Professional Documents
Culture Documents
دروس من فكر
اإلمام الخميني (ُقِّد َس ِس ُّر ْه)
|2
دروس من فكر
اإلمام الخميني (قدس سره)
|4
الفهرس
المقّدمة7.....................................................................................
|5 الفصل األّو ل :معالم الفكر الدينّي والشخصّية اإلنسانّية عند اإلمام الخمينّي
(قدس سره)
أّو ًال :معالم الفكر الدينّي عند اإلمام الخمينّي (قدس سره)11.............................
األمر األّو ل :األصالة واالنسجام في المنظومة الفكرّية 11..................................
األمر الثاني :الرؤية العقدّية لإلمام الخمينّي (قدس سره)22...............................
األمر الثالث :الرؤية الِقَيمّية لإلمام الخمينّي (قدس سره)33..............................
األمر الرابع :الرؤية التشريعّية لإلمام الخمينّي (قدس سره)48...........................
ثانيًا :معالم الشخصّية اإلنسانّية عند اإلمام الخمينّي (قدس سره)63....................
األمر األّو ل :العبودّية كمال اإلنسانّية 64.......................................................
األمر الثاني :أبعاد الوجود اإلنسانّي ومراعاة اإلسالم لها75...............................
الفصل الثاني :شرائح المجتمع في فكر اإلمام الخمينّي (قدس سره)
األمر األّو ل :الحوزة العلمّية 92..................................................................
األمر الثاني :الجامعة 105........................................................................
األمر الثالث :المعّلمون 115......................................................................
األمر الرابع :اإلعالمّيون138....................................................................
األمر الخامس :الرياضّيون 151.................................................................
األمر السادس :المرأة159........................................................................
األمر السابع :الشباب 166........................................................................
|6
المقّدمة
والصالة والسالم على أشرف خلق هللا سّيدنا محّم د ،وعلى آله الطّيبين الطاهرين.
|7
إّن الن اظر في حقيق ة اإلس الم ،المتمّث ل ب القرآن الك ريم وس ّنة الن بّي (ص لى هللا علي ه
وآله) وأهل بيته األطهار (عليهم السالم) ،يجد أّنه مشروع حضارّي ،جاء بنح و ث ورّي،
لُيغّير البنى العقدّية والِقَيمّية والتشريعّية التي قام عليها المجتم ع الج اهلّي ؛ َفليس اإلس الم
مجموعًة من األحكام المتناثرة التي ال ناظم لها ،بل إّنه منظومة ُم حَك مة متكاملة.
وقد سعى العلم اء األعالم في اكتش اف النهج الج امع له ذا ال ِد ين ،فك ان اإلم ام الخمي نّي
(قدس سره) الفقيه والفيلسوف األخالقّي الذي ق ّد م نهج ًا ك امًال على المس توَيين النظ رّي
والعملّي ؛ فبعد أن أّسس ُرؤاه التي تشِّك ل صرحًا كامًال ح ول الرؤي ة الكونّي ة والمنظوم ة
الِقَيمّية والتشريعّية ،وال سّيما والية الفقيه ،نجح -بتوفيق إلهّي عظيم يكاد يكون إعجازّيًا-
في إزالة طاغوت عصره ،الشاه البهلوّي ،وُأتيحت له فرصة تطبيق ما نّظم ه وبن اه على
المستوى الفكرّي.
حاولنا في هذا الكتاب «دروس من فكر اإلمام الخمينّي (قدس سره)» الجم ع بين إيض اح
الرؤية الفكرّية لإلمام الخمينّي (قدس سره) وبين الرؤى التنظيمّية العملّية له ،فذكرنا أّو ًال
معالم الرؤية على مستوياتها الثالث ة؛ العقدّي ة والقيمّي ة والتش ريعّية ،وَبّيّن ا رؤيت ه ألبع اد
اإلنسان الذي يحمل مسؤولّية
تطبيق الِد ين الحنيف وأمانته .ثّم شرعنا ثانيًا في بيان رؤية اإلمام (قدس سره) التي قَّد مها
في زمان ثورته وتنظيمه للدولة اإلسالمّية المباركة في إيران ألهّم شرائح المجتمع :طَلَبة
العلوم الدينّية ،الطاّل ب الجامعّيين ،األساتذة والمعّلمين ،اإلعالمّيين ،الرياض ّيين ،الم رأة،
|8 الشباب.
ال نّد عي أّننا أحطنا بما ذكره اإلمام (قدس سره) كّله ،إاّل أّن ه ال ش ّك في أّن الق ارئ له ذا
الكتاب ،سوف تّتضح أمام ه -بش كل جلٍّي -المع الم الفكرّي ة لنهج اإلم ام الخمي نّي (ق دس
سره) ،والمعالم التنظيمّية ألهّم شرائح المجتمع.
األصالة
ُتطرح قضّية األص الة في الفك ر ال دينّي انطالق ًا من قض ّية جوهرّي ة هي أّن التفك ير في
القضايا الدينّية بمجاالتها المتعّد دة؛ الفقهّية أو االعتقادّية أو األخالقّية ،ال ب ّد من أن يك ون
مبنّي ًا على أص ول وقواع د متين ة ،ال االستحس ان أو االس تذواق ،إذ إّن للفقاه ة والعقائ د
والقيم منهجها التفكيرّي الخاّص الذي ال يمكن تق ديم األفك ار والمع ارف إاّل ِبس لوكه .من
هنا يأتي طرح قضّية «األصالة» ،والتي تعني السلوك المنهجّي المنضبط ضمن المعايير
والقواعد المثبتة ،إلنتاج الفكر من مصادره المعرفّية الخاّصة.
ومن المؤّك د أّن ِع لمًا قد يختلف عن آخر ،ويختلف ِ-بَتبع ه -منهج عن منهج ،فتتع ّد د آف اق
األص الة وأبعاده ا .ففي العقائ د والفلس فة ،مثًال ،تك ون األص الة باالس تناد إلى البره ان
العقلّي ،أّم ا األصالة في
الفقه والمسائل الشرعّية والفكر القانونّي اإلس المّي ،فتك ون باإلحاط ة بقواع د االس تنباط
الشرعّي .
| 12 بعد تبيان معنى األصالة ،ال شّك ،إذًا ،في أّن اإلمام الخمينّي (قدس سره) كان أصيًال بهذا
المعنى؛ فقيهًا وفيلس وفًا ومحيط ًا ب العلوم اإلس المّية ،تش هد ل ه في ذل ك كتب ه في العل وم
المختلفة ،وتالمذته الذين ص ار بعض هم من أعالم المفّك رين والمراج ع .ف إن كّن ا نقص د
باألصالة رسوَخ القدم في ال تراث والعل وم وامتالك أهلّي ة اس تخراج األفك ار الدينّي ة من
مصادرها ،فإّن اإلمام (قدس سره) كان من علم اء الط راز األّو ل في ذل ك؛ يق ول اإلم ام
الخامنئّي (دام ظله)« :كان سماحته فقيهًا وأصولّيًا وفيلسوفًا وعارفًا ،ومعِّلم أخالق ،وأديبًا
وشاعرًا ،وقد ترَّبع سنوات طواًال على أرفع مقاعد التدريس ،واستحوذ على اهتمام أب رز
المجامع العلمّية في الحوزة وأشهرها».1
وال نقصد مّم ا طرحناه حصَر األصالة بالمجتهد أو الفيلسوف ،ولكّن المصداق األبرز لها
متحّقق في من حّقق األصول والضوابط ،واس تدّل عليه ا ،وِم نهم اإلم ام الخمي نّي (ق دس
سره)َ .فمن الضرورّي ،إذًا ،تسليط الضوء على قضّية األصالة في كالم اإلم ام الخمي نّي
(قدس سره) ،إذ قد يجد بعضهم أّن انشغاله (قدس س ره) بالتجدي د ونفض غب ار الس كون
عن حركة اإلسالم والمسلمين يجعله بعيدًا عن قضّية األصالة والعم ق في الفك ر ال دينّي ،
والحقيقة أّن األم ر خالف ذل ك؛ إذ إّن ه َتمَّي ز -لع ّل ه ذه القض ّية من الممّي زات الحقيقّي ة
لشخصّية اإلمام الخمي نّي (ق دس س ره) -ب الجمع بين األص الة والعم ق في الفك ر ال دينّي
الفقهّي وغيره من جهة ،والتجديد من جهة أخرى.
يقول اإلمام الخمينّي (قدس سره)« :ال شك في أّن الحوزات العلمّي ة والعلم اء المل تزمين
ك انوا على م ّر ت اريخ اإلس الم والتش ُّيع أهّم قاع دة إس المّية محكم ة في وج ه الحمالت
واالنحرافات والسلوك المتطّرف،
1اإلمام الخمينّي ،السّيد روح هللا الموسوّي ،صحيفة اإلمام (تراث اإلمام الخمي ني (ق دس س ره)) (ترجم ة عربّي ة)،
مؤّسسة تنظيم ونشر تراث اإلمام الخميني ،إيران -طهران1430 ،هـ 2009 -م ،ط ،1ص ،9المقّد مة.
فقد سعى علماء اإلسالم الكبار طوال عم رهم إلى نش ر مس ائل الحالل والح رام اإللهّيين
من دون تدُّخ ل أو تصُّر ف .ولو لم يكن الفقه اء األع ّز اءَ ،لم ا عرفن ا ماهّي ة العل وم ال تي
كانت َس ُتقَّد م اليوم إلى الناس ِبَو صفها علوم القرآن واإلسالم وأهل البيت (عليهم الس الم).
| 13 إّن َجْم َع وِح ف ظ عل وم الق رآن واإلس الم ،وس ّنة الرس ول األك رم (ص لى هللا علي ه
وآله) وسيرته وسيرة المعص ومين (عليهم الس الم) وت دوينها وتبويبه ا وتنقيحه ا ،لم يكن
عمًال سهًال مع إمكانّيات قليلة جّد ًاَ ،فَقد سَّخ ر السالطين والظالمون إمكانّياتهم كّله ا ِلَم ْح ِو
آثار الرسالة .ون رى الي وم -وهلل الحم د -ثم رة تل ك الجه ود في آث ار ومؤّلف ات مبارك ة،
ك الكتب األربع ة 1والمص ّنفات األخ رى للمتق ّد مين والمت أّخ رين في الفق ه والفلس فة
والرياض ّيات والنج وم واألص ول والكالم والح ديث وعلم الرج ال والتفس ير واألدب
والعرفان واللغة وفروع المعرفة جميعها .فإذا لم ُنَس ِّم ه ذه الجه ود والمعان اة كّله ا جه ادًا
في سبيل هللا ،فم اذا ينبغي أن نس ّم يه؟ إّن ثّم ة ح ديثًا ط ويًال عن الخ دمات العلمّي ة الف ّذ ة
للحوزات الدينّي ة ،ال يّتس ع المج ال هن ا ِل ذكره .ف الحوزات العلمّي ة ،من حيث المص ادر
وأساليب البحث واالجتهاد ،غنّية وحافلة باإلبداع ،وال أتص ّو ر وج ود طريق ة أنس ب من
نهج علماء السلف في دراسة العلوم اإلسالمّية بأس لوب ُم عّم ق .إّن ت اريخ أك ثر من أل ف
عاٍم من البحث والتحقيق والتتُّبع لعلم اء اإلس الم الص ادقين ،على طري ق رعاي ة غرس ة
اإلسالم المقّد سة ونمّو ها ،خير شاهد على اّد عائنا؛ فعلى مدى مئات األعوام ،ك ان علم اء
اإلسالم مالذ المحرومين ،وك ان المستض عفون يرت وون من ك وثر زالل معرف ة الفقه اء
العظام على الدوام .وإذا ما تجاوزنا جهادهم العلمّي والثقافّي الذي ُيَع ُّد ِ-بَح ٍّق -أفض ل من
دماء الشهداء 2في بعض األبعاد ،فإّنهم،
1كتب األحاديث الفقهّية الشهيرة األربعة( :التهذيب) و(االستبصار) للشيخ الطوسّي ،و(من ال يحض ره الفقي ه) للش يخ
الصدوق ،و(الكافي) للكلينّي .
2راجع :الصدوق ،الشيخ محّم د بن علّي بن بابوي ه ،من ال يحض ره الفقي ه ،تحقي ق وتص حيح علّي أك بر الغّف ارّي،
مؤسسة النشر اإلسالمّي التابعة لجماعة المدّر سين بقم ،إيران -قم1413 ،هـ ،ط ،2ج ،4ص.399
ومن أجل الدفاع عن مقّد ساتهم الدينّية والوطنّية ،عانوا الكثير على م ّر العص ور .وف وق
تحّم لهم اَألسر والنفي والسجون والتع ذيب واإلس اءة ،ق َّد موا ش هداء عظام ًا على طري ق
الح ّق تع الى ...إّن ش هداء علم اء ال ِد ين لم ينحص روا في ش هداء النض ال والح رب في
| 14 إيران ،بل إّن الكثير من الشهداء المجه ولين للح وزات العلمّي ة َفَق دوا حي اتهم غرب اء في
طريق نشر المعارف واألحكام اإللهّية على يد العمالء والخبثاء .وفي ك ّل نهض ة وث ورة
إلهّية وشعبّية ،كان علماء اإلسالم يقفون في طليعة المواجهةَ ،و َقد ُخ َّط على جب اههم ال دم
والشهادة».1
وقد ذكر اإلمام الخمينّي (قدس سره) في رسالة مستقّلة حول االجته اد والتقلي د مجموع ًة
من الشروط التي ال بّد ِم ن توّفرها في من يريد االجتهاد وتق ديم رأي إس المّي أص يل في
أّيِة مسألة فقهّية .وهي كثيرة ،منها :العلم بفنون العلوم العربّية بمق دار م ا يحت اج إلي ه في
فهم الكتاب واُلسّنةَ ،تعُّلم المنطق بمقدار تشخيص األقيسة وترتيب الحدود ،العلم بمهّم ات
مسائل أصول الفقه مّم ا هو دخيل في فهم األحكام الشرعّيةِ ،ع لم الرجال بمقدار ما يحتاج
إليه في تشخيص الروايات ،واألهّم واأللزم معرفة الكتاب والُس ّنة.2
وَذ كر أّن من الش روط الالزم ة لالجته اد معرف ُة الزم ان والمك ان؛ فالمجتمع ات متبّد ل ة
ومتغّيرة ِبَتغُّير المقتضيات السياسّية واالجتماعّية المختلف ة ،م ا يكش ف عن وج ود أس ئلة
تحتاج إلى إجابات لم تكن مطروحة ِم ن قبل .ل ذا« ،إّن الح وزات العلمّي ة وعلم اء ال دين
مطالبون دائمًا باستيعاب حركة المجتم ع والتنُّب ؤ بمتطّلبات ه واحتياجات ه المس تقبلّية ،وأن
يكونوا ُم هَّيأين الّتخاذ ردود الفع ل المناس بة إزاء األح داث قب ل ح دوثها .فمن الممكن أن
تتغّي ر أس اليب إدارة أم ور المجتم ع الرائج ة في الس نوات القادم ة ،وتج د المجتمع ات
البشرّية
| 15 ويذكر اإلمام الخامنئّي (دام ظله) تجّلي هذه القضّية في شخص ّية اإلم ام الخمي نّي (ق دس
سره) بشكل خاّص ،فيقول« :لقد كان يعرف إيران جّي دًا؛ فمن جه ة ك ان ي درك موقعه ا
الجغ رافّي الحّس اس والمص يرّي ،ويعي جغرافّيته ا السياس ّية وموارده ا الطبيعّي ة
واإلنسانّية ،ويحيط بتطّلعاتها وأه دافها وآماله ا الكب يرة ،وِم ن جه ة أخ رى ك ان محيط ًا
بتاريخه ا على م دى المئ ة والخمس ين عام ًا األخ يرة الزاخ رة ب الِم حن ،وأبع اد هيمن ة
األجانب وَنهبهم ثرواتها ،وخيانة وفساد واستبداد اُألسرة البهلوّية وآالف اُألَس ر المرتبطة
بها ،وما ُفرض عليها من َفقر وتخُّلف علمّي وصناعّي وأخالقّي ...واألهّم من ذل ك كّل ه،
إدراكه لروحّية شعبها العظيم واألصيل والرشيد والمؤمن.
كما أّنه كان على اّطالع بأوضاع العالم والشعوب المستعمرة والدول المس تكبرة والجي ل
الشاّب التائ ه الح يران والمتعّطش للحقيق ة ،وال س ّيما األوض اع المؤس فة لل دول واألّم ة
اإلسالمّية .كان يتأّلم لذلك كّله ،وكانت القضّية الفلسطينّية ومعاناتها المؤلمة تعتص ر قلب ه
الكبير».2
وإّنما أتينا بهذه النصوص ِلُنثبت أّن اإلمام الخمينّي (ق دس س ره) ك ان ن اظرًا في حركت ه
وتنظيره إلى قضّية العمق ،والشروط الض رورّية الس تنباط األفك ار من المت ون الدينّي ة،
ولم يكن ذوقّيًا أو مستحسنًا في استدالالته؛ وهذه قضّية مهّم ة ج ّد ًا لك ّل ش خص يري د أن
يكون منِتجًا للفكر.
وال تقتصر األصالة على قضّية التعامل مع النصوص الدينّي ة؛ أي االجته اد ،ب ل إّن له ا
امتدادًا أيضًا -وِبشكٍل واضح -إلى ميادين الفلسفة والعرفان والت اريخ والعقي دةَ .فَق د ك ان
اإلمام الخمينّي (قدس سره) من أهّم
| 16
االنسجام
العالمة الثانية التي تمّيز الرؤية الفكرّية لإلمام الخمينّي (قدس سره) هي انسجامها ،وذلك
يرجع -بدرجة كبيرة -إلى أمرين أساسَّيين في شخصّية اإلمام؛ األّو ل ش مولّية شخص ّيته،
والثاني اعتقاده بأّن اإلسالم مشروع متكامل.
وتفصيل ذلك أّن العلوم اإلسالمّية تكاد تشبه النوافذ التي يط ّل من خالله ا الش خص على
حقيقة اإلسالم ،واالّطالع من نافذة واحدة ال يكشف المشهد بكامله ،خالَف النظر إلي ه ِم ن
النوافذ كاّفة ،والذي ُيحِّص ل لديه صورة كاملة عن حقيقته .فالفقي ه ال ذي ال ي رى اإلس الم
إاّل من منظار الفقه ناقُص الرؤية ،وكذلك الفيلس وف أو األص ولّي أو المفّس ر ،أّم ا ال ذي
يتعّم ق في العلوم كاّفة ،فيعرف أص ول التعام ل م ع النّص ال دينّي من الحيثّي ة الفقهّي ة أو
التفسيرّية ،ويرى العمق العقلّي والفلسفّي للعقائد الدينّية ،وغير ذل ك من العل ومَ ،فَس يكون
بمقدوره
االّطالع على اإلسالم بكّلّيته التي أتى بها النبّي (صلى هللا عليه وآله)؛ هذا ِم ن جهة .وِم ن
جهة أخرى ،فإّن َم ن ُيؤمن بأّن اإلس الَم -واقع ًا -برن امٌج ش امل وج امع لحاج ات البش ر
كّلها ،وبأّنه ِد ين ُيراد من ه أن يك ون نم ط حي اة للف رد والمجتم عَ ،فس يكون اّطالع ه على
| 17 الِد ين من نوافذ العل وم ِب داعي اكتش اف خريطت ه لح ّل المش كالت الفردّي ة واالجتماعّي ة
بمظاهرها المختلفة ،خالفًا ِلمن يرى اإلسالم غير شامل من هذه الجه ة ،فلن يك ون هّم ه
في األصل البحث عن نموذج شامل للحياة.
وقد تجّلی هذان األمران في شخصّية اإلمام (قدس سره)َ ،فنهجه واضح جّد ًا ،إذ يقول في
بعض كلماته« :إّن لإلسالم منهجًا ومسلكًا لهذا اإلنسان الذي ل ه م راتب من الطبيع ة إلى
ما وراء الطبيع ة ،ومّم ا وراء الطبيع ة إلى األلوهّي ة .إّن اإلس الم يري د أن ي رّبي إنس انًا
جامع ًاِ ،بالص ورة ال تي ه و عليه ا؛ ذا ُبع ٍد ط بيعّي فينّم ي في ه الُبع د الط بيعّي ،وذا ُبع د
برزخّي فينّم ي فيه الُبع د ال برزخّي ،وذا ُبع د روحّي فُينّم ي في ه الُبع د ال روحّي ،وذا ُبع ٍد
عقلّي فُينّم ي فيه الُبعد العقلّي ،وذا ُبعد إلهّي فُينّم ي فيه الُبع د اإللهّي ...إّن األبع اد جميعه ا
التي يمتلكها اإلنسان ناقصة ولم َتِص ل إلى درج ة الكم ال .وق د ج اءت األدي ان إلنض اج
الثمرة غير الناضجة ،وإكمال الثمرة الناقصة ...اإلس الم يري د أن ُي رّبي اإلنس ان ليك ون
كائنًا متكامًال يمتلك األبعاد جميعها ،ولديه تعليمات لكّل ُبعد من هذه األبعاد .ففي اإلس الم
أحكام للحكومة اإلسالمّية ولمؤّسساتها ،ولمواجهة األعداء ،ولتحري ك المجتم ع من أج ل
الوصول إلى ما وراء الطبيع ة؛ اإلس الم يمل ك ذل ك كّل ه .فاإلس الم ليس أح ادّي الج انب
ليق ول اإلنس ان :إّن ني ع رفت اإلس الم وع رفت تاريخ ه ،مثًال ،وم ا ك انت علي ه حيات ه
البش رّية -على س بيل الف رض -وقوانين ه الطبيعّي ة وأمث ال ذل ك؛ فليس األم ر به ذه
الصورة».1
إذًا ،بعد أن بَّيّنا أسباب االنسجام في ِفكر اإلمام الخمينّي (قدس س11ره) ،ننتق11ل إلى بي11ان
التطبيقات التي ظهر فيها هذا االنسجام ،بالنظر إلى أبعاد اإلسالم الكّلّية:
ُيمكن تقسيم معارف اإلسالم إلى هذه األقسام الكّلّية ،وسيأتي بيانها مفَّص ًال ،إاّل أّنن ا نش ير
إليها هنا إليضاح االنس جام في م ا بينه ا .أّم ا العقائ د ،فتش مل م ا يمكن أن ُيس ّم ى ِو ف اق
االص طالح الكالمّي بأص ول ال ِد ين والم ذهب الخمس ة ،من التوحي د والع دل والنب ّو ة
واإلمامة والمعاد ،والتي لها فروع عقدّية ،كالصفات اإللهّية في مبحث التوحي د ،والج بر
واالختيار في مبحث العدل ،والعصمة ولوازمها في مبحَثي النبّو ة واإلمامة ،والبرزخ في
مبحث المع اد .أّم ا األخالق ،فهي البحث في الُحس ن والقبح ،كحس ن الع دل وقبح الظلم،
والعدالة االجتماعّية،
| 19 وقد َذ كر اإلمام الخمينّي (قدس سره) أّن هذه األبعاد الثالثة للِد ين ،وال تي ُتش ِّك ل بمجمله ا
معارف القرآن وسائر النصوص ،منسجمة في ما بينها ،فالشريعة ال ُتنافي األخالق ،كم ا
أّن االعتقادات ُم نسجمة مع تنظيم حي اة الف رد على المس توَيْين الفقهّي واألخالقّي ؛ ومث ال
ذلك أّننا لو أخذنا عقيدة «اإليمان باآلخرة» ،أو إّن وراء ه ذا الع الم ال دنيوّي ع الم آخ ر،
فإّن لهذا االعتقاد لوازمه األخالقّية والفقهّية .ويقول اإلمام الخمينّي (ق دس س ره) في ه ذا
المجال« :ال يمكن إصالح اإلنس ان وحف ظ حقوق ه إاّل باالس تناد إلى مب دأ معن وّي ،فنحُن
نرى كيفّية تعامل الحكومات التي ق امت على أس اس التوُّج ه إلى هللا م ع الن اس ،وكيفّي ة
تعامل غيرها ِم ن الحكومات .ونرى كيف إّن ذاك الحاكم -أي اإلمام علّي (عليه الس الم)-
كان يقوم بنفسه -على الرغم من اّتساع رقعة حكومته وشمولها تلك البلدان كّلهاِ -بالتجُّو ل
ليًال لَتَفُّقد أحوال الضعفاء وتوف ير م ا يحت اجون ،ثّم يق ول (علي ه الس الم) أّن ه يخش ى أن
يكون في اليمامة أو غيرها جائع ،فال ُيشِبع نفسه خشية أن يك ون طعام ه أك ثر ِم ن طع ام
أولئك الجياع؛ هذا هو عمل الم ؤمن بالمب دأ الغي بّي ،وإاّل فه و بش ر كس ائر البش ر ،لكّن
االعتماد والتوُّج ه إلى المبدأ الغيبّي هو الذي دفعه (عندما جاءت عساكر معاوية أو غ يره
وسلبت خلخال امرأة يهودّية أو نصرانّية من أه ل الذّم ة) إلى تأكي د أّن الم ؤمن إذا م ات
َك َم دًا بسبب ذل ك َلك ان ج ديرًا ،وليس َم لوم ًا .1ه ذا ه و ح ال َم ن يطلب ص الح الرعّي ة،
المحّب لإلنسان حّقًا ،ألّنه يتوَّج ه إلى عالم فوق هذا العالم؛ ال ينحصر اهتمامه باألكل
1إشارة إلى الغارة التي شّنها سفيان بن عوف -من قادة معاوية -على مدينة األنب ار في عه د حكم اإلم ام علّي (علي ه
السالم) ،فقد هاجم جنده حينها امرأتين؛ مسلمة وذّم ّية ،وسلبوهما الخلخ ال والعق د وغيرهم ا .فلّم ا س مع اإلم ام (علي ه
السالم) بذلك قالَ« :فَلْو َأَّن اْمَر ًأ ُم ْس ِلمًا َم اَت ِم ْن َبْع ِد َهَذ ا َأَس فًاَ ،م ا َك اَن ِبِه َم ُلومًاَ ،بْل َك اَن ِب ِه ِع ْن ِد ي َج ِد يرًا» ،الرض ّي ،
الس ّيد محّم د بن حس ين ،نهج البالغ ة (خطب اإلم ام علّي (علي ه الس الم)) ،تحقي ق وتص حيح ص بحي الص الح ،دار
الهجرة ،إيران -قم1414 ،هـ ،ط ،1ص.70
والشرب وهذه الحياة الحيوانّية ،بل يتوَّجه إلى ما هو أسمى من ذلك.
إّن أمثال هؤالء الذين يس تندون إلى ه ذه المب ادئ المعنوّي ة يمكن االعتم اد عليهم والثق ة
| 20 بهم ،بحيث يض ع اإلنس ان ُم قّد رات ه بأي ديهم ،ويخت ار منهم الن ائب وال وزير ورئيس
الجمهورّية؛ وهذا ما نهتف ُم طالبين به ،ونتطَّلع إلى تحقيقه».1
َو ِم ن األمثلة الواضحة على انسجام المنظومة الفكرّية لإلمام الخمينّي (قدس سره) رؤيت ه
لألحكام الش رعّية من ِم نظاره ا الع اّم الحض ارّي؛ «فالش ريعة ،وإن ج اءت لتنظيم حي اة
اإلنسان ،لكّن هذا لم يكن غاية م ا تري ده ،ب ل إّنه ا ج اءت أيض ًا من أج ل إيص ال الف رد
والمجتمع إلى غايات أخرى مرتبطة بالسياس ة واالس تقالل والحّرّي ة ،وهي أم ور ِقَيمّي ة
واضحة ،وِم ن أجل إيصاله إلى التوحيد العملّي والفعلّي على مستوى القلب والب اطنَ .فال
يمكننا ،مثًال ،االقتصار في نظرتنا إلى فريضة الحّج العظيمة على أّنها مناس ك فق ط ،ب ل
إّن لها أبعادًا أخرى ،ف إّن «اجتم اع الحّج» من األم ور اإلس المّية السياس ّية ،ألّن الفئ ات
المستطيعة كّلها تجتمع من كّل مكان ،من إيران وسائر البلدان اإلسالمّية ،ويتح ّد ثون عن
شؤونهم ،فُتَح ّل مشكالتهم .لقد أقام اإلس الم تجّم ع ات -ك الحّج -ال يمكن ألّي ِة ق ّو ة أن ُتقيم
مثلها؛ فلو أّن البلدان اإلس المّية كّله ا وزعماءه ا اجتمع وا ،فلن ُيَو َّفق وا إلى َج ْم ع نص ف
مليون إنسان في مكان واحد ،لكّن هللا تبارك وتعالى ق د َج َم ع الن اس ِبــ ﴿َو ِلَّل ِه َعَلى ٱلَّن اِس
ِح ُّج ٱۡل َبۡي ِت ﴾ ،2ووَّفر هذا االجتماع .ولكْن مّم ا يؤَس ف له أّن «آريا مهر» هو َم ن كان ين ال
فوائد حّجاجنا كّلها ،حينما كانوا يذهبون إلى الحّج ،فكانوا يتحّد ثون عن ش ؤونه ،في حين
أّنه كان ينبغي على الخطباء والكّت اب أن يتح ّد ثوا عن قض ايا اإلس الم وبل دان المس لمين
ومشاكلهم ،كي يجدوا سبيًال إلى َح ِّلها ،وأن ُيفّك روا في وحدة الكلم ة ،وَيْس َع وا من أجله ا.
إّن االعتصام
اإلمام الخمينّي ،صحيفة اإلمام ،مصدر سابق ،ج ،4ص.285 - 284 1
وفي ما يأتي من الفصول ،سنخّص ص الكالم حول هذه القض ّية؛ إذ إّنن ا س نتكّلم على ك ّل
ُبعد من أبعاد الِد ين في فكر اإلمام الخمينّي (قدس سره) ،ثّم على االنسجام الحاصل بينها،
لتّتضح أمامنا جمالّية الرؤية الدينّية التي يقِّدمها لنا هذا اإلمام العظيم.
اإلمام الخمينّي ،صحيفة اإلمام ،مصدر سابق ،ج ،10ص.93 - 92 1
األمر الثاني :الرؤية العقدّية لإلمام الخمينّي (قدس سره)
يتمّثل الركن األّو ل من أركان المنظومة الفكرّية لإلمام الخمينّي (ق دس س ره) بم ا ُيس ّم ى
«الرؤية الكونّية» أو «العقائد» ،باالصطالح الخاّص .ويقصد به مجموع ة األفك ار ال تي
| 22 ُتبّين نظرتنا إلى الوجود ،وتجيب عن سؤال :ما هي هندسة عالم الوج ود؟ ِمَّم يت أّلف؟ م ا
الموجود وما غير الموجود؟
إذا ذهبنا إلى األسئلة التفصيلّية التي تجيب عنها الرؤي ة الكونّي ة بش كٍل ع اّم ؛ أي قب ل أن
نخّص ص الكالم ِلما يقّد مه اإلمام الخمينّي (قدس س ره) ،فإّنن ا نج د أّن أّي وص ف للك ون
والوجود ال بّد من أن يجيب عن ثالثة أسئلة أساسّية عاّم ة ،هي :من أين؟ وإلى أين؟ وفي
أين؟
إّن الكالم في السؤال األّو ل على مبدأ وجود العالم وأساسه؛ فه ل إّن ل ه خالق ًا أم ال؟ وم ا
هي صفاته؟ أّم ا الس ؤال الث اني ،فينقس م إلى أس ئلة عدي دة يجمعه ا س ؤال عن المع اد أو
المصير؛ فهل إّن العالم الماّد ّي والوجود األرضّي المحدود بهذا الزمان وسائر الح دود ال
غ ير ل ه ،أم ثّم ة ع الم نص ير إلي ه بع د الم وت؟ والس ؤال الث الث عن الرب ط بين ال دنيا
واآلخرة ،أو الطريق الذي يسلكه البشر ِلبلوغ غايات شّتىَ ،فهو :هل ثّم ة طري ق خ اّص
يؤّد ي إلى مصير خاّص ؛ الطريق الذي يمكن أن نصطلح عليه بالشريعة ،أو ما تمنحُه لنا
النبّو ة واإلمامة؟
هذه هي األركان العاّم ة للرؤية الكونّية .وفي ما ي أتي ،نق ّد م بعض اإلش ارات المس تلهمة
من نهج اإلمام (قدس سره) ،وال نّد عي اإلحاطة -في هذا الكت اب المختص رِ -بم ا أتى ب ه
كّله ،وإّنما نسعى إلى تقديم مف اتيح أساس ّية تش ّك ل اإلط ار النظ رّي الع اّم لرؤيت ه (ق دس
سره).
الرؤية الكونّية الماّد ّية واإللهّية
من أوائل األمور التي َتظهر لنا في رؤي ة اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) العقدّي ة َو ْض ُعه
| 23 الحدود الفاصلة بين رؤيَتْين؛ األولى الرؤية التوحيدّي ة اإللهّي ة للوج ود ،والثاني ة الرؤي ة
الماّد ّية .فإّن َح ْص ر الوجود بالعالم الماّد ّي ،وَتَو ُّهم أّنه ال يوجد عوالم أخ رى غ ير ماّد ّي ة،
ه و من مع الم التم اُيز بين اإللهّي وغ ير اإللهّي .وق د أش ارت اآلي ات القرآنّي ة إلى ه ذه
القضّية عندما وصفت أهَل الدين والقرآن واإلسالم بأّنهم يؤمنون بالَغيب ،في مقابل الذين
اقتص ر إيم انهم واعتق ادهم على م ا ت راه أعينهم وتس معه آذانهم؛ وه و المس ّم ى ِبع الم
الشهادة.
ثّم إّن اقتصار أصحاب الرؤية الماّد ّية على هذا األمر -أي َح ْص ر الوجود بالش هادة وع دم
اإليمان بالغيب -يرجع إلى أسباب عديدة أهّم ها إقصاء العق ل المج ّرد عن س احة التفك ير
والمعرفة؛ بعبارة أخرى ،هل إّن معارفنا ومعلوماتنا التي ُنكِّو نها حول الوجود لها مصدر
غير الحّس أم ال؟ فإْن قلنا إّن ما نعرفه كّله يأتي من حواّسنا ،وما سوى الح واس ال يمكن
أن نعرف وجوده أو عدم ه؛ أي َنَفْين ا م ا َع داها -والحقيق ة أّن العل وم الطبيعّي ة ،ك الطّب
والفيزياء والكيمياء ،علوم معتمدة على محورّية الحّس والتجرب ة؛ ل ذا ك انت علوم ًا ذات
مصادر معرفّية حّس ّية ومقبول ة -فعندئ ٍذ لن ُتطِلعن ا المع ارف ال تي نمتلكه ا على وج ود
غيبّي غير ماّد ّي ،فتكون رؤيتنا ماّد ّية .أّم ا إذا آمّنا بالمعرفة العقلّية التجريدّية؛ أي بالعق ل
المج ّرد ال ذي ُيزّو دن ا بأفك ار تأّم لّي ة غ ير محسوس ة ،كوج ود هللا تع الى أو المالئك ة أو
اآلخرة أو غير ذلك ِم ن أمور ال ُتحّس ِبالحواس ،فعندئٍذ سينفتح لنا باب المعرفة ِبالَغْيب.
لقد َذ كر اإلمام الخمينّي (قدس سره) ُع مق هذا المطلب في رسالته المطّو ل ة ال تي أرس لها
في أواخر عمره الشريف إلى زعيم االّتحاد السوفييتّي األخير ،إذ قال« :فالم اّد ّيون آمن وا
بالحّس معيارًا للمعرفة في رؤيتهم الكونّيةَ ،و َع ّد وا ما هو غير محسوس كّل ه خارج ًا عن
دائرة العلم .وتبعًا
لذلكَ ،ع ّد وا عالَم الغيب ،نظيَر وجود هللا تبارك وتعالى والوحي والنب ّو ة والمع اد ،ض ربًا
من األساطير ،في حين أّن معيار المعرفة في الرؤية الكونّية اإللهّية يشمل الحّس والعقل،
وأّن ما يدركه العقل يدخل في دائرة العلم وإن لم يكن محسوسًا .ل ذا ،ف إّن الوج ود يش مل
| 24 ع اَلَم ي الَغيب والش هادة ،وال ذي يفتق د الم اّد ة ِم ن الممكن أن يك ون ل ه وج ودَ ،فكم ا أّن
الوجود الماّد ّي يستند إلى المجّرد ،فكذلك المعرفة الحّسّية تستند إلى المعرفة العقلّية.
إّن القرآن المجيد ينتقد أساس التفكير الماّد ّي ،ويرّد على ال ذين يتوّهم ون ع دم وج ود هللا
ألّنه ال ُيرى ،فيق ولَ﴿ :لن ُّنۡؤ ِم َن َل َك َح َّتٰى َنَر ى ٱلَّل َه َج ۡه َر ة﴾ 1و﴿اَّل ُتۡد ِر ُك ُه ٱۡل َأۡب َٰص ُر َو ُه َو ُيۡد ِر ُك
ٱۡل َأۡب َٰص َۖر َو ُه َو ٱلَّلِط يُف ٱۡل َخ ِبيُر ﴾.3»2
ولم يكَتِف اإلمام (قدس سره) في رسالته العريق ة ه ذه ببي ان أص ل االف تراق بين المنهج
الحّس ّي والمنهج العقلّي ،ب ل إّن ه بّين االس تدالالت ال تي يمكن أن تق الِ ،م ن أّن الحّس
والمعرفة الحّسّية وحدها قاصرة عن أن تكون محور حياة البشر ،وأّن وجود معرفة غ ير
ماّد ّية وحّس ّية أم ر ض رورّي يثبت ه ال دليل؛ ق ال (ق دس س ره)« :من الب ديهّي أّن الم اّد ة
والجسم -مهما كانا -يجهالن ذاَتْيهما؛ فيجهل ك ّل ط رف من التمث ال الحج رّي أو الجس م
الم اّد ّي لإلنس ان ،مثًال ،طرف ه اآلخ ر .في حين أّنن ا نش هد َ-عيان ًا -أّن اإلنس ان -وك ذلك
الحيوان -يعي ما حوله كّله ،فيعرف أين هو ،وم اذا يج ري حول ه ،والص خب ال دائر في
العالم .إذًا ،ثّم ة شيء آخر في اإلنسان والحيوان فوق الم اّد ة ،مع زول عن عاَلِم ه ا ،وه و
باٍق ال يموت ِبموت الماّد ة».4
هذا الكالم الذي َذ َك ره اإلمام الخمينّي (قدس سره) ِم ن األدّلة العميقة التي تثبت ضرورة
وجود المجّر دات عن الماّدة ،وعدم صوابّية االقتصار في
| 25 .1إّن حقيقة العلم والمعرفة قائمة على حض ور المعل وم عن د الع الم ،وإاّل فالمفارق ة بين
العالم والمعلوم هي الجه لَ .فم ا الف رق بين الع الم بش يء والجاه ل ب ه إاّل ك ون الجاه ل
بمعزل عن حضور المعلوم عنده وانكشافه لديه ،بخالف العالم؟
.2إّننا نعلم بأنفسنا وبمشاعرنا ،والشّك في ه ذه القض ّية يجع ل البش ر جميعهم في عتم ة
وظلمة الجهلَ ،فينقطع أّي تواصل ممكن بينهم.
.3إّن الجسد ماّد ّي ،وحقيق ة الم اّد ة انفص ال أجزائه ا بعض ها عن بعض ها اآلخ ر ،فليس
جزء البدن حاضر عند الج زء اآلخ ر .وعلي ه ،ال يمكن أن يحص ل ل دينا ِع لم بأنفس نا إن
اقتصرنا على وجودنا الماّد ّي فقط.
