Professional Documents
Culture Documents
1
مقدمة
احلمد هلل ،والصالة والسالم على رسول اهلل ،سيدنا حممد ،وعلى آله وصحبه ومن وااله ،وبعد،
فإن القرآن الكرمي كتاب اإلنسانية ،أول نداء فيه هو" :يَا أَيُّ َها النَّاس ْاعبدوا َربَّكم الَّ ِذي َخلَ َقك ْم
ين ِمن قَ ْبلِك ْم لَ َعلَّك ْم تَتَّقو َن"[ .سورة البقرة ،]12 :وفيه سورة تسمى "سورة اإلنسان" ،وآخر سورة َّ ِ
َوالذ َ
فيه هي سورة "الناس" ،وآخر كلمة فيه هي كلمة الناس ،وكلمة الناس تكررت فيه أكثر من ()142
مرة ،وكلمة "بين آدم" تكررت أربع مرات ،وهكذا ،فلو جاز لنا أن نطلق على القرآن وصفا لكان:
"كتاب اإلنسانية".
ولقد اهتمت البشرية – وال أقول األمة املسلمة فقط – بالقرآن الكرمي كما مل هتتم بكتاب
مساوي؛ فضال عن قانون أرضي أو دستور بشري ،و ْأولْته من الرعاية والعناية والدراسات والتأمالت
والتفاسري ما مل حيدث مع كتاب آخر ،وأقامت حوله من العلوم خلدمته ما مل يقم حول غريه.
وتنوع هذا االهتمام مبا قام من اجتاهات يف التعامل مع القرآن الكرمي ،فهذا اجتاه التفسري باملأثور،
وذاك اجتاه التفسري بالرأي ،وآخر تفسري مذهيب ،وهنالك اجتاه التفسري اللغوي ،وآخر للبالغي أو
النحوي ،وهذا اجتاه التفسري العلمي ،وذاك التفسري العقدي والفلسفي ،وغري ذلك من مدارس
واجتاهات.
وكل اجتاه من هذه االجتاهات فيه العديد من التفاسري ،وقد يبلغ عدد التفاسري يف االجتاه الواحد
ص به من عشرات التفاسري ،وهذا يقفنا على قيمة هذا الكتاب العظيم ،واهتمام البشرية به؛ ملا خ َّ
خصائص ،ومتتع به من مزايا ،وأودع فيه من مقومات ،جعلت منه كتاب الزمان واملكان واإلنسان إىل أن
يرث اهلل األرض ومن عليها.
ومن أهم هذه االجتاهات اليت جيب الكشف عنها واحلديث حوهلا والتأسيس والتأصيل هلا :اجتاه
التفسري املقاصدي للقرآن الكرمي؛ إذ أنزل اهلل القرآن العظيم ألهداف سامية وغايات عالية ،تنشد هداية
البشرية وإسعادها يف الدنيا واآلخرة.
وينبغي أن يكون هذا االجتاه هو املقدَّم ؛ ألنه اجتاه معياري وحاكم على غريه من االجتاهات
نقوم ونقيِّم وجندد االجتاهات األخرى يف ضوء اجتاه التفسري املقاصدي
واملدارس؛ حيث إننا نستطيع أن ِّ
للقرآن الكرمي.
إننا لن نستطيع أن نفهم القرآن حق الفهم ،ونستنزله حق االستنزال ،ونستلهمه للحياة معه
واجلهاد به يف واقع أمتنا املعاصر ،إال إذا تعاملنا مع القرآن الكرمي وفق أهدافه اليت نص عليها القرآن
2
نفسه ،وكما تراءت لنا عرب مسالك الكشف عنه ،ونظرنا إليه نظرة مقاصدية ،تستكشف غاياته،
وتستجلي مراداته ،وتستبطن ما يريده من البشرية ،حىت حتط رحاهلا على شاطئ النجاح والفالح يف
املعاش واملعاد مجيعا.
ومن أجل هذا يدعو هذه البحث" :حنو تفسري مقاصدي للقرآن الكرمي" إىل تأسيس اجتاه
جديد ،ورسم معامل له؛ حيث مل يربز يف تراثنا التفسريي ،ولكن من وجهة تأسيسية تأصيلية وتأطريية؛
وهلذا جاءت التسمية الفرعية للبحث "رؤية تأسيسية"؛ حيث يبني تاريخ القضية ،وجيتهد يف حتديد
مقوماته اليت ينهض هبا ويتأسس عليها ،وحيدد مسالك الكشف عن هذه املقاصد بأنواعها ،وبيان أمهية
كل نوع من تلك األنواع وفوائده ،ويفصل القول يف أنواع هذا التفسري ،وحياول أن يضع له الضوابط
احلاكمة له والضابطة ملمارسته ،مث يكشف النقاب عن أمهيته من خالل ذكر مقاصده وبيان وظائفه اليت
يؤديها يف التعامل مع القرآن الكرمي ،ويف احل ياة؛ أمال يف أن يسرر اهلل تعاىل أحد العلماء أو أحد املراكز
ميحضوا أنفسهم هلذا املشروع الكامل( :مشروع التفسري البحثية أو فريقا من أهل العلم القرآين أن ِّ
استلهاما له
ً املقاصدي للقرآن الكرمي)؛ ليكون لبنة جديدة يف عمارة التفسري ،وحلقة من حلقاته املشيدة؛
يف احلياة؛ وتلبية الحتياجات األمة من القرآن الكرمي.
واقتضت خطة البحث أن تكون على النحو اآليت:
المقدمة :حول أهمية الموضوع وخطته.
المبحث األول :تعريف التفسير المقاصدي وعالقته بأنواع التفسير:
المبحث الثاني :أنواع مقاصد القرآن الكريم:
المبحث الثالث :مسالك الكشف عن مقاصد القرآن الكريم:
المبحث الرابع :مقومات المفسر المقاصدي:
المبحث الخامس :ضوابط التفسير المقاصدي للقرآن الكريم.
المبحث السادس :فوائد التفسير المقاصدي للقرآن الكريم:
ثم كانت الخاتمة التي جاءت بخالصة ألفكار البحث.
ومن اجلدير بالذكر اإلشارة إىل املساحة اليت أخذها الفصل األخري من هذا البحث ،وهي فوائد
أو مقاصد التفسري املقاصدي للقرآن الكرمي ،وهو ما يشري إىل أن الفوائد واملقاصد والثمرات اليت تنتظر
3
من التفسري املقاصدي ومشروعه كبرية وكثرية ومتنوعة ومهمة؛ األمر الذي حيملنا على أن نقوم مبشروع
تفسريي مقاصدي للقرآن الكرمي.
مث إن هذا البحث كان ورقة مقدمة إىل الدورة العلميّة املترصصة يف مقاصد الشريعة اإلسالمية،
حتت عنوان« :مقاصد القرآن الكرمي (»)2؛ حيث جاءت بعدها ندوتان حتت العنوان نفسه ،وهي
الندوات املتميزة اليت يقيمها مركز دراسات مقاصد الشريعة اإلسالميّة بلندن ،وكانت الندوة األوىل
بالتعاون مع مركز املقاصد للدراسات والبحوث (بالرباط) ،وكليّة اآلداب والعلوم اإلنسانيّة (جبامعة حممد
اخلامس – أكدال) ،وتعقد يف مدينة الرباط -اململكة املغربيّة ،أيام اخلميس واجلمعة والسبت 22
21/22/شعبان 2441ه ،املوافق ل 42/12/12مايو 1222م ،لكنين أضفت إليه مباحث جديدة
وأفكارا جديدة وفقرات كثرية مبا ضاعف حجم البحث عن حالته اليت قدم هبا للندوة.
وهذا البحث ال يؤسس لفن غري مسبوق به ،فهناك إشارات واضحة يف تفاسري كثرية ،منها على
سبيل التمثيل :تفسري التحرير والتنوير البن عاشور ،وتفسري املنار لرشيد رضا ،وتفسري نظام القرآن
وتأويل الفرقان بالفرقان للفراهي ،ولكنه يؤسس ملشروع مهم خلدمة القرآن الكرمي من خالل إقامة مشروع
تفسريي جديد يضع املقاصد القرآنية بأنواعها قبلته ،ويقوم بتفسري القرآن الكرمي كامال تفسريا مقاصديا،
مراعيا املقاصد العامة ،ومقاصد اجملاالت ،ومقاصد السور ،ومقاصد اآليات ،ومقاصد الكلمات
واحلروف ،وهو مشروع حيتاج ملركز أحباث أو فريق عمل متميز يقوم عليه ويقدمه خدمة للقرآن الكرمي
وتنويرا لألمة يف عصر تتالطم فيه أمواج الفنت ،وتتعاظم فيه حبار الظلمات واالضطرابات ،ولن جتد األمة
ً
خمرجا من ذلك إال يف ضوء أنوار القرآن وهداياته ،ويف ظالل مقاصده وغاياته.
ً
ومما جتدر اإلشارة إليه ،وبعد هذه الرحلة مع هذا البحث يف ظالل القرآن الكرمي أن نقرر أن
مقاصد القرآن أوسع وأوعب من مقاصد الشريعة ،فالقرآن الكرمي وهو كتاب الكتب ودليل األدلة وعمدة
امللة وقطب الشريعة ورحى العقيدة – أمشل من الشريعة وأحكامها ،وهذا يرتتب عليه أن مقاصد القرآن
أوسع وأوعب من مقاصد الشريعة ،ففي القرآن العقيدة واألخالق والعبادات واملعامالت واآلداب ،وفيه
السياسة واالقتصاد والرتبية والثقافة والتزكية والفكر واالجتماع ،والدوائر املرتلفة والعالقات املتباينة ،وهذا
يثمر مقاصد أوسع من مقاصد الشريعة ،وهو ما ينعكس على تناول القرآن وينكس بالتبعية على
األحكام الشرعية واالجتهاد الفقهي..
إن املشتغلني بالقرآن الكرمي أحوج ما يكونون اليوم ،وأحوج ما تكون أمتنا – قبل أي وقت مضى
وتقوم على أساسه
– إىل التعامل مع القرآن من منظور املقاصد ،وتقيِّم عليه أعماهلا وتعاملَها مع القرآنِّ ،
سريها إىل اهلل ،وتعاملها مع الناس ،فعصور إرادة النهضة ،والرغبة يف التطوير ،وممارسة التجديد
4
واالجتهاد ،ورد الشبهات واحلفاظ على اهلوية ...كل هذا وغريه يوجب علينا شرعا ،ويفرض علينا
حضارًة وواقعا ومستقبال أن نؤسس للفهم املقاصدي للقرآن الكرمي ،ونتعامل معه وفق هذه الرؤية ،وهذا
ما يسعى هذا البحث إىل التأسيس له ،والتأطري جلوانبه ،واهللَ أسأل حسن القبول ،وأن جيعله – مبنه
وكرمه – من العلم اخلادم للقرآن والنافع ألمة القرآن ،واحلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات،،
الفقري إىل عفو ربه
وصفي عاشور أبو زيد
اسطنبول 14ربيع األول 2442ه املوافق 1ديسمرب 1222م
5
المبحث األول :تعريف التفسير المقاصدي وعالقته بأنواع التفسير:
م ن األم ور املهم ة قب ل االنط الق يف البح ث حتدي د املص طلحات وض بط مض امينها؛ ح ىت ينطل ق
على أساس اصطالح ما اصطَلح عليه يف البداية أهل الفن ،وقد ق ال اب ن ح زم را ه اهلل تع اىل« :واألص ل
يف ك ل ب الء وعم اء وفل يط وفس اد :اخ تالط األمس اء ،ووق وع اس كم واح كد عل ى مع ك
ان كث رية؛ فير ِرب املر ِرب
ب ذلك االس ِم وه و يري د أح َد املع اين ال يت حتت ه ،فيحمل ه الس امع عل ى غ ري ذل ك املع ا ال ذي أراد املر رب،
فيق ع ال بالء واإلش كال ،وه ذا يف الش ريعة أض ُّر ش يء وأش دُّه هال ًك ا مل ن اعتق د الباط ل ،إال م ن وفّق ه اهلل
تعاىل"(.)1
والتفس ري املقاص دي للق رآن الك رمي ميكنن ا تعريف ه بأن ه" :ن وووع م وون أن ووواع التفس ووير واتج ووان م وون
اتجاهاتووه يبحووث فووي الكشووف عوون المعوواني المعقولووة والغايووات المتنوعووة التووي يوودور حوللووا القوورآن
الكريم كليًّا أو جزئيًّا مع بيان كيفية اإلفادة منلا في تحقيق مصلحة العباد".
ونعين ب "كليًّا أو جزئيًّا" املقاصد العام ة للق رآن الك رمي ،وال يت حت دث عنه ا الق رآن نفس ه ،وكث ري م ن
العلم اء ،وس يأيت تفص يل عنه ا ،واملقاص د اجلزئي ة ال يت رمب ا تك ون خاص ة مبوض وع أو س ورة أو موع ة م ن
اآليات ،أو حىت آية واحدة ،ورمبا لفظة واحدة ،وبيان املراد منها.
النص على "بيان كيفية اإلفادة منها" ج اء للتأكي د عل ى أن التفس ري ل يس للتفس ري وحس ب ،وإ ا
و ُّ
لبيان كيفية استنزال هدايات القرآن للواقع املعاصر ،وكيف تفيد منه ا ال دوائر االجتماعي ة املرتلف ة :الف رد،
واألسرة ،واجملتمع ،والدولة ،واألمة ،واإلنسانية مجعاء.
()1اإلحكام في أصول األحكام .101/8 :دار اآلفاق الجديدة .ط .2بيروت .في التعريف اآلتي للتفسير
المقاصدي لم نشأ أن نعرفه تعريفًا كما ُعهد في تعريف المصطلحات المركبة فنعرف كل كلمة لغة واصطالحا
ثم نعرف المركب جملة واحدة ،وانما عرفنا المركب مباشرة لتداول تعريف التفسير والمقاصد في مئات
المواضع في الدراسات المعاصرة.
6
والرؤية هي استطالع األمر بشكل واضح( )1من كل أطرافه وأبعاده حبيث يظهر جليًّا
مبعامله وأحنائه وحدوده ملن أراد أن يراه.
()1انظر مثال :القاموس المحيط :فصل الراء ،وانظر :لسان العرب :مادة (رأي) ،والمحيط في اللغة :ما أوله
راء.
()2انظر مثال :المصباح المنير .مادة ( :ء س س ) ،و لسان العرب :مادة (أسس).
7
وتتأكد حاجة كل نوع من هذه األنواع من التفسري إىل التفسري املقاصدي مبا يدل على
أن التفسري املقاصدي هو أبو كل هذه األنواع من التفسري ،أو الثمرة منها ،وأن التفسري ينبغي أن
يكون مقاصديًّا.
فالتفسري التحليلي يبحث يف معاين األلفاظ ومراميها واملقصود منها ،وارتباطه بالتفسري
املقاصدي ظاهر؛ إذ معاين األلفاظ ودالالهتا هي إحدى مسالك الكشف عن املقاصد من
اآليات الكرمية ،ويف الوقت نفسه ينضبط النظر التفسريي التحليلي مبقاصد اآليات والسور؛ فضال
عن املقاصد العامة للقرآن الكرمي.
والتفسري املوضعي الذي يرجع فيه املفسر إىل موضع واحد من القرآن الكرمي ،متتبعاً ترتيب
انسجاما واتساقا بني أحكام
ً اآليات يف سورها ،حيتاج إىل النظر املقاصدي يف القرآن الذي يقيم
هذا املوضع ومقاصد القرآن ،وينكشف كذلك مقصد هذا املوضع من خالل تتبعه يف القرآن؛
حيث تتضح رؤية القرآن حول هذا املوضع ومقاصده ومعامله.
والتفسري اإلمجايل يبني معاين السورة إمجاال وهو مرتبط بالتفسري املقاصدي كذلك؛ إذ
ينطلق من مقاصد السورة اليت تنكشف من خالل آيات السورة واستقراء ما ترمي إليه.
وأما التفسري املقارن ،فهو يعرض أقوال املفسرين يف اآلية أو اجلزء من اآلية مث يبني
مرجوحها من راجحها ،وضعيفها من قويها ،ولن يتأسس ذلك إال على أساس الفهم املقاصدي
أيضا.
لآلية أو اجلزء منها ،يف ضوء مقاصد السورة ً
وأما التفسري املوضوعي فهو يتناول موضوع السورة أو موضوعا يتتبعه يف آيات القرآن
مجيعا ،واهلدف منه هو الكشف عن معامل املوضوع ،ورؤية القرآن له ،وبيان مقاصد القرآن الكرمي
من موضوع السورة أو موضوع ما يف طول القرآن الكرمي وعرضه.
( )1راجع في هذه األنواع وتعريفها :التفسير الموضوعي للقرآن الكريم ،9 :وما بعدها للشيخين أحمد الكومي
ومحمد قاسم .الطبعة األولى1002 .هـ1982 .م ،والمدخل إلى التفسير الموضوعي .18-11 :لشيخنا
العالمة د .عبد الستار فتح اهلل سعيد ،والبداية في التفسير الموضوعي ،11 :وما بعدها .د .عبد الحي
الفرماوي .الطبعة الثانية1991 .هـ 1911 -م ،والتفسير الموضوعي بين النظرية والتطبيق لصالح عبد الفتاح
الخالدي ،01 :وما بعدها .دار النفائس .الطبعة الثالثة1099 .هـ2012 .م.
( )2راجع في هذا النوع :نحو تفسير سنني للقرآن الكريم ،1 :و .10-9د .رمضان خميس زكي الغريب .دار
المقاصد .القاهرة .الطبعة األولى2011 .م.
8
فأما التفسري السنين الذي يتناول القرآن يف ضوء علم السنن فهو وثيق الصلة باملقاصد
وفكرها؛ إذ ال فهم للسنن إال مع فكر املقاصد ،وال حركة للمقاصد يف الواقع إال يف ظالل السنن
الربانية.
***
وهكذا يتضح لنا أن الفهم املقاصدي للقرآن الكرمي أو لسوره أو موضوعاته ال غا ألي
نوع من أنواع التفسري عنه ،وال تتصور عملية التفسري إال يف وجوده وظالله ،وال ينفك عنه املفسر
أبدا يف أي منهج يتبعه للتعامل مع القرآن الكرمي ،فغرض املفسر -كما قال ابن عاشور -بيان
ما يصل إليه أو ما يقصده من مراد اهلل تعاىل يف كتابه بأمت بيان حيتمله املعا وال يأباه اللفظ من
كل ما يوضح املراد من مقاصد القرآن ،أو ما يتوقف عليه فهمه أكمل فهم ،أو خيدم املقصد
تفصيال وتفريعا( ،)1وهذا يشري إىل حمورية املقاصد وضروريتها و َّأوليتها لدى املفسر حني ينظر يف
القرآن العظيم مبناهج تفسريه مجيعا.
9
المبحث الثاني :أنواع مقاصد القرآن الكريم:
من األمهية مبكان أن يعرف املفسر أنواع مقاصد القرآن الكرمي حىت تكون نصب عينيه
أثناء بذله جلهده العقلي والنفسي يف تفسريه للقرآن ،فإنه مبعرفته هلذه األنواع ،واستحضاره هلا،
ستنكشف أمامه أمور كثرية ،وتتضح له معامل وآراء ورؤى وترجيحات وتفسريات مل تكن لتتضح
له دوهنا ،وقد قسمت مقاصد القرآن إىل مخسة أنواع( ،)1على النحو اآليت:
أوال :المقاصد العامة للقرآن الكريم:
هو ذلك النوع الذي يبحث يف الغايات الكلية والعامة للقرآن الكرمي ،وقد حتدث القرآن
الكرمي بنفسه عن هذه املقاصد ،فالقرآن يتحدث عن مقاصده؛ إذ ليس من املعقول أال يفرط
القرآن يف شيء ،أو أن يكون نزل تبيانا لكل شيء ،مث ال يذكر مقاصده وأغراضه اليت نزل من
أجلها ،وهي اليت جندها مبثوثة يف طول القرآن وعرضه ،ويف مجيع سوره ،وقد عرفها د .عبد الكرمي
حامدي بقوله" :هي تلك األغراض العليا احلاصلة من موع أحكام القرآن"( .)2وقال هي:
"الغايات اليت أنزل القرآن ألجلها حتقيقا ملصاحل العباد ،فالغايات املراد هبا املعاين واحلكم املقصودة
من إنزال القرآن ،وهذه الغايات هتدف إىل حتقيق مصاحل العباد يف العاجل واآلجل(.)3
وللعالمة حممد عبد اهلل دراز إشارات مهمة يف كتابه" :مدخل إىل القرآن الكرمي" ،وهو
أميل إىل املقاصد العامة للقرآن الكرمي؛ حيث رأى أن القرآن يدور حول ثالثة جوانب :احلق أو
العنصر الديين ،واخلري أو العنصر األخالقي ،واجلمال أو العنصر األديب.
وقد ذكر أستاذنا الدكتور أاد الريسوين ستة مقاصد من هذا النوع ،وهي:
( )1ذكر أستاذنا الدكتور أحمد الريسوني ثالثة منها ،هي :المقاصد العامة ،ومقاصد السور ،والمقاصد
التفصيلية لآليات ،وأفدت منه هنا في الحديث عنها ،وقد ذكر ذلك في بحثه" :جهود األمة في مقاصد القرآن
الكريم" ،وهو بحث شارك به في المؤتمر العالمي األول للباحثين في القرآن الكريم وعلومه بعنوان« :جهود
األمة في خدمة القرآن الكريم وعلومه» ،أيام 12-11-10جمادى األول 1092هـ الموافق 11-11-10
أبريل 2011م ،بمدينة فاس ـ المملكة المغربية ،الذي نظمته مؤسسة البحوث والدراسات العلمية «مبدع»،
بالتعاون مع جهات أخرى ،وقد أدرج د .الريسوني هذا البحث فيما بعد ضمن كتابه "مقاصد المقاصد".
( )2مقاصد القرآن من تشريع األحكام .01 :دار ابن حزم .بيروت .الطبعة األولى1029 .هـ2008/م.
( )3مقاصد القرآن من تشريع األحكام.29 :
11
.1مقصد توحيد اهلل وعبادته.
.2مقصد اللداية الدينية والدنيوية للعباد.
.3مقصد التزكية وتعليم الحكمة.
.4مقصد الرحمة والسعادة.
.5مقصد إقامة الحق والعدل.
.6مقصد تقويم الفكر(.)1
وأورد لكل مقصد من هذه املقاصد عددا من اآليات تشري إليها وتشهد هلا ،ووضعها حتت
مسلك من مسالك الكشف عن مقاصد القرآن ،وهو حديث القرآن بنفسه عن مقاصده ،يف حني
جعل املسلك الثاين هو جتارب العلماء وجهودهم يف استنباط مقاصد القرآن ،ومنهم أبو حامد الغزايل،
والعز ابن عبد السالم ،والبقاعي ،ورشيد رضا ،وسعيد النورسي ،والطاهر ابن عاشور؛ حيث هلم
حماوالت استقرائية يف الوصول ملقاصد القرآن العامة من خالل معايشتهم للقرآن وتدبرهم له(.)2
واملتأمل يف ه ذا النوع من املقاصد ميكنه أن يأيت مبقاصد أخرى للقرآن الكرمي ،ومطلوبات من
املكلفني ،فالقرآن يريد منا أن نرتك اجلرائم واخلطيئات؛ فردية كانت أو مجاعية ،ويريد منا أن نعمل
الصاحلات ،ونفعل اخلريات ،ويرحم بعضنا بعضا ،ونبين اجملتمع بناء صاحلاً طيباً ،والقرآن يدعونا لنشر
اخلري والصالح ،ودعوة الناس إليه ،ورد من وقف يف وجهه؛ حىت يعم هذا اخلري مجيع األرض ،وحيصل
التمكني ألهله ،ويريد منا أن نعمل خلري هذه اإلنسانية ،وفالحها وجناهتا وإسعادها مبا حنن أمة اخلريية
والشهادة على العاملني.
ويظل استنباط هذه املقاصد هبذا التعدد واالختالف يف الرؤى عند كل صاحب جتربة من العلماء
حمكوما بعصره ،وبالثقافة السائدة فيه ،والقضايا املثارة بني أهل الزمان ،فإذا نظرنا إىل املتقدمني وجتارهبم
يف ذلك وجدناها متقاربة ،وإذا انتقلنا إىل املعاصرين ابتداء من األئمة :رشيد رضا مث الطاهر ابن عاشور
مث القرض اوي وجدنا أصداء العصر يف جتربتهم؛ حيث برز من املقاصد عندهم ما يتعلق باملرأة وكرامة
اإلنسان واألسرة واحلريات ،وإذ ا تغري العصر وحاجات املكان فال يبعد أن يأيت علماء آخرون يضيفون
( )1هذا المقصد ليس موجودا في البحث المشار إليه وانما هو مضاف في طبعة الكتاب "مقاصد المقاصد":
.00-28طبعة دار النداء .اسطنبول2010 .م ،وهو من باب اإلضافة والتنقيح لما يكتبه العالم قبل إعادة
النشر.
()2انظر :مقاصد المقاصد.90-21 :
11
إىل املقاصد السابقة ما يستوعب عصرهم ويليب حاجاهتم ،ويبقى القرآن الكرمي معطاء ،فيه من اهلدايات
ما يستوعب اجلديد يف كل عصر ،واملناسب لكل مصر!
وهكذا فإن املقاصد العامة للقرآن الكرمي مع عدم قلتها ،فإهنا أهداف وغايات كبرية ،تنتظم
موضوعات القرآن الكرمي وحماوره ،وتلتئم حتتها سوره وآياته ،فال يند عنها موضوع أو سورة أو آية.
( )1مقاصد المقاصد .01-00 :باختصار ،والمقاصد هنا نستخدمها بمعنى الفوائد ،ال بالمعنى األصولي
المعروف.
