You are on page 1of 176

‫سلسة متون الفكر اإلسالمي‬

‫دروس من فكر‬
‫اإلمام الخميني (ُقِّد َس ِس ُّر ْه)‬
‫‪|2‬‬

‫دروس من فك ر اإلم ام الخمي نّي‬ ‫الكتاب‪:‬‬


‫(قدس سره)‬
‫مركز المعارف للتأليف والتحقيق‬ ‫إعداد‪:‬‬
‫دار المعارف اإلسالمَّية الثقافَّية‬
‫إصدار‪:‬‬
‫تص‪11111111111‬ميم‬
‫‪DBOUK‬‬
‫وطباعة‪:‬‬
‫الطبع‪111‬ة األول‬
‫‪ 2023‬م‬
‫ى‪:‬‬
‫‪ISBN 978-614-467-331-7‬‬
‫‪books@almaaref.org.lb‬‬

‫‪00961 01 467 547‬‬

‫‪00961 76 960 347‬‬


‫‪|3‬‬

‫دروس من فكر‬
‫اإلمام الخميني (قدس سره)‬
|4
‫الفهرس‬
‫المقّدمة‪7.....................................................................................‬‬
‫‪|5‬‬ ‫الفصل األّو ل‪ :‬معالم الفكر الدينّي والشخصّية اإلنسانّية عند اإلمام الخمينّي‬
‫(قدس سره)‬
‫أّو ًال‪ :‬معالم الفكر الدينّي عند اإلمام الخمينّي (قدس سره)‪11.............................‬‬
‫األمر األّو ل‪ :‬األصالة واالنسجام في المنظومة الفكرّية ‪11..................................‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬الرؤية العقدّية لإلمام الخمينّي (قدس سره)‪22...............................‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬الرؤية الِقَيمّية لإلمام الخمينّي (قدس سره)‪33..............................‬‬
‫األمر الرابع‪ :‬الرؤية التشريعّية لإلمام الخمينّي (قدس سره)‪48...........................‬‬
‫ثانيًا‪ :‬معالم الشخصّية اإلنسانّية عند اإلمام الخمينّي (قدس سره)‪63....................‬‬
‫األمر األّو ل‪ :‬العبودّية كمال اإلنسانّية ‪64.......................................................‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬أبعاد الوجود اإلنسانّي ومراعاة اإلسالم لها‪75...............................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬شرائح المجتمع في فكر اإلمام الخمينّي (قدس سره)‬
‫األمر األّو ل‪ :‬الحوزة العلمّية ‪92..................................................................‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬الجامعة ‪105........................................................................‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬المعّلمون ‪115......................................................................‬‬
‫األمر الرابع‪ :‬اإلعالمّيون‪138....................................................................‬‬
‫األمر الخامس‪ :‬الرياضّيون ‪151.................................................................‬‬
‫األمر السادس‪ :‬المرأة‪159........................................................................‬‬
‫األمر السابع‪ :‬الشباب ‪166........................................................................‬‬
|6
‫المقّدمة‬
‫والصالة والسالم على أشرف خلق هللا سّيدنا محّم د‪ ،‬وعلى آله الطّيبين الطاهرين‪.‬‬
‫‪|7‬‬
‫إّن الن اظر في حقيق ة اإلس الم‪ ،‬المتمّث ل ب القرآن الك ريم وس ّنة الن بّي (ص لى هللا علي ه‬
‫وآله) وأهل بيته األطهار (عليهم السالم)‪ ،‬يجد أّنه مشروع حضارّي‪ ،‬جاء بنح و ث ورّي‪،‬‬
‫لُيغّير البنى العقدّية والِقَيمّية والتشريعّية التي قام عليها المجتم ع الج اهلّي ؛ َفليس اإلس الم‬
‫مجموعًة من األحكام المتناثرة التي ال ناظم لها‪ ،‬بل إّنه منظومة ُم حَك مة متكاملة‪.‬‬

‫وقد سعى العلم اء األعالم في اكتش اف النهج الج امع له ذا ال ِد ين‪ ،‬فك ان اإلم ام الخمي نّي‬
‫(قدس سره) الفقيه والفيلسوف األخالقّي الذي ق ّد م نهج ًا ك امًال على المس توَيين النظ رّي‬
‫والعملّي ؛ فبعد أن أّسس ُرؤاه التي تشِّك ل صرحًا كامًال ح ول الرؤي ة الكونّي ة والمنظوم ة‬
‫الِقَيمّية والتشريعّية‪ ،‬وال سّيما والية الفقيه‪ ،‬نجح ‪-‬بتوفيق إلهّي عظيم يكاد يكون إعجازّيًا‪-‬‬
‫في إزالة طاغوت عصره‪ ،‬الشاه البهلوّي‪ ،‬وُأتيحت له فرصة تطبيق ما نّظم ه وبن اه على‬
‫المستوى الفكرّي‪.‬‬

‫حاولنا في هذا الكتاب «دروس من فكر اإلمام الخمينّي (قدس سره)» الجم ع بين إيض اح‬
‫الرؤية الفكرّية لإلمام الخمينّي (قدس سره) وبين الرؤى التنظيمّية العملّية له‪ ،‬فذكرنا أّو ًال‬
‫معالم الرؤية على مستوياتها الثالث ة؛ العقدّي ة والقيمّي ة والتش ريعّية‪ ،‬وَبّيّن ا رؤيت ه ألبع اد‬
‫اإلنسان الذي يحمل مسؤولّية‬
‫تطبيق الِد ين الحنيف وأمانته‪ .‬ثّم شرعنا ثانيًا في بيان رؤية اإلمام (قدس سره) التي قَّد مها‬
‫في زمان ثورته وتنظيمه للدولة اإلسالمّية المباركة في إيران ألهّم شرائح المجتمع‪ :‬طَلَبة‬
‫العلوم الدينّية‪ ،‬الطاّل ب الجامعّيين‪ ،‬األساتذة والمعّلمين‪ ،‬اإلعالمّيين‪ ،‬الرياض ّيين‪ ،‬الم رأة‪،‬‬
‫‪|8‬‬ ‫الشباب‪.‬‬

‫ال نّد عي أّننا أحطنا بما ذكره اإلمام (قدس سره) كّله‪ ،‬إاّل أّن ه ال ش ّك في أّن الق ارئ له ذا‬
‫الكتاب‪ ،‬سوف تّتضح أمام ه ‪-‬بش كل جلٍّي ‪ -‬المع الم الفكرّي ة لنهج اإلم ام الخمي نّي (ق دس‬
‫سره)‪ ،‬والمعالم التنظيمّية ألهّم شرائح المجتمع‪.‬‬

‫مركز المعارف للتأليف والتحقيق‬


‫الفصل األّو ل‪ :‬معالم الفكر الدينّي والشخصّية اإلنسانّية عند اإلمام‬
‫الخمينّي (قدس سره)‬
‫‪|9‬‬
| 10
‫أّو ًال‪ :‬معالم الفكر الدينّي عند اإلمام الخمينّي (قدس سره)‬
‫األمر األّو ل‪ :‬األصالة واالنسجام في المنظومة الفكرّية‬
‫‪| 11‬‬ ‫نتعّر ض في هذا القسم إلى َم عَلَم ين من معالم الرؤية التي قَّدمها اإلم‪11‬ام الخمي‪11‬نّي (قدس‬
‫سره) للِد ين اإلسالمّي ‪ ،‬والتي تشِّك ل البنية التحتّية لنهجه‪ ،‬وهما‪:‬‬

‫‪ .2‬االنسجام‬ ‫‪ .1‬األصالة المعرفّية‬

‫األصالة‬

‫ماذا ُيقصد باألصالة؟‬

‫ُتطرح قضّية األص الة في الفك ر ال دينّي انطالق ًا من قض ّية جوهرّي ة هي أّن التفك ير في‬
‫القضايا الدينّية بمجاالتها المتعّد دة؛ الفقهّية أو االعتقادّية أو األخالقّية‪ ،‬ال ب ّد من أن يك ون‬
‫مبنّي ًا على أص ول وقواع د متين ة‪ ،‬ال االستحس ان أو االس تذواق‪ ،‬إذ إّن للفقاه ة والعقائ د‬
‫والقيم منهجها التفكيرّي الخاّص الذي ال يمكن تق ديم األفك ار والمع ارف إاّل ِبس لوكه‪ .‬من‬
‫هنا يأتي طرح قضّية «األصالة»‪ ،‬والتي تعني السلوك المنهجّي المنضبط ضمن المعايير‬
‫والقواعد المثبتة‪ ،‬إلنتاج الفكر من مصادره المعرفّية الخاّصة‪.‬‬

‫ومن المؤّك د أّن ِع لمًا قد يختلف عن آخر‪ ،‬ويختلف ‪ِ-‬بَتبع ه‪ -‬منهج عن منهج‪ ،‬فتتع ّد د آف اق‬
‫األص الة وأبعاده ا‪ .‬ففي العقائ د والفلس فة‪ ،‬مثًال‪ ،‬تك ون األص الة باالس تناد إلى البره ان‬
‫العقلّي ‪ ،‬أّم ا األصالة في‬
‫الفقه والمسائل الشرعّية والفكر القانونّي اإلس المّي ‪ ،‬فتك ون باإلحاط ة بقواع د االس تنباط‬
‫الشرعّي ‪.‬‬

‫‪| 12‬‬ ‫بعد تبيان معنى األصالة‪ ،‬ال شّك ‪ ،‬إذًا‪ ،‬في أّن اإلمام الخمينّي (قدس سره) كان أصيًال بهذا‬
‫المعنى؛ فقيهًا وفيلس وفًا ومحيط ًا ب العلوم اإلس المّية‪ ،‬تش هد ل ه في ذل ك كتب ه في العل وم‬
‫المختلفة‪ ،‬وتالمذته الذين ص ار بعض هم من أعالم المفّك رين والمراج ع‪ .‬ف إن كّن ا نقص د‬
‫باألصالة رسوَخ القدم في ال تراث والعل وم وامتالك أهلّي ة اس تخراج األفك ار الدينّي ة من‬
‫مصادرها‪ ،‬فإّن اإلمام (قدس سره) كان من علم اء الط راز األّو ل في ذل ك؛ يق ول اإلم ام‬
‫الخامنئّي (دام ظله)‪« :‬كان سماحته فقيهًا وأصولّيًا وفيلسوفًا وعارفًا‪ ،‬ومعِّلم أخالق‪ ،‬وأديبًا‬
‫وشاعرًا‪ ،‬وقد ترَّبع سنوات طواًال على أرفع مقاعد التدريس‪ ،‬واستحوذ على اهتمام أب رز‬
‫المجامع العلمّية في الحوزة وأشهرها»‪.1‬‬

‫وال نقصد مّم ا طرحناه حصَر األصالة بالمجتهد أو الفيلسوف‪ ،‬ولكّن المصداق األبرز لها‬
‫متحّقق في من حّقق األصول والضوابط‪ ،‬واس تدّل عليه ا‪ ،‬وِم نهم اإلم ام الخمي نّي (ق دس‬
‫سره)‪َ .‬فمن الضرورّي‪ ،‬إذًا‪ ،‬تسليط الضوء على قضّية األصالة في كالم اإلم ام الخمي نّي‬
‫(قدس سره)‪ ،‬إذ قد يجد بعضهم أّن انشغاله (قدس س ره) بالتجدي د ونفض غب ار الس كون‬
‫عن حركة اإلسالم والمسلمين يجعله بعيدًا عن قضّية األصالة والعم ق في الفك ر ال دينّي ‪،‬‬
‫والحقيقة أّن األم ر خالف ذل ك؛ إذ إّن ه َتمَّي ز ‪-‬لع ّل ه ذه القض ّية من الممّي زات الحقيقّي ة‬
‫لشخصّية اإلمام الخمي نّي (ق دس س ره)‪ -‬ب الجمع بين األص الة والعم ق في الفك ر ال دينّي‬
‫الفقهّي وغيره من جهة‪ ،‬والتجديد من جهة أخرى‪.‬‬

‫يقول اإلمام الخمينّي (قدس سره)‪« :‬ال شك في أّن الحوزات العلمّي ة والعلم اء المل تزمين‬
‫ك انوا على م ّر ت اريخ اإلس الم والتش ُّيع أهّم قاع دة إس المّية محكم ة في وج ه الحمالت‬
‫واالنحرافات والسلوك المتطّرف‪،‬‬

‫‪ 1‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬السّيد روح هللا الموسوّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام (تراث اإلمام الخمي ني (ق دس س ره)) (ترجم ة عربّي ة)‪،‬‬
‫مؤّسسة تنظيم ونشر تراث اإلمام الخميني‪ ،‬إيران ‪ -‬طهران‪1430 ،‬هـ ‪2009 -‬م‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪ ،9‬المقّد مة‪.‬‬
‫فقد سعى علماء اإلسالم الكبار طوال عم رهم إلى نش ر مس ائل الحالل والح رام اإللهّيين‬
‫من دون تدُّخ ل أو تصُّر ف‪ .‬ولو لم يكن الفقه اء األع ّز اء‪َ ،‬لم ا عرفن ا ماهّي ة العل وم ال تي‬
‫كانت َس ُتقَّد م اليوم إلى الناس ِبَو صفها علوم القرآن واإلسالم وأهل البيت (عليهم الس الم)‪.‬‬
‫‪| 13‬‬ ‫إّن َجْم َع وِح ف ظ عل وم الق رآن واإلس الم‪ ،‬وس ّنة الرس ول األك رم (ص لى هللا علي ه‬
‫وآله) وسيرته وسيرة المعص ومين (عليهم الس الم) وت دوينها وتبويبه ا وتنقيحه ا‪ ،‬لم يكن‬
‫عمًال سهًال مع إمكانّيات قليلة جّد ًا‪َ ،‬فَقد سَّخ ر السالطين والظالمون إمكانّياتهم كّله ا ِلَم ْح ِو‬
‫آثار الرسالة‪ .‬ون رى الي وم ‪-‬وهلل الحم د‪ -‬ثم رة تل ك الجه ود في آث ار ومؤّلف ات مبارك ة‪،‬‬
‫ك الكتب األربع ة‪ 1‬والمص ّنفات األخ رى للمتق ّد مين والمت أّخ رين في الفق ه والفلس فة‬
‫والرياض ّيات والنج وم واألص ول والكالم والح ديث وعلم الرج ال والتفس ير واألدب‬
‫والعرفان واللغة وفروع المعرفة جميعها‪ .‬فإذا لم ُنَس ِّم ه ذه الجه ود والمعان اة كّله ا جه ادًا‬
‫في سبيل هللا‪ ،‬فم اذا ينبغي أن نس ّم يه؟ إّن ثّم ة ح ديثًا ط ويًال عن الخ دمات العلمّي ة الف ّذ ة‬
‫للحوزات الدينّي ة‪ ،‬ال يّتس ع المج ال هن ا ِل ذكره‪ .‬ف الحوزات العلمّي ة‪ ،‬من حيث المص ادر‬
‫وأساليب البحث واالجتهاد‪ ،‬غنّية وحافلة باإلبداع‪ ،‬وال أتص ّو ر وج ود طريق ة أنس ب من‬
‫نهج علماء السلف في دراسة العلوم اإلسالمّية بأس لوب ُم عّم ق‪ .‬إّن ت اريخ أك ثر من أل ف‬
‫عاٍم من البحث والتحقيق والتتُّبع لعلم اء اإلس الم الص ادقين‪ ،‬على طري ق رعاي ة غرس ة‬
‫اإلسالم المقّد سة ونمّو ها‪ ،‬خير شاهد على اّد عائنا؛ فعلى مدى مئات األعوام‪ ،‬ك ان علم اء‬
‫اإلسالم مالذ المحرومين‪ ،‬وك ان المستض عفون يرت وون من ك وثر زالل معرف ة الفقه اء‬
‫العظام على الدوام‪ .‬وإذا ما تجاوزنا جهادهم العلمّي والثقافّي الذي ُيَع ُّد ‪ِ-‬بَح ٍّق ‪ -‬أفض ل من‬
‫دماء الشهداء‪ 2‬في بعض األبعاد‪ ،‬فإّنهم‪،‬‬

‫‪ 1‬كتب األحاديث الفقهّية الشهيرة األربعة‪( :‬التهذيب) و(االستبصار) للشيخ الطوسّي ‪ ،‬و(من ال يحض ره الفقي ه) للش يخ‬
‫الصدوق‪ ،‬و(الكافي) للكلينّي ‪.‬‬
‫‪ 2‬راجع‪ :‬الصدوق‪ ،‬الشيخ محّم د بن علّي بن بابوي ه‪ ،‬من ال يحض ره الفقي ه‪ ،‬تحقي ق وتص حيح علّي أك بر الغّف ارّي‪،‬‬
‫مؤسسة النشر اإلسالمّي التابعة لجماعة المدّر سين بقم‪ ،‬إيران ‪ -‬قم‪1413 ،‬هـ‪ ،‬ط‪ ،2‬ج‪ ،4‬ص‪.399‬‬
‫ومن أجل الدفاع عن مقّد ساتهم الدينّية والوطنّية‪ ،‬عانوا الكثير على م ّر العص ور‪ .‬وف وق‬
‫تحّم لهم اَألسر والنفي والسجون والتع ذيب واإلس اءة‪ ،‬ق َّد موا ش هداء عظام ًا على طري ق‬
‫الح ّق تع الى‪ ...‬إّن ش هداء علم اء ال ِد ين لم ينحص روا في ش هداء النض ال والح رب في‬
‫‪| 14‬‬ ‫إيران‪ ،‬بل إّن الكثير من الشهداء المجه ولين للح وزات العلمّي ة َفَق دوا حي اتهم غرب اء في‬
‫طريق نشر المعارف واألحكام اإللهّية على يد العمالء والخبثاء‪ .‬وفي ك ّل نهض ة وث ورة‬
‫إلهّية وشعبّية‪ ،‬كان علماء اإلسالم يقفون في طليعة المواجهة‪َ ،‬و َقد ُخ َّط على جب اههم ال دم‬
‫والشهادة»‪.1‬‬
‫وقد ذكر اإلمام الخمينّي (قدس سره) في رسالة مستقّلة حول االجته اد والتقلي د مجموع ًة‬
‫من الشروط التي ال بّد ِم ن توّفرها في من يريد االجتهاد وتق ديم رأي إس المّي أص يل في‬
‫أّيِة مسألة فقهّية‪ .‬وهي كثيرة‪ ،‬منها‪ :‬العلم بفنون العلوم العربّية بمق دار م ا يحت اج إلي ه في‬
‫فهم الكتاب واُلسّنة‪َ ،‬تعُّلم المنطق بمقدار تشخيص األقيسة وترتيب الحدود‪ ،‬العلم بمهّم ات‬
‫مسائل أصول الفقه مّم ا هو دخيل في فهم األحكام الشرعّية‪ِ ،‬ع لم الرجال بمقدار ما يحتاج‬
‫إليه في تشخيص الروايات‪ ،‬واألهّم واأللزم معرفة الكتاب والُس ّنة‪.2‬‬

‫وَذ كر أّن من الش روط الالزم ة لالجته اد معرف ُة الزم ان والمك ان؛ فالمجتمع ات متبّد ل ة‬
‫ومتغّيرة ِبَتغُّير المقتضيات السياسّية واالجتماعّية المختلف ة‪ ،‬م ا يكش ف عن وج ود أس ئلة‬
‫تحتاج إلى إجابات لم تكن مطروحة ِم ن قبل‪ .‬ل ذا‪« ،‬إّن الح وزات العلمّي ة وعلم اء ال دين‬
‫مطالبون دائمًا باستيعاب حركة المجتم ع والتنُّب ؤ بمتطّلبات ه واحتياجات ه المس تقبلّية‪ ،‬وأن‬
‫يكونوا ُم هَّيأين الّتخاذ ردود الفع ل المناس بة إزاء األح داث قب ل ح دوثها‪ .‬فمن الممكن أن‬
‫تتغّي ر أس اليب إدارة أم ور المجتم ع الرائج ة في الس نوات القادم ة‪ ،‬وتج د المجتمع ات‬
‫البشرّية‬

‫‪ 1‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،21‬ص‪.251‬‬


‫‪ 2‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬السّيد روح هللا‪ ،‬االجتهاد والتقليد‪ ،‬مؤّسسة تنظيم ونشر آثار اإلمام الخمي نّي (ق دس س ره)‪ ،‬إي ران ‪-‬‬
‫طهران‪1426 ،‬هـ‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.12 - 9‬‬
‫نفسها بحاجة إلى أفكار إسالمّية جدي دة إليج اد حل ول لمش كالتها؛ ل ذا ينبغي على علم اء‬
‫اإلسالم الكبار أن يفّك روا في ذلك ِم ن اآلن»‪.1‬‬

‫‪| 15‬‬ ‫ويذكر اإلمام الخامنئّي (دام ظله) تجّلي هذه القضّية في شخص ّية اإلم ام الخمي نّي (ق دس‬
‫سره) بشكل خاّص ‪ ،‬فيقول‪« :‬لقد كان يعرف إيران جّي دًا؛ فمن جه ة ك ان ي درك موقعه ا‬
‫الجغ رافّي الحّس اس والمص يرّي‪ ،‬ويعي جغرافّيته ا السياس ّية وموارده ا الطبيعّي ة‬
‫واإلنسانّية‪ ،‬ويحيط بتطّلعاتها وأه دافها وآماله ا الكب يرة‪ ،‬وِم ن جه ة أخ رى ك ان محيط ًا‬
‫بتاريخه ا على م دى المئ ة والخمس ين عام ًا األخ يرة الزاخ رة ب الِم حن‪ ،‬وأبع اد هيمن ة‬
‫األجانب وَنهبهم ثرواتها‪ ،‬وخيانة وفساد واستبداد اُألسرة البهلوّية وآالف اُألَس ر المرتبطة‬
‫بها‪ ،‬وما ُفرض عليها من َفقر وتخُّلف علمّي وصناعّي وأخالقّي ‪ ...‬واألهّم من ذل ك كّل ه‪،‬‬
‫إدراكه لروحّية شعبها العظيم واألصيل والرشيد والمؤمن‪.‬‬

‫كما أّنه كان على اّطالع بأوضاع العالم والشعوب المستعمرة والدول المس تكبرة والجي ل‬
‫الشاّب التائ ه الح يران والمتعّطش للحقيق ة‪ ،‬وال س ّيما األوض اع المؤس فة لل دول واألّم ة‬
‫اإلسالمّية‪ .‬كان يتأّلم لذلك كّله‪ ،‬وكانت القضّية الفلسطينّية ومعاناتها المؤلمة تعتص ر قلب ه‬
‫الكبير»‪.2‬‬

‫وإّنما أتينا بهذه النصوص ِلُنثبت أّن اإلمام الخمينّي (ق دس س ره) ك ان ن اظرًا في حركت ه‬
‫وتنظيره إلى قضّية العمق‪ ،‬والشروط الض رورّية الس تنباط األفك ار من المت ون الدينّي ة‪،‬‬
‫ولم يكن ذوقّيًا أو مستحسنًا في استدالالته؛ وهذه قضّية مهّم ة ج ّد ًا لك ّل ش خص يري د أن‬
‫يكون منِتجًا للفكر‪.‬‬

‫وال تقتصر األصالة على قضّية التعامل مع النصوص الدينّي ة؛ أي االجته اد‪ ،‬ب ل إّن له ا‬
‫امتدادًا أيضًا ‪-‬وِبشكٍل واضح‪ -‬إلى ميادين الفلسفة والعرفان والت اريخ والعقي دة‪َ .‬فَق د ك ان‬
‫اإلمام الخمينّي (قدس سره) من أهّم‬

‫اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،21‬ص‪.264‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.10‬‬ ‫‪2‬‬


‫أساتذة الفلسفة والعرفان في عصره‪ ،‬وِم ن العارفين بالتاريخ اإلنسانّي بشكل ع اٍّم وِبِد ّق ة؛‬
‫وهذه كّلها من عالمات أصالته أيضًا‪.‬‬

‫‪| 16‬‬

‫االنسجام‬

‫العالمة الثانية التي تمّيز الرؤية الفكرّية لإلمام الخمينّي (قدس سره) هي انسجامها‪ ،‬وذلك‬
‫يرجع ‪-‬بدرجة كبيرة‪ -‬إلى أمرين أساسَّيين في شخصّية اإلمام؛ األّو ل ش مولّية شخص ّيته‪،‬‬
‫والثاني اعتقاده بأّن اإلسالم مشروع متكامل‪.‬‬

