You are on page 1of 38

‫اإلعجاز القرآني في توجيه السلوك اإلنساني‬

‫أ‪.‬د‪ .‬عابد توفيق الهاشمي‬

‫المقدمة‪:‬‬
‫تتجلّى عظمة اإلعجاز القرآني والنبوي في خلق االنسان في أحسن تقويم خلقاً يصدر‬
‫عنه السلوك المنّوع الذي يتعامل به مع الحياة‪ ،‬ويشيد حضارتها من خالل سلوكه مع ربه‬
‫ومع نفسه ومع أسرته‪ ،‬ومع أمته‪ ،‬ومع الناس أجمعين‪.‬‬
‫رب‬
‫هذا السلوك المعجز البناء نابع من عاملي الوراثة والبيئة‪ ،‬وهو خاضع إلرادة ّ‬
‫العالمين‪.‬‬
‫إن هذا السلوك اإلنساني من (قول وفعل)‪ ،‬ثمرة عوامل ثالثة‪:‬‬
‫أولها‪ :‬الفطرة التي فطر الناس عليها‪ ،‬وهي واحدة للجنس اإلنساني ﱹﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﱸ الروم‪ ،٣٠ :‬مع االعتراف بالفروق الفردية التي تشير اليها اآلية الكريمة‬
‫ﱹﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﱸ اإلسراء‪ ،٨٤ :‬أي على ما شاكلها الله من هذه الفروق‬
‫الفردية‪ ،‬ولوالها لما تنوعت االختصاصات والمواهب‪ ،‬ولجمدت الحياة‪ ،‬علما أن‬
‫هذه الفروق موروثة عن األبوين أو الطفرة الوراثية التي أودعها الخالق العليم في‬
‫الجينات الموروثة الكامنة في الكروموسومات الذكرية واألنثوية‪ ،‬بمجموع (‪ )46‬التي‬
‫تميز الجنس اإلنساني عمن سواه‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬البيئة‪ ،‬ابتداء ببيئة الجنين في الرحم‪ ،‬ثم بيئة الطفل مع أمه في مرحلتي‬
‫الفصال والحضانة‪ ،‬ثم بيئة األسرة ‪ -‬األبوين واإلخوة واألخوات واألقارب والجيران‬
‫واألصدقاء‪ ،‬وبيئة الرياض والمدارس والكليات‪ ،‬وبيئة المجتمع ‪ -‬بغثّه وسمينه‪ ،‬وبيئة‬
‫اإلعالم ووسائله المنوعة من كتب ومجالت وصحف وإذاعة وتلفاز وكمبيوتر وإنترنت ‪-‬‬
‫بمحاسنه وسيئاته‪ ،‬وجميع البيئات المؤثرة في السلوك من سياسة واقتصاد وعواطف‪ ،‬بما‬
‫تشمل أطوار النمو جميعها‪( :‬الطفولة والمراهقة والشباب والكهولة والشيخوخة) ﱹﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﱸ نوح‪ ،١٤ :‬ليكتمل بهذه األطوار (المراحل) خلق اإلنسان الكريم‪.‬‬
‫وثالثها‪ :‬اإلرادة اإللهية الحكيمة‪ ،‬في تسيير الكون وإخضاعه ألمره‪ ،‬وهي إرادته‬
‫التي تحكم توجيه اإلنسان من خالل قوانين الوراثه (الفطرة) التي تتجاوب مع قانونه‬

‫‪45‬‬
‫اجمللة العاملية لبحوث القرآن‬

‫ومنهاج حياته‪ ،‬الذي أنزله في كتابه الكريم وسنة رسوله المربي‪ ،‬كما نزلت به جميع األنبياء‬
‫من قبله ليسير البشر بنهجه بما ينسجم مع طبيعة الخلق‪ ،‬إذ هو الخالق الهادي ﱹﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﱸ يوسف‪ ،٤٠ :‬وهذا الدين هو الفطرة‬
‫ﱹﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﱸ الشعراء‪ ،٧٨ :‬وإنما هديه ضمان للحياة السعيدة المستقرة‬
‫الكريمة ورفضه شقاء وعذاب في الدارين ﱹﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﱸ طه‪ ،١٢٣ :‬أي ال يضل عقله وال تشقى نفسه‪ ،‬ففيه سالمة العقل‬
‫وسعادة النفس‪.‬‬
‫ﱹﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬ ‫أما القضاء والقدر فهو الذي يمثل إرادة الله‪ ،‬التي تحكم‬
‫ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﱸ الرعد‪ ،٤١ :‬وهو خير من الله للمؤمن وجزاء عدل‬
‫للمنافق‪ ،‬ومن غير إكراه لله على أمر‪ .‬هذا وإن الدعاء الصادر من القلب الخاشع ليصطرع‬
‫مع القدر بين السماء واالرض ويغلب الدعاء القدر رحمة من الله بعباده الصادقين‪ ،‬كما‬
‫في الحديث الصحيح‪.‬‬
‫أهمية البحث‪ :‬تبرز أهمية البحث في االلتجاء إلى الله‪ ،‬واستيعاب منهاجه‬
‫الحياتي‪ ،‬ودقة العمل به‪ ،‬واستحضار رقابته في كل حين‪ ،‬والمحاسبه المستمرة‬
‫واإلحسان في خدمة الناس‪ ،‬والتحلل من جميع ألوان العصبيات وسورات الغضب‪...،‬‬
‫وكلها ثمرة منهاج الله ﱹﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﱸ‬
‫األنفال‪ ،٢٤ :‬الذي يظهر حكمة الله في خلق اإلنسان نفسه المتجاوب مع هديه‪ ،‬بما‬
‫يزرع الفهم الخاطئ في إلقاء المالمة على الله في انحرافات اإلنسان السلوكية‪ ،‬وإعذار‬
‫اإلنسان نفسه من تبعة هذا االنحراف‪ ،‬بما يؤدي إلى استمراره في الضالل واالحتالل‪،‬‬
‫وهو أخطر مايواجه البشرية اليوم‪.‬‬
‫ثم إن أهمية البحث تظهر الصحة النفسية للمؤمن المستسلم إلى منهاج الله وقدره‬
‫ﱹﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﱸ األنعام‪ .٧١ :‬كذلك فإن هذا البحث يوضح اإلعجاز‬
‫القرآني في الجمع بين الوراثه والبيئة وحكمة الله في الخلق بإطار علمي منطقي متماسك‪،‬‬
‫ندر من أحسن التوفيق بين هذه العوامل الثالثة في سلوك اإلنسان‪.‬‬
‫منهج البحث وإشكالياته‪ :‬سلكت في كتابة هذا البحث المنهج النظري من خالل‬
‫دراسة النصوص القرآنية والنبوية الصحيحة‪ ،‬وتحليلها الدقيق‪ ،‬إذ هو المنهج اإللهي الذي‬
‫سنه للمؤمنين ولجميع البشر كما استأنست برأي العلماء والدارسين في ميدان السلوك‬
‫اإلنساني‪ ،‬وإن هذا المنهج مقبول لدى كل مؤمن ملتزم‪ ،‬ال إشكاليات فيه‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫اإلعجاز القرآين يف توجيه السلوك اإلنساين‬

‫الدراسات السابقة‪ :‬لم أجد في الدراسات القديمة والحديثة من تناول هذا الموضوع‬
‫بهذا الشمول والتناسق بين الوراثة والبيئة واإلرادة اإللهية الحكيمة‪ ،‬ولكن الحديث عن‬
‫القضاء والقدر وأثره في السلوك تناولته كتب العقيدة والتصوف النقي‪ ،‬كل من زاويته‬
‫الخاصة‪ ،‬أما الجمع بين محاور البحث الثالثة وأثرها في السلوك‪ ،‬فلم أقرأ كتابا فيه‪ ،‬كما‬
‫لم أسمع بكتاب في هذا المجال ‪ ،‬غير أن جل اعتمادي في البحث هو (كتاب الله‬
‫وهدي رسوله)‪ ،‬وتحليلي لنصوصهما‪ ،‬والربط بينهما بما انتهى إلى استكماله‪ ،‬مع رجوعي‬
‫إلى بعض المصادر الثانوية‪ ،‬والمذكورة في المصادر والمراجع‪ ،‬لذا فإني أعد هذا البحث‬
‫في هذا الشمول بحثا أصيال غير مسبوق إليه‪ ،‬والفضل لكتاب الله وهدي رسوله ‪.i‬‬

‫المبحث األول‬
‫اإلعجاز في أثر العوامل الوراثية الفطرية في السلوك اإلنساني‬
‫خصوصا‪.‬‬
‫ً‬ ‫للعوامل الوراثية الفطرية آثارها في سلوك اإلنسان‪ ،‬عموماً‪ ،‬وعلى فروقه الفردية‬
‫أما أثر الوراثة في إنسانية اإلنسان النوعية فهي التي تميزه عن غيره من الحيوان في‬
‫تركيبه وخصائصه التي تمثل (النوع اإلنساني)‪ ،‬والذي يتمثل بعدد الكروموسومات (‪)46‬‬
‫المشتركة فيه‪ ،‬كما يشترك بمحاوره الخمسة المعروفة (الروح‪ ،‬النفس‪ ،‬العقل‪ ،‬القلب‪،‬‬
‫الجسد) التي تركب شخصيته‪ ،‬ويشترك النوع اإلنساني بخصائص هذه المحاور ووظائفها‬
‫وأعمالها‪ ،‬كما يشترك بخصائص الحياة االجتماعية‪ ،‬والقيم اإلنسانية‪ ،‬والمشاعر‪،‬‬
‫والسلوك اإلنساني العام‪ ،‬ودوافعه‪.‬‬
‫إنها جميعاً تمثل أثر العوامل الوراثية الفطرية التي تخلّد اإلنسان في بيان نوعه بين‬
‫سائر المخلوقات‪ ،‬ومن خالل هذه العوامل الفطرية للجنس اإلنساني‪ ،‬يخاطب القرآن‬
‫الكريم‪( :‬يا أيها اإلنسان)‪ ،‬و(يا أيها الناس) في عشرات من نصوصه‪ ،‬تنبيهاً للجنس‬
‫اإلنساني إلى ما ركب فيه من فطرة مودعة في كيانه تستجيب لهذا النداء الرباني‪.‬‬
‫وباستقصاء دقيق لنصوص هذا النداء‪ ،‬تستبين لنا خصائص الفطرة اإلنسانية النوعية‬
‫فيها‪ ،‬لذا أحيل القاري الكريم إلى هذا النداء القرآني‪ ،‬لتتضح له من خالله هذه الخصائص‪،‬‬
‫فال يبقى بعد ذلك لإلنسان حجة على الله‪ ،‬ألنه عز وجل ناداه من خالل ما رّكب فيه‬
‫من خصائص تتجاوب مع ما يريده منه وما يوجهه إليه‪ :‬ﱹﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﱸ‬
‫االنفطار‪ ٩ - ٦ :‬وليس المجال متسعاً لشرح ذلك‪ ،‬بسبب ضيق المقام‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫اجمللة العاملية لبحوث القرآن‬

‫أما أثر العوامل الوراثية الفطرية في الفروق الفردية فهي التي تختلف فيها األفراد من‬
‫مواهب وغرائز وقابليات إذ إن الناس ليسوا سواء في كل شيء‪ ،‬إذن لجمدت الحياة ولم‬
‫تتنوع‪ ،‬لذا فإن اختالف الناس مرجعه إلى اختالف الفروق الفردية التي يرثونها عن اآلباء‬
‫واألمهات‪ ،‬وعن األجداد‪ ،‬ولوالها لما قامت حضارة‪ ،‬وال تسابق الناس فيما فطروا عليه‬
‫من اختصاصات لهذا يقول اإلمام علي رضي الله عنه‪« :‬لو تساوى الناس لهلكوا»‪.‬‬
‫ﱹﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬ ‫يقرر هذه الحقيقة القرآن الحكيم بقوله‪:‬‬
‫ﯫ ﯬ ﯭﱸ اإلسراء‪ ،٨٤ :‬ويؤكدها حديث النبي المربي‪( :‬اعملوا‪ ،‬فكل ميسر لما‬
‫ُخلِق له)‪ ،1‬فكل إنسان يعمل تجاوباً مع ما خلقه الله ‪ -‬شاكله وصاغ شكله وكيانه‪ -‬لذا‬
‫ميسر لما خلق له من مواهب فطرية وقدرات واستعدادات‪ ،‬وال يكره اإلنسان على‬ ‫فهو ّ‬
‫عمل غير موهل له فطرياً‪ ،‬فهذا ميكانيكي‪ ،‬وهذا شاعر‪ ،‬وهذا خطيب‪ ،‬وذاك موسيقي‬
‫نحات‪ ،‬وبناء ومهندس ومخترع‪ّ ،‬‬
‫كل‬ ‫مغن وذلك ّ‬
‫واآلخر خطاط‪ ،‬وغيره رسام‪ ،‬وذاك ّ‬
‫في اختصاص معين‪ ،‬وهناك طبيب وجراح ومدرس وطيار وبحار‪....‬إلخ‪.‬‬
‫مني الرجل (نطفته) المتكونة‬ ‫إن هذه الفروق الفردية تنحدر عن األبوين اللذين اختلط ّ‬
‫من (‪ )23‬كروموسوماً‪ ،‬ببويضة المرأة (‪ )23‬كروموسوماً‪ ،‬بمجموع (‪ ،)46‬والتي يسمي‬
‫القرآن اجتماعهما (باألمشاج)‪ ،‬والتي تحمل كل منهما الصفات الوراثية‪ ،‬أحياناً للجنين‬
‫عن والديهما‪ ،‬كما تنحدر هذه الفروق الفردية عن األجداد ‪ -‬بالطفرة الوراثية‪.‬‬
‫أتى أعرابي إلى رسول الله (‪ )i‬فقال له‪“ :‬يارسول الله‪ُ ،‬ولد لي ولد غالم أسود‪،‬‬
‫فقال (‪“ :)i‬هل لك من إبل”؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪“ :‬فما لونها”؟ قال‪ُ :‬حمر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫“هل فيها من أورق”؟ قال‪ :‬إن فيها لورِقا‪ ،‬قال‪“ :‬فأنى ترى ذلك جاءها”؟ قال‪ :‬يا‬
‫رسول الله لعل عرقا نزعه‪ ،‬قال (‪“ :)i‬لعل هذا أيضاً نزعه عرق”(أخرجه البخاري)‪ ،‬أو‬
‫كما قال (‪ ،)i‬وهذه إشارة واضحة إلى أثر الوراثة لألبوين في النسل‪ ،‬وأثر الطفرة في‬
‫قانون الوراثة المعاصر‪ .‬وأثر العوامل الوراثية مشترك بين اإلنسان والحيوان‪ ،‬حسب قانون‬
‫الوراثة الذي اكتشف كثيراً منها (مندل) وغيره‪.‬‬
‫ويبين النبي الصادق (‪ )i‬بعض معالم الطفرة‪ ،‬بقوله‪“ :‬إذا عال ماء المرأة ماء الرجل‬
‫اشبه الولد أخواله‪ ،‬وإذا عال ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه”(أخرجه مسلم)‪ ،‬ألن في كل‬
‫مورثات (جينات) تختلف من إنسان‬ ‫من ماء الرجل والمرأة صبغات (كروموسومات) تحتوي ّ‬
‫مجسما‬
‫ً‬ ‫آلخر‪ ،‬إذا غلبت تظهر خصائصها وآثارها في المولود‪ ،‬والجنين قبل أن يكون‬
‫متفق عليه‪ ،‬وفي رواية مسلم زيادة‪( :‬ثم قرأ‪ :‬فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى‪ ..‬فسنيسره لليسرى)‬ ‫‪ 1‬‬

‫فجمع هذا الحديث النبوي بين عاملي الفطرة الوراثية والبيئة في السلوك‪ ،‬أي أنه ثمرتهما‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫اإلعجاز القرآين يف توجيه السلوك اإلنساين‬