12
ثانيا :المقاصد الخاصة للقرآن الكريم (مقاصد المجاالت والموضوعات):
هذا النوع من املقاصد هو الذي يبحث يف مقاصد خاصة ،ليست مضطردة يف القرآن كله ،يف
مجيع سوره ،أو مجيع آياته ،وإ ا هلا نطاق حمدد و ال معني تعمل فيه ،وميكننا تقسيم هذا النوع من
املقاصد إىل نوعني:
األول :مقاصد خاصة بمجال من المجاالت ،وهو ما يتصل بدائرة تشريعية من الدوائر ،أو
شعبة من الشعب؛ فمجاالت القرآن الكرمي متنوعة ،مثل :ال العقائد ،و ال األخالق ،و ال
العبادات ،و ال املعامالت ،و ال الزواج والطالق ،و ال املواريث ،و ال احلدود والعقوبات ،و ال
السياسة الداخلية أو اخلارجية ،و ال الرتبية ،و ال االجتماع البشري ...اخل.
واخلطة املثلى للبحث عن املقاصد اخلاصة يف ال من اجملاالت هو مجع اآليات املتصلة به،
اعا وطبيعة وأركانا وشروطا وقواعد وضوابط وفوائد
وتصنيفها ،والنظر والتأمل فيها ،فسوف جند هلا أنو ً
وآثارا ،والتحقيق والنظر والتدبر يف هذا كله يفضي بنا إىل الوقوف على مقاصد القرآن الكرمي من هذا
اجملال أو ذاك ،وقد ينص القرآن الكرمي على ذلك بشكل واضح ،وقد يستنبط من خالل النظر والتأمل
يف الشروط والضوابط والقواعد املنظمة للعمل به.
ولو أخذنا مثاال لذلك بمجال مثل مجال الزواج – وهو جزء من ال األسرة -لوجدنا
وجعل ذلك من نعمه وآياته ،قال القرآن الكرمي يسعى سعيًا إلقامة هذه األسرة ،باحلث على الزواجَ ،
ضلِ ِه
ني ِم ْن ِعبَ ِادك ْم َوإِ َمائِك ْم إِ ْن يَكونوا ف َقَراءَ ي ْغنِ ِهم اللَّه ِم ْن فَ ْتعاىل" :وأَنْ ِكحوا ْاألَيامى ِمْنكم و َّ ِِ
الصاحل َ ْ َ ََ َ
ِ
َواللَّه َو ِاسع َعليم" .سورة النور.41 :
اجا لِتَ ْسكنوا إِلَْي َها َو َج َع َل بَْي نَك ْم َم َوَّد ًة َوَر ْاَةً إِ َّن ِ ِ ِ ِِ
وقالَ " :وم ْن آَيَاته أَ ْن َخلَ َق لَك ْم م ْن أَنْفسك ْم أ َْزَو ً
ات لَِق ْوكم يَتَ َف َّكرو َن" .سورة الروم.12 : ِيف َذلِك َآلَي ك
َ َ
ني َو َح َف َد ًة َوَرَزقَك ْم ِم َنِ ِ ِ ِ ِ
وقالَ " :واللَّه َج َع َل لَك ْم م ْن أَنْفسك ْم أ َْزَو ً
اجا َو َج َع َل لَك ْم م ْن أ َْزَواجك ْم بَن َ
اط ِل ي ْؤِمنو َن َوبِنِ ْع َم ِة اللَّ ِه ه ْم يَكْفرو َن" .سورة النحل.21 : الطَّيِّب ِ
ات أَفَبِالْب ِ
َ َ
ومل يسمه اهلل تعاىل عقدا ،بل أمساه "ميثاقا" ،ووصفه بأنه "غليظ" ،وهذا مل حيدث يف عقد
استِْب َد َال َزْو كج َم َكا َن َزْو كج َوآَتَْيت ْم
معامالت قط ،ال يف القرآن وال يف السنة ،قال تعاىلَ " :وإِ ْن أ ََرْدمت ْ
ِ ِ
ضى بَ ْعضك ْم ف تَأْخذونَه َوقَ ْد أَفْ َ إِ ْح َداه َّن قْنطَ ًارا فَ َال تَأْخذوا مْنه َشْيئًا أَتَأْخذونَه ب ْهتَانًا َوإِْْثًا مبِينًا َ .وَكْي َ
َخ ْذ َن ِمْنك ْم ِميثَاقًا َغلِيظًا" .سورة النساء.12- 12 : ض َوأ َإِ َىل بَ ْع ك
13
ووضع القرآن الكرمي القوامة عند الرجل على املرأة "مبا فضل بعضهم على بعض ومبا أنفقوا من
ِّس ِاء ِمبَا
الر َجال قَ َّوامو َن َعلَى الن َ أمواهلم"؛ فالبد للحياة من قائد يقودها باحلكمة وفق شرع اهلل احلنيفِّ " :
ض َوِمبَا أَنْ َفقوا ِم ْن أ َْم َواهلِِ ْم" .سورة النساء.44 : َّل اللَّه بَ ْع َ
ضه ْم َعلَى بَ ْع ك
فَض َ
وعند نشوز الزوجة وضع القرآن الكرمي عدة تدابري تدرجيية يف التعامل معها ،أمجلها القرآن
الالِيت َفَافو َنوفصلتها السنة ،مبا مل يشهده التاريخ يف شريعة مساوية أو قوانني أرضية ،قال تعاىلَ ..." :و َّ
اض ِربوه َّن فَِإ ْن أَطَ ْعنَك ْم فَ َال تَْب غوا َعلَْي ِه َّن َسبِ ًيال إِ َّن اللَّهَ َكا َن نشوزه َّن فَعِظوه َّن واهجروه َّن ِيف الْم ِ
ضاج ِع َو ْ
َ َ َْ َ
ِ
ائعا فلرياجع مكانه. َعليًّا َكبِ ًريا" .سورة النساء .44 :وقد قال األستاذ سيد قطب هنا كالما ر ً
وعند اخلالف مل يرتك القرآن الكرمي هذا الكيان يتصدع وينهار ،وإ ا وضع من التدابري ما حيافظ
عليه ،ويبعد عنه التشقق والتصدع ،وإ ا أمر الزوجني بإحضار حكمني عدلني من أهلهما لإلصالح
بينهما ،وجعلهما القرآن الكرمي من األهل نظرا حلرص األهل هنا وهنا على استدامة األسرة واستقرارها،
ِ ِ
اق بَْينِ ِه َما فَابْ َعثوا َح َك ًما ِم ْن أ َْهل ِه َو َح َك ًما ِم ْن أ َْهل َها إِ ْن ي ِر َ
يدا إِ ْ
ص َال ًحا ي َوفِّ ِق قال تعاىلَ " :وإِ ْن ِخ ْفت ْم ِش َق َ
يما َخبِ ًريا" .سورة النساء.42 : ِ ِ
اللَّه بَْي نَ ه َما إ َّن اللَّ َه َكا َن َعل ً
فاملتأمل يف هذا اجملال ،أو جزء من ال األسرة ،يتبني له بيقني أن اإلسالم يقصد قصدا ويسعى
سعيا يف البدء واألثناء واخلتام أن تقوم هذه األسرة ،وأن تبقى قوية متماسكة متحابة مرتااة متواددة،
تتأَّب مبا وضعه الشرع هلا من تدابري على التشقق والتصدع قوية النسيج ،عزيزة اجلناب ،مرفوعة شاخمةَّ ،
واالهنيار ..حىت يف حالة االهنيار "الطالق" الذي كرهه الشرع ونفَّر منه ،لكنه أباحه لرفع الضررَ " :وإِ ْن
ِ ِ ِِ ِ
يما" .سورة النساء ...242 :حىت يف هذه احلالة أمر يَتَ َفَّرقَا ي ْغ ِن اللَّه ك ًّال م ْن َس َعته َوَكا َن اللَّه َواس ًعا َحك ً
القرآن الكرمي أن يكون التسريح "بإحسان" ،وطلب من الطرفني أن يتعامال بالفضل ال العدلَ " :وإِ ْن
ضت ْم إَِّال أَ ْن يَ ْعفو َن أ َْو يَ ْعف َو الَّ ِذي
صف َما فَ َر ْ ضتم َهل َّن فَ ِر ِ
يضةً فَن ْ
َ
ِ
طَلَّ ْقتموه َّن م ْن قَ ْب ِل أَ ْن متََ ُّسوه َّن َوقَ ْد فَ َر ْ ْ
ضل ب ي نَكم إِ َّن اللَّه ِمبَا تَعملو َن ب ِ ِ بِيَ ِدهِ ع ْق َدة النِّ َك ِ
صري" .سورة َ َْ َ اح َوأَ ْن تَ ْعفوا أَقْ َرب للتَّ ْق َوى َوَال تَْن َسوا الْ َف ْ َ َْ ْ
البقرة.142 :
هكذا يرسم القرآن الكرمي صورة مثالية للحياة الزوجية ،ويتضح من خالهلا مقصد القرآن الكرمي
منها ،من خالل مجع اآليات والتأمل فيها ،والتفحص يف تدابريها وأحكامها.
14
ويف ال القصص القرآين مثال يبني الطاهر ابن عاشور أن املقصد من سرد القصص ليس التلهي
وال التسلية ،وإ ا لغرض آخر ،يقول" :إن من مقاصد القرآن يف ذكر القصص املاضية أن يعترب هبا
املسلمون يف اخلري والشر"(.)1
وهكذا يف أي ال من االت القرآن الكرمي نقوم باستقراء اآليات اليت حتدثت عنه والتدبر فيها
وتصنيفها ،ومن مث الوقوف على مقاصد هذا اجملال أو ذاك.
والثاني :مقاصد خاصة بموضوع من الموضوعات :وهذا هو التفسري املوضوعي ،الذي قد
يكون خاصا مبوضوع يف سورة معينة ،أو يتناول موضوعا يف طول القرآن وعرضه ،كاليهود يف القرآن ،أو
التقوى يف القرآن ،أو اإلحسان يف القرآن ،أو يوسف يف القرآن ،أو اجلبال يف القرآن ،أو الصالة يف
القرآن ،أو األمثال يف القرآن ...اخل
فأي موضوع من هذه املوضوعات تتمثل خطواته يف مجع اآليات القرآنية ،وتفسريها تفسريا علميا
على أساس املوضوع ،وتدون يف حبث منفرد أو كتاب جامع على ط مبسوطات التفسري التحليلي؛
حبيث يرجع الباحث إىل املوضوع الذي يريده ،ويعلم موقف القرآن منه يف يسر وسهولة(.)2
ومن خالل التأمل يف اآليات اجملموعة مجيعا ،ودراستها والتدبر فيها ،وتصنيفها وحتليلها ،يتبني
مقصد القرآن الكرمي من موضوع من هذه املوضوعات.
ولو أخذنا مثاال باليلود في القرآن الكريم ،لوجدنا من صفاهتم :اإلحلاد املطلق يف العقائد،
وقسوة القلوب إىل درجة اهلمجية والوحشية ،واحرتاف التزييف والتحريف واجلدل ،والغدر ونقض
الناس
ويذكرون َ العهود ،وأهنم بلغوا قمة احلقد واحلسد ،وأهنم يسفهون إذا أمنوا ،ويَ ْقتلون إذا قَدرواِّ ،
باملثل العليا وباحلقوق إذا وجلوا ،ولكن لفائدهتم وحدهم ،وأهنم يستهينون باألخالق واحلرمات والشرائع،
وأهنم مفسدون يف األرض ...اخل(.)3
والقرآن الكرمي حني يقص علينا ويبني لنا طبيعة اليهود وصفاهتم يقصد من وراء ذلك :أن نعرف
صفاهتم ،وأن نعاملهم على أساسها ،فال نأمن غدرهم ،وال نثق يف وعودهم ،وال نأمن جانبهم ،وال
15
هنادهنم أو جنري بيننا وبينهم اتفاقات إال بشروط عادلة حازمة حامسة ،وغري ذلك من مقاصد ...
فدراسة موضوع واحد من مجيع جوانبه يكشف الرؤية القرآنية له ،وتتجلى مقاصده وأغراضه بالتأمل
والتدبر يف أحنائه وجنباته.
()1مصاعد النظر لإلشراف على مقاصد السور .109/1 :برهان الدين البقاعي .تحقيق د .عبد السميع محمد
حسنين .مكتبة المعارف .الرياض .الطبعة األولى1008 .هـ1981 .م.
17
اإلمام حممد عبده وتلميذه العالمة رشيد رضا ،اللذان كان هلما منهج يف التفسري يقوم على عدة
أسس ،منها :الوحدة املوضوعية للسورة ،وأن فكرة السورة جيب أن تكون أساسا يف فهم آياهتا،
واملوضوع جيب أن يكون أساسا يف فهم اآليات اليت نزلت فيه.
وتأثر بتفسري املنار أساتذة يف العصر احلديث ،منهم :الشيخ حممد مصطفى املراغي ،والشيخ
حممود شلتوت ،وله تفسريه للعشرة أجزاء األوىل من القرآن ،حاول فيه أن يوضح أهداف السور
وأغراضها( ،)1وكذلك العالمة حممد الطاهر ابن عاشور له إشارات وحماوالت مهمة يف تفسريه "التحرير
والتنوير".
والعالمة حممد عبد اهلل دراز ،الذي له إشارات مهمة يف كتابه "النبأ العظيم"؛ فقد احتوى على
تفسري موضوعي مقاصدي لسورة البقرة بل ميكن عدُّه أول تفسري موضوعي لسورة كاملة ،بني فيه حماور
سورة البقرة والغايات اليت ترمي إىل حتقيقها ،ولعله أول جتربة يف التفسري املوضوعي للسور،ة والكشف
عن غاياهتا ،يقول" :ملاذا نقول إن املعاين تنتسق يف السورة كما تنتسق احلجرات يف البنيان؟ ال .بل إهنا
لتلتحم فيها كما تلتحم األعضاء يف جسم اإلنسان ،فبني كل قطعة وجارهتا رباط موضعي من أنفسهما،
كما يلتقي العظمان عند املفصل ،ومن فوقهما متتد شبكة من الوشائج حتيط هبما عن كثب ،كما
يشتبك العضوان بالشرايني والعروق واألعصاب ،ومن وراء ذلك كله يسري يف مجلة السورة اجتاه معني،
وتؤدي مبجموعها غرضاً خاصاً ،كما يأخذ اجلسم قواماً واحداً ،ويتعاون جبملته على أداء غرض واحد،
مع اختالف وظائفه العضوية"(.)2
واألستاذ الشهيد سيد قطب ،الذي برع براعة منقطعة النظري يف هذا ،فهو قبل بداية التفسري
التفصيلي أو التحليلي آليات السورة يرسم لنا لوحة مجالية هلا ،وصورة مشسية جلوانبها وأبعادها ،يبني
فيها اهلدف األساس واملقصد األمسى للسورة ،فهذه سورة حمور احلديث فيها عن وحدانية اهلل ،وتلك
تدور حول الوحي ،وهذه حول اليوم اآلخر ،وتلك عن العقيدة ،وهذه حول قيم أخالقية تريد السورة أن
ترسرها يف اجلماعة املؤمنة ،وتلك عن اآلداب االجتماعية ..اخل .يقول" :ومن مث يلحظ من يعيش يف
ظالل القرآن أن لكل سورة من سوره شرصية مميزة! شرصية هلا روح يعيش معها القلب كما لو كان
يعيش مع روح حي مميز املالمح والسمات واألنفاس ،وهلا موضوع رئيسي أو عدة موضوعات رئيسية
( )1انظر :أهداف كل سورة ومقاصدها في القرآن الكريم .1-0 :د .عبد اهلل شحاتة .طبعة الهيئة المصرية
العامة للكتاب .القاهرة1911 .م.
( )2في ظالل القرآن.28-21/1 :
18
مشدودة إىل حمور خاص .وهلا جو خاص يظلل موضوعاهتا كلها وجيعل سياقها يتناول هذه املوضوعات
من جوانب معينة ،حتقق التناسق بينها وفق هذا اجلو"(.)1
وأحيانا جيعل األستاذ سيد اجلزء من القرآن وحد ًة موضوعية واحدة ،كما فعل يف اجلزء الثالثني،
يقول" :هذا اجلزء كله -ومنه هذه السورة -ذو طابع غالب ..سوره مكية فيما عدا سوريت «البينة»
و«النصر» وكلها من قصار السور على تفاوت يف القصر .واألهم من هذا هو طابعها اخلاص الذي
جيعلها وحدة -على وجه التقريب -يف موضوعها واجتاهها ،وإيقاعها ،وصورها وظالهلا ،وأسلوهبا
بنوم غارقني يف
العام ..إهنا طرقات متوالية على احلس .طرقات عنيفة قوية عالية .وصيحات .صيحات ّ
النوم! نومهم ثقيل! أو بسكارى خممورين ثقل حسهم اخلمار! أو بالهني يف سامر راقصني يف ضجة
وتصدية ومكاء! تتواىل على حسهم تلك الطرقات والصيحات املنبثقة من سور هذا اجلزء كله بإيقاع
واحد ونذير واحد :اصحوا .استيقظوا .انظروا .تلفتوا .تفكروا .تدبروا ..إن هنا لك إهلا .وإن هنالك
تدبريا .وإن هنالك تقديرا .وإن هنالك ابتالء .وإن هنالك تبعة .وإن هنالك حسابا .وإن هنالك جزاء.
وإن هنالك عذابا شديدا .ونعيما كبريا ..اصحوا .استيقظوا .انظروا .تلفتوا .تفكروا .تدبروا ...وهكذا
مرة أخرى .وثالثة ورابعة وخامسة ...وعاشرة ...ومع الطرقات والصيحات يد قوية هتز النائمني
املرمورين السادرين هزا عنيفا ..وهم كأ ا يفتحون أعينهم وينظرون يف مخار مرة ،مث يعودون ملا كانوا
فيه! فتعود اليد القوية هتزهم هزا عنيفا ويعود الصوت العايل يصيح هبم من جديد وتعود الطرقات العنيفة
على األمساع والقلوب ..وأحيانا يتيقظ النوام ليقولوا :يف إصرار وعناد :ال ..مث حيصبون الصائح املنذر
ا ملنبه باألحجار والبذاء ..مث يعودون ملا كانوا فيه .فيعود إىل هزهم من جديد ..هكذا خيل إيل وأنا أقرأ
هذا اجلزء .وأحس تركيزه على حقائق معينة قليلة العدد ،عظيمة القدر ،ثقيلة الوزن .وعلى إيقاعات
معينة يلمس هبا أوتار القلوب .وعلى مشاهد معينة يف الكون والنفس .وعلى أحداث معينة يف يوم
الفصل .وأرى تكرارها مع تنوعها .هذا التكرار املوحي بأمر وقصد!" (.)2
وكذلك العالمة حممد الطاهر ابن عاشور ،كثريا ما يبني مقاصد السورة وينص على ذلك بشكل
واضح ،ففي سورة الفاحتة مثال قال " :تشتمل حمتوياهتا على أنواع مقاصد القرآن وهي ثالثة أنواع :الثناء
على اهلل ثناء جامعا لوصفه جبميع احملامد وتنزيهه من مجيع النقائص ،وإلثبات تفرده باإلهلية وإثبات
ك يَ ْوِم الدِّي ِن} واألوامر والنواهي من قوله
{احلمد لِلَّ ِه} إىل قوله {مالِ ِ
َ البعث واجلزاء وذلك من قوله َْ ْ
( )1النبأ العظيم .111 :د .محمد عبد اهلل دراز .دار الثقافةـ الدوحة1981 .م.
( )2في ظالل القرآن .9800 /1 :دار الشروق .القاهرة.
19
ين} إىل آخرها ،فهذه هي أنواع مقاصد القرآن كله، ِ َّ ِ {إِيَّ َ
اك نَ ْعبد} والوعد والوعيد من قوله {صَرا َط الذ َ
وغريها تكمالت هلا"(.)1
ولألستاذ الشيخ سعيد حوى نظرات يف كتابه "األساس يف التفسري" ،يبني فيها كذلك مالمح
السورة وجوها العام ،يقول" :قد استطعت حبمد اهلل أن أبرهن على أن كمال القرآن يف وحدة آياته يف
السورة الواحدة وكماله يف الوحدة اجلامعة اليت جتمع ما بني سوره وآياته على طريقة مل يعرف هلا العامل
مثيال ،وال ميكن أن فطر على قلب بشر"(.)2
وأما الداعية العالمة الشيخ حممد الغزايل فقد قدم حماولة عن هذا النوع من التفسري ،وهو كتابه:
"حنو تفسري موضوعي لسور القرآن الكرمي" ،قال يف مقدمته عن التفسري املوضوعي للسورة :إنه "يتناول
السورة كلها حياول رسم صورة مشسية هلا تتناول أوهلا وآخرها ،وتتعرف على الروابط اخلفية اليت تشدها
كلها ،وجتعل أوهلا متهيدا آلخرها ،وآخرها تصديقا ألوهلا ...إنين أختار من اآليات ما يربز مالمح
السورة ،وأترك غريها للقارئ يضمها إىل السياق املشابه؛ وذلك حىت ال يطول العرض ويتشتت"(.)3
ولألستاذ الدكتور عبد اهلل شحاتة كتاب بعنوان "أهداف كل سورة ومقاصدها يف القرآن
الكرمي" ،سبق النقل عنه ،قال يف مقدمته" :فالكتاب الذي نشاهده اآلن ليس تفسريا حرفيا آليات
القرآن الكرمي ،ولكنه ضوء يلقى على أهداف السور ومقاصدها ،ويوضح بعض األحكام واآلداب اليت
اشتملت عليها"(.)4
وإذا نقلنا عن هؤالء مجيعا أمثلة دالَّة على بيان جهودهم يف تلمس مقاصد كل سورة لطال املقام؛
تتبعا وانتقاءً وتعقيبات وتوضيحات ليس هذا موضعها.إذ األمر سيقتضي ً
( )1التحرير والتنوير .191 :محمد الطاهر ابن عاشور .مؤسسة التاريخ العربي ،بيروت – لبنان .الطبعة :
األولى1020 ،هـ2000/م
( )2األساس في التفسير .21 /1 :سعيد حوى .دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع .القاهرة .الطبعة األولى.
1001هـ1981 .م.
( )3نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم .1-1 :محمد الغزالي .دار الشروق .القاهرة .الطبعة الرابعة.
1020هـ2000 .م.
()4أهداف كل سورة ومقاصدها في القرآن الكريم .9 :د .عبد اهلل شحاتة .طبعة الهيئة المصرية العامة
للكتاب .القاهرة1911 .م ،وهو يقصد بالتفسير الحرفي :التفسير التحليلي.
21
اضا مهمة،
مقاصد وأغر ً
َ لكننا نشري فقط يف ختام هذا النوع إىل أن هلذا النوع من مقاصد القرآن
ذكرها د .عبد اهلل شحاته يف كتابه املشار إليه ،وأمجلها يف خامتة مقدمته ،فقال" :وآمل أن يستفيد منه
– أي الكتاب -عشاق القرآن والدارسون له ،ومن حياولون حفظه أو فهمه ،فإن قراءته ستيسر عليهم
هذه املهمة ،فمن قرأ تعريفا بسورة من السور مث حاول حفظها أو فهمها كان أكثر إحساسا مبعناها،
وأكثر إدراكا للروح العامة السارية بني آياهتا ،فيسهل احلفظ ملن أراد احلفظ ،وتسهل اإلحاطة باملعا
اإلمجايل لآليات ملن أراد القراءة أو الفهم"(.)1
21
أما النوع الرابع من أنواع مقاصد القرآن الكرمي ،فهو املقاصد التفصيلية لآليات القرآنية ،وهو
النوع الذي يهتم باآليات كل آية على حدة ،وحيتاج املفسر هنا إىل التعمق يف اللغة العربية(،)1
والتمكن من دالالهتا ،وطرائق استعمال العرب هلا ،وسياقات إيرادها ودالالت هذا اإليراد يف هذه
السياقات ،وهو ما يسمى بالسياقات املقالية ،وهذا له أثره الواضح يف التعامل مع القرآن الكرمي مبا هو
كتاب عريب مبني.
وهذا النوع من مقاصد القرآن يهتم باآلية ووحماولة الوقوف على مقصودها كما يهتم باأللفاظ
ويتتبعها ببيان معانيها ودالالهتا ،وهو نوع مبثوث يف أغلب تفاسري القرآن الكرمي مع التفسري املوضعي أو
التفصيلي للكلمات الشريفة؛ حيث يسري املفسر مع األلفاظ مبينا معناها ،وكاشفا عن غايتها وأوجه
الداللة منها.
إن أغلب تراثنا التفسريي – كما أسلفنا -هو من هذا النوع ،حىت لو انتمى إىل مدارس ومناهج
واجتاهات خمتلفة يف التفسري ،فأغلبه من التفسري التحليلي ،الذي ينصب على بيان املراد من اآليات
والكلمات ،ولعل أقرب التفاسري املعاصرة اليت تسعف القارئ يف هذا النوع من التفسري أو هذا النوع من
املقاصد ،هو "يف ظالل القرآن" ،و تفسري السعدي ،املسمى" :تيسري الكرمي الران يف تفسري كالم
املنان".
ومن ذلك آية الكرسي مثال ،فهي أعظم آية يف كتاب اهلل ،واملقصود منها تعظيم اهلل عز وجل
وتوحيده ،يقول سيد قطب عنها :إهنا" :بيان عن وحدانية اهلل وحياته ،وقيامه على كل شيء وقيام كل
شيء به ،وملكيته املطلقة لكل شيء ،وعلمه احمليط بكل شيء ،وهيمنته الكاملة على كل شيء ،وقدرته
الكاملة وحفظه لكل شيء"(.)2
وهكذا فإن لآليات القرآنية مقاصد ،فقد يكون لكل آية مقصد ،وقد جتتمع عدة آيات يف
مقصد واحد ،وقد يكون يف اآلية الواحدة أكثر من مقصد ،واألهم من هذا أال يقع املفسر املقاصدي
يف التكلف فيعتسف إجياد مقاصد لكل آية ،بل يرتك القرآن الكرمي وآياته تتحدث عن مقاصدها.
()1يعد التفقه بها أحد المقومات األساسية للتفسير المقاصدي كما ستأتي اإلشارة في موضعها.
( )2في ظالل القرآن.211 :1 :
22
وكما كان ملعرفة املقاصد العامة للقرآن الكرمي فوائد ،وكذلك املقاصد اخلاصة مبجاالهتا
وموضوعاهتا ،وسور القرآن ،فإن ملعرفة املقاصد التفصيلية آليات القرآن الكرمي مقاصد كذلك ،ومن
ذلك:
-2فهم اآلية الكرمية على وجهها الصحيح والوقوف على حقائق مضامينها.
-1ربط اآلية مبا قبلها وما بعدها يف ضوء املقاصد التفصيلية لكل منها.
