You are on page 1of 41

‫قنون السببية‬

‫يف رشح س نة هللا وس نة الرسل‬

‫تأليف‬

‫عبيد هللا ابن كياهي الحاج أحمد الشاطبي‬

‫جيلغون بأنتين إندونسيأ‬

‫‪ 11‬رجب ‪ 1445‬ه‬
‫﴿إلمقدمة﴾‬

‫الحمد لِل اَّلي أنزل عل عبده الكتاب ولم َيعل ل عوجا قيما لينِر بأسا‬
‫شديدا من َلنه ويبش المؤمني اَّلين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حس نا‪,‬‬
‫والصلة والسلم عل س يدن محمد صاحب النبوة والرسَل وعل أل وأصابه‬
‫الهادين من الضلل‪.‬‬

‫أما بعد‪ :‬فقال المرتي غفر المساوى عبيد هللا ابن كياه الحاج أحد الشاطب‬
‫رحه هللا‪ :‬كتبت هِا الكتاب لس تعداد التدريس يف شهر الرمضان عادة‬
‫بقريت وما كتبت فيه ال قليل فالباِق قد نقلت من أقوال العلماء رِض هللا‬
‫عْنم‪ ,‬فسميته‪ :‬قنون الس ببية يف رشح س نة هللا وس نة الرسل‪ .‬وهِا الكتاب‬
‫َيرب أن يفصل بي س نة هللا وس نة الرسل وما يتعلق برية اختيار النسان‪,‬‬
‫س نة هللا ه سن الكون القطعية الثابتة ولبد فيا خي ورش شقي وسعيد‬
‫وبرد وحار وليل ونار وغي ذل‪ ,‬وس نة الرسل ه هدى للناس اَّلي يدل‬
‫الناس ال طريق السلمة والسعادة ويسل الناس من طريق الهلك والندم‪,‬‬
‫وأما اَّلنب والجر فهما تأثي من حرية الختيار‪ .‬وَبرك هللا تعال ِل ولمن‬
‫يقرأ هِا الكتاب وأرجو لمن َيد خطيئات يف الكتابة أو القاعدة ليصلحها‪.‬‬
‫﴿سنة إلله﴾‬

‫قال تعال‪ :‬يريد الِل ليبي لُك وَيديُك سن اَّلين من قبلُك ويتوب عليُك والِل‬
‫علمي حكمي‪ 1.‬وقد أرسل هللا النبيي ليعلموا الناس سنته‪ ،‬وقد أَت ُك واحد‬
‫مْنم الكتاب والحْكة‪ ،‬ولن ما حوته تل الكتب يف غالبه واحد كن من‬
‫خصائصها أنا تصدق بعضها بعضا‪ .‬فالكتاب والحْكة ها المرشد لمن يتبعون‬
‫س نة هللا تعال‪ ،‬فبالنظر ال اليت المتعلقة َبلس نة يتبي أن هللا تعال يريد‬
‫هداية الناس ال ما أنزل من الكتاب والحْكة‪ .‬ولن الحْكة متضمنة يف‬
‫الكتاب فان ُك كتاب من كتب هللا هو دليل لمن يتبع سنته‪ .‬متبعون س نة‬
‫هللا ه اَّلين يسلكون الطريق الصحيح‪ .‬جاء يف أول سورة البقرة‪ :‬ذ ل‬
‫للمتقي‪2.‬‬ ‫ألكت ب ل ريب فيه هدى‬

‫وأنزل هللا تعال القرأن الكري بلسان عرب مبي‪ ،‬وكن معجزة خاَلة عل مر‬
‫الزمان والعصور‪ ،‬أعز الفصحاء والشعراء والدَبء‪ ،‬وبِا فان ألفاظه ل َرج‬
‫عن معانيا يف اللغة العربية ال بقرينة‪ ،‬فلفظ الس نة يف القرأن الكري أطلق‬

‫‪ .1‬النساء‪62 :‬‬
‫‪ .2‬البقرة‪2 :‬‬
‫﴿‪﴾1‬‬
‫عل ما هو عليه يف لغة العرب‪ ،‬أي الطريقة والخطة المتبعة‪ ،‬وس نة الرسل‪:‬‬
‫ه الشائع اللهية المنل لهداية المم‪ ،‬وس نة هللا‪ :‬ما جرى به نظامه تعال‬
‫يف خلقه‪.‬‬

‫أول‪ :‬كمة السن يف القرأن الكري‬

‫وردت كمة الس نة يف القرأن الكري بميع صيغها ست عشة مرة‪ :‬بصيغة‬
‫"س نة" المفرد ثلث عشة مرة‪ ،‬بصيغة الجمع "سن" مرتي‪ ،‬بصيغة "س نتنا"‬
‫مرة واحدة‪ ،‬وَبس تقراء تل اليت كها يتضح لنا أن المراد َبلس نة يف س ياقها‪:‬‬
‫س نة النبياء والمرسلي السابقي ورشائعهم وطرائقهم يف الوامر والنواه‪،‬‬
‫والتحليل والتحري‪ ،‬س نة هللا يف نص عباده المؤمني من النبياء والرسل‬
‫والصالحي وتأييده لهم والتمكي لهم‪ ,‬س نة هللا يف عقاب المم الكفرة‬
‫واهلكها‪ ،‬ومن ث فان اليت السابقة كها تتعلق َبلمطيعي والعصاة‪ ,‬فسنته‬
‫يف أهل طاعته من المؤمني اكرامهم‪ ,‬وسنته يف العصاة من الكفرين اهانتم‬
‫وعقوبتم‪.‬‬

‫﴿‪﴾2‬‬
‫وتسل الصيغ الس ننية كها جاءت يف س ياق واحد هو الس ياق الجتماعي‬
‫أي سن الجتماع المتعلق بأمر هللا ونيه ووعده ووعيده‪ .‬أما سن هللا‬
‫الكونية فقد عب عْنا القرأن الكري َبليت‪ ،‬كقول تعال‪ :‬ان يف خلق‬
‫السماوات والرض واختلف الليل والْنار والفل الت تري يف البحر بما‬
‫ينفع الناس وما أنزل الِل من السماء من ماء فأحيا به الرض بعد موِتا وبث‬
‫فيا من ُك دابة وتصيف الريح والسحاب المسخر بي السماء والرض‬
‫يعقلون‪3.‬‬ ‫ليت لقوم‬

‫والسن يف القرأن الكري ل تقتص عل السن الجتماعية أي السن الت تُك‬


‫سلوك النسان فقط‪ ،‬رغ اَيام الس تقراء بِل‪ ،‬بل هو اقتصار مقصود‬
‫حْكته التنبيه عل السن الجتماعية ولفت النظار اليا وكونا أيضا لزمة‬
‫مثل السن الكونية‪ .‬فكمة السن وردت يف القرأن الكري يف س ياق الحديث‬
‫عن السن الجتماعية‪ ،‬لكْنا تبقى عامة تشمل سن الكون الت لم يسمها‬
‫القرأن س نة‪ ،‬لكنه أشار اليا طويل ودعا ال الكشف عْنا عب النظر يف‬

‫‪ .3‬البقرة‪164 :‬‬
‫﴿‪﴾3‬‬
‫الكتاب المنظور أي الكون والسي يف الرض اَّلي عادة ما يرافق ايراد لفظ‬
‫الس نة يف القرأن الكري أو معناها‪.‬‬

‫َك يف قول تعال‪ :‬فهل ينظرون ال سنت الولي فلن تد لسنت الِل تبديل‬
‫ولن تد لسنت الِل تويل‪ 4.‬أولم يسيوا يف الرض فينظروا كيف كن عاقبة‬
‫اَّلين من قبلهم وكنوا أشد مْنم قوة وما كن الِل ليعجزه من َشء يف السماوات‬
‫ول يف الرض انه كن علميا قديرا‪ 5.‬وكقول تعال يف س ياق حديثه عن سنته‬
‫يف الرسل وسنته يف المس تزئي بم‪ :‬ولقد اس تزئ برسل من قبل فحاق‬
‫َبَّلين َسروا مْنم ما كنوا به يس تزئون‪ 6.‬قل سيوا يف الرض ث انظروا‬
‫كيف كن عاقبة المكِبي‪ 7.‬فهكِا يربط دائما الس ياق القرأن بي سن‬
‫الجتماع البشي وسن الكون‪ ،‬لنا تمثل وحدة متكمَل وان اختلفت‬
‫أشكلها فهيي صادرة من ال واحد اَّلي خلق فشع وأمر‪.‬‬

‫ثنيا‪ :‬المعن الصطلح للسن اللهية‪.‬‬

‫‪ .4‬فاطر‪43 :‬‬
‫‪ .5‬فاطر‪44 :‬‬
‫‪ .6‬النعام‪10 :‬‬
‫‪ .7‬النعام‪11 :‬‬
‫﴿‪﴾4‬‬
‫السن اللهية ه ارادة هللا الكونية‪ ،‬وأمره الشعي‪ ،‬وفعل المطلق‪ ،‬وكماته‬
‫التامات‪ ،‬ووعوده الحقة‪ ،‬وحْكه يف أفاق الكون وتسلسل التاريخ الجارية‬
‫َبلعباد من المعاش ال المعاد‪ .‬وعل رغ من الُك الهائل من السن اللهية الت‬
‫يزخر با الكون ال أننا عند امعان النظر ندها تنضوي تت نوعي أساسي‬
‫من السن‪.‬‬