‫وتفصيل ذلك أّن العلوم اإلسالمّية تكاد تشبه النوافذ التي يط ّل من خالله ا الش خص على‬
‫حقيقة اإلسالم‪ ،‬واالّطالع من نافذة واحدة ال يكشف المشهد بكامله‪ ،‬خالَف النظر إلي ه ِم ن‬
‫النوافذ كاّفة‪ ،‬والذي ُيحِّص ل لديه صورة كاملة عن حقيقته‪ .‬فالفقي ه ال ذي ال ي رى اإلس الم‬
‫إاّل من منظار الفقه ناقُص الرؤية‪ ،‬وكذلك الفيلس وف أو األص ولّي أو المفّس ر‪ ،‬أّم ا ال ذي‬
‫يتعّم ق في العلوم كاّفة‪ ،‬فيعرف أص ول التعام ل م ع النّص ال دينّي من الحيثّي ة الفقهّي ة أو‬
‫التفسيرّية‪ ،‬ويرى العمق العقلّي والفلسفّي للعقائد الدينّية‪ ،‬وغير ذل ك من العل وم‪َ ،‬فَس يكون‬
‫بمقدوره‬
‫االّطالع على اإلسالم بكّلّيته التي أتى بها النبّي (صلى هللا عليه وآله)؛ هذا ِم ن جهة‪ .‬وِم ن‬
‫جهة أخرى‪ ،‬فإّن َم ن ُيؤمن بأّن اإلس الَم ‪-‬واقع ًا‪ -‬برن امٌج ش امل وج امع لحاج ات البش ر‬
‫كّلها‪ ،‬وبأّنه ِد ين ُيراد من ه أن يك ون نم ط حي اة للف رد والمجتم ع‪َ ،‬فس يكون اّطالع ه على‬
‫‪| 17‬‬ ‫الِد ين من نوافذ العل وم ِب داعي اكتش اف خريطت ه لح ّل المش كالت الفردّي ة واالجتماعّي ة‬
‫بمظاهرها المختلفة‪ ،‬خالفًا ِلمن يرى اإلسالم غير شامل من هذه الجه ة‪ ،‬فلن يك ون هّم ه‬
‫في األصل البحث عن نموذج شامل للحياة‪.‬‬

‫وقد تجّلی هذان األمران في شخصّية اإلمام (قدس سره)‪َ ،‬فنهجه واضح جّد ًا‪ ،‬إذ يقول في‬
‫بعض كلماته‪« :‬إّن لإلسالم منهجًا ومسلكًا لهذا اإلنسان الذي ل ه م راتب من الطبيع ة إلى‬
‫ما وراء الطبيع ة‪ ،‬ومّم ا وراء الطبيع ة إلى األلوهّي ة‪ .‬إّن اإلس الم يري د أن ي رّبي إنس انًا‬
‫جامع ًا‪ِ ،‬بالص ورة ال تي ه و عليه ا؛ ذا ُبع ٍد ط بيعّي فينّم ي في ه الُبع د الط بيعّي ‪ ،‬وذا ُبع د‬
‫برزخّي فينّم ي فيه الُبع د ال برزخّي ‪ ،‬وذا ُبع د روحّي فُينّم ي في ه الُبع د ال روحّي ‪ ،‬وذا ُبع ٍد‬
‫عقلّي فُينّم ي فيه الُبعد العقلّي ‪ ،‬وذا ُبعد إلهّي فُينّم ي فيه الُبع د اإللهّي ‪ ...‬إّن األبع اد جميعه ا‬
‫التي يمتلكها اإلنسان ناقصة ولم َتِص ل إلى درج ة الكم ال‪ .‬وق د ج اءت األدي ان إلنض اج‬
‫الثمرة غير الناضجة‪ ،‬وإكمال الثمرة الناقصة‪ ...‬اإلس الم يري د أن ُي رّبي اإلنس ان ليك ون‬
‫كائنًا متكامًال يمتلك األبعاد جميعها‪ ،‬ولديه تعليمات لكّل ُبعد من هذه األبعاد‪ .‬ففي اإلس الم‬
‫أحكام للحكومة اإلسالمّية ولمؤّسساتها‪ ،‬ولمواجهة األعداء‪ ،‬ولتحري ك المجتم ع من أج ل‬
‫الوصول إلى ما وراء الطبيع ة؛ اإلس الم يمل ك ذل ك كّل ه‪ .‬فاإلس الم ليس أح ادّي الج انب‬
‫ليق ول اإلنس ان‪ :‬إّن ني ع رفت اإلس الم وع رفت تاريخ ه‪ ،‬مثًال‪ ،‬وم ا ك انت علي ه حيات ه‬
‫البش رّية ‪-‬على س بيل الف رض‪ -‬وقوانين ه الطبيعّي ة وأمث ال ذل ك؛ فليس األم ر به ذه‬
‫الصورة»‪.1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.16 - 15‬‬ ‫‪1‬‬


‫ويقول أيضًا‪َ« :‬و ضع اإلسالُم برنامج ًا دقيق ًا ومفّص ًال لحي اة اإلنس ان الفردّي ة‪َ ،‬ب دءًا من‬
‫الفترة السابقة لوالدته‪ ،‬مرورًا بالمراحل جميعها التي يمضيها ضمن العائلة‪ ،‬والتي وضع‬
‫له ا ال برامج أيض ًا‪ ،‬وعَّين األحك ام والق وانين لجوانبه ا ومراحله ا كّله ا‪ .‬ثّم ي دخل بع د‬
‫‪| 18‬‬ ‫خروجه من العائلة مج اَل التعليم‪ ،‬إلى أن ي دخل المجتم ع الكب ير‪َ .‬فوض َع الق وانين ال تي‬
‫ُتنِّظم حياة المجتمع المسلم‪ ،‬بل حّتى القوانين والبرامج التي ُتنّظم عالقة الدول ة اإلس المّية‬
‫ِبسائر الدول والش عوب؛ ذل ك كّل ه ل ه أحك ام في الش ريعة المطَّه رة‪ ،‬فأحك ام اإلس الم ال‬
‫تقتصر على مراسم الدعاء والزيارة والصالة وحسب؛ ه ذه األم ور ليس ت إاّل جانب ًا من‬
‫جوانب األحكام اإلسالمّية‪ ،‬بل ثّم ة في اإلسالم سياسة ونظام إدارة بالد ِبَأس رها‪ .‬اإلس الم‬
‫ينّظم وي دير ش ؤون بل دان واس عة‪ ،‬وعلى ق ادة المس لمين ومل وكهم‪ ،‬وعلى الحكوم ات‬
‫اإلسالمّية عمومًا‪ ،‬أن ُيعّر فوا العالَم أجمع اإلسالم»‪.1‬‬

‫إذًا‪ ،‬بعد أن بَّيّنا أسباب االنسجام في ِفكر اإلمام الخمينّي (قدس س‪11‬ره)‪ ،‬ننتق‪11‬ل إلى بي‪11‬ان‬
‫التطبيقات التي ظهر فيها هذا االنسجام‪ ،‬بالنظر إلى أبعاد اإلسالم الكّلّية‪:‬‬

‫‪ .3‬الشريعة‬ ‫‪ .2‬األخالق والقيم‬ ‫‪ .1‬العقائد‬

‫ُيمكن تقسيم معارف اإلسالم إلى هذه األقسام الكّلّية‪ ،‬وسيأتي بيانها مفَّص ًال‪ ،‬إاّل أّنن ا نش ير‬
‫إليها هنا إليضاح االنس جام في م ا بينه ا‪ .‬أّم ا العقائ د‪ ،‬فتش مل م ا يمكن أن ُيس ّم ى ِو ف اق‬
‫االص طالح الكالمّي بأص ول ال ِد ين والم ذهب الخمس ة‪ ،‬من التوحي د والع دل والنب ّو ة‬
‫واإلمامة والمعاد‪ ،‬والتي لها فروع عقدّية‪ ،‬كالصفات اإللهّية في مبحث التوحي د‪ ،‬والج بر‬
‫واالختيار في مبحث العدل‪ ،‬والعصمة ولوازمها في مبحَثي النبّو ة واإلمامة‪ ،‬والبرزخ في‬
‫مبحث المع اد‪ .‬أّم ا األخالق‪ ،‬فهي البحث في الُحس ن والقبح‪ ،‬كحس ن الع دل وقبح الظلم‪،‬‬
‫والعدالة االجتماعّية‪،‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.31‬‬ ‫‪1‬‬


‫وغير ذلك‪ .‬وُيقصد بالشريعة المعارف المتعّلق ة بتنظيم حي اة اإلنس ان ‪-‬س واء أك ان على‬
‫المستوى الفردّي أم االجتماعّي ‪ -‬وهو الفقه‪.‬‬

‫‪| 19‬‬ ‫وقد َذ كر اإلمام الخمينّي (قدس سره) أّن هذه األبعاد الثالثة للِد ين‪ ،‬وال تي ُتش ِّك ل بمجمله ا‬
‫معارف القرآن وسائر النصوص‪ ،‬منسجمة في ما بينها‪ ،‬فالشريعة ال ُتنافي األخالق‪ ،‬كم ا‬
‫أّن االعتقادات ُم نسجمة مع تنظيم حي اة الف رد على المس توَيْين الفقهّي واألخالقّي ؛ ومث ال‬
‫ذلك أّننا لو أخذنا عقيدة «اإليمان باآلخرة»‪ ،‬أو إّن وراء ه ذا الع الم ال دنيوّي ع الم آخ ر‪،‬‬
‫فإّن لهذا االعتقاد لوازمه األخالقّية والفقهّية‪ .‬ويقول اإلمام الخمينّي (ق دس س ره) في ه ذا‬
‫المجال‪« :‬ال يمكن إصالح اإلنس ان وحف ظ حقوق ه إاّل باالس تناد إلى مب دأ معن وّي‪ ،‬فنحُن‬
‫نرى كيفّية تعامل الحكومات التي ق امت على أس اس التوُّج ه إلى هللا م ع الن اس‪ ،‬وكيفّي ة‬
‫تعامل غيرها ِم ن الحكومات‪ .‬ونرى كيف إّن ذاك الحاكم ‪-‬أي اإلمام علّي (عليه الس الم)‪-‬‬
‫كان يقوم بنفسه ‪-‬على الرغم من اّتساع رقعة حكومته وشمولها تلك البلدان كّلها‪ِ -‬بالتجُّو ل‬
‫ليًال لَتَفُّقد أحوال الضعفاء وتوف ير م ا يحت اجون‪ ،‬ثّم يق ول (علي ه الس الم) أّن ه يخش ى أن‬
‫يكون في اليمامة أو غيرها جائع‪ ،‬فال ُيشِبع نفسه خشية أن يك ون طعام ه أك ثر ِم ن طع ام‬
‫أولئك الجياع؛ هذا هو عمل الم ؤمن بالمب دأ الغي بّي ‪ ،‬وإاّل فه و بش ر كس ائر البش ر‪ ،‬لكّن‬
‫االعتماد والتوُّج ه إلى المبدأ الغيبّي هو الذي دفعه (عندما جاءت عساكر معاوية أو غ يره‬
‫وسلبت خلخال امرأة يهودّية أو نصرانّية من أه ل الذّم ة) إلى تأكي د أّن الم ؤمن إذا م ات‬
‫َك َم دًا بسبب ذل ك َلك ان ج ديرًا‪ ،‬وليس َم لوم ًا‪ .1‬ه ذا ه و ح ال َم ن يطلب ص الح الرعّي ة‪،‬‬
‫المحّب لإلنسان حّقًا‪ ،‬ألّنه يتوَّج ه إلى عالم فوق هذا العالم؛ ال ينحصر اهتمامه باألكل‬

‫‪ 1‬إشارة إلى الغارة التي شّنها سفيان بن عوف ‪-‬من قادة معاوية‪ -‬على مدينة األنب ار في عه د حكم اإلم ام علّي (علي ه‬
‫السالم)‪ ،‬فقد هاجم جنده حينها امرأتين؛ مسلمة وذّم ّية‪ ،‬وسلبوهما الخلخ ال والعق د وغيرهم ا‪ .‬فلّم ا س مع اإلم ام (علي ه‬
‫السالم) بذلك قال‪َ« :‬فَلْو َأَّن اْمَر ًأ ُم ْس ِلمًا َم اَت ِم ْن َبْع ِد َهَذ ا َأَس فًا‪َ ،‬م ا َك اَن ِبِه َم ُلومًا‪َ ،‬بْل َك اَن ِب ِه ِع ْن ِد ي َج ِد يرًا»‪ ،‬الرض ّي ‪،‬‬
‫الس ّيد محّم د بن حس ين‪ ،‬نهج البالغ ة (خطب اإلم ام علّي (علي ه الس الم))‪ ،‬تحقي ق وتص حيح ص بحي الص الح‪ ،‬دار‬
‫الهجرة‪ ،‬إيران ‪ -‬قم‪1414 ،‬هـ‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.70‬‬
‫والشرب وهذه الحياة الحيوانّية‪ ،‬بل يتوَّجه إلى ما هو أسمى من ذلك‪.‬‬

‫إّن أمثال هؤالء الذين يس تندون إلى ه ذه المب ادئ المعنوّي ة يمكن االعتم اد عليهم والثق ة‬
‫‪| 20‬‬ ‫بهم‪ ،‬بحيث يض ع اإلنس ان ُم قّد رات ه بأي ديهم‪ ،‬ويخت ار منهم الن ائب وال وزير ورئيس‬
‫الجمهورّية؛ وهذا ما نهتف ُم طالبين به‪ ،‬ونتطَّلع إلى تحقيقه»‪.1‬‬

‫َو ِم ن األمثلة الواضحة على انسجام المنظومة الفكرّية لإلمام الخمينّي (قدس سره) رؤيت ه‬
‫لألحكام الش رعّية من ِم نظاره ا الع اّم الحض ارّي؛ «فالش ريعة‪ ،‬وإن ج اءت لتنظيم حي اة‬
‫اإلنسان‪ ،‬لكّن هذا لم يكن غاية م ا تري ده‪ ،‬ب ل إّنه ا ج اءت أيض ًا من أج ل إيص ال الف رد‬
‫والمجتمع إلى غايات أخرى مرتبطة بالسياس ة واالس تقالل والحّرّي ة‪ ،‬وهي أم ور ِقَيمّي ة‬
‫واضحة‪ ،‬وِم ن أجل إيصاله إلى التوحيد العملّي والفعلّي على مستوى القلب والب اطن‪َ .‬فال‬
‫يمكننا‪ ،‬مثًال‪ ،‬االقتصار في نظرتنا إلى فريضة الحّج العظيمة على أّنها مناس ك فق ط‪ ،‬ب ل‬
‫إّن لها أبعادًا أخرى‪ ،‬ف إّن «اجتم اع الحّج» من األم ور اإلس المّية السياس ّية‪ ،‬ألّن الفئ ات‬
‫المستطيعة كّلها تجتمع من كّل مكان‪ ،‬من إيران وسائر البلدان اإلسالمّية‪ ،‬ويتح ّد ثون عن‬
‫شؤونهم‪ ،‬فُتَح ّل مشكالتهم‪ .‬لقد أقام اإلس الم تجّم ع ات ‪-‬ك الحّج‪ -‬ال يمكن ألّي ِة ق ّو ة أن ُتقيم‬
‫مثلها؛ فلو أّن البلدان اإلس المّية كّله ا وزعماءه ا اجتمع وا‪ ،‬فلن ُيَو َّفق وا إلى َج ْم ع نص ف‬
‫مليون إنسان في مكان واحد‪ ،‬لكّن هللا تبارك وتعالى ق د َج َم ع الن اس ِبــ ﴿َو ِلَّل ِه َعَلى ٱلَّن اِس‬
‫ِح ُّج ٱۡل َبۡي ِت ﴾‪ ،2‬ووَّفر هذا االجتماع‪ .‬ولكْن مّم ا يؤَس ف له أّن «آريا مهر» هو َم ن كان ين ال‬
‫فوائد حّجاجنا كّلها‪ ،‬حينما كانوا يذهبون إلى الحّج‪ ،‬فكانوا يتحّد ثون عن ش ؤونه‪ ،‬في حين‬
‫أّنه كان ينبغي على الخطباء والكّت اب أن يتح ّد ثوا عن قض ايا اإلس الم وبل دان المس لمين‬
‫ومشاكلهم‪ ،‬كي يجدوا سبيًال إلى َح ِّلها‪ ،‬وأن ُيفّك روا في وحدة الكلم ة‪ ،‬وَيْس َع وا من أجله ا‪.‬‬
‫إّن االعتصام‬

‫اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.285 - 284‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.97‬‬ ‫‪2‬‬


‫بحب ل هللا ه و المث ل األعلى للجمي ع‪ ،‬وق د وَّف ر هللا تب ارك وتع الى أس بابه‪ ،‬لكّنن ا ‪-‬نحن‬
‫المسلمين‪ -‬لم نسَتِط ع استثماره؛ إّننا عاجزون‪ .‬فالحّج م ؤتمر عظيم لم يس بق ل ه مثي ل في‬
‫ال دنيا‪ ،‬لكّن حّجاجن ا ي ذهبون من غ ير أن ُينج زوا عمًال إيجابّي ًا؛ َفُهم يفّك رون في كّم ّي ة‬
‫‪| 21‬‬ ‫الهدايا التي سوف َيشترونها‪ ،‬وال ُيفّك رون بما يجب أن يكونوا عليه‪ .‬إّنهم ُيؤّد ون أعم الهم‬
‫ومناسكهم‪ ،‬وال ينِبس ون ببنت َش فة عن مش اكل المس لمين واإلس الم وال دول اإلس المّية‪.‬‬
‫َفآمل‪ ،‬إذا ما تحّق ق اإلس الم ‪-‬إن ش اء هللا‪ -‬وتجّس َدت أحكام ه وتعاليم ه َع ملّي ًا‪ ،‬أن يتجّلى‬
‫المفهوم الحقيقّي للحّج»‪.1‬‬

‫وفي ما يأتي من الفصول‪ ،‬سنخّص ص الكالم حول هذه القض ّية؛ إذ إّنن ا س نتكّلم على ك ّل‬
‫ُبعد من أبعاد الِد ين في فكر اإلمام الخمينّي (قدس سره)‪ ،‬ثّم على االنسجام الحاصل بينها‪،‬‬
‫لتّتضح أمامنا جمالّية الرؤية الدينّية التي يقِّدمها لنا هذا اإلمام العظيم‪.‬‬

‫اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.93 - 92‬‬ ‫‪1‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬الرؤية العقدّية لإلمام الخمينّي (قدس سره)‬
‫يتمّثل الركن األّو ل من أركان المنظومة الفكرّية لإلمام الخمينّي (ق دس س ره) بم ا ُيس ّم ى‬
‫«الرؤية الكونّية» أو «العقائد»‪ ،‬باالصطالح الخاّص ‪ .‬ويقصد به مجموع ة األفك ار ال تي‬
‫‪| 22‬‬ ‫ُتبّين نظرتنا إلى الوجود‪ ،‬وتجيب عن سؤال‪ :‬ما هي هندسة عالم الوج ود؟ ِمَّم يت أّلف؟ م ا‬
‫الموجود وما غير الموجود؟‬

‫إذا ذهبنا إلى األسئلة التفصيلّية التي تجيب عنها الرؤي ة الكونّي ة بش كٍل ع اّم ؛ أي قب ل أن‬
‫نخّص ص الكالم ِلما يقّد مه اإلمام الخمينّي (قدس س ره)‪ ،‬فإّنن ا نج د أّن أّي وص ف للك ون‬
‫والوجود ال بّد من أن يجيب عن ثالثة أسئلة أساسّية عاّم ة‪ ،‬هي‪ :‬من أين؟ وإلى أين؟ وفي‬
‫أين؟‬

‫إّن الكالم في السؤال األّو ل على مبدأ وجود العالم وأساسه؛ فه ل إّن ل ه خالق ًا أم ال؟ وم ا‬
‫هي صفاته؟ أّم ا الس ؤال الث اني‪ ،‬فينقس م إلى أس ئلة عدي دة يجمعه ا س ؤال عن المع اد أو‬
‫المصير؛ فهل إّن العالم الماّد ّي والوجود األرضّي المحدود بهذا الزمان وسائر الح دود ال‬
‫غ ير ل ه‪ ،‬أم ثّم ة ع الم نص ير إلي ه بع د الم وت؟ والس ؤال الث الث عن الرب ط بين ال دنيا‬
‫واآلخرة‪ ،‬أو الطريق الذي يسلكه البشر ِلبلوغ غايات شّتى‪َ ،‬فهو‪ :‬هل ثّم ة طري ق خ اّص‬
‫يؤّد ي إلى مصير خاّص ؛ الطريق الذي يمكن أن نصطلح عليه بالشريعة‪ ،‬أو ما تمنحُه لنا‬
‫النبّو ة واإلمامة؟‬

‫هذه هي األركان العاّم ة للرؤية الكونّية‪ .‬وفي ما ي أتي‪ ،‬نق ّد م بعض اإلش ارات المس تلهمة‬
‫من نهج اإلمام (قدس سره)‪ ،‬وال نّد عي اإلحاطة ‪-‬في هذا الكت اب المختص ر‪ِ -‬بم ا أتى ب ه‬
‫كّله‪ ،‬وإّنما نسعى إلى تقديم مف اتيح أساس ّية تش ّك ل اإلط ار النظ رّي الع اّم لرؤيت ه (ق دس‬
‫سره)‪.‬‬
‫الرؤية الكونّية الماّد ّية واإللهّية‬

‫من أوائل األمور التي َتظهر لنا في رؤي ة اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) العقدّي ة َو ْض ُعه‬
‫‪| 23‬‬ ‫الحدود الفاصلة بين رؤيَتْين؛ األولى الرؤية التوحيدّي ة اإللهّي ة للوج ود‪ ،‬والثاني ة الرؤي ة‬
‫الماّد ّية‪ .‬فإّن َح ْص ر الوجود بالعالم الماّد ّي‪ ،‬وَتَو ُّهم أّنه ال يوجد عوالم أخ رى غ ير ماّد ّي ة‪،‬‬
‫ه و من مع الم التم اُيز بين اإللهّي وغ ير اإللهّي ‪ .‬وق د أش ارت اآلي ات القرآنّي ة إلى ه ذه‬
‫القضّية عندما وصفت أهَل الدين والقرآن واإلسالم بأّنهم يؤمنون بالَغيب‪ ،‬في مقابل الذين‬
‫اقتص ر إيم انهم واعتق ادهم على م ا ت راه أعينهم وتس معه آذانهم؛ وه و المس ّم ى ِبع الم‬
‫الشهادة‪.‬‬

‫ثّم إّن اقتصار أصحاب الرؤية الماّد ّية على هذا األمر ‪-‬أي َح ْص ر الوجود بالش هادة وع دم‬
‫اإليمان بالغيب‪ -‬يرجع إلى أسباب عديدة أهّم ها إقصاء العق ل المج ّرد عن س احة التفك ير‬
‫والمعرفة؛ بعبارة أخرى‪ ،‬هل إّن معارفنا ومعلوماتنا التي ُنكِّو نها حول الوجود لها مصدر‬
‫غير الحّس أم ال؟ فإْن قلنا إّن ما نعرفه كّله يأتي من حواّسنا‪ ،‬وما سوى الح واس ال يمكن‬
‫أن نعرف وجوده أو عدم ه؛ أي َنَفْين ا م ا َع داها ‪-‬والحقيق ة أّن العل وم الطبيعّي ة‪ ،‬ك الطّب‬
‫والفيزياء والكيمياء‪ ،‬علوم معتمدة على محورّية الحّس والتجرب ة؛ ل ذا ك انت علوم ًا ذات‬
‫مصادر معرفّية حّس ّية ومقبول ة‪ -‬فعندئ ٍذ لن ُتطِلعن ا المع ارف ال تي نمتلكه ا على وج ود‬
‫غيبّي غير ماّد ّي ‪ ،‬فتكون رؤيتنا ماّد ّية‪ .‬أّم ا إذا آمّنا بالمعرفة العقلّية التجريدّية؛ أي بالعق ل‬
‫المج ّرد ال ذي ُيزّو دن ا بأفك ار تأّم لّي ة غ ير محسوس ة‪ ،‬كوج ود هللا تع الى أو المالئك ة أو‬
‫اآلخرة أو غير ذلك ِم ن أمور ال ُتحّس ِبالحواس‪ ،‬فعندئٍذ سينفتح لنا باب المعرفة ِبالَغْيب‪.‬‬

