Professional Documents
Culture Documents
مقدمة
الخاتمة
0
مقدمة:
حث االس الم على طلب العلم وّح ّر ض علي ه تحريض ا وّم ّج د العلم اء والمتعلمين ورفعهم
درجات ومنازل .يقول اﷲ تعالى في ذلك" :يرفع اﷲ الذين آمن**وا منكم وال**ذين أوت**وا العلم
درجات".
كم ا رص د االس الم للع المين والمتعلمين والجادين في ال تزود من العلم عظيم الثن اء
والتك ريم ،يق ول ص لى اﷲ علي ه وس لم" :ان العلم اء ورث ة األنبي اء وان االنبي اء لم يورث وا
دينارﹰا وال درهمﹰا انما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر".
فضال عن تنافس الخلفاء واالمراء والحكام المسلمين في رعاية العلماء واقامة دور العلم
والمكتبات ،وحضور الندوات والمناظرات العلمية ،مما أتاح الفرصة وأعد البيئة الصالحة
لظهور علماء عباقرة أفذاذ ،سطعت أنوارهم وازدهرت في سماء الحضارة االسالمية.
ويرجع الدارسون الفضل األول في تطور أساليب البحث العلمي الى علماء المسلمين ال ذين
وضعوا اصول المنهج العلمي الحديث ،فربطوا بين العلوم النظرية والعلوم العملية ،وبين
الح دس والتجرب ة وبين االس تنباط واالس تقراء والدراس ة المكثف ة للس نن الكوني ة وماهي ات
االشياء ،ويعتبر الحسن ابن الهيثم على رأس هؤالء جميعا فهو األرفع شأنا ،واألعلى كعبا
واألرسخ قدما في هذا المجال ،والذي أسهم بنصيب وافر في وضع أصول المنهج العلمي
الح ديث ،مم ا جعل ه يتب وأ منزل ة علمي ة رفيع ة بين علم اء عص ره ،ش هد ل ه به ا معاص روه
ومن جاء بعدهم من العلماء ،وأجمعوا بالدليل القاطع والبرهان الساطع ،أنه كان عالما ف ذا،
رب ط بين العل وم النظري ة والعل وم العملي ة ،وبين الح دس والتجرب ة وبين االس تنباط
واالستقراء والدراسة المكثفة للسنن الكونية وماهيات األشياء.
فيما تتمثل أهم مرتكزات المنهج العلمي البن الهيثم؟ وماهي طريقته في البحث؟
1
المبحث األول :حياة ابن الهيثم
في تل ك المرحل ة ،لم يكن العق ل الع ربي ،عق ل نق ل وترجم ة فق ط ،ب ل ك ان عق ل ش رح
وابداع في الوقت نفسه ،فلقد راح العلماء المسلمون في ذلك العصر ،يشرحون ويص ححون
1
وينقحون ،كل ما يجيء في التراجم االغريقية والهندية والفارسية.
لقد عاصر الحسن بن الهيثم ،عصرا مائجا فوارﹰا ،بمختلف التيارات العلمية والفلسفية،
باالضافة الى شتى االتجاهات في الفكر واألدب ،وكان ان تأثر ابن الهيثم بما يدور حوله
من ص راعات العق ل ،ف أكب على ال درس والتحص يل .فقض ى في ص بر ومث ابرة مرحل ة
طويلة من حياته كانت بغيته منها االلمام بنواحي النشاط الفكري السائد في ذلك العصر.
وأخذ يدرس كل ما وقعت عليه يداه وحصله من كتب المتقدمين ،وما وضعه المتأخرون
من االس الميين .ولم يكت ف ب االطالع على ه ذه المؤلف ات وم ذكراتها ،وانم ا ع ني بوض ع
المذكرات في موضوعات هذه الكتب ،وعني بتلخيصها والتصنيف فيها لكي يدرك دقائق
2
معانيها ،ولكي تستقر هذه المعاني في ذهنه.
ابن أبي أصيبعة(احمد بن القاسم بن خليفة) ،عيون األنب اء في طبق ات األطب اء ،ج ،2مطبع ة مص طفى وه بي ،الق اهرة، 1
2
وكانت البواعث على النقل – عامة – هي:
احتك اك الع رب بغ يرهم من االمم .لم ا احت ك الع رب بغ يرهم من االمم ادرك وا ان عن د ا.