‫بأعضائه وصفاته كان صبغية (كروموسومية) وموروثية معينة‪ ،‬فهو (‪ 46‬كروموسوماً) تحتوي‬
‫عدداً كبيراً من الموروثات (الجينات)‪ ،‬تتوزع عليها بصيغة تختلف من إنسان إلى آخر‪،‬‬
‫وهذه الموروثات (الجينات) الموجودة فطرياً في الكروموسومات‪ ،‬وجدت كلها في آدم (‬
‫)‪ ،‬ثم أخذت تتوزع في ذريته‪ ،‬وتشبيهها كقرص التلفون الذي يحتوي (‪ )10‬أرقام‬
‫فقط‪ ،‬نكلم من خاللها من نشاء في العالم‪ ،‬فهواتف العالم كلها موجودة فيه ﱹﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﱸ األنعام‪ ،٩٨ :‬و‬
‫يتفرع من ذرية آدم‪ ،) ( ،‬والله تعالى قد أحاط‬
‫كل منها ّ‬‫في الخاليا الجنسية موروثات‪ّ ،‬‬
‫علماً بخلقه‪:‬ﱹﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﱸ الطالق‪ ،١٢ :‬وهي تنتقل من مستقرها‬
‫في األصالب إلى مستودعها في األرحام‪ ،‬إنها رحلة طويلة ال نهاية لها‪ ،‬ولكنها مقدرة‬
‫ومعلومة في كل مراحلها وأطوارها‪ ،‬ومبرمجة بدقة متناهية‪ ،‬من قبل العليم الخبير‪ :‬ﱹﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﱸ الرعد‪.٩ - ٨ :‬‬
‫ويتوسع النبي (‪ )i‬في بيان أثر الوراثة في مجال الصالح و التقوى‪“ :‬تجدون الناس‬
‫معادن‪ ،‬خيارهم في الجاهلية خيارهم في االسالم إذا فقهوا”‪.4‬‬
‫ومن نماذج الفروق الفردية الفطرية في الوراثة ما أخبر به القرآن الكريم عن األخوين ولدي‬
‫إبراهيم ‪ -‬إسماعيل واسحق (عليهما السالم)‪ ،‬بأن (إسماعيل) ولد حليماً‪ :‬ﱹﯵ ﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﱸ الصافات‪ ،١٠١ :‬وهو أبو العرب‪ ،‬والجد األعلى لمحمد (‪ ،)i‬القائل‪:‬‬
‫(الحلم سيد االخالق)‪ ،2‬و(إسحق) ولد عليماً‪ :‬ﱹﰀ ﰁ ﰂ ﰃﱸ الذاريات‪،٢٨ :‬‬
‫وهو الجد األعلى لإلسرائيلين‪ ،‬علماً بأن كال األخوين أبوهما واحد‪ ،‬ولعل األب إبراهيم (‬
‫ال للرحمن ﱹﮞ‬ ‫) قد جمع في ذاته بين الحلم والعلم حتى استحق أن يكون خلي ً‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﱸ النساء‪ ،١٢٥ :‬وإن الوراثة من االب الواحد تتنوع‪ ،‬أو يمكن أن‬
‫يكون الختالف أمهما (سارة) و(هاجر) أثر في هذه الفطرة الوراثية‪ ،‬رغم أن الحلم والعلم‬
‫ال يكتسبان عادة وراثياً‪ ،‬إال إستثناء بالحكمة اإللهية‪ ،‬وإنما يكونان بأثر البيئة عادة‪“ :‬العلم‬
‫يتوق الشر يوقه”(متفق عليه)‪.‬‬‫يتحر الخير يُعطه‪ ،‬ومن ّ‬‫بالتعلم‪ ،‬والحلم بالتحلم‪ ،‬ومن ّ‬

‫متفق عليه‪ ،‬ويؤكده الحديث اآلخر‪( :‬الناس كمعادن الذهب والفضة‪ ،‬خيارهم في الجاهلية خيارهم في‬ ‫‪ 2‬‬

‫االسالم‪ ،‬إذا فقهوا‪ ،‬واألرواح جنود مجندة‪ ،‬فما تعارف منها ائتلف‪ ،‬وما تناكر منها اختلف)‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫اجمللة العاملية لبحوث القرآن‬

‫اإلعجاز في‪ :‬أثر الوالدين الوراثي في السلوك‬


‫لكل من الوالدين أثر واضح في نسلهما‪ ،‬إذ لألب أثره في الكروموسومات الـ(‪)23‬‬
‫المودعة في نطفة الرجل‪ ،‬ولألم أثرها في الكروموسومات الـ(‪ )23‬المودعة في بويضة‬
‫المرأة كما ذكرنا‪ ،‬وإن تطابقت العوامل الوراثية لكل من األبوين‪ ،‬كانت النتائج باهرة‪،‬‬
‫وقد جمع الحديث النبوي بين عاملي البيئة والوراثة بقوله (‪“ :)i‬الناس معادن‪ ،‬والعِرق‬
‫دساس‪ ،‬وأدب السوء كعرق السوء”‪.3‬‬

‫أوالً‪ :‬أثر األم في الوراثة‪:‬‬


‫هو أثر واضح كما علمنا‪ ،‬لذا يوصي النبي الزوج بانتقاء الزوجة صاحبة الدين‪ ،‬ألنها‬
‫هي التي تقدر أن تعينه على نوائب الدهر وعلى أعباء األسرة القادمة وتربية األجيال‪:‬‬
‫(تنكح المرأة ألربع ‪ -‬لمالها وجمالها وحسبها ودينها‪ ،‬فاظفر بذات الدين تربت يداك)‪،4‬‬
‫و يؤكد (‪ )i‬هذا المعنى‪“ :‬ال تزوجوا النساء لحسنهن‪ ،‬فعسى حسنهن أن يرديهن‪،‬‬
‫وال تزوجوهن ألموالهن‪ ،‬فعسى أموالهن أن تطغيهن‪ ،‬ولكن تزوجوهن على الدين‪ ،‬وألَمة‬
‫خرماء سوداء ذات دين أفضل” (متفق عليه)‪ ،‬ويوضح النبي الحكيم أن الزوجة الصالحة‬
‫هي الكنز الحقيقي‪ ،‬وهي خير ما في الدنيا‪“ :‬إن الدنيا كلها متاع‪ ،‬وخير متاعها المراة‬
‫الصالحة”‪ ،5‬ذلك أن جمال الوجه والجسد له أثره المؤنس للرجل‪ ،‬غير أنه يكون أمراً‬
‫إعتيادياً‪ ،‬حين يخوض الزوجان في غمرة األوالد ومشاق الحياة‪ ،‬وللجمال أثره الوراثي‬
‫كذلك‪ ،‬الصوري والخلقي الذي يورث‪.‬‬
‫وحين اختيار الزوج لزوجته عليه أن يحسن االختيار واالنتقاء‪ ،‬ألثر األم البالغ في‬
‫سلوك النسل الفطري‪.‬‬
‫وفي هذا االختيار أحاديث كثيرة‪ ،‬منها صحيح‪( :‬تخيروا لنطفكم‪ ،‬فإ ّن العرق‬
‫دساس)‪ ،6‬ومنها ضعيف يقوي بعضها بعضاً‪.‬‬

‫أخرجه البيهقي في شعب اإليمان‪.10739 /‬‬ ‫‪ 3‬‬

‫أخرجه البيهقي في شعب اإليمان‪.10974 /‬‬ ‫‪ 4‬‬

‫أخرجه ابن ماجه في سننه‪ ،1859 /‬والبزار في مسنده‪ ،3438 /‬والبيهقي في سننه الكبري‪.13754 /‬‬ ‫‪ 5‬‬

‫سنن النسائي والمجتبى‪ ،3232 /‬كتاب النكاح‪ ،‬وصحيح ابن حبان ‪ -‬كتاب النكاح‪ ،‬ومسند أحمد‪/‬‬ ‫‪ 6‬‬

‫‪ ،6531‬ومسلم‪ .‬وفي رواية ابن ماجه في سننه‪( 1968 /‬تخيروا لنطفكم وأنكحو األكفاء وأنكحوا إليهم)‪،‬‬
‫وكذا في مستدرك الحاكم‪ ,2687 /‬والبيهقي في سنته الكبرى‪ ،14060 /‬الدارقطني في كتاب النكاح‪/‬‬
‫‪.198‬‬
‫‪50‬‬
‫اإلعجاز القرآين يف توجيه السلوك اإلنساين‬

‫ثانياً‪ :‬أثر الوالد في الوراثة‪:‬‬


‫للوالد آثاره الوراثية الفطرية في نسله‪ ،‬كما علمنا‪ ،‬لذا أوصى الرسول الزوج بالخاطب‬
‫نكح‪( :‬إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه‪ ،‬إن لم تفعلوا تكن فتنة في‬‫الدين أن يُ َ‬
‫ِّ‬
‫االرض و فساد كبير) ‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫سر أبيه) فليس بحديث‪ ،‬رغم أن معناه سليم‪.‬‬


‫أما القول المشهور‪( :‬الولد ّ‬

‫ثالثاً‪ :‬نسب المصطفى والوراثة‪:‬‬


‫ال على أثر اآلباء واألجداد في نسلهم في العوامل الوراثية‪ ،‬نسب المصطفي‬ ‫ويكفينا دلي ً‬
‫(‪ )i‬سيد الخلق‪ ،‬وهو القائل‪“ :‬أنا سيد ولد آدم يوم القيامة” اذ يعتز بنسبه الطاهر‬
‫‪8‬‬

‫الذي يحمل صفات الخير في نسبه الممتد إلى إسماعيل ( )‪ ،‬عبر أكثر من ‪3.500‬‬
‫سنة‪ ،‬بقوله (‪“ :)i‬إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل‪ ،‬واصطفى من بني‬
‫يشا‪ ،‬واصطفى من قريش بني هاشم‪ ،‬واصطفاني‬ ‫إسماعيل كنانة‪ ،‬واصطفى من كنانة قر ً‬
‫من بني هاشم‪ ،‬فإني خيار من خيار”‪.9‬‬
‫ولقد أوضح القرآن الحكيم أثر العوامل الوراثية لآلباء في نسلهم في كثير من‬
‫النصوص الخاصة باألبنياء‪ ،‬أهمها قوله تعالى‪ :‬ﱹﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ‬
‫ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ‬

‫الفوائد المجموعة – الشوكاني‪ ،130 /‬في األحاديث الضعيفة – األلباني‪.24 /‬‬ ‫‪ 7‬‬

‫صحيح مسلم‪ ،2278 /‬وسنن إبي داود‪.14673 /‬‬ ‫‪ 8‬‬

‫وفي سنن الترمذي‪ 3148 /‬ورد الحديث النبوي بكامله‪( :‬أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وال فخر‪ ،‬وبيدي‬ ‫‪ 9‬‬

‫لواء الحمد وال فخر‪ ،‬وما من نبي يومئذ‪ ،‬آدم فمن سواه إال تحت لوائي‪ ،‬وأنا أول من تنشق عنه األرض وال‬
‫فخر‪ ،‬قال‪ :‬فيفزع الناس ثالث فزعات‪ ،‬فيأتون آدم‪ ،‬فيقولون‪ :‬أنت أبونا آدم فاشفع لنا إلى ربك‪ ،‬فيقول إني‬
‫نوحا‪ ،‬فيأتون نوحاً فيقول‪ :‬إني دعوت على أهل األرض‬ ‫أذنبت ذنباً أهبطت منه إلى األرض‪ ،‬ولكن ائتوا ً‬
‫دعوة‪ ،‬فأهلكوا‪ ،‬ولكن اذهبوا إلى إبراهيم‪ ،‬فيأتون إبراهيم فيقول‪ :‬إني كذبت ثالث كذبات‪ ،‬ولكن ائتوا‬
‫نفسا ولكن ائتوا عيسى‪ ،‬فيأتوا عيسى‪ ،‬فيقول‪ :‬إني ُعبِدت من‬‫موسى‪ ،‬فيأتون موسى‪ ،‬فيقول‪ :‬إني قد قتلت ً‬
‫دون الله‪ ،‬ولكن ائتوا محمداً‪ ،‬قال‪ :‬فياتون‪ ،‬فأنطلق معهم‪ ،‬و‪ ..‬فأخذ بحلقة باب الجنة فاقعقها‪ ،‬فيقال من‬
‫هذا؟ فقال‪ :‬محمد‪ ،‬فيفتحون لي‪ ،‬ويرحبون‪ ،‬فيقولون‪ :‬مرحبا‪ ،‬فأخر ساجداً فيلهمني الله من الثناء والحمد‪،‬‬
‫يس َمع لقولك‪ ،‬وهو المقام المحمود‪ .‬قال الله‪:‬‬‫فيقال لي‪ :‬إرفع رأسك‪ ،‬سل ُ�ت ْع َط‪ ،‬واشفع تشفّع‪ ،‬وقل‪ُ :‬‬
‫عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا‪.‬‬
‫وفي سنن ابن ماجه‪ – 4308 /‬كتاب الزهد‪( :‬أنا سيد ولد آدم وال فخر‪ ،‬وأنا أول من تنشق األرض عنه‬
‫يوم القيامة وال فخر‪ ،‬وأنا أول شافع وأول مشفع وال فخر‪ ،‬ولواء الحمد بيدي يوم القيامة وال فخر)‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫اجمللة العاملية لبحوث القرآن‬

‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﱸ األنعام‪. ٩٠ - ٨٣ :‬‬
‫إبتدأ القرآن الكريم في هذه اآليات بحكمة الله الحكيم العليم‪ ،‬الذي رفع درجات‬
‫(‪ )18‬نبيًا‪ ،‬بعوامل الوراثة اإلنسانية‪ ،‬والفروق الفردية التي أودعها في هذا العدد بهم‬
‫وبنسلهم وبآبائهم وإخوانهم‪ ،‬وتفضيل الله لهم على العالمين‪ ،‬واجتباهم محسنين‬
‫ومهتدين إلى منهاج الله المستقيم‪.‬‬
‫سر هدايتهم ‪( -‬فطرتهم الوراثية) عبر ‪ 18‬نبياً من آبائهم وإخوانهم و(استقامتهم‬ ‫ذلك ّ‬
‫على االلتزام بهدي الله)‪ ،‬تحقيقا (إلرادة الله المباشرة) في صياغتهم‪ ،‬ليكونوا بجدارة‬
‫ال لنشر دين الله في األرض‪ ،‬ولو انحرفوا عن هذه الهداية الربانية بالشرك ومعصية الله‬ ‫أه ً‬
‫النهارت شخصيتهم وهبط سلوكهم إلى الحضيض‪ ،‬غير أنهم بفضل هذه العوامل الثالثة‬
‫السالفة تميزوا على البشرية وف ِّ‬
‫ُضلوا على العالمين‪.‬‬
‫لذا ختم الله تعالى هذه الصفوة المنتخبة من البشر بمحمد صلى الله عليه وسلم‬
‫لتكون قدوة إلمام األنبياء وسيد الخلق (‪ ،)i‬الذي استوعب جميع الفروق الفردية‬
‫لك ّل صفاته المتميزة في القرآن الكريم‪ ،‬وليستوعب كذلك‬ ‫لألنبياء السابقين‪ ،‬إذ ُ‬
‫الفطرة اإلنسانية الشاملة للبشرية‪ ،‬إضافة إلى استيعابه الهداية الربانية المنزلة عليه في‬
‫كتابه العزيز‪ .‬لذا ختم الله تعالى بهم أمره باالقتداء بهم (فبهداهم اقتده)‪ ،‬والهاء هي‬
‫هاء السكت لتأكيد أهمية االقتداء بهدي األنبياء جميعاً في عمر البشرية‪ ،‬ليتمثله‬
‫جميعاً في سيرته العطرة التي تجمع سير جميع األنبياء الهادين من قبله!! ليكون‬
‫الموحد لجميع االديان السابقة له‪ ،‬إذ هو خالصتها‪ :‬ﱹﭹ ﭺ‬ ‫(اإلسالم) هو الدين ّ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﱸ الشورى‪.١٣ :‬‬
‫ومن خالل هذا العرض تتضح آثار العوامل الوراثية للجنس اإلنساني‪ ،‬إذ هم (بشر)‪،‬‬
‫كما تتضح آثار الفروق الفردية الوراثية في األنبياء إذ لكل منهم صفاته الوراثية‪ ،‬كما يتضح‬
‫تدخل اإلرادة اإللهية الحكيمة في هداية األنبياء إلى صراطه القويم‪ ،‬ويتضح كذلك تمثيل‬

‫‪52‬‬
‫اإلعجاز القرآين يف توجيه السلوك اإلنساين‬

‫الهداية الربانية كاملة بمحمد خاتم األنبياء من خالل اقتدائه بهم أجمعين! ومات ورثه‬
‫فطرة عن أجداده‪ ،‬وما أكرمه الله من عناية متميزة‪.‬‬
‫ومن أوضح اآليات الدالة علي أثر الوراثة في السلوك اإلنساني أسباب (طوفان نوح)‬
‫نهارا‪ :‬ﱹﯭ‬ ‫الذي أغرق الله به قومه الذين استمرت دعوته لهم (‪ )950‬سنة‪ ،‬لي ً‬
‫ال و ً‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﱸ العنكبوت‪ ،١٤ :‬ﱹﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‪ ...‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﱸ نوح‪.٢٧ - ٥ :‬‬
‫كفارا)‪ ،‬فلم‬
‫(فاجرا و ً‬
‫ً‬ ‫وحصرا‬
‫ً‬ ‫حتما‬
‫وإن آخر اآلية تنص على أن المولود منهم سيأتي ً‬
‫تغن عنه النبوة الكريمة عن بيئة الكفر والفجور الطاغية بينهم‪ ،‬حتى أيقن نوح من خالل‬
‫دعوته عليهم أن المولود منهم في جميع أنسالهم هم فجرة كافرون‪ ،‬بما انتهى بحكم الله‬
‫فيهم ْأن يغرقهم أجمعين‪ ،‬ويستأصلهم من جنس البشرية‪ ،‬ولم ينج إال قلة من المؤمنين‬
‫في الفلك‪ :‬ﱹﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﱸ هود‪.٤٠ :‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫اإلعجاز القرآني في‪ :‬أثر البيئة الفاسدة والصالحة في توجيه السلوك‬
‫لكل منهما آثارها اإليجابية في بناء السلوك والتسامي به‪ ،‬والسلبية في هدمه وإفساده‪:‬‬
‫أما أثر البيئة الفاسدة في السلوك فهو أخطر وأسرع من البناء باإلصالح‪ ،‬لذا يقول‬
‫القرآن الكريم في قوم نوح‪ :‬ﱹﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﱸ نوح‪ ،٢٧ :‬وهذا أثر البيئة‬
‫الفاسدة في اإلفساد!‬
‫يحذرنا االسالم من البيئة الفاسدة بنصوص قرآنية ونبوية كثيرة‪ ،‬لئال نكون ضحيتها‪،‬‬
‫فنخسر الحياة الدنيا واآلخرة‪ ،‬وذلك هو الخسران المبين‪.‬‬
‫كما يحذرنا الله تعالى من اتخاذ الفاسدين أخالّء وأصدقاء‪ ،‬إذ (المرء على‬
‫دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) ‪ ،10‬ﱹﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﱸ الفرقان‪،٢٨ - ٢٧ :‬‬
‫حينئذ يكون أصدقاء الدنيا أعداء المخلصين لربهم‪ :‬ﱹﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﱸ الزخرف‪. ٦٧ :‬‬