-4حتقيق االتساق بني اآلية مبا قبلها وما بعدها من ناحية ،واالتساق العام يف السورة كلها
بآياهتا مجيعا من ناحية أخرى.
حاكما للمفسر يف تفسريه هلا ،فال يسرح يف شرح اآلية إال بقدر ما
ً -4يكون مقصد اآلية
يسرحه مقصدها ،ويستعني يف تفسريها من العلوم مبا حيقق مقصدها ،ويستبعد إيراد ما ال خيدم الغرض
املقصود.
-2حت قيق املقصد من إنزال هذا القرآن كله وهو تدبره واالهتداء مبا تضمنه؛ وذلك ألن التدبر ال
يكون إال بعد فهم املعاين ،وهذا املقصد يصدق على أنواع مقاصد القرآن مجيعا.
23
الر ْان وًّدا» ويذكر من نعمة اهلل على حيىي أن آتاه اهلل حنانا « َو َحناناً ِم ْن لَدنَّا َوَزكا ًة َوكا َن تَِقيًّا» .ومن َّ
نعمة اهلل على عيسى أن جعله برا بوالدته وديعا لطيفاَ « :وبًَّرا بِوالِ َدِيت َوَملْ َْجي َع ْل ِين َجبَّاراً َش ِقيًّا» ..وإنك
لتحس ملسات الراة الندية ودبيبها اللطيف يف الكلمات والعبارات والظالل .كما حتس انتفاضات
الكون وارجتافاته لوقع كلمة الشرك اليت ال تطيقها فطرته ..كذلك حتس أن للسورة إيقاعا موسيقيا
خاصا .فحىت جرس ألفاظها وفواصلها فيه رخاء وفيه عمق :رضيا .سريا .حفيا .جنيا ..فأما املواضع اليت
عزا.
تقتضي الشد والعنف ،فتجيء فيها الفاصلة مشددة داال يف الغالب .م ّدا .ض ّداّ .إدا ،ه ّدا ،أو زاياّ :
ّأزا.
وتنوع اإليقاع املوسيقي والفاصلة والقافية بتنوع اجلو واملوضوع يبدو جليا يف هذه السورة .فهي
ِ ِ ِ تبدأ بقصة زكريا وحيىي فتسري الفاصلة والقافية هكذاِ « :ذ ْكر ر ْا ِ
ك َعْب َده َزَكريَّا .إ ْذ نادى َربَّه نداءً ت َربِّ َ ََ
َخ ِفيًّا ...إخل» .
تاب َم ْرَميَ إِ ِذ
وتليها قصة مرمي وعيسى فتسري الفاصلة والقافية على النظام نفسه« :واذْكر ِيف الْ ِك ِ
َ ْ
َّل َهلا بَ َشراً َس ِويًّا ... ِ انْتَب َذت ِمن أَهلِها مكاناً َشرقِيًّا .فَ َّافَ َذ ِ ِِ ِ
وحنا فَتَ َمث َ
ت م ْن دوهن ْم حجاباً فَأ َْر َس ْلنا إلَْيها ر َ
ْ ْ َ ْ ْ ْ َ
إخل» إىل أن ينتهي القصص ،وجييء التعقيب ،لتقرير حقيقة عيسى ابن مرمي ،وللفصل يف قضية بنوته.
فيرتلف نظام الفواصل والقوايف ..تطول الفاصلة ،وتنتهي القافية حبرف امليم أو النون املستقر الساكن
احلَ ِّق الَّ ِذي فِ ِيه
يسى ابْن َم ْرَميَ قَ ْو َل ْ عند الوقف ال بالياء املمدودة الرخية .على النحو التايل« :ذلِ َ ِ
كع َ
َّر َذ ِم ْن َولَ كد سْبحانَه إِذا قَضى أ َْمراً فَِإَّ ا يَقول لَه :ك ْن فَيَكون ...إخل» .
ميَْتَ رو َن .ما كا َن لِلَّ ِه أَ ْن ي ت ِ
َ
حىت إذا انتهى التقرير والفصل وعاد السياق إىل القصص عادت القافية الرخية املديدةَ « :واذْك ْر
ت ِمل تَعبد ما ال يسمع وال ي ب ِ
ِ تاب إِبر ِاهيم إِنَّه كا َن ِصدِّيقاً نَبِيًّا .إِ ْذ َ ِ ِ
ِيف الْ ِك ِ
صر َوال ي ْغ ِين ََْ َ ْ قال ألَبِيه :يا أَبَ َ ْ ْ َ
ك َشْيئاً ..إخل» .َعْن َ
حىت إذا جاء ذكر املكذبني وما ينتظرهم من عذاب وانتقام ،تغري اإليقاع املوسيقي وجرس القافية:
ذاب َوإِ َّما الر ْان مدًّا .ح َّىت إِذا رأَوا ما ي َ ِ ِ
وعدو َن إ َّما الْ َع َ َْ «ق ْلَ :م ْن كا َن ِيف الضَّاللَة فَ ْليَ ْمد ْد لَه َّ َ َ
َض َعف جْنداً ..إخل» .
اعةَ فَ َسيَ ْعلَمو َن َم ْن ه َو َشٌّر َمكاناً َوأ ْ
الس َ
َّ
الر ْان َولَداً .لََق ْد ِجْئت ْم
ويف موضع االستنكار يشتد اجلرس والنغم بتشديد الدالَ « :وقالواَّ :افَ َذ َّ
اجلِبال َهدًّا ...إخل» .
السماوات يَتَ َفطَّْر َن ِمْنه َوتَْن َش ُّق ْاأل َْرض َوَِفُّر ْ
َشْيئاً إِ ًّدا ،تَكاد َّ
24
وهكذا يسري اإليقاع املوسيقي يف السورة وفق املعا واجلو ويشارك يف إبقاء الظل الذي يتناسق مع
املعا يف ثنايا السورة ،وفق انتقاالت السياق من جو إىل جو ومن معا إىل معا"(.)1
ويعلق على كلمة" :الصاخة" من سورة عبس فيقول«" :والصاخة لفظ ذو جرس عنيف نافذ،
يكاد خيرق صماخ األذن ،وهو يشق اهلواء شقا ،حىت يصل إىل األذن صاخا ملحا! «وهو ميهد هبذا
اجلرس العنيف للمشهد الذي يليه :مشهد املرء يفر وينسلخ من ألصق الناس به« :يَ ْوَم يَِفُّر الْ َم ْرء ِم ْن
صاحبَتِ ِه َوبَنِ ِيه»"(.)2
أ َِخ ِيه وأ ِّم ِه وأَبِ ِيه ،و ِ
َ َ َ
واحلق أن األستاذ سيد قطب قد أشبع هذا اللون من احلديث القرآين يف انتقائه لأللفاظ واحلروف
ومناسبة ذلك للسياق القرآين وأغراضه يف كتابه" :التصوير الفين يف القرآن" ،وخباصة يف فصل "التناسق
الفين" ،فقد بني ألوانا ودرجات من هذا التناسق تنبه هلا البعض ،وبني ألوانا أخرى مل يتحدث عنها أحد
قبله ،وذكر من ذلك :التنسيق يف تأليف العبارات بترري األلفاظ مث نظمها يف نسق خاص ،ومن ذلك
أيضا اإليقاع املوسيقي الناشئ من فري األلفاظ ونظمها يف نسق خاص ،ومنها ذلك التسلسل املعنوي
بني "األغراض" يف سياق اآليات ،والتناسب يف االنتقال من "غرض" إىل "غرض"(.)3
ونتوقف هنا مع األستاذ سيد يف حديثه عن اختيار القرآن لبعض األلفاظ ودالالهتا يف سياقها
ووفائها بالغرض املقصود من السورة الكرمية ،يقول" :وقد يستقل لفظ واحد -ال عبارة كاملة -برسم
صورة شاخصة -ال مبجرد املساعدة على إكمال معامل صورة .-وهذه خطوة أخرى يف تنسيق التصوير،
مفردا هو
أبعد من اخلطوة األوىل ،وأقرب إىل قمة جديدة يف التناسق .خطوة يزيد من قيمتها أن لفظًا ً
الذي يرسم الصورة ،تارة جبرسه الذي يلقيه يف األذن ،وتارة بظله الذي يلقبه يف اخليال ،وتارة باجلرس
مجيعا.
والظل ً
يل لَكم انِْفروا ِيف َسبِ ِيلِ ِ
ين َآمنوا َما لَك ْم إذَا ق َ
َّ ِ َّ
تسمع اآلذن كلمة "اثاقلتم" يف قوله{ :يَا أَيُّ َها الذ َ
ض} فيتصور اخليال ذلك اجلسم املثاقل ،يرفعه الرافعون يف جهد ،فيسقط من أيديهم اللَّ ِه اثَّاقَ ْلت ْم إِ َىل ْاأل َْر ِ
يف ثقل .إن يف هذه الكلمة "طنًّا" على األقل من األثقال! ولو أنك قلت :تثاقلتم ،خلف اجلرس ،ولضاع
األثر املنشود ،ولتوارت الصورة املطلوبة اليت رمسها هذا اللفظ ،واستقل برمسها.
25
{وإِ َّن ِمْنك ْم لَ َم ْن لَيبَطِّئَ َّن} فرتتسم صورة التبطئة يف جرس العبارة كلها -ويف جرس
وتقرأَ :
"ليبطئن" خاصة .وإن اللسان ليكاد يتعثر ،وهو يتربط هبا ،حىت يصل ببطء إىل هنايتها!
ِ ِ ِِ كِ
وتتلو حكاية قول هود{ :أ ََرأَيْت ْم إِ ْن كْنت َعلَى بَيِّ نَة م ْن َرِّيب َوآتَ ِاين َر ْاَةً م ْن عْنده فَع ِّميَ ْ
ت َعلَْيك ْم
وها َوأَنْت ْم َهلَا َكا ِرهو َن} فتحسن أن كلمة "أنلزمكموها" تصور جو اإلكراه بإدماج كل هذه أَن ْل ِزمكم َ
الضمائر يف النطق ،وشد بعضها إىل بعض ،كما يدمج الكارهون مع ما يكرهون ،ويشدون إليه وهم منه
نافرون! ..وهكذا يبدو لون من التناسق أعلى من البالغة الظاهرية ،وأرفع من الفصاحة اللفظية ،اللتني
حيسبهما بعض الباحثني يف القرآن -قدميًا وحديثًا -أعظم مزايا القرآن!
ضى َعلَْي ِه ْم فَيَموتوا َوَال وتسمع كلمة" :يصطرخون" يف اآليةِ َّ :
َّم َال ي ْق َ ين َك َفروا َهل ْم نَار َج َهن َ
{والذ ََ
ِ ِ ِ ِ
َخ ِر ْجنَا نَ ْع َم ْل َ
صاحلًا َغْي َر صطَ ِرخو َن ف َيها َربَّنَا أ ْ خيَفَّف َعْن ه ْم ِم ْن َع َذاهبَا َك َذل َ
ك َْجن ِزي ك َّل َكفوكرَ ،وه ْم يَ ْ
الَّ ِذي كنَّا نَ ْع َمل} .فيريل إليك جرسها الغليظ ،غلظ الصراخ املرتلط املتجاوب من كل مكان ،املنبعث
من حناجر مكتظة باألصوات اخلشنة؛ كما تلقي إليك ظل اإلمهال هلذا االصطراخ الذي ال جيد من
يهتم به أو يلبيه .وتلمح من وراء ذلك كله صورة ذلك العذاب الغليظ الذي هم فيه يصطرخون ،وحني
يستقل لفظ واحد هبذه الصورة كلها يكون ذلك فنا من التناسق الرفيع.
{وَما ومثلها كلمة "عتل" يف متثيل الغليظ اجلايف املتنطع{ :عت ٍّل ب ع َد ذَلِ َ ِ
ك َزنيم} .فإذا مسعتَ : َْ
اب أَ ْن ي َع َّمَر} صورت لك كلمة "مبزحزحه" -املقدمة يف التعبري على الفاعل هو ِمبز ْح ِزِح ِه ِمن الْع َذ ِ
َ َ َ َ
إلبرازها -صورة الزحزحة املعروفة كاملة متحركة ،من وراء هذه اللفظة املفردة ،وكذلك قوله{ :فَكْب ِكبوا
َمجَعو َن} .فكلمة "فكبكبوا" حيدث جرسها صوت احلركة اليت تتم يس أ ْ ِِ ِ
ف َيها ه ْم َوالْغَاوو َنَ ،وجنود إبْل َ
هبا"(.)1
وهكذا يتجلى اإلعجاز القرآين يف اختياره لأللفاظ والعبارات واحلروف اخلادمة للمعا واملتسقة
مع الغرض املقصود ،وهو فن من التناسق رفيع ،كما يقول صاحب التصوير والظالل.
26
-2تذوق البالغة اآلسرة للقرآن الكرمي.
-1زيادة اإلميان بأن هذا القرآن كالم اهلل وليس كالم بشر.
-4إدراك التناسق املدهش بني احلروف والكلمات واآليات والسورة كلها ،فال غرابة وال شذوذ
وال تننافر بني األلفاظ واحلروف املنتقاة من جهة ،وبني أغراض السياق ومقاصد السورة من جهة أخرى.
-4تعظيم قدر القرآن يف قلب املؤمن وتوثيق العالقة به ومضاعفة حبه.
-2الوقوف على أمهية دراسة اللغة العربية مبستوياهتا املرتلفة من أصوات وحنو وصرف وبالغة
وأسلوب ودالالت يف تذوق القرآن وتدبره وحتقيق السعادة به.
27
المبحث الثالث :مسالك الكشف عن مقاصد القرآن الكريم:
كيف نكتشف مقاصد القرآن الكرمي؟ هل كل ما يقال عنه مقصد قرآين يتم اعتماده والعمل به
وتفعيله والبناء عليه؟ أم أن هناك طرقًا ومسالك للكشف عن مقاصد القرآن الكرمي؟
من املعلوم أن ملقاصد الشريعة مسالك للكشف عنها ،وكذلك مقاصد املكلفني هلا مسالكها،
كما أن العلة األصولية هلا مسالكها املوجودة يف مدونات أصول الفقه ،فكيف ال يكون للقرآن الكرمي –
وهو كتاب الكتب ،ودليل األدلة ،وعمدة امللة – مسالك للكشف عن مقاصده وغاياته؟!
إن البحث يف مسالك الكشف عن مقاصد القرآن هو مبحث ضابط السترراج املقاصد القرآنية
وحتصيلها ،وهو يسلِّم إىل العمل الصحيح والتفعيل السليم هلا ،فهي خطوة أساسية إذا صحت صح ما
بعدها ،وإذا كانت خطأ اضطرب املفسر املقاصدي وأساء من حيث أراد اإلحسان ..ومن هنا نريد أن
حنمي مبحث مقاصد القرآن من اللعب به ،أو أن يكون مدخال هلدم النصوص القرآنية بدعوى املقاصد
كما يفعل بعض أدعياء مقاصد الشريعة يف هذا العصر.
واملسالك اليت نراها سبيال للكشف عن مقاصد القرآن الكرمي أربعة ،هي :النص القرآين على
املقصد ،واالستقراء ،واالستنباط ،وجتارب علماء القرآن وجهودهم يف هذا الباب.
28
ويف مقصد اهلداية الدينية والدنيوية للعباد يقول جل شأنه:
ضا َن ِ ِ ك الْ ِكتَاب َال ري ِ ِ ِ
ني ( . ")1البقرة .ويقول سبحانهَ " :ش ْهر َرَم َ ب فيه ه ًدى ل ْلمتَّق َ َْ َ "امل (َ )2ذل َ
ان" .البقرة .222 :ويقول" :ق ْلنَا ْاهبِطوا ات ِمن ا ْهل َدى والْفرقَ ِ َّاس وب يِّ نَ ك ِ ِِ ِ
َ ْ َ الَّذي أنْ ِزَل فيه الْق ْرآن ه ًدى للن ِ َ َ
اي فَ َال َخ ْوف َعلَْي ِه ْم َوَال ه ْم َْحيَزنو َن ( .")42البقرة. ِ ِ ِ ِ ِ ِ
مْن َها َمج ًيعا فَإ َّما يَأْتيَ نَّك ْم م ِّين ه ًدى فَ َم ْن تَب َع ه َد َ
ِ اب بِ ْ احلي الْ َقيُّوم ( )1نََّزَل علَي َ ِ
ني
ص ِّدقًا ل َما بَ ْ َ
احلَ ِّق م َ ك الْكتَ َ َْ ويقول عز شأنه" :امل ( )2اللَّه َال إِلَهَ إَِّال ه َو َْ ُّ
َّاس َوأَنْ َزَل الْف ْرقَا َن" .آل عمران .ويقول سبحانه" :قَ ْد اإل ِْجنيل (ِ )4م ْن قَ ْبل ه ًدى لِلن ِ ِ ِ
يَ َديْه َوأَنْ َزَل الت َّْوَراةَ َو ْ َ
الس َالِم َوخيْ ِرجه ْم ِم َن ِ
ض َوانَه سب َل َّ َجاءَك ْم ِم َن اللَّ ِه نور َوكِتَاب مبِني ( )22يَ ْهدي بِِه اللَّه َم ِن اتَّبَ َع ِر ْ
اط م ْستَ ِقي كم ( .")21املائدة .ويقول تبارك امسه" :إِ َّن َه َذا ات إِ َىل النُّوِر بِِإ ْذنِِه وي ه ِدي ِهم إِ َىل ِصر ك
َ ََْ ْ
الظُّلم ِ
َ
َجًرا َكبِ ًريا ( .")2اإلسراء. احل ِ
ات أ َّ الْقرآ َن ي ه ِدي لِلَِّيت ِهي أَقْ وم وي بشِّر الْمؤِمنِني الَّ ِذين ي عملو َن َّ ِ
َن َهل ْم أ ْ الص َ ْ َ َ َْ َ َ َ ََ ْ َْ
ويف مقصد التزكية وتعليم احلكمة يقول اهلل تعاىل:
ك وي علِّمهم الْ ِكتَاب و ِْ ِ ِ "ربَّنا واب ع ْ ِ
ت ْم َة َوي َزِّكي ِه ْم إِن َ
َّك أَنْ َ احلك َ َ َ ث في ِه ْم َرس ًوال مْن ه ْم يَْت لو َعلَْي ِه ْم آيَات َ َ َ َ َ َ َْ
احلَ ِكيم ( . ")212البقرة .ويقولَ " :ك َما أ َْر َس ْلنَا فِيك ْم َرس ًوال ِمْنك ْم يَْت لو َعلَْيك ْم آيَاتِنَا َوي َزِّكيك ْم الْ َع ِزيز ْ
ْمةَ َوي َعلِّمك ْم َما َملْ تَكونوا تَ ْعلَمو َن ( .")222البقرة .ويقول عز وجل" :لََق ْد َم َّن وي علِّمكم الْ ِكتَاب و ِْ
احلك َ َ َ ََ
ِ ِِ ِ ِ اللَّه علَى الْمؤِمنِني إِ ْذ ب ع ِ
ابث في ِه ْم َرس ًوال م ْن أَنْفس ِه ْم يَْت لو َعلَْي ِه ْم آيَاته َوي َزِّكي ِه ْم َوي َعلِّمهم الْكتَ َ ْ َ ََ َ َ
ض َال كل مبِ ك ِ ِ و ِْ
ني ( .")214آل عمران. ْمةَ َوإِ ْن َكانوا م ْن قَ ْبل لَفي َ
احلك َ َ
ويف مقصد الراة والسعادة يقول جل شأنه:
آن َما ه َو ِش َفاء َوَر ْاَة اك إَِّال ر ْاةً لِْلعالَ ِمني ( .")222األنبياء .ويقول" :ون نَ ِّزل ِمن الْقر ِ
َ ْ َ " َوَما أ َْر َس ْلنَ َ َ َ َ َ
ني إَِّال َخ َس ًارا ( .")21اإلسراء .ويقول سبحانه" :طه (َ )2ما أَنْ َزلْنَا َعلَْي َ ِِ ِ ِِ
ك ني َوَال يَِزيد الظَّالم َ
ل ْلم ْؤمن َ
استَ ِجيبوا لِلَّ ِه
ين َآمنوا ْ
َّ ِ َِّ ِ ِ
الْق ْرآ َن لتَ ْش َقى ( )1إال تَ ْذكَرةً ل َم ْن َخيْ َشى ( .")4طه .ويقول عز شأنه" :يَا أَيُّ َها الذ َ
ِ
ني الْ َم ْرِء َوقَ ْلبِ ِه َوأَنَّه إِلَْي ِه ْحت َشرو َن (.")14 ولِ َّلرس ِ
ول إِذَا َد َعاك ْم لِ َما ْحييِيك ْم َو ْاعلَموا أ َّ
َن اللَّهَ َحيول بَ ْ َ َ
األنفال.
وهذه اآليات يف كل مقصد على سبيل التمثيل فقط وليست على سبيل احلصر ،وهناك آيات
أخرى تنص على كل مقصد من املقاصد السابقة ،وهناك مقاصد أخرى عامة للقرآن الكرمي حتدث عنها
القرآن بنفسه ونص عليها ،مثل :مقصد إقامة احلق والعدل ،ومقصد إخراج الناس من الظلمات إىل
مباشرا.
اضحا ًالنور ،وغري ذلك من مقاصد حتدث القرآن عنها حديثًا و ً
29
ويعترب هذا املسلك هو أول املسالك اليت جيب أن يعتمد يف الكشف عن مقاصد القرآن الكرمي
العامة ،وكذلك املقاصد اخلاصة اليت تتحدث عن االت أو موضوعات ،فقد ينص القرآن الكرمي يف
ثنايا حديثه عن موضوع يف طول القرآن وعرضه أو ال من اجملاالت على مقصده أو مقاصده ،كما
أوردنا عن الزواج سابقا ،فهنا يقطع القرآن الكرمي بأن املقاصد يف هذا اجملال أو هذا املوضوع ما ذكره هو
وقرره هو ،ومن مث يكون هذا املسلك هو أقوى املسالك وأوالها؛ إذا القرآن نفسه هو الذي يتحدث عن
مقاصده ،وهذا يقطع الطريق على ظنية املقاصد أو احتماليتها ،ويقرر ثبات املقصد وظهوره ووضوحه
بيقني.
ثانيا :االستقراء:
االستقراء -كما هو معلوم -تتبع اجلزئيات السترراج حكم كلي أو قاعدة عامة ،وقد عرفه أبو
حامد الغزايل باصطالح املنطق فقال" :هو أن تتصفح جزئيات كثرية داخلة حتت معا كلي ،حىت إذا
وجدت حكما يف تلك اجلزئيات حكمت على ذلك الكلي به"( .)1ووصفه العالمة الطاهر ابن عاشور
بأنه أعظم الطرق ،وهو على نوعني :األول ووصفه بأنه أعظمها وهو استقراء علل كثرية متماثلة تفضي
إىل حكمة متحدة جنزم بأهنا مقصد شرعي ،الثاين :استقراء أدلة أحكام اشرتكت يف علة حبيث حيصل لنا
اليقني بأن تلك العلة مقصد مراد للشارع( ،)2وينقسم إىل استقراء تام ،واستقراء ناقص ..وهو مسلك
من مسالك الكشف عن مقاصد الشريعة ومقاصد القرآن الكرمي ،وأحسب أن أي مقاصد عامة وخاصة
ألي علم من العلوم حتتاج إىل االستقراء مسلكا للكشف عنها.
االستقراء مسلكا للكشف عن المقاصد العامة:
ويف باب املقاصد القرآنية فإن االستقراء يكون مسل ًكا للكشف عن أنواع املقاصد مجيعا عدا
النوعني األخريين ومها :املقاصد التفصيلية لآليات القرآنية ،ومقاصد الكلمات واحلروف؛ إذ يقوم على
االستنباط من خالل األلفاظ ودالالهتا ،واستعماالت العرب هلا.
()1معيار العلم في فن المنطق .108 :ألبي حامد الغزالي .شرحه أحمد شمس الدين .دار الكتب العلمية.
بيروت .لبنان .الطبعة الثانية2019 .م.
31
وهو ما يذكرنا مبسالك الكشف عن مقاصد الشريعة يف املقاصد العامة واملقاصد اخلاصة؛ إذ
سبيلهما االستقراء ،يف حني أن املقاصد اجلزئية سبيل الكشف عنها قائم على االستنباط يف مله(.)1
فاملقاصد العامة للقرآن الكرمي اليت أسلفنا ذكرها يف أول نوع من أنواع مقاصد القرآن سبيلها
ومقاصده ،ليس يف آية
َ استقراء آيات القرآن الكرمي نفسه ،فالقرآن حتدث عن نفسه ،وبني بنفسه غاياتِه
واحدة ،وإ ا يف عدد من اآليات؛ إذ القرآن الكرمي مقاصده متعددة ومتنوعة ال حتصرها آية واحدة ،وال
نستطيع أن نقف على مقاصد القرآن مجيعا إال عرب استقراء تام آلياته مجيعا بشكل دقيق ووفق منهج
وخطة مدروسة حبيث ال يند عنه شيء.
واالستقراء مبا هو مسلك للمقاصد العامة للقرآن يكون على طريقتني :طريقة الستقراء هذه
املقاصد من القرآن الكرمي ،وحصرها ،وتصنيفها ..وطريقة الستقراء ما يتصل بكل مقصد من اآليات
القرآنية يف القرآن كله ،وقد تكون الطريقة الثانية من التفسري املوضوعي ،فلو افذنا مثاال لذلك "وحدانية
مقصدا عاما من مقاصد القرآن ،وتوخينا البحث عنه يف القرآن الكرمي كله،
ً اهلل وإفراده بالعبودية"
لظهرت لنا رؤية القرآن الكرمي هلذا املقصد ،من حيث ماهيته ،وطبيعته ،وأنواعه ،وطرقه ،وقواعده،
وموانعه ،وفوائده ...اخل.
االستقراء مسلكا للكشف عن المقاصد الخاصة:
واملقاصد اخلاصة كذلك ،سواء أردنا هبا مقاصد اجملاالت والدوائر ،أم مقاصد املوضوعات يف
القرآن كله أو سورة من سوره ..فسبيل الكشف عن املقاصد القرآنية هنا هو مجع اآليات الواردة يف
اجملال أو املوضوع ،وتصنيفها ،ومتييز املكي عن املدين ملالحظة املرحلة أو كيفية حتقيق هذا املقصد أو
طريقة بنائه ،ومن هنا نستطيع أن نكتشف املقصد أو املقاصد من ال أو موضوع.