‫لقد َذ كر اإلمام الخمينّي (قدس سره) ُع مق هذا المطلب في رسالته المطّو ل ة ال تي أرس لها‬
‫في أواخر عمره الشريف إلى زعيم االّتحاد السوفييتّي األخير‪ ،‬إذ قال‪« :‬فالم اّد ّيون آمن وا‬
‫بالحّس معيارًا للمعرفة في رؤيتهم الكونّية‪َ ،‬و َع ّد وا ما هو غير محسوس كّل ه خارج ًا عن‬
‫دائرة العلم‪ .‬وتبعًا‬
‫لذلك‪َ ،‬ع ّد وا عالَم الغيب‪ ،‬نظيَر وجود هللا تبارك وتعالى والوحي والنب ّو ة والمع اد‪ ،‬ض ربًا‬
‫من األساطير‪ ،‬في حين أّن معيار المعرفة في الرؤية الكونّية اإللهّية يشمل الحّس والعقل‪،‬‬
‫وأّن ما يدركه العقل يدخل في دائرة العلم وإن لم يكن محسوسًا‪ .‬ل ذا‪ ،‬ف إّن الوج ود يش مل‬
‫‪| 24‬‬ ‫ع اَلَم ي الَغيب والش هادة‪ ،‬وال ذي يفتق د الم اّد ة ِم ن الممكن أن يك ون ل ه وج ود‪َ ،‬فكم ا أّن‬
‫الوجود الماّد ّي يستند إلى المجّرد‪ ،‬فكذلك المعرفة الحّسّية تستند إلى المعرفة العقلّية‪.‬‬

‫إّن القرآن المجيد ينتقد أساس التفكير الماّد ّي‪ ،‬ويرّد على ال ذين يتوّهم ون ع دم وج ود هللا‬
‫ألّنه ال ُيرى‪ ،‬فيق ول‪َ﴿ :‬لن ُّنۡؤ ِم َن َل َك َح َّتٰى َنَر ى ٱلَّل َه َج ۡه َر ة﴾‪ 1‬و﴿اَّل ُتۡد ِر ُك ُه ٱۡل َأۡب َٰص ُر َو ُه َو ُيۡد ِر ُك‬
‫ٱۡل َأۡب َٰص َۖر َو ُه َو ٱلَّلِط يُف ٱۡل َخ ِبيُر ﴾‪.3»2‬‬

‫ولم يكَتِف اإلمام (قدس سره) في رسالته العريق ة ه ذه ببي ان أص ل االف تراق بين المنهج‬
‫الحّس ّي والمنهج العقلّي ‪ ،‬ب ل إّن ه بّين االس تدالالت ال تي يمكن أن تق ال‪ِ ،‬م ن أّن الحّس‬
‫والمعرفة الحّسّية وحدها قاصرة عن أن تكون محور حياة البشر‪ ،‬وأّن وجود معرفة غ ير‬
‫ماّد ّية وحّس ّية أم ر ض رورّي يثبت ه ال دليل؛ ق ال (ق دس س ره)‪« :‬من الب ديهّي أّن الم اّد ة‬
‫والجسم ‪-‬مهما كانا‪ -‬يجهالن ذاَتْيهما؛ فيجهل ك ّل ط رف من التمث ال الحج رّي أو الجس م‬
‫الم اّد ّي لإلنس ان‪ ،‬مثًال‪ ،‬طرف ه اآلخ ر‪ .‬في حين أّنن ا نش هد ‪َ-‬عيان ًا‪ -‬أّن اإلنس ان ‪-‬وك ذلك‬
‫الحيوان‪ -‬يعي ما حوله كّله‪ ،‬فيعرف أين هو‪ ،‬وم اذا يج ري حول ه‪ ،‬والص خب ال دائر في‬
‫العالم‪ .‬إذًا‪ ،‬ثّم ة شيء آخر في اإلنسان والحيوان فوق الم اّد ة‪ ،‬مع زول عن عاَلِم ه ا‪ ،‬وه و‬
‫باٍق ال يموت ِبموت الماّد ة»‪.4‬‬

‫هذا الكالم الذي َذ َك ره اإلمام الخمينّي (قدس سره) ِم ن األدّلة العميقة التي تثبت ضرورة‬
‫وجود المجّر دات عن الماّدة‪ ،‬وعدم صوابّية االقتصار في‬

‫‪ 1‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.55‬‬


‫‪ 2‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.103‬‬
‫‪ 3‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،21‬ص‪.204 - 203‬‬
‫‪ 4‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،21‬ص‪.204‬‬
‫المعرف‪11‬ة على الحّس والتجرب‪11‬ة‪ .‬وه‪11‬و دلي‪11‬ل قائم على معرف‪11‬ة النفس‪ ،‬حاص‪11‬له ثالث‬
‫مقّدمات أساسّية‪:‬‬

‫‪| 25‬‬ ‫‪ .1‬إّن حقيقة العلم والمعرفة قائمة على حض ور المعل وم عن د الع الم‪ ،‬وإاّل فالمفارق ة بين‬
‫العالم والمعلوم هي الجه ل‪َ .‬فم ا الف رق بين الع الم بش يء والجاه ل ب ه إاّل ك ون الجاه ل‬
‫بمعزل عن حضور المعلوم عنده وانكشافه لديه‪ ،‬بخالف العالم؟‬

‫‪ .2‬إّننا نعلم بأنفسنا وبمشاعرنا‪ ،‬والشّك في ه ذه القض ّية يجع ل البش ر جميعهم في عتم ة‬
‫وظلمة الجهل‪َ ،‬فينقطع أّي تواصل ممكن بينهم‪.‬‬

‫‪ .3‬إّن الجسد ماّد ّي ‪ ،‬وحقيق ة الم اّد ة انفص ال أجزائه ا بعض ها عن بعض ها اآلخ ر‪ ،‬فليس‬
‫جزء البدن حاضر عند الج زء اآلخ ر‪ .‬وعلي ه‪ ،‬ال يمكن أن يحص ل ل دينا ِع لم بأنفس نا إن‬
‫اقتصرنا على وجودنا الماّد ّي فقط‪.‬‬

‫يثبت‪ ،‬إذًا‪ ،‬أّن ُبعدًا مجّردًا عن الماّد ة هو الذي يكون مبدأ شعورنا وِع لمنا وأساسهما‪.‬‬
‫الفطرة اإلنسانّية ملهمة المعرفة‬

‫يشّك ل مفهوم «الفطرة» عنصرًا جاّد ًا وأساسّيًا في المنظومة العقدّية لإلمام الخمينّي (قدس‬
‫‪| 26‬‬ ‫سره)‪ ،‬إذ يستند إليها في كث ير من كلمات ه لالس تدالل واكتش اف الرؤي ة الكونّي ة اإللهّي ة‪.‬‬
‫وحاصل ما ُيبّين ه في ه ذا المج ال أّن في ك ّل إنس ان عش قًا للكم ال المطل ق الالمح دود‪،‬‬
‫يتجّلى في مظاهر متع ّد دة؛ ت ارًة يظه ر في حّب الِع لم المطل ق‪ ،‬وت ارًة أخ رى يظه ر في‬
‫عشق القدرة المطلقة أو الحياة الالمتناهية‪ ،‬إلى غير ذلك‪ .‬وه ذه الِفط رة ال يش ّذ عنه ا أّي‬
‫إنسان‪ ،‬سواء أكان مؤمنًا أم ال‪ .‬وإذا كان األمر كذلك‪ ،‬فإّن اإلنسان يبحث في داخ ل نفس ه‬
‫عن الالمح دود المطل ق الم نّز ه عن ك ّل نقص‪ ،‬وليس ل ذلك المعش وق المبح وث عن ه‬
‫ِم صداق إاّل هللا تعالى الذي يسعى إليه البشر جميعهم في أصل ِخ لقتهم وفطرتهم‪.‬‬

‫نعم‪ُ ،‬يخطئ البشر أحيانًا في إصابة الهدف الذي َيسعون إليه‪َ .‬فُهم يحّبون القدرة المطلق ة‪،‬‬
‫ويتوّهم ون أّن تحُّققه ا يتّم بالس يطرة على البل دان‪ ،‬وبالحص ول على المزي د ِم ن الم ال‬
‫والس لطة‪ ،‬ولكْن في الحقيق ة‪ ،‬ال َيس كن َقلبهم ِبالحص ول على ه ذه األم ور‪ ،‬ألّنه ا ‪َ-‬م هم ا‬
‫كثَر ت‪ -‬تبقى محدودة ومنتهية‪ .‬هذا الس عي وع دم االطمئن ان َي ُد اّل ن ‪ِ-‬بالوج دان‪ -‬على أْن‬
‫ليس هذا ما يريدونه‪ ،‬بل إّنُهم في بحٍث دائٍم عن الكمال المطلق الالمتناهي؛ أي هللا تعالى‪.‬‬
‫فمعرفة هللا مغروسة في ُع مق البشر كّلهم‪ ،‬لكّنهم ُيخطئون في تشخيص ما يريدون؛ يقول‬
‫اإلمام الخمينّي (قدس سره)‪« :‬إّن اإلنس ان في فطرت ه ينش د الكم ال ِبنح ٍو ُم طل ق‪ .‬وكم ا‬
‫تعلمون‪ ،‬فإّن اإلنسان يتطّلع إلى أن يكون القّو ة المطلقة في العالم‪َ ،‬فال يعب أ بق ّو ة ناقص ة‪.‬‬
‫ولو أّنه امتلك العالم‪ ،‬وَع ِلم أّن ثّم ة عاَلم ًا آخ ر‪َ ،‬ل َر غب ِفطرّي ًا في َض ّم ذل ك الع الم إلى‬
‫سلطته أيضًا‪َ .‬فمهما َبلغ اإلنسان من الِع لم‪ ،‬وقي ل ل ه إّن ثّم ة علوم ًا أخ رى‪ ،‬فإّن ه ي رغب‬
‫ِفطرّيًا في تعُّلم هذه العلوم أيضًا‪ .‬إذًا‪ ،‬ال بّد ِم ن أن تكون هناك قّو ة مطلقة وِع لم مطل ق كي‬
‫يتعّلق بهما اإلنسان؛ أي هللا تبارك وتعالى الذي نتوَّجه إليه‬
‫جميعًا‪ ،‬وإن ُكّنا نجهل ذلك‪ ...‬اإلنسان يريد أن يصل إلى الح ّق المطل ق كي يف نى في هللا‪.‬‬
‫وهذا الشوق إلى الحياة األبدّية‪ ،‬المتأّص ل في وج ود ك ّل إنس ان‪ ،‬دلي ل على وج ود ع اَلم‬
‫الخلود المنّز ه عن الموت»‪.1‬‬
‫‪| 27‬‬
‫ويقول أيضًا‪« :‬إّن ِفطرَة هللا التوُّج ه نحو الكمال المطلق‪ ،‬فاإلنس ان ينش د الكم ال المطل ق‬
‫ِلنفسه طاَلما كان ناقصًا؛ يريد القّو ة لنفسه ألّنه ناقص‪ ،‬لكّنه ينشد قدرة هللا‪ ،‬وال يدري ب أّن‬
‫فطرته تّتجه نحوه‪ .‬الفطرة هي التوحيد‪ ،‬والناس جميعهم على هذه الِفطرة‪ ،‬بل رّبما كانت‬
‫الفطرة إحدى أقوى األدّلة على التوحيد‪َ .‬فِم ن المحال أاّل يطلب اإلنسان المزيد َم هما بلَغت‬
‫قدرته‪ ،‬ألّنه يسعى إلى امتالك ما يفتقر إلي ه‪ .‬فالرأس مالّي ‪ ،‬مثًال‪ ،‬يس عى إلى المزي د كّلم ا‬
‫تضاعفت ثروته‪ ،‬والسلطة تس عى إلى مزي د من التوُّس ع َم هم ا ك ان حجمه ا‪ ،‬وَت َر ون أّن‬
‫القوى الكبرى تنحو هذا النحو أيضًا‪ ،‬فتسعى إلى المزيد ِم ن الق ّو ة؛ ه ذه الفط رة موج ودة‬
‫لدى الجميع‪َ ،‬فَل و ُو ِض ع ه ذا الع الم كّل ه تحت نف وذكم‪ ،‬وخض عت دول الع الم كّله ا لكم‪،‬‬
‫وُس ِئلُتم‪ :‬هل تريدون المزيد؟ َفِم ن المح ال أن ترفض وا‪ .‬إاّل أن يص ل اإلنس ان إلى مع دن‬
‫الكمال ويبّد د الُحجب»‪.2‬‬

‫وقد قام كتاب اإلمام (قدس س ره) «جن ود العق ل والجه ل» على ه ذه الفك رة المركزّي ة‪،‬‬
‫واستطاع أن يثبت أّم هات العقائد‪ ،‬كالتوحيد والعدل والمعاد والوالي ة‪ ،‬بالتوُّج ه نح و ه ذا‬
‫الشعور الفطرّي في اإلنسان‪ ،‬إذ يقول فيه‪« :‬إّن أص ول اإليم ان وأركان ه‪ ،‬وهي المعرف ة‬
‫والتوحيد والوالية واإليم ان بالُرس ل وِبي وم المع اد والمالئك ة والكتب اإللهّي ة‪ ،‬كّله ا من‬
‫الفطر»‪.3‬‬

‫بالنسبة إلى التوحيد‪َ ،‬فقد م ّر أّن عش ق الكم ال المطل ق المغ روس في فط رة ك ّل إنس ان‬
‫عالمة واقعّية على وجود هذا الكمال المطلق‪ ،‬ألّن العشَق فعلٌّي ‪ ،‬وق د ثبت ب البراهين أّن ه‬
‫يستدعي معشوقًا فعلّيًا؛‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،21‬ص‪.204‬‬


‫‪ 2‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،17‬ص‪.429 - 428‬‬
‫‪ 3‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬السّيد روح هللا‪ ،‬جنود العقل والجهل‪ ،‬مؤّسسة األعلمّي للمطبوعات‪ ،‬لبنان ‪ -‬ب يروت‪2001 ،‬م‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫ص‪.83‬‬
‫«ال يتوّهم أّن اإلنسان على خطأ أو غلط‪ ،‬فالنفس متوّجهة إلى الصور الذهنّية والخي االت‬
‫الموهومة التي ال أص ل له ا‪ ،‬ألّن الص ور الخيالّي ة ال يمكنه ا أن تك ون معش وقة للنفس‪،‬‬
‫فتكون كّلها محدودة‪ ،‬والنفس عاشقة لغير المحدود»‪.1‬‬
‫‪| 28‬‬
‫أّم ا المعاد‪َ ،‬فُيثبت ه اإلم ام (ق دس س ره) بالعش ق الفط رّي نفس ه الموج ود في النفس‪ ،‬ألّن‬
‫«اإلنسان يعشق الحّرّية أيضًا بالفطرة‪ ،‬حّرّية أن يفعل ما يشاء‪ ،‬وأن تكون إرادت ه ناف ذة‪،‬‬
‫بحيث ال يكون مقابل سلطته ُم دافع‪ ،‬أو أمام قدرته ُم زاحم‪ .‬ومن المعل وم أاّل نف وذ للق درة‬
‫واإلرادة على ه ذا الش كِل في ه ذا الع اَلم‪ ،‬وال حّتى أق ّل من ه‪ ،‬ألّن طب ائع ه ذا الع اَلم‬
‫المتعّص بة ترفض أن تكون تحت إرادة اإلنسان‪ ،‬كما هو واض ح‪ ،‬وس لطة كه ذه ال توج د‬
‫إاّل في ع الم م ا بع د الطبيع ة؛ أي جّن ة أه ل الطاع ة‪ ،‬واإلنس ان بفطرت ه م ؤمن بالنش أة‬
‫الغيبّية‪َ ،‬فِم ن المعلوم أّن العشق الفعلّي والعاشق الفعلّي ُم الزمان للمعشوق الفعلّي »‪.2‬‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.87‬‬


‫‪ 2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.86‬‬
| 29
‫معرفة هللا وعالقة العالم به‬

‫من المباحث العقدّية المهّم ة في الرؤية الكونّية اإللهّية العالقُة بين العالم وإله الع الم‪ ،‬وق د‬
‫‪| 30‬‬ ‫ُك تب الكثير في هذا األمر‪ ،‬فقد كان قضّية شغلت الفالسفة والعرفاء الكبار‪.‬‬

‫وَقد خاَض اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) ه ذا البحث‪ ،‬وجعل ه ِم ن أهّم أرك ان المنظوم ة‬
‫العقدّية اإللهّية‪َ .‬فحاول تبيان أّن العالم ليس مستقًاّل عن هللا تعالى؛ بمع نى أّن الموج ودات‬
‫كّلها فقيرة إليه في وجودها وكماله ا‪ ،‬فال ينبغي أن نتص ّو ر أّن هللا خل ق اإلنس ان وس ائر‬
‫الموج ودات في ظ رف زم انّي معّين‪ ،‬وأّن ه في مرتب ة وجودّي ة‪ ،‬ومخلوقات ه في مرتب ة‬
‫أخ رى‪ .‬األم ر ليس ك ذلك أب دًا‪ ،‬إذ إّن المخلوق ات كّله ا «عين الرب ط» باهلل‪ ،‬فهي ليس ت‬
‫مرتبطة به ِم ن جهة ومستقّلة عنه ِم ن جه ة أخ رى‪ ،‬ب ل إّنه ا في وجوده ا وذّراته ا كّله ا‬
‫متعّلقة به‪َ .‬فال يمكنن ا‪ ،‬إذًا‪ ،‬الف رار من حض وره تع الى في حياتن ا‪ ،‬أو ال ذهاب ِبِفكرن ا أو‬
‫خاطرنا إلى ما ال حضور له تعالى فيه‪ ،‬ألّنه الحاضر المطلق‪.‬‬

‫هذه الرؤية كّر رها اإلمام (قدس سره) في كث ير ِم ن كتب ه وخطابات ه ورس ائله‪َ ،‬فق د كتب‬
‫إلى ابنه السّيد أحمد رسالة معنوّي ة ق ال فيه ا‪« :‬ب نّي أحم د الخمي نّي ‪ ،‬رزق ك هللا هدايت ه‪،‬‬
‫سواء أكان العالم أزلّيًا وأبدّيًا أم ال‪ ،‬وسواء أكانت سلسلة الموجودات غ ير متناهي ة أم ال‪،‬‬
‫فإّنها كّلها فقيرة‪ ،‬ألّن وجودها ليس ذاتّيًا‪ .‬وأنت‪ ،‬إذا نظرَت باإلحاطة العقلّية إلى السالسل‬
‫غير المتناهية جميعها‪ ،‬فإّنك ستسمع صوت الفقر واالحتياج الذاتّي في وجودها‪ ،‬وكماله ا‬
‫ِبالوجود الموجود بالذات‪ ،‬والكماالت ذاتّية له‪ .‬وإذا خ اطبَت بالمخاطب ة العقلّي ة السالس َل‬
‫الفقيرة بالذات قائًال‪ :‬أّيتها الموجودات الفق يرة‪َ ،‬م ن ال ذي يس تطيع س ّد احتياجات ك؟ فإّنه ا‬
‫جميعًا ستصرخ بلسان الفطرة‪ :‬نحن محت اجون إلى موج ود ليس فق يرًا مثلن ا في الوج ود‬
‫والكمال‪ .‬على الرغم ِم ن أّن هذه الفطرة نفسها ليست منها‪،‬‬
‫ب ل من هللا؛ ﴿ِفۡط َر َت ٱلَّل ِه ٱَّلِتي َفَط َر ٱلَّن اَس َعَلۡي َه ۚا اَل َتۡب ِد يَل ِلَخ ۡل ِق ٱلَّلِۚه ﴾‪ ،1‬فالمخلوق ات الفق يرة‬
‫بالذات ال تتبّد ل إلى غنّية بالذات‪ ،‬ألّن هذا التبديل غير ممكن‪ .‬وألّنها فقيرة ومحتاجة‪ ،‬فإّن‬
‫أحدًا اليستطيع رفع فقرها سوى الغنّي بالذات‪ .‬وهذا الفق ر ال ذاتّي الالزم له ا دائم‪ ،‬س واء‬
‫‪| 31‬‬ ‫أكانت ه ذه السلس لة أبدّي ة أم ال‪ .‬ال يمكن ألح د أن يفع ل ش يئًا س وى هللا‪ ،‬ولن يمتل ك أّي‬
‫شخٍص كماله وجماله؛ ﴿َو َما َرَم ۡي َت ِإۡذ َرَم ۡي َت َو َٰلِكَّن ٱلَّل َه َرَم ٰى ﴾‪ .2‬هذا يصدق على كّل شيء‪،‬‬
‫وعلى كّل ِفعٍل وكّل قوٍل وعمل‪ .‬وَم ن ُيدرك ه ذه الحقيق ة ويت ذّو قها‪ ،‬ف إّن قلب ه س وف لن‬
‫يتعّلق بأحٍد غيره‪ ،‬ولن يطلب حاجة ِم ن سواه‪.‬‬

‫حاِو ل أن تفّك ر في هذه البارقة اإللهّية في الخلوات‪ ،‬ولِّقن طفَل قلبك إّياه ا‪ ،‬وكِّر ره ا حّتى‬
‫تتجّسد على اللسان‪ ،‬وتتمظه ر في مل ك وج ودك وملكوت ه‪ ،‬واّتِص ل ب الغنّي المطل ق كي‬
‫تستغني عن أّي أحد سواه‪ ،‬واطلب منه توفيق الوص ول‪ ،‬كي يقطع ك عن الن اس جميعهم‬
‫وعن ذاتّية ذاتك‪ ،‬ويمنحك التشّر ف بالحضور واإلذن بالدخول»‪.3‬‬

‫مسيرة النبّو ة واإلمامة‬

‫إلى هذا الموضع‪ ،‬تكّلمنا على قضّيتا التوحيد واآلخرة بحسب رؤية اإلمام الخمينّي (قدس‬
‫سره)‪ ،‬وكي ف أرجعهم ا إلى الفط رة المغروس ة في ك ّل إنس ان‪ .‬وبقي الكالم على النب ّو ة‬
‫واإلمامة‪ ،‬بحسب رؤيته أيضًا‪.‬‬

‫إذا راجعنا بيانات اإلمام الخمينّي (قدس سره) وكلماته حول الوالية؛ أي النبّو ة واإلمام ة‪،‬‬
‫فإّننا نجده يمتلك رؤية مهّم ة وجديرة بالتأّم ل ح ول شخص ّية األولي اء ووظيفتهم في ه ذا‬
‫العالم‪ .‬فاألنبياء‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬قادة مسيرة اإلنسانّية إلى الكم ال ال ذي تنش ده‪ ،‬وال يمكن أن‬
‫ننظر‬

‫سورة الروم‪ ،‬اآلية ‪.3‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.17‬‬ ‫‪2‬‬

‫اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.159 - 158‬‬ ‫‪3‬‬
‫إليهم على أّنهم أشخاص منعزلون في حياتهم‪ ،‬أوك إّن دعوتهم كانت س طحّية‪ ،‬ب ل ك انوا‬
‫قادًة بم ا للكلم ة ِم ن عم ق ومع نى‪ ،‬يس يرون بالبش رّية إلى ه دف واح د ومش ّخ ص‪ ،‬ه و‬
‫الوصول إلى العبودّية‪ ،‬وحاكمّية هللا في حي اة البش ر بش ؤونهم وأح والهم كّله ا‪ ،‬بحيث ال‬
‫‪| 32‬‬ ‫يكون ِلما س واه‪ ،‬ك األهواء واألنانّي ات‪ ،‬حاكمّي ة وس لطة؛ يق ول (ق دس س ره)‪« :‬ق ال هللا‬
‫تعالى‪ُ﴿ :‬قۡل ِإَّنَم ٓا َأِع ُظُك م ِبَٰو ِح َد ٍۖة َأن َتُقوُم وْا ِلَّل ِه َم ۡث َنٰى َو ُفَٰر َد ٰى ﴾‪ .1‬بّين هللا سبحانه في هذه اآلية‬
‫الشريفة المسيرة اإلنسانّية من المبدأ األّو ل للطبيعة المظلمة حّتى المنتهى‪ .‬وقد اخت ار إل ُه‬
‫العالم من َبين المواعظ كّلها أفضلها‪ِ ،‬لَيض ع إزاء اإلنس ان كلم ة تمّث ل طري ق اإلص الح‬
‫الوحيد للعالمين؛ أي القيام هلل‪ .‬فهذا القيام أوصل إب راهيم خلي ل ال رحمن إلى مق ام الخّل ة‪،‬‬
‫وح ّرره من َأس ر المظ اهر المختلف ة لع الم الطبيع ة؛ ُاط رق كالخلي ل ب اب علم اليقين‪،‬‬
‫واصرْخ ِبنداء‪ٓ﴿ :‬اَل ُأِح ُّب ٱٓأۡلِفِليَن ﴾‪ .2‬وهذا القيام نصر موسى الكليم ِبَع صاه على الفراعنة‪،‬‬
‫وألقى ِبتيجانهم وعروشهم في مهّب ال ريح‪ ،‬وال ذي أوص له أيض ًا إلى ميق ات المحب وب‪،‬‬
‫وأحّله مقام الصعق‪ 3‬والصحو‪ .4‬والقيام هلل هذا ه و ال ذي نص ر خ اتم األنبي اء (ص لى هللا‬
‫عليه وآل ه) بمف رده على ع ادات الجاهلّي ة وتقالي دها كّله ا‪ ،‬وطّه ر بيت هللا ِم ن األص نام‬
‫وأحّل محّلها التوحيد والتقوى‪ ،‬وهو الذي أوصل هذه الذات المقّد سة أيضًا إلى مقام ﴿َق اَب‬
‫َقۡو َس ۡي ِن َأۡو َأۡد َنٰى ﴾‪.6»5‬‬