‫الول‪ :‬يشمل الجانب المادي من هِا الكون‪ ،‬وهو بل شك الوسع نطاقا‪،‬‬


‫ويعرف بسن الكون أو الطبيعة أو سن الفاق‪ ،‬وتعن نواميس هللا س بحانه‬
‫وتعال يف تس يي الكون وعارته‪ .‬وه متعلقة بربوبيته وخلقه تعال‪ .‬الثان‪:‬‬
‫خاص َبلنسان‪ ،‬وه السن والقواعد الت تُك النسان فردا وجاعة وأمة يف‬
‫علقته بِا الكون وخالقه‪ ،‬وتسمى سن الجتماع والعمران أو سن النفس‬
‫أو السن الشعية أو اَلينية‪ .‬وهِا النوع من السن متعلق َبلهيته تبارك وتعال‬
‫ورشعه‪.‬‬

‫ودليل ذل قول تعال‪ :‬أل ل الخلق والمر تبارك الِل رب العالمي‪ 8.‬فالخلق‪:‬‬
‫أفعال وما قضاه وقدره‪ ،‬والمر‪ :‬دينه وما رشعه لخلقه‪ ،‬فال بيان مفهوم سن‬

‫‪ .8‬العراف‪54 :‬‬
‫﴿‪﴾5‬‬
‫الكون وسن الجتماع‪ ،‬يف معن سن الكون‪ .‬قال هللا تبارك وتعال‪ :‬سُنَيم‬
‫أيتنا يف الفاق ويف أنفسهم حّت يتبي لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه عل‬
‫ُك َشء شهيد‪ 9.‬يف الفاق ما أخب هللا تعال به من أيته يف السموات‬
‫والرضي‪ ،‬وذل من رفع السماء‪ ،‬وخلق الكواكب‪ ،‬ودوران الفل‪ ،‬واضاءة‬
‫الشمس والقمر‪ ،‬وما أش به ذل‪ ،‬وكِل بسط الرض‪ ،‬ونصب الجبال‪،‬‬
‫ُيىص‪10.‬‬ ‫وتفجي النار‪ ،‬وغرس الْشار‪ ،‬ال ما ل‬

‫فسن الكون اذن ه‪ :‬النواميس الحاكة يف الطبيعة ويف العالم المادي ويف‬
‫نظام الكون وتركيبه وحركته ومجريته‪ ،‬وتسمى اليت الكونية‪ ،‬وأيت‬
‫الفاق‪ ،‬وسن الطبيعة‪ .‬وتسمى بلسان العص علوم الفل والفضاء والرض‬
‫والبحار والحياء‪ ،‬وهِه السن َضع لها جيع الكئنات الحية يف وجودها‬
‫المادي وجيع الحوادث المادية‪ ،‬ويضع لها كيان النسان المادي وما يطرأ‬
‫عليه مثل نموه وحركة أعضائه ومرضه وهرمه ولوازم بقائه حيا ونو ذل‪.‬‬

‫‪ .9‬فصلت‪53 :‬‬
‫‪ .10‬تفسي القرأن‪ ،‬للسمعان (‪ .)61/5‬تفسي النكت والعيون‪ ،‬للاموردي (‪)189/5‬‬
‫﴿‪﴾6‬‬
‫وهِا النوع من السن ل خروج لحد عْنا لنا خاضعة للقدر الكون ومتعلقة‬
‫َبلخلق والمشيئة الكونية فهيي تقع حتما‪ .‬لكْنا قابَل للخرق حيث ينقضها هللا‬
‫تعال اذا شاء بما شاء‪ ,‬فتمض عل غي ما اعتاده الناس‪ ،‬وهو ما يسمى‬
‫َبلسن الخارقة يف معن سن الجتماع البشي‪.‬‬

‫ان سن الجتماع البشي متعلقة بس نة هللا تعال وأمره ونيه ووعده ووعيده‪،‬‬
‫وه خاصة َبلنسان‪ ،‬اذ ل مترد للطبيعة عل فاطرها تعال‪ .‬وهِا النوع من‬
‫السن يمل النسان معه حرية الختيار لكن عليه أن يتحمل تبعات اختياره‬
‫ونتائه‪ :‬اكراما أو عقوبة ونعيما مقيما أو عِاَب مهينا‪َ ,‬ك س يأِت بسطه‪.‬‬

‫ومجمل القول‪ :‬السن الجتماعية ه‪ :‬النواميس المتحْكة يف النسان َبعتباره‬


‫فردا وجاعة وأمة ويف فكره وسلوكه وحركته يف المجتمع وفاعليته يف التاريخ‪.‬‬
‫أو ه مجموعة من القواعد والضوابط والمبادئ والحكم الت رسها هللا تعال‬
‫من أجل اصلح حال الفراد والجماعات والمم يف شؤونم اَلنيوية والخروية‬
‫والرتقاء َبلنفس البشية ال المراتب العلوية‪ .‬هـ‬

‫﴿‪﴾7‬‬
‫﴿سنة إلرسل﴾‬

‫وقد ورد يف الحديث‪ :‬تركت فيُك أمرين لن تضلوا ما تمسكُت بما‪ :‬كتاب هللا‬
‫وس نة نبيه‪ 11.‬فكتاب هللا هو س نة هللا‪ ,‬يقال الكتاب أي قضاء هللا وقدر هللا‬
‫َك قيل يف القران‪ :‬ما أصاب من مصيبة يف الرض ول يف أنفسُك ال يف كتاب‬
‫من قبل أن نبأها ان ذ ل عل الِل يسي‪ 12.‬قال الرازي يف تفسيه‪ :‬ال يف‬
‫كتاب يعن مكتوب عند الِل يف اللوح املحفوظ‪ ،‬وفيه مسائل‪:‬‬

‫املسأل الول‪ :‬هِه الية دال عل أن جيع احلوادث الرضية قبل دخولها يف‬
‫الوجود مكتوبة يف اللوح املحفوظ‪ .‬قال املتكمون‪ :‬وانما كتب ُك ذل لوجوه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬تس تدل امللئكة بِل املكتوب عل كونه س بحانه وتعال عالما بميع‬
‫الش ياء قبل وقوعها‪ .‬وثنيا‪ :‬ليعرفوا حْكة الِل فانه تعال مع علمه بأنم يقدمون‬
‫عل تل املعاص خلقهم ورزقهم‪ .‬وثلُثا‪ :‬ليحِروا من أمثال تل املعاص‪.‬‬
‫ورابعها‪ :‬ليشكروا الِل تعال عل توفيقه ايه عل الطاعات وعصمته ايه من‬
‫المعاص‪ .‬وقالت الحكامء‪ :‬ان الملئكة اَّلين وصفهم الِل بأنم ه املدبرات‬

‫‪ .11‬أخرجه مال يف املوطأ‬


‫‪ .12‬احلديد‪22 :‬‬
‫﴿‪﴾8‬‬
‫أمرا‪ ،‬وه املقسمات أمرا‪ ،‬انما ه المبادئ لحدوث الحوادث يف هِا العالم‬
‫السفل بواسطة احلركت الفلكية والتصالت الكوكبية‪ ،‬فتصوراِتا لنس ياق‬
‫تل الس باب ال املسببات هو المراد من قول تعال‪ :‬ال يف كتاب‪ .‬هـ‬

‫ومن هِا الشح نعرف أن كتاب هللا هو حُك هللا يف سن الكون ومن بعض‬
‫قليل مكتوبة يف القران وسي َبليت القولية‪ ,‬وحُك هللا يف سن الكون غي‬
‫مكتوبة يف القران سي َبلييت الكونية‪َ .‬ك تقدم ايضاحه‪ ,‬وكن حُك هللا قد‬
‫حل مند كن حّت يكون‪ .‬قيل يف القران‪ :‬س نة الِل الت قد خلت من قبل‬
‫تبديل‪13.‬‬ ‫ولن تد لس نة الِل‬

‫يرى أبو حامد محمد الغزاِل أن هللا تعال هو المنفرد َبلخلق والختاع‪،‬‬
‫المتوحد َبلَياد والبداع‪ ،‬خلق الخلق وأعالهم وقدر أرزاقهم وأجالهم‪ .‬وأنه‬
‫مريد للكئنات مدبر لها‪ ،‬فل َيري يف الكون قليل أو كثي‪ ،‬صغي أو كبي‪،‬‬
‫خي أو رش‪ ،‬نفع أو ض‪ ،‬ايمان أو كفر‪ ،‬عرفان أو نكران‪ ،‬فوز أو خسان‪،‬‬
‫زيدة أو نقصان‪ ،‬طاعة أو عصيان‪ ،‬ل َيري َشء من ذل ال بقضائه وقدره‬
‫وحْكته ومش يئته‪ .‬فما شاء هللا كن‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬ول يرج عن ارادته‬

