You are on page 1of 24

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫دور القرآن في تعزيز حرية اإلنسان‬

‫حبث مقدم للمؤمتر العاملي السادس للدراسات القرآنية وتدبر القرآن الكرمي يف أوروبا‬

‫(منهج القرآن يف بناء اإلنسان)‬

‫والذي تقيمه األكادميية األوروبية للدراسات القرآنية‬

‫بالتعاون مع‬

‫مركز إقبال للدراسات اإلسالمية يف جامعة ليدز‬

‫ومركز الرتاث اإلسالمي الربيطاين يف مانشسرت‬

‫مركز الرتاث اإلسالمي الربيطاين مانشسرت‪7/7/2019-6 :‬‬

‫إعداد‬

‫أ‪.‬د‪ .‬حممد خازر اجملايل‬

‫أستاذ الدراسات القرآنية‬

‫كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية‪/‬جامعة قطر‬

‫‪1‬‬
‫امللخص‬

‫يدرس هذا البحث دور القرآن يف تعزيز حرية اإلنسان‪ ،‬وي\\أيت ض\\من المحور الثاني‪( :‬ج\\وانب بن\\اء اإلنس\\ان يف‬
‫الق\\رآن الك\\رمي)‪ ،‬فمح\\ور الرس\\الة ه\\و اإلنس\\ان ال\\ذي خلق\\ه اهلل وكرم\\ه وأم\\ره بعبادت\\ه وح\\ده واس\\تعمار األرض‪ ،‬وتع\\اين‬
‫البش \\رية من كث \\ري من اخلل \\ط يف املف \\اهيم‪ ،‬وجتنح إىل اإلحلاد وتش \\ويه ال \\دين من جدي \\د‪ ،‬واإلس \\الم حمور النق \\د‪ ،‬خاص \\ة يف‬
‫مسالة احلرية‪ ،‬فأحببت أن أبني دور القرآن يف بناء هذه احلرية وتعزيزها‪.‬‬

‫أم\\ا أهمية ه\\ذا املوض\\وع فه\\و من ج\\انبني‪ ،‬حيث بي\\ان ه\\ذا ال\\دور الق\\رآين يف أهم حق\\وق اإلنس\\ان‪ ،‬مث ال\\ذب عن‬
‫القرآن خصوص\ا واإلس\الم عموم\ا يف قيم\ة أساس\ية تزعمه\ا كث\ري من احلض\ارات‪ ،‬وهي ه\ذه احلري\ة املتف\ق على احرتامه\ا‪،‬‬
‫املختلف يف حتقيقها وتصورها‪.‬‬

‫ومن هن \\ا فأه داف البحث هي الكش \\ف عن ه \\ذا ال \\دور الق \\رآين يف تعزي \\ز احلري \\ة‪ ،‬ومعرف \\ة حماور ه \\ذه احلري \\ة‪،‬‬
‫واالطالع على موق \\ع احلري \\ة بني احلق\ \\وق اإلنس \\انية األخ \\رى ال \\يت ك \\رم اهلل هبا اإلنس \\ان‪ ،‬وبالت \\ايل هتدف إىل ال \\رد على‬
‫الشبهات اليت أثريت على القرآن واإلسالم يف موضوع احلرية وحقوق اإلنسان‪.‬‬

‫وقد اقتضت طبيعة البحث أن يكون هيكله يف مقدمة وثالثة مباحث وخامتة‪ ،‬كما يأيت‪:‬‬

‫املبحث األول‪ :‬موقع اإلنسان يف القرآن‬ ‫‪-‬‬


‫املبحث األول‪ :‬ربط القرآن حريَة اإلنسان بالغايِة من خلقه‬ ‫‪-‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬تعزيز القرآن ملبدأ احلرية‬ ‫‪-‬‬
‫اخلامتة‪ ،‬وفيها أهم نتائج الدراسة‬ ‫‪-‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬دور‪ ،‬القرآن‪ ،‬تعزيز‪ ،‬حرية‪ ،‬اإلنسان‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪2‬‬
The Qur’anic Role in Enhancing Human Freedom

By

Prof. Mohammad Khazer al-Majali

College of Shariah an Islamic Studies/Qatar University

Abstract

This paper aims at finding how the Qur’an is concerned with enhancing human freedom. The
pillar of the Islamic message is the Mankind, whom God Has created to worship Him alone, and to use
the earth in the way where he or she can fulfill the needs of this message.

Humanity nowadays suffers from mixing between concepts; it tends to Atheism and corrupting
religions again. Islam is not far from criticism, particularly in one of the greatest values, which form the
pillar of humanity: Freedom. Accordingly, I wish I could clarify how the Qur’an has built this freedom
and supported it.

The importance of the paper is from two sides: That the Qur’an has a great interest in Human
rights, and we need to refute all suspicions regarding freedom and human rights, which many
civilizations claim to have, but differ in understand and apply.

The aim of this paper is to clarify the Qur’anic role in enhancing freedom, to know its aspects,
its position between other rights, and to refute all suspicions raised against the Qur’an in this issue.

Accordingly, the paper includes a Preface about the human position in the Qur’an, then Section
1 about human freedom and its relationship with the aim of creating him as mentioned in the Qur’an,
and Section 2 about the human freedom is his real dignity, then the end with conclusions.

 Keynote words: Quran, freedom, enhancing, role, Mankind

3
‫المقدمة‬
‫ال شك أن جوهر رسالة اإلسالم هو حترير عبودية البشر لبعضهم‪ ،‬وتوجيهها ملن يستحقها‪ ،‬وهو اهلل سبحانه‪،‬‬
‫وال أبالغ إن قلت إن معظم القصص القرآين الذي حيكي حوار األنبياء مع أقوامهم هو لب هذه املسألة‪ ،‬كيف يتحررون‬
‫من قيود العبودية لغري اهلل‪ ،‬ومن التقليد األعمى الذي يلغون معه حرية التفكري واالختيار‪ ،‬وكيف حيققون تكرمي النفس‬
‫اإلنسانية‪ ،‬بأن تكون حرة عزيزة‪ ،‬ال قيود عليها إال مبا شرع اهلل سبحانه‪.‬‬

‫يكتسب البحث أمهيته وأهدافه من عنوانه‪ ،‬فاحلرية مطلب عاملي‪ ،‬وال بد من كشف حقيقة الدور القرآين يف‬
‫هذا الشأن‪ ،‬واإلسالم عموما مّتهم بأنه ضد احلرية‪ ،‬هكذا يشيع أتباع الفكر العلماين والليربايل‪ ،‬ظنا منهم أن اإلسالم‬
‫بتشريعاته يقيد اإلنسان وحيّد من حريته وإبداعه‪ ،‬فاختلط عندهم مفهوم احلرية‪ .‬والقرآن باعتباره مصدر اإلسالم األول‪،‬‬
‫قد بني بطريقة مباشرة وغري مباشرة موضوع احلرية‪ ،‬وأكدها‪ ،‬وبنّي جماالهتا‪ ،‬بل جعلها من آكد حقوق اإلنسان وأسس‬
‫تكرميه‪.‬‬

‫المبحث األول‬
‫موقع اإلنسان في القرآن‬
‫اإلنسان هو احملور الرئيس هلذا الدين‪ ،‬فهو املكلف بالعبادة‪ ،‬الذي أنيطت به مهمة اخلالفة‪" :‬وإذ قال ربك‬
‫للمالئكة إين جاعل يف األرض خليفة"‪( ،‬البقرة‪ ،)30:‬وهيأه اهلل حلمل األمانة‪" :‬إنا عرضنا األمانة على السماوات‬
‫واألرض واجلبال فأبني أن حيملنها وأشفقن منها‪ ،‬ومحلها اإلنسان إنه كان ظلوًم ا جهواًل "‪( ،‬األحزاب‪ ،)72:‬ومن هنا‬
‫فقد احتل موضوع اإلنسان حيًز ا كبًري ا يف القرآن الكرمي‪ ،‬ومسيت سورة من القرآن بامسه‪ ،‬وتنوعت املوضوعات الفرعية‬
‫اليت ناقشت وعرضت وعّر فت حبقيقة اإلنسان وموقعه وواجباته‪.‬‬

‫وملا كان اإلنسان هو املكلف‪ ،‬وهو املبتلى‪ ،‬وشاءت إرادة اهلل أن يرّتب الثواب أو العقاب على هذا االبتالء‬
‫العام على هذه األرض‪ ،‬كان من الضروري أن ييسر اهلل لإلنسان ما ينجيه من العذاب ويقوده إىل الثواب‪ ،‬فكانت‬
‫الرسائل السماوية هلذا اإلنسان‪ ،‬وكان الرسل وهم واسطة بني اهلل واإلنسان‪ ،‬وهبذا حسن االبتالء‪ ،‬وأقام اهلل احلجة على‬
‫البشرية‪.‬‬

‫ومنذ اللحظة اليت خلق اهلل فيها آدم‪ ،‬وأسجد له املالئكة‪ ،‬ومن طبيعة ما ُخ لق منه‪ ،‬وما أمره اهلل به وهناه‪ ،‬وما‬
‫هيأه له‪ ،‬كل ذلك يقودنا إىل الرتكيز على هذا اإلنسان‪ ،‬ما موقعه يف هذا الوجود‪ ،‬وما طبيعته‪ ،‬وما هي صلته بالكون‪،‬‬
‫وما هي صلته باهلل تعاىل‪ ،‬وما الذي بينه اهلل من حقائق حول إنسانية اإلنسان؟‬

‫‪4‬‬
‫ومن خالل النظرة األولية على آيات القرآن اليت تطرقت إىل موضوع اإلنسان يتبني لنا ما يلي‪:‬‬

‫أ‪ .‬هناك (‪ )25‬موضًعا ذكر فيه آدم‪ ،‬منها (‪ )7‬مواضع بلفظ (بين آدم)‪ ،‬وموضع واحد بلفظ (ابين آدم)‪،‬‬
‫وموضع واحد بلفظ (ذرية آدم)‪.‬‬
‫ب‪ .‬وهناك (‪ )18‬موضًعا بلفظ (اإلنس)‪ ،‬و (‪ )65‬موضًعا بلفظ (اإلنسان)‪ ،‬و (‪ )5‬مواضع بلفظ (أناس)‪،‬‬
‫وموضع واحد بلفظ (أناسي)‪ ،‬وموضع واحد بلفظ (إنسًيا)‪.‬‬
‫ج‪ .‬وهناك (‪ )26‬موضًعا بلفظ (بشر)‪ ،‬و (‪ )10‬مواضع بلفظ (بشًر ا)‪ ،‬وموضع واحد بلفظ (بشرين)‪.‬‬
‫د‪ .‬وهناك (‪ )182‬موضًعا بلفظ (الناس)‪.‬‬
‫فمجموع هذه اآليات كلها هو (‪ )334‬موضًعا‪.‬‬

‫الملحوظات العامة على هذه اآليات‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫جاءت كلمة (بشًر ا) أو (بشر) غالًبا يف مقابل احلديث عن املالئكة‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫جاءت كلمة (اإلنس) يف املواضع كلها مقرونة باحلديث عن اجلن‪ ،‬ومل تذكر إال يف السور املكية‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫اآليات املتعلقة بآدم حتدثت عن خلقه وسجود املالئكة له‪ ،‬وقصته يف اجلنة وما وصاه اهلل به‪ ،‬مث يف موقف‬ ‫‪.3‬‬
‫إبليس منه‪ ،‬ومعصية آدم وتوبة اهلل عليه وخروجه من اجلنة‪ ،‬وورد لفظ آدم يف سور مكية ومدنية‪ ،‬ويف املكية‬
‫أكثر‪.‬‬
‫أما اآليات املتعلقة ببين آدم فتحدثت عن تكرميهم وما شرع يف أمر سرت عوراهتم وحتذيرهم من الشيطان وأخذ‬ ‫‪.4‬‬
‫الزينة وموقفهم من املرسلني وتقسيم ذرية آدم إىل سعداء وأشقياء‪ .‬ولفظ (بين آدم) مل يذكر إال يف سور مكية‪.‬‬
‫غالب اآليات اليت حتدثت عن اإلنسان قد بينت مادة خلقه وحقيقة طباعه‪ ،‬وشيًئا من أخالقه وما وصاه اهلل به‬ ‫‪.5‬‬
‫من رعاية لوالديه‪ .‬ومعظم مواضع ذكر هذه الكلمة جاء يف السور املكية‪.‬‬
‫أما لفظ (أناس) فقد قصد منه جمموعة من الناس ال كلهم‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫أما لفظ (الناس) فقد جاء عاًم ا منوًعا‪ ،‬فتارة يقصد منه البشر مجيًعا‪ ،‬وتارة فئة من الناس وتارة فرًد ا واحًد ا‪ ،‬كل‬ ‫‪.7‬‬
‫ذلك حمدد حبسب السياق وسبب النزول إن وجد‪.‬‬
‫الموضوعات الفرعية لهذه اآليات‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫بعد الدراسة اإلمجالية هلذه اآليات (باستثناء اآليات اليت جاء فيها لفظ (الناس) فهي كثرية وعامة)‪ ،‬فيمكننا‬
‫تصنيفها إىل املوضوعات الفرعية اآلتية‪( :‬بيان خلق آدم وخلق ذريته‪ ،‬تكرمي اإلنسان وتفضيله وصلته بالكون‪ ،‬قصة آدم‬

‫‪5‬‬
‫وزوجه يف اجلنة‪ ،‬عداء الشيطان لإلنسان‪ ،‬بيان طبائع اإلنسان وأخالقه ومظاهر إنسانيته‪ ،‬وظيفة اإلنسان والغاية من‬
‫خلقه وموقعه يف الوجود)‪.‬‬

