أثرها بعد حني يف نفسه ملك ًة جتعل الفهم من سجيته‪،‬‬
‫ونورا يستضيء به يف دنياه وآخرته إن شاء اهلل(‪.)2‬‬
‫ً‬
‫إن تدبر القرآن الكرمي والتعمق يف فهمه هلو من أهم طرق الوقوف على مرادات اهلل من‬
‫خلقه‪ ،‬ومقاصده من كتابه‪ ،‬فريبط مقاطع السورة بعضها ببعض‪ ،‬فيحاول – كما قال الشيخ‬
‫الغزايل ‪ -‬رسم صورة مشسية هلا تتناول أوهلا وآخرها‪ ،‬وتتعرف على الروابط اخلفية اليت تشدها‬
‫كلها‪ ،‬وجتعل أوهلا متهيدا آلخرها‪ ،‬وآخرها تصديقا ألوهلا‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬العمل بالقرآن الكريم وتعليمه والجلاد به‪.‬‬

‫(‪)1‬نظرات في التربية والسلوك‪ .120-119 :‬مقاالت لحسن البنا جمعها عصام تليمة‪ ،‬والفقرة السابقة وردت‬
‫في مقالة ُنشرت بمجلة الشهاب الشهرية‪ .‬العدد األول ‪ 10‬نوفمبر ‪1901‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬من تراث اإلمام البنا‪ .‬الكتاب الثاني‪ :‬التفسير‪ .08-01 :‬جمعة أمين عبد العزيز‪ .‬دار الدعوة‪.‬‬
‫اإلسكندرية‪ .‬الطبعة األولى‪1021 .‬هـ‪2001 .‬م‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫العمل دائما مقرون باإلميان يف القرآن الكرمي‪ ،‬واآلية القرآنية‪" :‬الذين آمنوا وعملوا‬
‫الصاحلات‪ ."...‬تكررت يف عشرات املواضع يف القرآن الكرمي‪ ،‬فال فائدة من إميان ال يتبعه عمل‪،‬‬
‫وال أثر لعمل ال ينطلق من إميان‪.‬‬
‫واملؤمن العامل اجملاهد تتبدى له مساحات ورؤى وأفكار ال تتبدى لغريه من القابعني بني‬
‫الكتب واألوراق فقط‪ ،‬واجلالسني يف أبراج عاجية‪ ،‬ومن هنا قال األستاذ سيد قطب يراه اهلل‬
‫تعاىل‪" :‬حقيقة اإلميان ال يتم متامها يف قلب حىت يتعرض جملاهدة الناس يف أمر هذا اإلميان؛ ألنه‬
‫جياهد نفسه كذلك يف أثناء اهدته للناس؛ وتتفتح له يف اإلميان آفاق مل تكن لتتفتح له أبداً‬
‫وهو قاعد آمن ساكن‪ ،‬وتتبني له حقائق يف الناس ويف احلياة مل تكن لتتبني له أبداً بغري هذه‬
‫الوسيلة‪ ،‬ويبلغ هو بنفسه ومبشاعره وتصوراته وبعاداته وطباعه وانفعاالته واستجاباته‪ ،‬ما مل يكن‬
‫ليبلغه أبدا بدون هذه التجربة الشاقة العسرية"(‪.)1‬‬
‫عن جندب بن عبد اهلل قال‪ :‬كنا مع النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وحنن فتيان حزورة‬
‫فتعلمنا اإلميان قبل أن نتعلم القرآن مث تعلمنا القرآن فازددنا به إميانا(‪.)2‬‬
‫وعن ابن عمر قال‪ :‬لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدثنا يؤتى اإلميان قبل القرآن‪ ،‬وتنزل‬
‫السورة على حممد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فيتعلم حالهلا وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده‬
‫فيها كما تعلمون أنتم القرآن‪ ،‬مث قال لقد رأيت رجاال يؤتى أحدهم القرآن فيقرأ ما بني فاحتته‬
‫إىل خامتته ما يدري ما أمره وال زاجره وال ما ينبغي أن يوقف عنده منه ينثره نثر الدقل(‪.)3‬‬
‫قال اإلمام ابن تيمية‪" :‬هؤالء هم الذين تلقوا عنه القرآن والسنة وكانوا يتلقون عنه ما يف‬
‫ذلك من العلم والعمل كما قال أبو عبد الران السلمي‪ :‬لقد حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن‬
‫كعثمان بن عفان وعبد اهلل بن مسعود وغريمها‪ :‬أهنم كانوا إذا تعلموا من النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬عشر آيات مل جياوزوها حىت يتعلموا ما فيها من العلم والعمل قالوا‪ :‬فتعلمنا القرآن‬

‫(‪ )1‬هذا الدين‪ .12 :‬سيد قطب‪ .‬دار الشروق‪ .‬القاهرة‪ .‬الطبعة السابعة عشرة‪1022 .‬هـ‪2001 .‬م‪.‬‬

‫ِّغار‪ .‬لسان‬ ‫‪2‬‬


‫الروابي الص ُ‬
‫اور‪ ،‬وهي َّ‬
‫الح َز ُ‬
‫( )ابن ماجه في سننه‪ 20 /1 :‬حديث رقم‪ ،)11( :‬وحزورة جمعها‪َ :‬‬
‫العرب‪ .110 /10 :‬دار صادر‪ .‬بيروت‪ .‬بدون تاريخ‪.‬‬

‫(‪ )3‬رواه الحاكم في مستدركه‪ 91 /1 :‬حديث رقم‪ .)101( :‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وال‬
‫أعرف له علة ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ ،‬ورواه البيهقي في سننه الكبرى‪ 120 /9 :‬حديث رقم‪،1019 :‬‬
‫والدقل من التَّمر معروف قيل هو أَردأُ أَنواعه‪ .‬لسان العرب‪.201 /11 :‬‬

‫‪41‬‬
‫والعلم والعمل مجيعا‪ .‬وقد قام عبد اهلل بن عمر ‪ -‬وهو من أصاغر الصحابة ‪ -‬يف تعلم البقرة‬
‫ْثاين سنني‪ ،‬وإ ا ذلك ألجل الفهم واملعرفة"(‪.)1‬‬
‫وقد وجه اهلل نبيه – صلى اهلل عليه وسلم – إىل اجلهاد بالقرآن‪ ،‬فقال له‪" :‬فَال ت ِط ِع‬
‫اه ْدهم بِِه ِج َهاداً َكبِرياً"‪[ .‬الفرقان‪.]21 :‬‬
‫الْ َكافِ ِرين وج ِ‬
‫َ ََ‬
‫ولن يبلغ اإلنسان أن يكون ربانيا قرآنيا إال بالعلم والعمل واجلهاد‪ ،‬قال ابن القيم بعد أن‬
‫جمعو َن على أن العالِم ال ي ِ‬
‫ستح ُّق أن‬ ‫َ ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫السلف ُم ُ‬ ‫حتدث عن املراتب األربع جلهاد النفس‪" :‬‬
‫فذاك يُدعى‬ ‫فمن علم َو َع ِم َل َ‬
‫وعلَّ َم َ‬ ‫ويعمل به‪ ،‬ويُو َعلِّ َمه‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫يُسمى ربَّانياً حتى يع ِر َ‬
‫ف الحقَّ‪،‬‬
‫ملكوت السموات"(‪.)2‬‬‫ِ‬ ‫عظيماً فى‬
‫فالقرآن الكرمي لن تتفتح أسراره وال آفاقه وال معانيه وال مقاصده وغاياته إال ملن أخذه جدا‪ ،‬ومتثله‬
‫حقا‪ ،‬وعمل به أبدا‪ ،‬واستنزل هداياته وتعاليمه يف واقعه العملي؛ نورا يف القلب‪ ،‬وانشراحا يف الصدر‪،‬‬
‫ووضوحا يف الرؤية‪ ،‬وسعيًا لعمل اخلري ونفع الغري وخري العمل‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬االنطالق من احتياجات األمة في لل المقاصد العامة للقرآن‪:‬‬


‫العمل احلي‪ ،‬والفكر احلي‪ ،‬واالجتهاد احلي‪ ،‬دائما ينطلق من حاجات األمة‪ ،‬وال يكون مبعزل‬
‫عنها‪ ،‬هكذا كانت آراء األئمة وفتاواهم واجتهاداهتم على مر التاريخ‪ ،‬فتاريخ علمائنا وأئمتنا حفظ لنا‬
‫اجتهادات وفتاوى األئمة الكبار واإلمام العز ابن عبد السالم‪ ،‬واإلمام ابن تيمية وتلميذه العالمة ابن‬
‫القيم‪ ،‬واإلمام الطاهر ابن عاشور‪ ،‬والشيخ الدردير‪ ،‬والشيخ اخلراشي‪ ،‬والشيخ اخلضر حسني‪ ،‬وإخوان‬
‫هذا الطراز‪.‬‬
‫إن الفقه اإلسالمي واالجتهاد اإلسالمي والتعامل مع القرآن لن تكتب له احلياة والفاعلية ما مل‬
‫يكن معربا عن مهوم األمة‪ ،‬ومنطلقا من واقع األمة‪ ،‬وحادبًا على عقيدهتا وشريعتها وحضارهتا‪ ،‬ومستشرفا‬
‫مستقبلها‪.‬‬

‫(‪ )1‬مجموع الفتاوى‪ .111 /1 :‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني‪ .‬تحقيق ‪ :‬أنور‬
‫الباز ‪ -‬عامر الجزار‪ .‬دار الوفاء‪ .‬المنصورة‪ .‬الطبعة الثالثة‪1021 .‬هـ ‪2001 /‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬زاد المعاد في هدي خير العباد‪ .10 /9 :‬مؤسسة الرسالة‪ .‬بيروت‪ .‬مكتبة المنار اإلسالمية‪ .‬الكويت‪.‬‬
‫الطبعة السابعة والعشرون‪1011 .‬هـ ‪1990/‬م‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫ومن هنا كان االهتمام بواقع األمة وقضاياها والعناية مبتطلباهتا يف أي مرحلة تعيشها من مقومات‬
‫املفسر املقاصدي والفقيه املقاصدي واجملتهد املقاصدي‪ ،‬فإن العامل أيا كان فصصه إذا انعزل عن واقع‬
‫الناس وقضايا أمته واكتفى بالعيش بني الكتب واألوراق‪ ،‬مل يكن لكالمه نور‪ ،‬وال على ما يكتب نور ‪..‬‬
‫والذاكرة ال تستوعب من تارخينا العلمائي إال من عاشوا مع مهوم أمتهم وأهنضوها من كبواهتا‪ ،‬وأعادوا هلا‬
‫نت تَ ْد ِري َما الْ ِكتَاب َوَال ِْ‬ ‫ِ‬
‫اإلميَان‬ ‫ك أ َْو َحْي نَا إِلَْي َ‬
‫ك روحاً ِّم ْن أ َْم ِرنَا َما ك َ‬ ‫احلياة مباء القرآن الكرمي‪َ " ،‬وَك َذل َ‬
‫اط ُّم ْستَ ِقي كم"‪ .‬سورة الشورى‪:‬‬ ‫َّك لَتَ ه ِدي إِ َىل ِصر ك‬
‫َ‬
‫ولَ ِكن جع ْلناه نوراً نَّه ِدي بِِه من ن ِ ِ ِ‬
‫َّشاء م ْن عبَادنَا َوإِن َ ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬
‫‪.21‬‬
‫واملفسر املقاصدي عليه أن يستلهم روح القرآن وغاياته يف عالجه لقضايا أمته‪ ،‬ويف نظرته‬
‫لألمور وتقييمه هلا‪ ،‬وتقوميه العوجاجها‪ ،‬فإن مقاصد القرآن هي خالصة رسالة القرآن اليت ال يصح أن‬
‫تغيب عن مصلح أو داعية دد وهو جيدد هلذا الدين روحه‪ ،‬ويعيد إىل أمته احلياة‪.‬‬
‫كما أن واقع األمة جيب أن ينضبط مبقاصد القرآن وغايات القرآن‪ :‬الفردية واجلماعية‪ ،‬الدنيوية‬
‫واألخروية‪ ،‬السياسية واالجتماعية واالقتصادية والنفسية‪ ،‬العامة واخلاصة ‪ ..‬وال ينفلت عنه‪ ،‬فإن من‬
‫مقاصد القرآن ومن مقاصد الشريعة أن تندرج حتتها كل نازلة‪ ،‬وال نفلت عنها مستجد من املستجدات‪.‬‬
‫أما العامل الذي ال عالقة له بواقع أمته‪ ،‬وال اهتمام له بقضاياها‪ ،‬فإنه ال يصلح للنظر املقاصدي‬
‫وال االجتهاد املقا صدي‪ ،‬وإ ا يعيش كاجلثة اهلامدة اليت ال روح فيها‪ ،‬وال حياة هبا؛ ألنه فَ َق َد حياة‬
‫الروح‪ ،‬وروح احلياة‪.‬‬
‫***‬

‫‪42‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬ضوابط التفسير المقاصدي للقرآن الكريم‪:‬‬
‫من بدائه العمل التأسيسي لكل فن أو قضية أن توضع له الضوابط حىت ال ينحرف مينة أو يسرة‪،‬‬
‫طريف األمور ويقيمنا‬
‫وال يذهب مذهب امل َفرطني أو امل ْفرطني‪ ،‬فإن كال طريف األمور ذميم‪ ،‬وال يبعدنا عن َ‬
‫على سبيل االعتدال واالستقامة إال االنضباط بضوابط العمل والعلم مجيعا‪.‬‬
‫وال نعين بالضابط هنا معناه االصطالحي الذي َّفرق األصوليون بينه وبني القاعدة بأن القاعدة‬
‫فروعا من أبواب شىت‪ ،‬والضابط جيمعها من باب واحد(‪.)1‬‬
‫جتمع ً‬
‫وإ ا نعين به األسس واملقومات اليت جيب مراعاهتا مبا ينضبط به التفسري املقاصدي للقرآن‪ ،‬وجيعل‬
‫بعيدا عن هذه الضوابط‬
‫ميكنه من القيام بوظائفه التفسريية؛ حبيث يكون العمل به ً‬ ‫مشروعا‪ ،‬وما ِّ‬
‫ً‬ ‫اعتباره‬
‫نوعا من اجلناية على علوم القرآن بالتبعية؛ إذ احلديث عن ضوابط‬
‫نوعا من االفتئات على القرآن‪ ،‬أو ً‬
‫ً‬
‫اعتبار التفسري املقاصدي ال يقل أمهية عن احلديث عن التفسري املقاصدي نفسه‪.‬‬
‫كما أنه من شأن التحقق بالضواب حتقيق املقاصد‪ ،‬فالعلماء يضعون الشروط والضوابط لألفعال‬
‫والتصرفات كي حيقق التصرف مطلوبه ويصل إىل مقصوده‪.‬‬
‫بدعا يف ذلك‪ ،‬فهو ‪ -‬باعتباره فنًّا يستحق االهتمام وبذل مزيد من‬‫والتفسري املقاصدي ليس ً‬
‫اجلهد ‪ -‬حيتاج إىل ضوابط حىت ينضبط هبا ويتأسس عليها‪ ،‬وحيقق من خالهلا مقصوده ويقوم بوظيفته‪،‬‬
‫ومن أهم الضوابط اليت نراها للتفسري املقاصدي للقرآن الكرمي ما يأيت‪:‬‬

‫أوال‪ :‬أن يكون المقصد مستكشفا من طرقه ومسالكه‪:‬‬


‫ً‬
‫من ضوابط التفسري املقاصدي أن يكون املقصد القرآين مستكش ًفا من مسالكه اليت قررناها‬
‫سلفا‪ ،‬وهي النص القرآين‪ ،‬واالستقراء‪ ،‬واالستنباط‪ ،‬وجتارب علماء القرآن على مر العصور‪.‬‬
‫ولكل نوع من أنواع مقاصد القرآن طرق خاصة به‪ ،‬قد يلتقي فيها مع أنواع أخرى‪ ،‬لكن يبقى‬
‫للمقاصد القرآنية العامة مسالكها‪ ،‬ويبقى للموضوعات واجملاالت مسالكها‪ ،‬ويبقى للسور مسالكها‪،‬‬
‫وتبقى لآليات مسالكها ‪ ،‬وإن اشرتكت األنواع يف بعض املسالك‪ ،‬أو اشرتك نوعان أو ثالثة يف بعض‬

‫(‪ )1‬األشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان لزين الدين إبراهيم بن نجيم‪ .1/2 :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫الطبعة األولى‪1001 .‬هـ‪1981 .‬م‪ ،‬وقواعد الفقه لمحمد عميم اإلحسان البركتي‪ .911 :‬دار الصدف ببلشرز‪.‬‬
‫كراتشي‪ .‬الطبعة األولى‪1001 .‬هـ‪1981 .‬م‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫املسالك‪ ،‬فمسلك النص القرآين على املقصد مشرتك بني املقاصد العامة واخلاصة‪ ،‬واالستقراء مشرتك بني‬
‫املقاصد العامة واخلاصة والسورة‪ ،‬واالستنباط مشرتك بني أغلب أنواع املقاصد‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وقد بينا ذلك يف‬
‫مبحث مسالك الكشف عن مقاصد القرآن الكرمي‪.‬‬
‫والبد أن يكون املقصد القرآين مستثمرا من مسالكه وطرقه اليت قررناها سل ًفا‪ ،‬وإال ال يكون له‬
‫عالقة مبقاصد القرآن‪ ،‬فاستقاء املقاصد القرآنية من مسالكها أحد ضوابط العمل املقاصدي يف التفسري‪،‬‬
‫وبغري رعاية ذلك وضبط التفسري املقاصدي هبذا الضابط ستقع اضطرابات كثرية‪.‬‬
‫من ذلك‪ :‬االضطراب يف التفسري نفسه‪ ،‬وهذا ما وقع فيه بعض املفسرين حني غفل عن مقصد‬
‫السورة اليت يفسرها فتطرق ملناقشة موضوعات ال عالقة هلا بالسورة‪ ،‬كما سيأيت يف مبحث فوائد التفسري‬
‫املقاصدي‪.‬‬
‫ومن هذه األضرار أيضا أن االضطراب واخللل الذي سيقع يف التفسري سينعكس سلبا على علوم‬
‫القرآن الكرمي‪ ،‬ويف هذا خطر كبري على القرآن نفسه‪ ،‬وعلومه بالتبعية‪.‬‬
‫وسيكون له انعكاس كذلك على العمل الفقهي مبا حيتويه القرآن من آيات أحكام؛ وهلذا جيب‬
‫أن ينضبط التفسري املقاصدي هبذا الضابط‪ ،‬وال يعول على مقاصد قرآنية إال تلك اليت جاءت من طرقها‬
‫واستثمرت من مسالكها‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬أن يتم التحقق بمقومات المفسر المقاصدي‪:‬‬


‫ومن الضوابط املهمة للتفسري املقاصدي أن يتحقق املفسر املقاصدي باملقومات اليت جيب أن‬
‫تتوفر فيه‪ ،‬وهي كما ذكرناها يف مبحث املقومات‪ :‬فهم اللغة العربية وآداهبا واستعماالهتا‪ ،‬وتدبر القرآن‬
‫الكرمي وإرادة العيش به‪ ،‬والعمل بالقرآن الكرمي وتعليمه واجلهاد به‪ ،‬واالنطالق من احتياجات األمة يف‬
‫ظل املقاصد العامة للقرآن‪.‬‬
‫وال نزيد تفصيل املقومات هنا؛ حيث سبق احلديث عنها وبيان أمهيتها للمفسر املقاصدي‬
‫والتفسري املقاصدي والنظر املقاصدي يف القرآن الكرمي‪ ،‬وإ ا فقط نؤكد على أن التفسري املقاصدي ال‬
‫ميكن أن يكون فاعال ومؤثرا ومنضبطا إال إذا حتقق مبقوماته‪.‬‬
‫ولنا أن نتريل تفسريا أو مفسرا ليس ماهرا بالعربية ومتضلعا منها‪ ،‬وليس عنده علم واسع مبعرفة‬
‫استعماالت العرب لأللفاظ واألساليب يف املواقف املرتلفة واملعاين املرتلفة ‪ ..‬كيف سيتعامل مع القرآن‬
‫وهو ال يعرف معهود العرب يف كالمهم‪ ،‬وال يقف على معاين األلفاظ واألساليب يف عصر االحتجاج‬
‫‪44‬‬
‫أو يف عصر الرسالة الذي نزل فيه القرآن الكرمي؟ ال شك أنه سيَضل ويضل ولن يستطيع التعامل مع‬
‫اشدا‪.‬‬
‫القرآن الكرمي تعامال ر ً‬
‫وقل مثل ذلك يف بقية املقومات‪ ،‬فهي أشبه مبقومات البناء أو مقومات اإلنسان‪ ،‬أو مقومات‬
‫املؤسسات واهليئات‪ ،‬فهي لوازم ال ميكن أن يقوم الشيء إال هبا‪ ،‬ولعل معا كلمة "مقوم" تدل على‬
‫ذلك بوضوح‪ ،‬وهو ما به قيام الشيء وقوامه واستقامته‪ ،‬والرجل قوام على امرأته أي متكفل هبا ر كاع‬
‫لشئوهنا‪ ،‬ومنه اسم اهلل القيوم أي القائم بأمر خلقه يف إنشائهم ورزقهم وعلمه مبستقرهم ومستودعهم‪،‬‬
‫وذلك الدين القيم‪ :‬أي املستقيم الذي ال زيغ فيه وال ميل عن احلق‪ .‬وقوله تعاىل‪ :‬فيها كتب قيمة؛ أي‬
‫مستقيمة تبني احلق من الباطل على استواء وبرهان؛ عن الزجاج‪ .‬وقوله تعاىل‪ :‬وذلك دين القيمة؛ أي‬
‫دين األمة القيمة باحلق‪ ،‬وجيوز أن يكن دين امللة املستقيمة؛ قال اجلوهري‪ :‬إ ا أنثه ألنه أراد امللة‬
‫احلنيفية‪ .‬والقيم‪ :‬السيد وسائس األمر‪ .‬وقيم القوم‪ :‬الذي يقومهم ويسوس أمرهم(‪.)1‬‬
‫وقال املناوي وهو يتحدث عن الفصل عند املنطقيني‪" :‬الفصل املقوم‪ :‬عبارة عن جزء داخل يف‬
‫املاهية كالناطق مثال‪ ،‬فإنه داخل يف ماهية اإلنسان مقوم هلا؛ إذ ال وجود لإلنسان يف اخلارج والذهن‬
‫بدونه" (‪.)2‬‬
‫إذن فكلمة "املقوم" تعرب عن استقامة الشيء وما به مصلحته وقوامه وقيامه وماهيته‪ ،‬بل بقاؤه‬
‫ووجوده‪ ،‬وهو يشري إىل أمهية وجود املقومات للمفسر املقاصدي والنظر املقاصدي يف القرآن الكرمي‪،‬‬
‫وبغريه فلن نكون أمام حالة تفسري مقاصدي‪ ،‬وإ ا أمام حالة أخرى ال عالقة هلا مبا نتحدث عنه‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬تقديم المقاصد القرآنية النصية واألصلية على غيرها‪:‬‬