‫ويقول أيضًا‪« :‬إّن األنبياء والعلم اء ك انوا يتص ّد ون لحكوم ات الج ور من ذ ب دء الت اريخ‬
‫البش رّي حّتى اآلن‪ .‬أفلم يكون وا يعقل ون؟ وحين َبعث هللا س بحانه وتع الى موس ى (علي ه‬
‫السالم) للقضاء على فرعون‪ ،‬ألم يكن سبحانه وتعالى م دركًا للقض ّية كإدراكن ا له ا‪ ،‬أن ا‬
‫وأنتم‪ ،‬أم إّن عليه أاّل يعارض الملك؟‬

‫‪ 1‬سورة سبأ‪ ،‬اآلية ‪.46‬‬


‫‪ 2‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.76‬‬
‫‪ 3‬فناء العبد السالك بحسب االصطالح العرفانّي ‪.‬‬
‫‪ 4‬البقاء باهلل بعد الفناء في هللا‪ ،‬والعودة إلى عالم الناسوت‪ ،‬امتثاًال ألمر الرّب الجليل‪.‬‬
‫‪ 5‬سورة النجم‪ ،‬اآلية ‪.9‬‬
‫‪ 6‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.43‬‬
‫ينقل الطبرّي وابن األثير رواية عن الرسول (صلى هللا عليه وآله) أّنه ق ال إّن ِم ن أبغض‬
‫الكلمات إلّي كلمة «َم ِل ك المل وك»؛ أي إّنه ا ِم ن الكلم ات المبغوض ة‪ ،‬إْن هي ُنس بت إلى‬
‫شخص ِم ن البشر‪ ،‬ألّنها هلل تعالى وحده‪.‬‬
‫‪| 33‬‬
‫إّن األنبياء (عليهم السالم)‪ ،‬منذ القدم‪ ،‬وصوًال إلى نبّو ة الرسول األك رم (ص لى هللا علي ه‬
‫وآله)‪ ،‬ثّم األئّم ة (عليهم السالم)‪ ،‬كانوا جميعهم يواجه ون الظلم‪ .‬حّتى أثن اء وج ودهم في‬
‫السجن‪ ،‬كانوا يواجهون الظلم‪ .‬فموسى بن جعف ر (علي ه الس الم) لم ي ترك مس ؤولّيته في‬
‫المواجهة‪ ،‬حّتى عندما كان يرزح في السجن‪ .‬وكذلك أبو عبد هللا الحسين (عليه الس الم)‪،‬‬
‫كان يقف في وجه الظالمين‪ ،‬على الرغم من التقّية الكذائّية والكذائّية‪ ،‬إذ تفيد الرواي ة أّن ه‬
‫كان يتصّد ى لهم بالكالم‪ ،‬ويمارس التبليغ‪ ،‬ويحّرك الناس ِلمعارضتهم‪.‬‬

‫وإذا تعّم قنا في النظر‪ ،‬نرى أّن اإلمام الحسن (عليه السالم) تص ّد ى لمعاوي ة ‪-‬ال ذي ك ان‬
‫حاكمًا في زمنه‪ -‬على الرغم من أّن جميعهم بايعوا ذلك التاف ه‪ ،‬وك انوا يخش ون س لطانه‪.‬‬
‫إاّل أّن اإلمام الحسن (عليه السالم) وق ف ض ّد ه م ا اس تطاع إلى ذل ك س بيًال‪ ،‬إلى ال وقت‬
‫الذي حالت فيه مجموعة من البسطاء بين ه وبين مواص لة دوره في المواجه ة‪َ ،‬فَقِب َل ‪ ،‬في‬
‫ظّل تلك الظروف‪ ،‬بالصلح مع معاوية‪ .‬وأثناء فترة الص لح‪ ،‬لم ي ّد خر وس عًا في فض حه‪،‬‬
‫ب ل إّن م ا عّرض ه ل ه من الخ زي والع ار ال يق ّل عّم ا عّرض ه اإلم ام الحس ين (علي ه‬
‫السالم) ِليزيد»‪.1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.345‬‬ ‫‪1‬‬


‫األمر الثالث‪ :‬الرؤية الِقَيمّية لإلمام الخمينّي (قدس سره)‬
‫جاء في األمر األّو ل أّن النظام الفكرّي عند اإلمام الخمينّي (قدس س ره) ينقس م إلى ثالث ة‬
‫أقسام‪ :‬القس م األّو ل ه و الرؤي ة الكونّي ة‪ ،‬وق د تّم الكالم علي ه إجم اًال في األم ر الس ابق‪،‬‬
‫‪| 34‬‬ ‫والقسم الثاني هو الرؤية القيمّية واألخالقّية‪ ،‬وهو ما سنتحّد ث عنه هنا‪ ،‬والقسم الثالث هو‬
‫رؤيته للشريعة والقانون‪ ،‬وسيأتي بحثه في األمر الالحق‪.‬‬

‫إذا راجعنا كلم ات اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) المنتش رة في كتب ه وخطابات ه وبيانات ه‬
‫المختلفة‪ ،‬نجد أّن قضّية األخالق والقيم تحتّل رتبة رفيعة بعد الرؤية الكونّية‪ ،‬ألّن امتالك‬
‫رؤية كونّي ة معّين ة يحّتم على أّي إنس ان أن يب ني نظام ه األخالقّي ِو فاق ًا ِلم ا يعتق ده في‬
‫الوجود والكون‪ .‬فالذي يعتقد بوجود إلٍه خالٍق للعالم ِبَيده أمر كّل شيء‪ ،‬سيبني نمط حياته‬
‫وتفاصيلها ِو فاق منظومة قيمّية مختلفة عن تلك ال تي س يعتمدها َم ن ال ي ؤمن باهلل تع الى‪.‬‬
‫وكذلك األمر بالنسبة إلى َم ن يؤمن باآلخرة ووجود عالم آخر غير الماّد ة وال دنيا‪ ،‬وَم ن ال‬
‫يؤمن بهذه األمور جميعًا‪ِ .‬م ن هنا نج د أّن اإلم ام (ق دس س ره)‪ ،‬عن د حديث ه عن اآلف ات‬
‫األخالقّية‪ ،‬ك ان ينطل ق بش كل دائم من المع ارف العقدّي ة‪ ،‬وينّب ه إلى أّن س المة األخالق‬
‫تنشأ من سالمة العقيدة‪ ،‬كما أّن فسادها ينشأ من فساد العقي دة‪ .‬ومث ال ذل ك م ا يط رح في‬
‫باب الرياء‪ ،‬وهو من المفاسد األخالقّية التي حّذ ر منها الِد ين بشكل واضح‪ِ ،‬م ن أّن الرياء‬
‫إّنما ينشأ من عدم إيمان اإلنسان بشكٍل واقعّي ِبق درة هللا تع الى وكون ه الم ؤّثر في قل وب‬
‫العباد؛ بتعبيٍر آخر‪ :‬بالتوحيد على مستوى الفعل والتأثير‪ ،‬وهو ما ُيعِّبر عنه بــ «ال م ؤِّثر‬
‫في الوجود إال هللا»‪ ،‬إذ إّن المرائي يبحث في أفعال ه وحركات ه وس كوناته عن الت أثير في‬
‫قل وب العب اد بش كٍل مس تقّل ‪ ،‬من دون أن ي راعي في ذل ك حض ور هللا تع الى وإحاطت ه‬
‫وحضوره‪ .‬وهذه قضّية عقدّي ة تنعكس بش كٍل جلٍّي على األخالق؛ يق ول اإلم ام الخمي نّي‬
‫(قدس سره) في هذا الصدد‪« :‬نتيجة إلحاطة قدرة هللا تبارك وتعالى بالموجودات‬
‫جميعها‪ ،‬وبسط سلطانه على الكائنات جميعها‪ ،‬وإحاطة قّيومّيته بالممكنات جميعه ا‪ ،‬ف إّن‬
‫قلوب العباد جميعًا تكون تحت تصُّر فه وِبَيد قدرت ه وفي قبض ة س لطانه‪ ،‬وال يتص ّرف ‪-‬‬
‫ولن يتصّرف‪ -‬أحد في قلوب العباد من دون إذنه القّي ومّي وإجازت ه التكوينّي ة‪ ...‬إذًا‪ ،‬فاهلل‬
‫‪| 35‬‬ ‫تعالى هو صاحب القلب والمتص ّرف في ه‪ ،‬أّم ا العب د الض عيف الع اجز‪ ،‬فال يس تطيع أن‬
‫يتصّر ف بقلبه من دون إذنه‪ ،‬إذ إّن إرادت ه ق اهرة إلرادت ك وإرادة الموج ودات جميعه ا‪.‬‬
‫َفِر ياؤك وتمُّلقك‪ ،‬إذا كانا من أجل جذب قلوب العباد‪ ،‬ولفت نظرهم‪ ،‬ومن أج ل الحص ول‬
‫على المنزل ة والتق دير في القل وب‪ ،‬واالش تهار بالص الح‪ ،‬ف إّن ذل ك خ ارج ِبُك ّل ه عن‬
‫تصُّر فك‪ ،‬وهو تحت تصّرف هللا‪ ،‬ألّن إله القلوب وصاحبها يوِّج ه القلوب نح و من يش اء‪.‬‬
‫وِم ن الممكن أن تحصل على نتيجة عكسّية»‪.1‬‬

‫ِم ن هن‪11‬ا ك‪1‬انت العقي‪11‬دة الص‪11‬حيحة منس‪11‬جمة ‪-‬بالض‪11‬رورة‪ -‬م‪11‬ع النظ‪1‬ام القيمّي واألخالقّي‬
‫الص‪11‬حيح‪َ ،‬فال يمكن ع‪1‬زل أح‪1‬دهما عن اآلخ‪1‬ر‪ .‬وإذا أردن‪11‬ا التفص‪11‬يل ‪-‬بحس‪11‬ب المنظوم‪11‬ة‬
‫الفكرّية لإلمام الخمينّي (قدس سره)‪ -‬فإّن قض ‪ّ1‬ية األخالق والقيم يمكن البحث عنه‪11‬ا في‬
‫ُبع‪َ1‬دْين أساس‪َّ1‬يْين‪ ،‬آخ‪11‬ذين بعين االعتب‪11‬ار أّن الُبع‪َ1‬دْين ِكالهم‪11‬ا ينش‪11‬آن من عم‪11‬ق الرؤي‪11‬ة‬
‫الكونّية التوحيدّية ‪-‬كما ذكرنا‪:-‬‬

‫الُبعد األّو ل‪ :‬المنظومة األخالقّية على مس‪11‬توى الف‪11‬رد‪ ،‬ويمكن أن ُنس‪ّ1‬م يه ته‪11‬ذيب النفس‬
‫وإصالح األخالق‪.‬‬

‫الُبعد الثاني‪ :‬المنظومة األخالقّية على مستوى المجتمع والعالم‪.‬‬

‫اإلمام الخمينّي ‪ ،‬السّيد روح هللا‪ ،‬األربعون حديثًا‪ ،‬دار زين العابدين‪ ،‬لبنان ‪ -‬بيروت‪2010 ،‬م‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.65 - 64‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪| 36‬‬

‫وينبغي أن ُيلَفَت إلى قض ّية مهّم ة في ه ذا المج ال‪ ،‬هي أّن تقس يم األخالق إلى ف ردّي‬
‫واجتماعّي ال یعني أّنهما منفصالن عن بعضهما‪ ،‬بحيث يمكن للشخص أن يهتّم بأح دهما‬
‫دون اآلخر‪ ،‬بل إّن الس عي نفس ه لته ذيب النفس على مس توى الُبع د الف ردّي ب اعث على‬
‫االهتمام باألمور االجتماعّية القيمّية‪ِ ،‬م ن قبيل الحّرّية والعدالة‪ .‬وقد ك ان اإلم ام الخمي نّي‬
‫(قدس سره) يؤّك د هذه القضّية كثيرًا‪ ،‬حّتى إّنه تع َّرض في بعض خطب ه بمناس بة م رور‬
‫‪ 2500‬عاٍم على الحكم الشاهنشاهّي للمشاكل االقتصادّية التي يعاني منها الشعب‪ ،‬إذ قال‪:‬‬
‫«أينبغي أن أتحّد ث إليكم اآلن عن األخالق؟ إّنهم يقضون على أسس اإلس الم‪ ،‬وي دّم رون‬
‫المسلمين‪ ،‬وأقعد أنا اآلن ألتحّد ث إليكم عن تهذيب النفس؟ إّننا غير مك ترثين‪ ،‬ألّنن ا غ ير‬
‫مهّذ بين‪َ ،‬فَلو كّنا ُم هّذ بين الكترثنا ِلما يحصل»‪.1‬‬

‫وفي ما يأتي حديث عن الُبعد الفردّي المتمّثل بتهذيب النفس وتحليتها باألخالق الفاض لة‪،‬‬
‫أّو ًال‪ ،‬وعن القضّية القيمّية على المستوى االجتماعّي ‪ ،‬ثانيًا‪.‬‬

‫‪ 1‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.344‬‬


‫تهذيب النفس من الرذائل وتحليتها بالفضائل‬

‫يوَص ف اإلمام الخمينّي (قدس سره) ِبَك ونه أستاذًا عريقًا من أساتذة األخالق والتهذيب‪ ،‬إذ‬
‫‪| 37‬‬ ‫كان درسه في حوزة ُقّم المقّد سة وفي النجف األش رف ِم ن ال دروس ال تي يرتاده ا َطَلب ة‬
‫الِع لم‪ ،‬وتترك فيهم أثرها ألّيام عديدة‪ .‬وبتق ديرنا‪ ،‬ف إّن ذل ك يرج ع ‪-‬بدرج ة أساس ّية‪ -‬إلى‬
‫امتالك اإلمام الخمينّي (قدس سره) رؤية ومنهجًا في ما يخّص قضّية ته ذيب النفس‪َ ،‬فَق د‬
‫َذ كر في بعض كتبه أّن مشكلة كتب األخالق ‪-‬بشكٍل ع اٍّم ‪ -‬هي كونه ا أش به بَو ص فة دواء‬
‫لآلفات األخالقّي ة‪ ،‬والحقيق ة أّن ُم عّلم األخالق وكت اب األخالق ينبغي أن يكون ا بنفَس ْيهما‬
‫العالج‪ ،‬ال وصفة له‪ ،‬بحيث إذا حض ر أح ٌد م ا درس المعّلم‪ ،‬أو ق رأ كتاب ًا في األخالق‪،‬‬
‫َلَو َج د في نفسه التح ّو ل والت أّثر‪َ .‬فق ال‪« :‬وعقي دة ه ذا الك اتب‪ 1‬أّن المهّم في ِع لم األخالق‬
‫وشرح األحاديث المرتبطة بها أو تفسير اآليات الشريفة الراجعة إليها هو أن ُيمّك ن كاتبها‬
‫مقاصده في النفوس‪ ،‬عن طريق التبشير والتنذير والموعظة والنصيحة والتفكير والتنبيه؛‬
‫ِبعب ارة أخ رى‪ :‬إّن كت اب األخالق ال ب ّد ِم ن أن يك ون موعظ ة مكتوب ة‪ ،‬ويك ون بنفس ه‬
‫معالجًا لآلالم والعيوب‪ ...‬إّن تفهيم ج ذور األخالق وإراءة طري ق العالج ال يق ّرب أح دًا‬
‫ِم ن المقصد‪ ،‬وال ُينّو ر قلبًا ظلمانّي ًا‪ ،‬وال يص لح ُخ لق ًا فاس دًا‪ .‬وكت اب األخالق كت اٌب تلين‬
‫بمطالعته النفس القاسية‪َ ،‬فيكون ِلغير المهَّذ ب مهِّذ بًا‪ ،‬وللُم ظلم ُم نّو رًا‪ ،‬ويحصل ب أن يك ون‬
‫العالم أثناء إراءة الطريق قائدًا‪ ،‬وأثن اء إراءة العالج معالج ًا‪ ،‬ويك ون الكت اب نفس ه دواًء‬
‫للداء‪ ،‬ال وصفة إلراءة الدواء»‪.2‬‬

‫وإذا أردن‪11‬ا أن نص‪11‬وغ رؤي‪11‬ة اإلم‪11‬ام (قدس س‪11‬ره) في م‪11‬ا يتعّل ق بته‪11‬ذيب النفس بش‪11‬كٍل‬
‫إجمالّي ‪َ ،‬فُيمكننا وضعها ضمن عناوين عديدة‪:‬‬

‫‪ 1‬يقصد نفسه (قدس سره)‪.‬‬


‫‪ 2‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬جنود العقل والجهل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪| 38‬‬

‫تهذيب النفس في مرحلة الشباب‬

‫إّن الالفت في توجيه ات اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) األخالقّي ة ترك يزه على قض ّية‬
‫المس ارعة إلى ته ذيب النفس‪ ،‬وع دم جع ل ه ذه القض ّية من قض ايا آخ ر العم ر‪ ،‬أو من‬
‫القضايا التي تزاحمها في األولوّية قضّية أخرى‪ .‬إّن األم ر على العكس من ذل ك؛ بمع نى‬
‫أّن تهذيب النفس في مرحلة الشباب أس هل من إرجائ ه إلى مرحل ة الكهول ة والش يخوخة‬
‫وأيسر‪ ،‬والس ّر في ذل ك أّن الملك ات النفس ّية‪ ،‬كالحس د والغض ب والري اء‪ ،‬مثله ا كمث ل‬
‫الشجرة التي إذا ُأبقَيت مّد ًة طويلة ِم ن الزمن‪ ،‬فإّن جذورها تش تّد وتق وى في النفس بحيث‬
‫تصعب إزالتها مع الوقت‪ .‬من هن ا يق ول اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره)‪« :‬أّيه ا العزي ز‪،‬‬
‫انهض من نومك‪ ،‬وتنّبه من غفلتك‪ ،‬واشدد حيازيم الهّم ة‪ ،‬واغتنم الفرص ة م ا دام هن اك‬
‫مجال‪ ،‬ومادام في العمر بقّية‪ ،‬وما دامت قواك تحت تصُّر فك‪ .‬وشبابك موج ود‪ ،‬لم تتغَّلب‬
‫علي ك ‪-‬بع ُد ‪ -‬األخالق الفاس دة‪ ،‬ولم تتأّص ل في ك الملك ات الرذيل ة‪ .‬ف ابحث عن العالج‪،‬‬
‫واعثر على الدواء‪ ،‬إلزالة تل ك األخالق الفاس دة والقبيح ة‪ ،‬وتلّم س س بيًال إلطف اء ن ائرة‬
‫الشهوة والغضب»‪.1‬‬

‫اإلمام الخمينّي ‪ ،‬األربعون حديثًا‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.53‬‬ ‫‪1‬‬


‫وفي رسالته المعنوّية إلى ابنه‪ ،‬يشّد د اإلمام (قدس سره) على هذه القضّية‪ ،‬فيقول‪« :‬بنّي ‪،‬‬
‫إّنني أتحّد ث اآلن مع ك أنت الش اّب ‪ .‬علي ك أن تلتفت إلى أّن التوب ة أس هل على الش باب‪،‬‬
‫وأن إصالح النفس وتربي ة الب اطن يتّم ان بس رعة أك بر‪ .‬ف األهواء النفس ّية وطلب الج اه‬
‫‪| 39‬‬ ‫وحّب المال والعجب تكون عند الش يوخ أك ثر بكث ير ِم ن الش باب‪ .‬وروح الش باب لطيف ة‬
‫ومرنة‪ ،‬ال يوجد في الشباب حّب النفس وحّب الدنيا بمقدار ما ه و موج ود عن د الش يوخ‪.‬‬
‫َفالش اّب يس تطيع ِبس هولة نس بّية أن يح ّرر نفس ه من ش ّر النفس األّم ارة‪ ،‬ويمي ل إلى‬
‫المعنوّيات‪ .‬وفي جلس ات الموعظ ة واألخالق‪ ،‬يت أّثر الش باب أك ثر من الش يوخ‪َ .‬فْلَيلتفت‬
‫الش باب‪ ،‬وال ينخ دعوا بالوس اوس النفس ّية والش يطانّية‪ .‬إّن الم وت ق ريب من الش باب‬
‫والشيوخ بالنسبة نفس ها‪ ،‬ف أّي ش اّب يس تطيع أن يض من بلوغ ه الش يخوخة؟ وأّي إنس ان‬
‫مصون من حوادث الدهر؟ إّن الحوادث اليومّية أقرب من الشباب»‪.1‬‬

‫وفي هذا الصدد‪ ،‬ينبغي على العاملين بالعلوم اإللهّي ة واإلس المّية أن يس ارعوا أك ثر من‬
‫غ يرهم إلى ته ذيب النفس وتزكيته ا‪ ،‬ألّن االش تغال ب العلوم ال تي يك ون موض وعها هللا‬
‫تعالى وإرادته ومشيئته‪ ،‬يتوّقف عليه معاش الناس ومع ادهم‪ .‬وط الب العلم ال ذي يقض ي‬
‫عمره في هذه العلوم‪ ،‬إن كان عرضة للمفاسد األخالقّية‪ ،‬فلن ينحصر ضرره بنفسه‪ ،‬ولن‬
‫يرج ع ع دم الته ذيب إلي ه فق ط‪ ،‬ب ل إّن ع اِلَم الس وء وط الب العلم الب احَثْين عن الج اه‬
‫والسلطة‪ ،‬سيضّران مجتمعهما وأّم تهما‪.‬‬

‫من هنا أّك د اإلمام الخمينّي (قدس سره) أهّم ّية ه ذه القض ّية‪ ،‬وكلمات ه في ه ذا المج ال ال‬
‫يستوعبها هذا المختصر‪َ ،‬فنورد بعضها‪« :‬إّن على الشّبان اليافعين ذوي السّتة عشر عامًا‬
‫أو العشرين‪ ،‬الموجودين في المدارس العلمّية‪ ،‬أن يبدؤوا ِم ن اآلن بتعويد أنفس هم على أن‬
‫يكونوا كما أرادهم هللا‪ ،‬وعلى ما حّثت عليه األوامر اإللهّية‪ ،‬وأن يخطوا خطوة في س بيل‬
‫تهذيب النفس وتحصيل األخالق الحميدة مع كّل خطوة‬

‫‪ 1‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.169‬‬


‫يخطونها في سبيل تحصيل الِع لم‪ .‬فإّن الواحد منكم إذا أص بح عاِلم ًا‪ ،‬ولم يكن مه َّذ بًا كم ا‬
‫أراد ل ه اإلس الم ‪-‬ال س مح هللا‪ -‬ف إّن ض رره س يكون أك ثر من نفع ه‪َ .‬فُم بت دعو األدي ان‬
‫والمذاهب الباطلة جميعهم كانوا في األساس أشخاصًا متعّلمين‪ ،‬تعّلموا في حوزات علمّية‬
‫‪| 40‬‬ ‫دينّية‪ ،‬إاّل أّنهم لم يكونوا مهَّذ بين؛ تأَّم لوا في أرباب المذاهب الباطلة‪َ ،‬س تجدون أّنهم ك انوا‬
‫جميعًا أشخاصًا متعّلمين‪ ،‬وَطَلبة علوم دينّية‪ ،‬غير أّنهم لم يكونوا مهَّذ بين»‪.1‬‬

‫وقال (ق دس س ره) أيض ًا‪« :‬المهّم ه و التوُّج ه القل بّي ؛ ليس مهّم ًا امتالك الم ال والعق ار‬
‫وال ثروة‪ ،‬المهّم قلب اإلنس ان‪ ،‬المهّم التحُّك م ِبقلب اإلنس ان‪َ .‬فتك ديس ال ثروة والتوُّج ه إلى‬
‫بهارج الدنيا مذموم‪ ،‬ألّن ه يق ود اإلنس ان إلى غ ير هللا‪ ،‬ويحرم ه ِم ن ض يافته‪َ ،‬و ِم ن غ ير‬
‫الممكن تلبية دعوة هللا وااللتحاق بضيافته ج ّل وعال ِم ن دون أن تنس لخ قل وبكم عن ه ذه‬
‫الدنيا‪ .‬إّن ما اهتّم به أولياء هللا هو تهذيب النفس وانتزاع القلب مّم ا عدا هللا‪ ،‬والتوُّج ه إليه‪،‬‬
‫ألّن المفاسد كّلها التي تحدث في العالم وليدة االهتمام بالنفس بدًال من التوُّج ه إلى هللا‪ ،‬وإّن‬
‫الكماالت كّلها التي تحّققْت ألنبياء هللا وأوليائه كانت ِبَو حي من ان تزاع القل وب من غ يره‬
‫تعالى واللجوء إليه»‪.2‬‬

