You are on page 1of 122

‫الفلسفة اإلهلية عند ابن النفيس‬

‫(املنهج والتطبيق)‬

‫"دراسة حتليلية نقدية"‬

‫إعداد‬

‫أستاذ العقيدة والفلسفة املساعد بكلية أصول الدين بالقاهرة‬


722
‫اجلانب اإلهلي من فلسفة ابن النفيس(املنهج والتطبيق" )دراسة‬
‫حتليلية نقدية‪".‬‬

‫عواد محمود عواد سالم ‪.‬‬


‫قسم العقيدة والفلسفة‪ ،‬كلية أصول الدين ‪ ،‬جامعة األزهر ‪،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪Awadsalem.11@azhar.edu.eg‬‬ ‫البريد اإللكتروني ‪:‬‬
‫الملخص‪:‬‬
‫هذا البحث محاولة الستكشاف معالم الفلسفة اإللهية عند ابن النفيس في‬
‫جانبيها‪ :‬النظري والتطبيقي‪ ،‬ويتألف هذا البحث من مقدمة وخمسة مباحث‬
‫وخاتمة‪ :‬في المقدمة تمهيد للبحث‪ ،‬وأسباب اختياره‪ ،‬وبيان المنهج المتبع‬
‫فيه‪ ،‬وأهم الدراسات السابقة‪ ،‬وفي المبحث األول تعريف موجز بابن النفيس‪،‬‬
‫وفي المبحث الثاني بيان لألسس المنهجية التي قامت عليها فلسفة ابن‬
‫النفيس‪ :‬كمكانة الدليل العقلي عنده في الفلسفة اإللهية‪ ،‬ورأيه في االستدالل‬
‫باألدلة النقلية على قضاياها‪ ،‬وتطبيقه لنظرية تكامل العلوم‪ .‬ثُ َّم تأتي بقية‬
‫مباحث هذه الدراسة كتطبيق لهذه األسس المنهجية على قضايا الفلسفة‬
‫اإللهية عند ابن النفيس‪ :‬كقضية االستدالل على وجود هللا‪ ،‬ومعرفة صفاته‪،‬‬
‫وحقيقة المعاد‪ ،‬ومسائل النبوات‪ ،‬وفي خاتمة البحث‪ :‬أهم نتائج الدراسة‪،‬‬
‫وتوصياتها‪ ،‬وبعد الخاتمة ثبت بأهم مصادر البحث ومراجعه‪ ،‬وفهرس ألهم‬
‫موضوعاته‪.‬‬
‫الكلمات المفتاحية ‪ :‬الدليل العقلي ‪-‬الفلسفة االلهية ‪ -‬األدلة النقلية ‪ -‬تكامل‬
‫العلوم ‪.‬‬

‫‪723‬‬
The divine aspect of ibn al-Nafis's philosophy (method
and application )
Awad Mahmoud Awad Salem.
Department of Doctrine and Philosophy, Faculty of
Religious Origins in, Al-Azhar University, Cairo, Egypt.
E-mail :Awadsalem.11@azhar.edu.eg
Abstract:
This research is an attempt to explore the contours of ibn
al-Nafis's divine philosophy in its two sides: theoretical
and applied, and consists of an introduction, five
investigations and a conclusion: In the introduction is a
prelude to the research, the reasons for its selection, the
statement of its method, the most important of the
previous studies, and in the first topic a brief definition of
ibn al-Nafis, and in the second thesis is a statement of the
methodological foundations on which ibn al-Nafis's
philosophy was based: as the place of his mental evidence
in the divine philosophy, his opinion in inference of
transportguides on their issues, and his application to the
theory of the integration of science.The rest of the
investigations of this study come as an application of
these methodological foundations to the issues of divine
philosophy of Ibn al-Nafis: the issue of inference of the
existence of God, knowledge of his attributes, the truth of
the re-existing, the questions of prophecies, and in the
conclusion of the research: the most important results of
the study, its recommendations, and after conclusion it
was proved by the most important sources of research and
its review, and an index of its most important topics.
Keywords: The Rational Guide - Divine Philosophy -
Transport Guides - The Integration of Science.

724
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫مقدمة البحث‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف المرسلين‪ ،‬وخاتم‬


‫النبيين‪ ،‬سيدنا محمد‪ ،‬الصادق األمين‪ ،‬الذي أرسله ربه رحمة للعالمين‪،‬‬
‫وعلى آله وصحبه والتابعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫ففي مستهل دراسة قضايا الفلسفة اإللهية عند ابن النفيس‪ ،‬ومنهجه الفلسفي‪،‬‬
‫البد من التقديم لهذه الدراسة بمقدمة تشتمل على تمهيد لموضوع الدراسة‪،‬‬
‫واألسباب التي دعت إلى بحث هذا الموضوع‪ ،‬والمنهج المتبع في بحثه‪ ،‬وأهم‬
‫الدراسات السابقة‪ ،‬وخطة البحث‪ ،‬وفيما يلي تفصيل لهذه العناصر‪:‬‬

‫أواًل‪ :‬تمهيد للموضوع‪.‬‬

‫إن ثقافتنا العلمية اإلسالمية تُشكلُها منظومة من العلوم المختلفة المتنوعة في‬
‫طبيعتها‪ ،‬وفي مناهجها‪ ،‬وفي قضاياها‪ ،‬وهذه العلوم ـ على اختالفها وتنوعها ـ‬
‫متكاملة فيما بينها‪ ،‬مجتمعة على أهداف مشتركة؛ فقد يجتمع في القضية‬
‫الواحدة أدلة مركبة من مقدمات هندسية‪ ،‬أو طبية‪ ،‬أو فزيقية تنتهي إلى‬
‫مطلوب عقدي‪ ،‬أو إلى نتيجة فلسفية‪.‬‬

‫ولقد ترجم علماء األمة القدامى ـ رحمهم هللا ـ هذا التكامل إلى واقع؛ فقد كانوا‬
‫نماذج لهذا التكامل العلمي‪ ،‬والثقافة الموسوعية؛ فقد كان أكثرهم مشاركا في‬
‫أكثر علوم عصره‪ :‬كالفقه‪ ،‬وأصول الفقه‪ ،‬وأصول الدين‪ ،‬والمنطق‪ ،‬والحديث‪،‬‬
‫والتفسير‪ ،‬والنحو‪ ،‬والبالغة‪ ،‬والطب‪ ،‬والفلك‪ ،‬والحساب‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬وغير ذلك‬

‫‪725‬‬
‫من فروع المعرفة‪ ،‬ومن جملة هذه الحصيلة العلمية والثقافة الموسوعية أنتجوا‬
‫مؤلفات أسهمت في التقدم الحضاري‪.‬‬
‫ومن هؤالء األعالم الذين برهنوا على هذا التكامل العلمي‪َّ :‬‬
‫العالمة ابن‬
‫النفيس الدمشقي‪ ،‬ثُ َّم المصري ـ رحمه هللا ـ فهذا الرجل مع كونه طبيبا‪،‬‬
‫وعالما ال ُيشق له غبار في علم التشريح ووظائف األعضاء‪ ،‬إال أن هذه‬
‫الشخصية لها جانب آخر لم يحظ بما يستحق من الدراسة‪ ،‬ولم تُسَّلط عليه‬
‫بشكل ٍ‬
‫كاف‪ ،‬وهو الجانب الفلسفي ـ السيما الفلسفة اإللهية ـ فقد كان‬ ‫ٍ‬ ‫األضواء‬
‫ابن النفيس في هذا الجانب فيلسوفا من طر ٍاز فريد؛ إذ كان طبيبا‪ ،‬فيلسوفا‪،‬‬
‫منتصر له‪ ،‬ولم يكن كغيره من بعض الفالسفة األطباء‬
‫ا‬ ‫متمسكا بالشرع‪،‬‬
‫الذين انساقوا وراء علومهم التجريبية انسياقا تاما‪ ،‬فقادهم هذا إلى إنكار‬
‫حقائق أثبتها الشرع(‪.)1‬‬

‫لم يكن ابن النفيس من هؤالء‪ ،‬بل كان من المتشرعين الذين ضبطوا علومهم‬
‫التجريبية بضابط الشرع‪ ،‬وتكشف عن ذلك عبارته الرائعة في كتابه (شرح‬

‫(‪ )1‬ومن هؤالء‪ :‬الطبيب محمد بن زكريا الرازي المتوفى عام ‪313‬هـ ‪ ،‬والذي ُنسب‬
‫إليه كتاب (مخاريق األنبياء)‪ ،‬وفيه يطعن على أصل النبوة‪ ،‬وفي كيفية الوحي‪ ،‬وقد َّ‬
‫رد‬
‫عليه (أبو نصر الفارابي) المتوفى عام ‪339‬هـ ‪ ،‬فحاول أن يثبت الوحي إلى األنبياء‪ ،‬وأن‬
‫يبرهن عليه عقليا‪ ،‬وذلك من خالل فلسفته اإلشراقية‪ .‬راجع‪ :‬في الفلسفة اإلسالمية "منهج‬
‫وتطبيقه" ‪ 87/1‬وما بعدها‪ ،‬أ‪.‬د‪ /‬إبراهيم بيومي مدكور‪ ،‬طبعة دار المعارف بالقاهرة‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة‪ ،‬عام ‪1976‬م ‪.‬‬

‫‪726‬‬
‫تشريح القانون) التي يقول فيها ‪":‬وقد ص َّدنا عن مباشرة التشريح وازعُ‬
‫الشريعة‪ ،‬وما في أخالقنا من الرحمة"(‪. )1‬‬

‫طوع علومه‬
‫ولم يضبط ابن النفيس علومه بضابط الشرع فحسب‪ ،‬بل َّ‬
‫المتنوعة‪ ،‬لخدمة فلسفته اإللهية؛ ولهذا حاولت ـ مستعينا باهلل تعالى ـ أن ألقي‬
‫الضوء على فلسفته اإللهية(‪ ،)2‬ومنهجه في معالجة قضاياها اعتمادا على ما‬
‫تيسر لي من مؤلفاته المتنوعة‪ ،‬ومن أهمها‪ :‬الرسالة الكاملية في السيرة‬
‫النبوية ـ شرح الوريقات في المنطق ـ المختصرفي علم أصول الحديث ـ شرح‬
‫تشريح القانون في الطب ـ الموجز في الطب ـ المهذب في الكحل المجرب‪،‬‬

‫(‪ )1‬شرح تشريح القانون ص ـ‪ ،17‬تأليف‪ :‬عالء الدين بن النفيس‪ ،‬تحقيق‪:‬‬


‫الدكتور‪/‬سليمان قطاية‪ ،‬مراجعة‪ :‬بول غليونجي‪ ،‬طبعة الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬عام‪2007‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفلسفة اإللهية هي إحدي فروع الفلسفة النظرية‪ ،‬وقد ذكر ابن سينا أن موضوعها‬
‫هو األمور المفارقة للمادة‪ ،‬ومباحثها الرئيسة ثالثة هي‪:‬‬
‫أ ـ إثبات المبدأ األول(هللا تعالي)‪ ،‬ووحدانيته‪ ،‬وأنه منزه عن النقائص‪ ،‬موصوف بكل‬
‫كمال‪.‬‬
‫ب ـ حال النفس اإلنسانية إذا انقطعت العالقة بينها وبين الطبيعة‪ ،‬أي‪ :‬المعاد‬
‫وأحكامه‪.‬‬
‫ج ـ النبوة وأحكامها‪ ،‬ووجوبها من عند هللا‪ ،‬ووجوب طاعة النبي‪.‬‬
‫وعلى منوال ابن سينا نسج ابن النفيس في رسالته الكاملية‪ ،‬فعالج في فلسفته اإللهية‬
‫هذه المباحث‪ ،‬وبيَّن ما يترتب على إثباتها من أحكام وتشريعات‪ ،‬وهذا من آثار تأثر ابن‬
‫النفيس بابن سينا‪ ،‬وعنايته بكتبه‪ ،‬وسيأتي تفصيل ذلك في ترجمته إن شاء هللا تعالى‪.‬‬
‫راجع إلهيات الشفاء صـ ـ ‪ 37‬ـ ‪ ،38‬تأليف‪ :‬الشيخ الرئيس ابن سينا‪ ،‬تحقيق‪ :‬آية هللا‬
‫حسن زادة اآلملي‪ ،‬طبعة مكتب اإلعالم اإلسالمي‪ُ ،‬قم‪ ،‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عام‬
‫‪1418‬هـ‪ ،‬وقارن‪ :‬مسالك األبصار في ممالك األمصار ‪ 357/9‬ـ ‪ ،359‬تأليف‪ :‬ابن‬
‫فضل هللا العمري‪ ،‬طبعة دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪727‬‬
‫هذا باإلضافة إلى البحوث التي درس الباحثون فيها شخصية ابن النفيس‬
‫وجوانب من ثقافته‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أسباب اختيار هذا الموضوع‪.‬‬


‫ا‬
‫بعد أهمية الموضوع‪ ،‬وسمته التخصصية‪ ،‬وقفت عدة أسباب أخرى وراء‬
‫اختياره‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪1‬ـ مكانة ابن النفيس العلمية؛ فهو أحد أعالم الحضارة اإلسالمية‪ ،‬الذين‬
‫وتميز‬
‫ا‬ ‫حضور قويا‪،‬‬
‫ا‬ ‫جمعوا بين علوم متنوعة‪ ،‬واستطاعوا أن يسجلوا فيها‬
‫واضحا‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ قلة الدراسات التي تناولت الفلسفة اإللهية عند ابن النفيس بشكل متكامل‪،‬‬
‫ومن خالل هذه الدراسة المتواضعة يحاول الباحث التعريف بابن النفيس‬
‫الفيلسوف المسلم‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ خصوبة الدرس الفلسفي اإلسالمي بموضوعاته وقضاياه‪ ،‬وبرجاله‬


‫وأعالمه؛ فإن الحقل الفلسفي اإلسالمي كان ـ وال يزال ـ من عوامل الجذب‬
‫للدارسين الرتياد حياضه‪ ،‬وخوض غمار مشكالته‪ ،‬ومعالجة قضاياه‪.‬‬

‫ثال اثا‪ :‬منهج الدراسة‪.‬‬

‫أما عن المنهج المتبع في البحث‪ :‬فسوف اتبع في دراسة هذا الموضوع‬


‫منهجين مختلفين على حسب طبيعة القضايا التي يعالجها البحث‪:‬‬

‫‪1‬ـ المنهج التاريخي‪ :‬وذلك في المبحث األول‪ ،‬والذي أتناول فيه بالدراسة‬
‫عصر ابن النفيس‪ ،‬وترجمته بإيجاز شديد‪.‬‬

‫‪728‬‬
‫‪2‬ـ المنهج التحليلي النقدي ‪ :‬وذلك في بقية البحث؛ حيث أعرض أسس‬
‫منهج ابن النفيس الفلسفي‪ ،‬وأهم قضايا الفلسفة اإللهية عنده عرضا تحليليا‬
‫نقديا‪.‬‬

‫ابعا‪ :‬الدراسات السابقة‪.‬‬


‫را‬
‫فيما يخص دراسة الجانب الفلسفي والشرعي عند ابن النفيس ُقدمت عدة‬
‫بحوث ودراسات‪ ،‬وقد اطلعت على بعضها‪ ،‬وفيما يلي ما وقفت عليه من‬
‫هذه الدراسات‪:‬‬

‫‪1‬ـ ابن النفيس فيلسوف مسلم ـ تأليف‪ :‬أ‪.‬د‪/‬حامد طاهر(نائب رئيس جامعة‬
‫القاهرة لشؤون التعليم والطالب األسبق)‪ ،‬وهو بحث منشور بمجلة مركز‬
‫اللغات األجنبية والترجمة التخصصية‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬ويقع هذا البحث في‬
‫اثنتين وعشرين صفحة‪ ،‬والغرض منه ـ بحسب رأي مؤلفه ـ إثبات أن ابن‬
‫ٍ‬
‫تحليل موجز‬ ‫النفيس من فالسفة اإلسالم المعتبرين‪ ،‬ويقوم هذا البحث على‬
‫للرسالة الكاملية البن النفيس‪ ،‬والتوقف عند بعض نصوصها الستخالص أهم‬
‫أفكاره الفلسفية‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ فلسفة النبوة عند ابن النفيس ـ تأليف‪ :‬د‪/‬محمد علي إسبر‪ ،‬وهذا البحث‬
‫منشور على شبكة اإلنترنت‪ ،‬ويقع في ست عشرة صفحة‪ ،‬ويتناول المؤلف‬
‫في هذا البحث بعض آراء ابن النفيس في النبوات من خالل الرسالة‬
‫الكاملية‪ ،‬ويقدم لذلك بمقدمة وافية‪ ،‬يبين فيها دوافع ابن النفيس لتأليف‬
‫مرور سريعا على الرسائل السابقة المشابهة لها في‬
‫ا‬ ‫الرسالة الكاملية‪ ،‬ويمر‬
‫المنهج الروائي مثل‪ :‬رسالة حي بن يقظان البن سينا (المتوفى عام ‪427‬هـ)‪،‬‬
‫الغربة‬
‫ورسالة حي بن يقظان البن طفيل (المتوفى عام ‪581‬هـ)‪ ،‬ورسالة ُ‬
‫الغربية لشهاب الدين السهروردي (المتوفى عام‪587‬هـ) ‪.‬‬

‫‪729‬‬
‫‪ 3‬ـ ابن النفيس إمام في الطب وفي العلوم الدينية ـ تأليف‪ :‬د‪/‬حسن بن محمد‬
‫عبه جي‪ ،‬بحث منشور بجامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬وهو بحث‬
‫صغير‪ ،‬يقع في أربع صفحات‪ ،‬أشار فيه المؤلف إلى مشاركات ابن النفيس‬
‫في العلوم الشرعية‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ المختصر في علوم الحديث البن النفيس (عرض وتوجيه)‪ ،‬إعداد‪:‬‬


‫الدكتور‪/‬محمد قاسم العمري‪ ،‬وهذا البحث منشور بالمجلة األردنية للدراسات‬
‫اإلسالمية‪ ،‬الجزء العاشر‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬عام ‪2014‬م‪ ،‬وفي هذا البحث‬
‫تحليل لمنهج ابن النفيس في علوم الحديث‪ ،‬وبيان مكانة الدليل النقلي عنده‪.‬‬

‫وبجانب ماسبق ُقدمت عدة ورقات بحثية حول ثقافة ابن النفيس الشرعية‬
‫والفلسفية ضمن مؤتمرين عالميين عن الطب اإلسالمي انعقدا بالكويت‪:‬‬
‫األول عام ‪1982‬م‪ ،‬والثاني عام ‪1997‬م‪ ،‬كذلك ألقيت محاضرات حول‬
‫الثقافة الشرعية والعقلية البن النفيس في ندوة عن ابن النفيس‪ ،‬عقدتها‬
‫المنظمة اإلسالمية للتربية والثقافة والعلوم بالرباط‪ ،‬عام ‪1988‬م‪ ،‬وقد بذلت‬
‫جهدي لالطالع على هذه الدراسات‪ ،‬لكني لم أتمكن من ذلك‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬خطة البحث‪.‬‬


‫ا‬
‫يتكون هذا البحث من مقدمة وخمسة مباحث وخاتمة ‪:‬‬

‫• المقدمة‪ :‬وفيها تمهيد للموضوع‪ ،‬وبيان أسباب اختياره‪ ،‬والمنهج‬


‫المتبع فيه‪ ،‬والدراسات السابقة‪ ،‬وعرض موجز لخطة البحث‪.‬‬
‫• المبحث األول‪ :‬تعريف موجز بابن النفيس‪.‬‬
‫• المبحث الثاني‪ :‬أسس المنهج الفلسفي عند ابن النفيس‪.‬‬
‫• المبحث الثالث‪ :‬إثبات الصانع وصفاته عند ابن النفيس‪.‬‬

‫‪730‬‬
‫• المبحث الرابع‪ :‬المعاد عند ابن النفيس‪.‬‬
‫• المبحث الخامس‪ :‬النبوة عند ابن النفيس‪.‬‬
‫• الخاتمة‪ :‬وفيها أهم نتائج الدراسة وتوصياتها‪.‬‬
‫وهللا الموفق والهادي إلى سواء السبيل‪.‬‬

‫د‪ /‬عواد محمود عواد سالم‬

‫أستاذ العقيدة والفلسفة المساعد بكلية أصول الدين بالقاهرة‬

‫‪731‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تعريف موجز بـ(ابن النفيس)‬

‫بادئ ذي بدء أقول‪ :‬ليس الهدف من هذا المبحث االستيعاب التفصيلي لما‬
‫يتعلق بعصر ابن النفيس وشخصيته؛ وذلك ألن ابن النفيس ـ كطبيب‬
‫مرموق ـ حظي بدراسات وافية‪ ،‬تناولت عصره وشخصيته تفصيال‪ ،‬وإنما‬
‫الهدف هنا‪ :‬إعطاء القارئ نبذة موجزة عن ابن النفيس‪ ،‬وعن عصره كتمهيد‬
‫لدراسة فلسفته اإللهية‪ ،‬وذلك من خالل المطلبين التاليين‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬عصر ابن النفيس‪:‬‬

‫ولد ابن النفيس بدمشق عام ‪607‬هـ‪ ،‬وتوفي بمصرعام ‪678‬هـ‪ ،‬وهذه الحقبة‬
‫تزامنت مع نهاية الدولة األيوبية‪ ،‬وبداية دولة المماليك(‪ ،)1‬وهذه المرحلة من‬
‫تاريخ مصر والشام شهدت أحداثا مهمة‪ ،‬ونهضة علمية كبيرة‪ ،‬ومن أهم ما‬
‫عاصره ابن النفيس من أحداث ما يلي‪:‬‬

‫أ ـ الصلح الذي أبرمه السلطان (ناصر الدين محمد الكامل األيوبي‪ ،‬المتوفى‬
‫عام ‪635‬هـ) مع الملك (فردريك الثاني)‪ ،‬والذي بمقتضاه استعاد الصليبيون‬
‫عدة مدن بالشام‪ ،‬من بينها مدينة القدس‪ ،‬والتي ُنصب الملك (فردريك)‬
‫اطور لها‪ ،‬في كنيسة القيامة عام ‪626‬هـ ‪ ،‬وفي هذه اآلونة كان ابن‬
‫إمبر ا‬
‫النفيس يعمل طبيبا بالبيمارستان النوري بدمشق(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬راجع السلوك لمعرفة دول الملوك ‪ ،369/1‬والتاريخ اإلسالمي للدكتور أحمد‬
‫شلبي ‪ ،185/5‬طبعة مكتبة النهضة المصرية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬عام ‪1972‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬راجع ‪ :‬مفرج الكروب في أخبار بني أيوب‪ ،241/4‬تأليف‪ :‬القاضي جمال الدين‬
‫محمد بن سالم بن واصل‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪/‬حسنين محمد ربيع‪ ،‬راجعه وقدم له‪ :‬أ‪.‬د‪/‬سعيد عبد‬
‫الفتاح عاشور‪ ،‬طبعة دار الكتب والوثائق القومية‪ ،‬عام ‪1957‬م ‪ ،‬وآفاق الطب اإلسالمي‬
‫==‬

‫‪732‬‬
‫ب ـ استعادة المسلمين لمدينة القدس مرة أخرى‪ ،‬وذلك عام ‪642‬هـ‪ ،‬وفي هذا‬
‫الوقت كان ابن النفيس يعمل طبيبا بالبيمارستان المنصوري بالقاهرة(‪.)1‬‬

‫ج ـ قدوم (لويس التاسع) بحملته على مصر‪ ،‬وهزيمته على يد قوات‬


‫األيوبيين بقيادة (المعظم شمس الدولة توران شاه‪ ،‬المتوفى عام ‪546‬هـ) في‬
‫موقعة المنصورة عام ‪647‬هـ (‪.)2‬‬

‫د ـ نهاية الدولة األيوبية‪ ،‬وقيام دولة المماليك‪ ،‬فبعد انتصار السلطان‬


‫(المعظم توران شاه) ابن الملك (الصالح نجم الدين أيوب‪ ،‬المتوفى عام‬
‫‪641‬هـ) على الصليبيين في موقعة المنصورة تآمر عليه مماليك أبيه فقتلوه‪،‬‬
‫وتولى الحكم بعد مقتله السلطان المملوكي(المعز عزالدين أيبك الصالحي‬
‫التركماني‪ ،‬المتوفي عام ‪654‬هـ )‪ ،‬وكان توليه حكم البالد عام ‪648‬هـ(‪.)3‬‬

‫==‬
‫رؤية علمية وتاريخ فلسفي ص ـ ‪ ،162‬د‪/‬محمد الجوادي‪ ،‬طبعة دار الكلمة للنشر‪،‬‬
‫المنصورة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عام ‪2015‬م‪.‬‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬مفرج الكروب في أخبار بني أيوب‪ ،336/5‬وآفاق الطب اإلسالمي ص ـ‬
‫‪.162‬‬
‫(‪ )2‬راجع‪ :‬السلوك لمعرفة دول الملوك‪ ،‬الجزء األول ـ القسم الثاني ص ـ‪ 333‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬تأليف‪ :‬تقي الدين المقريزي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد مصطفى زيادة‪ ،‬طبعة دار الكتب‬
‫المصرية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬عام ‪1936‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬راجع‪ :‬السلوك لمعرفة دول الملوك‪ ،‬الجزء األول ـ القسم الثاني ص ـ‪. 368‬‬

‫‪733‬‬
‫هـ ـ هجوم التتار على مصر بقيادة (جينكيز خان)‪ ،‬وابنه (هوالكو)‪ ،‬وهزيمتهم‬
‫طز‪ ،‬المتوفى‬
‫على يد قوات المماليك بقيادة السلطان (المظفر سيف الدين ُق ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫عام ‪658‬هـ) في موقعة (عين جالوت) عام ‪658‬هـ ‪.‬‬

‫طز) إلى السلطان(الظاهر بيبرس‪ ،‬المتوفى عام‬


‫و ـ انتقال السلطنة بعد (ُق ُ‬
‫‪776‬هـ)‪ ،‬الذي دام حكمه نحو سبعة عشر عاما‪ ،‬وشهدت البالد في عهده‬
‫أزهى عصورها‪ ،‬ففي مدة حكمه قاد جيوش المماليك لتحقيق انتصارات‬
‫متوالية على التتار‪ ،‬وعلى بقايا الصليبيين بالشام (‪.)2‬‬

‫ز ـ تن ُازع أمراء المماليك على السلطنة بعد بيبرس‪ ،‬وانتهاء أمر السلطنة ـ بعد‬
‫هذا النزاع ـ إلى السلطان (المنصور قالوون‪ ،‬المتوفى عام ‪689‬هـ)‪ ،‬الذي‬
‫أحكم سيطرته على البالد لحسن سياسته‪ ،‬وقد مكنته موهبته السياسية‬
‫والحربية من قيادة جيوش المماليك لسحق التتار الذين أغاروا على الشام‪،‬‬
‫طهر‬
‫كما قضى على بقايا الصليبيين في موقعة حمص عام ‪680‬هـ‪ ،‬وبذلك َّ‬
‫منهم الشام نهائيا‪ ،‬ثم استولى على أخر معاقل الصليبيين بالالذقية عام‬
‫‪686‬هـ (‪. )3‬‬

‫وهذه األحداث التي عاصرها ابن النفيس أثرت في شخصيته العلمية‪ ،‬وظهر‬
‫ذلك جليا في بعض كتاباته؛ فقد ذكر في رسالته الكاملية صفات الحاكم‪،‬‬

‫(‪ )1‬راجع‪ :‬المختصر في أخبار البشر ‪ ،250/3‬تأليف‪ :‬عماد الدين إسماعيل أبي‬
‫الفداء‪ ،‬ط المطبعة الحسينية‪ ،‬وحسن المحاضرة ‪ ،38/2‬للسيوطي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أبو‬
‫الفضل إبراهيم‪ ،‬ط عيسى الحلبي‪ ،‬عام ‪1967‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬راجع‪ :‬السلوك لمعرفة دول الملوك‪ ،‬الجزء األول ـ القسم الثاني ص ـ‪. 436‬‬
‫(‪ )3‬راجع السلوك لمعرفة دول الملوك ‪ ،‬الجزء األول ـ القسم الثالث ص ـ‪ 663‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬

‫‪734‬‬
‫ومنها‪ :‬أن يكون شديد البأس ـ أن يكون شجاعا عادال ـ أن يكون شهما‬
‫كريما‪ ،‬وهذه الصفات مطابقة لصفات الظاهر بيبرس‪ ،‬والمنصور قالوون‪ ،‬ـ‬
‫وهما أقوي وأعدل من عاصرهم ابن النفيس من سالطين المماليك ـ وكأن ابن‬
‫النفيس نقل ما رآه واقعا من صفاتهما إلى صفحات كتابه (‪.)1‬‬

‫أما عن الحالة العلمية والثقافية لعصر ابن النفيس‪ :‬فقد شهدت مصر‬
‫والشام في عصر ابن النفيس تقدما علميا رائعا‪ ،‬وذلك بفضل تشجيع‬
‫سالطين المماليك للعلم‪ ،‬ورعايتهم للعلماء‪ ،‬واهتماهم ببناء المدراس والمساجد‬
‫والبيمارستانات‪ ،‬وتزويد كل هذه المنشآت بالمكتبات(‪.)2‬‬

‫لقد كانت مصر والشام ـ في عصر ابن النفيس ـ ملتقى العلماء‪ ،‬الذين وفدوا‬
‫وفر هذا الجو العلمي البن النفيس معايشة أجَّلة‬
‫حدب وصوب‪ ،‬وقد َّ‬
‫من كل ٍ‬
‫العلماء في فروع المعرفة المختلفة‪ :‬كالحافظ المحدث(جمال الدين يوسف‬
‫المزي‪ ،‬المتوفى عام ‪742‬هـ)‪ ،‬وسلطان العلماء الفقيه الشافعي(عز الدين بن‬
‫عبد السالم‪ ،‬المتوفى عام ‪660‬هـ)‪ ،‬والنحوي(جمال الدين بن مالك‪ ،‬المتوفى‬
‫عام‪686‬هـ)‪ ،‬صاحب األلفية المشهورة في النحو‪ ،‬واألصولي(عمرو بن‬
‫الحاجب المالكي‪ ،‬المتوفى عام ‪646‬هـ)‪ ،‬وغيرهم من أكابر العلماء(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬راجع الرسالة الكاملية في السيرة النبوية ص ـ ‪ 229‬ـ ‪ ،235‬تأليف‪ :‬عالء الدين‬
‫ابن النفيس‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد المنعم محمد عمر‪ ،‬طبعة المجلس األعلى للشئون اإلسالمية‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪ ،‬عام ‪1987‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬راجع عصر سالطين المماليك‪ ،‬د‪/‬محمود رزق سليم ‪67/3‬ـ ‪ ،68‬ط مكتبة‬
‫اآلداب بالقاهرة‪.‬‬
‫(‪ )3‬راجع‪ :‬مقدمة الرسالة الكاملية ص ـ ‪ ،38‬بقلم األستاذ ‪/‬عبد المنعم محمد عمر‪.‬‬

‫‪735‬‬
‫وهكذا فقد عاش ابن النفيس مرحلة مزدهرة من التاريخ اإلسالمي‪ ،‬وكان‬
‫لبيئته أثر بالغ في تكوين شخصيته العلمية؛ فكان من أصحاب الحضور‬
‫المتميز في كثير من فروع المعرفة‪.‬‬

‫وبعد هذا العرض الموجز لعصر ابن النفيس نقترب أكثر من شخصيته‪،‬‬
‫وذلك من خالل الترجمة الموجزة له فيما يلي‪:‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬ترجمة موجزة ًلبن النفيس ‪:‬‬

‫بما البن النفيس من مكانة وشهرة بين األطباء خاصة‪ ،‬وبين العلماء عامة‪،‬‬
‫مغمور أو‬
‫ا‬ ‫وبما له من أثر في مجتمعه‪ ،‬وفيمن تتلمذوا على يديه؛ لم يكن‬
‫مجهوال‪ ،‬بل كان من الشخصيات المهمة والمؤثرة في تاريخ الطب العربي؛‬
‫ولذا فقد اهتم كثير من الباحثين بدراسة شخصية ابن النفيس وبإبداعاته في‬
‫الطب والتشريح‪ ،‬وفي إطار دراساتهم قدموا ترجمة وافية البن النفيس‪ ،‬ولوال‬
‫شيء من الخلل في هذا البحث الكتفيت باإلحالة إلى هذه‬
‫ٌ‬ ‫أن يكون في ذلك‬
‫البحوث‪ ،‬ولكن سأقتصر هنا على ترجمة موجزة البن النفيس‪ ،‬تتضمن‬
‫العناصر التالية‪:‬‬

‫‪736‬‬
‫أواًل‪ :‬اسمه ولقبه وكنيته ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫اتفقت أكثر مصادر ترجمة ابن النفيس على أن اسمه‪ :‬على بن أبي الحزم‬
‫ويكَّنى‬ ‫القرشي(‪ )2‬الدمشقي مولدا‪ ،‬المصري موطنا‪َّ ،‬‬
‫ويلقب بـ(عالء الدين)‪ُ ،‬‬
‫ُ‬
‫بـ(أبي الحسن)‪ ،‬وكنيته األشهرالتي ُعرف بها‪ ،‬وغلبت على اسمه‪ ،‬هي‪ ( :‬ابن‬
‫النفيس) (‪.)3‬‬

‫ثانيا‪ :‬مولده ونشأته العلمية‪:‬‬


‫ا‬
‫ولد ابن النفيس عام ‪607‬هـ بدمشق‪ ،‬وكان ذلك في زمن السلطان(العادل‬
‫سيف الدين األيوبي‪ ،‬المتوفى عام ‪615‬هـ)‪ ،‬وكانت دمشق ـ في هذا الوقت ـ‬

‫(‪ )1‬وردت في مسالك األبصار بالراء الساكنة (الحرم)‪ ،‬إال أن معظم المراجع التي‬
‫تُرجم فيها البن النفيس وردت فيها بالزاي الساكنة( الحزم)‪ ،‬وقد رجَّح هذا أكثر الباحثين‪.‬‬
‫راجع مسالك األبصار في ممالك األمصار ‪ ،357/9‬وقارن‪ :‬تاريخ اإلسالم ‪،311/51‬‬
‫تأليف‪ :‬شمس الدين الذهبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عمر عبد السالم تدمري‪ ،‬طبعة دار الكتاب العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط أولى عام ‪2000‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬القرشي‪( :‬بفتح القاف وسكون الراء) نسبة إلى قرية قرش‪ ،‬وهي قرية بسواحل‬
‫حمص‪ .‬راجع معجم البلدان‪ ،323/3‬تأليف‪ :‬ياقوت بن عبد هللا الحموي الرومي‪ ،‬ط دار‬
‫صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬عام ‪1977‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬راجع تاريخ اإلسالم ‪. 312/51‬‬
‫ومع أن عالء الدين معروف بــ(ابن النفيس) عند كثير من المؤرخين‪ ،‬إال أن الدكتور‬
‫يوسف زيدان يشكك في صحة هذه الكنية؛ ألنها لم تُطلق عليه في حياته‪ ،‬ولم تُعرف عند‬
‫تالمذته‪ ،‬أو المعاصرين له‪ ،‬ولم تُعرف هذه الكنية إال عند بعض من ترجم البن النفيس‬
‫من الالحقين له‪ .‬راجع إعادة اكتشاف ابن النفيس صـ ‪ 24‬وما بعدها‪ ،‬د‪/‬يوسف زيدان‪،‬‬
‫طبعة نهضة مصر‪ ،‬وحي ابن يقظان‪ ،‬النصوص األربعة ومبدعوها ص ـ ‪ ،95‬د‪ /‬يوسف‬
‫زيدان‪ ،‬طبعة الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬عام ‪2009‬م ‪.‬‬

‫‪737‬‬
‫قد ورثت مجد بغداد العلمي‪ ،‬وذلك بفضل اهتمام اإليوبيين بالعلم ورعايتهم‬
‫للعلماء‪ ،‬وعنايتهم بتشييد المؤسسات العلمية‪ :‬كالمكتبة الكبرى بدمشق التي‬
‫أنشأها (نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي‪ ،‬المتوفى عام ‪569‬هـ)‪،‬‬
‫واستودعها نفائس الكتب‪ ،‬والبيمارستان النوري الذي اجتذب إليه أمهر‬
‫األطباء في ذلك العصر‪ ،‬وقد عمل ابن النفيس طبيبا به في شبابه(‪.)1‬‬