يثبت ،إذًا ،أّن ُبعدًا مجّردًا عن الماّد ة هو الذي يكون مبدأ شعورنا وِع لمنا وأساسهما.
الفطرة اإلنسانّية ملهمة المعرفة
يشّك ل مفهوم «الفطرة» عنصرًا جاّد ًا وأساسّيًا في المنظومة العقدّية لإلمام الخمينّي (قدس
| 26 سره) ،إذ يستند إليها في كث ير من كلمات ه لالس تدالل واكتش اف الرؤي ة الكونّي ة اإللهّي ة.
وحاصل ما ُيبّين ه في ه ذا المج ال أّن في ك ّل إنس ان عش قًا للكم ال المطل ق الالمح دود،
يتجّلى في مظاهر متع ّد دة؛ ت ارًة يظه ر في حّب الِع لم المطل ق ،وت ارًة أخ رى يظه ر في
عشق القدرة المطلقة أو الحياة الالمتناهية ،إلى غير ذلك .وه ذه الِفط رة ال يش ّذ عنه ا أّي
إنسان ،سواء أكان مؤمنًا أم ال .وإذا كان األمر كذلك ،فإّن اإلنسان يبحث في داخ ل نفس ه
عن الالمح دود المطل ق الم نّز ه عن ك ّل نقص ،وليس ل ذلك المعش وق المبح وث عن ه
ِم صداق إاّل هللا تعالى الذي يسعى إليه البشر جميعهم في أصل ِخ لقتهم وفطرتهم.
نعمُ ،يخطئ البشر أحيانًا في إصابة الهدف الذي َيسعون إليهَ .فُهم يحّبون القدرة المطلق ة،
ويتوّهم ون أّن تحُّققه ا يتّم بالس يطرة على البل دان ،وبالحص ول على المزي د ِم ن الم ال
والس لطة ،ولكْن في الحقيق ة ،ال َيس كن َقلبهم ِبالحص ول على ه ذه األم ور ،ألّنه ا َ-م هم ا
كثَر ت -تبقى محدودة ومنتهية .هذا الس عي وع دم االطمئن ان َي ُد اّل ن ِ-بالوج دان -على أْن
ليس هذا ما يريدونه ،بل إّنُهم في بحٍث دائٍم عن الكمال المطلق الالمتناهي؛ أي هللا تعالى.
فمعرفة هللا مغروسة في ُع مق البشر كّلهم ،لكّنهم ُيخطئون في تشخيص ما يريدون؛ يقول
اإلمام الخمينّي (قدس سره)« :إّن اإلنس ان في فطرت ه ينش د الكم ال ِبنح ٍو ُم طل ق .وكم ا
تعلمون ،فإّن اإلنسان يتطّلع إلى أن يكون القّو ة المطلقة في العالمَ ،فال يعب أ بق ّو ة ناقص ة.
ولو أّنه امتلك العالم ،وَع ِلم أّن ثّم ة عاَلم ًا آخ رَ ،ل َر غب ِفطرّي ًا في َض ّم ذل ك الع الم إلى
سلطته أيضًاَ .فمهما َبلغ اإلنسان من الِع لم ،وقي ل ل ه إّن ثّم ة علوم ًا أخ رى ،فإّن ه ي رغب
ِفطرّيًا في تعُّلم هذه العلوم أيضًا .إذًا ،ال بّد ِم ن أن تكون هناك قّو ة مطلقة وِع لم مطل ق كي
يتعّلق بهما اإلنسان؛ أي هللا تبارك وتعالى الذي نتوَّجه إليه
جميعًا ،وإن ُكّنا نجهل ذلك ...اإلنسان يريد أن يصل إلى الح ّق المطل ق كي يف نى في هللا.
وهذا الشوق إلى الحياة األبدّية ،المتأّص ل في وج ود ك ّل إنس ان ،دلي ل على وج ود ع اَلم
الخلود المنّز ه عن الموت».1
| 27
ويقول أيضًا« :إّن ِفطرَة هللا التوُّج ه نحو الكمال المطلق ،فاإلنس ان ينش د الكم ال المطل ق
ِلنفسه طاَلما كان ناقصًا؛ يريد القّو ة لنفسه ألّنه ناقص ،لكّنه ينشد قدرة هللا ،وال يدري ب أّن
فطرته تّتجه نحوه .الفطرة هي التوحيد ،والناس جميعهم على هذه الِفطرة ،بل رّبما كانت
الفطرة إحدى أقوى األدّلة على التوحيدَ .فِم ن المحال أاّل يطلب اإلنسان المزيد َم هما بلَغت
قدرته ،ألّنه يسعى إلى امتالك ما يفتقر إلي ه .فالرأس مالّي ،مثًال ،يس عى إلى المزي د كّلم ا
تضاعفت ثروته ،والسلطة تس عى إلى مزي د من التوُّس ع َم هم ا ك ان حجمه ا ،وَت َر ون أّن
القوى الكبرى تنحو هذا النحو أيضًا ،فتسعى إلى المزيد ِم ن الق ّو ة؛ ه ذه الفط رة موج ودة
لدى الجميعَ ،فَل و ُو ِض ع ه ذا الع الم كّل ه تحت نف وذكم ،وخض عت دول الع الم كّله ا لكم،
وُس ِئلُتم :هل تريدون المزيد؟ َفِم ن المح ال أن ترفض وا .إاّل أن يص ل اإلنس ان إلى مع دن
الكمال ويبّد د الُحجب».2
وقد قام كتاب اإلمام (قدس س ره) «جن ود العق ل والجه ل» على ه ذه الفك رة المركزّي ة،
واستطاع أن يثبت أّم هات العقائد ،كالتوحيد والعدل والمعاد والوالي ة ،بالتوُّج ه نح و ه ذا
الشعور الفطرّي في اإلنسان ،إذ يقول فيه« :إّن أص ول اإليم ان وأركان ه ،وهي المعرف ة
والتوحيد والوالية واإليم ان بالُرس ل وِبي وم المع اد والمالئك ة والكتب اإللهّي ة ،كّله ا من
الفطر».3
بالنسبة إلى التوحيدَ ،فقد م ّر أّن عش ق الكم ال المطل ق المغ روس في فط رة ك ّل إنس ان
عالمة واقعّية على وجود هذا الكمال المطلق ،ألّن العشَق فعلٌّي ،وق د ثبت ب البراهين أّن ه
يستدعي معشوقًا فعلّيًا؛
من المباحث العقدّية المهّم ة في الرؤية الكونّية اإللهّية العالقُة بين العالم وإله الع الم ،وق د
| 30 ُك تب الكثير في هذا األمر ،فقد كان قضّية شغلت الفالسفة والعرفاء الكبار.
وَقد خاَض اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) ه ذا البحث ،وجعل ه ِم ن أهّم أرك ان المنظوم ة
العقدّية اإللهّيةَ .فحاول تبيان أّن العالم ليس مستقًاّل عن هللا تعالى؛ بمع نى أّن الموج ودات
كّلها فقيرة إليه في وجودها وكماله ا ،فال ينبغي أن نتص ّو ر أّن هللا خل ق اإلنس ان وس ائر
الموج ودات في ظ رف زم انّي معّين ،وأّن ه في مرتب ة وجودّي ة ،ومخلوقات ه في مرتب ة
أخ رى .األم ر ليس ك ذلك أب دًا ،إذ إّن المخلوق ات كّله ا «عين الرب ط» باهلل ،فهي ليس ت
مرتبطة به ِم ن جهة ومستقّلة عنه ِم ن جه ة أخ رى ،ب ل إّنه ا في وجوده ا وذّراته ا كّله ا
متعّلقة بهَ .فال يمكنن ا ،إذًا ،الف رار من حض وره تع الى في حياتن ا ،أو ال ذهاب ِبِفكرن ا أو
خاطرنا إلى ما ال حضور له تعالى فيه ،ألّنه الحاضر المطلق.
هذه الرؤية كّر رها اإلمام (قدس سره) في كث ير ِم ن كتب ه وخطابات ه ورس ائلهَ ،فق د كتب
إلى ابنه السّيد أحمد رسالة معنوّي ة ق ال فيه ا« :ب نّي أحم د الخمي نّي ،رزق ك هللا هدايت ه،
سواء أكان العالم أزلّيًا وأبدّيًا أم ال ،وسواء أكانت سلسلة الموجودات غ ير متناهي ة أم ال،
فإّنها كّلها فقيرة ،ألّن وجودها ليس ذاتّيًا .وأنت ،إذا نظرَت باإلحاطة العقلّية إلى السالسل
غير المتناهية جميعها ،فإّنك ستسمع صوت الفقر واالحتياج الذاتّي في وجودها ،وكماله ا
ِبالوجود الموجود بالذات ،والكماالت ذاتّية له .وإذا خ اطبَت بالمخاطب ة العقلّي ة السالس َل
الفقيرة بالذات قائًال :أّيتها الموجودات الفق يرةَ ،م ن ال ذي يس تطيع س ّد احتياجات ك؟ فإّنه ا
جميعًا ستصرخ بلسان الفطرة :نحن محت اجون إلى موج ود ليس فق يرًا مثلن ا في الوج ود
والكمال .على الرغم ِم ن أّن هذه الفطرة نفسها ليست منها،
ب ل من هللا؛ ﴿ِفۡط َر َت ٱلَّل ِه ٱَّلِتي َفَط َر ٱلَّن اَس َعَلۡي َه ۚا اَل َتۡب ِد يَل ِلَخ ۡل ِق ٱلَّلِۚه ﴾ ،1فالمخلوق ات الفق يرة
بالذات ال تتبّد ل إلى غنّية بالذات ،ألّن هذا التبديل غير ممكن .وألّنها فقيرة ومحتاجة ،فإّن
أحدًا اليستطيع رفع فقرها سوى الغنّي بالذات .وهذا الفق ر ال ذاتّي الالزم له ا دائم ،س واء
| 31 أكانت ه ذه السلس لة أبدّي ة أم ال .ال يمكن ألح د أن يفع ل ش يئًا س وى هللا ،ولن يمتل ك أّي
شخٍص كماله وجماله؛ ﴿َو َما َرَم ۡي َت ِإۡذ َرَم ۡي َت َو َٰلِكَّن ٱلَّل َه َرَم ٰى ﴾ .2هذا يصدق على كّل شيء،
وعلى كّل ِفعٍل وكّل قوٍل وعمل .وَم ن ُيدرك ه ذه الحقيق ة ويت ذّو قها ،ف إّن قلب ه س وف لن
يتعّلق بأحٍد غيره ،ولن يطلب حاجة ِم ن سواه.
حاِو ل أن تفّك ر في هذه البارقة اإللهّية في الخلوات ،ولِّقن طفَل قلبك إّياه ا ،وكِّر ره ا حّتى
تتجّسد على اللسان ،وتتمظه ر في مل ك وج ودك وملكوت ه ،واّتِص ل ب الغنّي المطل ق كي
تستغني عن أّي أحد سواه ،واطلب منه توفيق الوص ول ،كي يقطع ك عن الن اس جميعهم
وعن ذاتّية ذاتك ،ويمنحك التشّر ف بالحضور واإلذن بالدخول».3
إلى هذا الموضع ،تكّلمنا على قضّيتا التوحيد واآلخرة بحسب رؤية اإلمام الخمينّي (قدس
سره) ،وكي ف أرجعهم ا إلى الفط رة المغروس ة في ك ّل إنس ان .وبقي الكالم على النب ّو ة
واإلمامة ،بحسب رؤيته أيضًا.
إذا راجعنا بيانات اإلمام الخمينّي (قدس سره) وكلماته حول الوالية؛ أي النبّو ة واإلمام ة،
فإّننا نجده يمتلك رؤية مهّم ة وجديرة بالتأّم ل ح ول شخص ّية األولي اء ووظيفتهم في ه ذا
العالم .فاألنبياء ،في الحقيقة ،قادة مسيرة اإلنسانّية إلى الكم ال ال ذي تنش ده ،وال يمكن أن
ننظر
اإلمام الخمينّي ،صحيفة اإلمام ،مصدر سابق ،ج ،16ص.159 - 158 3
إليهم على أّنهم أشخاص منعزلون في حياتهم ،أوك إّن دعوتهم كانت س طحّية ،ب ل ك انوا
قادًة بم ا للكلم ة ِم ن عم ق ومع نى ،يس يرون بالبش رّية إلى ه دف واح د ومش ّخ ص ،ه و
الوصول إلى العبودّية ،وحاكمّية هللا في حي اة البش ر بش ؤونهم وأح والهم كّله ا ،بحيث ال
| 32 يكون ِلما س واه ،ك األهواء واألنانّي ات ،حاكمّي ة وس لطة؛ يق ول (ق دس س ره)« :ق ال هللا
تعالىُ﴿ :قۡل ِإَّنَم ٓا َأِع ُظُك م ِبَٰو ِح َد ٍۖة َأن َتُقوُم وْا ِلَّل ِه َم ۡث َنٰى َو ُفَٰر َد ٰى ﴾ .1بّين هللا سبحانه في هذه اآلية
الشريفة المسيرة اإلنسانّية من المبدأ األّو ل للطبيعة المظلمة حّتى المنتهى .وقد اخت ار إل ُه
العالم من َبين المواعظ كّلها أفضلهاِ ،لَيض ع إزاء اإلنس ان كلم ة تمّث ل طري ق اإلص الح
الوحيد للعالمين؛ أي القيام هلل .فهذا القيام أوصل إب راهيم خلي ل ال رحمن إلى مق ام الخّل ة،
وح ّرره من َأس ر المظ اهر المختلف ة لع الم الطبيع ة؛ ُاط رق كالخلي ل ب اب علم اليقين،
واصرْخ ِبنداءٓ﴿ :اَل ُأِح ُّب ٱٓأۡلِفِليَن ﴾ .2وهذا القيام نصر موسى الكليم ِبَع صاه على الفراعنة،
وألقى ِبتيجانهم وعروشهم في مهّب ال ريح ،وال ذي أوص له أيض ًا إلى ميق ات المحب وب،
وأحّله مقام الصعق 3والصحو .4والقيام هلل هذا ه و ال ذي نص ر خ اتم األنبي اء (ص لى هللا
عليه وآل ه) بمف رده على ع ادات الجاهلّي ة وتقالي دها كّله ا ،وطّه ر بيت هللا ِم ن األص نام
وأحّل محّلها التوحيد والتقوى ،وهو الذي أوصل هذه الذات المقّد سة أيضًا إلى مقام ﴿َق اَب
َقۡو َس ۡي ِن َأۡو َأۡد َنٰى ﴾.6»5
ويقول أيضًا« :إّن األنبياء والعلم اء ك انوا يتص ّد ون لحكوم ات الج ور من ذ ب دء الت اريخ
البش رّي حّتى اآلن .أفلم يكون وا يعقل ون؟ وحين َبعث هللا س بحانه وتع الى موس ى (علي ه
السالم) للقضاء على فرعون ،ألم يكن سبحانه وتعالى م دركًا للقض ّية كإدراكن ا له ا ،أن ا
وأنتم ،أم إّن عليه أاّل يعارض الملك؟
وإذا تعّم قنا في النظر ،نرى أّن اإلمام الحسن (عليه السالم) تص ّد ى لمعاوي ة -ال ذي ك ان
حاكمًا في زمنه -على الرغم من أّن جميعهم بايعوا ذلك التاف ه ،وك انوا يخش ون س لطانه.
إاّل أّن اإلمام الحسن (عليه السالم) وق ف ض ّد ه م ا اس تطاع إلى ذل ك س بيًال ،إلى ال وقت
الذي حالت فيه مجموعة من البسطاء بين ه وبين مواص لة دوره في المواجه ةَ ،فَقِب َل ،في
ظّل تلك الظروف ،بالصلح مع معاوية .وأثناء فترة الص لح ،لم ي ّد خر وس عًا في فض حه،
ب ل إّن م ا عّرض ه ل ه من الخ زي والع ار ال يق ّل عّم ا عّرض ه اإلم ام الحس ين (علي ه
السالم) ِليزيد».1
إذا راجعنا كلم ات اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) المنتش رة في كتب ه وخطابات ه وبيانات ه
المختلفة ،نجد أّن قضّية األخالق والقيم تحتّل رتبة رفيعة بعد الرؤية الكونّية ،ألّن امتالك
رؤية كونّي ة معّين ة يحّتم على أّي إنس ان أن يب ني نظام ه األخالقّي ِو فاق ًا ِلم ا يعتق ده في
الوجود والكون .فالذي يعتقد بوجود إلٍه خالٍق للعالم ِبَيده أمر كّل شيء ،سيبني نمط حياته
وتفاصيلها ِو فاق منظومة قيمّية مختلفة عن تلك ال تي س يعتمدها َم ن ال ي ؤمن باهلل تع الى.
وكذلك األمر بالنسبة إلى َم ن يؤمن باآلخرة ووجود عالم آخر غير الماّد ة وال دنيا ،وَم ن ال
يؤمن بهذه األمور جميعًاِ .م ن هنا نج د أّن اإلم ام (ق دس س ره) ،عن د حديث ه عن اآلف ات
األخالقّية ،ك ان ينطل ق بش كل دائم من المع ارف العقدّي ة ،وينّب ه إلى أّن س المة األخالق
تنشأ من سالمة العقيدة ،كما أّن فسادها ينشأ من فساد العقي دة .ومث ال ذل ك م ا يط رح في
باب الرياء ،وهو من المفاسد األخالقّية التي حّذ ر منها الِد ين بشكل واضحِ ،م ن أّن الرياء
إّنما ينشأ من عدم إيمان اإلنسان بشكٍل واقعّي ِبق درة هللا تع الى وكون ه الم ؤّثر في قل وب
العباد؛ بتعبيٍر آخر :بالتوحيد على مستوى الفعل والتأثير ،وهو ما ُيعِّبر عنه بــ «ال م ؤِّثر
في الوجود إال هللا» ،إذ إّن المرائي يبحث في أفعال ه وحركات ه وس كوناته عن الت أثير في
قل وب العب اد بش كٍل مس تقّل ،من دون أن ي راعي في ذل ك حض ور هللا تع الى وإحاطت ه
وحضوره .وهذه قضّية عقدّي ة تنعكس بش كٍل جلٍّي على األخالق؛ يق ول اإلم ام الخمي نّي
(قدس سره) في هذا الصدد« :نتيجة إلحاطة قدرة هللا تبارك وتعالى بالموجودات
جميعها ،وبسط سلطانه على الكائنات جميعها ،وإحاطة قّيومّيته بالممكنات جميعه ا ،ف إّن
قلوب العباد جميعًا تكون تحت تصُّر فه وِبَيد قدرت ه وفي قبض ة س لطانه ،وال يتص ّرف -
ولن يتصّرف -أحد في قلوب العباد من دون إذنه القّي ومّي وإجازت ه التكوينّي ة ...إذًا ،فاهلل
| 35 تعالى هو صاحب القلب والمتص ّرف في ه ،أّم ا العب د الض عيف الع اجز ،فال يس تطيع أن
يتصّر ف بقلبه من دون إذنه ،إذ إّن إرادت ه ق اهرة إلرادت ك وإرادة الموج ودات جميعه ا.
َفِر ياؤك وتمُّلقك ،إذا كانا من أجل جذب قلوب العباد ،ولفت نظرهم ،ومن أج ل الحص ول
على المنزل ة والتق دير في القل وب ،واالش تهار بالص الح ،ف إّن ذل ك خ ارج ِبُك ّل ه عن
تصُّر فك ،وهو تحت تصّرف هللا ،ألّن إله القلوب وصاحبها يوِّج ه القلوب نح و من يش اء.
وِم ن الممكن أن تحصل على نتيجة عكسّية».1
ِم ن هن11ا ك1انت العقي11دة الص11حيحة منس11جمة -بالض11رورة -م11ع النظ1ام القيمّي واألخالقّي
الص11حيحَ ،فال يمكن ع1زل أح1دهما عن اآلخ1ر .وإذا أردن11ا التفص11يل -بحس11ب المنظوم11ة
الفكرّية لإلمام الخمينّي (قدس سره) -فإّن قض ّ1ية األخالق والقيم يمكن البحث عنه11ا في
ُبعَ1دْين أساسَّ1يْين ،آخ11ذين بعين االعتب11ار أّن الُبعَ1دْين ِكالهم11ا ينش11آن من عم11ق الرؤي11ة
الكونّية التوحيدّية -كما ذكرنا:-
الُبعد األّو ل :المنظومة األخالقّية على مس11توى الف11رد ،ويمكن أن ُنسّ1م يه ته11ذيب النفس
وإصالح األخالق.
اإلمام الخمينّي ،السّيد روح هللا ،األربعون حديثًا ،دار زين العابدين ،لبنان -بيروت2010 ،م ،ط ،1ص.65 - 64 1
| 36
وينبغي أن ُيلَفَت إلى قض ّية مهّم ة في ه ذا المج ال ،هي أّن تقس يم األخالق إلى ف ردّي
واجتماعّي ال یعني أّنهما منفصالن عن بعضهما ،بحيث يمكن للشخص أن يهتّم بأح دهما
دون اآلخر ،بل إّن الس عي نفس ه لته ذيب النفس على مس توى الُبع د الف ردّي ب اعث على
االهتمام باألمور االجتماعّية القيمّيةِ ،م ن قبيل الحّرّية والعدالة .وقد ك ان اإلم ام الخمي نّي
(قدس سره) يؤّك د هذه القضّية كثيرًا ،حّتى إّنه تع َّرض في بعض خطب ه بمناس بة م رور
2500عاٍم على الحكم الشاهنشاهّي للمشاكل االقتصادّية التي يعاني منها الشعب ،إذ قال:
«أينبغي أن أتحّد ث إليكم اآلن عن األخالق؟ إّنهم يقضون على أسس اإلس الم ،وي دّم رون
المسلمين ،وأقعد أنا اآلن ألتحّد ث إليكم عن تهذيب النفس؟ إّننا غير مك ترثين ،ألّنن ا غ ير
مهّذ بينَ ،فَلو كّنا ُم هّذ بين الكترثنا ِلما يحصل».1
وفي ما يأتي حديث عن الُبعد الفردّي المتمّثل بتهذيب النفس وتحليتها باألخالق الفاض لة،
أّو ًال ،وعن القضّية القيمّية على المستوى االجتماعّي ،ثانيًا.
يوَص ف اإلمام الخمينّي (قدس سره) ِبَك ونه أستاذًا عريقًا من أساتذة األخالق والتهذيب ،إذ
| 37 كان درسه في حوزة ُقّم المقّد سة وفي النجف األش رف ِم ن ال دروس ال تي يرتاده ا َطَلب ة
الِع لم ،وتترك فيهم أثرها ألّيام عديدة .وبتق ديرنا ،ف إّن ذل ك يرج ع -بدرج ة أساس ّية -إلى
امتالك اإلمام الخمينّي (قدس سره) رؤية ومنهجًا في ما يخّص قضّية ته ذيب النفسَ ،فَق د
َذ كر في بعض كتبه أّن مشكلة كتب األخالق -بشكٍل ع اٍّم -هي كونه ا أش به بَو ص فة دواء
لآلفات األخالقّي ة ،والحقيق ة أّن ُم عّلم األخالق وكت اب األخالق ينبغي أن يكون ا بنفَس ْيهما
العالج ،ال وصفة له ،بحيث إذا حض ر أح ٌد م ا درس المعّلم ،أو ق رأ كتاب ًا في األخالق،
َلَو َج د في نفسه التح ّو ل والت أّثرَ .فق ال« :وعقي دة ه ذا الك اتب 1أّن المهّم في ِع لم األخالق
وشرح األحاديث المرتبطة بها أو تفسير اآليات الشريفة الراجعة إليها هو أن ُيمّك ن كاتبها
مقاصده في النفوس ،عن طريق التبشير والتنذير والموعظة والنصيحة والتفكير والتنبيه؛
ِبعب ارة أخ رى :إّن كت اب األخالق ال ب ّد ِم ن أن يك ون موعظ ة مكتوب ة ،ويك ون بنفس ه
معالجًا لآلالم والعيوب ...إّن تفهيم ج ذور األخالق وإراءة طري ق العالج ال يق ّرب أح دًا
ِم ن المقصد ،وال ُينّو ر قلبًا ظلمانّي ًا ،وال يص لح ُخ لق ًا فاس دًا .وكت اب األخالق كت اٌب تلين
بمطالعته النفس القاسيةَ ،فيكون ِلغير المهَّذ ب مهِّذ بًا ،وللُم ظلم ُم نّو رًا ،ويحصل ب أن يك ون
العالم أثناء إراءة الطريق قائدًا ،وأثن اء إراءة العالج معالج ًا ،ويك ون الكت اب نفس ه دواًء
للداء ،ال وصفة إلراءة الدواء».2
وإذا أردن11ا أن نص11وغ رؤي11ة اإلم11ام (قدس س11ره) في م11ا يتعّل ق بته11ذيب النفس بش11كٍل
إجمالّي َ ،فُيمكننا وضعها ضمن عناوين عديدة:
إّن الالفت في توجيه ات اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) األخالقّي ة ترك يزه على قض ّية
المس ارعة إلى ته ذيب النفس ،وع دم جع ل ه ذه القض ّية من قض ايا آخ ر العم ر ،أو من
القضايا التي تزاحمها في األولوّية قضّية أخرى .إّن األم ر على العكس من ذل ك؛ بمع نى
أّن تهذيب النفس في مرحلة الشباب أس هل من إرجائ ه إلى مرحل ة الكهول ة والش يخوخة
وأيسر ،والس ّر في ذل ك أّن الملك ات النفس ّية ،كالحس د والغض ب والري اء ،مثله ا كمث ل
الشجرة التي إذا ُأبقَيت مّد ًة طويلة ِم ن الزمن ،فإّن جذورها تش تّد وتق وى في النفس بحيث
تصعب إزالتها مع الوقت .من هن ا يق ول اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره)« :أّيه ا العزي ز،
انهض من نومك ،وتنّبه من غفلتك ،واشدد حيازيم الهّم ة ،واغتنم الفرص ة م ا دام هن اك
مجال ،ومادام في العمر بقّية ،وما دامت قواك تحت تصُّر فك .وشبابك موج ود ،لم تتغَّلب
علي ك -بع ُد -األخالق الفاس دة ،ولم تتأّص ل في ك الملك ات الرذيل ة .ف ابحث عن العالج،
واعثر على الدواء ،إلزالة تل ك األخالق الفاس دة والقبيح ة ،وتلّم س س بيًال إلطف اء ن ائرة
الشهوة والغضب».1
وفي هذا الصدد ،ينبغي على العاملين بالعلوم اإللهّي ة واإلس المّية أن يس ارعوا أك ثر من
غ يرهم إلى ته ذيب النفس وتزكيته ا ،ألّن االش تغال ب العلوم ال تي يك ون موض وعها هللا
تعالى وإرادته ومشيئته ،يتوّقف عليه معاش الناس ومع ادهم .وط الب العلم ال ذي يقض ي
عمره في هذه العلوم ،إن كان عرضة للمفاسد األخالقّية ،فلن ينحصر ضرره بنفسه ،ولن
يرج ع ع دم الته ذيب إلي ه فق ط ،ب ل إّن ع اِلَم الس وء وط الب العلم الب احَثْين عن الج اه
والسلطة ،سيضّران مجتمعهما وأّم تهما.
من هنا أّك د اإلمام الخمينّي (قدس سره) أهّم ّية ه ذه القض ّية ،وكلمات ه في ه ذا المج ال ال
يستوعبها هذا المختصرَ ،فنورد بعضها« :إّن على الشّبان اليافعين ذوي السّتة عشر عامًا
أو العشرين ،الموجودين في المدارس العلمّية ،أن يبدؤوا ِم ن اآلن بتعويد أنفس هم على أن
يكونوا كما أرادهم هللا ،وعلى ما حّثت عليه األوامر اإللهّية ،وأن يخطوا خطوة في س بيل
تهذيب النفس وتحصيل األخالق الحميدة مع كّل خطوة
وقال (ق دس س ره) أيض ًا« :المهّم ه و التوُّج ه القل بّي ؛ ليس مهّم ًا امتالك الم ال والعق ار
وال ثروة ،المهّم قلب اإلنس ان ،المهّم التحُّك م ِبقلب اإلنس انَ .فتك ديس ال ثروة والتوُّج ه إلى
بهارج الدنيا مذموم ،ألّن ه يق ود اإلنس ان إلى غ ير هللا ،ويحرم ه ِم ن ض يافتهَ ،و ِم ن غ ير
الممكن تلبية دعوة هللا وااللتحاق بضيافته ج ّل وعال ِم ن دون أن تنس لخ قل وبكم عن ه ذه
الدنيا .إّن ما اهتّم به أولياء هللا هو تهذيب النفس وانتزاع القلب مّم ا عدا هللا ،والتوُّج ه إليه،
ألّن المفاسد كّلها التي تحدث في العالم وليدة االهتمام بالنفس بدًال من التوُّج ه إلى هللا ،وإّن
الكماالت كّلها التي تحّققْت ألنبياء هللا وأوليائه كانت ِبَو حي من ان تزاع القل وب من غ يره
تعالى واللجوء إليه».2
يط رح اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) الطري ق العملّي إلص الح النفس وته ذيبها ض من
عنواَنْين أساسَّيْين؛ األّو ل المشارطة والمراقب ة والمحاس بة ،والث اني مخالف ة اله وى .أّم ا
العنوان األّو لَ ،فحاصله أّن على اإلنس ان أْن ُي برم ك ّل ي وٍم َعه دًا بين ه وبين نفس ه ،ب أاّل
يرتكب أّي ذنب أو سوء ُخ لق ،كالرياء أو الغضب أو الحسد أو العجب أو الك بر ،ويك ون
صادقًا في هذه المشارطةَ .فيحاول أن يكون شديد الحساسية والمراقبة ِلنفسه في هذا
والالفت تركيز اإلمام (قدس سره) على قضّية المراقبة ،إذ إّنها أهّم هذه المراحل الثالث.
وخصوصّية هذه المرحلة أّنها ال تحت اج إلى خل وة أو تف ّرغ إلنج از األعم ال ،ب ل يمكن
للفاّل ح وهو يبذر البذر في األرض أن ي راقب نفس ه ،ويمكن ِلط الب الِع لم في الجامع ة أو
الحوزة حال
ويقول« :علينا أن نراقب أنفسنا .علينا أن نجاهد أنفسنا .علين ا أن نحاس ب أنفس نا بأنفس نا
قبل أن ُنحاَس ب .حاسبوا أنفسكم بأنفس كم قب ل أن يحاس بكم المحاس بون .لحظ ات عي ونكم
كّلها ،خطرات أذهانكم كّلها ،أفكاركم الباطلة كّله ا في محض ر هللا ،مس ّجلة في الص حف
والملّف ات .ك ّل لحظ ة من لحظ ات عي ونكم ت أتي ِخ الف ًا ِلم ا أم ر ب ه هللا ،لن تغيب عن
محضره ،بل تسّجل عنده».2
العنوان األساسّي الثاني الذي يرّك ز عليه اإلمام الخمي نّي (ق دس س ره) في س بيل ته ذيب
النفس وتزكيتها هو «مخالفة الهوى» .والسّر في ذلك أّن في اإلنسان قوى ش هوّية وق وى
غضبّية تجذبه إلى تحصيل المن افع وت دفع عن ه المض اّر ،من دون أن تك ون مقّي دة ب أّي
شرع أو ُخ لق .فإذا اشتهى طعامًا َطَلبه ،من غير ُتمّيز شهوته بين الحالل أو الحرام منه.
والعالج العملّي لهذا اإلطالق هو «ما َذ َك ره علماء األخالق وأهل السلوك ،وه و أن تأخ ذ
كّل واحدة من الملكات القبيحة التي تراها في نفسك ،وتنهض -بع زٍم ِ -لُم خالف ة النفس إلى
أمد ،فتعمل عكس ما ترجوه وتطلبه منك تلك الملكة الرذيلة».2
وهذا العالج يرجع إلى قضّية في حقيقة النفس ،هي أّن أّي ُخ لق َيُم ّر ِبمرحلتين أساسّيَتْين؛
المرحلة األولى تسّم ى «الح ال» ،وهي ال تي يك ون فيه ا غ ير راس خ ،والمرحل ة الثاني ة
تسّم ى «الملكة» ،وهي التي يترّسخ فيه اَ ،فيص در بس هولة وُيس ر .فالغض ب ،مثًال ،يب دأ
«حاًال» ثّم يصبح «ملكًة» ،بحيث يكون -في أّو ل األمر -شيئًا غريب ًا عن النفس ،وبس بب
تكراره واالعتياد عليه يصبح َم لكة .وفي هذه المرحلة تصعب
أنَهينا بيان القسم األّو ل من أقسام المنظومة القيمّي ة لإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) ،وه و
القسم المتعّلق ب األخالق الفردّي ة .وَق د خَص ْص نا الكالم في ه على ته ذيب النفس وطريق ة
تخليتها من اآلف ات .وبقي الكالم في القس م الث اني على منظوم ة القيم عن د اإلم ام (ق دس
سره) في ُبعدها االجتماعّي .
في هذا العن وان نتح ّد ث عن بعض القيم ال تي احتّلت مرتب ة عالي ة في اإلس المَ ،فأْو اله ا
اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) عناي ًة في كلمات ه .ونكتفي ِب ِذ كر قيمَتْين تترّأس ان القيم
االجتماعّية ،هما :العدالة والحّرّية .فق د ك ان اإلم ام (ق دس س ره) كث ير الترك يز عليهم ا
وتبيينهما.
العدالة االجتماعّية
إّن للعدالة مراتب وشؤون متعّد دةَ ،فتارًة يكون الكالم على العدالة الفردّي ة ،وأخ رى على
العدالة التكوينّية ،التي يعَّبر عنها بأّن السموات واألرض قائمة بالعدل ،وأّن نظام الوج ود
شاكلته وهيئته هي العدل ،وثالثًة على العدل بمعناه االجتماعّي ؛ وهذا هو محور كالمنا.