الق رآن الك ريم وحث ه على التفك ير .والق رآن الك ريم ممل وء باآلي ات ال تي تحث على ج.
العلم من تواب ع اس تبحار المدين ة ،فحينم ا تزده ر البالد سياس يا واقتص اديا ويك ثر فيه ا د.
ال ترف ويس تبحر العم ران تتجه النف وس ايض ا الى البحث في العلم والى التفك ير
3
ضرورة ،ولم يشذ العرب عن ذلك.
ابن الهيثم من العلماء الذين أحاطت معرفتهم بأشياء كثيرة مع الدقة والصحة .ولقد شملت
كتب ه الكث يرة موض وعات كث يرة متنوع ة في الهندس ة وفي الطبيع ة ،وفي المنط ق وفي
الفلس فة العقلي ة ،وم ا وراء الطبيع ة وااللهي ات ،وفي علم الكالم ايض ا ،وفي السياس ة
واألخالق واآلداب ،وأعظم مؤلف له هو" :البصريات" 4وقد كفانا ابن الهيثم مؤونة التتبع
آلرائه في كتبه الموجودة والمفقودة لمعرفة اتجاهه في العلم والحياةّ ،لّم ا بسط لنا ذلك كله
بخ ط ي ده في آخ ر س نة 417هـ ،أول س نة 1027م 5وه و في الثالث ة والس تين من عم ره
"ان ني لم َأَز ل من ذ عه د الص باُ رت ابﹰا في اعتق ادات الن اس المختلف ة ،وتمُّس ك ك ل فرٍق ٍة
ُم
منهم بما تعتقده من ال رأي فكنت متشككا في جميعه موقن ا ب أن الح ق واحد وان االختالف
في ه انم ا ه و من جِه ِة الس لوك الي ه ،فلم ا كملت إلدراك األم ور العقلي ة انقطعت الى طلب
عمر فروخ :تاريخ العلوم عند العرب ،دار العلم للماليين ،بيروت ،ص .270 3
ابن القفطي (أب و الحس ن علي بن القاض ي األش رف) :أخب ار العلم اء بإخب ار الحكم اء ،دار اآلث ار للطباع ة والنش ر 4
3
مع دن الح ق ووجهت رغب تي وحدس ي الى ادراك م ا ب ه تنكش ف تمويه ات الظن ون وتنقش ع
ﹶغيابِاِت المتشكك المفتون وبعثت عزيمتي الى تحصيل الرأي المّقّر ب الى ﷲ جل ثناؤه
الم ؤدي الى رض اه اله ادي لطاعت ه وتق واه .لق د نيفت كتب ابن الهيثم عن الم ائتين ،منه ا
ثالث ة وأربع ون في العل وم الفلس فية والطبيعي ة ،وفي العل وم الرياض ية والتعليمي ة خمس ة
وعشرون كتابا ،فضال عن كتاب في الطب يقع في ثالثين جزءا.
برهن أن الرؤية تحدث من جراء األشعة الضوئية التي تنبعث من الجسم المرئي الى -
عين المبصر.
اكتشف ظاهرة انعكاس النور ،كما اكتشف ظاهرة انعطاف األشعة الضوئية . -
6
ّش ّر ح العين تشريحا وافيا وبين وظيفة كل قسم منها. -
عرفت ه اوروب ا باس م "اله ازن" ،وه و تحري ف لكلم ة الحس ن ،وس مي (الحكيم بطليم وس
الثاني).
وقد اثنى عليه الفارسي في اكثر من موضع في كتابه التنقيح ثناء هو أهله ،وعني عناية
خاصة بأن يبين ان موقفه وهو ينقح كتاب المناظر ،من ابن الهيثم مؤلفه ،ليس هو موقف
المصلح من المسيء أو المصحح من المخطيء .ويقول" :فان الرجل( أي ابن الهيثم) أجل
من ان ينظ ر الي ه من ف وق ،وﷲ العجب من م دقق ب ارز في مي دان التع اليم ف برز ،وس ابق
فرسان فنونها فسبق ،وخاطرهم ففاز بالقدح المعلى.