‫‪ .13‬الفتح‪23 :‬‬
‫﴿‪﴾9‬‬
‫لفتة نظر أو فلتة خاطر‪ ،‬بل هو المبدئ المعيد‪ ،‬الفعال لما يريد‪ .‬فل راد‬
‫لمره ول معقب لقضائه‪ ،‬ول مهرب لعبد عن معصيته ال بتوفيقه ورحته‪ ،‬ول‬
‫قوة ل عل طاعته ال بمش يئته وارادته‪ .‬فلو اجتمعت النس والجن والملئكة‬
‫والش ياطي عل أن ُيركوا يف العالم ذرة أو يسكنوها من دون ارادته ومش يئته‬
‫ذل‪14.‬‬ ‫لعجزوا عن‬

‫فل موجود يف العالم ويف الكون ال وهو حادث بفعل هللا وفائض من عدل‬
‫عل أحسن الوجوه وأكلها وأتمها وأعدلها‪ .‬وأنه حكمي يف أفعال عادل يف‬
‫أقضيته‪ ،‬ول يقاس عدل بعدل العباد‪ ،‬اذ العبد يتصور منه الظل بتصفه يف‬
‫مل غيه ول يتصور الظل من هللا تعال‪ ،‬فانه ل يصادف لغيه ملك حّت‬
‫يكون تصفه فيه ظلام‪ .‬فك ما موجود هو مل لل وحده‪ ،‬وَّلل ل يتصور‬
‫الظل يف حق هللا ما دام ل يصادف لغيه ملك اذا تصف فيه كن ظالام‪.‬‬

‫س نة هللا قطعي اذ ه قضاء هللا يف الزل وقدره يف الجل وُك الخلق لبد‬
‫لها خاضعة لن هللا تعال قهار جبار عل خلقه وه يف فجوة مْنما‪ ,‬ل َشء‬
‫ول أحد أن َيرب من س نة هللا الت قد خلت من قبل‪َ .‬ك جاء يف القران‪:‬‬

‫‪ .14‬احياء علوم اَلين‪ ،‬اجلزء الول‪ ،‬الصفحة ‪107‬‬


‫﴿‪﴾10‬‬
‫اس تكبارا ف الرض ومكر الس ِّ ول ُييق المكر الس ِّ ال َبهل فهل‬
‫ينظرون ال سنت الولي فلن تد لسنت الِل تبديل ولن تد لسنت الِل‬
‫تويل‪ 15.‬أخبت هِه الية أن من س نة هللا ه من اس تكب ف الرض ومن‬
‫مكر المكر الس ِّ ُييق المكر الس ِّ ال أهل‪ .‬فاء رسول هللا َبلهدى ليحِر‬
‫الناس حِرا عن س نة هللا أل يمكر المكر الس ِّ لن من مكر المكر الس ِّ‬
‫يرجع ال أهل‪ ,‬بقول‪ :‬من جاء َبلحس نة فل خي مْنا ومن جاء َبلسيئة فل‬
‫يعملون‪16.‬‬ ‫َيزى اَّلين علوا السيئات ال ما كنوا‬

‫فان سأل سائل‪ :‬هل المراد بس نة نبيه هو الحديث؟ فالجواب‪ :‬يف البداية‪،‬‬
‫لم يدون الحديث عل عهد النب محمد اَّلي نيى عن تدوينه‪ 17،‬ال أن عدم‬
‫تدوين الحديث النبوي يف عهده الول‪ ،‬والكتفاء َبلعتماد عل اَّلاكرة‪ ،‬فتح‬
‫الباب أمام بعض الوضاعي اَّلين استباحوا وضع أحاديث ونسبتا كَِب ال‬
‫النب محمد‪ 18،‬حّت بلغت مبلغا عظيما‪ ،‬وعت با الفاق حّت أن البخاري‬
‫يف صيحه لم يدون سوى س بعة ألف حديث مْنا ثلثة ألف مكررة من‬

‫‪ .15‬الفاطر‪43 :‬‬
‫‪ .16‬القصص‪84 :‬‬
‫‪ .17‬صيح مسل ‪ -‬كتاب الزهد والرقائق‬
‫‪ .18‬فر السلم‪ ،‬أحد أمي‪ ،‬دار الكتاب العرب‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‬
‫﴿‪﴾11‬‬
‫جَل س تمائة ألف حديث كنت متداول يف عصه‪ 19.‬وقد رأى أحد أمي يف‬
‫كتابه فجر السلم برأي ابن أب الحديد يف كتابه رشح نج البلغة أن‬
‫الخصومات الس ياس ية بي الس نة والش يعة‪ ،‬ث المويي والعباس يي اضافة‬
‫ال الخلفات الَكمية والفقهية بي المِاهب اَلينية يف العصور الول‬
‫للسلم‪ ،‬كنت سببا يف وضع الحاديث الت هدف واضعوها ال تغليب فئة‬
‫الحديث‪20.‬‬ ‫عل أخرى مس تغلي التوجه السائد حينئِ بتفضيل عدم تدوين‬

‫فقلت‪ :‬المراد بس نة نبيه الّت وردت يف قول رسول هللا ه س نة الرسول الّت‬
‫مكتوبة يف القران الكري َك قد أشار القران‪ :‬انه لقول رسول كري وما هو بقول‬
‫شاعر قليل ما تؤمنون ول بقول كهن قليل ما تِكرون تنيل من رب‬
‫ألعالمي‪ 21.‬أي قول رسول من الوح اَّلي يش تمل فيه أمر ونيي وانِار وهو‬
‫هدى للناس أجعي‪ .‬فمن يتبع الهدى فقد أفلح ومن يتول فقد هل َك س يأِت‬
‫ايضاحه يف َبب حرية الختيار ان شاء هللا‪ .‬فالمراد بكتاب هللا وس نة نبيه يف‬
‫ذل الحديث هو القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان‪.‬‬

‫‪ .19‬خمتص اترخي دمشق لبن منظور‬


‫‪ .20‬فر السلم‪ ،‬أحد أمي‪ ،‬دار الكتاب العرب‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‬
‫‪ .21‬احلاقة‪ 40 :‬وما بعدها‬
‫﴿‪﴾12‬‬
‫وقد كن يف ُك عص وزمان رسل أِت هللا تعال عل قومهم بشائعهم‬
‫المختلفات الت لئقة عل قومهم َك قيل يف القران‪ :‬رشع لُك من أَلين ما وّص‬
‫به نوحا وأَّلى أوحينا اليك وما وصينا به ابرهمي وموس وعيس أن أقميوا‬
‫أَلين ول تتفرقوا فيه كب عل ألمشكي ما تدعوه اليه ألِل َيتب اليه من‬
‫يشاء وَيدى اليه من ينيب‪ 22.‬دلت هِه الية أن أصل اَلين واحد ولو كنت‬
‫يف س نة الرسل مختلفة‪َ ,‬ك قيل‪ :‬الحُك يدور مع علته وجودا وعدما‪ .‬ولكن‬
‫أغوى من أهل الكتاب بما رشع عليم‪َ ,‬ك قيل يف القران‪ :‬ولَييدن كثيا مْنم‬
‫ما أنزل اليك من ربك طغيان وكفرا فل تأس عل القوم الكفرين‪ .‬فأحِر رسول‬
‫هللا أهل الكتاب بقول‪ :‬ي أهل الكتاب لس ُت عل َشء حّت تقميوا التوراة‬
‫والنيل وما أنزل اليُك من ربُك‪23.‬وما كن رسول هللا محمد صل هللا عليه‬
‫وسل جاء بدين جديد وانما هو مصلح ما تغي أهل الكتاب طغيان وكفرا وهو‬
‫حنيف مسل‪.‬‬

‫ومن أمثال س نة الرسول الت جاءت يف القران‪ :‬ي أَيا اَّلين أمنوا كونوا قوامي‬
‫لِل شهداء َبلقسط ول َيرمنُك ش نأن قوم عل أل تعدلوا اعدلوا هو أقرب‬