‫معنى اإلنسان‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫يقول الراغب األصفهاين‪" :‬اإلْنُس خالف اجلّن ‪ ،‬واإلنُس خالُف النفور‪ ،‬واإلْنسُّي منسوٌب إىل اإلْنس‪ُ ،‬يقاُل‬
‫ذلك ملن َك ُثر ُأْنُس ُه ولكِّل ما ُيؤَنُس به‪ ،‬وهلذا قيل إنسُّي الدابِة للجانِب الذي يلي الراكب‪ ،‬وإْنسُّي القْو ِس للجانِب الذي‬
‫ُيْق بُل على الرامي‪ ،‬واإلنسُّي مْن ُك ِّل شيٍء ما يلي اإلنساَن ‪ ،‬والوْح شُّي ما يلي اجلانَب اآلخَر له‪ ،‬وْمَجُع اإلْنِس أناِس ُّي ‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪" :‬وأناسَّي كثًريا"‪ ،‬وقيل اْبُن إْنِس َك للنْف س‪ ،‬وقوله عز وجل‪" :‬فإن آَنْس ُتْم ِم ْنُه ْم ُر ْشًد ا" أْي أْبَص ْر ْمُت أْنًس ا به‪،‬‬
‫وآَنْس ُت ناًر ا‪ ،‬وقوله‪َ" :‬ح ىَّت َتْس َتأِنُس وا" أي جتدوا إيناًس ا‪ ،‬واإلْنساُن قي ِّمُس بَذ لَك ألنُه ُخ ِلَق ِخ ْلَقًة ال ِقَو اَم َله إاَّل بإْنِس‬
‫َل َي‬
‫َبْع ِض ِه ْم بَبْع ٍض ‪َ ،‬و هلَذ ا قيل (اإلْنَس اُن َم َدٌّين بالّطْبِع ) ِم ْن َح ْيُث ال قواَم لبْعِض ِه ْم إال ببْع ٍض ‪َ ،‬و ال ْمُي ُنُه أْن َيُقوَم َجبميِع‬
‫ِك‬
‫‪1‬‬
‫أْسَبابه‪ ،‬وقيل ِّمُسَي بذلَك ألَّنُه يأنُس بكِّل ما يأَلُفه‪ ،‬وقيل ُه َو إفعالن وأصله (إنسيان) مسي بذلك ألنه عهد إليه فنسي"‪.‬‬

‫نلح \\ظ من التعري \\ف أن لف \\ظ (إنس \\ان) يعم الرج \\ل واملرأة‪ ،‬الص \\غري والكب \\ري‪ ،‬فه \\و ينظ \\ر إىل ب \\ين آدم من حيث‬
‫إنس\انيتهم وطبيع\\ة خلقتهم‪ ،‬وهك\ذا يس\ري الس\ياق الق\\رآين خماطًب ا ك\ل إنس\ان مبا يش\ده إىل احلقيق\\ة‪ ،‬حقيق\\ة احلي\اة وحقيق\\ة‬
‫التكليف وحقيقة العبودية‪ ،‬وحقيقة املآل الذي ينتظره‪.‬‬
‫خلق اإلنسان كما بينه القرآن‬ ‫‪-‬‬
‫هناك آيات كثرية بينت طبيعة خلق اإلنسان‪ ،‬ومن أي شيء ُخ لق‪ ،‬ويف هذه العجالة نركز احلديث عن هذه‬
‫املسألة فنقول إن القرآن حتدث عن اخللق يف حق آدم أواًل ‪ ،‬مث يف حق ذريته عليه السالم‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بآدم فقد ذكرت اآليات مراحل خلقه‪ ،‬وهي كما يلي‪:‬‬

‫خلقه من تراب (إن مثل عيسى عند اهلل كمثل آدم خلقه من تراب مث قال له كن فيكون‪ ،‬سورة آل عمران‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬
‫‪.)59‬‬
‫وبينت آيات أخرى خلقه من طني "إذ قال ربك للمالئكة إين خالق بشًر ا من طني"‪( ،‬ص‪" ،)71:‬فسجدوا إال‬ ‫ب‪.‬‬
‫إبليس قال ءأسجد ملن خلقت طيًنا"‪( ،‬اإلسراء‪ ،)61:‬والطني هو الرتاب واملاء املختلط‪ ،‬وأخرى بينت خلقه‬
‫من طني الزب "إنا خلقناهم من طني الزب"‪( ،‬الصافات‪ )11:‬أي متالصق متماسك‪.‬‬

‫املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬الراغب األصفهاين‪ ،‬احلسني بن حممد‪ ،‬ص‪.28:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪6‬‬
‫ج‪ .‬وبينت آيات أخرى خلقه من صلصال كالفخار "خلق اإلنسان من صلصال كالفخار"‪( ،‬الرمحن‪ ،)14:‬أو من‬
‫صلصال من محأ مسنون "إين خالق بشًر ا من صلصال من محأ مسنون"‪( ،‬احلجر‪" ،)28:‬قال مل أكن ألسجد‬
‫لبشر خلقته من صلصال من محأ مسنون"‪( ،‬احلجر‪ .)33:‬والصلصال هو الطني اجلاف‪.‬‬
‫وال يعين هذا أن يف القرآن تناقًض ا‪ ،‬فالعلماء على أن هذه مراحل َتَك ُّو ِن اخللق األول‪ ،‬فهو أصاًل من تراب‪ ،‬مث‬
‫‪1‬‬
‫أصبح طيًنا بعد مزجه باملاء‪ ،‬مث يبس فأصبح صلصااًل ‪ ،‬إىل أن نفخ اهلل فيه الروح‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بذريته فإن أول من ُخ لق بعد آدم من البشر كانت حواء‪ ،‬خلقها اهلل من ضلع آدم‪ ،‬فعن أيب‬
‫ُه ْي َة َر ِض ي الَّله َعْنه َقاَل ‪َ :‬قاَل َرُس وُل الَّلِه ‪" :‬اْس َتْو ُصوا ِبالِّن اِء َفِإَّن اْلَمْر َأَة ُخ ِلَق ْت ِم ْن ِض َلٍع َو ِإَّن َأْع َج َش ٍء يِف‬
‫َو ْي‬ ‫َس‬ ‫َر َر‬
‫ِء ‪2‬‬
‫الِّض َلِع َأْع اَل ُه َفِإْن َذَهْبَت ُتِق يُم ُه َك َس ْر َتُه َو ِإْن َتَر ْك َتُه ْمَل َيَز ْل َأْع َو َج َفاْس َتْو ُصوا ِبالِّنَس ا "‪.‬‬

‫وبعد ذلك كان اخللق من ماء خيرج من بني الصلب والرتائب‪ ،‬قال تعاىل‪" :‬فلينظر اإلنسان مم خلق‪ ،‬خلق من‬
‫ماء دافق خيرج من بني الصلب والرتائب"‪ ،‬أي من بني عظام الظهر والصدر‪ ،‬وورد ذكره بصيغة املاء املهني‪ ،‬واملين‪،‬‬
‫والنطفة‪.‬‬

‫ويف اآليات الكرمية اليت تبني اخللق كاماًل تبدأ إما باحلديث عن الرتاب أو عن الطني‪ ،‬وأوسع آية حتدثت عن‬
‫ِم‬ ‫ِث ِإ‬ ‫ِم‬ ‫ِإ‬
‫ذلك كانت تلك اليت يف سورة احلج‪ ،‬وهي قوله تعاىل‪َ" :‬يا َأُّيَه ا الَّناُس ْن ُك ْنُتْم يِف َر ْيٍب َن اْلَبْع َف َّنا َخ َلْق َناُك ْم ْن‬
‫ُتَر اٍب َّمُث ِم ْن ُنْطَف ٍة َّمُث ِم ْن َعَلَق ٍة َّمُث ِم ْن ُمْضَغٍة َخُمَّلَق ٍة َو َغِرْي َخُمَّلَق ٍة ِلُنَبَنِّي َلُك ْم َو ُنِق ُّر يِف اَأْلْر َح اِم َم ا َنَش اُء ِإىَل َأَج ٍل ُم َس ّم ًى َّمُث‬
‫ْخُنِر ُج ُك ْم ِط ْفًال َّمُث ِلَتْبُلُغوا َأُش َّد ُك ْم َو ِم ْنُك ْم َمْن ُيَتَو ىَّف َو ِم ْنُك ْم َمْن ُيَر ُّد ِإىَل َأْر َذِل اْلُعُم ِر ِلَك ْيال َيْع َلَم َمْن َبْع ِد ِعْلٍم َش ْيئًا‪،"..‬‬
‫(احلج‪.)5:‬‬

‫أما اليت يف الكهف فذكرت‪َ" :‬قاَل َلُه َص اِح ُبُه َو ُه َو َحُياِو ُر ُه َأَك َف ْر َت ِباَّلِذي َخ َلَق َك ِم ْن ُتَر اٍب َّمُث ِم ْن ُنْطَف ٍة َّمُث‬
‫َس َّو اَك َرُج ًال"‪( ،‬الكهف‪ 3.)37:‬واليت يف فاطر ذكرت‪َ" :‬و الَّلُه َخ َلَق ُك ْم ِم ْن ُتَر اٍب َّمُث ِم ْن ُنْطَف ٍة َّمُث َجَعَلُك ْم َأْز َو اجًا‪،"..‬‬
‫(فاطر‪.)11:‬‬

‫انظر سيد قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪.15-6/14 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب أحاديث األنبياء‪ ،‬رقم‪3153 :‬؛ صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الرضاع‪ ،‬رقم‪.1468 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ذكر اآللوسي عند تفسريه هلذه اآلية أن األصل هو الرتاب‪ ،‬وأن مادة اإلنسان القريبة هي النطفة‪ ،‬وذكر أثرا غريبا أنه ما من نطفة ق \\در‬ ‫‪3‬‬

‫اهلل تع \\اىل أن خيل \\ق منه \\ا بش \\را إال ومل \\ك موك\\ل هبا يلقي فيه \\ا قليال من ت\\راب مث خيل \\ق اهلل منه \\ا م \\ا ش \\اء من ذك\\ر أو أن\\ثى‪ ،..‬وه\\و أث\\ر‬
‫غريب‪ ..‬انظر تفسري اآللوسي‪.15/276 ،‬‬
‫‪7‬‬
‫واليت يف غافر ذكرت‪ُ" :‬ه َو اَّلِذ ي َخ َلَق ُك ْم ِم ْن ُتَر اٍب َّمُث ِم ْن ُنْطَف ٍة َّمُث ِم ْن َعَلَق ٍة َّمُث ْخُيِر ُج ُك ْم ِط ْفًال َّمُث ِلَتْبُلُغوا‬
‫َأُش َّد ُك ْم َّمُث ِلَتُك وُنوا ُش ُيوخًا َو ِم ْنُك ْم َمْن ُيَتَو ىَّف ِم ْن َقْبُل َو ِلَتْبُلُغوا َأَج ًال ُم َس ّم ًى َو َلَعَّلُك ْم َتْع ِق ُلوَن "‪( ،‬غافر‪.)67:‬‬

‫اليت يف احلج بينت التسلسل‪ ،‬فالرتاب ألبينا آدم‪ ،‬وما بعد ذلك فهو لذريته‪ ،‬فالبداية من النطفة‪ ،‬وبعد التقائها‬
‫وامتزاجها بالبويضة األنثوية تصبح نطفة أمشاج‪ ،‬وهي املذكورة يف قوله تعاىل‪ِ" :‬إَّنا َخ َلْق َنا اِإْل ْنَس اَن ِم ْن ُنْطَف ٍة َأْم َش اٍج‬
‫َنْبَتِليِه َفَجَعْلَناُه ِمَس يًعا َبِص ًريا"‪( ،‬اإلنسان‪ ،)2:‬والعلقة هي مرحلة من النمو حني تعلق البويضة امللقحة بعد مدة جبدار‬
‫الرحم‪ ،‬وبعد ذلك تكرب لتصبح حبجم املضغة‪ ،‬واملضغة شيء منها خيلق وآخر غري خملق‪ ،‬وهكذا إىل أن يصبح طفًال‪.‬‬

‫واآليات األخرى اقتصرت على أجزاء من هذا التسلسل‪ ،‬أما اآلية األخرى اليت فيها تفصيل فكانت يف سورة‬
‫املؤمنون‪ ،‬قال تعاىل‪َ" :‬و َلَقْد َخ َلْق َنا اإلنسان ِم ْن ُس الَلٍة ِم ْن ِط ٍني ‪َّ .‬مُث َجَعْلَناُه ُنْطَفًة يِف َقَر اٍر َم ِكٍني ‪َّ .‬مُث َخ َلْق َنا الُّنْطَفَة َعَلَقًة‬
‫َفَخ َلْق َنا اْلَعَلَقَة ُمْضَغًة َفَخ َلْق َنا اْلُم ْضَغَة ِعَظامًا َفَك َس ْو َنا اْلِعَظاَم ْحَلمًا َّمُث َأْنَش ْأَناُه َخ ْلقًا آَخ َر َفَتَباَر َك الَّلُه َأْح َسُن اَخْلاِلِق َني )‬
‫(املؤمنون‪ ،)14-12:‬فهي شبيهة بآية احلج‪ ،‬إال أهنا ذكرت الطني‪ ،‬وذكرت العظام‪ ،‬مث كسوة العظام حلًم ا‪.‬‬

‫فاآليات تبني اخللق من‪ :‬تراب (أو طني)‪ ،‬مث من نطفة‪ ،‬مث صارت علقة‪ ،‬مث صارت مضغة‪ ،‬مث صارت عظاًم ا‪ ،‬مث‬
‫كسيت العظام حلًم ا‪ ،‬مث كان خلًق ا آخر‪ ،‬طفاًل ‪ ،‬أو أزواًج ا‪ 1...‬وقد وردت كلمة (مضغة) يف القرآن مرتني‪ ،‬ووردت‬
‫كلمة (علقة) أربع مرات‪ ،‬و (علق) مرة واحدة‪ ،‬وكلمة (مّين ) مرة واحدة‪ ،‬وكلمة (نطفة) إحدى عشرة مرة‪.‬‬