ُتَع ّد العدالة االجتماعّية أحد أهّم أهداف األنبياء (عليهم السالم) في هذه ال دنيا .ص حيٌح أّن
الهدف األقص ى لهم (عليهم الس الم) إيص ال الن اس إلى العبودّي ة هلل ،كم ا ذكرن ا س ابقًا،
ولكْن حّتى تتحّقق هذه الغاية ،ال بّد ِم ن عدم إهم ال نظ ام الحي اة في ه ذا الع الم الط بيعّي
الم اّد ّي ،ب ل تجب مراعات ه وإقام ة العدال ة في ه حّتى ُيفتح للن اس ب اب ال ترّقي المعن وّي
والروحّي ِ .م ن هنا،
ُتعّد العدالة االجتماعّية من األهداف الرئيسّية ِلمسيرة األنبي اء (عليهم الس الم) واألولي اء؛
«عندما نقرأ اآليات الشريفة ،أو نطالع سيرة األنبياء (عليهم السالم) ،نالح ظ أّنهم جميع ًا
عملوا على إيجاد العدالة في الدنيا ،م ع أّن ه ذا لم يكن ه دفًا رئيس ّيًا ،ب ل مقّد م ة لتحقي ق
| 45 األهداف المتوّخ اة .فالنبّي الكريم (ص لى هللا علي ه وآل ه) س عى إلى إقام ة العدال ة ِلتك ون
مقّد م ة ِلَط رح مواض يعه الجوهرّي ة ،نظ ير إص الح وته ذيب اإلنس ان .وه دف
األنبياء (عليهم السالم) األّو ل ،منذ أن هبط الوحي عليهم ،معارضة الظالمين والجائرين،
كّل ِبطريقته الخاّصة .فال ُيتصّو ر أّن النبّي يجلس في بيته ويقرأ األدعية وُيصدر األوامر
واألحكام؛ كاّل ،ليس األمر كذلك ،كانوا ُيصدرون األحكام وُيتابعونها ِم ن أجل تنفيذها».1
لذا ،كان الم ائز األساس ّي بين المنظوم ة الفكرّي ة الدينّي ة اإلس المّية وس ائر المنظوم ات
الماّد ّية أّن اإلسالم يرس م مع الم العدال ة االجتماعّي ة على ض وء اله دف األقص ى ،وه و
إيص ال الن اس إلى التحّلي بعبودّي ة هللا تع الىَ .فال ينظ ر إلى العدال ة االجتماعّي ة من
المنظور الرأسمالّي أو الشيوعّي -الماركسّي ،بل إّننا َنجد في كلماته (قدس سره) مواجه ة
صريحة مع الفئة ال تي تح اول جع ل الغ رب الرأس مالّي والش رق الش يوعّي -في زمان ه
(قدس سره) -وكأّنه اسّتمد تعاليمه ِم ن اإلس الم؛ بعب ارة أخ رىِ« :م ن األم ور ال تي يجب
التذكير بها أّن اإلسالم ال ُيؤّيد الرأسمالّية الظالمة المطلقة التي تت وّلى حرم ان الجم اهير
المظلومة المضطهدةَ ،فهو ُيدينها بشكٍل َج ّد ّي في الكتاب والُس ّنة ،ويع ّد ها مخاِلف ة للعدال ة
االجتماعّي ة ،على ال رغم ِم ن أّن بعض أص حاب الفهم المع وّج ،مّم ن ال اّطالع لهم على
نظام الحكومة اإلسالمّية أو المسائل السياسّية الحاكم ة في اإلس الم ،ك انوا -وال يزال ون-
ُيؤّك دون في كتاباتهم وأقوالهم أّن اإلسالم ُيؤّيد الرأسمالّية والملكّي ة المطلق ة؛ األم ر ال ذي
أّد ى -نتيج ة الفهم المع وّج -إلى طمس وج ه اإلس الم الن ورانّي ،وفتح الطري ق أم ام
المغرضين من
الحّرّية
بعد انتصار الثورة اإلسالمّية قال اإلمام الخمينّي (قدس س ره) في بعض خطابات هِ« :نلن ا
الحّرّية ،وأنا اآلن ُح ّر ،فه ل لي أن أفع ل م ا أري ده كّل ه؟ ه ل لي أن أؤذي َم ْن أش اء ،أو
أكتب ما أحّب ،حّتى لو أسأُت إلى اإلسالم ومصالح البالد؟ ليست هذه الحّرَّية ،وليس ه ذا
ما أردناه ،بل َأَر ْد نا الحّرّية في ِظ الل اإلسالمَ .أَر دنا اإلسالم ،واإلسالم في ه حّرّي ة ،لكّنه ا
ليست ِبال َقيد وال ُنظم؛ نحن ال نريد الحّرّية الغربّية التي ال يقف في وجهها َح ّد وال َس ّد ،
َفيسرح فيها اإلنسان كما يشاء ،راتعًا في ما يري د ،ب ل إّن الحّرّي ة ال تي نري دها هي تل ك
الكائنة في كنف اإلسالم ،واالستقالل الذي نتوّخ اه ه و م ا يهب ه اإلس الم وُيَؤ ِّم ُن ه لن ا .م ا
نريده كّله هو اإلسالم ،ال غير ،ألّن اإلسالم مبدأ كّل سعادة ،وهو الذي ُيْخ ِر ُج الناس كّلهم
من الظلمات إلى النور .فإّننا نريد مجتمعًا نورانّيًا بطبقاته كّله ا ،حّتى إذا َو ردن ا الجامع ة
وجدناها نورانّية العمل َو الس يرة ،ب ل إّن ك ّل ش يء فيه ا ن وارنّي وإلهّي .وليس النص ر،
مثًال ،أن َنِص ل حّرّية أو استقالًال ،ونحّق ق مص الحنا فق ط .فه ل ينتهي عملن ا إذا ت وّفرت
مصالحنا؟».2
لذا ،كان البحث األساسّي في باب «قيمة الحّرّية» عن األمور التي تنبغي مراعاتها ،وعن
الحدود التي ينبغي رسمها للحّرّياتَ ،و ال بّد لهذا ِم ن معيار وضابطة ،تكون وف َق الرؤي ة
والقوانين اإللهّية اإلسالمّية النابعة من الوحي .وقد واجه اإلمام الخمينّي (قدس س ره) في
ب دايات الث ورة الكث ير ِم ن التّي ارات المت أّثرة ِب الغرب والطروح ات البعي دة عن حقيق ة
اإلسالمَ ،فقال في بعض كلماته« :مع األسف ،إلى اآلن ثّم ة بعض األصوات المضّلة التي
تنادي بالحّرّية المطلقة ِلشبابنا .أريد أن أع رف أّي ة حّرّي ة يري دون لهم؟ ه ل يري دون أن
يتحّر ر شبابنا ،أو أن تنتش ر ُد ور القم ار والفحش اء والبغ اء في ك ّل مك ان ،أو أن ُي دمنوا
على الهيرويين القاتل ،أو أن تنتشر مظاهر الفساد على شواطئ البحر وفي البيوت؟ أهذه
الحّرّية التي يريدون ِلشبابنا؟ هل يريدون لهم أن يفعلوا كّل فاحشة؟ نعم ،هذه هي الحّرّي ة
التي يريدها الغرب لهمِ ،م ن أجل أن يجّردهم ِم ن الخصال الجّيدة ال تي يتمّتع ون به ا .ال،
نحن ال نريد هذه الحّرّية لشبابنا ،بل نريد أن ننتزعهم من ُد ور الخم ر والقم ار وص االت
السينما إلى س احات الجه اد ،وِم ن ُد ور ال دعارة والفس اد إلى مي ادين المع ارك؛ نري د أن
َنصحبهم من تلك األماكن إلى أماكن يستطيعون
فيه ا تط وير بالدهم وتح ديثهاَ .فنحن ال نري د تل ك الحّرّي ات ال تي تقض ي على طاقاتن ا
وُتسكت أقالمنا عن قول الحّق ».1
| 48 وُيضيف في كلم ة أخ رى« :ه ؤالء ال ذين ين ادون بالحّرّي ة مت أّثرون ب الغرب ،يري دون
الحّرّي ة الغربّي ة .ه ؤالء ال ذين يتح ّد ثون عن الديمقراطّي ة يتطّلع ون إلى الديمقراطّي ة
الغربّية ،يريدون الحّرّي ة الغربّي ة اإلباحّي ة .إّن ه ؤالء من جمل ة المت أّثرين ب الغرب .إّن
الصحف حّرة في تناول الموضوعات وطرح المسائل ،ولكن هل هي حّرة في اإلس اءة -
مثًال -إلى مقّد سات الناس؟ في سّب الناس؟ في اّتهام الناس؟ إّن ِم ثل ه ذه الحّرّي ة ال يمكن
أن ُتقبل؛ حّرّية التآمر ال يمكن أن ُتقبلَ .ففرضًاَ ،لو كانت إحدى الصحف -ال أري د الق ول
إّن إحدى الصحف هي هكذا -تريد التآمر ضّد الشعب ،عن طريق نشر األمور المناهضة
ِلمسيرته ،وعدم نشر ما يخدمه ،وتريد السير في طريق أعدائه ،ف ترِّو ج ألعم الهم وتكتب
م ا يخ دمهم ،ف إّن ِم ث ل ه ذه الحّرّي ات ال يمكن ِلش عبنا أن يقبله ا .إّن ش عبنا َب َذ ل تل ك
التضحيات كّلها ،وتلك الدماء كّلها ،وتحَّم ل المعاناة ،وأطل ق تل ك الص رخات كّله ا ،إّنم ا
َفَع ل ذلك من أجل اإلسالم ،فالناس يريدون اإلس المَ ،و ل و لم يُك نَ ،لم ا ك ان الوض ع اآلن
مختلفًا عّم ا في السابق .فالناس ال يضّحون ويبذلون دم اءهم من أج ل أم ور أخ رى غ ير
اإلسالم .إّنهم يطلبون الشهادةَ ،فحّتى هذه اللحظ ة ثّم ة أش خاص ال يزال ون يطلب ون مّني
الدعاء لهم بالشهادة .ألّي شيء يطلبون الشهادة؟ هل يريدون الشهادة من أج ل أن يتحّق ق
شيء آخر غير اإلسالم ،كالديمقراطّية الغربّية -مثًال -أو حّرّية االّتحاد السوفييّتي؛ حّرّي ة
على النمط األميركّي ،أم كانوا يريدون اإلسالم؟».2
وفي ما يأتي أهّم األسس والعناصر التي ُتشّك ل اإلط11ار النظ11رّي ِلَنهج اإلم11ام ِبم11ا يخّص
هذا الجانب:
تقّد م الكالم على أّن البش ر كّلهم مفط ورون على حّب الكم ال المطل ق ،وأّن ه ذه الفط رة
راسخة في نفوسهم جميعًا في العصور
كّلها .وهذه الفطرة َيلزمها فطرة أخرى تابعة لها ،هي فطرة النفور ِم ن النقص ،قليًال كان
أو كث يرًا ،وُتس ّم ى «فط رة النف ور ِم ن مطل ق النقص» .إذًا ،ثّم ة فطرت ان :حّب الكم ال
الالمتناهي ،والنفور ِم ن أّي نقص.
| 50
هذه االنطالقة الفطرّية التي كانت أساَس تشكيل الرؤية الكونّية عند اإلمام الخمينّي (قدس
سره) ،كما مّر ،كانت أساَس رؤيته للشريعة اإلسالمّية أيض ًاَ .فَي ذكر أّن األحك ام اإللهّي ة
كّلها التي صدَر ت من معدن الوحي ِلتنظيم حياة اإلنسان إّنما ج اءت منس جمة م ع ه اَتْين
الفطرَتْين ،وال يمكننا أن نفترض شريعة ُتناقض توُّج هات البشر الفطرّية؛ «إّن هللا تب ارك
وتعالى ِبعنايته األزلّية ورحمت ه الواس عة ،أرس ل أنبي اَء ه الِع ظ ام (عليهم الس الم) لتربي ة
البشر ،وأنزل الكتب السماوّية ِلُتعينهم ِم ن الخارج على ِفطرتهم الداخلّيةِ ...م ن هن اُ ،بِنَيت
األحك ام الس ماوّية واآلي ات اإللهّي ة الب اهرة ودس اتير األنبي اء العظ ام (عليهم
السالم) واألولياء الكرام ِو فاقًا للفطرة والِج بّلة.
واألحكام اإللهّية جميعها تنقسم ِ-بكّلّيتها -إلى مقصَدْين :أحدهما أص لّي ومس تقّل ،واآلخ ر
فرعّي وتاِبع .والدساتير اإللهّية جميعها ترجع إلى هَذ ْين المقص َدْين ،إّم ا ِبواس طٍة أو من
دونها .فالمقصد األّو ل األصلّي المستقّل هو توجيه الِفطرة إلى الكمال المطلق ...والمقصد
الثاني الَعَر ضّي والتبعّي هو تنفير الفطرة من الشجرة الدنيوّية الخبيثة ،ومن الطبيعة التي
هي أّم النقائص واألمراض»1؛ ِبعبارة أخرىَ ،ثَبت في البحث الس ابق -عن د الح ديث عن
فطرّية التوحيد -أّن اإلنسان ِبفطرته المجبول عليها يعشق الكمال المطلق -أي هللا تع الى-
ويس عى في لحظات ه كّله ا نح و معش وقه ،لكّن ه ُيخطئ في تش خيص الكم ال الحقيقّي ِم ن
الكمال الموهوم ،وينفر كذلك ِم ن النقص المحدود؛ َفهو عاش ق للعلم الالمح دود ،والق درة
الالمح دودة ،والحي اة ال تي ال تنف د .هات ان الفطرت ان ُب نَيت على أساس هما الش ريعة
اإلسالمّيةَ ،فجاءت بعض األحكام ُم عّينة لإلنسان ِلتخليص نفسه ِم ن الشبهات واألوهام
كم ا أّنن ا نج د ه ذا الطري ق في النظ ر إلى الش ريعة في كلم ات أه ل بيت النب ّو ة (عليهم
الس الم) ،وِم ثال ه م ا ج اء في الخطب ة الفدكّي ة للس ّيدة الك برى فاطم ة الزه راء (عليه ا
السالم) ،إذ قالت« :فجعل هللا اإليمان تطه يرًا لكم ِم ن الِش رك ،والص الة تنزيه ًا لكم عن
الِك بر ،والزكاة تزكية للنفس ونماًء في الرزق ،والص يام تثبيت ًا لإلخالص ،والحّج تش ييدًا
للِد ين ،والعدل تنسيقًا للقلوب ،وطاعتنا نظام ًا ِللمّل ة ،وإمامتن ا أمان ًا ِم ن الفرق ة ،والجه اد
ِع ّز ًا لإلسالم وذًاّل ألهل الكفر والنف اق ،والص بر َم عون ة على اس تيجاب األج ر ،واألم ر
بالمعروف مصلحة للعاّم ة ،وبّر الوال دين وقاي ة من الس خط ،وص لة األرح ام منس أة في
العمر ومنماة للعدد ،والقصاص حقنًا لل دماء ،والوف اء بالن ذر تعريض ًا للمغف رة ،وتوفي ة
المكايي ل والم وازين تغي يرًا للبخس ،والنهي عن ش رب الخم ر تنزيه ًا عن ال رجس،
واجتناب القذف حجابًا عن اللعنة ،وترك السرقة إيجابًا للعّفة .وحّرم هللا الِش رك إخالص ًا
له بالربوبّية .فاّتقوا هللا حّق ُتقاته ،وال تموتّن إاّل وأنتم مسلمون ،وأطيعوا هللا في ما أمركم
به وما نهاكم عنه ،فإّنه إّنما يخشى َهللا ِم ن عباده العلماُء ».
وَنذكر في ما يأتي نموذجًا من كلمات اإلمام الخمينّي (قدس س ره) ال ذي يتض ّم ن أس رار
بعض العبادات ِو فاق هذه الرؤية األصيلة.
| 52 عند الحديث عن اآلداب الروحّية والقلبّية للصالةَ ،يذكر اإلم ام (ق دس س ره) أّن اس تقبال
الِقبلة ِم ن الخطوات األولى للصالة ،وهو يحتوي أدبًا قلبّيًا على المصّلي أن يراعيه ،ألّن ه
يقوم بفعل التوُّج ه إلى الكعبة المشّرفة ِبصرف النظر عّم ا سواهاَ ،فال مجال للتوُّج ه يمين ًا
وشماًال عند استقبال الِقبلة .وهذا الفعل ناشئ ِم ن أمر فط رّي ،ه و التوُّج ه إلى هللا تع الى
معشوق الفطرة األوح د ،وص رف النظ ر عّم ا س واه؛ يق ول (ق دس س ره)ِ« :اعلم ،أّيه ا
السالك إلى هللا ،أّنك إذا صرفَت وجهك الظاهر ِم ن الجهات المتشّتتة لعالم الطبيع ة -ع الم
الماّد ة -وتوّجهَت إلى النقطة الواحدة؛ أي الكعبة حال االس تقبالَ ،فق د اّدعيَت فط رَتْين من
الفطر التي ُخ ّم رت ِبَيد الغيب ...وهات ان الفطرت ان اإللهّيت ان ،إح داهما التنُّف ر من النقص
والناقص ،والثانية العشق للكمال والكامل».1
1اإلمام الخمينّي ،السّيد روح هللا ،اآلداب المعنوّية للصالة ،مؤّسسة األعلمّي للمطبوع ات ،لبن ان -ب يروت1986 ،م،
ط ،2ص.205
شمولّية الشريعة اإلسالمّية
إّن السؤال األساس ّي ال ذي ينبغي االنطالق من ه عن د البحث عن الش ريعة اإللهّي ة بش كٍل
| 53 ع اّم ،والش ريعة اإلس المّية بش كٍل خ اّص ،ه و :م ا هي الش ريعة؟ وِم ن أين تأخ ذ
مشروعّيتها؟ وبتعبيٍر آخر :ما هو مبدأ هذه الشريعة؟ ِم ن أين أَتت؟ وم ا هي غايته ا ال تي
صدَر ت ِم ن أجلها؟
هذه األسئلة تتكّفل ِبنفسها إجابة السؤال عن مدى إحاطة الشريعة ِبتفاصيل الحياة .وينبغي
في الج واب الق ول إّن الش ريعة اإللهّي ة ،ال تي هي أح د أبع اد ال وحي الن ازل على
النبّي (صلى هللا علي ه وآل ه) ،تمّث ل عناي ة هللا تع الى ب المخلوقين من أج ل تنظيم حي اتهم
وترتيبها على َنسٍق وشاكلٍة تحّقق لهم مصالحهم الداخلة في الغاية التي من أجله ا ُخ لق وا،
وتمنعهم من ارتكاب المفاسد التي تعيقهم عن الغاية؛ بعبارة أخرى ،إّن اإلنس ان ك ائن ذو
أبع اد متع ّد دة -وس يأتي الكالم على ذل ك في الفص ل الالح ق -وه ذه األبع اد تحت اج إلى
ضابطٍة وقانون يتكّفل ترتيبها وتنظيمها على المستويات الفردّي ة واالجتماعّي ة؛ ل ذا ك ان
القانون أمرًا ضرورّيًا لحياة اإلنسان .ولكن َم ن ال ذي يمتل ك أهلّي ة التش ريع؟ في الرؤي ة
العقدّية اإلسالمّية ،وانطالقًا من أّن الربوبّية والتربي ة الحقيقّي ة منحص رة باهللَ ،فال يك ون
أمر التشريع إاّل ِبيده ،أو ِبَيد َم ن ينّصبه هللا المتالكه مؤّهالت معّينة.
ويقول اإلمام الخمينّي (قدس سره) في ه ذا المج ال« :ه ذا م ا تق وم ب ه ش ريعة اإلس الم
الهادفة إلى تربية اإلنسان الحقيقّي .لذا ،بدَأت بالتمهيد لذلك حّتى قبل انعقاد نطفته ،فَم ّد ْت
توجيهاتها ِلما قبل الزواج وآدابه ،ثّم حّد َدت آداب الوالدة وما بع دها في ف ترة الرض اعة،
ومعاملة الوالدين للطفل ،رضيعًا وصبّيًا في المدرسة االبتدائّية ،وِص فات معِّلميه وُم رِّبي ه
فيها .ثّم توَّج ه الخطاب إليه هو نفسه عند بلوغه االستقالل واالعتماد على نفسه ،فَش َّرَعت
األعمال والفرائض التي يجب عليه القيام بها .والهدف ِم ن ذلك كّل ه ه و أْن ي ترّبى أف راد
المجتمع جميعهم تربية صالحة .ولكْن لم يتحّقق مّم ا أراده اإلسالم إاّل القليلَ ،و َلو تحَّقق
كّلهَ ،لما تّم ت السرقات أو الخيانات أو نظائرها مّم ا ه و موج ود اآلن ،وَلم ا اعت دى أح د
على آخر».1
| 54 ِم ن هنا ،يظهر أّن الشريعة األكمل هي التي تعتني ِبتفاصيل الحياة اإلنسانّية كّله ا ،وال تي
تمتّد َيُد التشريع فيها إلى أبع اده الكث يرة؛ السياس ّية واالجتماعّي ة واالقتص ادّية والثقافّي ة،
وغير ذلك .وهذا ما يجعل اإلسالم أكمل األديان ِم ن بين األديان الموجودةِ ،م ن المس يحّية
واليهودّي ة وغيرهم ا؛ «وال يت وَّهمَّن أح ٌد أّن اإلس الم كالمس يحّية ،ال يع دو العالق ة بين
األفراد وبين هللا تب ارك وتع الى .إّن اإلس الم ينط وي على منهج متكام ل للحي اة ،ونظ ام
للُحكم ،وقد م ارس دوَر ه في الحكم م ا يزي د عن خمس ة ق رون ،حينم ا ك ان يحكم بل دانًا
مترامية األطراف .وعلى الرغم من عدم تطبيق أحكام اإلسالم حينها كما ينبغي ،إاّل أّنه -
بهذا المقدار الذي ُطِّبق من هَ -ح َك م تل ك البل دان ِبع ّز ٍة وِم نع ٍة من الن واحي جميعه ا ،وفي
األحوال كّلها.
فاإلس الم يختل ف عن األدي ان الباقي ة المعروف ة حالّي ًا ،ولعّله ا ك انت كاإلس الم وقت
ظهوره ا ،إاّل أّن الموج ود منه ا اآلن -خاّص ًة المس يحّية -ال يمل ك س وى بض ع كلم ات
وعظّية من دون أن يكون لديه برامج تتعّلق بالسياسة أو إدارة المدن واألقاليم .فال يت وَّهم
أحٌد أّن اإلسالم كتلك األديان من غ ير ال نظ ام؛ َو ض ع اإلس الُم برنامج ًا دقيق ًا ومفّص ًال
لحياة اإلنسان الفردّيةَ ،بدءًا من الفترة الس ابقة لوالدت ه ،م رورًا بالمراح ل جميعه ا ال تي
يمضيها ضمن العائلة ،والتي وضع لها البرامج أيضًا ،وعَّين األحكام والقوانين لجوانبه ا
ومراحلها كّلها .ثّم يدخل بع د خروج ه من العائل ة مج اَل التعليم ،إلى أن ي دخل المجتم ع
الكبيرَ .فوضَع القوانين التي ُتنِّظم حياة المجتمع المسلم ،بل حّتى الق وانين وال برامج ال تي
ُتنّظم عالقة الدولة اإلسالمّية ِبس ائر ال دول والش عوب؛ ذل ك كّل ه ل ه أحك ام في الش ريعة
المطَّهرة ،فأحكام اإلسالم ال تقتصر
وال يتوَّهم النصارى أّن المسجد كالكنيسة ،فحينم ا ك انت الص الة تق ام في المس جد ،ك ان
المسلمون يفهم ون تكليفهم ِبه ا ،وك انت ُخ ط ط الح روب توَّض ح في ه ،ويتّم في ه اإلع داد
والتخطيط إلدارة شؤون البلدان .فالمسجد يختلف عن الكنيس ة ال تي تمّث ل رابط ة فردّي ة
بين اإلنسان وبين هللا تبارك وتعالى كما يزعم المس يحّيون أنفس هم .ك ان المس جد مرك زًا
لسياس ة اإلس الم في زمن رس ول هللا (ص لى هللا علي ه وآل ه) وأم ير المؤم نين (علي ه
السالم) والخلف اء .وفي ي وم الجمع ة ،ك انت تط رح الموض وعات السياس ّية والعس كرّية
المختلفة ،وما يتعّلق بإدارة البالد ،عن طريق خطبة الجمعة.
إّن على الزعم اء أن ينش روا اإلس الم الحقيقّي ،وهي مس ؤولّية تفرض ها عليهم الم راتب
التي قّيضها هللا تعالى لهم؛ عليهم أن ينشروا اإلس الم الحقيقّي ،أن يع ّد وا برنامج ًا إذاعّي ًا
لنش ر اإلس الم .عليهم أن يراجع وا علم اء اإلس الم لكي يش رحوا لهم حق ائق اإلس الم،
فيقوموا ِبَنشرها عبر المحطات اإلذاعّية والمطبوعات».1
ولکّن اإلسالم قد تعَّرض وأحكامه التشريعّية إلى التشويه شيئًا فشيئًا ،عبر فصله عن متن
الحياة ،وجعله مختّص ًا ِبُبعد ِم ن األبعاد .وهذا أمر يعّد ه اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) ِم ن
أعمال االستعمار وأعداء اإلسالم ،إذ تّم تجري د الق انون اإلس المّي من وظيفت ه السياس ّية
واالجتماعّية ،وإخراجه عّم ا يس تحّقه من الش مول ألبع اد الحي اة اإلنس انّية كّله اَ ،فص ار
منحصرًا بأحكام الفرد فقط؛ يقول اإلمام (قدس سره)« :إّن اإلسالم إذا ما ُع ِر ض بالش كل
الصحيحَ ،فَس ُيقبل عليه كّل َم ن يملك
والمؤس ف أّنن ا مّه ْد نا األرض ّية ل ذلك ،وس اعدناهم كث يرًا .فنحن لم ن درك س وى بعض
المسائل الخاّص ة بعالقة الفرد ِبَر ّبه ،والمسائل األخرى الواردة في كتبنا الفقهّية ،أّم ا القسم
األعظم ،فقد َبقي مدفونًا في الكتب ،ولم َيظهر .إّن المسائل ال تي ُبِح َثت في حوزتن ا ،تل ك
األخب ار واآلي ات كّله ا ،والكتب الفقهّي ة كّله ا ،بقَيت بعي دة عن واق ع حياتن ا اليومّي ة؛ لم
نستطع أن نعرض المسائل االجتماعّية والسياسّية المرتبطة بالحياة ،ف َدخل الغ رب علين ا
من هذه الناحية ،ونحن غافلين عن هذا كّله.
إّنهم -وباالستعانة باألقالم المس مومة ال تي ال ي زال بعض ها موج ودًا في إي ران -عّرف وا
اإلسالم بأّنه أفكار تعود إلى ما قبل 1400سنة ،ما ي وجُب اآلن أن نوج د أفك ارًا جدي دة.
لق د ق الوا في اإلس الم ،ولَّفق وا ل ه ،م ا اس تطاعوا ِم ن تهم .واآلن أيض ًا ،ألّنهم يخ افون
اإلس الم ،ف إّنهم يرفع ون أقالمهم المس مومة ومخّطط اتهم الخبيث ة في وجه ه ووج ه
الجمهورّية اإلسالمّية .إّن بعضهم -أو أكثرهم -ال يعلمون شيئًا عن اإلس المُ ،م غّفل ون ،ال
يفقهون شيئًا ،لكّنهم قرؤوا بعض ما ُنِش ر في أوروبا ،ووضعوه ميزانًا ِلَفْهمهمَ ،و أص بحوا
مهووسين بالغرب وما يقولهَ ،فَقِبلوه من دون دليل .وفي النهاية ،تج ُد أّن دليلهم ه و ق ول
البروفيس ور الفالنّي ؛ راح وا يس تدّلون ِبكالم الغ ربّيين مثلم ا نس تدّل نحن بكالم هللا
ورسوله (ص لى هللا علي ه وآل ه)َ .فبالنس بة إليهم ،إّن م ا يقول ه «م اركس» ص حيح ،وال
َيلزمه
دلي ل ُيثبت ص ّحته« .م اركس» انتهى في ب اقي المن اطق وُد فن مذهب ه مع ه ،إاّل أّن ه يتّم
استقدام أفكاره إلى أبنائنا وشبابنا الذين أّيدوه وَقِبل وه من دون أن يفقه وا م ا يق ول ،أو أن
ُيدركوا نواياه .وبعضهم ُيدرك ،غير أّنه مأجور حّتى ال يسمح لإلس الم في أن ينتش ر في
| 57 الخارج ،أو أن تظهر حقيقته للشعوب األخرى .إّن األجانب لم يستطيعوا أن يحكمونا؛ لذا
اس تأجروا بعض الن اس هن ا كي يقف وا في وج ه انتش ار اإلس الم الحقيقّي ،وِم ن جملتهم
أولئك الكّتاب التابعين للش اه المخل وع ،فه ذه الكتب ليس ه و َم ن كتبه ا ،إذ إّن ه ليس أهًال
للكتابة ،وال مّم ن يفهمون هذه المواضيع .لقد كانوا يكتبون لهَ ،ففي السابق ،كتب وا الش عر
للش اه ناص ر ال دين وَنَس بوه إلي ه ،واآلن أيض ًا ،يؤّلف ون الكتب وَيض عون اس م ص احب
الجاللة عليها».1
إذًا ،يّتضح لدينا أّن أهَّم ما فعله اإلمام الخمي نّي (ق دس س ره) على مس توى إحي اء ال ِد ين
اإلس المّي في ُبع ده التش ريعّي إع ادُة اإلس الم إلى متِن الواق ع والحي اة .وك انت البداي ة
األساسّية تنظيره ِلوالية الفقيه في عصر الَغيبة ،وهو ما سنتحّد ث عنه في ما يأتي.
والية الفقيه
إّن َط رح نظرّي ة والي ة الفقي ه ِبش كٍل أص يل ،وتطبيقه ا ِبش كٍل عملٍّي في الجمهورّي ة
اإلسالمّية في إيرانُ ،يعّد ركن ًا أساس ّيًا من أرك ان إحي اء اإلس الم في نهج اإلم ام (ق دس
سره) ،والسبب في َع ّد ه كذلك ،أّن اإلمام (قدس س ره) ق د ش ّخ ص -في ب دايات انطالقات ه
الثورّية -أّن األزمة الكبرى التي أصاَبت اإلسالم كانت َفصله عن السياس ة ،وال ذي تجّلى
في ُبع َدْين أساس َّيْين؛ األّو ل فص له عن الواق ع السياس ّي الخ ارجّي -بمع نى عزل ه عن
التطبيق -والثاني فصله في الواقع النظرّي عن السياسة -أي جعله دينًا فردّيًا ال ينظ ر إلى
الحياة السياسّية واالجتماعّية للناس .وما َفعله اإلمام (قدس سره)
| 58 وسيأتي الكالم على والية الفقيه بشكٍل إجمالٍّي ِض من مقّد مَتْين؛ األولى قضّية َفصل ال دين
عن السياسة ،والثانية األدّلة التي استعان بها اإلمام الخمي نّي (ق دس س ره) إلثب ات والي ة
الفقيه في عصر الَغيبة.
األمر األّو ل الذي ينبغي التنبيه إليه ،والذي سعى إلي ه اإلم ام (ق دس س ره) ،ه و التوعي ة
النظرّية والثقافّية حول أّن الماهّية اإلس المّية هي ماهّي ة سياس ّيةَ ،فال يمكن الح ديث عن
اإلسالم ال ذي ج اء ب ه رس ول هللا (ص لى هللا علي ه وآل ه) من دون الح ديث عن ج وهره
السياسّي .ونقصد بذلك أّن اإلسالم هو دستور عمل ُو ضع للنهوض بالدول والمجتمع ات،
وُم خاَطَب ه ُهم الن اس ،ال ِبَو ص فهم أف رادًا ،ب ل ِبَو ص فهم كائن ات سياس ّية واجتماعّي ة؛
«فالحكومةِ ،م ن وجهة نظر المجتهد الحقيقّي ،تمّث ل الفلس فة العملّي ة لألحك ام الفقهّي ة في
الحي اة اإلنس انّية ...والحكوم ُة تجس يد الج انب العملّي للفق ه في تعامل ه م ع المعض الت
االجتماعّية والسياسّية والعسكرّية والثقافّية ...الفقه هو النظرّية الواقعّي ة المتكامل ة إلدارة
اإلنسان ِم ن المهد إلى اللحد .فالهدف األساسّي يكمن في أن يتسّنى لنا تطبيق أصول الفق ه
المحكمة في َعمل الفرد والمجتمع ،وأن تكون لدينا إجاب ات للمعض الت ،ف إّن أقص ى م ا
يخش اه االس تكبار ه و أْن يج د الفق ه واالجته اد الترجم ة العملّي ة والواق ع الموض وعّي ،
ويخلق لدى المسلمين القدرة على المواجهة».1
لذا ،فإّن هذا األمر ينعكس ِبشكٍل واضٍح وكبيٍر على وظائف المجتهد الذي تكون وظيفت ه
َس بر أغوار القرآن والُس ّنة والعقل ،الستخراج الرؤية
هذا كّل ه على المس توى النظ رّي ِلَفص ل ال دين عن السياس ة .ولكْن ثّم ة جانب ًا آخ ر ه و
اإلجراءات التنفيذّية التي قام بها أعداء الِد ين اإلسالمّي ِلَفصله عملّيًا عن السياسة وإبع اده
عن شؤون الناس
إّن النظ رة إلى اإلس الم على أّن ه ِد ين سياس ّي وش امل َتس ري إلى الرؤي ة ح ول النب ّو ة
واإلمامة معًا ،ألّن النبّي أو اإلمام (عليهم السالم) ُهم الناطقون الشرعّيون المنّص بون ِم ن
هللا تعالى ِلتطبيق اإلسالم في حي اة البش ر .وإذا ك ان أم ر اإلس الم ه و الش مول ِلن واحي
الحياة كاّفة ،فالنبّو ة واإلمامة تمت ّد ان م ا امت ّد ت الش ريعة في الحي اة؛ ِم ن هن ا ك انوا والة
األمر ُم طلقًا.
أّم ا في عصر َغيبة المعصوم (عليه السالم)َ ،فيبرز السؤال في أمر الوالية :ه ل تمت ّد م ا
امتّد ت الشريعة أم ال؟
إّن اإلمام الخمينّي (قدس سره) يجد تالزمًا بين حاكمّية اإلسالم وش موله؛ بمع نى أّنن ا ل و
عّطلنا الحاكمّية التي كانت موجودة في عصر حضور المعصوم (عليه السالم) ،مع قولنا
-في الوقت َعينه -إّن اإلسالم شامل ألبعاد الحياة كّله ا ،فه ذا يفض ي إلى الق ول بانحس ار
فاعلّية اإلسالم في جزء من الحياة ،وتعطيله في جزء أو أج زاء أخ رى .وتعطي ل أحك ام
اإلسالم أمر يرفض ه العق ل القطعّي ،ألّن ه ي ؤّد ي إلى جع ل المس لمين متحّي رين في أم ر
تكاليفهم الحقيقّية الشرعّية ،وهو خالف ِم ّنة هللا تعالى ولطفه.
هذا حاصل ما َيذكره اإلمام (قدس سره) في النظر إلى أصل والية الفقي ه؛ «والي ة الفقي ه
فكرة علمّية واضحة قد ال تحتاج إلى برهان ،إذ إّن َم ن َعرف اإلس الم -أحكام ًا وعقائ د-
يرى بداهتها ...فاإلسالم ديُن المجاهدين الذين يريدون الحّق والعدل ،ديُن ال ذين يط البون
بالحّرّية واالستقالل ،والذين ال يريدون أن يجعلوا للكافرين على المؤمنين سبيًال».2
وَيذكر (قدس سره) -في مع رض االس تدالل بالنق لُ -جمل ة ِم ن اآلي ات والرواي ات ال تي
َيحكم المّطلع عليها ِبأّن مسألة الحكومة ال شّك في أّنها ِبَيِد الفقهاء ،فيقول« :فإذا علم ع دم
إهمال َج عل َم نصب الحكومة والقضاء بين الناس ،فالَقدر المتيّقن هو الفقيه العالم بالقضاء
والسياسات الدينّية ،العادل في الرعّية ،خاّص ًة مع ما ي رى ِم ن تعظيم هَّللا تع الى ورس ول
األكرم (صلى هللا علي ه وآل ه) واألئّم ة (عليهم الس الم) العلَم وَح َم َلت ه ،وم ا َو َر د في ح ّق
العلماء ِم ن كونهم حصون اإلسالم ،أمن اء ،ورث ة األنبي اء ،خلف اء رس ول هَّللا (ص لى هللا
عليه وآله) ،أمناء الُرسل ،كسائر األنبي اء ،خ ير خل ق هَّللا بع د األئّم ة (عليهم الس الم) إذا
صلحوا ،وأّن منزلتهم منزلة األنبياء في ب ني إس رائيل ،وأّن فض لهم على الن اس كفض ل
النبّي على أدناهم ،وأّنهم ُح ّك ام على
األمر الثاني :أبعاد وجود اإلنسان ،وكون اإلسالم يراعي األبعاد كاّفة.
األمر األّو ل :العبودّية كمال اإلنسانّية
إّن كّل منظومة فكرّية تطرح نفسها على أّنها نموذج كامل لبناء النفس اإلنسانّية ال ُبّد له ا
-قبل أّي شيءِ -م ن أن تطرح رؤيتها حول الوج ود اإلنس انّي والشخص ّية اإلنس انّية .وال
| 65 ُنبالغ في القول إّن مفترق الطرق الذي تفترق عنده المدارس الفكرّية المختلفة هي رؤيتها
لإلنسان.
ال بّد للرؤية التي ُتطرح حول اإلنسان ِم ن أن تراعي ثالثة جوانب أساسّية:
الجانب األّو ل هو الغاية اإلنسانّية؛ أي الكمال األقص ى ال ذي ت راه ه ذه المنظوم ة الئق ًا
باإلنسان ،والذي ينبغي أن يصل إليهِ ،بحيث يكون كامًال بتحُّققه بها.
الجانب الثاني هو النموذج؛ أي المثل األعلى الذي يكون عصارة تحُّق ق ه ذه الرؤي ة في
الواقع الخارجّي َ .فَلو َطرَح ت رؤيٌة معّينة نظرَته ا لإلنس ان ،ولم ُتع ِط نموذج ًا بش رّيًا أو
َم َثًال أعلى يكون ق دوة ِلس ائر الن اسَ ،فَس َتض عف ه ذه المنظوم ة ،ولن توِج د ال داعي أو
الدافع لألتباع.
وفي ما يأتي نطرح هذه الجوانب في رؤية اإلمام الخمينّي (قدس سره) تباعًا.
األمر األّو ل الذي يلفتنا في كالم اإلمام الخمي نّي (ق دس س ره) على اإلنس ان ه و أّن ه ذا
الك ائن يمت از -بش كٍل أساس ّي -عن غ يره ِم ن الكائن ات بأّن ه يحم ل عن وان «خليف ة هللا
تعالى» .وقد وصل بعض البشر -في الحقيقة والفعل -إلى هذا المقامَ ،و ُهم األنبياء (عليهم
السالم) واألولياء على اختالف مراتبهم .وبعض الناس اآلخرين كانت لهم قابلّي ة التحّق ق
والوصول إلى مقام «الخالفة اإللهّية»َ ،و ُهم سائرون على هذا الطريق؛ فإّم ا أن
يتكاملوا ويتحّققوا به ،وإّم ا أن يتسافلواَ ،فال يحّققوا إنسانّيتهم التي ُخ لقوا من أجلها ِبالفعل.
ومعنى «الخالفة اإللهّي ة» أن يك ون اإلنس ان متش ّكًال ِبم ا يقتض يه ُقرب ه من هللا تع الى؛
| 66 بتعبير آخر :إّن حقيقة اإلنسان ال تكون كاملة وُم حِّققة ِلما ُخ لقت من أجله إاّل َبعد أن تحّقق
الُق رب ِم ن هللا تع الى .وحقيق ة ه ذا الُق رب أن يك ون اإلنس ان متخّلق ًا ب األخالق اإللهّي ة
ومتحّققًا بهاِ .م ن هنا ،يندمج مع نى الُق رب بمع نى العبودّي ة ،إذ إّن الق رب ِم ن هللا تع الى
يستلزم فناء إرادة اإلنسان بإرادت ه تع الى وزوال أنانّيت ه وتق ديم ش هوته وغض به وه واه
على ما يريده هللا؛ هذه هي حقيقة الكمال اإلنسانّي « .إّن قيمة اإلنسان في التزامه بتكاليف ه
أمام هللا تبارك وتع الى وفي عبودّيت ه هلل ع ّز وج ّلَ .فم ا هي مس ؤولّية اإلنس ان أم ام هللا
وأمام العباد؟ هذه هي القيمة الحقيقّية .وما دمتم محافظين على هذه القيم ،فإّنكم مح افظون
على القيم اإلسالمّية واإلنسانّية .وإذا ما حصل انحراف في ذلك ،وَفَقدُتم القيم ة الحقيقّي ة،
َفال قيمة لكم أمام هللا وأمام عب اده ،حّتى ل و بلغُتم أعلى درج ات الِع لم بين العلم اء ،وحّتى
َلو َبلغُتم ما َبلغُتم ِم ن الزهد».1
ويقول (قدس سره) أيضًا« :كّلما كان النظر إلى اإلّنّية واألنانّية ورؤي ة النفس وُحّبه ا في
اإلنسان غالبًا ،كان بعيدًا عن كمال اإلنسانّية ومق ام الُق رب اإللهّي َ .فحج اب رؤي ة النفس
وعبادتها َأضخم الُحُجب وأظلمها».2
ِم ن هنا ،تظهر المعادلة التي يطرحه ا اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) في طري ق وص ول
اإلنسان إلى كماله ،وهي أّن الطريق الوحيدة التي تتدّفق فيها كم االت اإلنس ان ،وينطل ق
فيها ِم ن ح ال الُك م ون والض عف إلى ح ال الظه ور والفعلّي ة ،هي طري ق االّتص ال باهلل
تعالى؛ مبدأ كّل كمال .أّم ا
بناء على الجانب الث اني من ج وانب رؤي ة الشخص ّية اإلنس انّيةَ ،ط رح اإلم ام الخمي نّي
(قدس سره) ِ-و فاق رؤيته األصيلة لإلسالم -المَث ل األعلى له ذه الرؤي ة ،المتش ّخ ص في
الوجود الخارجّي َ ،و ُهم البشر الكاملون الذين وصلوا إلى مق ام العب اد ك املي العبودّي ة هلل
تعالى .لذا ،فإّننا نخّص ص هذا القسم ِم ن الكالم ِلَبي ان األبع اد ال تي تجَّلت في الشخص ّيات
اإلنسانّية الكاملة في بيانات اإلمام الخمينّي (قدس سره).
يقول اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) عن د حديث ه عن رس ول هللا (ص لى هللا علي ه وآل ه):
«وليعلم أّن العبودّية المطلقة ِم ن أعلى مراتب الكمال وأرفعه ،بل أرفع مقامات اإلنسانّية.
وليس ألحد فيها نصيب سوى األكمل ِم ن َخ لق هللا محّم د (صلى هللا علي ه وآل ه) وأوليائ ه
الُك َّم ل».1
ثّم إّنه قد يتوَّهم بعض الناس أّن هذا المقام الرفيع الذي ال نظير له ِلرس ول هللا (ص لى هللا
عليه وآله) يجعلنا في حجاٍب عن َفهم س لوكّياته وحركت ه الفردّي ة واالجتماعّي ة ،أو حّتى
عن تصُّو ر كيفّية معاشرته ألصحابه ،وكيفّية تعامله مع أعدائه؛ لذا ال يمكن أن ُنغفل أّنن ا
مطاَلبون باالقتداء بسيرة النبّي (صلى هللا عليه وآله) ِلكونه صاحب ذلك المقام .وق د ك ان
اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) كث ير اإلض اءة على ه ذه الج وانب البش رّية واالجتماعّي ة
ِلرس ول هللا (ص لى هللا علي ه وآل ه) ،إذ يق ول« :عن دما نراج ع ت اريخ األنبي اء (عليهم
السالم) وِسَيَر هم ،نجد أّنهم َبذلوا ما ِبِو سعهم كّله ،وتحَّم لوا من العناء ما تحَّم ل وا في س بيل
تربيتنا وسعادتنا.