‫‪ .22‬الشورى‪13 :‬‬
‫‪ .23‬املائدة‪68 :‬‬
‫﴿‪﴾13‬‬
‫للتقوى واتقوا الِل ان الِل خبي بما تعملون‪ 24.‬والمر يف هِه الية هو س نة‬
‫رسول هللا أي أمر رسول هللا اَّلين أمنوا ليكن من أخلقهم وصفاِتم القيام‬
‫لل شهداء َبلعدل يف أوليائم وأعدائم ول َيرمْنم ش نأن أعدائم عل أل‬
‫يعدلوا‪ ,‬فالعدل يف المور هو س نة الرسول‪ .‬وجاء يف الحديث عن عائشة أن‬
‫قريشا أههم شأن المرأة المخزومية الت َسقت فقالوا من يكم فيا رسول الِل‬
‫صل الِل عليه وسل فقالوا ومن َيتئ عليه ال أسامة حب رسول الِل صل‬
‫الِل عليه وسل فكمه أسامة فقال رسول الِل صل الِل عليه وسل أتشفع يف‬
‫حد من حدود الِل ث قام فاختطب فقال أَيا الناس انما أهل اَّلين قبلُك أنم‬
‫كنوا اذا َسق فيم الشيف تركوه واذا َسق فيم الضعيف أقاموا عليه الحد‬
‫واي الِل لو أن فاطمة بنت محمد َسقت لقطعت يدها ويف حديث ابن رمح‬
‫قبلُك‪25.‬‬ ‫انما هل اَّلين من‬

‫ومْنا‪ :‬وأنكحوا ألي مى منُك وألصـلحي من عبادك وامائُك ان يكونوا فقراء‬


‫يغْنم ألِل من فضل وألِل و سع علمي‪ 26.‬جعل هللا تعال الناس يف سنته حب‬

‫‪ .24‬املائدة‪8 :‬‬
‫‪.25‬اخرجه مسل‬
‫‪ .26‬النور‪32 :‬‬
‫﴿‪﴾14‬‬
‫النساء‪27.‬‬ ‫الشهوات لزوجه َك قيل يف القران‪ :‬زين للناس حب الشهوت من‬
‫فأمر رسول هللا الناس بعقد النكح‪ ,‬فعقد النكح هو س نة رسول هللا َك جاء‬
‫يف الحديث‪ :‬النكح من سنت مفن ل يعمل بسنت فليس من‪ ،‬وتزوجوا فان‬
‫مكثر بُك المم‪ ،‬ومن كن ذا طول فلينكح‪ ،‬ومن ل َيد فعليه َبلصيام‪ ،‬فان‬
‫الصوم ل وجاء‪ 28.‬فمن أراد أن ينكح فعليه أن يؤدي رشوطه فان ل فعليه‬
‫َبلصيام‪ .‬وأما تفصيل فانظر يف كتب الفقه‪ .‬ونيي رسول هللا الزن َك قيل يف‬
‫القران‪ :‬ول تقربوا ألزن انه كن فاحشة وسأء سبيل‪ 29 .‬قال الرازي يف تفسيه‪:‬‬
‫عاقبة الوطء دون عقد النكح ل أنواع من المفاسد ‪,‬‬

‫أولها‪ :‬اختلط النساب واشتباهها فل يعرف النسان أن الوَل اَّلي أتت به‬
‫الزانية أهو منه أو من غيه‪ ،‬فل يقوم بتبيته ول يس تمر يف تعهده‪ ،‬وذل‬
‫يوجب ضياع الولد‪ ،‬وذل يوجب انقطاع النسل وخراب العالم ‪.‬‬

‫وثنيا‪ :‬أنه اذا لم يوجد سبب رشعي لجل يكون هِا الرجل أول بِه املرأة‬
‫من غيه لم يبق يف حصول ذل الختصاص ال التواثب والتقاتل‪ ،‬وذل‬

‫‪ .27‬العمران‪14 :‬‬
‫‪.28‬اخرجه ابن جماه‬
‫‪ .29‬الَساء‪32 :‬‬
‫﴿‪﴾15‬‬
‫يفض ال فتح َبب الهرج واملرج واملقاتَل‪ ،‬وك سعنا وقوع القتل اَّلريع بسبب‬
‫اقدام املرأة الواحدة عل الزن ‪.‬‬

‫وثلُثا‪ :‬أن املرأة اذا َبرشت الزن وتم نرت عليه يس تقِرها ُك طبع سلمي وُك‬
‫خاطر مس تقمي‪ ،‬وحينئِ ل تصل اللفة واملحبة ول يُت السكن والزدواج‪،‬‬
‫وَّلل فان املرأة اذا اش ترت َبلزن تنفر عن مقارنتا طباع أكث اخللق ‪.‬‬

‫ورابعها‪ :‬أنه اذا انفتح َبب الزن فحينئِ ل يبقى لرجل اختصاص َبمرأة‪ ،‬وُك‬
‫رجل يمكنه التواثب عل ُك امرأة شاءت وأرادت‪ ،‬وحينئِ ل يبقى بي نوع‬
‫النسان وبي سائر الَبائ فرق يف هِا الباب ‪.‬‬

‫وخامسها‪ :‬أنه ليس املقصود من املرأة مجرد قضاء الشهوة بل أن تصي رشيكة‬
‫للرجل يف ترتيب املنل واعداد مهماته من املطعوم واملشوب وامللبوس‪ ،‬وأن‬
‫تكون ربة البيت وحافظة للباب وأن تكون قائمة بأمور الولد والعبيد‪ ،‬وهِه‬
‫املهمات ل تُت ال اذا كنت مقصورة الهمة عل هِا الرجل الواحد منقطعة‬
‫الطمع عن سائر الرجال‪ ،‬وذل ل ُيصل ال بتحري الزن وسد هِا الباب‬
‫َبلكية ‪.‬‬

‫﴿‪﴾16‬‬
‫وسادسها‪ :‬أن الوطء يوجب اَّلل الشديد‪ ،‬واَلليل عليه أن أعظم أنواع الش ُت‬
‫عند الناس ذكر ألفاظ الوقاع‪ ،‬ولول أن الوطء يوجب اَّلل‪ ،‬وال لام كن المر‬
‫كِل‪ ،‬وأيضا فان جيع العقلء ل يقدمون عل الوطء ال يف املواضع‬
‫املس تورة‪ ،‬ويف الوقات الت ل يطلع عليم أحد‪ ،‬وأن جيع العقلء يستنكفون‬
‫عن ذكر أزواج بناِتم وأخواِتم وأمهاِتم لما يقدمون عل وطِئن‪ ،‬ولول أن‬
‫الوطء ذل‪ ،‬وال لما كن كِل‪.‬‬

‫ومْنا‪ :‬عن تري الرَب وتليل البيع‪َ ,‬ك قيل يف القران‪ :‬ي أَيا اَّلين أمنوا ل‬
‫تأكوا الرَب أضعافا مضاعفة واتقوا الِل لعلُك تفلحون‪ .‬واتقوا النار الت أعدت‬
‫للكفرين‪ 30.‬وقد نيى رسول هللا لّلين أمنوا أن يأكوا الرَب‪ ,‬لن الرَب هو‬
‫اس تغلل الفاقرين والمساكي‪ ,‬بل أذن رسول هللا لمن يأُك الرَب بقول‪ :‬وذروا‬
‫ما بقي من الرَب ان كنُت مؤمني فان لم تفعلوا فأذنوا برب من الِل‬
‫ورسول‪31.‬فقلت يف ي غلم‪ :‬اذا اس تدانك َشص مظطر فقي ث تقرضه بزيدة‬

‫‪ .30‬العمران‪130 :‬‬
‫‪ .31‬البقرة‪278 :‬‬
‫﴿‪﴾17‬‬
‫فهو رَب‪ .‬وحرمت أن تكف خاطره َلفع اَلين‪ .‬قيل يف القران‪ :‬وان كن ذو‬
‫تعلمون‪32.‬‬ ‫عسة فنظرة ال ميسة وان تصدقوا خي لُك ان كنُت‬

‫واعل أن س نة رسول هللا ه هدى اَّلي يرشد الناس للحياة السعدية اما‬
‫منفردا واما أمة‪ ,‬وقد رأيت يف هِا الزمان ه اَّلين ل يأكون لحم الخنير‬
‫خوفا عن اَّلنب ولكْنم ليبالون تِير رسول هللا عن الرَب ول ينتون‬
‫اس تغلل الفاقرين والمساكي‪ .‬فل تعجبوا اذا وجدت يف هِا الزمان كثيا من‬
‫أمة رسول هللا يف كربة شديدة‪ ,‬لنم قد عصوا س نة رسول هللا‪ .‬ان الِل ل‬
‫يظل الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون‪ 33.‬هـ‬

‫﴿حرية إلإختيأر﴾‬

‫تعد الحرية النسانية من أخطر المواضيع الت دارت حولها أفكر ونظريت‬
‫ومعتقدات دينية وفلسفية وأخلقية واجتماعية‪ ،‬تتلءم أو تتنافر مع بعضها‬
‫البعض بسب ما تشكه من خطورة يف قضاي الحرية نفسها‪ ،‬اذ هناك من‬
‫يرى أن معصية ابليس اللعي للمر اللهيي برفض السجود لدم‪ ،‬تمثل الحرية‬

‫‪ .32‬البقرة‪280 :‬‬
‫‪ .33‬يونس‪44 :‬‬
‫﴿‪﴾18‬‬
‫الت منحها الخالق لمخلوقه‪ ،‬وبموجَبا يكون الثواب أو العقاب البديي‪َ .‬ك أن‬
‫حرية الختيار ه الت دفعت أدم ال أن يرتكب المعصية ويفعل الخطيئة‬
‫الول‪.‬‬