‫صلة اإلنسان بالكون‪ :‬صلة انتفاع وتفكر‬ ‫‪-‬‬


‫لقد شاءت إرادة اهلل سبحانه أن يعيش آدم وذريته على هذه األرض‪" ،‬إين جاعل يف األرض خليفة"‪ ،‬وجعل‬
‫سبب نزوله من اجلنة ذلك الذنب الذي أذنبه هو وزوجه ا عصيا اهلل سبحانه‪ ،‬فأهبطه اهلل إىل األرض مسَتَق ًر ا ومتاًعا‬
‫ّمل‬
‫إىل حني‪ ،‬فبعد ذلك إما أن يرجع اإلنسان إىل الدار اليت أخرج منها‪ ،‬وهي اجلنة‪ ،‬وإما أن يكون مصريه النار‪ ،‬فهو مبتلى‬
‫على هذه األرض‪ ،‬واهلل ناظر ماذا سيقدم هذا اإلنسان لنفسه‪.‬‬

‫وتتميًم ا لوظيفة اإلنسان‪ ،‬يف اخلالفة والعبودية ومحل األمانة‪ ،‬فإن اهلل سخر له كل ما من شأنه أن يعينه على‬
‫وظيفته‪ ،‬فلم يرتكه يكابد ويشقى‪ ،‬ووضح له عالقاته املختلفة‪ ،‬إن كانت بنفسه من حيث الرعاية والعناية‪ ،‬أو بغريه من‬
‫البشر‪ ،‬أو مبا حوله من مظاهر كونية‪ ،‬أو باهلل سبحانه نفسه‪ ،‬حيث العبادة‪.‬‬

‫ومن هذه الصلة بالكون نفهم مسألة االنتفاع هبذا الكون‪ ،‬ومسألة التفكر فيه‪ ،‬وذلك يف أكثر من صورة‪:‬‬

‫انظر يف تفسريها‪ :‬البيضاوي‪ ،‬عبد اهلل بن عمر‪ ،‬أنوار التنزيل وأسرار التأويل‪.4/63 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ .1‬فهو انتفاع ضروري الستمرار احلياة‪ ،‬وذلك فيما أوجده اهلل من عناصر ضرورية للحياة‪ ،‬وال تستقيم احلياة‬
‫بدوهنا‪ ،‬من طعام وشراب وهواء‪.‬‬
‫‪ .2‬وهناك انتفاع فكري يقود إىل اإلميان‪" :‬سنريهم آياتنا يف اآلفاق ويف أنفسهم حىت يتبني هلم أنه احلق"‪( ،‬فصلت‪:‬‬
‫‪" )53‬إن يف خلق السماوات واألرض واختالف الليل والنهار آليات ألويل األلباب"‪( ،‬آل عمران‪.)190:‬‬
‫ففصل اهلل كثًري ا من أحوال السماوات واألرض وما فيهما‪ ،‬ومظاهر اجلبال والشمس والقمر والنجوم والشجر‬
‫وسائر املخلوقات‪ ،‬كل ذلك كي يعمل اإلنسان عقله ويتفكر ويتدبر‪ ،‬ويقوده ذلك إىل اإلميان احلق‪.‬‬
‫‪ .3‬وهناك السري يف األرض لالتعاظ والتدبر واالعتبار‪" 1،‬فسريوا يف األرض فانظروا كيف كان عاقبة املكذبني"‪،‬‬
‫(آل عمران‪.)137:‬‬
‫سخر اهلل هذا الكون من أجل خدمة اإلنسان‪ :‬ومما ذكر اهلل يف القرآن أنه سخره لإلنسان‪( :‬الشمس‪ ،‬القمر‪،‬‬
‫الفلك لتجري يف البحر بأمره‪ ،‬األهنار‪ ،‬الليل‪ ،‬النهار‪ ،‬البحر لتأكلوا منه حلًم ا طرًيا‪ ،‬ما يف السماوات وما يف األرض‪،‬‬
‫احليوانات لألكل والركوب‪ ،‬السحاب املسخر بني السماء واألرض‪ ،‬النجوم)‪ ،‬وبعض هذه مسخرة لإلنسان لالنتفاع‬
‫هبا بصورة مباشرة‪ ،‬وبعضها بصورة غري مباشرة‪ ،‬أو عن طريق االنتفاع الفكري الذي يقود إىل اإلميان‪ ،‬وأنِعم هبا من‬
‫نعمة‪.‬‬

‫ومن اآليات اجلامعة يف ذلك قوله سبحانه‪" :‬هو الذي جعل لكم األرض ذلواًل فامشوا يف مناكبها وكلوا من‬
‫رزقه وإليه النشور"‪( ،‬امللك‪ 2،)15:‬وقوله تعاىل‪" :‬اهلل الذي خلق السماوات واألرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به‬
‫من الثمرات رزًقا لكم‪ ،‬وسخر لكم الفلك لتجري يف البحر بأمره‪ ،‬وسخر لكم الليل والنهار‪ ،‬وسخر لكم الشمس‬
‫والقمر دائبني وسخر لكم الليل والنهار‪ .‬وآتاكم من كل ما سألتموه‪ ،‬وإن تعدوا نعمة اهلل ال حتصوها‪ ،‬إن اإلنسان‬
‫‪3‬‬
‫لظلوم كفار"‪( ،‬إبراهيم‪ ،)34-32:‬وغريها كثري‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬النسفي‪ ،‬أبا الربكات عبد اهلل‪ ،‬مدارك التنزيل وحقائق التأويل (تفسري النسفي)‪.184-1/183 ،‬‬
‫‪ 2‬انظر يف مظاهر تذليلها لإلنسان ما جاء عند الرازي‪ ،‬الفخر‪ ،‬مفاتيح الغيب (التفسري الكب\\ري)‪69-30/68 ،‬؛ البح\\ر احملي\\ط‪ ،‬أب\\و حي\\ان‬
‫األندلسي‪ ،‬حممد بن يوسف‪.301-8/300 ،‬‬
‫‪ 3‬ومن هذه اآليات ما جاء يف سورة النحل‪ ،‬وهي املعروفة بسورة (النعم) لكثرة ما ذكر اهلل من نعم على اإلنسان‪ ،‬فقد ذكر سبحانه فيها‬
‫خل\\ق الس\\ماوات واألرض‪ ،‬مث خل\\ق اإلنس\\ان من نطف\\ة ف\\إذا ه\\و خص\\يم م\\بني‪ ،‬مث خل\\ق األنع\\ام وم\\ا لن\\ا فيه\\ا من دفء ومن\\افع وأك\\ل وزين\\ة‬
‫ومحل وغريها من النعم‪ ،‬انظر اآليات‪( :‬النحل‪.)18-10:‬‬
‫‪9‬‬
‫فنلحظ من جمموع هذه اآليات أن التسخري كان هلدْيف ‪ :‬االنتفاع املادي‪ ،‬واالنتفاع الفكري الذي يقود إىل‬
‫‪3‬‬
‫العبودية احلقة هلل تعاىل‪ ،‬فإن كثًريا من اآليات ابتدأت بـ‪" :‬أومل ينظروا"‪ 1،‬والنظر هنا هو نظر استدالل‪ 2‬أو تفكر‪.‬‬

‫وكثرية هي الفواصل القرآنية اليت تنتهي بـ (لعلكم تذكرون)‪( ،‬لعلهم يتفكرون)‪( ،‬لعلكم تعقلون)‪( ،‬آليات‬
‫للعاِلمني)‪ ..‬اخل‪ .‬وهي تثري يف اإلنسان حواسه كاملة ليسخرها ويستخدمها يف الوصول إىل احلقيقة‪ ،‬ويهتدي إىل خالقه‬
‫سبحانه‪ ،‬فيشكر املنِعم املتفضل‪ ،‬ويؤدي حقوق العبودية كاملة‪.‬‬

‫ويف النهاية أشري إىل أن آيات القرآن وضحت كثًريا من جوانب إنسانية اإلنسان‪ ،‬فبدأت ببيان أصل خلقته‪،‬‬
‫وتركيبته‪ ،‬وتكرميه‪ ،‬وبينت كذلك شيًئا من صفاته اإلجيابية‪ ،‬مث شيًئا من صفاته السلبية‪ ،‬كل ذلك كي يراعى يف الرتبية‬
‫والتوجيه‪ ،‬فاإلنسان يبدأ طفاًل مث شاًبا مث رجاًل مث كهاًل مث شيًخ ا كبًريا‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وال بد من معرفة مميزاته وأحاسيسه‬
‫وعواطفه وطموحاته‪ ،‬كل ذلك بينه اهلل سبحانه عند احلديث عن اإلنسان‪ ،‬فمما جاء يف وصفه أنه ضعيف‪ ،‬يؤوس‬
‫كفور‪ ،‬ظلوم كفار‪ ،‬خصيم مبني‪ ،‬عجول‪ ،‬كفور‪ ،‬قتور‪ ،‬أكثر شيء جدال‪ ،‬جهول‪ ،‬هلوع‪ ،‬منوع‪ ،‬جزوع‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫إال أن هذه اجلوانب كلها ال حتط من قيمته‪ ،‬بل لبيان حقيقة تركيبته‪ ،‬فاإلنسان مكرم مفضل كما بينا‪ .‬ومن‬
‫واقعية اإلسالم أنه يتعامل مع اإلنسان كإنسان‪ ،‬فهو ال يعامله كمخلوق معصوم أو على أنه مالك‪ ،‬أو أن البشر مجيًعا يف‬
‫درجة واحدة من الصفات اإلجيابية‪ .‬ويف املقابل فال ينظر اإلسالم إىل اإلنسان على أنه حيوان‪ ،‬جيوز عليه كل ما جيوز‬
‫على احليوانات‪ ،‬ال‪ ،‬بل النظرة هي أن يف اإلنسان جانب الروح والتكرمي واملسؤولية‪ ،‬وفيه أيًض ا جانب الشهوة وامللذة‪،‬‬
‫فهو خليط من األمرين مًع ا‪ ،‬ولذا فقد بني القرآن هذه الصفات السلبية لإلنسان‪ ،‬واليت ظاهرها أهنا ذم له‪ ،‬وهي يف‬
‫احلقيقة أمور كي تراعى يف شخصيته‪.‬‬

‫إن إنسانية اإلنسان هي مقياس لتقدمه وارتقائه‪ ،‬تدعوه للتواضع يف جنب اهلل تعاىل‪ ،‬وتدعوه إىل العبادة احلقة له‬
‫تعاىل‪ ،‬وحتّم ل مسؤوليته‪ ،‬وتدعوه للشعور بالفخر واالعتزاز بعبوديته هلل تعاىل‪ ،‬وهذا كله جيعل اإلنسان يعلو على‬
‫مصاحله الشخصية ويضحي هبا يف سبيل اآلخرين‪ ،‬وهنا مكمن االرتقاء احلقيقي‪ ،‬والتقدم احلقيقي‪ .‬هذه اإلنسانية تدعوه‬
‫ليتعامل مع بين جنسه على أساس من االحرتام والتعاون‪ ،‬فاإلنسان اآلخر هو مثلي يف أصل خلقته‪ ،‬ومن جهة أخرى‬
‫فاإلنسان يأنس لبين جنسه‪ ،‬ولذلك مسي إنساًنا‪ .‬ويتحقق بذلك ارتقاء العنصر اإلنساين احرتاًم ا وتعاوًنا وتآلًف ا‪.‬‬

‫انظر‪ :‬زاد املسري البن اجلوزي‪.6/132 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر‪ :‬الزخمشري‪ ،‬حممود بن عمر‪ ،‬الكشاف‪ ،2/133 ،‬تفسري النسفي‪.2/88 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر‪ :‬البحر احمليط أليب حيان‪5/194 ،‬؛ تفسري أيب السعود‪.4/179 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪10‬‬
‫وال نبالغ إذا قلنا إن مقياس ارتقاء اإلنسان احلقيقي هو إنسانيته املرتبطة بأخالقه ومعرفة حقوقه وعدم جتاوزها‪،‬‬
‫إنه ليس املقياس املادي‪ ،‬والتطور العلمي والتكنولوجي‪ ،‬وال العمران والبنيان‪ ،‬وال الغىن واملظاهر اخلارجية‪ ،‬وصدق‬
‫رسول اهلل ‪ِ" :‬إَّن الَّلَه اَل َيْنُظُر ِإىَل ُصَو ِر ُك ْم َو َأْم َو اِلُك ْم َو َلِكْن َيْنُظُر ِإىَل ُقُلوِبُك ْم َو َأْع َم اِلُك ْم "‪ 1،‬وقدًميا قيل‪( :‬ليس كُّل ما‬
‫يلمُع ذهًبا)‪.‬‬

‫هذا احلديث عن إنسانية اإلنسان يقود إىل تفّه م ضرورة كونه حرا خمتارا‪ ،‬فأصل كون اهلل خلقه بالفطرة خمتارا‬
‫يدل باملنطق والضرورة على كونه حرا‪ ،‬وأي شيء يعيق كونه حرا فهو اعتداء على إنسانيته‪ ،‬وبالتايل وظيفته اليت خلقه‬
‫اهلل من أجلها‪ ،‬هذا األصل الذي يتفق وروح الشريعة اإلسالمية‪ ،‬بعيدا عن التشويه الذي أحدثته الطواغيت وسّنت‬
‫االستعباد الذي هيمن فرتات من الزمن‪ ،‬وهو أمر طارئ ال ينبغي له أن يسود‪ ،‬وهذا ما ترشد إليه آيات القرآن وشريعة‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬ربط القرآن حريَة اإلنسان بالغايِة من خلقه‬