‫أخذ ابن النفيس الطب في دمشق على(عمران اإلسرائيلي‪ ،‬المتوفى عام‬


‫‪637‬هـ)‪ ،‬كما تتلمذ في الطب على أعظم وأشهر أطباء دمشق في عصره‪،‬‬
‫رئيس أطباء مصر والشام‪( ،‬مهذب الدين عبد الرحيم علي‪،‬المعروف‬
‫ب ـ[الدخوار]‪ ،‬المتوفى عام ‪628‬هـ)‪ ،‬وقد كان (ابن أبي أصبيعة‪ ،‬المتوفى عام‬
‫‪668‬هـ) ـ صاحب كتاب(عيون األنباء في طبقات األطباء) ـ زميال البن‬
‫النفيس في األخذ عن مهذب الدين الدخوار (‪.)2‬‬

‫وهكذا فقد كانت نشأة ابن النفيس األولى في جو علمي صحيح‪ ،‬مبني على‬
‫األخذ والتلقي المباشر من أهل االختصاص‪ ،‬وعلى الخبرة والممارسة العملية‪،‬‬
‫والتفكير الحر(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬راجع ابن النفيس ص ـ ‪ ،79‬بول غليونجي(ضمن سلسلة أعالم العرب)‪ ،‬طبعة‬
‫الدار المصرية للتأليف والترجمة‪ ،‬توزيع مكتبة مصر بالفجالة‪ ،‬القاهرة ‪.‬‬
‫(‪ )1‬راجع تاريخ اإلسالم ‪. 312/51‬‬
‫(‪)2‬راجع مسالك األبصار ‪ ،357 /9‬وروضات الجنات في أحوال العلماء والسادات‬
‫‪ ،290/5‬تأليف‪ :‬محمد باقر الموسوي الخوانساري األصبهاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬أسد هللا‬
‫إسماعليان‪ ،‬ط مكتبة إسماعليان‪ ،‬قم‪ ،‬طهران‪ ،‬وراجع ترجمة الدخوار من مسالك األبصار‬
‫‪.293/9‬‬
‫(‪ )3‬ابن النفيس‪ ،‬بول غليونجي ص ـ ‪. 83‬‬

‫‪738‬‬
‫وفي عام ‪633‬هـ‪ ،‬وباستدعاء من السلطان األيوبي(الكامل محمد‪ ،‬المتوفى‬
‫عام ‪635‬هـ)‪ ،‬وفد ابن النفيس إلى مصر مع طائفة من زمالئه‪ ،‬وفي القاهرة‬
‫واكب ابن النفيس نهضة علمية وحضارية عظيمة‪ ،‬ولقي فيها حفاوة وتكريما‪،‬‬
‫كبير في الطب والعالج‪ ،‬وكانت تصانيفه فيه من ذهنه‪ ،‬ال‬
‫ا‬ ‫وحقق نبوغا‬
‫لتبحره فيه‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه كان يحفظ كتاب‬
‫يحتاج فيها إلى مراجعة كتاب؛ ُ‬
‫القانون في الطب‪ ،‬للشيخ الرئيس(علي بن الحسين بن سينا‪ ،‬المتوفى عام‬
‫‪427‬هـ) عن ظهر قلب‪ ،‬ولبراعته وتقدمه انتهت إليه رئاسة الطب بالديار‬
‫المصرية؛ إذ كان رئيسا ألطباء البيمارستان المنصوري(‪.)1‬‬

‫ثال اثا‪ :‬ثقافة ابن النفيس‪:‬‬

‫استحضار واستنباطا‪ :‬كان‬


‫ا‬ ‫بجانب الطب الذي كان ابن النفيس ال ُيجارى فيه‬
‫ابن النفيس مشاركا بالتدريس والتأليف في علوم أخرى‪ ،‬وقد ذكر ذلك معظم‬
‫من ترجم له‪ ،‬فمثال‪:‬‬

‫‪ ،312/51‬وآفاق الطب اإلسالمي ص ـ ‪،162‬‬ ‫(‪)1‬راجع تاريخ اإلسالم للذهبي‬


‫د‪/‬محمد الجوادي‪.‬‬
‫ويشهد لبراعة ابن النفيس الطبية كثير من منجزاته‪ ،‬ومن أهمها‪ :‬اكتشاف الدورة‬
‫الدموية؛ فقد تتبع ابن النفيس مسار الدم في العروق والحظ سريانه في الجسد‪ ،‬ووصف‬
‫الدورة الدموية‪ ،‬فكان بذلك هو المكتشف األول لها قبل (سيرفيتوس) اإلسباني‪ ،‬و(وليام‬
‫هارفي) اإلنجليزي‪ ،‬وقد ُنسب هذا اإلنجاز بطريق الخطأ إلىهما‪ ،‬واستمر هذا الخطأ قرونا‬
‫ثالثة إلى أن وفق هللا الطبيب المصري الدكتور‪/‬محيي الدين التطاوي إلى تصحيح هذا‬
‫الخطأ‪ ،‬ورد الحق ألهله‪ ،‬وذلك من خالل رسالته للدكتوراه‪ ،‬وعنوانها‪( :‬الدورة الدموية تبعا‬
‫للقرشي)‪ ،‬والتي أثبت فيها أن ابن النفيس هو مكتشف الدورة الدموية‪ ،‬وذلك بعد دراسته‬
‫لكتابه شرح تشريح القانون‪ .‬راجع ابن النفيس‪ ،‬بول غليونجي ص ـ‪ ،122‬و ص ـ‪. 142‬‬

‫‪739‬‬
‫يقول(شمس الدين الذهبي‪ ،‬المتوفى عام ‪748‬هـ)‪":‬وقد كتب إلينا (أبو حيان‬
‫األندلسي‪ ،‬المتوفى عام ‪745‬هـ)‪...‬قال‪ :‬ولشيخنا عالء الدين معرفة‬
‫أت عليه كتاب (الهداية) البن سينا في‬ ‫بالمنطق‪ ،‬وقد َّ‬
‫صنف فيه مختص ار‪ ،‬قر ُ‬
‫صنف في الفقه‪ ،‬وفي أصول الفقه‪ ،‬وفي علم مصطلح‬ ‫المنطق‪ ،‬وقد َّ‬
‫الحديث‪ ،‬وفي َّ‬
‫النحو‪ ،‬وفي علم المعاني والبيان"(‪.)1‬‬

‫العمري‪ ،‬المتوفى عام ‪749‬هـ) في مسالك األبصار‪،‬‬


‫وذكر (ابن فضل هللا ُ‬
‫و(الخوانساري‪ ،‬المتوفى عام ‪1313‬هـ) في روضات الجنات‪ :‬أن ابن النفيس‬
‫َّ‬
‫وصنف فيه مختصرا‪ ،‬وشرح الهداية في المنطق البن‬ ‫له معرفة بالمنطق‪،‬‬
‫َّ‬
‫وصنف في الفقه وأصوله‪ ،‬وفي‬ ‫سينا‪ ،‬وكان يميل فيه إلى طريقة المتقدمين‪،‬‬
‫أصول الحديث‪ ،‬وفي النحو‪ ،‬والبيان‪ ،‬وغير ذلك(‪.)2‬‬

‫وفي الحكمة َّ‬


‫صنف رسالة عارض فيها رسالة حي بن يقظان البن سينا‪،‬‬
‫وسماها بكتاب فاضل بن ناطق‪ ،‬وانتصر فيها لمذهب أهل اإلسالم وآرائهم‬
‫دل فيها على‬
‫في النبوات والش ارئع والبعث الجسماني وخراب العالم‪ ،‬ولقد َّ‬
‫قدرته‪ ،‬وصحة ذهنه‪ ،‬وتمكنه في العلوم العقلية(‪.)3‬‬

‫وذكر(السيوطي‪ ،‬المتوفى عام ‪911‬هـ) في حسن المحاضرة‪ ،‬و(ابن العماد‬


‫الحنبلي‪ ،‬المتوفى عام‪1089‬هـ) في شذرات الذهب‪ :‬أن ابن النفيس هو أحد‬

‫(‪ )1‬تاريخ اإلسالم للذهبي ‪.313/51‬‬


‫(‪)2‬راجع مسالك األبصار ‪ 357/9‬ـ ‪ ،358‬وروضات الجنات ‪290/5‬‬
‫(‪)3‬راجع مسالك األبصار ‪ ،359 /9‬وروضات الجنات ‪.292/5‬‬

‫‪740‬‬
‫جهابذة الطب في عصره‪ ،‬مع المشاركة في الحكمة‪ ،‬والمنطق‪ ،‬والفقه‪،‬‬
‫واألصول‪ ،‬والحديث‪ ،‬والنحو (‪.)1‬‬

‫كما أن ابن النفيس كان من فقهاء الشافعية‪ ،‬وقد شرع في شرح التنبيه في‬
‫الفقه الشافعي لـ(أبي إسحاق الشيرازي‪ ،‬المتوفى عام ‪476‬هـ)‪ ،‬ولم يتمه‪،‬‬
‫درس الفقه الشافعي بالمدرسة التي أنشأها بالقاهرة (شمس الدين‬
‫وكان ي َّ‬
‫الخواص مسرور) (‪ ،)2‬أحد مماليك صالح الدين األيوبي‪ ،‬والتي ُعرفت‬
‫بـ(المدرسة المسرورية)؛ ولذا ترجم له من َّ‬
‫صنف في طبقات الشافعية‪ :‬كـ(تاج‬
‫الدين السبكي‪ ،‬المتوفى عام ‪771‬هـ)‪ ،‬و(عبد الرحيم بن الحسن اإلسنوي‪،‬‬
‫المتوفى عام ‪772‬هـ)‪ ،‬و(ابن قاضي شهبة‪ ،‬المتوفى عام ‪851‬هـ)(‪.)3‬‬

‫أيضا‪ :‬درس ابن النفيس علم النحو على(بهاء الدين محمد بن إبراهيم‬
‫النحاس‪ ،‬المتوفى عام ‪698‬هـ) ‪ ،‬وق أر عليه كتاب (األنموذج) لإلمام(جار هللا‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫وصنف فيه كتابا في‬ ‫محمود بن عمر الزمخشري‪ ،‬المتوفى عام ‪538‬هـ)‪،‬‬
‫سفرين(‪. )4‬‬

‫(‪)1‬راجع حسن المحاضرة ‪ ، 542/1‬ط دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬ط ثانية عام‬
‫‪1967‬م‪ ،‬وشذرات الذهب في أخبار من ذهب البن العماد الحنبلي ‪ ،701/7‬ط دار ابن‬
‫كثير‪ ،‬دمشق ـ بيروت ‪ ،‬ط أولى‪ ،‬عام ‪1986‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬لم أقف على ترجمته‪ ،‬أو تاريخ وفاته‪.‬‬
‫(‪)3‬راجع طبقات الشافعية لتاج الدين السبكي ‪ ،305/8‬طبعة دار إحياء الكتب‬
‫العربية (فيصل عيسى البابي الحلبي)‪ ،‬وطبقات الشافعية لإلسنوي ‪ ،284/2‬ط دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عام ‪1987‬م‪ ،‬وطبقات الشافعية البن قاضي‬
‫شهبة ‪ ،286 /2‬ط عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط أولى ‪1407‬هـ‪.‬‬
‫(‪)4‬راجع مسالك األبصار ‪ ،358/9‬وروضات الجنات ‪.290/5‬‬

‫‪741‬‬
‫كذلك جاء في كتب التراجم ما يدل على سعة علومه؛ فقد أخبر تلميذه‬
‫(السديد الدمياطي‪ ،‬المتوفى سنة ‪743‬هـ) أن القاضي(جمال الدين بن‬
‫واصل‪ ،‬المتوفى سنة ‪697‬هـ) اجتمع مع ابن النفيس‪ ،‬فلما فرغا من صالة‬
‫العشاء شرعا في البحث والمناقشة‪ ،‬وانتقال من علم إلى علم‪ ،‬والشيخ عالء‬
‫الدين ابن النفيس يبحث برياضة‪ ،‬وبال انزعاج‪ ،‬وأما ابن واصل‪ :‬فإنه ينزعج‪،‬‬
‫ويعلو صوته‪ ،‬ولم يزاال كذلك إلى أن أسفر الصبح‪ ،‬فلما انفصل الحال‪ ،‬قال‬
‫ابن واصل البن النفيس‪ :‬يا شيخ عالء الدين‪ ،‬أما نحن فعندنا مسائل‪ ،‬وأما‬
‫أنت فعندك خزائن علوم (‪.)1‬‬

‫ابعا‪ :‬طريقته في الـتأليف‪:‬‬


‫را‬
‫مما يتصل بالجانب الثقافي لشخصية ابن النفيس‪ :‬طريقته وحاله في تأليف‬
‫وتدوين نتاجه الفكري؛ فقد كان البن النفيس طريقة فريدة في الـتأليف‪ ،‬فكان‬
‫يكتب علومه من حفظه دون مراجعة كتاب‪ ،‬قال الذهبي ـ نقال عن أبي حيان‬
‫األندلسي ـ ‪":‬وأخبرني من رآه يصنف في الطب أن ُه كان يكتب من صدره‪،‬‬
‫من غير مراجعة كتاب حال التصنيف" (‪. )2‬‬

‫ومن حاله ـ كذلك ـ في التأليف ‪ :‬أنه كان يستغرق في الكتابة‪ ،‬وال يلتفت إلى‬
‫متأثر في ذلك بنوع‬
‫ا‬ ‫ما حوله‪ ،‬وكان يستغرق في التأليف في أغرب األحوال‬
‫من الوحي اإلبداعي‪ ،‬شأنه في ذلك شأن العلماء واألدباء؛ فقد ُروي‪ :‬أنه إذا‬
‫أراد التصنيف ُيحو ُل وجهه إلى الحائط‪ ،‬وتوضع أمامه األقالم المبرية‪،‬‬

‫(‪ )1‬راجع مسالك األبصار ‪ ،359/9‬وروضات الجنات ‪ ،292/5‬وابن النفيس‪ ،‬بول‬


‫غيلونجي ص ـ ‪93‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ اإلسالم للذهبي ‪.313/51‬‬

‫‪742‬‬
‫فيكتب من خاطره‪ ،‬وكان يكتب مثل السيل إذا انحدر‪ ،‬فإذا ك َّل القلم رمى به‪،‬‬
‫وتناول غيره؛ لئال ينقطع عن التأليف ببري القلم‪ ،‬وروي عنه‪ :‬أنه دخل‬
‫الحمام مرة‪ ،‬وفي أثناء غسله عرضت له مسألة في النبض‪ ،‬فخرج فكتبها‪ ،‬ثم‬
‫عاد فأكمل غسله(‪.)1‬‬

‫ومن هذه الروايات التي سجلت حال ابن النفيس عند الكتابة‪ ،‬واستغراقه في‬
‫التأليف يستنبط العالمة (عبد الفتاح أبو غدة الحلبي‪ ،‬المتوفى عام ‪1417‬هـ)‬
‫شاهدا ودليال على قيمة الزمن عند علمائنا األوائل‪ ،‬ومدى حرصهم على‬
‫حفظ األوقات فقال‪ ":‬ومن العلماء الكبار‪ ،‬واألطباء َّ‬
‫النبغة األخيار‪ ،‬الذين‬
‫حافظوا على الوقت واللحظات‪ ،‬وحرصوا على تسجيل األفكار والخطرات في‬
‫أغرب األوقات والساعات‪ :‬شيخ الطب في عصره ابن النفيس الدمشقي‪ ،‬ثُ َّم‬
‫المصري"(‪.)2‬‬
‫خامسا‪ :‬م َّ‬
‫ؤلفات ابن النفيس‪:‬‬ ‫ا‬
‫لقـ ــد أنـ ــتج االسـ ــتغراق فـ ــي التـ ــأليف ث ـ ـراء تصـ ــنيفيا عنـ ــد ابـ ــن النفـ ــيس فخَّل ـ ـف‬
‫طبـ ــع بعضـ ــها‪ ،‬والـ ــبعض اآلخـ ــر مـ ــا ي ـ ـزال مودع ـ ـا بخ ـ ـزائن‬
‫مصـ ــنفات كثي ـ ـرة‪ُ ،‬‬
‫المخطوطـ ــات‪ ،‬ومنهـ ــا مـ ــا هـ ــو فـ ــي عـ ــداد المفقـ ــود مـ ــن تراثنـ ــا‪ ،‬ومـ ــن مؤلفاتـ ــه‬
‫المطبوعة والمخطوطة‪:‬‬

‫(‪ )1‬راجع مسالك األبصار ‪ ،358 /9‬وروضات الجنات ‪ ،292/5‬وابن النفيس‪ ،‬بول‬
‫غليونجي ص ـ ‪94‬‬
‫(‪ )2‬قيمة الزمن عند العلماء ص ـ‪ ،73‬تأليف‪ :‬الشيخ عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬الطبعة‬
‫العاشرة‪ ،‬مكتب المطبوعات اإلسالمية‪ ،‬بدون‪.‬‬

‫‪743‬‬
‫‪1‬ـ كتاب الشامل في الطب‪ ،‬وهو كتاب ضخم‪ ،‬خطط ابن النفيس ألن يضعه‬
‫تم منه فقط ثمانون مجلدة‪ ،‬وقد جمع الدكتور يوسف‬
‫في ثالثمائة مجلدة‪َّ ،‬‬
‫طبع منه ثالثة أجزاء بالمجمع الثقافي‬
‫زيدان أجزاء الكتاب المخطوطة‪ ،‬و ُ‬
‫بـ(أبو ظبي) عام ‪2001‬م ‪.‬‬

‫‪2‬ـ كتاب المهذب في الكحل المجرب‪ ،‬وهو كتاب في أمراض العيون‬


‫طبع هذا الكتاب بتحقيق د‪/‬محمد ظافر الوفائي‪ ،‬ود‪/‬محمد‬
‫وعالجها‪ ،‬وقد ُ‬
‫رواس قلعجي‪ ،‬ونشرته المنظمة اإلسالمية للتربية والعلوم والثقافة ـ الرباط ـ‬
‫المغرب‪ ،‬عام ‪1980‬م‪.‬‬

‫‪3‬ـ كتاب موجز القانون في الطب‪ ،‬أو (الموجز في الطب)‪ ،‬وهو أشهر كتب‬
‫طبع أكثر من مرة؛ فقد طبعه المجلس‬
‫ابن النفيس الطبية‪ ،‬وأكثرها تداوال‪ ،‬وقد ُ‬
‫األعلى للشئون اإلسالمية طبعة محققة عام ‪1986‬م ‪ ،‬وأعاد طبعه مرة أخرى‬
‫عام ‪2019‬م‪.‬‬

‫‪4‬ـ كتاب شرح تشريح القانون البن سينا‪ ،‬وهو من أهم كتب ابن النفيس‬
‫الطبية‪ ،‬وقد نشر في القاهرة عام ‪1988‬م بتحقيق الدكتور سلمان قطاية‪،‬‬
‫وأعادت الهيئة العامة للكتاب طباعته عام ‪2007‬م‪ ،‬وفي هذا الكتاب يكشف‬
‫ابن النفيس عن استقالليته الفكرية‪ ،‬وذلك من خالل نقده لبعض آراء الطبيب‬
‫اليوناني(جالينوس‪ ،‬المتوفى عام ‪216‬م)‪ ،‬والشيخ الرئيس(ابن سينا)‪ ،‬وتبرز‬
‫قيمة هذا الكتاب في أن ابن النفيس وصف فيه الدورة الدموية‪ ،‬وهو‬
‫االكتشاف الذي حاز به قصب السبق في الطب‪.‬‬

‫كثير في بيان طريقة ابن النفيس في‬


‫ا‬ ‫وقد أفدت من هذا الكتاب وسابقيه‬
‫االستدالل على وجود هللا تعالي من خالل بيان العناية اإللهية في خلق‬
‫أعضاء اإلنسان‪.‬‬

‫‪744‬‬
‫‪5‬ـ كتاب المختار من األغذية‪ ،‬وهو كتاب يذكر فيه ابن النفيس منهجا جديدا‬
‫في التداوي والعالج‪ ،‬وهو العالج بالغذاء‪ ،‬وتوجد من هذا الكتاب نسخة‬
‫خطية بمدينة (برلين)‪.‬‬

‫‪6‬ـ شرح فصول (أبقراط)‪ ،‬وتوجد منه مخطوطة بدار الكتب المصرية برقم‬
‫‪ 565‬طب‪.‬‬

‫طبع بإيران عام ‪1881‬م ‪.‬‬


‫‪7‬ـ شرح مبادئ (أبقراط)‪ ،‬وله نسخ خطية كثيرة‪ ،‬و ُ‬
‫‪8‬ـ شرح تقدمة المعرفة لـ(أبقراط)‪ ،‬ونسخته الخطية بدار الكتب رقمها ‪496‬‬
‫طب‪.‬‬

‫طبع هذا الكتاب بالمجلس األعلى للشئون‬


‫‪9‬ـ الرسالة الكاملية‪ ،‬وقد ُ‬
‫اإلسالمية‪ ،‬عام ‪1987‬م‪ ،‬وفي هذا الكتاب عرض ألهم قضايا الفلسفة‬
‫اإللهية عند ابن النفيس‪ :‬كمعرفة هللا‪ ،‬والمعاد‪ ،‬والنبوات‪ ،‬وقد اعتمدت علىه‬
‫في توثيق ودراسة آراء ابن النفيس الفلسفية‪.‬‬

‫طبع بالجزائر‪ ،‬دار البالغ‪ ،‬عام‬


‫‪10‬ـ المختصر في أصول الحديث‪ ،‬وقد ُ‬
‫‪2001‬م ‪ ،‬بتحقيق أ‪.‬د‪/‬عمار طالبي‪.‬‬

‫طبع بتونس‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬عام‬


‫‪11‬ـ شرح الوريقات في المنطق‪ ،‬وقد ُ‬
‫‪2009‬م‪ ،‬بتحقيق‪ :‬أ‪.‬د‪/‬عمار طالبي ـ د‪/‬فريد زيداني ـ د‪/‬فؤاد مليت‪ ،‬وقد‬
‫أفدت من هذا الكتاب في بيان أسس منهج ابن النفيس الفلسفي‪.‬‬

‫‪745‬‬
‫ومن مؤلفاته المفقودة‪ :‬طريق الفصاحة في النحو ـ شرح جزء من التنبيه‬
‫للشيرازي في الفقه الشافعي ـ كتاب الوريقات في المنطق ـ كتاب شرح‬
‫اإلشارات والتنبيهات ـ كتاب شرح الهداية في الحكمة (‪.)1‬‬

‫سادسا‪ :‬وفاته ‪:‬‬


‫ا‬
‫مرض ابن النفيس مرضا شديدا‪ ،‬فأشار عليه بعض أصحابه األطباء أن‬
‫يتناول شيئا من الخمر؛ لما أروا أن ذلك صالحا إلبراء علته‪ ،‬فأبي وقال‪( :‬ال‬
‫شيء من الخمر)‪ ،‬فمات في ذلك المرض‪ ،‬وكان ذلك‬ ‫ٌ‬ ‫ألقى هللا وفي جوفي‬
‫في سحر يوم الجمعة‪ ،‬الحادي والعشرين من شهر ذي القعدة‪ ،‬عام ‪687‬هـ‪،‬‬
‫دار فخمة‪ ،‬وماال كثيرا‪ ،‬وكتبا كثيرة‪ ،‬وكان قد أوقف ذلك كله‬
‫خلف ا‬‫وبعد موته َّ‬
‫على البيمارستان المنصوري بالقاهرة (‪. )2‬‬

‫وبعد هذه النبذة عن عصر ابن النفيس‪ ،‬وعن شخصيته العلمية ننتقل إلى‬
‫المقصد األهم من هذا البحث‪ ،‬وهو الفلسفة اإللهية عند ابن النفيس في‬
‫جانبيها‪ :‬النظري‪ ،‬والتطبيقي‪.‬‬

‫(‪ )1‬راجع ‪ :‬تقدمة أد‪ /‬عمار طالبي لتحقيق كتاب شرح الوريقات البن النفيس‬
‫الصفحة (ب) وما بعدها من مقدمة التحقيق ‪ ،‬ومقدمة عبد المنعم محمد عمر لتحقيق‬
‫كتاب الرسالة الكاملية في السيرة النبوية البن النفيس ص ـ ‪ ،59‬وكتاب بول غليونجي عن‬
‫ابن النفيس ص ـ ‪ 99‬ـ ‪.108‬‬
‫(‪ )2‬راجع مسالك األبصار ‪ ،358/9‬وطبقات الشافعية البن قاضي شهبة ‪.286/2‬‬

‫‪746‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أسس المنهج الفلسفي عند ابن النفيس‬

‫قبل الدراسة التفصيلية للفلسفة اإللهية عند ابن النفيس البد من تحديد أهم‬
‫األسس المنهجية التي سار عليها في معالجته لقضايا الفلسفة اإللهية‪ ،‬ولكن‬
‫قبل هذا يجب تحديد مفهوم المنهج تحديدا يتبين من خالله أهم سمات‬
‫المنهج العلمي‪ ،‬فأقول‪:‬‬
‫بالرجوع إلى معاجم اللغة العربية نجد أن كلمة منهج تُجمع على مناهج‪،‬‬
‫اج‪ ،‬والمعنى فى الكل‪ :‬الطريق الواضح المستقيم الذى‬ ‫ويقال فيه‪ :‬نه ٌج ومنه ٌ‬
‫ال اعوجاج فيه‪ ،‬وفى التنزيل العزيز قوله تعالى‪ ﴿ :‬لِ ُك ٍّل َج َعْلَنا ِم ُ‬
‫نك ْم ِشْر َع اة‬
‫اجا﴾ [المائدة من اآلية‪. )1( ]48 :‬‬‫َو ِمْن َه ا‬
‫والمنهج العلمي اصطالحا هو‪ :‬الطريق الواضح‪ ،‬والسبيل المستقيم فى‬
‫التعبير عن شيء‪ ،‬أو فى تعليم شيء‪ ،‬طبقا لمبادئ معينة‪ ،‬وبنظا ٍم معين‪،‬‬
‫وبقصد الوصول إلى غاية معينة (‪.)2‬‬
‫أو هو‪ :‬الطريقة الواضحة اآلمنة التى تضمن لسالكها الوصول إلى الحق‪،‬‬
‫بحيث ال يضل فى السعى إليه بين السبل المتشعبة‪ ،‬وال يلتبس عليه الحق‬
‫بالباطل(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬راجع لسان العرب‪ ،‬تأليف‪ :‬جمال الدين بن منظور‪ ،‬مادة (نهج) ‪ ،365/7‬طبعة‬
‫الهيئة العامة للكتاب‪.‬‬
‫(‪ )2‬راجع‪ :‬المعجم الفلسفي‪ ،‬د‪/‬جميل صليبا ‪ ،435/2‬ط دار الكتاب اللبناني‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة األولى عام ‪1982‬م‪ ،‬والمعجم الفلسفى‪ ،‬د‪/‬مراد وهبة ص ـ‪ ، 713‬ط‬
‫الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬عام ‪2016‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬راجع‪ :‬السلفية مرحلة زمنية مباركة ال مذهب إسالمى للدكتور‪/‬محمد سعيد‬
‫رمضان البوطى (رحمه هللا) ص ـ ‪ ،60‬ط أولى ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق ‪1988 ،‬م‪.‬‬

‫‪747‬‬
‫ف من‬‫ومن خالل مفهوم المنهج العلمي نلحظ أنه ال ُيخترع‪ ،‬وإنما ُيكتش ُ‬
‫خالل المتابعة والرصد لألفكار‪ ،‬كما أنه هوالعمود الفقري للمذهب الفلسفي‬
‫خاصة؛ إذ إن المنهج هو القواعد النظرية التي ترسم خطى الفيلسوف‪،‬‬
‫وتكشف عن طريقة تعامله مع مشكالت الفلسفة‪ ،‬ومعالجته لقضاياها‪،‬‬
‫ومنهجه في االستدالل‪ ،‬واألدلة المعتمدة عنده‪.‬‬

‫بناء على ماسبق يمكننا تلخيص أسس منهج ابن النفيس الفلسفي‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل القراءة المتأنية لما وصلنا من كتابات ابن النفيس في الفلسفة اإللهية‪،‬‬
‫وما يتصل بها من كتاباته األخرى‪ ،‬وفيما يلي بيان لهذه األسس ‪:‬‬

‫األساس األول‪ :‬بناء ابن النفيس مذهبه الفلسفي على البرهان العقلي‪.‬‬

‫من خالل معالجات ابن النفيس لبعض قضايا الفلسفة اإللهية يمكن القول‬
‫بأن حديث ابن النفيس عن ما يمكن أن يكون موضوعا للفلسفة اإللهية يقع‬
‫في قسمين‪:‬‬

‫األول‪ :‬ما ال يمكن التوصل إليه بالعقل‪ :‬كالتفاصيل المتعلقة باليوم اآلخر ـ‬
‫مثال ـ ‪ ،‬وهذا القسم يعتمد فيه على األدلة السمعية‪ ،‬مع تدعيم ذلك بشواهد‬
‫عقلية‪ ،‬وقضايا هذا القسم ال تُعد ـ عند ابن النفيس ـ من الفلسفة اإللهية‪ ،‬بل‬
‫هي من الفروع العقدية‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬ما يمكن التوصل إليه باألدلة العقلية‪ :‬كإثبات الصانع‪ ،‬ومعرفة‬
‫صفاته المتعلقة بالخلق والتدبير‪ :‬كالعلم‪ ،‬واإلرادة‪ ،‬والقدرة‪ ،‬وإثبات أصل‬
‫المعاد‪ ،‬وإثبات النبوات‪ ،‬وهذا النوع هو المباحث الرئيسية للفلسفة اإللهية‪.‬‬

‫وقد اعتمد ابن النفيس في استدالله على هذه القضايا على البرهان العقلي؛‬
‫ألنه هو المفيد لليقين‪ ،‬وإليه ترجع األدلة النقلية؛ فهي ال تفيد اليقين إال إذا‬

‫‪748‬‬
‫اشتملت على مقدمة برهانية‪ ،‬والبرهان العقلي قسم من األدلة العقلية التي‬
‫تنقسم إلى قسمين‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ دليل برهاني‪ :‬وهو قياس عقلي‪ ،‬يقيني المقدمات واإلنتاج‪ ،‬والغرض منه‬
‫إفادة الحق؛ ولذا يعتمد عليه ابن النفيس في استدالله على قضايا الفلسفة‬
‫اإللهية‪ ،‬ومثاله‪ :‬العالم حادث‪ ،‬وكل حادث له محدث ليس من جنسه ‪ ،‬ينتج‬
‫‪ :‬العالم له محدث ليس من جنسه‪ ،‬وهو هللا تعالى (‪.)1‬‬

‫‪ 2‬ـ دليل جدلي‪ :‬وهو القياس المؤلف من مقدمات مشهورة بغرض اإللزام ؛‬
‫ولذا فاألقيسة الجدلية ال تنفع في الفلسفة اإللهية؛ ألنها ال تفيد معرفة الحق‪،‬‬
‫بل قد تفيد غلبة الخصم عندما تكون الغلبة مقصودة لذاتها (‪.)2‬‬

‫المدركات الحسية من مواد الدليل العقلي‪:‬‬

‫تعظيم ابن النفيس لدور البرهان العقلي في االستدالل على قضايا الفلسفة‬
‫اإللهية ال يعني إهمال دور المدركات الحسية في هذا االستدالل؛ إذ إن‬
‫البرهان العقلي ـ عند ابن النفيس ـ يتألف من مواد أولية يقينية‪ ،‬ومنها‬
‫المحسوسات‪ ،‬وهي مدركات الحواس الظاهرة والباطنة‪ ،‬والحواس الظاهرة‬
‫والباطنة ـ عنده ـ هي إحدى الروافد التي ت ُمد العقل بمادة أولية للمعرفة‪ ،‬والتي‬
‫دور مهما في المعارف‬ ‫يركب منها العقل أدلته وقضاياه‪ ،‬كما أنها تلعب ا‬
‫العقلية؛ حيث إنها تقوم بدور الناقل للمدركات الحسية إلى لغة يفهمها العقل؛‬
‫ولذا جعل ابن النفيس المحسوسات من مواد البرهان‪ ،‬فقال‪":‬وأما المحسوسات‬

‫(‪ )1‬راجع‪ :‬شرح الوريقات ص ـ ‪262‬‬


‫(‪ )2‬راجع شرح الوريقات ص ـ ‪304‬‬

‫‪749‬‬
‫فهي قضايا أوقع التصديق بها مشاهدة الحس لكثير من جزئياتها‪ :‬كعلمنا أن‬
‫الثلج أبيض‪ ،‬وأن النار حارة" (‪.)1‬‬

‫كذلك‪ :‬جعل ما ُيدرك بالحس الباطن‪ ،‬المسمى بــ(الوجدانيات) أيضا‪ ،‬من‬


‫مواد األدلة البرهانية‪ ،‬فقال‪":‬الوجدانيات هي‪ :‬القضايا التي أوقع الجزم بها قوة‬
‫أخرى غير الحس‪ :‬كعلمنا أن لنا غضبا ولذة‪ ،‬و َّأنا نشعر بذواتنا وأفعالها" (‪.)2‬‬

‫وتتضح قيمة المدركات الحسية ودورها في بناء البرهان العقلي عند ابن‬
‫النفيس من خالل بعض األدلة التي تكون المدركات الحسية من مقدماتها‪:‬‬
‫كداللة العناية واإلتقان على وجود هللا ـ تعالى ـ‪ ،‬وعلمه‪ ،‬وإرادته وقدرته؛ ففي‬
‫هذا الدليل تتعاضد مدركات الحواس مع المبادئ العقلية لينتهي الناظر إلى‬
‫الجزم بوجود الخالق ـ تبارك وتعالى ـ ‪ ،‬فعن طريق الحواس ندرك اختالف‬
‫ألوان الثمار‪ ،‬وأشكالها‪ ،‬وطعومها‪ ،‬وبقية خواصها‪ ،‬مع أنها تنبت في أرض‬
‫احد‪ ،‬وفي هذا داللة على وجود هللا ‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬وِفي‬ ‫بماء و ٍ‬
‫واحدة‪ ،‬وتُسقى ٍ‬

‫يل ِصْن َو ٌ‬
‫ان َو َغ ْيُر‬ ‫اب وَزر ٌ ِ‬
‫ع َوَنخ ٌ‬ ‫َعَن ٍّ َ ْ‬
‫ات وجَّن ٌ ِ‬
‫ات م ْن أ ْ‬ ‫اوَر ٌ َ َ‬ ‫ض ِق َ‬
‫ط ٌع ُّم َت َج ِ‬ ‫ْاأل َْر ِ‬

‫(‪ )1‬شرح الوريقات ص ـ ‪.251‬‬


‫ويطل ُق الباقالني على الوجدانيات اسم (الضرب‬ ‫(‪ )2‬شرح الوريقات ص ـ ‪ُ ،252‬‬
‫ويعرٌفها بأنها هي‪" :‬ضرورة تُخترعُ في النفس ابتداء‪ ،‬من‬
‫السادس)‪ ،‬أو (الحاسة السادسة)‪ُ ،‬‬
‫غير أن تكون موجودة ببعض هذه الحواس‪ :‬كعلم اإلنسان بنفسه‪ ،‬وما يجده فيها من‬
‫الصحة والسقم‪ ،‬واللذة واأللم‪ ،‬وغيرها"‪.‬‬
‫تمهيد األوائل وتلخيص الدالئل للقاضي الباقالني ص ـ‪ ،30‬طبعة مؤسسة الكتب‬
‫الثقافية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ثانية‪ ،‬عام ‪2016‬م‪ ،‬وراجع حاشية الشيخ زكريا األنصاري على شرح‬
‫العقائد النسفية ص ـ‪.165‬‬

‫‪750‬‬
‫ُك ِل ِإ َّن ِفي َٰذلِ َك‬
‫ض ِفي ْاأل ُ‬
‫اح ٍّد َوُن َف ِض ُل َب ْع َض َها َعَل ٰى َب ْع ٍّ‬
‫اء و ِ‬ ‫ِصْن َو ٍّ‬
‫ان ُي ْسَق ٰى ِب َم ٍّ َ‬
‫ات لَِق ْو ٍّم َي ْع ِقُلو َن﴾[الرعد آية ‪]4‬‬ ‫َآلَي ٍّ‬