‫وقد تقدم القول أن النسان يمل حرية الختيار لكن عليه أن يتحمل تبعات‬
‫اختياره ونتائه‪ ,‬واختيار النسان محدد بقضاء هللا وقدره‪ .‬كسجناء يف‬
‫المحبس اَّلي مطوق َبلسور تيا فيه‪ ,‬اذا تنظر السجناء حول المحبس فانا‬
‫حرة‪ ,‬واذا تنظر ال سوره فانا مقبوض‪ ,‬فكِل النسان يف حرية الختيار‬
‫فاختياره محدد َبختيار هللا تعال يف سنته َك قيل يف القران‪ :‬وربك يلق ما‬
‫يشاء ويتار ما كن لهم الخية س بحن الِل وتعل عا يشكون‪ 34.‬أي ل سبيل‬
‫للنسان يف اختيار ال ما اختار هللا تعال عليه اما من الشاكرين واما من‬
‫الكفرين‪ ,‬قيل يف القران‪ :‬ان خلقنا النسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه‬
‫كفور‪35.‬‬ ‫سيعا بصيا ان هديناه السبيل اما شاكرا واما‬

‫‪ .34‬القصص‪68 :‬‬
‫‪ .35‬النسان‪3-2 :‬‬
‫﴿‪﴾19‬‬
‫اعل أن هللا تعال خطط سنته من قبل عل زوجي‪َ,‬ك قيل يف القران‪ :‬ومن‬
‫ُك َشء خلقنا زوجي لعلُك تِكرون‪ .‬قال مجاهد‪ ,‬يف قول ومن ُك َشء‬
‫خلقنا زوجي‪ 36‬قال‪ :‬الكفر واليمان‪ ,‬والشقاوة والسعادة‪ ,‬والهدى والضلل‪,‬‬
‫والليل والْنار‪ ,‬والسماء والرض‪ ,‬والنس والجن‪ ,‬والخي والش‪ ,‬وغي ذل‪.‬‬
‫هِا س نة هللا الت دارجة ثبتة يف هِه الكئنات‪ ,‬وأما س نة رسول هللا فهيي‬
‫الهدى والرشاد من الرسول للناس‪ .‬ومن أقسام س نة هللا شقاوة وسعادة‬
‫فس نة النبوة يرشد الناس عل طريق السعادة‪ .‬روي أن عر ابن الخطاب‬
‫انصف عن الوَبء اَّلي قد وقع بأرض الشأم‪ .‬قال أبو عبيدة بن اجلراح‪ :‬أفرارا‬
‫من قدر الِل؟! فقال عر‪ :‬لو غيك قالها ي أَب عبيدة؟! نعم نفر من قدر الِل‬
‫ال قدر الِل‪ ،‬أرأيت لو كن ل ابل هبطت وادي ل عدواتن‪ ،‬احداها خصبة‪،‬‬
‫والخرى جدبة‪ ،‬أليس ان رعيت اخلصبة رعيتا بقدر الِل‪ ،‬وان رعيت اجلدبة‬
‫رعيتا بقدر الِل؟ قال‪ :‬فجاء عبد الرحن بن عوف وكن متغيبا يف بعض حاجته‬
‫فقال‪ :‬ان عندي يف هِا علما؛ سعت رسول الِل صل هللا عليه وسل يقول‪:‬‬

‫‪ .36‬اَّلاريت‪49 :‬‬
‫﴿‪﴾20‬‬
‫اذا سعُت به بأرض فل تقدموا عليه‪ ،‬واذا وقع بأرض وأنُت با فل َرجوا فرارا‬
‫انصف‪37.‬‬ ‫منه‪ .‬قال‪ :‬فحمد الِل عر ث‬

‫وقد أخِ عر ابن الخطاب عل طريق النبوة اَّلي يدل ال سلمة من س نة‬
‫هللا‪ ,‬ومعن الفرار من قدر هللا ال قدره َك قال القرطب‪ :‬أي ل محيص‬
‫للنسان عا قدره الِل ل وعليه‪ ،‬ولكن أمرن الِل تعال َبلتحرز من المخاوف‬
‫والمهلكت وَبس تفراغ الوسع يف التوِق من المكروهات‪ .‬وقدر هللا عل‬
‫النسان عاقبة من اختياره عل َشء‪َّ .‬لا ل بد للمؤمن أن يتعل لك ل يتار‬
‫يف خطأ بهل فعليه التوبة‪َ ,‬ك أشار القران‪ :‬انما التوبة عل الِل لّلين يعملون‬
‫السوء بهال ث يتوبون من قريب فأولـئك يتوب الِل عليم وكن الِل علميا‬
‫حكميا‪ 38.‬تدل يف هِه الية أن العصيان بهال‪ ,‬ويف الية الخرى بفسوق‪َ ,‬ك‬
‫الفاسقي‪39.‬‬ ‫قيل يف القران‪ :‬ان الِل ل َيدي القوم‬

‫وقد تقدم قوِل أن اختيار النسان بي القضاء والقدر‪ ,‬أقض هللا تعال يف‬
‫سنته كربة يف الرَب وفلحا يف البيع مثل‪ ,‬ث يقتع النسان الرَب فيجد القدر‬

‫‪ .37‬أخرجه البخاري‬
‫‪ .38‬النساء‪. 17 :‬‬
‫‪ .39‬املنافقون‪6 :‬‬
‫﴿‪﴾21‬‬
‫يف الرَب وهو كربة‪ ,‬ويتار النسان البيع فيجد القدر يف البيع وهو فلح‪ ,‬وقد‬
‫أشار القران عن هِا بقول‪ :‬ان الِل عل ُك َشء قدير‪ 40.‬ولهِا أمر رسول‬
‫هللا الناس أن يِروا ما بقي من الرَب لن فيه كربة شديدة لهل‪ .‬وكِل‬
‫أقض هللا تعال يف سنته سيئة يف المشكت ولو أعبتُك‪ .‬وأقض هللا تعال‬
‫يف سنته حس نة يف المؤمنات ولو كنُت ل أعبتُك‪ ,‬وقدره َك جاء يف القران‪:‬‬
‫ول تنكحوا المشكت حّت يؤمن ولمة مؤمنة خي من مشكة ولو أعبتُك‬
‫ول تنكحوا المشكي حّت يؤمنوا ولعبد مؤمن خي من مشك ولو أعبُك‬
‫أولـئك يدعون ال النار والِل يدعو ال الجنة والمغفرة َبذنه ويبي أيته للناس‬
‫يتِكرون‪41.‬‬ ‫لعلهم‬

‫واعل لقد جعلت هِه اَلار امتحان وابتلء للناس وفيا الغام متناثرة فمن ل‬
‫يتبع الهدى فقد هل ومن يتبع الهدى فقد نح‪ .‬وقد جاء يف القران‪ :‬ان جعلنا‬
‫ما عل الرض زينة لها لنبلوه أَيم أحسن عل‪ 42.‬قلت‪ :‬يف قول‪ :‬أَيم أحسن‬
‫عل أي أَيم أتبع عل َبلهدى‪ .‬فالرسل والنبياء والصالحون والصادقون ه‬

‫‪ .40‬البقرة‪20 :‬‬
‫‪ .41‬البقرة‪22 :‬‬
‫‪ .42‬الكهف‪7 :‬‬
‫﴿‪﴾22‬‬
‫اَّلين أهدى هللا عليم من قبلنا فينبغي لنا أن نتبعهم َك قلنا يف صلتنا‪ :‬اهدن‬
‫الصاط المس تقمي صاط اَّلين أنعمت عليم غي المغضوب عليم ول‬
‫الضالي‪43.‬‬

‫وجعل هللا تعال يف سنته أجرا وذنبا للناس نتيجة من حرية الختيار‪ ,‬وكن‬
‫كثي من الناس اختار شيئا بشهوته وهواه فل َيد عاقبته ال هلك‪َ ,‬ك قيل‬
‫فرطا‪44.‬‬ ‫يف القران‪ :‬ول تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرن واتبع هواه وكن أمره‬
‫طبيعة الناس ميل لما أحب واتبع شهواته وهواه ول يعل ما وراءه واختار‬
‫شيئا بل عل واختبار‪ ,‬كغلم نقص من العل والختبار يف الختيار فيكون‬
‫اختياره بشهوته وهواه وهو ُيتاج َبلهدى يف اختياره‪ .‬وقد تكون شهوته وهواه‬
‫غالبة من الهدي ويزل ال الهلك‪ .‬فهِا َك أشار يف الحديث‪ :‬عن جابر بن‬
‫عبد هللا وأبو هريرة رِض هللا عْنم مرفوعا‪ :‬مثل ومثلُك كثل رجل أوقد نرا‬
‫فجعل الجنادب والفراش يقعن فيا وهو يِبن عْنا وأن أخِ بجزك عن النار‬
‫وأنُت تفلتون من يدى‪ 45.‬س نة الرسول ه سن الجتماع البشي متعلقة‬