‫ثالثّية المشارطة والمراقبة والمحاسبة‬

‫يط رح اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) الطري ق العملّي إلص الح النفس وته ذيبها ض من‬
‫عنواَنْين أساسَّيْين؛ األّو ل المشارطة والمراقب ة والمحاس بة‪ ،‬والث اني مخالف ة اله وى‪ .‬أّم ا‬
‫العنوان األّو ل‪َ ،‬فحاصله أّن على اإلنس ان أْن ُي برم ك ّل ي وٍم َعه دًا بين ه وبين نفس ه‪ ،‬ب أاّل‬
‫يرتكب أّي ذنب أو سوء ُخ لق‪ ،‬كالرياء أو الغضب أو الحسد أو العجب أو الك بر‪ ،‬ويك ون‬
‫صادقًا في هذه المشارطة‪َ .‬فيحاول أن يكون شديد الحساسية والمراقبة ِلنفسه في هذا‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.35 - 34‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،17‬ص‪.398‬‬ ‫‪2‬‬


‫اليوم ِلئاّل يصدر منها أّي عمل أو ُخ ل ق مخ الف ِلم ا اش ترطه عليه ا؛ ه ذه هي المراقب ة‪.‬‬
‫وفي ختام كّل يوم‪ ،‬يحاول محاسبة نفسه‪ ،‬فيتذّك ر ما صدر عنه في يومه ِم ن أفعال‪َ ،‬فيحمد‬
‫هللا تعالى على الحسنة منها‪ ،‬ويستغفره عن القبيح‪ ،‬الئمًا نفسه‪ ،‬ش اِع رًا بالتقص ير‪ .‬فيق ول‬
‫‪| 41‬‬ ‫(قدس سره)‪ِ« :‬م ن األمور الضرورّية للمجاهد ‪-‬أي المجاهد نفسه‪ -‬المش ارطة والمراقب ة‬
‫والمحاسبة‪ .‬فالمش ارط ه و ال ذي يش ارط نفس ه في أّو ل يوم ه على أاّل ي رتكب أّي عم ل‬
‫يخالف أوامر هللا‪َ ،‬فيّتخذ قرارًا بذلك ويعزم عليه‪ .‬ومن الواضح أّن ترك ما يخالف أوام ر‬
‫هللا ِليوم واحد أمٌر يسير للغاية‪ ،‬إذ يمكن لإلنسان بكّل سهولة أن يلتزم به‪ .‬فاعِز م وش اِر ط‬
‫وَج ِّر ب‪ ،‬وانظر كيف أّن األمر سهل ويسير‪ ...‬وبعد هذه المش ارطة‪ ،‬علي ك أن تنتق ل إلى‬
‫المراقبة‪ ،‬وكيفّيتها أن تنتبه طوال مّد ة المشارطة إلى عملك وفاقًا له ا‪ ،‬فتع ّد نفس ك ملزم ًا‬
‫بالعمل وفاق ما شارطت‪ ...‬والمراقبة ال تتعارض مع أٍّي من أعمال ك‪ ،‬كالكس ب والس فر‬
‫والدراس ة‪َ ،‬فُك ن على ه ذه الح ال إلى اللي ل‪ ،‬ريثم ا يحين وقت المحاس بة‪ .‬والمحاس بة أن‬
‫تحاسب نفسك لترى هل أّد يت ما اشترطت على نفس ك م ع هللا‪ ،‬ولم تُخ ْن ولّي نعمت ك في‬
‫هذه المعاملة الجزئّية؟ َفإذا كنَت قد َو َفيَت حّقًا‪َ ،‬فاشكر هللا على هذا التوفي ق‪ ،‬وإن ش اء هللا‬
‫ييّسر لك س بحانه التق ُّد م في أم ور دني اك وآخرت ك‪ ،‬ويك ون عم ل الَغ د أيس ر علي ك من‬
‫سابقه‪ ...‬وإن حدث ‪-‬ال سمح هللا‪ -‬في أثناء المحاسبة تهاون وفتور تجاه ما اش ترطت على‬
‫نفسك‪ ،‬فاس تغفر هللا واطلب العف و من ه‪ ،‬واع زم ‪-‬بك ّل ش جاعة‪ -‬على الوف اء بالمش ارطة‬
‫غدًا»‪.1‬‬

‫والالفت تركيز اإلمام (قدس سره) على قضّية المراقبة‪ ،‬إذ إّنها أهّم هذه المراحل الثالث‪.‬‬
‫وخصوصّية هذه المرحلة أّنها ال تحت اج إلى خل وة أو تف ّرغ إلنج از األعم ال‪ ،‬ب ل يمكن‬
‫للفاّل ح وهو يبذر البذر في األرض أن ي راقب نفس ه‪ ،‬ويمكن ِلط الب الِع لم في الجامع ة أو‬
‫الحوزة حال‬

‫اإلمام الخمينّي ‪ ،‬األربعون حديثًا‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.37 - 35‬‬ ‫‪1‬‬


‫قراءته أو مباحثته أن يراقب نفسه‪ ،‬بحيث ال يصدر منه ِم راء أو تكّب ر م ع زمالئ ه‪ ،‬إلى‬
‫غير ذلك‪ .‬فباب تهذيب النفس ‪-‬والمراقبة خاّص ة‪ -‬مفتوح ألّي شخص‪ ،‬وال حّجة له بأْن ال‬
‫وقت لديه‪ ،‬وأّن أصحاب التزكية والتربية النفسّية لم يكونوا منشغلين كما هو منشغل اآلن‬
‫‪| 42‬‬ ‫بالعم ل والدراس ة‪ .‬وفي م ا يخّص المراقب ة‪ ،‬يق ول اإلم ام (ق دس س ره)‪« :‬إّن مص در‬
‫األخطار بالنسبة إلى اإلنسان هو اإلنسان نفس ه‪ ،‬كم ا أّن مب دأ اإلص الح يجب أن ينطل ق‬
‫من اإلنسان نفسه‪ .‬ليس ِبوسع واعٍظ إصالح اآلخ رين وه و نفس ه غ ير ص الح‪َ ،‬ف إذا م ا‬
‫اّتعظ من داخله استطاع أن يكون مؤّثرًا‪ .‬ومثل ذلك ينطبق على كّل من يريد أن يتح ّد ث‪،‬‬
‫إذ يجب أن يلتفت إلى ما يريد قوله‪ ،‬ثّم يراجع نفسه بعد التح ّد ث ِلَي رى حقيق ة أهداف ه ِم ن‬
‫هذا الحديث‪َ .‬فطريق اإلنسان إلى هللا يحّتم عليه أن يراقب نفسه ثّم يحاسبها»‪.1‬‬

‫ويقول‪« :‬علينا أن نراقب أنفسنا‪ .‬علينا أن نجاهد أنفسنا‪ .‬علين ا أن نحاس ب أنفس نا بأنفس نا‬
‫قبل أن ُنحاَس ب‪ .‬حاسبوا أنفسكم بأنفس كم قب ل أن يحاس بكم المحاس بون‪ .‬لحظ ات عي ونكم‬
‫كّلها‪ ،‬خطرات أذهانكم كّلها‪ ،‬أفكاركم الباطلة كّله ا في محض ر هللا‪ ،‬مس ّجلة في الص حف‬
‫والملّف ات‪ .‬ك ّل لحظ ة من لحظ ات عي ونكم ت أتي ِخ الف ًا ِلم ا أم ر ب ه هللا‪ ،‬لن تغيب عن‬
‫محضره‪ ،‬بل تسّجل عنده»‪.2‬‬

‫طريقُة معالجة الرذائل مخالفُة الهوى‬

‫العنوان األساسّي الثاني الذي يرّك ز عليه اإلمام الخمي نّي (ق دس س ره) في س بيل ته ذيب‬
‫النفس وتزكيتها هو «مخالفة الهوى»‪ .‬والسّر في ذلك أّن في اإلنسان قوى ش هوّية وق وى‬
‫غضبّية تجذبه إلى تحصيل المن افع وت دفع عن ه المض اّر ‪ ،‬من دون أن تك ون مقّي دة ب أّي‬
‫شرع أو ُخ لق‪ .‬فإذا اشتهى طعامًا َطَلبه‪ ،‬من غير ُتمّيز شهوته بين الحالل أو الحرام منه‪.‬‬

‫‪ 1‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،17‬ص‪.158 - 157‬‬


‫‪ 2‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،12‬ص‪.293‬‬
‫وإذا أراد أن ينتقم‪ ،‬لم تف رض علي ه قّو ت ه الغض بّية قي ودًا‪َ ،‬فيص در من ه الفحش والس ّب‬
‫وسائر المنكرات‪ .‬فالغضب والش هوة ُم طَلق ان في اإلنس ان بس بب طبيعت ه الماّد ّي ة‪ ،‬وه و‬
‫يحتاج‪ ،‬عن طريق العقل والشرع‪ ،‬الحّد منه ا وتقيي دها وع دم جعله ا مطلق ة العن ان ألّي‬
‫‪| 43‬‬ ‫شيء‪ .‬من هن ا‪ ،‬ك انت مخالف ة اله وى الطري ق العملّي ِلَض بط ن وازع اإلنس ان‪ ،‬وإح دى‬
‫الطرق العملّية المهّم ة لتزكي ة النفس وكبح جموحه ا؛ وه ذا م ا رّك ز علي ه منهج اإلم ام‬
‫الخمينّي (قدس سره) األخالقّي والمعنوّي‪َ ،‬فق ال‪« :‬تجب الس يطرة عليه ا ‪-‬أي على الق ّو ة‬
‫الغضبّية والقّو ة الشهوّية‪ -‬حّتى تؤّد ي واجبها في ظّل ميزان العقل والدس تور اإللهّي ‪ ،‬ألّن‬
‫كّل واحدة من هذه القوى تري د أن تنج ز عمله ا وتن ال غايته ا‪ ،‬وإن اس تلزم ذل ك الفس اد‬
‫والفوضى‪ .‬فمثًال‪ ،‬النفس البهيمّية المنغمسة في الشهوة الجامحة التي م ّز قت عنانه ا تري د‬
‫أن تحّقق هدفها ومقصودها ولو تّم بواسطة الزنا بالمحصنات أو في الكعبة‪ ،‬والعياذ باهلل‪،‬‬
‫والنفس الغضوب تريد أن تنجز ما تريد حّتى لو استلزم ذلك قتل األنبياء واألولياء»‪.1‬‬

‫والعالج العملّي لهذا اإلطالق هو «ما َذ َك ره علماء األخالق وأهل السلوك‪ ،‬وه و أن تأخ ذ‬
‫كّل واحدة من الملكات القبيحة التي تراها في نفسك‪ ،‬وتنهض ‪-‬بع زٍم ‪ِ -‬لُم خالف ة النفس إلى‬
‫أمد‪ ،‬فتعمل عكس ما ترجوه وتطلبه منك تلك الملكة الرذيلة»‪.2‬‬

‫وهذا العالج يرجع إلى قضّية في حقيقة النفس‪ ،‬هي أّن أّي ُخ لق َيُم ّر ِبمرحلتين أساسّيَتْين؛‬
‫المرحلة األولى تسّم ى «الح ال»‪ ،‬وهي ال تي يك ون فيه ا غ ير راس خ‪ ،‬والمرحل ة الثاني ة‬
‫تسّم ى «الملكة»‪ ،‬وهي التي يترّسخ فيه ا‪َ ،‬فيص در بس هولة وُيس ر‪ .‬فالغض ب‪ ،‬مثًال‪ ،‬يب دأ‬
‫«حاًال» ثّم يصبح «ملكًة»‪ ،‬بحيث يكون ‪-‬في أّو ل األمر‪ -‬شيئًا غريب ًا عن النفس‪ ،‬وبس بب‬
‫تكراره واالعتياد عليه يصبح َم لكة‪ .‬وفي هذه المرحلة تصعب‬

‫‪ 1‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬األربعون حديثًا‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.44‬‬


‫‪ 2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.53‬‬
‫إزالته‪ ،‬إاّل إذا ُج ّففت منابعه عن طري ق ع دم تك راره وض بط النفس وكّفه ا؛ أي بمخالف ة‬
‫الهوى‪َ .‬ك حال الشجرة الخبيثة التي ُسقَيت مّد ًة طويلة من الزمن َفص ار قلعه ا ص عبًا‪ ،‬ألّن‬
‫ج ذورها ض ربت في األرض عميق ًا‪َ ،‬فيتوّق ف الم زارع عن ِس قايتها وإم دادها بالم اء‬
‫‪| 44‬‬ ‫والغذاء حّتى تجّف جذورها‪َ ،‬فيسهل قلعها؛ هكذا هو أمر النفس‪.‬‬

‫منظومة القيم االجتماعّية‬

‫أنَهينا بيان القسم األّو ل من أقسام المنظومة القيمّي ة لإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره)‪ ،‬وه و‬
‫القسم المتعّلق ب األخالق الفردّي ة‪ .‬وَق د خَص ْص نا الكالم في ه على ته ذيب النفس وطريق ة‬
‫تخليتها من اآلف ات‪ .‬وبقي الكالم في القس م الث اني على منظوم ة القيم عن د اإلم ام (ق دس‬
‫سره) في ُبعدها االجتماعّي ‪.‬‬

‫في هذا العن وان نتح ّد ث عن بعض القيم ال تي احتّلت مرتب ة عالي ة في اإلس الم‪َ ،‬فأْو اله ا‬
‫اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) عناي ًة في كلمات ه‪ .‬ونكتفي ِب ِذ كر قيمَتْين تترّأس ان القيم‬
‫االجتماعّية‪ ،‬هما‪ :‬العدالة والحّرّية‪ .‬فق د ك ان اإلم ام (ق دس س ره) كث ير الترك يز عليهم ا‬
‫وتبيينهما‪.‬‬

‫العدالة االجتماعّية‬

‫إّن للعدالة مراتب وشؤون متعّد دة‪َ ،‬فتارًة يكون الكالم على العدالة الفردّي ة‪ ،‬وأخ رى على‬
‫العدالة التكوينّية‪ ،‬التي يعَّبر عنها بأّن السموات واألرض قائمة بالعدل‪ ،‬وأّن نظام الوج ود‬
‫شاكلته وهيئته هي العدل‪ ،‬وثالثًة على العدل بمعناه االجتماعّي ؛ وهذا هو محور كالمنا‪.‬‬
‫ُتَع ّد العدالة االجتماعّية أحد أهّم أهداف األنبياء (عليهم السالم) في هذه ال دنيا‪ .‬ص حيٌح أّن‬
‫الهدف األقص ى لهم (عليهم الس الم) إيص ال الن اس إلى العبودّي ة هلل‪ ،‬كم ا ذكرن ا س ابقًا‪،‬‬
‫ولكْن حّتى تتحّقق هذه الغاية‪ ،‬ال بّد ِم ن عدم إهم ال نظ ام الحي اة في ه ذا الع الم الط بيعّي‬
‫الم اّد ّي‪ ،‬ب ل تجب مراعات ه وإقام ة العدال ة في ه حّتى ُيفتح للن اس ب اب ال ترّقي المعن وّي‬
‫والروحّي ‪ِ .‬م ن هنا‪،‬‬
‫ُتعّد العدالة االجتماعّية من األهداف الرئيسّية ِلمسيرة األنبي اء (عليهم الس الم) واألولي اء؛‬
‫«عندما نقرأ اآليات الشريفة‪ ،‬أو نطالع سيرة األنبياء (عليهم السالم)‪ ،‬نالح ظ أّنهم جميع ًا‬
‫عملوا على إيجاد العدالة في الدنيا‪ ،‬م ع أّن ه ذا لم يكن ه دفًا رئيس ّيًا‪ ،‬ب ل مقّد م ة لتحقي ق‬
‫‪| 45‬‬ ‫األهداف المتوّخ اة‪ .‬فالنبّي الكريم (ص لى هللا علي ه وآل ه) س عى إلى إقام ة العدال ة ِلتك ون‬
‫مقّد م ة ِلَط رح مواض يعه الجوهرّي ة‪ ،‬نظ ير إص الح وته ذيب اإلنس ان‪ .‬وه دف‬
‫األنبياء (عليهم السالم) األّو ل‪ ،‬منذ أن هبط الوحي عليهم‪ ،‬معارضة الظالمين والجائرين‪،‬‬
‫كّل ِبطريقته الخاّصة‪ .‬فال ُيتصّو ر أّن النبّي يجلس في بيته ويقرأ األدعية وُيصدر األوامر‬
‫واألحكام؛ كاّل ‪ ،‬ليس األمر كذلك‪ ،‬كانوا ُيصدرون األحكام وُيتابعونها ِم ن أجل تنفيذها»‪.1‬‬

‫لذا‪ ،‬كان الم ائز األساس ّي بين المنظوم ة الفكرّي ة الدينّي ة اإلس المّية وس ائر المنظوم ات‬
‫الماّد ّية أّن اإلسالم يرس م مع الم العدال ة االجتماعّي ة على ض وء اله دف األقص ى‪ ،‬وه و‬
‫إيص ال الن اس إلى التحّلي بعبودّي ة هللا تع الى‪َ .‬فال ينظ ر إلى العدال ة االجتماعّي ة من‬
‫المنظور الرأسمالّي أو الشيوعّي ‪-‬الماركسّي ‪ ،‬بل إّننا َنجد في كلماته (قدس سره) مواجه ة‬
‫صريحة مع الفئة ال تي تح اول جع ل الغ رب الرأس مالّي والش رق الش يوعّي ‪-‬في زمان ه‬
‫(قدس سره)‪ -‬وكأّنه اسّتمد تعاليمه ِم ن اإلس الم؛ بعب ارة أخ رى‪ِ« :‬م ن األم ور ال تي يجب‬
‫التذكير بها أّن اإلسالم ال ُيؤّيد الرأسمالّية الظالمة المطلقة التي تت وّلى حرم ان الجم اهير‬
‫المظلومة المضطهدة‪َ ،‬فهو ُيدينها بشكٍل َج ّد ّي في الكتاب والُس ّنة‪ ،‬ويع ّد ها مخاِلف ة للعدال ة‬
‫االجتماعّي ة‪ ،‬على ال رغم ِم ن أّن بعض أص حاب الفهم المع وّج‪ ،‬مّم ن ال اّطالع لهم على‬
‫نظام الحكومة اإلسالمّية أو المسائل السياسّية الحاكم ة في اإلس الم‪ ،‬ك انوا ‪-‬وال يزال ون‪-‬‬
‫ُيؤّك دون في كتاباتهم وأقوالهم أّن اإلسالم ُيؤّيد الرأسمالّية والملكّي ة المطلق ة؛ األم ر ال ذي‬
‫أّد ى ‪-‬نتيج ة الفهم المع وّج‪ -‬إلى طمس وج ه اإلس الم الن ورانّي ‪ ،‬وفتح الطري ق أم ام‬
‫المغرضين من‬

‫‪ 1‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،20‬ص‪.331 - 330‬‬


‫أعداء اإلسالم ِلمهاجمته وَعِّده نظامًا ُيشبه الرأسمالّية الغربّي ة‪ ،‬كنظ ام أمريك ا وبريطاني ا‬
‫والناهبين الغربّيين اآلخرين‪ُ ،‬م ستندين في معارضتهم اإلس الم إلى أق وال ه ؤالء الجهل ة‬
‫وأفعالهم المغِر ضة الَبلهاء‪ِ ،‬م ن دون الرجوع إلى الع ارفين باإلس الم الحقيقّي ‪ .‬فاإلس الم‪،‬‬
‫‪| 46‬‬ ‫إذًا‪ ،‬ليس نظامًا يقمع الملكّي ة الفردّي ة‪ ،‬كالش يوعّية والماركس ّية اللينينّي ة‪ ...‬ب ل إّن ه نظ ام‬
‫معتدل يعترف بالملكّية الفردّية ويحترمها ِبَنحو يتحّد د في إطار نش وء الملكّي ة‪ ،‬وطرائ ق‬
‫إنفاقها‪ ،‬واألسلوب الذي يؤّد ي إلى دوران عجلة االقتصاد‪ ،‬إذا تّم االلتزام به على حقيقته‪،‬‬
‫وتحّققت العدالة االجتماعّية التي تعّد الزمة ألّي نظام سليم»‪.1‬‬

‫الحّرّية‬

‫بعد انتصار الثورة اإلسالمّية قال اإلمام الخمينّي (قدس س ره) في بعض خطابات ه‪ِ« :‬نلن ا‬
‫الحّرّية‪ ،‬وأنا اآلن ُح ّر‪ ،‬فه ل لي أن أفع ل م ا أري ده كّل ه؟ ه ل لي أن أؤذي َم ْن أش اء‪ ،‬أو‬
‫أكتب ما أحّب ‪ ،‬حّتى لو أسأُت إلى اإلسالم ومصالح البالد؟ ليست هذه الحّرَّية‪ ،‬وليس ه ذا‬
‫ما أردناه‪ ،‬بل َأَر ْد نا الحّرّية في ِظ الل اإلسالم‪َ .‬أَر دنا اإلسالم‪ ،‬واإلسالم في ه حّرّي ة‪ ،‬لكّنه ا‬
‫ليست ِبال َقيد وال ُنظم؛ نحن ال نريد الحّرّية الغربّية التي ال يقف في وجهها َح ّد وال َس ّد ‪،‬‬
‫َفيسرح فيها اإلنسان كما يشاء‪ ،‬راتعًا في ما يري د‪ ،‬ب ل إّن الحّرّي ة ال تي نري دها هي تل ك‬
‫الكائنة في كنف اإلسالم‪ ،‬واالستقالل الذي نتوّخ اه ه و م ا يهب ه اإلس الم وُيَؤ ِّم ُن ه لن ا‪ .‬م ا‬
‫نريده كّله هو اإلسالم‪ ،‬ال غير‪ ،‬ألّن اإلسالم مبدأ كّل سعادة‪ ،‬وهو الذي ُيْخ ِر ُج الناس كّلهم‬
‫من الظلمات إلى النور‪ .‬فإّننا نريد مجتمعًا نورانّيًا بطبقاته كّله ا‪ ،‬حّتى إذا َو ردن ا الجامع ة‬
‫وجدناها نورانّية العمل َو الس يرة‪ ،‬ب ل إّن ك ّل ش يء فيه ا ن وارنّي وإلهّي ‪ .‬وليس النص ر‪،‬‬
‫مثًال‪ ،‬أن َنِص ل حّرّية أو استقالًال‪ ،‬ونحّق ق مص الحنا فق ط‪ .‬فه ل ينتهي عملن ا إذا ت وّفرت‬
‫مصالحنا؟»‪.2‬‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،21‬ص‪.391‬‬


‫‪ 2‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.59‬‬
‫هذه العبارات المختصرة والموجزة تحمل في طّياتها األسئلة المحورّية المؤِّسس ة للرؤي ة‬
‫اإلسالمّية حول قيمة الحّرّي ة‪َ .‬فال ينبغي الق ول إّن الحّرّي ة ال تي ي دعو إليه ا اإلس الم هي‬
‫حّرّية مطلقة‪ ،‬ألّن ه ذا يتع ارض ‪-‬ض رورًة وَقه رًا‪ -‬م ع أص ل االجتم اع اإلنس انّي ‪َ .‬و ال‬
‫‪| 47‬‬ ‫معنى للقول إّن لإلنسان الحّرّي ة في ِفع ل م ا يش اء‪ ،‬في حين أّن ه يعيش في المجتم ع م ع‬
‫آخرين‪ .‬والحّق أّن أساس القانون والتشريع الحقوقّي يبطل إْن نحن ُقلنا بالحّرّي ة المطلق ة‪،‬‬
‫ألّن القانون ليس سوى رسم الحدود ِبصيغة الحقوق والواجبات؛ أي إّن ماهّية القانون هي‬
‫تحديد الحّرّيات‪َ .‬فالقول بالحّرّية المطلقة‪ ،‬إذًا‪ ،‬نوع ِم ن التوُّهم‪ ،‬أو َلفٌظ ال معنى له َح قيقًة‪.‬‬