‫قياس التمثيل ودًللته عند ابن النفيس‪:‬‬

‫ومن فروع الدليل العقلي ـ عند ابن النفيس ـ ‪ :‬قياس التمثيل‪ ،‬وهو‪ :‬نقل مثل‬

‫حكم صورة إلى صورة أخرى تشاركها في معنى‪ُ ،‬‬


‫ويسمى المنقول حكما‪،‬‬
‫والمنقول منه أصال‪ ،‬والمنقول إليه فرعا‪ ،‬وما يشتركان فيه ُيسمى معنى‬
‫وعلة‪.‬‬

‫ومن صور هذا القياس عنده‪ :‬إلحاق الغائب بالشاهد(‪ ،)1‬وقد اعتمد أئمة‬
‫األشاعرة المتقدمين على هذا القياس في إثبات العلم بصفات هللا تعالى‪،‬‬
‫ولكنهم اشترطوا إلجراء هذا القياس وجود جامع بين الطرفين‪ :‬كالعلة‪،‬‬
‫والدليل‪ ،‬والحقيقة‪ ،‬والشرط(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬راجع شرح الوريقات ص ـ ‪234‬‬


‫(‪ )2‬أجرى اإلمام أبو الحسن األشعري قياس الغائب على الشاهد بجامع الدليل؛ فإذا‬
‫داال على ثبوت نفس الوصف للغائب‪ ،‬بينما‬ ‫ٍ‬
‫وصف ما في الشاهد كان َّ‬ ‫دل الدليل على‬
‫َّ‬
‫جعل القاضى الباقالني الجامع بين الغائب والشاهد هو هو العلة‪ ،‬فإذا كان الحكم معلال‬
‫بعلة في الشاهد كان معلال بنفس العلة في الغائب‪ ،‬ومن بعد الشيخ والقاضي جاء إمام‬
‫ٍ‬
‫بشكل أكمل؛ فجعل الجوامع بين‬ ‫الحرمين الجويني فقرر القول بقياس الغائب على الشاهد‬
‫الطرفين أربعة‪ ،‬وهي‪ :‬الحقيقة‪ ،‬والدليل‪ ،‬والشرط‪ ،‬والعلة‪.‬‬
‫راجع اللمع للشيخ أبي الحسن األشعري ص ـ‪ ،26‬تحقيق‪ :‬د‪ /‬حمودة ُغرابة‪ ،‬طبع ونشر‬
‫المكتبة األزهرية للتراث‪ ،‬بدون ‪ ،‬و التمهيد في الرد على الملحدة المعطلة والرافضة‬
‫والخوارج والمعتزلة للباقالني ص ـ‪ ،38‬تحقيق‪ :‬د‪/‬محمود محمد الخضيري ـ د‪ /‬محمد عبد‬
‫الهادي أبو ريدة ‪ ،‬ط دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون‪ ،‬واإلرشاد ص ـ ‪.38‬‬

‫‪751‬‬
‫وأما متأخرو األشعرية‪ :‬فلم يلق قياس الغائب على الشاهد قبوال عند أكثرهم؛‬
‫فقد َّ‬
‫رده اإلمام (الشهرستاني‪ ،‬المتوفى عام ‪548‬هـ)‪ ،‬وانتقد الجوامع التي‬
‫ذكرها المتقدمون‪ ،‬وبيَّن أنها غير كافية إللحاق الغائب بالشاهد‪ ،‬كما َّ‬
‫رده‬
‫اإلمام (سيف الدين اآلمدي‪ ،‬المتوفى عام‪631‬هـ) لقيام الفرق المانع من‬
‫القياس بين الغائب والشاهد‪ ،‬وكذلك َّ‬
‫رده (ابن التلمساني‪ ،‬المتوفى عام‬
‫‪658‬هـ) القتضائه المشابهة بين هللا وبين خلقه(‪.)1‬‬

‫أما ابن النفيس‪ :‬فيرى أن قياس التمثيل من األدلة العقلية المفيدة للظن؛ إذ‬
‫ال يلزم من اشتراك شيئين في شيء ما اشتراكهما في شيء آخر‪ ،‬ومن ث َّم فال‬
‫يمكن االعتماد عليه في الفلسفة اإللهية؛ لقيام الفرق بين الشاهد والغائب‬
‫المانع من اشتركهما في جميع األحكام‪ ،‬وإنما ُيعمل به في الفروع بشرط‬
‫وجود علة مشتركة بين األصل والفرع (‪.)2‬‬

‫األساس الثاني‪ :‬تعضيد ابن النفيس مذهبه الفلسفي باألدلة النقلية‪.‬‬

‫مما سبق نعلم أن ابن النفيس يعتمد على البرهان العقلي في معالجته لقضايا‬
‫الفلسفة اإللهية؛ إلفادته اليقين‪ ،‬ولكن ماذا عن األدلة السمعية عنده؟ هل تفيد‬

‫(‪ )1‬راجع نهاية اإلقدام ص ـ ‪ ،182‬وغاية المرام ص ـ‪ ، 31‬تحقيق‪ :‬أ‪.‬د‪ /‬حسن‬


‫الشافعي‪ ،‬طبعة المجلس األعلى للشئون اإلسالمية‪ ،‬و شرح معالم أصول الدين البن‬
‫التلمساني ص ـ ‪. 300‬‬
‫(‪ )2‬راجع شرح الوريقات ص ـ ‪ 234‬ـ ‪ ، 237‬وقارن أبكار األفكار لإلمام سيف الدين‬
‫اآلمدي ‪ ، 210/1‬تحقيق‪ :‬أد‪ /‬أحمد المهدي‪ ،‬ط دار الكتب والوثائق القومية‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪ ،‬عام ‪2004‬م‪.‬‬

‫‪752‬‬
‫اليقين؟ وما دورها في الفلسفة اإللهية ؟ وهذا ما ستجيب عنه الصفحات‬
‫التالية‪:‬‬

‫أواًل‪ :‬مفهوم الدليل السمعي عند ابن النفيس‪:‬‬

‫ف ابن النفيس الدليل السمعي بأنه هو‪ :‬ما كانت إحدي مقدماته سمعية‪،‬‬
‫ُيعر ُ‬
‫واجبة الصدق‪ ،‬وهي إما أن تكون من القرآن الكريم‪ ،‬أو من أخبار َّ‬
‫النبي ـ‬
‫صلى هللا عليه وسلم ـ‪ ،‬والدليل السمعي ال يمكن أن تكون كل مقدماته‬
‫الب َّد أن تكون إحدى مقدماته عقلية‪ ،‬وإال لزم الدور؛ ألن العلم‬
‫سمعية‪ ،‬بل ُ‬
‫بصحة الدليل السمعي يتوقف على العلم بصدق النبي‪ ،‬والعلم بصدق النبي‬
‫يتوقف على الدليل السمعي (‪.)1‬‬

‫ويرى ابن النفيس أن البرهان العقلي أشرف من الدليل النقلي؛ وذلك لضرورة‬
‫مفتقر إلى البرهان‬
‫ا‬ ‫انتهاء الدليل النقلي إلى برهان عقلي‪ ،‬فيكون الدليل النقلي‬
‫العقلي‪.‬‬

‫(‪ )1‬راجع شرح الوريقات ‪ ،‬ص ـ ‪ ،259‬و رفع الحاجب بشرح مختصر ابن الحاجب‬
‫‪ ،467/1‬تأليف‪ :‬تاج الدين السبكي‪ ،‬طبعة عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون‪.‬‬
‫وبالتأمل في كالم ابن النفيس وقوله بوجوب انتهاء الدليل السمعي إلى الدليل العقلي‬
‫نلحظ بعض التشابه بين رأيه هذا وبين مذهب المعتزلة في الموجب للنظر والمعرفة؛‬
‫فجمهور المعتزلة على أن النظر واجب عقال‪ ،‬ألنه لو كان واجبا بالشرع لزم الدور ‪ .‬راجع‬
‫المغني في أبواب التوحيد والعدل ـ جزء النظر والمعارف ‪ ،352/12‬تأليف‪ :‬القاضي عبد‬
‫الجبار بن أحمد الهمداني المعتزلي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪/‬إبراهيم بيومي مدكور‪ ،‬إشراف‪ :‬د‪ /‬طه‬
‫حسين‪ ،‬طبعة المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر ‪.‬‬

‫‪753‬‬
‫يقول ابن النفيس‪":‬فإذا البرهان السمعي موقوف في إفادته اليقين على العقلي‪،‬‬
‫والعقلي ال يتوقف في ذلك على السمعي‪ ،‬فيكون البرهان العقلي أشرف‪ ،‬لكن‬
‫الطريق إليه أعسر" (‪.)1‬‬

‫وقول ابن النفيس بأن الدليل العقلي أشرف من الدليل النقلي مبني على أن‬
‫مفتقر إلى الدليل العقلي دائما‪ ،‬وهذا ليس ُمسَّلما عند جمهور‬
‫ٌ‬ ‫الدليل النقلي‬
‫األصوليين؛ فإن أكثرهم على أن كالهما يفتقر إلى اآلخر ‪.‬‬

‫يقول اإلمام أبو إسحاق الشاطبي بعد تقسيمه لألدلة إلى نقلية وعقلية‪":‬فكل‬
‫مفتقر إلى اآلخر؛ ألن االستدالل بالمنقول البد فيه من‬ ‫حد من الضربين‬ ‫وا ٍ‬
‫ٌ‬
‫النظر‪ ،‬كما أن الرأي ال يعتبر شرعا إال إذا استند إلى النقل"(‪.)2‬‬

‫ثانيا‪ :‬ما يفيده الدليل السمعي عند ابن النفيس‪:‬‬


‫ا‬
‫قول ابن النفيس بأن البرهان العقلي أشرف من األدلة النقلية‪ ،‬ومن ث َّم ُي َّ‬
‫قدم‬
‫عليها يدعونا إلى بحث قضية مهمة‪ ،‬وهي‪ :‬رأي ابن النفيس في ما تفيده‬
‫األدلة النقلية؛ لنتمكن ـ بعد ذلك ـ من تحديد دور األدلة النقلية في فلسفته‪.‬‬

‫وفي هذه القضية يرى ابن النفيس أن الدليل الذي يصح االعتماد عليه في‬
‫الفلسفة اإللهية البد أن يكون قطعي الداللة‪ ،‬واألدلة السمعية ليست كذلك‪،‬‬
‫وبيان ذلك ‪ :‬أن األدلة السمعية تنحصر في األنواع التالية‪:‬‬

‫(‪ )1‬شرح الوريقات ‪ ،‬ص ـ ‪. 259‬‬


‫(‪ )2‬الموافقات في أصول الشريعة ألبي إسحاق الشاطبي ‪ ،31/3‬طبعة الهيئة العامة‬
‫للكتاب‪ ،‬عام ‪2006‬م‪.‬‬

‫‪754‬‬
‫النوع األول‪ :‬آيات القرآن الكريم‪ :‬وما يتصل منها بالفلسفة اإللهية قليل‪،‬‬
‫وقابل للتأويل؛ فال يفيد الجزم‪ ،‬وال ُيعتمد عليه وحده في االستدالل على‬
‫قضايا الفلسفة اإللهية‪.‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬الخبر المتواتر ‪ :‬المتواتر من األخبار‪ :‬هو الخبر الذي اتصل‬
‫بنا من رسول هللا ـ صلى هللا عليه وسلم ـ حتى يصير كالمعاين المسموع‪،‬‬
‫جمع عن جم ٍع‪ ،‬وكان العقل والعادة يحيالن‬
‫وذلك بأن يؤديه في كل طبقاته ٌ‬
‫اتفاقهم على الكذب لكثرتهم‪ ،‬وعدالتهم‪ ،‬وتباين أماكنهم‪ ،‬ويدوم هذا الحد‪،‬‬
‫فيكون أخره وأوسطه كطرفيه(‪.)1‬‬

‫والخبر المتواتر عند ابن النفيس ـ بشروطه (‪)2‬ـ يفيد القطع والعلم اليقيني‬
‫بالضرورة؛ الشتراك كل الناس في العلم بذلك‪ ،‬سواء منهم من كان أهال‬
‫للنظر‪ ،‬ومن ليس أهال للنظر‪ ،‬ويقرر ذلك بقوله‪" :‬والحق ـ وهو رأي الجمهور‬
‫ـ أنه يفيد العلم مطلقا‪ ،‬وأن ذلك العلم ضروري؛ ولذلك فإنا لسنا نشك وال‬
‫نرتاب في وجود أصبهان‪ ،‬وامرئ القيس الشاعر‪ ،‬وإن كنا لم نشاهد ذلك‪ ،‬بل‬
‫استفدنا العلم به من كثرة المخبرين‪ ،‬حتى علمنا أن مثل هؤالء ال يمكن‬
‫توافقهم على الكذب‪ ،‬ولوال أن هذا العلم ضروري لتوقف حصوله على النظر‪،‬‬
‫فكان إنما يحصل ألهل النظر واالستدالل فقط‪ ،‬وليس كذلك " (‪. )3‬‬

‫(‪ )1‬راجع ‪ :‬اإلبهاج بشرح المنهاج ‪ ،313/2‬ونظم المتناثر من الحديث المتواتر‬


‫صـ ـ‪ ،10‬تأليف‪ :‬محمد بن جعفر الكتاني المتوفى عام ‪ 1345‬هـ ‪ ،‬طبعة دار الكتب‬
‫السلفية بمصر‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫فصل ابن النفيس شروط الخبر المتواتر في المختصر في أصول علم الحديث‬
‫(‪َّ )2‬‬
‫صـ ‪ 580‬ـ ‪.583‬‬
‫(‪ )3‬المختصر في أصول علم الحديث ص ـ ‪. 580‬‬

‫‪755‬‬
‫ومع قول ابن النفيس بإفادة الخبر المتواتر للعلم القطعي إال أنه قلل من‬
‫االعتماد عليه في الفلسفة اإللهية؛ وذلك ألمرين‪:‬‬

‫أولهما‪ :‬قلة األخبار المتواترة ال سيما ما يتعلق منها بالفلسفة اإللهية‪.‬‬

‫ثانيهما‪ :‬أن األخبار المتواترة ـ وإن كانت قطعية الثبوت ـ إال أنها ظنية‬
‫الداللة؛ ألن القطع بها يتوقف علي العلم بمعاني اللغة‪ ،‬وصحة النحو‪،‬‬
‫والتصريف‪ ،‬ويتوقف ـ أيضا ـ على العلم بعدم اشتمالها على االشتراك‪،‬‬
‫أوالمجاز‪ ،‬أواإلضمار‪ ،‬أوالتخصيص‪ ،‬أو االستعارة‪ ،‬أوالحذف‪ ،‬وذلك مما يبعد‬
‫الوصول إليه‪ ،‬ومع عدم العلم بذلك ال يحصل اليقين من هذه األخبار (‪. )1‬‬

‫عرفه ابن النفيس بأنه‪:‬‬


‫النوع الثالث‪ :‬اإلجماع ‪ :‬وهو من األدلة النقلية‪ ،‬وقد َّ‬
‫هو ما يتفق عليه أهل الملة‪ ،‬أو العلماء من جملتهم‪ :‬كأئمة الشرع‪ ،‬أو‬
‫أي‬
‫الصحابة ـ رضوان هللا عليهم ـ أو قاله أحدهم‪ ،‬ولم ُيعرف من الثاني ر ٌ‬
‫مخالف(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬شرح الوريقات في المنطق البن النفيس ص ـ ‪ ،260‬وممن ذهب إلى القول بأن‬
‫الدليل السمعي ال يفيد اليقين لتوقفه على هذه المقدمات اإلمام فخر الدين الرازي‪ ،‬واإلمام‬
‫أبو إسحاق الشاطبي‪ ،‬ومع ميلهما إلى عدم إفادة الدليل النقلي لليقين إال أنهما لم يستبعدا‬
‫إفادة األدلة النقلية لليقين في حالة اقترانها بقرائن حالية‪ ،‬أو مقالية‪ ،‬تجعلها مفيدة لليقين‪،‬‬
‫نادر أو متعذرا‪ .‬راجع األربعين للرازي ‪251/2‬ـ ‪ ،254‬والموافقات‬
‫وإن كان ذلك االقتران ا‬
‫في أصول الشريعة ألبي إسحاق الشاطبي ‪.26/1‬‬
‫(‪ )2‬راجع شرح الوريقات ص ـ ‪. 233‬‬

‫‪756‬‬
‫وقد تجاوز ابن النفيس المعضلة التي وجدها المنكرون لإلجماع‪ ،‬وهي القول‬
‫بعدم إمكان اإلجماع(‪ ،)1‬فقال بأن اإلجماع ممكن‪ ،‬وهو من األدلة المفيدة‬
‫لليقين‪ ،‬وأحال تفصيل ذلك على كتبه األصولية(‪ ،)2‬فقال‪ ":‬وأما خبر مجموع‬
‫المسلمين‪ :‬فقد علمنا وجوب صدقه من قول هللا تعالى‪ ،‬وقول رسوله‪ ،‬على ما‬
‫بيناه في كتبنا األصولية"(‪.)3‬‬

‫ول ِمن‬‫الر ُس َ‬
‫ق َّ‬ ‫وأقوي األدلة على حجية اإلجماع‪ :‬قوله تعالى‪﴿:‬ومن ي َش ِ‬
‫اق ِ‬ ‫ََ ُ‬
‫يل اْلم ْؤ ِم ِنين ُنولِ ِه ما َتوَّلى وُنصِلهِ‬
‫َب ْع ِد ما َتَبَّي َن َل ُه اْل ُه َد ٰى َوَي َّت ِب ْع َغ ْيَر س ِب ِ‬
‫َ َ َ َ ٰ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اء ْت َمص ايرا﴾ [النساء آية ‪.]115‬‬ ‫َج َهَّن َم َو َس َ‬
‫ومع قول ابن النفيس بإفادة اإلجماع لليقين إال أنه قصره على الفروع‪ ،‬ولم‬
‫يعتمد عليه في الفلسفة اإللهية‪ ،‬فقال بعد تعريفه‪":‬وهذا إنما يكون في المسائل‬
‫الظنية‪ ،‬أما التي ُيطلب فيها الجزم‪ :‬كحدوث العالم‪ ،‬ووحدة الصانع‪ ،‬فال‬
‫ُيعتمد فيها على اإلجماع"(‪. )4‬‬

‫(‪ )1‬ذهب قوم إلى أن اإلجماع محال؛ ألنه كإجماع الناس على مأكول واحد‪ ،‬وهذا‬
‫ممتنع عادة‪ ،‬وتمسك بعضهم بتعذر معرفة اإلجماع؛ لتفرق العلماء شرقا وغربا‪ ،‬إلى غير‬
‫ذلك من استبعادات ‪ ،‬وقد اعتنى علماء أهل السنة بالرد على مقاالتهم ‪ .‬راجع في تفصيل‬
‫هذه المسألة ‪ :‬البرهان إلمام الحرمين ‪ ،432/1‬والمحصول لإلمام الرازي ‪ ،21/4‬وأبكار‬
‫األفكار ‪ ،156/1‬واإلبهاج لتقي الدين السبكي‪ ،‬وولده تاج الدين ‪ 391/2‬ـ ‪ ، 392‬و رفع‬
‫الحاجب لتاج الدين السبكي ‪ ،141/2‬وشرح المواقف ‪.260/1‬‬
‫(‪ )2‬لم أقف على شيء يتعلق بكتب ابن النفيس المصنفة في أصول الفقه‪.‬‬
‫(‪ )3‬المختصر في أصول علم الحديث ص ـ ‪. 583‬‬
‫(‪ )4‬راجع شرح الوريقات ص ـ ‪233‬‬

‫‪757‬‬
‫النوع الرابع‪ :‬أخبار اآلحاد‪ :‬وهي ما لم يبلغ الناقلون لها من الكثرة إلى حد‬
‫تصير به متواترة‪ ،‬وال ُيقط ُع بصدقها‪ ،‬وال بكذبها‪ ،‬وأخبار اآلحاد ال يصح‬
‫االعتماد عليها في الفلسفة اإللهية عند ابن النفيس؛ ألنها ال تفيد اليقين؛ ألن‬
‫إفادتها لليقين تتوقف على الجزم بصدق الراوي‪ ،‬وال سبيل إلى ذلك(‪.)1‬‬

‫يقول ابن النفيس‪ ":‬أما ما ُيفتق ُر فيه إلى اليقين‪:‬كالعلم باهلل تعالى‪ ،‬وبصفاته؛‬
‫فإن ذلك ال يجوز العمل فيه بهذه األخبار؛ ألنها ال تفيد العلم‪ ،‬والظن في‬
‫ذلك غير جائز" (‪.)2‬‬

‫ويجيب ابن النفيس على من يعترض على رأيه السابق بأن النبي ـ صلى هللا‬
‫عليه وسلم ـ كان ُيرسل اآلحاد إلى األمصار لتبليغ شرعه بما فيه من عقائد‪،‬‬
‫وعبادات‪ ،‬وأخالق‪ ،‬فيقرر أن اآلحاد المبلغين عن رسول هللا ـ صلى هللا عليه‬
‫وسلم ـ لم يخل تبليغهم لقضايا العقيدة من اإلشارة إلى الدالئل العقلية‪ ،‬فإفادة‬
‫خبرهم لليقين إنما هو ألجل ذلك‪ ،‬ال لنفس اإلخبار (‪.)3‬‬

‫وقفة تحليلية نقدية ‪:‬‬

‫مما سبق نعلم أن ابن النفيس ال ي ُرد األدلة النقلية‪ ،‬وإنما يأخذ بها‪ ،‬بل هي‬
‫أصل فيما ال يستقل العقل بإدراكه‪ ،‬أما في الفلسفة اإللهية‪ :‬فدور األدلة‬
‫ٌ‬ ‫عنده‬
‫النقلية ـ على اختالف أنواعها ـ هو تعضيد وتأكيد مدركات العقول؛ ألنها ال‬
‫تفيد اليقين‪.‬‬

‫(‪ )1‬المختصر في أصول علم الحديث ص ـ ‪ ،587‬تأليف ‪ :‬أبي العالء بن النفيس‪،‬‬


‫تحقيق ‪ :‬أد‪ /‬عمار طالبي‪ ،‬وشرح الوريقات ص ـ ‪.260‬‬
‫(‪ )2‬المختصر في أصول علم الحديث ص ـ ‪.586‬‬
‫(‪ )3‬راجع المختصر في أصول علم الحديث ص ـ ‪. 587‬‬

‫‪758‬‬
‫وقول ابن النفيس بعدم إفادة األدلة النقلية لليقين في الفلسفة اإللهية مقيد‬
‫بأمرين‪:‬‬

‫أولهما‪ :‬إذا جردنا إليها النظر من حيث ذاتها ‪.‬‬

‫ثانيهما‪ :‬إذا لم تكن عائدة إلى برهان عقلي ‪.‬‬

‫أما إذا اقترنت بها قرائن حالية أو مقالية تدعمها‪ ،‬أو رجعت إلى برهان‬
‫عقلي‪ ،‬أو كانت صادرة ممن نقطع باستحالة الكذب عليه‪ :‬فال شك في‬
‫إفادتها لليقين‪.‬‬

‫وبهذا فإن خبر هللا تعالى معلوم الصدق؛ فإن من تعرف الصانع بصفاته‬
‫يحكم باستحالة الكذب عليه تعالى‪ ،‬وخبر رسوله ـ صلى هللا عليه وسلم ـ‬
‫صادق؛ لقيام الدليل القاطع على استحالة الكذب على األنبياء؛ إذ لو جاز‬
‫عليهم لم تكن لبعثتهم فائدة؛ "وذلك ألن فائدة الرسول تعريفنا باهلل تعالى‪،‬‬
‫وبالمعاد إليه‪ ،‬وبنعيم اآلخرة‪ ،‬وعذاب جهنم‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬ويتم ذلك بأن يكون‬
‫كالمه صادقا‪ ،‬فلو جاز أن يكذب لجاز أن يكون ما يخبر به من ذلك كله‬
‫كاذبا‪ ،‬وذلك ينافي الرسالة" (‪.)1‬‬

‫وبناء على ما سبق من عرض أنواع األدلة النقلية ورأي ابن النفيس فيما‬
‫قائل بعدم إفادة الدليل النقلي لليقين‪ ،‬وهذا الرأي هو‬
‫تفيده ننتهي إلى أنه ٌ‬
‫المقدمة التي انتهت به إلى القول بأن الدليل النقلي ال يصح أن يكون ُمؤسسا‬
‫لألدلة اليقينية التي ُيعتمد عليها في الفلسفة اإللهية‪ ،‬ودوره فيها يقتصر على‬
‫تعضيد البرهان العقلي‪.‬‬

‫(‪ )1‬المختصر في أصول علم الحديث ص ـ ‪. 583‬‬

‫‪759‬‬
‫وهذا الرأي فيه نظر؛ فمن خالل نصوص ابن النفيس السابقة التي صورت‬
‫رأيه في ما تفيده األدلة النقلية يمكن تسجيل الملحوظات التالية ‪:‬‬

‫أ ـ تناقض ابن النفيس في بعض التفاصيل؛ فهو يؤكد على إفادة اإلجماع‬
‫لليقين‪ ،‬وهذا اليقين ٍ‬
‫كاف في العلم بالعقائد وثبوتها‪ ،‬ومع ذلك يعود فيهدم ما‬
‫بناه‪ ،‬ويقرر أن اإلجماع ليس من األدلة المعتبرة في الفلسفة اإللهية‪ ،‬كذلك‪:‬‬
‫نفس التناقض وقع فيه من خالل اعترافه بإفادة بعض األدلة النقلية لليقين‬
‫كآيات القرآن الكريم‪ ،‬والسنة المتواترة‪ ،‬ومع ذلك لم يعتمد عليها في إثبات‬
‫قضايا الفلسفة اإللهية!‬

‫نعم‪ ،‬اعتمد ابن النفيس على الدليل السمعي فيما ال يستقل العقل بإدراكه‪،‬‬
‫كبعض الصفات اإللهية‪ :‬كالسمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬والكالم‪ ،‬ورؤية هللا تعالى‪،‬‬
‫وبعض تفاصيل مشاهد اآلخرة‪ ،‬لكن هذه المباحث ليست من الفلسفة اإللهية‪،‬‬
‫بل هي من فروع العقائد‪.‬‬

‫ب ـ مخالفته لمذهب جمهور المتكلمين واألصوليين؛ فإن أكثرهم على األخذ‬


‫بالخبر المتواتر وباإلجماع في العقائد(‪.)1‬‬

‫ج ـ عدم اعتماد ابن النفيس على األدلة النقلية في االستدالل على قضايا‬
‫العلم اإللهي يؤدي إلى تطرق الطعن في الدليل النقلي(‪.)2‬‬

‫د ـ األدلة النقلية قطعية الثبوت‪ :‬كالقرآن الكريم والسنة المتواترة لها مكانة‬
‫ٍ‬
‫مصدر مقطوع بصدقه‪ ،‬كما أن أمة النبي ـ صلى هللا‬ ‫رفيعة الستنادها إلى‬
‫عليه وسلم ـ معصومة من االجتماع على ضاللة‪ ،‬فكيف يقول ابن النفيس ـ‬

‫(‪ )1‬راجع شرح العقائد النسفية ‪12/1‬‬


‫(‪ )2‬راجع شرح معالم أصول الدين البن التلمساني ص ـ ‪.125‬‬

‫‪760‬‬
‫بعد كل هذا ـ ‪ :‬إنها ال تفيد اليقين‪ ،‬بينما يفيده البرهان العقلي‪ ،‬مع األخذ في‬
‫االعتبار أن العقول قاصرة‪ ،‬ومدركاتها محدودة‪ ،‬وقد تتخبط أو تضل‪ ،‬ورأيه‬
‫هذا يتشابه ـ إلى ٍ‬
‫حد كبيرـ مع المذهب االعتزالي القائم على الثقة الكاملة‬
‫بالعقل‪.‬‬

‫األساس الثالث‪ :‬تطبيق ابن النفيس نظرية تعاون العلوم‪:‬‬

‫يظهر أثر ابن سينا واضحا على منهج ابن النفيس الفلسفي من خالل تطبيقه‬
‫لنظرية تعاون العلوم في تأليف أدلته الفلسفية‪ ،‬وهذه النظرية هي إحدى‬
‫األسس المنهجية في فلسفة ابن سينا‪ ،‬والتي قرر من خاللها أن العلوم‬
‫تتعاون فيما بينها‪ ،‬فيصح أن يكون أحدها معينا لآلخر‪ ،‬فما هو مسألة في‬
‫عل ٍم يصلح أن يكون مقدمة في عل ٍم آخر(‪. )1‬‬

‫أما ابن النفيس‪ :‬فانطالقا من مبدأ توارد األدلة المختلفة في مصادرها على‬
‫مدلول واحد يؤسس نظريته في تعاون العلوم وتكاتفها في نقل البرهان على‬
‫المطالب المختلفة‪ ،‬وهذه النظرية ـ عند ابن النفيس ـ تعني‪ ":‬أن ما هو في‬
‫علم مسألة ُيجعل في علم آخر مبدأٌ‪ ،‬فالعلم الذي ذلك فيه مسألة ُمع ٌ‬
‫ين للعلم‬
‫الذي هو فيه مبدأ " (‪. )2‬‬

‫طبق ابن النفيس نظريته هذه تطبيقا عمليا؛ فاتخذ من علومه التجريبية‬
‫وقد َّ‬
‫مقدمات ألدلته على قضايا الفلسفة اإللهية؛ فقد اعتمد على علم التشريح في‬

‫(‪ )1‬راجع النجاة في المنطق واإللهيات ‪ ،93/1‬تأليف‪ :‬الشيخ الرئيس أبي على‬
‫الحسين بن سينا‪ ،‬تحقيق ‪ :‬د‪ /‬عبد الرحمن عميرة‪ ،‬طبعة دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬عام ‪1992‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬شرح الوريقات ص ـ ‪ ،287‬وقارن النجاة البن سينا ‪.93/1‬‬

‫‪761‬‬
‫تفصيل وجوه العناية والحكمة الدالة على وجود الخالق كما سيأتي تفصيله‬
‫في المبحث الثالث من هذه الدراسة‪.‬‬

‫كذلك‪ :‬كان يضرب أمثلة طبية على بعض المطالب والمسائل الشرعية‬
‫والفلسفية؛ ففي كتابه (شرح الوريقات) يضرب مثاال طبيا على البرهان اإلني‬
‫فيقول‪ :‬هذا المحموم ابيضت حدقة عينه‪ ،‬وارتفعت الم اررة إلى أعلى بدنه‪،‬‬
‫وكل من هو كذلك فإنه ـ في األكثر ـ يقع في السرسام(‪ ،)1‬ينتج‪ :‬هذا المحموم‬
‫ـ في األكثر ـ يقع في السرسام ‪.‬‬

‫وهذا المثال برهان إني؛ فإن بياض حدقة العين‪ ،‬والسرسام ليس أحدهما علة‬
‫لآلخر‪ ،‬بل هما معلوالن لعلة واحدة‪ ،‬وهي حركة المرار إلى فوق (‪. )2‬‬

‫ومن األمثلة التطبيقية ـ كذلك ـ لتعاون العلوم عند ابن النفيس اعتماده على‬
‫ما قرره علماء االجتماع من كون اإلنسان مدنيا بطبعه‪ ،‬وجعل ذلك أصال‬
‫لبيان حاجة البشر إلى الرساالت‪ ،‬وأن إرسال الرسل واجب تقتضيه العناية‬
‫اإللهية(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬السرسام هو‪ :‬ورم حار عن صفراء‪ ،‬أو دم صفراوي في أحد حجابي الدماغ‬
‫الداخليين‪.‬‬
‫وعالمته‪ :‬حمى الزمة‪ ،‬مع صداع‪ ،‬وثقل رأس‪ ،‬وحمرة العين‪ ،‬واضطراب نوم‪ ،‬وتشويش‬
‫أحالم‪ ،‬وفساد ذهن‪ ،‬واختالط عقل‪ ،‬واضطراب نفس‪ .‬راجع‪ :‬الموجز في الطب ص ـ‪،137‬‬
‫تأليف‪ :‬عالء الدين بن النفيس‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الكريم العزباوي‪ ،‬طبعة المجلس األعلى‬
‫للشئون اإلسالمية‪ ،‬عام ‪2019‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬راجع شرح الوريقات ص ـ ‪. 263 ، 262‬‬
‫(‪ )3‬راجع الرسالة الكاملية ص ـ ‪ 160‬وما بعدها‪ ،‬وقارن مقدمة ابن خلدون ‪،137/1‬‬
‫تحقيق‪ :‬عبد هللا محمد الدرويش‪ ،‬طبعة دار يعرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عام ‪2004‬م‪.‬‬

‫‪762‬‬
‫وهذا التعاون بين العلوم يكون على وجوه‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ أن يكون العلم المعين عاليا‪ :‬كما في استفادة العلم الطبيعي بعض مبادئه‬
‫من العلم اإللهي‪ ،‬أو استفادة الموسيقى مبادئه من علم الحساب‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ أن يكون العلم المعين سافال‪ :‬كما في استفادة العلم اإللهي بعض مبادئه‬
‫من العلوم الطبيعية والطبية‪ ،‬هذا إذا لم تتوقف تلك المبادئ على مقدمات‬
‫من العلم اإللهي‪ ،‬وإال لزم الدور‪ ،‬وهذا الوجه هو الذي طبقه ابن النفيس في‬
‫رسالته الكاملية ‪ ،‬وفي فلسفته اإللهية‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ أن يكون العلمان مشتركين في الموضوع إال أن أحدهما ُينظر فيه من‬
‫جهة جوهره‪ ،‬واآلخر من جهة عوارضه‪ :‬كما في علم الطبيعة وعلم الهيئة؛‬
‫فإن موضوعهما هو جرم العالم‪ ،‬إال أن علم الطبيعة ينظر إلى العالم من‬
‫جهة مادته وجوهره‪ ،‬وعلم الهيئة ينظر إلى العالم من جهة ما يعرض له من‬
‫جهة الشكل والمقدار‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ أن يكون العلمان مشتركين في موضوعهما‪ ،‬لكن أحدهما يكون بمثابة‬


‫المقدمة لآلخر لبساطة موضوعه‪ :‬كعلمي الحساب والهندسة؛ فإن علم‬
‫الحساب موضوعه أبسط فيفيد الهندسة؛ ألنه بمثابة المقدمة لها(‪.)1‬‬

‫وبعد هذه الوجوه ينظر ابن النفيس إلى العلوم في ضوء نظريته هذه لينتهي‬
‫إلى أن العلوم منها ما هو رئيس‪ ،‬وما هو مرؤوس‪ ،‬ثم ينتهي إلى أن العلم‬

‫(‪ )1‬شرح الوريقات ص ـ ‪ ،287‬وقارن النجاة البن سينا ‪. 93/1‬‬

‫‪763‬‬
‫اإللهي هو الرئيس المطلق لكل العلوم؛ ولذا فالعلوم كلها تصلح ألن تكون‬
‫مقدمة له‪ ،‬أو ُيتخ ُذ منها مقدمات ألدلته(‪.)1‬‬

‫وبعد بيان هذه األسس النظرية لمنهج ابن النفيس الفلسفي‪ ،‬ننتقل إلى الشق‬
‫الثاني من البحث‪ ،‬وهو الجانب التطبيقي ألسس منهج ابن النفيس على‬
‫قضايا الفلسفة اإللهية التي بحثها‪ :‬كقضية إثبات الصانع‪ ،‬وصفاته‪ ،‬والمعاد‪،‬‬
‫والنبوة‪.‬‬

‫(‪ )1‬شرح الوريقات ص ـ ‪288‬‬

‫‪764‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬وجود هللا وصفاته عند ابن النفيس‬

‫تمثل قضية إثبات الصانع األساس الذي تقوم عليه الفلسفة اإللهية عند ابن‬
‫النفيس‪ ،‬فهو يؤسس هذه القضية لتكون قاعدة لبقية مطالب الفلسفة اإللهية‪:‬‬
‫كإثبات الصفات اإللهية‪ ،‬والتفرد في األفعال‪ ،‬وإرسال الرسل‪ ،‬والمعاد‪،‬‬
‫ولتكون ـ كذلك ـ هدما لمقاالت الملحدين الذين يزعمون أن الكون ُخلق بال‬
‫موجد‪ ،‬أو ُخلق اتفاقا ومصادفة‪.‬‬

‫وقد اشتمل حديث ابن النفيس عن هللا على قضيتين هما‪ :‬إثبات وجوده‪ ،‬وما‬
‫يجب له من صفات الكمال والتنزيه‪ ،‬وفي المطلبيين التاليين بيان لذلك‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أدلة إثبات الصانع عند ابن النفيس‪.‬‬