الموسوعة العلمية :المجلد السابع ،ط ،1سنة ،1985جنيف ،ص .1167 6
4
المبحث الثاني :دور ابن الهيثم في البحث العلمي
ك ان ابن الهيثم يتس م بالفض ول ال ذي دفع ه الى اماط ة اللث ام عن كث ير من أس رار الطبيع ة
والى معرف ة أس بابها ،وط رق معالجته ا ،وه ذا الفض ول مص دره حب العلم ،فالمعرف ة عن ده
غاية في ذاتها ال وسيلة للكسب .فكان في نهجه العلمي يبغي الحق سالكا اليه طرق التجرد
7
بمعزل عن الميول والعقائد الموروثة.
ويرب ط ابن الهيثم آراءه العلمي ة بعقيدت ه االس المية المتين ة فيق ول" :ولعلن ا ننتهي به ذا
الطري ق الى الحق ال ذي يثلج الص در ،ونص ل بالت دريج والتلط ف الى الغاي ة ال تي عن دها يق ع
اليقين ،ونض عه م ع النق دوالتحفظ بالحقيق ة ال تي ي زول معه ا الخالف ،ويحس م به ا م وارد
الشبهات.
فالرب ط بين العلم وااليم ان ه و ه دف المنهج االس المي العظيم ،وق د انتص رت العقلي ة
االسالمية عندما التزمت بتطبيق هذا المنهج فكرا وعمال وسلوكا.
وبعد ذلك نراه قد رسم الروح العلمية الصحيحة ،وبَّين االسلوب العلمي ،فهو بذلك مدرسة
للخل ق الع الي ،فقواع ده التجرد عن اله وى ،واالنص اف بين اآلراء ،وبه ذا يك ون ق د س بق
8
علماء هذا العصر ،في كونه لمس المعاني وراء البحث العلمي.
جالل مظهر :حضارة االسالم وأثرها في الترقي العالمي ،مكتبة الخانجي ،القاهرة ،ص .181-180 7
قدري حافظ طوقان :تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك ،نشر :دار الشروق ،بيروت ،ص .299 8
5
المطلب الثاني :مرتكزات المنهج العلمي عند ابن الهيثم
لق د ك ان ابن الهيثم بمنهجه العلمي في البحث يرتك ز بق وة ،الى األرض ية الص لبة للحق ائق
العلمي ة ،ويبتع د عن ال نزوات واأله واء ،ويبتع د ايض ا عن عملي ة التل وين ال ذاتي لحق ائق
الحياة.
"الذاتية في العلم" ه ذه هي الص رخة ال تي اطلقه ا ابن الهيثم ،فنحن ال نس تطيع ان نخض ع
حقائق الوجود ،وحقائق القوانين العلمية ،ألي مستوى من مستويات االنفع ال الشخص ي ،او
9
االتجاه الذاتي … ان الحقيقة أكبر من عملية االحتيال عليها.
ّاّن المنهج العلمي الحقيقي ،يق وم على أس اس الفحص والتص حيح ،وي رفض األخ ذ
بالمس لمات ،ال تي ال تقب ل الجدل أو الدراس ة ،والتحق ق من ثبوتيته ا … وه ذا م ا فعل ه ابن
الهيثم.
ولعل أروع ما قاله ابن الهيثم في هذا المجال ،والذي يعتبر وثيقة علمية وفلسفية وتاريخية
هو قوله" :ونحن لسنا براء مما هو في طبيعة االنسان من كدر البشرية …"
كأن ه أراد أن يع ترف مق دما بش وائب الذاتي ة وعكره ا ،وكأن ه ايض ا أراد ان يوض ح ان
العق ل البش ري ليس في امكان ه التخطي ،وفي مرحل ة واح ده من مراح ل الت اريخ ك ل م ا
10
يوضع امامه من العقبات والعراقيل ….
هذه الكلمات تلخص الى أبعد حد ،نفسية ابن الهيثم ،وما ينطوي عليها من الموضوعية
والتواضع.
عز الدين اسماعيل وآخرون :الحسن بن الهيثم (رائد علم الضوء) ،نش ر دار الع ودة ،ب يروت ،ط ،1س نة 1974م ،ص 9
.40
المرجع نفسه ،ص .52-51 10
6
وبع د ذل ك ن راه ق د رس م ال روح العلمي الص حيح وبين ان األس لوب العلمي ه و في الواق ع
مدرس ة للخل ق الع الي .فلم يقم في ط ول وع رض ك ل مؤلفات ه ،بأي ة عملي ة من عملي ات
الس طو على بحث ع الم او اكتش افه ولم يتع رض لواح د منهم ب التجريح ،فق د ك ان يعت برهم
الرواد األوائل ،واألساتذة الذين تعلم على أيديهم ،وهذا هو الوفاء لمن سبق من العلماء.