‫‪ .43‬الفاتة‪7-6 :‬‬
‫‪ .44‬الكهف‪28 :‬‬
‫‪ .45‬متفق عليه‬
‫﴿‪﴾23‬‬
‫بس نة هللا تعال وأمره ونيه ووعده ووعيده‪ ،‬وه خاصة َبلنسان‪َ ,‬ك تقدم‬
‫القول‪.‬‬

‫أدل رسول هللا بسنته للناس عل طريق السلمة والفلحة ليخرجه من طريق‬
‫الختلل والضطراب حّت ينالوا البكت من السماء والرض‪َ ,‬ك قيل يف‬
‫القران‪ :‬ولو ان اهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليم بركت من السماء والرض‬
‫ولكن كِبوا فاخِنم بما كنوا يكس بون‪ 46.‬بينت هِه الية أن أكث بعض‬
‫الناس تولوا من الهدي واتبعوا شهوِتم وهواه فعاقبتم س نة هللا بما كنو‬
‫يكس بون‪ .‬قيل يف القران‪ :‬فمن يعمل مثقال ذرة خيا يره ومن يعمل مثقال ذرة‬
‫رشا يره‪ 47.‬هـ‬

‫﴿قانون الس ببية﴾‬

‫ُك َشء بسبب وقد دل القرأن الكري عل أن ُك َشء ُيدث بسبب‪،‬‬


‫سواء كن هِا الحدث يتعلق َبلجماد أو َبلنبات أو َبلحيوان أو َبلنسان‪ ،‬أو‬
‫َبلجرام السماوية أو الظواهر الكونية المادية المختلفة‪ .‬فقانون الس ببية‪ ،‬أي‬

‫‪ .46‬العراف‪69 :‬‬
‫‪ .47‬الزلزل‪8-7 :‬‬
‫﴿‪﴾24‬‬
‫ربط المسببات بأس بابا والنتائج بمقدماِتا‪ ،‬هِا القانون عام شامل لك ما يف‬
‫العالم‪ ،‬ولك ما ُيصل للنسان يف اَلنيا والخرة‪.‬‬

‫قال ش يخ السلم ابن تيمية رحه هللا تعال‪ :‬فليس يف اَلنيا والخرة َشء‬
‫ال بسبب‪ ،‬وهللا خالق الس باب والمسببات‪ .‬فمن الس باب المادية قول‬
‫تعال ‪ :‬وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لُك‪ 48.‬ومن الس باب‬
‫المعنوية ‪ :‬ي أَيا اَّلين أمنوا ان تتقوا الِل َيعل لُك فرقان‪ 49.‬وقال رحه هللا‬
‫أيضا‪ :‬هِا الكون َيري بموجب أس باب ومسببات‪ ،‬تكون قانون عاما هو يف‬
‫غاية اَلقة والحكم والشمول‪ ،‬بيث ل يرج عنه َشء‪ ،‬ول يفلت منه‬
‫مخلوق ُيُك ُك َشء من المخلوقات‪ ،‬بل اس تثناء‪ :‬من أصغر ذرة ال أكب‬
‫جرم‪ ،‬ومن الجماد والنبات بأنواعه ال ذي الروح بأنواعه‪ ،‬ومن حركة اَّلرة يف‬
‫مادِتا الت ل نشعر با‪ ،‬ال حركة الريح العاصف الت تقلع الْشار وَرب‬
‫البيوت فالك خاضع ومنقاد لهِا القانون الرهيب ل يس تطيع منه تفلتا ول‬
‫خلصا‪50.‬‬

‫‪ .48‬ابرهمي‪32 :‬‬
‫‪ .49‬النفال‪29 :‬‬
‫‪ .50‬السن اللهية يف المم وامجلاعات والفراد يف الشيعة السلمية‬
‫﴿‪﴾25‬‬
‫فمن المعلوم أن العلقة بي الس باب والمسببات‪ ،‬وأن السبب يؤثر يف‬
‫المسبب‪ ،‬بما جعل هللا فيه من قوة التأثي‪ ،‬فالنار ه السبب المؤثر يف‬
‫الحراق‪ ،‬وه الت تنتج ذل الحراق يف الجسم المحتق‪ .‬وهكِا الثلج هو‬
‫سبب التبيد‪ ،‬وهو اَّلي ينتج ويؤثر َبلتبيد‪ ،‬يف الجسم المتصل به‪ .‬والماء‬
‫هو سبب الغراق والطعام‪ :‬هو سبب الش باع‪ ،‬وهكِا دواليك‪ .‬فالعلقة بي‬
‫السبب والمسبب‪ :‬ه علقة تأثي منتج للثر‪.‬‬

‫فكِل يف أفعال النسان فيما يتار‪ ,‬ول اتبعة‪ ,‬فاذا اتبع النسان يف اختياره‬
‫هواه وشهوته فهو عل طريقة الهلك والندم‪ ,‬وقد أشار القران‪ :‬ومن يتبع‬
‫خطوت الش يطن فانه يأمر َبلفحشاء والمنكر‪51.‬واذا اتبع يف اختياره الهدى‬
‫فهو عل طريقة السلمة والنجاح‪ ,‬وأشار‪ :‬فمن اتبع هداي فل يضل ول‬
‫يشقى‪ 52.‬وأمر القران لنا أن نأخد ممن قبلنا عبة بقول‪ :‬أفل يسيوا يف الرض‬
‫فينظروا كيف كن عاقبة اَّلين من قبلهم كنوا أكث مْنم وأشد قوة وأثرا يف‬
‫الرض فما أغن عْنم ما كنوا يكس بون فلما جاءِتم رسلهم َبلبينات فرحوا بما‬
‫عنده من العل وحاق بم ما كنوا به يس تزئون فلما رأوا بأس نا قالوا أمنا َبلِل‬

‫‪ .51‬النور‪21 :‬‬
‫‪ .52‬طه‪123 :‬‬
‫﴿‪﴾26‬‬
‫وحده وكفرن بما كنا به مشكي فل يك ينفعهم اميانم لما رأوا بأس نا س نة الِل‬
‫الكفرون‪53.‬‬ ‫الت قد خلت يف عباده وخس هنال‬

‫وقد أنِر رسول هللا الناس عن بأس شديد من عند هللا وأمره ليتبعوا ما‬
‫جاء به رسول هللا من الهدى والفرقان والحْكة ليكون من السالمي والناجحي‬
‫من بأسه الشديد‪ ,‬وأمْنم عل طريق السلمة رحة ل بغاضة وليس َك ند‬
‫الن‪ .‬قيل يف القران‪ :‬لقد جاءك رسول من أنفسُك عزيز عليه ما عنُت حريص‬
‫عليُك َبلمؤمني رءوف رحمي فان تولوا فقل حس ب الِل ل الـه ال هو عليه‬
‫توكت وهو رب العرش العظمي‪ 54.‬قال الرازي يف تفسيه‪ :‬وهو أن هِا‬
‫الرسول منُك‪ ،‬فك ما ُيصل ل من العز والشف يف اَلنيا فهو عائد اليُك‪.‬‬
‫وأيضا فانه بال يشق عليه ضرك وتعظم رغبته يف ايصال خي اَلنيا والخرة‬
‫اليُك‪ ،‬فهو كلطبيب املشفق والب الرحمي يف حقُك‪ ،‬والطبيب املشفق ربما‬
‫أقدم عل علجات صعبة يعس تملها‪ ،‬والب الرحمي ربما أقدم عل تأديبات‬
‫شاقة‪ ،‬ال أنه لما عرف أن الطبيب حاذق وأن الب مشفق‪ ،‬صارت تل‬
‫املعالجات املؤلمة متحمَل‪ ،‬وصارت تل التأديبات جارية مجرى الحسان‪.‬‬

‫‪ .53‬الغافر‪85-82 :‬‬
‫‪ .54‬التوبة‪129-128 :‬‬
‫﴿‪﴾27‬‬
‫فكِا ههنا لما عرفُت أنه رسول حق من عند الِل‪ ،‬فاقبلوا منه هِه التكليف‬
‫الشاقة لتفوزوا بك خي‪ ،‬ث قال للرسول عليه السلم‪ :‬فان لم يقبلوها بل‬
‫أعرضوا عْنا وتولوا فاتركهم ول تلتفت اليم وعول عل الِل وارجع يف جيع‬
‫أمورك ال الِل فقل حس ب الِل ل ال ال هو عليه توكت وهو رب العرش‬
‫العظمي‪ ,‬وهِه الخاتمة لهِه السورة جاءت يف غاية احلسن وناية الْكال‪.‬‬