‫من الضوابط املهمة للتفسري املقاصدي أن تتقدم املقاصد األصلية والنصية على غريها‪ ،‬وذلك عند‬
‫التعارض "الظاهري"‪ ،‬ونقول الظاهري ألنه ال يتصور أن يكون هناك تعارض بني مقاصد القرآن بكل‬
‫ثمرت من مسالكها املقررة سل ًفا‪ ،‬ويف حال استثمارها من غري طرقها حيدث‬
‫مراتبها وأنواعها حال است ْ‬

‫(‪ )1‬راجع مثال لسان العرب‪ ،102 /12 :‬وما بعدها‪ .‬ألبي الفضل‪ ،‬جمال الدين ابن منظور األنصاري‬
‫اإلفريقى‪ .‬دار صادر‪ .‬بيروت‪ .‬الطبعة الثالثة‪1010 .‬هـ‪.‬‬

‫(‪ )2‬التوقيف على مهمات التعاريف‪ .210 :‬زين الدين عبد الرؤوف المناوي‪ .‬عالم الكتب‪ .‬القاهرة‪ .‬الطبعة‬
‫األولى‪1010 .‬هـ‪1990-‬م‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫التعارض احلقيقي؛ إذ إن املصدر الواحد ال خيرج منه ما يتعارض بعضه مع بعض‪ ،‬قال تعاىل‪َ " :‬ولَ ْو َكا َن‬
‫اختِ َالفًا َكثِ ًريا"‪[ .‬سورة النساء‪.]21 :‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫م ْن عْند َغ ِْري اللَّه لََو َجدوا فيه ْ‬
‫وقد حتدث علماء القرآن عن مقاصده األصلية واألساسية‪ ،‬ومن هؤالء العالمة حممد الطاهر ابن‬
‫عاشور‪ ،‬قال‪ " :‬إن القرآن أنزله اهلل تعاىل كتابا لصالح أمر الناس كافة راة هلم لتبليغهم مراد اهلل منهم‬
‫ني} [النحل‪]22 :‬‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ك‬ ‫قال اهلل تعاىل {ونََّزلْنا علَيك الْ ِكت ِ ِ‬
‫دى َوَر ْاَةً َوب ْشَرى ل ْلم ْسلم َ‬
‫اب تْب يَاناً لك ِّل َش ْيء َوه ً‬
‫َ َ َْ َ َ َ‬
‫فكان املقصد األعلى منه صالح األحوال الفردية‪ ،‬واجلماعية‪ ،‬والعمرانية"‪.)1(.‬‬
‫مث قال يراه اهلل تعاىل‪" :‬أليس قد وجب على اآلخذ يف هذا الفن أن يعلم املقاصد األصلية اليت‬
‫جاء القرآن لتبياهنا؟ فلنلم هبا اآلن حبسب ما بلغ إليه استقراؤنا وهي ْثانية أمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬إصالح االعتقاد وتعليم العقد الصحيح‪ .‬وهذا أعظم سبب إلصالح اخللق‪ ،‬ألنه يزيل عن‬
‫النفس عادة اإلذعان لغري ما قام عليه الدليل‪ ،‬ويطهر القلب من األوهام الناشئة عن اإلشراك والدهرية‬
‫ت عْن هم ِآهلت هم الَِّيت ي ْدعو َن ِمن د ِ‬
‫ون اللَّ ِه ِم ْن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وما بينهما‪ ،‬وقد أشار إىل هذا املعا قوله تعاىل {فَ َما أَ ْغنَ ْ َ ْ َ‬
‫يب} [هود‪ ]222 :‬فأسند آلهلتهم زيادة تتبيبهم‪ ،‬وليس هو‬ ‫ك وَما َزادوهم َغْي ر تَْتبِ ك‬ ‫ك‬
‫ْ َ‬ ‫َش ْيء لَ َّما َجاءَ أ َْمر َربِّ َ َ‬
‫من فعل اآلهلة ولكنه من آثار االعتقاد باآلهلة‪.‬‬
‫َّك لَ َعلَى خل كق َع ِظي كم} [القلم‪ ،]4:‬وفسرت عائشة رضي‬
‫{وإِن َ‬
‫الثاين‪ :‬هتذيب األخالق قال تعاىل َ‬
‫اهلل تعاىل عنها ملا سئلت عن خلقه صلى اهلل عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن ‪ ...‬وهذا املقصد قد‬
‫فهمه عامة العرب بله خاصة الصحابة‪...‬‬
‫احلَ ِّق لِتَ ْحك َم‬
‫اب بِ ْ‬ ‫الثالث‪ :‬التشريع وهو األحكام خاصة وعامة‪ .‬قال تعاىل {إِنَّا أَنْزلْنَا إِلَي َ ِ‬
‫ك الْكتَ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ني يَ َديِْه ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫اب بِ ْ‬ ‫َّاس ِمبَا أَر َاك اللَّه} [النساء‪{ ]222 :‬وأَنْزلْنَا إِلَي َ ِ‬‫ني الن ِ‬
‫صدِّقاً ل َما بَ ْ َ‬
‫احلَ ِّق م َ‬ ‫ك الْكتَ َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫بَ ْ َ‬
‫احك ْم بَْي نَ ه ْم ِمبَا أَنْ َزَل اللَّه} [املائدة‪ ]42 :‬ولقد مجع القرآن مجيع األحكام مجعا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الْ ِكتَ ِ‬
‫اب َوم َهْيمناً َعلَْيه فَ ْ‬
‫كليا يف الغالب‪ ،‬وجزئيا يف املهم‪...‬‬
‫الرابع‪ :‬سياسة األمة وهو باب عظيم يف القرآن القصد منه صالح األمة وحفظ نظامها كاإلرشاد‬
‫ِ‬ ‫مجيعاً وال تَ َفَّرقوا واذْكروا نِعم َّ ِ‬‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت الله َعلَْيك ْم إ ْذ كْنت ْم أ َْع َداءً‬
‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫{و ْاعتَصموا حبَْب ِل اللَّه َ َ‬ ‫إىل تكوين اجلامعة بقوله َ‬
‫َصبَ ْحت ْم بِنِ ْع َمتِ ِه إِ ْخ َواناً َوكْنت ْم َعلَى َش َفا ح ْفَرةك ِم َن النَّا ِر فَأَنْ َق َذك ْم ِمْن َها} [آل عمران‪:‬‬
‫ني ق لوبِك ْم فَأ ْ‬ ‫فَأَلَّ َ‬
‫ف بَ ْ َ‬
‫‪...]224‬‬

‫(‪)1‬التحرير والتنوير‪.91/1 :‬‬

‫‪46‬‬
‫َح َس َن‬‫كأْ‬ ‫ص َعلَْي َ‬ ‫{حنن نَق ُّ‬
‫اخلامس‪ :‬القصص وأخبار األمم السالفة للتأسي بصاحل أحواهلم قال َْ‬
‫ص ِمبا أَوحي نا إِلَيك ه َذا الْقرآ َن وإِ ْن كْنت ِمن قَبلِ ِه لَ ِمن الْغافِلِني} [يوسف‪{ ]4 :‬أولَئِ َّ ِ‬
‫ين‬
‫ك الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ص ِ َ ْ ََْ ْ َ َ‬ ‫الْ َق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف‬‫ني لَك ْم َكْي َ‬ ‫َه َدى اللَّه فَبه َداهم اقْ تَد ْه} [األنعام‪ :‬من اآلية‪ ]22‬وللتحذير من مساويهم قال َ‬
‫{وتَبَ َّ َ‬
‫فَ َع ْلنَا هبِِ ْم} [ابراهيم‪ ]42 :‬ويف خالهلا تعليم‪ ،‬وكنا أشرنا إليها يف املقدمة الثانية‪.‬‬
‫السادس‪ :‬التعليم مبا يناسب حالة عصر املراطبني‪ ،‬وما يؤهلهم إىل تلقي الشريعة ونشرها‪ ،‬وذلك‬
‫علم الشرائع وعلم األخبار‪ ،‬وكان ذلك مبلغ علم خمالطي العرب من أهل الكتاب‪ .‬وقد زاد القرآن على‬
‫ذلك تعليم حكمة ميزان العقول وصحة االستدالل يف أفانني ادالته للضالني ويف دعوته إىل النظر‪ ،‬مث‬
‫ْم َة فَ َق ْد أ ِويتَ َخ ْرياً َكثِرياً} [البقرة‪:‬‬ ‫احلِكْمةَ من ي َشاء ومن ي ْؤت ِْ‬
‫احلك َ‬ ‫نوه بشأن احلكمة فقال {ي ْؤِيت ْ َ َ ْ َ َ َ ْ َ‬
‫‪ ] 112‬وهذا أوسع باب انبجست منه عيون املعارف‪ ،‬وانفتحت به عيون األميني إىل العلم‪ ،‬وقد حلق به‬
‫التنبيه املتكرر على فائدة العلم‪ ،‬وذلك شيء مل يطرق أمساع العرب من قبل‪...‬‬
‫السابع‪ :‬املواعظ واإلنذار والتحذير والتبشري‪ ،‬وهذا جيمع مجيع آيات الوعد والوعيد‪ ،‬وكذلك‬
‫احملاجة واجملادلة للمعاندين‪ ،‬وهذا باب الرتغيب والرتهيب‪.‬‬
‫الثامن ‪ :‬اإلعجاز بالقرآن ليكون آية دالة على صدق الرسول؛ إذ التصديق يتوقف على داللة‬
‫املعجزة بعد التحدي‪ ،‬والقرآن مجع كونه معجزة بلفظه ومتحدي ألجله مبعناه والتحدي وقع فيه {ق ْل‬
‫ورةك ِمثْلِ ِه} [يونس‪ ]42 :‬وملعرفة أسباب النزول مدخل يف ظهور مقتضى احلال ووضوحه‪ .‬هذا ما‬ ‫ِ‬
‫فَأْتوا بس َ‬
‫بلغ إليه استقرائي‪ .‬وللغزايل يف أحياء علوم الدين بعض من ذلك‪.‬‬
‫فغرض المفسر بيا ن ما يصل إليه أو ما يقصدن من مراد اهلل تعالى في كتابه بأتم بيان يحتمله‬
‫المعنى وال يأبان اللفظ من كل ما يوضح المراد من مقاصد القرآن‪ ،‬أو ما يتوقف عليه فلمه أكمل‬
‫فلم‪ ،‬أو يخدم المقصد تفصيال وتفريعا كما أشرنا إليه في المقدمة األولى‪ ،‬مع إقامة الحجة على‬
‫ذلك إن كا ن به خفاء‪ ،‬أو لتوقع مكابرة من معاند أو جاهل‪ ،‬فال جرم كان رائد المفسر في ذلك‬
‫أن يعرف على اإلجمال مقاصد القرآن مما جاء ألجله"(‪.)1‬‬
‫هذه مقاصد ْثانية أصلية يف القرآن الكرمي ودلل عليها من القرآن مبا ينص عليها‪ ،‬مث أضاف‬
‫مقصدين آخرين يف موض آخر من "التحرير والتنوير"؛ لتكون مقاصد القرآن العامة واألصلية عنده‬
‫عشرة كاملة‪ ،‬فقال‪ :‬على أن من مقاصد القرآن أمرين آخرين‪ :‬أحدمها‪ :‬كونه شريعة دائمة‪ ،‬وذلك‬

‫(‪)1‬التحرير والتنوير‪ .99-91 /1 :‬باختصار‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫يقتضي فتح أبواب عباراته ملرتلف استنباط املستنبطني‪ ،‬حىت تؤخذ منه أحكام األولني واآلخرين‪،‬‬
‫وثانيهما‪ :‬تعويد الة هذه الشريعة‪ ،‬وعلماء هذه األمة‪ ،‬بالتنقيب‪ ،‬والبحث‪ ،‬واسترراج املقاصد من‬
‫عويصات األدلة‪ ،‬حىت تكون طبقات علماء األمة صاحلة يف كل زمان لفهم تشريع الشارع ومقصده من‬
‫التشريع‪ ،‬فيكونوا قادرين على استنباط األحكام التشريعية‪ ،‬ولو صيغ هلم التشريع يف أسلوب سهل‬
‫التناول العتادوا العكوف على ما بني أنظارهم يف املطالعة الواحدة"(‪.)1‬‬
‫ويف مقام تفسريه لسورة الفاحتة قال إهنا "تشتمل حمتوياهتا على أنواع مقاصد القرآن وهي ثالثة‬
‫أنواع‪ :‬الثناء على اهلل ثناء جامعا لوصفه جبميع احملامد وتنزيهه عن مجيع النقائص وإلثبات تفرده باإلهلية‪،‬‬
‫وإثبات البعث واجلزاء وذلك من قوله‪ :‬احلمد هلل إىل قوله‪ :‬ملك يوم الدين‪ ،‬واألوامر والنواهي من قوله‪:‬‬
‫إياك نعبد‪ ،‬والوعد والوعيد من قوله‪ :‬صراط الذين إىل آخرها‪ ،‬فهذه هي أنواع مقاصد القرآن كله‪،‬‬
‫وغريها تكمالت هلا؛ ألن القصد من القرآن إبالغ مقاصدن األصلية‪ ،‬وهي صالح الدارين وذلك‬
‫حيصل باألوامر والنواهي‪ ،‬وملا توقفت األوامر والنواهي على معرفة اآلمر وأنه اهلل الواجب وجوده خالق‬
‫اخللق لزم حتقيق معا الصفات‪ ،‬وملا توقف متام االمتثال على الرجاء يف الثواب واخلوف من العقاب لزم‬
‫حتقق الوعد والوعيد‪ .‬والفاحتة مشتملة على هاته األنواع"(‪.)2‬‬
‫فهذه املقاصد األصلية والنصية هي اليت جيب أن يضبط هبا املفسر املقاصدي تفسريه‪ ،‬ويعول عليه‬
‫يف النظر‪ ،‬وعند الرتجيح ومنح األولوية‪ ،‬وعند التزاحم والتعارض الظاهر‪ ،‬وإعطاء األولوية واالهتمام يف‬
‫النظر واالهتمام للمقاصد األصلية على غريها مع عدم إمهال غريها؛ فهذا الضابط يضبط للمفسر‬
‫املقا صدي استقامة نظره املقاصدي يف القرآن الكرمي‪ ،‬ويقيم القرآن الكرمي وحدة متماسكة واحدة متسقة‬
‫مرتابطة‪ ،‬ال تعارض فيها وال اختالف بينها‪.‬‬

‫ابعا‪ :‬أن تكون المقاصد العامة للقرآن حاكمة على ما دونلا من المقاصد‪:‬‬
‫رً‬

‫(‪)1‬التحرير والتنوير‪.118 /9 :‬‬

‫(‪)2‬التحرير والتنوير‪ ،199/1 :‬وهناك علماء آخرون تحدثوا عن مقاصد القرآن أو موضوعات القرآن‪ ،‬منهم‪:‬‬
‫أبو حامد الغزالي‪ ،‬والعز ابن عبد السالم‪ ،‬والبقاعي‪ ،‬ورشيد رضا‪ ،‬ومحمد الغزالي‪ ،‬وشيخنا يوسف القرضاوي‪،‬‬
‫وغيرهم‪ ،‬وكلهم متقاربون في إثبات المقاصد األصلية للقرآن الكريم‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫من الضوابط املهمة كذلك يف التفسري املقاصدي واليت جيب أن يعتربها املفسر املقاصدي وحيكم‬
‫هبا عمله أن جيعل املقاصد العامة للقرآن الكرمي حاكمة على ما دوهنا من أنواع املقاصد‪ ،‬سواء أكانت‬
‫مقاصد خاصة أو مقاصد سور أو مقاصد آيات أو مقاصد كلمات وحروف‪.‬‬
‫فابتداء من رتبة مقاصد احلروف والشكل القرآين والتنقيط القرآين‪ ،‬مث مقاصد اآليات‪ ،‬مث مقاصد‬
‫السور‪ ،‬مث مقاصد اجملاالت واملوضوعات أو املقاصد اخلاصة‪ ،‬البد أن تكون كل هذه األنواع من املقاصد‬
‫حمكومة ومضبوطة باملقاصد العامة للقرآن الكرمي‪ ،‬وهي مقاصد ثابتة بيقني بالنص القرآين املباشر‪،‬‬
‫فباإلضافة إىل أهنا مقاصد عامة‪ ،‬فهي يف الوقت ذاته مقاصد أصلية ومقاصد نصية‪ ،‬وما له هذه‬
‫حاكما وضابطًا على ما دونه من مراتب املقاصد وأنواعها‪.‬‬
‫الصفات جيب أن يكون ً‬
‫ومن مث فإنه ال يتصور أن نستقرئ أو نستنبط مقاصد خاصة أو للموضوعات واجملاالت مث تكون‬
‫متعارضة مع املقاصد العامة للقرآن‪ ،‬بل الواجب أن تكون املقاصد العامة حاكمة على مقاصد اجملاالت‬
‫واملوضوعات‪ ،‬وال يتصور أصال أن حيدث تعارض بني املقاصد العامة واملقاصد اخلاصة (مقاصد اجملاالت‬
‫أو املوضوعات)؛ ألن األخرية ستقودنا يف النهاية إىل تكوين األوىل وإقامتها؛ فضال عن أن األوىل‬
‫منصوص عليها من القرآن الكرمي نفسه‪.‬‬
‫كون يف النهاية مقاصد‬
‫وكذلك مقاصد اآليات جيب أن تكون حمكومة مبقاصد السورة اليت ست ّ‬
‫القرآن العامة‪ ،‬فال توجد آية يف سورة من السور إال وهي حتقق مقصد السورة العام‪ ،‬وتصب يف إبرازه‬
‫وتكوينه‪ ،‬وهذا نوع من اإلعجاز جديد جيب الكشف عنه وإبرازه؛ إذ إن ترتيب اآليات داخل السور‬
‫ترتيب إهلي جاء بوساطة الوحي وليس عمال توفيقيًّا‪.‬‬
‫ونفس مقاصد الكلمات والشكل والتنقيط البد أن تكون متسقة وحمكومة مبقاصد اآليات‬
‫ومكونة هلا‪ ،‬تلك اليت حتكم بدورها مبقاصد السورة‪ ،‬اليت تصب يف حتقيق وتكوين مقاصد القرآن الكرمي‬
‫العامة‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬أن يتحقق االتساق بين الكلمات واآليات والسور والقرآن كله‪:‬‬
‫ً‬
‫يعترب هذا الضابط ضابطا مهما‪ ،‬وهو حصيلة وْثرة ‪ -‬يف الوقت نفسه ‪ -‬للضوابط السابقة مجيعا‪،‬‬
‫فإذ ا استثمر املقصد من مسلكه املقرر‪ ،‬وحتقق املفسر املقاصدي مبقومات هذ التفسري‪ ،‬وكانت املقاصد‬
‫األصلية والنصية هي املقدمة‪ ،‬واملقاصد العامة هي احلاكمة على غريها من املقاصد فإن االتساق بني‬
‫الكلمات والسور والقرآن كله ومقاصد هذه األنواع يتحقق تلقائيًّا‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫وإذا كان القرآن الكرمي يف موعة كالقطعة الواحدة واجلملة الواحدة متاسكا وتناسقا وترابطا فإنه‬
‫جيب على املفسر أن ينحو هذا النحو‪ ،‬وأن يتظلل هبذا الظل‪ ،‬وأن يسري وفق هذا النسق‪ ،‬فيربز يف‬
‫تفسريه تناسق القرآن ومتاسكه‪.‬‬
‫قال اإلمام الزركشي وهي يتحدث عن فائدة العلم مبناسبة اآليات والسور‪" :‬وفائدته جعل أجزاء‬
‫الكالم بعضها آخذا بأعناق بعض فيقوى بذلك االرتباط ويصري التأليف حاله حال البناء احملكم املتالئم‬
‫األجزاء‪ ،‬وقد قل اعتناء املفسرين هبذا النوع لدقته وممن أكثر منه اإلمام فرر الدين الرازي وقال يف‬
‫تفسريه أكثر لطائف القرآن مودعة يف الرتتيبات والروابط وقال بعض األئمة من حماسن الكالم أن يرتبط‬
‫بعضه ببعض لئال يكون منقطعا‪ ،‬وهذا النوع يهمله بعض املفسرين أو كثري منهم وفوائده غزيرة‪ .‬قال‬
‫القاضي أبو بكر بن العريب يف سراج املريدين‪ :‬ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حىت تكون كالكلمة‬
‫الواحدة متسقة املعاين منتظمة املباين علم عظيم مل يتعرض له إال عامل واحد عمل فيه سورة البقرة مث فتح‬
‫اهلل عز وجل لنا فيه‪ ،‬فلما مل جند له الة ورأينا اخللق بأوصاف البطلة ختمنا عليه وجعلناه بيننا وبني اهلل‬
‫ورددناه إليه"(‪.)1‬‬
‫ويق ول اب ن ح زم األندلس ي ع ن مص در الش ريعة إن ه "كلف ظ واح د وخ رب واح د موص ول بعض ه‬