‫خل \\ق اُهلل اإلنس \\اَن ليك \\ون خليف \\ة يف األرض‪ ،‬ولعبادت \\ه س \\بحانه‪ ،‬ومث \\ل ه \\ذه الغاي \\ات ال ش \\ك حتت \\اج أن يك \\ون‬
‫اإلنس\\ان ح\\را ليق\\وم مبهمت\\ه‪ ،‬ومن جه\\ة أخ\\رى فرم\\ز إنس\\انية اإلنس\\ان هي حقوق\\ه‪ ،‬وأهم حقوق\\ه هي حريت\\ه‪ ،‬وقب\\ل الب\\دء‬
‫باس\\تعراض ذل\\ك أع\ّر ف احلري\\ة باختص\\ار‪ ،‬فيق\\ول ابن منظ\\ور‪" :‬احلر بالض\\م نقيض العب\\د‪ ،‬واجلم\\ع أح\\رار وِح رار‪ ..‬واحلرة‬
‫نقيض األمة‪ ،‬واجلمع حرائر‪ ..‬وحرره أعتقه"‪ 2.‬وحبسب إعالن حقوق اإلنسان فهي‪" :‬ح\\ق الف\\رد يف أن يفع\\ل ك\\ل م\\ا ال‬
‫يض \\ر ب \\اآلخرين‪ ،‬وأن احلدود املفروض \\ة على ه \\ذه احلري \\ة ال جيوز فرض \\ها إال بق \\انون"‪ 3،‬ه \\ذا م \\ا ينبغي أن يفهم \\ه املس \\لم‬
‫خاصة يف الغرب الذي تشّو هت صورة اإلسالم فيه‪.‬‬

‫إن احلديث عن حري \\ة اإلنس \\ان يتطلب احلديث عن موقع \\ه يف الوج \\ود والغاي \\ة من خلق \\ه‪ ،‬إذ ال تس \\تقيم مهام \\ه‬
‫ودوره من دون حريته‪ ،‬فاحلرية هي رمز إنس\انية اإلنس\ان‪ ،‬وأدرس\ها هن\ا من حيث ارتباطه\ا ال\ذايت بغاي\ات خل\ق اإلنس\ان‬
‫والتص \\ور اإلس\\المي يف النظ\\رة إىل اإلنس\\ان والك\\ون واحلي\\اة‪ .‬وإن نظ\\رة س\\ريعة على اآلي\\ات ال\\يت حتدثت عن خل\\ق آدم‪،‬‬
‫وذاك احلوار بني اهلل واملالئك\\ة يف الغاي\\ة من خلق\\ه‪ ،‬لت\\بني لن\\ا حقيق\\ة م\\ا أراد اهلل من اإلنس\\ان‪ ،‬وبالت\\ايل تكرميه‪ ،‬ومن ل\\وازم‬
‫ه \\ذا التك \\رمي حريت \\ه ال \\يت هي رم \\ز إنس \\انيته‪ .‬وس \\أركز هن \\ا على مس \\أليت االس \\تخالف والتك \\رمي؛ واآلي \\ات فيهم \\ا كث \\رية‪،‬‬
‫سأبينها يف حينها‪.‬‬

‫رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب الرب والصلة واآلداب‪ ،‬برقم‪.4651 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫لسان العرب‪.4/181 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر النص عند ربيع‪ ،‬منيب حممد‪ ،‬ضمانات احلرية بني واقعية اإلسالم وفلسفة الدميقراطية‪ ،‬ص‪.22:‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪11‬‬
‫أما موضوع استخالف اإلنسان فقد ورد يف أكثر من موضع يف كتاب اهلل تعاىل‪ ،‬وابتداء فاملقصود من اخلالفة‬
‫كما يقول الراغب األصفهاين‪" :‬النيابة عن الغري‪ ،‬إما لغيبة املنوب عنه‪ ،‬وإما ملوته‪ ،‬وإما لعجزه‪ ،‬وإما لتشريف‬
‫املستخلف‪ ،‬وعلى هذا الوجه األخري استخلف اهلل أولياءه يف األرض‪ ،‬قال تعاىل‪َ" :‬و ُه َو اَّلِذ ي َجَعَلُك ْم َخ الِئَف اَأْلْر ِض‬
‫َو َر َفَع َبْع َض ُك ْم َفْو َق َبْع ٍض َدَرَج اٍت ِلَيْبُلَو ُك ْم يِف َم ا آَتاُك ْم ِإَّن َر َّبَك َس ِر يُع اْلِعَق اِب َو ِإَّنُه َلَغُفوٌر َر ِح يٌم"‪( ،‬األنعام‪،)165:‬‬
‫وقال‪ُ" :‬ه َو اَّلِذي َجَعَلُك ْم َخ الِئَف يِف اَأْلْر ِض َفَمْن َك َف َر َفَعَلْيِه ُكْف ُر ُه َو ال َيِز يُد اْلَك اِفِر يَن ُكْف ُر ُه ْم ِعْنَد َر ِهِّبْم ِإاَّل َم ْق تًا َو ال‬
‫َيِز يُد اْلَك اِفِر يَن ُكْف ُر ُه ْم ِإاَّل َخ َس اًر ا"‪( ،‬فاطر‪ ،)39:‬وقال‪َ" :‬و َيْس َتْخ ِلُف َر يِّب َقْو مًا َغْيَر ُك ْم "‪( ،‬هود‪ .)57:‬واخلالئف مجع‬
‫‪1‬‬
‫خليفة‪ ،‬وخلفاء مجع خليف‪ ،‬قال تعاىل‪َ" :‬يا َد اُو ُد ِإَّنا َجَعْلَناَك َخ ِليَفًة"‪( ،‬ص‪.)26:‬‬

‫وجاء لفظ (خليفة) يف القرآن مرتني‪ ،‬ففي املرة األوىل جاء مرتبًطا بقصة خلق آدم ‪ ،‬وهو قوله تعاىل‬
‫للمالئكة إين جاعل يف األرض خليفة‪ ،‬فهو متعلق بوظيفة اإلنسان العامة‪ ،‬وال عجب أن يأيت احلديث عنه يف أول سورة‬
‫بعد الفاحتة‪ ،‬وبعد احلديث عن صفات كل من املؤمنني والكافرين واملنافقني‪ ،‬وبعد األمر العام للناس بأن يعبدوا اهلل‬
‫الذي خلق وقدر‪ ،‬مث يأيت احلديث عن آدم والغاية من خلقه‪ ،‬يف ذلك احلوار الرائع بني اهلل سبحانه واملالئكة‪ ،‬والذي بني‬
‫شيًئا من طباع هذا اإلنسان‪ ،‬فأخربهم اهلل بأنه جاعل يف األرض خليفة‪ ،‬ولذلك رد املالئكة قائلني‪" :‬أجتعل فيها من‬
‫يفسد فيها ويسفك الدماء وحنن نسبح حبمدك ونقدس لك‪ ،‬قال إين أعلم ما ال تعلمون"‪( ،‬البقرة‪.)30:‬‬

‫وقد ذهب بعض العلماء إىل أن موضوع سورة البقرة الرئيس هو تلك التشريعات اليت شرعها اهلل ألمة اخلالفة‪،‬‬
‫وهي األمة اإلسالمية‪ ،‬وما متيزت به هذه األمة وشريعتها عن غريها من األمم اليت ارتضت عبادة غري اهلل أو أشركت‬
‫‪2‬‬
‫معه غريه‪ ،‬أو ختلت عن وظيفة اخلالفة‪.‬‬

‫ونلحظ ما تفوهت به املالئكة يف حوارها مع اهلل‪ ،‬إنه شيء من االستغراب لطبيعة ما سيفعله البشر‪ ،‬ويف املقابل‬
‫تأكيد على معىن العبودية اخلالصة اليت يقومون هبا‪ ،‬فهي إشارة واضحة إىل ما على البشر املؤمنني القيام به ضمن واجب‬
‫اخلالفة‪ ،‬أال وهو واجب العبودية احلقة هلل تعاىل‪ ،‬وهو الذي صرحت به اآلية من سورة الذاريات‪" :56:‬وما خلقت‬
‫اجلن واإلنس إال ليعبدون"‪ ،‬وهي األمانة أيًض ا‪ ،‬واليت ذكرها اهلل يف قوله سبحانه من سورة األحزاب‪" :72:‬إنا عرضنا‬
‫األمانة على السماوات واألرض واجلبال‪ ،‬فأبني أن حيملنها وأشفقن منها ومحلها اإلنسان إنه كان ظلوًم ا جهواًل "‪.‬‬

‫والراجح أن املالئكة إمنا علموا أن البشر سيفسدون يف األرض ويسفكوا الدماء من خالل ما أخربهم اهلل به‪،‬‬
‫فهناك كالم حمذوف دل عليه جواهبم‪ ،‬حذف كي ال يكون هناك تكرار‪ ،‬وأصل الكالم هو‪ :‬إين جاعل يف األرض‬

‫الراغب األصفهاين‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مادة (خلف)‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر‪ :‬سيد قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪.1/23 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪12‬‬
‫خليفة من شأنه أن يفعل كذا وكذا‪ .‬أما ما يقوله بعض العلماء من أن ذلك حصل هلم استنتاًج ا‪ ،‬أو مقارنة لبين آدم‬
‫‪1‬‬
‫باجلن املخلوقني قبل اإلنس‪ ،‬أو أن هناك بشًر ا قبل آدم كما يذهب إىل ذلك بعض العلماء فهي أقوال مرجوحة بعيدة‪.‬‬

‫أما املوضع الثاين لكلمة (خليفة) فقد جاء يف سورة (ص)‪ ،‬وذلك يف سياق احلديث عن قصة داود ‪ ،‬وما‬
‫وّج هه اهلل إليه من احلكم بني الناس باحلق‪" ،‬يا داود إنا جعلناك خليفة يف األرض فاحكم بني الناس باحلق وال تتبع اهلوى‬
‫فيضلك عن سبيل اهلل‪ ،‬إن الذين يضلون عن سبيل اهلل هلم عذاب شديد مبا نسوا يوم احلساب"‪( ،‬ص‪ .)26 :‬أما‬
‫املواضع األخرى اليت وردت فيها كلمة خليفة فكانت بصيغة اجلمع‪ ،‬كما بينت يف النقل عن األصفهاين‪ .‬ومن خالل ما‬
‫سبق يف موضوع االستخالف نلحظ هذا التنوع يف العرض‪ ،‬فهناك اخلالفة‪ ،‬والعبادة‪ ،‬ومحل األمانة‪ ،‬وكلها متعلقة‬
‫‪2‬‬
‫بتكرمي اإلنسان‪:‬‬

‫إن اخلالفة مشعرة بالتكرمي جلنس اإلنسان‪ ،‬فاهلل مل خيرت املالئكة وال اجلن هلذه املهمة‪ ،‬ومن هنا نفهم تعجب‬
‫املالئكة من هذا‪ ،‬ولكن اهلل ميز هذا اإلنسان مبا يؤهله للقيام باخلالفة‪ ،‬وهلذا أتبع سبحانه احلديث عن اخلالفة باحلديث‬
‫عن العلم‪ ،‬حيث قال‪" :‬وعلم آدم األمساء كلها‪( ،"..‬البقرة‪ .)31 :‬أما العبادة فهي مسألة يستوي فيها اإلنس واجلن‬
‫كما تبني اآلية من سورة الذاريات‪ ،‬ومل يكن هناك حديث عن استخالف اجلن‪ ،‬وهبذا نرى متيز اإلنسان هبذه العبودية‬
‫املبنية على االختيار والتكليف‪ ،‬ال كما هو احلال بالنسبة للمالئكة فهي خملوقة للعبادة أصاًل ‪ ،‬وال اختيار هلا‪ .‬أما األمانة‬
‫فهي القيام بالفرائض والطاعة‪ ،‬وتعم مجيع فروع الدين‪ ،‬وقد بينت اآلية انفراد اإلنسان هبذه املسألة الدالة على حتمل‬
‫املسؤولية‪ ،‬فهو وحده املؤهل حلمل األمانة‪.‬‬

‫أما عن موضوع التكرمي فهو واضح من خالل اآليات السابقة‪ ،‬ولعل أوضحها قوله سبحانه وتعاىل‪" :‬ولقد‬
‫كرمنا بين آدم ومحلناهم يف الرب والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثري ممن خلقنا تفضياًل "‪( ،‬اإلسراء‪،)70:‬‬
‫ففي اآلية تصريح بالتكرمي والتفضيل‪ .‬والتكرمي واضح من خالل حديثنا عن موضوع االستخالف أيًض ا‪.‬‬

‫وهناك اآليات األخرى اليت بينت تفضيل اإلنسان بالعلم‪ ،‬وجند أيضا سجود املالئكة آلدم‪ ،‬وهو سجود تقدير‬
‫وتفضيل وتكرمي ال سجود تعظيم وعبادة‪ 3.‬وأن اهلل خلقه يف أحسن تقومي‪ ،‬ومنها تسخري الكون له‪ ،‬ومنها أن جعله اهلل‬

‫انظ\\ر القرط \\يب‪ ،‬أب\\ا عب\\د اهلل حمم\\د األنص \\اري‪ ،‬اجلامع ألحك\\ام الق\\رآن‪1/274 ،‬؛ الش\\وكاين‪ ،‬فتح الق\\دير‪ ،1/122 ،‬حيث ِذك\\ر ه\\ذه‬ ‫‪1‬‬