‫فسميت اَّلنوب لنا تأثي من العال الت ضادت بس نة الرسول وسيت‬


‫الثواب لنا تأثي من العال الت وفقت بس نة الرسول‪ ,‬من الجل ذل‪,‬‬
‫لن رسول هللا أعل بس نة هللا وما وراءها‪ .‬وقد جدر الدمي اذا أذنب ذنبا‬
‫ث اتب عل ذنبه فان لم يتب فقد كن نس به ال الش يطان‪َ ,‬ك قال الغزاِل‪:‬‬
‫قد أقام البهان عل صة نس به ال أدم بملزمة حد النسان والمص عل‬
‫الطغيان مسجل عل نفسه بنسب الش يطان فاما تصحيح النسب ال الملئكة‬
‫َبلتجرد لمحض الخي فخارج عن حَي المكن فان الش معجون مع الخي يف‬
‫طينة أدم عنا محكام ل يلصه ال احدى النارين نر الندم أو نر جّن‪.‬‬
‫فالحراق َبلنار ضوري يف َليص جوهر النسان من خبائث الش يطان‬

‫﴿‪﴾28‬‬
‫واليك الن اختيار أهون النارين والمبادرة ال أخف الشين قبل أن يطوى‬
‫بساط الختيار ويساق ال دار الضطرار اما ال الجنة واما ال النار‪ 55.‬هـ‬

‫﴿إلتوبة﴾‬

‫التوبة ه العتاف والندم والقلع‪ ،‬والعزم عل أل يعاود النسان ما اقتفه‪.‬‬


‫كزيد أُك طعاما غي صي ث يمرض بطنه فعزم أل يعاود ما أُك من طعام‬
‫غي صي فقد اتب زيد مادام ل يأكه فان يعد فقد جل ولم يتب‪ .‬قال رسول‬
‫هللا صل هللا عليه وسل‪ :‬ل يْلغ المؤمن من جحر واحد مرتي‪ 56.‬وقيل يف‬
‫القران‪ :‬انما التوبة عل الِل لّلين يعملون السوء بهال ث يتوبون من قريب‬
‫حكمي‪57.‬‬ ‫فأولـئك يتوب الِل عليم وكن الِل علمي‬

‫والتوبة عندي ترك العمل اَّلي ل عاقبة شقية أو العمل ليس ل فائدة‪ ,‬اذا‬
‫علت شيئا ث ترى وراءه ضارا لنفسك فاترك ول تعد فِل توبة‪ .‬وروي عن‬
‫أب ذر جندب بن جنادة وأب عبد الرحن معاذ بن جبل رِض هللا عْنما عن‬

‫‪ .55‬احياء علوم اَلين يف كتاب التوبة‬


‫‪ .56‬اخرجه البخاري‬
‫‪ .57‬النساء‪17 :‬‬
‫﴿‪﴾29‬‬
‫رسول هللا صل هللا عليه وسل قال‪ :‬اتق هللا حيثما كنت‪ ،‬وأتبع السيئة‬
‫احلس نة تمحها‪ ،‬وخالق الناس ِبلق حسن‪ 58.‬قلت‪ :‬المراد بِا الحديث أن‬
‫العال السيئة اذا تركت وقلبت َبلعال الحس نة تمحها من ذنوب السيئة‪.‬‬
‫واَّلنب هنا عاقبة من العال السيئة‪ .‬والجر نتيجة من العال الحس نة‪ .‬فمن‬
‫اتب فقد أفلح‪َ ,‬ك قيل يف القران‪ :‬فمن اتب من بعد ظلمه وأصلح فان الِل‬
‫رحمي‪59.‬‬ ‫يتوب عليه ان الِل غفور‬

‫فيجهد التائب ليصلح ما تقدم من أعال السيئة ال أعال صالحة ولو كن‬
‫يتكها صعوَب‪ ,‬لس يما كنت العال السيئة من العادات يف طول الزمان‪ ,‬ولكن‬
‫قد وعد هللا تعال لمن يريد أن يصلح أعال مغفرة‪ .‬فبش رسول هللا أمته‬
‫بقول‪ :‬ي عبادي اَّلين أَسفوا عل أنفسهم ل تقنطوا من رحة الِل ان الِل‬
‫يغفر اَّلنوب جيعا انه هو الغفور الرحمي‪ 60.‬ويف الية الخرى‪ :‬ان هللا كن‬
‫تواَب‪61.‬‬

‫‪ .58‬اخرجه التمدي‬
‫‪ .59‬املائدة‪39 :‬‬
‫‪ .60‬الززمار‪53 :‬‬
‫‪ .61‬النص‪3 :‬‬
‫﴿‪﴾30‬‬
‫قيل يف الحياء‪ :‬أن التوبة عبارة عن معن ينتظم ويلتث من ثلثة أمور مرتبة‬
‫عل وحال وفعل فالعل الول والحال الثان والفعل الثالث‪ ,‬والول موجب‬
‫للثان والثان موجب للثالث اَياَب اقتضاه اطراد س نة الِل يف المل والملكوت‬
‫أما العل فهو معرفة عظم ضر اَّلنوب وكونا حجاَب بي العبد وبي ُك محبوب‬
‫فاذا عرف ذل معرفة محققة بيقي غالب عل قلبه ثر من هِه المعرفة تألم‬
‫للقلب بسبب فوات المحبوب فان القلب مهما شعر بفوات محبوبه تألم فان‬
‫كن فواته بفعل تأسف عل الفعل المفوت فيسمى تألمه بسبب فعل المفوت‬
‫لمحبوبه ندما فاذا غلب هِا اللم عل القلب واس تول وانبعث من هِا اللم‬
‫يف القلب حال أخرى تسمى ارادة وقصدا ال فعل ل تعلق َبلحال والماِض‬
‫وَبلس تقبال أما تعلقه َبلحال فبالتك لّلنب اَّلي كن ملبسا وأما َبلس تقبال‬
‫فبالعزم عل ترك اَّلنب المفوت للمحبوب ال أخر العمر وأما َبلماِض فبتليف‬
‫ما فات َبلجب والقضاء ان كن قابل للجب‪ ,‬فالعل هو الول وهو مطلع هِه‬
‫الخيات وأعن بِا العل اليمان واليقي فان اليمان عبارة عن التصديق بأن‬
‫اَّلنوب سوم مهلكة واليقي عبارة عن تأكد هِا التصديق وانتفاء الشك عنه‬
‫واستيلئه عل القلب فيثمر نور هِا اليمان مهما أرشق عل القلب نر الندم‬

‫﴿‪﴾31‬‬
‫فيتألم با القلب حيث يبص َبرشاق نور اليمان أنه صار محجوَب عن محبوبه‬
‫كن يشق عليه نور الشمس وقد كن يف ظلمة فيسطع النور عليه َبنقشاع‬
‫ساب أو انسار حجاب فرأى محبوبه وقد أرشف عل الهلك فتشعل نيان‬
‫الحب يف قلبه وتنبعث تل النيان َبرادته للنتاض للتدارك فالعل والندم‬
‫والقصد المتعلق َبلتك يف الحال والس تقبال والتليف للماِض ثلثة معان مرتبة‬
‫يف الحصول فيطلق اس التوبة عل مجموعها وكثيا ما يطلق اس التوبة عل‬
‫معن الندم وحده وَيعل العل كلسابق والمقدمة والتك كلثمرة والتابع المتأخر‬
‫وبِا العتبار قال صل هللا عليه وسل الندم توبة‪.‬‬

‫ويف حضيض التألم واليس والندم فرجة للرجوع ال السعادة والفلح فهيي‬
‫التوبة َك قيل يف القران‪ :‬ال من اتب وأمن وعل عل صالحا فأولـئك يبدل‬
‫الِل سيئاِتم حس نات وكن الِل غفورا رحميا ومن اتب وعل صالحا فانه‬
‫يتوب ال الِل متاَب‪ 62.‬وقيل يف الحديث‪ :‬عن أب هريرة رِض الِل عنه أن‬
‫رسول الِل صل الِل عليه وسل قال يضحك الِل ال رجلي يقتل أحدها‬
‫الخر يدخلن الجنة يقاتل هِا يف سبيل الِل فيقتل ث يتوب الِل عل القاتل‬

‫‪ .62‬الفرقان‪70-69 :‬‬
‫﴿‪﴾32‬‬
‫فيستشهد‪ 63.‬فل ذنب للعبد اذا يتوب ال هللا ويصلح أعال وكن هللا غفور‬
‫رحمي‪َ ,‬ك قيل يف الحديث القدس‪ :‬أذنب عبدى ذنبا فعل أن ل رَب يغفر‬
‫اَّلنب ويأخِ َبَّلنب‪ .‬ث عاد فأذنب فقال أى رب اغفر ل ذنب‪ .‬فقال تبارك‬
‫وتعال عبدى أذنب ذنبا فعل أن ل رَب يغفر اَّلنب ويأخِ به‪ .‬ث عاد فأذنب‬
‫فقال أى رب اغفر ل ذنب‪ .‬فقال تبارك وتعال أذنب عبدى ذنبا فعل أن ل‬
‫رَب يغفر اَّلنب ويأخِ َبَّلنب ‪.‬اعل ما شئت فقد غفرت ل‪ 64.‬هـ‬