‫ببعض‪ ،‬ومضاف بعضه إىل بعض‪ ،‬ومبين بعضه على بعض"(‪.)2‬‬

‫ولإلم ام الش اطيب إط الق إش ارات مش رقة إىل بنائي ة الق رآن اجملي د ووج وب رد بعض ه إىل بع ض‪،‬‬
‫وم ن ذل ك قول ه را ه اهلل يف فص ل ملح ق باملس ألة الثالث ة عش رة م ن األدل ة عل ى التفص يل‪" :‬وه ل للق رآن‬
‫مآخذ يف النظر على أن مجيع صوره كالم واحد حبسب خطاب العباد ال حبس ب نفس ه؟ ف إن ك الم اهلل يف‬
‫نفسه كالم واحد ال تعدد فيه بوجه وال باعتبار‪...‬وذلك أنه يبني بعضه بعضا‪ ،‬ح ىت إن كث ريا من ه ال يفه م‬

‫(‪)1‬البرهان في علوم القرآن‪ .91 :‬بدر الدين محمد بن عبد اهلل بن بهادر الزركشي‪ .‬تحقيق‪ :‬محمد أبو الفضل‬
‫إبراهيم‪ .‬دار إحياء الكتب العربية لعيسى البابى الحلبي وشركائه‪ .‬الطبعة األولى‪ 1911 .‬هـ ‪ 1911 -‬م‪ ،‬ووال‬
‫أدري من هو هذا العالم الواحد الذي ذكره ابن العربي يرحمه اهلل‪ ،‬ثم كان بوسع ابن العربي أن يقدم ما فتح اهلل‬
‫به عليه دون قدح في الخلق ووصفهم بالبطلة ثم يذهب مذهب المزكي لنفسه على هذا النحو‪ ،‬وهو لم يقم‬
‫باستقراء كامل لما يكتبه الخلق‪ ،‬وهذا ليس في مكنة أحد من الخلق؛ فكم في الزوايا خبابا‪ ،‬وكم في الناس‬
‫بقايا‪ ،‬وفوق كل ذي علم عليم‪.‬‬

‫(‪ )2‬اإلحكام في أصول األحكام ابن حزم ‪ 91/2‬و ‪ 118/8‬تحقيق أحمد محمد شافع دار اآلفاق الجديدة‬
‫بيروت ط‪.1989 2:‬‬

‫‪51‬‬
‫معن اه ح ق الفه م إال بتفس ري موض ع آخ ر أو ص ورة أخ رى‪ ،‬وألن ك ل منص وص علي ه في ه م ن أن واع‬
‫الضروريات مثال مقيد باحلاجيات‪ ،‬فإذا كان ك ذلك فبعض ه متوقف ا عل ى بع ض يف الفه م‪ ،‬ف ال حمال ة أن م ا‬

‫هو كذلك‪ ،‬فكالم واحد‪ ،‬فالقرآن كله كالم واحد هبذا االعتبار"(‪.)1‬‬

‫ويقول د‪ .‬عادل بن حممد أبو العالء بعدما أورد عن الغماري يف كتابه "جواهر البيان" تناسق‬
‫سور‪ :‬املائدة واألنعام واألعراف‪ ،‬قال‪َ " :‬وَال ريب أَن إِ َع َادة النّظر ِيف الْ ِقَراءَة املتأنية َهلَا ‪ -‬ولسائر سور‬
‫مجيد ‪ -‬تفتح على املتأمل أبواباً َال حصر َهلَا َوَال ِهنَايَة من التناسب والرتابط احمل َكم‪ ،‬الَّ ِذي‬ ‫الْقرآن الْ ِ‬
‫ْ‬
‫اعة"(‪.)2‬‬ ‫اعتِبَا ِرِه الكلمةَ اإلهلي َة األخريةَ للثقلني‪ ،‬إِ َىل قيام َّ‬
‫الس َ‬ ‫يظْهر َو ْحدة الْق ْرآن الْ َك ِرمي الْكلية‪ ،‬بِ ْ‬
‫وكما يكون التماسك والتناسق والوحدة يف القرآن كله‪ ،‬فإن السور ال فرج على هذا القانون‪،‬‬
‫وهو أمر منطقي أال خيرج قانون األصغر على قانون األكرب؛ وهلذا قال العالمة حممد عبد اهلل دراز‪" :‬إنك‬
‫اعا من املباين مجعت‬
‫حشوا‪ ،‬وأوز ً‬
‫لتقرأ السورة الطويلة املنجمة حيسبها اجلاهل أضغاثًا من املعاين حشيت ً‬
‫عفوا؛ فإذا هي ‪-‬لو تدبرت‪ -‬بنية متماسكة قد بنيت من املقاصد الكلية على أسس وأصول‪ ،‬وأقيم على‬
‫ً‬
‫كل أصل منها شعب وفصول‪ ،‬وامتد من كل شعبة منها فروع تقصر أو تطول؛ فال تزال تنتقل بني‬
‫أجزائها كما تنتقل بني حجرات وأفنية يف بنيان واحد قد وضع رمسه مرة واحدة‪ ،‬ال حتس بشيء من‬
‫تناكر األوضاع يف التقسيم والتنسيق‪ ،‬وال بشيء من االنفصال يف اخلروج من طريق إىل طريق‪ ،‬بل ترى‬
‫التضام وااللتحاق‪ .‬كل ذلك‬
‫ِّ‬ ‫بني األجناس املرتلفة متام األلفة‪ ،‬كما ترى بني آحاد اجلنس الواحد هناية‬

‫(‪ )1‬الموافقات‪ .211-210 /0 :‬إبراهيم بن موسى الشهير بالشاطبي‪ .‬تحقيق‪ :‬أبو عبيدة مشهور بن حسن آل‬
‫سلمان‪ .‬دار ابن عفان‪ .‬الطبعة األولى ‪1011‬هـ‪1991 /‬م‪.‬‬

‫(‪ )2‬مصابيح الدرر في تناسب آيات القرآن الكريم والسور‪ .190 :‬بحث للدكتور عادل بن محمد أبو العالء‪.‬‬
‫الجامعة اإلسالمية بالمدينة المنورة‪ .‬العدد‪ -129 :‬السنة ‪1021 - 91‬هـ‪ ،‬قال في مقدمته‪" :‬إِن ا ْلقُ ْرآن ا ْل َك ِريم‬
‫يه أَي َك َالم آخر‪ ،‬فألفاظ‬ ‫َج َزائِ ِه‪ ،‬وتماسك َكلِماته وجمله وآياته وسوره مبلغا فريداً‪َ ،‬ال يدانيه ِف ِ‬ ‫بلغ من ترابط أ ْ‬
‫َ‬
‫بعضها بأعناق بعض‪ ،‬فتراها َسلِ َسةً رقيقَة عذبةً متجانسة‪ ،‬أَو فخمةً‬ ‫ُ‬ ‫ا ْلقُ ْرآن وآياته وسوره متعانقة متماسكة‪ ،‬آخذ‬
‫وعلى الرغم من أَنه َكثَْرة متنوعة‪ ،‬إِ َّال أَن َكلِ َماته متآخية متجاوبة‪ ..‬جرساً وايقاعاً ونغماً‪َ ،‬و َه َذا ُكله‬ ‫جزلةً متآلفة‪َ ،‬‬
‫ْخذ باألبصار‪ ،‬ويستحوذ على ا ْل ُعقُول واألفكار‪{ :‬قُ ْرآناً َع َربِّياً َغ ْي َر ِذي ِع َو ٍج لَ َعلَّهُ ْم‬ ‫ِم َّما جعله كتابا سوياً‪َ ،‬يأ ُ‬
‫يه‪ ،‬فَ َال‬ ‫اضح ِف ِ‬ ‫يتَّقُون} (الزمر‪ .. )28/‬يعرف َه َذا اإلحكام والترابط ِفي ا ْلقُرآن كل من تمعن ِفي التناسب ا ْلو ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ُّ‬
‫قصص‪،‬‬ ‫تفكك َوَال تخاذل والانحالل َوَال تنافر‪َ .‬ب ْيَن َما الموضوعات ُم ْختَلفَة متنوعة‪ .‬فَمن تشريع‪ ،‬إِلَى عقائد إِلَى َ‬
‫َّ ِ‬
‫ظمة ا ْلقُ ْرآن ا ْل َك ِريم‬
‫َس َرار الدقيقة التي تتجلى بهَا َع َ‬ ‫إِلَى جدل‪ ،‬إِلَى وصف … إِلَخ‪َ .‬و َه َذا التناسب ُه َو سر من ْاأل ْ‬
‫واعجازه"‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫بغري تكلفة وال استعانة بأمر من خارج املعاين أنفسها‪ ،‬وإ ا هو حسن السياقة ولطف التمهيد يف مطلع‬
‫متصال‪ ،‬واملرتلف مؤتل ًفا"(‪.)1‬‬
‫كل غرض ومقطعه وأثنائه‪ ،‬يريك املنفصل ً‬
‫خصوصا؛‬
‫ً‬ ‫وال ينتهض لبيان ذلك أدا ًة ووسيلة إال املقاصد وفكرهتا عموما‪ ،‬ومقاصد القرآن الكرمي‬
‫يسبح حتته املفسر باطمئنان‪ ،‬وحيقق من‬
‫فإن املقاصد القرآنية هي األفق الوسيع والنظر الفسيح الذي ْ‬
‫خالله هذه الوحدة املوضوعية‪.‬‬
‫وهلذا يقول د‪ .‬حممد بن عمر بازمول مبينًا أه م جه ات العالق ة ب ني النظ ر يف املقاص د الكلي ة‬
‫للق رآن الك رمي‪ ،‬وحتقيق التناسق املوضوعي للسورة خاصة والقرآن عامة مبينًا أن املقاص د الكلي ة للق رآن‬
‫طري ق نظ ام الق رآن الك رمي‪ ،‬وه و الطري ق إىل نظ ام السورة‪ ،‬يقول‪" :‬الوق وف ع لى املقاص د الكلي ة‬
‫عموما‪ ،‬من جهات متعددة‪،‬‬ ‫للق رآن الك رمي يتعل ق بدراس ة التناس ق املوضوعي للسورة أو للقرآن العظيم ً‬
‫وهي التايل‪:‬‬
‫‪ -‬فيه إبراز لتناسق القرآن الكرمي سورة سورة‪ ،‬وإبراز لتناسق مجي ع س وره م ع مقاص ده الكلي ة‪،‬‬
‫حي ث ي ربز النظ ام ال ذي ي ربط موض وعات ال سورة‪ ،‬ك ما ي ربز كيفي ة ات ساق ه ذه املوض وعات بنظامها‬
‫مع املقاصد الكلية اليت يهدف إليها القرآن العظيم‪.‬‬
‫‪ -‬يعت رب األس اس إىل م شروعية النظ ر يف احمل ور األس اس ال ذي هتدف إليه السورة الكرمية‬
‫مبوضوعاهتا املتعددة؛ ألن معرفة هذا الغ رض س يقود إىل املق صد الك لي للق رآن الك رمي‪ ،‬وإذا ك ان جلميع‬
‫القرآن بتعدد سوره وآياته وموضوعاته مقاصد كلية يع ود إليه ا‪ ،‬فإن ه م ن ب اب أوىل أن يك ون لل سورة‬
‫الواح دة ذات املوضوعات املتعددة حمور وهدف وغرض تدل علي ه‪ ،‬ي رتبط م ع مقاصد القرآن الكرمي‬
‫الكلية‪.‬‬
‫‪ -‬الربط بني تناسق السورة وبني باقي سور القرآن طريقه هو معرفة هذه املقاصد الكلية للقرآن‬
‫الكرمي‪ ،‬وبالتايل ف إن املقاص د الكلي ة للق رآن طري ق نظ ام الق رآن الك رمي‪ ،‬وه و الطري ق إىل نظ ام‬
‫السورة"(‪.)1‬‬

‫(‪)1‬النبأ العظيم نظرات جديدة في القرآن الكريم‪ .188 :‬للعالمة محمد بن عبد اهلل دراز‪ .‬اعتنى به‪ :‬أحمد‬
‫مصطفى فضلية‪ .‬قدم له‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد العظيم إبراهيم المطعني‪ .‬دار القلم للنشر والتوزيع‪ .‬طبعة مزيدة ومحققة‬
‫‪1021‬هـ‪2001 -‬م‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫ومن هنا نقول بكل اطمئنان‪ :‬إذا متثل املفسر مقاصد القرآن العام َة واخلاصة واجلزئية ومقاصد‬
‫السور حتققت على يده وحدة القرآن وتناسق موضوعاته‪ ،‬فال يظهر يف تعامله مع القرآن نتوءات وال‬
‫شذوذات وال تناقضات وال اضطرابات فيبدو القرآن عضني‪ ،‬وإ ا باملقاصد القرآنية يبدو القرآن على يد‬
‫املفسر وحدة واحدة وقطعة واحدة يف متاسك وترابط وانسجام‪.‬‬

‫(‪ )1‬التناسق الموضوعي في السورة القرآنية‪ .90-99 :‬إعداد محمد بن عمر بن سالم بازمول‪ .‬د‪.‬ت‪ .‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬فوائد التفسير المقاصدي للقرآن الكريم‪:‬‬
‫لكل أمر غاية‪ ،‬ولكل حكم مقصد وفائدة‪ ،‬وهذا منهج جيب أن يكون منطلقا لكل إنسان يف‬
‫احلياة؛ فضال عن املسلم‪ ،‬فضال عن حال املسلم مع كتاب اهلل تعاىل ‪ ..‬وإذا كان هذا هو ما ينبغي أن‬
‫تكون عليه حال املسلم‪ ،‬فمن باب أوىل أن يكون هذا حال العامل واملشتغل بكتاب اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وإذا كان للنظر املقاصدي والفهم املقاصدي لإلسالم مقومات ينبغي توافرها فيمن يتعرض للقرآن‬
‫مقاصديًّا‪ ،‬فما مقاصد هذا املنهج واالجتاه يف التعامل مع القرآن‪ ،‬وما غايات إعمال التفسري املقاصدي‬
‫للقرآن العظيم؟‪ .‬هذا ما حناول اإلجابة عنه يف السطور التالية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬امتثاال ألمر اهلل تعالى ورسوله صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫إن أول مقصد حمقق من التفسري املقاصدي للقرآن الكرمي هو االمتثال ألمر اهلل تعاىل بالتدبر‪،‬‬
‫اختِالَفاً َكثِرياً‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫وقد نقلنا سلفا قوله تعاىل‪" :‬أَفَالَ يَتَ َدبَّرو َن الْق ْرآ َن َولَ ْو َكا َن م ْن عند َغ ِْري اللّه لََو َجدواْ فيه ْ‬
‫وب أَقْ َفاهلَا {‪ ."}14‬سورة‬ ‫{‪ ."}21‬سورة النساء‪ .‬وقوله جل شأنه‪" :‬أَفَ َال ي تَ َدبَّرو َن الْقرآ َن أ َْم َعلَى ق ل ك‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫حممد‪ ،‬ونقلنا كالم الشاطيب وغريه‪ ،‬يقول صاحب الظالل يف تفسري اآلية األخرية‪" :‬وتدبر القرآن يزيل‬
‫الغشاوة ‪ ،‬ويفتح النوافذ‪ ،‬ويسكب النور‪ ،‬وحيرك املشاعر‪ ،‬ويستجيش القلوب‪ ،‬وخيلص الضمري‪ ،‬وينشئ‬
‫وب أَقْفاهلا؟» فهي حتول بينها وبني القرآن وبينها‬ ‫حياة للروح تنبض هبا وتشرق وتستنري‪« ،‬أ َْم َعلى ق ل ك‬
‫وبني النور؟ فإن استغالق قلوهبم كاستغالق األقفال اليت ال تسمح باهلواء والنور!"(‪.)1‬‬
‫ورسولنا – صلى اهلل عليه وسلم – شيبْته هود وأخواهتا‪ ،‬وكان يبكي مع القرآن كثريا‪ ،‬وخيشع له‬
‫يد َوِجْئ نَا‬
‫ويتدبر طويال‪ ،‬وهو الذي بكى حينما مسع قوله تعاىل‪﴿" :‬فَ َكيف إِذَا ِجْئ نا ِمن كل أ َّم كة بِش ِه ك‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫ول لَ ْو ت َس َّوى هبِِم األ َْرض َوالَ يَكْتمو َن‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِك‬
‫الرس َ‬
‫صواْ َّ‬
‫ين َك َفرواْ َو َع َ‬
‫يدا (‪ )42‬يَ ْوَمئذ يَ َوُّد الذ َ‬ ‫بِ َ‬
‫ك َعلَى َهؤالء َش ِه ً‬
‫اللَّهَ َح ِديثًا (‪ .﴾)41‬سورة النساء‪.‬‬
‫ويف صحيحي البراري ومسلم‪ :‬أ ّن عبد اهلل بن مسعود قال‪ :‬قال يل رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪" :-‬اقرأ علي" فقلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬آقرأ عليك‪ ،‬وعليك أنزل؟ قال‪" :‬نعم إين أحب أن أمسعه من‬
‫ك ِ‬ ‫ِ‬
‫ف إِ َذا جْئ نَا ِمن ك ِّل َّأم كة بِ َش ِهيد َوجْئ نَا بِ َ‬
‫ك‬ ‫غريي" فقرأت سورة النساء حىت أتيت إىل هذه اآلية‪ ﴿ :‬فَ َكْي َ‬
‫َعلَى َه ؤالۤ ِء َش ِهيداً ﴾ فقال‪ " :‬حسبك اآلن " فإذا عيناه تذرفان"‪.‬‬

‫(‪ )1‬في ظالل القرآن‪ .9291 /1 :‬سيد قطب‪ .‬دار الشروق‪ .‬القاهرة‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫يقول العالمة الطاهر ابن عاشور‪" :‬ال فعل أمجع داللة على موع الشعور عند هذه احلالة من‬
‫بكاء رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فإنه داللة عل شعور تمع فيه دالئل عظيمة‪ :‬وهي املسرة‬
‫بتشريف اهلل إياه يف ذلك املشهد العظيم وتصديق املؤمنني إياه يف التبليغ ورؤية اخلريات اليت أجنزت هلم‬
‫بواسطته واألسف على ما حلق بقية أمته من العذاب على تكذيبه ومشاهدة ندمهم على معصيته والبكاء‬
‫ترمجان راة ومسرة وأسف وهبجة"(‪.)1‬‬
‫السماو ِ‬
‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ض‬ ‫وبكى النيب – صلى اهلل عليه وسلم – عند قوله تعاىل‪( :‬إ َّن يف َخ ْلق َّ َ َ‬
‫اب)‪ .‬سورة آل عمران‪.222 :‬‬‫ات ِّأل ِويل األَلْب ِ‬ ‫واختِ ِ‬
‫الف اللَّي ِل والنَّها ِر َآلي ك‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫عن عطاء قال‪ :‬دخلت أنا وعبيد بن عمري على عائشة‪ ،‬فقالت لعبيد بن عمري‪ :‬قد آن لك أن‬
‫تزورنا‪ ،‬فقال‪ :‬أقول يا أمه كما قال األول‪ :‬زْر غبًّا تزدد حبا‪ .‬قال‪ :‬فقالت‪ :‬دعونا من رطانتكم هذه‪.‬‬
‫قال ابن عمري‪ :‬أخربينا بأعجب شيء رأيته من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬قال‪ :‬فسكتت مث قالت‪:‬‬
‫ملا كان ليلة من الليايل قال‪" :‬يا عائشة ذريين أتعبد الليلة لريب"‪ .‬قلت‪ :‬واهلل إين ألحب قربك‪ ،‬وأحب ما‬
‫سرك‪ .‬قالت‪ :‬فقام فتطهر مث قام يصلي‪ .‬قالت‪ :‬فلم يزل يبكي حىت بل حجره‪ .‬قالت‪ :‬مث بكى فلم يزل‬
‫يبكي حىت بل حليته‪ .‬قالت‪ :‬مث بكى فلم يزل يبكي حىت بل األرض‪ ،‬فجاء بالل يؤذنه بالصالة‪ ،‬فلما‬
‫رآه يبكي قال‪ :‬يا رسول اهلل مل تبكي وقد غفر اهلل لك ما تقدم وما تأخر؟ قال‪" :‬أفال أكون عبدا‬
‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ض} اآلية‬ ‫علي الليلة آية ويل ملن قرأها ومل يتفكر فيها‪{ :‬إ َّن يف َخ ْلق َّ َ َ‬
‫شكورا‪ .‬لقد نزلت َّ‬
‫كلها"(‪.)2‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن من هدي اهلل تعاىل وهدي رسوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أن نتدبر القرآن‪ ،‬وفهم‬
‫مقاصد القرآن واستيعاهبا والصدور عنها والقراءة يف ضوئها هي الباب األعظم لتدبر القرآن الكرمي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬زيادة اإليمان واليقين بقيمة القرآن ومكانته واتباعه‪:‬‬

‫(‪ )1‬التحرير والتنوير‪ .18 :1 :‬الطبعة التونسية‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه ابن حبان‪ ،‬واسناده صحيح على شرط مسلم‪ ،‬وأخرجه أبو الشيخ في "أخالق النبي" ص ‪ 181‬عن‬
‫الفريابي‪ ،‬عن عثمان بن أبي شيبة‪ ،‬بهذا اإلسناد‪ ،‬وله طريق أخرى عن عطاء عند أبي الشيخ ص ‪،190‬‬
‫‪ .191‬انظر‪ :‬صحيح ابن حبان وهوامشه‪.981 /2 :‬‬

‫‪55‬‬
‫حينما يقف املسلم عل ى مقاص د الق رآن م ن خ الل التفس ري املقاص دي فإن ه ي زداد إميان ا هب ذا الق رآن‪،‬‬
‫ويقف على مزيد من عظمته‪ ،‬ويدرك مكانته احلقيقية‪ ،‬ويزداد حبه ويقين ه هب ذا الق رآن العظ يم؛ فإن ه كت اب‬
‫عظيم حقا‪ ،‬وال خيلق على كثرة الرد‪ ،‬وال يشبع منه العلماء‪ ،‬وال تنقضي عجائبه‪.‬‬