‫األق \\وال‪ .‬ومن العجيب أن ي \\ذهب اإلم \\ام حمم \\د عب \\ده وتلمي \\ذه م \\ذهبا بعي \\دا يف تفس \\ري ه \\ذه اآلي \\ة املتحدث \\ة عن خل \\ق آدم واس \\تخالفه‪،‬‬
‫وخيالفان ما عليه مجهور املفسرين‪ ،‬انظر تفسري املنار‪.260-1/257 ،‬‬
‫ينظر‪ :‬نزال‪ ،‬عمران مسيح‪ ،‬أسس احلرية يف بناء اإلنسان واجملتمع والدولة‪ ،‬ص‪ 107 :‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر‪ :‬القرطيب‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪1/292 ،‬؛ تفسري املنار‪.1/265 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪13‬‬
‫خمتاًر ا‪" :‬ونفس وما سواها فأهلمها فجورها وتقواها‪ .‬قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها"‪( ،‬الشمس‪،)10-7:‬‬
‫ولذلك أرسل اهلل إليهم الرسل كي يبينوا رسالة اهلل تعاىل‪ ،‬وكي يقيموا احلجة على الناس‪ ،‬قال تعلى‪ُ" :‬رُس اًل ُمَبِّش ِر يَن‬
‫َو ُم ْنِذ ِر يَن ِلَئاَّل َيُك وَن ِللَّناِس َعَلى الَّلِه ُح َّج ٌة َبْع َد الُّر ُس ِل َو َك اَن الَّلُه َعِز يًز ا َح ِكيًم ا"‪( ،‬النساء‪ ،)165:‬ومن مظاهر التكرمي‬
‫لإلنسان تلك الزينة اليت أمر بنو آدم بأخذها‪ ،‬وسرت عورته‪ ،‬ومن مظاهر تكرمي اإلنسان أن الشرع راعى حرمته وتكرميه‬
‫‪1‬‬
‫حًيا وميًتا‪.‬‬

‫وحرص القرآن على بيان التكرمي احلقيقي لإلنسان‪ ،‬فاألكرم عند اهلل هو األتقى‪ ،‬فال عربة بلون أو جاه أو مال‬
‫أو أي شيء من حطام الدنيا‪ ،‬قال تعاىل‪" :‬إن أكرمكم عند اهلل أتقاكم"‪( ،‬احلجرات‪ .)13 :‬كل هذا يدل على لزوم أن‬
‫يكون اإلنسان حرا خمتارا‪ ،‬ميارس دوره يف هذه احلياة‪ ،‬فال قيمة له يف هذه احلياة من دون حرية ميارس هبا دوره املقصود‬
‫من خلقه‪.‬‬

‫هذه هي النظرة املبدئية لإلنسان وضرورة أن يكون حرا يقوم باملهمات اليت ُخ ِلق ألجلها‪ ،‬فحريته أمر مستقر‬
‫غري قابل للمساومة‪ ،‬ومرة أخرى‪ ،‬هي نقطة جديرة بأن يربزها املسلم أىن وجد‪ ،‬خاصة يف الغرب‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬تعزيز القرآن لمبدأ الحرية‬

‫من خالل ما سبق يتبني لنا القيمة التكرميي\ة ال\يت ش\اءها اهلل تع\اىل لإلنس\ان‪ ،‬وهن\ا أرك\ز أك\ثر على حريت\ه ال\يت هبا‬
‫يك\\ون إنس\\انا مكلف\\ا س\\ويا مري\\دا‪ ،‬احلري\\ة ال\\يت حيق\\ق من خالهلا ح\\ق احلي\\اة وح\\ق امللكي\\ة اخلاص\\ة وح\\ق احلري\\ة الشخص\\ية‪،‬‬
‫حيث حرية االعتقاد واحلرية السياسية والرأي والتملك والتنقل واالختيار وغريها‪ 2،‬وأن أي مظهر ين\\ايف حريت\\ه فاإلس\\الم‬
‫ضده‪ ،‬وأن مبدأ اإلكراه –مثال‪ -‬منفي بالكلية عن هذا الدين‪ ،‬ومن هنا ميكننا القول بوضوح إن حرية اإلنسان هي حمور‬
‫تكرميه األس\\اس‪ ،‬فم\\ا فائ\\دة بقي\\ة حقوق\\ه إن مل يكن ح\\را خمت\\ارا مري\\دا‪ ،‬وق\\د ذهب اإلس\\الم بعي\\دا يف إعطائ\\ه حري\\ة ال\\دين‪،‬‬
‫وهي األهم على اإلطالق حني أعلن‪" :‬ال إك\ \\راه يف ال\ \\دين"‪ ،‬س\ \\واء مبع\ \\ىن إكراه\ \\ه على دين وس\ \\لبه حري\ \\ة اختي\ \\اره‪ ،‬أو‬
‫باملفهوم الشامل لنفي مبدأ اإلكراه كليا من الدين‪ ،‬وهذه ميزة لرقي اإلسالم يف اح\رتام اإلنس\ان‪ ،‬يق\ول فران\ز روزنت\ال يف‬
‫خالصة دراسته عن احلرية‪" :‬كانت احلرية تقرن بكل ما هو نبيل وطيب يف األخالق اإلنس\\انية‪ ،‬ولق\\د أس\\هم ه\\ذا إس\\هاما‬

‫ملزيد من مظاهر التكرمي انظ\\ر كتب التفس\\ري يف مواض\\ع ه\\ذه اآلي\\ات‪ ،‬منه\\ا البح\\ر احملي\\ط أليب حي\\ان‪6/61 ،‬؛ إرش\\اد العق\\ل الس\\ليم إىل‬ ‫‪1‬‬

‫مزايا القرآن الكرمي (تفسري أيب السعود)‪ ،‬أليب السعود العمادي‪ ،‬يف تفسريه لقوله تعاىل "ولقد كرمنا بين آدم‪.5/186 ،"..‬‬
‫ملزيد من التفصيل انظر ربيع‪ ،‬ضمانات احلرية بني واقعية اإلسالم وفلسفة الدميقراطية‪ ،‬ص‪.49-31:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪14‬‬
‫كب\ريا يف حف\ظ االح\رتام هلذا املص\طلح‪ ،‬وك\انت النتيج\ة أن فك\رة احلري\ة ب\دت وكأهنا مهم\ة يف عق\ل املس\لم‪ ،‬س\واء ك\ان‬
‫‪1‬‬
‫ذلك بشكل واع أو مسترت"‪.‬‬

‫وأزيد األمر وضوحا ب\أن أرك\ز أك\ثر على الرب\ط بني إنس\انية اإلنس\ان وحريت\ه وحقوق\ه‪ ،‬فص\لة اإلنس\ان باهلل هي‬
‫ص\\لة عبودي\\ة ل\\ه وحترر من عبودي\\ة غ\\ريه (وهي لب الرس\\الة‪ ،‬واحلوار بني الرس\\ل وأق\\وامهم)‪ ،‬وص\\لة تكلي\\ف ومس\\ؤولية‪،‬‬
‫وكما بينا سابًق ا فاآلي\ات القرآني\ة بينت بوض\وح ص\لة العب\د برب\ه تع\اىل‪ ،‬وأهنا ص\لة عبودي\ة‪ ،‬فمن احلوار بني اهلل واملالئك\ة‬
‫ت\\بني لن\\ا أن املقص\\د من اخلل\\ق ه\\و اخلالف\\ة يف األرض‪ ،‬وهي القي\\ام ب\\أمره تع\\اىل وعبادت\\ه‪ ،‬فعالقتن\\ا باهلل هي عالق\\ة عبودي\\ة‪،‬‬
‫وه\\ذا واض\\ح من قول\\ه تع\\اىل‪" :‬وم\\ا خلقت اإلنس واجلن إال ليعب\\دون"‪ ،‬ففي اآلي\\ة أس\\لوب احلص\\ر أو م\\ا يس\\مى بالقص\\ر‪،‬‬
‫فقد قصر اهلل الغاية من خلق اإلنس واجلن على عبادته‪.‬‬

‫ولنا أن نتخيل عظم هذه الوظيفة اليت شَّرَفنا اهلل هبا‪ ،‬أن ننتسب إليه بصفة العبودية‪ ،‬ويف املقابل أن نتخيل عظم‬
‫املعاصي والذنوب واإلعراض عن عبودية اهلل‪ ،‬حني نرتك عبادته‪ ،‬بل تكون املصيبة أعظم حني نتوجه بالعبودية لغريه‬
‫‪2‬‬
‫تعاىل‪ ،‬ويف شعار التوحيد (ال إله إال اهلل) حترير لإلنسان من عبادة غري اهلل تعاىل‪.‬‬

‫واحلقيقة أن اإلنسان عابد على كل حال‪ ،‬فهو إن مل يكن عابًد ا هلل تعاىل‪ ،‬فهو عابد لغريه ال حمالة‪ ،‬ألن اإلنسان‬
‫جمبول على العبادة‪ ،‬مفطور على االجتاه إىل قوٍة ما يلجأ إليها على األقل يف حلظات ضعفه‪ ،‬ولذلك فاإلنسان عابد وإن‬
‫ادعى أنه ملحد ال ديين‪ :‬فمنهم العابد للهوى وللشهوة وللصنم وللبشر وللفكرة‪ ،‬فاإلنسان إذا ما أملت به النوازل واشتد‬
‫األمر عليه‪ ،‬فهو حينئذ يتوجه إىل اإلله احلق‪ ،‬ويتذكر أن كل ما سواه ال يغين عنه شيًئا‪ ،‬وصدق اهلل العظيم‪" :‬وإذا‬
‫مسكم الضر يف البحر ضل من تدعون إال إياه‪ ،‬فلما جناكم إىل الرب أعرضتم‪ ،‬وكان اإلنسان كفوًر ا"‪( ،‬اإلسراء‪.)67:‬‬
‫ِم ِن ِه‬
‫أما اآلهلة األخرى فلن تغين عنهم شيًئا‪ ،‬قال تعاىل‪" :‬وقيل هلم أين ما كنتم تعبدون‪ْ .‬ن ُدو الَّل َه ْل َيْنُصُر وَنُك ْم َأْو‬
‫‪3‬‬
‫َيْنَتِص ُر وَن ) (الشعراء‪.)93-92:‬‬

‫فالعبودية هلل هي يف حد ذاهتا حترير لإلنسان من عبودية غريه سبحانه‪ ،‬وأنِعم هبا من عبودية ملن يستحقها‪،‬‬
‫واملؤمن يفخر بأنه عبد هلل‪ ،‬بينما الكافر عبد ملن ال يستحق العبودية‪ ،‬وهذا وضع للشيء يف غري موضعه‪ ،‬وهو الظلم‬
‫بذاته‪ .‬يقول الشاطيب‪" :‬إن الشريعة إمنا جاءت لتخرج املكلفني عن دواعي أهوائهم حىت يكونوا عبادا هلل‪ ،‬وهذا املعىن‬

‫‪ 1‬روزنتال‪ ،‬فرانز‪ ،‬مفهوم احلرية يف اإلسالم‪ ،‬ترمجة معن زيادة ورضوان السيد‪ ،‬ص‪.102:‬‬
‫‪ 2‬ينظر الفنجري‪ ،‬أمحد شوقي‪ ،‬احلرية السياسية يف اإلسالم‪ ،‬ص‪.17-16:‬‬
‫ِئ‬ ‫ِه ِع‬
‫ومن اآلي\\ات يف ذل\\ك‪َ" :‬و ِإَذا َم َّس اإلنس\\اَن الُّض ُّر َدَعاَن ا َجِلْنِب َأْو َقا دًا َأْو َقا م \ًا َفَلَّم ا َك َش ْف َنا َعْن ُه ُض َّر ُه َم َّر َك َأْن ْمَل َي ْد ُعَنا ِإىَل ُض ٍّر َم َّس ُه‬
‫‪3‬‬

‫َك َذ ِلَك ُز ِّيَن ِلْلُمْس ِر ِفَني َم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن "‪( ،‬يونس‪ ،)12:‬وانظر أيضا اآليات‪( :‬الروم‪ ،)33:‬و (الزمر‪ ،)8:‬و (اإلسراء‪.)56:‬‬
‫‪15‬‬
‫إذا ثبت ال جيتمع مع فرض أن يكون وضُع الشريعة على وفق أهواء النفوس‪ ،‬وطلب منافعها العاجلة كيف كانت‪ ،‬وقد‬
‫‪1‬‬
‫قال ربنا‪" :‬ولو اتبع احلق أهواءهم لفسدت السموات واألرض ومن فيهن"‪( ،‬املؤمنون‪.)71:‬‬

‫احلرية يف اإلسالم قيمة عظمى‪ ،‬ودرجة عليا‪ ،‬وتتصف بالدميومة زمانا ومكانا‪ ،‬وألهنا ارتبطت بالتكليف فهي‬
‫من أصول الدين ال من فروعه‪ ،‬وال ُيتصَّو ر أن يطالب اإلنسان بالتوحيد مثال‪ ،‬ليتوجه إىل اهلل وحده‪ ،‬ويكون يف الوقت‬
‫نفسه مقيدا! يقول دراز‪" :‬مما ال شك فيه أن العالقة املعرب عنها بلفظة (اإللزام) هي عالقة جتمع بني إرادتني خمتلفتني‪،‬‬
‫ومدفوعتني بطبيعتهما إىل إظهار اجتاهات متصارعة؛ (املشرع) الذي يأمر‪ ،‬وهو شديد احلرص على (سلطته)‪ ،‬و (الفرد)‬
‫‪2‬‬
‫الذي يعمل‪ ،‬وهو يدافع عن (حريته)"‪.‬‬