‫لذا‪ ،‬كان البحث األساسّي في باب «قيمة الحّرّية» عن األمور التي تنبغي مراعاتها‪ ،‬وعن‬
‫الحدود التي ينبغي رسمها للحّرّيات‪َ ،‬و ال بّد لهذا ِم ن معيار وضابطة‪ ،‬تكون وف َق الرؤي ة‬
‫والقوانين اإللهّية اإلسالمّية النابعة من الوحي‪ .‬وقد واجه اإلمام الخمينّي (قدس س ره) في‬
‫ب دايات الث ورة الكث ير ِم ن التّي ارات المت أّثرة ِب الغرب والطروح ات البعي دة عن حقيق ة‬
‫اإلسالم‪َ ،‬فقال في بعض كلماته‪« :‬مع األسف‪ ،‬إلى اآلن ثّم ة بعض األصوات المضّلة التي‬
‫تنادي بالحّرّية المطلقة ِلشبابنا‪ .‬أريد أن أع رف أّي ة حّرّي ة يري دون لهم؟ ه ل يري دون أن‬
‫يتحّر ر شبابنا‪ ،‬أو أن تنتش ر ُد ور القم ار والفحش اء والبغ اء في ك ّل مك ان‪ ،‬أو أن ُي دمنوا‬
‫على الهيرويين القاتل‪ ،‬أو أن تنتشر مظاهر الفساد على شواطئ البحر وفي البيوت؟ أهذه‬
‫الحّرّية التي يريدون ِلشبابنا؟ هل يريدون لهم أن يفعلوا كّل فاحشة؟ نعم‪ ،‬هذه هي الحّرّي ة‬
‫التي يريدها الغرب لهم‪ِ ،‬م ن أجل أن يجّردهم ِم ن الخصال الجّيدة ال تي يتمّتع ون به ا‪ .‬ال‪،‬‬
‫نحن ال نريد هذه الحّرّية لشبابنا‪ ،‬بل نريد أن ننتزعهم من ُد ور الخم ر والقم ار وص االت‬
‫السينما إلى س احات الجه اد‪ ،‬وِم ن ُد ور ال دعارة والفس اد إلى مي ادين المع ارك؛ نري د أن‬
‫َنصحبهم من تلك األماكن إلى أماكن يستطيعون‬
‫فيه ا تط وير بالدهم وتح ديثها‪َ .‬فنحن ال نري د تل ك الحّرّي ات ال تي تقض ي على طاقاتن ا‬
‫وُتسكت أقالمنا عن قول الحّق »‪.1‬‬

‫‪| 48‬‬ ‫وُيضيف في كلم ة أخ رى‪« :‬ه ؤالء ال ذين ين ادون بالحّرّي ة مت أّثرون ب الغرب‪ ،‬يري دون‬
‫الحّرّي ة الغربّي ة‪ .‬ه ؤالء ال ذين يتح ّد ثون عن الديمقراطّي ة يتطّلع ون إلى الديمقراطّي ة‬
‫الغربّية‪ ،‬يريدون الحّرّي ة الغربّي ة اإلباحّي ة‪ .‬إّن ه ؤالء من جمل ة المت أّثرين ب الغرب‪ .‬إّن‬
‫الصحف حّرة في تناول الموضوعات وطرح المسائل‪ ،‬ولكن هل هي حّرة في اإلس اءة ‪-‬‬
‫مثًال‪ -‬إلى مقّد سات الناس؟ في سّب الناس؟ في اّتهام الناس؟ إّن ِم ثل ه ذه الحّرّي ة ال يمكن‬
‫أن ُتقبل؛ حّرّية التآمر ال يمكن أن ُتقبل‪َ .‬ففرضًا‪َ ،‬لو كانت إحدى الصحف ‪-‬ال أري د الق ول‬
‫إّن إحدى الصحف هي هكذا‪ -‬تريد التآمر ضّد الشعب‪ ،‬عن طريق نشر األمور المناهضة‬
‫ِلمسيرته‪ ،‬وعدم نشر ما يخدمه‪ ،‬وتريد السير في طريق أعدائه‪ ،‬ف ترِّو ج ألعم الهم وتكتب‬
‫م ا يخ دمهم‪ ،‬ف إّن ِم ث ل ه ذه الحّرّي ات ال يمكن ِلش عبنا أن يقبله ا‪ .‬إّن ش عبنا َب َذ ل تل ك‬
‫التضحيات كّلها‪ ،‬وتلك الدماء كّلها‪ ،‬وتحَّم ل المعاناة‪ ،‬وأطل ق تل ك الص رخات كّله ا‪ ،‬إّنم ا‬
‫َفَع ل ذلك من أجل اإلسالم‪ ،‬فالناس يريدون اإلس الم‪َ ،‬و ل و لم يُك ن‪َ ،‬لم ا ك ان الوض ع اآلن‬
‫مختلفًا عّم ا في السابق‪ .‬فالناس ال يضّحون ويبذلون دم اءهم من أج ل أم ور أخ رى غ ير‬
‫اإلسالم‪ .‬إّنهم يطلبون الشهادة‪َ ،‬فحّتى هذه اللحظ ة ثّم ة أش خاص ال يزال ون يطلب ون مّني‬
‫الدعاء لهم بالشهادة‪ .‬ألّي شيء يطلبون الشهادة؟ هل يريدون الشهادة من أج ل أن يتحّق ق‬
‫شيء آخر غير اإلسالم‪ ،‬كالديمقراطّية الغربّية ‪-‬مثًال‪ -‬أو حّرّية االّتحاد السوفييّتي؛ حّرّي ة‬
‫على النمط األميركّي ‪ ،‬أم كانوا يريدون اإلسالم؟»‪.2‬‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.271 - 270‬‬


‫‪ 2‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.381‬‬
‫األمر الرابع‪ :‬الرؤية التشريعّية لإلمام الخمينّي (قدس سره)‬
‫كان اإلمام الخمينّي (قدس سره) ِم ن الفقهاء الكبار البارزين في القرن األخير‪ ،‬وَقد امت از‬
‫‪-‬بش كٍل أساس ٍّي ‪ِ -‬بشخص ّيته التش ريعية والفقهّي ة‪ ،‬إذ ق ّد م رؤي ة ونهج ًا على المس توَيْين‬
‫‪| 49‬‬ ‫القانونّي والتش ريعّي ‪ ،‬بحيث ال ي رى المت ابع والم دّقق في كلمات ه أّن ه اقتص ر على بي ان‬
‫أحكام اإلسالم المتناثرة‪ ،‬بل صاغها ِو فاق هيئة َتصلح َأِلن تكون نمط حياة للمسلمين على‬
‫المستويات كاّفة؛ الفردّي ة واالجتماعّي ة والسياس ّية واالقتص ادّية‪ .‬ويمكنن ا الق ول إّن نهج‬
‫اإلمام (قدس سره) في هذا القسم ال يزال ‪-‬إلى يومنا هذا‪ -‬في حركة تطّو رّية وتقّد مّية‪.‬‬

‫وفي ما يأتي أهّم األسس والعناصر التي ُتشّك ل اإلط‪11‬ار النظ‪11‬رّي ِلَنهج اإلم‪11‬ام ِبم‪11‬ا يخّص‬
‫هذا الجانب‪:‬‬

‫‪ .1‬األسس الفطرّية للشريعة اإلسالمّية‪.‬‬

‫‪ .2‬شمولّية الشريعة اإلسالمّية‪.‬‬

‫‪ .3‬والية الفقيه‪ :‬النظرّية العاّم ة لحاكمّية اإلسالم في عصر الغيبة‪.‬‬

‫فطرّية الشريعة اإلسالمّية‬

‫تقّد م الكالم على أّن البش ر كّلهم مفط ورون على حّب الكم ال المطل ق‪ ،‬وأّن ه ذه الفط رة‬
‫راسخة في نفوسهم جميعًا في العصور‬
‫كّلها‪ .‬وهذه الفطرة َيلزمها فطرة أخرى تابعة لها‪ ،‬هي فطرة النفور ِم ن النقص‪ ،‬قليًال كان‬
‫أو كث يرًا‪ ،‬وُتس ّم ى «فط رة النف ور ِم ن مطل ق النقص»‪ .‬إذًا‪ ،‬ثّم ة فطرت ان‪ :‬حّب الكم ال‬
‫الالمتناهي‪ ،‬والنفور ِم ن أّي نقص‪.‬‬
‫‪| 50‬‬
‫هذه االنطالقة الفطرّية التي كانت أساَس تشكيل الرؤية الكونّية عند اإلمام الخمينّي (قدس‬
‫سره)‪ ،‬كما مّر‪ ،‬كانت أساَس رؤيته للشريعة اإلسالمّية أيض ًا‪َ .‬فَي ذكر أّن األحك ام اإللهّي ة‬
‫كّلها التي صدَر ت من معدن الوحي ِلتنظيم حياة اإلنسان إّنما ج اءت منس جمة م ع ه اَتْين‬
‫الفطرَتْين‪ ،‬وال يمكننا أن نفترض شريعة ُتناقض توُّج هات البشر الفطرّية؛ «إّن هللا تب ارك‬
‫وتعالى ِبعنايته األزلّية ورحمت ه الواس عة‪ ،‬أرس ل أنبي اَء ه الِع ظ ام (عليهم الس الم) لتربي ة‬
‫البشر‪ ،‬وأنزل الكتب السماوّية ِلُتعينهم ِم ن الخارج على ِفطرتهم الداخلّية‪ِ ...‬م ن هن ا‪ُ ،‬بِنَيت‬
‫األحك ام الس ماوّية واآلي ات اإللهّي ة الب اهرة ودس اتير األنبي اء العظ ام (عليهم‬
‫السالم) واألولياء الكرام ِو فاقًا للفطرة والِج بّلة‪.‬‬

‫واألحكام اإللهّية جميعها تنقسم ‪ِ-‬بكّلّيتها‪ -‬إلى مقصَدْين‪ :‬أحدهما أص لّي ومس تقّل ‪ ،‬واآلخ ر‬
‫فرعّي وتاِبع‪ .‬والدساتير اإللهّية جميعها ترجع إلى هَذ ْين المقص َدْين‪ ،‬إّم ا ِبواس طٍة أو من‬
‫دونها‪ .‬فالمقصد األّو ل األصلّي المستقّل هو توجيه الِفطرة إلى الكمال المطلق‪ ...‬والمقصد‬
‫الثاني الَعَر ضّي والتبعّي هو تنفير الفطرة من الشجرة الدنيوّية الخبيثة‪ ،‬ومن الطبيعة التي‬
‫هي أّم النقائص واألمراض»‪1‬؛ ِبعبارة أخرى‪َ ،‬ثَبت في البحث الس ابق ‪-‬عن د الح ديث عن‬
‫فطرّية التوحيد‪ -‬أّن اإلنسان ِبفطرته المجبول عليها يعشق الكمال المطلق ‪-‬أي هللا تع الى‪-‬‬
‫ويس عى في لحظات ه كّله ا نح و معش وقه‪ ،‬لكّن ه ُيخطئ في تش خيص الكم ال الحقيقّي ِم ن‬
‫الكمال الموهوم‪ ،‬وينفر كذلك ِم ن النقص المحدود؛ َفهو عاش ق للعلم الالمح دود‪ ،‬والق درة‬
‫الالمح دودة‪ ،‬والحي اة ال تي ال تنف د‪ .‬هات ان الفطرت ان ُب نَيت على أساس هما الش ريعة‬
‫اإلسالمّية‪َ ،‬فجاءت بعض األحكام ُم عّينة لإلنسان ِلتخليص نفسه ِم ن الشبهات واألوهام‬

‫اإلمام الخمينّي ‪ ،‬جنود العقل والجهل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.62‬‬ ‫‪1‬‬


‫التي تشّو ه ِفطرته تج اه حّب الكم ال الالمح دود‪َ .‬فف رض هللا تع الى علين ا الص يام‪ ،‬مثًال‪،‬‬
‫حّتى نخرج ِم ن التعُّلق بالطعام والشراب الذي‪ ،‬وإن كان ض رورّيًا للحي اة ال دنيا‪ ،‬إاّل أّن ه‬
‫تعّلق قلبّي بشيء زائل ومحدود؛ َفثّم ة ف ارق كب ير بين َم ن يأك ل ويش رب إلدام ة حيات ه‪،‬‬
‫‪| 51‬‬ ‫وبين من يتعّلق بأصناف األطعمة وألوانها كغاية في نفسها‪َ .‬و ف رض تع الى علين ا الزك اة‬
‫والُخ مس وسائر الواجبات المالّية ِم ن أج ل تخليص نا من التعُّل ق بالم ال والج اه‪ .‬وَف رض‬
‫علينا الحّج وما يتضّم نه من التسوية بين البشر جميعهم ليخّلصنا من التعُّز ز والتكّب ر‪ ،‬إلى‬
‫غير ذلك ِم ن األحكام الشرعّية‪ ،‬التي إذا نظرنا إليها نظرة فطرّية بمنظار اإلمام الخمي نّي‬
‫(قدس سره)‪ ،‬فإّننا َنجد أّن حياتنا الروحّية س وف تنب ع من قلب الش ريعة‪ ،‬ال أّن الش ريعة‬
‫أمر آخر ال دخل له بالبناء الروحّي لإلنسان‪.‬‬

‫كم ا أّنن ا نج د ه ذا الطري ق في النظ ر إلى الش ريعة في كلم ات أه ل بيت النب ّو ة (عليهم‬
‫الس الم)‪ ،‬وِم ثال ه م ا ج اء في الخطب ة الفدكّي ة للس ّيدة الك برى فاطم ة الزه راء (عليه ا‬
‫السالم)‪ ،‬إذ قالت‪« :‬فجعل هللا اإليمان تطه يرًا لكم ِم ن الِش رك‪ ،‬والص الة تنزيه ًا لكم عن‬
‫الِك بر‪ ،‬والزكاة تزكية للنفس ونماًء في الرزق‪ ،‬والص يام تثبيت ًا لإلخالص‪ ،‬والحّج تش ييدًا‬
‫للِد ين‪ ،‬والعدل تنسيقًا للقلوب‪ ،‬وطاعتنا نظام ًا ِللمّل ة‪ ،‬وإمامتن ا أمان ًا ِم ن الفرق ة‪ ،‬والجه اد‬
‫ِع ّز ًا لإلسالم وذًاّل ألهل الكفر والنف اق‪ ،‬والص بر َم عون ة على اس تيجاب األج ر‪ ،‬واألم ر‬
‫بالمعروف مصلحة للعاّم ة‪ ،‬وبّر الوال دين وقاي ة من الس خط‪ ،‬وص لة األرح ام منس أة في‬
‫العمر ومنماة للعدد‪ ،‬والقصاص حقنًا لل دماء‪ ،‬والوف اء بالن ذر تعريض ًا للمغف رة‪ ،‬وتوفي ة‬
‫المكايي ل والم وازين تغي يرًا للبخس‪ ،‬والنهي عن ش رب الخم ر تنزيه ًا عن ال رجس‪،‬‬
‫واجتناب القذف حجابًا عن اللعنة‪ ،‬وترك السرقة إيجابًا للعّفة‪ .‬وحّرم هللا الِش رك إخالص ًا‬
‫له بالربوبّية‪ .‬فاّتقوا هللا حّق ُتقاته‪ ،‬وال تموتّن إاّل وأنتم مسلمون‪ ،‬وأطيعوا هللا في ما أمركم‬
‫به وما نهاكم عنه‪ ،‬فإّنه إّنما يخشى َهللا ِم ن عباده العلماُء »‪.‬‬
‫وَنذكر في ما يأتي نموذجًا من كلمات اإلمام الخمينّي (قدس س ره) ال ذي يتض ّم ن أس رار‬
‫بعض العبادات ِو فاق هذه الرؤية األصيلة‪.‬‬

‫‪| 52‬‬ ‫عند الحديث عن اآلداب الروحّية والقلبّية للصالة‪َ ،‬يذكر اإلم ام (ق دس س ره) أّن اس تقبال‬
‫الِقبلة ِم ن الخطوات األولى للصالة‪ ،‬وهو يحتوي أدبًا قلبّيًا على المصّلي أن يراعيه‪ ،‬ألّن ه‬
‫يقوم بفعل التوُّج ه إلى الكعبة المشّرفة ِبصرف النظر عّم ا سواها‪َ ،‬فال مجال للتوُّج ه يمين ًا‬
‫وشماًال عند استقبال الِقبلة‪ .‬وهذا الفعل ناشئ ِم ن أمر فط رّي‪ ،‬ه و التوُّج ه إلى هللا تع الى‬
‫معشوق الفطرة األوح د‪ ،‬وص رف النظ ر عّم ا س واه؛ يق ول (ق دس س ره)‪ِ« :‬اعلم‪ ،‬أّيه ا‬
‫السالك إلى هللا‪ ،‬أّنك إذا صرفَت وجهك الظاهر ِم ن الجهات المتشّتتة لعالم الطبيع ة ‪-‬ع الم‬
‫الماّد ة‪ -‬وتوّجهَت إلى النقطة الواحدة؛ أي الكعبة حال االس تقبال‪َ ،‬فق د اّدعيَت فط رَتْين من‬
‫الفطر التي ُخ ّم رت ِبَيد الغيب‪ ...‬وهات ان الفطرت ان اإللهّيت ان‪ ،‬إح داهما التنُّف ر من النقص‬
‫والناقص‪ ،‬والثانية العشق للكمال والكامل»‪.1‬‬

‫‪ 1‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬السّيد روح هللا‪ ،‬اآلداب المعنوّية للصالة‪ ،‬مؤّسسة األعلمّي للمطبوع ات‪ ،‬لبن ان ‪ -‬ب يروت‪1986 ،‬م‪،‬‬
‫ط‪ ،2‬ص‪.205‬‬
‫شمولّية الشريعة اإلسالمّية‬

‫إّن السؤال األساس ّي ال ذي ينبغي االنطالق من ه عن د البحث عن الش ريعة اإللهّي ة بش كٍل‬
‫‪| 53‬‬ ‫ع اّم ‪ ،‬والش ريعة اإلس المّية بش كٍل خ اّص ‪ ،‬ه و‪ :‬م ا هي الش ريعة؟ وِم ن أين تأخ ذ‬
‫مشروعّيتها؟ وبتعبيٍر آخر‪ :‬ما هو مبدأ هذه الشريعة؟ ِم ن أين أَتت؟ وم ا هي غايته ا ال تي‬
‫صدَر ت ِم ن أجلها؟‬

‫هذه األسئلة تتكّفل ِبنفسها إجابة السؤال عن مدى إحاطة الشريعة ِبتفاصيل الحياة‪ .‬وينبغي‬
‫في الج واب الق ول إّن الش ريعة اإللهّي ة‪ ،‬ال تي هي أح د أبع اد ال وحي الن ازل على‬
‫النبّي (صلى هللا علي ه وآل ه)‪ ،‬تمّث ل عناي ة هللا تع الى ب المخلوقين من أج ل تنظيم حي اتهم‬
‫وترتيبها على َنسٍق وشاكلٍة تحّقق لهم مصالحهم الداخلة في الغاية التي من أجله ا ُخ لق وا‪،‬‬
‫وتمنعهم من ارتكاب المفاسد التي تعيقهم عن الغاية؛ بعبارة أخرى‪ ،‬إّن اإلنس ان ك ائن ذو‬
‫أبع اد متع ّد دة ‪-‬وس يأتي الكالم على ذل ك في الفص ل الالح ق‪ -‬وه ذه األبع اد تحت اج إلى‬
‫ضابطٍة وقانون يتكّفل ترتيبها وتنظيمها على المستويات الفردّي ة واالجتماعّي ة؛ ل ذا ك ان‬
‫القانون أمرًا ضرورّيًا لحياة اإلنسان‪ .‬ولكن َم ن ال ذي يمتل ك أهلّي ة التش ريع؟ في الرؤي ة‬
‫العقدّية اإلسالمّية‪ ،‬وانطالقًا من أّن الربوبّية والتربي ة الحقيقّي ة منحص رة باهلل‪َ ،‬فال يك ون‬
‫أمر التشريع إاّل ِبيده‪ ،‬أو ِبَيد َم ن ينّصبه هللا المتالكه مؤّهالت معّينة‪.‬‬

‫ويقول اإلمام الخمينّي (قدس سره) في ه ذا المج ال‪« :‬ه ذا م ا تق وم ب ه ش ريعة اإلس الم‬
‫الهادفة إلى تربية اإلنسان الحقيقّي ‪ .‬لذا‪ ،‬بدَأت بالتمهيد لذلك حّتى قبل انعقاد نطفته‪ ،‬فَم ّد ْت‬
‫توجيهاتها ِلما قبل الزواج وآدابه‪ ،‬ثّم حّد َدت آداب الوالدة وما بع دها في ف ترة الرض اعة‪،‬‬
‫ومعاملة الوالدين للطفل‪ ،‬رضيعًا وصبّيًا في المدرسة االبتدائّية‪ ،‬وِص فات معِّلميه وُم رِّبي ه‬
‫فيها‪ .‬ثّم توَّج ه الخطاب إليه هو نفسه عند بلوغه االستقالل واالعتماد على نفسه‪ ،‬فَش َّرَعت‬
‫األعمال والفرائض التي يجب عليه القيام بها‪ .‬والهدف ِم ن ذلك كّل ه ه و أْن ي ترّبى أف راد‬
‫المجتمع جميعهم تربية صالحة‪ .‬ولكْن لم يتحّقق مّم ا أراده اإلسالم إاّل القليل‪َ ،‬و َلو تحَّقق‬
‫كّله‪َ ،‬لما تّم ت السرقات أو الخيانات أو نظائرها مّم ا ه و موج ود اآلن‪ ،‬وَلم ا اعت دى أح د‬
‫على آخر»‪.1‬‬

‫‪| 54‬‬ ‫ِم ن هنا‪ ،‬يظهر أّن الشريعة األكمل هي التي تعتني ِبتفاصيل الحياة اإلنسانّية كّله ا‪ ،‬وال تي‬
‫تمتّد َيُد التشريع فيها إلى أبع اده الكث يرة؛ السياس ّية واالجتماعّي ة واالقتص ادّية والثقافّي ة‪،‬‬
‫وغير ذلك‪ .‬وهذا ما يجعل اإلسالم أكمل األديان ِم ن بين األديان الموجودة‪ِ ،‬م ن المس يحّية‬
‫واليهودّي ة وغيرهم ا؛ «وال يت وَّهمَّن أح ٌد أّن اإلس الم كالمس يحّية‪ ،‬ال يع دو العالق ة بين‬
‫األفراد وبين هللا تب ارك وتع الى‪ .‬إّن اإلس الم ينط وي على منهج متكام ل للحي اة‪ ،‬ونظ ام‬
‫للُحكم‪ ،‬وقد م ارس دوَر ه في الحكم م ا يزي د عن خمس ة ق رون‪ ،‬حينم ا ك ان يحكم بل دانًا‬
‫مترامية األطراف‪ .‬وعلى الرغم من عدم تطبيق أحكام اإلسالم حينها كما ينبغي‪ ،‬إاّل أّنه ‪-‬‬
‫بهذا المقدار الذي ُطِّبق من ه‪َ -‬ح َك م تل ك البل دان ِبع ّز ٍة وِم نع ٍة من الن واحي جميعه ا‪ ،‬وفي‬
‫األحوال كّلها‪.‬‬

‫فاإلس الم يختل ف عن األدي ان الباقي ة المعروف ة حالّي ًا‪ ،‬ولعّله ا ك انت كاإلس الم وقت‬
‫ظهوره ا‪ ،‬إاّل أّن الموج ود منه ا اآلن ‪-‬خاّص ًة المس يحّية‪ -‬ال يمل ك س وى بض ع كلم ات‬
‫وعظّية من دون أن يكون لديه برامج تتعّلق بالسياسة أو إدارة المدن واألقاليم‪ .‬فال يت وَّهم‬
‫أحٌد أّن اإلسالم كتلك األديان من غ ير ال نظ ام؛ َو ض ع اإلس الُم برنامج ًا دقيق ًا ومفّص ًال‬
‫لحياة اإلنسان الفردّية‪َ ،‬بدءًا من الفترة الس ابقة لوالدت ه‪ ،‬م رورًا بالمراح ل جميعه ا ال تي‬
‫يمضيها ضمن العائلة‪ ،‬والتي وضع لها البرامج أيضًا‪ ،‬وعَّين األحكام والقوانين لجوانبه ا‬
‫ومراحلها كّلها‪ .‬ثّم يدخل بع د خروج ه من العائل ة مج اَل التعليم‪ ،‬إلى أن ي دخل المجتم ع‬
‫الكبير‪َ .‬فوضَع القوانين التي ُتنِّظم حياة المجتمع المسلم‪ ،‬بل حّتى الق وانين وال برامج ال تي‬
‫ُتنّظم عالقة الدولة اإلسالمّية ِبس ائر ال دول والش عوب؛ ذل ك كّل ه ل ه أحك ام في الش ريعة‬
‫المطَّهرة‪ ،‬فأحكام اإلسالم ال تقتصر‬

‫اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.224‬‬ ‫‪1‬‬


‫على مراسم الدعاء والزيارة والصالة وحسب؛ هذه األم ور ليس ت إاّل جانب ًا من ج وانب‬
‫األحكام اإلسالمّية‪ ،‬بل ثّم ة في اإلس الم سياس ة ونظ ام إدارة بالد ِبَأس رها‪ .‬اإلس الم ينّظم‬
‫ويدير شؤون بلدان واسعة‪ ،‬وعلى قادة المسلمين ومل وكهم‪ ،‬وعلى الحكوم ات اإلس المّية‬
‫‪| 55‬‬ ‫عمومًا‪ ،‬أن ُيعّرفوا العالَم أجمع اإلسالم‪.‬‬