‫وللوق وف عل ى عظم ة الق رآن وزي ادة اليق ني في ه وتعظ يم اإلمي ان ب ه مبعرف ة ه ذه املقاص د آث ار عظيم ة‬
‫تنعكس على نفس املؤمن وروحه وسلوكه مجيعا‪.‬‬

‫وم ن ذل ك أن ه إذا وق ف عل ى مقاص د الق رآن "ي زداد" امتثال ه وانقي اده‪ ،‬واس تمراره وإتقان ه للعم ل‪،‬‬
‫ودفعه إلي ه وتنش يطه علي ه‪ ،‬عل ى رد االمتث ال واالنقي اد واالس تمرار واإلتق ان‪ ،‬وخباص ة يف أم ور العب ادات‪،‬‬
‫وهل ذا ق ال اآلم دي‪" :‬م ا ي دل عل ى العل ة يقص د م ن النص وص يك ون أوىل؛ لقرب ه م ن املقص ود؛ بس بب‬

‫سرعة االنقياد‪ ،‬وسهولة القبول"(‪.)1‬‬

‫وق ال اب ن عاش ور‪" :‬ويف اإلع الم بالعل ة تنش يط للم أمور بالفع ل عل ى االمتث ال؛ إذ يص ري عامل ا‬
‫ً‬
‫باحلكمة"(‪.)2‬‬

‫ويق ول د‪ .‬أا د الريس وين‪" :‬إن معرف ة مقاص د األعم ال حت رك النش اط إليه ا‪ ،‬وت دعو إىل الص رب‬

‫واملواظبة عليها‪ ،‬وتبعث على إتقاهنا واإلحسان فيها"(‪.)3‬‬

‫وال يع ين ه ذا أن العب د ال ميتث ل أو ينق اد ألم ر اهلل ويقب ل عل ى تنفي ذ حكم ه إال مبعرفت ه للمقص د أو‬
‫أسرار األحكام‪ ،‬وإ ا يكفي أنه أمر اهلل أو أمر رسوله صلى اهلل عليه وس لم فه ذا وح ده ك ك‬
‫اف لالمتث ال‬
‫واالنقي اد واالس تمرار‪ ،‬وهل ذا فإنن ا نتح دث هن ا ع ن "الزي ادة" يف ه ذه املع اين‪ ،‬ول يس رد اإلتي ان هب ا؛ إذ‬
‫"املقص ود أن احلك م الش رعي ال خيل و ع ن حكم ة ومص لحة‪ ،‬لك ن ق د تعل م ه ذه احلكم ة فيس هل‬

‫االمتثال"(‪.)4‬‬

‫(‪)1‬اإلحكام في أصول األحكام لآلمدي‪210/0 :‬‬


‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪.220/19 :‬‬
‫(‪ )3‬مدخل إلى مقاصد الشريعة‪.11-11 :‬‬
‫سن الجيزاني‪ .‬دار ابن‬
‫حس ْين بن َح ْ‬
‫بن َ‬
‫محمد ْ‬
‫َّ‬ ‫(‪)4‬معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة‪.911 :‬‬
‫الجوزي‪ .‬الطبعة الخامسة‪1021 .‬هـ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫اظم ل ذلك وك رب‬
‫ويقول املناوي يف كالم نفيس‪" :‬من فقه عن اهلل أمره وهنيه‪ ،‬وعلم ملاذا أمر وهن ى‪ ،‬تع َ‬
‫ارعا مل ا أم ر‪ ،‬وأش د هربًا مم ا هن ى؛ فالفقوه فوي الودين جنود عظويم يهلليود اهلل‬
‫يف صدره شأنه‪ ،‬وكان أش َّد تس ً‬
‫بووه أهوول اليقووين الووذين عوواينوا محاسوون األمووور ومشووائنلا وأقوودار األشووياء وحسوون توودبير اهلل تعووالى فووي‬
‫ذلووك للووم بنووور يقيوونلم ليعبوودون علووى بصوويرة وطمأنينووة‪ ،‬وم ن ح رم ذل ك َعبَ ده عل ى مكاب دة وك ره؛ ألن‬
‫القل ب وإن أط اع وانق اد ألم ر اهلل ف النفس إ ا تنق اد إذا رأت نف َع ش يء أو ض ره‪ ،‬وال نفس والش يطان‬

‫جندمها الشهوات؛ فيحتاج اإلنسان إىل أضدادمها من اجلنود ليقهرمها‪ ،‬وهو الفقه"(‪.)1‬‬

‫فليس من املعقول أن يستوي العب د ال ذي يع رف ه دف احلك م أو مقاص د الق رآن م ع العب د ال ذي ال‬
‫دحا يف عبودي ة العب د‬
‫يعرف‪ ،‬يف سرعة االمتثال‪ ،‬ويف االنقياد‪ ،‬وكذلك االستمرار واإلتقان‪ ،‬وه ذا ال يع د ق ً‬
‫أو عقيدته‪ ،‬فهناك حد أدىن من االمتثال واالنقياد واالستمرار واألداء ال جيوز ألحد النزول عنه سواء عل م‬
‫مقاصد األحكام أم مل يعلمها‪ ،‬وإ ا يتف اوت العب اد يف درج ات ه ذه املع اين ويتفاض لون بق در مع رفتهم مب ا‬
‫حنن بصدد احلديث عنه‪.‬‬

‫وهل ذا ق ال األص فهاين‪" :‬وإ ا غل ب ثب وت احلك م بالعل ة يف الش رع؛ ألن تعقوول العلووة فووي الحكووم‬

‫أقرب إلى االنقياد والقبول من التعبد المحض"(‪.)2‬‬

‫الرم ل يف‬
‫وجع ل اب ن دقي ق العي د ذل ك باعثً ا عل ى تعظ يم األول ني‪ ،‬ق ال وه و ي تكلم ع ن مش روعية َّ‬
‫الطَّ واف واس تحبابه مطل ًق ا يف ط واف الق دوم يف زم ن الن يب ص لى اهلل علي ه وس لم وبع ده‪ ،‬ق ال‪" :‬وإن‬

‫كانت العلة اليت ذكرها اب ن عب اس(‪ )3‬ق د زال ت فيك ون اس تحبابه يف ذل ك الوق ت لتل ك العل ة وفيم ا بع د‬

‫(‪)1‬فيض القدير‪ .108-101/2 :‬وهذا المعنى يتردد كثي ار في "الفيض" حينما يتحدث عن الفقه في الدين‬
‫والفهم عن اهلل‪ ،‬أو حينما يتعرض لشرح حديث‪" :‬من يرد اهلل به خي ار يفقهه في الدين ويلهمه رشده"‪.‬‬

‫(‪ )2‬بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب‪ .109-108/9 :‬شمس الدين أبو الثناء محمود بن عبد‬
‫الرحمن بن أحمد األصفهاني‪ .‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد مظهر بقا‪ .‬معهد البحوث العلمية واحياء التراث اإلسالمي‪.‬‬
‫مركز إحياء التراث اإلسالمي‪ .‬مكة المكرمة‪ .‬الطبعة األولى‪1001 .‬هـ ‪1981/‬م‪.‬‬

‫عباس ـ رضي اهلل عنهما ـ هي ما رواه البخاري من حديث ابن عباس‬ ‫(‪) 3‬العلة المقصودة هنا والتي ذكرها ابن‬
‫ون‪ :‬إَِّنهُ َي ْق َد ُم َعلَْي ُك ْم َوْف ٌد َو َهَنهُ ْم ُح َّمى‬ ‫َّ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َص َح ُابهُ‪ ،‬فَقَا َل ا ْل ُم ْش ِرُك َ‬
‫َو َسل َم ـ َوأ ْ‬ ‫قال‪" :‬قَد َم َر ُسو ُل الله ـ َ‬

‫‪57‬‬
‫ذلك تأسيًا واقتداء مبا فعل يف زم ن الرس ول ص لى اهلل علي ه وس لم ويف ذل ك م ن احلكم ة‪ :‬ت ذكر الوق ائع‬
‫املاض ية للس لف الك رام‪ ،‬ويف ط ي ت ذكرها مص احل ديني ة؛ إذ يتب ني يف أثن اء كث ري منه ا م ا ك انوا علي ه م ن‬
‫امتثال أمر اهلل تعاىل‪ ،‬واملبادرة إليه‪ ،‬وبذل األنفس يف ذلك‪ ،‬وهبذه النكتة يظهر ل ك َّ‬
‫أن كث ًريا م ن األعم ال‬
‫ال يت وقع ت يف احل ج‪ ،‬ويق ال فيه ا‪ :‬إهن ا تعبُّ د ليس ت كم ا قي ل‪ .‬أال ت رى أن ا إذا فعلناه ا وت ذكرنا أس باهبا‬
‫حص ل لن ا م ن ذل ك تعظ يم األول ني‪ ،‬وم ا ك انوا علي ه م ن احتم ال املش اق يف امتث ال أم ر اهلل‪ ،‬فكووان هووذا‬

‫ومقررا في أنفسنا تعظيم األولين‪ ،‬وذلك أمر معقول"(‪.)1‬‬


‫ً‬ ‫التذكر باعثًا لنا على مثل ذلك‪،‬‬
‫ب ل جع ل العالم ة احملق ق اب ن ق يم اجلوزي ة معرفووة ِ‬
‫الح َكووم والمقاصوود واألسورار بابًووا ينقوول العبوود موون‬
‫مجرد االمتثال إلى المحبة والمعرفة والحمد واإلجالل‪ ،‬فق ال‪" :‬إن للحك م يف ك ل مس ألة م ن مس ائل‬
‫العل م مناديً ا ين ادي لإلمي ان هب ا علم اً وعم الً؛ فيقص د إجاب ة داعيه ا ولك ن م راده أي اهل روي ص احب‬
‫من ازل الس ائرين ب داعي احلك م األس رار واحلك م الداعي ة إىل ش رع احلك م‪ ،‬فإجابته ا ق در زائ د عل ى رد‬
‫االمتث ال؛ فإهن ا ت دعو إىل احملب ة واإلج الل واملعرف ة واحلم د‪ ،‬ف األمر ي دعو إىل االمتث ال‪ ،‬وم ا تض منه م ن‬

‫احلكم والغايات تدعو إىل املعرفة واحملبة"(‪.)2‬‬

‫ومن هنا مل يكن غريبًا أن تشفع كث ري م ن نص وص الق رآن والس نة ببي ان اهل دف م ن أحكامه ا‪ ،‬س واء‬
‫أك ان يف امل أمورات ب ذكر األج ر والث واب املرتت ب عل ى القي ام هب ا‪ ،‬أم يف املنهي ات ب ذكر اإلمث والعقوب ات‬
‫املرتتبة على إتياهنا‪ ،‬ويف ذلك ما فيه من حتفيز الناس عل ى الس رعة والزي ادة يف االمتث ال واالنقي اد‪ ،‬واإلتق ان‬
‫يف العم ل‪ ،‬واالس تمرار حب ب ورض ا وا د وإج الل‪ ،‬ول يس رد االمتث ال والس مع والطاع ة فق ط‪ ،‬وإال مل ا‬
‫كان يف ذكر النصوص لذلك معا‪.‬‬

‫الرْكَن ْي ِن‪َ ،‬ولَ ْم َي ْمَن ْعهُ أ ْ‬


‫َن‬ ‫َن َي ْم ُشوا َما َب ْي َن ُّ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ـ أ ْ‬
‫َن َي ْرُملُوا ْاألَ ْش َواطَ الثَّ َالثَةَ َوأ ْ‬ ‫النبِ ُّي ـ َ‬
‫َم َرُه ْم َّ‬ ‫َيثْ ِر َ‬
‫ب َوأ َ‬
‫اء َعلَْي ِه ْم"‪ .‬صحيح البخاري‪ :‬كتاب المغازي‪ .‬باب‪ :‬عمرة القضاء‪.‬‬ ‫َن َي ْرملُوا ْاألَ ْشواطَ ُكلَّهَا إِ َّال ِْ‬
‫اإل ْبقَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْم َرُه ْم أ ْ ُ‬ ‫َيأ ُ‬
‫(‪)1‬إحكام األحكام شرح عمدة األحكام‪ .911 :‬تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع‬
‫القشيري‪ ،‬المعروف بابن دقيق العيد (المتوفى‪102 :‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬مصطفى شيخ مصطفى‪ ،‬ومدثر سندس‪.‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ .‬بيروت‪ .‬الطبعة األولى‪1021 .‬هـ ‪2001 /‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد واياك نستعين‪ .192/1 :‬محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي‪ ،‬أبو عبد‬
‫اهلل‪ .‬تحقيق‪ :‬محمد حامد الفقي‪ .‬دار الكتاب العربي‪ .‬بيروت‪ .‬الطبعة الثانية‪1999 .‬هـ‪1919 /‬م‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫ددا م ن النص وص م ن ه ذا القبي ل يف القص اص‪ ،‬والت يمم‪ ،‬وال زىن‪ ،‬والغيب ة‪،‬‬
‫لق د أورد د‪ .‬الريس وين ع ً‬
‫وإتيان النساء أثناء احليض‪ ،‬وهي أمثلة معروفة مقاصدها ومنصوص ة‪ ،‬مث ق ال‪" :‬فم ن ش أن ه ذه التعل يالت‬
‫افزا‬
‫املرافق ة لألحك ام‪ ،‬املنبه ة عل ى م ا جتلب ه م ن خ ري ونف ع‪ ،‬وم ا تدفع ه م ن فس اد وض رر‪ ،‬أن تك ون ح ً‬
‫إض افيًّا عل ى العم ل والص رب عل ى مقتض ياته ومتطلبات ه‪ ،‬ومث ل الق رآن الك رمي ك ان الن يب ي نهج ه ذا ال نهج‪،‬‬
‫ويب ني عل ل األحك ام ومقاص دها حتبيبً ا وترغيبً ا يف الت زام التك اليف الش رعية‪ ،‬واملواظب ة عليه ا‪ ،‬وال تحمس‬

‫هلا"(‪.)1‬‬

‫وال تبعد معرفة مقاص د األحك ام وعلله ا ع ن معرف ة املقاص د القرآني ة بأنواعه ا‪ ،‬ب ل إن معرف ة املقاص د‬
‫القرآني ة حتق ق ه ذا كل ه م ن ب اب أوىل‪ ،‬وجتع ل املكل ف أكث ر حبًّ ا للق رآن العظ يم والعم ل ب ه‪ ،‬وأرغ ب يف‬
‫أدائ ه بإتق ان‪ ،‬وأق رب إىل االمتث ال احلقيق ي املرض ي‪ ،‬فل م يش رع اهلل األحك ام ليعن ت عب اده‪ ،‬ولك ن را ة‬
‫وتيسريا عليهم‪ ،‬وهذا حبد ذاته من مقاصد وضع الشريعة‪.‬‬
‫ً‬ ‫هبم‪ ،‬ومصلحة هلم‪،‬‬

‫ثالثًا‪ :‬حسن الفلم وتيسير الحفظ‪:‬‬


‫م ن مقاص د التفس ري املقاص دي لس ور الق رآن الك رمي فه م الق رآن واملوض وعات والس ور واس تيعابه‬
‫وتيس ري حفظ ه‪ ،‬فم ن تأم ل يف الق رآن منطلِ ًق ا م ن املقاص د‪ ،‬وت دبر الس ورة مبوض وعاهتا ال يت تص ب يف‬
‫أَّب علي ه فه م موض وع‬
‫موضوع واح د وغاي ة واح دة مل يك ن م ن الص عب علي ه أن يق ف أمام ه مع ا‪ ،‬أو يت َّ‬
‫من موضوعات الق رآن أو الس ورة‪ ،‬وأس رار إي راده ‪ ..‬إن ه سيس لك موض وعات الس ورة مجيع ا – ب ال تعس ف‬
‫– إىل ه دفها الكب ري ال ذي تش ري إلي ه ك ل موض وعات الس ورة ‪ ..‬وم ن مث ميكن ه أن يع رب ع ن الس ورة دعويًّا‬
‫وإصالحيًّا يف تمعه وبني الناس‪ ،‬وهكذا القرآن كله‪.‬‬

‫وقد قرر اإلمام رشيد رضا طريق حسن الفهم للقرآن الكرمي فقال‪" :‬إََِّا يَ ْف َه م الْق ْرآ َن َويَتَ َف َّق ه فِي ِه َم ْن‬
‫الص َالةِ َم ا بَيَّ نَ ه اهلل تَ َع َاىل فِي ِه ِم ْن َم ْوض ِ‬
‫وع‬ ‫الص َالةِ َوِيف َغ ِْري َّ‬
‫ب َعْينِ ِه َوِو ْج َه ةَ قَ ْلبِ ِه ِيف تَِال َوتِ ِه ِيف َّ‬
‫ص َ‬
‫َك ا َن ن ْ‬
‫وع َو َخ ْش يَ كة‪،‬‬
‫ْم ِة تَ َدبُِّرهِ‪ِ ،‬م ْن َعلَ كم َون وكر‪َ ،‬وه ًدى َوَر ْاَ كة‪َ ،‬وَم ْو ِعظَ كة َو ِعْب َرةك‪َ ،‬وخش ك‬ ‫ِِ ِ ِ ِِِ ِ‬
‫تَْن ِزيل ه‪َ ،‬وفَائ َدة تَ ْرتيل ه‪َ ،‬وحك َ‬

‫(‪ )1‬الفكر المقاصدي‪ ،90-99 :‬وراجع هذه النقول في كتابنا‪ :‬مقاصد األحكام الفقهية تاريخها ووظائفها‬
‫التربوية والدعوية‪ .111-108 :‬و ازرة األوقاف والشئون اإلسالمية بالكويت عدد (‪ )11‬من سلسلة روافد‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫ك َغايَة إِنْ َذا ِرهِ َوتَْب ِش ِريهِ‪َ ،‬ويَْلَزم َه ا َع ْق ًال َوفِطْ َرًة تَ ْق َوى اهللِ تَ َع َاىل بِتَ ْر ِك َم ا نَ َه ى‬ ‫ك‬
‫َوس نَ كن ِيف الْ َع ا َِمل مطَّ ِرَدة‪ .‬فَتِْل َ‬
‫ِ ِ‬ ‫اع ِة‪ ،‬فَِإنَّه َك َما قَ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني)"(‪.)1‬‬ ‫ال‪( :‬ه ًدى ل ْلمتَّق َ‬ ‫َعْنه‪َ ،‬وف ْع ِل َما أ ََمَر بِه بَِق ْد ِر اال ْستطَ َ‬
‫كما أن الذي ينظر للقرآن أو السورة نظرا مقاصديًّا يسهل عليه احلفظ‪ ،‬ويتيسر علي ه التعام ل‪ ،‬فم ن‬
‫يق رأ م ا كتب ه ص احب الظ الل يف مقدم ة ظالل ه وقب ل ك ل س ورة سيش عر أن ه اس توعب الس ورة وتش بع هب ا؛‬
‫ذلك‪ ،‬أن الفهم املقاصدي للقرآن وسوره يعطي صورة ش املة لإلنس ان ع ن الق رآن أو املوض وع أو الس ورة‪،‬‬
‫وييس ر عل ى عقل ه تص ور موض وعات الق رآن‪ ،‬وص لة ك ل موض وع ب اآلخر‪ ،‬وكي ف تق يم ه ذه املوض وعات‬
‫وح دة بنائي ة أو موض وعية س واء يف موض وع أو يف س ورة م ن الس ور‪ ،‬وه ذا مم ا ييس ر الفه م واالس تيعاب‬
‫واحلفظ‪.‬‬

‫ابعا‪ :‬تقليال للخالف بين المفسرين والتعصب عند المسلمين‪:‬‬


‫رً‬
‫م ن الفوائ د املهم ة ال يت حيققه ا التفس ري املقاص دي والنظ ر املقاص دي يف الق رآن الك رمي أن ه يقل ل‬
‫اخلالف ويرفعه‪ ،‬ومينع التعص ب وحياص ره‪ ،‬فالتفس ري وف ق مقاص د الق رآن يرف ع اخ تالف املرتلف ني‪ ،‬ويق رب‬
‫بني املتباعدين‪ ،‬ويؤلف بني املتنافرين‪ ،‬وهي ميزة عامة للفك ر املقاص دي يف ك ل ال ويف أي عل م ويف أي ة‬
‫قضية ومسألة؛ ألنه فكر جيمع وال يفرق‪ ،‬ويبين وال يهدم‪ ،‬وجيدد وال يبدد‪.‬‬

‫وهل ذا ف إن الش اطيب وه و يتح دث ع ن أمهي ة معرف ة الس ياقات ومقتض ى احل ال ال ذي واك ب ن زول‬
‫القرآن‪ ،‬أورد أثرا يبني ذل ك ويوض حه‪ ،‬وه و م ا روى أب و عبي د ع ن إب راهيم التيم ي؛ ق ال‪" :‬خ ال عم ر ذات‬
‫ي وم؛ فجع ل حي دث نفس ه‪ :‬كي ف فتل ف ه ذه األم ة ونبيه ا واح د‪[ ،‬وقبلته ا واح دة]؟ [فأرس ل إىل اب ن‬
‫عب اس؛ فق ال‪ :‬كي ف فتل ف ه ذه األم ة ونبيه ا واح د وقبلته ا واح دة؟]‪ .‬فق ال‪ :‬اب ن عب اس‪ :‬ي ا أم ري‬
‫امل ؤمنني! إن ا أن زل علين ا الق رآن فقرأن اه‪ ،‬وعلمن ا فيم ا ن زل‪ ،‬وإن ه س يكون بع دنا أق وام يق رءون الق رآن وال‬
‫ي درون فيم ا ن زل‪ ،‬فيك ون هل م في ه رأي‪ ،‬ف إذا ك ان هل م في ه رأي اختلف وا‪ ،‬ف إذا اختلف وا اقتتل وا‪ .‬ق ال‪ :‬فزج ره‬