وما سقناه يف املقاصد اخلاصة عند اجملاالت من مثال بالزواج يوضح هذا األمر ،وهكذا يف كل
موضوع أو ال.
االستقراء مسلكا للكشف عن مقاصد السور:
بعض الباحثني املعاصرين يف التفسري جعل مقاصد السور علما مستقال( )1له أمهيته ،وأدلته،
وتأصيله ،وأمهيته يف التفسري ،وطرق الكشف عنه.
( )1راجع كتابنا :المقاصد الجزئية ضوابطها حجيتها وظائفها أثرها في االستدالل الفقهي .918-900 :دار
المقاصد .القاهرة .الطبعة األولى1091 .هـ2011/م.
31
ومن أهم الطرق اليت يكشف هبا عن مقصد السورة هو االستقراء؛ حيث يستقرئ املفسر
موضوعات السورة ،وجزئياهتا ،وجيتهد يف الوصول إىل هدف عام أو مقصد واضح تتناوله كل هذه
اجلزئيات ،وهو عمل حيتاج مزيدا من التدبر والتأمل ،واجلهد املبذول ،والعيش اخلاص مع القرآن :تالوة
وتدبرا وعمال وحبا ودميومة ،ومن قبل ومن بعد توفيق اهلل تعاىل.
ومن الطرق املهمة للكشف عن مقاصد السور التأمل يف اسم السورة ،و أن يكون موضوع
السورة ظاهراً من مطلعها وفواحتها ،فيظهر للمفسر أن السورة مبنية على أوهلا ،وفواحتها مؤثرة يف
{ال أقْ ِسم بِيَ ْوِم الْ ِقيَ َام ِة} [القيامة،]2:
موضوعها ومقصودها؛ مثال ذلك( :سورة القيامة) ،فإن مطلعهاَ :
مث إن كل ما فيها هو ذكر ألحوال يوم القيامة وما يسبقه من املوت ،ووسائل اإلميان بيوم القيامة.
ويف هذا املسلك امل هم من مسالك الكشف عن مقاصد السور يقول البقاعي يف كتابه (نظم
الدرر يف تناسب اآليات والسور)" :وقد ظهر يل باستعمايل هلذه القاعدة بعد وصويل إىل سورة سبأ يف
رتجم عن مقصودها ألن اسم كل السنة العاشرة من ابتدائي يف عمل هذا الكتاب أن اسم كل سورة م ِ
( )1م ن هؤالء الدكتور محمد الربيعة ،األستاذ المساعد بقسم القرآن وعلومه ،كلية الشريعة والدراسات
قيما بعنوان" :علم مقاصد السور" ،تحدث فيه عن أهميته ومنزلته
اإلسالمية بجامعة القصيم ،الذي نشر بحثًا ً
في التفسير ،وتأصيله وأدلته ،وعناية العلماء بمقاصد السور ،وطرق الكشف عن مقاصد السور.
( )2نظم الدرر في تناسب اآليات والسور .12-11/1 :برهان الدين البقاعي .تحقيق :عبد الرزاق غالب
المهدي .دار الكتب العلمية -بيروت – 1011هـ1991 .م.
32
األلفاظ واألحرف ،واملعايشة الروحية احلية للسورة ،واملدارسة واملباحثة بني شرصني أو أكثر يف بيت من
بيوت اهلل تعاىل ،واالستعانة ببعض الكتب والتفاسري اليت تعتين مبقاصد السور(.)1
وكما يبدو أن هذه األمور كلها ال تصلح أن تتمحض للمسلكية أو الطرقية يف الكشف عن
املقاصد ،وإ ا يصلح للكشف عن مقاصد السور وغريه ،وقد ال يصلح مسل ًكا ،فبعضها يرجع إىل ك
معان
تربوية يف التعامل مع القرآن ،مثل املعايشة الروحية ،واملدارسة مع صديق ،وإخالص النية والدعاء
الصادق ،وبعضها شروط وضوابط لصحة مقصد السورة وسالمته ،مثل :الفهم الصحيح للمقصد وحده
وضابطه ،واالنطالق من املقاصد العامة للقرآن ،واألمر حيتاج لتحرير وحتقيق ومتحيص رغم اجلهد املتميز
املبذول يف هذا البحث.
ثالثًا :االستنباط:
مسلك االستنباط ليس مبعزل عن االس تقراء ،فبع د مت ام االس تقراء ال يق ف املفس ر أو الفقي ه عن ده،
أو يكتفي به ،وإ ا ينظر فيما مجعه واستقرأه نظ ر املس تنبط املت دبر املتأم ل ،س واء أك ان ذل ك م ع املس توى
أو النوع األول وهو املقاصد القرآنية العامة ،أم املقاصد القرآنية اخلاصة؛ فضال عن النوع األخ ري م ن أن واع
مقاصد القرآن ،وهو املقاصد التفصيلية لآليات القرآنية ،فهو قائم بالدرجة األوىل على االس تنباط مبنهج ه
وفهما.
وقواعده املقررة ،من خالل النظر يف األلفاظ ودالالهتا وما وضعت له استعماال ً
وبعد النظر يف اجملموع من اآلي ات املس تقراة يتب ني للن اظر أو املس تنبط م ن خ الل عملي ة االس تنباط
أمور مل تكن لتبدو له دون مجع اآليات ودون نظر شرعي سديد فيها -وخباصة إذا اس تقرأ م ا يف اآلي ات
توضيحا ملبهم أو رواية أخرى فيها زيادة توض ح املقص ود م ن احلك م ،أو رواي ة
ً من قراءات -فإن يف ذلك
أخ رى فص ص ع ام األوىل أو تقي د مطلقه ا ،وحن و ذل ك؛ فه ذا مس لك ض روري يف التعام ل م ع الق رآن
الكرمي والسنة النبوية على السواء.
يق ول اإلم ام اب ن ح زم« :وال جي وز ألح د أن يأخ ذ ب بعض ال نص ال وارد دون بع ض ...ف ال جي وز أن
يفص ل ش يء م ن ذل ك يف احلك م ع ن بيان ه ،كم ا ال حي ل ألح د أن يأخ ذ القائ ل ال إل ه إال اهلل يف بع ض كالم ه
( )1علم مقاصد السور .18-01 :د .محمد الربيعة .الطبعة األولى1029 .هـ2011 .م.
33
دون بعض؛ فيقضي عليه بقوله ال إله بالكفر لكن نض م كالم ه كل ه بعض ه إىل بع ض فنأخ ذه بكالم ه ،وك ذلك
تثا بعض ه
موما بعض ه إىل بع ض ،ومس ً
إذا نزلت اآلية اجململة أتى بعقبها األحاديث املفسرات ،فكان ذل ك مض ً
من بعض ،ومعطوفًا بعضه على بعض»(.)1
وقد صرح العالمة اب ن الق يم ب أن ه ذا ب اب عجي ب م ن فه م الق رآن ال يتنب ه ل ه إال الن ادر م ن أه ل
العل م؛ ف إن ال ذهن ق د ال يش عر بارتب اط ه ذا هب ذا وتعلق ه ب ه( ،)2وع د اإلم ام الش اطيب ذل ك م ن مس لك
بديعا بأهنا كاإلنسان الص حيح الس وي؛ فكم ا أن اإلنس ان ال
تصويرا ً
ً األئمة الراسرني( ،)3ويصور الشريعة
يك ون إنس انًا ح ىت يس تنطق فينط ق ال بالي د وح دها ،وال بالرج ل وح دها ،وال ب الرأس وح ده ،وال باللس ان
وحده ،بل جبملته ال يت مس ي هب ا إنس انًا ،ك ذلك الش ريعة ال يطل ب منه ا احلك م عل ى حقيق ة االس تنباط إال
جبملته ا ،ال م ن دلي ل منه ا أي دلي ل ك ان ،وإن ظه ر لب ادي ال رأي نط ق ذل ك ال دليل ،فإ ا ه و ت ومهي ال
حقيقي ،كالي د إذا اس تنطقت فإ ا تنط ق تومه ا ال حقيق ة ،م ن حي ث علم ت أهن ا ي د إنس ان ال م ن حي ث
هي إنس ان؛ ألن ه حم ال ،فش أن الراس رني تص ور الش ريعة ص ورة واح دة خي دم بعض ها كأعض اء اإلنس ان إذا
صورت صورة مثمرة ،وشأن متبعي املتشاهبات أخذ دلي ل م ا أيًّا ك ان عف ًوا وأخ ًذا أوليًّا ،وإن ك ان َمثَّ م ا
يعارضه من كلي أو جزئي(.)4
( )1اإلحكام في أصول األحكام .910-919/9 :علي بن أحمد بن حزم األندلسي أبو محمد .دار الحديث.
القاهرة .الطبعة األولى1000 .هـ.
34
يف ت دبر ك الم اهلل وك الم رس وله ،ويف تقلي ب النظ ر يف أحك ام الش رع وهدي ه -وخاص ة م نهم املفس رين -
هل م كام ل األهلي ة والص الحية ليرربون ا مب ا اس تقرأوه وم ا حص لوه م ن مقاص د الكت اب العزي ز .وهل م كام ل
احلق علينا أن ننصت إليهم ونأخذ عنهم"(.)1
وما أحسن ما عرب به العز بن عبد السالم عن هذا املعا حني ق ال« :وم ن تتب ع مقاص د الش رع يف
جل ب املص احل ودرء املفاس د حص ل ل ه م ن م وع ذل ك اعتق اد أو عرف ان ب أن ه ذه املص لحة ال جي وز
إمهاهل ا ،وأن ه ذه املفس دة ال جي وز قرباهن ا ،وإن مل يك ن فيه ا إمج اع وال ن ص وال قي اس خ اص ،ف إن فه م
نفس الشرع يوجب ذلك ،ومثل ذلك أن من عاشر إنسانا من الفضالء احلكم اء العق الء ،وفه م م ا ي ْؤثره
ك
ويكرهه يف كل ِوْرد َ
وص ْدر مث سنحت ل ه مص لحة أو مفس دة مل يع رف قول ه فيه ا ،فإن ه يع رف مبجم وع م ا
عهده من طريقته وألفه من عادته أنه ي ْؤثر تلك املصلحة ،ويكره تلك املفسدة»(.)2
فم ن ع ايش الق رآن الك رمي ،وعم ل ب ه ،ودع ا إلي ه ،وجاه د يف س بيله ،ال ش ك يك ون ل ه م ن معرف ة
القرآن واستبطان معاني ه واس تنباط أغراض ه م ا ال يك ون لغ ريه ،وتتك ّون لدي ه ملك ة عام ة كلي ة مت ّكن ه وتت يح
له من اإلمكانات واألفق ما يستطيع أن حيدد ب ه أن الق رآن الك رمي يرم ي إىل ك ذا ،أو يقص د م ن ه ذا ك ذا
وك ذا ،أو أن نظ رة الق رآن هل ذا املوض وع هت دف إىل غاي ات ومقاص د ك ذا وك ذا ..وه ي ملك ة تتك ون لدي ه
م ن ط ول عش رته للق رآن وتعامل ه مع ه وت دبره ل ه ،كم ا يتك ون ل دى الفقي ه واجملته د ملك ة االس تنباط م ن
ط ول معايش ته للش ريعة بقواع دها وض وابطها ،مبص ادرها وموارده ا ،بأص وهلا وفقهه ا ،باتف اق فقهائه ا
واختالفهم ،وحنو ذلك.
وق د أش رنا يف احل ديث ع ن املقاص د العام ة للق رآن الك رمي إىل ع دد مم ن اهتم وا هب ا وقض وا أعم ارهم
م ع الق رآن ويف خدمت ه وحت ت رايت ه ،أورد كث ريا م نهم األس تاذ الريس وين يف كتاب ه "مقاص د املقاص د" ،وأورد
الدكتور مسعود بودوخة عددا كبريا منهم يف حبثه" :جهود العلماء يف استنباط مقاصد القرآن الكرمي".
35
المبحث الرابع :مقومات المفسر المقاصدي:
ذك ر علم اء التفس ري ش روطًا وآدابًا للمفس ر يف مص نفات عل وم الق رآن ال ميكن ه أن يتص دى ملهم ة
تفسري الق رآن إال إذا حتق ق هب ذه الش روط وتل ك اآلداب ،ولك ي يتأه ل املفس ر للنظ ر املقاص دي يف الق رآن
ددا م ن املقوم ات ال يت متكن ه
الك رمي بأنواع ه ،فالب د أن حي وز – إىل ج وار الش روط واآلداب األخ رى -ع ً
من هذا النوع من النظر يف القرآن الكرمي ،ومن هذه املقومات:
( )1الرسالة :فقرة رقم ( ،)119وانظر الفقرات ،)111-119( :وانظر :الموافقات للشاطبي.20-19 /0 :
تحقيق :مشهور بن حسن آل سلمان .دار ابن عفان الطبعة :الطبعة األولى 1011هـ1991 /م.
36
مقبوال ،فال بد من أن يبلغ يف العربية مبلغ األئمة
قصر فهمه مل يعد حجة ،وال كان قوله فيها ً
فيها؛ كاخلليل ،وسيبويه ،واألخفش ،واجلرمي ،واملازين ومن سواهم"(.)1
واملطلوب من الفقه بالعربية هو مل العلم باللسان العريب ،قال الشاطيب" :وال أعين
بذلك النحو وحده ،وال التصريف وحده ،وال اللغة ،وال علم املعاين ،وال غري ذلك من أنواع
العلوم املتعلقة باللسان ،بل املراد مجلة علم اللسان ألفاظًا أو معاين كيف تصورت"(.)2
هذه األقوال -وغريها كثري -تدلنا داللة واضحة على ضرورة فهم اللغة العربية ولسان
العرب ،وأساليبهم واستعماالهتم لأللفاظ والعبارات ودالالهتا؛ سبيال لفهم القرآن الكرمي والوقوف
على أسراره وقيمه ومبادئه ،ومعانيه ومقاصده.
والناظر يف تارخينا التفسريي والفقهي واألصويل بل يف تاريخ اإلسالم العلمي والثقايف لن
تستوعب ذاكرته ممن خدم األمة وجدد العلوم والدين ،وبقي علمه نافعا لألمة ،وقادرا على
استيعاب مفاهيم اإلسالم ومبادئه ومقاصده وتصوراته ،وأكثر قدرة على التعبري عن هذا كله،
وأعمق فعالية يف استيعاب الواقع مبستجداته ونوازله – إال من كان عاملا باللغة العربية وآداهبا ،فما
من عامل يصدق عليه الوصف السابق إال كان له من العربية وآداهبا أكرب احلظ وأوفر النصيب.
فهذا اإلمام الشافعي أحد ددي اإلسالم ،وهذا اإلمام ابن حزم ،واإلمام عز الدين بن
عبد السالم ،واإلمام القرايف ،واإلمام ابن تيمية ،واإلمام ابن القيم ،واإلمام الشاطيب ،واإلمام
املقري ،واإلمام ابن دقيق العيد ،وويل اهلل الدهلوي ،وعبد احلميد الفراهي ،وغريهم كثري.
ومن املعاصرين :حممد عبده ،ورشيد رضا ،أبو احلسن الندوي ،وسيد قطب ،وعبد الران
السعدي ،وعبد احلميد بن باديس ،والبشري اإلبراهيمي ،وسعيد النورسي ،وحممد الطاهر ابن
عاشور ،وعلي الطنطاوي ،وحممد بن الصاحل العثيمني ،ومصطفى الزرقا ،وحممد عبد اهلل دراز،
وعبد الستار فتح اهلل سعيد ،ويوسف القرضاوي ،وحممد الغزايل ،وحممد متويل الشعراوي،
وغريهم.
كل هؤالء كانت هلم صوالت وجوالت مع العربية بفروعها وآداهبا ،وكان هلم اهتمام
بالشعر والنثر ،بل إن بعضهم له دواوين شعرية ..فهؤالء – املهتمني بالعربية وآداهبا -هم أبرز
37
العلماء يف التعامل مع النص الشرعي ،وأقرب الفقهاء للفهم الصحيح ،وأقدر املفسرين على
التعبري عن حقائق اإلسالم ومقاصده ورد أباطيل خصومه!
()1الموافقات.209 /0 :
()2الجامع ألحكام القرآن .2 /1 :أبو عبد اهلل محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزرجي شمس
الدين القرطبي .تحقيق :هشام سمير البخاري .دار عالم الكتب .الرياض .المملكة العربية السعودية1029 .هـ/
2009م.
38
ومما يتصل هبذا أيضا – وإن كان إيراده يف سياق دعوي وتربوي أوقع وألصق -أن يقرأ
املسلم كتاب اهلل كأنه يعيش يف عصر الرسالة وزمن التنزيل ،فإن هذا أدعى للرشوع والتدبر
واستيعاب ما يقدر عليه من معان وأسرار ،واستصحاب الظروف والسياقات واحلالة اليت نزلت
فيها اآليات ،ويعرض كل هذا على عقله وقلبه ،وقد سئل اإلمام حسن البنا عن أفضل التفاسري
وأقرب طرق الفهم لكتاب اهلل تبارك وتعاىل ،فكان جوابه" :قلبك" ،فقلب املؤمن وال شك هو
أفضل التفاسري لكتاب اهلل تبارك وتعاىل ،وأقرب طرائق الفهم؛ أن يقرأ القارئ بتدبر وخشوع ،وأن
يستلهم اهلل الرشد والسداد ،وجيمع شوارد فكره حني التالوة ،وأن يلم مع ذلك بالسرية النبوية
املطهرة ،ويعا بنوع خاص بأسباب النزول وارتباطها مبواضعها من هذه السرية ،فسيجد يف ذلك
أكرب العون على الفهم الصحيح السليم ..وإذا قرأ يف كتب التفسري بعد ذلك فلِْلوقوف على
معا لفظ دق عليه أو تركيب خفى أمامه معناه أو استزادة من ثقافة تعينه على الفهم الصحيح
لكتاب اهلل ،فهي مساعدات على الفهم ،والفهم بعد ذلك إشراق ينقدح ضوؤه يف صميم
القلب"(.)1
ومن وصايا األستاذ اإلمام الشيخ حممد عبده -راه اهلل -لبعض تالمذته" :وأدم قراءة
القرآن ،وافهم أوامره ونواهيه ،ومواعظه ِ
وع َربه كما كان يتلى على املؤمنني أيام الوحى ،وحاذر
النظر إىل وجوه التفاسري إال لفهم لفظ غاب عنك مراد العرب منه ،أو ارتباط مفرد بآخر خفي
عليك متصله ،مث اذهب إىل ما يشرصك القرآن إليه ،واال نفسك على ما حيمل عليه" .وال
شك أن من أخذ هبذه الطريقة سيجد أثرها بعد حني يف نفسه ملك ًة جتعل الفهم من سجيته،
ونورا يستضيء به يف دنياه وآخرته إن شاء اهلل(.)2
ً
إن تدبر القرآن الكرمي والتعمق يف فهمه هلو من أهم طرق الوقوف على مرادات اهلل من
خلقه ،ومقاصده من كتابه ،فريبط مقاطع السورة بعضها ببعض ،فيحاول – كما قال الشيخ
الغزايل -رسم صورة مشسية هلا تتناول أوهلا وآخرها ،وتتعرف على الروابط اخلفية اليت تشدها
كلها ،وجتعل أوهلا متهيدا آلخرها ،وآخرها تصديقا ألوهلا.
ثالثا :العمل بالقرآن الكريم وتعليمه والجلاد به.
()1نظرات في التربية والسلوك .120-119 :مقاالت لحسن البنا جمعها عصام تليمة ،والفقرة السابقة وردت
في مقالة ُنشرت بمجلة الشهاب الشهرية .العدد األول 10نوفمبر 1901م.
( )2من تراث اإلمام البنا .الكتاب الثاني :التفسير .08-01 :جمعة أمين عبد العزيز .دار الدعوة.
اإلسكندرية .الطبعة األولى1021 .هـ2001 .م.
39
العمل دائما مقرون باإلميان يف القرآن الكرمي ،واآلية القرآنية" :الذين آمنوا وعملوا
الصاحلات ."...تكررت يف عشرات املواضع يف القرآن الكرمي ،فال فائدة من إميان ال يتبعه عمل،
وال أثر لعمل ال ينطلق من إميان.
واملؤمن العامل اجملاهد تتبدى له مساحات ورؤى وأفكار ال تتبدى لغريه من القابعني بني
الكتب واألوراق فقط ،واجلالسني يف أبراج عاجية ،ومن هنا قال األستاذ سيد قطب يراه اهلل
تعاىل" :حقيقة اإلميان ال يتم متامها يف قلب حىت يتعرض جملاهدة الناس يف أمر هذا اإلميان؛ ألنه
جياهد نفسه كذلك يف أثناء اهدته للناس؛ وتتفتح له يف اإلميان آفاق مل تكن لتتفتح له أبداً
وهو قاعد آمن ساكن ،وتتبني له حقائق يف الناس ويف احلياة مل تكن لتتبني له أبداً بغري هذه
الوسيلة ،ويبلغ هو بنفسه ومبشاعره وتصوراته وبعاداته وطباعه وانفعاالته واستجاباته ،ما مل يكن
ليبلغه أبدا بدون هذه التجربة الشاقة العسرية"(.)1
عن جندب بن عبد اهلل قال :كنا مع النيب -صلى اهلل عليه وسلم -وحنن فتيان حزورة
فتعلمنا اإلميان قبل أن نتعلم القرآن مث تعلمنا القرآن فازددنا به إميانا(.)2
وعن ابن عمر قال :لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدثنا يؤتى اإلميان قبل القرآن ،وتنزل
السورة على حممد -صلى اهلل عليه وسلم -فيتعلم حالهلا وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده
فيها كما تعلمون أنتم القرآن ،مث قال لقد رأيت رجاال يؤتى أحدهم القرآن فيقرأ ما بني فاحتته
إىل خامتته ما يدري ما أمره وال زاجره وال ما ينبغي أن يوقف عنده منه ينثره نثر الدقل(.)3
قال اإلمام ابن تيمية" :هؤالء هم الذين تلقوا عنه القرآن والسنة وكانوا يتلقون عنه ما يف
ذلك من العلم والعمل كما قال أبو عبد الران السلمي :لقد حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن
كعثمان بن عفان وعبد اهلل بن مسعود وغريمها :أهنم كانوا إذا تعلموا من النيب -صلى اهلل عليه
وسلم -عشر آيات مل جياوزوها حىت يتعلموا ما فيها من العلم والعمل قالوا :فتعلمنا القرآن
( )1هذا الدين .12 :سيد قطب .دار الشروق .القاهرة .الطبعة السابعة عشرة1022 .هـ2001 .م.
( )3رواه الحاكم في مستدركه 91 /1 :حديث رقم .)101( :وقال :هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وال
أعرف له علة ولم يخرجاه ،ووافقه الذهبي ،ورواه البيهقي في سننه الكبرى 120 /9 :حديث رقم،1019 :
والدقل من التَّمر معروف قيل هو أَردأُ أَنواعه .لسان العرب.201 /11 :
41
والعلم والعمل مجيعا .وقد قام عبد اهلل بن عمر -وهو من أصاغر الصحابة -يف تعلم البقرة
ْثاين سنني ،وإ ا ذلك ألجل الفهم واملعرفة"(.)1
وقد وجه اهلل نبيه – صلى اهلل عليه وسلم – إىل اجلهاد بالقرآن ،فقال له" :فَال ت ِط ِع
اه ْدهم بِِه ِج َهاداً َكبِرياً"[ .الفرقان.]21 :
الْ َكافِ ِرين وج ِ
َ ََ
ولن يبلغ اإلنسان أن يكون ربانيا قرآنيا إال بالعلم والعمل واجلهاد ،قال ابن القيم بعد أن
جمعو َن على أن العالِم ال ي ِ
ستح ُّق أن َ ِ
َ َ َ السلف ُم ُ حتدث عن املراتب األربع جلهاد النفس" :
فذاك يُدعى فمن علم َو َع ِم َل َ
وعلَّ َم َ ويعمل به ،ويُو َعلِّ َمهَ ،
َ يُسمى ربَّانياً حتى يع ِر َ
ف الحقَّ،
ملكوت السموات"(.)2ِ عظيماً فى
فالقرآن الكرمي لن تتفتح أسراره وال آفاقه وال معانيه وال مقاصده وغاياته إال ملن أخذه جدا ،ومتثله
حقا ،وعمل به أبدا ،واستنزل هداياته وتعاليمه يف واقعه العملي؛ نورا يف القلب ،وانشراحا يف الصدر،
ووضوحا يف الرؤية ،وسعيًا لعمل اخلري ونفع الغري وخري العمل.
( )1مجموع الفتاوى .111 /1 :تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني .تحقيق :أنور
الباز -عامر الجزار .دار الوفاء .المنصورة .الطبعة الثالثة1021 .هـ 2001 /م.
( )2زاد المعاد في هدي خير العباد .10 /9 :مؤسسة الرسالة .بيروت .مكتبة المنار اإلسالمية .الكويت.
الطبعة السابعة والعشرون1011 .هـ 1990/م.
41
ومن هنا كان االهتمام بواقع األمة وقضاياها والعناية مبتطلباهتا يف أي مرحلة تعيشها من مقومات
املفسر املقاصدي والفقيه املقاصدي واجملتهد املقاصدي ،فإن العامل أيا كان فصصه إذا انعزل عن واقع
الناس وقضايا أمته واكتفى بالعيش بني الكتب واألوراق ،مل يكن لكالمه نور ،وال على ما يكتب نور ..
والذاكرة ال تستوعب من تارخينا العلمائي إال من عاشوا مع مهوم أمتهم وأهنضوها من كبواهتا ،وأعادوا هلا
نت تَ ْد ِري َما الْ ِكتَاب َوَال ِْ ِ
اإلميَان ك أ َْو َحْي نَا إِلَْي َ
ك روحاً ِّم ْن أ َْم ِرنَا َما ك َ احلياة مباء القرآن الكرميَ " ،وَك َذل َ
اط ُّم ْستَ ِقي كم" .سورة الشورى: َّك لَتَ ه ِدي إِ َىل ِصر ك
َ
ولَ ِكن جع ْلناه نوراً نَّه ِدي بِِه من ن ِ ِ ِ
َّشاء م ْن عبَادنَا َوإِن َ ْ َْ َ ْ ََ َ َ
.21
واملفسر املقاصدي عليه أن يستلهم روح القرآن وغاياته يف عالجه لقضايا أمته ،ويف نظرته
لألمور وتقييمه هلا ،وتقوميه العوجاجها ،فإن مقاصد القرآن هي خالصة رسالة القرآن اليت ال يصح أن
تغيب عن مصلح أو داعية دد وهو جيدد هلذا الدين روحه ،ويعيد إىل أمته احلياة.