‫﴿إلسنة﴾‬
‫الس نة لغة ه الطبيعة والسية حس نة كنت أو قبيحة‪ ,‬قال خاَل بن عتبة‬
‫الهِِل‪ :‬فل تزعن من سية أنت َسِتا‪ ،‬فأول راض س نة من يسيها‪ ,‬ويف‬
‫التنيل العزيز‪ :‬وما منع الناس أن يؤمنوا اذ جاءه الهدى ويس تغفروا ربم ال‬
‫أن تأتيم س نة الولي‪ 65.‬قال الزجاج‪ :‬س نة الولي أنم عاينوا العِاب فطلب‬
‫المشكون أن قالوا‪ :‬اللهم ان كن هِا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة‬
‫من السامء‪ .‬وس ننتا س نا واس تننتا‪َ :‬سِتا‪ ،‬وس ننت لُك س نة فاتبعوها‪ .‬ويف‬

‫‪ .63‬اخرجه البخاري‬
‫‪ .64‬اخرجه مسل‬
‫‪ .65‬الكهف‪55 :‬‬
‫﴿‪﴾33‬‬
‫الحديث‪ :‬من سن يف السلم س نة حس نة‪ ،‬فل أجرها‪ ،‬وأجر من عل با‬
‫بعده‪ ،‬من غي أن ينقص من أجوره َشء‪ ،‬ومن سن يف السلم س نة سيئة‪،‬‬
‫كن عليه وزرها ووزر من عل با من بعده‪ ،‬من غي أن ينقص من أوزاره‬
‫َشء‪ 66.‬يريد من علها ليقتدى به فيا‪ ،‬وُك من ابتدأ أمرا عل به قوم بعده‬
‫س نه‪67.‬‬ ‫قيل‪ :‬هو اَّلي‬

‫وقد نقلت من المقال الت كتَبا رشيف محمد جابر‪ ,‬أنه قال‪ :‬ان حُك علماء‬
‫الحديث عل الحاديث بكونا صيحة ليس كفيا وحده لعتبارها من الس نة‪،‬‬
‫بل هو ل يوض وحده المس توى التكيفي اَّلي تتضمنه هِه الحاديث‪ ،‬ومن‬
‫ث كنت جود الفقهاء والصوليي منصبة يف فرز هِه الحاديث فرزين‬
‫أساس يي‪:‬‬

‫الفرز الول‪ :‬الجابة عن سؤال‪ :‬هل هِه الحاديث من الوح أم ليست‬


‫وحيا؟ وهِا المس توى مهم جدا‪ ،‬فليس ُك ما نقل الينا من الحاديث هو‬
‫وح أو يتضمن تشيعا أو تكيفا‪ ،‬وقد ثبت يف الس نة ما يفيد بأن الكثي من‬

‫‪ .66‬اخرجه مسل‬
‫‪.67‬لسان العرب‬
‫﴿‪﴾34‬‬
‫أفعال النب صل هللا عليه وسل وأوامره كن بشي حمضا غي مدفوع َبلوح‪،‬‬
‫فقد روى مسل يف صيحه عن أنس أن النب صل الِل عليه وسل مر بقوم‬
‫يلقحون فقال لو لم تفعلوا لصلح قال فخرج ش يصا فمر بم فقال ما لنخلُك‬
‫قالوا قلت كِا وكِا قال أنُت أعل بأمر دنياك‪.‬‬

‫ويف رواية موس بن طلحة عن أبيه عند مسل‪ :‬ان كن ينفعهم ذل فليصنعوه‪،‬‬
‫فان انما ظننت ظنا فل تؤاخِون َبلظن‪ ،‬ولكن اذا حدثتُك عن هللا شيئا‬
‫فخِوا به‪ ،‬فان لن أكِب عل هللا عز وجل‪ .‬ويف رواية رافع بن خديج‪ :‬انما‬
‫أن بش‪ ،‬اذا أمرتُك بشء من دينُك فخِوا به‪ ،‬واذا أمرتُك بشء من رأي‬
‫فانما أن بش‪ .‬وروى البخاري امتناعه صل هللا عليه وسل عن أُك الضب‪،‬‬
‫فقال خاَل بن الوليد‪ :‬أحرام الضب ي رسول هللا؟ قال‪ :‬ل ولكن لم يكن بأرض‬
‫قومي‪ ،‬فأجدن أعافه‪ .‬قال خاَل‪ :‬فاجترته فأكته‪ ،‬ورسول هللا صل هللا عليه‬
‫اِل‪68.‬‬ ‫وسل ينظر‬

‫وقد تدث الفقهاء والصوليون عن الفعال الجبلية للرسول صل هللا عليه‬


‫وسل‪ ،‬وذكر القرايف يف كتابه الحكم‪ :‬تصفه عليه الصلة والسلم َبلمامة‬

‫‪ .68‬اخرجه‪ :‬البخاري‬
‫﴿‪﴾35‬‬
‫وقال انه وصف زائد عن النبوة والرسال والفتيا والقضاء‪ ،‬وبأنه ليس داخل يف‬
‫مفهوم الفتيا ول الحُك ول الرسال ول النبوة‪ .‬ومن هنا فما قد يظنه الجاهل‬
‫بعلوم الشيعة وحيا‪ ،‬قد يكون يف الواقع فعل بشي ليس من أمر الوح‬
‫واَلين وليس فيه تكيف رشعي‪ .‬ويدخل يف ذل ما ورد تت َبب الطب‬
‫النبوي‪ ،‬فالكثي مما كن يعالج به النب صل هللا عليه وسل لم يكن وحيا‪،‬‬
‫وانما كن يف حدود معرفة عصه الطبية‪ ،‬وهو من أمور اَلنيا‪ ،‬ما لم ترد قرينة‬
‫تفيد بأنه وح‪ ،‬كتعليمه أدعية خاصة للشفاء وغي ذل‪.‬‬

‫ومن هنا أخطأ من دافع عن بعض الروايت الطبية َبس تماتة ظنا أنا من‬
‫الوح فتأولها وتكف لها الباث المعاصة‪َ ،‬ك أخطأ من اس تمات يف انكرها‬
‫وظن أنه يِب عن اَلين بنفي ثبوِتا‪ ,‬فثبوِتا ل يقدح بصحة الرسال ول بعصمة‬
‫الرسول صل هللا عليه وسل‪ .‬وقد قال ابن خْلون يف مقدمته‪ :‬والطب المنقول‬
‫يف النبويت من هِا القبيل أي الطب العرب المتوارث القدي وليس من‬
‫الوح يف َشء‪ ،‬وانما هو أمر كن عادي للعرب‪ .‬ووقع يف ذكر أحوال النب‬
‫صل هللا عليه وسل من نوع ذكر أحوال الت ه عادة جيل‪ ،‬ل من جة أن‬

‫﴿‪﴾36‬‬
‫ذل مشوع عل ذل النحو من العمل‪ ،‬فانه صل هللا عليه وسل انما بعث‬
‫ليعلمنا الشائع‪ ،‬ولم يبعث لتعريف الطب ول غيه من العاديت‪.‬‬

‫الفرز الثان‪ :‬وهو بيان نوع التكيف الكمن يف الخبار الت تنقل أقوال وأفعال‬
‫وتقريراته عليه الصلة والسلم‪ ،‬وقد قسم بعض الفقهاء أحكم التكيف ال‬
‫خسة أحكم ل يرج عْنا التكيف‪ :‬الواجب والحرام والمس تحب والمكروه‬
‫والمباح‪ .‬ومن ث كنت مهمة الفقهاء يف هِا المجال بيان الحُك المس تفاد من‬
‫الس نة المنقول‪ ،‬وكنت مهمة الصوليي ال جانب ذل بيان‪ :‬هل هِا الحُك‬
‫من َصيص عوم ورد يف أية مثل؟ كتخصيص الوصية َبلثلث‪ ،‬أم هو بيان‬
‫لمجمل جاء يف كتاب هللا‪ ،‬وغي ذل من الفرز الصوِل‪ .‬وَبلجمَل فقد‬
‫انصبت جود الفقهاء والصوليي يف هِا المس توى عل تقدي الصيغة الْنائية‬
‫القابَل للتكيف والس تخدام من قبل الناس‪ .‬وما قد يظنه الجاهل بعلوم‬
‫الشيعة واجبا مما قرأه يف أحد نصوص الحديث‪ ،‬قد يكون يف الواقع مس تحبا‬
‫ل يأث من تركه‪ .‬ويف تفصيل أنظر يف كتب أصول الفقه والفقه‪ .‬هـ‬

‫﴿‪﴾37‬‬
‫الفهرس‬

‫‪...................................................:‬‬ ‫المقدمة‬

‫‪1 ...................................................:‬‬ ‫س نة الِل‬

‫‪8 ...................................................:‬‬ ‫س نة الرسل‬

‫‪18 ...................................................:‬‬ ‫حرية الختيار‬

‫‪24 ...................................................:‬‬ ‫قانون الس ببية‬

‫‪29 ...................................................:‬‬ ‫التوبة‬

‫‪33 ..................................................:‬‬ ‫إلسنة‬

You might also like