‫الطبعة األولى‪1099 .‬هـ ‪2012‬م‪.‬‬


‫(‪ )1‬تفسير القرآن الحكيم المسمى (تفسير المنار)‪.8 /1 :‬‬

‫‪61‬‬
‫عم ر وانته ره؛ فانص رف اب ن عب اس‪ ،‬ونظ ر عم ر فيم ا ق ال؛ فعرف ه فأرس ل إلي ه؛ فق ال‪ :‬أع د عل ي م ا قل ت‪.‬‬
‫فأعاده عليه؛ فعرف عمر قوله وأعجبه(‪.)1‬‬

‫فأن ت ت رى هن ا حينم ا توق ف عم ر ومس ع الق ول وت دبره ووقَ ف عل ى أس راره ومغازي ه‪ ،‬وم ن مث ع رف‬
‫القول وأعجبه ورفع احلالف‪ ،‬بل انتهى الزجر والنهر‪.‬‬

‫واحل ق أن املقاص د القرآني ة وخباص ة القطعي ة واألص لية النص ية منه ا م ىت كان ت هل ا ه ذه احلجي ة‬
‫باعتبار ثبوهتا ووض وحها وانض باطها واطراده ا وس المتها م ن املع ارض يك ون دوره ا احلاس م يف التقلي ل م ن‬
‫متاما‪ ،‬فمىت ظهر املقصد ال يصح بل ال جيوز أن يكون هناك خالف‪.‬‬
‫اخلالف بل القضاء عليه ً‬

‫وهل ذا جع ل اب ن عاش ور أعظ م م ا يه م املتفقه ني إجي اد ثل ة م ن املقاص د القطعي ة ليجعلوه ا أص ًال‬


‫يص ار إلي ه يف الفق ه واجل دل(‪ ،)2‬وق ال‪« :‬إذا ان تظم ال دليل عل ى إثب ات مقص د ش رعي وج ب عل ى‬
‫املتجادلني فيه أن يستقبلوا قبلة اإلنصاف‪ ،‬وينبذوا االحتماالت الضعاف»(‪.)3‬‬

‫ولع ل امل نهج ال ذي وض عه اإلم ام الش اطيب يف ط رق معرف ة مقاص د الش ارع يك ون ل ه أث ر يف مج ع‬
‫الكلم ة ومل الش مل وحس م اخل الف وتوحي د املرتلف ني‪ ،‬وه و م نهج وس ط ب ني الظاهري ة والباطني ة؛ حي ث‬
‫متََثَّ َل منهج ه يف أربع ة قواع د‪ :‬التم اس املقص د يف نف س األم ر والنه ي‪ ،‬وم ن عل ل األم ر والنه ي‪ ،‬وتقس يم‬
‫املقاص د إىل أص لية وتبعي ة‪ ،‬والتم اس املقص د الش رعي يف ع دم الفع ل ال الفع ل(‪ .)4‬وه ذه املس الك يس تفاد‬
‫منها يف ال القرآن‪.‬‬

‫وه ذا الوض وح يف املقاص د القرآني ة يقل ل اخل الف – إن مل حيس مه – ب ني املفس رين‪ ،‬وخباص ة يف‬
‫القض ايا القرآني ة الك ربى‪ ،‬وك ذلك يف آي ات األحك ام ال يت يكث ر فيه ا االخ تالف نظ را لطبيعته ا الفقهي ة‪،‬‬
‫فم ىت اتض حت املقاص د القرآني ة وكان ت بين ة يف الق رآن ف ال ش ك أنن ا س نوفر عل ى أنفس نا عن اءً كب ريا يف‬

‫(‪)1‬الموافقات للشاطبي‪.108 /0 :‬‬


‫(‪ )2‬مقاصد الشريعة‪ .91 :‬طبعة دار السالم‪.‬‬
‫(‪ )3‬مقاصد الشريعة‪ .11 :‬دار السالم‪.‬‬
‫(‪ )4‬أثر المقاصد في حصر الخالف عند اإلمام الشاطبي‪ .‬نجيبة رحماني‪ .‬مخبر الدراسات الشرعية‪ .‬جامعة‬
‫األمير عبد القادر للعلوم اإلسالمية‪ .‬قسنطينة‪ .‬الجزائر‪ .‬العدد الرابع‪ .201-191/1 :‬صفر ‪1021‬هـ‪/‬مارس‬
‫‪2001‬م‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫البحث والتنقيب واحلرية بني أقوال املفسرين‪.‬‬

‫معيارا للتحاكم في الفلم والتطبيق‪:‬‬


‫خامسا‪ً :‬‬
‫ً‬
‫ومن فوائد االحتكام إىل مقاصد القرآن بأنواعها يف تفسريه أهنا معيار يرجع إليه ويعول علي ه ويص َدر‬
‫عنه‪ ،‬سواء يف الفهم أم يف التطبيق‪.‬‬

‫فمقاص د الق رآن العام ة ه ي املرج ع واملع َّول عن د النظ ر الكل ي يف الق رآن الك رمي ل دى املفس رين‪ ،‬ف أي‬
‫تن اول كل ي‪ ،‬أو نظ ر كل ي‪ ،‬أو تعام ل كل ي يف الق رآن الك رمي ف ال ش ك أن املقاص د العام ة للق رآن س تكون‬
‫هي الضابطة هلذا النظر‪ ،‬واملوجهة هلذا التفكري‪ ،‬واملرشِّدة هلذا املنهج‪ ،‬واملسددة هلذا التعامل‪.‬‬

‫وك ذلك املقاص د اخلاص ة ال يت ه ي مقاص د اجمل االت أو املوض وعات س تقوم بالوظ ائف نفس ها م ع‬
‫النظر املوضوعي أو اجملايل يف القرآن الكرمي‪.‬‬

‫وق ل مث ل ذل ك يف الس ور‪ ،‬ف ال يس رح املفس ر يف احل ديث يف الس ورة أو عنه ا إال بق در م ا تس رحه‬
‫مقاص د تل ك الس ورة‪ ،‬ف إن مقاص د الس ورة ه ي منته ى النظ ر التفس ريي ل دى املفس ر ال ينبغ ي أن يتج اوزه‬
‫وال يتعداه‪.‬‬

‫وكذلك مقاصد اآليات والكلمات احملكومة مبقاصد السورة ينبغي للمفسر أن يعتم دها معي ًارا للفه م‬
‫والنظر عند التفسري التحليلي أو التفصيلي لآليات القرآنية والكلمات القرآنية‪.‬‬

‫ق ال اإلم ام اب ن عاش ور يف املقدم ة الرابع ة م ن تفس ريه‪" :‬معرف ة املقاص د ال يت ن زل الق رآن لبياهن ا ح ىت‬
‫تس تبني لك م غاي ة املفس رين م ن التفس ري عل ى اخ تالف ط رائقهم‪ ،‬وح ىت تعلم وا عن د مطالع ة التفاس ري‬
‫مقادير اتصال ما تشتمل عليه بالغاية اليت يرمي إليها املفسر؛ فتزن وا ب ذلك مق دار م ا أو ب ه م ن املقص د‪،‬‬
‫ومق دار م ا جت اوزه‪ ،‬مث ينعط ف الق ول إىل التفرق ة ب ني م ن يفس ر الق رآن مب ا خي رج ع ن األغ راض امل رادة من ه‪،‬‬
‫وبني من يفصل معانيه تفصيال(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬التحرير والتنوير‪.91 /1 :‬‬

‫‪62‬‬
‫وإذا ك ان ه ذا عل ى مس توى النظ ر ف إن للمقاص د القرآني ة أمهي ة كب رية عن د التطبي ق ك ذلك‪ ،‬ف القرآن‬
‫الكرمي جاء ليحكم‪ ،‬وجاء ليقود حي اة الن اس‪ ،‬ويس وس أم ور دي نهم ودني اهم َوفْ َق ه‪ ،‬وهن ا ل ن يك ون معي ار‬
‫التحاكم عند التطبيق إال وفق مقاصد القرآن‪.‬‬

‫فمقاصد القرآن مبراتبه ا ه ي ال يت تض من لن ا ص حة التنزي ل‪ ،‬وس المة التطبي ق‪ ،‬وم ن هن ا حيق ق التنزي ل‬
‫أغراض ه‪ ،‬ويثم ر التطبي ق مقاص ده وْثرات ه‪ ،‬وه ذه ه ي الفائ دة العطم ى م ن الق رآن‪ :‬أن تتحق ق مقاص ده يف‬
‫وفالحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وظهورا‬
‫ً‬ ‫وجناحا‪ ،‬ورضى‬
‫نورا وهداية ً‬
‫حياة الناس؛ ً‬

‫سادسا‪ :‬ترجيحا ألقوال المفسرين وآرائلم‪:‬‬


‫ً‬
‫من مقاصد التفسري املقاصدي للقرآن أو النظر املقاصدي فيه ترجيح األقوال واآلراء؛ استنادا إىل‬
‫املقاصد القرآنية أو مقاصد الشريعة نفسها‪ ،‬اليت هي يف حقيقتها ضمن مقاصد القرآن وجزء منه‪ ،‬وقد‬
‫يكون الرتجيح بناء على مقاصد كلية للقرآن الكرمي‪ ،‬أو مقاصد خاصة أو جزئية‪ ،‬وال يكون هذا الرتجيح‬
‫إال مع منهج التفسري املقارن‪.‬‬
‫ين َآمنوا َال تَ ْدخلوا ب يوتاً َغْي َر ب يوتِك ْم َح َّىت تَ ْستَأْنِسوا َوت َسلِّموا‬ ‫َّ ِ‬
‫ففي قول اهلل تعاىل‪" :‬يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫َعلَى أ َْهلِ َها ذَلِك ْم َخْي ر لَّك ْم لَ َعلَّك ْم تَ َذ َّكرو َن"‪ .‬سورة النور‪ .11 :‬حتدث املفسرون‪ :‬هل املقصود مبن‬
‫يستأذن البصري واألعمى؟ وما عدد مرات االستئذان‪ :‬هل هي ثالثة أم أقل أم أكثر؟‪.‬‬
‫س َعلَْيك ْم جنَاح أَن تَ ْدخلواْ ب يوتاً َغْي َر َم ْسكونَكة }‬ ‫َّ‬
‫واملقصد من االستئذان يف قول اهلل تعاىل‪ { :‬لْي َ‬
‫هو كون البيوت مسكونة؛ إذ ال يأمن من يدخل عليها بغري استئذان أن يرى عورات الناس‪ ،‬وما ال حيل‬
‫النظر إليه‪ ،‬أو ما ال يرغب أهل البيوت أن يراه الزائرون‪.‬‬
‫يبني الشيخ السايس طبيعة هذا األدب وكيفيته مستندا إىل مقصد احلكم قائال‪ :‬ومن األدب يف‬
‫االستئذان أنه إذا وقف املستأذن ينتظر اإلذن فال يستقبل الباب بوجهه‪ ،‬بل جيعله عن ميينه أو مشاله‪.‬‬
‫وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أتى باب قوم مل يستقبل الباب من تلقاء وجهه‪ ،‬ولكن من‬
‫ركنه األمين أو األيسر‪ ..‬قالوا‪ :‬أل ّن ال ّدور مل يكن عليها حينئذ ستور‪ .‬ولكن ينبغي أن يكون األمر‬

‫‪63‬‬
‫كذلك يف الدور اآلن‪ ،‬ولو كانت مغلقة األبواب عند االستئذان‪ ،‬فإ ّن الطارق إذا استقبلها فقد يقع‬
‫نظره عند الفتح له على ما ال جيوز‪ ،‬أو ما يكره أهل البيت اطالعه عليه(‪.)1‬‬
‫وهل هذا احلكم يف حق البصري دون األعمى؟ قال الشيخ السايس‪ :‬وظاهر اآلية أ ّن االستئذان‬
‫كل طارق‪ ،‬ولو كان أعمى‪ ،‬وبذلك قال العلماء؛ أل ّن من عورات البيوت ما يدرك‬ ‫واجب على ّ‬
‫بالسمع‪ ،‬ففي دخول مكفوف البصر على أهل بيت بغري إذهنم إيذاء هلم‪ .‬فأما ما رواه الشيران من‬
‫قوله صلّى اللّه عليه وسلّم ‪« :‬إ ا جعل االستئذان من أجل النّظر» (‪ .)2‬فهو جار على الغالب‪ ،‬وليس‬
‫احلصر فيه على سبيل التحقيق‪ ،‬بل هو حصر ادعائي مبين على املبالغة‪ ،‬وكمال العناية باحلث على‬
‫يدل على ما ذكرناه‪ ،‬فقد‬
‫حفظ النظر‪ ،‬وسياق القصة اليت قال فيها النيب صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك ّ‬
‫روى سهل بن سعد أنّه اطلع رجل يف حجرة من حجر النيب صلّى اللّه عليه وسلّم‪ ،‬ومع النيب مدرى‬
‫حيك هبا رأسه فقال‪« :‬لو أعلم أنّك تنظر لطعنت هبا يف عينك‪ ،‬إ ا جعل االستئذان من أجل النّظر»‬
‫ّ‬
‫وإذا كان األمر كذلك‪ ،‬وكان القصد املبالغة والتشديد على ذلك الرجل الذي كان يطّلع على حجرة‬
‫النيب صلّى اللّه عليه وسلّم علم الغرض من ذلك احلصر‪ ،‬ومل يكن يف احلديث حينئذ داللة على نفي أنه‬
‫قد يكون االستئذان من أجل السمع‪ .‬فاملقصود إفادة أ ّن النظر من أقوى األسباب اليت شرع هلا‬
‫االستئذان(‪.)3‬‬
‫وأما عن عدد مرات االستئذان فقال‪" :‬وظاهر اآلية أ ّن االستئذان غري مقيّد بعدد‪ ،‬فإن استأذن‬
‫مرة فأجيب باإلذن دخل‪ ،‬وإن أجيب بالرد رجع‪ ،‬وإن مل جيب فال عليه أن يرجع‪ .‬وقال بعض العلماء‪:‬‬
‫إ ّن االستئذان ثالث مرات‪ ،‬فمن مل يؤذن له بعدهن فلريجع‪ ،‬إال إذا أيقن أ ّن من يف البيت مل يسمع‪،‬‬
‫فإنّه جيوز له الزيادة على الثالث‪ ،‬واحلكمة يف هذا العدد أ ّن املرة األوىل إلمساع من يف البيت‪ ،‬والثانية ‪:‬‬
‫ليتهيؤوا‪ ،‬والثالثة‪ :‬ليأذنوا‪ ،‬أو يردوا(‪.)4‬‬
‫وهل االستئذان مقصور على الرجال فقط دون النساء أم أنه يشمل النساء مع الرجال؟ قال‬
‫الشيخ السايس معتمدا على مقصد التشريع‪" :‬وظاهر التعبري يف اآلية باسم املوصول اخلاص جبماعة‬

‫(‪ )1‬تفسير آيات األحكام‪ .111-110 /9 :‬شرح الشيخ محمد علي السايس‪ .‬وتحقيق طه عبد الرؤوف سعد‪.‬‬
‫المكتبة األزهرية للتراث‪2000 .‬م ‪ ،‬والحديث رواه أبو داود في السنن (‪ ، )981 /0‬كتاب األدب ‪ ،‬باب كم‬
‫مرة يسلم حديث رقم (‪.)1181‬‬
‫(‪)2‬رواه مسلم في الصحيح (‪ ، )1198 /9‬كتاب اآلداب ‪ ،‬باب تحريم النظر حديث رقم (‪، )2111 /00‬‬
‫والبخاري في الصحيح (‪ - 19 ، )118 /1‬كتاب االستئذان ‪ ،‬باب االستئذان حديث رقم (‪.)1201‬‬
‫(‪)3‬تفسير آيات األحكام‪.111 /9 :‬‬
‫(‪)4‬تفسير آيات األحكام‪.110 /9 :‬‬
‫‪64‬‬
‫الذكور أ ّن النساء ليس عليهن استئذان‪ ،‬ولكنّك تعلم أ ّن احلكمة اليت من أجلها شرع االستئذان متحققة‬
‫يف الرجال والنساء معا‪ ،‬وهلذا قال العلماء‪ :‬إ ّن يف اآلية تغليب الرجال على النساء‪ ،‬كما هو املعهود يف‬
‫األوامر والنواهي القرآنية املبدوءة مبثل هذا النداء‪ ،‬وعلى هذا يكون على املرأة إذا أرادت أن تدخل بيت‬
‫غريها أن تستأذن قبل الدخول‪ .‬فإ ّن الناس قد يكرهون أن يطلع بعض النساء على بيوهتم‪ ،‬ويظهرن على‬
‫ما فيها من أسراره(‪.)1‬‬
‫فأنت ترى يف مثال واحد فقط كيف كان النظر املقاصدي يف القرآن الكرمي هو عماد القول‪،‬‬
‫وأساس الرتجيح‪ ،‬سواء يف طبيعة األدب الذي هو احلكم‪ ،‬أو يف عدد أفراده وطبيعتهم رجاال ونساء‪ ،‬أو‬
‫يف عدد مرات االستئذان‪ ،‬أو كان املستأذن بصريا أو أعمى ‪..‬‬
‫ترجح القول فيه بل حسم – كما ترى ‪ -‬استنادا إىل املقاصد القرآنية حسب مرادات‬
‫فهذا املثال َّ‬
‫القرآن وسياقات حديثه‪ ،‬وهو منهج يستردم يف مناهج التفسري مجيعا‪.‬‬

‫استبعادا لما ال فائدة فيه‪:‬‬


‫ً‬ ‫سابعا‪:‬‬
‫ً‬
‫وهذا مقصد مهم نستفيده من التفسري املقاصدي للقرآن الكرمي وسوره‪ ،‬فكثريا ما خيتلف‬
‫املفسرون يف تأويل آية من اآليات‪ ،‬ويقفون عند أشياء ما كان أغناهم عنها‪ ،‬ولو توقفوا عند حدود ما‬
‫اهتم به القرآن وقصده يف خطابه ملا خاضوا يف بعض ما خاضوا فيه‪.‬‬
‫وهذا هو منهج القرآن ومنهج اإلسالم‪ ،‬وهكذا كان الصحابة رضي اهلل عنهم‪ ،‬كانوا دائما ال‬
‫يهتمون مبا ليس حتته عمل‪ ،‬وقد كان أئمتنا وفقهاؤنا كذلك‪ ،‬فإمام دار اهلجرة مالك بن أنس كان يكره‬
‫الكالم فيما ليس حتته عمل‪ ،‬وحيكي كراهيته عمن تقدم‪.‬‬

‫س َوالطَِّْري فَه ْم ي َ‬
‫وزعو َن"‪ .‬آية‬ ‫اإلنْ ِ‬ ‫ففي سورة النمل قال تعاىل‪َ " :‬وح ِشَر لِسلَْي َما َن جنوده ِم َن ْ‬
‫اجلِ ِّن َو ِْ‬
‫رقم‪ . 22 :‬هل هناك داع هنا للرالف حول عدد اجليش الذي سرره اهلل تعاىل لسليمان؟ أم أنه يكفينا‬
‫أن نعلم أن اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬قد سرر لسليمان جندا من اجلن واإلنس والطري‪ ،‬إال أن عدد هؤالء اجلنود‬
‫مرد علمه إىل اهلل ‪ -‬تعاىل‪ -‬وحده‪ ،‬وإن كان التعبري القرآين يشعر بأن هؤالء اجلند اجملموعني ميثلون مركبا‬
‫عظيما‪ ،‬وحشدا كبريا؟‪.‬‬