‫اعتمد ابن النفيس في إثبات الصانع على جملة من األدلة الواضحة التي‬
‫تعتمد على النظر في األنفس واآلفاق‪ ،‬ومالحظة ما اشتمل عليه هذا الخلق‬
‫﴿سُن ِر ِ‬
‫يه ْم‬ ‫الخالق العظيم تصديقا لقوله تعالى‪َ :‬‬
‫من دالئل مختلفة على وجود‬
‫ق﴾ [فصلت من اآلية‬ ‫آي ِاتَنا ِفي ْاآل َف ِ‬
‫اق َوِفي أَن ُف ِس ِه ْم‬
‫َح َّت ٰى َي َتَبَّي َن َل ُه ْم أََّن ُه اْل َح ُّ‬ ‫َ‬
‫‪ ،]53‬يعني‪ :‬نريهم الدالئل إلى أن تزول الشبهات عن قلوبهم‪ ،‬ويحصل فيها‬
‫الجزم والقطع بوجود اإلله القادر الحكيم العليم المنزه عن المثل والضد(‪،)1‬‬
‫وفيما يلي تفصيل ألدلة ابن النفيس على إثبات الصانع‪:‬‬

‫(‪ )1‬مفاتيح الغيب‪ ،‬لإلمام فخر الدين الرازي(بتصرف يسير) ‪123/27‬ط المكتبة‬
‫التوفيقية بالقاهرة ‪.‬‬

‫‪765‬‬
‫الدليل األول‪ :‬دليل العناية في األنفس وفي اآلفاق ‪.‬‬

‫وجل‪﴿ :‬أََل ْم‬ ‫عز َّ‬ ‫أشار القرآن الكريم إلى دليل العناية في آيات كثيرة‪ :‬كقوله َّ‬
‫اجا * َو َج َعْلَنا َن ْو َم ُك ْم‬ ‫اك ْم أ َْزَو ا‬
‫ال أ َْوَت اادا * َو َخَل ْقَن ُ‬ ‫ض ِم َه اادا َ ِ‬ ‫َن ْج َع ِل ْاألَْر َ‬
‫*واْلجَب َ‬
‫اشا * َوَبَن ْيَنا َف ْوَق ُك ْم َسْب اعا‬ ‫اسا * َو َج َعْلَنا َّ‬
‫الن َه َار َم َع ا‬ ‫َّ ِ‬
‫ُسَب ااتا * َو َج َعْلَنا اللْي َل لَب ا‬
‫َّاجا * لُِن ْخ ِر َج‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِش َد اادا * وجعْلَنا ِسراجا وهَّاجا * وأ َ ِ‬
‫اء َثج ا‬ ‫َنزْلَنا م َن اْل ُم ْعصَرات َم ا‬ ‫َ‬ ‫َ ا َ ا‬ ‫َ ََ‬
‫ات أَْل َفا افا﴾ [ النبأ اآليات ‪ 6‬ـ ‪.] 16‬‬ ‫ِب ِه َحًّبا َوَنَب ااتا * َو َجَّن ٍّ‬

‫وقد اعتمد كثير من الفالسفة قبل ابن النفيس على هذا الدليل‪ :‬كأبي يوسف‬
‫الكندي‪( ،‬المتوفى عام ‪252‬هـ )‪ ،‬والذي اعتبر دليل العناية من أوضح األدلة‬
‫على وجود هللا ـ تعالى ـ وأقربها إلى العقل؛ ألنه مستند إلى فكرة النظام‬
‫والغائية الموجودة في العالم‪ ،‬وهذا أمر ظاهر بأدنى مشاهدة‪ ،‬وهذا النظام‬
‫يشهد لمن أوجده بالوجود والكمال المطلق(‪.)1‬‬

‫وكذلك اعتمد عليه ابن رشد الحفيد (المتوفى عام ‪595‬هـ) على دليل العناية‪،‬‬
‫َّ‬
‫وعده أعظم األدلة التي دعا إليها الشرع لالستدالل على وجود هللا(‪.)2‬‬

‫أما ابن النفيس‪ :‬فقد َّ‬


‫عد دليل العناية من أقوى وأوضح األدلة على إثبات‬
‫الصانع‪ ،‬ومن ث َّم توسع في شرحه‪ ،‬وفي التنبيه على دقائق العناية في الخلق‬
‫وأسرارها‪ ،‬وذلك بحكم تبحره في علوم الطب والتشريح ومنافع اإلعضاء‪،‬‬
‫ويقوم هذا الدليل عند ابن النفيس على أصلين‪:‬‬

‫(‪ )1‬راجع رسائل الكندي الفلسفية صـ ـ ‪ ،214‬تحقيق وتقديم‪ :‬د‪ /‬محمد عبد الهادي أبو‬
‫ريدة‪ ،‬ط دار الفكر العربي‪ ،‬عام‪1950‬م‬
‫(‪ )2‬راجع الكشف عن مناهج األدلة في عقائد الملة‪ ،‬ص ـ ‪ ،151‬تأليف‪ :‬ابن رشد‬
‫الحفيد‪ ،‬تحقيق وتقديم‪ :‬أد‪/‬محمود قاسم‪ ،‬طبعة مكتبة األنجلو المصرية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.‬‬

‫‪766‬‬
‫أولهما‪ :‬أن جميع المخلوقات تشتمل على آيات اإلبداع‪ ،‬ودالئل اإلتقان‬
‫واإلحكام ‪.‬‬

‫ثانيهما‪ :‬أن هذه العناية تدل على استناد هذا الخلق إلى موجد‪ ،‬حكيم‪ ،‬مريد‪،‬‬
‫عالم ‪.‬‬

‫يقول ابن النفيس‪":‬والذي ينبغي أن نقوله اآلن‪ :‬أن الخالق تعالى وحده ـ‬
‫لعنايته بهذا العالم ـ يعطي كل متكون ما هو له أفضل من الجوهر‪ ،‬والكم‪،‬‬
‫والكيف‪ ،‬وغير ذلك" (‪.)1‬‬

‫ومن خالل هذا النص يوضح ابن النفيس أن هللا تعالى يعطي كل مخلوق ما‬
‫له من الصفات‪ ،‬ويخصص كل موجود بما يجوز عليه من المتقابالت‪ ،‬وهذا‬
‫دليل على وجوده وكمال مشيئته ‪.‬‬

‫وحقا فإن النظر في الكون وما يحتويه من ظواهر يرشدنا إلى أن وجود ٍ‬
‫كثير‬
‫من الكائنات كأنما ُقصد بها اإلنسان؛ ألن هذه الموجودات تناسب حياته‪ ،‬وال‬
‫يمكن أن تكون هذه المناسبة وليدة الصدفة‪ ،‬وقد أثبت العلم الحديث ـ بكل‬
‫فروعه ـ أن هذا الخلق المحكم ال يكون إال عن موجد‪ ،‬قادر‪ ،‬مريد‪ ،‬عليم‪،‬‬
‫حكيم(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬شرح تشريح القانون البن النفيس ص ـ ‪ ، 25‬ط الهيئة العامة للكتاب ‪2007‬م‬
‫(‪ )2‬راجع‪ :‬هللا يتجلي في عصر العلم‪ ،‬وهي مجموعة دراسات علمية في العلوم‬
‫التجريبية تثبت ـ علميا ـ ضرورة استناد الكون في وجوده إلى خالق عظيم‪ ،‬وقد قام‬
‫بإعدادها نخبة من العلماء األمريكيين بمناسبة السنة الدولية لطبيعيات األرض‪ ،‬أشرف‬
‫على تحريرها‪ :‬جون كلوفرمونسيما‪ ،‬ترجمها‪ :‬د‪/‬الدمرداش عبد المجيد سرحان‪ ،‬راجعها‬
‫وعلق عليها‪ :‬د‪/‬محمد جمال الدين الفندي‪ ،‬وطبعتها دار القلم ببيروت‪.‬‬

‫‪767‬‬
‫ص مع ابن النفيس إلى‪ :‬أن اإلنسان‪ ،‬وهو العالم العجيب في‬ ‫وبهذا َن ْخُل ُ‬
‫خلقه‪ ،‬الغريب في تركيبه‪ ،‬ال يخلو خلقه من حكم مترتبة على الفعل‪ ،‬وهذه‬
‫دامغ على وجود الخالق‪ ،‬هذا عن دليل العناية عنده على جهة‬
‫ٌ‬ ‫دليل‬
‫الحكم ٌ‬
‫اإلجمال‪.‬‬

‫أما على جهة التفصيل‪ :‬فقد ساق ابن النفيس دليل العناية في األنفس‬
‫واآلفاق من خالل عدة نماذج دالة على الحكمة اإللهية‪ ،‬مستفادة من علم‬
‫التشريح‪ ،‬ومن التأمل فى الكون‪ ،‬وفيما يلي بعض هذه النماذج التفصيلية في‬
‫األنفس واآلفاق‪:‬‬

‫أواًل‪ :‬العناية في األنفس ‪ :‬اعتمد ابن النفيس على علم التشريح ووظائف‬
‫األعضاء‪ ،‬الستنباط نماذج يوضح من خاللها العناية اإللهية في خلق‬
‫اإلنسان‪ ،‬وفي تركيب أعضائه‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫(‪ )1‬خلق العظام ‪:‬‬

‫ُيشب ُه ابن النفيس الهيكل العظمي لإلنسان بالسفينة‪ ،‬وعظام الصلب كالخشبة‬
‫التي تكون في وسط السفينة من أسفل‪ ،‬وعليها تُبنى بقية األجزاء‪ ،‬وبها‬
‫توصل أضالع السفينة‪ ،‬فكذلك أضالع اإلنسان تتصل بعظام الصلب‪ ،‬أو ما‬
‫ُيسمى بالعمود الفقري‪ ،‬لكن هذا العمود عبارة عن سلسلة عظمية متصلة‬
‫الفقرات‪ ،‬بينها مفاصل سهلة الحركة‪.‬‬

‫الفرُج التي‬
‫ومن أسرار اإلبداع والعناية اإللهية في الجهاز العظمي لإلنسان‪ُ :‬‬
‫بين أضالع الصدر بخالف عظام الرأس التي ُخلقت متصلة‪ ،‬مع أن أضالع‬
‫الصدر تُحيط بالقلب‪ ،‬وهو أشرف األعضاء؛ وذلك ألن الصدر أُحتيج فيه‬

‫‪768‬‬
‫إلى حركة انبساط وانقباض بفعل التنفس‪ ،‬وال يسهل ذلك إذا كانت عظام‬
‫الصدر متصلة(‪. )1‬‬

‫أيضا من مظاهر العناية في عظام اإلنسان‪ :‬أن عظام الرأس خلقت على‬
‫شكل مستدير؛ لتكون مساحته أكبر‪ ،‬فيسع ما فيه من الدماغ‪ ،‬ولتكون أبعد‬
‫عن قبول اآلفات الخارجية مما له زاوية؛ إذ الزاوية ليس لها من ورائها ما‬
‫يقويها على مقاومة المصادم؛ ولذلك ما كان من األجسام ذا زوايا يعرض‬
‫له من التكسر ما ال يعرض للمستدير(‪.)2‬‬

‫(‪ )2‬خلق األنف‪:‬‬

‫األنف هو آلة الشم في اإلنسان‪ ،‬ويتكون من فتحتين بينهما فاصل عظمي‬


‫غضروفي‪ ،‬ويغطيه من الداخل نوعان من الخاليا‪:‬‬

‫شمية‪ :‬وهي نوع من الخاليا العصبية المتحورة‪ ،‬وتحمل‬


‫‪1‬ـ خاليا مستقبالت َّ‬
‫كل خلية منها زوائد وأهداب شعرية في طرفيها‪ ،‬يمتد إلى المخاط الذي يبطن‬
‫التجويف األنفي‪.‬‬

‫الشمية(‪.)3‬‬
‫‪2‬ـ خاليا ساندة‪ :‬وهي خاليا داعمة للمستقبالت َّ‬
‫ظاهر على العناية‬
‫ا‬ ‫وقد أشار ابن النفيس إلى منافع األنف؛ ليكون برهانا‬
‫اإللهية‪ ،‬ومنها ‪:‬‬

‫(‪ )1‬راجع‪ :‬شرح تشريح القانون ص ـ ‪40‬‬


‫(‪ )2‬راجع ‪ :‬شرح تشريح القانون ص ـ ‪59‬‬
‫(‪ )3‬راجع‪ :‬علم وظائف األعضاء ص ـ‪ ،104‬أ‪.‬د‪/‬صباح ناصر العلوجي‪ ،‬طبعة دار‬
‫الفكر‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬عام ‪2014‬م‪.‬‬

‫‪769‬‬
‫أ ـ أنه يعين على االستنشاق‪ ،‬وهذا بأخذ الهواء من المنخرين‪ ،‬ودفعه إلى‬
‫الثقب النافذ إلى الحنك‪ ،‬وإلى الدماغ‪ ،‬وفي هذا حياة للمخ وللقلب‪.‬‬

‫ب ـ أنه يخرج من األنف بعض الهواء الفاعل للصوت‪ ،‬ويلزم على ذلك‬
‫اإلعانة على تقطيع الحروف‪ ،‬ونطقها بشكل صحيح‪ ،‬ويدل على ذلك ما‬
‫يحدث من الخلل في الكالم عند اإلصابة بالزكام(‪.)1‬‬

‫ج ـ أن األنف ساترة للمخاط‪ ،‬فلو لم تكن األنف لكان اإلنسان عند خروج‬
‫المخاط بحال ُيتقزُز منه‪ ،‬ولكان المخاط عند خروجه سائال على الوجه ‪.‬‬

‫وينتقل ابن النفيس من بيان العناية من خالل منافع األنف إلى شرح العناية‬
‫في تركيب األنف على هذه الصورة فيقول‪":‬واحتيج في تركيب األنف إلى‬
‫عظام؛ ألنه لو كان من عضو لين كاللحم لكان يعرض له االنسداد لوقوع‬
‫وجعل‬
‫أعاله على أسفله‪ ،‬ولو كان من عضو متوسط اللين كالغضروف‪ُ ،‬‬
‫جرمه رقيقا تهيأ لالرتضاد بسهولة‪ ،‬وإن ُجعل جرمه غليظا ثُقل‪ ،‬وأما‬
‫العظام‪ :‬فلصالبتها يكون الرقيق منها في قوة الغليظ من الغضاريف مع‬
‫الخفة "(‪.)2‬‬

‫(‪ )3‬خلق العين ‪.‬‬

‫عين اإلنسان من الجوارح الرقيقة‪ ،‬والتي تحتاج إلى حفظ خاص؛ ولذلك‬
‫اقتضت حكمة هللا ـ تعالى ـ وضعها في وسط تجويف عظمي مخروطي‬
‫ويسمى هذا التجويف‬
‫الشكل‪ ،‬قاعدته إلى األمام يحميها من األجسام الكبيرة‪ُ ،‬‬
‫وخلقت حول العين الحواجب‪ ،‬ـ وهي نتوءات في الطرف األعلى‪،‬‬ ‫بــ(المدار)‪ُ ،‬‬

‫(‪ )1‬راجع‪ :‬شرح تشريح القانون ص ـ ‪ 83‬ـ ‪.84‬‬


‫(‪ )2‬شرح تشريح القانون ص ـ ‪84‬‬

‫‪770‬‬
‫عليها شعر ـ ‪ ،‬واألجفان‪ ،‬ـ وهي‪ :‬غشاء ليفي عضلي ـ‪ ،‬والحواجب واألجفان‬
‫تقيان العين من الصدمات واألجسام الصغيرة (‪.)1‬‬

‫كذلك يشير ابن النفيس إلى أسرار دقيقة قد ال يلحظها غير المتخصص‪:‬‬
‫كخلق الحاجبين فوق العنيين‪ ،‬فهما كالمظلة للعين التي تمنع انحدار‬
‫المؤذيات إلى العين(‪. )2‬‬

‫ثانيا ‪ :‬العناية في اآلفاق ‪.‬‬


‫ا‬
‫من خالل شرح ابن النفيس لحال اإلنسان المسمى بــ(كامل)‪ ،‬وتعرفه على‬
‫الكون من حوله يمكننا استنباط نماذج لمظاهر العناية والحكمة اإللهية في‬
‫اآلفاق‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫(‪ )1‬اختالف أحوال وطبائع وأشكال الحيوانات ‪.‬‬

‫بالتأمل يدرك اإلنسان ـ صحيح العقل ـ أن الحيوانات ُخلقت على أشكال‬


‫وأحجام وطبائع متباينة‪ ،‬بحيث يتناسب هذا مع الغاية التي ُخلقت من أجلها‪،‬‬
‫وهذا االختالف المنتهي إلي غايات ومنافع محددة البد له من فاعل حكيم ‪.‬‬

‫يقول ابن النفيس عن اإلنسان المسمى بــ(كامل)‪":‬وكان من ذلك‪ :‬يتصفح‬


‫أحوال الحيوانات‪ ،‬فيرى منها ما هو جريء‪ ،‬مقدام‪ ،‬مفترس‪ :‬كاألسد‪ ،‬والنمر‪،‬‬

‫(‪)1‬راجع‪:‬شرح تشريح القانون ص ـ‪ ،366‬وعلم وظائف األعضاء ص ـ‪ ،93‬د‪ /‬صباح‬


‫ناصر العلوجي‪.‬‬
‫(‪ )2‬راجع‪ :‬المهذب في الكحل المجرب ص ـ‪45‬‬

‫‪771‬‬
‫والذئب ‪ ،‬ومنها جبان يهرب أمام من يطلب افتراسه أو قبضه‪ ،‬ونحو ذلك‪،‬‬
‫حتى اتضحت له أحوال كثيرة من أحوال الحيوانات"(‪. )1‬‬

‫ويقول في شرح تشريح القانون‪ ":‬والحيوانات تختلف في األعضاء اختالفا‬


‫كبيرا؛ وذلك ألن األعضاء هي آالت للنفس الحيوانية‪ ،‬وهذه اآلالت تختلف ـ‬
‫ال محالة ـ باختالف هذه النفوس؛ إذ لكل نفس أعضاء تليق بها" (‪. )2‬‬

‫(‪ )2‬األحوال التي تتهيأ للنبات ‪.‬‬

‫ومن العناية والحكمة في خلق الحيوان إلى العناية والحكمة في خلق النبات؛‬
‫فمن خالل النظر والتأمل العقلي يدرك اإلنسان أن هللا تعالى خلق النبات‪،‬‬
‫وهيأ له ظروفا تتوافق مع طبيعته‪ ،‬ومن ث َّم يكتمل خلقه؛ ليحقق غايته‬
‫ومنافعه‪.‬‬

‫ففي بدء أمر النباتات نلحظ أن البذر ينتفخ إذا ُوضع في األرض‪ ،‬فإذا ما‬
‫انتفخ وظهر لبه‪ ،‬انشق القشر‪ ،‬وبرز النابت إلى فوق‪ ،‬ومن أسفله تمتد‬
‫الشعب المسماة بالجذور لتمتص الغذاء من األرض‪ ،‬وبعد ظهور النبات‬
‫وخروجه يمده هللا بأسباب البقاء‪ ،‬فورقة النبات يمتد من أصلها إلى رأسها‬
‫شيء كالمحور‪ ،‬ويمتد منه عروق من الجانبين‪ ،‬ينفذ فيها الغذاء إلى جميع‬
‫أجزاء الورقة‪ ،‬وهذا الخلق الدقيق البد له من خالق مدبرحكيم (‪. )3‬‬

‫(‪ )1‬الرسالة الكاملية البن النفيس ص ـ ‪. 156‬‬


‫(‪ )2‬شرح تشريح القانون ص ـ ‪18‬‬
‫(‪ )3‬الرسالة الكاملية البن النفيس ص ـ ‪ 156‬ـ ‪. 157‬‬

‫‪772‬‬
‫(‪ )3‬اختالف أشكال الثمار ‪.‬‬

‫المتأمل للثمار يلحظ اختالف أشكالها؛ فبعضها بارز‪ :‬كالتين‪ ،‬وبعضها في‬
‫غالف قشري‪ :‬كالبقوليات‪ ،‬وبعضها في غالف صدفي‪ :‬كالبلوط‪ ،‬وبعضها‬
‫في غالف غشائي‪ :‬كالحنطة‪.‬‬

‫كذلك ‪ :‬بعض الثمار لها أكثر من غالف‪ :‬كما في الجوز واللوز‪ ،‬ولبعضها‬
‫بذرة واحدة‪ :‬كما في المشمش‪ ،‬والبعض اآلخر له بذر كثير‪ :‬كالرمان‪،‬‬
‫والقرع‪ ،‬وبعض الثمار يكون منفردا‪ :‬كما في األترج‪ ،‬والجوز‪ ،‬وبعضها يكون‬
‫مجتمعا‪ :‬كما في العنب (‪.)1‬‬

‫وقفة تحليلية ‪:‬‬

‫من خالل األمثلة السابقة للعناية في األنفس واآلفاق يتبين لنا أن دليل‬
‫العناية هو أعظم األدلة على وجود هللا ـ تعالى ـ وعلمه‪ ،‬وقدرته‪ ،‬وإرادته عند‬
‫ابن النفيس‪ ،‬كذلك نرى ابن النفيس يطبق منهجه بدقة؛ وذلك من خالل‬
‫تأسيس دليل العناية على مقدمات عقلية برهانية‪ ،‬ثُ َّم في شرحه وتفصيله‬
‫لدليل العناية اعتمد على أمثلة مستفادة من العلوم التجريبية‪ ،‬تطبيقا لنظرية‬
‫تعاون العلوم وتكاملها في نقل البرهان‪.‬‬

‫كذلك من خالل ما سبق نلحظ ابن النفيس عالما تجريبيا‪ ،‬وفيلسوفا مسلما‪،‬‬
‫يربط علمه التجريبي بالشرع‪ ،‬بل يجعل من العلم التجريبي وأس ارره دليال على‬
‫قضايا الفلسفة اإللهية‪ ،‬وبهذا يكون ابن النفيس قد اتفق له ما لم يتفق لغيره‬

‫(‪ )1‬راجع الرسالة الكاملية البن النفيس ص ـ ‪ ، 159‬وانظر‪ :‬التوحيد ص ـ‪ ،17‬تأليف‪:‬‬


‫أبي منصور الماتريدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪/‬فتح هللا خليف‪ ،‬طبعة دار الجامعات المصرية‪ ،‬بدون‪.‬‬

‫‪773‬‬
‫ممن قصروا جهدهم على العلوم الشرعية‪ ،‬أو ممن قصروا جهدهم على‬
‫العلوم التجريبية‪.‬‬

‫ومن خالل تقرير ابن النفيس لدليل العناية يمكننا أن نلحظ ـ أيضا ـ حقيقة‬
‫واضحة‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫بطالن دعوى اإللحاد والعبثية ‪:‬‬

‫قرر ابن النفيس من خالل استناد العالم في خلقه إلى موجد حكيم بطالن‬
‫دعوى الملحدين‪ ،‬الذين يزعمون أن هذا العالم وجد نتيجة لتفاعل عناصر‬
‫اجتمعت على هيئة معينة‪ ،‬أو أنه تكَّون بفعل الطبيعة الخالقة‪ ،‬أو نشأ بفعل‬
‫االتفاق والمصادفة؛ فإن هذه األسباب ال تكفي لتعليل هذا الخلق العظيم بما‬
‫اشتمل عليه من آيات اإلبداع واإلتقان ‪.‬‬

‫ويقرر ابن النفيس بطالن دعوى اإللحاد والعبثية بعبارة رائعة في مفتتح‬
‫حديثه عن منافع األعضاء فيقول‪ ":‬قد منع قوم من األولين منافع األعضاء‪،‬‬
‫وقالوا إنها لم تخلق لمنفعة بعينها‪ ،‬وأنها هي وغيرها إنما وجدت باالتفاق‪،‬‬
‫وذلك ألن الفضاء عند هؤالء فيه أجزاء لحمية‪ ،‬وأجزاء عظمية‪ ،‬وأجزاء‬
‫أرضية‪ ،‬وأجزاء سماوية‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬وإن هذه األجزاء دائمة الحركة‪ ،‬فإذا‬
‫اتفق منها أجزاء اجتمعت فصارت ـ مثال ـ أرضا‪ ،‬أو سماء‪ ،‬أو فرسا‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك‪ ،‬فإن صلح ذلك للبقاء‪ :‬بقي‪ ،‬فإن صلح مع ذلك َّ‬
‫للنسل‪ :‬نسل‪ ،‬واستمر‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫نوعه بالتوالد‪ ،‬وما لم يصلح لذلك‪ :‬فني وفسد"‬

‫(‪ )1‬شرح تشريح القانون ص ـ ‪.25‬‬

‫‪774‬‬
‫وإذا كان السائد ـ وفقا لمقاالت الملحدين ـ هو قانون المصادفة جاز أن توجد‬
‫موجودات بال حكمة‪ ،‬وجاز أن تتركب تركيبا ال عقالنيا‪ ،‬فال مانع ـ عند‬
‫هؤالء ـ أن يوجد موجود نصفه سمكة ونصفه إنسان‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬وليس‬
‫شيئا من ذلك مقصودا بحكمة (‪.)1‬‬

‫وبعد نقل ابن النفيس لدعوى الملحدين يقرر أن ما اشتملت عليه الموجودات‬
‫من حكم ومصالح‪ ،‬وما اشتملت عليه جزئيات العالم من نظام وإتقان في‬
‫ض دعائم‬‫تركيبها‪ ،‬وفي موافقتها للغاية التي ُخلقت من أجلها‪ ،‬كل ذلك ُيقو ُ‬
‫اإللحاد فيقول‪ ":‬والحق أن هذا باطل‪ ،‬وأن هللا تعالى‪ ،‬وإن كان ال يفعل‬
‫لغرض‪ ،‬فأفعاله ال تخلو عن الحكم‪ ،‬ولوال ذلك لكان هذا الوجود عبثا‪ ،‬وهو‬
‫محال‪ ،‬وتحقيق هذا إلى علم آخر‪.‬‬

‫والذي ينبغي أن نقوله اآلن‪ :‬إن الخالق تعالى وحده لعنايته بهذا العالم يعطي‬
‫كل ُمتكون ما هو له أفضل من الجوهر‪ ،‬والكم‪ ،‬والكيف‪ ،‬وغير ذلك" (‪.)2‬‬

‫الدليل الثاني‪ :‬دليل إمكان األعراض‪.‬‬

‫يتضمن دليل العناية عند ابن النفيس ـ في ثناياه ـ دليال آخر اعتمد عليه‬
‫المتكلمون في إثبات الصانع‪ ،‬وهو دليل إمكان األعراض‪ ،‬ويقوم هذا الدليل‬
‫على أن األجسام متماثلة الحقيقة‪ ،‬فاختصاص ٍ‬
‫كل منها بصفات مميزة البد‬
‫له من مخصص‪ ،‬والمخصص هو هللا تعالى‪ ،‬وهو الذي أعطى كل كائن‬
‫صورته وشكله المطابق للحكمة المقارنة لخلقه‪ ،‬وهذا ما يشير إليه قوله‬

‫(‪ )1‬راجع شرح تشريح القانون ص ـ ‪.25‬‬


‫(‪ )2‬شرح تشريح القانون ص ـ ‪.26 ، 25‬‬

‫‪775‬‬
‫تعالى على لسان سيدنا موسى في جوابه لسؤال فرعون عن اإلله‪َ ﴿:‬ق َ‬
‫ال َرُّبَنا‬
‫ِ‬
‫ط ٰى ُك َّل َشي ٍّء َخْلَق ُه ُث َّم َه َد ٰى ﴾[سورة طه آية ‪. ]50‬‬
‫ْ‬ ‫َّالذي أ ْ‬
‫َع َ‬
‫فصلها ابن النفيس تقوم على نفس‬
‫و دالئل العناية في األنفس واآلفاق التي َّ‬
‫القاعدة‪ ،‬وهي اختصاص الكائنات بالصفات المتوافقة مع غاياتها‪ ،‬والجواهر‬
‫قابلة لغيرها من الصفات األخرى‪ ،‬فالمستدير ـ كالدماغ في اإلنسان مثال ـ‬
‫جائز عليه من حيث ذاته أن يكون مربعا أو مثلثا‪ ،‬لكنه كان على هذه الهيئة‬
‫لحكمة‪ ،‬ومن ث َّم افتقر إلى مخصص من خارج الممكنات يمنحه هذه الصفة‪،‬‬
‫وهذا المخصص المفارق للمكنات هو واجب الوجود (‪.)1‬‬

‫الدليل الثالث‪ :‬دليل حدوث األعراض ‪:‬‬

‫من أدلة إثبات الصانع عند ابن النفيس دليل حدوث األعراض‪ ،‬وهو أحد‬
‫أفرع دليل الحدوث عند المتكلمين‪ ،‬وتقريره‪ :‬أن األعراض متغيرة بالمشاهدة‪،‬‬
‫وكل متغير حادث‪ ،‬وهذا معلوم بالتأمل في األنفس واآلفاق ‪:‬‬

‫أما في األنفس‪ :‬فإننا نعلم أن النطفة تنقلب علقة‪ ،‬ثم مضغة‪ ،‬ثم لحما ودما‪،‬‬
‫وهذه األحوال الحادثة البد لها من فاعل حكيم عليم؛ إذ إن حدوث هذه‬
‫األطوار بدون فاعل محال‪ ،‬وحدوثها من فاعل اليتصف بالعلم والقدرة‬
‫محال أيضا‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫واإلرادة‬

‫(‪ )1‬راجع الرسالة الكاملية صـ ‪ ،156‬وشرح تشريح القانون ص ـ ‪ ،28‬وقارن شرح‬


‫المواقف ‪ ، 6/ 8‬طبعة دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬طبعة أولى‪ ،‬عام ‪1998‬م‪.‬‬

‫‪776‬‬
‫وأما في اآلفاق‪ :‬فال يخفى علينا ما يجري على الحادثات الكونية من أحوال‬
‫وأطوار‪ ،‬ونشهد ذلك في عالم النبات‪ ،‬والحيوان‪ ،‬والعناصر‪ ،‬واألفالك‪ ،‬وهذا‬
‫التغير البد له من فاعل متصف بصفات الكمال (‪. )1‬‬

‫أما ابن النفيس‪ :‬فلم يخرج في تقريره لدليل حدوث األعراض عما ذكره‬
‫المتكلمون غير أن حديثه عن حدوث األعراض هو حديث العالم التجريبي‬
‫الذي شاهد هذا التغير عن قرب‪ ،‬والحظ هذا الحدوث عن كثب‪.‬‬

‫المسمى بـ(كامل)‪ ،‬وتعرفه على‬


‫يقول ابن النفيس في ذكره ألحوال الرجل ُ‬
‫الموجودات حوله‪ ":‬ثم أخذ في التفكير في أمر النبات‪ ،‬وتأمل كيف يبتديء‬
‫النبات من البذر‪ ،‬فرأى البذر ينتفخ لبه إذا وصلت إليه المادة من األرض‪،‬‬
‫فيلزم من ذلك انشقاق القشر‪ ،‬وتبرز شعبة عرقية تمتص المادة من األرض‪،‬‬
‫ويأخذ النابت إلى جهة فوق‪ ،‬فيبرز من األرض" (‪.)2‬‬

‫ويزيد ابن النفيس شرح دليل حدوث األعراض من خالل المراحل التي يمر‬
‫بها الجنين‪ ،‬فقد شرح بدقة التقاء المائين بالرحم‪ ،‬وتحولهما إلى جنين‪ ،‬له‬
‫شكل وأعضاء‪ ،‬وهذه المراحل واألحوال الدقيقة هي أعراض حادثة‪ ،‬البد لها‬
‫من ُمحد ٍث (‪. )3‬‬

‫(‪ )1‬راجع شرح المواقف ‪6/ 8‬ـ‪. 5‬‬


‫(‪ )2‬الرسالة الكاملية ص ـ‪156‬‬
‫(‪ )3‬راجع ‪ :‬شرح تشريح القانون ص ـ ‪442‬‬

‫‪777‬‬
‫الدليل الرابع‪ :‬دليل إمكان العالم‪.‬‬

‫اعتمد ابن النفيس في إثبات الصانع على دليل اإلمكان‪ ،‬ويقوم هذا الدليل‬
‫على أن الممكن يستوي طرفاه‪ ،‬وإذا ترجح وجوده على عدمه َّ‬
‫دل هذا على‬
‫استناد هذا الترجيح إلى واجب الوجود‪ ،‬وقد قرر ابن النفيس دليل اإلمكان‬
‫من خالل رسالته الكاملية؛ فذكر أن اإلنسان المسمى بـ(كامل) "قد شاهد‬
‫كثير من األجسام توجد تارة‪ ،‬وتعدم أخرى‪ ،‬فعلم أن وجود تلك األجسام‬
‫ا‬
‫وعدمها غير مستحيل‪ ،‬وذلك هو الذي نسميه بـ (الممكن)‪ ،‬فرأى أن هذا‬
‫الممكن ليس يجوز أن يكون وجوده وعدمه من ذاته‪ ،‬وإال لم يفارقه ذلك‬
‫األمر الذاتي‪ ،‬فهو إذا من غيره‪ ،‬فهذه الممكنات لها فاعل ‪.‬‬

‫فهل الفاعل لوجود الممكنات ممكن أو ليس كذلك؟‬

‫فإن كان ممكنا‪ :‬كان وجوده من غيره وتسلسل ذلك‪ ،‬فالبد من االنتهاء إلى‬
‫موجد غير ممكن؛ إذ لوال ذلك الجتمعت علل ومعلوالت النهاية لها‪ ،‬وكانت‬
‫بجملتها ممكنة أيضا‪ ،‬فكانت محتاجة إلى موجد غيرها‪ ،‬والذي هو غير‬
‫جميع الممكنات البد أن يكون واجبا‪ ،‬فإذا البد وأن يكون لهذه الموجودات‬
‫موجد‪ ،‬هو واجب الوجود‪ ،‬وذلك هو هللا تعالى"(‪. )1‬‬

‫تعقيب وتحليل ‪:‬‬

‫مما سبق نلحظ أن دليل اإلمكان عند ابن النفيس مبني على أصلين‪ ،‬وهما‪:‬‬

‫(‪ )1‬الرسالة الكاملية ص ـ‪( 158‬بتصرف يسير)‬

‫‪778‬‬
‫األول ‪ :‬العالم ممكن بالذات‪ ،‬يستوي وجوده وعدمه‪ ،‬وليس أحدهما أولى به‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ ،‬واستدلوا على ذلك‬ ‫من اآلخر‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه جمهور المتكلمين‬
‫بأدلة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫أ ـ لو كان أحد طرفي الممكن أولى به‪ :‬صار واجبا لذاته‪ ،‬أو ممتنعا لذاته؛‬
‫فلو كان الوجود أولى‪ ،‬وكانت تلك األولوية تمنع من طروء العدم عليه‪ :‬فهو‬
‫واجب لذاته‪ ،‬وإن كان العدم أولى به‪ ،‬وكانت تلك األولوية مانعة من طروء‬
‫الوجود‪ :‬كان ممتنعا لذاته(‪.)2‬‬

‫ب ـ لو كان أحد طرفي الممكن أولى به‪ :‬فإما أن تكون هذه األولوية بسبب‬
‫أو بدون سبب‪ ،‬فإن لم تكن بسبب‪ :‬كان ترجيحا بالمرجح‪ ،‬وإن كانت بسبب‪:‬‬
‫لم تكن ذاتية؛ لتوقفها على سبب؛ ألن ما بالذات ال يزول بالغير‪.‬‬

‫ج ـ أن الممكن يقتضي تساوي الوجود والعدم بالنظر إلى ذاته‪ٌ ،‬‬


‫وكل من‬
‫العدم والوجود ال يكونان للممكن إال من غيره (‪.)3‬‬

‫الثاني‪ :‬امتناع تسلسل الممكنات إلى غير نهاية‪ ،‬وضرورة استنادها إلى‬
‫الواجب ‪.‬‬

‫واستحالة التسلسل يدعمها عند ابن النفيس استناد المخلوق الممكن إلى خالق‬
‫واجب الوجود‪ ،‬وهو هللا تعالى؛ فمن خالل رسالته الكاملية يذكر أن العلة في‬
‫تكون اإلنسان المسمى بـ(كامل) هي‪ :‬أن هللا وهبه الحياة بعد استعداد مزاجه‬
‫لقبول نفخ الروح فيه‪.‬‬

‫(‪ )1‬راجع‪ :‬شرح المقاصد ‪288/1‬‬


‫(‪ )2‬راجع ‪ :‬شرح المعالم ص ـ ‪162‬‬
‫(‪ )3‬راجع ‪ :‬شرح المقاصد ‪289/1‬ـ‪ ،290‬وقارن الرسالة الكاملية ص ـ ‪158‬‬