‫صحيح مسلم‪ ،2276 /‬و ‪ ،3605‬و سنن الترمذي ‪13606 /‬‬ ‫‪ 10‬‬

‫‪53‬‬
‫اجمللة العاملية لبحوث القرآن‬

‫وال بد للمسلم من االختالط بالناس‪ ،‬ومحاولة إصالحهم‪ ،‬إذ (الدين النصيحة)‪،11‬‬


‫وفي الحديث الصحيح‪( :‬ألن تخالط الناس وتصبر على أذاهم خير من ْأن تعتزلهم‪،‬‬
‫وتسلم من أذاهم)‪.12‬‬
‫دخ َن‪ ،‬وإما أن يكون مكفهراً ال‬
‫والفساد إما ان يكون أمراً إعتياديًا‪ ،‬صالحاً وفيه َ‬
‫أمل في إصالحه‪.‬‬
‫أما الفساد األول فهو الشائع على مدى العصور‪ ،‬وهو واقع الصالح الذي فيه دخن‪،‬‬
‫ومجاالته واسعة‪ ،‬ومن وسائل الدعوة فيه ما يأتي‪:‬‬
‫اإلعراض عن الفاسدين الذين يطعنون بالقرآن‪ ،‬ثم النهي عن القعود معهم إالّ‬
‫لتذكيرهم بسوء سلوكهم‪ ،‬وتوجيههم إلى الهدي اإللهي‪ ،‬بعيداً عن الخوض بالطعون‪،‬‬
‫وحين انتهاء هذه المسؤولية في التذكير (المؤدب‪ ،‬هكذا مجرد تذكير) ال بد من هجرهم‪،‬‬
‫لئال يغروا الصالحين‪ ،‬بما عندهم من وسائل اإلغراء أو يرهبونهم‪ :‬ﱹﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ‬
‫ﰋﰌﰍ ﰎﰏ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﱸ األنعام‪.٦٩ - ٦٨ :‬‬
‫اجتناب الطواغيت من حكام ظلمة ومسؤولين مجرمين‪ ،‬لما لهم من وسائل اإلغراء‬
‫واإلرهاب‪ ،‬بما يحمل النفوس الضعيفة على الخضوع لهم طوعاً أو كرها‪:‬ﱹﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﱸ الزمر‪.١٨ - ١٧ :‬‬
‫وهذه أدق وصية قرآنية للحفاظ على الشخصية المستقيمة‪ ،‬باخالئها من غير الله‪،‬‬
‫وملئها بهديه‪:‬‬
‫ممن سـواك مـألته بهداكا‬ ‫ـت بأن قلبـي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارغ ‬
‫لما علم ُ‬
‫‪13‬‬
‫مني مكـاناً خاليا لسواكـا‬ ‫ومألت كلي منك‪ ،‬حتى لم أدع ‬
‫نهي القرآن الكريم المسلمين أن ينصروا الظالمين أو أن يطمئنوا إليهم‪ :‬ﱹﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﱸ‬

‫أخرجه أبو داود والترمذي باسناد صحيح‪.‬‬ ‫‪ 11‬‬

‫سبق تخريجه‪.‬‬ ‫‪ 12‬‬

‫أخرجه ابن كثير ‪ ،652 ،5/2‬والقرطبي ‪ ،312/10‬والدر المنثور للسيوطي ‪ ،162 /1‬ومختصر تفسير‬ ‫‪ 13‬‬

‫ابن كثير ‪.354 /1‬‬


‫‪54‬‬
‫اإلعجاز القرآين يف توجيه السلوك اإلنساين‬

‫هود‪ ،١١٣ :‬ﱹﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﱸ القصص‪ ، ١٧ :‬وإن‬


‫الله لينتقم من الحكام الظالمين‪ ،‬وممن رأى مظلوماً‪ ،‬وقدر على نصرته فأعرض‪ :‬يقول‬
‫الله ع ّز ّ‬
‫وجل في حديثه القدسي‪“ :‬وع ّزتي وجاللي ألنتقمن من الظالم في عاجله وآجله‪،‬‬
‫وألنتقمن ممن رأى مظلوماً فقدر على أن يعينه فلم يفعل”‪.14‬‬
‫أسلوب دعوة المسلم‪ ،‬أسلوب واع‪ :‬ﱹﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫المدعو‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﱸ يوسف‪ ،١٠٨ :‬واع بقدراتك وبفهم‬
‫وبفهم الواقع السياسي الذي تعيش فيه‪ ،‬وبالمؤامرات عليك وعلى الدعاة‪ ،‬وعلى الوطن‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ومعرفتك بالتخطيط المحيط حولك ‪ -‬الداخلي والخارجي‪ ،‬وكل هذا من‬
‫الحكمة‪ :‬ﱹﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﱸ النحل‪:‬‬
‫‪ ،١٢٥‬ومن الحكمة والوعي أن تسبق أخالقك وسلوُكك لسانَك في الدعوة‪ ،‬وتكون‬
‫قدوة في حركاتك وسكناتك‪ ،‬وأن يكون ميزان عالقتك بالناس (حب الله والعقيدة)‪ ،‬ال‬
‫الهوى والمصلحة‪“ :‬من أحب في الله وأبغض في الله‪ ،‬وأعطى في الله‪ ،‬ومنع في الله‪،‬‬
‫فقد استكمل اإليمان”(أخرجه مسلم)‪.‬‬
‫أما حين دعوة الفاسدين ‪ -‬وهم أعداء العقيدة ‪ -‬فعلينا أن نحمل أنفسنا على سلوك‬
‫محبب إليهم‪ ،‬لتقريبهم إلينا‪ ،‬ولنحملهم على اإلنجذاب لما ندعوهم إليه‪ :‬ﱹﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﱸ فصلت‪ ،٣٤ :‬ألننا بصدق نحب له الهداية‪ ،‬ولكنا‬
‫ال نحبه‪ ،‬ألنه يبغض إلهنا وينكر نبينا وكتابنا‪ ،‬ولعله يبغضنا كذلك‪ ،‬إن كان فاهماً دينه‬
‫الذي يحمله على كرهنا‪.‬‬
‫العدو ال يحب‪ ،‬ولكن المسلم يحب الخير لكل أحد‪ ،‬وهذا السلوك هو وسيلة‬
‫جذبه إلينا وإلى اإلسالم النافر منه‪ ،‬لعل الله يهديه إلى اإلسالم فنربح به اآلخرة‪( :‬يا علي‬
‫ألن يهدي الله على يديك رجالً‪ ،‬خير لك مما طلعت عليه الشمس)‪.15‬‬
‫ولكن هذا السلوك مع العدو ال يقدر عليه كل أحد‪ ،‬إذ هو موضع شك من قبل‬
‫أقرب الناس إلى الداعي في صلته بأعداء اإلسالم بهذا األدب الجم الذي يضعه في قفص‬
‫ينسب إلى اإلمام الشافعي‪.‬‬ ‫‪ 14‬‬

‫أخرجه البيهقي في شعب اإليمان‪( ،9024 /‬وفي وصية النبي الحكيم ألحد أصحابه‪ :‬أال أدلك على مالك‬ ‫‪ 15‬‬

‫فحرك لسانك ما‬ ‫هذا األمر‪ ،‬الذي تصيب به خير الدنيا واآلخرة؟‪ ،‬عليك بمجالس أهل الذكر‪ ،‬وإذا خلوت ّ‬
‫استطعت بذكر الله‪ ،‬وأحب في الله‪ ،‬وأبغض في الله‪ ،‬يا أبا رزين‪ :‬هل شعرت أن الرجل إذا خرج من بيته زائراً‬
‫فصلْه‪ ،‬فإن استطعت أن تعمل‬ ‫أخاه شيعه سبعون ألف ملك‪ ،‬كلهم يصلون عليه‪ ،‬ويقولون ربنا إنه وصل فيك ِ‬
‫في جسدك في ذلك فافعل) وعنه (‪ :)i‬من أحب أحداً لله في الله‪ ،‬قال‪ :‬إني أحبك فدخال جميعاً الجنة‪،‬‬
‫كان الذي أحب في الله أرفع درجة لحبه على – الذي أحبه له) األدب المفرد‪ ،556 /‬ضعيف‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫اجمللة العاملية لبحوث القرآن‬

‫اإلتهام من قبل الجميع‪ ،‬إال من رحم ربك‪ ،‬لذا عليه الصبر والتحمل وافهام المقربين إليه‬
‫أن صلته الطيبة بأعداء اإلسالم غير المقاتلين لنا‪ ،‬وال المحتلين ألوطاننا‪ ،‬وال المتآمرين‬
‫علينا‪ ،‬إنما هي امتثال لهدي الله في تقريبهم إليه وإلى اإلسالم في دعوته‪ ،‬وعليه االلتجاء‬
‫أصدقاء ومنافقين‪ ،‬بل من قبل من‬
‫َ‬ ‫إلى الله في هذه المحن المبتلى بها من قبل الناس ‪-‬‬
‫يدعوهم كذلك‪ ،‬لذا عقّب الله تعالى باآلية الكريمة‪ :‬ﱹﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﱸ فصلت‪.٣٥ :‬‬
‫أما في غير مجال الدعوة‪ ،‬وحين تقدير الداعية أال فائدة من الفاسدين في دعوتهم‪،‬‬
‫فعليه أن يجتنب م ّداحيهم‪“ :‬أمرنا رسول الله (‪ )i‬أن نحث في وجوه المداحين التراب”‪،16‬‬
‫كما أمرنا (النبي الكريم أن نلقاهم بوجوه غاضبة تشعرهم بحقارتهم‪“ :‬أمرنا رسول الله (‪)i‬‬
‫مكفهرة” (أخرجه مسلم)‪ ،‬إلشعارهم بعزة المسلم‪ ،‬بعيداً عن‬
‫ّ‬ ‫أن نلقى أهل المعاصي بوجوه‬
‫الذلة لهم أو احترامهم‪ ،‬بعد عجزنا عن هدايتهم‪.‬‬
‫الحذر كل الحذر من اتباع األسياد الفاسدين المفسدين‪ :‬الذين يفسدوننا في الدنيا‬
‫الت حين‬‫ويصعدون على رؤوسنا بعروشهم‪ ،‬ويقحموننا النار في اآلخرة‪ ،‬ويتبرؤون منا‪ ،‬و َ‬
‫ندم! ﱹﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﱸ البقرة‪.١٦٧ - ١٦٦ :‬‬
‫أما الدعوة حين استشراء الفساد المكفهر وأعاصيره فإ ّن المسلم في تفاعل دائم بينه‬
‫وبين بيئته‪ ،‬في مجال اإلصالح الذي ميّزه عن سائر البشر‪ ،‬فنال به الخيرية عليهم‪ :‬ﱹﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﱸ آل عمران‪:‬‬
‫‪ ،١١٠‬وليس للمسلم من مسؤولية في الدنيا أكبر من إصالح المفسدين وتذكير الصالحين‪،‬‬
‫وزيادة صالحهم‪ ،‬إذ أن الله خلقه إلعمار الدنيا بهدي الله‪ ،‬لذا فإن المسلم بين جذب‬
‫وش ّد علي ق ْدر طاقته التي يسخرها في إصالح بيئته‪ ،‬غير أن ضعف قدرته أمام أهوال الفساد‬
‫َي بزمام نفسي!)‪:‬‬‫وأعاصيره يحمله أحيانًا علي اإلحجام عن اإلصالح‪ ،‬ويقول حينئذ‪َ ( :‬عل ّ‬
‫(ال يحقّرن أح ُدكم نفسه‪ ،‬قالوا‪ :‬وكيف يحقّر أحدنا نفسه يا رسول الله؟ قال (‪ :)i‬يتعرض‬
‫من البالء ما ال يطيق)‪.17‬‬

‫أخرجه الحاكم في مستدركه‪ ،6537 /‬وأخرجه اإلمام أحمد في مسنده‪( 21569 /‬يا معاذ‪ ،‬أن يهدي‬ ‫‪ 16‬‬

‫ال من أهل الشرك‪ ،‬خير لك من أن يكون لك حمر النعم)‪.‬‬ ‫الله على يديك رج ً‬
‫أخرجه البيهقي في شعب اإليمان‪ ،6701 /‬وورد (إنما الغضب على أهل المعاصي لجرأتهم عليها‪ ،‬فإذا‬ ‫‪ 17‬‬

‫تذكرت ما يصيرون إليه من عقوبة اآلخرة‪ ،‬دخلت القلوب الرحمة لهم)‪.‬‬


‫‪56‬‬
‫اإلعجاز القرآين يف توجيه السلوك اإلنساين‬

‫فاالستطاعة والفروق الفردية هي المسؤول صاحبها عنها‪“ :‬ما نهيتكم عنه فاجتنبوه‪ ،‬وما‬
‫أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم”‪ .18‬يقول الله عز وجل‪ :‬ﱹﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﱸ‬
‫البقرة‪ ،٢٨٦ :‬إذ لكل نفس طاقة خاصة تستوعب تكليف الله لها‪ ،‬بفروقها الفردية التي‬
‫استودعها فيها‪ :‬ﱹﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﱸ الطالق‪ ، ٧ :‬ومن دعاء القرآن الكريم‪ :‬ﱹ ﯭ‬
‫كل طاقة محدده تختلف عن سواها‪ ،‬وصاحبها‬ ‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﱸ البقرة‪ ،٢٨٦ :‬أي ّ‬
‫مسؤول عن استيعاب طاقته في تنفيذ أمر الله‪.‬‬
‫وحين ادلهام الخطوب‪ ،‬وطغيان الظلم وتالطم أمواج الفساد‪ ،‬يحار الداعية في أمره‪،‬‬
‫ويخيره اإلسالم بين ثالثة أمور‪ ،‬حسب طاقاته وقدراته‪ ،‬وحسب تقديراته للظروف الداخلية‬
‫والخارجية الخانقة للمؤمنين‪( :‬إما التصدي الجرئ للظلمة‪ ،‬وإما الهجرة إلى مكان آمن بنّي ِة‬
‫العودة إلى الدعوة‪ ،‬وإما الصبر على البالء واالنزواء عن الناس‪ ،‬انتظاراً للفرج‪ ،‬والقلب نابض‬
‫بروح الدعوة‪ ،‬يتربص الظروف المواتية)‪.‬‬
‫ال بحديث المصطفى (‪( :)i‬سيد الشهداء حمزة‪ ،‬ورجل‬ ‫أما (التصدي)‪ ،‬فعم ً‬
‫قام إلى إمام جائر‪ ،‬فأمره فنهاه فقتله) ‪ .‬بسبب أن الغيرة على الله ودينه أعز على‬
‫‪19‬‬

‫المسلم من روحه‪ :‬ﱹﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬


‫ﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﭑﭒ ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ‬
‫ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﱸ آل عمران‪.١٧٥ - ١٧٣ :‬‬
‫جميعا عني‪ ،‬واهت ّزت مني شعره‪،‬‬
‫ويقول أحد الدعاة المخلصين‪( :‬لو انفض الناس ً‬
‫فقد كفرت بالله)‪ ،‬ألن الله حسبنا في سائر أعمالنا‪ :‬ﱹﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾﱸ األنفال‪ ،٦٤ :‬ﱹﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﱸ الفرقان‪ .٣١ :‬أال يكفينا‬
‫الله وهديه ونصره! بلى‪ ،‬وأنا على ذلك من الشاهدين!‪.‬‬
‫وأما الهجرة‪ ،‬فهي الخيار الثاني‪ :‬حين تضيق البيئة الفاسدة بظلماتها المجلجلة على‬
‫المسلمين الدعاة‪ :‬ﱹﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡﮢﮣ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮭﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬

‫أخرجه الترمذي وابن حبان وأحمد‪ ،‬ورجاله ثقات‪.‬‬ ‫‪ 18‬‬

‫أخرجه بن سعد في الطبقات‪ ،‬وابن االعرابي في المعجم‪.‬‬ ‫‪ 19‬‬

‫‪57‬‬
‫اجمللة العاملية لبحوث القرآن‬

‫ﯻ ﯼ ﱸ النساء‪ .١٠٠ - ٩٧ :‬ولقد أذن النبي الداعية المجاهد ألصحابه البررة‬


‫بالهجرة إلى الحبشة مرتين بسبب حمأة العذاب عليهم‪ ،‬وللحفاظ عليهم في بيئة آمنة‪،‬‬
‫ترصداً لتغير األحوال والعودة إلى الجهاد الذي تنبض به عروق المهاجرين‪ ،‬بعد ان ذاقوا‬
‫ّ‬
‫األمرين في وطنهم‪ :‬ﱹﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﱸ األنفال‪.٢٦ :‬‬
‫ثم كانت هجرة النبي المجاهد (‪ )i‬هو وأصحابه إلى المدينة المنورة‪ ،‬فتحاً مبينًا‬
‫لهم‪ ،20‬وكانت بدء التاريخ اإلسالمي الهجري‪ ،‬في دار الهجرة الجديدة اآلمنة التي ربّى‬
‫النبي فيها أصحابه‪ ،‬وأقام دولته‪ ،‬وكانت عاصمة الخالقة االسالمية أكثر من ثلث قرن!‬
‫وكان للهجرة في عمر التاريخ االسالمي آثارها في هجرة عشرات الماليين هرباً من‬
‫المغول‪ ،‬ومن الظروف السيئة إلى أقاصي األرض‪ ،‬وحباً في نشر اإلسالم بين األمم‪،‬‬
‫فكانت الهجرة إلى الشرق األقصى في أندونيسيا وماليزيا وتايالند والصين والهند‪ ،‬وجزائر‬
‫المحيط الهندي‪ ،‬والسواحل الشرقية والغربية الفريقيا وعبر الصحراء الكبري إلى قلب‬
‫إفريقيا‪ ،‬وإلى سيبريا حتى القطب الشمالي!‪.‬‬
‫أما الصبر في البيوت‪ ،‬والتربص للوثوب‪ ،‬فهو الخيار الثالث‪ ،‬وهو أصعب‬
‫االحتماالت‪ ،‬ألن اإلقامة على الذل أصعب األمور على المسلم الداعية المجاهد‬
‫(الرباط)‪:‬‬
‫وهو ِّ‬
‫الح ّي والوتـد!‬
‫إال األذالن‪ :‬عير َ‬ ‫وال يقيم على َضيْم يُـرادل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ‬
‫وذا يُ َش ّج‪ ،‬فـال يرثي لـه أحد!‬ ‫الخ ْس ِف مربوط برمتّه ‬
‫هذا على َ‬
‫عهودهم‪،‬‬
‫مرجت ُ‬ ‫يقول المصطفى (‪ )i‬إمام الدعاة إلى الله‪“ :‬إذا رأيت الناس قد ً‬
‫وخ َّفت أماناتهم‪ ،‬وكانوا هكذا‪ ،‬وشبك أصابعه‪ ،‬قال الراوي‪ :‬فقمت إليه‪ ،‬فقلت‪:‬‬ ‫َ‬
‫كيف أفعل عند ذاك؟ جعلني الله فداك؟ قال‪ :‬إلزم بيتك ‪ ،‬واملك عليك لسانك‪ ،‬وخذ‬
‫ما تعرف‪ ،‬ودع ما تنكر‪ ،‬وعليك بأمر خاصة نفسك‪ ،‬ودع عنك العامة”‪ ،21‬أي حين‬
‫ال عهود وال أمانة وال صدق‪ ،‬وحين تشابك مشكالت الحياة ومعضالتها‪ ،‬كتشابك‬
‫األصابع‪ ،‬حينئذ في تلك البيئة ال جدوى من الدعوة‪ ،‬والحفاظ على الحياة أولى من‬
‫كان حمزة ( ) قبل استشهاده يقول‪( :‬أنا أسد الله وأسد رسوله) وقال (‪( :)i‬سيد الشهداء يوم‬ ‫‪ 20‬‬

‫القيامة حمزة) الحديث أعاله أخرجه الحاكم في المستدرك‪ ،4884 ،2557 /‬في رواية أخرى و‬
‫‪.4900‬‬
‫إلي من‬ ‫يقول (‪ )i‬في بشارة الله تعالى له بالهجرة في سورة الفتح‪( :‬نزل َّ‬
‫علي البارحة سورة هي أحب َّ‬ ‫‪ 21‬‬

‫الدنيا وما فيها‪ ،‬وهي‪ :‬إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً)‪.‬‬


‫‪58‬‬
‫اإلعجاز القرآين يف توجيه السلوك اإلنساين‬

‫تعريضها للفناء‪ ،‬فيعمل المسلم ما يعرفه فطرًة وهديًا إلهيًا‪ ،‬ويترك ما يُ ِ‬


‫نكره على المجتمع‬
‫وعلى الطغاة‪ ،‬إذ ال فائدة أن يضحي بنفسه‪ ،‬وعليه أن يعنى بحاجة نفسه‪ ،‬ويدع العامة‪،‬‬
‫إذ فيها البالء والمصائب‪ ،‬وفيها ينتشر المخبرون والجواسيس‪ ،‬واألعداء المتربصون‬
‫بالوقيعة والخطف والقتل والمداهمة‪.‬‬
‫وعلى المسلم أن يحافظ علي حياته‪ ،‬وال يغامر بها إال إذا رجحت في قلبه كفة‬
‫المغامرة‪ ،‬ألن حياته عزيزة على ربه‪( :‬لو اجتمع أهل السماء وأهل األرض على قتل مسلم‬
‫ألكبهم الله جميعاً في النار)‪.22‬‬
‫أما استمرار آثار البيئة السيئة على األفراد والمجتمع فإن خطره يؤدي تدريجاً إلى انهيار‬
‫السلوك بمراحل ثالث‪:‬‬
‫الترقيع‪ ،‬وهو ضم الفكر الدخيل والسلوك السيئ بمغرياته والزخرفة لدعاته إلى أصالتنا‪:‬‬
‫ﱹﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﱸ األنعام‪ ،١٢٢ :‬وإن جمع المتناقضين‬
‫يزعزع العقيدة السليمة في الخير‪ :‬كما يعصف بالسلوك المستقيم‪ ،‬ويمزق الفكر‪ ،‬ويعزل‬
‫ابتداء ‪ -‬باالنحدار إلى الحياة إلبهيمية‪ ،‬فاقداً‬
‫(الروح والقلب) عن الحياة‪ ،‬فيعيش اإلنسان ً‬
‫مقوماته اإلنسانية‪ :‬ﱹﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﱸ النساء‪.١١٥ :‬‬
‫التفتيت‪ ،‬فإن استمر الترقيع‪ ،‬من غير منّبه إليه‪ ،‬ومن غير عمل شعبي وحكومي‬
‫جاد في الرجوع إلى (األصالة) التي تمثل مقومات هذه األمة في إسالمها الذي هو حياتها‬
‫ومجدها‪ ،‬ستؤول النتيجة إلى تمزيق العقيدة وتمزيق المنهاج اإلسالمي للحياة‪ ،‬فتهزل القيم‬
‫وتتضاءل إزاء الغزو الفكري واألخالقي القائم اآلن في العالم العربي واإلسالمي‪ ،‬السيما في‬
‫المجال الثقافي والتربوي‪ :‬ﱹﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﱸ البقرة‪.٨٥ :‬‬
‫االنسالخ‪ ،‬وهو آخر مراحل االنهيار لمن يستجيب لإلعالم والمناهج غير اإلسالمية‬
‫التي تعبث بنا اليوم‪ ،‬حينئذ يستوي المسلمون ‪ -‬ال سمح الله ‪ -‬مع أعدائهم في العقيدة‬
‫حكمون أطواقهم عليهم‪ :‬ﱹﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬ ‫و يقهرونهم‪ ،‬ألنهم أقوى منهم‪ ،‬فيُ ِ‬
‫ﮄ ﮅﱸ النساء‪ ،٨٩ :‬ويسخرونهم لمصالحهم‪ ،‬عبيداً لهم‪ ،‬ال سمح الله‪ ،‬وهذا‬
‫ما يخططون له وينفذونه‪ :‬ﱹﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬

‫أخرجه الحاكم في المستدرك‪ ،7758 /‬وأحمد في مسنده‪.6948 /‬‬ ‫‪ 22‬‬

‫‪59‬‬
‫اجمللة العاملية لبحوث القرآن‬

‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﱸ األعراف‪.١٧٦ - ١٧٥ :‬‬
‫ويؤكد النبي الحكيم الحذر من هذا المصير لالنسالخ من اإلسالم بالنتيجة المفجعة التي‬
‫حلت اليوم‪( :‬يوشك ان تداعى عليكم األممكما تداعى األكلة على قصعتها‪ ،‬قالوا‪ :‬أومِنِقلٍة‬
‫نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬ولكنكم غثاءكغثاء السيل‪ ،‬ولينِزعن الله من قلوب أعدائكم‬
‫ليقذفن في قلوبكم الوهن‪ ،‬قالوا‪ :‬وما الوهن يا رسول الله؟ قال (‪ :)i‬حب‬
‫المهابة منكم‪ ،‬و ّ‬
‫الدنيا‪ ،‬وكراهيتكم الموت)‪.23‬‬

‫ثانياً‪ :‬اإلعجاز الرباني في أثر البيئة الصالحة في السلوك‪:‬‬


‫الحياة التي نحياها هي البيئة التي تحيط بنا‪ ،‬ممتزجة بآثار الفطرة اإلنسانية‪ ،‬وآثار الفروق‬
‫الفردية كذلك‪ ،‬كما علمنا سابقا‪ ،‬ولكل منهما آثارها‪ ،‬رضينا أم أبينا‪.‬‬
‫أما الروح والعقل والقلب والجسد‪ ،‬فقد فطرت كلها على الخير‪ ،‬وأما النفس ففطرت‬
‫على الخير والشر معا‪ :‬ﱹﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﱸ الشمس‪،٨ - ٧ :‬‬
‫إبتالء من الله لنا أن نحسن رعايتها‪ ،‬بتوجيه العقل والقلب لها‪ ،‬وتسخير الهدي اإللهي‬
‫فننميه ومن شر فنقصيه‪ :‬ﱹﭰ ﭱ‬ ‫للتسامي بها‪ ،‬مع االنتباه إلى ما أودع فيها من خير ّ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﱸ الشمس‪.١٠ - ٩ :‬‬
‫وما دام هذا الدين متجاوباً مع الفطرة‪ ،‬وال يعارضها‪ ،‬بل يسمو بها‪ ،‬فال نفاق‬
‫به وال إكراه عليه‪ :‬ﱹﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﱸ البقرة‪ ،٢٥٦ :‬رشد فطري‪،‬‬
‫ورشد هداية رب العالمين‪ ،‬نزل في كتاب محكم مفصل من خالق النفس وخالق الحياة‪:‬‬
‫ﱹﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﱸ هود‪.١ :‬‬
‫اإلعجاز الرباني بدوافع السلوك في إصالح البيئة‪ :‬إن إصالح البيئة بتنقيتها من‬
‫آثار الفساد‪ ،‬ثم التسامي بها في مدارج اإلصالح‪ ،‬يتزامنان مع بناء الفطرة اإلنسانية‬
‫الوراثية‪ ،‬وال ينفصالن عنها‪ ،‬لغرض البناء المتكامل لإلنسان الرباني‪ :‬ﱹﮚ ﮛﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﱸ البقرة‪ ،١٣٨ :‬لذلك فإنه يحتاج إلى جهود‬
‫مكثفة‪ ،‬ودوافع سلوكية تتناسب معها‪ ،‬إلدراك النتائج الموعودة‪ :‬ﱹﮠ ﮡ ﮢ‬

‫أخرجه البيهقي في شعب األيمان‪ ،5352 /‬ويروى‪( :‬لو أن أهل األرض اشتركوا في قتل مؤمن لعذبهم‬ ‫‪ 23‬‬

‫الله) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى‪ ،16292 /‬ومن يشاقق الرسول‪ ،‬أي يأخذ ش ّقاً من هديه‪ ،‬وشقاً‬
‫من هدي غيره!‬
‫‪60‬‬
‫اإلعجاز القرآين يف توجيه السلوك اإلنساين‬

‫ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﱸ العنكبوت‪.٦٩ :‬‬
‫وإن دوافع السلوك التي تقوي اإلرادة في حمل عبء‪ ،‬اإلصالح الثقيل أربعة‪:‬‬
‫مصدر الهدي اإللهي‪ :‬وهو القرآن الكريم‪ ،‬وقدسيته‪ ،‬إنه من رب العالمين‪ ،‬خالق‬
‫الكون‪ ،‬وهو أحب إلينا من الدنيا وما فيها‪( :‬ثالثة من ُك ّن فيه وجد بهن حالوة اإليمان‪:‬‬
‫أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‪ ،‬وأن يحب المرء ال يحبه إال لله‪ ،‬وأن يكره‬
‫أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه‪ ،‬كما يكره أن يقذف في النار)‪.24‬‬
‫ولن تستحكم الروابط االجتماعية في نفوس أصحابها إال حين يكون الله تعالى هو‬
‫الدافع السلوكي المتجرد عن غيره‪ ،‬يقول إمام الدعاة (‪( :)i‬إذا جمع الله الناس يوم‬
‫القيامة ليوم ال ريب فيه‪ ،‬نادى مناد‪ :‬من كان أشرك في عمل عمله لله أحداً‪ ،‬فليطلب‬
‫ثوابه من عند غير الله‪ ،‬فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك)(متفق عليه)‪ ،‬وان نظام الهدي‬
‫اإللهي ومنهاج الحياة لنا هو القرآن الكريم‪ :‬ﱹﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﱸ الشعراء‪ ،١٩٥ - ١٩٢ :‬وشرحه‬
‫بسنته‪ :‬ﱹﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﱸ‬
‫النحل‪.٤٤ :‬‬
‫طبيعة الهدي اإللهي‪ :‬بسبب كونه فطريًا معروفاً في النفس من غير معلم‪ :‬كما‬
‫أسلفنا‪ ،‬وكونه يسمو بها إلى أعلى المنازل‪ ،‬وعيًا عقليًا‪ ،‬وإدراكاً لمزاياه‪ ،‬ولتجاوبه‬
‫مع القيم األخالقية الفطرية التي يسمو بها المسلم إلى القمة‪ ،‬بخلقه الذي ال نهاية‬
‫ال أعلى له‪ :‬ﱹﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ‬ ‫له إلى رب العالمين‪ ،‬مث ً‬
‫ﮀ ﮁ ﱸ الروم‪.٢٧ :‬‬
‫وبذا يستحيل هذا الخلق الرباني فيه إلى سلوك عملي إلسعاد البشر كافة‪( ،‬من ن ّفس‬
‫يسر عن‬‫عن مؤمن ُكربة من كرب الدينا‪ ،‬ن ّفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة‪ ،‬ومن ّ‬
‫يسر الله عليه في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا واآلخرة‪،‬‬
‫معسر ّ‬
‫والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) ‪ ،‬وإن ثمرة قضاء حاجات المعوزين‬
‫‪25‬‬

‫تعدل أضعاف ثواب العبادات‪( :‬ألن تسير مع أخيك في قضاء حاجته حتى تنجزها‪ ،‬خير‬
‫لك من صيام شهر واعتكافه في مسجدي هذا)‪ ،26‬وهي تعادل بضع عشرات اآلالف من‬
‫الحسنات! في قضاء حاجة واحدة‪.‬‬
‫أخرجه أحمد وأبو داود وابن عساكر وأبو نعيم‪.‬‬ ‫‪ 24‬‬

‫أخرجه مسلم والترمذي‪ /‬التاج‪.74/4 /‬‬ ‫‪ 25‬‬

‫أخرجه الستة إال البخاري‪ ،‬وأخرجه مسلم وابو داود‪ ،‬والترمذي‪.‬‬ ‫‪ 26‬‬

‫‪61‬‬
‫اجمللة العاملية لبحوث القرآن‬

‫جزاء الله بالثواب والعقاب‪ :‬لم يقتصر هذا الهدي اإللهي على السعادة‬
‫الدنيوية وحدها‪ ،‬بل شمل الدارين‪ :‬ﱹﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﱸ النحل‪ ،٩٧ :‬فهو‬
‫في جنتين ‪ -‬كرماً من ربه‪ .‬لذا فإن المسلم أبداً بين أمل وخوف‪ ،‬أمل برضوان الله‪،‬‬
‫وخوف من عقابه‪.‬‬
‫ﱹﮑ ﮒ ﮓ‬ ‫أما ثواب الله الكريم فيتمثل برحمته التي تطغى على نعيم الدنيا‪:‬‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﱸ يونس‪ ،٥٨ :‬ويتمثل برضوان الله عز‬
‫وجل الذي يطغى على نعيم أهل الجنة‪ :‬ﱹﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﱸ التوبة‪ ،٧٢ :‬ومن نعيم الجنة رفقة المصطفى (‪ ،)i‬أما نعمة النظر إلى وجهه‬
‫الكريم‪ ،‬فإنها تُنسي أهل الجنة نعيمها‪ :‬ﱹﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﱸ القيامة‪:‬‬
‫‪ ،٢٣ - ٢٢‬يقول الحبيب (‪( :)i‬إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة‬
‫البدر‪ ،‬وال تضامون في رؤيته)‪.27‬‬
‫ومن رحمته بنا يوم القيامة هذا الحديث المبهر من رب كريم‪( :‬إن لله مئة‬
‫رحمة‪ ،‬أنزل منها رحمة واحدة بين الجن واإلنس والبهائم‪ ،‬فيها يتعاطفون‪ ،‬وبها‬
‫أخر تسعاً وتسعين رحمة‪ ،‬يرحم‬ ‫يتراحمون‪ ،‬وبها تعطف الوحوش على أوالدها‪ ،‬و ّ‬
‫بها عباده يوم القيامة) ‪ .28‬ومن رحمته ع ّز وجل حسابنا اليسير على أعمالنا‪ :‬ﱹﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﱸ االنشقاق‪ ،٨ - ٧ :‬إذ (من‬
‫نوقش الحساب يهلك) ‪ ،29‬نأمل الله تعالى برحمته تسلم كتابنا بأيماننا‪ ،‬وتلك هي‬
‫الفرحة الكبرى الدائمة‪ :‬ﱹﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ‬