‫(‪ )1‬تفسير آيات األحكام‪.111 /9 :‬‬

‫‪65‬‬
‫ِ‬
‫ويف اآلية بعدها قوله تعاىل‪َ " :‬ح َّىت إِ َذا أَتَ ْوا َعلَى َواد الن َّْم ِل قَالَ ْ‬
‫ت َْلَة يَا أَيُّ َها الن َّْمل ْادخلوا‬
‫َم َساكِنَك ْم َال َْحي ِط َمنَّك ْم سلَْي َمان َوجنوده َوه ْم َال يَ ْشعرو َن"‪ .‬هل حنن حباجة ملعرفة ما إذا كانت النملة‬
‫ذكرا أم أنثى؟ أم أنه يكفينا أن نعلم أن اهلل تعاىل أوحى هلذه النملة بقدرته وجعلها سببا يف إنقاذ أمتها‪،‬‬
‫وأن اهلل تعاىل علم سليمان منطق هذه احلشرات‪ ،‬وتعامل معها مبا علمه اهلل تعاىل إياه؟‪ .‬وهلذا قال‬
‫بالتعرض السم النملة‪ ،‬وملا ذكر من‬ ‫الشوكاين يف فتح القدير‪" :‬وال يتعلق مبثل هذا كثري فائدة‪ ،‬وال ّ‬
‫القصص املوضوعة‪ ،‬واألحاديث املكذوبة"(‪.)1‬‬
‫ويف وجوه عدم استحسان اخلوض فيما ليس حتته عمل يقول الشاطيب‪ :‬وبيان عدم االستحسان‬
‫فيه من أوجه متعددة‪:‬‬
‫‪ -‬منها‪ :‬أنه شغل عما يعين من أمر التكليف الذي طوقه املكلف مبا ال يعين‪ ،‬إذ ال ينبين على‬
‫ذلك فائدة؛ ال يف الدنيا‪ ،‬وال يف اآلخرة‪ ،‬أما يف اآلخرة؛ فإنه يسأل عما أمر به أو هني عنه‪ ،‬وأما يف‬
‫الدنيا؛ فإن علمه مبا علم من ذلك ال يزيده يف تدبري رزقه وال ينقصه‪...‬‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬أن الشرع قد جاء ببيان ما تصلح به أحوال العبد يف الدنيا واآلخرة على أمت الوجوه‬
‫وأكملها‪ ،‬فما خرج عن ذلك قد يظن أنه على خالف ذلك‪ ،‬وهو مشاهد يف التجربة العادية؛ فإن عامة‬
‫املشتغلني بالعلوم اليت ال تتعلق هبا ْثرة تكليفية تدخل عليهم فيها الفتنة واخلروج عن الصراط‬
‫املستقيم"(‪.)2‬‬
‫ويقرر اإلمام حممد رشيد رضا أن هناك روايات موضوعة وآثارا كثرية وقضايا أخرى جيب‬
‫وء َح ِّظ‬ ‫استبعادها؛ ألهنا تصرف املفسر أو الناظر يف القرآن عن مقاصده وهداياته‪ ،‬يقول‪َ :‬كا َن ِمن س ِ‬
‫ْ‬
‫اص ِد الْ َعالِيَ ِة‪َ ،‬وا ْهلِ َدايَِة َّ‬
‫الس ِاميَ ِة‪ ،‬فَ ِمْن َها‬ ‫َن أَ ْكثَر ما كتِب ِيف التَّ ْف ِس ِري ي ْشغَل قَا ِرئَه عن ه ِذهِ الْم َق ِ‬
‫َْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ني أ َّ َ َ‬
‫ِِ‬
‫الْم ْسلم َ‬
‫ان‪َ ،‬وِمْن َها َما‬ ‫ات الْب ي ِ‬ ‫ت الْمع ِاين ومصطَلَح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ‬
‫اإل ْعر ِ‬
‫ََ‬ ‫َّح ِو‪َ ،‬ون َك َ َ َ ْ َ‬ ‫اب َوقَ َواعد الن ْ‬ ‫َما يَ ْشغَله َع ِن الْق ْرآن مبَبَاحث ْ َ‬
‫ت‬ ‫ات الْف َقه ِاء الْم َقلِّ ِدين‪ ،‬وتَأْ ِو َيال ِ‬ ‫ات ْاألصولِيِّني‪ ،‬واستِنْباطَ ِ‬ ‫يصرفه عْنه ِجب َد ِل الْمت َكلِّ ِمني‪ ،‬وَفْ ِرجي ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض‪َ ،‬وبَ ْعض َها يَْلفته َعْنه بِ َكثْ َرِة ِّ‬ ‫ب بع ِ‬ ‫ِ‬ ‫صِ ِ‬‫ِ‬ ‫الْمت ِ‬
‫الرَوايَات‪َ ،‬وَما‬ ‫ض َها َعلَى بَ ْع ك‬ ‫ب الْفَرق َوالْ َم َذاه ِ َ ْ‬ ‫ني‪َ ،‬وتَ َع ُّ‬
‫ص ِّوف َ‬
‫ََ‬
‫آن ه َو َما يوِرده ِيف‬ ‫ي صا ِرفًا آخر ع ِن الْقر ِ‬ ‫اإلسرائِيلِيَّ ِ‬‫ِ ِ‬ ‫م ِزج ِِ ِ‬
‫ََ َ ْ‬ ‫الرا ِز ُّ َ‬‫ات‪َ ،‬وقَ ْد َز َاد الْ َف ْرر َّ‬ ‫ت به م ْن خَرافَات ْ ْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫احل ِادثَِة ِيف الْ ِملَّ ِة علَى ما َكانَت علَي ِه ِيف عه ِده‪ِ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َْ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫تَ ْف ِس ِريه م َن الْعلوم ِّ‬
‫الريَاضيَّة َوالطَّبِيعيَّة َو َغ ِْريَها م َن الْعلوم َْ‬
‫ِ‬

‫(‪ )1‬فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير‪ .1011 :‬محمد بن علي الشوكاني‪ .‬دار‬
‫المعرفة‪ .‬بيروت‪ .‬الطبعة الرابعة‪1028 .‬هـ‪2001 .‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬الموافقات‪.10-19 /1 :‬‬

‫‪66‬‬
‫ص ِر َوف نونِِه‬ ‫ِ‬ ‫اص ِرين بِِإير ِاد ِمثْ ِل َذلِ َ ِ‬‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ك م ْن علوم َه َذا الْ َع ْ‬ ‫َكا ْهلَْيئَة الْ َفلَكيَّة الْيونَانيَّة َو َغ ْريَها‪َ ،‬وقَل َده بَ ْعض الْم َع َ َ‬
‫ض‬ ‫الس َم ِاء َو ْاأل َْر ِ‬
‫اسبَ ِة َكلِ َم كة م ْفَرَدةك َك َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يما ي َس ِّميه تَ ْفس َري ْاآليَة فص ًوال طَ ِويلَةً مبنَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬
‫الْ َكث َرية الْ َواس َعة‪ ،‬فَه َو يَ ْذكر ف َ‬
‫َجلِ ِه الْق ْرآ َن(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ات و ْ ِ‬
‫احلَيَ َوان‪ ،‬تَص ُّد قَا ِرئَ َها َع َّما أَنْ َزَل اهلل أل ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن علوم الْ َفلَك َوالنَّبَ َ‬
‫ِ‬

‫كما أن الشيخ رشيد رضا ينفي كذلك أن تكون التواريخ وضبطها مما يهتم به القرآن‪ ،‬قال‪" :‬بَيَّ نَّا‬
‫اص ِد الْقر ِ‬
‫آن"(‪.)2‬‬ ‫ط وقَائِعِ ِه وأ َْزِمنَتِها وأَم ِكنَتِها لَيس ِمن م َق ِ‬ ‫اث التَّا ِر ِ‬ ‫ِمَر ًارا أ َّ‬
‫ْ‬ ‫َ َ َْ َ ْ َ ْ َ‬ ‫ضْب َ َ‬
‫يخ َو َ‬ ‫َح َد َ‬
‫َن أ ْ‬

‫اجا لما فيه فائدة‪:‬‬


‫ثامنًا‪ :‬إدر ً‬
‫وإذا كان من مقاصد النظر املقاصدي يف القرآن وفوائده‪ :‬استبعاد ما ال فائدة منه‪ ،‬فإنه أيضا‬
‫يسهم يف إدخال ما فيه فائدة والرتكيز عليه واالهتمام به؛ فاملقاصد هنا تقوم بدور معياري ومنهجي‪،‬‬
‫تفرق بني ما هو نافع‪ ،‬وما هو غري ذلك‪.‬‬
‫حيدد لنا ما ندرجه وما ال ندرجه‪ ،‬فهي كاملصفاة اليت ِّ‬
‫ومن ذلك ما أورده العالمة الطاهر ابن عاشور من اإلفادة بالعلوم العقلية‪ ،‬وكذلك تفاريع‬
‫األخالق واآلداب اليت أكثر منها حجة اإلسالم الغزايل يف كتاب اإلحياء‪ ،‬فال يالم املفسر إذا أتى‬
‫بشيء من تفاريع العلوم مما له خدمة للمقاصد القرآنية‪ ،‬وله مزيد تعلق باألمور اإلسالمية كما نفرض أن‬
‫وسى تَكْلِيماً} [النساء‪ ]214 :‬مبا ذكره املتكلمون يف إثبات الكالم‬
‫يفسر قوله تعاىل { َوَكلَّ َم اللَّه م َ‬
‫النفسي واحلجج لذلك‪ ،‬والقول يف ألفاظ القرآن‪ ،‬وما قاله أهل املذاهب يف ذلك‪.‬‬
‫وكذا أن يفسر ما حكاه اهلل تعاىل يف قصة موسى مع اخلضر بكثري من آداب املعلم واملتعلم كما‬
‫فعل الغزايل‪ ،‬وقد قال ابن العريب إنه أملى عليها ْثا ائة مسألة‪.‬‬
‫وكذلك تقرير مسائل من علم التشريح لزيادة بيان قوله تعاىل يف خلق اإلنسان { ِم ْن نطْ َف كة مثَّ ِم ْن‬
‫َعلَ َق كة} [احلج‪ ]2 :‬اآليات‪ ،‬فإنه راجع إىل املقصد وهو مزيد تقرير عظمة القدرة اإلهلية‪.‬‬
‫ويضيف ابن عاشور تعزيزات أخرى للمقاصد القرآنية جيلب املفسر هلا مسائل علمية من علوم هلا‬
‫مناسبة مبقصد اآلية‪ :‬إما على أن بعضها يومئ إليه معا اآلية ولو بتلويح ما كما يفسر أحد قوله تعاىل‬
‫ْم َة فَ َق ْد أ ِويتَ َخ ْرياً َكثِرياً} [البقرة‪ ]112 :‬فيذكر تقسيم علوم احلكمة ومنافعها مدخال‬ ‫{ومن ي ْؤت ِْ‬
‫احلك َ‬ ‫ََ ْ َ‬

‫(‪ )1‬تفسير القرآن الحكيم المسمى (تفسير المنار)‪ .8 /1 :‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ .‬القاهرة‪1990 .‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير القرآن الحكيم المسمى (تفسير المنار)‪.80 /12 :‬‬

‫‪67‬‬
‫ذلك حتت قوله { َخ ْرياً َكثِرياً}‪ ،‬فاحلكمة وإن كانت علما اصطالحيًّا وليس هو متام املعا لآلية إال أن‬
‫معا اآلية األصلي ال يفوت‪ ،‬وتفاريع احلكمة تعني عليه‪.‬‬
‫ني ْاألَ ْغنِيَ ِاء ِمْنك ْم} [احلشر‪ ]2 :‬تفاصيل‬
‫وكذلك أن نأخذ من قوله تعاىل { َك ْي ال يَكو َن دولَةً بَ ْ َ‬
‫من علم االقتصاد السياسي وتوزيع الثروة العامة‪ ،‬ونعلل بذلك مشروعية الزكاة واملواريث واملعامالت املركبة‬
‫من رأس مال وعمل‪ ،‬على أن ذلك تومئ إليه اآلية إمياء‪.‬‬
‫وأن بعض مسائل العلوم قد تكون أشد تعلقا بتفسري آي القرآن‪ ،‬كما نفرض مسألة كالمية‬
‫لتقرير دليل قرآين مثل برهان التمانع لتقرير معا قوله تعاىل {لَ ْو َكا َن فِي ِه َما ِآهلَة إَِّال اللَّه لََف َس َدتَا}‬
‫[األنبياء‪ :‬من اآلية ‪.]11‬‬
‫اها بِأَيْ كد} [الذريات‪ :‬من اآلية‬
‫الس َماءَ بَنَ ْي نَ َ‬
‫وكتقرير مسألة املتشابه لتحقيق معا حنو قوله تعاىل { َو َّ‬
‫‪ ]42‬فهذا كونه من غايات التفسري واضح‪.‬‬
‫وج} [سورة‬‫َّاها َوَما َهلَا ِم ْن ف ر ك‬ ‫وكذا قوله تعاىل {أَفَلَم ي ْنظروا إِ َىل َّ ِ‬
‫اها َوَزيَّن َ‬
‫ف بَنَ ْي نَ َ‬
‫الس َماء فَ ْوقَه ْم َكْي َ‬ ‫َْ‬
‫ق‪ ]1 :‬فإن القصد منه االعتبار باحلالة املشاهدة فلو زاد املفسر ففصل تلك احلالة وبني أسرارها وعللها‬
‫مبا هو مبني يف علم اهليأة كان قد زاد املقصد خدمة(‪.)1‬‬
‫أما اإلمام حممد رشيد رضا‪ ،‬فيحبذ إدراج كل ما ميكن أن يعني على فهم القرآن‪ ،‬وإدراك أغراض‬
‫اص ِط َال َحات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫القرآن‪ ،‬فيقول‪ :‬إِ َّن أَ ْكثَ َر َما ذكَر م ْن َو َسائ ِل فَ ْه ِم الْق ْرآن ف نون الْ َعَربِيَّة‪َ ،‬ال ب َّد مْن َها‪َ ،‬و ْ‬
‫ك مع ِرفَة الْ َكو ِن وسنَ ِن اهللِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫اصة بِالْقر ِ‬ ‫ول وقَو ِ‬
‫ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َّح ِو َوالْ َم َع ِاين‪َ ،‬وَك َذل َ َ ْ‬ ‫ضروِريَّة أَيْ ً‬
‫ضا‪َ ،‬ك َق َواعد الن ْ‬ ‫آن َ‬ ‫اخلَ َّ ْ‬ ‫اعده ْ‬ ‫ْاألص َ َ‬
‫آن(‪.)2‬‬
‫ك يعِني علَى فَه ِم الْقر ِ‬
‫َ ْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تَ َع َاىل ف ِيه ‪ -‬ك ُّل ذَل َ‬
‫وينبغي يف هذا السياق ضبط احلديث عما يسمى "اإلعجاز العلمي يف القرآن"؛ خدمة لتفسريه‪،‬‬
‫فال يكون إال بشروطه وضوابطه‪ ،‬فإذا استردمناه جتلية لبعض املعاين‪ ،‬وتثبيتا وترسيرا لبعض املقاصد‬
‫القرآنية فينبغي أن يكون بال إفراط وال إغراق‪ ،‬فاإلغراق يف التفسري العلمي وحشوه بتفصيالت العلوم ال‬
‫ريب أنه خيرجنا من نطاق التفسري‪ ،‬ويشغل القراء عن مقاصد القرآن‪ ،‬ورمبا يصدهم عن التفسري نفسه‪.‬‬
‫وهكذا يضيف اإلمامان ابن عاشور ورشيد رضا ما يعزز املقصد ويقويه‪ ،‬وينظم العمل التفسريي‬
‫وفق مقاصده‪ ،‬ويفيد يف حسن الفهم ويبنيه‪ ،‬وإن مل يكن له صلة مباشرة بعلوم التفسري‪ ،‬أو كان من‬

‫(‪ )1‬التحرير والتنوير‪ .01-99 /1 :‬طبعة بيروت‪2000 .‬م‪.‬‬


‫(‪ )2‬تفسير القرآن الحكيم المسمى (تفسير المنار)‪ .8 /1 :‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ .‬القاهرة‪1990 .‬م‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫العلوم التجريبية العلمية الطبية وغريها‪ ،‬مما هو ثابت علميًّا‪ ،‬وبشروط التفسري العلمي؛ حىت ال نسيء من‬
‫حيث أردنا اإلحسان‪ ،‬ونعطي ما ال ثبات له صفة الثبات‪ ،‬وما ال صحة له صفة الصحة أو الصواب‪.‬‬

‫تاسعا‪ :‬ترشي ًدا لفلم السنة واالجتلاد في الفقه والتنزيل‪:‬‬


‫ً‬
‫أشرنا من قبل إىل أن القرآن الكرمي كتاب الكتب‪ ،‬ودليل األدلة‪ ،‬وعمدة امللة‪ ،‬وينبوع احلكمة(‪،)1‬‬
‫فمن القرآن الكرمي يستمد األصويل‪ ،‬ويأخذ الفقيه‪ ،‬ويرجع إليه الداعية‪ ،‬ويعتمد عليه املصلح‪ ،‬ومن مث‬
‫فإن الفهم الصحيح للقرآن الكرمي هو تصحيح لفهمنا يف كل ال يعتمد عليه ويرجع إليه‪.‬‬
‫والفهم احلقيقي للقرآن الكرمي وحقائقه ومقرراته متوقف على معرفة مقاصده مبراتبها وأنواعها‪ ،‬وال‬
‫طريق آخر ملعرفة عظمة القرآن وقيمته ومكانته إال بالوقوف على مقاصده العامة واخلاصة ومقاصد السور‬
‫واآليات والكلمات‪.‬‬
‫ومبعرفة مقاصد القرآن يستقيم فهمنا لكل شيء وعلى رأسها السنة النبوية؛ وهلذا قال الشيخ‬
‫حممد الغزايل‪( :‬فال جيوز أن يشتغل بالسنّة من مل يدرس علوم القران‪ ،‬ويضرب فيها بسهم وافر‪ ،‬فإن‬
‫القران هو الدستور األصيل لإلسالم‪ ،‬وهو الذي حي ّدد للمسلم بدقة تامة واجباته وحقوقه‪ ،‬ويرتّب‬
‫ويوزع العبادات على حياته‪ ،‬فال تطغى عبادة على أخرى‪ ،‬وال تطغى كلها على‬ ‫التكاليف املنوطة به‪ّ ،‬‬
‫عمله للحياة ومكانه فيها‪ ،‬واملرء الذي يعجز عن حتصيل هذه احلقائق من القران لن يعوضه عن فقداهنا‬
‫شيء اخر‪ ،‬والصورة اليت تستقر يف نفسه لإلسالم‪ -‬من غري القران‪ -‬تضطرب فيها النّسب واأللوان‪ ،‬ورمبا‬
‫ليحتل مكانته‬
‫ّ‬ ‫الصحابة على أن خيلوا الطريق للقران الكرمي‬
‫حلقها اختالف كبري؛ ولذلك حرص أئمة ّ‬
‫الصدارة شيء‪ ....‬وجييء بعد رسوخ القدم يف فهم‬‫األوىل يف القلوب‪ ،‬وحرصوا على ّأال يزااه يف موضع ّ‬
‫يقصر عن فهم السنن أن حيبس لسانه يف فمه‬‫القران فهم ما يروى من السنن على وجهه احلق‪ ،‬فرري ملن ّ‬
‫فال يقول‪ :‬قال رسول اهلل عليه الصالة والسالم‪ ،‬مث يسوق حديثا ال يعرف ما املقصود منه) (‪.)2‬‬

‫(‪ ) 1‬قال اإلمام الشاطبي‪" :‬إن الكتاب قد تقرر أنه كلية الشريعة‪ ،‬وعمدة الملة‪ ،‬وينبوع الحكمة‪ ،‬وآية الرسالة‪،‬‬
‫ونور األبصار والبصائر‪ ،‬وأنه ال طريق إلى اهلل سواه‪ ،‬وال نجاة بغيره‪ ،‬وال تمسك بشيء يخالفه"‪ .‬الموافقات‪:‬‬
‫‪ .100/0‬طبعة دار ابن عفان‪.‬‬
‫(‪ )2‬فقه السيرة‪ ،99 :‬و‪ .01‬محمد الغزالي السقا‪ .‬دار القلم‪ .‬دمشق‪ .‬الطبعة األولى‪1021 .‬هـ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫وإذا كان هذا موضع القرآن من السنة‪ ،‬ومكان السنة من القرآن فإن هذا يؤسس ‪ -‬أو أسس‬
‫بالفعل – لتقدمي فهم القرآن على السنة‪ ،‬ولن نفهم القرآن إال بفهم مقاصده والوقوف على غاياته‬
‫وأغراضه‪.‬‬
‫وإذا كان فهم القرآن الكرمي على هذا النحو بفهم مقاصده سيسددنا يف فهم السنة‪ ،‬ويقيم‬
‫تفكرينا فيها بشكل صحيح فإن هذا سينعكس كذلك على الفقه اإلسالمي وأحكامه واالجتهاد فيها‬
‫ويف نوازله ومستجداته‪.‬‬
‫ذلك‪ ،‬أن القرآن الكرمي هو الذي يقدم التصور الرئيس للشرع الشريف وقضاياه مبا هو كتاب‬
‫الكتب ودليل األدلة‪ ،‬وأنه حيتوي على آيات أحكام تزيد على اخلمسمائة آية كما قرره أهل التفسري‬
‫الفقهي‪ ،‬وهذه اآليات الفقهية هلا امتدادات حاكمة يف أبواب الفقه اإلسالمي مجيعا‪ ،‬ومن شأن فهم‬
‫القرآن يف ضوء مقاصده اليت قررها أن ينعكس ذلك على آيات األحكام‪ ،‬ومن مث سيكون لذلك تأثري‬
‫وترشيد وتسديد يف فهم األحكام الفقهية‪ ،‬وإقامة القرآن الكرمي بآيات أحكامه يف ضوء مقاصده ملوضوع‬
‫مرجعا وموئال للمجتهد والفقيه يرجع إليه ويصدر عنه وينطلق منه ويعول عليه‪.‬‬
‫ما ً‬
‫والذي أراه – بعد ذلك أيضا – أن فهم القرآن الكرمي وآيات أحكامه يف ضوء مقاصد القرآن‬
‫سوف جيدد فهم الفقه اإلسالمي‪ ،‬ورمبا مينحنا منهجية جديدة يف تناول األحكام الفقهية‪ ،‬وحيل لنا‬
‫إشكاالت قائمة يف كتب الرتاث مل يسرتشد بعضها مبقاصد القرآن يف موضوعاته الفقهية‪ ،‬كما أنه‬
‫سوف يقصر الطريق أمامنها يف الوصول ألحكام شرعية للمستجدات والنوازل‪.‬‬
‫من أجل هذا دعوت وأدعو إىل كتابة مشروع حبثي آخر غري التفسري املقاصدي‪ ،‬يتضمن البحث‬
‫يف موضوعات آيات األحكام واستنباط مقاصدها موضوعيًّا من خالل حصرها وتتبعها يف القرآن‬
‫الكرمي‪ ،‬وهذا مشروع سيكون له أثر ملحوظ يف جتديد الفهم للقرآن الكرمي‪ ،‬وتسديد الفهم للسنة‬
‫النبوية‪ ،‬وترشيد الفهم جملاالت الفقه املتعلقة وامللحقة بآيات األحكام وموضوعاهتا‪ ،‬وجتويد االجتهاد يف‬
‫النوازل واملستجدات التابعة هلا‪.‬‬

‫عاشرا‪ :‬تجدي ًدا للعلوم المنبثقة عن القرآن وضبطًا للا‪:‬‬


‫ً‬
‫من املعلوم أن كثريا من العلوم نشأت خلدمة الكتاب العزيز‪ ،‬وحسن فهمه‪ ،‬وجتلية هداياته‬
‫وغاياته‪ ،‬ومن ذلك علوم اللغة العربية‪ ،‬وعلوم القرآن‪ ،‬ويف القلب منها علم التفسري‪ ،‬وهذه العلوم اليت‬
‫نبتت حول القرآن وترعرعت على ضفافه مر عليها قرون عدة مبا يوجب إعادة النظر فيها‪ ،‬وتقومي‬