‫‪779‬‬
‫يقول ابن النفيس‪ ":‬فلذلك كانت هذه األجزاء مستعدة ألن يتكون منها أعضاء‬
‫إنسان‪ ،‬وهللا تعالى لكرمه اليمنع مستحقا مستحقه‪ ،‬يعطي كل مستعد ما‬
‫يستعد له؛ فلذلك خلق من تلك األجزاء أعضاء إنسان‪ ،‬ومن جملتها بدن‬
‫إنسان‪ ،‬وكان يتبخر من ذلك الطين عند تسخينه أبخرة كثيرة‪ ،‬فكان بعضها‬
‫لطيفا هوائيا‪ ،‬شبيها في مزاجه بمزاج روح اإلنسان‪ ،‬فتكَّون من ذلك روح‬
‫إنسانية‪ ،‬فكمل بذلك تكون إنسان" (‪. )1‬‬

‫وبعد الحديث عن أدلة وجود هللا عند ابن النفيس ننتقل ـ فيما يلي ـ إلى‬
‫تقرير ابن النفيس لصفات الخالق سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬صفات هللا عند ابن النفيس ‪.‬‬

‫من خالل تقرير ابن النفيس لوجود هللا ـ تعالى ـ وحكمته‪ ،‬وعنايته بالعالم‬
‫يشير إلى تميز الخالق العظيم بصفات تنزيهية وثبوتية يدركها العقل‪ :‬كالعلم‪،‬‬
‫واإلرادة‪ ،‬والقدرة‪ ،‬وفي إطار الحديث عن صفات هللا عند ابن النفيس نتناول‬
‫المسألتين التاليتين‪:‬‬

‫األولى‪ :‬طريق العلم بصفات هللا عند ابن النفيس ‪.‬‬

‫لم يخرج ابن النفيس عما قرره متكلمو األشاعرة من االعتماد على األدلة‬
‫العقلية والنقلية في العلم بالصفات اإللهية‪ ،‬ولكنه يقدم األدلة العقلية على‬
‫األدلة النقلية‪ ،‬ويشترط في األدلة النقلية أن تكون راجعة إلى أصل عقلي‬
‫برهاني‪ ،‬ويشترط في األدلة العقلية أن تكون برهانية؛ إلفادتها اليقين؛ ولهذا لم‬

‫(‪ )1‬الرسالة الكاملية ص ـ ‪152‬‬

‫‪780‬‬
‫يعتمد في العلم بصفات هللا ـ تعالى ـ على قياس الغائب على الشاهد؛ ألنه‬
‫فرعٌ من قياس التمثيل‪ ،‬وهو قياس ظني الداللة‪ ،‬كما سبق بيانه (‪.)1‬‬

‫وعلى هذا فطريق العلم بصفات هللا عند ابن النفيس يقوم على البراهين‬
‫العقلية‪ ،‬واألدلة النقلية‪ ،‬ولكن ٍ‬
‫لكل منهما وظيفته‪:‬‬

‫فالبرهان العقلي مؤسس للعلم بصفات هللا‪ :‬فقد رفض ابن النفيس االعتماد‬
‫على ما كان ظنيا من األدلة العقلية في العلم بصفات هللا‪ ،‬واعتمد على‬
‫البراهين العقلية؛ فإن العقل المجرد يحكم بأن خالق العالم البد أن يكون‬
‫متصفا بصفات الكمال والجالل‪.‬‬

‫يقول ابن النفيس حكاية عن (كامل) ومعرفته لصفات هللا تعالي بعقله‬
‫المجرد‪":‬فإذا البد وأن يكون لهذه الموجودات موجد‪ ،‬هو واجب الوجود‪ ،‬وذلك‬
‫هو هللا تعالى‪ ،‬والبد وأن يكون عالما بكل شيء‪ ،‬وإال لم يكن فعله متقنا‪،‬‬
‫والبد وأن يكون في غاية االعتناء بكل شيء‪ ،‬وإال لم يجب أن يكون كل‬
‫شيء على أفضل األحوال الممكنة له‪ ،‬فظهر لـ(كامل) إذا أن لهذه‬‫ٍ‬
‫الموجودات ُموجدا واجب الوجود‪ ،‬عالما بكل شيء‪ ،‬ومعتنيا بكل شيء"(‪. )2‬‬

‫وهكذا نلحظ أن ابن النفيس يعتبر داللة إتقان الصنعة على علم صانعها‪،‬‬
‫وداللة إبداع الكون وإتقانه دليال كافيا على اتصاف الخالق بصفات الكمال‬
‫ٍ‬
‫وحكمة‪ ،‬ونحوها‪ ،‬ومالحظة هذا اإلتقان مما‬ ‫والجالل من علمٍ‪ ،‬وإر ٍ‬
‫ادة‪ ،‬وقدرٍة‪،‬‬
‫يصل إليه اإلنسان بالـتأمل العقلي‪.‬‬

‫(‪ )1‬راجع أول مطالب المبحث األول من هذه الدراسة‪.‬‬


‫(‪ )2‬الرسالة الكاملية ص ـ ‪ 158‬ـ ‪. 159‬‬

‫‪781‬‬
‫ويشترط ابن النفيس في الدليل العقلي على صفات هللا تعالى أن يكون‬
‫برهانيا‪ ،‬صادق المقدمات‪ ،‬يقيني اإلنتاج؛ ألنه هو الذي يفيد الحق جزما‪،‬‬
‫تم بشروطه ال يمكن أن يعارضه الدليل السمعي‪ ،‬بل‬
‫والبرهان العقلي إذا َّ‬
‫يعضده ويؤكده؛ ومن هنا ُيخطئ من يظن أنهما متعارضان‪ ،‬ويطلب الترجيح‬
‫بينهما؛ فإن العقل الصحيح ال يعارضه النقل الصريح (‪.)1‬‬

‫وأما الدليل النقلي فهو معضد للبرهان العقلي‪ :‬فيما يستقل بإدراكه من‬
‫صفات هللا‪ :‬كالعلم‪ ،‬واإلرادة‪ ،‬والقدرة‪ ،‬كما أنه هو الطريق الوحيد للعلم‬
‫بصفات هللا التي ال يستقل العقل بإدراكها‪ :‬كالسمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬والكالم(‪.)2‬‬

‫ويؤكد ابن النفيس على دور الدليل السمعي في باب الصفات اإللهية‪ ،‬فيضع‬
‫في رسالته الكاملية فصال بعنوان‪":‬فيما يأتي به النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ‬
‫من صفات هللا تعالى"(‪.)3‬‬

‫أيضا يذكر ابن النفيس أن من منافع الرسالة‪ :‬تعريف الناس بصفات هللا‪،‬‬
‫فيروي عن اإلنسان المسمى بـ (كامل) أنه بعدما توصل إلى معرفة صفات‬
‫هللا بعقله‪َّ ":‬‬
‫تفكر بعد ذلك في منفعة النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ فرأى أن له‬
‫ثالث منافع‪ ،‬ومنها‪ :‬أنه يعرف الناس بجالل هللا تعالى وبسائر صفاته" (‪.)4‬‬

‫تعقيب‪ :‬وتعقيبا على قضية العلم بصفات هللا عند ابن النفيس أقول‪:‬‬

‫(‪ )1‬شرح الوريقات ص ـ ‪260‬‬


‫(‪ )2‬راجع شرح المعالم صـ ـ ‪358‬‬
‫(‪ )3‬الرسالة الكاملية ص ـ ‪193‬‬
‫(‪ )4‬الرسالة الكاملية ص ـ‪.163‬‬

‫‪782‬‬
‫أواًل‪ :‬أرى ابن النفيس محقا في اعتماده على البراهين العقلية في العلم‬
‫بصفات هللا تعالى؛ ألن هذه األدلة تفيد في قضية البناء؛ فعلى أساسها تُبنى‬
‫العقائد الثابتة‪ ،‬الخالصة من شوائب التقليد‪ ،‬وبهذا ينتقل المكلف من‬
‫حضيض التقليد إلى معالي المعرفة واليقين‪.‬‬

‫كذلك‪ :‬كان ابن النفيس ُمصيبا في عدم اعتماده على ما يفيد الظن من‬
‫المناهج العقلية‪ :‬كقياس التمثيل ونحوه؛ فإن هذه المسالك ال يصح االعتماد‬
‫عليها في العلم بصفات هللا‪.‬‬

‫ثانيـا‪ :‬ومــن جهــة أخــرى أرى أن قصــر ابــن النفــيس دور الــدليل الســمعي علــى‬ ‫ا‬
‫مجـ ــرد تأكيـ ــد ب ـ ـراهين العقـ ــول علـ ــى العلـ ــم بصـ ــفات هللا التـ ــي تسـ ــتقل العقـ ــول‬
‫بإدراكهـا‪ :‬فيــه شـيء مــن المبالغــة فـي تعظــيم دالالت العقــول‪ ،‬وبهـذا يؤكــد ابــن‬
‫النفـ ــيس علـ ــى مـ ــا قـ ــرره ـ سـ ــابقا ـ مـ ــن أن الـ ــدليل العقلـ ــي أشـ ــرف مـ ــن الـ ــدليل‬
‫السمعي(‪.)1‬‬

‫المسألة الثانية‪ :‬بعض صفات هللا تعالى عند ابن النفيس ‪.‬‬

‫بادئ ذي بدء أقول‪ :‬لقد كان حديث ابن النفيس عن صفات هللا تعالى حديثا‬
‫موجز‪ ،‬فلم يتناولها صفة صفة على جهة التفصيل؛ وذلك ألن هدفه‬
‫ا‬ ‫مجمال‬
‫من ذكر الصفات ليس إال إثبات أن اإلنسان بفطرته وعقله يمكن أن يهتدي‬
‫إلى استناد الكون إلى خالق متصف بصفات الكمال‪ ،‬منزه عن النقائص‪ ،‬وأن‬

‫(‪ )1‬راجع األساس الثاني من أسس منهج ابن النفيس الفلسفي‪ ،‬وذلك في المبحث‬
‫الثاني من هذه الدراسة‪.‬‬

‫‪783‬‬
‫يهتدي إلى اإليمان بالنبي‪ ،‬ومن ث َّم يعرف عن طريقه التفاصيل العقدية‬
‫والتشريعية (‪. )1‬‬

‫خص ابن النفيس بعض صفات هللا بالذكر‪ ،‬وبالقراءة‬


‫ومع هذا اإلجمال َّ‬
‫نص عليه عينا من صفات‬
‫المتأنية لحديثه عن صفات هللا يمكن تحديد ما َّ‬
‫هللا فيما يلي ‪:‬‬

‫أواًل‪ :‬المخالفة للحوادث‪ :‬وتعني‪ :‬ثبوت التنزيه التام هلل تعالى عن النقائص‪،‬‬
‫شيء من‬‫ٌ‬ ‫وعن مشابهة المخلوقين؛ فاهلل تعالى ال يشبه شيئا‪ ،‬وال يشبهه‬
‫يع‬ ‫خلقه‪ ،‬وهو كما قال في كتابه‪َ﴿ :‬ليس َك ِم ْثلِ ِه َشيء و ُهو َّ ِ‬
‫السم ُ‬ ‫ٌْ َ َ‬ ‫َْ‬
‫اْلَب ِص ُير﴾[الشورى من اآلية ‪ ،] 11‬فليس له حد وال نهاية‪ ،‬وال جارحة‪،‬‬
‫وليس بجسم‪ ،‬وال بجوهر‪ ،‬وال بعرض‪ ،‬وليس بمحسوس‪ ،‬وال هو في جهة‬
‫بحيث يشار إليه إشارة حسية (‪.)2‬‬

‫وهو كذلك‪ :‬واجب الوجود بذاته‪ :‬أي ال يفتقر في وجوده إلى سبب أو علة‬
‫أفادته الوجود‪ ،‬بل وجوده تعالى لذاته؛ ولذا كان قديما لم ُيسبق بعدم‪ ،‬وكان‬
‫باقيا ال ينتهي إلى عدم(‪. )3‬‬

‫موقف ابن النفيس من األلفاظ الموهمة للتشبيه‪:‬‬

‫في إطار تأكيد ابن النفيس على تنزيهه تعالى عن النقص‪ ،‬ومخالفته تعالى‬
‫للحوادث‪ ،‬وانطالقا من التأكيد على عدم معارضة ظواهر النصوص لما‬
‫تقضي به العقول من تنزه هللا تعالى عن مشابهة الخلق تناول مشكلة طرحها‬

‫(‪ )1‬راجع الرسالة الكاملية ص ـ ‪149‬‬


‫(‪ )2‬راجع الرسالة الكاملية ص ـ ‪. 193‬‬
‫(‪ )3‬راجع شرح تشريح القانون ص ـ ‪.25‬‬

‫‪784‬‬
‫من قبله ومن بعده أكثر العلماء‪ ،‬واختلفت مذاهبهم فيها ما بين تفويض تام‪،‬‬
‫ورد األمر إلى هللا ـ تعالى ـ جملة وتفصيال‪ ،‬مع اعتقاد التنزيه التام الذي ال‬
‫تشوبه أدنى شائبة‪ ،‬وبين تأويل لهذه النصوص وفقا لضوابط لغوية وشرعية‪،‬‬
‫وبين إثبات ما تشير إليه هذه األلفاظ من مع ٍ‬
‫ان على ظاهرها وحقيقتها‬
‫اللغوية(‪.)1‬‬

‫أما عن رأي ابن النفيس في متشابه الصفات فيتألف من العناصر التالية‪:‬‬

‫أ ـ اًلعتراف بصعوبة قضية متشابه الصفات‪:‬‬

‫يرى ابن النفيس أن قضية متشابه الصفات ليست من المطلوبات العقدية‬


‫األولى‪ ،‬وليست من التكاليف العينية‪ ،‬بل هي أمور يصعب فهمها؛ ولذا لم‬
‫نكلف بالبحث عنها‪ ،‬أو معرفة كنهها‪ ،‬والنبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ بيَّن لنا‬
‫فشيء يصعب الوصول‬
‫ٌ‬ ‫ما يلزمنا من معرفة صفاته تعالى‪ ،‬وأن ما وراء ذلك‪:‬‬
‫إليه (‪.)2‬‬

‫النبي ال ُيظه ُر أن وراء ذلك شيئا أخفاه‪ ،‬وال‬


‫َّ‬ ‫يقول ابن النفيس‪ ":‬فإن هذا‬
‫ُيكلف الناس ما ال يسهل عليهم الوقوف عليه‪ ،‬مما يعسر قبول الفهم له‪ ،‬كما‬
‫لو قال‪ :‬إن هللا تعالى ليس في داخل العالم‪ ،‬وال هو في خارجه‪ ،‬وإنه ليس‬

‫(‪ )1‬لتفصيل هذه المذاهب راجع‪ :‬مسائل العقيدة اإلسالمية بين التفويض واإلثبات‬
‫والتأويل‪ ،‬وآراء الفرق اإلسالمية فيها ‪ ،292/1‬أ‪.‬د‪/‬عبد العزيز سيف النصر‪ ،‬طبعة مكتبة‬
‫اإليمان بالقاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عام ‪2013‬م‪ ،‬وموقف السلف من المتشابهات بين‬
‫المثبتين والمؤولين‪ ،‬أ‪.‬د‪ /‬محمد عبد الفضيل القوصي‪ ،‬هدية مجلة األزهر‪ ،‬شهر رمضان‪،‬‬
‫عام ‪1439‬هـ‪ ،‬الموافق لشهر مايو‪ ،‬عام ‪2018‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬راجع الرسالة الكاملية ص ـ ‪.193‬‬

‫‪785‬‬
‫بجسم‪ ،‬وال بمحسوس‪ ،‬وال هو في جهة‪ ،‬وال إليه إشارة حسية؛ فإن هذه‬
‫األشياء لو صرح بها النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ‪ ،‬فإن لم يشتغل الناس‬
‫ٍ‬
‫معان‪ ،‬وإن اشتغلوا بفهمها‪:‬‬ ‫بفهمها‪ :‬كانت عندهم كاألشياء التي ليس لها‬
‫تشوشوا وتحيروا واشتغلوا بذلك عن معايشهم‪ ،‬وتدبير أحوالهم‪ ،‬واختل عليهم‬
‫نظام شملهم‪ ،‬فكان ذلك منافيا للمقصود األول للنبوة "(‪. )1‬‬

‫ومن خالل هذا النص الجامع يؤكد ابن النفيس على عمق هذه القضية‪،‬‬
‫وعلى سمتها التخصصية‪ ،‬فهي مما ال يلزم العوام فهمه؛ ألنهم لو اشتغلوا‬
‫وص ُمحكم ٍة‪ ،‬وهذا يؤدي‬
‫لصدهم عن االلتزام بما ورد به الشرع في ُنص ٍ‬
‫ُ‬ ‫بذلك َّ‬
‫إلى فساد عقدهم‪ ،‬واختالل دولهم‪ ،‬وفي هذا تضييع لفائدة الرسالة؛ فاألولى‬
‫أن يكون التركيز على ما فيه عمل‪ ،‬وهذا كان شأن السلف الصالح‪ ،‬وقد ُنقل‬
‫إجماعهم على ذلك‪ ،‬ويحكي إمام الحرمين الجويني هذا اإلجماع بقوله‪":‬‬
‫والدليل السمعي القاطع في ذلك إجماع الصحابة ـ رضي هللا عنهم ـ فإنهم‬
‫درجوا على ترك التعرض لمعاني المتشابهات مع أنهم كانوا ال يألون جهدا‬
‫في ضبط قواعد الملة‪ ،‬والتواصي بحفظها‪ ،‬وتعليم الناس ما يحتاجون إليه‬
‫منها "(‪.)2‬‬
‫ويؤكد شهاب الدين ابن جهبل ال َّ‬
‫كالبي(المتوفى عام ‪733‬هـ) على إمساك‬
‫تقصى‪ ،‬وفتَّش وجد أن‬
‫السلف عن الخوض في هذه القضية فيقول‪":‬ومن َّ‬
‫الصحابة‪ ،‬والتابعين‪ ،‬والصدر األول لم يكن دأبهم غير اإلمساك عن الخوض‬

‫(‪ )1‬الرسالة الكاملية ص ـ ‪193‬‬


‫(‪ )2‬العقيدة النظامية في األركان اإلسالمية صـ ـ ‪ ،23‬تأليف ‪ :‬إمام الحرمين الجويني‪،‬‬
‫المتوفى ‪ 478‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬اإلمام محمد زاهد الكوثري‪ ،‬طبعة المكتبة األزهرية للتراث ‪،‬‬
‫عام ‪1992‬م ‪.‬‬

‫‪786‬‬
‫في هذه األمور‪ ،‬وعدم ذكرها في المشاهد‪ ،‬ولم يكونوا يدسونها إلى العوام‪ ،‬وال‬
‫يتكلمون بها على المنابر‪ ،‬وال يوقعون في قلوب الناس منها هواجس كالحريق‬
‫المشعل‪ ،‬وهذا معلوم بالضرورة من سيرهم" (‪.)1‬‬

‫وعدم خوض السلف في هذه المشكالت معلل بما ذكره ابن النفيس من‬
‫الحرص على عدم تشويش القلوب والعقول‪ ،‬واالنشغال عن المطلوبات‬
‫األولى من الشرع‪ ،‬واالنصراف عن تدبير أمر المعاش‪ ،‬بما يؤدي إلى‬
‫اختالل نظام المجتمع (‪.)2‬‬

‫كذلك يمكن تعليل عدم خوضهم في متشابه الصفات‪ ،‬ونحوها من‬


‫المعضالت العقدية بأن السالف الصالح ـ رضي هللا عنهم ـ لم يكن حرصهم‬
‫إال على ما فيه عمل‪ ،‬ولم يكن دأبهم إال على الحث على التقوى‪ ،‬وفعل‬
‫الخير(‪.)3‬‬

‫معان ًل يفهمها إًل الراسخون‬


‫ٍّ‬ ‫ب ـ اإلقرار باشتمال متشابه الصفات على‬
‫في العلم ‪.‬‬

‫بعد تأكيد ابن النفيس على وجوب عدم خوض العوام في متشابه الصفات‪،‬‬
‫عاد وذكر أن لهذه القضية ُبعدا آخر‪ ،‬وهو فهم بعض ما تشير إليه هذه‬
‫األلفاظ من ٍ‬
‫معان في إطار التنزيه‪ ،‬وهذا هو مقام الخواص من الراسخين في‬
‫العلم ‪.‬‬

‫(‪ ) 1‬الحقائق الجلية في الرد على ابن تيمية للعالمة شهاب الدين بن جهبل ص ـ ‪،41‬‬
‫تحقيق ‪ :‬أ‪.‬د‪/‬طه الدسوقي حبيشي‪ ،‬طبعة الفجر الجديد ‪ ،‬عام ‪ 1987‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬راجع الرسالة الكاملية ص ـ ‪193‬‬
‫(‪ )3‬راجع الحقائق الجلية ص ـ ‪34‬‬

‫‪787‬‬
‫ويشير ابن النفيس إلى وظيفة الخواص تجاه هذه القضية فيقول‪":‬ومع ذلك‬
‫فال ُيهمل ـ أي‪ :‬النبي ـ التفصيل أصال‪ ،‬بل يجعل في كالمه من الرموز‬
‫واإلشارات ما يفهم منه الخواص تفصيل ذلك كله‪ ،‬مع اقتصار العامة على‬
‫ما يفهمونه من ظاهره"(‪.)1‬‬

‫عقال‪.‬‬
‫ج ـ الميل إلى التوقف في المتشابه مع اعتقاد التنزيه التام هلل ا‬
‫ٍ‬
‫معان‪ ،‬وأن فهم هذه المعاني هو‬ ‫بعد إقرار ابن النفيس بأن لمتشابه الصفات‬
‫مقام الخواص أكد على وجوب اإليمان بما جاء في القرآن الكريم والسنة‬
‫المطهرة على مراد هللا ـ تعالى ـ وعلى مراد رسوله ـ صلى هللا عليه وسلم ـ‪،‬‬
‫مع الحرص على تنزيه هللا ـ تعالى ـ عن شوائب التشبيه إعماال للبرهان‬
‫العقلي؛ فإن البراهين العقلية تحيل أن تُحمل ألفاظ االستواء‪ ،‬واليد‪ ،‬والعين‪،‬‬
‫والقدم‪ ،‬وغيرها على ظاهر ما ُوضعت له في اللغة؛ ألن حمل هذه النصوص‬
‫على ظاهرها يقتضي الجسمية‪ ،‬والتركيب‪ ،‬واالحتياج‪ ،‬وكل ذلك يتنافى مع‬
‫كمال األلوهية‪ ،‬وهذا هو السبيل األسلم في هذه القضية‪.‬‬

‫(‪ )1‬الرسالة الكاملية ص ـ ‪ ،194‬وفي قوله (مع اقتصار العامة على ما يفهمونه من‬
‫ظاهره) نظر؛ فهذه العبارة تتناقض مع ما ذكره من ضرورة توقف العوام في هذه القضية‪،‬‬
‫وعدم الخوض فيها‪ ،‬كما أنه قد ُيفهم منها موافقة مذهب ابن تيمية الذي يقضي بإجراء‬
‫هذه األلفاظ على ظاهرها‪ ،‬وإثباتها هلل على حقائقها اللغوية ومعانيها األولى‪.‬‬
‫وال أظن األمر كذلك؛ ألن الواضح من خالل نصوصه أنه يؤكد على أن األليق بحال‬
‫العوام اعتقاد التنزيه التام‪ ،‬مع عدم الخوض في هذه القضية‪ ،‬وهذه الجملة الموهمة من‬
‫كالمه قد تكون سبق قلم‪.‬‬

‫‪788‬‬
‫يقول ابن النفيس‪ ":‬لكن قد يعارض البرهان العقلي ظاهر الكتاب والسنة‪:‬‬
‫كالبراهين المانعة من أن يكون هلل عضو كاليد‪ ،‬أو الوجه‪ ،‬والمانعة للجلوس‬
‫ٍ‬
‫ف في مفهوم‬ ‫ويتوَّق ُ‬
‫في حقه تعالى‪ ،‬وحينئذ يجب األخذ بالبرهان العقلي‪ُ ،‬‬
‫ظاهر الكتاب العزيز والسنة المطهرة" (‪.)1‬‬

‫وهكذا يؤكد ابن النفيس على تظاهر األدلة السمعية والبراهين العقلية على‬
‫أمر التنزيه‪ ،‬وهو ما عليه أئمة أهل السنة‪ ،‬يقول اإلمام فخر الدين الرازي‪":‬‬
‫الظواهر المقتضية للجسمية والجهة ال تكون معارضة لألدلة العقلية القطعية‬
‫التي تفيد التنزيه‪ ،‬وال تقبل التأويل" (‪.)2‬‬

‫د ـ ميل ابن النفيس إلى عدم تأويل متشابه الصفات‪.‬‬

‫ٍ‬
‫معان تشير إلى أن التأويل هو بيان المشكل‬ ‫التأويل في اللغة يستعمل في‬
‫من األلفاظ برده إلى أصله‪ ،‬والكشف عن غايته وعاقبته (‪.)3‬‬

‫وأما التأويل في عرف أهل السنة فيطلق بإطالقين ‪:‬‬

‫األول‪ :‬تفسير الكالم وبيان معناه‪ ،‬سواء وافق معناه الظاهري‪ ،‬أم خالفه ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬الكشف عن الحقيقة الخارجية‪ ،‬واألثر الواقعي لمدلول الكلمة(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬شرح الوريقات ص ـ ‪.260‬‬


‫(‪ )2‬المحصل لإلمام الرازي ص ـ ‪.158‬‬
‫(‪)3‬راجع‪ :‬بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي ‪ ،291/2‬طبعة المجلس األعلى للشئون‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫(‪ )4‬راجع ‪ :‬قانون التأويل البن العربي ص ـ ‪ ( 241‬مقدمة المحقق د‪ /‬محمد‬
‫السليماني ) ط دار القبلة للثقافة اإلسالمية ‪ ،‬جدة‪.‬‬

‫‪789‬‬
‫كثير من أهل السنة في هذه المتشابهات‪ ،‬فصرفوها عن‬
‫والتأويل طريق سلكه ٌ‬
‫ظاهرها مع تعيين معناها وفقا لضوابط محددة‪ ،‬من أهمها‪:‬‬

‫از من‬ ‫‪ 1‬ـ أن يكون التأويل مقبوال‪ ،‬بأن يكون له ٌ‬


‫سند من اللغة والشرع؛ احتر ا‬
‫التأويالت التي ال سند لها‪ ،‬والتي تفتح أبوابا من المفاسد‪ ،‬وتؤدي إلى إسقاط‬
‫الشرائع‪.‬‬

‫المؤول في االطالع على حقيقة معاني هذه األلفاظ‪ ،‬ومراد‬


‫‪ 2‬ـ أن ال يطمع ُ‬
‫هللا منها‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ أن يكف عن تعيين المعنى الم ارد بالتأويل عند تعارض االحتماالت‪ ،‬فإذا‬
‫تعارضت االحتماالت‪ ،‬ولم يتبين المعنى المراد‪ :‬فالتوقف في التأويل أسلم‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ أن ال يكذب البرهان العقلي الصحيح؛ ألنا نعلم ـ قطعا ـ أن دالئل التنزيه‬
‫ال تتعارض مع البرهان العقلي‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ أن يتولى الراسخون في العلم واإليمان أمر التأويل؛ فقد تشتمل هذه‬
‫النصوص على رموز ال يفهمها إال خواص العلماء؛ ولهذا ذهب بعض‬
‫َّ‬
‫العلماء إلى ترجيح الوصل في قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َما َي ْعَل ُم َتأ ِْويَل ُه ِإًل َّ ُ‬
‫َّللا‬
‫آمَّنا ِب ِه ُك ٌّل ِم ْن ِعْن ِد َربَِنا ﴾‪ ،‬فعطف الراسخين‬ ‫ِ ِ‬ ‫و َّ ِ‬
‫الراس ُخو َن في اْلعْلمِ َيُقوُلو َن َ‬ ‫َ‬
‫في العلم على هللا إلفادة المشاركة في الحكم‪ ،‬وهو العلم بتأويل المتشابهات‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ أن ال ُيصار إلى التأويل إال عند الضرورة (‪. )1‬‬

‫(‪ )1‬لتفصيل هذه الضوابط راجع‪ :‬الموافقات في أصول الشريعة ألبي إسحاق‬
‫الشاطبي ‪ ، 81/3‬وإرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول لمحمد بن علي‬
‫الشوكاني ص ـ ‪ ، 759‬دار الفضيلة ‪ ،‬الرياض ‪ ،‬ط أولى عام ‪2000‬م ‪ ،‬ومجموع‬
‫==‬

‫‪790‬‬
‫ومع ضبط طريق التأويل بهذه الضوابط التي تجعل منه طريقا آمنا‪ ،‬ومنقذا ـ‬
‫في بعض الحاالت ـ من وهدة التشبيه‪ ،‬إال أن ابن النفيس لم يسلك هذا‬
‫الطريق‪ ،‬ولم يأخذ بالتأويل‪ ،‬بل اعتبر المصير إلى التأويل ـ خاصة إذا كان‬
‫بعيدا ـ لونا من سوء األدب على هللا ورسوله‪.‬‬

‫يقول ابن النفيس‪":‬وبعضهم يرى أنه ُيؤول ذلك الظاهر‪ ،‬وينزله على مقتضى‬
‫البرهان العقلي‪ ،‬ولو كان على وجه بعيد جدا في اللغة‪.‬‬

‫وهذا عندي من التحجر على هللا تعالى ورسوله‪ ،‬وسوء األدب عليهما؛ فإنه‬
‫من الجائز أن يكون المراد بذلك غير المعنى الذي وصل إلينا من المعاني‬
‫التي ال ينافيها البرهان العقلي‪ ،‬ولو أن أحدا ن َّزل كالم بعض الشعراء على ما‬
‫يقتضيه رأيه في أمر‪ ،‬وقال‪ :‬إني أجزم أن هذا هو المراد من قول هذا‬
‫الشاعر‪ :‬لكان ينبغي أن ُيه أز منه‪ ،‬مع مناسبة رأي هذا القائل لرأي ذلك‬
‫الشاعر‪ ،‬فكيف في حق هللا تعالى ؟! " (‪.)1‬‬

‫وقفة تحليلية نقدية‪:‬‬

‫بعد عرض رأي ابن النفيس في التأويل يمكن التعقيب عليه بما يلي‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ عدم ميل ابن النفيس إلى التأويل قد يكون منطلقا من اقتصاره على‬
‫سلوك سبيل السالمة‪ :‬كما فعل بعض أئمة أهل السنة‪ :‬كالباقالني الذي مال‬

‫==‬
‫الرسائل لإلمام الغزالي صـ ‪ ، 628‬ط المكتبة التوفيقية‪ ،‬وشرح الكبرى للسنوسي ص ـ‪،502‬‬
‫ط دار اإلمام الرازي‪ ،‬وقواعد العقائد لإلمام الغزالي ( ضمن إحياء علوم الدين ) ‪،128/1‬‬
‫ط دار الطباعة المحمدية ‪ ،‬ومجالس ابن الجوزي صـ ‪ ،65‬ط دار اإلمام البخاري‬
‫بالقاهرة‪.‬‬
‫(‪ )1‬شرح الوريقات ص ـ ‪.261‬‬

‫‪791‬‬
‫إلى ترك التأويل‪ ،‬وأثبت هلل هذه الصفات على مراد هللا‪ ،‬وعلى مراد رسوله‪،‬‬
‫وأمسك عن التأويل حيث ال ضرورة‪ ،‬بل إن اإلمام الغزالي اعتبر ترك التأويل‬
‫أسلم وأقرب إلى األمن يوم القيامة (‪.)1‬‬

‫‪2‬ـ المعضلة التي تعترض مذهب ابن النفيس هنا هي‪ :‬التعرض لشبهة ال‬
‫يزيلها إال التأويل؛ فقد يكون التأويل ـ في بعض المواطن ـ منقذا للعوام من‬
‫خطر‪،‬‬
‫ا‬ ‫السقوط في مخازي التشبيه‪ ،‬ففي هذه الحالة يكون ترك التأويل‬
‫ٍ‬
‫حينئذ ـ المصير إلى التأويل؛‬ ‫وتعريضا لكتاب هللا إلى رجم الظنون ‪ ،‬فيتعين ـ‬
‫فإن الناظر إذا ُخير بين التأويل والتشبيه‪ :‬فالتأويل خير له(‪.)2‬‬

‫وفيما أرى‪ :‬أن ميل ابن النفيس إلى ترك التأويل تماما ر ٌ‬
‫اجع إلى أنه يختار‬
‫مذهبا لنفسه‪ ،‬ولم يكن من المتعرضين لمواجهة ما يعرض للعوام من شبهات‬
‫نظر الشتغاله بالطب‪.‬‬
‫عقدية؛ ا‬

‫‪3‬ـ يؤخذ على ابن النفيس ـ كذلك ـ التسوية بين التأويل القريب والتأويل‬
‫البعيد‪ ،‬واعتبار أن الكل من سوء األدب على هللا وعلى رسوله‪.‬‬

‫فإن العلماء يشترطون في التأويل المأخوذ به في الصفات أن يكون تأويال‬


‫از عن التأويالت البعيدة التي يترتب عليها هدم‬
‫قريبا‪ ،‬مقبوال لغة وشرعا‪ ،‬احتر ا‬
‫الثوابت‪ ،‬وإسقاط الشرائع‪ ،‬واختزالها في ٍ‬
‫معان ال عالقة بينها وبين الخطابات‬
‫التكليفية اآلمرة بها‪.‬‬

‫(‪ )1‬راجع ‪ :‬راجع التمهيد لإلمام الباقالني ص ـ ‪ ،295‬ومجموع الرسائل لإلمام الغزالي‬
‫ص ـ‪. 628‬‬
‫(‪ )2‬راجع ‪ :‬اإلرشاد صـ ـ ‪ ،22‬وشرح الكبرى صـ ـ‪ ،502‬ومجالس ابن الجوزي ص ـ‪.64‬‬

‫‪792‬‬
‫يقول اإلمام الشاطبي‪ ":‬إذا تسلط التأويل على المتشابه فيراعي في المؤول به‬
‫أن يرجع إلى معنى صحيح في االعتبار‪ ،‬ويكون اللفظ المؤول قابال‬
‫له"(‪.)1‬‬

‫ويقول اإلمام ابن دقيق العيد‪( ،‬المتوفي عام ‪702‬هـ)‪":‬إذا كان التأويل من‬
‫المجاز البين الشائع‪ :‬فالحق سلوكه من غير توقف‪ ،‬أو من المجاز البعيد‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫الشاذ‪ :‬فالحق تركه"‬

‫وبناء على هذا‪ :‬فالتأويل منه القريب‪ ،‬ومنه البعيد‪ ،‬وهما ال يستويان‪ ،‬ولكن‬
‫ابن النفيس اعتبر الكل سواء‪ ،‬وهما عنده محظوران‪.‬‬

‫‪4‬ـ مما يؤخذ على ابن النفيس ـ كذلك ـ أنه بنى حكمه على أن التأويل حجٌر‬
‫على هللا ورسوله على أساس أن المؤول يقطع بأن تأويله هذا هو مراد هللا‪،‬‬
‫وهذا واضح من قوله‪":‬وهذا عندي من التحجر على هللا تعالى ورسوله‪ ،‬وسوء‬
‫األدب عليهما؛ فإنه من الجائز أن يكون المراد بذلك غير المعنى الذي‬
‫وصل إلينا من المعاني التي ال ينافيها البرهان العقلي"‪.‬‬

‫ودعواه هذه غير صحيحة؛ فإن من يذهب إلى التأويل يضبطه بضابط عدم‬
‫طمع المؤول في االطالع على حقيقة معاني هذه األلفاظ‪ ،‬ومراد هللا منها؛ إذ‬
‫ال يعلم مراد هللا إال هللا‪ ،‬فكل من ادعى علمه بمراد هللا‪ ،‬ومراد رسوله‪ :‬فهو‬
‫قاصر العقل‪ ،‬غير متحقق بمقام العلم(‪. )3‬‬

‫(‪ )1‬الموافقات ‪. 81/3‬‬


‫(‪ )2‬السيف الصقيل ص ـ ‪.107‬‬
‫(‪ )3‬راجع ‪ :‬مجموع الرسائل لإلمام الغزالي ص ـ ‪.268‬‬