‫أخرجه الحاكم في المستدرك‪ ،7706 /‬ونصه كامالً‪( :‬من أدخل على مؤمن سروراً إما أن أطعمه من جوع‬ ‫‪ 27‬‬

‫وإما أن قضى عنه دينا‪ ،‬وإما نفّس عنه كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه ُك َرب القيامة‪ ،‬ومن أنظر موسراً‬
‫ظل إال ظله‪ ،‬ومن مشى مع أخيه في ناحية القرية ليثبت حاجته ثبّت‬ ‫أو تجاوز عن معسر أظلّه الله يوم ال ّ‬
‫الله ع ّز وجل ق َدمه يوم تزِّل األقدام‪ ،‬وألن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته أفضل من ان يعتكف‬
‫في مسجدي هذا شهرين – وأشار بإصبَعه – آال اخبركم بشراركم؟ قالوا‪ :‬بلى يا رسول الله‪ ،‬قال‪ :‬الذي‬
‫ينزل وحده ويمنع رفده ويجلد عبده)‪.‬‬
‫أخرجه البخاري‪.6999 /‬‬ ‫‪ 28‬‬

‫ونصه كامالً‪( :‬إن الله خلق يوم خلق السماوات واألرض مئة رحمة طباق ما بين السماوات واألرض‪ ،‬فجعل‬ ‫‪ 29‬‬

‫في األرض منه رحمة طباق ما بين السماوات واألرض‪ ،‬فجعل في األرض منها رحمة‪ ،‬فيها تعطف الوالدة‬
‫أخر تسعاً وتسعين إلى يوم القيامة‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة‪ ،‬أكملها بهذه‬
‫علي ولدها‪ ،‬والوحش بعضها بعضا‪ ،‬و ّ‬
‫الرحمة منه) أخرجه ابن حبان وأحمد‪.6147 ،23208 /‬‬
‫‪62‬‬
‫اإلعجاز القرآين يف توجيه السلوك اإلنساين‬

‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﱸ الحاقة‪.٢٤ - ١٩ :‬‬
‫أما عقابه‪ ،‬فهو أليم وُمهين‪ ،‬ينتهي بتسلّم ٍّ‬
‫كل من المفسدين كتابَه بشماله‪ :‬ﱹﯞ‬
‫ﯟﯠﯡ ﯢﯣﯤﯥ ﯦﯧ ﯨﯩﯪ ﯫﯬﯭﯮﯯ ﯰﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬
‫ﰇﰈﰉﰊﰋ ﰌ ﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗ ﭑﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﱸ الحاقة‪.٣٧ - ٢٥ :‬‬
‫السيرة النبوية‪ :‬التي تمثل الخلق الرباني الذي أنزله الله على جميع األنبياء‪ ،‬متمث ً‬
‫ال‬
‫بالسلوك العملي‪ ،‬هو قدوة ألمته حتى قيام الساعة‪ ،‬بما يوضح الصورة المثالية لإلنسان‬
‫الرباني الملتزم‪ ،‬بمنهاج خالقه‪ ،‬وليس في الوجود إنسان حقق هذه الصورة في جمعه‬
‫للفروق الفردية الوراثية الفطرية‪ ،‬المنبثة من نطفة آدم في الخلق حتى انتهت إليه! إال سيد‬
‫األنبياء محمد (‪ .)i‬إنها الصورة اإلنسانية الوحيدة في عمر التاريخ البشري التي يطابق‬
‫فيها السلوك العملي المنهاج الفطري الرباني‪ ،‬بهذا الشمول وهذا التسامي! صلّى الله‬
‫عليك ومالئكته يا رسول الله‪ ،‬يا إمام الرسل أجمعين‪.‬‬
‫إن هذه الدوافع السلوكية األربعة‪ ،‬ال تتوفر إال باإلسالم‪ ،‬نظام البشرية الخالد‪ ،‬حتى‬
‫قيام الساعة‪ ،‬وما سواه نقص هائل في التوجيه السليم‪ ،‬إضافة إلى ما فيه من فساد أو‬
‫إفساد‪ ،‬باجتهاد اإلنسان الخاطئ الملوث بالهوى والمصالح‪.‬‬
‫يقول الصادق المصدوق (‪( :)i‬قد تركتكم على البيضاء‪ ،‬ليلها كنهارها‪ ،‬ال يزيغ‬
‫عنها بعدي إال هالك‪ ،‬ومن يعش منكم فسيرى اختالفاً كثيرا‪ ،‬فعليكم بسنتي وسنة‬
‫عضوا عليها بالنواجذ‪ ،‬وعليكم بالطاعة‪ ،‬وإن عبداً حبشياً‪،‬‬
‫الخلفاء الراشدين المهديين‪ّ ،‬‬
‫فإن المؤمن كالجمل األنف‪ ،‬حيثما قيد انقاد) ‪.‬‬
‫‪30‬‬

‫صحيح البخاري‪( 103 /‬من حوسب عذب‪ ،‬فقالت عائشة‪ :‬فقلت‪ :‬أو ليس يقول الله تعالى فسوف‬ ‫‪ 30‬‬

‫يسيرا‪ ،‬قالت‪ :‬فقال إنما ذلك العرض‪ ،‬ولكن من نوقش الحساب يهلك)‪ ،‬ومسلم ومسند‬
‫يحاسب حساباً ً‬
‫أبي يعلى الموصلي‪.6445/6 /‬‬
‫‪63‬‬
‫اجمللة العاملية لبحوث القرآن‬

‫المبحث الثالث‬
‫اإلعجاز اإللهي في حكمته المهيمنة على السلوك اإلنساني‬
‫اإلعجاز في خلق الله وأمره‬
‫يقول الله تعالى‪ :‬ﱹﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﱸ األعراف‪،٥٤ :‬‬
‫ويوصينا بالتدبر في نصوص قرآنه المجيد‪ :‬ﱹﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﱸ محمد‪.٢٤ :‬‬
‫وحين تدبرنا لآلية الكريمة‪ ،‬نتبيّن ما يأتي‪:‬‬
‫(أال)‪ :‬أداة عرض‪ ،‬لالستفتاح‪ ،‬وهي تنبيه إلى ما بعدها من أمر جلل‪.‬‬
‫(له الخلق واألمر)‪ :‬تقديم الخبر (الجار والمجرور) على المبتدأ‪ ،‬هو أسلوب بالغي‬
‫من أساليب الحصر والقصر‪ ،‬يفيد أن (الخلق واألمر) من اختصاص الله وحده في هيمنته‬
‫على الخلق والكون‪.‬‬
‫(تبارك الله رب العالمين)‪ :‬هذه الهيمنة من بركات الله الخالق العليم‪ ،‬الذي اختار‬
‫(رب العالمين) من سائر صفاته الكريمة‪ ،‬إشارة إلى تربيته للعوالم التي‬
‫لذاته في هذه اآلية‪ّ :‬‬
‫خلقها متصلة بهذه الهيمنة‪ ،‬وأوضح مقام تربيته في هيمنته‪ ،‬ومن تربيته التنشئة على مناهجه‬
‫وهديه‪ :‬ﱹﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﱸ الشعراء‪ ،٧٨ :‬ومن تربيته القهر ألعدائه الطواغيت‬
‫والمتجبرين على عباده‪ ،‬المستعلين عليه‪ :‬ﱹﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﱸ‬
‫الدخان‪ ،١٩ :‬ومن تربيته إخضاع الكون لطاعته‪ :‬ﱹﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﱸ يس‪.٨٢ :‬‬
‫جميعه‪:‬ﱹﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﱸ‬ ‫أما األمر‪ :‬فهو أمر الله المطاع الساري على الكون‬
‫الرعد‪ ،٣١ :‬ﱹﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﱸ الروم‪ ،٤ :‬من قبل الخلق ومن بعده‪ ،‬وإن‬
‫أمره ع ّز وجل نافذ كلمح البصر‪ :‬ﱹﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﱸ القمر‪،٥٠ :‬‬
‫ﱹﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﱸ يس‪.٨٢ :‬‬
‫حكمة األمر اإللهي‪ :‬وإن أمره ع ّز وجل حكمة بالغة‪ ،‬يخضع الكون جميعه‬
‫له‪ :‬ﱹﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬

‫‪64‬‬
‫اإلعجاز القرآين يف توجيه السلوك اإلنساين‬

‫ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﱸ الروم‪٢٥ :‬‬
‫‪ .٢٨ -‬وليس األمر اإللهي عفوياً‪ ،‬وإنما هو مقدر بتقدير بالغ الدقة ﱹﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﱸ األحزاب‪.٣٨ :‬‬

‫اإلعجاز في إرادة الله ع ّز وجل وإرادة اإلنسان في الهيمنة على السلوك‪:‬‬


‫ﱹﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﱸ األنعام‪ ،١٠٢ :‬خلق‬
‫الكون وأودع فيه قوانينه التي تُظهر هيمنته عليه‪ ،‬وهي قوانين ثابتة‪ ،‬مغروسة في كيان‬
‫كل ذرة فيه يعلمها بدقائقها‪ :‬ﱹﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ‬
‫ﰋ ﰌ ﰍ ﱸ األنعام‪ ،٥٩ :‬فالكون جميعه يسير بها‪ ،‬ال تغيير لهذه القوانين ﱹﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﱸ يونس‪ ،٦٤ :‬وال تغيير لطبيعة الكون (ال تبديل لخلق الله)‪ ،‬بل‬
‫كل ما في الكون يسبح بعظمة الله‪ :‬ﱹﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﱸ اإلسراء‪.٤٤ :‬‬
‫كما خلق الله اإلنسان‪ ،‬وأودع فيه قوانين فطرية في كيانه في محاوره الخمسة‪ ،‬وهي‬
‫قوانينه الفطرية الوراثية المودعة فيه‪ ،‬بما تشعره بمجاالت الحالل والحرام‪( :‬إن الحالل‬
‫بيّن وإن الحرام بيّن‪ ،31)...‬مضافاً إليه ما أنزله الله الخالق العليم من هدى‪ ،‬تجاوباً مع‬
‫هذه الفطرة النقية المغروسة فيه وراثة ووالدة‪ :‬ﱹﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﱸ الروم‪ ،٣٠ :‬وتسامياً بها وتطويراً‪ ،‬وتحذيراً من‬
‫انحرافها عما فطرها عليه‪.‬‬
‫وتتمثل إرادة الله ع ّز وجل في هيمنته على اإلنسان في ابتالئه بالنفس وما فيها‬
‫وشر‪ ،‬وابتالئه بالشيطان الذي يوسوس له بالشر‪ :‬ﱹﯿ ﰀ ﰁ‬ ‫من خير ّ‬
‫ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﱸ األنبياء‪ ،٣٥ :‬وتتمثل كذلك بأن أودع فيه من بصيرة تبصره‬
‫الطريق‪ ،‬وهو (الضمير) ‪-‬ﱹﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﱸ القيامة‪:‬‬
‫‪ ،١٥ - ١٤‬و(العقل) المستجيب لهدى الله فطرة‪ ،‬لئال يعتذر اإلنسان عن انحرافه‬
‫بين يدي الله يوم الحساب‪.‬‬
‫ابتداء‪( :‬وعظنا رسول الله (‪)i‬‬
‫أخرجه ابن ماجه‪ ،43 /‬والحاكم‪ ،1 :96 /‬وأحمد‪ ،126 :4 /‬ونصه ً‬
‫‪ 31‬‬

‫موعظة ذرفت منها العيون‪ ،‬ووجلت منها القلوب‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إن هذه لموعظة مودع‪ ،‬فماذا تعهد‬
‫إلينا؟ قال الحديث‪ ،‬كما أورده الحاكم وابن حبان وابن عساكر‪ ،‬وأبو نعيم والخطيب البغدادي‪ ،‬بقوله‪:‬‬
‫(إني قد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا‪ :‬كتاب الله و سنتي‪ ،‬أال هل بلغت؟ اللهم‬
‫أشهد)‪.‬‬
‫‪65‬‬
‫اجمللة العاملية لبحوث القرآن‬

‫فسلوك اإلنسان بعد كل ذلك يمثل إرادة الله في النتيجة‪ ،‬ولكن من غير إلزام منه وال‬
‫إجبار‪ ،‬ولو ألزمه الله تعالى وأجبره‪ ،‬لما حاسبه على أعماله‪ ،‬بل ترك أنفسهم تحاسبهم‪:‬‬
‫ﱹﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﱸ اإلسراء‪.١٤ :‬‬
‫لها‪:‬ﱹﮭ ﮮ ﮯ‬ ‫أما إرادة اإلنسان إزاء إرادة الله ع ّز وجل‪ ،‬فليس له إال التسليم‬
‫ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﱸ األنعام‪ ،٧١ :‬ومشيئتنا في سلوكنا في الحياة‬
‫هي التي تمثل إرادة اإلنسان‪ ،‬مطابقة لمشيئة الله رب العالمين‪ :‬ﱹﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﱸ التكوير‪ ،٢٩ :‬سواء أكانت إرادتنا في الخير الذي فطرنا به الله‬
‫الشر بتنكب ما أودعه الله في فطرتنا‪ ،‬ومن غير إجبار الله ع ّز‬‫وأمرنا به‪ ،‬أم كانت في ّ‬
‫وجل لنا على سلوك معين‪ :‬ﱹﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﱸ التغابن‪.٢ :‬‬
‫أما إرادة الله تعالى في هيمنته على الكون من جمادات‪ ،‬فيمثلها ما أودع فيها من‬
‫قوانين ثابتة تهتدي بها في مسيرتها وحركتها‪ ،‬ويوضحها كثير من آيات القرآن الكونية‪،‬‬
‫التي تشير إلى قوانين الجاذبية وإلى القوانين الفيزيائية والكيميائية والجيولوجية التي تحكم‬
‫النظام الكوني بإرادة الله الخالدة‪ :‬ﱹﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﱸ فاطر‪.٤١ :‬‬
‫أما إرادة الله تعالى في هيمنته على عالم األحياء ‪ -‬الحيوان والنبات‪ ،‬وما يملك‬
‫المجردة من الوعي التام‪،‬‬
‫ّ‬ ‫من روح‪ ،‬ال عقل له وال إدراك‪ ،‬خلقه الله ووهبه الفطرة‬
‫بما عبّر عنه الله تعالى بالهداية في قوله تعالى‪ :‬ﱹﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ‬
‫ﰖ ﰗ ﱸ طه‪ ،٥٠ :‬خلقه الله الخالق العليم‪ ،‬وغرس فيه من الفطرة ما تهديه في‬
‫حياته من الحيوان الضخم ‪ -‬الفيل والكركدن والحوت إلى النمل والجراثيم‪ ،‬جميعها‬
‫هداها الله بفطرة محدودة مدركة تضمن لها حياتها وسالمتها‪.‬‬
‫لذا يحاسب الله الحيوان يوم القيامة على قدر إدراكه من اعتدائه على قرنائه‪ ،‬فينتقم‬
‫الحيوان المظلوم من الظالم‪ ،‬ثم يقول تعالى لهم‪( :‬كونوا ترابًا)‪ ،‬وهو ما يتمناه الكافر يوم‬
‫القيامة أن يكون مصيره مصير الحيوان‪ ،‬حيث يستحيل تراباً‪ :‬ﱹﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﱸ النبأ‪ ،٤٠ :‬بدالً من خلود الكافر في النار!‪ .‬يقول المصطفى (‪( :)i‬لت َؤد َّ‬
‫َّن‬
‫الحقوق إلى أهلها يوم القيامة‪ ،‬حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)‪.32‬‬

‫أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،1599 /‬في حديث طويل سبق ذكره‪.‬‬ ‫‪ 32‬‬