أّم ا عن منزله (صلى هللا عليه وآله)َ ،فقد كاَن َلصيق المس جد .وال تتص ّو روا أّن المس جد
ُيشبه مساجد المدن الحالّية ،بل كان قطع ة أرٍض أحاطوه ا بالخش ب وأغص ان األش جار
ِلتجُّنب دخول الحيواناتَ ،لم ُتشّيد فيها سوى غرف ة أو غرف تين َبَنوهم ا ِب الطين .ولم َيكن
في مسجد الرسول (صلى هللا عليه وآله) س وى أش ياء بس يطة ،إذ إّن منزل ه ك ان بس يطًا
للغاية ،ال َك ما هي حال بيوتنا».1
في مقام وصف أمير المؤمنين (عليه السالم) ،يقول اإلمام الخمينّي (قدس سره):
اإلمام الخمينّي ،صحيفة اإلمام ،مصدر سابق ،ج ،4ص.121 - 120 1
«نكتفي ب القول إّن علَّي بن أبي ط الب (علي ه الس الم) ك ان عب دًا هلل فق ط ،وه ذه أك بر
خصائصه التي يمكن الحديث عنهاَ ،و ربيبًا ِلرسول هللا العظيم (صلى هللا علي ه وآل ه) ،إذ
إّنه ترّبى في حجره -وهذا من أكبر مفاخره .-فأّية شخصّية تس تطيع اّد ع اء أّنه ا عب د هلل،
| 69 وأّنه ا بعي دة عن ك ّل عبودّي ة أخ رى ،غ ير األنبي اء الِع ظ ام (عليهم الس الم) واألولي اء
المعّظمين وعلّي (عليه السالم)؛ ذلك العبد المنقطع عن غير هللا ،المّتصل ب الحبيب ال ذي
كشف ُحجب النور والظلماتَ ،وَو صل إلى معدن العظمة؟ وأّية شخص ّية تس تطيع اّد ع اء
أّنها كانت ،منذ الطفولة حّتى آخر عمر الرسول األكرم (صلى هللا عليه وآله) ،في حضنه
وفي ظّله وتحت تربية الوحي وُم بّلغه إاّل علّي بن أبي طالب (عليه السالم) ،الذي ُغ رست
في روحه جذور الوحي وتربية صاحب ال وحي؟ إذًا ،ه و حّق ًا عب د هللا ،وتربي ة عب د هللا
األعظم (صلى هللا عليه وآله).
أّم ا كتاب نهج البالغة ،الذي هو ِم ن روحهَ ،فهو ِلتعليمنا وتربيتنا نحن الغارقين في ُسبات
األنا وِح جابها وأنانّيتهاَ ،و هو شفاٌء لنا ،وبلسم لآلالم الفردّية واالجتماعّية .هذا الكت اب ل ه
أبعاد بحجم اإلنسان والمجتمع اإلنس انّي الكب ير ،من ذ ظه وره ،وعلى م ّر الت اريخ َم هم ا
تق ّد م ،ومهم ا ظه رت المجتمع ات وت واَلت ال دول والش عوب ،ومهم ا ظه َر المفّك رون
والمفّسرون والفالسفة وغاصوا فيه وغرقوا».1
«أّم ا عن حياة أمير المؤمنين ،اإلمام علّي (عليه السالم) ،فقد َبسط نفوذ حكومته وإمامت ه
على بالد شاس عة ،ش ملت أرج اء الحج از والع راق وس وريا ولبن ان ومص ر وإي ران
جميعها ،وتوّحدت هذه البلدان كّلها تحت لوائه ،فكيف ي ا ت رى ك انت حيات ه؟ ه ل ك انت
مشابهة لحياة األمراء؟ كان (عليه السالم) يمتلك ،فقطِ ،ج لد خروف يفرش ه ليًال -بحس ب
ما يذكر التاريخ -وينام عليه هو وزوجته ،ويحشو جلده نهارًا َع َلفًا يعلف ب ه البع ير؛ ه ذه
حكومة اإلسالم .كان (عليه السالم) يحفر القناة ِبَيده في اليوم نفسه الذي بايعه المس لمون،
وبعد َبيعته عاد ِليواصل عمله فيها ،إذ
| 70 ونحن أّيها السادة ،نريد مثل هذا الحاكم ،نريد حاكمًا يقت دي بالرس ول األك رم (ص لى هللا
عليه وآله) واإلمام علّي (عليه السالم) .نحن ال ذين تحَّم لن ا المش ّقاِت وعاَنين ا م ا عاَنين ا،
عندما ُنكّلم شعبنا المسلم ،فإّن خالصة ما نريد هو مطالبتنا بحاكم ال يكون خائنًا.
ينقل عن اإلمام (عليه السالم) أّن ه ك ان يحس ب عوائ د بيت الم ال ،كالزك اة ،وِم ق دار م ا
يجب أن يدفعه الناس من ضرائب لبيت المالَ ،و كان يحمل ِم صباحه الزيتّي ِبَيده ليض يء
ب ه المك ان .وبينم ا ه و منهم ك في إع داد الكش وفات ،ج اء ش خٌص -بحس ب م ا ت ذكره
الرواية -في حديث خاّص معه (عليه السالم) ،فأطفأ اإلمام (علي ه الس الم) المص باح ،ثّم
راح يحّد ثه».1
إّن المتابع لكلمات اإلمام الخمينّي (قدس سره) على مقام السّيدة الزهراء (عليها الس الم)،
وتوصيف تأثيرها على اإلسالم ،وحركتها الجهادّية ،يرى شّد ة الَع َظمة التي ك انت تمّثله ا
هذه السّيدة العظيمة في حياته (قدس سره) ،وم دى َع َظم ة اإلس الم ،بحيث تح وز الم رأة
الكاملة في ه خصوص ّيات األنبي اء (عليهم الس الم) كاّف ة؛ «إّن األبع اد المتص ّو رة للم رأة
جميعها ،والمتصّو رة لإلنسان ،قد تجَّلت في فاطمة الزهراء (عليه ا الس الم) .إّنه ا لم تكن
امرأة عادّية ،ب ل ك انت ام رأة روحانّي ة ،ام رأة ملكوتّي ة ،إنس انًا ِبتم ام مع نى اإلنس ان،
باألبعاد اإلنسانّية كّلها ،حقيقة المرأة الكاملة ...حقيقة اإلنس ان الكام ل .إّنه ا ليس ت ام رأة
عادّية ،بل موجوٌد ملكوتّي قد ظهر في العالم ِبصورة إنسان ،موجوٌد إلهّي جبروتّي ظهر
بص ورة ام رأة ...غ دًا ي وم الم رأة .إّن الحق ائق الكمالّي ة كّله ا المتص َّو رة لإلنس ان،
والمتص ّو رة للم رأة ،تتجّلى في ه ذه الم رأة .غ دًا تول د مث ل ه ذه الم رأة؛ ام رأة فيه ا
خصوصّيات
يّتضح ،إذًا ،أّن في اإلنسان قدرات للوصول إلى الكماالت الالئقة بإنسانّيته ،ع بر الُق رب
ِم ن هللا ،وال ذي ك ان مص داقه األب رز نبّين ا وآل ه (عليهم الس الم)؛ ل ذا ُح َّق ِل برامج
األنبياء (عليهم السالم) في تربية اإلنسان أن تفعل فيه هذه الطاقات ،وأن ترسم له طريق ه
إلى العبودّي ة والق رب اإللهّي .وق د أش رنا في م ا س بق ،عن د الح ديث عن العدال ة
االجتماعّية ،إلى أّن هذه العدالة -من المنظ ار اإلس المّي اإللهّي ُ -تع ُّد ه دفًا وس يطًا ،أّم ا
الهدف األقصى ِلبرامج األنبي اء (عليهم الس الم) واألدي ان اإللهّي ة ،فتتلّخ ص في وص ول
اإلنسان إلى القرب اإللهّي والعبودّية هلل تع الى؛ وهي قض ّية ش ّد د عليه ا اإلم ام الخمي نّي
(قدس سره) كثيرًا عند بيان ه األه داف القص وى لألنبي اء (عليهم الس الم) ،إذ َبَّين أّن ِم ن
أهّم الخطط التي وضعتها األديان اإللهّي ة ِم ن أج ل إيص ال الن اس إلى عبودّي ة هللا تع الى
هي تحريرهم من عبودّية َم ن سواه من سالطين الزمان وفراعنته،
واألس مى منهم جميع ًا رس ول هللا (ص لى هللا علي ه وآل ه) ،إذ إّنن ا ن رى ه ذْين الج انَبْين
بارَزْين في سيرته (صلى هللا عليه وآله) ،بحسب ما أفاد القرآن والُس ّنةَ .فَق د دع ا الق رآن
إلى المعنوّي ات ،بالق در ال ذي يس تطيع اإلنس ان تحقيق ه ،ثّم إقام ة الع دل .وك ان الن بّي
محّم د (صلى هللا عليه وآله) ،والذين كانوا ِلسان الوحيُ ،م هتّم ين ِبالج انَبْين ِكَلْيهم ا ،إذ إّن
سيرته (صلى هللا عليه وآله) تدّل على ذلكَ .فقد َعمل على تقوي ة المعنوّي ات إلى م ا قب ل
تشكيل الحكومة ،وما إن تمّك ن ِم ن تشكيل الحكومة ،حّتى عمل على َبْسط الع دلُ ،م ض افًا
إلى المعنوّياتَ .فَقد شّك َل الحكومة ،وأنقذ هؤالء المحرومين ِم ن س لطة الظ المينِ ،بالق در
الذي تسّنى له ذلك.
ه ذه هي س يرة األنبي اء (عليهم الس الم) ،وينبغي على ال ذين يع ّد ون أنفس هم أتباع ًا لهم
الح رص على ه ذا النهج ،خاّص ًة الج انب المعن وّيَ .فيجب على َم ن ُهم على درج ة ِم ن
المعنوّيات العمَل على تقوية هذا الجانب لديهم ولدى الن اسَ .فَع لى الن اس أيض ًا االهتم ام
بهذا الجانب،
وبالجانب اآلخر ،وهو إقامة العدل ،إذ إّن الحكومة اإلسالمّية ُم طالب ة بإقام ة الع دل .ف إذا
كّنا أتباع اإلسالم واألنبياء (عليهم السالم)َ ،فهذه هي س يرتهم المتواص لةَ ،و َل و افترض نا
استمرار بعثتهم إلى األبدَ ،فَلن تحيد سيرتهم عن ذلك؛ علينا االهتم ام ب الجوانب المعنوّي ة
| 73 لإلنسان ،بالقدر الذي يستوعبه ،والعمل على َبْسط الع دل بين ب ني اإلنس ان ،وقط ع داب ر
الظالمين .علينا أن نعمل من أجل َتطبيق َهَذ ْين النهَج ْين».1
إّن وضوح الهدف والغاية القصوى َج عل اإلمام الخمينّي (قدس سره) شّفافًا جّد ًا في َر س م
الخطط االستراتيجّية للمؤّسسات التعليمّية والتربوّية كاّفةَ ،فقد جع َل تربي ة اإلنس ان على
الفضائل المبِع دة عن حّب الدنيا وهوى النفس ،والموص لة إلى الُق رب من هللا ،هي الغاي ة
التي ينبغي أن توضع ال برامج والمش اريع التفص يلّية على ض وئها .وفي بعض خطابات ه
التي وّجهها إلى أس اتذة الم دارس -إذ ك ان ُيرش دهم إلى طري ق تفعي ل طاق ات التالمي ذ-
يق ول« :عليكم أن ُترّب وهم على األخالق اإلنس انّية واألخالق اإلس المّية ،وأن ُتوّجه وهم
نحو هللا ،وأن ُتجّنبوهم الفساد الموج ود في المجتمع ات المنحّط ة .عليكم أن ُت ذّك روهم أّن
سعادتهم وسعادة بلدهم في ترِبيتهم تربي ًة إس المّية-إنس انّية .يجب عليكم أن ُترّب وهم على
االحتراز عن الطبيعة المنحّطة التي تشّد اإلنسان نحو االنحطاط ،والتي تتمّثل بحّب الجاه
وحّب المال وحّب المنصب .يجب أن ُتبعدوهم عن ه ذه األش ياء ال تي هي ِم ن ص عوبات
طريق اإلنسان ،والتي تمنع ُرقّيه .وِّض حوا لهم أّن اإلنسان ،طالما كان ُم نصرفًا إلى ع الم
الطبيعة هذا ،فإّنه ليس إنسانًا؛ َك َم ن كان هّم ه كّله الحصول على شيء من الحياة الرغي دة
التي ُتؤَّم ن فيها األمور الماّد ّية ،ففي النهاية ،سيكون وضعه كحيوان هّم ه حاجات ه الماّد ّي ة
فقط .يجب عليكم أن ُتَو ِّض حوا لهم أّن الحياة هي الحياة الشريفةَ ،و الحياة اإلنسانّية هي
إذًا ،ثّم ة طريق ان ال أك ثر؛ إّم ا عبودّي ة هللا ،وإّم ا عبودّي ة النفس األّم ارة .ه ذان هم ا
الطريقانَ .فأن يتحّر ر اإلنسان ِم ن عبادة اآلخرين ،ويقبل عبودّية هللا الذي يليق بأن يكون
اإلنساُن عبَده ،يعني أّن األعمال ال تي يق وم به ا ليس فيه ا انح راف؛ أي إّن ه لن ينح رف
متعَّم دًاَ .و ه ذه االنحراف ات جميعه ا ،س واء أك انت في العقائ د أو في األعم ال واألقالم
واألح اديث المنحرف ة ،تتّم ألّنه ا لم تم ّر من قن اة العبودّي ة هلل ،وألّنهم عبي د األه واء
النفسّية».1
وإذا أردنا أن نضّم ما ذكرناه في األمر السابق إلى هذه الفك رة ،يّتض ح ل دينا أّن اإلس الم
هو طريق العبودّية والقرب اإللهّي َ .فيشير اإلمام الخمينّي (قدس س ره) في بعض كلمات ه
إلى أّن الكثير من التصّو رات حول اإلسالم إّنما تك ون مغلوط ة ،ألّنه ا ال ت راعي أبع اده
كاّفة التي تتطابق مع أبعاد اإلنسان؛ «إّن أبعاد اإلنسان أبع اد الع الم كّل ه ،واإلس الم ج اء
لتربية اإلنسانّية في أبعادها كّله ا .لكّن الّتص ورات المختلف ة ال تي تك َّو نت ح ول اإلس الم
ُتعزى إلى الرؤى المختلفة ألصحابها ،وهي مختلفة جّد ًا ،والتي لم تِص ل أّي منها إلى ح ّد
معرفة اإلسالم أو اإلنسان أو الرسول األكرم (صلى هللا عليه وآله) أو العالمَ ،فَبقَيت كّله ا
في مستوى محدودَ .فقد يتصّو ر كثيرون أّن الرسول األك رم (ص لى هللا علي ه وآل ه) إّنم ا
جاء -وسائر األنبياء (عليهم السالم) الذين بعثهم هللاِ -م ن أجل إنقاذ الناس ِم ن هذه المظالم
واإلجحاف وما شابه ذلكَ ،فتكون مهّم تهم توفير العدل للمجتم ع واألف راد؛ أي إّن مهّم تهم
ال تتجاوز هذا الحّد .وقد يظّن كثيرون أّن االقتصاد قضّية مهّم ة ،ويقصرون علي ه مهّم ة
األنبياء (عليهم السالم)؛ أي إّنهم جاؤوا ليحّققوا للناس ُبطونًا ش بعانة وحي اة مرّفه ة ،وأّن
مهّم تهم ال تتع ّد ى ه ذا الح ّد .وق د يك ون ِلبعض هم اآلخ ر رؤى عرفانّي ة ت رى أّن بعث ة
األنبياء (عليهم السالم) محدودٌة في َبسط المعارف اإللهّية ليس إاّل ُ .يفّك ر الفالس فة هك ذا،
وُيفّك ر فقهاء اإلسالم بشكل آخر ...والش عوب تفّك ر بطريق ة معّين ة ،والمثّقف ون يفّك رون
ِبنحٍو خاّص ،ويفّك ر كّل م ؤمن ِبش كل معّين ،وكّلهم قاص رون عن الوص ول إلى م ا ه و
موجود .إّن القول المأثور «َم ن عرف نفسه َفَقد
عرف رّبه» ُيفهمنا أّن اإلنسان موجودَ ،فإن ه و ُع ِر َف ُ ،ع ِر َف ب ه هللا .وه ذا ال َيص دق
على أّي موجود آخرَ .فال يستطيع أن َيعرف رَّب اإلنس ان إاّل َم ن ع رف نفس ه ،ومعرف ة
الذات -التي تستتبع معرف ة هللا -ال تحص ل إاّل ِلُك َّم ل أولي اء هللا .وينبغي ع دم تص ُّو ر أّن
| 77 اإلسالم جاء إلدارة هذه الدنيا ،أو أّنه ج اء لتوجي ه الن اس نح و اآلخ رة فق ط ،أو ِلُيع ّرف
الناَس المعارَف اإللهّي ة؛ االقتص ار على ج انب واح د ِم ن ه ذه الج وانب ِخ الف الحقيق ة
َم هما كان .إّن اإلنسان غير محدود ،ومرّبي اإلنسان غير محدود ،ومنهاج تربية اإلنس ان
-أي القرآن -غير محدود ،ال ِبعالم الطبيعة والم اّد ة ،وال ِبع الم الَغيب ،وال بع الم التج ُّر د،
بل هو كّل شيء».1
يقول اإلمام الخمينّي (قدس س ره)« :اإلس الم رس الة ن زلت للتربي ة اإلنس انّيةَ ،فيجب أن
نرى أبعاد هذا اإلنسان -الذي يقول بعضهم إّنه ذو ماهّية مجهول ة -واحتياجات ه ،وه ل إّن
اإلسالم جاء تربيًة لجوانبه الحيوانّية فقط ،أو المعنوّية ،أو إّنه يريد تربيته كإنسان؟
ليس اإلنسان كسائر الموجودات .فإدراك الحيوان ِلما وراء الطبيع ة إدراك ن اقص ،ولكّن
اإلنس ان يس تطيع أن يس ير ِم ن الطبيع ة إلى م ا وراء الطبيع ة ،ومّم ا وراء الطبيع ة إلى
األلوهّية ،إلى أن يصل إلى َفهِم ذلك.
إّن اإلنسان كائن جامع ذو أبعاد متعّد دةِ ،بخالف الكائنات األخرى التي له ا ُبع د واح د أو
ُبعدان أو أكثر .غير أّن أبعاد الوجود كّلها ال تجتمع في بقّية الكائنات ...اإلنسان وحده ِم ن
َبين الكائنات كّلها كائن متعّد د األبعاد ،ولكّل ُبعد من أبعاده حاجات .لكّن المدارس الفكرّية
الموجودة في العالم -باستثناء اإلسالم -ماّد ّيةُ ،تصّو ر اإلنسان حيوانًا ،وأّن أموره جميعها
تتحّر ك ضمن هذه الحدود ،وأّن تكامله يتّم ضمن االعتبارات الماّد ّية التي أطلقوا
إّن لإلسالم منهجًا ومسلكًا لهذا اإلنسان الذي له مراتب ِم ن الطبيعة إلى ما وراء الطبيعة،
وِم ن ما وراء الطبيعة إلى األلوهّية .اإلسالم يريد أن يرّبي إنسانًا جامع ًاِ ،بالص ورة ال تي
هو عليها؛ ذا ُبع ٍد ط بيعّي فينّم ي في ه الُبع د الط بيعّي ،وذا ُبع د ب رزخّي فينّم ي في ه الُبع د
ال برزخّي ،وذا ُبع د روحّي فُينّم ي في ه الُبع د ال روحّي ،وذا ُبع ٍد عقلّي فُينّم ي في ه الُبع د
العقلّي ،وذا ُبعد إلهّي فُينّم ي فيه الُبعد اإللهّي ...إّن األبعاد جميعه ا ال تي يمتلكه ا اإلنس ان
ناقصة ولم َتِص ل إلى درجة الكمال .وقد جاءت األدي ان إلنض اج الثم رة غ ير الناض جة،
وإكمال الثمرة الناقصة.
َو على المقيمين في الغ رب الغ ارق في الطبيع ة الدنيوّي ة ،والغاف ل -تمام ًا -عّم ا وراء
الطبيعة ،أاّل ُيخَدعوا بهذه المدارس الفكرّية ،فيتصّو روا أّن اإلنسان ليس سوى ما يحتاجه
ِم ن الطعام والشراب ،وأّن ما عدا ذلك ال شيء ...إّن ذلك وليد الَفهم الخ اطئ لإلس الم .ال
بّد ِم ن وضع كّل شيء في موضعه؛ أي إّن لإلنسان نمّو ًا طبيعّيًا إلى الحّد الممكن ،وأّن له
ُبعدًا طبيعّيًاِ ،بما هو طبيعّي وسليم .وهكذا ينمو ويتكامل في األبعاد المختلف ة حّتى يص بح
إنسانًا متكامًالَ .فِم ن الص عب أن يص بح الف رد إنس انًا .ال تظّن وا أن اإلس الم ج اء ِل يرّبي
حيوانًا؛ اإلسالم يريد أن يرّبي اإلنسان ليكون كائنًا ُم تكامًال يمتلك األبعاد جميعها.
ولدى اإلسالم تعليمات لكّل ُبعد من أبعاد اإلنسان .ففي اإلسالم أحكام للحكومة اإلس المّية
ولمؤّسس اتها ،ولمواجه ة األع داء ،ولتحري ك المجتم ع من أج ل الوص ول إلى م ا وراء
الطبيعة؛ اإلسالم يملك كّل ذل كَ ،فه و ليس أح ادّي الج انب ِليق ول اإلنس ان إّن ني ع رفت
| 79 اإلسالم ،وعرفت تاريخه ،مثًال ،وم ا ك انت علي ه حيات ه البش رّية -على س بيل الف رض-
وقوانينه الطبيعية ،وأمثال ذلك .ليس األمر بهذه الص ورة .إّن قض ايا اإلس الم أس مى من
هذه المعاني ،وذات أبعاد كثيرةَ .فمن يري د أن يع رف اإلس الم ،علي ه أن ينظ ر جّي دًا في
القرآن الذي هو المبدأ األساس ،ويالحظ األبع اد جميعه ا الموج ودة في ه ،وأاّل يق ول :أن ا
أقبل اآليات المتعّلقة بالطبيعة والحكومة فقط ،أّم ا اآليات المتعّلقة بي وم القيام ة َفال أقبله ا.
وألّن هذا اإلنسان ال يعلم ما معنى القيامة ،وما هو ذل ك الي وم ال ذي س يأتي ،يظّن األم ر
وهمًا .كاّل ،إّنه أمر عينّي ،وعينّيته أكثر من عينّية هذه الطبيعة ،غاية األمر أّنن ا لم نص ل
إلى ذلك».1
.3معرفة اإلسالم ال ُبّد من أن تنطلق ِم ن قضّية تعّد د األبعادَ ،فال نقع في فّخ ق راءة اإلس
الم في ُبعٍد واحد.
اهتّم اإلسالم كثيرًا باُألسرة ،وَع َّد ها المهد األّو ل الذي يتلّقى فيه اإلنسان علومه ومعنوّياته
ومعرفته؛ لذا وضع القوانين لكيفّية اختي ار ال زوج والزوج ة ،وآداب ال والدة قب ل مجيء
الطفل ،وكيفّية العناية بالطفل حّتى يكبر وينشأ ويشتّد ع وده .والالفت أّن اإلم ام الخمي نّي
(قدس سره) -في كثير من كلماته -كان يكّرر هذه القضّية ،إذ يقول« :فاألديان تهتّم بأبعاد
اإلنسان جميعه ا ،حّتى قب ل والدت هَ .فهي ت بّين كي ف ينبغي أن يك ون ال زواج ،وم ا هي
شرائطه ،وأّية امرأة يجب أن يختارها الرجل ،أو أّي رجل يجب أن تختار الم رأة .وذل ك
ألّن الزواج مزرعة لظهور إنسان آخرَ .فَقبل أن يقع الزواج ،يوّض ح اإلسالم األمور التي
ترتبط بوالدة هذا الطفل ،بحيث يكون سليم الجسم والنفسَ ،فيهتّم بأمور ما قبل
اإلمام الخمينّي ،اآلداب المعنوّية للصالة ،مصدر سابق ،ص.59 - 58 1
ال زواج ،كش رائطه .ثّم بع د ذل ك في ف ترة الحم ل ،وحّتى قب ل الحم ل -أي عن دما ُي راد
التلقيح-؛ بأّية شرائط ينبغي أن يكون؟ وما هي أحكامه؟ وعن دما يك ون الطف ل جنين ًا؛ م ا
األشياء الجّيدة التي ينبغي على األّم تناولها؟ وما األشياء التي ينبغي عليها اجتنابها؟ كيف
| 82 ينبغي أن تكون حياتها أثناء الحمل؟ وما هي األمور التي عليها مراعاتها؟ ثّم بعد أن يولد
الطف ل؛ م ا هي الش رائط ال تي تجب مالحظته ا في المرض عة -في م ا إذا أرادوا اّتخ اذ
مرضعة له-؟ وكيف ترضعه؟ في أّية أوقات؟ بأّية شرائط؟ وعندما يكون في حضن األّم ؛
كيف تتعامل األّم معه؟ وبعد أن يخرج عن حضانتها؛ كيف لألب أن يتعام ل مع ه؟ كي ف
ينبغي أن تك ون أج واء اُألس رة في س بيل تربي ة ه ذا الطف ل؟ ثّم كي ف ينبغي أن يك ون
المعِّلم؟».1
أّم ا اجتماعّيًا ،قّد م اإلسالم اهتمامه وقوانينه بالقيم االجتماعّيةِ ،م ن قبيل العدالة االجتماعّية
والحّرّية اللَتْين ذكرناهما في الفصل األّو ل .وِم ن أهّم األفكار التي َبلَو َر ها اإلمام الخمي نّي
(قدس سره) في هذا المجال «مبدأ الحكوم ة» ،إذ ي رى (ق دس س ره) أّن تربي ة المجتم ع
وإص الحه ال يك ون بمج ّرد الوع ظ واإلرش اد ،ب ل ال ب ّد ِم ن وض عه كك ّل على س ّك ة
اإلص الح تنفي ذّيًا ،وذل ك ال يك ون إاّل بالحكوم ة ِو فاق ًا إلرادة هللا تع الىِ .م ن هن ا ،ك ان
اإلسالم متطابقًا مع الُبعد االجتم اعّي في اإلنس ان ،ومراعي ًا ل ه ،ع بر االهتم ام بالح اكم
والدولة والمجتمع؛ «إّن األنبياء والعلماء كانوا يتصّد ون لحكومات الجور منذ بدء التاريخ
البش رّي حّتى اآلن .أفلم يكون وا يعقل ون؟ وحين َبعث هللا س بحانه وتع الى موس ى (علي ه
السالم) للقضاء على فرعون ،ألم يكن سبحانه وتعالى م دركًا للقض ّية كإدراكن ا له ا ،أن ا
وأنتم ،أم إّن عليه أاّل يعارض الملك؟
ينقل الطبرّي وابن األثير رواية عن الرسول (صلى هللا عليه وآله) أّنه ق ال إّن ِم ن أبغض
الكلمات إلّي كلمة «َم ِل ك المل وك»؛ أي إّنه ا ِم ن الكلم ات المبغوض ة ،إْن هي ُنس بت إلى
شخص ِم ن البشر ،ألّنها هلل تعالى وحده.
اإلمام الخمينّي ،صحيفة اإلمام ،مصدر سابق ،ج ،7ص.219 - 218 1
إّن األنبياء (عليهم السالم) ،منذ القدم ،وصوًال إلى نبّو ة الرسول األك رم (ص لى هللا علي ه
وآله) ،ثّم األئّم ة (عليهم السالم) ،كانوا جميعهم يواجه ون الظلم .حّتى أثن اء وج ودهم في
السجن ،كانوا يواجهون الظلم .فموسى بن جعف ر (علي ه الس الم) لم ي ترك مس ؤولّيته في
| 83 المواجهة ،حّتى عندما كان يرزح في السجن .وكذلك أبو عبد هللا الحسين (عليه الس الم)،
كان يقف في وجه الظالمين ،على الرغم من التقّية الكذائّية والكذائّية ،إذ تفيد الرواي ة أّن ه
كان يتصّد ى لهم بالكالم ،ويمارس التبليغ ،ويحّرك الناس ِلمعارضتهم.
وإذا تعّم قنا في النظر ،نرى أّن اإلمام الحسن (عليه السالم) تص ّد ى لمعاوي ة -ال ذي ك ان
حاكمًا في زمنه -على الرغم من أّن جميعهم بايعوا ذلك التاف ه ،وك انوا يخش ون س لطانه.
إاّل أّن اإلمام الحسن (عليه السالم) وق ف ض ّد ه م ا اس تطاع إلى ذل ك س بيًال ،إلى ال وقت
الذي حالت فيه مجموعة من البسطاء بين ه وبين مواص لة دوره في المواجه ةَ ،فَقِب َل ،في
ظّل تلك الظروف ،بالصلح مع معاوية .وأثناء فترة الص لح ،لم ي ّد خر وس عًا في فض حه،
ب ل إّن م ا عّرض ه ل ه من الخ زي والع ار ال يق ّل عّم ا عّرض ه اإلم ام الحس ين (علي ه
السالم) ِليزيد».1
ولقد سعى األنبياء (عليهم السالم) ،عن طري ق ح ركتهم وجه ادهم ،إلى إيص ال اإلنس ان
إلى أوج المعنوّيات والروحانّيات ،والتي تمّثل أحد أهّم أبعاد وصوله إلى العبودّي ة ،ال تي
هي الهدف -كما ذكرنا س ابقًا-؛ ل ذا «يمكنن ا أن نس ّم ي األنبي اء (عليهم الس الم) معّلمين،
والبش ر ُطاّل ب ًا .فاألنبي اء ،وعن طري ق ال دعوة إلى هللاَ ،يس َع ون إلى هداي ة اإلنس ان إلى
الصراط المستقيم.
بناء على ما ذكرن اه ،فإّنن ا ال يمكن أن نحص ر كلم ة «معِّلم» في المعِّلمين في الجامع ات
والمدارس ،وكذلك كلمة «طالب» ،ألّن العالم أجمع جامعة كبيرة .إذًا ،يمكنن ا أن نص ّنف
األفراد إلى فئَتْين؛ ُم عِّلمين وُم تعِّلمينَ .فاألولى تهدي المجتمع وتعمل على تربيته وتعليمه،
والثانية عليها االنطالق نحو مناهل العلم والتربية.
اإلنسان مخَّير بين السير في طريق هللا أو طريق الطاغوتَ ،فُهما طريقان ال ث الث لهم ا.
إّن السير في طريق هللا يعني االلتزام بأوامره ،وانعكاس ذلك يكون على جوانب المجتمع
كاّفة ِم ن اقتصاد وسياسة وثقافةَ ،فهو يدعو إلى الفضائل ِبتمام أبعاد اإلنسان؛ العقالنّية
إّن الحروب التي تشّنها القوى االستكبارّية تحمل صفة ش يطانّية وطاغوتّي ة ،بينم ا ك انت
الحروب التي قادها األنبياء (عليهم السالم) واألولياء والمؤمنون ُحروب ًا توحيدّي ة ته دف
إلى تأديب اإلنسان وتحريره ِم ن جهالته وعناده ،وهي حروب إلهّية بمعنى الكلمة كّله».3
إّن الترك يز على الجه ة النظرّي ة من دون العملّي ة نقص في العق ل ،والعكس ص حيح.
وعليه ،فإّن كمال العقل اإلنسانّي يتّم بالمعرفة الصحيحة التي بها يستكمل جنبته النظرّية،
وبالعمل الصالح،
إذًا ،إّن طغيان الشهوة والغضب على وجود اإلنسان ُم ن اقض للعق لَ .فال يمكن أن تجتم ع
الشهوة المسيطرة على النفس اإلنسانّية مع حّرّية الفكر والعقل ،ألّن العقل سيكون عاجزًا
عن العم ل ِبحس ب م ا تقتض يه المعرف ة الص حيحة؛ بعب ارة أخ رى :إّن العق ل ال يك ون
بالمعرفة فقط ،بل بالمعرفة والعمل الجوارحّي والقلبّي ،فما َيحول دون العمل واإليم ان -
وإْن حضر العلم والمعرفة -هو في الحقيقة خادم للجهل والجهالةَ ،فين اقض العق ل؛ «ُنق ل
لي أّن المرحوم آية هللا المدّر س -رحمة هللا عليه -قال :إّن الش يخ ال رئيس أب و علي س ينا
قال يومًا :إّنني أخاف ِم ن البق رة ،ألّنه ا تمل ك قرن ًا ،وال عق ل له ا .وه ذه نقط ة تس تحّق
االهتمام .حّتى لو افترضنا أّن الشيخ لم يُقل ذلك ،لكّن المس ألة الفت ة للنظ ر؛ ف البقرة له ا
قرون ولكْن ال عقل لها ،وتمتلك القدرة لكّنها ال تمتلك
| 88 «وِم ن جملة األشياء التي ُتخِّدر عقول الشباب الِغ ناءَ .فعندما يتعَّرض عقل الش اب للِغ ن اء
طوال الوقت ،فإّنه يصبح غ ير العق ل الط بيعّي ال ذي يجب أن يفّك ر في األم ور ِبجّد ّي ة،
ويبدأ ِبتوجيه صاحبه إلى أمور أخرى .هذه الوسائل التي أعّد وها كّلها -وع ددها م ا ش اء
هللاَ ،و بعض ها ال ي زال موج ودًا -ك انت ِم ن أج ل إبع اد الن اس عن التحُّك م بمق ّد راتهم،
وإلهائهم ِبأمور أخرى ،كي يتسّنى لهم تحقيق مطامعهم .وذلك كّله كان قد تّم التخطيط ل ه
ِبدّقة -ولم يأِت اعتباطًاِ -م ن أجل َج ّر الشباب إلى الفساد والرذيلة».2
«عن دما يّتج ه ش بابنا -ال ذين ُهم أس اس البالد وِع ماده ا -إلى طري ق الفحش اء والمل ّذ ات
والمخ ّد رات والمجاّل ت الس اقطة وال برامج التلفزيونّي ة الهابط ة ،فإّن ه لن يبقى ل ديهم
وقت يفّك رون فيه أو عقل يستفيدون منه.
إّن الغناء ِم ن األمور التي يتلّذ ذ بها كّل إنسان ِبحسب َطْبعه ،ولكّنه -على كّل حالُ -يخِر ج
اإلنسان ِم ن الجّد ّية في العمل إلى الهزلّية والالمباالةَ .فالشاّب الذي اعتاد أن يقضي يوم ه
ُم ستمعًا إلى الغناء -عبر اإلذاعة والتلفزيونِ -م ن دون أن ُيعير مسائل الحياة اليومّي ة أّي ة
أهّم ّيةَ ،سَيعتاد التعامَل مع األم ور ِبالمب االة ،وسيص بح غ افًال عن أم ور الحي اة الج اّد ة،
شأنه في ذلك شأن َم ن يتعاطى المخّد رات تمامًا؛ فالذين يتعاطون المخّد رات ال يمكنهم أن
يكونوا ج اّد ين ،وال يمكنهم التفك ير في المس ائل السياس ّية .فالغن اء يجع ل عق ل اإلنس ان
ع اجزًا عن التفك ير ِبَغ ير الش هوات الحيوانّي ة .ل ذاَ ،أص ّر وا على أن تك ون اإلذاع ة
والتلفزيون
| 90
| 91
تكّلمنا على الرؤية النظرّية لإلمام الخمينّي (قدس سره) ِم ن جهة المنظومة المتكاملة التي
قَّد َم ها ،وِم ن جهة رؤيته لإلنسان الذي ينبغي أن يكون ترجمان ه ذه المنظوم ة .وفي ه ذا
الفصِل نتكَّلم على رؤيته (ق دس س ره) إلى ش رائح المجتم ع المختلف ةِ ،بحس ب التسلس ل
| 92 المنطقّي ؛ َفَبعد أن َبّيّنا كيف يرى اإلمام الخمينّي (ق دس س ره) الع الم والقيم وس ائر أبع اد
المنظومة الفكرّية ،وبعد أن َبّيّنا أبعاد اإلنس ان بم ا ه و إنس ان ،ال ب ّد ِم ن الكالم على ك ّل
شخص ِبَع يِنهِ ،م ن حيث هو ُم نتٍم إلى شريحة ِم ن شرائح المجتمعَ .فما موقع الج امعّي في
تطبيق المنظومة الفكرّية؟ وما موقع طالب العلوم الدينّية؟
.2الجامعة والجامعّيين
.3المعّلمين
.4اإلعالمّيين
.5الرياضّيين
.6المرأة
.7الشباب
األمر األّو ل :الحوزة العلمّية
إّن اإلمام الخمينّي (قدس سره) هو أحد المراجع الِع ظام في الح وزة العلمّي ة ،ويع ّد ها من
المؤّسس ات المهّم ة في الحف اظ على اإلس الم حّي ًا في المي ادين المختلف ة؛ االجتماعّي ة
| 93 والسياسّية والفكرّية وغيرها .لذاَ ،د َأب -طوال عمره الشريف -على الحفاظ عليها وتنبي ه
الَطَلبة فيها إلى وظائفهم .والالفت أّنه في أواخر عم ره َو َّج ه بيان ًا ُ-ع رف ِبَبي ان علم اء
الدينَ -و ضع فيه أهّم ُرؤاه حول هذه المؤّسسة العريق ة وَطَلب ة الِع لم فيه ا ،يمكن تقس يمها
إلى عناوين عديدة.
وحاِص ل ما َذ كره اإلمام الخمينّي (قدس سره) يندرج تحت أربعة محاور:
أّو ًالُ ،أنِش َئت الحوزة -بشكٍل أساسّي -لحفظ الِد ين على مستويات عديدة ،على رأسها ِح فظ
التراث الدينّي من النواحي العقدّية والقيمّية والفقهّية؛ لذا َس عى العلماء -من ذ فج ر تأس يس
الح وزة -في َبي ان المنهج الس ليم للفقاه ة واس تنباط األحك ام الش رعّية ،وفي مواجه ة
االنحرافات على المستَو َيْين العقائدّي والِقَيمّي َ .و َقد ُو ج دت الكث ير ِم ن الفت اوى واألحك ام
ال تي ك انت ُم نطلق ة ِم ن ح رص الفقه اء على ص يانة ال ِد ين الح نيف ِم ن أّي َتص ّد ع أو
انحراف.
ثانيًا ،كانت الح وزة العلمّي ة وفئ ة طلب ة العل وم الدينّي ة ِم ن ض من األه داف ال تي س عى
االستعمار واألعداء إلى مواجهتها والحّط ِم ن َقدرهاَ ،ع بر ال ترهيب ت ارًة ،وال ترغيب -
ِبإدخال بعض المفاهيم التي ال تمّت إلى ال ِد ين ِبِص لة ض من دائ رة الح وزة -أخ رى؛ أي
إّنهم ،بعد أن َيِئسوا من إزالة كيان الح وزة ،س عوا إلى خرابه ا داخلّي ًاَ ،فك ان ِم ن أهّم م ا
خّططوا له إدخال بعض المفاهيم غير األصيلةِ ،م ن قبيل عدم شأنّية عالم ال دين بالسياس ة
والمجتمعَ ،و َفْص ل الِد ين عن السياسة ،إلى أذهان بعض َطَلبة الِع لم في بعض العصور.
ثالثًاَ ،ذ كر اإلمام الخمينّي (قدس سره) ،في جملة توصياته للحفاظ على
الحوزة ،أّنه يجب عليها التوُّح د ،واالبتعاد عن التحُّز بات الفئوّية ،وَترك االختالفات ال تي
َتؤول إلى تشتيت أمر هذه المؤّسسة العلمّية؛ ِلم ا للتفِر ق ة من تحقي ٍق ألحالم أع داء ال ِد ين
وَح ٍّط ِلقيمة هذه الحوزة التي تمّثل رافدًا أساسّيًا للمجتمع والنظام اإلسالمّي .
| 94
رابعًاَ ،ح ّذ ر اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) ِم ن ت أثير بعض تّي ارات الحداث ة ال تي ت ّد عي
التجديد على أصالة الحوزة العلمّية والفقاهة .لذا ،شّد د كثيرًا على ضرورة التمُّسك بمنهج
الفقهاء التقليدّي الذي قام على ُأسس علمّية متينة؛ وهذا أمٌر ال عالقة له بالتخُّلف أو البقاء
في َأسر التاريخ ،بل إّن التجديد أمٌر الزم وضرورّي ،ولكْن ال بّد ِم ن أن يكون مبنّيًا على
أصول منهجّية رصينة.