اتبع ابن الهيثم في بحوثه كلها – وخصوصا ما كان منها في الضوء – منهاجا علميا بناه
على االس تقراء (اس تخراج القاع دة العام ة من مف ردات الوق ائع) .أي االنطالق من أحك ام
على حوادث خاصة على حكم عام يشمل الظاهرات المماثلة في جوهرها وظروفها.
أوال :القياس
أي االنطالق من حكم عام يقيني الى حكم خاص يصبح يقينيا الشتمال الحكم العام عليه.
وعناي ة ابن الهيثم بالقي اس تتجلى هي أيض ا في جمي ع بحوث ه ،فه و بع د أن يثبت المب اديء
االولية باالعتبار ،يتخذ تلك المباديء قضايا يستنبط منها بالقياس النتائج ال تي تفضي اليه ا،
11
ويشرح على هذا النمط كثيرا من الظواهر الهامة في الضوء.
وكان سبيله الى ذلك المشاهدة (النظر في االمور الجارية في بيئتها المخصوصة)،
والمالحظة (التفطن لما يتفق وما يختلف من هذه االمور) ثم كان يقوم بتجاربه على هذه
االسس كلها ّمّر ة بعد ّمّر ة.
وال ذي س اعد ابن الهيثم على انته اج ه ذه الخط ة العلمي ة ان ه ك ان عالم ا رياض يا وفيلس وفا
نظري ا باإلض افة الى احاطت ه ب العلوم الطبيعي ة؛ فالرياض يات مكنت ه من تنظيم بحوث ه،
والفلس فة س اعدته على حس ن تخي ل االم ور والتعم ق فيه ا وتبويبه ا .ثم ان اعجاب ه بمنط ق
7
أرسطو وتفهمه الدقيق ألقسام ذلك المنطق زاده مهارة في التنظيم عند تتبع البحث واجراء
التجارب.
ثم انه كان حسن التبويب في تدوين النتائج التي وصل اليها .أضف الى ذلك كله انه كان
مخلصا في طلب العلم جاهدا في اظهار الحق ساعيا وراء الحقيقة منصفا للعلماء المتقدمين
12
الذين استفاد من جهودهم.
وتحم ل بعض كتب ه األخب ار ال تي توض ح عنص ر القي اس ومادت ه ومقدمات ه وأش كاله
وأنواعه ،ثم ذكره النتائج وهي الواجب والممكن والممتنع.
ان عناية ابن الهيثم بالقياس تتجلى في انه بعد أن يثبت المبادئ األولية باالعتبار يتخذ تلك
المبادئ قضايا يستنبط منها بالقياس النتائج التي تفضي اليها.
الق ائم على اس تخالص المماثل ة الكلي ة أو الجزئي ة بين أم رين أو ظ اهرتين ،والتمثي ل عن د
المتكلمين ه و" :قي اس الغ ائب على الش اهد" .ويقص د ب ه في العلم" :نق ل حكم ظ اهرة الى
13
ظاهرة أخرى تماثلها في أمر من األمور".
وق د اس تعان ابن الهيثم بمنهج التمثي ل ك أداة له ا قيمته ا في البح وث العلمي ة ،والظ اهر أن ه
ك ان مت أثرا الى حد بعيد بعلم اء األص ول من المتكلمين والفقه اء ،اذ ك ان غالبا ما يستعير
مصطلحاتهم للتعبير بواسطتها عن طبيعة هذا المنهج وحدوده العلمية.
وأوضح مثال لذلك بحوثه في االنعكاس .فهو لم يقنع بإثبات قانون االنعكاس واستنباط ما
ي ترتب علي ه من أم ور ،ب ل أراد أن ي بين عل ة االنعك اس ويفس ر كيفي ة حدوث ه .أي بي ان لم
ينعكس الضوء على الصفة التي ينعكس عليها .وكانت نظريته في ذلك التمثيل لالنعكاس
8
بمثال ميكانيكي وهو معنى الممانعة .وهي عبارة عن" :الخاصة الموجودة في الجسم المانع
14
والتي من أجلها يرتد الجسم المتحرك عليه اذا لقيه".