‫‪793‬‬
‫وعلى كل حال‪ :‬فمذهب ابن النفيس في متشابه الصفات لم يخرج ـ في‬
‫مجمله ـ عما قرره أهل الحق من اعتقاد التنزيه التام‪ ،‬وامتناع إجراء هذه‬
‫النصوص على ظاهرها اللغوي‪ ،‬وأما إمساكه عن التأويل‪ :‬فهذا رأيه واختياره‬
‫لنفسه‪ ،‬وال حجر عليه فيه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الصفات الثبوتية ‪.‬‬


‫ا‬
‫بعد إشارة ابن النفيس إلى تنزيه هللا تعالى عن مشابهة خلقه‪ ،‬وعن سمات‬
‫الحدوث ينتقل إلى الجانب الثاني من صفاته تعالى‪ ،‬وهي الصفات الثبوتية‬
‫فتناولها إجماال‪ ،‬وذكر أن هللا موصوف بصفات الجالل والبهاء والكمال إلى‬
‫ٍ‬
‫حد ال نهاية له‪ ،‬وإنه يجب أن ُيطاع‪ ،‬وأن ُيعبد(‪.)1‬‬

‫نص ابن النفيس ـ دون تفصيل ـ على الصفات‬


‫ومن بين الصفات الثبوتية َّ‬
‫المتعلقة بخلق العالم وتدبيره‪ ،‬وهي‪ :‬العلم‪ ،‬واإلرادة‪ ،‬والقدرة‪ ،‬ويدل على‬
‫اتصافه بهذه الصفات جملة‪ :‬خروج العالم من الوجود إلى العدم على هذا‬
‫النحو من العناية واإلتقان؛ فإن خالق هذا الكون العجيب في صنعه‪ ،‬الغريب‬
‫في ترتيبه‪ ،‬البد أن يكون ا‬
‫قادر؛ لينقل العالم من العدم إلى الوجود‪ ،‬ـ أيضا ـ‬
‫يجب أن يكون مريدا؛ حتى يتأتى ترجيحه لوجود العالم على عدمه؛ وليتأتى‬

‫(‪ )1‬راجع ‪ :‬الرسالة الكاملية صـ ـ‪.193‬‬


‫وجملة (إلى حد ال نهاية له) تشير إلى أن صفات هللا في الواقع ونفس األمر ال‬
‫تتناهى‪ ،‬وال يعني حصر المتكلمين لها في عدد معين أنها في الواقع كذلك؛ فإن عدم‬
‫الدليل ال يلزم منه عدم المدلول‪.‬‬
‫راجع ‪ :‬شرح المعالم ص ‪414‬‬

‫‪794‬‬
‫تخصيصه لألشياء الموجودة بما هي عليه من الصفات‪ ،‬وكذلك داللة اإلتقان‬
‫تشهد بعلم الخالق؛ ألن من كان فعله متقنا كان عالما (‪. )1‬‬

‫وبهذا القدر ـ وهو إثبات أن للعالم موجدا‪ ،‬منزها عن كل نقص‪ ،‬متصفا بكل‬
‫كمال‪ ،‬ـ يكون اإلنسان قد قطع الخطوة األولى في سبيل معرفة الغاية التي‬
‫ُخلق من أجلها‪ ،‬ويكون قد حقق مقصده األول‪ ،‬وهو إثبات أن اإلنسان‬
‫صحيح العقل‪ ،‬المتحرر من المؤثرات الخارجية يمكنه أن يتعرف الحقائق‬
‫المتعلقة باإلله من إثبات وجوده ‪،‬وكماالته‪ ،‬وتنزهه عن النقص عقال‪.‬‬

‫(‪ )1‬راجع ‪ :‬الرسالة الكاملية ‪ ،158‬وقارن شرح المقاصد ‪. 81،66،93/3‬‬

‫‪795‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬المعاد عند ابن النفيس‬

‫بعد إثبات هللا ـ تعالى ـ ومعرفة صفاته ينتقل ابن النفيس إلى قضية المعاد‬
‫محاوال إقامة أصلها على أسس ومقدمات عقلية‪ ،‬وتدعيمه بأدلة نقلية‪ ،‬وفقا‬
‫لمنهجه الفلسفي‪ ،‬ويتبع في ذلك نفس منهجه الروائي‪ ،‬فيذكر أن اإلنسان‬
‫المسمى بـ(كامل) بعد معرفته بوجود الصانع‪ ،‬وبصفاته إجماال‪ ،‬تفك َّر في‬
‫الغاية من خلقه‪ ،‬وأخذ يطرح على نفسه األسئلة حول المصير والمعاد‪ ،‬ومن‬
‫خالل رواية ابن النفيس عن(كامل) ما توصل إليه بعقله المجرد في أمر‬
‫المعاد‪ ،‬يحدد ابن النفيس معالم فلسفته حول حقيقة المعاد‪ ،‬وفي إطار فلسفة‬
‫المعاد تحدث ابن النفيس عن التركيب اإلنساني وخواص النفس والبدن‪،‬‬
‫ويمكننا أن نلحظ من خالل كالمه عن خواص البدن والنفس تمهيدا لمذهبه‬
‫في حقيقة المعاد‪ ،‬وإمكان إعادة النفوس واألبدان عقال‪ ،‬وفيما يلي تفصيل‬
‫ذلك‪:‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬تركيب اإلنسان عند ابن النفيس‪.‬‬

‫لقد تناول ابن النفيس تركيب اإلنسان بشكل مركز‪ ،‬باعتباره مقدمة لمذهبه‬
‫في حقيقة المعاد‪ ،‬فقرر أن اإلنسان مركب من النفس والبدن‪ ،‬و ٍ‬
‫لكل منهما‬
‫خواص‪:‬‬

‫فمن خواص البدن ‪:‬‬

‫شيء محسوس‪ُ ،‬يدرك بالحس الظاهر ‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫أ ـ أنه‬

‫‪796‬‬
‫ب ـ أنه متغير بحسب مراحل العمر‪ ،‬ثم يفنى كله إال عجب َّ‬
‫الذنب؛ فإن بدن‬
‫اإلنسان طفال ليس هو بدنه شيخا‪ ،‬وكذلك أجزاء البدن متغيرة؛ ألنها دائما‬
‫في تحلل واغتذاء(‪.)1‬‬
‫ٍ‬
‫بشيء‬ ‫ج ـ اإلنسان قد يغفل عن بدنه؛ فإن اإلنسان حال ما يكون مهتما‬
‫يقول‪ :‬قلت كذا‪ ،‬وفعلت كذا‪ ،‬وهذه الضمائر دالة على نفسه المخصوصة‪،‬‬
‫فهو في هذه األحوال عالم بنفسه وبذاته‪ ،‬وغافل عن جميع أعضائه الظاهرة‬
‫والباطنة‪ ،‬والمعلوم مغاير لما ليس بمعلوم(‪. )2‬‬

‫ومن خواص النفس ‪:‬‬

‫أ ـ أنها جوهر ليس بجس ٍم‪ ،‬وال حاال في جسم؛ ألن النفس لو كانت جسما‪:‬‬
‫لكان ما يحل فيها له وضع‪ ،‬وشكل‪ ،‬وانقسام‪ ،‬ومما يحل في النفس‪:‬‬
‫اإلدراكات والعلوم‪ ،‬فيلزم أن تكون العلوم منقسمة بانقسام النفس‪ ،‬فال يوجد‬
‫مفرد ألبتة‪ ،‬وهذا محال‪ ،‬فالبد أن تكون النفس مجردة عن المواد‬
‫ٌ‬ ‫عل ٌم‬
‫الجسمانية(‪.)3‬‬

‫ب ـ أن النفس الناطقة حادثة‪ ،‬أي‪ :‬لم تكن موجودة ثم وجدت؛ ألنها ممكنة‬
‫في ذاتها‪ ،‬وكل ممكن حادث‪ ،‬كما أنها متكثرة‪ ،‬قابلة للزيادة والنقصان‪ ،‬وكل‬

‫(‪ )1‬راجع الرسالة الكاملية ص ـ ‪197‬‬


‫(‪ )2‬راجع شرح المعالم ص ـ ‪. 627 ، 626‬‬
‫(‪ )3‬راجع الرسالة الكاملية ص ـ ‪ ، 198‬وقارن ‪ :‬النجاة ‪ ،23/2‬وشرح المعالم صـ‬
‫‪637‬‬

‫‪797‬‬
‫متكثر حادث‪ ،‬ويعبر ابن النفيس عن حدوث النفس بقوله‪ ":‬فهي ال توجد قبل‬
‫وجود المادة الممتزجة التي يتكون منها بدن اإلنسان"(‪.)1‬‬

‫والدليل على حدوث النفس عنده‪ :‬أننا لو قلنا بوجود النفس قبل البدن‪ :‬فإما‬
‫أن تكون واحدة‪ ،‬أو كثيرة‪ ،‬وكالهما محال‪:‬‬

‫أما استحالة كونها واحدة‪ :‬فإنها لو كانت واحدة لكانت األبدان الكثيرة متعلقة‬
‫احد من العلوم يحصل للكل‪ ،‬فيلزم‬ ‫بنفس واحدة بالشخص‪ ،‬فما يحصل لكل و ٍ‬
‫أن يكون كل ما علمه زيد معلوم لكل و ٍ‬
‫احد‪ ،‬وبالعكس (‪.)2‬‬

‫أما استحالة كونها كثيرة‪ :‬فألن جميع األنواع تتكثر أفرادها ألجل المادة التي‬
‫تتعلق بها؛ فلذلك ال تكون النفوس قبل حدوث هذه المواد متكثرة(‪. )3‬‬

‫وبالجملة‪ :‬يؤكد ابن النفيس على المفارقة بين النفس وبين البدن‪ ،‬وأنها ال‬
‫توجد قبل البدن‪ ،‬وكذلك البدن ال ُيفقد‪ ،‬والبنية ال تنهدم مادامت النفس متعلقة‬
‫بالبدن‪.‬‬

‫يقول ابن النفيس‪ ":‬فإذا‪ :‬نفس اإلنسان إنما يمكن وجودها بعد وجود المادة‬
‫ط في وجود نفس اإلنسان‪،‬‬
‫الممتزجة مزاجا إنسانيا‪ ،‬فوجود هذه المادة شر ٌ‬

‫(‪ )1‬الرسالة الكاملية ص ـ ‪.198‬‬


‫(‪ )2‬راجع الرسالة الكاملية ص ـ ‪.198‬‬
‫(‪ )3‬راجع الرسالة الكاملية ص ـ ‪ ،198‬وقارن المحصل للرازي صـ ـ ‪ ،26‬وفيه قرر‬
‫اإلمام الرازي دليل استحالة تكثر النفوس بوجه آخر خالصته‪ :‬أن النفوس لو كانت كثيرة‬
‫قبل حدوث أبدانها‪ :‬فالبد من االمتياز بالذاتيات أو بالعرضيات‪ ،‬وهذا االمتياز يتحقق عند‬
‫تغاير المواد‪ ،‬وقبل األبدان ال مواد‪ ،‬فال يتحقق االختالف‪ ،‬وبالتالي يبطل تكثر النفوس‬
‫قبل حدوث أبدانها‪.‬‬

‫‪798‬‬
‫وهذه المادة تحدث من المني ونحوه‪ ،‬وإذا تعلقت بها النفس‪ ،‬ثم أخذت في‬
‫االغتذاء‪ ،‬وتخليق اآلالت‪ ،‬حدث من ذلك البدن‪ ،‬وهذه المادة تسمى عج ُب‬
‫الذنب‪ ،‬ومحال أن تُفقد مادامت النفس موجودة‪ ،‬وإال كانت النفس مستغنية‬
‫عنها في وجودها‪ ،‬فال يكون وجود النفس متوقفا عليها‪ ،‬هذا خلف‪ ،‬فإذا‪:‬‬
‫يستحيل فقدان هذه المادة مع وجود نفس اإلنسان" (‪. )1‬‬

‫وفيما أرى‪ :‬أن قول ابن النفيس بتوقف وجود النفس على وجود البدن وتمام‬
‫مزاجه واستعداده فيه إشارة إلى مبدأ الخلق الذي طالما أكد عليه مرارا‪ ،‬وها‬
‫هو يشرح تكون اإلنسان‪ ،‬وخلقه‪ ،‬ونفخ الروح فيه‪ ،‬من خالل روايته لتخليق‬
‫اإلنسان المسمى بـ(كامل)‪ ،‬فيقول‪":‬وكأن كل جزٍء ُيشبه في مزاجه مزاج‬
‫عضو ؛‪ ...‬فلذلك كانت هذه األجزاء مستعدة ألن يتكون منها أعضاء إنسان‪،‬‬
‫وهللا تعالى ـ لكرمه ـ ال يمنع مستحقا مستحقه‪ ،‬ويعطي كل ُمستع ٍد ما يستعد‬
‫له؛ فلذلك خلق من تلك األجزاء أعضاء إنسان‪ ،‬ومن جملتها بدن إنسان‪.‬‬

‫وكان يتبخر من ذلك الطين عند تسخنه أبخرة كثيرة‪ ،‬فكان بعضها لطيفا‬
‫هوائيا‪ ،‬شبيها في مزاجه بمزاج روح إنسان‪ ،‬فتكَّون من ذلك روح إنسانية‪،‬‬
‫فكمل بذلك تكو ُن إنسان" (‪.)2‬‬

‫ومن خالل النص السابق ينفي ابن النفيس عن نفسه شبهة القول بالتولد‬
‫العذري الذاتي؛ فقد ظهر واضحا ـ من خالل النص السابق ـ أن ابن النفيس‬
‫يقول بنشأة وتولد اإلنسان بفعل التخليق‪ ،‬وفي إطار القدرة اإللهية(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬الرسالة الكاملية ص ـ ‪. 199 ، 198‬‬


‫(‪ )2‬الرسالة الكاملية ‪.152‬‬
‫(‪ )3‬راجع ابن النفيس‪ :‬الفيلسوف المسلم ص ـ ‪ ، 67‬أد‪ /‬حامد طاهر ‪.‬‬

‫‪799‬‬
‫ج ـ أن النفس باقية بعد فناء البدن؛ ألنها ال مادية؛ ولذا فهي باقية‪ ،‬ال تقبل‬
‫العدم؛ ألن القابل للعدم هو ما له مادة‪ ،‬يكون فيها تارة موجودا‪ ،‬وتارة‬
‫معدوما‪ ،‬والنفس ال مادة لها(‪.)1‬‬

‫جوهر ال ماديا ـ عند ابن النفيس‪،‬‬


‫ا‬ ‫وبقاء النفس له سبب آخر ـ غير كونها‬
‫وهو بقاء عجب َّ‬
‫الذنب‪ ،‬والنفس لها تعلق به‪ ،‬فاأللم واللذة في القبر مبنيان‬
‫على ذلك ـ أي‪ :‬على بقاء الروح وعجب َّ‬
‫الذنب ـ وبهذا يكون العذاب والنعيم‬
‫في القبر عنده للروح وللبدن‪.‬‬
‫يقول ابن النفيس‪":‬فلذلك المادة التي هي عجب َّ‬
‫الذنب ال يمكن عدمها؛ فلذلك‬
‫هي تبقى بعد موت البدن وباله‪ ،‬وتكون النفس عند بقائها مدركة عالمة‪،‬‬
‫ألم‪ ،‬وهما اللذان يكونان في القبر"(‪. )2‬‬ ‫ٍ‬
‫نعيم و ٌ‬
‫فيحدث حينئذ ٌ‬
‫تعقيب‪ :‬قول ابن النفيس ببقاء النفس موافق لما قررته نصوص القرآن الكريم‪،‬‬
‫يل َّ ِ‬‫ين ُق ِتُلوا ِفي س ِب ِ‬ ‫ِ‬
‫َم َو ااتا‬
‫َّللا أ ْ‬ ‫َ‬ ‫والسنة المطهرة‪ :‬كقوله تعالى‪َ ﴿:‬وًَل َت ْح َسَب َّن َّالذ َ‬
‫ند َرب ِِه ْم ُيْرَزُقو َن﴾ [آل عمران آية ‪ ،] 169‬وقوله تعالي‪َّ ﴿ :‬‬
‫الن ُار‬ ‫اء ِع َ‬ ‫َحَي ٌ‬
‫َب ْل أ ْ‬
‫َشَّد‬‫آل ِفْر َع ْو َن أ َ‬ ‫ِ‬
‫اع ُة أ َْدخُلوا َ‬ ‫الس َ‬
‫وم َّ‬ ‫ِ‬
‫ضو َن َعَل ْي َها ُغ ُد ًّوا َو َعشًّيا َوَي ْوَم َتُق ُ‬ ‫ُي ْعَر ُ‬
‫اب﴾ [غافر آية ‪ ،]46‬ولما ُسئل النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ عن قوله‬ ‫اْل َع َذ ِ‬

‫اء ِع َ‬ ‫يل َّ ِ‬
‫ين ُق ِتُلوا ِفي س ِب ِ‬ ‫ِ‬
‫ند َرب ِِه ْم‬ ‫َحَي ٌ‬
‫َم َو ااتا َب ْل أ ْ‬
‫َّللا أ ْ‬ ‫َ‬ ‫تعالى‪َ ﴿:‬وًَل َت ْح َسَب َّن َّالذ َ‬

‫(‪ )1‬راجع الرسالة الكاملية ص ـ ‪.199‬‬


‫(‪ )2‬الرسالة الكاملية ص ـ‪.199‬‬

‫‪800‬‬
‫يل ُم َعَّلَق ٌة ِباْل َعْر ِ‬
‫ش‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يرَزُقو َن﴾ قال‪(:‬أَرواحهم ِفي جو ِ‬
‫ط ْي ٍّر ُخ ْض ٍّر‪َ ،‬ل َها َقَناد ُ‬
‫ف َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ َ ُُْ‬ ‫ُْ‬
‫ِ ِ (‪)1‬‬
‫اء ْت ‪ ،‬ثُ َّم َتأْوِي ِإَلى ِتْل َك اْلَقَناديل) ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َتسر ِ‬
‫ح م َن اْل َجَّنة َح ْي ُث َش َ‬
‫َْ ُ‬
‫ويظهر أثر بقاء النفس عند ابن النفيس وقت البعث؛ فعند البعث تنهض‬
‫النفوس‪ ،‬وتُغذي عجب َّ‬
‫الذنب‪ ،‬وتجذب المواد األخرى إليها‪ ،‬فتجتمع األجزاء‬
‫جمع‬
‫ٌ‬ ‫التي تفرقت‪ ،‬ويحدث البدن مرة أخرى‪ ،‬فهذه هي كيفية اإلعادة‪ ،‬فهي‬
‫المعاد هو عين األول(‪.)2‬‬
‫عن تفريق‪ ،‬فالجسم ُ‬
‫وإذا كانت النفس باقية بعد تحلل البدن في الدنيا‪ ،‬فهي باقية ـ كذلك ـ في‬
‫الحياة اآلخرة سواء أكان اإلنسان ُمنعما‪ ،‬أم ُمعذبا‪ :‬بقاؤها في حال النعيم‬
‫ظاهر‪ ،‬وأما بقاؤها في حال العذاب مع احتراق أجساد المعذبين؛ فألن تلك‬
‫النار كلما أحرقت األجزاء الحادثة التي في ذلك البدن‪ ،‬عادت النفس‪َّ ،‬‬
‫وولدت‬
‫من المواد بدنا آخر‪ ،‬وهذه األبدان كالمحيطة بتلك المادة؛ فلذلك تُسمى‬
‫جلودا‪ ،‬وتتبدل هذه الجلود بدوام البقاء في النار" (‪.)3‬‬

‫مما سبق‪ :‬ينتهي ابن النفيس إلى أن اإلنسان ليس هو هذا البدن‪ ،‬وإنما هو‬
‫النفس بما لها من خواص‪ ،‬وهذا بمثابة التقديم لبيان حقيقة المعاد عنده‬
‫تفصيال‪.‬‬

‫(‪ )1‬الحديث أخرجه مسلم في صحيحه بسنده من حديث عبد هللا بن مسعود ـ رضي‬

‫اب‪ :‬بيان أ َّن أرواح الشهداء في الجَّنة ‪ ،‬وأَّن ُهم أحي ٌ‬


‫اء عند ربهم‬ ‫هللا عنه ـ كتاب اإلمارة ـ ب ُ‬
‫ُيرزُقون ـ حديث رقم ‪.3611‬‬
‫(‪ )2‬راجع الرسالة الكاملية ص ـ ‪ ،199‬وقد اختلف المتكلمون في كيفية اإلعادة‪ ،‬وفي‬
‫المعاد‪ ،‬ولتفصيل هذه القضية والمذاهب فيها راجع ‪ :‬شرح المقاصد ‪. 352/3‬‬
‫تعيين ُ‬
‫(‪ )3‬الرسالة الكاملية ص ـ ‪(200‬بتصرف)‬

‫‪801‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حقيقة المعاد عند ابن النفيس‬

‫قبل تقرير مذهب ابن النفيس في حقيقة المعاد ينبغي اإلشارة ـ بإيجاز شديد ـ‬
‫إلى الخالف بين المتكلمين وابن سينا في حقيقة المعاد‪:‬‬

‫فقد ذهب ابن سينا إلى أن المعاد روحاني فقط؛ ألن البدن ينعدم بصوره‬
‫وأعراضه فال ُيعاد‪ ،‬والنفس جوهر‪ ،‬مجرد‪ٍ ،‬‬
‫باق‪ ،‬يعود إلى عالم المجردات‬
‫بقطع التعلقات(‪.)1‬‬

‫وقد أقام مذهبه على دعائم منها ‪:‬‬

‫أ ـ استعالء اللذات النفسية على اللذات الجسمية؛ فإ َّن ُ‬


‫المحصل للذة معنوية‬
‫قد ُيعرض عن اللذة الحسية‪ :‬كما َّ‬
‫أن صاحب العفة قد يترك اللذات الجسمية‬
‫مراعاة للحشمة والوقار‪.‬‬

‫عاجز‬
‫ا‬ ‫ب ـ اعتبار من يقصر اللذة على االلتذاذ بالمحسوسات قاصر العقل‪،‬‬
‫عن درك الحقائق؛ فإن المفهوم المعتبر للذة عند العقالء هو‪ :‬إدراك ونيل‬
‫لوصول ما هو عند المدرك كمال وخير‪ ،‬من حيث هو كذلك(‪.)2‬‬

‫وبعد تفصيالت كثيرة‪ ،‬وشرح طويل ينتهي ابن سينا إلى أن الكمال الحقيقي‪،‬‬
‫واللذة الالئقة بحال اإلنسان هي اللذة العقلية‪ ،‬وذلك بمشاهدة واجب الوجود‬
‫(‪. )3‬‬

‫(‪ )1‬راجع ‪ :‬شرح المقاصد ‪344/3‬‬


‫(‪ )2‬راجع اإلشارات والتنبيهات ‪ 8/4‬ـ ‪11‬‬
‫(‪ )3‬اإلشارات والتنبيهات ‪23/4‬‬

‫‪802‬‬
‫وإذا كانت اللذة الحقيقية هي اللذة العقلية كان البدن عائقا عن بلوغها‬
‫وشاغال عنها‪ ،‬ومن هنا كان االنهماك في اللذات الحسية مانعا لإلنسان عن‬
‫الوصول إلى كماله العقلي الالئق بحاله‪ ،‬وهذا االنهماك يعود إلى إيثار‬
‫للذة الحسية على كماالته العقلية‪ ،‬فإيثار اإلنسان لذلك اليغير‬ ‫اإلنسان‬
‫مقاييس الكمال والنقص (‪. )1‬‬

‫وبعد هذه التمهيدات والمقدمات ينتهي ابن سينا إلى تقرير القول بالمعاد‬
‫الروحاني‪ ،‬وأنه هو اللذة الحقيقية‪ ،‬وأن النفس إذا تخلصت من الشواغل‬
‫الحسية‪ ،‬واألدران البدنية تصل إلى عالم القدس‪ ،‬وتحصل لها اللذة العليا (‪.)2‬‬

‫ويؤكد ابن سينا البعث الروحاني عن طريق القول بأن البعث الجسماني‬
‫يؤدي إلى ما يشبه تناسخ األرواح‪ ،‬وهو محال؛ لما يلزم عليه أن يكون للبدن‬
‫المعادة إذا تألفت وامتزجت على هيئة‬
‫الواحد نفسان؛ وذلك ألن األجزاء ُ‬
‫نفس مستحدثة‪ ،‬وكذلك حينما ُيعاد‬
‫خاصة‪ :‬فاض عليها من العقل الفعال ٌ‬
‫البدن تُعاد معه نفسه األولى‪ ،‬فيكون للبدن الواحد نفسان فتتصال به‪ ،‬أو‬
‫تتنازعا فيما بينها من أجل االتصال به‪ ،‬وهذا يؤدي إلى فساد (‪. )3‬‬

‫أما النصوص الشرعية التي تثبت المعاد الجسماني‪ ،‬فهي ـ عند ابن سينا ـ‬
‫خطاب للجمهور بما يفهمون‪ ،‬وتمثيل للذات العقلية في صور حسية‬
‫ٌ‬

‫(‪ )1‬راجع اإلشارات والتنبيهات ‪26/4‬‬


‫(‪ )2‬راجع اإلشارات والتنبيهات ‪32/4‬‬
‫(‪ )3‬اإلشارات والتنبيهات ‪.95/2‬‬

‫‪803‬‬
‫ملموسة‪ ،‬وهذه النصوص جارية على عادة العرب في الكالم من التوسع‬
‫والمجاز(‪. )1‬‬

‫وعلى الجانب المقابل‪ :‬ذهب أكثر المتكلمين إلى إثبات المعاد الروحاني‬
‫والجسماني معا‪ ،‬واستدلوا على ذلك بأدلة منها‪:‬‬

‫طــ ِي‬ ‫اء َك َ‬ ‫الســ َم َ‬‫أ ـ آي ــات الق ـرآن الك ـريم م ــن نح ــو قول ــه تع ــالى‪َ ﴿ :‬يــ ْوَم َن ْطــوِي َّ‬
‫ق ُّن ِعيــــ ُـد ُه َو ْعـــــ ادا َعَل ْيَنـــــا ِإَّنـــــا ُكَّنـــــا‬
‫الســـ ـ ِج ِل لِْل ُك ُتـــــ ِب َك َمـــــا َبـــــ َد ْأَنا أ ََّو َل َخْلـــــ ٍّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ان أََّلـن َّن ْج َمـ َع‬ ‫نسـ ُ‬ ‫اإل َ‬‫ين﴾[األنبيــاء آيــة ‪ ،]104‬وقولــه تعــالى‪﴿ :‬أََي ْح َسـ ُب ِْ‬ ‫َفاعلِ َ‬
‫ِي َبَناَن ُه﴾ [ القيامة اآليتان ‪3‬ـ‪]4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِع َ‬
‫ين َعَل ٰى أَن ُّن َسو َ‬ ‫ام ُه * َبَل ٰى َقاد ِر َ‬ ‫ظَ‬
‫ب ـ أن إعادة الجسد أمر ممكن عقال‪ ،‬وقد أخبر به الصادق فيكون واقعا‪،‬‬
‫وإمكانه يعود إلى قدرة الفاعل على إعادته‪ ،‬وإلى قابليته للوجود مرة أخرى (‪.)2‬‬

‫مذهب ابن النفيس في حقيقة المعاد‪:‬‬

‫أما ابن النفيس‪ :‬فيرى أن البعث حق‪ ،‬وبرغم تأثره بفلسفة ابن سينا إال أنه‬
‫قرر أن البعث للبدن وللروح معا‪ ،‬واستدل على مذهبه بالوجوه التالية‪:‬‬

‫‪1‬ـ أن القول بالبعث الروحاني والجسماني هو الالئق بحال المخاطبين‬


‫بالشريعة؛ فالخواص يدركون أن الكمال في اللذات الروحانية‪ ،‬وكذلك ‪:‬‬
‫اللذات الجسمية تحقق نوعا من السعادة والكمال‪ ،‬وأما العوام فال يدركون إال‬
‫الكمال الحسي‪ ،‬ثم يكون الكمال الحسي طريقا إلى الكمال الروحاني؛ ولذا‬

‫(‪ )1‬راجع األضحوية في المعاد صـ ـ‪ ، 103‬تأليف‪ :‬الشيخ الرئيس ابن سينا‪ ،‬طبعة‬
‫المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬عام‬
‫‪1987‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬راجع شرح المعالم صـ ‪ ، 668‬وشرح المقاصد ‪. 346/3‬‬

‫‪804‬‬
‫كان خطاب النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ لألمة في قضية إثبات الحشر‪،‬‬
‫والبعث‪ ،‬والجزاء أكثر التصاقا بالصور الحسية‪.‬‬

‫أثر في الترغيب‬
‫‪ 2‬ـ إثبات المعاد الروحاني والجسماني أوقع وأعظم ا‬
‫والترهيب‪ ،‬ويوضح ذلك ابن النفيس بقوله ‪ ":‬ثُ َّم َّ‬
‫فكر (كامل) بعد ذلك‪ ،‬فرأى‬
‫أن هذا النبي ال يجوز أن يجعل المعاد روحانيا‪ ،‬فإن أذهان أكثر الناس‬
‫صر عن درك اللذات واآلالم الروحانيين؛ فإنه لو قيل للعامي‪:‬إنك إذا فعلت‬
‫تق ُ‬
‫العبادات على ما ينبغي‪ ،‬وأعرضت عن هذه اللذات المحرمة‪ ،‬وكانت‬
‫معاملتك للناس على العدل‪ ،‬فإن هللا ُينقلك إلى عالم ال تأكل فيه‪ ،‬وال تشرب‪،‬‬
‫وال تنكح‪ ،‬وال تلبس‪ ،‬وال تنام‪ ،‬بل تكون دائما في تسبيح وتقديس‪ ،‬ومع ذلك‬
‫فال تُؤجر على ذلك‪ ،‬وال تُنقل إلى حالة أخرى‪ :‬لكان ذلك العامي يرى أن‬
‫فقدان هذه السعادة أولى"(‪. )1‬‬

‫ومن خالل هذا النص يشير ابن النفيس إلى أن أذهان العوام أكثر تعلقا‬
‫صر عقولهم عن إدراك المعاني العقلية؛‬‫بالصور المادية المحسوسة؛ ولذا تق ُ‬
‫ولهذا كان الخطاب بما يتناسب مع أفهامهم‪ ،‬وال مانع أن ُيراد بالثواب‬
‫واللذات األمران معا‪ ،‬وأيضا‪ :‬إذا وقع الخطاب بما ألف ُه العوام من ملذات‬
‫أثر في الترغيب والترهيب‪.‬‬
‫وآالم حسية بدنية‪ :‬كان أوقع وأعظم ا‬

‫يقول ابن النفيس بعدما ذكر أن الخطاب مع العوام بالملذات واآلالم العقلية‬
‫ال ينفع‪":‬وال كذلك إذا قيل له‪ :‬إنك إذا فعلت ما قلناه فإنك تنتقل إلى مأكل‬

‫(‪ )1‬الرسالة الكاملية ص ـ ‪.196‬‬

‫‪805‬‬
‫شه ٍي‪ ،‬ومنك ٍح به ٍي‪ ،‬وإن هناك من الخمر أنهارا‪ ،‬وكذلك من العسل‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك"(‪. )1‬‬

‫‪ 3‬ـ العدل اإللهي‪ :‬وبجانب أثر الخطاب في قضية المعاد بما يؤثر في‬
‫عد آخر‪ ،‬وهو العدل اإللهي؛ فإن‬
‫النفس كان لهذه القضية عند ابن النفيس ُب ٌ‬
‫المعاد لما كان سبيال إليصال الجزاء إلى مستحقه كان البد من القول‬
‫بوجوب بعث الروح والبدن؛ ألن الروح بدون البدن ال يمكن تنعيمها‪ ،‬أو‬
‫إيالمها؛ ألن البدن آلة الروح‪ ،‬ووسيلتها للشعور بالنعيم والعذاب؛ ألن الروح‬
‫من المجردات‪ ،‬فال تشعر بما هو مادي إال بآلة مادية‪ ،‬وهي البدن‪ ،‬وكذلك‬
‫البدن بدون الروح جثة ميتة ال شعور له‪ ،‬فال فائدة في تعذيبه أو تنعيمه‪.‬‬

‫يقول ابن النفيس‪":‬وال يجوز ـ أيضا ـ أن ُيجعل المعاد بدنيا فقط؛ وذلك ألن‬
‫البدن بدون النفس معلوم عند الناس أنه إنما يكون كالخشبة‪ ،‬ال شعور له‬
‫بشيء‪ ،‬وإذا كان كذلك‪ ،‬لم تكن له لذة وال ألم‪ ،‬فال تكون له سعادة وال شقاوة‪،‬‬
‫فال يكون للمعاد جدوى؛ فلذلك البد أن يجعل هذا النبي ـ صلى هللا عليه‬
‫وسلم ـ المعاد ُمركبا من البدن والنفس معا"(‪.)2‬‬

‫وبجانب هذه الوجوه العقلية السابقة التي يستند إليها ابن النفيس في إثبات‬
‫المعاد للروح وللبدن معا‪ ،‬يسوق ما يؤكد ذلك ويدعمه من النصوص‬
‫ام‬
‫ظَ‬ ‫ال َمن ُي ْحِيي اْل ِع َ‬ ‫ِ‬
‫الشرعية‪ :‬كقوله تعالى‪َ ﴿:‬و َضَر َب َلَنا َم َث اال َوَنس َي َخْلَق ُه َق َ‬
‫يم﴾[يس‬ ‫َها أ ََّول مَّرٍّة و ُهو ِب ُك ِل َخْل ٍّ ِ‬
‫ق َعل ٌ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫يها َّال ِذي أ َ‬
‫َنشأ َ‬ ‫َو ِه َي َرِم ٌ‬
‫يم * ُق ْل ُي ْحِي َ‬

‫(‪ )1‬الرسالة الكاملية ص ـ ‪.196‬‬


‫(‪ )2‬الرسالة الكاملية ص ـ ‪196‬‬

‫‪806‬‬
‫ين َك َفُروا أَن َّلن ُي ْب َعثُوا ُق ْل َبَل ٰى‬ ‫ِ‬
‫اآليتان ‪78‬ـ ‪ ،]79‬وقوله تعالى‪َ ﴿:‬ز َع َم َّالذ َ‬
‫َّللا َي ِس ٌير﴾[التغابن آية ‪.]7‬‬ ‫وربِي َل ُتبع ُث َّن ثُ َّم َل ُتَنَّب ُؤ َّن ِبما ع ِمْل ُتم و َٰذلِك عَلى َّ ِ‬
‫َ َ ْ َ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫ََ‬

‫‪807‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬النبوة والرسالة عند ابن النفيس‬

‫بعد إثبات ابن النفيس لوجود اإلله‪ ،‬المتصف بالكمال‪ ،‬المنزه عن النقص‪،‬‬
‫وإثباته للمعاد الروحاني والجسماني‪ ،‬والذي يقع فيه حساب المكلفين‬
‫ومجازاتهم‪ ،‬ينطلق في حديثه عن فلسفة النبوة‪ ،‬والحاجة إلى األنبياء‪ ،‬وما‬
‫يتعلق بهذا الباب من سؤال اإلنسان المسمى بـ (كامل) عن التكليف‪ ،‬وكيفية‬
‫عبادة اإلله بعد معرفته لوجوده‪ ،‬وضرورة العودة إليه مرة أخرى‪.‬‬

‫وهذا السؤال يحمل داللة عميقة؛ فإن ابن النفيس لم يعتبر اإلله ـ فقط ـ كائنا‬
‫متعاليا‪ ،‬كامال‪ ،‬مفارقا للبشر‪ ،‬ليس بينه وبينهم أدنى صلة؛ بل هو صانع‬
‫العالم وخالقه‪ ،‬ومدبره‪ ،‬وهو المنعم على البشر‪ ،‬الذي يمنح كل مستعد ما‬
‫يستعد له؛ ولذا كان أهال للعبادة والتقديس‪ ،‬ومن ث َّم كان السؤال عن ماهية‬
‫هذه العبادات وكيفياتها‪.‬‬

‫إذا‪ :‬نقطة البدء في قضايا النبوات عند ابن النفيس هي القول بحاجة البشر‬
‫ٍ‬
‫وبشيء من البراعة المعهودة لدى الطبيب ينتقل من القول‬ ‫إلى األنبياء‪،‬‬
‫بضرورة النبوة بشكل إجمالي إلى تفصيل األوجه التي جعلت النبوة ضرورية‪،‬‬
‫وجعلت إرسال الرسل واجبا بمقتضى الحكمة اإللهية‪ ،‬ثم ينتقل إلى بيان‬
‫ضرورة تعدد الرساالت وختمها‪ ،‬وتختتم قضايا النبوات عند ابن النفيس‬
‫بالحديث عن نبوة سيدنا محمد ـ صلى هللا عليه وسلم ـ‪ ،‬وسمات فضله‪،‬‬
‫وخواص رسالته‪ ،‬وفي المطالب التالية بيان لهذه القضايا‪.‬‬