وفي ما يأتي ،ننقل كالم اإلمام الخمينّي (قدس سره) على هذه األركان األربعة التي تمّثل
رؤيته حول شريحة َطَلبة العلوم الدينّية والحوزة العلمّية.
تاريخ الحوزة في نشر الِد ين اإلسالمّي ومواجهة االنحرافات
يقول اإلمام الخمينّي (قدس سره)« :ال شّك في أّن الحوزات العلمّي ة والعلم اء المل تزمين
| 95 كانوا -على مّر تاريخ اإلس الم والتش ُّيع -أهّم قاع دة إس المّية محَك م ة في وج ه الحمالت
واالنحرافات والسلوك المتطّرفَ .فقد سعى علم اء اإلس الم الكب ار ِ-ط وال عم رهم -إلى
نش ر مس ائل الحالل والح رام اإللهَّيْين من دون ت دُّخ ل أو تص ُّر فَ .و َل و لم يكن الفقه اء
األعّز اءَ ،لما كان معلومًا أّية علوم َس ُتقَّد م اليوم إلى الناس ِبَو صفها علوم القرآن واإلس الم
وأهل البيت (عليهم السالم) .إّن َج مَع علوِم القرآن واإلسالم وُس ّنة الرسول األكرم (ص لى
هللا عليه وآله) وسيرته وسيرة المعص ومين (عليهم الس الم) وِح فظه ا وت دوينها وتبويبه ا
وتنقيحها لم يكن عمًال سهًال ،في ظروف كانت اإلمكانّيات قليل ة ج ّد ًا بالمقارن ة م ع تل ك
التي َس ّخ رها السالطين والظالمون في سبيل َم ْح و آثار الرسالة .ونرى اليوم -وهلل الحم د-
ثمرة تل ك الجه ود في آث ار ومؤّلف ات مبارك ة ،ك الكتب األربع ة 1والمص ّنفات األخ رى
للمتق ّد مين والمت أّخ رين في الفق ه والفلس فة والرياض ّيات والنج وم واألص ول والكالم
والحديث وعلم الرجال والتفسير واألدب والعرفان واللغة وفروع المعرف ة جميعه ا .ف إذا
لم ُنَس ِّم هذه الجهود والمعان اة كّله ا جه ادًا في س بيل هللا ،فم اذا ينبغي أن نس ّم يه؟ إّن ثّم ة
حديثًا طويًال عن الخدمات العلمّية الف ّذ ة للح وزات الدينّي ة ،ال يّتس ع المج ال هن ا ِل ذكره.
فالحوزات العلمّية ،من حيث المصادر وأساليب البحث واالجتهاد ،غنّية وحافلة باإلبداع،
وال أتص ّو ر وج ود طريق ة أنس ب من نهج علم اء الس لف في دراس ة العل وم اإلس المّية
بأسلوب ُم عّم ق .إّن تاريخ أكثر من ألف عاٍم من البحث والتحقيق والتتُّب ع لعلم اء اإلس الم
الصادقين ،على طريق رعاية غرسة اإلسالم المقّد سة ونمّو ها ،خير ش اهد على اّد عائن ا؛
فعلى مدى مئات األع وام ،ك ان علم اء اإلس الم مالذ المح رومين ،وك ان المستض عفون
يرتوون من كوثر زالل معرفة
1كتب األحاديث الفقهّية الش هيرة األربع ة« :الته ذيب» و«االستبص ار» للش يخ الطوس ّي ،و«من ال يحض ره الفقي ه»
للشيخ الصدوق ،و«الكافي» للكلينّي .
الفقهاء العظام على الدوام .وإذا ما تجاوزن ا جه ادهم العلمّي والثق افّي ال ذي ُيَع ُّد ِ-بَح ٍّق -
أفضل من دماء الشهداء 1في بعض األبعاد ،فإّنهم ،ومن أجل الدفاع عن مقّد ساتهم الدينّي ة
والوطنّي ة ،ع انوا الكث ير على م ّر العص ور .وف وق تحّم لهم اَألس ر والنفي والس جون
| 96 والتعذيب واإلساءة ،قَّد موا ش هداء عظام ًا على طري ق الح ّق تع الى ...إّن ش هداء علم اء
الِد ين لم ينحص روا في ش هداء النض ال والح رب في إي ران ،ب ل إّن الكث ير من الش هداء
المجهولين للحوزات العلمّي ة َفَق دوا حي اتهم غرب اء في طري ق نش ر المع ارف واألحك ام
اإللهّي ة على ي د العمالء والخبث اء .وفي ك ّل نهض ة وث ورة إلهّي ة وش عبّية ،ك ان علم اء
اإلسالم يقفون في طليعة المواجهةَ ،و َقد ُخ َّط على جباههم الدم والشهادة .فأّية ثورة شعبّية
إسالمّية لم َيقف فيها رجال الحوزة وعلماء الدين في طليعة الشهداء ،ولم ُيعَّلقوا فيها على
المشانق ،ولم تتوّسد فيها أجسادهم الطاهرة َم ذبح الشهادة في ِخ ّض م األحداث الدامي ة؟ َم ْن
هم شهداء انتفاضة الخامس عشر ِم ن خرداد ،وما َس بقها ِم ن أحداث ،وما تالها؟ وِم ن أّي ة
فئة كانوا؟ َنحمد هللا تعالى على أّن الدماء الطاهرة لشهداء الحوزة العلمّي ة وعلم اء ال دين
فتحت ُأفق الفقاهةِ ،م ن جدران المدرسة الفيضّية إلى الزنازين االنفرادّية المرعب ة ِلنظ ام
الشاهَ ،و ِم ن الزقاق والشارع إلى المسجد ومحراب إمامة الجمع ة والجماع ةَ ،و ِم ن موق ع
العمل والخدمة إلى الخطوط األمامّية لجبهات القتال وحقول األلغامَ .و َم ع انته اء الح رب
المفروض ة -ال تي تبعث على الفخ ر -ك ان ع دد ش هداء الح وزات العلمّي ة وُم عَّو قيه ا
ومفقوديها يزيد على عدد الفئات األخرىَ .فق د استش هد في الح رب المفروض ة أك ثر ِم ن
ألَفْين وخمسمئة طالب ِم ن طلبة العلوم الدينّية في مختلف أنح اء إي ران .وِم ث ل ه ذا الع دد
يشير إلى مدى استعداد علماء الدين للدفاع عن اإلسالم والبلد اإلسالمّي في إيران.
راجع :الشيخ الصدوق ،من ال يحضره الفقيه ،مصدر سابق ،ج ،4ص.399 1
واليوم أيضًا -كم ا في الس ابق -انطل ق َص ّيادو االس تعمار في مختل ف أنح اء الع الم -في
مص ر وباكس تان وأفغانس تان ولبن ان والع راق والحج از وإي ران واألراض ي المحتّل ة-
يترّبصون بأبط ال الروحانّي ة المعاِرض ين للش رق والغ رب ،المؤم نين بمب ادئ اإلس الم
| 97 المحّم دّي األص يل .وه ا نحن نش هد -بين الَفين ة واألخ رى -في الع الم اإلس المّي انفج اَر
غض ب الن اهبين ال دولّيين في وج ِه أح د علم اء ال دين المخلص ين ،ألّن علم اء اإلس الم
األصيلين لم يخضعوا ُم طلقًا للرأسمالّيين والخّو انين وَع َبدة الم ال ،ب ل ح اَفظوا على ه ذا
الشرف على ال دوام .وِم ن الُظلم الف احش أن ي رى َبعض هم أّن علم اء ال دين األص يلين -
أنصار اإلسالم المحّم دّي األص يل -والرأس مالّيين ق د َو ض عوا أي ديهم في إن اء واح د .لن
يغف ر هللا تع الى لك ّل َم ن ي رّو ج ل ذلك ،أو يفّك ر به ذا النح وَ .فُعلم اء ال دين المل تزمون
ُم تعّطشون لدماء الرأس مالّيين الُطفيلّيين ،ولم ولن يتص الحوا معهم؛ إذ إّن ه ؤالء العلم اء
تعَّلموا الزهد والتقوى والرياضة جنبًا إلى جنب مع َك ْس ِبهم المقام ات العلمّي ة والمعنوّي ة،
وعاَيشوا الفقر والحرمان ،وَتركوا بهارج الدنيا ،ولم َيعرفوا المّنة والِذ ّلة مطلقًا .فالمتأّم ل
في حياِة علماء السلف يرى كيف اعتاَدت أرواحهم السامية على َك ْسب المع ارف في ظ ّل
التعايش مع الَفقر ،وكيف ك انوا َيدرس ون العل وم تحت َض وء الش معة ون ور القم ر؛ لق د
عاشوا ِبقناعة وكبرياء.
إّن َنْش ر الفقاهة والروحانّية لم يتّم ِبقّو ة الِح راب ،وال ِبفعل ثروة َع َبدة المال واألثرياء ،ب ل
إّن ِج ّد العلماء ومثابرتهم وإخالصهم والتزامهم كان وراء اّتباع الناس لهمَ .و إّن معارضة
علماء الدين ِلبعض مظاهر المدنّية في الماضي لم تُك ن إاّل خوفًا ِم ن نفوذ األج انب ،إذ إّن
الشعور بالخطر ِم ن انتشار الثقافة األجنبّية -وال سّيما الثقافة الغربّية المبتذلة -أّد ى إلى أن
يتعامل هؤالء مع االختراعات والظواهر الجدي دة ِبحيط ة وَح ذر .فالعلم اء الص ادقون -
ِلكثرة ما َش هدوا ِم ن َك ذب الناهبين الدولّيين وخداعهم -لم يكونوا يطمئّنون إلى كّل جديد،
َفكانت الوسائل ِ-م ن قبيل الراديو والتلفاز -بالنسبة إليهم ُم قّد مة ِلنفوذ االستعمار؛ لذا ك انوا
يفتون -أحيانًا -بتحريم االستفادة منها .أَفَلم يكن الراديو والتلفزي ون في بل دان مث ل إي ران
َو سيلة لجلب الثقافة الغربّي ة؟ ألم َيس تِفد النظ ام البائ د ِم ن الرادي و والتلفزي ون في تجري د
| 98 المعتقدات الدينّية ِم ن صدقّيتها ،واإلساءة إلى العادات والتقاليد الوطنّية والقومّية؟
على أّية ح ال ،إّن خص ائص كث يرة ،كالقناع ة والش جاعة والص بر والزه د وطلب العلم
وعدم التبعّي ة للق وى الك برى ،واألهّم ِم ن ذل ك كّل ه الش عور بالمس ؤولّية أم ام الش عوب،
َص نعت ِم ن الروحانّية كيانًا حّيًا ثابتًا ومحبوبًا .فأّية عّز ة أسمى ِم ن ثورة علماء ال دين م ع
قّلة اإلمكانّيات؟ وهي التي غرس ت ب ذور الفك ر اإلس المّي األص يل في الترب ة الخص بة
ألفك ار المس لمين واهتمام اتهم ،إلى أن أينَع ت غرس ة الفقاه ة المقّد س ة في ري اض حي اة
آالف الباحثين ومعنوّياتهمَ .و َم ع هذا المجد كّل ه والَع ظم ة والنف وذَ ،أليس من الس ذاجة أن
يتصَّو ر بعضهم عدم مالحقة االستعمار ِلعلماء الدين؟
إّن كتاب «آيات شيطانّية» 1عمٌل مدروس ،هدف ه استئص ال ج ذور ال دين والت دُّين ،وفي
طليعتها اإلسالم وعلماؤهَ .فِمّم ا ال شّك فيه أّنه لو كان ِبوسع الن اهبين ال دولّيين أن يعمل وا
على اجتثاث ج ذور علم اء ال دين وأس مائهم َلعِم ل وا ،ولكّن هللا تع الى ك ان دائم ًا حافظ ًا
وحارسًا لهذا المشعل المقّد س ،وسيستمّر ذلك ِبَع ون ه تع الى ش رَط أن َنعي ِحَي ل الن اهبين
الدولّيين ومكرهم وخداعهم».2
«إّن االس تكبار الع المّي ،وبع دما يئَس ِم ن القض اء على علم اء ال دين وت دمير كي ان
الحوزات العلمّية ،لجأ -في عصرنا الحاضر -إلى أسلوَبْين
إّن العلم اء المؤم نين بال دين ترّب وا في أمث ال ه ذه الح وزات ،وَعَزل وا ص فوفهم عن
اآلخرين ،وقد استمّد ت نهضتنا اإلس المّية العظيم ة وجوده ا من ه ذه البارق ة .طبع ًا ،ال
تزال الحوزات تع اني ه ذا النم َط ِم ن التفك يرَ ،فيجب أن نك ون ح ذرين ِلَئاّل تنتق ل فك رة
الفصل بين الدين والسياسة من المتحّج رين إلى الَطَلب ة الش بابَ .و م ا ينبغي على الَطَلب ة
الشباب َتَع ّرفه هو كيف إّن بعض هم ش ّم روا عن س اعد الج ّد في الف ترة ال تي ك ان ُيهيمن
المتظ اهرون بالقداس ة والجهل ة األّم ّي ون الس ّذ ج على ك ّل ش يء ،وخ اطروا ب أرواحهم
وسمعتهم ِم ن أجل إنقاذ اإلسالم والحوزة وعلماء ال دين؛ إذ إّن األوض اع لم تكن كم ا هي
عليه اليوم ،فك ّل َم ن لم ي ؤمن -تمام ًا -بالنض ال ،ك ان ينس حب ِم ن الس احة تحت ض غط
المتظ اهرين بالقداس ة وتهدي دهمَ .فَلم تكن النص يحة واإلعالم والنض ال الس لبّي تفي د في
مواجهة أفكاٍر ِم ن قبيل أّن الش اه ظ ُّل هللا ،أو أّن ه ال يمكن مواجه ة الم دفع والدباب ة ِبأي ٍد
خالية ،أو أّننا غير مكّلفين بالجهاد والنضال ،أو َم ن يحمل مسؤولّية دماء القتلى؟ واألسوأ
من ذلك كّله الِش عار المضّلل الذي يقول إّن الحكومة قبل ظهور المه دّي المنتظ ر (عج ل
هللا تعالى فرجه) حكومة باطلة ،إلى غير ذلك ِم ن اإلشكاالت الواهية .ذلك كّله ،مّم ا ك ان
يخلق مشكالت كبرى وظروف صعبة ،لم يكن باإلمكان
مواجهته إاّل عن طريق حّل وحيد ،ه و النض ال والتض حية بال دماء ،وَق د هّي أ هللا تع الى
وسيلته».1
| 101 الحفاظ على الوحدة أهّم واجبات َطَلبة العلوم الدينّية
«إّن األعداء -منذ مّد ة طويلة -كانوا قد استعّد وا ِلَبّث االختالف والفرقة بين علم اء ال دين.
وإذا م ا غفلن ا عن ذل كَ ،فس وف يض يع ك ّل ش يءِ ،بغِّض النظ ر عن نوعّي ة االختالف
وأشكاله ،سواء أكان تشويه صورة كبار المسؤولين أو إث ارة المش اكل ح ول الح دود بين
الفق ه التقلي دّي والح ركّي ،إلى غ ير ذل كِ .إذا لم يح رص الَطَلب ة واألس اتذة في الح وزة
العلمّية على انسجامهم ،ال يمكن توُّقع َم ن الذي سُيوَّفقَ .فإن كانت الس يادة الفكرّي ة -على
فرض المحال -للمتلّبسين ِبزّي رج ال ال دين والمتحّج رينِ ،بم اذا س ُيجيب علم اُء ال دين
الثورّي ون َهللا والش عَب ؟ ال يوج د أّي اختالف -إن ش اء هللا -بين رابط ة أس اتذة الح وزة
والطاّل ب الثورّيين ،وإْن ُو ِج دَ ،فِم ن أجل ماذا؟ أِم ْن أجل األصول أو ِبَو حي ِم ن المزاجّية؟
هل أدار األساتذة المحترمون الذين كانوا يمّثلون سند الثورة المحَك م في الحوزات العلمّية
ظه وَر هم -والعي اذ باهلل -إلى اإلس الم والث ورة والش عب؟ َأَلم ُيص ِد ر ه ؤالء أنفس هم -في
ذروة النضال -فتاواهم ِبَع دم مشروعّية السلطنة؟ َأَلم يعمل هؤالء أنفس هم على َفْض ح ك ّل
َم ن يحاول استغالل منص ب المرجعّي ة واالنح راف عن اإلس الم والث ورة ،وَلْفت أنظ ار
الشعب إلى ذلك؟ ألم يدعم أساتذة الحوزة األعّز اء جبهات القتال والمقاتلين؟ فإذا ما ُهِز م -
ال سمح هللا -هؤالءَ ،فما هي الق ّو ة ال تي س تحّل محّلهم؟ وإذا م ا عملت أي ادي االس تكبار
على دعم رجال الدين المزّيفين إلى حّد المرجعّية ،أَلْن ُتسِّلط شخصًا آخر على الحوزات؟
َو أولئك الذين َنَأوا بأنفسهم عن األحداث طوال خمسة عشر عامًا ِم ن النضال قبل الث ورة،
وعش ر س نوات من األح داث العص يبة بع دها ،ولم ُيع انوا من مت اعب النض ال ومأس اة
الحرب ،وال تأّثروا بشهادة
نستنتج من ذلك أّنه إذا تباطأ علماء الدين -أنص ار اإلس الم المحّم دّي األص يل -وأنص ار
الثورة في تحّر كهم ،فإّن الق وى العظمى وأذنابه ا س ُيَج ّيرون ك ّل ش يء ِلص الحهمَ .فعلى
رابطة أساتذة الحوزة أن تعّد الطاّل ب الث ورّيين األع ّز اء -ال ذين ع انوا الكث ير ،وتحَّم ل وا
العذاب والضرب ،وتوَّجهوا إلى جبهات القتال -أبناَء ها ،وأن تقيم جلسات معهم ،وترّحب
ِبطروح اتهم وأفك ارهم .كم ا أّن على الَطَلب ة الث ورّيين أن يح ترموا األس اتذة األع ّز اء
المؤّيدين للثورة ،ويقّد روا م نزلتهم ،وأن يكون وا ي دًا واح دة في مقاب ل التّي ار االنته ازّي
التافه الذي ال يك ّف عن ال ثرثرة ،وأن يتحّل وا بالمزي د ِم ن االس تعداد والت أّهب للتض حية
والشهادة في سبيل
هداية الشعب ،سواء أكان المجتمع والشعب ينشدان الحقيقة ِم ثلما هو الحال في عصرنا -
إذ إّن أبناء الشعب أوفياء حّقًا لعلماء الدين أكثر مّم ا نتصّو ر -أو كما كان علي ه الح ال في
زمن المعصومين (عليهم السالم)».1
| 103
ضرورة الحفاظ على األصالة
«أّم ا بالنس بة إلى ال دروس والبح وث داخ ل الح وزات ،ف إّنني أؤمن بالفق ه التقلي دّي
واالجتهاد الجواهرّي ،وأرى عدم جواز التخّلف عنه .إّن االجتهاد في هذا النهج ص حيح،
ولكّن هذا ال يعني أّن الفقه اإلسالمّي يفتقر إلى المرونة ،بل إّن الزمان والمكان عنصران
رئيسّيان في االجته ادَ ،فِم ن الممكن أن تج َد مس ألًة ك ان له ا في الس ابق ُحكم ،وفي ظ ّل
العالقات المتغّيرة ،التي تحكم السياسة واالجتماع واالقتصاد في ِنظام ماَ ،تِج د له ا ُحكم ًا
جديدًا؛ أي إّنه ،وعن طريق المعرفة الدقيقة للعالقات االقتصادّية واالجتماعّية والسياس ّية
المحيطة بالموضوع األّو ل الذي يبدو أّنه ال يختلف عن السابق ،ولكّنه في الحقيقة أص بح
موضوعًا آخر يتطّلب حكمًا جديدًا بالضرورة .لذا ،ينبغي على المجتهد أن يحي ط بقض ايا
عصره .فالن اس والش باب وحّتى العاّم ة ،لن يقبل وا ِم ن المرج ع والمجته د االعت ذار عن
إعطاء رأيه في المسائل السياسّية ...إّن اإلحاطة ِبُسبل مواجهة التزوير والتض ليل للثقاف ة
السائدة في العالم ،وامتالك البصيرة والرؤية االقتص ادّية ،واالّطالع على كيفّي ة التعام ل
مع االقتصاد العالمّي ،ومعرف ة السياس ات والموازن ات وم ا ُي رّو ج ل ه الساس ة ،وإدراك
موق ع القطَبْين الرأس مالّي والماركس ّي ونق اط قّو تهم ا وض عفهما ،إذ إّنهم ا يح ّد دان في
الحقيقة استراتيجّية النظام العالمّي ُ ،يعّد ِم ن خصائص المجته د الج امع وِس ماتهَ ...فال ُب ّد
للمجتهد ِم ن التحّلي بالحنكة والذكاء ِلِفراسة ِه داية المجتم ع اإلس المّي وغ ير اإلس المّي .
ويجب أن يكون مديرًا ومدّبرًا حّقًا ،فضًال عن اّتسامه باإلخالص والتقوى والزه د ،إذ إّن
هذه الصفات ِم ن شأن المجتهد .فالحكومة ،من وجهة
سبق أْن قلُت إّن مؤامرات الن اهبين ال دولّيين جميعه ا ال تي اس تهدفتنا ،ب دءًا من الح رب
المفروضة إلى الحصار االقتصادّي وغير ذلك ،كانت تستهدف إظهار عجز اإلس الم عن
تلبية احتياجات المجتمع ،من أجل اللجوء إليهم في كّل صغيرة وكبيرة .ولكن يجب علين ا
أن ندرك جميعًا أّنه ال بّد لنا -في الحقيقةِ -م ن التحّر ك -إن شاء هللا تعالىِ -لَقط ع ش رايين
تبعّية بالدنا كّلها لهذه الدنيا المتوّحشة.
رّبما ظَّن االستكبار الغربّي أّننا ،إذا ما هّد َدنا بالسوق المشتركة والمحاصرة االقتص ادّية،
َس نبقى ُنراوح مكاننا أو نتراجع عن تنفيذ
1إشارة إلى الفت وى (الحكم) ِبوج وب إع دام س لمان رش دّي وناش ري كتاب ه «اآلي ات الش يطانّية» المن اهض لألخالق
والدين.
ُحكم هللا العظيم ...إّنه أَل مر الفت ومثير! إّن هؤالء الذين يتظ اهرون بالتحّض ر والثقاف ة،
ال يهّم هم أن يقوم أحد الكّتاب العمالء باإلساءة إلى أحاسيس أكثر ِم ن ملي ار إنس ان ُم س لم
ومشاعرهم ،عبر قلمه الذي يقطر سّم ًا ،وُيسِقط ع ددًا ِم ن الش هداء ،ب ل إّنهم يع ّد ون ه ذه
| 105 الفاجع ة عين الديمقراطّي ة والتحُّض ر .ولكن عن دما ُيث ار بحُث تنفي ذ الحكم والعدال ة،
َينوحون بالرأفة واإلنسانّية.
إّننا ندرك ِح قد العالم الغربّي على العالم اإلس المّي والفقاه ة ،وَنَتَبّين ه من ه ذه المواق ف.
فالقضّية ليست قضّية دفاٍع عن شخص ،وإّنما قضّية دفاٍع عن نهج يعادي اإلس الم والقيم
األخالقّيةُ ،ترّو ج له المحافل الص هيونّية والبريطانّي ة واألميركّي ة ،وَتض عه في مواجه ة
العالم اإلسالمّي ِبَأسره ِبكّل حماقة».1
ويمكننا تقسيم الكلمات ال1تي َذ كره1ا اإلم1ام الخمي1نّي (قدس س1ره) في ه1ذا المج1ال إلى
أربعة محاور:
أّو ًالَ ،لفت اإلمام الخمينّي (قدس سره) إلى ضرورة يقظ ة الطبق ة الجامعّي ة واْلِتفاته ا إلى
القضايا التي تهّم المجتمع المحّلّي الذي يتواجدون فيه ،وتركيز البحوث والدراس ات على
المشاكل التي يعانيها المجتمع اإلسالمّي -خاّص ًة -إليجاد الحلول لها ،وخدمة بلدهم ِلجه ة
االكتفاء الذاتّي واالستغناء عن الدول التي كان لها تاريخ استعمارّي.
ثانيًاَ ،يطرح اإلمام الخمينّي (قدس سره) قضّية َفْص ل الح وزة عن الجامع ة ،ويع ّد ها من
اآلفات الكبيرة التي ابُتلَيت به ا ال دول اإلس المّية؛ إذ إّن الح وزة العلمّي ة مؤّسس ة علمّي ة
بامتياز ،مرتبطة بالمصادر اإلسالمّية
األصيلة ،فال ينبغي أن تفصل عن فضاء الجامعة واألكاديمّي ات ،ب ل إّن الَفص ل ه ذا ِم ن
أعمال األعداء.
| 107 ثالثًاُ ،ينّبه اإلمام الخمينّي (قدس سره) إلى ضرورة إدخ ال الُبع د المعن وّي وال روحّي في
الجامع ات على أص عدة مختلف ة؛ منه ا تأكي د حض ور دروس األخالق والقيم ،وع دم
االقتصار على الدروس األكاديمّية الَبحتة ،ومنها رعاية شخصّيات األساتذة المحاض رين
في الجامعات ،والحرص على كونهم مه ِّذ بين ألنفس همِ ،لم ا ِلت أثير األس تاذ على الطاّل ب
ِم ن قّو ة وحضور.
رابعًا ،أطلق اإلمام الخمينّي (قدس سره) ُم صطلح «إصالح الجامع ات» ،ألّن الجامع ة -
كمؤّسسة علمّية -نشَأت في الدول الغربّية ِض من فضاء خاّص به اَ ،فال ينبغي أن نس توِر د
الجامعاتَ ،فُنغرقها بهموم الغرب أو الشرق ،وُنهمل اإلسالم فيها.
خّطة األعداء في الجامعات َح ْر ف الشباب عن ثقافتهم
«أّم ا في الجامعة ،فإّن خّطتهم تقضي ِبَح ْر ف الشّبان عن ثقافتهم وآدابهم وِقَيمهم المحّلّي ة،
| 108 َو َج ِّر هم إلى الش رق أو الغ رب ،واختي ار المس ؤولين الحك ومّيين ِم ن بينهم ِلتحكيمهم
بمصائر البلدان وتنفيذ ما يريدونه كّلهَ .فُهم ينهبون البلدان ويجّرونه ا إلى اَألس ر للغ رب
ِم ن دون أن يكون بمقدور الروحانّيين -علماء الدين -الحيلولة دون ذل ك ،إذ إّنهم س اهموا
في ع زلهم وتنف ير الن اس منهم وإحب اطهم؛ ه ذا ه و الطري ق األفض ل ِلَنهب البل دان
المستعَم رة وإبقائها متخّلفةَ ،فهو يؤّد ي إلى إفراغ كّل شيء في جيوب ال دول الك برى من
دون عناء أو كلفة ،ومن دون إثارة أّية ضّجة في األوساط الوطنّية.
لذاِ ،م ن واجبنا جميعًا ،اآلن ،أن نصّب الجهود على إصالح الجامعات والمعاهد التعليمّية
ونطّهرهاِ ،بمساعدة المسؤولين ،للحيلولة -وإلى األبد -دون انحراف الجامعات ،والس عي
في معالجة أّي انحراف يلّو ح بحركة سريعة .وال بّد ِم ن تحقي ق ه ذا األم ر الحي وّي على
أيدي شّبان الجامعات والمعاهد التعليمّية ابتداًء ،ف إّن نج اة الجامع ة ِم ن االنح راف يع ني
نجاة البلد والشعب.
إّنني أوص ي الفتي ة والش ّبان وآب اَء هم وأّم ه اتهم ومحّبيهم أّو ًال ،ثّم رج ال الدول ة المثّقفين
الحريصين على مصالح البلد ثانيًا ،بأن ُيبادروا جميعًا إلى بذل الجه ود في ه ذا المج ال؛
ما يس تتبع حف ظ البالد ِم ن األذى ،وتس ليم أمان ة حف ظ الجامع ات إلى الجي ل الق ادم .كم ا
أوصي األجيال الالحقة بأن يجهدوا في حفظ الجامعات وصيانتها ِم ن االنحراف أو الميل
إلى الغرب والشرق؛ ففي ذلك نجاتهم ونجاة بالدهم العزيزة واإلسالم -ص انع اإلنس ان.-
ولَيعلم وا أّنهمِ ،بعملهم اإلنس انّي واإلس المّي ه ذا ،يقطع ون أي دي الق وى الك برى عن
بالدهم ،وُيفقدونها األمل نهائّيًا».1
«في زمن الشاه ،وقبل انتصار الثورة اإلسالمّيةَ ،ح ِر ص المسؤولون -آنذاك -على تعيين
| 109 المعّلمين والمدّر سين واألساتذة ورؤساء الجامعات ِم ن بين المنبهرين ب الغرب أو الش رق
والمنحرفين عن اإلس الم وس ائر األدي ان ،وعلى اإلقالل ِم ن ع دد المت دّينين والمؤم نين،
لكي ُيصار إلى زيادة تأثير الشريحة األقوى في العملّية التربوّية؛ إذ إّنهم يقوم ون ِبتربي ة
َم ن ُيحتمل تصّد يهم لألمور ُم ستقبًالِ ،م ن الطفولةِ ،بطريقة تجعلهم يش مئّز ون ِم ن األدي ان
عمومًا ،واإلسالم وعلماء الدين خصوصًا ،مّم ن كانوا يوصفون في ذل ك ال وقت بالعمال ة
لإلنجليز والتحالف مع التجار واإلقطاعّيين والرجعّية المخاِلف ة لل رقّي والتم ُّد ن .ه ذا ِم ن
جهة.
وِم ن جهة أخرى ،زرعوا ،عبر إعالمهم السّيئ ،الخوف في نف وس الروح انّيين وال دعاة
والمتدّينين من الجامعة والجامعّيين ،فاّتَهموهم بالتحّلل وعدم الت دُّين ومعارض ة المظ اهر
والشعائر اإلسالمّية واألديانَ .و كانت النتيجة أن أصبح رجال الدول ة معارض ين لألدي ان
واإلسالم وعلمائه والمتدّينين ،وأصبحت جماهير الشعب الُم حّبة للِد ين وعلمائه معاِرض ة
للدولة والحكومة وما يرتبط بها؛ ما أنتَج اختالفًا عميقًا بين الحكومة والشعب والجامعّيين
والروحانّيين ،وفتح الطريق أمام الناهبين ،إلى َح ّد سيطرتهم على مقّد رات البلد جميعه ا،
وإفراغ ثروات الشعب كّلها في جيوبهم .وقد رأيتم ما حّل بهذا الشعب المظلوم ،وما ك ان
ينتظره ِم ن مصير.
واآلن ،بعد أن تحّطمت األغالل ،وُك ِس ر َطوق س لطة الق وى الك برىَ ،و ُأنِق ذت البالد من
أيديهم وأي دي عمالئهم ،ب إرادة هللا تع الى وجه اد الش عب بفئات ه كّله ا؛ ِم ن َطَلب ة العل وم
الدينّية َو الجامع ات إلى الَك َس بة والعّم ال والفاّل حين ،ف إّني أوص ي ه ذا الجي ل واألجي ال
القادمة باليقظة ،كما أوصي الجامعّيين والشّبان الراشدين األعّز اء بأن يبذلوا غاية وسعهم
ِلَج عل عقد المحّبة واالنسجام مع علماء الِد ين وطلبة العلوم
اإلسالمّية أكثر استحكامًا ،وأاّل يغفلوا عن مخّططات العدّو الغادر ومؤامراته ،وليبادروا،
عند رؤيتهم َم ن يهدفون ِبأقوالهم أو ممارساتهم إلى َبذر بذور النف اق بينهم ،إلى إرش ادهم
وُنصحهم ،فإْن لم يرَعُو وا َفلُيعِر ضوا عنهم ،ولَيفرض وا عليهم العزل ة ِلتطوي ق الم ؤامرة
| 110 وَم نعها من التجُّذ ر؛ فإّنهم ،إْن ُأتيحت لهم الفرصةُ ،سرعان م ا يتمّك ن ون ِم ن العث ور على
نب ع َيس قيهم .وك ذلك األم ر بالنس بة إلى األس اتذة ،ف إْن ُو ج د بينهم َم ن يه دف إلى إيج اد
االنحراف َفلُيرِش دوه ،ف إن لم يس تِج ب َفلينب ذوه ولَيط ردوه حّتى ِم ن قاع ة َدرس ه .وه ذه
الوصفة موّجهة إلى الروحانّيين وطلبة العلوم الدينّية ِبنسبة أكبر .وال بّد ِم ن الق ولُ ،هن ا،
إّن المؤامرات التي ُتح اك في الجامع ات تمت از ِبعمقه ا الخ اّص ؛ ل ذا َو جب على الفئ ات
المحترمة جميعها ،مّم ن يمّثلون عقل المجتمع المفّك ر ،أن تحذر تلك المؤامرات».1
«إّن ِم ن الخيانات التي حدَثت في هذا البلد َفْص ل الحوزة العلمّي ة عن الجامع ة؛ فاألس اتذُة
يخافون العلماَء ،وحوزاتنا تخشى الجامعات .وعندما يدخل العلماء إلى الجامع ة ،وي دخل
أساتذة الجامعة إلى الحوزات ،يدركون -عندئٍذ -أّية جريمة اقترفت بحّق ه ذا البل دَ .فك ان
إذا َذ هب أح دهما إلى حيث اآلخ ر ،رأى نفس ه غريب ًا ،أو في بيئ ٍة س ّيئة؛ والس بب في
إيصال األم ر إلى ه ذا الح ّد ه و أّنهم ك انوا يخش ون أن يك ون هن اك تق ارب بين ه اَتْين
الفئَتْين .وقد َبذلوا جهودًا إعالمّية كب يرة ِم ن أج ل َز رع الخ وف بينهم ا ،ألّنهم َي َر ون في
التقارب بين الحوزة والجامع ة ،والتف اهم بينهم ا ،انعكاس ًا ِلماهّي ة اإلس المَ ،فَع مل وا على
َز رع العداوة بين هاَتْين الجبهَتْين اللَتْين تستطيعان حفظ البلد وإنقاذه ِم ن المشاكلِ ،لَيصلوا
بذلك إلى هدفهم .وقد رأينا كيف إّنهم حّققوا ذلك .إّن تلك الدعايات السّيئة كّلها إّنم ا ك انت
ألّنهم كانوا يخافونَ ،و لكن َلو التقى أساتذُة الجامعة علماَء الحوزات العلمّية وأساتذتها،
«عليكم أن تّتجه وا بالجامع ة نح و هللا واألم ور المعنوّي ة ،وأن ُتدّرس وا فيه ا ال دروس
المختلفةَ ،تقُّر ب ًا إلى هللا .ف إن اس تطعتم الس ير في ه ذا الس بيل ،وأَّد يتم ه ذا العم ل ،ف أنتم
موّفق ون ،س واء أحّققتم ه دفكم أم لم تحّقق وه .أّم ا إذا ك ان العم ل ِم ن أج ل أنفس كمَ ،فِم ن
الممكن أن يك ون عمًال عادّي ًا يع ود ب النفع على غ يركم ال عليكم ،أو أن يك ون -أحيان ًا-
سهمكم منه الض رر وس هم غ يركم من ه المنفع ة ،أو إّنكم ق د تنتفع ون من ه ويتض ّرر ب ه
اآلخرون .رّبما أردتم القيام ِبعمل جّيد َو لم يتحّقق ذلك ،بل حصل م ا ه و خالف إرادتكم.
َفعلينا أن نتذّك ر -دائمًا -هذا األمر ،ونتنّبه إليهِ ،لَنن ال التوفي ق في أمورن ا جميعه ا .أن ا ال
أّد عي أَّن أمثالي ُأناس موّفقون ،كاّل ؛ َفَنحن َ-بنو البشر -غير ك املين ،وعلين ا أن نواص ل
الدراسة ِلُنحّص ل الكمال .ولكّنن ا نعلم أّن ِم ث ل ه ؤالء األش خاص موج ودون بين الن اس،
َفاألنبياء (عليهم السالم) وأولياء هللا ك انوا -على األق ّلَ -يعمل ون ِم ن أج ل هللا؛ ك ّل عم ل
قاموا به ك ان هلل ،ال ِم ن أج ل الحص ول على الس لطة والحكم أو ش يء آخ ر .وإن طلب وا
الحكم َفِم ن أجل إنقاذه
«العاِلم وأس تاذ الجامع ة الل ذان ال يتحّلي ان بته ذيب النفس ال يمنح ان س وى الفس ادَ .فق د
تع َّرض ش عبنا -على م دى الت اريخ -للك وارث ،ألّن الِع لم لم يق ترن بالتربي ة األخالقّي ة
والدينّية والمعنوّية .فإذا ُو ِج د ُر ْك نا الِع لم والتربي ة المعنوّي ة في الجامع ة َتمّخ َض ت عنهم ا
نتائج سليمة وراقية وبّناءة أيض ًا ،وم ا ع انى بل دنا م ا ُيعاني ه اآلنَ .فق د ك انت المش اكل
جميعها ناجمة عن االنحرافات األخالقّي ة وانع دام ته ذيب النفس ،إذ إّن م ا يص يب البالد
كّله من مصائب ،وما ُيبت دع من أفك ار ،إّنم ا يص نع م ا يهل ك الن اس ،كالم دفع والدباب ة
والصاروخ وأمثالها .ذلك كّله ألّنهم ال يملكون التربية الروحّية؛ ال ألّن ه ؤالء مس يحّيون
َ-فالمسيحّي يلتزم بتعاليم السّيد المسيح (عليه السالم) التربوّية -وال ألّنهم يه ودًا -ف اليهود
ترّبوا على تعاليم موسى (عليه السالم) -وال ألّنهم مسلمون -فالمسلمون ترّبوا على تعاليم
اإلسالم الروحّية .-يّد عي كثيرون أّنهم يريدون السالم للعاَلم ،ولع ّل ال دول العظمى أك ثر
اّد عاًء من غيرها ،وكذلك األنبياء (عليهم السالم)َ ،دعوا إلى نشر السالم في الع اَلم ،ولكن
أّيهما كان صادقًا؟ ثّم ة برنامج في إذاعة إسرائيل يّد عي أّن الصهاينة والمجرمين جميعهم
يعمل ون ِم ن أج ل هللا والحقيق ة والس الم ،وأّنهم حم اة للمظل ومين؛ ه ذا اّد ع اؤهم ،وذل ك
عملهم .واألمركان أيضًا يّد عون ذلك ،فيؤّد ون في كنائسهم
«عليكم السعي في إصالح هذه الجامعة ،واعَلموا أّن اإلسالم يس تطيع إص الحهاَ .فعن دما
نراقب أطفالنا من المرحلة االبتدائّية ،وُنرّبيهم منذ الطفولة ،ف إّن مش اكل الجامع ة س وف
ُتحّل .وأنا آمل ِ-بَس عي األس اتذة والمعّلمين -أْن يتخ ّرج في ال دورات الدراس ّية أش خاص
ملتزمون ُيفّك رون في مصلحة بالدهم ،وال ُيبالون برضى الدول األجنبّية أو عدم رضاها.