‫‪66‬‬
‫اإلعجاز القرآين يف توجيه السلوك اإلنساين‬

‫اإلعجاز في هداية الله ع ّز وجل‪:‬‬


‫إن أشق عمل في الوجود هو الهداية واإلصالح‪ ،‬وال هداية إال بتوفيق الله ع ّز وجل وعونه‪،‬‬
‫وهي مرتبطة بمشيئته حتى إن سيد الخلق محمد (‪ )i‬ال قدرة له على الهداية وحده‬
‫إال بعونه تعالى‪ :‬ﱹﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﱸ القصص‪.٥٦ :‬‬
‫وإن من الهداية ما هو منعقد بمشيئة الله وحده‪ ،‬وهو الذي يحكم الكون‪ :‬ﱹﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﱸ يونس‪ ،٢٢ :‬ومنها منعقد باألسباب المنطقية العادلة التي لها‬
‫صلة بإرادة اإلنسان‪ ،‬والمستجيبة لنداء الفطرة اإلنسانية الوراثية السليمة فيه‪.‬‬
‫أما امتناع الهداية الربانية‪ ،‬فمنها مشيئة الله التي ال اعتراض عليها‪ ،‬وهي عدل‪،‬‬
‫ولكن الغيب ال يعلمه إال هو‪ :‬ﱹﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﱸ ص‪ ،٨٨ :‬ومنها عقابه لمن‬
‫خالف فطرته النقية التي فطره الله عليها‪ ،‬وعقابه لمن ينكر الهدي اإللهي ويتح ّدى الله‬
‫ويجاهر بالمعاصي واالستعالء عليه ع ّز وجل‪ ،‬ويعبد الهوى ويفضل الدنيا على اآلخرة‪،‬‬
‫وينكر اآلخرة‪.‬‬
‫إن هذا اإلعجاز اإللهي في الهداية تمثله المحاور الثالثة اآلتية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬اإلعجاز في مشيئة الله المطلقة بالهداية‪ ،‬هي التي تحكم الكون‪:‬‬
‫إن الهداية من الظالم إلى النور‪ ،‬ومن الموت إلى الحياة‪ ،‬ومن الشقاء إلى السعادة‪،‬‬
‫هي كلها منعقدة بيد الله تعالى وحده‪ :‬ﱹﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﱸ األنعام‪ ،١٢٢ :‬ﱹﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﱸ البقرة‪ ،٢٥٧ :‬فالله تعالى بيده الهداية المطلقة‪ :‬ﱹﮫ ﮬ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﱸ البقرة‪ ،٢١٣ :‬فال اعتراض على هدايته‪ ،‬إذ له وحده‬
‫التصرف في خلقه كيف يشاء‪ ،‬ومشيئته عدل‪ ،‬وإن خفيت علينا أحياناً‪ :‬ﱹﮐ ﮑ‬
‫ّ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﱸ األحزاب‪.٤ :‬‬
‫حتى إن الضاللة هي من تقدير الله ومشيئته كذلك‪ :‬ﱹﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﱸ إبراهيم‪ .٤ :‬وهي لمن يستحقها ويعمل بها‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫اجمللة العاملية لبحوث القرآن‬

‫ثانياً‪ :‬اإلعجاز في الهداية بين إرادة الله وإرادة اإلنسان‪:‬‬


‫إن إرادة اإلنسان مستمدة من الفطرة اإليمانية التي غرسها الله في كيان اإلنسان بمحاوره‬
‫الخمسة مضافاً إليها العوامل المؤثرة فيها من خير وشر‪.‬‬
‫أما إرادة الله عز وجل‪ ،‬فهي المهيمنة على إرادة اإلنسان بخيره وشره المستقاة من‬
‫الفطرة‪ ،‬والهدي الرباني‪ ،‬فما يصدر عن اإلنسان من سلوك‪ ،‬إنما هو الذي يمثل إرادة الله‬
‫المهيمنة على الكون أجمع‪ :‬ﱹﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤﱸ الروم‪ ،٤ :‬ولكن من غير إكراه‬
‫من الله ألحد‪ :‬ﱹﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽﱸ الكهف‪ ،٢٩ :‬ومشيئة‬
‫الله هي المهيمنة‪ ،‬وهي النافذة في الكون‪ :‬ﱹﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﱸ‬
‫التكوير‪.٢٩ :‬‬
‫وحين نرجع إلى هداي ِة اإلنسان في منهاج حياته‪ ،‬ونقارنه بهداية الله الشاملة لكيان‬
‫اإلنسان بمحاوره الخمسة‪ ،‬نجده كنسبة الصفر إلى ما ال نهاية من الكمال (فضل كالم‬
‫الله على سائر الكالم كفضل الله على خلقه)‪ ،33‬ذلك أن الله تعالى يُعنى بهدايته بالتكامل‬
‫والشمول لإلنسان بكليته ‪ -‬روحه وعقله وقلبه ونفسه وجسده‪ ،‬وهذا هو التكامل في منهاج‬
‫الله‪ ،‬في حين أن منهاج اإلنسان ناقص وخاطيء حتى في توجيه جسده‪ ،‬مع بعض اإلضرار‬
‫ومضر في توجيه أكثر مجاالت العقل‪ ،‬وهو قاصر ومفسد في توجيه‬ ‫ّ‬ ‫به‪ ،‬وهو مخطئ‬
‫النفس‪ ،‬وهو يُغفِل توجيه الروح والقلب‪ ،‬إذ يجهل حقيقتهما كما يجهل حقيقة النفس‪:‬‬
‫(ما أشهدتهم خلق السماوات واألرض وال خلق أنفسهم) الكهف‪ ،‬وال يعرف إال القليل عن‬
‫أثرها في السلوك‪ ،‬هذا إضافة إلى فساد المناهج الخلقية واالجتماعية واالقتصادية والسياسية‬
‫التي يصوغها اإلنسان‪ ،‬ممتزجة بالهوى والمصالح والطغيان واالستبداد بالشعوب‪ ،‬كما‬
‫نلحظها في العالم اليوم‪ ،‬في حين أن هدي الله حق كامل‪ :‬ﱹﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﱸ الذاريات‪ ،٢٣ :‬ال هوى فيه‪ ،‬وال انتقاص من حق أحد‪ ،‬وليس‬
‫فيه احتماالت‪ ،‬وتجارب ونظريات متناقضة مم ّزقة للجنس اإلنساني‪ ،‬كما هو إليوم‪ :‬ﱹﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﱸ األنعام‪.٧١ :‬‬
‫لذا فال مناهج صالحة للجنس اإلنساني إال منهاج الله الذي يصوغ اإلنسان الفطري‬
‫الرباني الواعي الشامل لشخصية الفرد واألمة‪.‬‬
‫السنة النبوية ‪ -‬والسيرة الكريمة‪ :‬هي تفصيل لهداية الله‪ :‬ﱹﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﱸ النحل‪ ،٤٤ :‬فسنة رسوله الحكيم بيان‬
‫أخرجه مسلم‪ ،2582 /‬والترمذي‪( 2535 /‬تحفة االحوذي)‪ ،‬وقال في الباب‪( :‬الجلحاء التي ال قرن لها)‪،‬‬ ‫‪ 33‬‬

‫رسائل بديع الزمان النورسي‪ ،‬المثنوي‪408 /‬‬


‫‪68‬‬
‫اإلعجاز القرآين يف توجيه السلوك اإلنساين‬

‫وشرح لهدي الله في كتابه العظيم‪ ،‬وإن سنته الشريفة هداية ضامنة للمسلمين منهاج حياة‬
‫ال لهم‪ ،34‬ﱹﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﱸ الشورى‪.٥٢ :‬‬ ‫شام ً‬
‫أما السيرة النبوية فهي تمثل أمرين خطيرين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬إحالة المنهاج النظري في اإلسالم المتمثل بالقرآن الكريم والسنة النبوية‪ ،‬إلى‬
‫مجاالت تطبيقية شاملة توضح لنا المجال السلوكي في كل ما تضمنه المنهاج اإلسالمي‬
‫النظري‪ ،‬وهو الملزم لكل مسلم باالقتداء به‪ :‬ﱹﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﱸ األحزاب‪.٢١ :‬‬
‫وثانيهما‪ :‬تمثل السيرة النبوية القدوة بجميع األنبياء السابقين‪ :‬ﱹﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ‬
‫ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﱸ األنعام‪:‬‬
‫‪ ،٩٠‬واالقتداء بهم إنما هو تمثيل للهدى اإللهي للجنس اإلنساني في عمره‪ ،‬وهو تمثيل‬
‫لوحدة األديان التي اجتمعت بسيرة الرسول الهادي (‪ ،)i‬لذا ختمت اآلية بأن هدى‬
‫الله لجميع األنبياء المتمثل باقتداء الرسول الكريم بهم من خالل سيرته الشريفة‪ ،‬إنما هو‬
‫ذكرى للعالمين‪ ،‬لجميع البشر حتى نهاية الكون‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬أسباب الهداية الربانية‪ ،‬حين نستقصيها من نصوص القرآن الكريم يتبين لنا ما‬
‫يأتي‪ ،‬من خالل ما غرسه الله في كيان اإلنسان الفطري المس ّدد بهداية الله تعالى‪.‬‬
‫اإليمان الفطري بالله عز وجل وهو أول طرق الهداية‪ :‬ﱹﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﱸ التغابن‪ ،١١ :‬ﱹﭭ ﭮ ﭯﭰ ﱸ يونس‪ ،٩ :‬والله عز وجل‬
‫يؤكد بتأكيدين هدايته للمؤمنين الصادقين بـ(إن) وبـ(الم التأكيد)‪ :‬ﱹﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﱸ الحج‪.٥٤ :‬‬
‫ﱹﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬ ‫الحرص على رضوان الله يثمر هدايته ع ّز وجل‪:‬‬
‫ﮊ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮑﮒﮓﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﱸ المائدة‪.١٦ :‬‬
‫ذكر الله ليكون في معيته يهديه‪ ،‬شكراً لذكره وعدم نسيانه‪ :‬وفي الحديث‬
‫القدسي‪( :‬أنا عند ظن عبدي بي‪ ،‬وأنا معه إذا ذكرني‪ ،‬فإن ذكرني في نفسه ذكرته في‬
‫إلي شبراً تقربت‬
‫تقرب ّ‬‫أل هم خير منهم‪ ،‬وإن ّ‬ ‫نفسي‪ ،‬وإن ذكرني في مأل ذكرته في م ٍ‬
‫تقربت منه باعاً‪ ،‬وإن أتاني يمشي أتيته هرولة)‪ ،35‬وفي‬
‫إلي ذراعاً ّ‬
‫تقرب ّ‬
‫إليه ذراعاً‪ ،‬وإن ّ‬
‫أخرجه الترمذي‪ ،2926 /‬والدارمي‪.3357 /‬‬ ‫‪ 34‬‬

‫لقد أوشكت على انجاز مسودة كتابين واسعين‪( :‬نظم الحياة من كتاب الله العزيز)‪ ،‬و(نظم الحياة من‬ ‫‪ 35‬‬

‫‪69‬‬
‫اجمللة العاملية لبحوث القرآن‬

‫إلي أهرول إليك)‪ ،36‬وفي‬ ‫امش ّ‬‫أمش إليك‪ ،‬و ِ‬ ‫إلي ِ‬


‫الحديث القدسي‪( :‬يا ابن آدم قم ّ‬
‫حديث قدسي آخر‪( :‬أذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي)‪ .37‬أية منزلة هذه للعبد إزاء ربه‬
‫لييسر أمره في الدارين!‪.‬‬
‫التقرب من ربه ليهديه و ّ‬
‫من تكريم! أن يسارع إلى ّ‬
‫المعتمد على ربه والواثق به‪ :‬يهديه الله عز وجل مكافأة له‪ ،‬ويستجيب لهدايته‬
‫طوعاً وحباً‪ :‬ﱹﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﱸ آل عمران‪ ،١٠١ :‬فمجرد‬
‫االعتصام بالله هداية وقوة ومَ�ن َعة‪.‬‬
‫والرجاع دوماً إليه‪ :‬يع ّزه الله تعالى ويهديه‪ :‬ﱹﯽ ﯾ‬
‫المنيب إلى الله‪ ،‬والت ّواب ّ‬
‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﱸ الرعد‪.٢٧ :‬‬
‫المتوكل على الله بصدق يكرمه الله‪ :‬ويغنيه عن غيره‪ :‬ﱹﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﱸ الطالق‪.٣ :‬‬
‫المتقي أفضل إنسان‪ :‬ﱹﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﱸ الحجرات‪:‬‬
‫‪ ،١٣‬لذا فإن الله عز وجل يكافئه بالهداية‪ ،‬بكتابه العظيم‪ :‬ﱹﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﱸ البقرة‪.٢ :‬‬
‫الموقن باإلسالم‪ :‬وهو فطري يسري في عروقه‪ :‬ﱹﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﱸ الروم‪ ،٣٠ :‬يرحمه الله ويهديه‪ :‬ﱹﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﱸ الجاثية‪.٢٠ :‬‬
‫بذل الجهد في سبيل ربه‪ :‬فمن يحسن البذل في جهاده بالمال والوقت والجهد‬
‫والنفس‪ ،‬يحقق الله له الهداية‪ :‬ﱹﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﱸ العنكبوت‪.٦٩ :‬‬

‫هدي المصطفى (‪ ،)i‬ويستوفي ًّ‬


‫كل منهما إثني عشر نظاماً شام ً‬
‫ال للحياة بأسرها‪( :‬النظام العقدي‪،‬‬
‫الروحي‪ ،‬الدعوي‪ ،‬الصحة والقوة‪ ،‬النفسي‪ ،‬التربوي‪ ،‬األخالقي‪ ،‬االجتماعي‪ ،‬االقتصادي‪ ،‬السياسي‪،‬‬
‫العالقات الدولية)‪.‬‬
‫أخرجه البخاري‪ ،7066 /‬ومسلم‪ 2675 /‬بنصه كامالً‪ ،‬وفي رواية الدارمي في سننه‪( 2631 /‬قال تبارك‬ ‫‪ 36‬‬

‫فليظن بي ما يشاء)‪.‬‬
‫وتعالى (أنا عند ظن عبدي لي‪ّ ،‬‬
‫أخرجه أحمد في مسنده‪.15495 /‬‬ ‫‪ 37‬‬

‫‪70‬‬
‫اإلعجاز القرآين يف توجيه السلوك اإلنساين‬

‫اإلعجاز الرباني فيمن ال يستحقون الهداية‪:‬‬


‫إن الذين يهديهم الله يتجاوب كيانهم الفطري مع هدي الله عز وجل‪ ،‬لذلك سرت‬
‫الهداية الربانية في عروقهم سريان الماء في الوادي‪ ،‬مع انشراح صدر واطمئنان نفس‪.‬‬
‫أما الذين ال يهديهم الله فإن كيانهم الفطري المتلبّد بالمعاصي واالنحراف عن‬
‫الفطرة السليمة إلى قساوة القلب‪ ،‬وفساد الفكر‪ ،‬وضمور الروح‪ ،‬وخبث النفس‪ ،‬ومرض‬
‫الجسد بالخمر والشهوة‪ ..،‬هكذا كيان لإلنسان ال تنفذ إليه نسمة الهداية‪ ،‬بل يرفضها‪،‬‬
‫نص من نصوص الهداية الربانية كأنك تغسل حبشياً لعله يبيض! ﱹﭑ‬ ‫وحين تكلمه بأي ّ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﱸ البقرة‪ ،٧ - ٦ :‬أو كأنك تنطح صخرة!‬
‫الوع ُ‬
‫ِل‬ ‫يضرها‪ ،‬وأوهى قرنَه َ‬
‫فلم ْ‬ ‫ ‬
‫كناطح صخرًة يوماً ليوهنها‬

‫أما الذين ال هداية لهم وال يستحقونها‪ ،‬فهم من األصناف التالية‪:‬‬


‫المرتد من اإليمان الفطري إلى الكفر‪ :‬ﱹﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﱸ آل عمران‪:‬‬
‫‪ ،٨٦‬كفروا بعد إيمانهم بالله وبرسوله وبالبينات من نصوص الكتاب والسنة والسيرة!‬
‫الفاسق‪ ،‬المتمرد على طاعة الله‪ :‬هو بطبيعته الفاسدة المنحرفة يرفض هداية الله‪،‬‬
‫فتحق عليه إرادة الله في عدم هدايته‪ :‬ﱹﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ‬
‫ﰏ ﰐ ﱸ يونس‪ ،٣٣ :‬فكيف يهديهم‪ ،‬بل كيف يجبرهم على الهداية وقد رفضوها!‬
‫ﱹﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﱸ المائدة‪ ،١٠٨ :‬بل إنه استحق اإلضالل من الله له‪ :‬ﱹﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﱸ البقرة‪.٢٦ :‬‬
‫المص ّر على كفره‪ :‬فقد خلع اإليمان من قلبه‪ ،‬وما دام كذلك فهو بعيد‬ ‫ِ‬ ‫الكافر‪،‬‬
‫عن الهداية ﱹﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﱸ البقرة‪ ،٢٦٤ :‬أما إذا بدأ الكافر في‬
‫اإلصغاء إلى فطرة اإليمان في قلبه‪ ،‬وبدأ التفكير بعقله ال بعصبية الكفر لوثنيته أو لدينه‪،‬‬
‫فإن الله يتقبله‪ :‬ﱹﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﱸ الرعد‪.٢٧ :‬‬
‫الخائن‪ ،‬والخوان ‪ -‬كثير الخيانة‪ :‬هو المنفلت من فطرته السليمة‪ ،‬ومنفلت من‬
‫بصيرته التي تعصمه من الخيانة‪ ،‬ومنفلت من شعوره برقابة الله عليه‪ ،‬فكيف يهديه الله؟!‬
‫ﱹﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﱸ يوسف‪ ،٥٢ :‬والخائن يكيد الغدر للناس‪ ،‬فال مكان‬
‫للهداية في كيانه‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫اجمللة العاملية لبحوث القرآن‬