‫‪808‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬وجه حاجة البشرية إلى الرساًلت عند ابن النفيس ‪.‬‬

‫قرر ابن النفيس حاجة البش إلى الرسالة بوجوه منها‪:‬‬

‫‪1‬ـ تعريف الناس باهلل وبصفاته‪ ،‬وتبليغ شرعه بما يشمله من عقائد ‪،‬‬
‫وتشريعات‪ ،‬وأخالق‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ اإلخبار بتفاصيل الثواب والعقاب؛ لما في ذلك من أثر بالغ في الترغيب‬
‫والترهيب(‪. )1‬‬

‫‪3‬ـ الحاجة االجتماعية إلى الرسالة العائدة إلى أن اإلنسان مدني بطبعه‪،‬‬
‫ٌ‬
‫يحتاج إلى بني جنسه من أجل التعاون والتشارك في أمر المعاش‪ ،‬ومن أجل‬
‫االحتماء واالستئناس بهم(‪. )2‬‬

‫(‪ )1‬راجع الرسالة الكاملية ص ـ ‪ ، 163‬وقارن شرح المقاصد ‪269/3‬‬


‫البعد االجتماعي في تقرير الحاجة إلى‬
‫(‪ )2‬أقول‪ :‬من خالل تركيز ابن النفيس على ُ‬
‫الرسل يمكن القول بأن ابن النفيس كان سبَّاقا إلى القول بفكرة (العقد االجتماعي) التي‬
‫كل من‪(:‬جون لوك) و(جان جاك روسو)‪ ،‬غير أن مصدر‬ ‫قال بها في العصر الحديث ٌ‬
‫العقد االجتماعي عندهما هو القانون العقلي‪ ،‬أو التطور االجتماعي؛ فإن البشر ينتقلون‬
‫من الحالة الوحشية إلى النظام بموجب قانون عقلي‪.‬‬
‫أما ابن النفيس فيذهب إلى أن مصدر هذا العقد هو التشريع اإللهي‪ ،‬والذي يبلغه‬
‫الرسول‪ ،‬وبهذا يكون العقد االجتماعي عند ابن النفيس عقدا إنسانيا إلهيا بموجبه يجزم‬
‫المكلف بأن له إلها يجب أن ُيعبد‪ ،‬وعن طريق النبي يعرف حقيقة العبادة وكيفيتها‪،‬‬
‫كذلك‪ :‬هذا العقد االجتماعي عند ابن النفيس يشير إلى وظيفة حيوية للنبي‪ ،‬وهي دوره‬
‫الفاعل في بنية المجتمع‪ ،‬هذا بجانب وظيفته التوجيهية اإلرشادية‪.‬‬
‫==‬

‫‪809‬‬
‫ويعبر ابن النفيس عن هذه الحاجة بقوله‪ ":‬فإن اإلنسان ألجل فقدانه السالح‬
‫الطبيعي واحتياجه إلى غذاء صناعي ليست تجود عيشته إذا انفرد بنفسه‪،‬‬
‫بل والبد وأن يكون اإلنسان مدنيا حتى يكون مع جماعة‪ ،‬يكون لبعضهم أن‬
‫يزرع‪ ،‬ولآلخر أن يحرث‪ ،‬ولآلخر أن يخبز‪ ،‬ولآلخر أن ينقل المادة‪ ،‬ولآلخر‬
‫أن يخيط الثوب‪ ،‬ونحو ذلك" (‪.)1‬‬

‫==‬
‫راجع الفلسفة اإلسالمية (ضمن المجموعة الكاملة ألعمال األستاذ َّ‬
‫العقاد) ‪،342 /9‬‬
‫ط دار الكتاب اللبناني ‪ ،‬ط أولى ‪ ،‬عام ‪1978‬م‪ ،‬وفلسفة النبوة عند ابن النفيس ص ـ ‪،12‬‬
‫د‪ /‬محمد علي إسبر‪.‬‬
‫(‪ )1‬الرسالة الكاملية ص ـ ‪ ،161‬وقارن النجاة البن سينا ‪ ،165/2‬واإللهيات من‬
‫كتاب الشفاء البن سينا ص ـ ‪ 487‬وما بعدها‪ ،‬تحقيق‪ :‬آية هللا حسن زادة اآلملي‪ ،‬طبعة‬
‫باقري‪ ،‬مركز النشر التابع لمكتب اإلعالم بـ(قم)‪ ،‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عام ‪1418‬هـ ‪،‬‬
‫ومقدمة ابن خلدون ‪ ،137/1‬تحقيق‪ :‬عبد هللا محمد الدرويش‪ ،‬طبعة دار يعرب‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬عام ‪2004‬م‪.‬‬
‫ولعلنا نلحظ هنا األثر السينوي على ابن النفيس الذي وصل إلى درجة التشابه في‬
‫العبارة بين نص ابن النفيس هنا‪ ،‬وبين قول ابن سينا‪ ":‬والبد أن يكون اإلنسان مكفيا‬
‫بآخر من نوعه يكون ذلك اآلخر مكفيا به وبنظيره حتى إذا اجتمعوا كان أمرهم مكفيا "‬
‫(النجاة ‪.)165/2‬‬
‫وعلى الجانب اآلخر انتقد ابن خلدون هذه الطريقة في إثبات النبوة‪ ،‬وبيَّن أنها ليست‬
‫برهانية؛ فقد جعلوا القول بالوجوب العقلي للنبوة قائما على حاجة الناس إلى شريعة‬
‫حاكمة‪ ،‬يأتي بها إنسان له خواص ال تكون لغيره ‪ ،‬وال تالزم بين إرسال الرسل وبين‬
‫استقامة المجتمع؛ إذ إن استقامة المجتمع قد تحصل بدون رساالت‪ ،‬فقد تحصل بما‬
‫يفرضه الحاكم لنفسه‪ ،‬أو بالعصبية التي يقتدر بها على قهر الناس‪ ،‬وحملهم على‬
‫طريقته‪ ،‬وبهذا يتبين لنا غلطهم في جعل برهان إثبات النبوات عقليا‪ ،‬وإنما مرجعه إلى‬
‫الشرع‪.‬‬
‫==‬

‫‪810‬‬
‫وهذا التعايش والتعاون والتشارك ال يتم إال بمعاملة ومعاوضة‪ ،‬فالبد من‬
‫قانون يضبط هذه المعامالت‪ ،‬وهذا القانون ينبغي أن يكون عادال محفوظا‬
‫من التحريف والتغيير ليكون قاضيا على ما قد يكون من منازعات‬
‫ومخاصمات ناتجة عن اختالف الطبائع والغايات ‪.‬‬

‫وهذا القانون الحاكم هو الشرع‪ ،‬وهذا الشرع البد له من ُمشرع‪ ،‬وهو هللا‪ ،‬والبد‬
‫له من ُمبلغ له خاصية الطاعة‪ ،‬وال يكون ذلك إال إذا اعتقد الناس أنه من‬
‫عند هللا(‪.)1‬‬

‫ُمَبلِ ُغ الشرع (النبي) وخواصه عند ابن النفيس ‪:‬‬

‫ُيناط بمبلغ الشرع مهمة عظيمة؛ فهو الواسطة بين الحق والخلق؛ ومن هنا‬
‫اشترط ابن النفيس أن تتوفر فيه صفات جمعها في قوله‪":‬وهذا الشخص ليس‬
‫يمكن أن يكون حيوانا غير إنسان؛ فإن غير اإلنسان من الحيوانات ال نطق‬
‫له ألبتة فضال عن أن يكون ُمبلغا لشرٍع ما‪ ،‬وال يمكن أن يكون مما ال يقوى‬
‫أكثر الناس على اإلحساس به‪ :‬كالملك‪ ،‬أو الجن‪ ،‬وإال لم يتمكن الجمهور‬
‫من سماع الشرع منه؛ فلذلك البد أن يكون هذا الشخص إنسانا‪.‬‬
‫ثم َّ‬
‫تفكر فقال‪ :‬وإذا كان هذا المبلغ إنسانا‪ ،‬فالبد وأن يكون مختصا بأمر‬
‫ألجله يصدقه الجمهور وغيرهم في إخباره أن ما جاء به من عند هللا‪ ،‬وإنما‬
‫يكون كذلك إذا كان مختصا ٍ‬
‫بأمر يعلم معه أنه لوال اتصاله باهلل تعالى‬
‫وصدقه فيما يخبر عنه لم يكن له ذلك‪ ،‬وهذا األمر هو الذي يسمى‬

‫==‬
‫راجع مقدمة ابن خلدون ‪.139/1‬‬
‫(‪ )1‬راجع الرسالة الكاملية ص ـ ‪ ،161‬وقارن النجاة البن سينا ‪ ،165/2‬وإلهيات‬
‫الشفاء ص ـ‪.488‬‬

‫‪811‬‬
‫بالمعجز‪ ،‬فإذا ‪ :‬البد وأن يكون هذا الشخص ذا ُمعج ٍز تشعر األنفس معه‬
‫ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫حق من عند هللا تعالى" ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أن ما جاء به ليس ٍ‬
‫بزور وال باطل‪ ،‬بل هو ٌ‬
‫ومن خالل هذا النص يمكننا أن نحدد صفات مبلغ الشرع عند ابن النفيس‬
‫فيما يلي‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ البشرية‪ :‬ف ُمبل ُغ الشرع البد أن يكون بشرا‪ ،‬من جنس من ُبعث إليهم؛‬
‫لتسهل عليهم مراجعته وسؤاله؛ وكذلك لتتأتى متابعته واالقتداء به‪.‬‬

‫بل البد أن يكون ـ كذلك ـ متحدثا بلسانهم‪ ،‬قال تعالى ‪َ ﴿ :‬و َما أَْر َسْلَنا ِمن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ول ِإًَّل ِبلِ َس ِ‬
‫اء‬
‫اء َوَي ْهدي َمن َي َش ُ‬ ‫ان َق ْو ِمه لُيَبِي َن َل ُه ْم َفُيض ُّل َّ ُ‬
‫َّللا َمن َي َش ُ‬ ‫َّر ُس ٍّ‬
‫يم ﴾[إبراهيم آية ‪]4‬؛ فإن الرسول إذا كان ممن أُرسل إليهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َو ُه َو اْل َع ِز ُ‬
‫يز اْل َحك ُ‬
‫متحدثا بلسانهم كان فهمهم ألسرار تلك الشريعة أسهل‪ ،‬وكانوا عن الخطأ‬
‫والغلط أبعد(‪.)2‬‬

‫وإرسال الرسل على هذه الصفة منةٌ ونعمةٌ من هللا ـ تعالى ـ على خلقه‪ ،‬قال‬
‫يه ْم َر ُسواًل ِم ْن أَن ُف ِس ِه ْم َي ْتُلو‬
‫ين ِإ ْذ َب َع َث ِف ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا َعَلى اْل ُم ْؤ ِمن َ‬‫وجل‪َ﴿:‬لَق ْد َم َّن َّ ُ‬ ‫عز َّ‬ ‫َّ‬
‫اب َواْل ِح ْك َم َة َوإِن َكاُنوا ِمن َقْب ُل َل ِفي َض َال ٍّل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫آي ِات ِه َوُي َزِك ِ‬
‫يه ْم َوُي َعل ُم ُه ُم اْلك َت َ‬ ‫َعَل ْي ِه ْم َ‬
‫ين﴾ [آل عمران آية ‪. ]164‬‬ ‫ُّم ِب ٍّ‬
‫بشر استحال ـ بداهة ـ أن يكون حيوانا؛ ألن الحيوان‬
‫وإذا ثبت كون الرسول ا‬
‫األعجم فاقد التفكير والنطق‪ ،‬فكيف يتأتى منه التبليغ‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والبيان؟!‬

‫(‪ )1‬الرسالة الكاملية ص ـ ‪. 162 ، 161‬‬


‫(‪ )2‬راجع التفسير الكبير لإلمام فخر الدين الرازي ‪ ، 65/19‬ط المكتبة التوفيقية ‪،‬‬
‫بدون ‪.‬‬

‫‪812‬‬
‫كذلك‪ :‬يستحيل أن يكون الرسول ملكا‪ ،‬وقد استند منكرو النبوة‪ ،‬إلى استبعاد‬
‫تخيلوه‪ ،‬وهو‪ :‬استبعاد أن يكون الرسول ا‬
‫بشر‪ ،‬وزعموا أنه لو جاز أن يبعث‬
‫هللا رسوال لوجب أن يكون ملكا لتكون قدرته أشد‪ ،‬ومهابته أعظم‪ ،‬وعلومه‬
‫أكثر‪ ،‬وامتيازه عن الخلق أكمل(‪.)1‬‬

‫ُنز َل َعَل ْي ِه‬‫ورد عليها فقال سبحانه‪َ ﴿ :‬وَقاُلوا َل ْوًَل أ ِ‬ ‫وقد ذكر هللا تعالى شبهتهم َّ‬

‫اه َمَل اكا َّل َج َعْلَن ُ‬


‫اه‬ ‫َنزْلَنا َمَل اكا َّلُق ِض َي ْاأل َْمُر ُث َّم ًَل ُين َ‬
‫ظُرو َن * َوَل ْو َج َعْلَن ُ‬ ‫َمَل ٌك َوَل ْو أ َ‬
‫َر ُج اال َوَلَلَب ْسَنا َعَل ْي ِهم َّما َيْل ِب ُسو َن﴾ [األنعام اآليتان ‪ 8‬ـ ‪] 9‬‬

‫ففي هذه اآلية بيَّن هللا ـ تعالى ـ أن إنزال الملك موجب لإليمان‪ ،‬ولو لم يؤمنوا‬
‫حق عليهم الهالك واالستئصال؛ ألن كون النبي من المالئكة آية باهرة جارية‬
‫َّ‬
‫مجرى اإللجاء‪ ،‬وهذا مخل بصحة التكليف‪ ،‬كما أن مشاهدة الملك على‬
‫صورته أمر ال يطيقه البشر‪ ،‬فلو شاهدوا الملك لزهقت أرواحهم؛ ولهذا كان‬
‫المالئكة يأتون األنبياء في صور بشرية‪ :‬كأضياف سيدنا إبراهيم والخصمين‬
‫الذين تسو ار المحراب على سيدنا داود ـ عليهما الصالة والسالم ـ وإتيان‬
‫جبريل ـ عليه السالم ـ لنبينا ـ صلى هللا عليه وسلم ـ في صورة دحية‬
‫الكلبي(‪.)2‬‬

‫إضافة إلى ما سبق أقول‪ :‬كون النبي من المالئكة أو من الجن فيه ٌ‬


‫سد لباب‬
‫إثبات النبوة؛ ألن آية صدق النبي هي ظهور المعجزة على يديه‪ ،‬فلو كان‬
‫النبي من المالئكة أو الجن‪ ،‬وظهرت خوارق العادات على يديه تصديقا له‬
‫لقال المرسل إليهم‪ :‬ال نصدقك؛ ألن ما فعلته إنما فعلته بما لك من‬

‫(‪ )1‬راجع التفسير الكبير ‪.139/12‬‬


‫(‪ )2‬راجع التفسير الكبير ‪139/12‬ـ‪. 140‬‬

‫‪813‬‬
‫الخصوصية والقدرة الفائقة‪ ،‬ولو أُوتينا ما أُوتيت لفعلنا مثل ما فعلت‪ ،‬وبهذا‬
‫يلزم تعجيز النبي عن إقامة الدليل على صدقه‪ ،‬فيؤدي ذلك إلى انسداد باب‬
‫إثبات النبوة ‪.‬‬

‫وبالجملة‪ :‬فإن شرط البشرية في الرسول مما تقضيه ضرورة الرسالة‪ ،‬وحاجة‬
‫الناس إليها‪ ،‬وكون الرسل هداة للخلق وأسوة لهم‪ ،‬ويترتب على ذلك صالح‬
‫المجتمعات‪ ،‬ولما كان صالح المجتمع من أهم وجوه حاجة البشر إلى الرسل‬
‫عند ابن النفيس كان من أهم شروط مبلغ الشرع عنده‪ :‬أن يكون ا‬
‫بشر ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ ظهور المعجزة على يديه ومن جهته‪ :‬من صفات مبلغ الشرع عند ابن‬
‫النفيس‪ :‬أن تظهر المعجزات على يديه‪ ،‬وعلى وفق مراده ليثبت بذلك‬
‫صدقه‪ ،‬وهذه المعجزات البد لها من شروط لتحقق غايتها وهي‪:‬‬

‫أ ـ أن تكون خارقة للعادة‪ ،‬خارجة عما اعتاده البشر؛ ولذا سميت معجزة؛‬
‫ألنها سبب إلظهار عجز البشر عن اإلتيان بمثلها‪.‬‬

‫ب ـ أن تكون على وفق مراد النبي؛ ألن الغرض منها تصديق النبي‪ ،‬وتدعيم‬
‫دعواه‪ ،‬وال يكون ذلك إال إذا كانت على وفق مراده‪.‬‬

‫از عن أن يتخذ الكاذب معجزة غيره من‬


‫ج ـ أن تظهر على يد النبي احتر ا‬
‫األنبياء حجة له‪.‬‬

‫د ـ أن تكون مقترنة بالتحدي‪ ،‬وذلك بأن يطلب النبي ممن أُرسل إليهم أن‬
‫يأتوا بمثلها ليثبت بذلك عجزهم عن ذلك‪ ،‬فيثبت صدقه َّ‬
‫النبي‪.‬‬

‫‪814‬‬
‫هـ ـ تعذر المعارضة‪ :‬أي أن تكون المعجزة مما ال يمكن اإلتيان بمثله‪ ،‬وال‬
‫تتأتى معارضتها‪ ،‬وبذلك يخرج من مفهوم المعجزة السحر‪ ،‬وغرائب‬
‫المخترعات؛ فإنها مما ُيعارض (‪.)1‬‬

‫وبهذه الشروط تحقق المعجزة غايتها‪ ،‬وهي‪ :‬أن يعلم الرسول أن ما جاء به‬
‫حق أوال‪ ،‬وأن تثبت رسالته عند من أُرسل إليهم‪ ،‬فتقوم بذلك الحجة عليهم‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وتنقطع أعذارهم ثانيا‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬حكم إرسال الرسل عند ابن النفيس ‪.‬‬

‫اختلفت المذاهب في حكم إرسال الرسل‪:‬‬

‫فذهبت الفالسفة إلى القول بلزوم إرسال الرسل‪ ،‬وصدوره عن هللا تعالى؛ ألن‬
‫األول يلزم بالضرورة أن توجد عنه سائر الموجودات(‪.)2‬‬

‫لطف بالعباد‬
‫وذهبت المعتزلة إلى القول بوجوب بعثة الرسل على هللا؛ ألنها ٌ‬
‫وصالح لهم‪ ،‬واللطف بالعباد‪ ،‬وفعل الصالح واألصلح لهم واجبان على هللا‬
‫تعالى(‪. )3‬‬

‫وذهبت البراهمة إلى القول باستحالة الرسالة؛ ألن العقل يغني عنها؛ إذ إن‬
‫ف بها‪ ،‬وإن كانت مما يدركه‬ ‫َّ‬
‫الرسالة إذا كانت مما ال يدركه العقل ال ُنكل ُ‬
‫العقل أغنانا العقل عنها (‪. )4‬‬

‫(‪ )1‬راجع شرح المقاصد ‪. 273/3‬‬


‫(‪ )2‬راجع آراء أهل المدينة الفاضلة للفارابي ص ـ ‪.55‬‬
‫(‪ )3‬راجع المغني في أبواب التوحيد والعدل ‪. 63/15‬‬
‫(‪ )4‬راجع اإلرشاد ص ـ ‪ ، 124‬والفصل ‪ ، 75/1‬وأبكار األفكار ‪30/4‬‬

‫‪815‬‬
‫وذهب األشاعرة إلى القول بإمكانها‪ ،‬فهي ـ مع ما فيها من فوائد ـ ممكنة؛‬
‫ألنها وقعت بالفعل‪ ،‬والوقوع أقوى أدلة الجواز؛ فليست مستحيلة ـ كما ادعت‬
‫البراهمة ـ كما أن هللا تعالى فاعل بالقدرة واإلرادة ال موجب بالذات‪ ،‬فليست‬
‫بالزمة ـ كما ادعى الفالسفة ـ ‪ ،‬كما أنه تعالى ال يجب عليه شيء‪ ،‬فال تكون‬
‫بعثة الرسل واجبة عليه ـ كما ادعت المعتزلة ـ ‪ ،‬وينتج من بطالن كونها‬
‫صح ُة القول بإمكانها (‪. )1‬‬
‫الزمة‪ ،‬أو مستحيلة‪ ،‬أو واجبة َّ‬

‫أما ابن النفيس‪ :‬فقد ذهب إلى أن بعثة الرسل واجبة يستحيل تركها في‬
‫الحكمة والعناية اإللهية‪ ،‬ولكن الوجوب عنده مخالف للوجوب عند المعتزلة‪،‬‬
‫فالوجوب عنده منطلقه حكمة هللا وعنايته بخلقه‪ ،‬فهو من قبيل قوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ك َت َب َرُّب ُك ْم َعَل ٰى َن ْف ِس ِه َّ‬
‫الر ْح َمةَ﴾[ األنعام من اآلية ‪ ،]54‬فالبعثة في ذاتها‬ ‫َ‬
‫أمر ممكن‪ ،‬ولكنها بالنظر إلى كونها من مقتضيات الحكمة اإللهية واجبة‪،‬‬
‫فهي من الواجبات لغيرها‪ ،‬والوجوب ـ بهذا المعنى ـ قال به الماتريدية؛ فقد‬
‫ذهبوا إلى أن بعثة الرسل من الواجبات التي يستحيل تركها في الحكمة‬
‫اإللهية‪ ،‬وإن كانت في ذاتها ممكنة(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬راجع شرح المقاصد ‪269/3‬‬


‫(‪ )2‬راجع‪ :‬الرسالة الكاملية ‪ ،162‬وشرح تشريح القانون ‪ ، 25‬وقارن‪ :‬التمهيد لقواعد‬
‫التوحيد ألبي المعين النسفي صـ ‪ ،227‬تحقيق‪ :‬حبيب هللا حسن أحمد ‪ ،‬ط دار الطباعة‬
‫المحمدية ‪ ،‬والبداية من الكفاية في الهداية في أصول الدين‪ ،‬نور الدين الصابوني ص‬
‫‪ ،85‬تحقيق فتح هللا خليف‪ ،‬ط دار المعارف ‪1969‬م‪.‬‬
‫ومع صحة رأي الماتريدية في حكم إرسال الرسل إال أن السعد ضعَّف قولهم‪ ،‬واعتبره‬
‫امتدادا لمذهب المعتزلة‪ ،‬فقال‪":‬وأنت خبير بأن في ترويج هذا المقال توسيع لمجال‬
‫==‬

‫‪816‬‬
‫يقول ابن النفيس‪ ":‬فعلم لذلك (كامل) أن جودة عيش اإلنسان إنما تتم بوجود‬
‫ونفع عام‪،‬‬
‫خير عظيم لإلنسان‪ٌ ،‬‬‫هذا النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ‪ ،‬فوجوده ٌ‬
‫وهللا تعالى يعلم ذلك‪ ،‬فوجب ـ بحسب عنايته ـ وجود هذا النبي؛ إذ من‬
‫المستحيل أن يترك هللا ـ تعالى ـ خلق هذا النبي مع نفعه العام؛ فإنه ال يهمل‬
‫خلق شعر العانة‪ ،‬ونحوه مما يقل نفعه؛ فلذلك علم (كامل) أن خلق النبي ـ‬
‫صلى هللا عليه وسلم ـ مما ال بد منه" (‪.)1‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬ضرورة تعدد الرساًلت وختمها ‪.‬‬

‫قول ابن النفيس بضرورة تعدد وختم الرساالت من معاقد الطرافة في فلسفته‪،‬‬
‫والتي يظهر فيها بوضوح أحد أسس منهجه الفلسفي‪ ،‬وهو تكامل العلوم‪،‬‬
‫وتعاونها في نقل البرهان‪ ،‬ففي هذه القضية يربط ابن النفيس بين تعدد‬
‫الرساالت وختمها وبين سمات النفس اإلنسانية‪ :‬كنزوعها إلى التعلق بما هو‬
‫مادي‪ ،‬وصعوبة التسليم بوجود اإلله الخالق‪ ،‬المتصف بصفات الكمال‪،‬‬

‫المنزه عن النقص‪ ،‬المفارق للمادة‪ ،‬الذي ال يدرك كنه ذاته ٌ‬


‫عقل‪ ،‬وال حس‪،‬‬
‫آمر ناهيا؛‬
‫وتزداد صعوبة التسليم بهذا اإلله إذا أُضيف إلى ما مضى‪ :‬كونه ا‬
‫وكلفة على النفس‪ ،‬فإذا كان التكليف من‬
‫إذ إن التكليف بمجرده فيه مشقة ُ‬
‫ٍ‬
‫إله غيبي‪ :‬ازداد أمر الرساالت صعوبة ومشقة على النفس‪.‬‬

‫كذلك التسليم بأمر المعاد‪ ،‬وأحواله‪ ،‬ومقدماته‪ ،‬وما فيه من خوارق العادات‪،‬‬

‫وزهُ‬
‫وأمور غاية في الغرابة‪ :‬كصراط أدق من الشعرة‪ ،‬وأحد من السيف‪ ،‬ي ُج ُ‬

‫==‬
‫االعتزال؛ فإنهم ال يعنون بالوجوب على هللا سوى أن تركه لقبحه ُمخ ٌّل بالحكمة‪ ،‬ومظَّن ٌة‬
‫الستحقاق المذمة"(شرح المقاصد‪)270/3‬‬
‫(‪ )1‬الرسالة الكاملية ص ـ ‪ 162‬ـ ‪( 163‬بتصرف يسير)‪.‬‬

‫‪817‬‬
‫األولون واألخرون‪ ،‬وعلى جانبيه كالليب تأخذ من أُمرت بأخذه‪ ،‬ونطق‬
‫الجوارح‪ ،‬ودابة عجماء تكلم الناس‪ ،‬وغير ذلك من أخبار يصعب على النفس‬
‫ـ التي ألفت المحسوسات ـ التسليم بها ألول وهلة‪.‬‬

‫وكذا يصعب عليهم التصديق بالنبوات‪ ،‬وقبول ما يأتي به األنبياء من‬


‫تشريعات‪ ،‬لكونهم بشرا‪ ،‬وكانت هذه الحجة التي تمسك بها قوم فرعون‪ ،‬وقد‬
‫حكى القرآن الكريم حجتهم في قوله تعالي‪َ ﴿ :‬فَقاُلوا أَُن ْؤ ِم ُن لَِب َشَرْي ِن ِم ْثِلَنا‬
‫َوَق ْو ُم ُه َما َلَنا َعا ِب ُدو َن﴾[ المؤمنون آية ‪ ،]47‬وهي نفس الحجة التي تمسك‬
‫ِ‬
‫ين َك َفُروا‬‫ال اْل َم ََلُ َّالذ َ‬
‫بها قوم نوح في تكذيبهم له‪ ،‬قال تعالى حكاية عنهم‪َ ﴿:‬فَق َ‬
‫اك ِإًَّل َب َشاار ِم ْثَلَنا﴾[ هود من اآلية ‪.]27‬‬ ‫ِ‬
‫ِمن َق ْو ِمه َما َنَر َ‬
‫كثير من الناس يعسر عليهم تسليم وجود ما هو ليس‬ ‫يقول ابن النفيس‪ٌ ":‬‬
‫وكثير منهم‬
‫ٌ‬ ‫بجسم‪ ،‬وال هو في جسم‪ ،‬وال هو في جهة‪ ،‬وال إليه إشارة حسية‪،‬‬
‫يعسر عليهم تصور كيفية الرسالة‪ ،‬وكيفية بعثة األنبياء ـ صلوات هللا عليهم‬
‫وكثير منهم يعسر عليه تسليم أمر المعاد‪ ،‬وتسليم العودة بعد‬
‫ٌ‬ ‫وسالمه ـ‪،‬‬
‫الموت‪ ،‬وتسليم البقاء األبدي في النعيم أو الجحيم‪ ،‬ونحو ذلك مما تتضمنه‬
‫تلك المنافع‪ ،‬ولوال أن الناس في هذا الزمان قد اعتادوا ما جاءت الشريعة‪،‬‬
‫وألفوا أقوالها‪ ،‬لبادروا باالستنكار‪ ،‬والرد على األنبياء ـ صلوات هللا عليهم ـ‪،‬‬
‫فلو ورد بها النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ دفعة واحدة‪ ،‬من غير أن يتقدمه‬
‫أنبياء آخرون‪ ،‬يقربون ذلك إلى أذهان الناس لنفر الناس عنه جدا‪ ،‬وكان‬
‫تكذيبهم له شديدا "(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬الرسالة الكاملية ص ـ ‪. 164 ، 163‬‬

‫‪818‬‬
‫وبناء على ما سبق‪ :‬يتضح لنا أن الشريعة لو كانت واحدة‪ ،‬متضمنة‬ ‫ا‬
‫للتكاليف دفعة واحدة لبادر الناس إلى إنكارها‪ ،‬ومن هنا تظهر ضرورة تعدد‬
‫الرساالت؛ وذلك لما يتضمنه هذا التعدد من تدرج في التكاليف‪ ،‬يتناسب مع‬
‫ما ُفطرت عليه النفس اإلنسانية‪.‬‬

‫كذلك ‪ :‬تدرج الرساالت يتوافق مع تدرج البشرية في النمو والتطور‪ ،‬فالبشرية‬


‫تشبه في أول أمرها الطفل الوليد‪ ،‬والتشريعات كالطعام‪ ،‬فكما يكون التدرج‬
‫مع الطفل الوليد في اإلطعام يكون التدرج مع البشرية في التشريعات من‬
‫خالل الرساالت المتعاقبة‪.‬‬

‫أيضا‪ :‬تتجلى حكمة التدرج في الرساالت من خالل أن الرسول الوارد أوال‬


‫ماس ٌة؛ ليكون قبوله أسهل‪ ،‬وكلما‬
‫يأتي بما هو قريب إلى العقل‪ ،‬والحاجة إليه َّ‬
‫تبعه نبي‪ ،‬زاد على من تقدمه بشيء حتى يتعرف الناس خالقهم وصفاته‪،‬‬
‫فيسهل عليهم قبول ما يأتي به النبي الخاتم‪ ،‬ومن هنا تبرز الحكمة من تعدد‬
‫بنبي واحد‪ ،‬بل البد من أنبياء‬
‫الرساالت؛ فإن فوائد النبوة ال يمكن أن تكمل ٍ‬
‫يمهد السابق منهم لمن ُيبعث بعده (‪. )1‬‬

‫ولما كان نبينا ـ صلى هللا عليه وسلم ـ هو خاتم النبيين‪ ،‬ورسالته هي ختام‬
‫الرساالت‪ ،‬كان من الحكمة التشريعية أن يتقدم نبينا ـ صلى هللا عليه وسلم ـ‬
‫أنبياء آخرون ليكونوا ممهدين لدعوته‪ ،‬يأتون بتشريعات أسهل قبوال‪ ،‬وحاجة‬
‫المكلفين إليها أشد (‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬راجع ‪ :‬الرسالة الكاملية ص ـ ‪ 164‬ـ ‪.165‬‬


‫(‪ )2‬راجع ‪ :‬الرسالة الكاملية ص ـ ‪.164‬‬

‫‪819‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬نبوة سيدنا محمد ـ صلى هللا عليه وسلم ـ عند ابن‬
‫النفيس‪.‬‬

‫في المطلب السابق وصل ابن النفيس بمراحل التدرج في إرسال الرسل إلى‬
‫غايتها وختامها‪ ،‬وهي بعثة النبي الخاتم‪ ،‬سيدنا محمد ـ صلى هللا عليه وسلم ـ‬
‫الذي اكتمل ببعثته الدين‪ ،‬وتمت شريعة هللا ـ تعالى ـ صدقا وعدال‪.‬‬

‫وانطالقا من أن ختام األمر أكمله يتستنبط ابن النفيس ـ عقال ـ أن شريعة‬


‫النبي محمد ـ صلى هللا عليه وسلم ـ هي أكمل الشرائع‪ ،‬وأن صاحبها هو‬
‫أفضل األنبياء والمرسلين؛ لما له من خواص وفضائل ليست لغيره‪ ،‬وفيما‬
‫يلي بعض خواصه ـ صلى هللا عليه وسلم ـ ‪:‬‬

‫خواص نبينا ـ صلى هللا عليه وسلم ـ‬

‫بحكم االصطفاء اإللهي أوال‪ ،‬والكمال التشريعي الذي تميزت به رسالته ـ‬


‫صلى هللا عليه وسلم ـ ثانيا‪ :‬اقتضت الحكمة اإللهية تميز نبينا ـ صلى هللا‬
‫عليه وسلم ـ بعدة خواص‪ ،‬منها ‪:‬‬

‫أ ـ كونه ـ صلى هللا عليه وسلم ـ خاتم النبيين‪.‬‬

‫اقتضى التدرج في الرساالت المنسجم مع تطور البشرية في النمو أن يكون‬


‫سيدنا محمد هو خاتم النبيين؛ ألن رسالته هي المكملة للرساالت‪ ،‬والخاتم‬
‫أفضل من غيره‪ ،‬وبهذا الوجه يثبت أن رسولنا ـ صلى هللا عليه وسلم ـ هو‬
‫أفضل النبيين والمرسلين‪.‬‬

‫ب ـ كونه ـ صلى هللا عليه وسلم ـ أفضل األنبياء والمرسلين‪.‬‬

‫لقد اجتمعت فيه صفات الكمال الضرورية نحو‪ :‬كمال الخلقة والصورة‪ ،‬وقوة‬
‫العقل‪ ،‬وصحة الفهم‪ ،‬وفصاحة اللسان‪ ،‬وقوة األعضاء‪ ،‬واعتدال الحركات‪،‬‬

‫‪820‬‬
‫وشرف النسب‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬وصفات الكمال الكسبية‪ :‬كاألخالق العالية‪،‬‬
‫واآلداب السنية‪ ،‬وما من صفة من هذه الصفات إال بقيت له سجية‪ ،‬وال‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫منقبة من هذه المناقب إال له فيها أوفر حظ‬

‫ج ـ أن نبينا ـ صلى هللا عليه وسلم ـ لم يكن على شريعة سابقة‪.‬‬

‫من جهات فضله التي قررها العلماء‪ :‬أن نبينا ـ صلى هللا عليه وسلم ـ لم يكن‬
‫على شريعة سابقة؛ فإن اتباعه لغيره يؤدي إلى الغض من منصبه؛ إلن‬
‫المتبوع أشرف من التابع (‪. )2‬‬

‫وقد قرر ابن النفيس ـ أيضا ـ تفضيل النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ على‬
‫غيره من هذا الوجه‪ ،‬معلال ذلك بأن تبعيته لتشريع غيره من األنبياء السابقين‬
‫يؤدي إلى الغض من منصبه؛ فإنه لو كان على ملة أخرى قبل بعثته لكان‬
‫كافر عند أهل الملة التي كان عليها بعد بعثته‪ ،‬وهذا يؤدي إلى تنفير الناس‬
‫ا‬
‫عنه‪ ،‬حتى لو كان داعيا للحق‪ ،‬وذلك كما حدث لـسيدنا (عيسى) ـ عليه‬
‫وعلى نبينا الصالة والسالم ـ مع اليهود (‪.)3‬‬

‫عقال ـ على فضله وعلو منزلته‪.‬‬


‫د ـ دًللة سيرته ـ ا‬
‫استكماال لحديث ابن النفيس عن فضائل وخصائص نبينا ـ صلى هللا عليه‬
‫وسلم ـ انطلق معلال ألحداث سيرة النبي تعليال عقليا‪ ،‬تبرز من خالله فضائل‬

‫(‪ )1‬لتفصيل جهات فضل نبينا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬راجع‪ :‬نهاية اإلقدام ص ـ ‪،446‬‬
‫وشرح المقاصد ‪ ،305/3‬وشرح المعالم ص ـ ‪.613‬‬
‫(‪ )2‬راجع شرح المعالم في أصول الدين ص ـ ‪ ،613‬واإلبهاج بشرح المنهاج لتاج‬
‫الدين السبكي ‪302/2‬‬
‫(‪ )3‬راجع ‪ :‬الرسالة الكاملية ص ـ ‪.170‬‬