َفأنتم تعلمون أَّن بعض الذين ترَّبوا في الجامعة -مع أّن بعضهم يقيمون الصالة -يعتق دون
بوجوب إشراف الدول األجنبّية على إيران ،ويقولون إَّن إي ران ال تس تطيع إدارة نفس ها؛
أال يس تطيع اإلي رانّي -ال ذي حاف ظ على نفس ه على ال رغم من الض غوط كّله ا ،وص ّد ر
ثورته ،وأيقظ الشعوب األخرى -إدارة نفسه بنفسه؟ لماذا؟ يجب أْن تعَلموا أّن ه يجب على
الجامعات أْن تتبع مس ير الش عبَ ،فال تس تطيع الجامع ة َف رض م ا ال يري ده علي ه .وأنتم
تالحظون كيف أَّن جماهيرنا المليونّي ة تح ّو لت ،وأدركت وج وب مواجه ة المتغط رس.
يجب أن تكون الجامعة مركزًا ِلُنمّو مثل ه ذا األم ر ،لكّنه ا -م ع األس ف -لم تكن ك ذلك.
وآمل -باألعباء التي تتحّم لونها أنتم والمجلس األعلى للثورة الثقافّية -أْن
ال فائدة ِم ن الِع لم وحده ،بل بالعلم وااللتزام َم عًا يتمّك ن اإلنسان من الوص ول إلى االكتف اء
الذاتّي ،بحيث ال يحتاج إلى اآلخرين ،ويكون عند هللا وجيهًا .وبالطبع ،تستتبع هذا العم َل
مشاكُل ومرارات؛ إذ ال يمكن أن يرضى الجميع عن كُّل َم ن يريد أْن يق ّد م عمًال إيجابّي ًا،
ويتقَّبلون عمله .فِم ن الممكن أْن يكون العمل الحّق ُم ّر ًا في أذواق بعض الن اس ،ولكَّن َم ن
َيْتبع الحّق ،ويعمل لرضى هللا ،ال يبالي بما قيل وما يقال ل ه .يجب أْن ُي راقب رض ى هللا
وُيعمل من أجله ،ولَيُقل أّي كان ما يقولِ .للَع مل الَحَس ن ُم عارض ون ،ولكن اس عوا إلى أْن
يكون َعملكم َح َس نًا ،وُس ْم عتُك م َح َس نة عند هللاَ ،فعندما تكونون كذلك ،فإّن هللا سوف ُيسّد دكم
ويحُّل مشكالتكمَ .فَلو صلَح ت الجامعة َص ُلَح المجتمع والبلد».1
«أّيها السادة ،تعلمون أّن إصالح الجامعات في أّي بلد يع ني إص الح ذل ك البل د ،ألّن َم ن
َيش غل المناص ب التنفيذّي ة أو التش ريعّية أو القض ائّية ُهم الج امعّيون أو رج ال ال دين؛
َفِبإصالح الجامع ة تص لح أم ور البالد ،وبانحرافه ا تنح رفَ .و حّتى َل و ك ان ثّم ة أس تاذ
منحرف واحد ،فإّن أثره قد يكون كبيرًا على مستوى البلد ،ألّنه يمكن أن ُيس ّبب انح راف
َج مٍع ِم ن الشباب ،الذين يقومون -على المدى البعيدِ -بالدور نفسهَ ،فتظهر -فج أًةُ -م ش كلة
كبرى .لذا ،إّن أهّم قضّية في عملّية إصالح الجامع ة والث ورة الثقافّي ة هي قض ّية أس اتذة
الجامع ات والمعّلمين ،وك ذلك الَطَلب ةِ ،م ن المس تويات األولى إلى المس تويات العلي ا،
وصوًال إلى
| 115 إّن الض ربات ال تي تلَّقيناه ا حّتى اآلن ك انت ِم ن الجامع ات ،إذ إّنه ا لم تكن جامع ات
ُم لتزمةَ .فُم ضافًا إلى أّن الجامعة لم تنزع منزعًا دينّيًا ،لم َيكن لديها اّتج اه وط نّي َ ،فس عى
أولئك الذين يريدون نهب بالدنا إلى القضاء على كّل شيء فيها وَج ِّر ها نح و االنح راف.
إّنهم يعملون في كّل مكان ،خاّص ًة في الجامعاتَ ،فإذا ما كانت الجامعة في خدمة الغرب،
فإّن البالد س تكون ك ذلك .ل ذاِ ،م ن أهّم األم ور أن تنظ ر الجامع ات في ش ؤون األس اتذة
والمعّلمين والَطلبةِ ،لَم عرفة أمورهم قبَل الثورة وبعَدها ،وم ا ُهم علي ه اآلن .يجب العم ل
على أساس َفتِح الجامعات بأيدي أش خاص مل تزمينَ ،فال ب ّد ِم ن َفتح الجامع ات ،ولكن ال
يتصّو ر أحد أّن هذا َو حده َس ُيزيل العقب ات جميعه ا؛ إّن الجامع ة الجّي دة هي ال تي تزي ل
العقبات .كما إّن انعدام الجامعة السّيئة َخ ير ِم ن وجودها ،ألّن ع دم وج ود الجامع ة يع ني
جه ل الن اس ،ولكّن وج ود الجامع ة الفاس دة يع ني تربي ة المعان دين والمخ الفين للش عب
واإلسالم».1
ِم ن هذا المنطلق ،سعى اإلمام الخمينّي (قدس سره) ،بعد انتصار الثورة اإلسالمّية ،إلى
َج عل ش11ريحة المعّلمين ِم ن أولوّيات11هَ ،ف ذكر ،في الكث11ير من بيانات11ه وخطابات11ه ،الرؤي11ة
التي يجدها كفيلة بحفظ المؤّس سات التعليمّية وَج ْع لها سبيل تكامٍل للفرد والمجتمع .وفي
ما يأتي العناوين التي رّتبها اإلمام (قدس سره) ِلُر ؤيته:
.3التفريق بين التعليم الذي يريده هللا تعالى ونمط التعليم الماّد ّي
«إّن مقام المعّلم مق ام رفي عَ ،فال مق اَم أس مى ِم ن مق اٍم عّظم ه هللا تب ارك وتع الى ولكّن ه
| 117 يتحّم ل مسؤولّية جسيمة وعظيمة؛ فكّلما كان المقام أسمى كانت المسؤولّية أكبر.
إّن مس ؤولّية تربي ة الش باب مس ؤولّية عظيم ة ،وعلى أبن اء الش عب أن يكون وا معِّلمين
ألبنائهم ،بل يجب على أتب اع اإلس الم جميعهم أن يكون وا معِّلمين ،وأن يكون وا ُم تعِّلمين.
النس اء أيض ًا يجب أن َيُك ّن ُم عّلم اتَ ،فَيعملَن على تربي ة أبن ائهّن في أحض انهّن ِ ،م ث ل
األس اتذة والمعِّلمين .واآلب اء يجب أن يكون وا ُم عّلمين ألبن ائهمُ .أَس ركم يجب أن تك ون
مدارس لتعليم أحكام اإلسالم وتهذيب أخالق الصغار؛ عليكم أن ُتق ّد موا ص غارًا ُم ه َّذ بين
إلى المعِّلمين ،وعلى المعِّلمين أن يهّذ بوهم أكثر فأكثر».1
«إّن المعِّلمين هم المرّبون لّلذين سُيمِس كون بمقّد رات البلد؛ أي إّن مفتاح س عادة البل د ِبَي د
المعِّلم وِبَيد الجامعّي .فالمعِّلم ُيرّبي الشباب ،والشباب ُيديرون البلد .لذا ،فإّن وجود أّي بلد
في العالم ،أو أّية دولةُ ،م رتبط بالجامعّي والمعِّلم .إّن مفتاح السعادة ِبَيد المعِّلمَ ،فِبمقدار ما
يكون عظيمًا ،تكون مسؤولّيته عظيمة ،وبمقدار ما يكون العاِلم عظيمًا ،تك ون مس ؤولّيته
كبيرةَ ،و ال فرق في هذا بين أن يكون عاِلمًا في الجامعات أو الحوزات.
كّلما زادت َع َظمة اإلنسان زادت مسؤولّيته بالمق دار نفس ه ،وإذ إّن َع َظم ة المعِّلم كب يرة،
فمسؤولّيته كبيرة أيضًا؛ َع َظمته كبيرة ألّن ه ي رّبي الش باب ،فالطاق ة الش بابّية تتّم تربيته ا
على يد المعِّلم .ومسؤولّيته كبيرة ألّنه إذا ما رّبى الشباب والطاقة الشبابّية تربيًة ص الحة،
فإّن مستقبل البلد سيكون جّيدًاَ ،و سَتعُّم ه السعادة .أّم ا إذا كان ثّم ة انحراف
«إّن المعِّلمين َيِقفون في صٍّف واحد مع معّلمي العلوم القديمة؛ أي إّن عمل علماء اإلسالم
َ-و ُهم ُم عّلمو العلوم اإلس المّية -ه و عم ل المعّلمين نفس ه .وه ذا العم ل أش رف األعم ال
وأعظمها مسؤولّية ،ألّنه تربيٌة لإلنسان ،وهو العمل ال ذي ج اء من أجل ه األنبي اء (عليهم
السالم) جميعهم .إّن القرآن كتاب تربية اإلنسان ،وقد َنزل ِم ن أجل إعداده؛ لذا فإّن العمل
الذي يقوم به المعّلمون -سواء أكانوا ُم عّلمي العلوم القديمة
«إّن التعليم أهّم ما ُك ّلف ب ه األنبي اء (عليهم الس الم) ال ذين أرس لهم هللا ،ف وظيفتهم تربي ة
اإلنس انَ .ف األقرب إلى مق ام اإلنس انّية هم األق رب إلى األنبي اء (عليهم الس الم)ِ .ع ن دما
تساَء ل المالئكة عن سبب َخ ْلق اإلنسان ،م ع أّن ه س يكون ُم فس دًا في األرض ،أج ابهم هللا
تع الى :إّني أعلم م ا ال تعلم ون .ثّم َع ّلم هللا آدم (علي ه الس الم) األس ماء كّله ا ،وعن دما
ُع رَض ت على المالئكة َعرفوا أّنهم ال يستطيعون إدراك الحق ائق كم ا ُي دركها آدم (علي ه
السالم)َ .فِم ن البداية ،جاء آدم (علي ه الس الم) ب التعليم اإللهّي َ ،و ك ان معِّلم ًا للبش ر ،كم ا
األنبياء (عليهم السالم) كّلهمَ .و التعليم َعمل عاّم يشمل األنبي اء (عليهم الس الم) واألولي اء
والفالسفة واألئّم ة (عليهم الس الم) والعلم اء واألس اتذة والمعِّلمين ،ونحن ِم نهم -إن ش اء
هللاَ .-فهذا العمل عظيم للغاية؛ إّنه عمل بن اء اإلنس ان وإع داده ،عم ل ال ت رقى إلي ه بقّي ة
األعمال ألّنه ا مرتبط ة بج وانب أخ رى ،إذ ال يوج د في الع الم موج ود َيص ل إلى مق ام
اإلنسان ،وال عمل يوازي عمل بناء اإلنسان .إذًا ،هو عمل عظيم جّد ًا ،وشريف للغاية».2
«يجب على المعِّلمين أن يلتفتوا ،أّو ًال ،إلى أّن عملهم ه و عم ل األنبي اء (عليهم الس الم)،
وإلى أّن مس ؤولّيتهم هي مس ؤولّية األنبي اء (عليهم الس الم) ،ثاني ًا .إّن األنبي اء (عليهم
السالم) كانوا مسؤولين ،وكانوا يقومون بمسؤولّياتهم بشكٍل
«أّم ا عن َدور المعِّلمَ ،فهو كدور األنبياء (عليهم السالم) ،إذ إّنهم معّلمو البش رية جمع اء،
وَدورهم حّساس ومهّم ،ألّن مس ؤولّية جس يمة تق ع على ع اتقهم ،هي مس ؤولّية التربي ة،
َو اإلخراج ِم ن الظلمات إلى النور؛ ﴿ٱلَّل ُه َو ِلُّي ٱَّل ِذ يَن َءاَم ُن وْا ُيۡخ ِر ُج ُه م ِّمَن ٱلُّظُلَٰم ِت ِإَلى ٱلُّنوِۖر ﴾.4
فاألنبياء (عليهم السالم) يخرجون الناس ِم ن الظلم ات إلى الن ور ،وَي دعونهم إلى الكم ال
والمحّبة .إّنهم يمّثلون ال دين اإللهّي في األرضَ ،و عملهم تربي ة البش رّية وتعليمه ا كيفّي ة
الترّفع عن المراتب الحيوانّية ،لترتقي إلى المراتب
«تقَع على عاتق هاَتْين الش ريحَتْين -الط الب والمعّلم -وظ ائف وواجب ات يمليه ا عليهم ا
اإلسالمِ ،لما تتطّلبه اإلنسانّية من الرقّي والتقّد م والتدّرج في درج ات الِع لم ،للوص ول إلى
اإلنسانّية الكاملة.
لق د تحّم ل األنبي اء (عليهم الس الم) وأولي اء هللا ،من ذ ب دء الخليق ة حّتى اآلن ،الكث ير ِم ن
المصاعب في سبيل االرتقاء بمكانة اإلنسان والوصول ب ه إلى مس توى اإلنس ان الكام ل
بالمعنى الحقيقّي َ .فَلو بحثنا في الكتب
بن اء على م ا ذكرن ا ،فإّنن ا ال يمكن أن نحص ر كلم ة «معّلم» ب المعّلمين في الجامع ات
والمدارس ،وك ذلك كلم ة «ط الب» ،ألّن الع الم بأجمع ه جامع ة كب يرة .ولكن يمكنن ا أن
ُنصّنف األفراد إلى فئَتْينُ :م عّلمين وُم تعّلمين؛ األولى تهدي المجتم ع وتعم ل على تربيت ه
وتعليمه ،والثانية تنطلق نحو مناهل الِع لم والتربية».1
«ولكن ثّم ة مس ؤولّية كب يرة تق ع على ع اتق المعّلمينَ ،فكّلم ا ك ان العم ل عظيم ًا ك انت
المسؤولّية عظيمة .إّنهم مسؤولون عن المقّد رات والحوادث جميعها التي َت ِر د على البل د،
وعن الناس جميعهم الذين
«تنطلق سعادة الشعب ِم ن الجامعات والم دارس ،فالجامع ات والم دارس هي ال تي ت دير
مقّد رات البلد كّلها .إّن سعادة أّي ة ُأّم ة ِبَي د علمائه ا؛ ف إذا ك ان علماؤه ا ص الحين وغ ير
منحرفين عن الصراط المستقيمَ ،فَس تسير على الصراط المستقيم ،وتك ون س عيدة .أّم ا إذا
ظهَر ت االنحرافات -ال سمح هللا -في الجامعات والكّلّي ات والم دارس الدينّي ة والم دارس
العصرّيةَ ،فحينئٍذ َ ،يبدأ انحرافها.
إّن الشعوب تتطّلع إلى العلماء ،فإذا َفسد العاِلم َفَس د الع اَلم ،ألّن الع اَلم يتطّل ع إلى الع اِلم.
وأنظار عاّم ة الناس مّتجهة نحو مفّك ري البلد وعلمائه؛ ف إذا ك انوا -ال س مح هللا -فاس دين
َفَس د البلد ِبَأسره ،وإذا كانوا صالحين َص ُلح البلد كّله .لذا ،فإّن شأنكم -أنتم الجامعّيين الذين
تتطّلعون إلى أن ُتصبحوا علماء إن شاء هللا ،و َس ُتص بحون ك ذلك إن ش اء هللا -كب يٌر ِم ن
ِج هة ،ولكّنكم تتحّم لون مسؤولّية ِم ن جهة أخ رىَ .ف اْلَتِفتوا إلى ه ذه المس وؤلّية وإلى ه ذا
العبء الذي يقع على عاتقكم ،والذي تتحّم لونهِ ،ش ئتم أم َأَبيتمَ ،فاهلل تبارك وتعالى ي دعوكم
إلى تربية المجتمع ،وهذه خدمة عظيمة -إذا ما ُقمُتم بها بشكٍل جّيد-
لقد أقسَم أمير المؤم نين (علي ه الس الم) -بحس ب رواي ة واردة في نهج البالغ ة -أّن ه َل و
ُأعطَي أقاليم الدنيا جميعها على أن يظلم نملة يسلبها قوَته ا م ا َفع ل .لن يس تطيع أح د أن
ُيص بح مثل ه -طبع ًا -ولكّن مق ّد رات البل د ِبأي ديكم .إّن ال ذين ه اجموا التعليم والم دارس
القديم ة والجامع اتِ ،س ّر ًا وعالنَي ة ،ك انوا َيه دفون ِم ن وراء ذل ك إلى أاّل يخ رج ِم ن
الجامعة إنسان ،وأاّل يخرج ِم ن المدارس القديمة إنسان؛ ل ذا َفَق د وقف وا بق ّو ة أم ام التعليم
والثقافة عندنا ،حّتى ال نخطو إلى األم امَ .ف إذا نش أ ال ذين َس ُيمس كون بمق درات البل د في
المس تقبل -أثن اء التعليم -أناس ًا مل تزمين ص الحين َيش عرون بالمس ؤولّية ،ف إّنهم س وف
ُيعيقون تنفيذ مخّططاتهم .بينما إذا لم َيشعروا بالمسؤولّية ولم ُيبالوا بشيء ولم
«المهّم في الجامعات والمعاهد هو تربية المعّلم تربية جامعّي ة مش فوعة ب التعليم والتعُّلم،
ِلتكون إنسانّيةَ .فما أكثر َم ن بلغوا المراتب العلي ا في الِع لم ،لكن ِم ن غ ير تربي ة إنس انّية!
وَض رر هؤالء على البالد والشعب واإلسالم أكثر ِم ن ضرر اآلخ رينَ .فَم ن ك ان ل ه ِع لم
غير مقترن ِبتهذيب األخالق والتربية الروحّي ة َيك ون َض رر ِع لم ه على الش عب والبالد
أكثر ِم ن ضرر أولئك الذين ال ِع لم لهم ،إذ إّن ه يجع ل الِع لم َس يفًا في َي ِد ه ،يمكن أن يجتّث
به ُجذور البالدَ ،فال ُيبقي ِم نها».2
«على ُم عّلمي المدارس -أينما كانوا -االعتناء بهؤالء األطفال ،ألّنهم أمل مس تقبل بالدن ا؛
| 126 َفِم ن أطفال اليوم ُيصنع إنسان الَغد وعاَلمهَ .و ِم ن حيث إّنهم س ُيديرون ِبالدن ا ُم س تقَبًال ،ال
بّد ِم ن أن يحفظوا اس تقاللها وحّرّيته ا ِم ن َبع دناَ .فعلى المعّلمين أن يعرف وا قيم ة ه ؤالء
األطفال الناشئين ،وأاّل َيَدعوهم يتلّو ثون بما تلّو ثنا به نحن الكبار.
إّن التربية يجب أن تكون دينّية ،واإلسالم يضمن االستقالل والحّرّيات كّلهاَ .فإذا ما رّبيتم
أطفالن ا الص غار تربي ة إس المّيةَ ،فس وف تض منون اس تقاللكم وح ّرّيتكمَ .ق ِّدروهم ح َّق
َقدرهم .أنا ُأحّب هؤالء األطفال كما تحّبون أعّز اَء كم ،وأشكرهم على ع واطفهم الطفولّي ة
البريئةُ .هم جميعًا أعّز ائي وُقّرة َعينيَ ،و ُهم محّط آمالي في المستقبل».1
«يجب عليكم أن تنتبه وا جّي دًا إلى أّنكم لس ُتم أشخاص ًا ع ادّيينَ .فَل و ارتكب ش خٌص م ا
مخالفًة في إدارة أو وزارة ،فإّن ه ذه المخالف ة تختل ف كث يرًا عن المخالف ة ال تي تق ع في
األماكن التي يجب أن تتّم فيها التربية والتعليم ،كوزارة التربية والتعليم؛ الفرق كبير جّد ًا.
إّن المخالفة التي تحصل في وزارة ما ال ت ؤّد ي إلى اض طراب المجتم ع ،إاّل في ح االت
نادرة ،ولكن َلو صدَر ت في دائرة التربية والتعليم ِم ن طفٍل فاسٍد تّم ت تربيت ه على أخالق
شيطانّية واستكبارّيةَ ،فِم ن الممكن أن يفسد بلدًا ِبكامله ،أو أن يفسد الكثير ِم ن الناس .وفي
هذه الحاالت جميعها ،أنتم -العاملون في هذا الحقل التربوّي العظيم -شركاء؛ ش ركاء في
المحاسن واألعمال الحمي دة وفي األعم ال الس ّيئة ،في الجريم ة -أحيان ًا -وفي النورانّي ة
ال تي تس اهمون في َخلقه ا -أحيان ًا أخ رى .-يجب عليكم أن تنتبه وا إلى أّنكم لس تم أناس ًا
ع ادّيين؛ أنتم ُتعّلم ون جيًال س وف يتس ّلم مقالي د البالد وش ؤونها كّله ا في المس تقبل .أنتم
أمناء على هذا
إذًا ،ثّم ة طريق ان ال أك ثر؛ إّم ا عبودّي ة هللا ،وإّم ا عبودّي ة النفس األّم ارة .ه ذان هم ا
الطريقانَ .فأن يتحّر ر اإلنسان ِم ن عبادة اآلخرين ،ويقبل عبودّية هللا الذي يليق بأن يكون
اإلنساُن عبَده ،يعني أّن األعمال ال تي يق وم به ا ليس فيه ا انح راف؛ أي إّن ه لن ينح رف
متعَّم دًاَ .و ه ذه االنحراف ات جميعه ا ،س واء أك انت في العقائ د أو في األعم ال واألقالم
واألحاديث المنحرفة ،تتّم ألّنها لم تمّر من قناة العبودّية هلل ،وألّنهم عبيد األهواء النفسّية.
هؤالء الصغار في المرحلة االبتدائّي ةِ ،م ن ح ّق ك ٍّل منهم أن يك ون إنس انًاِ ،بتم ام مع نى
الكلمة .إاّل أّن ِلكٍّل منهم اس تعدادًا ألن يك ون ش يطانًا أو حيوان ًا .فالتربي ة هي ال تي ت دفع
الطف ل نح و طري ق اإلنس انّية أو طري ق الحيوانّي ة؛ َف إذا زّين المعّلم ل ه مقام ات ال دنيا
ومناصبها ،وأكثَر ِم ن الحديث عن هذه األمور ،ومأل قلبه بها ،فإّنه ينشأ على هذا الشيء،
وَيشّب عليه .فالطفل ،ذو القلب الصافي النورانّي ،يقبل ما تعّلم ه في ه ذه المرحل ةَ ،و م ا
وقع في قلبهَ .و حين ينتقل إلى مرحلة أخرى ،كأْن يطلب شهادًة أو عمل ،فإّم ا أن يتح ّو ل
إلى موّظف ِبُطرق شرعّية أو إلى ناهب.
إذا مألتم أذهان األطفال بالحديث عن العمل والمنصبِ ،م ن قبيل :كيف سيكون منص بك؟
وهل سَتملك ماًال أو مزرعة؟ فإّن اهتمام األطف ال كّلهم يص بح ه ذه األش ياء ،ال غيره ا.
ولو أّنكم لّقنتموهم أّنه يجب أن نعيش في هذا البلد ِبشرف إنسانّي ،فإّن هذا المعنى يرس خ
في أذهانهم -إن ُهم عملوا هلل -كما رسخ في ذهن اللّص وناهب أموال
الناس والمنحرف الذي َيقبض الراتب ،ولكن مع فارِق أّن أح دهما امتل ك بيت ًا -مثًال -عن
طريق الخيانة ،واآلخر عن طريق عبادة هللا؛ أحدهما لم يك ترث ب البيت َفامتلك ه كحاج ة
طبيعّية له ،واآلخر لم يهتّم بشيء سوى الحصول عليهَ .فإذا لم يهَتِد اإلنس ان إلى الطري ق
| 129 المستقيم الذي خّطه هللا تبارك وتعالى له ،ولم يسلكه ،فإّن الطرق الباقية جميعه ا منحرف ة
وُم عَو ّجةَ .فإن َو صل المنحرفون والمعوّج ون في بل د م ا إلى مقّد رات ه ،فإّن ه َس يؤول إلى
االنحطاط واالنحراف ،بينما إذا َو صل األفاض ل والعلم اء ،ذوو الفض ائل اإلنس انّية ،إلى
الس لطة ،ف إّن فض ائل ذل ك البل د س تزداد ،ألّن الن اس -وبحس ب المنزل ة ال تي ُهم فيه ا-
يهتّم ون ِلكالمهم الم ؤّثر في أفك ار العاّم ة منهم؛ أي إّن ه ِم ن الممكن أن ت ؤّد ي كلم ة ِم ن
شخص ذي مكانة ونفوذ في المجتمع إلى توجيه المجتم ع نح و الفس اد أو الص الح .وأنتم
أّيها السادة ،تريدون أن ُتقّد موا للمجتم ع ِم ث ل األف راد الص الحين .ال تتوّهم وا أّنهم أف راد
عادّيون ،فِم ن المحتمل أن يصبح هذا الفرد العادّي رئيسًا ِلبلد ،أو صاحب منص ب ،وُهن ا
ُنعِم ل الم يزان؛ َف إن ك ان ق د انح رف عن دكم أثن اء التعّلمِ ،م ن الممكن أن ُيفس د ف ردًا
ومجتمعًا .النبّي (صلى هللا عليه وآله) ،مثًال ،كان فردًاَ ،ع َبر ِم ن مق ام العبودّي ة إلى مق ام
الرسالة ،ولكّن ك ّل ش يء في ه ك ان إنس انّيًاَ ،فأص َلح المجتمع ات الك برىُ ،م ن ذ ُبعَث إلى
فترات الحقة؛ كان شخصًا واحدًا ،ولكّن فردًا ُيصِلح مجتمعاتَ .و َلو أّن الدنيا كانت خالية
ِم ن األنبي اء (عليهم الس الم) -أي َل و ك ان ثّم ة بش ر ِم ن غ ير أنبي اءَ -لُكّن ا س معنا الي وم
حكايات في الدنيا ،ورأينا فضائح ال يتمّك ن اإلنسان ِم ن أن ي رى نظيره ا .أّم ا اآلن ،وق د
ق ام األنبي اء (عليهم الس الم) بتحُّم ل العن اء ،وش ّر فوا البش رّية بتعليمهم وت ربيتهم -على
الرغم ِم ن أّن المنحرفين كانوا كثيرين أيضًا ،وقاموا بالوقوف في وجههم ،وَدع وا الن اس
إلى االنحرافات -فإّن ما في الدنيا كّله ِم ن َبَر كات هو ِم ن األنبياء (عليهم السالم) .أنتم ،لو
الحظتم الملّفات والقضايا الموج ودة الي وم في المح اكم في أنح اء ال دنيا كّله اَ ،فلن ت روا
قضايا لألشخاص الذين يعتقدون باألنبياء (عليهم الس الم) ،وال ذين ترّب وا تحت عن ايتهم،
فالقضايا الجنائّية
التي تخّص هم قليلة أو غير موج ودة أص ًال .قض ايا الجناي ات جميعه ا ،والملّف ات المالّي ة
والجنائّي ة واإلجرامّي ة كّله ا ،تص در عن أش خاص بعي دين عن تربي ة األنبي اء (عليهم
السالم) ،حّتى لو كانوا يصّلونَ ،فصلواتهم لم تمّر عبر قن اة العبودّي ةَ ،و حّتى َل و فرض نا
| 130 أّن األعمال التي يقومون بها ص الحة ،لكّنه ا لم تكن ِم ن طري ق العبودّي ة المس تقيم؛ وَم ن
يقوم بمثل هذه األعمال ،فإّن هّم ه كّله والتفاته سيكون إلى نفسه.
األطفال َيقبلون ما ُيوَّجه إليهم بس رعةَ ،فَل و اس تطعُتم أن ُترّب وا ه ؤالء األطف ال على أن
َيطلبوا هللا ِم ن البداية ،ويوّجهوا اهتمامهم كّله نحوه ،وَل و تمّك نتم ِم ن تلقينهم عبودّي ة هللا -
الذي له كّل شيء -والِص لة معهَ ،و ألَقيتم إليهم التربي ة اإللهّي ةَ ،لَقِبل وا ذل كَ ،و تكون ون ق د
قَّد مُتم إلى المجتمع ِخ دمة؛ أي يكون ِلَتعبكم قيمة .فيما َلو قَّد م أحٌد -ال قّد ر هللاِ -خ الف ذل ك
لهذه األمانة ،فإّنه يكون قد ارتكب خيان ًة مختلف ة عن الخيان ات جميعه ا؛ خيان ة اإلنس ان
وخيانة اإلسالم وخيانة عبودّية هللا.
يجب عليكم االنتب اه جّي دًاَ .لق د اخ ترتم عمًال س اميًا ج ّد ًا ،ولكن يجب أن تنتبه وا إلى
مسؤولّيته .رّبوا ،فالمهّم هو التربية ،ال فائدة ِم ن الِع لم وح ده .الِع لم وح ده ُمِض ّر؛ َفعن دما
ُيالقي المطُر -وهو رحمة إلهّية -الوروَد ينتش ر عبقه ا وأريجه ا ،وعن دما ُيالقي األش ياء
القذرة فإّن رائحتها القذرة تتصاعدَ .و َلو دخَل الِع لم قلبًا ُرِّبَي فإّن ِع ط ره يمأل الع الم ،ول و
دخل قلبًا لم يتَر َّب ف إّن فس اده يمأل الع الم؛ إذا فس د الع اِلم فس د الع اَلم ،وإذا ك ان ص الحًا
َص لَح .لذاَ ،فإّن الصالح شعاع ِم ن النور يوصل الن اس إلى الس الم واإلص الح والُحس ن.
وأنتم تتصّد ون ِلِم ثل هذا العمل ،من أجل إيصال هذا الع الم إلى الن ور ِم ن بع د الظلم ات.
حاِو لوا إظهار نورانّي ة األطف ال الن ورانّيين لتتفّتح م واهبهم .أنتم تتص ّد ون أِل م ٍر جلي ل؛
قوموا بتربيتهم تربية إسالمّية صحيحة ،حّتى َينال بلدكم -إن شاء هللا -سعادته».1
«إّن الطريق الوحيدة إلى التربية والتعليم هي التي َبَّينها هللا سبحانه وتعالى وهي التهذيب
| 131 المقتِر ن بالتربية اإللهّية التي رّبى األنبياء ُ (عليهم السالم) الناَس عليهاَ ،فقد جاؤوا ب الِع لم
ِلَيسير بالبشرّية نح و س عادتهاَ ،و يوِص لها إلى كماله ا المطل وب؛ ﴿ٱلَّل ُه َو ِلُّي ٱَّل ِذ يَن َءاَم ُن وْا
ُيۡخ ِر ُج ُه م ِّمَن ٱلُّظُلَٰم ِت ِإَلى ٱلُّن وِۖر َو ٱَّل ِذ يَن َكَف ُر ٓو ْا َأۡو ِلَي ٓاُؤ ُه ُم ٱلَّٰطُغ وُت ُيۡخ ِر ُج وَنُه م ِّمَن ٱلُّن وِر ِإَلى
ٱلُّظُلَٰم ِۗت ﴾ .1إّن اآلية ُتوّض ح ميزان الم ؤمن ومالك اإليم انَ ،فتفص ل ُم ّد عي اإليم ان عن
المؤمنين؛ َو ما أكثر ُم ّد عي اإليمان في ِقب ال المؤم نين الحقيقّيين! إذ ثّم ة مؤمن ون تَر ّب وا
على أيدي األنبياء (عليهم السالم)َ ،فَخرجوا ِم ن الظلمات والمش اكل والنق ائص جميعه ا،
وتجاوزوا الموانع كّلها التي تقف في طريق اإلنسانَ ،و دخلوا النور والكمال المطلق ،عن
طري ق تربي ة األنبي اء (عليهم الس الم) اإللهّي ة لهمَ ،فق د رّب اهم هللا وهّي أهم له ذا األم ر.
الميزان ،إذًا ،هو هذا؛ َفالمؤمن َم ن َخ رج ِم ن الظلم ات ،بواس طة تع اليم األنبي اء (عليهم
السالم)َ ،و َو صل إلى الن ور المطل ق .وفي الجه ة المقابل ة ،الُك ّف ار؛ أي «ال ذين كف روا».
َفَليس ُهللا َو لّيهم ،بل الطاغوت الذي يخرجهم ِم ن النور وُيدخلهم في الظلمات.
إذًا ،مالك المؤمن وغير المؤمن -بحسب اآلية الشريفة -هو هذا؛ َف المؤمن الحقيقّي ال ذي
آمن باألنبياء (عليهم السالم) وترّبى على أيديهمَ ،س يخرج من الظلمات والنقائص جميعها
وَيصل إلى النور ،فيكون هللا سبحانه معّلم ه وولّي ه ،إلى ج انب األنبي اء (عليهم الس الم)؛
َفقد َخّص ُهللا األنبياَء (عليهم السالم) ِبعنايته وتربيته ،وأرسلهم ِلتربية البشر جميعهمَ .ففي
ح ال تعّلمن ا على أي ديهم ،واس تفدنا من العل وم ال تي حملوه ا إلين ا ،ونهلن ا ِم ن تع اليمهم
وإرشاداتهمُ ،كّنا على الصراط المستقيم وفي طريق النورُ ،م هتدين باهلل س بحانه وتع الى؛
النور المطلق».2
«ُتعّد مسألة التربية أعظم وأكثر أهّم ّية ِم ن مسألة التعليم؛ لذا فإّن اآلي ة الش ريفة ذك رت -
| 132 أّو ًال -تالوة آي ات الق رآن الك ريم ﴿َيۡت ُل وْا َعَلۡي ِه ۡم َءاَٰيِتِهۦ﴾ ِلتب يين تعليم ات طري ق التربي ة
والتعليم ،ثّم مسألة التزكية ﴿َو ُيَز ِّك يِه ۡم ﴾ قبل مسألة التعليم؛ م ا ي دّل على أّن مس ألة تزكي ة
النفس أكثر أهّم ّية ِم ن مسألة تعليم الكتاب والحكمة ،وأّنها ُم قّد مة وق وع الكت اب والحكم ة
في َنفس اإلنسانَ .فَلو قام اإلنسان بتزكية نفسه وترِبيتها ،بحسب توصيات األنبياء (عليهم
الس الم) ال تي ج اؤوا به ا إلى البش ر كاّف ة ،ف إّن الكت اب والحكم ة سَيرتس مان في نفس ه
بمعانيهما الحقيقّية؛ ما يوصله إلى الكمال المطلوب .لذا ،يقول تعالى في آية أخرىَ﴿ :م َث ُل
ٱَّلِذ يَن ُح ِّم ُل وْا ٱلَّتۡو َر ٰى َة ُثَّم َلۡم َيۡح ِم ُلوَه ا َك َم َث ِل ٱۡل ِح َم اِر َيۡح ِم ُل َأۡس َف اَۢر ۚا ﴾1؛ َفال فائدة من الِع لم َو حده،
ما لم يرتبط بالتربية والتزكيةَ .فكما أّن الحمار ال يستفيد ِم ن الكتب التي في خرجه ،سواء
أكانت كتب التوحيد أو الفقه أو كتبًا علمّية ،كذلك الذين َيخِز نون أنواع العل وم والمع ارف
في باطنهم من دون أن يقوموا بتربي ة نفوس هم وتزكيته ا ،فال فائ دة من عل ومهم ،ب ل ق د
تكون في بعض األحيان ُم ضّرةَ .ففي كثير ِم ن األحيان ،ال يق وم الع اِلم ال ذي يع رف ك ّل
شيء ِبتزكية نفسه وتصِفيتها بواسطة التربية اإللهّيةَ ،فيكون ِع لمه وسيلة دم ار للبش رّية.
والعلم اء ال ذين يجلب ون ال دمار للبش رّية أس وأ ِم ن الن اس الع ادّيين ،ألّن َض ررهم
أكبر؛ ﴿َك َم َثِل ٱۡل ِح َم اِر ﴾ بل أسوأ ،ألّن ِع لمهم يؤّد ي إلى تدمير اآلخرينَ .فعلى الع املين في
مجال إعداد المعّلمين -وكّل َم ن يعم ل في ه ذا المج ال -أن يعلم وا -أّو ًال -أّن ه ذا العم َل
إلهٌّي ،إذ إّن هللا سبحانه وتع الى ه و ُم رّبي المعّلمين؛ أي األنبي اء (عليهم الس الم) .ف إذًا،
العمل عمٌل إلهّي أّو ًال ،والتربية والتزكية متقّد متان على التعليم ثانيًا.
إّن أكبر عدّو لنا هو نفسنا التي بين جنَبْينا؛ أي إّن نفس اإلنسان هي العدّو األكبر ل هَ .ف إذا
لم يعمل على تربيتها وتزكيتها فإّنها َس َتسوقه
إذًاَ ،على الع املين في مج ال التربي ة وإع داد المعِّلمين أن يجعل وا التربي ة على رأس
أولوّياتهم ،ومقّد مة لك ّل ش يءَ .فنف وس الش باب مس تعّد ة لتقُّب ل أّي ش يء ،إذ إّنه ا كم رآة
مصقولة لم تنفص ل عن فطرته ا ،يمكن أن ُيرَس م عليه ا ك ّل ش يء .ف إْن َدع ا المعّلُم إلى
النور والصالح واإلسالم واألخالق الحميدة والقيم اإلس المّية واإلنس انّية ،ف إّن ِفعل ه ه ذا
يماثل ِفعل األنبي اء (عليهم الس الم) ال ذين يخرج ون الن اس ِم ن الظلم ات إلى الن ورِ ،م ن
حيث إّنه ُيخرج الشباب ِم ن الظلمات إلى النور .وإْن خالف المعّلمون -ال قّد ر هللا -طري ق
الحّق والصراط المس تقيم ،ولم يقوم وا بتربي ة أنفس هم وتزكيته ا ،ف إّن آراءهم وأفك ارهم
المنحرفة سترتسم على مرايا نفوس شبابنا ،وتحِر فهم عن الطريق المستقيم ،إّم ا ش رقًا أو
غربًا».2
1اإلمام الصادق ،جعفر بن محّم د (عليهما السالم) (منسوب) ،مصباح الش ريعة ،مؤّسس ة األعلمّي ،لبن ان -ب يروت،
1400هـ ،ط ،1ص.16
2اإلمام الخمينّي ،صحيفة اإلمام ،مصدر سابق ،ج ،13ص.396 - 393
المعّلمين ال بّد ِم ن أن يكونوا متخّصصينِ ،بغّض النظر عن مش اربهم الفكرّي ة والعقدّي ة؛
أي إّن ارتباطهم بالغرب أو بالشرق سّيان .وهذا يجعل أبناءنا -بنفوس هم الص افية النقّي ة-
عرضة لتقُّبل األفكار المنحرفة؛ فإذا كان المعِّلم ش رقَّي الفك ر ،طَّب ع أبناءن ا بم ا يحمل ه،
| 135 وإذا كان فكره غربّيًا فإّنه سيؤّثر في نفوسهم .ال يص لح التخّص ص والتمُّك ن الِع لمَّيْين أِل ْن
يكونا معيارًا للمعّلم الجّيد ،بل ال بّد ل ه ِم ن التربي ة والتزكي ة .ف إذا م ا اق ترن التخُّص ص
بالتربية والتزكية -التي عَّلمها هللا سبحانه لرسوله (صلى هللا علي ه وآل ه) ،فتجّس َدت ب ه،
وظّهَر ته لنا قدوة وأسوة -كان الِع لم حقيقّيًاَ ،و َض ِم ن الس عادة للبش رّية .ف إذا ُو ِج د ذل ك في
مدارسنا ،اإلسالمّية أو غيرها ،وُو ِج د العلم الحقيقّي الملتزم بالتع اليم والض وابط اإللهّي ة،
َفَلن يطول الوقت حّتى يصبح شبابنا -الذين ُهم أمل هذا البلد ومستقبله -مؤم نين مل تزمين
ِبطريق الحّق ،غير َم شوبين باألفكار الغربّية أو الشرقّية.