‫‪71‬‬
‫مسارها‪ ،‬وتقييم وظائفها؛ كي تستعيد هذه العلوم عافيتها‪ ،‬وجتدد نشاطها‪ ،‬وتؤدي وظائفها‪ ،‬وحتقق‬
‫غاياهتا ومقاصدها‪.‬‬
‫ولن يكون هذا إال من خالل رفع مقاصد هذه العلوم‪ ،‬واالحتكام إليها‪ ،‬وعلى رأسها مقاصد‬
‫القرآن نفسه اليت جيب أن حناكم مقاصد العلوم إليها‪ ،‬فإن كان بينهما متازج وبعضها يسلم إىل بعض‬
‫كان هبا‪ ،‬وإال فهي حتتاج إىل مراجعة إلعادة صفها يف مكاهنا الصحيح؛ كي تؤدي وظيفتها وحتقق‬
‫مقاصدها‪.‬‬
‫فعلوم العربية والبالغة اليت نشأت خلدمة القرآن إذا مل تقم على جتلية جوانب العظمة يف أساليب‬
‫القرآن وتعبرياته‪ ،‬وطريقة نظمه وسبكه‪ ،‬وبيان إعجازه البالغي واللغوي‪ ،‬فينبغي أن يعاد النظر يف هذه‬
‫العلوم ومنهجية تناوهلا‪.‬‬
‫ويف القلب من هذه العلوم علم التفسري‪ ،‬إذا مل يكن قائما اآلن على جتلية مقاصد القرآن‪ ،‬وبيان‬
‫هداياته‪ ،‬وإبراز أنواره‪ ،‬كي تفيد منها األمة‪ ،‬فينبغي أن يراجع العلماء هذا العلم ويقوم املترصصون على‬
‫جتديده الستلهام وظيفته‪.‬‬
‫وهلذا اجته ك ثري من علماء التفسري يف هذا العصر إىل التفسري املوضوعي؛ وذلك إلبراز إعجاز‬
‫القرآن على وجه يالئم العصر احلديث؛ ألن القرآن الكرمي فيه من مشول املوضوعات ما ميكن أن يرد‬
‫تكون رؤية القرآن فيه كاملة‪.‬‬
‫على ذهن العامل‪ ،‬وألن كل موضوع حني جنمعه ّ‬
‫وألن من فوائد هذا التفسري تلبية حاجة األمة يف هذا العصر‪ ،‬والقرآن موضوعاته متسعة تقوم‬
‫بتلبية كل ما يريده املسلمون خاصة‪ ،‬واإلنسانية عامة(‪.)1‬‬
‫حاكما هلذه العلوم يف‬
‫معيارا ً‬
‫وإذا كانت مقاصد القرآن جتدد مقاصد العلوم‪ ،‬ومقاصد العلوم تقوم ً‬
‫جتديدها‪ ،‬وحتدد جوانب االهتمام فيها‪ ،‬فإهنا أيضا تقوم ضابطًا لكل علم من هذه العلوم‪ ،‬فهي حتدد‬
‫مساره‪ ،‬وتقدم منه ما من حقه أن يتقدم‪ ،‬وتؤخر ما من حقه أن يتأخر‪ ،‬وتتوسع فيما جيب التوسع فيه‪،‬‬
‫وتضيق فيما ينبغي التضييق فيه‪ ،‬وهتمل ما من حقه اإلمهال‪ ،‬وحتيي ما من حقه اإلحياء‪ ،‬وتدخل ما‬
‫خيدم الغايات واألهداف‪ ،‬وتبعد ما ال فائدة فيه وال عمل حتته ‪ ..‬وهكذا فإن املقاصد القرآنية حني‬
‫مجيعا‪.‬‬
‫جنعلها َح َك ًما‪ ،‬جتدد العلوم‪ ،‬وفدم القرآن‪ ،‬وتتجدد هبا علوم الدين والدنيا ً‬

‫(‪)1‬راجع في فوائد التفسير الموضوعي‪ :‬محاضرات في التفسير الموضوعي‪ 90-21 :‬لشيخنا د‪ .‬عبد الستار فتح‬
‫اهلل سعيد‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫***‬
‫هذه من أهم املقاصد اليت جننيها من التعامل املقاصدي والنظر املقاصدي يف القرآن الكرمي‪ ،‬ولعل‬
‫هناك مقاصد أخرى نستطيع الوقوف عليها عرب التأمل والتدبر والنظر املتأين هلذا املوضوع‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫خاتمة‬
‫تبني لنا من هذه التطوافات يف موضوع التفسري املقاصدي للقرآن الكرمي أمهيته للمفسر‪ ،‬وأمهيته‬
‫للمشتغلني بالعلوم اليت قامت حول خدمة القرآن الكرمي‪ ،‬وحاول هذا البحث أن يقدم رؤية تأسيسية‬
‫يتأسس عليها هذا النوع أو املنهج واالجتاه من التفسري‪ ،‬ببيان معناه‪ ،‬وتوضيح عالقاته بأنواع التفسري‬
‫األخرى‪ ،‬ومنزلة التفسري املقاصدي منها‪ ،‬وذكر أنواعه‪ ،‬وحتديد مقوماته‪ ،‬ووضع ضوابطه‪ ،‬وجتلية فوائده‬
‫وغاياته‪ ،‬وهي فوائد مهمة للمشتغلني بعلوم القرآن عامة‪ ،‬وعلوم التفسري خاصة‪.‬‬
‫وبقي أن يقوم هلذا املشروع‪ ،‬مشروع التفسري املقاصدي للقرآن الكرمي‪ ،‬نفر من الذين أقامهم اهلل‬
‫وشرفهم هبذه املنزلة وتلك املكانة‪ ،‬ويقدموا لألمة ما خيدم رسالتها‬
‫تعاىل على خدمة هذا القرآن العظيم‪َّ ،‬‬
‫اقعا ال‬
‫يف هذا العصر‪ ،‬وما حيقق هلا الريادة‪ ،‬وما يعيدها ملنزلة الشهادة العاملني‪ ،‬حقيقة ال ادعاء‪ ،‬وو ً‬
‫توقعا‪.‬‬
‫ً‬
‫وال أملك يف هذا اخلتام إال أعتذر عما وقع من تقصري يف هذا البحث بآخر ما ذكره ابن‬
‫خلدون يف مقدمته (‪ .2124 /4‬حتقيق د‪ .‬علي عبد الواحد وايف)؛ حيث قال وما أروع قوله! ‪« :‬وقد‬
‫استوفينا من مسائله يعين طبيعة العمران وما يعرض فيه ما حسبناه كفاء له‪ ،‬ولعل من يأيت بعدنا ممن‬
‫يؤيده اهلل بفكر صحيح وعلم مبني يغوص من مسائله على أكثر مما كتبنا‪ ،‬فليس على مستنبط الفن‬
‫إحصاء مسائله‪ ،‬وإ ا عليه تعيني موضع العلم وتنويع فصوله وما يتكلم فيه‪ ،‬واملتأخرون يلحقون املسائل‬
‫من بعده شيئًا فشيئًا إىل أن يكمل‪ ،‬واهلل يعلم وأنتم ال تعلمون»‪ .‬ا‪.‬ه ‪.‬‬
‫واحلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات‪،،،‬‬

‫‪73‬‬
‫سيرة ذاتية مختصرة للمهلللف‬

‫وصفي عاشور علي أبو زيد‬

‫مواليد حمافظة كفر الشيخ جبمهورية مصر العربية‪2422/1/22 ،‬ه املوافق‪2222/1/12 :‬م‪.‬‬

‫المراسلة‪wasfy75@gmail.com :‬‬ ‫عنوان‬

‫المهللهالت واألنشطة‪:‬‬

‫* حيفظ القرآن الكرمي برواية مسندة إىل حفص عن عاصم‪.‬‬


‫* حصل على درجة األستاذية من جامعة مكة املكرمة املفتوحة‪ ،‬وأستاذ مشارك من جامعة طرابلس يف لبنان‪.‬‬
‫*حصل على الدكتوراه بعنوان‪" :‬املقاصد اجلزئية وأثرها يف االستدالل الفقهي‪ ،‬دراسة تأصيلية تطبيقية" يف يوليو‪1222‬م‬
‫مبرتبة الشرف األوىل من كلية دار العلوم جامعة القاهرة‪ ،‬وحصل على ماجستري يف الفقه واألصول من كلية دار العلوم‬
‫جبامعة القاهرة‪ ،‬بتقدير ممتاز‪ ،‬يف مارس ‪ 1222‬م‪ ،‬بعنوان‪" :‬نظرية اجلرب يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬دراسة تأصيلية تطبيقية"‪.‬‬
‫*حص ل عل ى "متهي دي ماجس تري" م ن قس م الش ريعة اإلس المية ب نفس الكلي ة واجلامع ة ‪2222‬م‪ ،‬كم ا حص ل عل ى‬
‫ليسانس اللغة العربية والعلوم اإلسالمية من نفس الكلية واجلامعة ‪2222‬م‪.‬‬
‫* * حص ل عل ى إج ازات مس ندة يف بع ض كت ب الس نة ومص طلح احل ديث‪ ،‬مث ل‪ :‬ص حيح البر اري‪ ،‬ص حيح مس لم‪،‬‬
‫مسند أاد‪ ،‬موطأ مالك‪ ،‬جامع الرتمذي‪ ،‬سنن ابن ماجه‪ ،‬سنن أيب داود‪ ،‬س نن النس ائي‪ ،‬مس ند ال دارمي‪ ،‬األربع ون‬
‫النووي ة‪ ،‬م ا ال يس ع احمل دث جهل ه‪ ،‬ألفي ة احل ديث للعراق ي‪ ،‬املنظوم ة البيقوني ة‪ ،‬ش رحها للزرق اين‪ ،‬ألفي ة احل ديث‬
‫للسيوطي‪ ،‬قصيدة غرامي صحيح‪ ،‬شرحها البن عبد اهلادي‪ ،‬كتاب األربعني يف فضائل الصحابة‪ ،‬كت اب األربع ني يف‬
‫فض ائل آل البي ت ‪ ،‬ثنائي ات موط أ مال ك‪ ،‬ثالثي ات البر اري‪ ،‬ثالثي ات الرتم ذي‪ ،‬ع وايل مس لم‪ ،‬ل ب األص ول لزكري ا‬
‫األنص اري‪ ،‬التبي ان يف آداب ال ة الق رآن للن ووي‪ ،‬م نت الورق ات‪ ،‬األربع ون يف تص حيح املعامل ة للقش ريي‪ ،‬ج زء فض ل‬
‫عش ر ذي احلج ة للط رباين‪ ،‬املنظوم ة الرحبي ة يف عل م الف رائض واملواري ث‪ ،‬ج زء يف فض ائل عش ر ذي احلج ة الب ن أيب‬
‫الدنيا وغريها‪.‬‬
‫* اتصل سنده بكثري من علماء األمة يف التفسري واحلديث والفقه واألصول وعلوم اللغة العربية‪ ،‬والسرية النبوية والتاريخ‪.‬‬
‫* حصل على إجازة يف العلوم الشرعية من مساحة اإلمام يوسف القرضاوي‪ ،‬وإجازة أخرى خاصة بتدريس كتبه‪.‬‬
‫* حصل على إجازة من فضيلة الشيخ الصادق بن عبد الران الغرياين مبدونة الفقه املالكي ومجيع مؤلفات ومسموعاته‪،‬‬
‫وما صحت له روايته‪.‬‬
‫*حص ل عل ى إج ازة خاص ة م ن فض يلة الش يخ حمم د احلس ن ال ددو ب دواوين الس نة النبوي ة‪ ،‬وعام ة جبمي ع م ا ص حت ل ه‬
‫روايته‪.‬‬
‫*حصل على إجازة عامة من عدد كبري من املش ايخ جبمي ع مروي اهتم‪ ،‬م نهم‪ :‬الش يخ عب د احلك يم األن يس‪ ،‬والش يخ‬
‫د مكي‪ ،‬والشيخ ازة بن علي الكتاين‪ ،‬والشيخ إبراهيم بن حممد بن حسن هند األهدل‪ ،‬والشيخ حمم د املهن ا األزه ري‪،‬‬
‫ودرايت األندونيس ي‪ ،‬والش يخ أا د ب ن أيب بك ر احلبش ي‪ ،‬والش يخ راف ع ب ن ط ه الرف اعي‪ ،‬والش يخ‬
‫والشيخ أاد بن حمم د التب َ‬

‫‪74‬‬
‫أاد بن عبد الرزاق بن حممد آل إبراهيم العنقري‪ ،‬والشيخ علي صغري زوبر األهدل اليمين‪ ،‬والشيخ حممد إدريس بن حممد‬
‫املاحي املغريب الكتاين‪ ،‬والشيخ زكريا بن أاد الطالب احلليب املكي‪ ،‬والشيخ مولود خملص الراوي‪ ،‬والشيخ قاسم بن إبراهيم‬
‫البح ر الق دميي احلس يين‪ ،‬والش يرة نزه ة بن ت عب د ال ران الكت اين‪ ،‬والش يخ د ب ن أا د مك ي‪ ،‬والش يخ نظ ام يعق ويب‪،‬‬
‫والشيخ حممد أكرم الندوي‪ ،‬والشيخ ذياب بن سعد الغامدي‪ ،‬والشيخ د‪ .‬وليد املنيسي‪ ،‬والشيخ عبد الران بن عبد احلي‬
‫الكتاين‪ ،‬وال شيخ عبد الوكيل بن عبد احلق اهلامشي‪ ،‬والشيخ حممد بن علي املنصور الصنعاين‪ ،‬والشيخ عبد الوهاب بن عبد‬
‫العزيز الزيد‪ ،‬والشيخ عبد اجمليد اجلامي السيالكويت‪ ،‬والشيخ عمر بن موفق النشوقايت‪ ،‬والشيخ املعمر سليمان عبد اهلل أاد‬
‫الش ريف‪ ،‬والش يخ د‪ .‬فض ل ب ن عب د اهلل م راد‪ ،‬والش يخ د‪ .‬عل ي الق دميي‪ ،‬والش يخ حمم د إدري س ب ن حمم د امل احي الكت اين‪،‬‬
‫والشيخ زكريا بن أاد الطال ب احلل يب املك ي‪ ،‬والعالم ة القاض ي إب راهيم ب ن حمم د ب ن حس ن هن د األه دل‪ ،‬والعالم ة املعم ر‬
‫مفيت الشافعية يف تركيا خليل بن عبد الكرمي كوننج‪ ،‬وآخرون‪.‬‬

‫* كرمته وزارة األوقاف الكويتية عام ‪1224‬م باعتباره أحد الكتاب املتميزين يف ل ة ال وعي اإلس المي‪ ،‬كم ا كرمت ه م ن‬
‫خالل املركز العاملي للوسطية أعوام ‪1222‬م‪1222 ،1222 ،1222 ،‬م‪ ،‬إللقائه بعض احملاضرات والدورات لوفود‬
‫الدعاة من البالد اآلسيوية‪ ،‬واإلفريقية‪ ،‬واألوربية‪ ،‬وبرنامج علماء املستقبل جلهوده يف الربنامج‪.‬‬
‫* شارك بورقات حبثية يف عشرات املؤمترات الدولية يف مصر وقطر واملغرب واجلزائر وتونس والكويت وعمان وتركيا‪.‬‬
‫*عضو عدد من املؤسسات والروابط واالحتادات العلمية العلمائية العاملية‪.‬‬
‫*عضو هيئة حترير يف عدد من اجملالت العلمية احمل ّكمة‪.‬‬
‫* عمل يف عدد من املراكز البحثية الفكرية والشرعية‪.‬‬
‫* ش ارك يف إع داد معلم ة القواع د الفقهي ة التابع ة جملم ع الفق ه اإلس المي – ج دة‪ ،‬و"مدون ة األس رة" للملك ة العربي ة‬
‫الس عودية (مش روع تقن ني ك ل م ا خي ص األس رة يف ض وء الفق ه احلنبل ي والق وانني العربي ة الوض عية)‪ ،‬و"موس وعة الفق ه‬
‫اإلباضي" اليت تشرف عليها وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية يف سلطنة عمان‪.‬‬
‫* نش رت ل ه الص حف واجمل الت‪ ،‬واجمل الت احملكم ة‪ ،‬ومواق ع اإلنرتن ت مئ ات املق االت واحل وارات واألحب اث يف الفق ه‬
‫واألصول‪ ،‬والفكر والدعوة‪ ،‬والرتبية‪ ،‬وشئون األسرة‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫* له عشرات االستشارات الفقهية والدعوية واإلميانية على موقع إسالم أونالين‪ ،‬وموقع اإلسالم اليوم‪.‬‬
‫* ألق ى عش رات احملاض رات وال دورات العلمي ة يف مص ر والكوي ت وتركي ا وإيطالي ا وأملاني ا ح ول مقاص د الش ريعة والفك ر‬
‫املقاصدي وتفعيله يف العمل الدعوي والسياسي واملؤسسي‪.‬‬
‫* ك ان ض يفا يف قن وات فض ائية عديدي ة يف مئ ات احللق ات للح ديث ح ول موض وعات فكري ة وش رعية ومس تجدات‬
‫فقهية‪.‬‬
‫*أشرف على‪ /‬وناقش عددا من رسائل املاجستري والدكتوراه‪.‬‬
‫*عضو حتكيم حبوث الرتقية لألساتذة يف عدد من اجلامعات‪.‬‬
‫* كتب مقدمات ألكثر من أربعني إصدارا بني كتب ورسائل علمية وموسوعات‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫المهلللفات‪:‬‬
‫‪ .2‬نظرية اجلرب يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬دراسة تأصيلية تطبيقية (رسالة ماجستري)‪.‬‬
‫‪ .1‬يف ظالل سيد قطب‪ ،‬حملات من حياته وأعماله ومنهجه التفسريي‪.‬‬
‫‪ .4‬احلرية الدينية ومقاصدها يف اإلسالم‪.‬‬
‫‪ .4‬مشاركة املرأة يف العمل العام (التعريفات‪ .‬الضوابط‪ .‬املقاصد‪ .‬الشبهات‪ .‬التحديات‪ .‬اذج للمشاركات‪ .‬اجملاالت‪.‬‬
‫األدوار املعينة)‪.‬‬
‫‪ .2‬احملاوالت التجديدية املعاصرة يف أصول الفقه‪ ،‬دراسة حتليلية‪.‬‬
‫‪ .1‬رعاية املقاصد يف منهج القرضاوي‪.‬‬
‫‪ .2‬كلمات يف صناعة الداعية الفقيه‪.‬‬
‫‪ .2‬منهج الشيخ حممد الغزايل يف تناول مسائل العقيدة‪.‬‬
‫‪ .2‬أمهية القرآن يف حياة املسلم‪.‬‬
‫‪ .22‬أسس التعامل مع القرآن الكرمي (وهو الكتاب الذي بني ييديك)‪.‬‬
‫‪ .22‬حمفوظ حنناح‪ .‬رمز اإلسالم املعتدل يف اجلزائر‪.‬‬
‫‪ .21‬اجلهاد يف سبيل اهلل‪ ...‬مقاصد وآثار‪.‬‬
‫‪ .24‬معامل الوسطية يف الوقاية من العنف والتطرف‪.‬‬
‫‪ .24‬القرضاوي اإلمام الثائر‪ ،‬دراسة حتليلية أصولية يف معامل اجتهاده للثورة املصرية‪.‬‬
‫‪ .22‬مقاصد األحكام الفقهية‪ ،‬تارخيها ووظائفها الرتبوية والدعوية‪.‬‬
‫‪ .21‬الوحدة الوطنية يف اإلسالم‪ :‬مفهومها‪ .‬ضوابطها‪ .‬مقاصدها‪.‬‬
‫‪ .22‬بيان غري املسلمني لدينهم يف تمعات املسلمني بني اجلواز واملنع‪.‬‬
‫‪ .22‬حفظ األسرة يف اإلسالم‪ ،‬قراءة يف ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها‪.‬‬
‫‪ .22‬املقاصد اجلزئية‪ :‬ضوابطها‪ .‬حجيتها‪ .‬وظائفها‪ .‬أثرها يف االستدالل الفقهي (رسالة دكتوراه)‪.‬‬
‫‪ .12‬اآلراء األصولية للدكتور حممد عمارة‪ .‬قراءة حتليلية نقدية‪.‬‬
‫‪ .12‬أحكام الشريعة بني التعبد والتعليل‪ ،‬قراءة أصولية يف حتقيق أقوال العلماء‪.‬‬
‫‪ .11‬القوة يف السياسة الشرعية‪ .‬عناصرها‪ .‬ضوابطها‪ .‬مقاصدها‪.‬‬
‫‪ .14‬مقدمات أصولية يف ضبط العمل الثوري وترشيده‪.‬‬
‫‪ .14‬حنو تفسري مقاصدي للقرآن الكرمي‪ .‬رؤية تأسيسية‪.‬‬
‫‪ .12‬الفنون ومقاصدها يف اإلسالم‪ :‬القرضاوي وذجا‪.‬‬
‫‪ .11‬رؤى مقاصدية يف أحداث عصرية‪ .‬اجلزء األول‪.‬‬
‫‪" .12‬موسوعة الفقه اإلباضي" الكتاب اخلامس "الزكاة"‪ ،‬منشورات وزارة األوقاف والشئون الدينية‪ .‬سلطنة عمان‪.‬‬
‫‪ .12‬مئوية الشيخ اإلمام حممد الغزايل‪ .‬لدان باالشرتاك‪.‬‬
‫‪ .12‬استقالل علم املقاصد مع وذج تطبيقي اجتماعي‪ :‬ذبح البقر يف اهلند‪.‬‬
‫‪ .42‬رؤى مقاصدية يف أحداث عصرية‪ .‬اجلزء الثاين‪.‬‬
‫‪ .42‬التكوين العلمي للعالمة الطاهر ابن عاشور‪ ،‬روافده وأثره يف بناء العقلية اجملدِّدة‪.‬‬
‫‪ .41‬رؤى مقاصدية يف أحداث عصرية‪ .‬اجلزء الثالث‪.‬‬
‫‪ .44‬النصوص الواردة يف قتال اليهود‪ ،‬حماولة للفهم يف ظل التصور اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ .44‬سؤاالت علم املقاصد‪ ،‬أجوبة املاضي واملستقبل‪.‬‬
‫‪ .42‬تراثنا الروحي واالحتياجات املعاصرة لألمة‪ ،‬أعمال كاملة ملؤمتر‪ .‬حترير‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫أهم المراجع‬

‫‪ .2‬أثر املقاصد يف حصر اخلالف عند اإلمام الشاطيب‪ .‬جنيبة رااين‪ .‬خمرب الدراسات الشرعية‪ .‬جامعة‬
‫األمري عبد القادر للعلوم اإلسالمية‪ .‬قسنطينة‪ .‬اجلزائر‪ .‬العدد الرابع‪ .‬صفر ‪2411‬ه ‪/‬مارس ‪1222‬م‪.‬‬
‫‪ .1‬إحكام األحكام شرح عمدة األحكام‪ .‬تقي الدين أبو الفتح حممد بن علي بن وهب بن مطيع‬
‫القشريي‪ ،‬املعروف بابن دقيق العيد‪ .‬حتقيق‪ :‬مصطفى شيخ مصطفى‪ ،‬ومدثر سندس‪ .‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫بريوت‪ .‬الطبعة األوىل‪2411 .‬ه ‪1222 /‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬اإلحكام يف أصول األحكام‪ .‬ابن حزم األندلسي‪ .‬دار اآلفاق اجلديدة‪ .‬ط‪ .1‬بريوت‪ ،‬وطبعة دار‬
‫احلديث‪ .‬القاهرة‪ .‬الطبعة األوىل‪2424 .‬ه ‪.‬‬
‫‪ .4‬األساس يف التفسري‪ .‬سعيد حوى‪ .‬دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع‪ .‬القاهرة‪ .‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫‪2422‬ه ‪2222 .‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬األشباه والنظائر على مذهب أيب حنيفة النعمان لزين الدين إبراهيم بن جنيم‪ .‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫الطبعة األوىل‪2422 .‬ه ‪2222 .‬م‪.‬‬
‫‪ .1‬االعتصام‪ .‬أليب إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطيب‪ .‬ضبط نصه وقدم له وعلق عليه وخرج أحاديثه‬
‫مشهور بن حسن آل سلمان‪ .‬مكتبة التوحيد‪ .‬د‪ .‬ط‪ .‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ .2‬إعالم املوقعني‪ .‬حممد بن أيب بكر بن أيوب بن قيم اجلوزية‪ .‬حتقيق طه عبد الرؤوف سعد‪ .‬دار‬
‫اجليل‪.‬‬
‫‪ .2‬أهداف كل سورة ومقاصدها يف القرآن الكرمي‪ .‬د‪ .‬عبد اهلل شحاتة‪ .‬طبعة اهليئة املصرية العامة‬
‫للكتاب‪ .‬القاهرة‪2221 .‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬البداية يف التفسري املوضوعي‪ .‬د‪ .‬عبد احلي الفرماوي‪ .‬الطبعة الثانية‪2422 .‬ه ‪2222 -‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬الربهان يف علوم القرآن‪ .‬بدر الدين حممد بن عبد اهلل بن هبادر الزركشي‪ .‬حتقيق‪ :‬حممد أبو الفضل‬
‫إبراهيم‪ .‬دار إحياء الكتب العربية لعيسى الباَّب احلليب وشركائه‪ .‬الطبعة األوىل‪ 2421 .‬ه ‪2222 -‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬بيان املرتصر شرح خمتصر ابن احلاجب‪ .‬مشس الدين أبو الثناء حممود بن عبد الران بن أاد‬
‫األصفهاين‪ .‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬حممد مظهر بقا‪ .‬معهد البحوث العلمية وإحياء الرتاث اإلسالمي‪ .‬مركز إحياء الرتاث‬
‫اإلسالمي‪ .‬مكة املكرمة‪ .‬الطبعة األوىل‪2421 .‬ه ‪2221/‬م‪.‬‬
‫‪ .21‬التحرير والتنوير‪ .‬حممد الطاهر ابن عاشور‪ .‬الطبعة التونسية‪ ،‬وطبعة بريوت‪1222 .‬م‪.‬‬
‫‪ .24‬التصوير الفين يف القرآن‪ .‬سيد قطب‪ .‬دار الشروق‪ .‬القاهرة‪ .‬الطبعة السابعة عشرة‪2412 .‬ه ‪.‬‬
‫‪1224‬م‪.‬‬
‫‪ .24‬تفسري القرآن احلكيم املسمى (تفسري املنار)‪ .‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ .‬القاهرة‪2222 .‬م‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫‪ .22‬التفسري املوضوع ي بني النظرية والتطبيق لصالح عبد الفتاح اخلالدي‪ .‬دار النفائس‪ .‬الطبعة الثالثة‪.‬‬
‫‪2444‬ه‪1221 .‬م‪.‬‬
‫‪ .21‬التفسري املوضوعي للقرآن الكرمي‪ .‬للشيرني أاد الكومي وحممد قاسم‪ .‬الطبعة األوىل‪2421 .‬ه ‪.‬‬
‫‪2221‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬تفسري آيات األحكام‪ .‬شرح الشيخ حممد علي السايس‪ .‬وحتقيق طه عبد الرؤوف سعد‪ .‬املكتبة‬
‫األزهرية للرتاث‪1222 .‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬التناسق املوضوعي يف السورة القرآنية‪ .‬إعداد حممد بن عمر بن سامل بازمول‪ .‬د‪.‬ت‪ .‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .22‬التوقيف على مهمات التعاريف‪ .‬زين الدين عبد الرؤوف املناوي‪ .‬عامل الكتب‪ .‬القاهرة‪ .‬الطبعة‬
‫األوىل‪2422 .‬ه ‪2222-‬م‪.‬‬
‫‪ .12‬اجلامع ألحكام القرآن‪ .‬أبو عبد اهلل القرطيب‪ .‬حتقيق‪ :‬هشام مسري البراري‪ .‬دار عامل الكتب‪.‬‬
‫الرياض‪ .‬اململكة العربية السعودية‪2414 .‬ه ‪1224 /‬م‪.‬‬
‫‪ .12‬جهود األمة يف مقاصد القرآن الكرمي‪ .‬د‪ .‬أاد الريسوين‪ .‬حبث شارك به يف املؤمتر العاملي األول‬
‫للباحثني يف القرآن الكرمي وعلومه بعنوان‪« :‬جهود األمة يف خدمة القرآن الكرمي وعلومه»‪ ،‬أيام ‪-22-22‬‬
‫‪ 21‬مجادى األول ‪2441‬ه املوافق ‪ 21-22-24‬أبريل ‪1222‬م‪ ،‬مبدينة فاس اململكة املغربية‪.‬‬
‫‪ .11‬الرسالة‪ .‬اإلمام حممد بن إدريس الشافعي‪ .‬دار الرتاث‪.‬‬
‫‪ .14‬زاد املعاد يف هدي خري العباد‪ .‬ابن قيم اجلوزية‪ .‬مؤسسة الرسالة‪ .‬بريوت‪ .‬مكتبة املنار اإلسالمية‪.‬‬
‫الكويت‪ .‬الطبعة السابعة والعشرون‪2422 .‬ه ‪2224/‬م‪.‬‬
‫‪ .14‬سنن ابن ماجه‪ .‬ابن ماجه القزويين‪.‬‬
‫‪ .12‬سنن أيب داود‪ .‬أبو داود السجستاين‪.‬‬
‫‪ .11‬صحيح ابن حبان ‪ .‬اإلمام ابن حبان‪.‬‬
‫‪ .12‬صحيح البراري‪ .‬اإلمام حممد بن إمساعيل البراري‪.‬‬
‫‪ .12‬صحيح مسلم‪ .‬اإلمام مسلم بن احلجاج‪.‬‬
‫‪ .12‬علم مقاصد السور‪ .‬د‪ .‬حممد الربيعة‪ .‬الطبعة األوىل‪2414 .‬ه ‪1222 .‬م‪.‬‬
‫‪ .42‬فتح القدير اجلامع بني فين الرواية والدراية من علم التفسري‪ .‬حممد بن علي الشوكاين‪ .‬دار املعرفة‪.‬‬
‫بريوت‪ .‬الطبعة الرابعة‪2412 .‬ه ‪1222 .‬م‪.‬‬
‫‪ .42‬الفكر املقاصدي قواعده وفوائده‪ .‬د‪ .‬أاد الريسوين‪ .‬دار اهلادي‪ .‬بريوت‪ .‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫‪2414‬ه ‪1224 .‬م‪.‬‬
‫‪ .41‬يف ظالل القرآن‪ .‬سيد قطب‪ .‬سيد قطب‪ .‬دار الشروق‪ .‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ .44‬فيض القدير شرح اجلامع الصغري من أحاديث البشري النذير‪ .‬حممد عبد الرؤوف املناوي‪ .‬ضبطه‬
‫وصححه أاد عبد السالم ‪ .‬دار الكتب العلمية‪ .‬بريوت‪ .‬لبنان‪2422 .‬ه ‪2224/‬م‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫‪ .44‬القاموس احمليط‪ .‬د الدين أيب طاهر حممد بن يعقوب بن حممد بن إبراهيم بن عمر الشريازي‬
‫الفريوزابادي‪.‬‬
‫‪ .42‬قواعد األحكام يف مصاحل األنام‪ .‬حتقيق‪ :‬حممود بن التالميذ الشنقيطي‪ .‬دار املعارف‪ .‬بريوت‪.‬‬
‫لبنان‪ .‬بدون تاريخ‪ .‬وطبعة مؤسسة الريان‪.‬‬
‫‪ .41‬قواعد الفقه حملمد عميم اإلحسان الربكيت‪ .‬دار الصدف ببلشرز‪ .‬كراتشي‪ .‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫‪2422‬ه ‪2221 .‬م‪.‬‬
‫‪ .42‬لسان العرب البن منظور األفريقي‪ .‬دار صادر‪ .‬بريوت‪ .‬الطبعة الثالثة‪2424 .‬ه ‪.‬‬
‫‪ .42‬موع الفتاوى‪ .‬تقي الدين أبو العباس أاد بن عبد احلليم بن تيمية احلراين‪ .‬حتقيق ‪ :‬أنور الباز ‪-‬‬
‫عامر اجلزار‪ .‬دار الوفاء‪ .‬املنصورة‪ .‬الطبعة الثالثة‪ 2411 .‬ه ‪1222 /‬م‪.‬‬
‫‪ .42‬حماضرات يف التفسري املوضوعي‪ .‬لشيرنا د‪ .‬عبد الستار فتح اهلل سعيد‪ .‬دار النداء‪ .‬اسطنبول‪.‬‬
‫الطبعة األوىل‪1224 .‬م‪.‬‬
‫‪ .42‬احمليط يف اللغة‪ .‬إمساعيل بن عباد بن العباس‪ ،‬أبو القاسم الطالقاين‪ ،‬املشهور بالصاحب بن عباد‪.‬‬
‫‪ .42‬مدارج السالكني بني منازل إياك نعبد وإياك نستعني‪ .‬حممد بن أيب بكر أيوب الزرعي‪ ،‬أبو عبد‬
‫اهلل‪ .‬حتقيق‪ :‬حممد حامد الفقي‪ .‬دار الكتاب العريب‪ .‬بريوت‪ .‬الطبعة الثانية‪2424 .‬ه ‪2224 /‬م‪.‬‬
‫‪ .41‬املدخل إىل التفسري املوضوعي‪ .‬لشيرنا الدكتور عبد الستار فتح اهلل سعيد‪.‬‬
‫‪ .44‬مدخل إىل مقاصد الشريعة‪ .‬د‪ .‬أاد الريسوين‪ .‬دار األمان بالرباط‪ .‬ودار السالم بالقاهرة‪ .‬الطبعة‬
‫األوىل‪2442 .‬ه ‪1222 .‬م‪.‬‬
‫‪ .44‬املستدرك‪ .‬احلاكم النيسابوري‪.‬‬
‫‪ .42‬مصابيح الدرر يف تناسب آيات القرآن الكرمي والسور‪ .‬حبث للدكتور عادل بن حممد أبو العالء‪.‬‬
‫اجلامعة اإلسالمية باملدينة املنورة‪ .‬العدد‪ -212 :‬السنة ‪2412 - 42‬ه ‪.‬‬
‫‪ .41‬مصاعد النظر لإلشراف على مقاصد السور‪ .‬برهان الدين البقاعي‪ .‬حتقيق د‪ .‬عبد السميع حممد‬
‫حسنني‪ .‬مكتبة املعارف‪ .‬الرياض‪ .‬الطبعة األوىل‪2422 .‬ه ‪2222 .‬م‪.‬‬
‫‪ .42‬املصباح املنري يف غريب الشرح الكبري‪ .‬أاد بن حممد بن علي الفيومي مث احلموي‪.‬‬
‫سن اجليزاين‪ .‬دار ابن اجلوزي‪.‬‬
‫حس ْني بن َح ْ‬
‫بن َ‬ ‫‪ .42‬معامل أصول الفقه عند أهل السنة واجلماعة‪َّ .‬‬
‫حممد ْ‬
‫الطبعة اخلامسة‪2412 .‬ه ‪.‬‬
‫‪ .42‬معركة الوجود بني القرآن والتلمود‪ .‬لشيرنا العالمة عبد الستار فتح اهلل سعيد‪ .‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪2421‬ه ‪.‬‬
‫‪ .22‬معيار العلم يف فن املنطق‪ .‬أليب حامد الغزايل‪ .‬شرحه أاد مشس الدين‪ .‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫بريوت‪ .‬لبنان‪ .‬الطبعة الثانية‪1224 .‬م‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫‪ .22‬مقاصد األحكام الفقهية تارخيها ووظائفها الرتبوية والدعوية‪ .‬د‪ .‬وصفي عاشور أبو زيد‪ .‬طبعة وزارة‬
‫األوقاف والشئون اإلسالمية بالكويت عدد (‪ )21‬من سلسلة روافد‪ .‬الطبعة األوىل‪2444 .‬ه ‪1221‬م‪.‬‬
‫‪ .21‬املقاصد اجلزئية ضوابطها حجيتها وظائفها أثرها يف االستدالل الفقهي‪ .‬د‪ .‬وصفي عاشور أبو زيد‪.‬‬
‫دار املقاصد‪ .‬القاهرة‪ .‬الطبعة األوىل‪2441 .‬ه ‪1222/‬م‪.‬‬
‫‪ .24‬مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ .‬حممد الطاهر ابن عاشور‪ .‬طبعة دار السالم‪.‬‬
‫‪ .24‬مقاصد القرآن من تشريع األحكام‪ .‬د‪ .‬احلامدي‪ .‬دار ابن حزم‪ .‬بريوت‪ .‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫‪2412‬ه ‪1222/‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬مقاصد املقاصد‪ .‬د‪ .‬أاد الريسوين‪ .‬طبعة دار النداء‪ .‬اسطنبول‪1224 .‬م‬
‫‪ .21‬من تراث اإلمام البنا‪ .‬الكتاب الثاين‪ :‬التفسري‪ .‬مجعة أمني عبد العزيز‪ .‬دار الدعوة‪ .‬اإلسكندرية‪.‬‬
‫الطبعة األوىل‪2411 .‬ه ‪1222 .‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬املوافقات‪ .‬اإلمام الشاطيب‪ .‬حتقيق‪ :‬مشهور بن حسن آل سلمان‪ .‬دار ابن عفان الطبعة ‪ :‬الطبعة‬
‫األوىل ‪2422‬ه ‪2222 /‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬النبأ العظيم نظرات جديدة يف القرآن الكرمي‪ .‬د‪ .‬حممد عبد اهلل دراز‪ .‬دار الثقافة الدوحة‪.‬‬
‫‪ 2222‬م‪ ،‬وطبعة أخرى اعتا به‪ :‬أاد مصطفى فضلية‪ .‬قدم له‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد العظيم إبراهيم املطعين‪ .‬دار‬
‫القلم للنشر والتوزيع‪ .‬طبعة مزيدة وحمققة ‪2411‬ه ‪1222 -‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬حنو تفسري سنين للقرآن الكرمي‪ .‬د‪ .‬رمضان مخيس زكي الغريب‪ .‬دار املقاصد‪ .‬القاهرة‪ .‬الطبعة‬
‫األوىل‪1222 .‬م‪.‬‬
‫‪ .12‬حنو تفسري موضوعي لسور القرآن الكرمي‪ .‬حممد الغزايل‪ .‬دار الشروق‪ .‬القاهرة‪ .‬الطبعة الرابعة‪.‬‬
‫‪2412‬ه ‪1222 .‬م‪.‬‬
‫‪ .12‬نظرات يف الرتبية والسلوك‪ .‬مقاالت حلسن البنا مجعها عصام تليمة‪.‬‬
‫‪ .11‬نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ .‬برهان الدين البقاعي‪ .‬حتقيق ‪ :‬عبد الرزاق غالب املهدي‪.‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت – ‪2422‬ه ‪2222 .‬م‪.‬‬
‫‪ .14‬هذا الدين‪ .‬سيد قطب‪ .‬دار الشروق‪ .‬القاهرة‪ .‬الطبعة السابعة عشرة‪2411 .‬ه ‪1222 .‬م‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫فلرس الموضوعات‬

‫مقدمة‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف التفسير المقاصدي وعالقته بأنواع التفسير‪:‬‬


‫تعريف التفسير المقاصدي‪:‬‬

‫عالقة التفسير المقاصدي بأنواع التفسير‪:‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أنواع مقاصد القرآن الكريم‪:‬‬


‫أوال‪ :‬المقاصد العامة للقرآن الكريم‪:‬‬
‫مقاصد معرفة املقاصد العامة للقرآن الكرمي‪:‬‬
‫ثانيا‪ :‬المقاصد الخاصة للقرآن الكريم (مقاصد المجاالت والموضوعات)‪:‬‬
‫األول‪ :‬مقاصد خاصة مبجال من اجملاالت‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬مقاصد خاصة مبوضوع من املوضوعات‪.‬‬

‫مقاصد معرفة املقاصد اخلاصة للقرآن الكرمي‪:‬‬


‫ثالثا‪ :‬مقاصد سور القرآن الكريم‪:‬‬
‫مقاصد معرفة مقاصد سور القرآن الكرمي‪:‬‬
‫رابعا‪ :‬المقاصد التفصيلية آليات القرآن الكريم‪:‬‬
‫مقاصد معرفة املقاصد التفصيلية آليات القرآن الكرمي‪:‬‬
‫خامسا‪ :‬مقاصد الكلمات والحروف القرآنية‪:‬‬
‫ً‬
‫مقاصد معرفة مقاصد الكلمات واألحرف القرآنية‪:‬‬

‫‪81‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مسالك الكشف عن مقاصد القرآن الكريم‪:‬‬
‫أوال‪ :‬النص القرآني على المقصد‪:‬‬
‫ثانيا‪ :‬االستقراء‪:‬‬
‫االستقراء مسلكا للكشف عن املقاصد العامة‪:‬‬
‫االستقراء مسلكا للكشف عن املقاصد اخلاصة‪:‬‬
‫االستقراء مسلكا للكشف عن مقاصد السور‪:‬‬
‫ثالثًا‪ :‬االستنباط‪:‬‬
‫ابعا‪ :‬تجارب علماء القرآن وجلودهم‪:‬‬
‫رً‬

‫المبحث الرابع‪ :‬مقومات المفسر المقاصدي‪:‬‬


‫أوال‪ :‬فلم اللغة العربية وآدابلا واستعماالتلا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تدبر القرآن الكريم وإرادة العيش به‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬العمل بالقرآن الكريم وتعليمه والجلاد به‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬االنطالق من احتياجات األمة في لل المقاصد العامة للقرآن‪.‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬ضوابط التفسير المقاصدي للقرآن الكريم‪:‬‬


‫أوال‪ :‬أن يكون المقصد مستكشفا من طرقه ومسالكه‪:‬‬
‫ً‬
‫ثانيًا‪ :‬أن يتم التحقق بمقومات المفسر المقاصدي‪:‬‬
‫ثالثًا‪ :‬تقديم المقاصد القرآنية النصية واألصلية على غيرها‪:‬‬
‫ابعا‪ :‬أن تكون المقاصد العامة للقرآن حاكمة على ما دونلا من المقاصد‪:‬‬
‫رً‬
‫خامسا‪ :‬أن يتحقق االتساق بين الكلمات واآليات والسور والقرآن كله‪:‬‬
‫ً‬

‫‪82‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬فوائد التفسير المقاصدي للقرآن الكريم‪:‬‬
‫أوال‪ :‬امتثاال ألمر اهلل تعالى ورسوله صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫ثانيا‪ :‬زيادة اإليمان واليقين بقيمة القرآن ومكانته واتباعه‪:‬‬
‫ثالثًا‪ :‬حسن الفلم وتيسير الحفظ‪:‬‬
‫ابعا‪ :‬تقليال للخالف بين المفسرين والتعصب عند المسلمين‪:‬‬
‫رً‬
‫معيارا للتحاكم في الفلم والتطبيق‪:‬‬
‫خامسا‪ً :‬‬
‫ً‬
‫سادسا‪ :‬ترجيحا ألقوال المفسرين وآرائلم‪:‬‬
‫ً‬
‫استبعادا لما ال فائدة فيه‪:‬‬
‫ً‬ ‫سابعا‪:‬‬
‫ً‬
‫اجا لما فيه فائدة‪:‬‬
‫ثامنًا‪ :‬إدر ً‬
‫تاسعا‪ :‬ترشي ًدا لفلم السنة واالجتلاد في الفقه والتنزيل‪:‬‬
‫ً‬
‫عاشرا‪ :‬تجدي ًدا للعلوم المنبثقة عن القرآن وضبطًا للا‪:‬‬
‫ً‬

‫خاتمة‬
‫سيرة ذاتية مختصرة للمهلللف‬
‫أهم المراجع‬
‫فلرس الموضوعات‬

‫‪83‬‬

You might also like