كما أن واقع األمة جيب أن ينضبط مبقاصد القرآن وغايات القرآن :الفردية واجلماعية ،الدنيوية
واألخروية ،السياسية واالجتماعية واالقتصادية والنفسية ،العامة واخلاصة ..وال ينفلت عنه ،فإن من
مقاصد القرآن ومن مقاصد الشريعة أن تندرج حتتها كل نازلة ،وال نفلت عنها مستجد من املستجدات.
أما العامل الذي ال عالقة له بواقع أمته ،وال اهتمام له بقضاياها ،فإنه ال يصلح للنظر املقاصدي
وال االجتهاد املقا صدي ،وإ ا يعيش كاجلثة اهلامدة اليت ال روح فيها ،وال حياة هبا؛ ألنه فَ َق َد حياة
الروح ،وروح احلياة.
***
42
المبحث الخامس :ضوابط التفسير المقاصدي للقرآن الكريم:
من بدائه العمل التأسيسي لكل فن أو قضية أن توضع له الضوابط حىت ال ينحرف مينة أو يسرة،
طريف األمور ويقيمنا
وال يذهب مذهب امل َفرطني أو امل ْفرطني ،فإن كال طريف األمور ذميم ،وال يبعدنا عن َ
على سبيل االعتدال واالستقامة إال االنضباط بضوابط العمل والعلم مجيعا.
وال نعين بالضابط هنا معناه االصطالحي الذي َّفرق األصوليون بينه وبني القاعدة بأن القاعدة
فروعا من أبواب شىت ،والضابط جيمعها من باب واحد(.)1
جتمع ً
وإ ا نعين به األسس واملقومات اليت جيب مراعاهتا مبا ينضبط به التفسري املقاصدي للقرآن ،وجيعل
بعيدا عن هذه الضوابط
ميكنه من القيام بوظائفه التفسريية؛ حبيث يكون العمل به ً مشروعا ،وما ِّ
ً اعتباره
نوعا من اجلناية على علوم القرآن بالتبعية؛ إذ احلديث عن ضوابط
نوعا من االفتئات على القرآن ،أو ً
ً
اعتبار التفسري املقاصدي ال يقل أمهية عن احلديث عن التفسري املقاصدي نفسه.
كما أنه من شأن التحقق بالضواب حتقيق املقاصد ،فالعلماء يضعون الشروط والضوابط لألفعال
والتصرفات كي حيقق التصرف مطلوبه ويصل إىل مقصوده.
بدعا يف ذلك ،فهو -باعتباره فنًّا يستحق االهتمام وبذل مزيد منوالتفسري املقاصدي ليس ً
اجلهد -حيتاج إىل ضوابط حىت ينضبط هبا ويتأسس عليها ،وحيقق من خالهلا مقصوده ويقوم بوظيفته،
ومن أهم الضوابط اليت نراها للتفسري املقاصدي للقرآن الكرمي ما يأيت:
( )1األشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان لزين الدين إبراهيم بن نجيم .1/2 :دار الكتب العلمية.
الطبعة األولى1001 .هـ1981 .م ،وقواعد الفقه لمحمد عميم اإلحسان البركتي .911 :دار الصدف ببلشرز.
كراتشي .الطبعة األولى1001 .هـ1981 .م.
43
املسالك ،فمسلك النص القرآين على املقصد مشرتك بني املقاصد العامة واخلاصة ،واالستقراء مشرتك بني
املقاصد العامة واخلاصة والسورة ،واالستنباط مشرتك بني أغلب أنواع املقاصد ،وهكذا ،وقد بينا ذلك يف
مبحث مسالك الكشف عن مقاصد القرآن الكرمي.
والبد أن يكون املقصد القرآين مستثمرا من مسالكه وطرقه اليت قررناها سل ًفا ،وإال ال يكون له
عالقة مبقاصد القرآن ،فاستقاء املقاصد القرآنية من مسالكها أحد ضوابط العمل املقاصدي يف التفسري،
وبغري رعاية ذلك وضبط التفسري املقاصدي هبذا الضابط ستقع اضطرابات كثرية.
من ذلك :االضطراب يف التفسري نفسه ،وهذا ما وقع فيه بعض املفسرين حني غفل عن مقصد
السورة اليت يفسرها فتطرق ملناقشة موضوعات ال عالقة هلا بالسورة ،كما سيأيت يف مبحث فوائد التفسري
املقاصدي.
ومن هذه األضرار أيضا أن االضطراب واخللل الذي سيقع يف التفسري سينعكس سلبا على علوم
القرآن الكرمي ،ويف هذا خطر كبري على القرآن نفسه ،وعلومه بالتبعية.
وسيكون له انعكاس كذلك على العمل الفقهي مبا حيتويه القرآن من آيات أحكام؛ وهلذا جيب
أن ينضبط التفسري املقاصدي هبذا الضابط ،وال يعول على مقاصد قرآنية إال تلك اليت جاءت من طرقها
واستثمرت من مسالكها.
( )1راجع مثال لسان العرب ،102 /12 :وما بعدها .ألبي الفضل ،جمال الدين ابن منظور األنصاري
اإلفريقى .دار صادر .بيروت .الطبعة الثالثة1010 .هـ.
( )2التوقيف على مهمات التعاريف .210 :زين الدين عبد الرؤوف المناوي .عالم الكتب .القاهرة .الطبعة
األولى1010 .هـ1990-م.
45
التعارض احلقيقي؛ إذ إن املصدر الواحد ال خيرج منه ما يتعارض بعضه مع بعض ،قال تعاىلَ " :ولَ ْو َكا َن
اختِ َالفًا َكثِ ًريا"[ .سورة النساء.]21 : ِِ ِ ِ ِِ
م ْن عْند َغ ِْري اللَّه لََو َجدوا فيه ْ
وقد حتدث علماء القرآن عن مقاصده األصلية واألساسية ،ومن هؤالء العالمة حممد الطاهر ابن
عاشور ،قال " :إن القرآن أنزله اهلل تعاىل كتابا لصالح أمر الناس كافة راة هلم لتبليغهم مراد اهلل منهم
ني} [النحل]22 : ِ ِِ ك قال اهلل تعاىل {ونََّزلْنا علَيك الْ ِكت ِ ِ
دى َوَر ْاَةً َوب ْشَرى ل ْلم ْسلم َ
اب تْب يَاناً لك ِّل َش ْيء َوه ً
َ َ َْ َ َ َ
فكان املقصد األعلى منه صالح األحوال الفردية ،واجلماعية ،والعمرانية".)1(.
مث قال يراه اهلل تعاىل" :أليس قد وجب على اآلخذ يف هذا الفن أن يعلم املقاصد األصلية اليت
جاء القرآن لتبياهنا؟ فلنلم هبا اآلن حبسب ما بلغ إليه استقراؤنا وهي ْثانية أمور:
األول :إصالح االعتقاد وتعليم العقد الصحيح .وهذا أعظم سبب إلصالح اخللق ،ألنه يزيل عن
النفس عادة اإلذعان لغري ما قام عليه الدليل ،ويطهر القلب من األوهام الناشئة عن اإلشراك والدهرية
ت عْن هم ِآهلت هم الَِّيت ي ْدعو َن ِمن د ِ
ون اللَّ ِه ِم ْن ْ َ وما بينهما ،وقد أشار إىل هذا املعا قوله تعاىل {فَ َما أَ ْغنَ ْ َ ْ َ
يب} [هود ]222 :فأسند آلهلتهم زيادة تتبيبهم ،وليس هو ك وَما َزادوهم َغْي ر تَْتبِ ك ك
ْ َ َش ْيء لَ َّما َجاءَ أ َْمر َربِّ َ َ
من فعل اآلهلة ولكنه من آثار االعتقاد باآلهلة.
َّك لَ َعلَى خل كق َع ِظي كم} [القلم ،]4:وفسرت عائشة رضي
{وإِن َ
الثاين :هتذيب األخالق قال تعاىل َ
اهلل تعاىل عنها ملا سئلت عن خلقه صلى اهلل عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن ...وهذا املقصد قد
فهمه عامة العرب بله خاصة الصحابة...
احلَ ِّق لِتَ ْحك َم
اب بِ ْ الثالث :التشريع وهو األحكام خاصة وعامة .قال تعاىل {إِنَّا أَنْزلْنَا إِلَي َ ِ
ك الْكتَ َ َ ْ
ني يَ َديِْه ِم َن ِ اب بِ ْ َّاس ِمبَا أَر َاك اللَّه} [النساء{ ]222 :وأَنْزلْنَا إِلَي َ ِني الن ِ
صدِّقاً ل َما بَ ْ َ
احلَ ِّق م َ ك الْكتَ َ َ َ ْ َ بَ ْ َ
احك ْم بَْي نَ ه ْم ِمبَا أَنْ َزَل اللَّه} [املائدة ]42 :ولقد مجع القرآن مجيع األحكام مجعا ِ ِ الْ ِكتَ ِ
اب َوم َهْيمناً َعلَْيه فَ ْ
كليا يف الغالب ،وجزئيا يف املهم...
الرابع :سياسة األمة وهو باب عظيم يف القرآن القصد منه صالح األمة وحفظ نظامها كاإلرشاد
ِ مجيعاً وال تَ َفَّرقوا واذْكروا نِعم َّ ِِ ِ ِ ِ
ت الله َعلَْيك ْم إ ْذ كْنت ْم أ َْع َداءً
َْ َ َ {و ْاعتَصموا حبَْب ِل اللَّه َ َ إىل تكوين اجلامعة بقوله َ
َصبَ ْحت ْم بِنِ ْع َمتِ ِه إِ ْخ َواناً َوكْنت ْم َعلَى َش َفا ح ْفَرةك ِم َن النَّا ِر فَأَنْ َق َذك ْم ِمْن َها} [آل عمران:
ني ق لوبِك ْم فَأ ْ فَأَلَّ َ
ف بَ ْ َ
...]224
46
َح َس َنكأْ ص َعلَْي َ {حنن نَق ُّ
اخلامس :القصص وأخبار األمم السالفة للتأسي بصاحل أحواهلم قال َْ
ص ِمبا أَوحي نا إِلَيك ه َذا الْقرآ َن وإِ ْن كْنت ِمن قَبلِ ِه لَ ِمن الْغافِلِني} [يوسف{ ]4 :أولَئِ َّ ِ
ين
ك الذ َ َ َ َ َ َ ْ ْ ْ َ ص ِ َ ْ ََْ ْ َ َ الْ َق َ
ِ ِ
فني لَك ْم َكْي َ َه َدى اللَّه فَبه َداهم اقْ تَد ْه} [األنعام :من اآلية ]22وللتحذير من مساويهم قال َ
{وتَبَ َّ َ
فَ َع ْلنَا هبِِ ْم} [ابراهيم ]42 :ويف خالهلا تعليم ،وكنا أشرنا إليها يف املقدمة الثانية.
السادس :التعليم مبا يناسب حالة عصر املراطبني ،وما يؤهلهم إىل تلقي الشريعة ونشرها ،وذلك
علم الشرائع وعلم األخبار ،وكان ذلك مبلغ علم خمالطي العرب من أهل الكتاب .وقد زاد القرآن على
ذلك تعليم حكمة ميزان العقول وصحة االستدالل يف أفانني ادالته للضالني ويف دعوته إىل النظر ،مث
ْم َة فَ َق ْد أ ِويتَ َخ ْرياً َكثِرياً} [البقرة: احلِكْمةَ من ي َشاء ومن ي ْؤت ِْ
احلك َ نوه بشأن احلكمة فقال {ي ْؤِيت ْ َ َ ْ َ َ َ ْ َ
] 112وهذا أوسع باب انبجست منه عيون املعارف ،وانفتحت به عيون األميني إىل العلم ،وقد حلق به
التنبيه املتكرر على فائدة العلم ،وذلك شيء مل يطرق أمساع العرب من قبل...
السابع :املواعظ واإلنذار والتحذير والتبشري ،وهذا جيمع مجيع آيات الوعد والوعيد ،وكذلك
احملاجة واجملادلة للمعاندين ،وهذا باب الرتغيب والرتهيب.
الثامن :اإلعجاز بالقرآن ليكون آية دالة على صدق الرسول؛ إذ التصديق يتوقف على داللة
املعجزة بعد التحدي ،والقرآن مجع كونه معجزة بلفظه ومتحدي ألجله مبعناه والتحدي وقع فيه {ق ْل
ورةك ِمثْلِ ِه} [يونس ]42 :وملعرفة أسباب النزول مدخل يف ظهور مقتضى احلال ووضوحه .هذا ما ِ
فَأْتوا بس َ
بلغ إليه استقرائي .وللغزايل يف أحياء علوم الدين بعض من ذلك.
فغرض المفسر بيا ن ما يصل إليه أو ما يقصدن من مراد اهلل تعالى في كتابه بأتم بيان يحتمله
المعنى وال يأبان اللفظ من كل ما يوضح المراد من مقاصد القرآن ،أو ما يتوقف عليه فلمه أكمل
فلم ،أو يخدم المقصد تفصيال وتفريعا كما أشرنا إليه في المقدمة األولى ،مع إقامة الحجة على
ذلك إن كا ن به خفاء ،أو لتوقع مكابرة من معاند أو جاهل ،فال جرم كان رائد المفسر في ذلك
أن يعرف على اإلجمال مقاصد القرآن مما جاء ألجله"(.)1
هذه مقاصد ْثانية أصلية يف القرآن الكرمي ودلل عليها من القرآن مبا ينص عليها ،مث أضاف
مقصدين آخرين يف موض آخر من "التحرير والتنوير"؛ لتكون مقاصد القرآن العامة واألصلية عنده
عشرة كاملة ،فقال :على أن من مقاصد القرآن أمرين آخرين :أحدمها :كونه شريعة دائمة ،وذلك
47
يقتضي فتح أبواب عباراته ملرتلف استنباط املستنبطني ،حىت تؤخذ منه أحكام األولني واآلخرين،
وثانيهما :تعويد الة هذه الشريعة ،وعلماء هذه األمة ،بالتنقيب ،والبحث ،واسترراج املقاصد من
عويصات األدلة ،حىت تكون طبقات علماء األمة صاحلة يف كل زمان لفهم تشريع الشارع ومقصده من
التشريع ،فيكونوا قادرين على استنباط األحكام التشريعية ،ولو صيغ هلم التشريع يف أسلوب سهل
التناول العتادوا العكوف على ما بني أنظارهم يف املطالعة الواحدة"(.)1
ويف مقام تفسريه لسورة الفاحتة قال إهنا "تشتمل حمتوياهتا على أنواع مقاصد القرآن وهي ثالثة
أنواع :الثناء على اهلل ثناء جامعا لوصفه جبميع احملامد وتنزيهه عن مجيع النقائص وإلثبات تفرده باإلهلية،
وإثبات البعث واجلزاء وذلك من قوله :احلمد هلل إىل قوله :ملك يوم الدين ،واألوامر والنواهي من قوله:
إياك نعبد ،والوعد والوعيد من قوله :صراط الذين إىل آخرها ،فهذه هي أنواع مقاصد القرآن كله،
وغريها تكمالت هلا؛ ألن القصد من القرآن إبالغ مقاصدن األصلية ،وهي صالح الدارين وذلك
حيصل باألوامر والنواهي ،وملا توقفت األوامر والنواهي على معرفة اآلمر وأنه اهلل الواجب وجوده خالق
اخللق لزم حتقيق معا الصفات ،وملا توقف متام االمتثال على الرجاء يف الثواب واخلوف من العقاب لزم
حتقق الوعد والوعيد .والفاحتة مشتملة على هاته األنواع"(.)2
فهذه املقاصد األصلية والنصية هي اليت جيب أن يضبط هبا املفسر املقاصدي تفسريه ،ويعول عليه
يف النظر ،وعند الرتجيح ومنح األولوية ،وعند التزاحم والتعارض الظاهر ،وإعطاء األولوية واالهتمام يف
النظر واالهتمام للمقاصد األصلية على غريها مع عدم إمهال غريها؛ فهذا الضابط يضبط للمفسر
املقا صدي استقامة نظره املقاصدي يف القرآن الكرمي ،ويقيم القرآن الكرمي وحدة متماسكة واحدة متسقة
مرتابطة ،ال تعارض فيها وال اختالف بينها.
ابعا :أن تكون المقاصد العامة للقرآن حاكمة على ما دونلا من المقاصد:
رً
()2التحرير والتنوير ،199/1 :وهناك علماء آخرون تحدثوا عن مقاصد القرآن أو موضوعات القرآن ،منهم:
أبو حامد الغزالي ،والعز ابن عبد السالم ،والبقاعي ،ورشيد رضا ،ومحمد الغزالي ،وشيخنا يوسف القرضاوي،
وغيرهم ،وكلهم متقاربون في إثبات المقاصد األصلية للقرآن الكريم.
48
من الضوابط املهمة كذلك يف التفسري املقاصدي واليت جيب أن يعتربها املفسر املقاصدي وحيكم
هبا عمله أن جيعل املقاصد العامة للقرآن الكرمي حاكمة على ما دوهنا من أنواع املقاصد ،سواء أكانت
مقاصد خاصة أو مقاصد سور أو مقاصد آيات أو مقاصد كلمات وحروف.
فابتداء من رتبة مقاصد احلروف والشكل القرآين والتنقيط القرآين ،مث مقاصد اآليات ،مث مقاصد
السور ،مث مقاصد اجملاالت واملوضوعات أو املقاصد اخلاصة ،البد أن تكون كل هذه األنواع من املقاصد
حمكومة ومضبوطة باملقاصد العامة للقرآن الكرمي ،وهي مقاصد ثابتة بيقني بالنص القرآين املباشر،
فباإلضافة إىل أهنا مقاصد عامة ،فهي يف الوقت ذاته مقاصد أصلية ومقاصد نصية ،وما له هذه
حاكما وضابطًا على ما دونه من مراتب املقاصد وأنواعها.
الصفات جيب أن يكون ً
ومن مث فإنه ال يتصور أن نستقرئ أو نستنبط مقاصد خاصة أو للموضوعات واجملاالت مث تكون
متعارضة مع املقاصد العامة للقرآن ،بل الواجب أن تكون املقاصد العامة حاكمة على مقاصد اجملاالت
واملوضوعات ،وال يتصور أصال أن حيدث تعارض بني املقاصد العامة واملقاصد اخلاصة (مقاصد اجملاالت
أو املوضوعات)؛ ألن األخرية ستقودنا يف النهاية إىل تكوين األوىل وإقامتها؛ فضال عن أن األوىل
منصوص عليها من القرآن الكرمي نفسه.
كون يف النهاية مقاصد
وكذلك مقاصد اآليات جيب أن تكون حمكومة مبقاصد السورة اليت ست ّ
القرآن العامة ،فال توجد آية يف سورة من السور إال وهي حتقق مقصد السورة العام ،وتصب يف إبرازه
وتكوينه ،وهذا نوع من اإلعجاز جديد جيب الكشف عنه وإبرازه؛ إذ إن ترتيب اآليات داخل السور
ترتيب إهلي جاء بوساطة الوحي وليس عمال توفيقيًّا.
ونفس مقاصد الكلمات والشكل والتنقيط البد أن تكون متسقة وحمكومة مبقاصد اآليات
ومكونة هلا ،تلك اليت حتكم بدورها مبقاصد السورة ،اليت تصب يف حتقيق وتكوين مقاصد القرآن الكرمي
العامة.
خامسا :أن يتحقق االتساق بين الكلمات واآليات والسور والقرآن كله:
ً
يعترب هذا الضابط ضابطا مهما ،وهو حصيلة وْثرة -يف الوقت نفسه -للضوابط السابقة مجيعا،
فإذ ا استثمر املقصد من مسلكه املقرر ،وحتقق املفسر املقاصدي مبقومات هذ التفسري ،وكانت املقاصد
األصلية والنصية هي املقدمة ،واملقاصد العامة هي احلاكمة على غريها من املقاصد فإن االتساق بني
الكلمات والسور والقرآن كله ومقاصد هذه األنواع يتحقق تلقائيًّا.
49
وإذا كان القرآن الكرمي يف موعة كالقطعة الواحدة واجلملة الواحدة متاسكا وتناسقا وترابطا فإنه
جيب على املفسر أن ينحو هذا النحو ،وأن يتظلل هبذا الظل ،وأن يسري وفق هذا النسق ،فيربز يف
تفسريه تناسق القرآن ومتاسكه.
قال اإلمام الزركشي وهي يتحدث عن فائدة العلم مبناسبة اآليات والسور" :وفائدته جعل أجزاء
الكالم بعضها آخذا بأعناق بعض فيقوى بذلك االرتباط ويصري التأليف حاله حال البناء احملكم املتالئم
األجزاء ،وقد قل اعتناء املفسرين هبذا النوع لدقته وممن أكثر منه اإلمام فرر الدين الرازي وقال يف
تفسريه أكثر لطائف القرآن مودعة يف الرتتيبات والروابط وقال بعض األئمة من حماسن الكالم أن يرتبط
بعضه ببعض لئال يكون منقطعا ،وهذا النوع يهمله بعض املفسرين أو كثري منهم وفوائده غزيرة .قال
القاضي أبو بكر بن العريب يف سراج املريدين :ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حىت تكون كالكلمة
الواحدة متسقة املعاين منتظمة املباين علم عظيم مل يتعرض له إال عامل واحد عمل فيه سورة البقرة مث فتح
اهلل عز وجل لنا فيه ،فلما مل جند له الة ورأينا اخللق بأوصاف البطلة ختمنا عليه وجعلناه بيننا وبني اهلل
ورددناه إليه"(.)1
ويق ول اب ن ح زم األندلس ي ع ن مص در الش ريعة إن ه "كلف ظ واح د وخ رب واح د موص ول بعض ه
ولإلم ام الش اطيب إط الق إش ارات مش رقة إىل بنائي ة الق رآن اجملي د ووج وب رد بعض ه إىل بع ض،
وم ن ذل ك قول ه را ه اهلل يف فص ل ملح ق باملس ألة الثالث ة عش رة م ن األدل ة عل ى التفص يل" :وه ل للق رآن
مآخذ يف النظر على أن مجيع صوره كالم واحد حبسب خطاب العباد ال حبس ب نفس ه؟ ف إن ك الم اهلل يف
نفسه كالم واحد ال تعدد فيه بوجه وال باعتبار...وذلك أنه يبني بعضه بعضا ،ح ىت إن كث ريا من ه ال يفه م
()1البرهان في علوم القرآن .91 :بدر الدين محمد بن عبد اهلل بن بهادر الزركشي .تحقيق :محمد أبو الفضل
إبراهيم .دار إحياء الكتب العربية لعيسى البابى الحلبي وشركائه .الطبعة األولى 1911 .هـ 1911 -م ،ووال
أدري من هو هذا العالم الواحد الذي ذكره ابن العربي يرحمه اهلل ،ثم كان بوسع ابن العربي أن يقدم ما فتح اهلل
به عليه دون قدح في الخلق ووصفهم بالبطلة ثم يذهب مذهب المزكي لنفسه على هذا النحو ،وهو لم يقم
باستقراء كامل لما يكتبه الخلق ،وهذا ليس في مكنة أحد من الخلق؛ فكم في الزوايا خبابا ،وكم في الناس
بقايا ،وفوق كل ذي علم عليم.
( )2اإلحكام في أصول األحكام ابن حزم 91/2و 118/8تحقيق أحمد محمد شافع دار اآلفاق الجديدة
بيروت ط.1989 2:
51
معن اه ح ق الفه م إال بتفس ري موض ع آخ ر أو ص ورة أخ رى ،وألن ك ل منص وص علي ه في ه م ن أن واع
الضروريات مثال مقيد باحلاجيات ،فإذا كان ك ذلك فبعض ه متوقف ا عل ى بع ض يف الفه م ،ف ال حمال ة أن م ا
هو كذلك ،فكالم واحد ،فالقرآن كله كالم واحد هبذا االعتبار"(.)1
ويقول د .عادل بن حممد أبو العالء بعدما أورد عن الغماري يف كتابه "جواهر البيان" تناسق
سور :املائدة واألنعام واألعراف ،قالَ " :وَال ريب أَن إِ َع َادة النّظر ِيف الْ ِقَراءَة املتأنية َهلَا -ولسائر سور
مجيد -تفتح على املتأمل أبواباً َال حصر َهلَا َوَال ِهنَايَة من التناسب والرتابط احمل َكم ،الَّ ِذي الْقرآن الْ ِ
ْ
اعة"(.)2 اعتِبَا ِرِه الكلمةَ اإلهلي َة األخريةَ للثقلني ،إِ َىل قيام َّ
الس َ يظْهر َو ْحدة الْق ْرآن الْ َك ِرمي الْكلية ،بِ ْ
وكما يكون التماسك والتناسق والوحدة يف القرآن كله ،فإن السور ال فرج على هذا القانون،
وهو أمر منطقي أال خيرج قانون األصغر على قانون األكرب؛ وهلذا قال العالمة حممد عبد اهلل دراز" :إنك
اعا من املباين مجعت
حشوا ،وأوز ً
لتقرأ السورة الطويلة املنجمة حيسبها اجلاهل أضغاثًا من املعاين حشيت ً
عفوا؛ فإذا هي -لو تدبرت -بنية متماسكة قد بنيت من املقاصد الكلية على أسس وأصول ،وأقيم على
ً
كل أصل منها شعب وفصول ،وامتد من كل شعبة منها فروع تقصر أو تطول؛ فال تزال تنتقل بني
أجزائها كما تنتقل بني حجرات وأفنية يف بنيان واحد قد وضع رمسه مرة واحدة ،ال حتس بشيء من
تناكر األوضاع يف التقسيم والتنسيق ،وال بشيء من االنفصال يف اخلروج من طريق إىل طريق ،بل ترى
التضام وااللتحاق .كل ذلك
ِّ بني األجناس املرتلفة متام األلفة ،كما ترى بني آحاد اجلنس الواحد هناية
( )1الموافقات .211-210 /0 :إبراهيم بن موسى الشهير بالشاطبي .تحقيق :أبو عبيدة مشهور بن حسن آل
سلمان .دار ابن عفان .الطبعة األولى 1011هـ1991 /م.