‫ومما أجاب به ربعي بن عامر ملا سأله رستم قائد الفرس‪ :‬ما الذي جاء بكم؟ قال له‪( :‬اهلل ابتعثنا لنخرج من‬
‫شاء من عبادة العباد إىل عبادة اهلل وحده‪ ،‬ومن جور األديان إىل عدل اإلسالم‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إىل سعة الدنيا‬
‫واآلخرة)‪ 3،‬ويا هلا من مذلة وحٍّط من قيمة اإلنسان حني َيعبد البشُر بعضهم بعًض ا‪ ،‬وحني يّد عي املخلوق صفة األلوهية‬
‫وينِّص ب نفسه سيًد ا ورًبا للناس‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى تبني آيات القرآن الكرمي أن اإلنسان مكلف ومسؤول‪ ،‬فلم خُي لق عبًثا‪ ،‬قال تعاىل‪" :‬أفحسبتم‬
‫أمنا خلقناكم عبًثا وأنكم إلينا ال ترجعون"‪( ،‬املؤمنون‪ ،)115:‬فقد ُخ لق لغاية هي اليت بيناها حيث العبادة واخلالفة‪،‬‬
‫وهذه كما بينا أيًض ا حُت ِّم ل اإلنسان مسؤولية القيام بأمر اهلل‪ ،‬وذلك حبمل األمانة اليت أبت السماوات واألرض واجلبال‬
‫أن حيملنها‪ ،‬ومحلها اإلنسان‪ ،‬فهو وحده القادر على محلها‪ ،‬ألن اهلل أّه له لذلك‪ ،‬فمن محل األمانة وأدى املسؤولية فقد‬
‫وفقه اهلل‪ ،‬ومن تنكب الطريق وتقاعس عن القيام بأداء واجبه‪ ،‬فهو الذي قال اهلل عنه‪" :‬إنه كان ظلوًم ا جهواًل "‪ ،‬ظلوًم ا‬
‫لنفسه بأن عبد غري اهلل‪ ،‬وقّص ر يف محل األمانة‪ ،‬وجهواًل حبقيقة نفسه وحقيقة إهله الذي ينبغي عليه أن يعظمه ويعبده‪ ،‬ال‬

‫‪ 1‬الشاطيب‪ ،‬أبو إسحق‪ ،‬إبراهيم بن موسى‪ ،‬املوافقات يف أصول الشريعة‪ ،‬حتقيق عبد اهلل دراز وإبراهيم رمضان‪.2/351 ،‬‬
‫‪ 2‬دراز‪ ،‬حممد عبد اهلل‪ ،‬دستور األخالق يف القرآن‪ ،‬ص‪ .97:‬وقد حتدث دراز يف كتابه هذا عن احلرية من هذا اجلانب املرتبط باملسؤولية‬
‫األخالقية‪ ،‬انظر ص‪ .221-180:‬وما أمجلها من آيات تلك اليت قصها اهلل علينا مصوًر ا ندم املشركني وهم يف النار يتالومون‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪" :‬وُبّر زت اجلحيم للغاوين‪ ،‬وقيل هلم أين ما كنتم تعبدون‪ ،‬من دون اهلل هل ينصرونكم أو ينتصرون‪ ،‬فُك بِكبوا فيها هم والغاوون‪،‬‬
‫وجنود إبليس أمجعون‪ ،‬قالوا وهم فيها خيتصمون‪ ،‬تاهلل إن كنا لفي ضالل مبني‪ ،‬إذ نسويكم برب العاملني‪ ،‬وما أضَّلنا إال اجملرمون‪ ،‬فما لنا‬
‫من شافعني‪ ،‬وال صديق محيم‪ ،‬فلو أن لنا كرة فنكون من املؤمنني‪ ،‬إن يف ذلك آلية وما كان أكثرهم مؤمنني‪ ،‬وإن ربك هلو العزيز‬
‫الرحيم"‪( ،‬الشعراء‪.)104-91:‬‬

‫انظر احلافظ ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية‪.39 :7 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪16‬‬
‫بأن يتقاعس يف حقه‪ ،‬ومن هنا فهو اجلهول جهالة واضحة‪ ،‬حني غَّلب العاجلة على الباقية‪ ،‬والنعيم اآلين على ذاك‬
‫الباقي‪.‬‬

‫إن كون اإلنسان مكلفا‪ ،‬وقد هداه اهلل إىل معرفة اخلري والشر‪ ،‬وأهلمه الطريقني‪ ،‬يدل داللة واضحة على أنه حر‬
‫‪1‬‬
‫يف اختياره حماسب على أفعاله‪ ،‬وهذا واضح من قوله تعاىل‪" :‬وهديناه النجدين"‪( ،‬البلد‪ ،)10:‬أي طريقي اخلري والشر‪،‬‬
‫وقوله‪" :‬ونفس وما سواها فأهلمها فجورها وتقواها‪ ،‬قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها"‪( ،‬الشمس‪.)10-7:‬‬

‫احلرية ضد العبودية‪ ،‬وسّلط اإلسالم عوامل احلرية على عوامل العبودية‪ ،‬مقاومة هلا بتقليلها وعالجا للباقي‬
‫منها‪ ،‬فأبطل أسباب االسرتقاق وأبقى على األسر خاصة‪ ،‬وأبطل االسرتقاق االختياري بأن يبيع اإلنسان نفسه أو أحد‬
‫أوالده‪ ،‬وأبطل االسرتقاق يف الدين الذي كان شائعا زمن الرومان‪ ،‬وعاجل اإلسالم الرق املوجود بتقليله عن طريق تكثري‬
‫أسباب رفعه‪ ،‬فجعل أحد مصارف الزكاة (ويف الرقاب)‪ ،‬وكفارة لكثري من اجلنايات‪ ،‬ورّغب يف عتق العبيد‪ ،‬والرفق‬
‫‪2‬‬
‫هبم‪.‬‬

‫ومن هنا نعلم أن اهلل تعاىل قد قرر حقوًقا كاملة لإلنسان‪ ،‬ال تستقيم إنسانيته‪ ،‬وال ميكن أن ُيَعّد إنساًنا إال هبا‪،‬‬
‫وهبذا فاإلسالم قد سبق احلضارات كلها يف تقرير ما يسمى حبقوق اإلنسان‪ ،‬وأعطاه احلقوق كاملة‪ ،‬حق العيش واحلرية‬
‫والتعبري واملسؤولية والتنقل وامللكية والعمل واإلرادة واالعتقاد واملشاركة يف احلكم وغري ذلك‪ ،‬وقدًميا قال عمر بن‬
‫‪3‬‬
‫اخلطاب لعمرو بن العاص يف شأن الرجل القبطي وقد قسا عليه‪" :‬مىت استعبدمت الناس وقد ولدهتم أمهاهتم أحراًر ا"‪.‬‬

‫اإلسالم واإلكراه‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫ومن مبادئ اإلسالم السامية نبذه اإلكراه مطلًق ا‪ ،‬فقال تعاىل‪" :‬ال إكراه يف الدين"‪ ،‬ونلفت النظر إىل أن كلمة‬
‫اإلكراه يف العادة ُتَعّد ى بـ‪( :‬على) كما قال تعاىل‪" :‬وال تكرهوا فتياتكم على البغاء"‪ ،‬وقال على لسان سحرة فرعون‪:‬‬
‫"وما أكرهتنا عليه من السحر"‪ ،‬بينما قال هنا "ال إكراه يف الدين" فُعّد ي اإلكراه بـ (يف)‪ ،‬ومعىن هذا أنه ال إكراه يف‬
‫ديننا مطلًق ا‪ ،‬ال يف أمور عقدية وال اجتماعية وال أي جزء منه‪ ،‬فمبدأ اإلكراه ملغى أبًد ا‪ ،‬فال بد من االقتناع‪ ،‬وبعد ذلك‬

‫وهو قول مجهور املفسرين‪ ،‬انظر اآللوسي‪ ،‬روح املعاين‪.30/136 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر‪ :‬مقاصد الشريعة اإلسالمية البن عاشور‪ ،‬ص‪.395-391 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر املتقي اهلندي‪ ،‬علي بن حسام الدين‪ ،‬منتخب كنز العمال يف سنن األقوال واألفعال‪ ،‬فصل فضائل الفاروق‪.4/577 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪17‬‬
‫فالناس أحرار يف اتباع املنهج الذي يريدون‪ 1،‬وهم حماسبون على اختيارهم‪ ،‬ولذلك قال اهلل بعد ذلك‪" :‬قد تبني الرشد‬
‫من الغي‪ ،‬فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن باهلل فقد استمسك بالعروة الوثقى ال انفصام هلا واهلل مسيع عليم"‪.‬‬

‫ونلحظ أيًض ا أن كلمة (إكراه) يف اآلية جاءت نكرة‪ ،‬وهذا يفيد تعميمها‪ ،‬فمسألة اإلكراه غري جائزة يف ديننا‬
‫أبًد ا‪ ،‬أما ما يف اإلسالم من مظاهر القوة أو العقوبات فهي ردع‪ ،‬وهي أمور ال بد منها ألمن اجملتمع اإلسالمي من‬
‫ناحية‪ ،‬ولضمان سري الدعوة إىل اهلل باطمئنان‪ ،‬فهي ليست مسائل إكراه بل وسائل حلماية الدعوة من جهة ومحاية‬
‫اجملتمع من ناحية أخرى‪ .‬واآلية حمكمة‪ ،‬وال التفات إىل من قال بنسخها بآية السيف أو بغريها‪ ،‬فال تعارض بني األمر‬
‫بالقتال ونفي اإلكراه‪ ،‬إذ اجلهاد من أجل تأمني حرية الدعوة وحرية اختيار الناس للدين‪ ،‬وحينها ال إكراه يف الدين‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫واإلنسان حر باختيار الدين الذي يريد‪ ،‬فاجلهاد يف نوعه هذا (الطلب) هو لتأمني الدعوة واحلرية ال إلكراه الناس‪.‬‬

‫يقول األستاذ حممد عبده يف قوله تعاىل "ال إكراه يف الدين"‪" :‬قاعدة كربى من قواعد دين اإلسالم‪ ،‬وركن‬
‫عظيم من أركان سياسته‪ ،‬فهو ال جييز إكراه أحد على الدخول فيه‪ ،‬وال يسمح ألحد أن يكره أحدا من أهله على‬
‫اخلروج منه‪ ،‬وإمنا نكون متمكنني من إقامة هذا الركن وحفظ هذه القاعدة إذا كنا أصحاب قوة ومنعة حنمي هبا ديننا‬
‫وأنفسنا ممن حياول فتنتنا يف ديننا‪ ،‬اعتداء علينا مبا هو آمن أن نعتدي مبثله عليه‪ ،‬إذ أمرنا أن ندعو إىل سبيل ربنا باحلكمة‬
‫واملوعظة احلسنة وأن جنادل املخالفني باليت هي أحسن‪ ،‬معتمدين على أن تبني الرشد من الغي بالربهان‪ :‬هو الصراط‬
‫املستقيم إىل اإلميان‪ ،‬مع حرية الدعوة‪ ،‬وأمن الفتنة‪ ،‬فاجلهاد من الدين هبذا االعتبار‪ ،‬أي أنه ليس من جوهره ومقاصده‪،‬‬
‫وإمنا هو سياج له وجّنة‪ ،‬فهو أمر سياسي الزم له للضرورة‪ ،‬وال التفات ملا يهذي به العوام‪ ،‬ومعلموهم الطغام‪ ،‬إذ‬
‫‪3‬‬
‫يزعمون أن الدين قام بالسيف‪ ،‬وأن اجلهاد مطلوب لذاته‪ ،‬فالقرآن يف مجلته وتفصيله حجة عليهم"‪.‬‬

‫ويقول سيد قطب‪" :‬إن قضية العقيدة ‪-‬كما جاء هبا هذا الدين‪ -‬قضية اقتناع بعد البيان واإلدراك‪ ،‬وليست‬
‫قضية إكراه وغصب وإجبار‪ ،‬ولقد جاء هذا الدين خياطب اإلدراك البشري بكل قواه وطاقاته‪ ،‬خياطب العقل املفكر‪،‬‬
‫والبداهة الناطقة‪ ،‬وخياطب الوجدان املنفعل‪ ،‬كما خياطب الفطرة املستكنة‪ ،‬خياطب الكيان البشري كله‪ ،‬واإلدراك‬

‫وق \\د ع \\رب س \\يد قطب عن ه \\ذا املع \\ىن بقول \\ه‪" :‬والتعب \\ري هن \\ا ي \\رد يف ص \\ورة النفي املطل \\ق (ال إك \\راه يف ال \\دين)‪ ،‬نفي اجلنس كم \\ا يق \\ول‬ ‫‪1‬‬

‫النحويون‪ ،‬أي نفي جنس اإلك\راه‪ ،‬نفي كون\ه ابت\داء‪ ،‬فه\و يس\تبعده من ع\امل الوج\ود والوق\وع‪ ،‬وليس جمرد هني عن مزاولت\ه‪ ،‬والنهي يف‬
‫صورة النفي –والنفي للجنس‪ -‬أعمق إيقاعا وآكد داللة"‪ ،‬يف ظالل القرآن‪.1/426 ،‬‬
‫انظ \\ر الط \\ربي‪ ،‬ابن جري \\ر‪ ،‬ج \\امع البي \\ان عن تأوي \\ل آي الق \\رآن‪14-3/12 ،‬؛ ابن اجلوزي‪ ،‬أب \\و الف \\رج‪ ،‬زاد املس \\ري يف علم التفس \\ري‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،253-1/252‬حيث تط \\رق إىل م \\ذاهب العلم \\اء يف أهنا حمكم \\ة أو منس \\وخة؛ الش \\وكاين‪ ،‬حمم \\د بن علي‪ ،‬فتح الق \\دير‪-1/349 ،‬‬
‫‪ ،350‬ويرجح الشوكاين أهنا حمكمة‪.‬‬
‫حممد عبده‪ ،‬وحممد رشيد رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪.39-3/38 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪18‬‬
‫البشري بكل جوانبه‪ ،‬يف غري قهر حىت باخلارقة املادية اليت قد تلجئ مشاهَد ها إجلاء إىل اإلذعان‪ ،‬ولكن وعيه ال يتدبرها‬
‫وإدراكه ال يتعقلها ألهنا فوق الوعي واإلدراك‪ ..‬وإذا كان هذا الدين ال يواجه احلس البشري باخلارقة املادية القاهرة‪،‬‬
‫فهو من باب أوىل ال يواجهه بالقوة واإلكراه ليعتنق هذا الدين حتت تأثري التهديد أو مزاولة الضغط القاهر واإلكراه بال‬
‫‪1‬‬
‫بيان وال إقناع وال اقتناع"‪.‬‬