‫وال يتوَّهم النصارى أّن المسجد كالكنيسة‪ ،‬فحينم ا ك انت الص الة تق ام في المس جد‪ ،‬ك ان‬
‫المسلمون يفهم ون تكليفهم ِبه ا‪ ،‬وك انت ُخ ط ط الح روب توَّض ح في ه‪ ،‬ويتّم في ه اإلع داد‬
‫والتخطيط إلدارة شؤون البلدان‪ .‬فالمسجد يختلف عن الكنيس ة ال تي تمّث ل رابط ة فردّي ة‬
‫بين اإلنسان وبين هللا تبارك وتعالى كما يزعم المس يحّيون أنفس هم‪ .‬ك ان المس جد مرك زًا‬
‫لسياس ة اإلس الم في زمن رس ول هللا (ص لى هللا علي ه وآل ه) وأم ير المؤم نين (علي ه‬
‫السالم) والخلف اء‪ .‬وفي ي وم الجمع ة‪ ،‬ك انت تط رح الموض وعات السياس ّية والعس كرّية‬
‫المختلفة‪ ،‬وما يتعّلق بإدارة البالد‪ ،‬عن طريق خطبة الجمعة‪.‬‬

‫إّن على الزعم اء أن ينش روا اإلس الم الحقيقّي ‪ ،‬وهي مس ؤولّية تفرض ها عليهم الم راتب‬
‫التي قّيضها هللا تعالى لهم؛ عليهم أن ينشروا اإلس الم الحقيقّي ‪ ،‬أن يع ّد وا برنامج ًا إذاعّي ًا‬
‫لنش ر اإلس الم‪ .‬عليهم أن يراجع وا علم اء اإلس الم لكي يش رحوا لهم حق ائق اإلس الم‪،‬‬
‫فيقوموا ِبَنشرها عبر المحطات اإلذاعّية والمطبوعات»‪.1‬‬

‫ولکّن اإلسالم قد تعَّرض وأحكامه التشريعّية إلى التشويه شيئًا فشيئًا‪ ،‬عبر فصله عن متن‬
‫الحياة‪ ،‬وجعله مختّص ًا ِبُبعد ِم ن األبعاد‪ .‬وهذا أمر يعّد ه اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) ِم ن‬
‫أعمال االستعمار وأعداء اإلسالم‪ ،‬إذ تّم تجري د الق انون اإلس المّي من وظيفت ه السياس ّية‬
‫واالجتماعّية‪ ،‬وإخراجه عّم ا يس تحّقه من الش مول ألبع اد الحي اة اإلنس انّية كّله ا‪َ ،‬فص ار‬
‫منحصرًا بأحكام الفرد فقط؛ يقول اإلمام (قدس سره)‪« :‬إّن اإلسالم إذا ما ُع ِر ض بالش كل‬
‫الصحيح‪َ ،‬فَس ُيقبل عليه كّل َم ن يملك‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.32 - 31‬‬


‫ذّرة إنصاف‪ ،‬وَسَيجد فيه مبتغاه‪ .‬لكّننا طوال الت اريخ‪ ،‬وبع د غيب ة اإلم ام المه دّي (علي ه‬
‫السالم)‪ ،‬لم نستطع عرض اإلسالم بالشكل الصحيح‪ .‬وفي المئ تي س نة األخ يرة‪ ،‬ت دّخ لت‬
‫األي ادي األجنبّي ة ال تي ج اءت إلى هن ا‪َ ،‬فط الَع ت م ا نملك ه كّل ه‪ ،‬حّتى إّنهم نقل وا ُك تبن ا‬
‫‪| 56‬‬ ‫ِلَيدرسها مفّك روهم‪ ،‬واستنتجوا أّنه إذا ما ُطِّبق اإلسالم بالشكل الصحيح‪َ ،‬فلن تبقى أم امهم‬
‫أّية فرصة‪ .‬لذا‪َ ،‬بذلوا م ا في وس عهم‪ ،‬في ال داخل والخ ارج‪ ،‬للح ؤول دون إطالع الع الم‬
‫على اإلسالم‪ ،‬وأخفوا ذلك تحت عناوين مختلفة‪.‬‬

‫والمؤس ف أّنن ا مّه ْد نا األرض ّية ل ذلك‪ ،‬وس اعدناهم كث يرًا‪ .‬فنحن لم ن درك س وى بعض‬
‫المسائل الخاّص ة بعالقة الفرد ِبَر ّبه‪ ،‬والمسائل األخرى الواردة في كتبنا الفقهّية‪ ،‬أّم ا القسم‬
‫األعظم‪ ،‬فقد َبقي مدفونًا في الكتب‪ ،‬ولم َيظهر‪ .‬إّن المسائل ال تي ُبِح َثت في حوزتن ا‪ ،‬تل ك‬
‫األخب ار واآلي ات كّله ا‪ ،‬والكتب الفقهّي ة كّله ا‪ ،‬بقَيت بعي دة عن واق ع حياتن ا اليومّي ة؛ لم‬
‫نستطع أن نعرض المسائل االجتماعّية والسياسّية المرتبطة بالحياة‪ ،‬ف َدخل الغ رب علين ا‬
‫من هذه الناحية‪ ،‬ونحن غافلين عن هذا كّله‪.‬‬

‫إّنهم ‪-‬وباالستعانة باألقالم المس مومة ال تي ال ي زال بعض ها موج ودًا في إي ران‪ -‬عّرف وا‬
‫اإلسالم بأّنه أفكار تعود إلى ما قبل ‪ 1400‬سنة‪ ،‬ما ي وجُب اآلن أن نوج د أفك ارًا جدي دة‪.‬‬
‫لق د ق الوا في اإلس الم‪ ،‬ولَّفق وا ل ه‪ ،‬م ا اس تطاعوا ِم ن تهم‪ .‬واآلن أيض ًا‪ ،‬ألّنهم يخ افون‬
‫اإلس الم‪ ،‬ف إّنهم يرفع ون أقالمهم المس مومة ومخّطط اتهم الخبيث ة في وجه ه ووج ه‬
‫الجمهورّية اإلسالمّية‪ .‬إّن بعضهم ‪-‬أو أكثرهم‪ -‬ال يعلمون شيئًا عن اإلس الم‪ُ ،‬م غّفل ون‪ ،‬ال‬
‫يفقهون شيئًا‪ ،‬لكّنهم قرؤوا بعض ما ُنِش ر في أوروبا‪ ،‬ووضعوه ميزانًا ِلَفْهمهم‪َ ،‬و أص بحوا‬
‫مهووسين بالغرب وما يقوله‪َ ،‬فَقِبلوه من دون دليل‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬تج ُد أّن دليلهم ه و ق ول‬
‫البروفيس ور الفالنّي ؛ راح وا يس تدّلون ِبكالم الغ ربّيين مثلم ا نس تدّل نحن بكالم هللا‬
‫ورسوله (ص لى هللا علي ه وآل ه)‪َ .‬فبالنس بة إليهم‪ ،‬إّن م ا يقول ه «م اركس» ص حيح‪ ،‬وال‬
‫َيلزمه‬
‫دلي ل ُيثبت ص ّحته‪« .‬م اركس» انتهى في ب اقي المن اطق وُد فن مذهب ه مع ه‪ ،‬إاّل أّن ه يتّم‬
‫استقدام أفكاره إلى أبنائنا وشبابنا الذين أّيدوه وَقِبل وه من دون أن يفقه وا م ا يق ول‪ ،‬أو أن‬
‫ُيدركوا نواياه‪ .‬وبعضهم ُيدرك‪ ،‬غير أّنه مأجور حّتى ال يسمح لإلس الم في أن ينتش ر في‬
‫‪| 57‬‬ ‫الخارج‪ ،‬أو أن تظهر حقيقته للشعوب األخرى‪ .‬إّن األجانب لم يستطيعوا أن يحكمونا؛ لذا‬
‫اس تأجروا بعض الن اس هن ا كي يقف وا في وج ه انتش ار اإلس الم الحقيقّي ‪ ،‬وِم ن جملتهم‬
‫أولئك الكّتاب التابعين للش اه المخل وع‪ ،‬فه ذه الكتب ليس ه و َم ن كتبه ا‪ ،‬إذ إّن ه ليس أهًال‬
‫للكتابة‪ ،‬وال مّم ن يفهمون هذه المواضيع‪ .‬لقد كانوا يكتبون له‪َ ،‬ففي السابق‪ ،‬كتب وا الش عر‬
‫للش اه ناص ر ال دين وَنَس بوه إلي ه‪ ،‬واآلن أيض ًا‪ ،‬يؤّلف ون الكتب وَيض عون اس م ص احب‬
‫الجاللة عليها»‪.1‬‬

‫إذًا‪ ،‬يّتضح لدينا أّن أهَّم ما فعله اإلمام الخمي نّي (ق دس س ره) على مس توى إحي اء ال ِد ين‬
‫اإلس المّي في ُبع ده التش ريعّي إع ادُة اإلس الم إلى متِن الواق ع والحي اة‪ .‬وك انت البداي ة‬
‫األساسّية تنظيره ِلوالية الفقيه في عصر الَغيبة‪ ،‬وهو ما سنتحّد ث عنه في ما يأتي‪.‬‬

‫والية الفقيه‬

‫إّن َط رح نظرّي ة والي ة الفقي ه ِبش كٍل أص يل‪ ،‬وتطبيقه ا ِبش كٍل عملٍّي في الجمهورّي ة‬
‫اإلسالمّية في إيران‪ُ ،‬يعّد ركن ًا أساس ّيًا من أرك ان إحي اء اإلس الم في نهج اإلم ام (ق دس‬
‫سره)‪ ،‬والسبب في َع ّد ه كذلك‪ ،‬أّن اإلمام (قدس س ره) ق د ش ّخ ص ‪-‬في ب دايات انطالقات ه‬
‫الثورّية‪ -‬أّن األزمة الكبرى التي أصاَبت اإلسالم كانت َفصله عن السياس ة‪ ،‬وال ذي تجّلى‬
‫في ُبع َدْين أساس َّيْين؛ األّو ل فص له عن الواق ع السياس ّي الخ ارجّي ‪-‬بمع نى عزل ه عن‬
‫التطبيق‪ -‬والثاني فصله في الواقع النظرّي عن السياسة ‪-‬أي جعله دينًا فردّيًا ال ينظ ر إلى‬
‫الحياة السياسّية واالجتماعّية للناس‪ .‬وما َفعله اإلمام (قدس سره)‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.298 - 297‬‬ ‫‪1‬‬


‫هو أّنه سعى إلى َر ْأب هذا الصدع‪َ ،‬فَطرح النظرّية وس عى إلى تطبيقه ا‪ ،‬وُو ِّف ق في ذل ك‬
‫عبر إقامة نظام سياسّي إسالمّي قائم على حاكمّية الِد ين‪.‬‬

‫‪| 58‬‬ ‫وسيأتي الكالم على والية الفقيه بشكٍل إجمالٍّي ِض من مقّد مَتْين؛ األولى قضّية َفصل ال دين‬
‫عن السياسة‪ ،‬والثانية األدّلة التي استعان بها اإلمام الخمي نّي (ق دس س ره) إلثب ات والي ة‬
‫الفقيه في عصر الَغيبة‪.‬‬

‫َفْص ل الِد ين عن السياسة‬

‫األمر األّو ل الذي ينبغي التنبيه إليه‪ ،‬والذي سعى إلي ه اإلم ام (ق دس س ره)‪ ،‬ه و التوعي ة‬
‫النظرّية والثقافّية حول أّن الماهّية اإلس المّية هي ماهّي ة سياس ّية‪َ ،‬فال يمكن الح ديث عن‬
‫اإلسالم ال ذي ج اء ب ه رس ول هللا (ص لى هللا علي ه وآل ه) من دون الح ديث عن ج وهره‬
‫السياسّي ‪ .‬ونقصد بذلك أّن اإلسالم هو دستور عمل ُو ضع للنهوض بالدول والمجتمع ات‪،‬‬
‫وُم خاَطَب ه ُهم الن اس‪ ،‬ال ِبَو ص فهم أف رادًا‪ ،‬ب ل ِبَو ص فهم كائن ات سياس ّية واجتماعّي ة؛‬
‫«فالحكومة‪ِ ،‬م ن وجهة نظر المجتهد الحقيقّي ‪ ،‬تمّث ل الفلس فة العملّي ة لألحك ام الفقهّي ة في‬
‫الحي اة اإلنس انّية‪ ...‬والحكوم ُة تجس يد الج انب العملّي للفق ه في تعامل ه م ع المعض الت‬
‫االجتماعّية والسياسّية والعسكرّية والثقافّية‪ ...‬الفقه هو النظرّية الواقعّي ة المتكامل ة إلدارة‬
‫اإلنسان ِم ن المهد إلى اللحد‪ .‬فالهدف األساسّي يكمن في أن يتسّنى لنا تطبيق أصول الفق ه‬
‫المحكمة في َعمل الفرد والمجتمع‪ ،‬وأن تكون لدينا إجاب ات للمعض الت‪ ،‬ف إّن أقص ى م ا‬
‫يخش اه االس تكبار ه و أْن يج د الفق ه واالجته اد الترجم ة العملّي ة والواق ع الموض وعّي ‪،‬‬
‫ويخلق لدى المسلمين القدرة على المواجهة»‪.1‬‬

‫لذا‪ ،‬فإّن هذا األمر ينعكس ِبشكٍل واضٍح وكبيٍر على وظائف المجتهد الذي تكون وظيفت ه‬
‫َس بر أغوار القرآن والُس ّنة والعقل‪ ،‬الستخراج الرؤية‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،21‬ص‪.262‬‬ ‫‪1‬‬


‫الدينّية للحياة في شّتى المجاالت االقتصادّية واالجتماعّي ة والفردّي ة وغيره ا‪ ،‬إذ ال يمكن‬
‫عزل الفكر السياسّي عن ذهنه‪ ،‬والول وج في البحث من دون «عقلّي ة الرج ل السياس ّي »‬
‫العاِلم بالزمان والمكان‪ِ .‬م ن هنا‪ ،‬يذكر اإلمام الخمينّي (ق دس س ره) ه ذه القض ّية‪َ ،‬فيق ول‬
‫‪| 59‬‬ ‫في بيان ه الموّج ه إلى علم اء ال ِد ين في أواخ ر عم ره الش ريف‪« :‬إّن الزم ان والمك ان‬
‫عنصران رئيسّيان في االجته اد‪َ ،‬فِم ن الممكن أن تج َد مس ألًة ك ان له ا في الس ابق ُحكم‪،‬‬
‫وفي ظّل العالقات المتغّيرة‪ ،‬التي تحكم السياسة واالجتماع واالقتصاد في ِنظام م ا‪َ ،‬تِج د‬
‫لها ُحكمًا جديدًا؛ أي إّنه‪ ،‬وعن طريق المعرفة الدقيقة للعالق ات االقتص ادّية واالجتماعّي ة‬
‫والسياسّية المحيطة بالموض وع األّو ل ال ذي يب دو أّن ه ال يختل ف عن الس ابق‪ ،‬ولكّن ه في‬
‫الحقيقة أص بح موض وعًا آخ ر يتطّلب حكم ًا جدي دًا بالض رورة‪ .‬ل ذا‪ ،‬ينبغي للمجته د أن‬
‫يحيط بقضايا عصره‪ .‬فالن اس والش باب وحّتى العاّم ة‪ ،‬لن يقبل وا ِم ن المرج ع والمجته د‬
‫االعتذار عن إعطاء رأي ه في المس ائل السياس ّية‪ ...‬إّن اإلحاط ة ِبُس بل مواجه ة ال تزوير‬
‫والتضليل للثقاف ة الس ائدة في الع الم‪ ،‬وامتالك البص يرة والرؤي ة االقتص ادّية‪ ،‬واالّطالع‬
‫على كيفّية التعامل مع االقتصاد العالمّي ‪ ،‬ومعرفة السياسات والموازن ات وم ا ُي رّو ج ل ه‬
‫الساسة‪ ،‬وإدراك موقع القطَبْين الرأسمالّي والماركسّي ونقاط قّو تهما وض عفهما‪ ،‬إذ إّنهم ا‬
‫يح ّد دان في الحقيق ة اس تراتيجّية النظ ام الع المّي ‪ُ ،‬يع ّد ِم ن خص ائص المجته د الج امع‬
‫وِس ماته‪َ ...‬فال ُبّد للمجتهد ِم ن التحّلي بالحنكة وال ذكاء ِلِفراس ة ِهداي ة المجتم ع اإلس المّي‬
‫وغ ير اإلس المّي ‪ .‬ويجب أن يك ون م ديرًا وم دّبرًا حّق ًا‪ ،‬فض ًال عن اّتس امه ب اإلخالص‬
‫والتقوى والزهد‪ ،‬إذإّن هذه الصفات ِم ن شأن المجتهد»‪.1‬‬

‫هذا كّل ه على المس توى النظ رّي ِلَفص ل ال دين عن السياس ة‪ .‬ولكْن ثّم ة جانب ًا آخ ر ه و‬
‫اإلجراءات التنفيذّية التي قام بها أعداء الِد ين اإلسالمّي ِلَفصله عملّيًا عن السياسة وإبع اده‬
‫عن شؤون الناس‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،21‬ص‪.262‬‬ ‫‪1‬‬


‫والمجتمع ات‪ .‬فــ«الدعاي ة الواس عة ألع داء اإلس الم نجحت في تض ليل الكث ير ِم ن‬
‫المسلمين‪ ،‬وَح رف أذهانهم عن الكثير ِم ن القضايا والمسائل اإلسالمّية‪ ،‬إلى درجٍة َص ّد ق‬
‫معها المسلمون ‪-‬والكثير ِم ن رجال ال دين‪ -‬أّن ه ال يجب الخ وض في السياس ة ومس ائلها‪،‬‬
‫‪| 60‬‬ ‫زاعمين أّن مهّم ة رجِل الدين الوعُظ واإلرشاد والرّد على المسائل الشرعّية‪ ،‬ال الخ وض‬
‫في السياسة‪ِ .‬ع لمًا أّن مسائل اإلسالم السياسّية أضعاف مس ائله العبادّي ة‪ ،‬ب ل إّن المس ائل‬
‫السياسّية ذات م دلول عب ادّي أيض ًا‪َ ،‬ف الكتب اإلس المّية‪ ،‬وكتب اإلس الم الفقهّي ة‪َ ،‬تفيض‬
‫بالمسائل السياسّية واالجتماعّية‪ .‬وعلى الرغم ِم ن ذلك كّله‪ ،‬تتصّو ر مجموعة من الجهالء‬
‫أّن اإلسالم ديٌن كسائر األدي ان األخ رى المنحرف ة‪ ،‬ال تي لم تكن ك ذلك‪ ،‬وإّنم ا َلِعَبت به ا‬
‫أي دي التحري ف واالس تعمار حّتى أوص لتها إلى ه ذه الح ال‪ ،‬وأَّن على رج ل ال دين أن‬
‫يمض ي وقت ه بين المس جد للعب ادة والم نزل لالس تراحة فق ط‪ .‬إّن ه ذا التهميش المتعّم د‬
‫لإلسالم‪ ،‬وإقصاءه عن الساحة السياسّية‪ ،‬بدأ منذ مطلع اإلسالم‪ ،‬على يِد ب ني أمّي ة وب ني‬
‫العب اس‪ ،‬ثّم على أي دي الحكوم ات الرجعّي ة‪ ،‬ثّم على أي دي الق وى الك برى م ؤّخ رًا‪ .‬إّن‬
‫اإلسالم ال ذي ال ُيع نى بقض ايا المجتم ع والسياس ة والحكم إس الٌم ُم هّم ش َوُم نزٍو ؛ ق د تَّم‬
‫إقصاء اإلس الم باس م اإلس الم‪ ،‬وحص روه بين ج دران المس اجد األربع ة الميت ة ال تي ال‬
‫حراك فيها‪ .‬لكّن الحقيقة أّن المسجد الحرام‪ ،‬والمس اجد في زمن الرس ول األك رم (ص لى‬
‫هللا عليه وآله)‪ ،‬كانت َح ّيًة َتعُّج بالحركة‪ ،‬كانت مركزًا للسياسة ومركزًا للح رب‪ ،‬مرك زًا‬
‫للِع لم ومركزًا ِلُم عالجة القضايا االجتماعّية والسياسّية المختلف ة؛ هك ذا ك انت المس اجد في‬
‫زمن الرس ول (ص لى هللا علي ه وآل ه)‪ .‬لم تكن المس اجد مج ّرد أم اكن للعب ادة والص الة‬
‫والصوم والتنُّسك‪ ،‬بل فيها كان يتعّبُأ الناس للحرب‪ ،‬وِم نها ك انت تنطل ق الجي وش‪ .‬ولكن‬
‫ِم ن المؤس ف أّن ه ذه المس اجد‪ ،‬وعلى أث ر حمالت الدعاي ة المكّثف ة من ذ مطل ع اإلس الم‬
‫وتوّلي بني أمّية الحكم إلى زماننا هذا‪ ،‬تحّو لت إلى أماكن ُيدان فيها اإلسالم باسم اإلسالم‪،‬‬
‫َو ليس ِبأن يقول شخٌص ‪ :‬أنا أدين اإلسالم‪ ،‬بل ِبأن ُيداس في المساجد على‬
‫ما يريُد ُه اإلسالم كّله‪ .‬إّن اإلسالم يري د من الن اس أن َيع وا مص الحهم ومص الح اإلس الم‬
‫والمسلمين‪ ،‬وأن يكونوا فاعلين في هذا االّتجاه؛ لذا ك انت المس اجد‪ ،‬وك ان الحّج‪ ،‬أفض ل‬
‫مكاٍن ِلتحقيق ذلك»‪.1‬‬
‫‪| 61‬‬
‫بداهة والية الفقيه‬

‫إّن النظ رة إلى اإلس الم على أّن ه ِد ين سياس ّي وش امل َتس ري إلى الرؤي ة ح ول النب ّو ة‬
‫واإلمامة معًا‪ ،‬ألّن النبّي أو اإلمام (عليهم السالم) ُهم الناطقون الشرعّيون المنّص بون ِم ن‬
‫هللا تعالى ِلتطبيق اإلسالم في حي اة البش ر‪ .‬وإذا ك ان أم ر اإلس الم ه و الش مول ِلن واحي‬
‫الحياة كاّفة‪ ،‬فالنبّو ة واإلمامة تمت ّد ان م ا امت ّد ت الش ريعة في الحي اة؛ ِم ن هن ا ك انوا والة‬
‫األمر ُم طلقًا‪.‬‬

‫أّم ا في عصر َغيبة المعصوم (عليه السالم)‪َ ،‬فيبرز السؤال في أمر الوالية‪ :‬ه ل تمت ّد م ا‬
‫امتّد ت الشريعة أم ال؟‬

‫إّن اإلمام الخمينّي (قدس سره) يجد تالزمًا بين حاكمّية اإلسالم وش موله؛ بمع نى أّنن ا ل و‬
‫عّطلنا الحاكمّية التي كانت موجودة في عصر حضور المعصوم (عليه السالم)‪ ،‬مع قولنا‬
‫‪-‬في الوقت َعينه‪ -‬إّن اإلسالم شامل ألبعاد الحياة كّله ا‪ ،‬فه ذا يفض ي إلى الق ول بانحس ار‬
‫فاعلّية اإلسالم في جزء من الحياة‪ ،‬وتعطيله في جزء أو أج زاء أخ رى‪ .‬وتعطي ل أحك ام‬
‫اإلسالم أمر يرفض ه العق ل القطعّي ‪ ،‬ألّن ه ي ؤّد ي إلى جع ل المس لمين متحّي رين في أم ر‬
‫تكاليفهم الحقيقّية الشرعّية‪ ،‬وهو خالف ِم ّنة هللا تعالى ولطفه‪.‬‬

‫هذا حاصل ما َيذكره اإلمام (قدس سره) في النظر إلى أصل والية الفقي ه؛ «والي ة الفقي ه‬
‫فكرة علمّية واضحة قد ال تحتاج إلى برهان‪ ،‬إذ إّن َم ن َعرف اإلس الم ‪-‬أحكام ًا وعقائ د‪-‬‬
‫يرى بداهتها‪ ...‬فاإلسالم ديُن المجاهدين الذين يريدون الحّق والعدل‪ ،‬ديُن ال ذين يط البون‬
‫بالحّرّية واالستقالل‪ ،‬والذين ال يريدون أن يجعلوا للكافرين على المؤمنين سبيًال»‪.2‬‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،18‬ص‪.51 - 50‬‬