( )2مصابيح الدرر في تناسب آيات القرآن الكريم والسور .190 :بحث للدكتور عادل بن محمد أبو العالء.
الجامعة اإلسالمية بالمدينة المنورة .العدد -129 :السنة 1021 - 91هـ ،قال في مقدمته" :إِن ا ْلقُ ْرآن ا ْل َك ِريم
يه أَي َك َالم آخر ،فألفاظ َج َزائِ ِه ،وتماسك َكلِماته وجمله وآياته وسوره مبلغا فريداًَ ،ال يدانيه ِف ِ بلغ من ترابط أ ْ
َ
بعضها بأعناق بعض ،فتراها َسلِ َسةً رقيقَة عذبةً متجانسة ،أَو فخمةً ُ ا ْلقُ ْرآن وآياته وسوره متعانقة متماسكة ،آخذ
وعلى الرغم من أَنه َكثَْرة متنوعة ،إِ َّال أَن َكلِ َماته متآخية متجاوبة ..جرساً وايقاعاً ونغماًَ ،و َه َذا ُكله جزلةً متآلفةَ ،
ْخذ باألبصار ،ويستحوذ على ا ْل ُعقُول واألفكار{ :قُ ْرآناً َع َربِّياً َغ ْي َر ِذي ِع َو ٍج لَ َعلَّهُ ْم ِم َّما جعله كتابا سوياًَ ،يأ ُ
يه ،فَ َال اضح ِف ِ يتَّقُون} (الزمر .. )28/يعرف َه َذا اإلحكام والترابط ِفي ا ْلقُرآن كل من تمعن ِفي التناسب ا ْلو ِ
َ ْ َ َ
ُّ
قصص، تفكك َوَال تخاذل والانحالل َوَال تنافرَ .ب ْيَن َما الموضوعات ُم ْختَلفَة متنوعة .فَمن تشريع ،إِلَى عقائد إِلَى َ
َّ ِ
ظمة ا ْلقُ ْرآن ا ْل َك ِريم
َس َرار الدقيقة التي تتجلى بهَا َع َ إِلَى جدل ،إِلَى وصف … إِلَخَ .و َه َذا التناسب ُه َو سر من ْاأل ْ
واعجازه".
51
بغري تكلفة وال استعانة بأمر من خارج املعاين أنفسها ،وإ ا هو حسن السياقة ولطف التمهيد يف مطلع
متصال ،واملرتلف مؤتل ًفا"(.)1
كل غرض ومقطعه وأثنائه ،يريك املنفصل ً
خصوصا؛
ً وال ينتهض لبيان ذلك أدا ًة ووسيلة إال املقاصد وفكرهتا عموما ،ومقاصد القرآن الكرمي
يسبح حتته املفسر باطمئنان ،وحيقق من
فإن املقاصد القرآنية هي األفق الوسيع والنظر الفسيح الذي ْ
خالله هذه الوحدة املوضوعية.
وهلذا يقول د .حممد بن عمر بازمول مبينًا أه م جه ات العالق ة ب ني النظ ر يف املقاص د الكلي ة
للق رآن الك رمي ،وحتقيق التناسق املوضوعي للسورة خاصة والقرآن عامة مبينًا أن املقاص د الكلي ة للق رآن
طري ق نظ ام الق رآن الك رمي ،وه و الطري ق إىل نظ ام السورة ،يقول" :الوق وف ع لى املقاص د الكلي ة
عموما ،من جهات متعددة، للق رآن الك رمي يتعل ق بدراس ة التناس ق املوضوعي للسورة أو للقرآن العظيم ً
وهي التايل:
-فيه إبراز لتناسق القرآن الكرمي سورة سورة ،وإبراز لتناسق مجي ع س وره م ع مقاص ده الكلي ة،
حي ث ي ربز النظ ام ال ذي ي ربط موض وعات ال سورة ،ك ما ي ربز كيفي ة ات ساق ه ذه املوض وعات بنظامها
مع املقاصد الكلية اليت يهدف إليها القرآن العظيم.
-يعت رب األس اس إىل م شروعية النظ ر يف احمل ور األس اس ال ذي هتدف إليه السورة الكرمية
مبوضوعاهتا املتعددة؛ ألن معرفة هذا الغ رض س يقود إىل املق صد الك لي للق رآن الك رمي ،وإذا ك ان جلميع
القرآن بتعدد سوره وآياته وموضوعاته مقاصد كلية يع ود إليه ا ،فإن ه م ن ب اب أوىل أن يك ون لل سورة
الواح دة ذات املوضوعات املتعددة حمور وهدف وغرض تدل علي ه ،ي رتبط م ع مقاصد القرآن الكرمي
الكلية.
-الربط بني تناسق السورة وبني باقي سور القرآن طريقه هو معرفة هذه املقاصد الكلية للقرآن
الكرمي ،وبالتايل ف إن املقاص د الكلي ة للق رآن طري ق نظ ام الق رآن الك رمي ،وه و الطري ق إىل نظ ام
السورة"(.)1
()1النبأ العظيم نظرات جديدة في القرآن الكريم .188 :للعالمة محمد بن عبد اهلل دراز .اعتنى به :أحمد
مصطفى فضلية .قدم له :أ .د .عبد العظيم إبراهيم المطعني .دار القلم للنشر والتوزيع .طبعة مزيدة ومحققة
1021هـ2001 -م.
52
ومن هنا نقول بكل اطمئنان :إذا متثل املفسر مقاصد القرآن العام َة واخلاصة واجلزئية ومقاصد
السور حتققت على يده وحدة القرآن وتناسق موضوعاته ،فال يظهر يف تعامله مع القرآن نتوءات وال
شذوذات وال تناقضات وال اضطرابات فيبدو القرآن عضني ،وإ ا باملقاصد القرآنية يبدو القرآن على يد
املفسر وحدة واحدة وقطعة واحدة يف متاسك وترابط وانسجام.
( )1التناسق الموضوعي في السورة القرآنية .90-99 :إعداد محمد بن عمر بن سالم بازمول .د.ت .د.ت.
53
المبحث السادس :فوائد التفسير المقاصدي للقرآن الكريم:
لكل أمر غاية ،ولكل حكم مقصد وفائدة ،وهذا منهج جيب أن يكون منطلقا لكل إنسان يف
احلياة؛ فضال عن املسلم ،فضال عن حال املسلم مع كتاب اهلل تعاىل ..وإذا كان هذا هو ما ينبغي أن
تكون عليه حال املسلم ،فمن باب أوىل أن يكون هذا حال العامل واملشتغل بكتاب اهلل تعاىل.
وإذا كان للنظر املقاصدي والفهم املقاصدي لإلسالم مقومات ينبغي توافرها فيمن يتعرض للقرآن
مقاصديًّا ،فما مقاصد هذا املنهج واالجتاه يف التعامل مع القرآن ،وما غايات إعمال التفسري املقاصدي
للقرآن العظيم؟ .هذا ما حناول اإلجابة عنه يف السطور التالية:
أوال :امتثاال ألمر اهلل تعالى ورسوله صلى اهلل عليه وسلم:
إن أول مقصد حمقق من التفسري املقاصدي للقرآن الكرمي هو االمتثال ألمر اهلل تعاىل بالتدبر،
اختِالَفاً َكثِرياً ِِ ِ ِ ِِ
وقد نقلنا سلفا قوله تعاىل" :أَفَالَ يَتَ َدبَّرو َن الْق ْرآ َن َولَ ْو َكا َن م ْن عند َغ ِْري اللّه لََو َجدواْ فيه ْ
وب أَقْ َفاهلَا { ."}14سورة { ."}21سورة النساء .وقوله جل شأنه" :أَفَ َال ي تَ َدبَّرو َن الْقرآ َن أ َْم َعلَى ق ل ك
ْ َ
حممد ،ونقلنا كالم الشاطيب وغريه ،يقول صاحب الظالل يف تفسري اآلية األخرية" :وتدبر القرآن يزيل
الغشاوة ،ويفتح النوافذ ،ويسكب النور ،وحيرك املشاعر ،ويستجيش القلوب ،وخيلص الضمري ،وينشئ
وب أَقْفاهلا؟» فهي حتول بينها وبني القرآن وبينها حياة للروح تنبض هبا وتشرق وتستنري« ،أ َْم َعلى ق ل ك
وبني النور؟ فإن استغالق قلوهبم كاستغالق األقفال اليت ال تسمح باهلواء والنور!"(.)1
ورسولنا – صلى اهلل عليه وسلم – شيبْته هود وأخواهتا ،وكان يبكي مع القرآن كثريا ،وخيشع له
يد َوِجْئ نَا
ويتدبر طويال ،وهو الذي بكى حينما مسع قوله تعاىل﴿" :فَ َكيف إِذَا ِجْئ نا ِمن كل أ َّم كة بِش ِه ك
َ ِّ َ ْ َ
ول لَ ْو ت َس َّوى هبِِم األ َْرض َوالَ يَكْتمو َن َّ ِ ِك
الرس َ
صواْ َّ
ين َك َفرواْ َو َع َ
يدا ( )42يَ ْوَمئذ يَ َوُّد الذ َ بِ َ
ك َعلَى َهؤالء َش ِه ً
اللَّهَ َح ِديثًا ( .﴾)41سورة النساء.
ويف صحيحي البراري ومسلم :أ ّن عبد اهلل بن مسعود قال :قال يل رسول اهلل -صلى اهلل عليه
وسلم " :-اقرأ علي" فقلت :يا رسول اهلل ،آقرأ عليك ،وعليك أنزل؟ قال" :نعم إين أحب أن أمسعه من
ك ِ ِ
ف إِ َذا جْئ نَا ِمن ك ِّل َّأم كة بِ َش ِهيد َوجْئ نَا بِ َ
ك غريي" فقرأت سورة النساء حىت أتيت إىل هذه اآلية ﴿ :فَ َكْي َ
َعلَى َه ؤالۤ ِء َش ِهيداً ﴾ فقال " :حسبك اآلن " فإذا عيناه تذرفان".
( )1في ظالل القرآن .9291 /1 :سيد قطب .دار الشروق .القاهرة.
54
يقول العالمة الطاهر ابن عاشور" :ال فعل أمجع داللة على موع الشعور عند هذه احلالة من
بكاء رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -فإنه داللة عل شعور تمع فيه دالئل عظيمة :وهي املسرة
بتشريف اهلل إياه يف ذلك املشهد العظيم وتصديق املؤمنني إياه يف التبليغ ورؤية اخلريات اليت أجنزت هلم
بواسطته واألسف على ما حلق بقية أمته من العذاب على تكذيبه ومشاهدة ندمهم على معصيته والبكاء
ترمجان راة ومسرة وأسف وهبجة"(.)1
السماو ِ
ات َواأل َْر ِ ِ ِ ِ
ض وبكى النيب – صلى اهلل عليه وسلم – عند قوله تعاىل( :إ َّن يف َخ ْلق َّ َ َ
اب) .سورة آل عمران.222 :ات ِّأل ِويل األَلْب ِ واختِ ِ
الف اللَّي ِل والنَّها ِر َآلي ك
َ ْ َ َ َ َ ْ
عن عطاء قال :دخلت أنا وعبيد بن عمري على عائشة ،فقالت لعبيد بن عمري :قد آن لك أن
تزورنا ،فقال :أقول يا أمه كما قال األول :زْر غبًّا تزدد حبا .قال :فقالت :دعونا من رطانتكم هذه.
قال ابن عمري :أخربينا بأعجب شيء رأيته من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم .قال :فسكتت مث قالت:
ملا كان ليلة من الليايل قال" :يا عائشة ذريين أتعبد الليلة لريب" .قلت :واهلل إين ألحب قربك ،وأحب ما
سرك .قالت :فقام فتطهر مث قام يصلي .قالت :فلم يزل يبكي حىت بل حجره .قالت :مث بكى فلم يزل
يبكي حىت بل حليته .قالت :مث بكى فلم يزل يبكي حىت بل األرض ،فجاء بالل يؤذنه بالصالة ،فلما
رآه يبكي قال :يا رسول اهلل مل تبكي وقد غفر اهلل لك ما تقدم وما تأخر؟ قال" :أفال أكون عبدا
السماو ِ
ات َو ْاأل َْر ِ ِ ِ ِ
ض} اآلية علي الليلة آية ويل ملن قرأها ومل يتفكر فيها{ :إ َّن يف َخ ْلق َّ َ َ
شكورا .لقد نزلت َّ
كلها"(.)2
وهكذا ،فإن من هدي اهلل تعاىل وهدي رسوله -صلى اهلل عليه وسلم -أن نتدبر القرآن ،وفهم
مقاصد القرآن واستيعاهبا والصدور عنها والقراءة يف ضوئها هي الباب األعظم لتدبر القرآن الكرمي.
55
حينما يقف املسلم عل ى مقاص د الق رآن م ن خ الل التفس ري املقاص دي فإن ه ي زداد إميان ا هب ذا الق رآن،
ويقف على مزيد من عظمته ،ويدرك مكانته احلقيقية ،ويزداد حبه ويقين ه هب ذا الق رآن العظ يم؛ فإن ه كت اب
عظيم حقا ،وال خيلق على كثرة الرد ،وال يشبع منه العلماء ،وال تنقضي عجائبه.
وللوق وف عل ى عظم ة الق رآن وزي ادة اليق ني في ه وتعظ يم اإلمي ان ب ه مبعرف ة ه ذه املقاص د آث ار عظيم ة
تنعكس على نفس املؤمن وروحه وسلوكه مجيعا.
وم ن ذل ك أن ه إذا وق ف عل ى مقاص د الق رآن "ي زداد" امتثال ه وانقي اده ،واس تمراره وإتقان ه للعم ل،
ودفعه إلي ه وتنش يطه علي ه ،عل ى رد االمتث ال واالنقي اد واالس تمرار واإلتق ان ،وخباص ة يف أم ور العب ادات،
وهل ذا ق ال اآلم دي" :م ا ي دل عل ى العل ة يقص د م ن النص وص يك ون أوىل؛ لقرب ه م ن املقص ود؛ بس بب
وق ال اب ن عاش ور" :ويف اإلع الم بالعل ة تنش يط للم أمور بالفع ل عل ى االمتث ال؛ إذ يص ري عامل ا
ً
باحلكمة"(.)2
ويق ول د .أا د الريس وين" :إن معرف ة مقاص د األعم ال حت رك النش اط إليه ا ،وت دعو إىل الص رب
وال يع ين ه ذا أن العب د ال ميتث ل أو ينق اد ألم ر اهلل ويقب ل عل ى تنفي ذ حكم ه إال مبعرفت ه للمقص د أو
أسرار األحكام ،وإ ا يكفي أنه أمر اهلل أو أمر رسوله صلى اهلل عليه وس لم فه ذا وح ده ك ك
اف لالمتث ال
واالنقي اد واالس تمرار ،وهل ذا فإنن ا نتح دث هن ا ع ن "الزي ادة" يف ه ذه املع اين ،ول يس رد اإلتي ان هب ا؛ إذ
"املقص ود أن احلك م الش رعي ال خيل و ع ن حكم ة ومص لحة ،لك ن ق د تعل م ه ذه احلكم ة فيس هل
االمتثال"(.)4
56
اظم ل ذلك وك رب
ويقول املناوي يف كالم نفيس" :من فقه عن اهلل أمره وهنيه ،وعلم ملاذا أمر وهن ى ،تع َ
ارعا مل ا أم ر ،وأش د هربًا مم ا هن ى؛ فالفقوه فوي الودين جنود عظويم يهلليود اهلل
يف صدره شأنه ،وكان أش َّد تس ً
بووه أهوول اليقووين الووذين عوواينوا محاسوون األمووور ومشووائنلا وأقوودار األشووياء وحسوون توودبير اهلل تعووالى فووي
ذلووك للووم بنووور يقيوونلم ليعبوودون علووى بصوويرة وطمأنينووة ،وم ن ح رم ذل ك َعبَ ده عل ى مكاب دة وك ره؛ ألن
القل ب وإن أط اع وانق اد ألم ر اهلل ف النفس إ ا تنق اد إذا رأت نف َع ش يء أو ض ره ،وال نفس والش يطان
جندمها الشهوات؛ فيحتاج اإلنسان إىل أضدادمها من اجلنود ليقهرمها ،وهو الفقه"(.)1
فليس من املعقول أن يستوي العب د ال ذي يع رف ه دف احلك م أو مقاص د الق رآن م ع العب د ال ذي ال
دحا يف عبودي ة العب د
يعرف ،يف سرعة االمتثال ،ويف االنقياد ،وكذلك االستمرار واإلتقان ،وه ذا ال يع د ق ً
أو عقيدته ،فهناك حد أدىن من االمتثال واالنقياد واالستمرار واألداء ال جيوز ألحد النزول عنه سواء عل م
مقاصد األحكام أم مل يعلمها ،وإ ا يتف اوت العب اد يف درج ات ه ذه املع اين ويتفاض لون بق در مع رفتهم مب ا
حنن بصدد احلديث عنه.
وهل ذا ق ال األص فهاين" :وإ ا غل ب ثب وت احلك م بالعل ة يف الش رع؛ ألن تعقوول العلووة فووي الحكووم
الرم ل يف
وجع ل اب ن دقي ق العي د ذل ك باعثً ا عل ى تعظ يم األول ني ،ق ال وه و ي تكلم ع ن مش روعية َّ
الطَّ واف واس تحبابه مطل ًق ا يف ط واف الق دوم يف زم ن الن يب ص لى اهلل علي ه وس لم وبع ده ،ق ال" :وإن
كانت العلة اليت ذكرها اب ن عب اس( )3ق د زال ت فيك ون اس تحبابه يف ذل ك الوق ت لتل ك العل ة وفيم ا بع د
()1فيض القدير .108-101/2 :وهذا المعنى يتردد كثي ار في "الفيض" حينما يتحدث عن الفقه في الدين
والفهم عن اهلل ،أو حينما يتعرض لشرح حديث" :من يرد اهلل به خي ار يفقهه في الدين ويلهمه رشده".
( )2بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب .109-108/9 :شمس الدين أبو الثناء محمود بن عبد
الرحمن بن أحمد األصفهاني .تحقيق :د .محمد مظهر بقا .معهد البحوث العلمية واحياء التراث اإلسالمي.
مركز إحياء التراث اإلسالمي .مكة المكرمة .الطبعة األولى1001 .هـ 1981/م.
عباس ـ رضي اهلل عنهما ـ هي ما رواه البخاري من حديث ابن عباس () 3العلة المقصودة هنا والتي ذكرها ابن
ون :إَِّنهُ َي ْق َد ُم َعلَْي ُك ْم َوْف ٌد َو َهَنهُ ْم ُح َّمى َّ صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َّ ِ
َص َح ُابهُ ،فَقَا َل ا ْل ُم ْش ِرُك َ
َو َسل َم ـ َوأ ْ قال" :قَد َم َر ُسو ُل الله ـ َ
57
ذلك تأسيًا واقتداء مبا فعل يف زم ن الرس ول ص لى اهلل علي ه وس لم ويف ذل ك م ن احلكم ة :ت ذكر الوق ائع
املاض ية للس لف الك رام ،ويف ط ي ت ذكرها مص احل ديني ة؛ إذ يتب ني يف أثن اء كث ري منه ا م ا ك انوا علي ه م ن
امتثال أمر اهلل تعاىل ،واملبادرة إليه ،وبذل األنفس يف ذلك ،وهبذه النكتة يظهر ل ك َّ
أن كث ًريا م ن األعم ال
ال يت وقع ت يف احل ج ،ويق ال فيه ا :إهن ا تعبُّ د ليس ت كم ا قي ل .أال ت رى أن ا إذا فعلناه ا وت ذكرنا أس باهبا
حص ل لن ا م ن ذل ك تعظ يم األول ني ،وم ا ك انوا علي ه م ن احتم ال املش اق يف امتث ال أم ر اهلل ،فكووان هووذا
ومن هنا مل يكن غريبًا أن تشفع كث ري م ن نص وص الق رآن والس نة ببي ان اهل دف م ن أحكامه ا ،س واء
أك ان يف امل أمورات ب ذكر األج ر والث واب املرتت ب عل ى القي ام هب ا ،أم يف املنهي ات ب ذكر اإلمث والعقوب ات
املرتتبة على إتياهنا ،ويف ذلك ما فيه من حتفيز الناس عل ى الس رعة والزي ادة يف االمتث ال واالنقي اد ،واإلتق ان
يف العم ل ،واالس تمرار حب ب ورض ا وا د وإج الل ،ول يس رد االمتث ال والس مع والطاع ة فق ط ،وإال مل ا
كان يف ذكر النصوص لذلك معا.
58
ددا م ن النص وص م ن ه ذا القبي ل يف القص اص ،والت يمم ،وال زىن ،والغيب ة،
لق د أورد د .الريس وين ع ً
وإتيان النساء أثناء احليض ،وهي أمثلة معروفة مقاصدها ومنصوص ة ،مث ق ال" :فم ن ش أن ه ذه التعل يالت
افزا
املرافق ة لألحك ام ،املنبه ة عل ى م ا جتلب ه م ن خ ري ونف ع ،وم ا تدفع ه م ن فس اد وض رر ،أن تك ون ح ً
إض افيًّا عل ى العم ل والص رب عل ى مقتض ياته ومتطلبات ه ،ومث ل الق رآن الك رمي ك ان الن يب ي نهج ه ذا ال نهج،
ويب ني عل ل األحك ام ومقاص دها حتبيبً ا وترغيبً ا يف الت زام التك اليف الش رعية ،واملواظب ة عليه ا ،وال تحمس
هلا"(.)1
وال تبعد معرفة مقاص د األحك ام وعلله ا ع ن معرف ة املقاص د القرآني ة بأنواعه ا ،ب ل إن معرف ة املقاص د
القرآني ة حتق ق ه ذا كل ه م ن ب اب أوىل ،وجتع ل املكل ف أكث ر حبًّ ا للق رآن العظ يم والعم ل ب ه ،وأرغ ب يف
أدائ ه بإتق ان ،وأق رب إىل االمتث ال احلقيق ي املرض ي ،فل م يش رع اهلل األحك ام ليعن ت عب اده ،ولك ن را ة
وتيسريا عليهم ،وهذا حبد ذاته من مقاصد وضع الشريعة.
ً هبم ،ومصلحة هلم،
وقد قرر اإلمام رشيد رضا طريق حسن الفهم للقرآن الكرمي فقال" :إََِّا يَ ْف َه م الْق ْرآ َن َويَتَ َف َّق ه فِي ِه َم ْن
الص َالةِ َم ا بَيَّ نَ ه اهلل تَ َع َاىل فِي ِه ِم ْن َم ْوض ِ
وع الص َالةِ َوِيف َغ ِْري َّ
ب َعْينِ ِه َوِو ْج َه ةَ قَ ْلبِ ِه ِيف تَِال َوتِ ِه ِيف َّ
ص َ
َك ا َن ن ْ
وع َو َخ ْش يَ كة،
ْم ِة تَ َدبُِّرهِِ ،م ْن َعلَ كم َون وكرَ ،وه ًدى َوَر ْاَ كةَ ،وَم ْو ِعظَ كة َو ِعْب َرةكَ ،وخش ك ِِ ِ ِ ِِِ ِ
تَْن ِزيل هَ ،وفَائ َدة تَ ْرتيل هَ ،وحك َ
( )1الفكر المقاصدي ،90-99 :وراجع هذه النقول في كتابنا :مقاصد األحكام الفقهية تاريخها ووظائفها
التربوية والدعوية .111-108 :و ازرة األوقاف والشئون اإلسالمية بالكويت عدد ( )11من سلسلة روافد.
59
ك َغايَة إِنْ َذا ِرهِ َوتَْب ِش ِريهَِ ،ويَْلَزم َه ا َع ْق ًال َوفِطْ َرًة تَ ْق َوى اهللِ تَ َع َاىل بِتَ ْر ِك َم ا نَ َه ى ك
َوس نَ كن ِيف الْ َع ا َِمل مطَّ ِرَدة .فَتِْل َ
ِ ِ اع ِة ،فَِإنَّه َك َما قَ َ ِ ِ ِ ِ
ني)"(.)1 ال( :ه ًدى ل ْلمتَّق َ َعْنهَ ،وف ْع ِل َما أ ََمَر بِه بَِق ْد ِر اال ْستطَ َ
كما أن الذي ينظر للقرآن أو السورة نظرا مقاصديًّا يسهل عليه احلفظ ،ويتيسر علي ه التعام ل ،فم ن
يق رأ م ا كتب ه ص احب الظ الل يف مقدم ة ظالل ه وقب ل ك ل س ورة سيش عر أن ه اس توعب الس ورة وتش بع هب ا؛
ذلك ،أن الفهم املقاصدي للقرآن وسوره يعطي صورة ش املة لإلنس ان ع ن الق رآن أو املوض وع أو الس ورة،
وييس ر عل ى عقل ه تص ور موض وعات الق رآن ،وص لة ك ل موض وع ب اآلخر ،وكي ف تق يم ه ذه املوض وعات
وح دة بنائي ة أو موض وعية س واء يف موض وع أو يف س ورة م ن الس ور ،وه ذا مم ا ييس ر الفه م واالس تيعاب
واحلفظ.
وهل ذا ف إن الش اطيب وه و يتح دث ع ن أمهي ة معرف ة الس ياقات ومقتض ى احل ال ال ذي واك ب ن زول
القرآن ،أورد أثرا يبني ذل ك ويوض حه ،وه و م ا روى أب و عبي د ع ن إب راهيم التيم ي؛ ق ال" :خ ال عم ر ذات
ي وم؛ فجع ل حي دث نفس ه :كي ف فتل ف ه ذه األم ة ونبيه ا واح د[ ،وقبلته ا واح دة]؟ [فأرس ل إىل اب ن
عب اس؛ فق ال :كي ف فتل ف ه ذه األم ة ونبيه ا واح د وقبلته ا واح دة؟] .فق ال :اب ن عب اس :ي ا أم ري
امل ؤمنني! إن ا أن زل علين ا الق رآن فقرأن اه ،وعلمن ا فيم ا ن زل ،وإن ه س يكون بع دنا أق وام يق رءون الق رآن وال
ي درون فيم ا ن زل ،فيك ون هل م في ه رأي ،ف إذا ك ان هل م في ه رأي اختلف وا ،ف إذا اختلف وا اقتتل وا .ق ال :فزج ره
61
عم ر وانته ره؛ فانص رف اب ن عب اس ،ونظ ر عم ر فيم ا ق ال؛ فعرف ه فأرس ل إلي ه؛ فق ال :أع د عل ي م ا قل ت.