‫ويقول‪" :‬ويف هذا املبدأ يتجلى تكرمي اهلل لإلنسان‪ ،‬واحرتام إرادته وفكره ومشاعره‪ ،‬وترك أمره لنفسه فيما‬
‫خيتص باهلدى والضالل يف االعتقاد‪ ،‬وحتميله تبعة عمله وحساب نفسه‪ ،‬وهذه هي أخص خصائص التحرر اإلنساين‪...‬‬
‫إن حرية االعتقاد هي أول حقوق اإلنسان اليت يثبت له هبا وصف "إنسان"‪ ،‬فالذي يسلب إنسانا حرية االعتقاد إمنا‬
‫يسلبه إنسانيته ابتداء‪ ،‬ومع حرية االعتقاد حرية الدعوة للعقيدة‪ ،‬واألمن من األذى والفتنة‪ ،‬وإال فهي حرية باالسم ال‬
‫‪2‬‬
‫مدلول هلا يف واقع احلياة"‪.‬‬

‫حرية اإلنسان أهم حقوقه‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫وعودة إىل حقوق اإلنسان يف اإلسالم‪ ،‬فهي كما قلت جزء من إنسانيته‪ ،‬ال جيوز للحاكم وال ألية سلطة يف‬
‫هذه األرض أن تساومه عليها‪ ،‬وهي ليست منة من احلكام ميتنون هبا على الناس‪ ،‬فإن وجدت فهذا هو األصل‪ ،‬وإن‬
‫فقدت فهو اغتصاب هلذه احلقوق واعتداء على إنسانية اإلنسان وكرامته‪ ،‬وما أكثر ما تتبجح به الدول واملدنيات‬
‫واحلضارات من إعطاء اإلنسان حقه‪ ،‬ويف الواقع فهو االستعباد الذي أذل الناس وأنقص من قيمهم احلقيقية‪ ،‬وخاصة‬
‫العبودية هلل تعاىل‪.‬‬

‫ويذكر العقاد مناذج من واقع اجلاهلية وكيف كان االستبداد سيد املوقف‪ ،‬وكانت القدرة على الظلم قرينة‬
‫‪3‬‬
‫مبعىن العزة واجلاه‪ ،‬ويذكر مناذج خميفة يف االستبداد واالستعباد‪.‬‬

‫واإلنسان يف اإلسالم مكَّر ٌم كما بينا‪ ،‬وقد راعت الشريعة اإلسالمية يف أحكامها كلها هذه اإلنسانية امللتصقة‬
‫باإلنسان‪ ،‬ومن مزايا وخصائص عقيدتنا وشريعتنا أهنا إنسانية‪ ،‬فهي منسجمة متاًم ا مع إنسانيته وحاجته البشرية‪ ،‬هذا‬
‫من جهة‪ ،‬مث إهنا ذات الصبغة العاملية اليت يندرج حتتها جنس اإلنسان كله‪ ،‬فليست خاصة ألناس دون غريهم‪.‬‬

‫يف ظالل القرآن‪.1/425 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫يف ظالل القرآن‪ .1/426 ،‬وانظر‪ :‬اإلسالم ومفهوم احلرية‪ ،‬ص‪.28:‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر‪ :‬العقاد‪ ،‬عباس حممود‪ ،‬حقائق اإلسالم وأباطيل خصومه‪ ،‬ص‪.151-150 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪19‬‬
‫إن جول \\ة س \\ريعة على القص \\ص الق \\رآين ت \\بني احلوار ال \\ذي دار بني معظم األنبي \\اء وأق \\وامهم يف أن خيلي املأل بني‬
‫الناس ومساع ال\دعوة‪ ،‬فق\د ب\ذل املأل جه\دا ص\ادا للن\اس عن أنبي\ائهم‪ ،‬وب\ذل األنبي\اء –يف املقاب\ل‪ -‬جه\دا كب\ريا يف حماول\ة‬
‫إقن\\اع املأل والن\\اس مع\\ا يف حتري\\ر عق\\وهلم ونب\\ذ التقلي\\د واس\\تعمال حواس\\هم يف النظ\\ر والس\\ري يف األرض واالس\\تماع‪ ،‬لع\\ل‬
‫ذل\\ك ي\\ؤثر يف التص\\ور والتح\\رر‪ .‬ولع\\ل قص\\ة م\\ؤمن آل فرع\\ون وح\\دها تؤك\\د ض\\رورة حري\\ة ال\\رأي واالنعت\\اق من التقلي\\د‬
‫وتعظيم األشخاص‪.‬‬

‫إن التكلي \ \\ف ال \ \\ذي ش \ \\رعه اهلل لإلنس \ \\ان يرتب \ \\ط بش \ \\كل رئيس حبريت \ \\ه‪ ،‬وال ميكن إجب \ \\اره على تقب \ \\ل األفك \ \\ار‬
‫واملعتق\\دات‪ ،‬ق\\ال تع\\اىل‪َ" :‬لْس َت َعَلْيِه ْم ُمِبص \ْيِط ٍر "‪( ،‬الغاش\\ية‪ ،)22:‬وق\\ال يف املع\\ىن نفس\\ه‪َ" :‬و َم ا َأْنَت َعَلْيِه ْم َجِبَّب اٍر "‪( ،‬ق‪:‬‬
‫‪ (45‬فال ميكن إك\راههم على العقي\دة‪ ،‬وق\ال يف س\ياق آخ\ر‪َ" :‬و َم ا َأْنَت َعَلْيِه ْم ِبَو ِكي\ٍل "‪( ،‬الزم\ر‪ ،(41:‬وق\ال مبين\ا حري\ة‬
‫االختي\\ار وحتم\\ل املس\\ؤولية‪َ" :‬فَمْن َش اَء َفْلُيْؤ ِم ْن َو َمْن َش اَء َفْلَيْك ُف ْر "‪( ،‬الكه\\ف‪ ،(29:‬وق\\ال ناهي\\ا نبي\\ه عن التأس\\ف على‬
‫حاهلم يف الشرك والكفر‪َ" :‬أَفَأْنَت ُتْك ِر ُه الَّناَس َح ىَّت َيُك وُنوا ُم ْؤ ِمِنَني "‪( ،‬ي\ونس‪،(99:‬فمن الب\ديهيات "أن وج\ود اجلرب يع\ين‬
‫‪1‬‬
‫انتفاء وجود االختيار‪ ،‬كما أن وجود االختيار يعين انتفاء وجود اجلرب‪ ،‬إذ كل طرف يوقف عمل اآلخر ويلغيه"‪.‬‬

‫واحلري\\ة ميادينه\\ا كث\\رية أمهه\\ا االعتق\\اد والتفك\\ري واألق\\وال واألفع\\ال‪ ،‬يق\\ول ابن عاش\\ور‪" :‬اعلم أن االعت\\داء على‬
‫‪3‬‬
‫احلرية نوع من أكرب أنواع الظلم"‪ 2،‬وذكر حق الشريعة يف حتديد بعض أنواع احلرية يف حسن التصرف‪.‬‬

‫وقد ربط بعض العلماء بني احلرية وقدرة اإلنس\\ان على التص\\رف ق\\وال وعمال فيم\\ا ال يض\\ر مبص\\احل الغ\\ري‪ 4،‬وه\\و‬
‫عني ما ذهب إليه فقهاء الفقه الدستوري بأهنا قدرة الفرد على ممارسة أي عمل ال يضر باآلخرين‪ 5،‬وهلا حدود بق\\در م\\ا‬
‫‪6‬‬
‫حيفظ القيم الدينية‪ ،‬وحيفظ حقوق اآلخرين وإال فهي الفوضى‪.‬‬

‫ويقول الشيخ أب\و زه\رة‪" :‬الش\خص احلر ه\و‪ :‬ال\ذي تتجلى في\ه املع\اين اإلنس\انية العالي\ة ال\ذي يعل\و عن سفاس\ف‬
‫األمور‪ ،‬ويتجه إىل معاليها‪ ،‬ويضبط نفس\ه فال تنطل\ق أه\واؤه وال يك\ون عب\دًا لش\هوة معين\ة‪ ،‬ب\ل يك\ون س\يد نفس\ه‪ ،‬ف\احلر‬
‫يبتدئ بالسيادة على نفسه‪ ،‬وإذا ساد نفسه وانضبطت أهواؤه وأحاسيسه أصبح ال يذل وال يهون وبتلك يك\ون ح\رًا بال‬
‫اخلطيب‪ ،‬حورية يونس‪ ،‬اإلسالم ومفهوم احلرية‪ ،‬ص‪.5:‬‬ ‫‪1‬‬

‫مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.399 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظ \\ر‪ :‬عجيل \\ة‪ ،‬عاص \\م أمحد‪ ،‬حري \\ة الفك \\ر وترش \\يد الواق \\ع اإلس \\المي‪ ،‬حيث بني املؤل \\ف جماالت احلري \\ة الفكري \\ة وض \\وابطها وجتارب‬ ‫‪3‬‬

‫اخللفاء األوائل بشأهنا والرأي وقيوده ومسائل يف اخلالفات الفقهية‪ ،‬واحلرية الفكرية وترقية العقل وغريها‪.‬‬
‫انظر‪ :‬أبو عجوة‪ ،‬حممد‪ ،‬اجملتمع اإلسالمي‪ ،‬ص‪174:‬؛ الشيباين‪ ،‬عمر حممد التومي‪ ،‬من أسس الرتبية اإلسالمية‪ ،‬ص‪.281:‬‬ ‫‪4‬‬

‫عماد حممد‪ ،‬حركة حترير املرأة‪ ،‬ص‪.110:‬‬ ‫‪5‬‬

‫السباعي‪ ،‬املرأة بني التربج والتحجب‪ ،‬ص‪.113:‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪20‬‬
‫ريب"‪ ،‬ويقول‪" :‬واحلر ال ميكن أن يكون معتديًا ألنه يسيطر على أهوائه وألن\ه يعطي لغ\ريه م\ا يعطي\ه لنفس\ه‪ ،‬وألن\ه حيس‬
‫‪1‬‬
‫باملعاين اإلنسانية اليت جيب أن يلتزمها بالنسبة لغريه"‪.‬‬

‫ارتباط الحرية بمقاصد الشريعة‬

‫يق\\ول الط\\اهر ابن عاش\\ور‪" :‬ومن قواع\\د الفق\\ه ق\\ول الفقه\\اء‪( :‬الش\\ارع متش\\وف إىل احلري\\ة)"‪ 2،‬فاحلري\\ة مقص\\د‬
‫ش\\رعي‪ ،‬وه\\ذا اس\\تقراء من تص\\رفات الش\\ريعة ال\\يت دلت على أن من أهم مقاص\\دها إبط\\ال العبودي\\ة وتعميم احلري\\ة‪ ،‬وه\\ذا‬
‫‪3‬‬
‫يؤكد أن أصل التشريع هو إقامة املصاحل‪ ،‬واملقاصد الكلية ال تنخرم‪ ،‬واملصاحل تابعة هلا‪.‬‬

‫ومل جيعلها الفقهاء مقصدًا شرعيًا مستقًال بذاته مع الض\\روريات اخلمس\ة املعلوم\\ة‪ ،‬ألهنا داخل\ة يف ض\\منها‪ ،‬كوهنا‬
‫أساس\ًا حلق\\وق اإلنس\\ان‪ ،‬وك\\ون التش\\ريع كل\\ه مرتبط\\ا باحلري\\ة ش\\رطا للتكلي\\ف‪ ،‬فغاي\\ة الش\\ريعة هي حتقي\\ق املص\\احل الك\\ربى‬
‫للبش\\رية يف حف\\ظ ال\\دين والنفس والعق\\ل والنس\\ل واملال‪ ،‬واحلري\\ة فط\\رة بش\\رية ال تتحق\\ق ه\\ذه املقاص\\د اخلمس\\ة الض\\رورية‬
‫حلياة االنسان إال هبا‪.‬‬

‫فحف\\ظ ال\دين‪ :‬أساس\ه ع\\دم اإلك\راه‪ ،‬إذ ال إك\راه يف ال\دين‪ ،‬وه\\ذا دلي\ل حري\ة االعتق\\اد وهي املظه\\ر األهم حلري\ة‬
‫اإلنس\\ان‪ .‬وحف\\ظ النفس‪ :‬حباج\\ة إىل حريته\\ا يف التص\\رف جبمي\\ع ش\\ؤون احلي\\اة بال إك\\راه أو اس\\تعباد‪ ،‬فال قيم\\ة وال مع\\ىن‬
‫حلياة إنسان مقيد يف تصرفاته‪ .‬وحفظ العقل مرتبط حبرية االختيار‪ ،‬فهو مناط التكليف‪ ،‬وشرط صحة جلميع التص\\رفات‪،‬‬
‫وال خالف بني الفقه \\اء أن التكلي \\ف يس \\قط عن املك \\ره وفاق \\د العق \\ل‪ .‬وحف \\ظ النس \\ل مرتب \\ط حبري \\ة اإلنس \\ان يف اختي \\ار‬
‫‪4‬‬
‫الشريك الذي حيقق السعادة واالستقرار‪ .‬وحفظ املال مرتبط حبرية اإلنسان يف التملك والتصرف يف أمواله وأمالكه‪.‬‬

‫الحرية حق ُينَتَز ع وال ُيْه دى‪:‬‬

‫هك\\ذا علمتن\\ا س\\نن احلي\\اة‪ ،‬ب\\ل هي س\\نن اهلل تع\\اىل‪ ،‬احلق ال ُيه\\دى‪ ،‬ب\\ل ُينَتَز ع‪ ،‬ويف ال\\نزع ق\\وة وحتّم ل وحس\\ن‬
‫ختطيط وتدبري وأخ\ذ باألس\باب‪ ،‬وال\يت منه\ا حس\ن التوك\ل على اهلل تع\اىل‪ ،‬وال يك\ون ه\ذا إال ب\أن يب\دأ أح\ُد نا احلرك\َة يف‬
‫االجتاه الصحيح‪ ،‬واملقصد الصحيح‪ ،‬حىت يكون التوفيق والتأييد من اهلل تعاىل‪.‬‬