‫الظالم‪ :‬وهو الذي يسيئ إلى غيره إساءة اعتداء على كرامته وحريته وعرضه وماله‬
‫وروحه‪ ،‬وهو الذي يسلب غيره نعمة األمن واالستقرار والكرامة والسرور‪ ،‬واالعتداء ‪-‬‬
‫عموماً ترفضه الفطرة السليمة كما يرفضه الدين ويش ّدد فيه إذ‪( :‬إتق دعوة المظلوم‪ ،‬فانه‬
‫ليس بينها وبين الله حجاب)‪.38‬‬
‫الكذاب الكفار‪ :‬والكذب سلوك تستقذره الفطرة السليمة‪ ،‬إذ هو خداع وأنانية‬
‫لمصلحية‪ ،‬ووقيعة بالغير‪ ،‬وإيقاد فتن‪ ،‬فمن انتزع من فطرته القيم السلوكية وكذب بها‬
‫وكفر بها‪ ،‬فكيف يهديه الله؟!‪ :‬ﱹﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﱸ الزمر‪:‬‬
‫‪ ،٣‬ﱹﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﱸ غافر‪.٢٨ :‬‬
‫الذي ال يؤمن بآيات الله‪ ،‬ويكذبها‪ :‬وليس فيه استعداد لقبولها‪ ،‬فكيف تتنزل‬
‫عليه هداية الله‪ ،‬وقد اجتثها من قلبه وعقله‪ ،‬بل اعتبرها كذباً ال صدق فيها‪ :‬ﱹﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﱸ النحل‪.١٠٤ :‬‬
‫األصم األعمى‪ :‬الذي يغلق حواسه عن استماع الهداية اإللهية‪ ،‬وقد رفضها بحجز‬
‫حواسه عنها! لذا فان حجب الهداية الربانية عنه عدل من الله ع ّز وجل‪ :‬ﱹﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﱸ الزخرف‪ ،٤٠ :‬وإن الصمم والعمى‬
‫ص ّم)‪ ،‬ﱹﯮ ﯯ‬ ‫هو بسبب سيطرة الهوى‪ ،‬كما ذكرنا‪ ،‬إذ (أن حبك الشيء يُعِمي ويُ ِ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﱸ الفرقان‪.٤٣ :‬‬
‫المتكبر الطاغية‪ :‬والتكبر اضطهاد لكرامة اآلخرين‪ ،‬وهو طعن في أع ّز ما يملكه‬
‫كرم الله بها اإلنسان على من سواه‪ :‬ﱹﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﱸ‬ ‫اإلنسان ‪ -‬كرامته التي ّ‬
‫اإلسراء‪ ،٧٠ :‬لذا فإن من يحمل في قلبه ذرة من كبر ال يدخل الجنة‪( :‬ال يدخل الجنة‬
‫من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)‪.39‬‬
‫إن شر المتكبر الجبار على وطنه وشعبه‪ ،‬لذا كان عقابه عند الله أشد عقاب‪ :‬يقول‬
‫الله ع ّز وجل في الحديث القدسي‪( :‬وعزتي وجاللي ألنتقمن من الظالم في عاجله وآجله‪،‬‬
‫وألنتقمن ممن رأى مظلوماً‪ ،‬وقدر على أن يعينه فلم يفعل)‪.40‬‬

‫أخرجه الترمذي في سننه‪.3603 /‬‬ ‫‪ 38‬‬

‫أخرجه الترمذي‪254 /‬‬ ‫‪ 39‬‬

‫ال (‪..‬قال (‪ :)i‬إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة‪،‬‬ ‫أخرجه مسلم‪ ،91 /‬وأخرجه كام ً‬ ‫‪ 40‬‬

‫قال (‪ :)i‬إن الله جميل يحب الجمال‪ ،‬الكبر بطر الحق‪ ،‬وغمط الناس)‪.91 /‬‬
‫‪72‬‬
‫اإلعجاز القرآين يف توجيه السلوك اإلنساين‬

‫المفضل للدنيا على اآلخرة‪ :‬وربط القرآن ذلك بالكفر‪ :‬ﱹﮖ ﮗ ﮘ‬


‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﱸ النحل‪ ،١٠٧ :‬إن‬
‫العمل للدنيا‪ ،‬حباً لها أمر فطري ومشروع‪ ،‬لتلبية حاجات اإلنسان فيها‪ ،‬وللتمتع بها‪:‬‬
‫ﱹﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﱸ األعراف‪ ،٣٢ :‬فالدنيا‬
‫يشترك في نعيمها المسلم والكافر‪ ،‬أما يوم القيامة فالنعم جميعها خالصة للمسلمين‪.‬‬
‫ﱹﯧ‬ ‫أما اتخاذ الدنيا غاية فليس ذلك من شأن المسلم‪ ،‬إذ غايته اآلخرة‪:‬‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﱸ األنفال‪ ،٦٧ :‬ويعلل ذلك النبي‬
‫أضر بآخرته‪ ،‬ومن أحب آخرته أضر بدنياه‪ ،‬فآثروا ما يبقى‬‫أحب دنياه ّ‬‫‪( :i‬من ّ‬
‫على ما يفنى) ‪ ،‬ولم يقل ‪( i‬وازنوا) بل قال‪( :‬آثروا) أي فضلوا العمل لآلخرة‪،‬‬
‫‪41‬‬

‫وركزوا جهودكم لها‪ ،‬إذ هي الحياة الحقيقية‪ :‬ﱹﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ‬


‫ﭡ ﭢ ﱸ العنكبوت‪ ،٦٤ :‬وهي نهاية المطاف‪ :‬ﱹﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﱸ الغاشية‪.٢٦ - ٢٥ :‬‬

‫اإلعجاز القرآني في استثناء أثر الوراثة والبيئة على السلوك‪:‬‬


‫كال من الوراثة والبيئة يهيمن عليها وعلى آثارها خالقها القدير‪ :‬ﱹﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ‬ ‫إن ًّ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﱸ األعراف‪ ،٥٤ :‬غير أن الخالق العليم خالق األكوان واإلنسان‬
‫وخالق قوانينها هو الذي يحكمها جميعها‪ ،‬وهو المهيمن عليها‪ :‬ﱹﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﱸ الرعد‪ ،٤١ :‬لذا فان هنالك إستثناءات من أثر الوراثة‬
‫وأثر البيئة في السلوك‪ ،‬وهي من أمر الله وحده‪ ،‬ال اعتراض لحكمه‪ :‬ﱹﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﱸ األنعام‪.٧١ :‬‬

‫أوالً‪ :‬االستثناء من أثر الوراثة في توجيه السلوك‪:‬‬


‫ينبهنا القرآن الحكيم إلى أن القوانين الوراثية ال تسري دائماً على الجميع بدقة‪ ،‬وهي‬
‫خاضعة لمشيئة الله‪ :‬ﱹﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﱸ التكوير‪.٢٩ :‬‬
‫توضح اآلية الكريمة في سورة الصافات أن نسل إبراهيم واسحق (عليهما السالم)‪ ،‬ليس‬
‫في جميعه الصالح‪ ،‬رغم أن األبوين أنبياء‪ :‬ﱹﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬

‫أخرجه ابن حبان‪ ،709 /‬والحاكم في مستدركه‪ ،7853 /‬و‪ ،7897‬وأحمد في مسنده‪،19198 /‬‬ ‫‪ 41‬‬

‫و‪ ،19199‬والبيهقي في سننه‪ ،6613 /‬وشعب اإليمان‪.10337 /‬‬


‫‪73‬‬
‫اجمللة العاملية لبحوث القرآن‬

‫ﮎ ﮏ ﮐ ﱸ الصافات‪.١١٣ :‬‬
‫كذلك فإن الله ع ّز وجل إستثنى الظالمين من ذرية إبراهيم من العهد مع الله‪،‬‬
‫حين دعا لذريته أن تكون أئمة للناس‪ ،‬كما جعله الله إماماً لهم‪ :‬ﱹﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﱸ البقرة‪.١٢٤ :‬‬
‫وهذا اإلستثناء الرباني من وراثة األنبياء دلي ٌل على أن الصالح ال يرثه إال الصالح ودليل على‬
‫ذلك أن نسل األنبياء مفطرورون على الصالح والظلم‪ ،‬شأنهم شأن جميع البشر‪ ،‬غير أن إرادة الله‬
‫الحكيمة تصوغ من تشاء من ذريتهم صالحين أو طالحين‪ ،‬بظلم منهم‪ ،‬واستعداد فطري موروث‬
‫لهذاالظلم‪.‬‬
‫ومن إستثناءات الوراثة‪( :‬والدا ابراهيم ‪ -‬خليل الرحمن‪ ،‬ومحمد ‪ -‬حبيب الله)‪،‬‬
‫وهما أكرم الخلق على الله (عليهما الصالة والسالم)‪ ،‬كان أبواهما كافرين‪ ،‬ولم يلدا إال‬
‫أصلح الناس وأطهرهم‪.‬‬
‫وحين سأل أحد الصحابة عن مصير والده بعد موته‪ ،‬وكان مشركاً في النار‪ ،‬أشفق‬
‫الرسول الرحيم عن مفاجأته بأنه في النار‪ ،‬فواساه بقوله (‪( :)i‬أبي وأبوك في النار)‪.42‬‬

‫ثانياً‪ :‬االستثناء من أثر البيئة في السلوك‪:‬‬

‫ﱹﮉ‬ ‫استثناء بعض األزواج واألوالد من عوامل الوراثة والبيئة الصالحة لألسرة‪:‬‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﱸ التغابن‪.١٤ :‬‬
‫إستثناء الله امرأة نوح وامرأة لوط من آثار العوامل البيئية وهي أسرة األنبياء الصالحين‪:‬‬
‫ﱹﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﱸ التحريم‪،١٠ :‬‬
‫فشذّت هاتان المرأتان عن بيئة النبوة الصالحة‪ ،‬ألمر ق ّدره الله‪ ،‬وهو أعلم به‪ ،‬من غير‬
‫ظلم لهما‪ ،‬إذ أنهما مسؤولتان عن هذا االنحراف إلى الكفر من اإليمان ﱹﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﱸ الحج‪.١٠ :‬‬
‫إستثناء الله ع ّز وجل امرأة فرعون (آسيا)‪ ،‬ومريم بنت عمران‪ ،‬من بيئة‬
‫الفساد إلى أن تكونا من فضليات النساء في الدارين‪ :‬ﱹﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬

‫أخرجه أحمد‪.19697 /‬‬ ‫‪ 42‬‬

‫‪74‬‬
‫اإلعجاز القرآين يف توجيه السلوك اإلنساين‬

‫ﮱﯓﯔ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯠﯡﯢﯣ‬


‫ﯤ ﯥ ﱸ التحريم‪.١١ :‬‬
‫ومن إستثناءات الله ع ّز وجل في إرادته الحكيمة في الهيمنة على الكون‪ ،‬استثناؤه‬
‫أبا طالب من بيئة النبوة الصالحة إلى الموت كافراً‪ ،‬رغم تأثره ببيئة النبوة الكريمة‬
‫وتأييده ابن أخيه رسول الله‪ ،‬في دعوته‪ ،‬وتحمله األهوال في حمايته والدفاع عنه‪ ،‬سنتين‬
‫توسل به‬
‫في المجاعة في شعب أبي طالب‪ ،‬وما قبله وما بعده‪ ،‬حتى إذا حضرته الوفاة ّ‬
‫محمد (‪ )i‬أن ينطق بالشهادة‪ ،‬فاعتذر‪ ،‬بسبب العرف الجاهلي أن الكبير ال يخضع‬
‫لقول الصغير!‪ ،‬وأنشد‪:‬‬
‫مـن خير أديان البرية دي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنا‬ ‫ ‬
‫ولقـد علمـت بأن دين محمد‬ ‫ ‬
‫لوجدتنـي سمحاً بذاك مبينا‬ ‫ ‬
‫لوال المالمـة أو حذاري سبّـ ـ ــة‬ ‫ ‬
‫أوسد في التراب دفينا‬
‫حتى ّ‬ ‫والله لن يصلوا إليك بجمعهـ م‬ ‫ ‬
‫فت في عضده موته وموت زوجه‬
‫فمات على الكفر‪ ،‬وحزن عليه رسول الله كثيراً‪ ،‬إذ ّ‬
‫خديجة في مدة متقاربة‪ :‬لقد آمن بقلبه‪ ،‬ولم يُعِلن بلسانه‪.‬‬

‫الخاتمـة‪:‬‬
‫حير علماء النفس والمربين واالجتماع‪ ،‬في‬
‫إن توجيه السلوك اإلنساني أمر خطير‪ّ ،‬‬
‫عمر التاريخ‪ ،‬ونظمه اإلسالم وأحكم تنظيمه‪ ،‬فصاغ خير أمة أخرجت بسلوكها‪ ،‬وكان‬
‫سيد األنبياء محمد (‪ )i‬قرآناً يمشي على قدمين‪ ،‬وصفه ربه ومربيه‪ :‬ﱹﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﱸ القلم‪ ،٤ :‬إذ جمع خلق جميع األنبياء فطرة وقدوًة بهم‪ :‬ﱹﯬ‬
‫يتأسوا به‪،‬‬ ‫ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ ﱸ األنعام‪ ،٩٠ :‬وأُم َ‬
‫ِر المسلمون جميعاً أن ّ‬
‫فقال تعالى‪ :‬ﱹﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ ﱸ األحزاب‪.٢١ :‬‬
‫لذاكان التوجيه اإللهي في السلوك معجزاً في عمر التاريخ‪.‬‬
‫لقد بدأت الكتاب ببيان‪( :‬مفاهيم المعجزة والتفسير العلمي واإلعجاز)‪ ،‬ثم انتقلت‬
‫إلى أنواع اإلعجاز في مجاالته القرآنية والنبوية في كبريات الخلق الثالث‪ :‬ﱹﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﱸ غافر‪ ،٥٧ :‬وسائر‬
‫أنواع اإلعجاز في عالم اإلنسان والحيوان والنبات والتاريخ واآلثار واالجتماع واالقتصاد‬
‫والقصص والغيب‪ ،‬والعدد‪ ،‬واإلعجاز في السيرة النبوية الكريمة‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫اجمللة العاملية لبحوث القرآن‬

‫ثم انتقلت إلى بيان اإلعجاز القرآني والنبوي في آثاره في محاور اإلنسان الفطرية‬
‫الخمسة (الروح والعقل والنفس والقلب والجسد)‪ ،‬في توجيه السلوك اإلنساني‪ ،‬مع‬
‫مقارنات بالكتاب المقدس‪ .‬وإن هذه المحاور تتجاوب جميعها فطرياً مع طبيعة الهدي‬
‫اإللهي الذي نتقبله تلقائياً‪ ،‬ويسمو بها إلى الكمال‪ ،‬من غير معارضته وال إكراه عليه!‬
‫ولقد ذكرت إلى جوار اإلعجاز القرآني في توجيه اإلنسان ‪ -‬محاوره الخمسة ‪ -‬توجيه‬
‫الكتاب المقدس الذي يهوي باإلنسان إلى الحضيض من خالل الخطيئة الوراثية آلدم وحواء‬
‫مجرد اإليمان‬
‫(عليهما السالم)‪ ،‬التي تجبر اإلنسان على المعصية‪ ،‬ويكفيه االقتصار على ّ‬
‫أن يعمل ما يشاء من قتل وزنى‪ ...،‬ودللت على ذلك بنصوصه الصريحة‪.‬‬
‫ولقد فصلنا القول في مراحل خلق اإلنسان فطرةً‪ ،‬جنيناً في رحم المرأة‪ ،‬بما يتجاوب‬
‫مع العلم‪ ،‬خطوة خطوة‪ ،‬وبما يمثل عظمة اإلسالم وإعجازه في بيان الحقائق العلمية‬
‫قبل ‪ 1400‬عام‪ ،‬ولم تعرف أكثرها إال في القرن العشرين‪ ،‬ثم تواصلنا مع اإلنسان في‬
‫مراحل نموه بعد الوضع‪ ،‬وعنينا بحاجات الجسد الفطرية‪ ،‬وتلبية اإلسالم لها في مجاالتها‬
‫األربعة‪( :‬النظافة‪ ،‬والغذاء‪ ،‬والقوة والرياضة‪ ،‬والطب ‪ -‬الوقاية والعالج)‪ ،‬مقارنة بالكتاب‬
‫المقدس‪ ،‬مع االستشهاد بالنصوص الصريحة والغزيرة‪.‬‬
‫ثم انتقلت إلى اإلعجاز في أثر العوامل الوراثية في توجية السلوك‪ ،‬بنوعيها الخاصة بالنوع‬
‫اإلنساني عموماً‪ ،‬والخاصة بالفروق الفردية‪ ،‬وتطابق العلم مع اإلسالم قرآناً وحديثاً‪.‬‬
‫ولكل من أثر الوالدين نصوصه الصريحة في الكتاب والسنة‪ ،‬على األوالد بنوعي الفطرة‬
‫النوعية والفروق الفردية‪ .‬وقمة هذا األثر الوراثي نسب المصطفى (‪ )i‬الذي ينتهي بابراهيم‬
‫( )‪ ،‬والذي يباهي به (‪ )i‬في أثر الوراثة فيه والمتمثلة في (‪ )18‬نبياً‪ ،‬تتميز فطرتهم‬
‫جميعاً على سائر البشر‪( :‬أني خيار من خيار من خيار) صدق رسول الله (‪.)i‬‬
‫أما أبرز أثر للسلوك السيئ في الوراثة فهو إغراق قوم نوح‪ :‬ﱹﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ [وهذا أثر البيئة]‪ ،‬ﱹﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﱸ نوح‪[ ،٢٧ :‬وهذا أثر الوراثة‬
‫المؤكد بأسلوب الحصر هذا‪ ،‬من غير إستثناء]‪.‬‬
‫ثم انتقلت إلى اإلعجاز القرآني والنبوي في توجيه البيئة للسلوك‪ ،‬إذ لها أثرها البالغ‬
‫بأنواعها التربوية واإلعالمية والدينية‪ ،‬وهي أخطر البيئات تأثيراً في السلوك‪ ،‬في حالة‬
‫انحرافها عن فطرة اإلنسان إلى الهوى والمصالح التي تحكم العالم‪ :‬ﱹﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﱸ الجاثية‪.٢٣ :‬‬