إّنه َلِم ن السذاجة -حّقًا -أن نظّن أّن التخّص ص َيكفيَ .لو أَر دنا ترويج العلم واالس تفادة ِم ن
العلماء ،ال بَد ِم ن أن يكون ِع لمًا غير َم شوب باالنحرافَ ،فال ُنعِّين أساتذة ومعّلمين ترّبوا
في موسكو أو واشنطن .إّن متخّص صين كهؤالء قد يعالجون َم رضًا ظاهريًّا هن ا ،ولكّنهم
-في الوقت نفسه -يزرعون أمراضًا داخلّية وباطنّية عدي دة؛ ي زول عّن ا م رض ص غير،
وُنبتلى ِبداٍء أعظم .يجب علينا أن ننتبه إلى األمور والمس ائل جميعه اَ .و ه ؤالء البع ثّيون
ِم ثاٌل حٌّي أمامكمَ ،فُهم -اآلن -مصدر مشاكل بلدنا كّلها ،ومش اكل ش عب الع راق المس ِلم،
ال ذي أص ابه أك ثر مّم ا أص ابنا بس ببهم .ه ؤالء البع ثّيون تخّصص وا في الجامع ات،
وتخّر جوا منها ،ولكن لم يكن لديهم أّية تربي ة أو تزكي ةَ ،و إذا لم يق ترن العلم م ع التربي ة
والتزكية َيظهر النظام الص ّد امّي الس ابقَ .ف إذا لم ُنق رن ِع لمن ا بتزكي ة أنفس نا وتربيته ا،
سنكون صّد امّيين .لذاَ ،فلتكن ت ربيتكم تربي ًة إس المّية-إنس انّية ،على الص راط المس تقيم،
ألّننا ال نقبل بتربية موسكو أو واشنطن».1
يجب أن تنتبهوا إلى هذا المع نى؛ َف إذا ك انت ت ربيتكم -ال س مح هللا -تربي ة غ ير إنس انّية
وغير إسالمّية ،فإّنكم ستكونون شركاء له في أّي عمل يقوم به في المستقبل؛ أي ش ركاؤه
في الجريمةَ .و إذا كانت التربية تربية إنسانّية مواِفقة للفطرة ،فأنتم شركاء ل ه -أيض ًا -في
أّي عمٍل َح َس ن يقوم ب ه في المس تقبل .المعِّلم أمين ،ال كغ يره من األمن اء ،إذ إّن اإلنس ان
أمانة ِبَيده ،فإذا خان األمانة ارتكَب إثمًا.
َلو اؤُتِم ن على سّجادة َففّرط بها ،ف إّن ذل ك لن ي ؤّثر على المجتم ع ،ب ل سيض ّر شخص ًا
واحدًا -طبعًا يجب عليه أن ُيعّو ض عن الضرر ال ذي ألحق ه ب ه -ولكن َل و ك انت األمان ة
إنسانًا أو طفًال قابًال للتربيةَ ،و ارتكب خيانة بحّقه ،فإّن هذه الخيانة قد تكون خيانة للش عب
| 137 والمجتمع واإلسالم .بناًء على هذا ،فإّن هذا العمل ،على الرغم ِم ن أّنه عمل ش ريف وَقِّيم
جّد ًاِ ،م ن باب أّنه ُش غل األنبياء (عليهم السالم) ال ذين ج اؤوا في ه ِلتربي ة اإلنس ان ،إاّل أّن
مسؤولّيته -كما كانت مسؤولّية األنبياء (عليهم السالم) -كبيرة جّد ًا».1
«أنتم تعلمون أّن هؤالء األطفال الموجودين هنا في المدرسة االبتدائّية -والذين س يكونون
في الثانوّي ة بع دها ،إلى أن ينتهي بهم األم ر إلى الجامع ةُ -هم رأس مال ال وطن؛ أع ني
رأسماله وبن اءه العلمّي .وتعلم ون أّن له ؤالء األطف ال -من ذ دخ ولهم بيئ ة التعُّلم -نفوس ًا
سالمة نقّية قابلة ألنواع التربية وم ا ُيلقى إليه ا كّل هَ .و أّنهم -من ذ دخ ولهم ُد ور الحض انة-
أمانات إلهّية بأيدي َم ن ُيعّلمونهم ،سينتقلون إلى أم اكن أخ رى وإلى معّلمين آخ رين ،إلى
أن يك بروا ويرش دوا وَيص لوا إلى المراح ل الُعلي ا والجامع اتَ .ف إذا تّم ت تربي ة ه ؤالء
األطفال تربي ًة مناس بة إلنس انّيتهم وِفط رتهم اإلنس انّية النقّي ة ،من البداي ة ،وِم ن دون أّي
انح راف ،في الحض انة والم دارس االبتدائّي ة ،ف إّنهم س ينتقلون إلى الثانوّي ات بالتربي ة
نفسها ،ثّم إلى الجامعاتَ .فإذا تّم ت التربية فيه ا -أيض ًا -على أس اس الص راط المس تقيم،
َّل ِه َّلِت ِفۡط ًا ّل
َو قام المع مون بتربيتهم تربية إنسانّية وه دايتهم طبق ِلم ا تقتض يه ﴿ َر َت ٱل ٱ ي َفَط َر
ٱلَّناَس َعَلۡي َه ۚا ﴾ ،2تحَّم لوا مسؤولّية مصير البالد ،وقادوا المجتمع إلى األمام،
| 138
.1رّسخ فكرة أّن وظيفة وسائل اإلعالم تربوّية تعليمّي ة ِبش كٍل أساس ّي ،ب ل إّنه ا بمثاب ة
الجامعة للناس جميعًا.
.3طرح مفهوم «استقالل المؤّسسات اإلعالمّي ة» ِبش كٍل أساس ّي ،وَبّين معن اهِ ،بحيث ال
يكون ُم ساويًا للحّرّية المطلقة المباِينة لضرورة إصالحها.
.4رّك ز على قضّية ارتباط أساس النظام اإلسالمّي ِبحفظ الوسائل اإلعالمّية.
«اإلذاعة والتلفزيون ِج هاز مهّم في البناء والتربية ،كما هو مهّم في اإلفساد .ولع ّل ال ذين
اخترعوا هذه األجهزة كانوا يطمحون إلى أن تكون أجهزة تربوّية ،والشيء نفسه َيص دق
على الصحافة ،لكّن أهّم ّية اإلذاعة والتلفزيون أكبرَ ،فينبغي أن تتّم بواسطتها تربية فئ ات
الشعب كاّفة ،من حيث إّنها جامعة عمومّية ال ينحصر وجودها ِبمك ان ُم عّين ،كالجامع ة،
بل إّنها جامع ة على مس توى البالد بأس رها .ل ذا ،تنبغي االس تفادة ِم نه ا في ه ذا اإلط ار
بأقصى ما يمكنَ .فينبغي عليها ،والحال هذه ،أن تساهم في توعية الناس بع د س نواتٍ ِم ن
عملها ،فتجعل
الجمي ع مجاه دين مفّك رين مس تقّلين تح ّررّيين بعي دين عن التغ ُّر ب ،وأن ُتعِّلم الن اس
االستقالل -وهو أهّم متعّلقات هذه األجهزة-؛ أي إّن مسؤولّيتها تتلّخ ص في أن تك ون م ع
الناس كالمعّلم مع الطاّل بَ .فليتحّد ث َعبرها الكّتاُب والخطب اء الواع ون المّطلع ون ،إذ ال
| 140 بّد ِم ن إعطاء هؤالء فرصة للحديث ع بر ه ذه األجه زةَ .و ثّم ة العدي د مّم ن يتمّك ن ون من
اقتراح هذه المعانيَ ،فلُيعطوا فرصة التحّد ث ،ولُيق ّد موا للن اس م واّد مفي دة وغ ذاء نافع ًا
وصحيحًا وسليمًا ،بدًال ِم ن األمور التي ال تنفعهم أو تضّرهم».1
«عليكم أن تعلموا أّن هذه األجهزة ...يجب أن تكون أجهزة تعليمّيةَ .ففي زمن الطاغوت،
َعمَلت هذه األجهزة على استغفال شبابنا بشأن مصيرهم ،وتوجيه شعبنا نح و أم ور غ ير
ُم جِد ية ،والحال أّن ُد ور السينما لم توَج د ِلتحقي ق األغ راض المش ؤومة ال تي َس َع وا إليه ا
طوال هذه المّد ة .اإلذاعة والتلفزيون مؤّسسة تعليمّية ،وك ذلك ُد ور الس ينماَ ،فتنبغي إدارة
هذه المؤّسسات والمراكز إدارًة سليمة وأخالقّية».2
«يجب أن تك ون اإلذاع ة والتلفزي ون والمس رح وس ائل للتربي ة والتعليمَ .و اإلس الم ال
يعارض تلك األجه زة ،إاّل أّن ه يري د ته ذيبها وَج عله ا في خدمت ه وخدم ة تربي ة الش ّبان.
َفنحن ،إذ إّننا ُم كّلفون بتربية هؤالء الشباب الذين نحّبهم ،علينا أن ن رّبيهم تربي ة إس المّية
دينّي ة ،آخ ذين بَع ين االعتب ار متطّلب ات العص ر ،بحيث يعرف ون -من البداي ة -قض ايا
العصر ،ويدركون ما عليهم القيام به في المستقبلَ .فيجب أن تقترن هذه التربية بالِع لم».3
«يستطيع اإلعالم المرئّي ،عن طري ق الس مع والمش اهدة ،تربي ة الن اس أو ه دم اُألس س
اإلنسانّية داخلهمِ .م ن هذا المنطلق ،كانت
«يجب أن تكون اإلذاعة وسيلة لتربية الشعب وتعليمه .إّن باستطاعة اإلذاعة والتلفزي ون
-أفض ل ِم ن غيرهم ا -أن يرّبي ا بل دًا ك امًال ،إذ إّن ط الب الِع لم واألّمّي يس تفيدان ِم نهم ا،
بعكس الوسائل األخرى ،كالصحف والمجاّل ت ،التي تخاطب فئ ة معّين ة ِم ن الن اس ،ف إّن
تأثيره ا مح دود .أّم ا اإلذاع ة والتلفزي ون ف إّن انتش ارهما واس عَ ،فه ا أنتم تقول ون إّن
إلذاعتكم أربعة ماليين ُم ستمعَ .ففئات الشعب جميعها تس تطيع اآلن أن تش اهد التلفزي ون
وتستمع إلى اإلذاعةَ ،فإّنكم تخدمون هذا الشعب عن طريق السمع والبصر ،في حين أّنهم
ك انوا يخونون ه في الس ابق عن طري ق الس مع والبص ر .إّن اإلذاع ة والتلفزي ون أفض ل
الوس ائل التعليمّي ة ،وبهم ا ت رتقي الوس ائل األخ رى .كم ا يمكن تربي ة جي ل الش باب
ِبواسطتهما ،ألّن الناس جميعهم يتابعونهما ،إذ إّن برامجهما يمكن أن َتصَل القرى النائية،
َفَم ن لم يمتلك جهازًا ِلنفسهَ ،يذهب إلى بيت َص ديقه ِلُم تابعتها.
«إّنني أحّذ ر الصحافّيين واإلذاعة والتلفزيون والجماعات التي بدأت تمارس نشاطها اآلن
-هذا تحذير للجميعِ -م ن خيانة الشعبَ .فإذا أرادوا خدم ة البل د ،فليتعّرف وا على توّجه ات
الشعب وتطّلعاته ،ولَيتأّم لوا في البواعث ال تي دفَع ت أبن اء الش عب لل نزول إلى الش وارع
للهتاف بــ «هللا أكبر» والتضحية ِبشبابهمِ .لماذا حصل هذا؟ َلقد كان ِم ن أجل اإلسالم .لقد
أرادوا اإلسالم؛ لم تكن المسألة أّننا نريد الحّرّية وَح ْسب ،فإيران وشعب إيران ال يريدون
حّرّية ِم ن دون اإلسالم .إّن الشعب اإليرانّي ينشد اإلسالمِ .لَتكن الحّرّية ،ولكن ه ل تك ون
مثل حّرّية االّتح اد الس وفييتي؟ ِلتكن الحّرّي ة ،ولكن ه ل تك ون مث ل حّرّي ة دول ة أخ رى
أجنبّية؟ منذ متى يريد شعبنا مث ل ه ذا؟ إّن ه ؤالء الس ادة مخطئ ون -وال أق ول خ ائنون-
َو عليهم أن يتالفوا أخطاءهم .يجب أن يكون الجمي ع ُم ّتح دين م ع بعض همِ ،م ثلم ا حّقق وا
باّتحادهم ما ُهم فيه اآلن».2
«ك ان الرادي و والتلفزي ون -على س بيل المث ال -ينش ران الثقاف ة الطاغوتّي ة في زمن
الط اغوتَ ،فك ان ترك يزهم ُج ُّل ه على الموس يقى والغن اء ِلتم ييع ش بابنا وض ياعهم .إّن
الموسيقى ُتضعف الروح
إذا كنتم ُم حّبين لبلدكم وِلشعبكم ولإلس المَ ،فعلى ك ٍّل منكم ،وبحس ب مكان ه ووظيفت ه في
الجه از اإلعالمّي ،أن يق وم بإص الح ه ذا الجه از .يجب أاّل تكون وا مت أّثرين بالثقاف ة
الغربّي ةَ ،فال توج د أّي ة ض رورة لبّث الموس يقى 1بين خ بر وآخ ر ،إذ إّن في ذل ك تش ّبه
بالغربَ .و ال تظّنوا أّنه ا ت دّل على رقّي البل د ،ب ل إّنه ا تخ رب عق ول أطفالن ا وتفس دها.
فعن دما َتط رق الموس يقى مس امع الش باب على ال دوام ،س يتأّثرون به ا ،ولن يس تطيعوا
التفكير ِبجّد ّيةِ .م ن األنسب لكم أن تبتكروا شيئًا يليق بثقافتنا ،كوننا ُم سلمين».2
«لم ُيِر د عمالء النظام الس ابق أن َيعَي ش بابنا م ا يح دثَ ،فك انوا يج ّر ونهم إلى الحان ات
والمالهي ِليشغلوهم عن قضايا بلدهم .فالهدف ِم ن أن يعتاد ش بابنا مطالع ة تل ك المجاّل ت
المبتذلة -التي رأيتموها -بما تحويه ِم ن صور فاضحة ومس ائل مث يرة ،وارتي اد ص االت
الس ينما بالكيفّي ة ال تي ك انت عليه ا ،ومتابع ة الرادي و والتلفزي ون ببرامجهم ا المث يرة
لالشمئزاز ،والترّد د إلى المدارس والشواطئ ومراكز الفحشاء ،هو ضياع شبابنا وإلهائ ه
عن قضايا البلدِ ،لُيصبحوا غير ُم بالين بشيء ،حّتى ِبأنفس هم .فالش اّب ،إذا اعت اد ال ذهاب
إلى السينما ورؤية تلك المشاهد الساقطة كّل ليلة أو كّل يوم ،ف إّن ِفك ره لن ينص ّب على:
أين يذهب نفطنا؟ وأين تذهب ثرواتنا؟ وَم ن يستغّلنا؟ لن تخطر هذه األشياء
المقصود هو الموسيقى المحّرمة ،أو الموسيقى الكثيرة التي تخرج عن حّد االعتدال. 1
تلك المسائل كّلها التي عملوا على ترويجها في الخمسين سنة األخيرة -خاّص ًة في زم ان
ذلك الثاني [الشاه محّم د رض ا بهل وّي] األس وأ ِم ن األّو ل [الش اه رض ا بهل وّي] -ك انت
تهدف إلى إلهاء شبابنا عن أنفسهم وعن بلدهم ،فلم َيعبؤوا ِبما يجري .فالذي ال هّم له غير
الذهاب إلى البحر بماذا يستطيع أن يفّك ر؟ إّنهم يمارس ون هن اك العه ر؛ ل ذا َفال يمكن أن
يتساءلوا عن قضايا العصر ،ألّنها أمور خارجة عن دائ رة اهتمام اتهم .إلى أين س ار بن ا
هذا الرجل الخائن؟ هذا كّله غير مهّم .ثّم إّن هؤالء المتنّو رين والكّت اب ودع اة التح ّرر -
معظمهم ال كّلهم -غير ملتفتين إلى ما يخَّطط لهؤالء الشباب والشاّبات ،إذ إّنهم يفعلون ما
تمليه عليهم أهواؤهم كّله .إّنهم يصرخون :آه ...لقد ذهبت الحّرّية ،الحّرّية الجميلة ذهَبت.
َح سنًا ذهبت الحّرّي ة ،فم اذا ح دث؟ ُأغلقت الحان ات وُع ّطلت مراك ز الفحش اء ،وال زلن ا
نجهل إذا ما ُع ّطلت كّلها أم الَ ،فلم َيع د مس موحًا له ؤالء الش باب والفتي ات بال ذهاب إلى
البحر بمفردهم ،والتعّري هناك ،أو ِفعل ما يشاؤون .هذه الحّرّية التي ينادون به ا ،وال تي
ُأملَيت عليهم ِم ن الغربُ ،أمِلَيت علينا نحن فق ط ،ال عليهم ،وإاّل َفِم ن أين لهم ذل ك ال رقّي
الماّد ّي؟ إّن هذا النوع ِم ن الحّرّية أوج ده الغ رب للش عوب المس تعَم رة ،حّرّي ة مس توردة
وغير منصفة .فأولئك المتحّيزون لم زاعم الغ رب يتبّجح ون بحق وق اإلنس ان َو ُهم غ ير
ُم نصفين ،ألّنهم أنفس هم -بعض ال ذين ي ّد عون التح ّرر ال كّلهم -يري دون أن ينش روا ه ذا
الشكل ِم ن الحّرّية التي تجّر بالدنا نحو الهاوية».1
إّن هذه األجهزة التي ترونها ،والتي يجلس ِلمشاهدة برامجه ا ماليين الن اس ِم ن األطف ال
والشباب والكبار والش يوخ والمس ّنين ،إذا م ا عمَلت على تق ديم ب رامج تربوّي ة وتثقيفّي ة
جّيدة ،كعرض األفالم والندوات والخطب المفي دة ،ف إّن أطفالن ا الص غار س يتلّقون تربي ة
سليمة من البداية .أّم ا إذا قّد َم ت برامج فاسدة ومنحرفة -ال سمح هللا -ف إّنهم س يتلّقون -من
البداية -تربية فاسدةَ .فهذه األجهزة سالح ذو حَّد ْين ،يتوّقف َنْفعه ا وض ررها عليكم؛ ف إْن
ِش ئتم جعلتموه ا وس يلة لل وعي والتربي ة والثقاف ة ،وإن ِش ئتم جعلتموه ا أداة للفس اد
واالنحراف والرذيلةَ .و هي أجهزة جّذ ابة كثيرًا ،تشُّد األطفال ِلرؤية ما تعرض ه ِم ن أفالم
ورسوم متحّركة َو ُص َو ر ...فإْن ك انت ه ذه األفالم وال برامج مفي دة وتثقيفّي ة س اهَم ت في
تربي ة ه ؤالء األطف ال تربي ة س ليمة ،وإن ك انت فاس دة س اهَم ت في َح ْر فهم وإفس ادهم.
وكذلك األمر بالنس بة إلى الكب ار .ل ذا ،تق ع على ع اتق ه ذه المؤّسس ات والع املين فيه ا
مسؤولّيات إلهّية وأخالقّية ووطنّية جسيمة».1
«يجب أن نمتلك االستقالل الفكرّي ،وأن نفصل طريقة تفكيرنا عن الطريقة الغربّية ،لكي
نعيش مستقّلين فكريًّا .ولن يتحّق ق ه ذا االس تقالل إاّل في ابتعادن ا عن التش ُّبه ب اآلخرين.
َفلتكن شؤوننا وأفكارنا مستقّلةَ ،و لَيُك ن جهازنا اإلعالمّي مستقًاّل .لنمتلك حياة خاّص ة بن ا.
ال
«ُقلت ِم رارًا إّن مؤّسس ة اإلذاع ة والتلفزي ون يجب أن تس تقّل تمام ًا ،وتنبغي المحافظ ة
على استقاللّيتها ،بأاّل يتدّخ ل أحٌد في شؤونها .كِّر سوا الجهود من أجل َأسَلَم تها فق ط ،حّتى
تكون ُم نسجمة مع إرادة الشعبَ .لق د ب ذل الن اس دم اءهمَ ،و ال يمكن أن يب ذل المس لمون
دماءهم لكي تأتي عناصر منحرفة وتحصد الثمار؛ ال يحكم بهذا أّي عقل أو شرع .ن زَلت
الجماهير المسلمة إلى الش وارع ،ورّد َدت ن داء «هللا أك بر»َ ،و َض ّحت بأنفس ها ،وق الت:
نريد جمهورّية إسالمّية؛ إّن محتوى الجمهورّية اإلسالمّية ه و أن يك ون ك ّل ش يء فيه ا
إسالمّيًا .وبما أّن مؤّسسة اإلذاعة والتلفزيون ِم ن األمور المهّم ة ال تي تف وق في أهّم ّيته ا
أّي شيء آخرَ ،فتجب َأْس َلمتهاِ .احفظوا استقاللها .وإذا جاء شخص وأراد َفرض شيء َفال
تبالوا به أبدًا ،بل اعملوا في هذا الجهاز باستقالل واقتدار».2
«يجب أن ُتقِّدم اإلذاعة والتلفزيون -هاتان الوسيلتان اللت ان ُيف ترض أن تكون ا تعليمّيَتْين-
المنعة والقّو ة لشبابنا .فال يجوز أن يكون التلفزيون ،مثًال ،أداة لبّث األغاني عشر ساعات
يومّي ًا؛ م ا ُيص ِّير الش اّب الق وّي ض عيفًا ،وُيدخل ه في حال ة تش به حال ة المخم ورين أو
المخّد رين،
«عليكم السعي في َج عل الشعب يتقّبل هذه األشياء تدريجّيًا ،وَج علهم ُيقلع ون عن ع اداتهم
الخبيث ة ه ذهَ .فكم ا تش اهدون اآلن ،إْن لم َيِج د ش بابنا الغن اء ف إّنهم َيبحث ون عن ه ،ألّنهم
اعتادوا هذه األشياء؛ هذا شاهد على أّن شبابنا باتوا ُم نحّلين ُخ لقّيًا .وعلى عاتقن ا إّنم ا تق ع
وظيفة إعادة تأهيل هذا الجيل المنحّلَ ،و َم نع تكرار هذه المأساة مّر ة ثانية .يجب أخذ ه ذه
األمور بجّد ّية تاّم ة .كما أّن االختالط بين الرجال والنساء على شاطئ البحر -هو اآلخ ر-
ِم ن األمور التي كانوا يخّططون لهاَ .فيجب أن يكون الناس ج اّد ين في وقاي ة أنفس هم ِم ن
هذه األمورَ ،و يجب على قوى األمن واألجهزة اإلدارّية أن تبذل م ا ِبوس عها ِلَم ن ع وق وع
مثل هذه األمور .كما يجب على اإلذاعة أن توّض ح للشعب مخاطر هذه األم ور ،والفس اد
الكامن فيها».2
«إّن َو ضَع اإلذاعة والتلفزيون يختل ف عن َو ض ع المؤّسس ات األخ رىَ ،فِم ن الممكن أن
تصدر بعض االنحرافات عن وزارة ما ،ويبقى الناس غ افلين عنه ا س نوات عدي دة ،أّم ا
اإلذاعة والتلفزيون فإّنهما ،بمجّرد
«قلُت ِم رارًا إّن جهاز اإلذاع ة والتلفزي ون أك ثر األجه زة اإلعالمّي ة حساس ية في البالد
كّلها ،إذ إّن الناس يستفيدون منه َبصرّيًا وَس معّيًا ،وال يهتّم ون بجهاٍز آخر كما يهتّم ون به،
ِم ن الجهاز الصغير الذي يوضع لألطفال إلى البرامج التي ُتقّد م لآلخرينَ .فإذا تّم إص الح
هذا الجهاز ،وكانت برامجه برامج إصالحّيةَ ،فِم ن المؤّم ل أن تصلح البالد بأكمله ا ،وإذا
كان هذا الجهاز جهازًا ُيشبه م ا ك ان علي ه في زمن الط اغوت ،س يبقى الن اس على تل ك
الحال .لذاِ ،م ن الواجبات المهّم ة الملقاة على عاتق هذه الش ورى ال تي يجتم ع أعض اؤها
ُهنا -وفيها السّيد موسوّي ،الذي نعلم سوابقه ،ونعرفهُ -م راقبة ه ذا الجه ازِ ،بحيث يك ون
محتواه محتوى جمهورّيًا إسالمّيًا.
إّن مسؤولّيتكم كبيرةَ ،فإّم ا أن تسيروا بهذه الجمهورّية إلى األمام -ب إعالمكم وب العروض
التي تقّد مونها وباألفالم التي تعِر ضونها -أو ُترجعوها إلى ال وراء؛ ه ذه مس ؤولّية كب يرة
جّد ًا .س تطول الم ّد ة إلى أن ُنفِهم الع املين والم وظّفين في ك ّل مك ان أّن ه يجب أاّل تك ون
أمورنا كّله ا تقلي دًا للغ رب ،ألّنهم يظّن ون أّن ه إذا ك انت اإلذاع ة والتلفزي ون في أمريك ا
وبريطانيا على نحو ماَ ،فعلينا أن نقّلدهم وأن نفعل ما يفعلون ه كّل ه .ه ذه قض ّية ُنواجهه ا
نحن تقريب ًا في األم اكن كّله ا ال تي يظّن ون أّن ش كل بل داننا يجب أن يك ون ك الغربّيين.
ستطول المّد ة إلى أن يتغّير هذا الشكل وُنفهم الش رائح جميعه ا أّن األم ر ينبغي أاّل يك ون
كذلك ،وإّنم ا يجب أن نك ون مس تقّلين في أفكارن ا وآرائن ا .اآلنِ ،م ن واجبكم أن ُتراقب وا
العاملين وُتشرفوا عليهم في هذه األمور كّلها؛ َفال بّد للذين يتوّلون األمور في التلفزيون -
وهو مؤّسسة كبيرةِ -م ن أن يكونوا ملتزمين باإلس الم ومؤم نين بالجمهورّي ة اإلس المّية،
وأن يعلم وا مع نى الجمهورّي ة اإلس المّية -وه و أن يك ون محتواه ا إس المّيًا .-يجب أن
َتضعوا
ه ذا على رأس األعم ال في أنح اء إي ران كّله ا ،وفي ك ّل مك ان .كم ا يجب أن تج دوا
ُم تح ّد ثين ل برامجكم ال تي تحت اج ذل ك ،وثّم ة كث يرون ِم ن الفض الء والعلم اء والمثّقفين
ُم ستعّد ون لذلكَ .فليأِت أفراٌد ِم ن كّل طبقة ويتحّد ثوا؛ استفيدوا من هؤالء .هذا ش يء يجب
| 150 أن يتّم .
أّم ا ما يتعّلق بالمرئّيات واألفالم ،فانتبهوا إلى أاّل تكون محِّر ف ة ،وال تحت وي من اظر كم ا
في السابق ،فتؤّد ي إلى انحراف شبابنا ...حّتى ما ُيعرض لألطفال ،يجب أن يجعل الطفل
ينشأ -من البدايةُ -م ستقًاّل في ِفكره ومستقيمًا وملتزمًا -ويجب هذا في أفالم الكبار أيض ًا.-
َفَع ليكم أن تنتبهوا جّيدًا ،وتتابعوا ،وُتش رفواَ ،فال َت َدعوها في أي دي غ ير المل تزمين .وإْن
ك ان ثّم ة َم ن يفهم َفيعم ل على التغي ير فلَيُك ن ،وإْن لم َيكن َفَيجب التطه ير؛ ه ذا ش يء
ضرورّي والزم».1
«منذ أن ت وَّلت الجمهورّي ة اإلس المّية َأم َر اإلذاع ة والتلفزي ون َو أن ا َقَل ق عليه ا ،فإّنه ا
مؤّسسة إن كانت صالحة صلَح ت بالدنا ،وإن كانت فاسدة سّببت الكث ير ِم ن الفس اد .ل ذا،
ينبغي أن أذّك ركم ببعض النقاط؛ ِم نها أّنه إْن َلم يُك ن جهاز الرادي و والتلفزي ون ،الموج ود
في البيوت وفي القرى وفي كّل مكان ،إسالمّيًا -مئة في المئة -ف ذلك يع ني أّن اإلس الم لم
ُيطَّبق في إيرانَ .فإذا كانت اإلذاعة والتلفزيون في ِخ دمة فئة أو جماعة منحرفةَ ،فَقد تجّر
البالد كّلها إلى الفساد .لذا ،فإّنكم مكّلفون تكليفًا شرعّيًا وقانونّيًا ِبتطه ير مؤّسس ة اإلذاع ة
والتلفزيون ِم ن الجماعات المنحرفة أو المرتبطة بالنظ ام الس ابق والعامل ة لخدمت هَ ،و ِم ن
األف راد الفاس دين والمفس دين .عليكم تنقي ة اإلذاع ة والتلفزي ون ِم نهم بك ّل اقت دار َو ِبال
مواربة .وأهّم األمور كّلها األخبار ،إذ ينبغي توّخ ي الدّقة ،بحيث ال ينفذ إليها المنحرفون.
َليست الجمهورّية اإلسالمّية ألفاظًا َو َح ْسب ،بل ينبغي أن تتحّقق واقع ًا .نحن اآلن -حيثم ا
نذهب -نرى فسادًا ،وال نرى تطبيقًا لإلسالم
لذا ،ينبغي أن تس ير ه ذه المؤّسس ة ِبنح و ينس جم -مئ ة في المئ ة -م ع النهض ة والث ورة
اإلسالمّيةَ ،فال يكفي أن نقول إّن اإلذاعة والتلفزيون إسالمّيان ،في حين نرى فيهما كالمًا
ُيسيء إلى اإلسالم والثورة اإلسالمّية .ينبغي االلتفات جّيدًا إلى أاّل نك ون مقِّل دين للش رق
والغ رب ب أّي ش كٍل ِم ن األش كالَ ،فتقلي د الش رق والغ رب ال ينس جم م ع توُّج ه إذاع ٍة
وتلفزيوٍن إسالمَّيْين .يجب أن تدّققوا كثيرًا ،وال تخ افوا أق وال ه ؤالء المثّقفين ذي النم ط
الغربّي وكتاباتهمَ ،فُهم يريدون أن يجعلوا البالد ُم ترفًة على طريقتهمَ ،و ال يهّم هم بعد ذلك
ما يحصل فيها من خرابُ .هم فقط يتمَّنون أن تك ون البالد غربّي ة .والح ال أّن الجم اهير
جَّد ت واجتهَدت في تطبيق اإلسالم في إيران ،وعدم االكتفاء بالشكل الظ اهرّي لإلس الم،
إاّل أّنك حينما تزور أّية دائ رة ِم ن دوائره ا ،ال ت رى أث رًا لإلس الم .تنبغي ،إذًا ،مقارع ة
المثّقفين المتغّربين ِبشّد ة؛ لذا فإّنكم ُم كّلفون بالتعاون مع الموّظفين اإلس المّيين المل تزمين
وغ ير المنح رفين ِلتطه ير ه ذه المؤّسس ة ِبال خ وٍف ِم ن ف رد أو جماع ةَ .و ينبغي أن
تحِر صوا على أاّل يخرج ِم ن هذه المؤّسسة شخٌص واح ٌد ِم ن اإلس المّيين المل تزمين ،إاّل
إذا ارتكبوا مخالفاتَ ،فهذا موضوع آخر ،إذ ال ف رق بين ه وبين اآلخ رين .ولكن يجب أاّل
يخرج ِم نها بسبب اّتهامه بالرجعّية ،مثًال ،أو ما ش ابه ِم ن الكالم ال ذي ك ان يطلق ه الش اه
ضّد اإلسالمّيين المجاهدين الملتزمين .يجب أن يحّل اإلسالمّيون المل تزمون المجاه دون
محّل العناصر المنحرفةَ .و لدينا -والحمد هلل -خطباء وكّتاب صالحون».1
في الحقيقة ،إّن ما نج ده في الرؤي ة اإلس المّية ،ب ل في الرؤي ة األص يلة -خاّص ًة -ال تي
تجَّلت في بيانات اإلمام الخمينّي (قدس سره) وكلماته ،يعكس هذا الَفهم وُيبّين خط أه .فق د
وضع (قدس س ره) للرياض ّيين منطلق ات وأه دافًا وق دوة ووظ ائف تتج اوز ح ّد المتع ة
الفردّية والمنافع الماّد ّية .فالرياضّي ال بّد له ِم ن أن ينظر إلى الرياضة البدنّي ة ال تي يق وم
بها على أّنها جزء ضرورّي ِم ن سيٍر إنسانّي متكامل يشمل األبعاد اإلنسانّية كاّفة؛ أي إّن
لإلنسان وظيفة في بناء نفسه تتجّلى في ش ّتى أبع ادهِ ،م نه ا الُبع د الب دنّي ال ذي ي ؤّثر في
العقل والقلب والروح.
ُم ض افًا إلى ذل ك ،إّن الرياض ّيين ،في مش اركاتهم الرياض ّية في الع الم ،يحمل ون اس م
اإلسالم والجمهورّية اإلسالمّيةِ ،م ن حيث إّنهم أبناء هذا الدين المؤمنون ِبِقَيمه والحاملون
لواَء ها إلى البشرّية كّلهاَ .فميدان الرياضة مي دان ع المّي ،تش ّك ل في ه األلع اب الرياض ّية
نوعًا من الندوة الدولّية التي تتيح لاّل عبين فرصة إظهار القيم التي يؤمنون به ا؛ فيك ون -
بذلك -الرياضّي مصدرًا ِلِقَيم الثورة وأخالقّياتها.
َو لم ُيغفل اإلمام الخمينّي (قدس س ره) أم رًا في غاي ة األهّم ّي ة في توجي ه الرياض ّيين ،إذ
حّد د لهم قدوة يجعلونها نصب أعينهم ،وهي َليست العب ك رة ق دم متف ّو ق ومب دع أو م ا
ش اكل ،ب ل عّين لهم أم ير المؤم نين (علي ه الس الم) ق دوة ،بحيث يك ون (علي ه
| 153 السالم) للرياضّي نموذجًا أعلى كامًال على مستوى األبعاد اإلنسانّية كّلهاَ .فِم ن المص ائب
ال تي تص يب الرياض ّيين ومحّبي الرياض ة اّتخ اذهم أح د الاّل ع بين أو المتف ّو قين على
مستوى الرياضة قدوًةَ ،و يغفلون عن أبعاده اإلنس انّية األخ رى .واإلم ام الخمي نّي (ق دس
سره)ِ ،بَج عله أمير المؤمنين قدوة لهمَ ،جَع َلهم في مصاّف العلماء والفقه اء وطلب ة العل وم
ِم ن هذه الجهة ،ألّن شخصّية أمير المؤمنين (علي ه الس الم) تص لح -بج دارة -ألْن تك ون
القدوة لكّل فرد ،وعلى ُم ستوى عاٍل .
َو في ما يأتي ،نتعّر ض إلى هذه األبعاد في كلمات اإلمام الخمينّي (قدس سره):
«إّنني لست رياضّيًا ،لكّنني أحُّب الرياضّيين (أحّب الصالحين َو َلْس ُت ِم نهم)».1
«أدع و هللا تب ارك وتع الى أن ي وّفقكم ،أنتم الش باب ،ذخ ر ه ذا البل د ومبعث أم ل األّم ة
واإلس الم ،حّتى تمارس وا الرياض ة في األبع اد اإلنس انّية جميعه ا ،وِم نه ا الُبع د ال ذي
تخّصص تم في ه .ويح دوني األم ل أن تنم و فيكم األبع اد اإلنس انّية األخ رى .لق د ك ان
الرياضّيون دائمًا يحملون روحًا سليمة ألّنهم لم يفّك روا في الشهوات والمل ّذ اتَ ،فمارس وا
نشاطًا بدنّيًا ،إذ إّن العقل السليم في الجسم السليم .ولو تأّم لتم أحوال المجتمعات وطبقاتها،
َلَو َج دتم أّن الذين ينهمكون في الملّذ ات الجسمانّية -وهي
«فهذا علّي (عليه السالم) ،نجد اسمه أمامنا أينما ذهبنا؛ عندما نذهب إلى الفقهاء نجد فق ه
علّي (عليه السالم) ،عندما نذهب إلى الزّهاد نج د زه د علّي (علي ه الس الم) ،وإذا ذهبن ا
إلى المتصّو فة نجدهم يقولون إّن التص ّو ف م أخوذ من علّي (علي ه الس الم) ،حّتى عن دما
نذهب إلى الرياض ّيين فإّنن ا نج دهم يقول ون :علّي (علي ه الس الم) ،ويب دؤون باس مه .إّن
علّيًا (عليه السالم) هذا األّو ل في األبعاد اإلنسانّية جميعها؛ لذا تتقّر ب إليه الطوائف كّلها،
إذ يمتلك خصوصّيات الطبقات كّله اَ ،و يمتل ك خصوص ّية ق ّو ة الرياض ّيين ِبش كٍل واٍف .
ُيقال إّن ساعده (عليه الس الم) ك ان كالحدي د ،وك انت الق ّو ة ال تي يس تعملها في الض رب
بالسيف كبيرة إلى درجة ُيق ال إّن ض ربته ك انت واح دة ،إْن َعال َق َّد وإن اع ترَض َق ّط،
َو ضربات علّي (عليه السالم) وتر».2
«َفَع لّي (عليه السالم) هذا فيه كّل شيء ،ويجب أن يكون ق دوة لن اَ .ففي العب ادة ه و ف وق
الُعّباد جميعهم ،وفي الزهد فوق الُز ّهاد جميعهم ،وفي الح رب ف وق المح اربين جميعهم،
وفي القّو ة فوق األقوياء جميعهم ،وهو أعجوبة جمعت األضداد؛ فاإلنسان العابد ال يمكن ه
-عادًة -أن يكون رياضّيًا ،واإلنسان الزاه د ال يمكن ه أن يك ون مق اتًال ،والفقي ه ال يمكن ه
ِفعل هذه األمور أيضًا ...إّنه أسوةَ ،فُز هده فوق زهد الجمي ع ،وق د س معتم أّي ش يء ك ان
طعامه ،إذ َح ِفظ ذلك التاريخ،
على ك ّل ح ال ،ه ذا علّي (علي ه الس الم) ال ذي يتح ّد ثون عن ه ،وإّن ني آم ل منكم ،أّيه ا
الرياضّيون ،وكما َتسعون إلى تحصيل القّو ة البدنّية -وما شاء هللا َفَق د جلس تم هن ا ب أذرع
قوّية ،وأنا ُأَس ّر بهذا أيضًا -أن تقتدوا ِبسيرة علّي (عليه السالم) ،بالزهد الذي ك ان عن ده،
وبالتقوى التي كان يتحّلى بها .ال شّك في أّن أح دًا مّن ا ال َيس تطيع أن يك ون مثل ه ،وإّنم ا
نتبعه على َقَدر استطاعتنا ،ونزّك ي أنفسنا .وآمل أن تكونوا ُم فيدين ُألّم تكم ،وِع ّز ًا لبلدكم...