فق اس انعك اس الض وء على االرت داد بمع نى ان ه اتخ ذ من ارت داد الجس م المتح رك اذا
صدم جسما صلبا يمنعه من االستمرار في حركته .اتخذ من ذلك مثاال احتذى ب ه في شرح
انعكاس الضوء.
ثالثا :الترجيحات
يع رف الفقه اء الترجيح بأن ه" :تق ديم المجته د ب القول او بالفع ل احد الط رفين المتعارض ين
لما فيه من مّز ّية معتبرة تجعل العمل به اولى من اآلخر".
ومم ا ه و جدير بال ذكر ان الفقه اء ك انوا ق د توص لوا الى مبحث الترجيح ات ،فأخ ذه عنهم
ابن الهيثم وأوضحه لنا بمثال ذلك الطفل الذي يختار من تفاحتين أجملهما .فادراك العالقة
بين شيئين وترجيح أحدهما قياس .وليس من شك ان الطفل ال يدري السبب في تأديه الى
ذل ك الحكم ولم يحس في ح ال م ا يقيس ان ه يقيس .وفي ذل ك يق ول ابن الهيثم" :وال خالف
وال ش بهة في أن الطف ل ال يع رف مع نى القي اس ،وال يعلم م ا ه و القي اس ،ول و أفهم مع نى
15
القياس لم يفهمه".
ولم يكتف ابن الهيثم بطرح اآلراء المتعارضة وترجيح احداها ،بل كان دوره فعاال ،وفي
هذا االتجاه يقول" :كل مذهبين مختلفين ،اما ان يكون احدهما صادقا واآلخر كاذبا ،واما
أن يكونا جميعا كاذبين ،والحق غيرها جميعا .واما ان يكون جميعا يؤديان الى معنى واحد
هو :الحقيقة ،ويكون كل واحد من الفريقين القائلين بذينك المذهبين ،قد قصر في البحث،
فلم يقدر على الوصول الى الغاية فوقف دون الغاية ،أو وصل أحدهما الى الغاية ،وقصر
جالل محم د عب د الحمي د موس ى :منهج البحث العلمي عن د الع رب ،نش ر :دار الكت اب اللبن اني ،ب يروت1982 ،م ،ص 14
.103
جالل محمد موسى :منهج البحث العلمي ص .112 15
9
اآلخ ر عنه ا ،فع رف الخالف في ظ اهر الم ذهبين ،وتك ون غايتهم ا عن د استقص اء البحث
واح دة .وق د يع رف الخالف أيض ا في المع نى المبح وث عن ه من جه ة اختالف ط رق
المباحث ،واذا حقق البحث وأمعن النظر ظهر االتفاق واستقر الخالف.
فالنق د في االس تدالل العلمي أم ر ال يس تقيم البحث دون ه ،حيث ينص رف بغ يره الى الوجه ة
ال تي يمي ل فيه ا م ع اله وى فاإلنس ان ال ينبغي ل ه ان يتس رع في اص دار النت ائج ،فواجب ه
الت أني في البحث ،وال ترتيب ايض ا ام ر ه ام في التفك ير العلمي وه ذا م ا فعل ه ابن الهيثم
وسار عليه في بحوثه واكتشافاته.
حيث أن ه ق د ب دأ بحوث ه العلمي ة في الض وء عن طري ق ف روض بين رأيين متعارض ين ثم
امتحن هذه الفروض باعتبارها تمثل مشكلة معينة ال باعتبارها مشاهدات خاصة بانتشار
الضوء أو غيره ثم يستأنف النظر في مبادئه ومقدماته في البحث ،ثم يمتحن ذلك بالتجربة
واالستقراء العلمي فيما يتعلق بموضوعه ،ويسير ابن الهيثم بالبحث خطوة خطوة فيس تقرئ
الموجودات ،ويتص فح اح وال المبص رات ،ويم يز بين خ واص الجزئي ات ح تى يص ل في
آخر األمر الى القوانين التي تحكم هذه الظواهر والى النتاج التي أسفرت عنها المقدمات.
والحق ان ابن الهيثم وغيره من علماء المسلمين ساروا في بحوثهم على الطريقة العلمية
الحديثة التي حذى حذوها بيكون والعلماء المحدثون.
ننتقل بعد ذلك الى المنهج الفرضي الذي شاع استعماله في العلوم لدى مفكري االسالم،
ومارس وه في أبح اثهم العلمي ة ،األم ر ال ذي س اعد على اث راء البحث العلمي ل ديهم بص ورة
شاملة.