‫أبو زهرة‪ ،‬حممد‪ ،‬تنظيم اإلسالم للمجتمع‪ ،‬ص‪.180:‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن عاشور‪ ،‬حممد الطاهر‪ ،‬مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬حتقيق حممد الطاهر امليساوي‪ ،‬ص‪.391:‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر‪ :‬املوافقات يف أصول الشريعة‪.2/350 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫انظر‪ :‬يسري حممد أرشد‪ ،‬حقوق اإلنسان يف ضوء احلديث النبوي‪( ،‬كتاب األمة)‪ ،‬العدد ‪ ،114‬رجب ‪ ،1427‬ص‪.74-65:‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪21‬‬
‫ك \\ان من املمكن أن تك \\ون مش \\اهد القص \\ص الق \\رآين بني الرس \\ل وأق \\وامهم أق \\رب إىل املعج \\زات‪ ،‬ب \\دون ه \\ذه‬
‫ال\دعوة وتبعاهتا واملعان\اة املص\احبة هلا‪ ،‬ولكن ش\اء اهلل أن يك\ون ال\دفع بني احلق والباط\ل‪ ،‬ح\ىت نعلم س\نن احلي\اة‪ ،‬ح\ىت م\ا‬
‫ج \\رى بني الن \\يب حمم \\د ص \\لى اهلل علي \\ه وس \\لم واملؤم \\نني مع \\ه م \\ع أع \\دائهم‪ ،‬كل \\ه يقص علين \\ا حقيق \\ة احلرك \\ة هبذا ال \\دين‪،‬‬
‫وض \\رورة الص \\رب والتحم \\ل‪ ،‬وص \\دق اهلل العظيم‪" :‬أم حس \\بتم أن ت \\دخلوا اجلن \\ة وملا ي \\أتكم مث \\ل ال \\ذين خل \\وا من قبلكم‪،‬‬
‫مس\\تهم البأس\\اء والض\\راء وُز ْلِز ل\\وا ح\\ىت يق\\ول الرس\\ول وال\\ذين آمن\\وا مع\\ه م\\ىت نص\\ر اهلل؟ أال إن نص\\ر اهلل ق\\ريب" (البق\\رة‪:‬‬
‫‪.)214‬‬

‫ِبُك ِّل َيٍد ُمَض ـ ـَّر َج ٍة ُيَد ُّق‬ ‫ِء‬ ‫ِل ِة‬
‫وصدق أمري الشعراء أمحد شوقي حني قال‪َ :‬و لُح ِّر َّي اَحلمــرا باٌب‬

‫الخاتمة‬

‫بع\\د االنته\\اء من ه\\ذا البحث‪ ،‬يت\\بني لن\\ا م\\دى رعاي\\ة الق\\رآن يف عموم\\ه واإلس\\الم يف توجيهات\\ه ملوض\\وع احلري\\ة‪،‬‬
‫كوهنا أهم القيم اإلنسانية‪ ،‬وخلص البحث إىل النتائج اآلتية‪:‬‬

‫ج\\اء اهتم\\ام الق\\رآن بقيم\\ة احلري\\ة بطريق\\ة مباش\\رة وغ\\ري مباش\\رة‪ ،‬وذل\\ك من خالل احلديث عن تك\\رمي اإلنس\\ان‬ ‫‪-‬‬
‫وبيان الغاية من خلقه وتكليفه‪ ،‬وكل ذلك ال يتم بدون حريته‪.‬‬
‫احلرية عامل مهم لنهضة اإلنسان واستشعار قيمته ودوره يف احلياة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ترتبط احلرية –بأشكاهلا املختلفة‪ -‬مبيادين خمتلفة يف احلياة‪ ،‬وال ميكن أن يكون اإلنسان بدوهنا مؤهال ألدواره‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ترتبط احلرية مبقاصد اإلسالم العامة وضرورات الشريعة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أك \\ثر الق \\رآن من مف \\ردة اإلنس \\ان‪ ،‬وتن \\وع اخلط \\اب ل \\ه‪ ،‬وهلذا التن \\وع غاي \\ات وحكم‪ ،‬فإنس \\انية اإلنس \\ان حمور‬ ‫‪-‬‬
‫تكرميه‪ ،‬وال كرامة له بدون حريته‪.‬‬
‫سبق اإلسالم مواثيق األمم املتحدة يف تقرير حقوق اإلنسان وأمهها احلرية بأشكاهلا املختلفة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مبدأ اإلكراه منفي بالكلية عن الدين‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫يعزز القرآن حرية اإلنسان‪ ،‬بل حيث على أن حيقق اإلنسان كامل حقوقه‪ ،‬وينبذ العبودية للبشر بأشكاهلا‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫اآللوس\ \\ي‪ ،‬حمم\ \\ود‪ ،‬روح املع\ \\اين يف تفس\ \\ري الق\ \\رآن العظيم والس\ \\بع املث\ \\اين‪ ،‬دار الكتب العلمي\ \\ة‪ ،‬ب\ \\ريوت‪ ،‬ط‪1422 ،1/‬هـ‪-‬‬ ‫‪.1‬‬
‫‪2001‬م‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫البخاري‪ ،‬حممد بن إمساعيل‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬دار السالم‪ -‬الرياض‪ ،‬ط‪1419 ،2/‬هـ‪1999-‬م‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫البيضاوي‪ ،‬عبد اهلل بن عمر‪ ،‬أنوار التنزيل وأسرار التأويل‪ ،‬مؤسسة شعبان‪ ،‬بريوت‪ ،‬ب‪ .‬ت‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫ابن اجلوزي‪ ،‬أبو الفرج عبد الرمحن بن علي‪ ،‬زاد املسري يف علم التفسري‪ ،‬حتقيق أمحد مشس ال\\دين‪ ،‬دار الكتب العلمي\ة‪ -‬ب\ريوت‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫ط‪.1994 ،1/‬‬
‫أبو حيان األندلسي‪ ،‬حممد بن يوسف‪ ،‬البحر احمليط‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.1983 ،2/‬‬ ‫‪.5‬‬
‫اخلطيب‪ ،‬حورية يونس‪ ،‬اإلسالم ومفهوم احلرية‪ ،‬دار امللتقى للنشر‪ ،‬قربص‪ ،‬ط‪.1993 ،1/‬‬ ‫‪.6‬‬
‫دراز‪ ،‬حممد عبد اهلل‪ ،‬دستور األخالق يف القرآن‪ ،‬حتقيق د‪ .‬عبد الصبور شاهني‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.1982 ،4/‬‬ ‫‪.7‬‬
‫الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب (التفسري الكبري)‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.3/‬‬ ‫‪.8‬‬
‫الراغب األصفهاين‪ ،‬احلسني بن حممد‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد سيد كيالين‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫‪.9‬‬
‫ربيع‪ ،‬منيب حممد‪ ،‬ضمانات احلرية بني واقعية اإلسالم وفلسفة الدميقراطية‪( ،‬مكتبة املعارف‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪.)1988 ،1/‬‬ ‫‪.10‬‬
‫رضا‪ ،‬حممد رشيد‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.2/‬‬ ‫‪.11‬‬
‫روزنت \\ال‪ ،‬فران \\ز‪ ،‬مفه \\وم احلري \\ة يف اإلس \\الم‪ ،‬ترمجة معن زي \\ادة ورض \\وان الس \\يد‪( ،‬معه \\د اإلمناء الع \\ريب‪ ،‬ط \\رابلس‪ ،‬ليبي \\ا‪ ،‬ط‪،1/‬‬ ‫‪.12‬‬
‫‪.)1978‬‬
‫الريسوين‪ ،‬أمحد‪ ،‬مقال يف صحيفة (بوابة الشرق)‪.‬‬ ‫‪.13‬‬
‫الزخمشري‪ ،‬حممود بن عمر‪ ،‬الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه التأويل‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫‪.14‬‬
‫ابن زجنلة‪ ،‬عبد الرمحن بن حممد‪ ،‬حجة القراءات‪ ،‬حتقيق سعيد األفغاين‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.1979 ،2/‬‬ ‫‪.15‬‬
‫أبو زهرة‪ ،‬حممد‪ ،‬تنظيم اإلسالم للمجتمع‪.‬‬ ‫‪.16‬‬
‫س \\عد ال \\دين الس \\يد ص \\احل‪ ،‬قض \\ايا فلس \\فية يف م \\يزان العقي \\دة اإلس \\المية‪ ،‬مطبوع \\ات جامع \\ة اإلم \\ارات العربي \\ة املتح \\دة‪ ،‬ط‪،1/‬‬ ‫‪.17‬‬
‫‪.1998‬‬
‫أب\\و الس\\عود العم\\ادي‪ ،‬حمم\\د بن حمم\\د بن مص\\طفى‪ ،‬إرش\\اد العق\\ل الس\\ليم إىل مزاي\\ا الكت\\اب الك\\رمي‪ ،‬دار إحي\\اء ال\\رتاث الع\\ريب‪،‬‬ ‫‪.18‬‬
‫بريوت‪.‬‬
‫سيد قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1971 ،7/‬م‪.‬‬ ‫‪.19‬‬
‫الش\\اطيب‪ ،‬أب\\و إس\\حق‪ ،‬إب\\راهيم بن موس\\ى‪ ،‬املوافق\\ات يف أص\\ول الش\\ريعة‪ ،‬حتقي\\ق عب\\د اهلل دراز وإب\\راهيم رمض \\ان‪ ،‬دار املعرف\\ة‪،‬‬ ‫‪.20‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪.1994 ،1/‬‬
‫الشوكاين‪ ،‬حممد بن علي بن حممد‪ ،‬فتح القدير اجلامع بني فين الرواية والدراي\ة من علم التفس\\ري‪ ،‬حتقي\ق‪ :‬د‪ .‬عب\د ال\\رمحن عم\\رية‪،‬‬ ‫‪.21‬‬
‫دار الوفاء‪ -‬املنصورة مصر‪ ،‬ط‪.1994 ،1/‬‬
‫الشيباين‪ ،‬عمر حممد التومي‪ ،‬من أسس الرتبية اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪.22‬‬

‫‪23‬‬
‫الطربي‪ ،‬ابن جرير‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.1986 ،‬‬ ‫‪.23‬‬
‫الطويل‪ ،‬توفيق‪ ،‬أسس الفلسفة‪ ،‬مكتبة النهضة املصرية‪.‬‬ ‫‪.24‬‬
‫ابن عاشور‪ ،‬حممد الطاهر‪ ،‬مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد الطاهر امليساوي‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬عّم ان‪ ،‬ط‪.2001 ،2/‬‬ ‫‪.25‬‬
‫أبو عجوة‪ ،‬حممد‪ ،‬اجملتمع اإلسالمي‪.‬‬ ‫‪.26‬‬
‫عجيلة‪ ،‬عاصم أمحد‪ ،‬حرية الفكر وترشيد الواقع اإلسالمي‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.1990 ،2/‬‬ ‫‪.27‬‬
‫العقاد‪ ،‬عباس حممود‪ ،‬حقائق اإلسالم وأباطيل خصومه‪ ،‬املكتبة العصرية‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫‪.28‬‬
‫عماد حممد‪ ،‬حركة حترير املرأة‪.‬‬ ‫‪.29‬‬
‫الفنجري‪ ،‬أمحد شوقي‪ ،‬احلرية السياسية يف اإلسالم‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪.1973 ،1/‬‬ ‫‪.30‬‬
‫القرطيب‪ ،‬أبا عبد اهلل حممد األنصاري‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مكتبة الرياض احلديثة‪ ،‬الرياض‪.‬‬ ‫‪.31‬‬
‫ابن كثري‪ ،‬إمساعيل بن عمر‪ ،‬البداية والنهاية‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫‪.32‬‬
‫ابن ماجة القزويين‪ ،‬االمام أيب عبد اهلل حممد بن يزيد‪ ،‬سنن ابن ماجة‪ ،‬دار السالم‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪.1999-1420 1/‬‬ ‫‪.33‬‬
‫املتقي اهلن\\دي‪ ،‬علي بن حس\\ام ال\\دين بن عب\\د املل\\ك‪ ،‬منتخب ك\\نز العم\\ال يف س\\نن األق\\وال واألفع\\ال‪ ،‬دار إحي\\اء ال\\رتاث الع\\ريب‪،‬‬ ‫‪.34‬‬
‫بريوت‪.1990 ،‬‬
‫مسلم بن احلجاج‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬دار السالم‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪.1998-1419 ،1/‬‬ ‫‪.35‬‬
‫ملكاوي‪ ،‬فتحي حسن‪ ،‬مفهوم القيم يف القرآن الكرمي‪ ،‬جملة إسالمية املعرفة‪ ،‬العدد ‪.54‬‬ ‫‪.36‬‬
‫ابن منظور‪ ،‬أبو الفضل مجال الدين حممد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫‪.37‬‬
‫نزال‪ ،‬عمران مسيح‪ ،‬أسس احلرية يف بناء اإلنسان واجملتمع والدولة‪ ،‬دار القراء‪ ،‬عّم ان‪ ،‬ط‪.2010 ،1/‬‬ ‫‪.38‬‬
‫النسفي‪ ،‬أبا الربكات عبد اهلل‪ ،‬مدارك التنزيل وحقائق التأويل (تفسري النسفي)‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫‪.39‬‬
‫يسري‪ ،‬حممد أرشد‪ ،‬حقوق اإلنسان يف ضوء احلديث النبوي‪( ،‬كتاب األمة)‪ ،‬العدد ‪ ،114‬رجب ‪.1427‬‬ ‫‪.40‬‬
‫يوسف كومبز‪ ،‬القيمة واحلرية‪ ،‬ترمجة عادل العوا‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪.1975 ،1/‬‬ ‫‪.41‬‬

‫‪24‬‬

You might also like