فأعاده عليه؛ فعرف عمر قوله وأعجبه(.)1
فأن ت ت رى هن ا حينم ا توق ف عم ر ومس ع الق ول وت دبره ووقَ ف عل ى أس راره ومغازي ه ،وم ن مث ع رف
القول وأعجبه ورفع احلالف ،بل انتهى الزجر والنهر.
واحل ق أن املقاص د القرآني ة وخباص ة القطعي ة واألص لية النص ية منه ا م ىت كان ت هل ا ه ذه احلجي ة
باعتبار ثبوهتا ووض وحها وانض باطها واطراده ا وس المتها م ن املع ارض يك ون دوره ا احلاس م يف التقلي ل م ن
متاما ،فمىت ظهر املقصد ال يصح بل ال جيوز أن يكون هناك خالف.
اخلالف بل القضاء عليه ً
ولع ل امل نهج ال ذي وض عه اإلم ام الش اطيب يف ط رق معرف ة مقاص د الش ارع يك ون ل ه أث ر يف مج ع
الكلم ة ومل الش مل وحس م اخل الف وتوحي د املرتلف ني ،وه و م نهج وس ط ب ني الظاهري ة والباطني ة؛ حي ث
متََثَّ َل منهج ه يف أربع ة قواع د :التم اس املقص د يف نف س األم ر والنه ي ،وم ن عل ل األم ر والنه ي ،وتقس يم
املقاص د إىل أص لية وتبعي ة ،والتم اس املقص د الش رعي يف ع دم الفع ل ال الفع ل( .)4وه ذه املس الك يس تفاد
منها يف ال القرآن.
وه ذا الوض وح يف املقاص د القرآني ة يقل ل اخل الف – إن مل حيس مه – ب ني املفس رين ،وخباص ة يف
القض ايا القرآني ة الك ربى ،وك ذلك يف آي ات األحك ام ال يت يكث ر فيه ا االخ تالف نظ را لطبيعته ا الفقهي ة،
فم ىت اتض حت املقاص د القرآني ة وكان ت بين ة يف الق رآن ف ال ش ك أنن ا س نوفر عل ى أنفس نا عن اءً كب ريا يف
فمقاص د الق رآن العام ة ه ي املرج ع واملع َّول عن د النظ ر الكل ي يف الق رآن الك رمي ل دى املفس رين ،ف أي
تن اول كل ي ،أو نظ ر كل ي ،أو تعام ل كل ي يف الق رآن الك رمي ف ال ش ك أن املقاص د العام ة للق رآن س تكون
هي الضابطة هلذا النظر ،واملوجهة هلذا التفكري ،واملرشِّدة هلذا املنهج ،واملسددة هلذا التعامل.
وك ذلك املقاص د اخلاص ة ال يت ه ي مقاص د اجمل االت أو املوض وعات س تقوم بالوظ ائف نفس ها م ع
النظر املوضوعي أو اجملايل يف القرآن الكرمي.
وق ل مث ل ذل ك يف الس ور ،ف ال يس رح املفس ر يف احل ديث يف الس ورة أو عنه ا إال بق در م ا تس رحه
مقاص د تل ك الس ورة ،ف إن مقاص د الس ورة ه ي منته ى النظ ر التفس ريي ل دى املفس ر ال ينبغ ي أن يتج اوزه
وال يتعداه.
وكذلك مقاصد اآليات والكلمات احملكومة مبقاصد السورة ينبغي للمفسر أن يعتم دها معي ًارا للفه م
والنظر عند التفسري التحليلي أو التفصيلي لآليات القرآنية والكلمات القرآنية.
ق ال اإلم ام اب ن عاش ور يف املقدم ة الرابع ة م ن تفس ريه" :معرف ة املقاص د ال يت ن زل الق رآن لبياهن ا ح ىت
تس تبني لك م غاي ة املفس رين م ن التفس ري عل ى اخ تالف ط رائقهم ،وح ىت تعلم وا عن د مطالع ة التفاس ري
مقادير اتصال ما تشتمل عليه بالغاية اليت يرمي إليها املفسر؛ فتزن وا ب ذلك مق دار م ا أو ب ه م ن املقص د،
ومق دار م ا جت اوزه ،مث ينعط ف الق ول إىل التفرق ة ب ني م ن يفس ر الق رآن مب ا خي رج ع ن األغ راض امل رادة من ه،
وبني من يفصل معانيه تفصيال(.)1
62
وإذا ك ان ه ذا عل ى مس توى النظ ر ف إن للمقاص د القرآني ة أمهي ة كب رية عن د التطبي ق ك ذلك ،ف القرآن
الكرمي جاء ليحكم ،وجاء ليقود حي اة الن اس ،ويس وس أم ور دي نهم ودني اهم َوفْ َق ه ،وهن ا ل ن يك ون معي ار
التحاكم عند التطبيق إال وفق مقاصد القرآن.
فمقاصد القرآن مبراتبه ا ه ي ال يت تض من لن ا ص حة التنزي ل ،وس المة التطبي ق ،وم ن هن ا حيق ق التنزي ل
أغراض ه ،ويثم ر التطبي ق مقاص ده وْثرات ه ،وه ذه ه ي الفائ دة العطم ى م ن الق رآن :أن تتحق ق مقاص ده يف
وفالحا.
ً وظهورا
ً وجناحا ،ورضى
نورا وهداية ً
حياة الناس؛ ً
63
كذلك يف الدور اآلن ،ولو كانت مغلقة األبواب عند االستئذان ،فإ ّن الطارق إذا استقبلها فقد يقع
نظره عند الفتح له على ما ال جيوز ،أو ما يكره أهل البيت اطالعه عليه(.)1
وهل هذا احلكم يف حق البصري دون األعمى؟ قال الشيخ السايس :وظاهر اآلية أ ّن االستئذان
كل طارق ،ولو كان أعمى ،وبذلك قال العلماء؛ أل ّن من عورات البيوت ما يدرك واجب على ّ
بالسمع ،ففي دخول مكفوف البصر على أهل بيت بغري إذهنم إيذاء هلم .فأما ما رواه الشيران من
قوله صلّى اللّه عليه وسلّم « :إ ا جعل االستئذان من أجل النّظر» ( .)2فهو جار على الغالب ،وليس
احلصر فيه على سبيل التحقيق ،بل هو حصر ادعائي مبين على املبالغة ،وكمال العناية باحلث على
يدل على ما ذكرناه ،فقد
حفظ النظر ،وسياق القصة اليت قال فيها النيب صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك ّ
روى سهل بن سعد أنّه اطلع رجل يف حجرة من حجر النيب صلّى اللّه عليه وسلّم ،ومع النيب مدرى
حيك هبا رأسه فقال« :لو أعلم أنّك تنظر لطعنت هبا يف عينك ،إ ا جعل االستئذان من أجل النّظر»
ّ
وإذا كان األمر كذلك ،وكان القصد املبالغة والتشديد على ذلك الرجل الذي كان يطّلع على حجرة
النيب صلّى اللّه عليه وسلّم علم الغرض من ذلك احلصر ،ومل يكن يف احلديث حينئذ داللة على نفي أنه
قد يكون االستئذان من أجل السمع .فاملقصود إفادة أ ّن النظر من أقوى األسباب اليت شرع هلا
االستئذان(.)3
وأما عن عدد مرات االستئذان فقال" :وظاهر اآلية أ ّن االستئذان غري مقيّد بعدد ،فإن استأذن
مرة فأجيب باإلذن دخل ،وإن أجيب بالرد رجع ،وإن مل جيب فال عليه أن يرجع .وقال بعض العلماء:
إ ّن االستئذان ثالث مرات ،فمن مل يؤذن له بعدهن فلريجع ،إال إذا أيقن أ ّن من يف البيت مل يسمع،
فإنّه جيوز له الزيادة على الثالث ،واحلكمة يف هذا العدد أ ّن املرة األوىل إلمساع من يف البيت ،والثانية :
ليتهيؤوا ،والثالثة :ليأذنوا ،أو يردوا(.)4
وهل االستئذان مقصور على الرجال فقط دون النساء أم أنه يشمل النساء مع الرجال؟ قال
الشيخ السايس معتمدا على مقصد التشريع" :وظاهر التعبري يف اآلية باسم املوصول اخلاص جبماعة
( )1تفسير آيات األحكام .111-110 /9 :شرح الشيخ محمد علي السايس .وتحقيق طه عبد الرؤوف سعد.
المكتبة األزهرية للتراث2000 .م ،والحديث رواه أبو داود في السنن ( ، )981 /0كتاب األدب ،باب كم
مرة يسلم حديث رقم (.)1181
()2رواه مسلم في الصحيح ( ، )1198 /9كتاب اآلداب ،باب تحريم النظر حديث رقم (، )2111 /00
والبخاري في الصحيح ( - 19 ، )118 /1كتاب االستئذان ،باب االستئذان حديث رقم (.)1201
()3تفسير آيات األحكام.111 /9 :
()4تفسير آيات األحكام.110 /9 :
64
الذكور أ ّن النساء ليس عليهن استئذان ،ولكنّك تعلم أ ّن احلكمة اليت من أجلها شرع االستئذان متحققة
يف الرجال والنساء معا ،وهلذا قال العلماء :إ ّن يف اآلية تغليب الرجال على النساء ،كما هو املعهود يف
األوامر والنواهي القرآنية املبدوءة مبثل هذا النداء ،وعلى هذا يكون على املرأة إذا أرادت أن تدخل بيت
غريها أن تستأذن قبل الدخول .فإ ّن الناس قد يكرهون أن يطلع بعض النساء على بيوهتم ،ويظهرن على
ما فيها من أسراره(.)1
فأنت ترى يف مثال واحد فقط كيف كان النظر املقاصدي يف القرآن الكرمي هو عماد القول،
وأساس الرتجيح ،سواء يف طبيعة األدب الذي هو احلكم ،أو يف عدد أفراده وطبيعتهم رجاال ونساء ،أو
يف عدد مرات االستئذان ،أو كان املستأذن بصريا أو أعمى ..
ترجح القول فيه بل حسم – كما ترى -استنادا إىل املقاصد القرآنية حسب مرادات
فهذا املثال َّ
القرآن وسياقات حديثه ،وهو منهج يستردم يف مناهج التفسري مجيعا.
س َوالطَِّْري فَه ْم ي َ
وزعو َن" .آية اإلنْ ِ ففي سورة النمل قال تعاىلَ " :وح ِشَر لِسلَْي َما َن جنوده ِم َن ْ
اجلِ ِّن َو ِْ
رقم . 22 :هل هناك داع هنا للرالف حول عدد اجليش الذي سرره اهلل تعاىل لسليمان؟ أم أنه يكفينا
أن نعلم أن اهلل -تعاىل -قد سرر لسليمان جندا من اجلن واإلنس والطري ،إال أن عدد هؤالء اجلنود
مرد علمه إىل اهلل -تعاىل -وحده ،وإن كان التعبري القرآين يشعر بأن هؤالء اجلند اجملموعني ميثلون مركبا
عظيما ،وحشدا كبريا؟.
65
ِ
ويف اآلية بعدها قوله تعاىلَ " :ح َّىت إِ َذا أَتَ ْوا َعلَى َواد الن َّْم ِل قَالَ ْ
ت َْلَة يَا أَيُّ َها الن َّْمل ْادخلوا
َم َساكِنَك ْم َال َْحي ِط َمنَّك ْم سلَْي َمان َوجنوده َوه ْم َال يَ ْشعرو َن" .هل حنن حباجة ملعرفة ما إذا كانت النملة
ذكرا أم أنثى؟ أم أنه يكفينا أن نعلم أن اهلل تعاىل أوحى هلذه النملة بقدرته وجعلها سببا يف إنقاذ أمتها،
وأن اهلل تعاىل علم سليمان منطق هذه احلشرات ،وتعامل معها مبا علمه اهلل تعاىل إياه؟ .وهلذا قال
بالتعرض السم النملة ،وملا ذكر من الشوكاين يف فتح القدير" :وال يتعلق مبثل هذا كثري فائدة ،وال ّ
القصص املوضوعة ،واألحاديث املكذوبة"(.)1
ويف وجوه عدم استحسان اخلوض فيما ليس حتته عمل يقول الشاطيب :وبيان عدم االستحسان
فيه من أوجه متعددة:
-منها :أنه شغل عما يعين من أمر التكليف الذي طوقه املكلف مبا ال يعين ،إذ ال ينبين على
ذلك فائدة؛ ال يف الدنيا ،وال يف اآلخرة ،أما يف اآلخرة؛ فإنه يسأل عما أمر به أو هني عنه ،وأما يف
الدنيا؛ فإن علمه مبا علم من ذلك ال يزيده يف تدبري رزقه وال ينقصه...
-ومنها :أن الشرع قد جاء ببيان ما تصلح به أحوال العبد يف الدنيا واآلخرة على أمت الوجوه
وأكملها ،فما خرج عن ذلك قد يظن أنه على خالف ذلك ،وهو مشاهد يف التجربة العادية؛ فإن عامة
املشتغلني بالعلوم اليت ال تتعلق هبا ْثرة تكليفية تدخل عليهم فيها الفتنة واخلروج عن الصراط
املستقيم"(.)2
ويقرر اإلمام حممد رشيد رضا أن هناك روايات موضوعة وآثارا كثرية وقضايا أخرى جيب
وء َح ِّظ استبعادها؛ ألهنا تصرف املفسر أو الناظر يف القرآن عن مقاصده وهداياته ،يقولَ :كا َن ِمن س ِ
ْ
اص ِد الْ َعالِيَ ِةَ ،وا ْهلِ َدايَِة َّ
الس ِاميَ ِة ،فَ ِمْن َها َن أَ ْكثَر ما كتِب ِيف التَّ ْف ِس ِري ي ْشغَل قَا ِرئَه عن ه ِذهِ الْم َق ِ
َْ َ َ َ َ ني أ َّ َ َ
ِِ
الْم ْسلم َ
انَ ،وِمْن َها َما ات الْب ي ِ ت الْمع ِاين ومصطَلَح ِ ِ ِِ ِِ ِ ِ ِ
اإل ْعر ِ
ََ َّح ِوَ ،ون َك َ َ َ ْ َ اب َوقَ َواعد الن ْ َما يَ ْشغَله َع ِن الْق ْرآن مبَبَاحث ْ َ
ت ات الْف َقه ِاء الْم َقلِّ ِدين ،وتَأْ ِو َيال ِ ات ْاألصولِيِّني ،واستِنْباطَ ِ يصرفه عْنه ِجب َد ِل الْمت َكلِّ ِمني ،وَفْ ِرجي ِ
َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َْ َ َ
ِ ِ
ضَ ،وبَ ْعض َها يَْلفته َعْنه بِ َكثْ َرِة ِّ ب بع ِ ِ صِ ِِ الْمت ِ
الرَوايَاتَ ،وَما ض َها َعلَى بَ ْع ك ب الْفَرق َوالْ َم َذاه ِ َ ْ نيَ ،وتَ َع ُّ
ص ِّوف َ
ََ
آن ه َو َما يوِرده ِيف ي صا ِرفًا آخر ع ِن الْقر ِ اإلسرائِيلِيَّ ِِ ِ م ِزج ِِ ِ
ََ َ ْ الرا ِز ُّ َاتَ ،وقَ ْد َز َاد الْ َف ْرر َّ ت به م ْن خَرافَات ْ ْ َ َ ْ
احل ِادثَِة ِيف الْ ِملَّ ِة علَى ما َكانَت علَي ِه ِيف عه ِدهِ، ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َْ ْ َْ َ َ
ِ تَ ْف ِس ِريه م َن الْعلوم ِّ
الريَاضيَّة َوالطَّبِيعيَّة َو َغ ِْريَها م َن الْعلوم َْ
ِ
( )1فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير .1011 :محمد بن علي الشوكاني .دار
المعرفة .بيروت .الطبعة الرابعة1028 .هـ2001 .م.
( )2الموافقات.10-19 /1 :
66
ص ِر َوف نونِِه ِ اص ِرين بِِإير ِاد ِمثْ ِل َذلِ َ ِِ َّ ِِ ِ ِ ِِ
ك م ْن علوم َه َذا الْ َع ْ َكا ْهلَْيئَة الْ َفلَكيَّة الْيونَانيَّة َو َغ ْريَهاَ ،وقَل َده بَ ْعض الْم َع َ َ
ض الس َم ِاء َو ْاأل َْر ِ
اسبَ ِة َكلِ َم كة م ْفَرَدةك َك َّ ِ ِ ِ ِ
يما ي َس ِّميه تَ ْفس َري ْاآليَة فص ًوال طَ ِويلَةً مبنَ َ
ِ ِِ ِ ِ
الْ َكث َرية الْ َواس َعة ،فَه َو يَ ْذكر ف َ
َجلِ ِه الْق ْرآ َن(.)1 ِ ات و ْ ِ
احلَيَ َوان ،تَص ُّد قَا ِرئَ َها َع َّما أَنْ َزَل اهلل أل ْ
ِ ِ ِ
م ْن علوم الْ َفلَك َوالنَّبَ َ
ِ
كما أن الشيخ رشيد رضا ينفي كذلك أن تكون التواريخ وضبطها مما يهتم به القرآن ،قال" :بَيَّ نَّا
اص ِد الْقر ِ
آن"(.)2 ط وقَائِعِ ِه وأ َْزِمنَتِها وأَم ِكنَتِها لَيس ِمن م َق ِ اث التَّا ِر ِ ِمَر ًارا أ َّ
ْ َ َ َْ َ ْ َ ْ َ ضْب َ َ
يخ َو َ َح َد َ
َن أ ْ
( )1تفسير القرآن الحكيم المسمى (تفسير المنار) .8 /1 :الهيئة المصرية العامة للكتاب .القاهرة1990 .م.
( )2تفسير القرآن الحكيم المسمى (تفسير المنار).80 /12 :
67
ذلك حتت قوله { َخ ْرياً َكثِرياً} ،فاحلكمة وإن كانت علما اصطالحيًّا وليس هو متام املعا لآلية إال أن
معا اآلية األصلي ال يفوت ،وتفاريع احلكمة تعني عليه.
ني ْاألَ ْغنِيَ ِاء ِمْنك ْم} [احلشر ]2 :تفاصيل
وكذلك أن نأخذ من قوله تعاىل { َك ْي ال يَكو َن دولَةً بَ ْ َ
من علم االقتصاد السياسي وتوزيع الثروة العامة ،ونعلل بذلك مشروعية الزكاة واملواريث واملعامالت املركبة
من رأس مال وعمل ،على أن ذلك تومئ إليه اآلية إمياء.
وأن بعض مسائل العلوم قد تكون أشد تعلقا بتفسري آي القرآن ،كما نفرض مسألة كالمية
لتقرير دليل قرآين مثل برهان التمانع لتقرير معا قوله تعاىل {لَ ْو َكا َن فِي ِه َما ِآهلَة إَِّال اللَّه لََف َس َدتَا}
[األنبياء :من اآلية .]11
اها بِأَيْ كد} [الذريات :من اآلية
الس َماءَ بَنَ ْي نَ َ
وكتقرير مسألة املتشابه لتحقيق معا حنو قوله تعاىل { َو َّ
]42فهذا كونه من غايات التفسري واضح.
وج} [سورةَّاها َوَما َهلَا ِم ْن ف ر ك وكذا قوله تعاىل {أَفَلَم ي ْنظروا إِ َىل َّ ِ
اها َوَزيَّن َ
ف بَنَ ْي نَ َ
الس َماء فَ ْوقَه ْم َكْي َ َْ
ق ]1 :فإن القصد منه االعتبار باحلالة املشاهدة فلو زاد املفسر ففصل تلك احلالة وبني أسرارها وعللها
مبا هو مبني يف علم اهليأة كان قد زاد املقصد خدمة(.)1
أما اإلمام حممد رشيد رضا ،فيحبذ إدراج كل ما ميكن أن يعني على فهم القرآن ،وإدراك أغراض
اص ِط َال َحات ِ ِ ِ ِ ِ ِ
القرآن ،فيقول :إِ َّن أَ ْكثَ َر َما ذكَر م ْن َو َسائ ِل فَ ْه ِم الْق ْرآن ف نون الْ َعَربِيَّةَ ،ال ب َّد مْن َهاَ ،و ْ
ك مع ِرفَة الْ َكو ِن وسنَ ِن اهللِ ِ ِِ اصة بِالْقر ِ ول وقَو ِ
ِ
ْ َ َّح ِو َوالْ َم َع ِاينَ ،وَك َذل َ َ ْ ضروِريَّة أَيْ ً
ضاَ ،ك َق َواعد الن ْ آن َ اخلَ َّ ْ اعده ْ ْاألص َ َ
آن(.)2
ك يعِني علَى فَه ِم الْقر ِ
َ ْ ْ
ِ ِ
تَ َع َاىل ف ِيه -ك ُّل ذَل َ
وينبغي يف هذا السياق ضبط احلديث عما يسمى "اإلعجاز العلمي يف القرآن"؛ خدمة لتفسريه،
فال يكون إال بشروطه وضوابطه ،فإذا استردمناه جتلية لبعض املعاين ،وتثبيتا وترسيرا لبعض املقاصد
القرآنية فينبغي أن يكون بال إفراط وال إغراق ،فاإلغراق يف التفسري العلمي وحشوه بتفصيالت العلوم ال
ريب أنه خيرجنا من نطاق التفسري ،ويشغل القراء عن مقاصد القرآن ،ورمبا يصدهم عن التفسري نفسه.
وهكذا يضيف اإلمامان ابن عاشور ورشيد رضا ما يعزز املقصد ويقويه ،وينظم العمل التفسريي
وفق مقاصده ،ويفيد يف حسن الفهم ويبنيه ،وإن مل يكن له صلة مباشرة بعلوم التفسري ،أو كان من
68
العلوم التجريبية العلمية الطبية وغريها ،مما هو ثابت علميًّا ،وبشروط التفسري العلمي؛ حىت ال نسيء من
حيث أردنا اإلحسان ،ونعطي ما ال ثبات له صفة الثبات ،وما ال صحة له صفة الصحة أو الصواب.
( ) 1قال اإلمام الشاطبي" :إن الكتاب قد تقرر أنه كلية الشريعة ،وعمدة الملة ،وينبوع الحكمة ،وآية الرسالة،
ونور األبصار والبصائر ،وأنه ال طريق إلى اهلل سواه ،وال نجاة بغيره ،وال تمسك بشيء يخالفه" .الموافقات:
.100/0طبعة دار ابن عفان.
( )2فقه السيرة ،99 :و .01محمد الغزالي السقا .دار القلم .دمشق .الطبعة األولى1021 .هـ.
69
وإذا كان هذا موضع القرآن من السنة ،ومكان السنة من القرآن فإن هذا يؤسس -أو أسس
بالفعل – لتقدمي فهم القرآن على السنة ،ولن نفهم القرآن إال بفهم مقاصده والوقوف على غاياته
وأغراضه.
وإذا كان فهم القرآن الكرمي على هذا النحو بفهم مقاصده سيسددنا يف فهم السنة ،ويقيم
تفكرينا فيها بشكل صحيح فإن هذا سينعكس كذلك على الفقه اإلسالمي وأحكامه واالجتهاد فيها
ويف نوازله ومستجداته.
ذلك ،أن القرآن الكرمي هو الذي يقدم التصور الرئيس للشرع الشريف وقضاياه مبا هو كتاب
الكتب ودليل األدلة ،وأنه حيتوي على آيات أحكام تزيد على اخلمسمائة آية كما قرره أهل التفسري
الفقهي ،وهذه اآليات الفقهية هلا امتدادات حاكمة يف أبواب الفقه اإلسالمي مجيعا ،ومن شأن فهم
القرآن يف ضوء مقاصده اليت قررها أن ينعكس ذلك على آيات األحكام ،ومن مث سيكون لذلك تأثري
وترشيد وتسديد يف فهم األحكام الفقهية ،وإقامة القرآن الكرمي بآيات أحكامه يف ضوء مقاصده ملوضوع
مرجعا وموئال للمجتهد والفقيه يرجع إليه ويصدر عنه وينطلق منه ويعول عليه.
ما ً
والذي أراه – بعد ذلك أيضا – أن فهم القرآن الكرمي وآيات أحكامه يف ضوء مقاصد القرآن
سوف جيدد فهم الفقه اإلسالمي ،ورمبا مينحنا منهجية جديدة يف تناول األحكام الفقهية ،وحيل لنا
إشكاالت قائمة يف كتب الرتاث مل يسرتشد بعضها مبقاصد القرآن يف موضوعاته الفقهية ،كما أنه
سوف يقصر الطريق أمامنها يف الوصول ألحكام شرعية للمستجدات والنوازل.
من أجل هذا دعوت وأدعو إىل كتابة مشروع حبثي آخر غري التفسري املقاصدي ،يتضمن البحث
يف موضوعات آيات األحكام واستنباط مقاصدها موضوعيًّا من خالل حصرها وتتبعها يف القرآن
الكرمي ،وهذا مشروع سيكون له أثر ملحوظ يف جتديد الفهم للقرآن الكرمي ،وتسديد الفهم للسنة
النبوية ،وترشيد الفهم جملاالت الفقه املتعلقة وامللحقة بآيات األحكام وموضوعاهتا ،وجتويد االجتهاد يف
النوازل واملستجدات التابعة هلا.
71
مسارها ،وتقييم وظائفها؛ كي تستعيد هذه العلوم عافيتها ،وجتدد نشاطها ،وتؤدي وظائفها ،وحتقق
غاياهتا ومقاصدها.