ونس تطيع ان نت بين من أق وال ابن الهيثم طبيع ة الف رض في البحث العلمي باعتب اره ص فة
قابلة للبرهان حيث يقول في بعض رسائله" :تخيلنا أوضاعا مالئمة للحركات السماوية فلو
10
تخيلنا اوضاعا أخرى غيرها مالئمة ايضا لتلك الحركات لما كان لذلك التخيل مانع ،ألنه
لم يقم البره ان على ان ه ال يمكن ان يك ون س وى تل ك األوض اع أوض اع اخ رى مالئم ة
16
مناسبة لهذه الحركات.
وعلي ه فان ه الم راء في الق ول ان ابن الهيثم ق د س بق بيك ون في األخ ذ بالطريق ة العلمي ة
واألخذ بأسبابها فقد اتبعها في بحوثه وكشوفه الضوئية ،فقد أخذ باالستقراء وأخذ بالقياس
وعني بالتمثيل ،واعتمد على الواقع الموجود ،واستعمل المنهج الفرضي والرياضي واحاط
بجمي ع ه ذه العناص ر على الوجه المتب ع في البح وث الحديث ة ،وه و في ذل ك لم يس بق
فرانس يس بيك ون فحس ب ،ب ل س ما علي ه س موا ،وك ان اوس ع من ه أفق ا وأعم ق تفك يرا ،فق د
ادرك ان للطريقة الصحيحة في البحث العلمي عناصر اخرى غير االستقراء.
د .عز الدين اسماعيل وآخرون :الحسن بن الهيثم رائد علم الضوء ،ص .52 16
محمد علي محمد الجندي :تطبيق المنهج الرياضي في البحث العلمي عند علماء المسلمين ،ط1990 ،1م ،ص .113 17
11
الخاتمة
وفي الختام توصلنا إلى نتائج البحث التي تتمثل فيما يلي:
في ان ابن الهيثم ك ان س بقا في األخ ذ بالطريق ة العلمي ة واألخ ذ بأس بابها ب ل س ما علي ه .1
سموا ،وكان أوسع أفقا وأعمق تفكيرا ،وبذلك استحق شهادة سارتون مؤرخ العلم في
العص ر الح ديث" :ب أن ابن الهيثم أك بر ع الم ط بيعي مس لم في جمي ع العص ور
واألزمان" .
في الكشف عن المبادئ واألسس التي يجب أن يلتزم بها كل باحث كما يراها عالمنا .2
الف ذ ابن الهيثم ،باإلض افة الى طبيعة ال روح العلمية التي يجب أن يتحلى به ا الب احثون
عن الحقائق العلمية
في البحث دعوة الى الربط بين العلم وااليمان وقد تمثل ذلك في ربط ابن الهيثم عقيدته .3
ان بح وث ابن الهيثم وكش وفه ق د أغنت اللغ ة العربي ة في المف ردات والمص طلحات .4
12
قائمة المراجع:
ابن أبي أص يبعة(احم د بن القاس م بن خليف ة) ،عي ون األنب اء في طبق ات األطب اء ،ج،2
مطبعة مصطفى وهبي ،القاهرة1882 ،م
ابن العبري (غريغورس الملطي) :تاريخ مختصر الدول ،المطبعة الكاثوليكية ،بيروت،
1958م
عمر فروخ :تاريخ العلوم عند العرب ،دار العلم للماليين ،بيروت
ابن القفطي (أبو الحسن علي بن القاضي األشرف) :أخبار العلماء بإخبار الحكماء ،دار
اآلثار للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت ،لبنان
جالل مظهر :حضارة االسالم وأثرها في الترقي العالمي ،مكتبة الخانجي ،القاهرة
قدري حافظ طوقان :تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك ،نشر :دار الشروق،
بيروت
ع ز ال دين اس ماعيل وآخ رون :الحس ن بن الهيثم (رائ د علم الض وء) ،نش ر دار الع ودة،
بيروت ،ط ،1سنة 1974م
جالل محم د عب د الحمي د موس ى :منهج البحث العلمي عن د الع رب ،نش ر :دار الكت اب
اللبناني ،بيروت1982 ،م ،ص.103
محم د علي محم د الجن دي :تط بيق المنهج الرياض ي في البحث العلمي عن د علم اء
المسلمين ،ط1990 ،1م
13