َم َّن هللا عليكم بالمزيد من القّو ة؛ قّو ة اإليمان ،قّو ة تزكية النفس ،قدرة التس ُّلط على النفس.
والسالم عليكم جميعًا ،أّيها الشباب النجباء».2
«مثلما تحتاج بالدنا إلى العلماء ،تحتاج إلى قدرتكم ،التي َلو اقترَنت باإليم ان واس تنارت
ب القرآن َلك اَنت ظه ير األّم ةَ ،فحين يص ير األبط ال إس المّيين َيغ دون س ندًا للش عب
وساعدًا ...أولئك يريدون كّل ش يء ألنفس هم ،ونحن وأنتم ُنري د ك ّل ش يء هلل ولإلس الم.
َفَس َند الشعب وَس ند اإلسالم ،أولئك الرجال المؤمنون والرياضّيون المؤمنون
عِّز زوا إيمانكم ،وُلوذوا باإلسالمَ ،و ْلنلجأ كّلنا إليه ،ونذكر هللا في كّل مكان.
أن ا أعلم أّن الرياض ّيين في َح لب ة اختب ار الق ّو ة (زورخان ه) 1ي ذكرون هللا َو أم ير
المؤمنين (علي ه الس الم)َ .ق ُّو وا ِذ ك ر هللا ه ذا في أنفس كم ،وذك ر الم ولى ه ذا ،وس يتقّد م
المقتدرون كّلهم والمؤمنون -إن شاء هللا -إلى األمام .وّفقكم هللا جميعًا.2»...
«آم ل ،أّيه ا األبط ال ،أن تكون وا ُم في دين لش عبكم وبالدكم ،وأن تمض ي ه ذه الث ورة
اإلسالمّية ُقدمًا بهّم تكم ،أّيها الشباب الغيارى ،وهّم ة سائر فئ ات الش عب ،حّتى نص ل إلى
بناء دولٍة مستقّلة ُحّرة خالية ِم ن الشياطين جميعهم ،دولة رحمانّية يخرج منه ا الش ياطين
أو ُيؤمنوا .وُك ّلي أمل في أن ُنوّفق ِلذلك ،بهّم تكم وهّم ة أف راد الش عب جميعهمِ ،لَنعيش في
ظّل اإلسالم الذي فيه كّل شيء».3
«أشعر بالسعادة وأنا ألتقيكم ،أّيها الرياضّيون األع ّز اء ،ف أنتم ُذ خ ر ه ذا الش عب والس ند
الداعم له .إّنني أدعو لكم وألبناء الشعب جميعهم .إّنكم ،أّيه ا الرياض ّيون ،تتمّتع ون بق ّو ة
جسدّية ،وأتمّنى أن تكونوا ِم ن أصحاب القّو ة المعنوّية والروحّية إن شاء هللا.
إّننا نعاني اليوم مشاكل عديدةَ ،و هي مشاكل ال يمكن الحؤول دون وقوعه ا بع د قي ام ك ّل
ثورة ،ولكّنها ليست من النوع الذي ال يمكن حّله وتجاوزه ،وإّنما تحت اج إلى وقت ك اٍف .
ولكن على الشعب أن يدرك أّن
ثّم ة العديد ِم ن األيادي واألقالم واأللسن التي تعمل اليوم على تثبيط عزيمة أبناء الش عب،
عن طريق توجيه االّتهامات الواهية ونشر األكاذيب الباطلة وإصدار البيانات والتصريح
بمزاعم ال أس اس له ا من الص ّحة ،به دف بّث روح الي أس في نف وس الش عب والش باب
وفئات المجتمع كاّفة .فإذا شاع اليأس في مجتمع م ا ،ض عف ووهن وأص بح ع اجزًا عن
تحقيق أهدافه .وقد توّص ل هؤالء إلى قناعة ِبضرورة بّث روح اليأس وتثبيط عزيمة ه ذا
الشعب؛ لذا نج دهم يزعم ون أّن ه ذه الث ورة لم تحّق ق ش يئًا حّتى اآلن ،على ال رغم مّم ا
نشهده كّله من إنجازات ومكتسبات عظيمة .إّن أبواقهم اإلعالمّية ت زعم الي وم أّن الث ورة
تحّققت من غير أن تنجز أّي شيء إلى اآلنَ ،و ُهم يه دفون ب ذلك إلى بّث روح الي أس في
نفوسكم .إْذ ألهمت الش ياطيُن ه ؤالء ِبض رورة إش اعة اإلحب اط والي أس في أوس اط ه ذا
الشعب ،ألّنه استطاع القضاء على الطاغوت وتحطيم ه ذا الس ّد الم نيعِ ،بَع زم ه الراس خ
وإيمانه القوّي ووحدة كلمت ه .لق د الح َظ األع داء ُق درة ش عبنا وبس الة ش بابنا ،ف تزلزَلت
أركانهم ودخل الخوف قل وبهم وش عروا باس تحالة َف ْر ض همينتهم مج ّد دًا ،م ا دفعهم إلى
التفكير في مخرج ِم ن هذه الورطةَ .فَبدأوا حملتهم اإلعالمّية والميدانّية الشرسة ،وأث اروا
الفوضى واالضطرابات في كردستان وخوزستان ،وكما تعلمون ،ارتكبوا مؤّخ رًا جريمة
َبشعة أّد ت إلى استشهاد العديد ِم ن حرس الثورةُ ،م ضافًة إلى جريمتهم
القذرة المتمّثلة باغتيال المرح وم الس ّيد قاض ي طباطب ائّى -رحم ه هللا -الص ديق العزي ز
الذي ذاق مرارة السجن وجاه د وُنِفي ج زاء نض اله ض ّد الط واغيت .إّنهم يح اولون بّث
الي أس في نف وس أف راد الش عب عن طري ق اغتي ال شخص ّيات كه ذه .أّم ا بالنس بة إلى
| 158 المناطق التي لم يتمّك نوا ِم ن التدّخ ل فيها بشكٍل مباش ر ،فق د وّجه وا إليه ا حمل ة إعالمّي ة
ِلتشويه الحقائق وتثبيط العزائم».1
«ينبغي عليكم أن تكونوا قدوة في الدول األخ رى ،ألّنكم تمّثل ون الجمهورّي ة اإلس المّية،
َفإّننا بحاجة إلى تقوية اإلسالم في كّل مكان وتطبيقه وتصديره إلى البلدان األخرى ،وأنتم
الشباب أحد مصاديق هذا التصدير؛ إذ تسافرون إلى ال دول األخ رى ،ويتف ّر ج الكث يرون
على فعالّي اتكمَ ،فينبغي عليكم أن تعمل وا بالش كل ال ذي َت ْد عون ب ه ه ؤالء إلى اإلس الم،
وعليكم أن تكونوا نموذجًا للجمهورّية اإلسالمّية التي نأمل أن تق وم في أم اكن أخ رى إن
شاء هللا».2
«إّنني مس رور لرؤي ة الس ادة ِم ن ُق رب ،وأدع و لهم جميع ًا ب الخير .أدع و هللا أن يتمّت ع
الرياضّيون ِبرياضة روحّية بالصورة نفسها التي يمارس ون به ا الرياض ة البدنّي ةَ .فُم ن ذ
الِقدم ،كان الرياضّيون اإليرانّيون يبدأون ألعابهم الرياضّية ِبِذ كر هللا واإلم ام علّي (علي ه
السالم) ،وكان ذلك ِم ن مّيزاتهم البارزة .أتمّنى أن تف وزوا بالبطول ة أينم ا ذهبتم ،وأدع و
لكم ب التوفيق في تص دير الث ورة بمعناه ا الحقيقّي ،وآم ل أن تكون وا أبط اًال ِم ن الناحي ة
األخالقّية أيضًا ،وأرى -والحمد هلل -أخالقًا عالية أخ ذت تظه ر وتنم و ل دى الرياض ّيين.
وأدعوكم إلى االلتفات إلى نقطة مهّم ة ،هي أّن ه ذه ال دعايات كّله ا المث ارة ض ّد الش عب
اإليرانّي ال تهدف إاّل إلى إعادة البالد إلى الوراء وإلى العهد البائدَ ،فحاِو لوا ُم قاوم ة ه ذه
الدعايات،
لم يتعامل اإلمام الخمينّي (قدس سره) مع قضّية المرأة ِبأس لوب دف اعّي ،بحيث اس تجاب
لهجمات الغربّيين على اإلسالم بعد أن َو صفوه بالرجعّية والتخّلف وطالبوه بمجاراتهم في
مسائل عديدةِ ،م نها مسألة المرأة تحت عن اوين ِم ن قبي ل تحُّر ره ا وإعطائه ا حقوقه ا .لم
َيسلك اإلمام (قدس سره) سبيَل الدفاع َو َر ّد الشبهات كمنهج ومسار عاّم ،بل كان هجومّي ًا
في طرحه ،فإّن الغرب هو المتأّخ ر ،وهو الذي التفَت في قرون الحقة إلى مس ألة تحري ر
المرأة ،والتي كان ق د أّس س له ا اإلس الم قب ل أربع ة عش ر قرن ًا .وَليس ت الحّرّي ة ال تي
يطرحها الغرب سوى َس حق ِلمسائل التنظيم االجتماعّي الذي يقتضي توزي ع األدوار بين
الرجل والمرأة ،واختالف هذه األدوار ِ-بطبيعة الحال -قضّية طبيعّية.
في مواجهته الهجومّية لهذه الثقافة التي كان الشاه محّم د رضا بهلوّي يحاول نقلها إلى
إيران ،طرح اإلمام الخمينّي (قدس س11ره) عن11اوين عدي11دة ِض من المق11ابالت والبيان11ات
والخطابات التي ألقاها ،خاّص ًة بعد تأسيس الجمهورّية اإلسالمّية في إيران وتخص11يص
يوم والدة السّ1يدة الزه11راء (عليه11ا الس11الم) يومً1ا للم11رأة .ويمكن َح ص11ر ه11ذه القض11ايا
والعناوين ِبما يأتي:
.1هوّية المرأة وحقوقها
وفي ما يأتي كلمات لإلمام الخمينّي (قدس سره) َتندرج في هذا اإلطار وهذه العناوين.
«بالنسبة إلى الحقوق اإلنسانّية ،ال َفرق بين الرجل والمرأة ،ألّنهما إنس اٌن ِكالهم ا ،وِم ن
حّق المرأة التحّك م بمصيرها كالرجل .نعم ،ثّم ة حاالت ُتوِج د ُفروقًا بين الرجل والمرأة ال
عالقة لها بشأنها .إّن القضايا كّلها التي ال تتعارض م ع كرام ة الم رأة وش رفها مس موح
بها .أّم ا بالنسبة إلى اإلجهاض َفهو حرام ِم ن وجهة نظر اإلسالم».1
«في النظام اإلسالمّي ،المرأة إنسان ال سلعة ،يمكنها المشاركة الفّعالة مع الرجل في ِبناء
المجتمع اإلسالمّي َ ،و ال يحّق لها أن ُتقّلل ِم ن شأنها ِلُتصبح ِس لعة ،كما ال يحّق للرج ال أن
ينظروا إليها ِم ن هذا المنظار .أّم ا بالنس بة إلى م ا ُيع رف بوس ائل الترفي ه ،ف إّن اإلس الم
يحارب كّل شيء يجّر اإلنسان إلى العبثّية ويجّرده من هوّيته؛ إّن شرب الخمر واإلدم ان
علي ه مح ّرم في اإلس الم ،كم ا أّن األفالم المنحرف ة عن األخالق اإلنس انّية الس امية
ممنوعة».2
«وبطبيعة الحال ،اإلسالم يعارض ه ذه األم ور -الفس اد األخالقّي واالنحراف ات -وينش د
التقُّد م للمرأة والرجل ،بل إّنه أنقذ المرأة من
«ِم ن ه ذه ال دعايات أيض ًا االّد ع اء ب أّن مجيء الحكم اإلس المّي يع ني َح بس النس اء في
المنازل وإقفال األبواب عليهّن كي ال يخرجن منها .أّي َقول قبيح ه ذا ال ذي ينس بونه إلى
اإلسالم؟ في َص در اإلسالم شاركت النساء الجيوش في ميادين القتال .اإلسالم ال ُيعارض
الجامعات ،بل يرفض نشر الفساد فيها وَج ْعلها متخّلفة ،ويعارض الجامع ة االس تعمارّية،
ال أصل الجامعة .اإلس الم ال يع ارض -أب دًا -ش يئًا من مظ اهر التق ُّد م ،وال يح ّد فئ ة من
فئاتكم .اإلسالم هو الذي أنقذ النساَء وَح ِفظهّن في مقاب ل الرج ال َبع دما ك انوا ال ُيقيم ون
لهّن وزنًا قبل بعثة اإلسالم ،فَم َنحهّن القّو ة ،وجعَلهّن مساويات للرج ال في مكان ة واح دة.
نعم ،إّن ثّم ة أحكامًا خاّص ة بالمرأة تناسبها وأخرى خاّص ة بالرجل تناسبه ،لكّنها ال تع ني
التمييز بينهما ،كالهما يستطيعان
«إّن األبعاد جميعه ا المتص ّو رة للم رأة ولإلنس ان ق د تجَّلت في فاطم ة الزه راء (عليه ا
السالم) .إّنها لم تكن امرأة عادّية ،بل كانت امرأة روحانّية ،امرأة ملكوتّي ة ،إنس انًا بتم ام
معنى اإلنسان ،باألبعاد اإلنسانّية كّلها ،حقيقة المرأة الكاملة ...حقيقة اإلنسان الكامل .إّنها
ليست امرأة عادّية ،بل موجود ملكوتّي قد ظهر في الع الم ِبص ورة إنس ان ،موج ود إلهّي
جبروتّي ظهر بصورة امرأة ...إّن الحقائق الكمالّية كّلها المتصّو رة لإلنس ان والمتص ّو رة
للمرأة تتجّلى في هذه المرأة ...امرأة فيها خصوصّيات األنبي اء (عليهم الس الم) جميعهم،
امرأة لو كانت رجًال َلكاَن نبّيًا ،امرأة ل و ك انت رجًال َلك ان َم ك ان رس ول هللا (ص لى هللا
عليه وآله) ...إّنها إنسان بتمام معنى اإلنسان ...إّنها امرأة ِبتمام معنى المرأة ...إّن للم رأة
أبعادًا مختلفة ،كما أّن للرجل أبعادًا مختلفة ،وكذلك اإلنسان ...إّن ه ذه الص ورة الطبيعّي ة
هي أدنى مراتب اإلنسان وأدنى مراتب المرأة وأدنى مراتب الرجل ،ولكْن ِم ن هذه
«إّن عّف ة النس اء في الدرج ة األولى ِم ن األهّم ّي ة ،ألّن عّف ة النس اء َتس ري إلى ه ؤالء
األطف ال ال ذين في أحض انهّن .إّن المق دار ال ذي َيس ري إلى األطف ال من عّف ة النس اء
وَش رفهّن ال يتحّق ق في الم دارس .فتعُّل ق األطف ال بأّم ه اتهم ال نظ ير ل ه في ارتب اطهم
ِباآلخرينَ ،و م ا يس معونه ِم ن َفم األّم يبقى راس خًا في قل وبهم ،بينم ا ال يرس خ ل ديهم م ا
يأخذونه من اآلخرين .فإذا كانت األّم هات ذوات فضيلة وعّف ة ،ف إّنهن س يرِفْد ن المجتم ع
بأوالد ذوي فضيلة وش رف .واألوالد ذوو الفض يلة والش رف ُيص ِلحون البل د .فإص الح
ال دول َر هن ِبكّن ،أّيته ا األّم ه اتَ .خ راب ال دول وإعماره ا َتب ع لكّن .إنكّن ،إذا َق ّد متن
للمجتمع شبابًا ذوي فضيلة ،شبابًا نشؤوا في أحضانكّن على الفضيلة ،فإّن بلدكّن سَيصلح
وَيعم ر ،وس يتّم إنق اذه من أي دي األج انب .أّم ا إذا لم َي دعوا أطف الكّن في أحض انكّن ،
فاستدرجوكّن إلى الدوائر وأخذوا أطفالكّن إلى ال ُد ور ال تي ت رعى األطف ال ،ف إّن العق دة
ستظهر فيهم ألّنهم ابتعدوا عن أّم ه اتهم .إّن الطف ل ال ذي ال يك ون تحت رعاي ة األّم ،وال
َيشعر بمحّبة األّم ،سوف يشعر بالنقص .وهذه العقد َم نشأ المفاسد جميعها؛ السرقات تنش أ
من هذه العقد ،وجرائم القت ل تنش أ من ه ذه العق د ،والخيان ات تنش أ من ه ذه العق د .وهي
تظهر عندما يبتعد الطفل عن أّم ه .إّن الطفل
«أنتّن ،أّيتها السّيدات الالتي َتُقْلن إّنكّن ُم عّلمات ،في الحقيق ة أنتّن َتُقمَن بمهّم َتْيِن ش ريفَتْين
ِج ّد ًا؛ إحداهما تربية األبناء ،وهي أسمى ِم ن كّل شغلَ ،فخير لكّن أن تقّد مَن للمجتم ع َو ل دًا
صالحًا ،وأبقى لكّن ِم ن كل شيءَ .لُك ّن ِم َن الَقْد ر حين ُت رّبيَن إنس انًا م ا ال أس تطيع َبياَن ه.
فُش غلكّن األعظم هو أن ُتَر ّبيَن األبناء تربية صالحةَ ،فُحجور األّم ه ات هي الحج ور ال تي
يجب أن يترّبى فيها اإلنسان ،إذ إّن أّو ل مراتب التربية نشأة الطفل في أحض ان أّم هِ .م ن
هنا كانت محّبة الطفل لألّم أعظم ِم ن كّل محّبة ،وما ِم ن محّب ة أس مى ِم ن محّب ة األموم ة
والُبن ّو ة .فاألطف ال يتعّلم ون القض ايا ِم ن األّم أحس ن التعّلمَ ،فُهم ُم ت أّثرون به ا أك ثر ِم ن
ت أّثرهم ب األب وب المعِّلمَ .ر ِّبيَن أبن اءكّن في أحض انكّن تربي ة إس المّية إنس انّية ،حّتى إذا
قّد مُتَّنُهم إلى االبتدائّية ،قَّد مُتَّن أطفاًال َس ليمين َخلوقين مهّذ بين َتسَع ْد َن بهم.
فالشغل األّو ل ،إذًا ،هو تربية األبناء التي نأسف على أّن الحكومة المستبّد ة كانت تري د أن
تح رمهّن إّي اهَ .فرَّو ج وا أّن االهتم ام بالطف ل ال ينبغي على الم رأة ،وَح ُّط وا ه ذا الش غل
الشريف في نظر األّم هات،
وُع ِهَد إليكَّن -أنُتّن المعّلمات -عمل شريف آخر ،ومسؤولّيته كب يرة ،وِبَق در ِم ن الش رف،
أال وه و ُص نع اإلنس ان .ف المعّلم َيص نع اإلنس ان؛ وه ذا ه و عم ل األنبي اء (عليهم
السالم) الذين جاء كٌّل منهم ِلممارسته ِم ن أّو ل حياته إلى آخرهاَ ،فُيعِّلُم الناس وُيزِّك ِيهم.
إّن مهن ة التعليم هي عم ل األنبي اء (عليهم الس الم) ،والرس ول األك رم (ص لى هللا علي ه
وآله) معّلم البشر كّلهم ،وَبعده أمير المؤمنين (عليه السالم)َ ،فُهما ُم عِّلما الناس ،وأنُتّن ِم ن
هؤالء الناس الذين هذا هو عملهم .فالعمل واحد ،لكّن أولئك يعملون في المحيط األوس ع،
ونحن نعمل في المحيط األضيق.
ُش غلكّن ،بناًء على هذا ،في غاي ة الش رف ،ومس ؤولّيته في غاي ة الَع َظم ة ،كم ا أّن ش غل
األنبي اء (عليهم الس الم) في منتهى الش رف ،ألّنهم ج اؤوا ِلُص نع اإلنس ان ،فك انت
مسؤولّيتهم فوق كّل مسؤولّية .الفارق أّن األنبي اء (عليهم الس الم) أَّد وا م ا ُع ِه َد إليهم َم ن
عمل على ما يجب ،وخرجوا من المسؤولّية .وك رامُتكَّن ه ذا العم ل ،وس عادتكّن إنج ازه
على ما يجب».1
ِم ن هنا ،فإّن القضايا المحورّية التي كان اإلمام الخمينّي (قدس س ره) يرّك ز عليه ا ح ول
فئة الشباب في المجتمع تتمحور حول بناء الذات ومراقبته ا ،س واء أك ان ع دّو ها داخلّي ًا
وهو النفس األّم ارة ،أو خارجّيًا وهو الذي يصّب جهده األساس ّي في َح رف الش باب عن
مبادئ اإلسالم والثورة ،ألّن الشباب يمّثلون العصب الحّي ألّي مجتمع وحضارة .ويتمّثل
تركيز العدّو الخارجّي جّله في إحياء الشهوة ومراك ز الفحش بش ّتى أص نافها ،وبإش غال
الشباب بقضايا الحياة اليومّية ،وإغفالهم عن قضايا المجتمع والمبادئ الكبرى.
وفي ما ي11أتي أهّم العن11اوين ال11تي ذكره11ا اإلم11ام الخمي11نّي (قدس س11ره) في خطاب11ه م11ع
الشباب:
«جاء اإلسالم -أساسًاِ -لبناء الحياة واإلنسانَ .و الجهاد ِم ن أجل حي اة اإلنس ان نفس ه ُم ق ّد م
على كّل جهاد؛ لذا سّم اه الرسول األكرم (ص لى هللا علي ه وآل ه) الجه اد األك بر .فالجه اد
عظيم ،إذًا ،والفضائل كّلها تأتي بعده .الجهاد األكبر هو جهاد اإلنس ان نفس ه الطاغوتّي ة،
َفعليكم ،أّيها الشّبان ،أن تشرعوا ِم ن اآلن بهذا الجهاد .ال َتَدعوا قوى شبابكم تتب ّد د ،فكّلم ا
ذهَبت ق وى الش باب ِم ن اإلنس ان زاَدت ج ذور األخالق الفاس دة في ه وتعّق َدتَ ،و َص ُع َب
الجهاد .الشاّب يستطيع أن ينتصر في هذا الجهاد سريعًا ،بينما ال يستطيع الشيخ بلوغ هذا
النصر بسرعةَ .فال َتَدعوا إصالح أحوالكم يتدحرج ِم ن الشباب إلى الشيخوخة ،إذ إّن ِم ن
مكائد النفس التي تكيدها ِلصاحبها هذا األمر ،وهو ما يقترحه الشيطان على اإلنس ان؛ أْن
َدع إصالح نفسك ،وتمّتع بشبابك اآلن ،وُتْب في آخر العم ر .ه ذا ط رح ش يطانّي تقّد م ه
النفس ِبتعليم الشيطان األكبر.
«حسابات أولئك الذين ال يؤمنون باهلل كانت ترى أّنه ِم ن غير المعقول أن ينتص ر ش عب
ال يملك شيئًا على ق وى تمل ك ك ّل ش يء .لق د ك ان من غ ير المعق ول قط ع َي د األجن بّي
المدّج ج باألسلحة المختلفة عن خيرات الشعب وثرواته .لقد كانت حساباتهم ماّد ّية ،وِو فاق
الحسابات الماّد ّية ،كان األمر كما يقولون ،ك ان انتص ارنا مس تحيًال .لكّنهم لم ي دخلوا في
حسابهم المعنوّيات ،إذ كان اإلسالم يتق ّد م دائم ًا بالمعنوّي ات .ففي ص در اإلس الم ،وعلى
الرغم من أّنه لم يكن لدى المسلمين أّية تجهيزات ،بل كان لك ّل ع دد ِم ن المق اتلين ف رس
واحدة ،وأحيانًا سيف واحد ،فيما كان جيشا الروم والفرس م دّج َج ْين باألس لحة ،وع ددهم
أضعاف عدد المسلمين ،إاّل أّنه بهذا العدد القليل والعّد ة الضعيفة ،مع قّو ة اإليمان ،هزموا
إمبراطورّية الروم وإمبراطورّية إيران.
أنتم يا جنود اإلسالم ،أنتم يا أّيها الشباب المؤمنون النجباء ،قد حّطمتم بإيم انكم ه ذا الس ّد
الكبير ،حّطمتم هذه القّو ة الطاغوتّية ،هذه
| 170 إخوتي ،أعّز ائي ،ال تضّيعوا هذا السّر ِم ن أي ديكم ،س ّر التوّج ه إلى هللا ،س ّر التوّج ه إلى
اإلسالم .إّن الشهادة للمسلم وللم ؤمن س عادة ،وش بابنا ك انوا َي َر ون الش هادة س عادة؛ هن ا
يكمن س ّر االنتص ار .أولئ ك الم اّد ّيون ال يؤمن ون بالش هادة أص ًال ،ولكّن ش بابنا َي َر ون
الشهادة سعادتهمَ ،يَر ونها أولى راحتهم .كان هذا سّر النصر .لقد أخطأ أولئك الذين ظّن وا
أّنهم يستطيعون ،في ه ذه البره ة من ال زمن ،إيق اع الفرق ة بين أبن ائي ،بين ش بابنا ،بين
أعّز ائنا .إّن شبابنا جميعهم مهتّم ون باإلسالم ،ويمضون ُقدمًا بإيمان راسخ».1
«إّن لكم ،أنتم أّيها الشباب ،المّنة والفضل عليناَ ،فَقد ُك نتم ،أنتم أّيها الشّبان المنحدرون ِم ن
عاّم ة ه ذا الش عب ،ال ِم ن الفئ ات ال تي ض ّيَع ت م ا ل دينا كّل ه ،وال ِم ن ال ذين َف ّروا إلى
الخارج ،أو الذين كانوا هنا لكّنهم نهبوا أموال هذا الش عب .إّن لكم الفض ل والمّن ة علين ا،
واإلسالم له المّنة على الجميع؛ َفال مّنة لن ا على اإلس الم ،ب ل إّن ه ص احب المّن ة علين ا،
والق رآن ص احب المّن ة علين ا ،ولكن أنتم لكم المّن ة َع َلّي .لق د تمّك نتم ،أنتم أّيه ا الش ّبان
المؤمن ون ،أّيه ا الش ّبان المرابط ونِ ،م ن تحقي ق ه ذا النص ر .يعلم هللا م ا تحَّم ل ه قل بي،
ومقدار األسف والتأّثر ال ذي أص ابني ،حينم ا انتبهُت في المدرس ة العلوّي ة -بع د ي وم أو
يومين -إلى صور الشّبان الموجودة هناك ،وبعضهم ش هداء .إّن ه ؤالء ش ّباننا وأبناؤن ا،
وقد استشهدوا في سبيل اإلسالم ،أسأل هللا أن يحشرهم مع نبّي اإلس الم (ص لى هللا علي ه
وآل ه) .إّن اآلس ى يملؤن ا من وق وع تل ك الم ذابح وتل ك الممارس ات الوحش ّية للنظ ام
المنحوس ،ولكّننا نشعر بالشكر ألّن
«أنتم ،أّيه ا الش باب الَطَلب ة وس ائر الش باب ،أملي وُبش راي .إّن أملي ينعق د عليكم ،أّيه ا
الشباب ،عليكم أنتم ،أّيها الَطَلبة .إّنني آمل أن ُتوك ل أم ور البالد في المس تقبل إليكم أنتم،
أّيها األعّز اءَ ،و تتوّلون إدارة بالدن ا وص يانتها .إّن ني آم ل أن تتمّك ن وا من ح ّل مش اكلكم
بالِع لم والعمل ،بالعلم وتهذيب النفس ،بالِع لم والعمل الصالح.
لقد َطَو ْينا هذه المرحلة إلى اآلن ،وقطعنا أي دي الخون ة ِبوح دة الكلم ة بين فئ ات الش عب
المختلف ة ،وبالتوّك ل على اإليم ان ،وباالس تناد إلى الق رآن واإلس الم ،وسُنواص ل ه ذه
المسيرة بإذن هللا .ولكّن المش اكل س تكون أك ثر ِم ن اآلن َفص اعدًا ،م ا يتطّلب مزي دًا ِم ن
اليقظة والحذر .لقد بدأ منذ اآلن عهد البناء واإلعمار لهذه الخربة التي تركوه ا لن ا ،وأنتم
على ِع لم أفضل بما ألحقوه بجامعاتنا وثانوّياتنا ومدارسنا االبتدائّية نتيج ًة لخيان اتهم؛ أنتم
تعلم ون أّنهم أرادوا اإلبق اء عليكم متخّلفين ،وح الوا دون تنش ئة إنس ان إس المّي مقت در
وهادف .فالمن اهج الدراس ّية ك انت ،من البداي ة ،من اهج معوّج ة وُم نحرف ة ،وك ذا ك انت
برامجهم ،إذ أرادوا إعادة شبابنا إلى الوراء ِلتحقي ق أغراض هم ،كي نك ون محت اجين في
كّل شيء ،في العلم وفي االقتصاد وفي كّل شيء.
يا أملي ،يا ُبشراي ،يا أبناء اإلسالم ،لق د أدركتم س ّر النص ر ،وأّن ه ق د تّم أثن اء الع اَم ْين
األخ يَر ْين اقتالع ج ذور االس تبداد والملكّي ة المس تبّد ة الممت ّد ة على م دى 2500عام ًا،
ِبوحدة الكلمة .لقد أدركتم أّنكم هزمتم ناهبي النف ط والطفيلّيين ،وأّن الس ّر ال ذي حّق ق لكم
النصر هو وحدة الكلمة ووحدة الهدف ،واإليم ان واإلس الم والجمهورّي ة اإلس المّية .فال
تفّر طوا بهذا السّر ،وُرّص وا صفوفكم أكثر فأكثر ،وعّز زوا عالقاتكم مع الفئ ات جميعه ا،
وال سّيما علماء الدين .أنتم آمالي وُبشراي ،والشعب اإليرانّي ه و أم ل اإلس الم وُبش راه.
ينبغي الحفاظ على وحدة الكلمة التي مّك َنت ِم ن تحقيق التقُّد م في المجاالت كاّفة».1
«لقد كانوا يحاولون إشغال ِفكر الشباب عن طريق توظيف األجه زة اإلعالمّي ة كّله ا في
هذا الَغرضَ ،فقد كان كٌّل ِم ن الراديو والتلفزيون والسينما والصحافة يشّجع الش باب على
العبث واللهو وتضييع الوقت بحثًا عن الملّذ اتَ .فماذا تنتظرون ِم ن الش اّب عن دما ي ذهب
إلى السينما م ّرة واثنَتْين وثالث؟ س وف يعت اد على ذل ك ،ولن يفّك ر في غيره ا ،ورّبم ا
سيحلم بها في نومه ،وعندما يستيقظ صباحًا ،سيفّك ر كيف سيمضي الوقت بالعبث واللهو.
هذا النوع ِم ن الش باب الض ائع ِم ن المس تحيل أن يفّك ر في أّن ك ارتر َيس رق نفطن ا ،فق د
عّو دوا شبابنا ورجالنا وحّتى أطفالنا على اللهو والعبث وقضاء وقتهم في بي وت الفحش اء
وعلى شاطئ البحر
«في كّل مكان تضعون قدمكم ،ثّم ة شيء واضح -وأصحاب النظرة الثاقبة يفهمون ذل ك-
ه و أّن عمالء النظ ام الس ابق لم يري دوا أن يعَي ش بابنا م ا يح دث .ك انوا يج ّرونهم إلى
الحانات والمالهي ليشغلوهم عن قضايا بلدهم ،فالهدف ِم ن أن يعت اد ش بابنا مطالع ة تل ك
المجاّل ت المبتذلة -التي رأيتموها -بما تحويه ِم ن صور فاضحة ومس ائل مث يرة ،وارتي اد
صاالت السينما بالكيفّية التي كانت عليها ،ومتابعة الراديو والتلفزيون ببرامجهما المث يرة
لالشمئزاز ،والترّد د إلى المدارس والشواطئ ومراكز الفحشاء ،هو ضياع شبابنا وإلهائ ه
عن قضايا البلدِ ،لُيصبحوا غير ُم بالين بشيء ،حّتى ِبأنفس هم .فالش اّب ،إذا اعت اد ال ذهاب
إلى السينما ورؤية تلك المشاهد الساقطة كّل ليلة أو كّل يوم ،ف إّن ِفك ره لن ينص ّب على:
أين يذهب نفطنا؟ وأين تذهب ثرواتنا؟
تلك المسائل كّلها التي عملوا على ترويجها في الخمسين سنة األخيرة -خاّص ًة في زم ان
ذلك الثاني [الشاه محّم د رض ا بهل وّي] األس وأ ِم ن األّو ل [الش اه رض ا بهل وّي] -ك انت
تهدف إلى إلهاء شبابنا عن أنفسهم وعن بلدهم ،فلم َيعبؤوا ِبما يجري .فالذي ال هّم له غير
الذهاب إلى البحر بماذا يستطيع أن يفّك ر؟ إّنهم يمارس ون هن اك العه ر؛ ل ذا َفال يمكن أن
يتساءلوا عن قضايا العصر ،ألّنها أمور خارجة عن دائ رة اهتمام اتهم .إلى أين س ار بن ا
هذا الرجل الخائن؟ هذا كّله غير مهّم .ثّم إّن هؤالء المتنّو رين والكّت اب ودع اة التح ّرر -
معظمهم ال كّلهم -غير ملتفتين إلى ما يخَّطط لهؤالء الشباب والشاّبات ،إذ إّنهم يفعلون ما
تمليه عليهم أهواؤهم كّله .إّنهم يصرخون :آه ...لقد ذهبت الحّرّية ،الحّرّية الجميلة ذهَبت.
َح سنًا ذهبت الحّرّي ة ،فم اذا ح دث؟ ُأغلقت الحان ات وُع ّطلت مراك ز الفحش اء ،وال زلن ا
نجهل إذا ما ُع ّطلت كّلها أم الَ ،فلم َيع د مس موحًا له ؤالء الش باب والفتي ات بال ذهاب إلى
البحر بمفردهم ،والتعّري هناك ،أو ِفعل ما يشاؤون .هذه الحّرّية التي ينادون به ا ،وال تي
ُأملَيت عليهم ِم ن الغربُ ،أمِلَيت علينا نحن فق ط ،ال عليهم ،وإاّل َفِم ن أين لهم ذل ك ال رقّي
الماّد ّي؟ إّن هذا النوع ِم ن الحّرّية أوج ده الغ رب للش عوب المس تعَم رة ،حّرّي ة مس توردة
وغير منصفة .فأولئك المتحّيزون لم زاعم الغ رب يتبّجح ون بحق وق اإلنس ان َو ُهم غ ير
ُم نصفين ،ألّنهم أنفس هم -بعض ال ذين ي ّد عون التح ّرر ال كّلهم -يري دون أن ينش روا ه ذا
الشكل ِم ن الحّرّية التي تجّر بالدنا نحو الهاوية.
إّن البلَد ِبشبابه وطاقاته البشرّيةَ ،فمتى ذهَبت تلك الطاقات ذهَب
البلد .وإذا لم يمتلك البلد الطاقات البشرّية ،فإّنه لن يستطيع أن ُيدير شؤونه ،وه ذا الش كل
ِم ن الحّرّية الذي يريده السادة؛ أن يبّد دوا الطاقات البشرّية ويجّر وها إلى الالمباالة ،بحيث
يصبح هّم ها كّله :متى يأتي الصيف؟ متى نذهب إلى البحر؟ ومتى يأتي الّلي ل لن ذهب إلى
| 175 السينما؟ إّن مثل هؤالء ال يستطيعون -كما ال يستطيع الرجل المدمن على المخ ّد رات -أن
يفّك روا بما يحدث في البلد ،كإلى أين وصلت ثقافتنا واقتصادنا؟ ليس في مقدورهم التفكير
في ذلك ،وال في أولئ ك ال ذين يري دون أن ينهبون ا .إّنهم يري دون أن ينهبون ا من دون أن
ُيشعرونا بذلك؛ لذا قالوا ألنفسهمَ :فلنفتح باب اللهو واللعب أم ام ه ؤالء الش باب الي افعين
ليفعلوا ما يشاؤون .نعم ،هكذا كان وضعنا في الخمسين س نة األخ يرة؛ يرّو ج ون ِلم ا من
شأنه أن يلهي الشباب ويجعلهم يعيشون حال ة ِم ن الالمب االة .واآلن ح ان ال وقت ِلن درك،
أنتم الذين تعملون في اإلذاعة والتلفزيون ،أو نحن طلبة العلوم الدينّية في حوزاتن اَ ،فس اد
ذل ك النظ ام ،وكي ف أّن هّم ه كّل ه أن يفس د ش بابنا ويعّرض هم إلى التهلك ة ،ويلهيهم عن
قضاياهم األساسّية ،ويصنع منهم أفرادًا غير متحّم لين المسؤولّية وغير مبالين بشيء .لقد
حان الوقت لنؤمن بنظام إسالمّي إنس انّي أم وره كّله ا جّد ّي ة ،وال مك ان في ه لله زلَ .فال
هزل في اإلسالم ،سواء أكان في األمور الماّد ّية أو المعنوّية .ه ذه األم ور ال تي حظره ا
اإلسالم ،مثل اللهو واللعب والهزل ،هي نفسها التي يرّو جون لها اآلن ،والتي تجّر ش بابنا
نحو التهلكة .اإلسالم يريد جندّيًا ،يري د محارب ًا يح ارب أع داء هللا ،ويق ف مقاب ل أولئ ك
الذين يريدون الهجوم علينا .يريد اإلسالم أن يصنع مجاهدًا ،ال فردًا الهيًا َم ش غوًال ِبَله وه
فقط ،غير آبٍه بما يضيع منهَ ،كَش رفه .اإلسالم جّد ّي في أسلوبه ،وال يوجد فيه هزل.
وإّن وسائل الترفيه ال تي أجازه ا اإلس الم ،مث ل الرماي ة ورك وب الخي ل وس باق الخي ل
وسباق الرماية ،فهذه حرب أيضًا ،وقد أجاز الرهان
والشرط في هذه األلعاب ،لكّن المسألة جّد ّية هنا ،وهي التربية .أّم ا أولئك ،ف إّنهم يري دون
أن تبقى تلك المسائل الطاغوتّي ة في نظ ام الجمهورّي ة اإلس المّية ،ونحن نري د أن نعم ل
بشكٍل جّد ّي.
| 176
لق د أدَلين ا بأص واتنا للجمهورّي ة اإلس المّية ،وينبغي أن يك ون المحت وى إس المّيًا أيض ًا.
فالمؤّسسات المختلفة ،مثل الراديو والتلفزيون ،يجب أن تكون إسالمّية ،ويجب أن تتب ّد ل
برامج اللهو والمزاح والعبث فيها .يجب أن ُتصلحوا ذلك كّله .نحن نريد من شبابنا ال ذين
فتحوا عيونهم وهم بين أحضان الفساد المنتشر في كّل مكان أن يعودوا إلى ذواتهم ،رّبم ا
يستغرق ذلك وقتًا ،ولكّنني آمل أن يرجعوا عن ه ذا الغّي .وق د ح دثت اآلن -والحم د هلل-
تحّو الت ليست قليلة ،قطع فيها ش بابنا مس يرة المئ ة س نة ِبَليل ة واح دة ،وه ذه التح ّو الت
سريعة ومبّش رة بالخير».1