‫‪821‬‬
‫النبي ومناقبه التي يعجز عن حصرها الكاتبون‪ ،‬فبعد أن أعطى ابن النفيس‬
‫تعليال عقليا ألصل بعثة النبي محمد ـ صلى هللا عليه وسلم ـ من خالل بيان‬
‫أن الضرورة االجتماعية والتشريعية اقتضت بعثته‪ :‬أعطي تعليال خاصا بكل‬
‫حدث من أحداث السيرة‪ ،‬وفيما يلي سنتتبع نماذج من التعليالت العقلية‬
‫للسيرة النبوية الدالة على فضله ـ صلى هللا عليه وسلم ـ عند ابن النفيس‪،‬‬
‫ومنها‪:‬‬

‫‪1‬ـ شرف نسب النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ ‪:‬‬

‫بداية أقول‪ :‬شرف نسب النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ منحة إلهية‪ ،‬وأمر‬
‫يقتضيه االصطفاء اإللهي‪ ،‬ومن باب تعضيد هذا األصل يعطي ابن النفيس‬
‫تعليال عقليا لشرف نسب النبي فيرى أن خاتم النبيين يجب أن يكون شريفا‬
‫في نسبه؛ ألنه سيخبر عن أشياء كثيرة قد تتعارض مع أوهام الناس وما‬
‫ألفوه‪ ،‬وسيخبر عن تفاصيل الشريعة‪ :‬كصفات هللا‪ ،‬وأحوال المعاد‪ ،‬فلو لم‬
‫يكن شريفا في نسبه لم يكن في نفوس الناس من توقيره وتعظيمه ما ُيسه ُل‬
‫عليهم قبول ما يخبر به‪.‬‬

‫وأشرف األنساب ما كان منتهيا إلى األنبياء‪ ،‬السيما إذا كان من األنبياء‬
‫الذين اتفقت الملل كلها على تعظيمه‪ ،‬وهو سيدنا إبراهيم ـ عليه وعلى نبينا‬
‫أفضل الصالة وأتم التسليم ـ ‪ ،‬ولما لم يكن نبينا ـ صلى هللا عليه وسلم ـ تابعا‬
‫لملة سابقة‪ :‬لزم أن ال يكون من نسل إسحاق ـ عليه السالم ـ ؛ ألنه لو كان‬
‫من نسل إسحاق لكان يهوديا‪ ،‬ولهذا لزم أن يكون النبي من نسل إسماعيل ـ‬
‫عليه السالم ـ (‪. )1‬‬

‫(‪ )1‬راجع ‪ :‬الرسالة الكاملية ص ـ ‪ 169‬ـ ‪.171‬‬

‫‪822‬‬
‫‪ 2‬ـ موطن النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ ‪.‬‬

‫نظر ابن النفيس ـ عقال ـ إلى موطن النبي محمد ـ صلى هللا عليه وسلم ـ‬
‫فاستبعد أن يكون من األعراب أهل البوادي؛ ألن عقولهم أنقص‪ ،‬وطباعهم‬
‫أغلظ‪ ،‬فالبد أن يكون النبي من أهل المدن‪ ،‬بل البد أن يكون من مدينة لها‬
‫شرف على غيرها‪ ،‬والمدن تتفاضل فيما بينها باعتدال هوائها‪ ،‬وكثرة ثمارها‬
‫ومائها‪ ،‬ورخص أسعارها‪ ،‬وشرفها الديني‪ ،‬وأشرف المدن ما كانت فضيلتها‬
‫راجعة ألمر ديني‪ ،‬وأعظم المدن في هذا الجانب‪ :‬مكة الشتمالها على البيت‬
‫العتيق‪ ،‬أول بيت ُوضع للناس‪ ،‬الذي اتفقت كل األمم على تعظيمه؛ ولهذا‬
‫الشرف كانت مكة موطنا لمولد هذا النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ هجرة النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ‪.‬‬

‫ار لمنهج التعليل ألحداث السيرة النبوية يقدم ابن النفيس تعليال عقليا‬
‫واستمر ا‬
‫لهجرته ـ صلى هللا عليه وسلم ـ إلى المدينة ‪ ،‬وذلك من خالل النص التالي ‪:‬‬
‫يقول ابن النفيس‪ ":‬ولما ثبت ذلك عند (كامل)‪َّ ،‬‬
‫تفكر بعد ذلك في أن هذا‬
‫النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ هل يقيم بمكة إلى وفاته‪ ،‬أو يهاجر عنها إلى‬
‫مدينةأخرى يموت بها ؟‬

‫فقال في نفسه‪ :‬إن هذا النبي لما كان خاتم النبيين‪ :‬وجب أن يكون شرعه‬
‫وعظمته محفوظين جدا عند الناس‪ ،‬فإن نسيان ذلك يلزمه بطالن فائدة‬
‫النبوة؛ فلذلك وجب أن تُدَّون شريعته‪ ،‬وأن يكثر االشتغال بها‪ ،‬وبكالمه‪،‬‬
‫وأحواله‪ ،‬وسيرته‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫كذلك‪ :‬مما البد منه في حفظ عظمته‪ :‬أن تُس َّن زيارة قبره‪ ،‬حتى يرغب الناس‬
‫في ذلك ويسافرون إلى قبره من أطراف البالد؛ ولهذا وجب أن يكون قبره في‬

‫‪823‬‬
‫غير مكة؛ إذ لو كان بمكة لكانت زيارته تقع كالتبع لزيارة البيت‪ ،‬فكان ُيظن‬
‫قبر النبي‪ ،‬فيؤدي ذلك‬
‫وينسى ُ‬
‫على طول الزمان أن الحج ألجل البيت فقط‪ُ ،‬‬
‫إلى نسيانه‪ ،‬ويلزم لذلك بطالن الشريعة" (‪.)1‬‬

‫عظيم‪ ،‬يستحق الذكر والتخليد‪ ،‬وعظمة هذا الحدث‬ ‫ٌ‬ ‫حدث‬


‫ٌ‬ ‫وهكذا فالهجرة‬
‫نفسه من أسباب االهتمام بسيرة النبي‪ ،‬وتخليد ذكره‪ ،‬كما أن انتقال النبي إلى‬
‫المدينة ووفاته ودفنه بها‪ ،‬فيه تأسيس لتشريع في الدين‪ ،‬وهو استحباب زيارة‬
‫مقام النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ واعتبار ذلك من سنن الحج والعمرة(‪.)2‬‬

‫‪ 4‬ـ أخالق النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ‪:‬‬

‫وينتقل ابن النفيس من التعليل العقلي لما وقع بالنبي من أحداث إلى النبي‬
‫في ذاته‪ :‬فيقدم تعليالت عقلية ألخالقه منطلقا من عموم بعثة النبي‬
‫للعالمين؛ فإنه إن كان رسوال للناس جميعا‪ ،‬وجب أن تكون أخالقه في غاية‬
‫االعتدال؛ حتى ال ينافر أحدا من الناس مع اختالف طبائعهم؛ فإن انحراف‬
‫الخلُق إلى ما يناسب ذلك المزاج؛ فلذلك‬
‫المزاج إلى أي جهة يلزمه انحراف ُ‬
‫يجب أن يكون هذا النبي بغاية االعتدال في المزاج واألخالق‪ ،‬ويتبع هذا‬
‫االعتدال في المزاج والخلق اعتداله ـ صلى هللا عليه وسلم ـ في الهيئة‬
‫والخلقة البدنية (‪. )3‬‬

‫(‪ )1‬الرسالة الكاملية ص ـ ‪173‬بتصرف ‪.‬‬


‫(‪ )2‬راجع الفقه اإلسالمي وأدلته ‪ ، 358/3‬تأليف‪ :‬د‪/‬وهبة الزحيلي‪ ،‬ط دار الفكر ـ‬
‫دمشق‪.‬‬
‫(‪ )3‬راجع الرسالة الكاملية ص ـ ‪ ، 177‬وص ـ ‪.182‬‬

‫‪824‬‬
‫‪ 5‬ـ اسم النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ‬

‫وعلى نفس المنهج يبين ابن النفيس أن اسم النبي ـ كذلك ـ يجب أن يكون‬
‫داال على معاني التعظيم والتوقير فيقول‪ ":‬ولما ثبت وجوب عظمة النبي ـ‬
‫صلى هللا عليه وسلم ـ وجب أن ال يكون في اسمه وال في اسم أبيه ما ُيحط‬
‫وينقص منزلته؛ فلذلك ال يجوز أن يكون اسمه اسم شيء محتقر مثل‪:‬‬ ‫قدره‪ُ ،‬‬
‫كلب‪ ،‬أو ثور‪ ،‬ونحو ذلك ما جرت عادة العرب التسمية به‪ ،‬وال يجوز أن‬
‫صغر؛ فإن ذلك مما تُستصغ ُر معه المنزلة‪ ،‬وال يجوز أن يكون‬
‫يكون اسما ُم ا‬
‫اسمه مما فيه كبرياء وزيادة تعاظم‪ :‬كشاهنشاه‪ ،‬وشاة ملك‪ ،‬ونحو ذلك" (‪. )1‬‬

‫‪ 6‬ـ كتاب هذا النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ‬

‫بالتأمل العقلي يتوصل ابن النفيس إلى ضرورة أن يكون للنبي كتاب؛ وأن‬
‫ذلك مما تعظم به منزلته‪ ،‬السيما إذا كان هذا الكتاب هو عين معجزته‪.‬‬

‫وأيضا‪ :‬لما كان هذا النبي خاتم النبيين لزم حفظ شريعته؛ ولذا كان له‬
‫كتاب‪ ،‬وهذا الكتاب ُينق ُل إلى أمته بالتواتر‪ ،‬ويكون في غاية الفصاحة‬
‫والبالغة؛ ليصلح لخطاب الناس جميعا(‪. )2‬‬

‫وهكذا يعطي ابن النفيس دالئل عقلية على عظمة نبينا وفضله من خالل‬
‫هذا المنهج الفريد الذي سلكه‪ ،‬وهو منهج التعليل العقلي لعناصر السيرة‬
‫وأحداثها تعليال يدل على عظمة صاحب السيرة صلوات هللا وسالمه عليه‪.‬‬

‫(‪ )1‬راجع الرسالة الكاملية ص ـ ‪. 189‬‬


‫(‪ )2‬راجع الرسالة الكاملية ص ـ ‪190‬‬

‫‪825‬‬
‫وليكن ذكر النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ وسيرته العطرة مسك الختام لهذه‬
‫الدراسة‪.‬‬

‫خاتمة البحث ‪:‬‬

‫بعد هذه اإلطاللة الموجزة على أهم جوانب الفلسفة اإللهية عند ابن النفيس‬
‫ننتهي إلى النتائج والتوصيات التالية‪:‬‬

‫أواًل ‪ :‬النتائج‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬

‫‪1‬ـ في رحاب الثقافة اإلسالمية تتكامل العلوم فيما بينها‪ ،‬وفي هذا رد دعوى‬
‫انفصال علوم الدنيا عن علوم الدين‪ ،‬إال إذا كان المراد بهذا الفصل التقسيم‬
‫وحينئذ فال ضير في ذلك؛ إذ ال مشاحة في االصطالح‪ ،‬وقد‬ ‫ٍ‬ ‫االصطالحي‪،‬‬
‫ظهر هذا التكامل جليا من خالل نظرية تكامل العلوم في تحصيل البرهان‬
‫عند ابن النفيس‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ الموسوعية الثقافية‪ ،‬وسعة االطالع‪ ،‬من أهم ما تميز به علماؤنا األوائل؛‬
‫فقد كانوا مشاركين في علوم كثيرة‪ ،‬ومع هذه الموسوعية الثقافية ارتبطت‬
‫أسماؤهم بفرع معين من العلوم‪ ،‬ومن هؤالء‪ :‬ابن النفيس؛ فقد ارتبط اسمه‬
‫بعلم الطب والتشريح‪ ،‬إال أن هذه الشهرة التخصصية يجب أن ال تجعلنا‬
‫نغفل مقامه في العلوم األخرى‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ لقد كانت العلوم الطبيعية والتجريبية ـ عند ابن النفيس ـ من مصادر‬
‫ومواد األدلة على مطالب العلم اإللهي‪ ،‬وهذا هو األصل فيها‪ ،‬وإذا ثبت‬
‫صح القول بأن ما يدعيه الملحدون من أن العلوم المادية تدعم‬
‫َّ‬ ‫ذلك‪:‬‬
‫اإللحاد‪ ،‬وتعطيه سندا علميا مقبوال‪ :‬ادعاء باطل‪ ،‬وخروج بهذه العلوم عن‬
‫أصلها الذي ذكره علماؤنا األفذاذ‪.‬‬

‫‪826‬‬
‫‪ 4‬ـ ابتكر ابن النفيس منهج التعليل العقلي ألحداث السيرة النبوية وعناصرها‬
‫في إطار حديثه عن فضائل نبينا ـ صلى هللا عليه وسلم ـ ‪ ،‬وهذا المنهج‬
‫جدير بالتسجيل واإلشادة‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ مع سير ابن النفيس على المنهج العقلي الحظنا سالمة المنهج الفلسفي‬
‫عنده؛ فلم نلحظ على منهجه انحرافا عن الصراط المستقيم؛ ألنه منهج‬
‫منضبط بضابط الشرع؛ إذ إن صاحبه كان متفلسفا متشرعا‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التوصيات‪ ،‬ومنها‪:‬‬


‫ا‬
‫‪ 1‬ـ دراسة الجانب الفلسفي عند ابن النفيس دراسة وافية في رسالة علمية‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ دراسة المنهج التجريبي ونظرية المعرفة عند ابن النفيس‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ دراسة الشخصيات التي تماثل ابن النفيس في الجمع بين العلوم التجريبية‬
‫والشرعية‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ االهتمام بتوظيف العلوم التجريبية لخدمة مطالب وقضايا العقيدة والفلسفة‬
‫اإللهية‪.‬‬

‫وبعد ‪ :‬فقد حاولت ـ قدر طاقتي ـ تقديم ابن النفيس الفيلسوف المتشرع‪ ،‬الذي‬
‫جسد التكامل العلمي في أرقى‬
‫يكبح جماح العقل بضابط الشرع‪ ،‬والذي َّ‬
‫صوره‪ ،‬فإن كنت قد ُوفق ُت هللف الحمد والمنة‪ ،‬وإن كانت األخري فحسبي أنني‬
‫اجتهدت‪ ،‬وأنني بشر أخطئ وأصيب‪ ،‬وهلل وحده الكمال والعصمة‪ ،‬وهو‬
‫حسبنا ونعم الوكيل‪ ،‬وإليه المرجع والمصير ‪.‬‬

‫‪827‬‬
‫أهم المصادر والمراجع‪:‬‬

‫أوال‪ :‬القران الكريم‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الكتب العلمية (وهي مرتبة أبجديا على حسب اسم الكتاب)‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫‪1‬ـ أبكار األفكار‪ ،‬تأليف‪ :‬سيف الدين علي بن محمد اآلمدي‪ ،‬المتوفى عام‬
‫‪631‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬أ‪.‬د‪ /‬أحمد المهدي‪ ،‬ط دار الكتب والوثائق القومية‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪ ،‬عام ‪2004‬م‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ اإلبهاج بشرح المنهاج‪ ،‬تأليف‪ :‬تقي الدين السبكي‪ ،‬المتوفى عام ‪756‬هـ‪،‬‬
‫وولده تاج الدين السبكي‪ ،‬المتوفى عام ‪771‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬د‪/‬شعبان محمد‬
‫إسماعيل‪ ،‬طبعة مكتبة الكليات األزهرية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عام ‪1981‬م‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ آراء أهل المدينة الفاضلة‪ ،‬تأليف‪ :‬أبي نصر محمد بن محمد الفارابي‪،‬‬
‫المتوفى عام ‪339‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬ألبير نصري نادر‪ ،‬ط دار المشرق‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعة السابعة‪ ،‬عام ‪1996‬م‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ األربعين في أصول الدين‪ ،‬تأليف‪ :‬اإلمام فخر الدين محمد بن عمر‬
‫الرازي‪ ،‬المتوفى عام ‪606‬هـ‪ ،‬طبعة مكتبة الكليات األزهرية‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ اإلرشاد إلى قواطع األدلة في أصول االعتقاد ‪ ،‬تأليف‪ :‬إمام الحرمين‬
‫أبي المعالي عبد الملك بن عبد هللا بن يوسف الجويني‪ ،‬المتوفى ‪ 478‬هـ‪،‬‬
‫تحقيق ‪ :‬زكريا عميرات‪ ،‬ط دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عام‬
‫‪1995‬م‪.‬‬

‫‪6‬ـ إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول‪ ،‬تأليف‪ :‬بدر الدين‬
‫محمد بن علي الشوكاني اليمني‪ ،‬المتوفى عام ‪1250‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬سامي بن‬
‫العربي األثري‪ ،‬طبعة دار الفضيلة‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط أولى عام ‪2000‬م ‪.‬‬

‫‪828‬‬
‫‪7‬ـ أساس التقديس‪ ،‬تأليف‪ :‬اإلمام فخر الدين الرازي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ /‬عبد هللا‬
‫إسماعيل‪ ،‬طبعة أولى ‪2011‬م‪ ،‬المكتبة األزهرية للتراث‪.‬‬

‫‪ 8‬ـ األضحوية في المعاد‪ ،‬تأليف‪:‬الشيخ الرئيس علي بن الحسين بن سينا‪،‬‬


‫المتوفى عام ‪427‬هـ‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪1987 ،‬م‪.‬‬

‫‪ 9‬ـ إعادة اكتشاف ابن النفيس‪ ،‬د‪/‬يوسف زيدان‪ ،‬طبعة نهضة مصر‪.‬‬

‫‪ 10‬ـ هللا يتجلي في عصر العلم‪ ،‬إعداد‪ :‬نخبة من العلماء األمريكيين‪،‬أشرف‬


‫على تحريره‪ :‬جون كلوفرمونسيما‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪/‬الدمرداش عبد المجيد سرحان‪،‬‬
‫مراجعة‪ :‬د‪/‬محمد جمال الدين الفندي‪ ،‬ط دار القلم‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫‪ 11‬ـ البداية من الكفاية في الهداية في أصول الدين‪ ،‬تأليف‪ :‬اإلمام نور‬


‫الدين أحمد بن أبي بكر الصابوني‪ ،‬المتوفى عام ‪580‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ /‬فتح هللا‬
‫خليف‪ ،‬ط دار المعارف ‪1969‬م‪.‬‬

‫‪12‬ـ بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز‪ ،‬تأليف‪ :‬مجد الدين‬
‫محمد بن يعقوب الفيروزآبادي‪ ،‬المتوفى عام ‪817‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد علي‬
‫النجار‪ ،‬طبعة المجلس األعلى للشئون اإلسالمية‪ ،‬عام ‪2011‬م‪.‬‬

‫‪13‬ـ تاريخ اإلسالم ووفيات مشاهير األعالم‪ ،‬تأليف‪ :‬شمس الدين الذهبي‪،‬‬
‫المتوفى عام ‪748‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬عمر تدمري‪ ،‬طبعة دار الكتاب العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط أولى عام ‪2000‬م‬

‫‪ 14‬ـ تمهيد األوائل وتلخيص الدالئل‪ :‬تأليف‪ :‬القاضي أبو بكر محمد بن‬
‫الطيب الباقالني‪ ،‬المتوفى عام ‪403‬هـ‪ ،‬طبعة مؤسسة الكتب الثقافية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬عام ‪2016‬م‪.‬‬

‫‪829‬‬
‫‪ 15‬ـ التوحيد للماتريدي‪ ،‬تأليف‪ :‬أبي منصور محمد بن محمد بن محمود‬
‫الماتريدي‪ ،‬المتوفى عام ‪333‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪/‬فتح هللا خليف‪ ،‬طبعة دار‬
‫الجامعات المصرية‪ ،‬بدون‪.‬‬

‫‪ 16‬ـ جسم اإلنسان(دراسات خاصة في التشريح ووظائف األعضاء)‪ ،‬د‪/‬أحمد‬


‫محمد درباس‪ ،‬دار البداية‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عام ‪2007‬م‪.‬‬

‫‪ 17‬ـ حسن المحاضرة للسيوطي‪ ،‬تأليف‪ :‬جالل الدين السيوطي‪ ،‬المتوفى‬


‫عام ‪911‬هـ‪ ،‬ط دار إحياء الكتب العربية ‪ ،‬الطبعة الثانية عام ‪1967‬م‪.‬‬

‫‪ 18‬ـ الحقائق الجلية في الرد على ابن تيمية‪ ،‬تأليف‪ :‬العالمة شهاب الدين‬
‫الك َّالبي‪ ،‬المتوفى عام ‪733‬هـ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬أ‪.‬د ‪/‬طه الدسوقي‬ ‫بن جهبل ُ‬
‫حبيشي‪ ،‬طبعة الفجر الجديد‪ ،‬عام‪1987‬م‪.‬‬

‫‪ 19‬ـ حي ابن يقظان‪ ،‬النصوص األربعة ومبدعوها‪ ،‬تأليف‪ :‬د‪ /‬يوسف‬


‫زيدان‪ ،‬طبعة الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬عام ‪2009‬م (طبعة مصورة عن طبعة‬
‫دار الشروق) ‪.‬‬

‫‪ 20‬ـ الرسالة الكاملية في السيرة النبوية‪ ،‬تأليف‪ :‬عالء الدين ابن النفيس‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬عبد المنعم محمد عمر‪ ،‬طبعة المجلس األعلى للشئون اإلسالمية‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪ ،‬عام ‪1987‬م ‪.‬‬

‫‪ 21‬ـ رسائل الكندي الفلسفية‪ ،‬تأليف‪ :‬أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي‪،‬‬
‫المتوفى عام ‪256‬هـ‪ ،‬تحقيق وتقديم‪ :‬د‪ /‬محمد عبد الهادي أبو ريدة‪ ،‬ط دار‬
‫الفكر العربي‪ ،‬عام‪1950‬م‪.‬‬

‫‪ 22‬ـ رفع الحاجب بشرح مختصر ابن الحاجب‪ ،‬تأليف‪ :‬تاج الدين السبكي‪،‬‬
‫المتوفى عام ‪771‬هـ ‪ ،‬طبعة عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون‪.‬‬

‫‪830‬‬
‫‪ 23‬ـ روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات‪،‬تأليف‪ :‬محمد باقر‬
‫الخوانساري‪ ،‬المتوفى عام‪1313‬هـ‪ ،‬تحقيق‪:‬أسد هللا إسماعليان‪ ،‬ط مكتبة‬
‫إسماعليان‪ُ،‬قم‪ ،‬طهران‪.‬‬

‫‪ 24‬ـ السلوك لمعرفة دول الملوك‪ ،‬تأليف‪ :‬تقي الدين أحمد بن علي‬
‫المقريزي‪ ،‬المتوفى عام ‪845‬هـ ‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد مصطفى زيادة‪ ،‬طبعة دار‬
‫الكتب المصرية‪ ،‬ط ثانية‪ ،‬عام ‪1936‬م‪.‬‬

‫‪ 25‬ـ شرح تشريح القانون ‪،‬تأليف‪ :‬عالء الدين بن النفيس‪،‬المتوفى عام‬


‫‪687‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪/‬سليمان قطاية‪ ،‬مراجعة‪ :‬د‪/‬بول غليونجي‪ ،‬طبعة الهيئة‬
‫العامة للكتاب‪ ،‬عام‪2007‬م‪.‬‬

‫‪ 26‬ـ شرح معالم أصول الدين‪ ،‬تأليف‪ :‬شرف الدين أبي عبدهللا محمد بن‬
‫علي الفهري المصري‪ ،‬المعروف بابن التلمساني‪ ،‬المتوفى عام ‪658‬هـ‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬عواد محمود عواد سالم‪ ،‬طبعة المكتبة األزهرية للتراث‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬عام ‪2011‬م‪.‬‬

‫‪ 27‬ـ شرح المقاصد‪ ،‬تأليف‪ :‬سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني‪ ،‬المتوفى‬
‫‪ 793‬هـ‪ ،‬طبعة أولى ‪2001‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ‪.‬‬

‫‪ 28‬ـ شرح المواقف‪ ،‬تأليف‪ :‬السيد الشريف بن علي الحسيني الجرجاني‪،‬‬


‫المتوفى ‪ 816‬هـ‪ ،‬طبعة أولى ‪1998‬م ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬

‫‪ 29‬ـ شرح الوريقات‪ ،‬تأليف ‪ :‬أبي العالء بن النفيس‪ ،‬المتوفى عام ‪687‬هـ ‪،‬‬
‫تحقيق ‪ :‬د‪ /‬عمار طالبي‪ ،‬فريد زيداني‪ ،‬فؤاد مليت‪ ،‬ط دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬تونس‪ ،‬ط أولى عام ‪2009‬م ‪.‬‬

‫‪831‬‬
‫‪ 30‬ـ شذرات الذهب في أخبار من ذهب‪ ،‬تأليف‪ :‬عبد الحي بن أحمد بن‬
‫العماد الحنبلي‪ ،‬المتوفى عام ‪1089‬هـ‪ ،‬ط دار ابن كثير‪ ،‬دمشق‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪ ،‬عام ‪1986‬م ‪.‬‬

‫‪ 31‬ـ الشفاء(اإللهيات) تأليف‪ :‬ابن سينا‪ ،‬المتوفى عام ‪427‬هـ ‪ ،‬تحقيق‪ :‬آية‬
‫هللا حسن زادة اآلملي‪ ،‬طبعة مركز النشر التابع لمكتب اإلعالم بـ(قم)‪ ،‬إيران‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬عام ‪1418‬هـ‬

‫‪ 32‬ـ طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬تأليف‪ :‬تاج الدين السبكي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمود‬
‫الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو‪ ،‬ط أولى ‪1967‬م‪ ،‬دار إحياء الكتب‬
‫العربية ‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ 33‬ـ طبقات الشافعية‪ ،‬تأليف‪ :‬عبد الرحيم بن الحسن اإلسنوي‪ ،‬المتوفى‬


‫عام‪772‬هـ‪ ،‬ط دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عام ‪1987‬م‪.‬‬

‫‪ 34‬ـ طبقات الشافعية‪ ،‬تأليف‪ :‬أبو بكر بن أحمد بن قاضي شهبة‪ ،‬المتوفى‬
‫عام ‪851‬هـ ‪ ،‬طبعة عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1407‬هـ‪.‬‬

‫‪ 35‬ـ العقيدة النظامية في األركان اإلسالمية‪ ،‬تأليف‪ :‬اإلمام الجويني‪،‬‬


‫المتوفى ‪478‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬اإلمام الكوثري‪ ،‬طبعة المكتبة األزهرية للتراث ‪،‬‬
‫عام ‪1992‬م ‪.‬‬

‫‪ 36‬ـ علم وظائف األعضاء‪ ،‬أ‪.‬د‪/‬صباح ناصر العلوجي‪ ،‬طبعة دار الفكر‪،‬‬
‫عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬عام ‪2014‬م‪.‬‬

‫‪ 37‬ـ غاية المرام في علم الكالم‪ ،‬تأليف‪ :‬اإلمام اآلمدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أد‪ /‬حسن‬
‫الشافعي‪ ،‬طبعة المجلس األعلى للشئون اإلسالمية‪.‬‬

‫‪832‬‬
‫‪ 38‬ـ الفلسفة اإلسالمية (ضمن المجموعة الكاملة ألعمال األستاذ َّ‬
‫العقاد‪،‬‬
‫المتوفى عام ‪1964‬م)‪ ،‬طبعة دار الكتاب اللبناني ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬عام‬
‫‪1978‬م ‪.‬‬

‫‪ 39‬ـ في الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬أد‪ /‬إبراهيم بيومي مدكور‪ ،‬المتوفى عام‬


‫‪1996‬م‪ ،‬ط دار المعارف بالقاهرة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬عام ‪1976‬م‪.‬‬

‫‪ 40‬ـ قانون التأويل‪ ،‬تأليف‪ :‬أبو بكر بن العربي المالكي‪ ،‬المتوفى عام‬
‫‪543‬هـ‪( ،‬مقدمة المحقق د‪ /‬محمد السليماني)‪ ،‬ط دار القبلة للثقافة اإلسالمية‬
‫‪ ،‬جدة ‪.‬‬

‫‪ 41‬ـ قيمة الزمن عند العلماء‪ ،‬تأليف‪ :‬الشيخ عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬المتوفى‬
‫عام ‪1417‬هـ‪ ،‬الطبعة العاشرة‪ ،‬مكتب المطبوعات اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ 42‬ـ الكشف عن مناهج األدلة في عقائد الملة‪ ،‬تأليف‪ :‬أبي الوليد ابن رشد‪،‬‬
‫المتوفى ‪595‬هـ‪ ،‬تحقيق وتقديم‪ :‬أد‪/‬محمود قاسم‪ ،‬طبعة مكتبة األنجلو‬
‫المصرية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.‬‬

‫‪ 43‬ـ مجالس ابن الجوزي‪ ،‬تأليف‪ :‬أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ‪،‬‬
‫المتوفى عام ‪597‬هـ‪ ،‬ط دار اإلمام البخاري بالقاهرة ‪.‬‬

‫‪ 44‬ـ المختصر في علم أصول الحديث‪ ،‬تأليف‪ :‬عالء الدين بن النفيس‪،‬‬


‫المتوفى عام ‪687‬هـ ‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪/‬عمار طالبي‪ ،‬طبعة بدون بيانات‪.‬‬

‫‪ 45‬ـ مسالك األبصار في ممالك األمصار‪ ،‬تأليف‪ :‬ابن فضل هللا العمري‪،‬‬
‫المتوفى عام ‪749‬هـ‪ ،‬ط دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪ 46‬ـ المغني في أبواب التوحيد والعدل ـ جزء النظر والمعارف‪ ،‬تأليف‪:‬‬


‫القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني المعتزلي‪ ،‬المتوفى عام ‪415‬هـ‪،‬‬

‫‪833‬‬
‫تحقيق‪ :‬د‪/‬إبراهيم بيومي مدكور‪ ،‬إشراف‪ :‬د‪ /‬طه حسين‪ ،‬طبعة المؤسسة‬
‫المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر ‪.‬‬

‫‪ 47‬ـ مقدمة ابن خلدون‪ ،‬تأليف‪ :‬عبد الرحمن بن خلدون‪ ،‬المتوفى عام‬
‫‪808‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد هللا محمد الدرويش‪ ،‬طبعة دار يعرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬عام ‪2004‬م‪.‬‬

‫‪ 48‬ـ المهذب في الكحل المجرب‪ ،‬تأليف‪ :‬ابن النفيس‪ ،‬المتوفى عام ‪687‬هـ‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬د‪/‬محمد ظافر الوفائي‪ ،‬ود‪ /‬محمد رواس قلعجي‪ ،‬طبعة المنظمة‬
‫اإلسالمية للتربية والعلوم والثقافة‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬عام‬
‫‪1994‬م‬

‫‪49‬ـ الموافقات في أصول الشريعة ‪ ،‬تأليف‪ :‬أبي إسحاق إبراهيم بن موسى‬


‫اللخمي الغرناطي الشاطبي‪ ،‬المالكي‪ ،‬المتوفى ‪ 790‬ه ـ‪ ،‬ط الهيئة العامة‬
‫للكتاب ‪ 2007 ،‬م ‪.‬‬

‫‪ 50‬ـ الموجز في الطب البن النفيس‪ ،‬المتوفى عام ‪687‬هـ‪ ،‬تحقيق‪:‬عبد‬


‫الكريم العزباوي‪ ،‬طبعة المجلس األعلى للشئون اإلسالمية‪ ،‬و ازرة األوقاف‬
‫المصرية‪ ،‬عام ‪2019‬م‪.‬‬

‫‪ 51‬ـ موقف السلف من المتشابهات بين المثبتين والمؤولين‪ ،‬أ‪.‬د‪ /‬محمد عبد‬
‫الفضيل القوصي‪ ،‬هدية مجلة األزهر‪ ،‬شهر رمضان‪ ،‬عام ‪1439‬هـ‪ ،‬الموافق‬
‫لشهر مايو‪ ،‬عام ‪2018‬م‪.‬‬

‫‪ 52‬ـ النجاة في المنطق واإللهيات‪ ،‬تأليف‪ :‬الشيخ الرئيس ابن سينا‪ ،‬المتوفى‬
‫عام ‪427‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ /‬عبد الرحمن عميرة‪ ،‬طبعة دار الجيل‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬عام ‪1992‬م‪.‬‬

‫‪834‬‬
‫‪ 53‬ـ ابن النفيس‪ ،‬تأليف‪ :‬بول غليونجي‪ ،‬المتوفى عام ‪1987‬م‪(،‬ضمن‬
‫سلسلة أعالم العرب)‪ ،‬طبعة الدار المصرية للتأليف والترجمة‪ ،‬توزيع مكتبة‬
‫مصر بالفجالة‪ ،‬القاهرة ‪.‬‬

‫‪ 54‬ـ ابن النفيس‪ :‬الفيلسوف المسلم‪ ،‬أد‪ /‬حامد طاهر‪ ،‬بحث منشور بمجلة‬
‫مركز اللغات األجنبية والترجمة التخصصية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫‪ 55‬ـ نهاية اإلقدام في علم الكالم‪ ،‬تأليف‪ :‬أبي الفتح محمد بن عبد الكريم‬
‫الشهرستاني‪ ،‬المتوفى ‪ 548‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬ألفرد جيوم‪ ،‬ط لندن‪ ،‬بدون‪.‬‬

‫‪835‬‬
‫فهرس محتويات البحث‬

‫الموضوع‬

‫مقدمة البحث‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف موجز بـ(ابن النفيس)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬عصر ابن النفيس‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬ترجمة موجزة ًلبن النفيس‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أسس المنهج الفلسفي عند ابن النفيس‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬وجود هللا وصفاته عند ابن النفيس‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أدلة إثبات الصانع عند ابن النفيس‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬صفات هللا عند ابن النفيس‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬المعاد عند ابن النفيس‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تركيب اإلنسان عند ابن النفيس ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬حقيقة المعاد عند ابن النفيس‪.‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬النبوة عند ابن النفيس‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬حاجة البشرية إلى الرساًلت عند ابن النفيس‪.‬‬

‫‪836‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حكم إرسال الرسل عند النفيس‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬ضرورة تعدد الرساًلت وختمها‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬نبوة سيدنا محمد عند ابن النفيس‪.‬‬

‫خاتمة البحث‪.‬‬

‫أهم المصادر والمراجع ‪.‬‬

‫فهرس محتويات البحث‪.‬‬

‫‪837‬‬
838
840
‫رقم الصفحة‬ ‫البحث‬ ‫م‬

‫كتاب (خنبة الفكر يف مصطلح أهل األثر)‬


‫دراسة يف التقاسيم واألنواع‬
‫‪134-1‬‬ ‫‪.1‬‬
‫تأليف‬

‫حذف احلرف يف القرآن الكريم‪ :‬مواضعه‬


‫وغاياته‬
‫‪260-135‬‬ ‫‪.2‬‬
‫الدكتورة‪/‬‬

‫ُ‬
‫فقه املشكل من نصوص الكتاب والسنة يف‬
‫باب الرضاع‬
‫‪394-261‬‬ ‫‪.3‬‬
‫إعداد الباحثة‬

‫التفسري املقارن للقرآن الكريم دراسة‬


‫حتليلية تطبيقية على اآلية ‪ 15‬من سورة‬
‫احلج‬
‫‪458-395‬‬ ‫‪.4‬‬
‫إعداد‬

‫‪841‬‬
‫رقم الصفحة‬ ‫البحث‬ ‫م‬

‫تعقيبات احلافظ ابن كثري على اإلمام‬


‫الطربى من خالل سورة النساء عرض‬
‫‪606-459‬‬ ‫ودراسة وتعليق‬ ‫‪.5‬‬

‫إعداد‬

‫التحرير يف غرائب التفسري‬


‫‪668-607‬‬ ‫إعــداد‬ ‫‪.6‬‬

‫الدخيل يف فضائل القرآن البن الضريس‬


‫‪720-669‬‬ ‫إعداد‬ ‫‪.7‬‬

‫الفلسفة اإلهلية عند ابن النفيس(املنهج‬


‫والتطبيق)"دراسة حتليلية نقدية"‬
‫‪838-721‬‬ ‫‪.8‬‬
‫إعداد‬

‫‪842-839‬‬ ‫فهرس اجمللد األول‬ ‫‪.9‬‬

‫‪842‬‬

You might also like