‫‪76‬‬
‫اإلعجاز القرآين يف توجيه السلوك اإلنساين‬

‫بدأت بأثر البيئة الفاسدة في مراحل انحدارها‪ ،‬إذ هي نوعان‪:‬‬


‫نوع يمكن أن يُمارس فيه اإلصالح والدعوة‪ ،‬ونوع يستحيل فيه اإلصالح‪ ،‬وال يبقى‬
‫أمام المسلم إال الهرب أو األنزواء أو التضحية بروحه! كما هو الحال في كثير من أرض‬
‫اإلسالم اليوم إزاء العصف اليهودي واالستعمار والطائفية التي تجثم على صدور الكثيرين‪،‬‬
‫وضحاياها األرواح والدماء واألعراض‪ ،‬وكرامة اإلنسان!‪.‬‬
‫وشرحنا مجاالت الدعوة في اإلصالح‪ ،‬تجاوباً مع الفطرة والمنطق والعقل‪ ،‬هذا‬
‫وإن استمرار آثار البيئة السيئة على األفراد والمجتمع يؤدي تدريجاً إلى اإلنهيار في السلوك‬
‫بمراحل متتابعة‪ :‬الترقيع والتفتيت‪ ،‬ثم االنسالخ‪ ،‬ال سمح الله!‬
‫أما أثر البيئة الصالحة في السلوك‪ ،‬فيخضع إلى عوامل أربعة‪ ،‬وأساسها‪( :‬مصدر‬
‫الهدي اإللهي‪ ،‬والكتاب وقدسيته‪ ،‬وطبيعة الهدى اإللهي الفطري‪ ،‬وجزاؤه ع ّز وجل‬
‫بالثواب والعقاب‪ ،‬والسيرة النبوية التي تمثل خلق األنبياء مجتمعين في سلوك المصطفى‬
‫من خالل اقتدائه بهم)‪.‬‬
‫ثم انتقلت إلى اإلعجاز في أثر اإلرادة اإللهية الحكيمة المهيمنة على الكون‪ :‬ﱹﮞ‬
‫ِطري‪ ،‬واألَمر‪ :‬هو‬
‫الخلْق‪ :‬ف ّ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﱸ األعراف‪َ ،٥٤ :‬‬
‫هدى الله الذي يأمرنا بااللتزام به ﱹﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﱸ الروم‪.٤ :‬‬
‫ثم شرحت اإلعجاز في السلوك بين إرادة الله الخالق وإرادة اإلنسان‪.‬‬
‫أما اإلعجاز في هدى الله‪ ،‬فالكون كله يسبح بحمده‪ ،‬ويخضع لحكمه‪ ،‬وما‬
‫من صغيرة في الكون إال يعلمها‪ ،‬وهي في كتاب مبين‪ ،‬والله تعالى هو المهيمن بعلمه‬
‫وقدرته على الكون‪ ،‬ومنه اإلنسان‪ ،‬هيمنة كلها عدل‪ :‬ﱹﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﱸ النحل‪.٣٦ :‬‬
‫ومن الضاللة ثمرة الذنوب والمعاصي‪ ،‬وهي‪( :‬االنحراف عن الفطرة‪ ،‬وعن الهدي‬
‫اإللهي الذي يتجاوب معها ويسمو بها‪ :‬ﱹﯓ ﯔ ﱸ األنعام‪.٦ :‬‬
‫فبيده الخلق واألمر‪ :‬ﱹﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬ ‫أما اإلعجاز في هداية الله‪،‬‬
‫ﮖ ﱸ األحزاب‪ ،٤ :‬وهداية الله وضالله يتجاوب مع إرادة اإلنسان‪ :‬ﱹﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﱸ‬
‫التوبة‪.١١٥ :‬‬

‫‪77‬‬
‫اجمللة العاملية لبحوث القرآن‬

‫ﱹﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫سر هدايتنا‪ ،‬واالنحراف عنه إلى الهوى ِس ّر شقائنا‪:‬‬


‫وإن القرآن ّ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﱸ األنبياء‪ ،١٠ :‬أما السيرة النبوية فتفصيل نظري وعملي‬
‫سلوكي‪ ،‬وأسباب هداية الله لنا هي‪( :‬اإليمان الفطري فينا‪ ،‬وحرصنا على رضوان الله‪،‬‬
‫وذكر الله والتوكل عليه‪ ،‬والجهاد في سبيله)‪ ،‬هذه وسائل الهداية اإللهية لنا‪.‬‬
‫أما الذي ال يستحق الهداية‪ ،‬فهو‪( :‬المرتد عن اإليمان الفطري إلى الكفر‪ ،‬والفاسق‬
‫والكافر والخائن والظالم والكاذب المنكر للقرآن‪ ،‬واألصم األعمى والمتكبر الطاغية‪،‬‬
‫المفضل للدنيا على اآلخرة)‪.‬‬
‫أما اإلعجاز في إستثناء القرآن من أثر الوراثة والبيئة في إرادة الله المهيمنة على الكون‪،‬‬
‫وال سيما اإلنسان‪ ،‬فيتمثل في الوراثة بنسل األنبياء‪ ،‬فيهم الصالح‪ ،‬وفيهم الطالح‪،‬‬
‫وبنسل اآلباء الكفار لألنبياء‪ ،‬كوالد ابراهيم ووالد محمد (عليهما الصالة والسالم)‪ .‬كما‬
‫تتمثل في البيئة بعداوة بعض األزواج واألوالد‪ ،‬وفي إستثناء امرأة نوح ولوط‪ ،‬وإستثناء امرأة‬
‫فرعون ومريم‪ ،‬وإستثناء أبي طالب من بيئة الرسالة الكريمة‪ ،‬وغيرها كثير‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫اإلعجاز القرآين يف توجيه السلوك اإلنساين‬

‫أهم المصادر والمراجع‬


‫أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي)‪ ،‬اإلمام البيضاوي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الجيل‪،‬‬
‫بدون تاريخ‪.‬‬
‫البصائر‪ :‬الفيروز آبادي‪ ،‬محب الدين أبو طاهر‪ ،‬محمد بن يعقوب الشافعي‪.‬‬
‫تاج العروس من جواهر القاموس‪ :‬الزبيدي ‪01‬ج‪ ،‬المطبعة الخيرية‪ ،‬القاهرة‪6031‬هـ‪.‬‬
‫تاريخ دمشق‪ :‬ابن عساكر‪ ،‬أبو محمد‪ ،‬قاسم بن علي بن الحسن ت‪006 :‬هـ‪.‬‬
‫الترغيب والترهيب المنذري أبو أحمد (‪656-185‬هـ) دار الكتب العلمية ج‪/4‬ط‪1‬‬
‫بيروت ‪7141‬هـ‪.‬‬
‫تفسير الجاللين‪ ،‬جالل الدين محمد بن أحمد المحلي‪ ،‬وجالل الدين عبد الرحمن بن‬
‫أبي بكر السيوطي‪ ،‬مكتبة المالح للطبع والنشر‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫تفسير القـرآن العظيم‪ ،‬ابن كثير‪ ،‬الحافظ عماد الدين أبو الفداء‪ ،‬إسماعيل بن عمر بن‬
‫كثير القرشي الدمشقي ‪4‬م‪ ،1891 ،‬دار الفكر‪ ،‬لبنان‪ ،9891 /‬دار المعرفة‪.‬‬
‫التفسير الكبير‪ ،‬المسمى‪ :‬مفاتيح الغيب‪ ،‬اإلمام الرازي – ‪61‬م‪23 ،‬ج‪ ،‬دار احياء‬
‫التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫جامع البيان في تأويل آي القرآن‪ :‬محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري أبو جعفر‪،‬‬
‫عواد معروف وعصام فارس الحرستاني ط‪ ،1:‬مؤسسة الرسالة‬ ‫وحققه د‪ .‬بشار ّ‬
‫(‪5141‬هـ‪4991-‬م)‪.‬‬
‫الجامع الصحيح‪ :‬اإلمام البخاري‪ ،‬تحقيق أحمد شاكر‪ ،‬المطبعة السلفية (‪9‬ج) في ‪3‬م‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬القرطبي اإلمام أبو عبيد الله محمد بن أحمد األنصاري‪،‬‬
‫‪02‬ج في عشرة مجلدات‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪8141‬هـ ‪-‬‬
‫‪8991‬م‪.،‬‬
‫الدر المنثور في التفسير المأثور‪ :‬اإلمام عبد الرحمن جالل الدين السيوطي‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫ّ‬
‫‪4141‬هـ‪3991-‬م‪.‬‬
‫ديوان الشافعي‪ ،‬اإلمام محمد إدريس أبو عبد الله (‪402 -051‬هـ)‪ ،‬د‪.‬مجاهد‬
‫مصطفى‪ ،‬جامعة بغداد‪.‬‬
‫رسائل النور‪ :‬اإلمام بديع الزمان النورسي‪ ،‬المثنوي‪ :‬ط‪ :1‬شركة النسل للطباعة‪ ،‬نشر دار‬
‫سوزلر للنشر‪ ،‬استنبول‪5141‬هـ ‪5991 -‬م‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫اجمللة العاملية لبحوث القرآن‬

‫روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني‪ :‬محمود شكري اآللوسي‪ ،‬في‬
‫‪51‬م‪ ،‬ط‪ ،4‬دار الطباعة الميرية‪ ،‬بيروت‪ ،‬القاهرة ‪.5891‬‬
‫سلسلة األحاديث الصحيحة‪ :‬األلباني‪ ،‬محمد ناصر الدين‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪2‬م‪ ،‬بيروت ‪2931‬هـ‪.‬‬
‫سنن ابن ماجه‪ :‬الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني‪ ،‬جزءان‪ ،‬تحقيق‬
‫محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬مطبعة دار الريان للتراث‪ ،‬ومطبعة دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بدون تاريخ‪.‬‬
‫سنن أبي داود‪ :‬الحافظ سليمان أبو داود األشعث السجستاني‪5 ،‬ج‪ ،‬إعداد وتحقيق‬
‫عزت عبيد الدعاس‪ ،‬ط‪ :1‬مطبعة مصر‪ ،‬دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫بيروت‪8831 ،‬هـ‪.0691 ،‬‬
‫سنن الترمذي‪ ،‬مع تحفة اإلحوذي‪ ،‬بشرح الترمذي‪ :‬اإلمام عيسى محمد بن عيسى بن‬
‫سوره‪5 ،‬ج‪ ،‬تحقيق كمال يوسف الحوت‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫وتحقيق أحمد محمد شاكر‪ ،‬ومحمد فؤاد عبد الباقي‪8041‬هـ ‪7891 -‬م‪.‬‬
‫سنن الدارقطني‪ ،‬اإلمام الدارقطني‪ ،‬علي بن عمر البغدادي (ت‪583‬هـ)‪ ،‬دار المعرفة‪،‬‬
‫بيروت‪6831 ،‬هـ‪.‬‬
‫سنن الدارمي‪ ،‬أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن النيسابوري السمرقندي‪( ،‬ت‪/‬‬
‫‪113‬هـ)‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪7041 ،1‬هـ‬
‫السنن الكبرى‪ ،‬البيهقي‪ ،‬أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي(ت‪854‬هـ)‪ ،‬ط‪ ،1‬حيدر‬
‫آباد‪ ،‬الدكن‪ ،‬مكتبة دار الباز‪ ،‬مكة المكرمة ‪4141‬هـ‪.‬‬
‫سنن النسائي‪ :‬شرح السيوطي‪ ،‬النسائي‪ ،‬أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب‪8( ،‬ج) في‬
‫(‪4‬م)‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت ‪8431‬هـ ‪0391 -‬م‪.‬‬
‫السيرة النبوية‪ :‬ابن هاشم‪ ،‬عبد الملك الحميري‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪1141 :‬هـ‪.‬‬
‫السيرة النبوية‪ :‬د‪ .‬عابد الهاشمي‪ ،‬مركز عبادي للدراسات والنشر‪ ،‬صنعاء‪ ،‬اليمن ط‪،1‬‬
‫‪0002‬م‪ ،‬ط‪1002 ،2‬م‪.‬‬
‫صحيح ابن حبان‪ :‬أحمد بن حبان‪ ،‬أبو حاتم التميمي البستي السجستاني‪81 ،‬‬
‫مجلداً‪ ،‬تحقيق شعيب ارنؤوطي‪ ،‬ط‪ ،2:‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪4141 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪3991‬م‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫اإلعجاز القرآين يف توجيه السلوك اإلنساين‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬اإلمام محمد بن اسماعيل‪ ،‬أبو عبد الله (ت‪652/‬هـ)‪ ،‬دار القلم‪،‬‬
‫بيروت ‪7891‬م‪.‬‬
‫صحيـح مسلـم‪ :‬اإلمام أبو الحسن بن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري‪51 ،‬ج‪،‬‬
‫تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬ط‪ ،2:‬طبعة دار التراث العربي‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪.6791‬‬
‫الطبقات الكبرى‪ :‬ابن سعد‪ ،‬محمد بن سعد بن منيع البصري ت‪032 :‬هـ‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫دار صادر‪.7591 :‬‬
‫فتح الباري بشرح صحيح اإلمام البخاري‪ :‬اإلمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر‬
‫العسقالني‪1 ،‬ج‪ ،‬ط‪ ، ،2:‬دار الريان للتراث‪ ،‬القاهرة ‪9041‬هـ ‪8891 -‬م‪.‬‬
‫فيض القدير‪ :‬شرح الجامع الصغير‪ ،‬المناوي‪ ،‬محمد عبد الرؤوف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬المكتبة‬
‫التجارية ‪.8391‬‬
‫القاموس المحيط‪ :‬الفيروزي آبادي‪ ،‬محب الدين‪ ،‬أبو طاهر‪ ،‬محمد بن يعقوب‬
‫الشافعي‪ ،‬ط‪ :3‬نشر مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪3141‬هـ ‪3991 -‬م‪.‬‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬
‫الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون األقاويل ووجوه التأويل‪ :‬الزمخشري‪ ،‬محمود بن عمر‬
‫بن أحمد‪3 ،‬م‪ ،‬ط‪ ،2‬دار المصحف‪ ،‬القاهرة ‪.7991‬‬
‫لسان العرب‪ :‬ابن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم بن علي أبو الفضل‪81 ،‬ج‪ ،‬دار إحياء‬
‫التراث العربي‪ ،‬بيروت ‪8891‬م‪.،‬‬
‫المستدرك على الصحيحين‪ :‬الحاكم أبو عبد الله بن عبد الله النيسابوري‪ ،‬مطبعة الهند‪،‬‬
‫دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫مسند اإلمام أحمد‪ :‬أحمد بن حنبل ت (‪6 )142‬ج‪ ،‬المطبعة السلفية‪ ،‬ط‪ :2‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دمشق‪ ،‬عمان‪3141‬هـ ‪2991 -‬م‪.‬‬
‫المسند‪ :‬أبو يعلى‪ ،‬أحمد بن علي التميمي الموصلي‪.‬‬
‫المسند‪ :‬أبوبكر‪ ،‬محمد بن عبد الله بن إبراهيم ت‪453 :‬هـ‪.‬‬
‫معالم التنزيل بهامش تفسير الخازن) المسمى (لباب التأويل في معاني التنزيل‪ :‬البغوي‪،‬‬
‫أبو محمد الحسن مسعود الغراء‪ ،‬ط‪ ، ،2‬مصطفى البابي الحلبي‪ ،‬القاهرة‬
‫‪5991‬م‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫اجمللة العاملية لبحوث القرآن‬

‫معجم الزوائد ومنبع القوائد‪ :‬الهيثمي‪ ،‬الحافظ على بن أبي بكر‪ ،‬ط‪ :2‬بيروت‪ ،‬دار‬
‫الكتاب ‪7691‬م‪.‬‬
‫عمر مئة سنة‪52 ،‬ج‪،‬‬
‫المعجم الكبير‪ :‬الطبراني‪ ،‬الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد‪ّ ،‬‬
‫وخرج أحاديثه الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي ‪ -‬عراقي‪ ،‬معاصر‪ ،‬الدار‬ ‫حققه ّ‬
‫العربية للطباعة‪ ،‬بغداد‪ ،3991 :‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان ‪8791‬م‬
‫‪4141 -‬هـ‪.‬‬
‫المعجم المفهرس أللفاظ القرآن الكريم‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫بدون تاريخ‪.‬‬
‫موسوعة اإلعجاز العلمي في القرآن والسنة المطهرة‪ :‬يوسف الحاج أحمد‪.‬‬
‫الموطأ‪ :‬اإلمام مالك بن أنس‪ ،‬إمام دار الهجرة‪ ،‬تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار‬
‫إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت ‪6041‬هـ‪.‬‬

‫‪82‬‬

You might also like