ولن يكون هذا إال من خالل رفع مقاصد هذه العلوم ،واالحتكام إليها ،وعلى رأسها مقاصد
القرآن نفسه اليت جيب أن حناكم مقاصد العلوم إليها ،فإن كان بينهما متازج وبعضها يسلم إىل بعض
كان هبا ،وإال فهي حتتاج إىل مراجعة إلعادة صفها يف مكاهنا الصحيح؛ كي تؤدي وظيفتها وحتقق
مقاصدها.
فعلوم العربية والبالغة اليت نشأت خلدمة القرآن إذا مل تقم على جتلية جوانب العظمة يف أساليب
القرآن وتعبرياته ،وطريقة نظمه وسبكه ،وبيان إعجازه البالغي واللغوي ،فينبغي أن يعاد النظر يف هذه
العلوم ومنهجية تناوهلا.
ويف القلب من هذه العلوم علم التفسري ،إذا مل يكن قائما اآلن على جتلية مقاصد القرآن ،وبيان
هداياته ،وإبراز أنواره ،كي تفيد منها األمة ،فينبغي أن يراجع العلماء هذا العلم ويقوم املترصصون على
جتديده الستلهام وظيفته.
وهلذا اجته ك ثري من علماء التفسري يف هذا العصر إىل التفسري املوضوعي؛ وذلك إلبراز إعجاز
القرآن على وجه يالئم العصر احلديث؛ ألن القرآن الكرمي فيه من مشول املوضوعات ما ميكن أن يرد
تكون رؤية القرآن فيه كاملة.
على ذهن العامل ،وألن كل موضوع حني جنمعه ّ
وألن من فوائد هذا التفسري تلبية حاجة األمة يف هذا العصر ،والقرآن موضوعاته متسعة تقوم
بتلبية كل ما يريده املسلمون خاصة ،واإلنسانية عامة(.)1
حاكما هلذه العلوم يف
معيارا ً
وإذا كانت مقاصد القرآن جتدد مقاصد العلوم ،ومقاصد العلوم تقوم ً
جتديدها ،وحتدد جوانب االهتمام فيها ،فإهنا أيضا تقوم ضابطًا لكل علم من هذه العلوم ،فهي حتدد
مساره ،وتقدم منه ما من حقه أن يتقدم ،وتؤخر ما من حقه أن يتأخر ،وتتوسع فيما جيب التوسع فيه،
وتضيق فيما ينبغي التضييق فيه ،وهتمل ما من حقه اإلمهال ،وحتيي ما من حقه اإلحياء ،وتدخل ما
خيدم الغايات واألهداف ،وتبعد ما ال فائدة فيه وال عمل حتته ..وهكذا فإن املقاصد القرآنية حني
مجيعا.
جنعلها َح َك ًما ،جتدد العلوم ،وفدم القرآن ،وتتجدد هبا علوم الدين والدنيا ً
()1راجع في فوائد التفسير الموضوعي :محاضرات في التفسير الموضوعي 90-21 :لشيخنا د .عبد الستار فتح
اهلل سعيد.
71
***
هذه من أهم املقاصد اليت جننيها من التعامل املقاصدي والنظر املقاصدي يف القرآن الكرمي ،ولعل
هناك مقاصد أخرى نستطيع الوقوف عليها عرب التأمل والتدبر والنظر املتأين هلذا املوضوع.
72
خاتمة
تبني لنا من هذه التطوافات يف موضوع التفسري املقاصدي للقرآن الكرمي أمهيته للمفسر ،وأمهيته
للمشتغلني بالعلوم اليت قامت حول خدمة القرآن الكرمي ،وحاول هذا البحث أن يقدم رؤية تأسيسية
يتأسس عليها هذا النوع أو املنهج واالجتاه من التفسري ،ببيان معناه ،وتوضيح عالقاته بأنواع التفسري
األخرى ،ومنزلة التفسري املقاصدي منها ،وذكر أنواعه ،وحتديد مقوماته ،ووضع ضوابطه ،وجتلية فوائده
وغاياته ،وهي فوائد مهمة للمشتغلني بعلوم القرآن عامة ،وعلوم التفسري خاصة.
وبقي أن يقوم هلذا املشروع ،مشروع التفسري املقاصدي للقرآن الكرمي ،نفر من الذين أقامهم اهلل
وشرفهم هبذه املنزلة وتلك املكانة ،ويقدموا لألمة ما خيدم رسالتها
تعاىل على خدمة هذا القرآن العظيمَّ ،
اقعا ال
يف هذا العصر ،وما حيقق هلا الريادة ،وما يعيدها ملنزلة الشهادة العاملني ،حقيقة ال ادعاء ،وو ً
توقعا.
ً
وال أملك يف هذا اخلتام إال أعتذر عما وقع من تقصري يف هذا البحث بآخر ما ذكره ابن
خلدون يف مقدمته ( .2124 /4حتقيق د .علي عبد الواحد وايف)؛ حيث قال وما أروع قوله! « :وقد
استوفينا من مسائله يعين طبيعة العمران وما يعرض فيه ما حسبناه كفاء له ،ولعل من يأيت بعدنا ممن
يؤيده اهلل بفكر صحيح وعلم مبني يغوص من مسائله على أكثر مما كتبنا ،فليس على مستنبط الفن
إحصاء مسائله ،وإ ا عليه تعيني موضع العلم وتنويع فصوله وما يتكلم فيه ،واملتأخرون يلحقون املسائل
من بعده شيئًا فشيئًا إىل أن يكمل ،واهلل يعلم وأنتم ال تعلمون» .ا.ه .
واحلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات،،،
73
سيرة ذاتية مختصرة للمهلللف
مواليد حمافظة كفر الشيخ جبمهورية مصر العربية2422/1/22 ،ه املوافق2222/1/12 :م.
المهللهالت واألنشطة:
74
أاد بن عبد الرزاق بن حممد آل إبراهيم العنقري ،والشيخ علي صغري زوبر األهدل اليمين ،والشيخ حممد إدريس بن حممد
املاحي املغريب الكتاين ،والشيخ زكريا بن أاد الطالب احلليب املكي ،والشيخ مولود خملص الراوي ،والشيخ قاسم بن إبراهيم
البح ر الق دميي احلس يين ،والش يرة نزه ة بن ت عب د ال ران الكت اين ،والش يخ د ب ن أا د مك ي ،والش يخ نظ ام يعق ويب،
والشيخ حممد أكرم الندوي ،والشيخ ذياب بن سعد الغامدي ،والشيخ د .وليد املنيسي ،والشيخ عبد الران بن عبد احلي
الكتاين ،وال شيخ عبد الوكيل بن عبد احلق اهلامشي ،والشيخ حممد بن علي املنصور الصنعاين ،والشيخ عبد الوهاب بن عبد
العزيز الزيد ،والشيخ عبد اجمليد اجلامي السيالكويت ،والشيخ عمر بن موفق النشوقايت ،والشيخ املعمر سليمان عبد اهلل أاد
الش ريف ،والش يخ د .فض ل ب ن عب د اهلل م راد ،والش يخ د .عل ي الق دميي ،والش يخ حمم د إدري س ب ن حمم د امل احي الكت اين،
والشيخ زكريا بن أاد الطال ب احلل يب املك ي ،والعالم ة القاض ي إب راهيم ب ن حمم د ب ن حس ن هن د األه دل ،والعالم ة املعم ر
مفيت الشافعية يف تركيا خليل بن عبد الكرمي كوننج ،وآخرون.
* كرمته وزارة األوقاف الكويتية عام 1224م باعتباره أحد الكتاب املتميزين يف ل ة ال وعي اإلس المي ،كم ا كرمت ه م ن
خالل املركز العاملي للوسطية أعوام 1222م1222 ،1222 ،1222 ،م ،إللقائه بعض احملاضرات والدورات لوفود
الدعاة من البالد اآلسيوية ،واإلفريقية ،واألوربية ،وبرنامج علماء املستقبل جلهوده يف الربنامج.
* شارك بورقات حبثية يف عشرات املؤمترات الدولية يف مصر وقطر واملغرب واجلزائر وتونس والكويت وعمان وتركيا.
*عضو عدد من املؤسسات والروابط واالحتادات العلمية العلمائية العاملية.
*عضو هيئة حترير يف عدد من اجملالت العلمية احمل ّكمة.
* عمل يف عدد من املراكز البحثية الفكرية والشرعية.
* ش ارك يف إع داد معلم ة القواع د الفقهي ة التابع ة جملم ع الفق ه اإلس المي – ج دة ،و"مدون ة األس رة" للملك ة العربي ة
الس عودية (مش روع تقن ني ك ل م ا خي ص األس رة يف ض وء الفق ه احلنبل ي والق وانني العربي ة الوض عية) ،و"موس وعة الفق ه
اإلباضي" اليت تشرف عليها وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية يف سلطنة عمان.
* نش رت ل ه الص حف واجمل الت ،واجمل الت احملكم ة ،ومواق ع اإلنرتن ت مئ ات املق االت واحل وارات واألحب اث يف الفق ه
واألصول ،والفكر والدعوة ،والرتبية ،وشئون األسرة ،وغريها.
* له عشرات االستشارات الفقهية والدعوية واإلميانية على موقع إسالم أونالين ،وموقع اإلسالم اليوم.
* ألق ى عش رات احملاض رات وال دورات العلمي ة يف مص ر والكوي ت وتركي ا وإيطالي ا وأملاني ا ح ول مقاص د الش ريعة والفك ر
املقاصدي وتفعيله يف العمل الدعوي والسياسي واملؤسسي.
* ك ان ض يفا يف قن وات فض ائية عديدي ة يف مئ ات احللق ات للح ديث ح ول موض وعات فكري ة وش رعية ومس تجدات
فقهية.
*أشرف على /وناقش عددا من رسائل املاجستري والدكتوراه.
*عضو حتكيم حبوث الرتقية لألساتذة يف عدد من اجلامعات.
* كتب مقدمات ألكثر من أربعني إصدارا بني كتب ورسائل علمية وموسوعات.
75
المهلللفات:
.2نظرية اجلرب يف الفقه اإلسالمي ،دراسة تأصيلية تطبيقية (رسالة ماجستري).
.1يف ظالل سيد قطب ،حملات من حياته وأعماله ومنهجه التفسريي.
.4احلرية الدينية ومقاصدها يف اإلسالم.
.4مشاركة املرأة يف العمل العام (التعريفات .الضوابط .املقاصد .الشبهات .التحديات .اذج للمشاركات .اجملاالت.
األدوار املعينة).
.2احملاوالت التجديدية املعاصرة يف أصول الفقه ،دراسة حتليلية.
.1رعاية املقاصد يف منهج القرضاوي.
.2كلمات يف صناعة الداعية الفقيه.
.2منهج الشيخ حممد الغزايل يف تناول مسائل العقيدة.
.2أمهية القرآن يف حياة املسلم.
.22أسس التعامل مع القرآن الكرمي (وهو الكتاب الذي بني ييديك).
.22حمفوظ حنناح .رمز اإلسالم املعتدل يف اجلزائر.
.21اجلهاد يف سبيل اهلل ...مقاصد وآثار.
.24معامل الوسطية يف الوقاية من العنف والتطرف.
.24القرضاوي اإلمام الثائر ،دراسة حتليلية أصولية يف معامل اجتهاده للثورة املصرية.
.22مقاصد األحكام الفقهية ،تارخيها ووظائفها الرتبوية والدعوية.
.21الوحدة الوطنية يف اإلسالم :مفهومها .ضوابطها .مقاصدها.
.22بيان غري املسلمني لدينهم يف تمعات املسلمني بني اجلواز واملنع.
.22حفظ األسرة يف اإلسالم ،قراءة يف ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها.
.22املقاصد اجلزئية :ضوابطها .حجيتها .وظائفها .أثرها يف االستدالل الفقهي (رسالة دكتوراه).
.12اآلراء األصولية للدكتور حممد عمارة .قراءة حتليلية نقدية.
.12أحكام الشريعة بني التعبد والتعليل ،قراءة أصولية يف حتقيق أقوال العلماء.
.11القوة يف السياسة الشرعية .عناصرها .ضوابطها .مقاصدها.
.14مقدمات أصولية يف ضبط العمل الثوري وترشيده.
.14حنو تفسري مقاصدي للقرآن الكرمي .رؤية تأسيسية.
.12الفنون ومقاصدها يف اإلسالم :القرضاوي وذجا.
.11رؤى مقاصدية يف أحداث عصرية .اجلزء األول.
" .12موسوعة الفقه اإلباضي" الكتاب اخلامس "الزكاة" ،منشورات وزارة األوقاف والشئون الدينية .سلطنة عمان.
.12مئوية الشيخ اإلمام حممد الغزايل .لدان باالشرتاك.
.12استقالل علم املقاصد مع وذج تطبيقي اجتماعي :ذبح البقر يف اهلند.
.42رؤى مقاصدية يف أحداث عصرية .اجلزء الثاين.
.42التكوين العلمي للعالمة الطاهر ابن عاشور ،روافده وأثره يف بناء العقلية اجملدِّدة.
.41رؤى مقاصدية يف أحداث عصرية .اجلزء الثالث.
.44النصوص الواردة يف قتال اليهود ،حماولة للفهم يف ظل التصور اإلسالمي.
.44سؤاالت علم املقاصد ،أجوبة املاضي واملستقبل.
.42تراثنا الروحي واالحتياجات املعاصرة لألمة ،أعمال كاملة ملؤمتر .حترير.
76
أهم المراجع
.2أثر املقاصد يف حصر اخلالف عند اإلمام الشاطيب .جنيبة رااين .خمرب الدراسات الشرعية .جامعة
األمري عبد القادر للعلوم اإلسالمية .قسنطينة .اجلزائر .العدد الرابع .صفر 2411ه /مارس 1222م.
.1إحكام األحكام شرح عمدة األحكام .تقي الدين أبو الفتح حممد بن علي بن وهب بن مطيع
القشريي ،املعروف بابن دقيق العيد .حتقيق :مصطفى شيخ مصطفى ،ومدثر سندس .مؤسسة الرسالة.
بريوت .الطبعة األوىل2411 .ه 1222 /م.
.4اإلحكام يف أصول األحكام .ابن حزم األندلسي .دار اآلفاق اجلديدة .ط .1بريوت ،وطبعة دار
احلديث .القاهرة .الطبعة األوىل2424 .ه .
.4األساس يف التفسري .سعيد حوى .دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع .القاهرة .الطبعة األوىل.
2422ه 2222 .م.
.2األشباه والنظائر على مذهب أيب حنيفة النعمان لزين الدين إبراهيم بن جنيم .دار الكتب العلمية.
الطبعة األوىل2422 .ه 2222 .م.
.1االعتصام .أليب إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطيب .ضبط نصه وقدم له وعلق عليه وخرج أحاديثه
مشهور بن حسن آل سلمان .مكتبة التوحيد .د .ط .د .ت.
.2إعالم املوقعني .حممد بن أيب بكر بن أيوب بن قيم اجلوزية .حتقيق طه عبد الرؤوف سعد .دار
اجليل.
.2أهداف كل سورة ومقاصدها يف القرآن الكرمي .د .عبد اهلل شحاتة .طبعة اهليئة املصرية العامة
للكتاب .القاهرة2221 .م.
.2البداية يف التفسري املوضوعي .د .عبد احلي الفرماوي .الطبعة الثانية2422 .ه 2222 -م.
.22الربهان يف علوم القرآن .بدر الدين حممد بن عبد اهلل بن هبادر الزركشي .حتقيق :حممد أبو الفضل
إبراهيم .دار إحياء الكتب العربية لعيسى الباَّب احلليب وشركائه .الطبعة األوىل 2421 .ه 2222 -م.
.22بيان املرتصر شرح خمتصر ابن احلاجب .مشس الدين أبو الثناء حممود بن عبد الران بن أاد
األصفهاين .حتقيق :د .حممد مظهر بقا .معهد البحوث العلمية وإحياء الرتاث اإلسالمي .مركز إحياء الرتاث
اإلسالمي .مكة املكرمة .الطبعة األوىل2421 .ه 2221/م.
.21التحرير والتنوير .حممد الطاهر ابن عاشور .الطبعة التونسية ،وطبعة بريوت1222 .م.
.24التصوير الفين يف القرآن .سيد قطب .دار الشروق .القاهرة .الطبعة السابعة عشرة2412 .ه .
1224م.
.24تفسري القرآن احلكيم املسمى (تفسري املنار) .اهليئة املصرية العامة للكتاب .القاهرة2222 .م.
77
.22التفسري املوضوع ي بني النظرية والتطبيق لصالح عبد الفتاح اخلالدي .دار النفائس .الطبعة الثالثة.
2444ه1221 .م.
.21التفسري املوضوعي للقرآن الكرمي .للشيرني أاد الكومي وحممد قاسم .الطبعة األوىل2421 .ه .
2221م.
.22تفسري آيات األحكام .شرح الشيخ حممد علي السايس .وحتقيق طه عبد الرؤوف سعد .املكتبة
األزهرية للرتاث1222 .م.
.22التناسق املوضوعي يف السورة القرآنية .إعداد حممد بن عمر بن سامل بازمول .د.ت .د.ت.
.22التوقيف على مهمات التعاريف .زين الدين عبد الرؤوف املناوي .عامل الكتب .القاهرة .الطبعة
األوىل2422 .ه 2222-م.
.12اجلامع ألحكام القرآن .أبو عبد اهلل القرطيب .حتقيق :هشام مسري البراري .دار عامل الكتب.
الرياض .اململكة العربية السعودية2414 .ه 1224 /م.
.12جهود األمة يف مقاصد القرآن الكرمي .د .أاد الريسوين .حبث شارك به يف املؤمتر العاملي األول
للباحثني يف القرآن الكرمي وعلومه بعنوان« :جهود األمة يف خدمة القرآن الكرمي وعلومه» ،أيام -22-22
21مجادى األول 2441ه املوافق 21-22-24أبريل 1222م ،مبدينة فاس اململكة املغربية.
.11الرسالة .اإلمام حممد بن إدريس الشافعي .دار الرتاث.
.14زاد املعاد يف هدي خري العباد .ابن قيم اجلوزية .مؤسسة الرسالة .بريوت .مكتبة املنار اإلسالمية.
الكويت .الطبعة السابعة والعشرون2422 .ه 2224/م.
.14سنن ابن ماجه .ابن ماجه القزويين.
.12سنن أيب داود .أبو داود السجستاين.
.11صحيح ابن حبان .اإلمام ابن حبان.
.12صحيح البراري .اإلمام حممد بن إمساعيل البراري.
.12صحيح مسلم .اإلمام مسلم بن احلجاج.
.12علم مقاصد السور .د .حممد الربيعة .الطبعة األوىل2414 .ه 1222 .م.
.42فتح القدير اجلامع بني فين الرواية والدراية من علم التفسري .حممد بن علي الشوكاين .دار املعرفة.
بريوت .الطبعة الرابعة2412 .ه 1222 .م.
.42الفكر املقاصدي قواعده وفوائده .د .أاد الريسوين .دار اهلادي .بريوت .الطبعة األوىل.
2414ه 1224 .م.
.41يف ظالل القرآن .سيد قطب .سيد قطب .دار الشروق .القاهرة.
.44فيض القدير شرح اجلامع الصغري من أحاديث البشري النذير .حممد عبد الرؤوف املناوي .ضبطه
وصححه أاد عبد السالم .دار الكتب العلمية .بريوت .لبنان2422 .ه 2224/م.
78
.44القاموس احمليط .د الدين أيب طاهر حممد بن يعقوب بن حممد بن إبراهيم بن عمر الشريازي
الفريوزابادي.
.42قواعد األحكام يف مصاحل األنام .حتقيق :حممود بن التالميذ الشنقيطي .دار املعارف .بريوت.
لبنان .بدون تاريخ .وطبعة مؤسسة الريان.
.41قواعد الفقه حملمد عميم اإلحسان الربكيت .دار الصدف ببلشرز .كراتشي .الطبعة األوىل.
2422ه 2221 .م.
.42لسان العرب البن منظور األفريقي .دار صادر .بريوت .الطبعة الثالثة2424 .ه .
.42موع الفتاوى .تقي الدين أبو العباس أاد بن عبد احلليم بن تيمية احلراين .حتقيق :أنور الباز -
عامر اجلزار .دار الوفاء .املنصورة .الطبعة الثالثة 2411 .ه 1222 /م.
.42حماضرات يف التفسري املوضوعي .لشيرنا د .عبد الستار فتح اهلل سعيد .دار النداء .اسطنبول.
الطبعة األوىل1224 .م.
.42احمليط يف اللغة .إمساعيل بن عباد بن العباس ،أبو القاسم الطالقاين ،املشهور بالصاحب بن عباد.
.42مدارج السالكني بني منازل إياك نعبد وإياك نستعني .حممد بن أيب بكر أيوب الزرعي ،أبو عبد
اهلل .حتقيق :حممد حامد الفقي .دار الكتاب العريب .بريوت .الطبعة الثانية2424 .ه 2224 /م.
.41املدخل إىل التفسري املوضوعي .لشيرنا الدكتور عبد الستار فتح اهلل سعيد.
.44مدخل إىل مقاصد الشريعة .د .أاد الريسوين .دار األمان بالرباط .ودار السالم بالقاهرة .الطبعة
األوىل2442 .ه 1222 .م.
.44املستدرك .احلاكم النيسابوري.
.42مصابيح الدرر يف تناسب آيات القرآن الكرمي والسور .حبث للدكتور عادل بن حممد أبو العالء.
اجلامعة اإلسالمية باملدينة املنورة .العدد -212 :السنة 2412 - 42ه .
.41مصاعد النظر لإلشراف على مقاصد السور .برهان الدين البقاعي .حتقيق د .عبد السميع حممد
حسنني .مكتبة املعارف .الرياض .الطبعة األوىل2422 .ه 2222 .م.
.42املصباح املنري يف غريب الشرح الكبري .أاد بن حممد بن علي الفيومي مث احلموي.
سن اجليزاين .دار ابن اجلوزي.
حس ْني بن َح ْ
بن َ .42معامل أصول الفقه عند أهل السنة واجلماعةَّ .
حممد ْ
الطبعة اخلامسة2412 .ه .
.42معركة الوجود بني القرآن والتلمود .لشيرنا العالمة عبد الستار فتح اهلل سعيد .الطبعة الثانية.
2421ه .
.22معيار العلم يف فن املنطق .أليب حامد الغزايل .شرحه أاد مشس الدين .دار الكتب العلمية.
بريوت .لبنان .الطبعة الثانية1224 .م.
79
.22مقاصد األحكام الفقهية تارخيها ووظائفها الرتبوية والدعوية .د .وصفي عاشور أبو زيد .طبعة وزارة
األوقاف والشئون اإلسالمية بالكويت عدد ( )21من سلسلة روافد .الطبعة األوىل2444 .ه 1221م.
.21املقاصد اجلزئية ضوابطها حجيتها وظائفها أثرها يف االستدالل الفقهي .د .وصفي عاشور أبو زيد.
دار املقاصد .القاهرة .الطبعة األوىل2441 .ه 1222/م.
.24مقاصد الشريعة اإلسالمية .حممد الطاهر ابن عاشور .طبعة دار السالم.
.24مقاصد القرآن من تشريع األحكام .د .احلامدي .دار ابن حزم .بريوت .الطبعة األوىل.
2412ه 1222/م.
.22مقاصد املقاصد .د .أاد الريسوين .طبعة دار النداء .اسطنبول1224 .م
.21من تراث اإلمام البنا .الكتاب الثاين :التفسري .مجعة أمني عبد العزيز .دار الدعوة .اإلسكندرية.
الطبعة األوىل2411 .ه 1222 .م.
.22املوافقات .اإلمام الشاطيب .حتقيق :مشهور بن حسن آل سلمان .دار ابن عفان الطبعة :الطبعة
األوىل 2422ه 2222 /م.
.22النبأ العظيم نظرات جديدة يف القرآن الكرمي .د .حممد عبد اهلل دراز .دار الثقافة الدوحة.
2222م ،وطبعة أخرى اعتا به :أاد مصطفى فضلية .قدم له :أ .د .عبد العظيم إبراهيم املطعين .دار
القلم للنشر والتوزيع .طبعة مزيدة وحمققة 2411ه 1222 -م.
.22حنو تفسري سنين للقرآن الكرمي .د .رمضان مخيس زكي الغريب .دار املقاصد .القاهرة .الطبعة
األوىل1222 .م.
.12حنو تفسري موضوعي لسور القرآن الكرمي .حممد الغزايل .دار الشروق .القاهرة .الطبعة الرابعة.
2412ه 1222 .م.
.12نظرات يف الرتبية والسلوك .مقاالت حلسن البنا مجعها عصام تليمة.
.11نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور .برهان الدين البقاعي .حتقيق :عبد الرزاق غالب املهدي.
دار الكتب العلمية -بريوت – 2422ه 2222 .م.
.14هذا الدين .سيد قطب .دار الشروق .القاهرة .الطبعة السابعة عشرة2411 .ه 1222 .م.
81
فلرس الموضوعات
مقدمة
81
المبحث الثالث :مسالك الكشف عن مقاصد القرآن الكريم:
أوال :النص القرآني على المقصد:
ثانيا :االستقراء:
االستقراء مسلكا للكشف عن املقاصد العامة:
االستقراء مسلكا للكشف عن املقاصد اخلاصة:
االستقراء مسلكا للكشف عن مقاصد السور:
ثالثًا :االستنباط:
ابعا :تجارب علماء القرآن وجلودهم:
رً
82
المبحث السادس :فوائد التفسير المقاصدي للقرآن الكريم:
أوال :امتثاال ألمر اهلل تعالى ورسوله صلى اهلل عليه وسلم:
ثانيا :زيادة اإليمان واليقين بقيمة القرآن ومكانته واتباعه:
ثالثًا :حسن الفلم وتيسير الحفظ:
ابعا :تقليال للخالف بين المفسرين والتعصب عند المسلمين:
رً
معيارا للتحاكم في الفلم والتطبيق:
خامساً :
ً
سادسا :ترجيحا ألقوال المفسرين وآرائلم:
ً
استبعادا لما ال فائدة فيه:
ً سابعا:
ً
اجا لما فيه فائدة:
ثامنًا :إدر ً
تاسعا :ترشي ًدا لفلم السنة واالجتلاد في الفقه والتنزيل:
ً
عاشرا :تجدي ًدا للعلوم المنبثقة عن القرآن وضبطًا للا:
ً
خاتمة
سيرة ذاتية مختصرة للمهلللف
أهم المراجع
فلرس الموضوعات
83