‫‪ 2‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬السّيد روح هللا‪ ،‬الحكومة اإلسالمّية‪ ،‬ال‪.‬ن‪ ،‬ال‪.‬م‪ ،‬ال‪.‬ت‪ ،‬ال‪.‬ط‪ ،‬ص‪.8 - 7‬‬
‫وَيذكر (قدس سره) في بعض كتبه الفقهّية أّن استمرار حاكمّية اإلسالم ِم ن الض رورات‪،‬‬
‫فيق ول‪« :‬إّنن ا نعلم ِع لم ًا ض رورّيًا أّن الن بّي (ص لى هللا علي ه وآل ه) ‪-‬المبع وث ب النبّو ة‬
‫الخاتمة‪ ،‬أكمل النبّو ات وأتّم األديان‪ -‬الذي لم يهم ل م ا يحت اج إلي ه البش ر جميعهم‪ ،‬حّتى‬
‫‪| 62‬‬ ‫آداب النوم والطعام‪ ،‬وأرش الخدش‪ ،‬ال يمكن أن يهم ل ه ذا األم ر ال ذي ُيع ّد من أهّم م ا‬
‫تحتاجه األّم ة ليًال ونهارًا‪َ .‬فَلو أهمل ‪-‬والعياذ باهَّلل ‪ِ -‬م ثل هذا األمر المهّم ‪-‬أي أمر السياس ة‬
‫والقضاء‪َ -‬لكان تشريعه ناقصًا‪ ،‬وكان مخالفًا لخطبته في حّجة الوداع‪َ .‬و َلو لم ُيعّين تكليف‬
‫األّم ة في زمان الَغيبة‪ ،‬أو لم يأمر اإلمام (عليه السالم) بأن ُيعّين تكليف األّم ة في زمانه ا‬
‫‪-‬مع إخباره بالَغيبة وتطاولها‪َ -‬لكان نقصًا فاحشًا في ساحة التشريع والتق نين؛ وه و ُم نّز ه‬
‫عن ذلك‪ ،‬فالضرورة قاضية بأّن األَّم ة‪ ،‬بعد َغيبة اإلمام (عليه السالم)‪ ،‬وفي تلك األزمن ة‬
‫المتطاولة كّلها‪ ،‬لم َتترك أمَر السياسة والقضاء ‪َ-‬و هو ِم ن أهّم ما تحتاج إلي ه‪ -‬خاّص ًة م ع‬
‫تحريم الرجوع إلى سالطين الجور وُقضاتهم ‪-‬وَتسِم يته «الرج وع إلى الط اغوت»‪ -‬ألّن‬
‫المأخوذ ِبُحكمهم ُسحت َو َلو كان الحُّق ثابتًا؛ وه ذا واض ح ِبض رورة العق ل‪ ،‬وَت دّل علي ه‬
‫بعض الروايات»‪.1‬‬

‫وَيذكر (قدس سره) ‪-‬في مع رض االس تدالل بالنق ل‪ُ -‬جمل ة ِم ن اآلي ات والرواي ات ال تي‬
‫َيحكم المّطلع عليها ِبأّن مسألة الحكومة ال شّك في أّنها ِبَيِد الفقهاء‪ ،‬فيقول‪« :‬فإذا علم ع دم‬
‫إهمال َج عل َم نصب الحكومة والقضاء بين الناس‪ ،‬فالَقدر المتيّقن هو الفقيه العالم بالقضاء‬
‫والسياسات الدينّية‪ ،‬العادل في الرعّية‪ ،‬خاّص ًة مع ما ي رى ِم ن تعظيم هَّللا تع الى ورس ول‬
‫األكرم (صلى هللا علي ه وآل ه) واألئّم ة (عليهم الس الم) العلَم وَح َم َلت ه‪ ،‬وم ا َو َر د في ح ّق‬
‫العلماء ِم ن كونهم حصون اإلسالم‪ ،‬أمن اء‪ ،‬ورث ة األنبي اء‪ ،‬خلف اء رس ول هَّللا (ص لى هللا‬
‫عليه وآله)‪ ،‬أمناء الُرسل‪ ،‬كسائر األنبي اء‪ ،‬خ ير خل ق هَّللا بع د األئّم ة (عليهم الس الم) إذا‬
‫صلحوا‪ ،‬وأّن منزلتهم منزلة األنبياء في ب ني إس رائيل‪ ،‬وأّن فض لهم على الن اس كفض ل‬
‫النبّي على أدناهم‪ ،‬وأّنهم ُح ّك ام على‬

‫‪ 1‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬االجتهاد والتقليد‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.23 - 22‬‬


‫الملوك‪ ،‬وأّنهم ُك فالء أيتام أهل البيت (عليهم السالم)‪ ،‬وأّن مجاري األمور واألحك ام على‬
‫أيدي العلماء باهَّلل األمناء على حالله وحرامه‪ ،‬إلى غير ذلك‪ .‬ف إّن الخدش ة في ك ّل واح د‬
‫منها ‪-‬سندًا أو داللًة‪ -‬ممكنة‪ ،‬لكّن مجموعها يجعل الفقيه العادل َقدرًا متيّقنًا»‪.1‬‬
‫‪| 63‬‬
‫هذا تمام الكالم ‪-‬إجماًال‪ -‬حول الرؤية التشريعّية لإلمام الخمينّي (قدس سره)‪ .‬وقد حاولن ا‬
‫َقدر المستطاع اإلشارة إلى أّم هات المطالب التي تمّثل َم عالم نهجه (قدس سره)‪.‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.25 - 24‬‬ ‫‪1‬‬


‫ثانيًا‪ :‬معالم الشخصّية اإلنسانّية عند اإلمام الخمينّي (قدس سره)‬
‫تّم الحديث عن معالم المنظومة الفكرّية لإلمام الخمينّي (قدس س ره)‪َ ،‬فَق د ذكرن ا أّن ه ذه‬
‫‪| 64‬‬ ‫المنظومة ‪ُ-‬م ضافًا إلى َك ونها أصيلة تستند في األفكار التي تتبّناه ا إلى األص ول المتين ة‪-‬‬
‫تتمَّتع باالنسجام في ما بينها‪ .‬وفي هذا الفصل نتعّر ض للكالم على رؤي ة اإلم ام الخمي نّي‬
‫(قدس سره) للشخصّية اإلنسانّية؛ أي اإلنسان ِم ن حيث ه و إنس ان‪ ،‬ال ِم ن حيث كون ه ذا‬
‫عرق معّين‪ ،‬أو جنس ما‪ ،‬أو ُم نتسب إلى طائفة أو جغرافي ا دون أخ رى‪ .‬والكالم في ه ذا‬
‫الشأن ُم كّم ل أساس ّي للمنظوم ة الفكرّي ة‪ ،‬إذ إّن اإلنس ان ه و الص فحة ال تي ال ب ّد ِم ن أن‬
‫تنطبع بتلك المنظومة‪ .‬وال ينبغي النظر إلى األفكار المنسجمة األصيلة على أّنها موجودة‬
‫في الكتب والمصادر‪ ،‬ولها فائدة جدلّية وخطابّية‪ ،‬إلثبات حّقانّي ة م ا يقول ه اإلم ام (ق دس‬
‫سره)‪ ،‬بل إّن الشأن األساسّي والغاية ِلم ا تق ّد م كّل ه ِم ن أفك ار وقض ايا أن تك ون ص ورًة‬
‫وهيئة تتشّك ل بها النفس اإلنسانّية‪َ .‬فما تقَّد م ِذ كره كان بمثاب ة الدس تور العملّي ال ذي ال ب ّد‬
‫ِم ن أن نجعله مرشدًا على مستوى الشخصّية والصفات‪ .‬لذا‪ ،‬كان لزامًا استكشاف الرؤي ة‬
‫التي يتبّناها اإلمام الخمينّي (قدس سره) لإلنسان بما ه و إنس ان؛ أي إلى أبع اده وحقيقت ه‬
‫وقدراته وطاقاته‪ ،‬وما ُخ لق ألجله‪ ،‬والطريق الموصل إلى هدفه‪.‬‬

‫والكالم في هذا الفصل يندرج تحته أمور نذكرها تباعًا‪:‬‬

‫األمر األّو ل‪ :‬غاية اإلنسان هي العبودّية‪.‬‬

‫األمر الثاني‪ :‬أبعاد وجود اإلنسان‪ ،‬وكون اإلسالم يراعي األبعاد كاّفة‪.‬‬
‫األمر األّو ل‪ :‬العبودّية كمال اإلنسانّية‬
‫إّن كّل منظومة فكرّية تطرح نفسها على أّنها نموذج كامل لبناء النفس اإلنسانّية ال ُبّد له ا‬
‫‪-‬قبل أّي شيء‪ِ -‬م ن أن تطرح رؤيتها حول الوج ود اإلنس انّي والشخص ّية اإلنس انّية‪ .‬وال‬
‫‪| 65‬‬ ‫ُنبالغ في القول إّن مفترق الطرق الذي تفترق عنده المدارس الفكرّية المختلفة هي رؤيتها‬
‫لإلنسان‪.‬‬

‫ال بّد للرؤية التي ُتطرح حول اإلنسان ِم ن أن تراعي ثالثة جوانب أساسّية‪:‬‬
‫الجانب األّو ل هو الغاية اإلنسانّية؛ أي الكمال األقص ى ال ذي ت راه ه ذه المنظوم ة الئق ًا‬
‫باإلنسان‪ ،‬والذي ينبغي أن يصل إليه‪ِ ،‬بحيث يكون كامًال بتحُّققه بها‪.‬‬

‫الجانب الثاني هو النموذج؛ أي المثل األعلى الذي يكون عصارة تحُّق ق ه ذه الرؤي ة في‬
‫الواقع الخارجّي ‪َ .‬فَلو َطرَح ت رؤيٌة معّينة نظرَته ا لإلنس ان‪ ،‬ولم ُتع ِط نموذج ًا بش رّيًا أو‬
‫َم َثًال أعلى يكون ق دوة ِلس ائر الن اس‪َ ،‬فَس َتض عف ه ذه المنظوم ة‪ ،‬ولن توِج د ال داعي أو‬
‫الدافع لألتباع‪.‬‬

‫الجانب الثالث هو الطريق الموصل إلى هذه الغاية‪.‬‬

‫وفي ما يأتي نطرح هذه الجوانب في رؤية اإلمام الخمينّي (قدس سره) تباعًا‪.‬‬

‫الغاية اإلنسانّية هي العبودّية هلل‬

‫األمر األّو ل الذي يلفتنا في كالم اإلمام الخمي نّي (ق دس س ره) على اإلنس ان ه و أّن ه ذا‬
‫الك ائن يمت از ‪-‬بش كٍل أساس ّي ‪ -‬عن غ يره ِم ن الكائن ات بأّن ه يحم ل عن وان «خليف ة هللا‬
‫تعالى»‪ .‬وقد وصل بعض البشر ‪-‬في الحقيقة والفعل‪ -‬إلى هذا المقام‪َ ،‬و ُهم األنبياء (عليهم‬
‫السالم) واألولياء على اختالف مراتبهم‪ .‬وبعض الناس اآلخرين كانت لهم قابلّي ة التحّق ق‬
‫والوصول إلى مقام «الخالفة اإللهّية»‪َ ،‬و ُهم سائرون على هذا الطريق؛ فإّم ا أن‬
‫يتكاملوا ويتحّققوا به‪ ،‬وإّم ا أن يتسافلوا‪َ ،‬فال يحّققوا إنسانّيتهم التي ُخ لقوا من أجلها ِبالفعل‪.‬‬

‫ومعنى «الخالفة اإللهّي ة» أن يك ون اإلنس ان متش ّكًال ِبم ا يقتض يه ُقرب ه من هللا تع الى؛‬
‫‪| 66‬‬ ‫بتعبير آخر‪ :‬إّن حقيقة اإلنسان ال تكون كاملة وُم حِّققة ِلما ُخ لقت من أجله إاّل َبعد أن تحّقق‬
‫الُق رب ِم ن هللا تع الى‪ .‬وحقيق ة ه ذا الُق رب أن يك ون اإلنس ان متخّلق ًا ب األخالق اإللهّي ة‬
‫ومتحّققًا بها‪ِ .‬م ن هنا‪ ،‬يندمج مع نى الُق رب بمع نى العبودّي ة‪ ،‬إذ إّن الق رب ِم ن هللا تع الى‬
‫يستلزم فناء إرادة اإلنسان بإرادت ه تع الى وزوال أنانّيت ه وتق ديم ش هوته وغض به وه واه‬
‫على ما يريده هللا؛ هذه هي حقيقة الكمال اإلنسانّي ‪« .‬إّن قيمة اإلنسان في التزامه بتكاليف ه‬
‫أمام هللا تبارك وتع الى وفي عبودّيت ه هلل ع ّز وج ّل‪َ .‬فم ا هي مس ؤولّية اإلنس ان أم ام هللا‬
‫وأمام العباد؟ هذه هي القيمة الحقيقّية‪ .‬وما دمتم محافظين على هذه القيم‪ ،‬فإّنكم مح افظون‬
‫على القيم اإلسالمّية واإلنسانّية‪ .‬وإذا ما حصل انحراف في ذلك‪ ،‬وَفَقدُتم القيم ة الحقيقّي ة‪،‬‬
‫َفال قيمة لكم أمام هللا وأمام عب اده‪ ،‬حّتى ل و بلغُتم أعلى درج ات الِع لم بين العلم اء‪ ،‬وحّتى‬
‫َلو َبلغُتم ما َبلغُتم ِم ن الزهد»‪.1‬‬

‫ويقول (قدس سره) أيضًا‪« :‬كّلما كان النظر إلى اإلّنّية واألنانّية ورؤي ة النفس وُحّبه ا في‬
‫اإلنسان غالبًا‪ ،‬كان بعيدًا عن كمال اإلنسانّية ومق ام الُق رب اإللهّي ‪َ .‬فحج اب رؤي ة النفس‬
‫وعبادتها َأضخم الُحُجب وأظلمها»‪.2‬‬

‫ِم ن هنا‪ ،‬تظهر المعادلة التي يطرحه ا اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) في طري ق وص ول‬
‫اإلنسان إلى كماله‪ ،‬وهي أّن الطريق الوحيدة التي تتدّفق فيها كم االت اإلنس ان‪ ،‬وينطل ق‬
‫فيها ِم ن ح ال الُك م ون والض عف إلى ح ال الظه ور والفعلّي ة‪ ،‬هي طري ق االّتص ال باهلل‬
‫تعالى؛ مبدأ كّل كمال‪ .‬أّم ا‬

‫‪ 1‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.346‬‬


‫‪ 2‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬اآلداب المعنوّية للصالة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫االنحراف عن طريق هللا تعالى وسبيله‪ ،‬والذي يتمّث ل ِبطاع ة األه واء والش هوات وحّب‬
‫الدنيا‪ ،‬فهو عين طريق اضمحالل كماالت اإلنسان وصيرورته فارغًا من كّل كم ال؛ ل ذا‬
‫َفال طريق ثالثًا غير طريق هللا تعالى وطريق النفس األّم ارة والدنيا‪.‬‬
‫‪| 67‬‬
‫النموذج الكامل للغاية اإلنسانّية‬

‫بناء على الجانب الث اني من ج وانب رؤي ة الشخص ّية اإلنس انّية‪َ ،‬ط رح اإلم ام الخمي نّي‬
‫(قدس سره) ‪ِ-‬و فاق رؤيته األصيلة لإلسالم‪ -‬المَث ل األعلى له ذه الرؤي ة‪ ،‬المتش ّخ ص في‬
‫الوجود الخارجّي ‪َ ،‬و ُهم البشر الكاملون الذين وصلوا إلى مق ام العب اد ك املي العبودّي ة هلل‬
‫تعالى‪ .‬لذا‪ ،‬فإّننا نخّص ص هذا القسم ِم ن الكالم ِلَبي ان األبع اد ال تي تجَّلت في الشخص ّيات‬
‫اإلنسانّية الكاملة في بيانات اإلمام الخمينّي (قدس سره)‪.‬‬

‫رسول هللا (صلى هللا عليه وآله)‬

‫يقول اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) عن د حديث ه عن رس ول هللا (ص لى هللا علي ه وآل ه)‪:‬‬
‫«وليعلم أّن العبودّية المطلقة ِم ن أعلى مراتب الكمال وأرفعه‪ ،‬بل أرفع مقامات اإلنسانّية‪.‬‬
‫وليس ألحد فيها نصيب سوى األكمل ِم ن َخ لق هللا محّم د (صلى هللا علي ه وآل ه) وأوليائ ه‬
‫الُك َّم ل»‪.1‬‬

‫ثّم إّنه قد يتوَّهم بعض الناس أّن هذا المقام الرفيع الذي ال نظير له ِلرس ول هللا (ص لى هللا‬
‫عليه وآله) يجعلنا في حجاٍب عن َفهم س لوكّياته وحركت ه الفردّي ة واالجتماعّي ة‪ ،‬أو حّتى‬
‫عن تصُّو ر كيفّية معاشرته ألصحابه‪ ،‬وكيفّية تعامله مع أعدائه؛ لذا ال يمكن أن ُنغفل أّنن ا‬
‫مطاَلبون باالقتداء بسيرة النبّي (صلى هللا عليه وآله) ِلكونه صاحب ذلك المقام‪ .‬وق د ك ان‬
‫اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) كث ير اإلض اءة على ه ذه الج وانب البش رّية واالجتماعّي ة‬
‫ِلرس ول هللا (ص لى هللا علي ه وآل ه)‪ ،‬إذ يق ول‪« :‬عن دما نراج ع ت اريخ األنبي اء (عليهم‬
‫السالم) وِسَيَر هم‪ ،‬نجد أّنهم َبذلوا ما ِبِو سعهم كّله‪ ،‬وتحَّم لوا من العناء ما تحَّم ل وا في س بيل‬
‫تربيتنا وسعادتنا‪.‬‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.33‬‬


‫َفِع ندما تدرسون أو تراجعون حياة النبّي موسى والنبّي عيسى (عليهم ا الس الم)‪ ،‬أو حي اة‬
‫نّبينا محّم د (صلى هللا عليه وآله) خاّص ة‪ ،‬أو عندما تراجعون التاريخ اإلس المّي ‪ ،‬تج دون‬
‫أّن بعض األنبياء (عليهم الس الم) أق اموا دول ة‪َ ،‬و ك انت لهم س لطة على الن اس‪ ،‬لكّنهم لم‬
‫‪| 68‬‬ ‫يتص ّرفوا كم ا يتص ّرف رؤس اء الجمهورّي ات والزعم اء السياس ّيين الي وم‪َ .‬و ك ذلك‬
‫رسول هللا (صلى هللا عليه وآله)‪ ،‬كان قد َبسط في حياته رسالته على بالد العرب وبعض‬
‫البل دان األخ رى‪ ،‬إاّل أّن ه لم َيُقم بم ا يق وم ب ه رؤس اء جمهورّي ات الع اَلم وزعم اؤه؛ إذ‬
‫كان (صلى هللا عليه وآله)‪ ،‬حينما يجلس في المسجد‪ ،‬يقّرب أصحابه ويتح ّد ث إليهم بك ّل‬
‫تواضع‪ ،‬بحيث لم يكن بمقدور القادمين ِم ن خ ارج المس جد‪ ،‬وال ذين لم َي َر وه (ص لى هللا‬
‫عليه وآله) ِم ن قبل‪ ،‬تمييزه ِم ن اآلخرين؛ على هذا النحو ك انت معاش رته ألص حابه‪َ ،‬فال‬
‫تتصّو روا أّنه كان يجلس على ِم ثل هذا المقعد الذي أجلسُتموني عليه‪ ،‬بل كان يجلس على‬
‫بساط شبيه بهذا البساط الذي جلستم أنتم عليه‪َ ،‬فَيج د الق ادم ِم ن خ ارج المس جد عن اًء في‬
‫َتَع ُّر فه (صلى هللا عليه وآله)‪ .‬كما أّنه كان بإمكان َم ن يروم لقاءه أن يلتقي به بك ّل بس اطة‬
‫وس هولة ‪ِ-‬خ الف ًا لرؤس اء الجمهورّي ات الي وم‪ ،‬إذ إّن على ك ّل َم ن يري د أن يلتقي بهم أن‬
‫يتحّم ل المش ّقة والعن اء‪ ،‬وق د ال تتحّق ق أمنيت ه أب دًا‪َ -‬فالن اس جميعهم ك انوا يح ّد ثون‬
‫الرسول (صلى هللا عليه وآله)‪ ،‬ويسمعون إجاباته عن أسئلتهم‪.‬‬

‫أّم ا عن منزله (صلى هللا عليه وآله)‪َ ،‬فقد كاَن َلصيق المس جد‪ .‬وال تتص ّو روا أّن المس جد‬
‫ُيشبه مساجد المدن الحالّية‪ ،‬بل كان قطع ة أرٍض أحاطوه ا بالخش ب وأغص ان األش جار‬
‫ِلتجُّنب دخول الحيوانات‪َ ،‬لم ُتشّيد فيها سوى غرف ة أو غرف تين َبَنوهم ا ِب الطين‪ .‬ولم َيكن‬
‫في مسجد الرسول (صلى هللا عليه وآله) س وى أش ياء بس يطة‪ ،‬إذ إّن منزل ه ك ان بس يطًا‬
‫للغاية‪ ،‬ال َك ما هي حال بيوتنا»‪.1‬‬

‫أمير المؤمنين (عليه السالم)‬

‫في مقام وصف أمير المؤمنين (عليه السالم)‪ ،‬يقول اإلمام الخمينّي (قدس سره)‪:‬‬

‫اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.121 - 120‬‬ ‫‪1‬‬
‫«نكتفي ب القول إّن علَّي بن أبي ط الب (علي ه الس الم) ك ان عب دًا هلل فق ط‪ ،‬وه ذه أك بر‬
‫خصائصه التي يمكن الحديث عنها‪َ ،‬و ربيبًا ِلرسول هللا العظيم (صلى هللا علي ه وآل ه)‪ ،‬إذ‬
‫إّنه ترّبى في حجره ‪-‬وهذا من أكبر مفاخره‪ .-‬فأّية شخصّية تس تطيع اّد ع اء أّنه ا عب د هلل‪،‬‬
‫‪| 69‬‬ ‫وأّنه ا بعي دة عن ك ّل عبودّي ة أخ رى‪ ،‬غ ير األنبي اء الِع ظ ام (عليهم الس الم) واألولي اء‬
‫المعّظمين وعلّي (عليه السالم)؛ ذلك العبد المنقطع عن غير هللا‪ ،‬المّتصل ب الحبيب ال ذي‬
‫كشف ُحجب النور والظلمات‪َ ،‬وَو صل إلى معدن العظمة؟ وأّية شخص ّية تس تطيع اّد ع اء‬
‫أّنها كانت‪ ،‬منذ الطفولة حّتى آخر عمر الرسول األكرم (صلى هللا عليه وآله)‪ ،‬في حضنه‬
‫وفي ظّله وتحت تربية الوحي وُم بّلغه إاّل علّي بن أبي طالب (عليه السالم)‪ ،‬الذي ُغ رست‬
‫في روحه جذور الوحي وتربية صاحب ال وحي؟ إذًا‪ ،‬ه و حّق ًا عب د هللا‪ ،‬وتربي ة عب د هللا‬
‫األعظم (صلى هللا عليه وآله)‪.‬‬

‫أّم ا كتاب نهج البالغة‪ ،‬الذي هو ِم ن روحه‪َ ،‬فهو ِلتعليمنا وتربيتنا نحن الغارقين في ُسبات‬
‫األنا وِح جابها وأنانّيتها‪َ ،‬و هو شفاٌء لنا‪ ،‬وبلسم لآلالم الفردّية واالجتماعّية‪ .‬هذا الكت اب ل ه‬
‫أبعاد بحجم اإلنسان والمجتمع اإلنس انّي الكب ير‪ ،‬من ذ ظه وره‪ ،‬وعلى م ّر الت اريخ َم هم ا‬
‫تق ّد م‪ ،‬ومهم ا ظه رت المجتمع ات وت واَلت ال دول والش عوب‪ ،‬ومهم ا ظه َر المفّك رون‬
‫والمفّسرون والفالسفة وغاصوا فيه وغرقوا»‪.1‬‬

‫«أّم ا عن حياة أمير المؤمنين‪ ،‬اإلمام علّي (عليه السالم)‪ ،‬فقد َبسط نفوذ حكومته وإمامت ه‬
‫على بالد شاس عة‪ ،‬ش ملت أرج اء الحج از والع راق وس وريا ولبن ان ومص ر وإي ران‬
‫جميعها‪ ،‬وتوّحدت هذه البلدان كّلها تحت لوائه‪ ،‬فكيف ي ا ت رى ك انت حيات ه؟ ه ل ك انت‬
‫مشابهة لحياة األمراء؟ كان (عليه السالم) يمتلك‪ ،‬فقط‪ِ ،‬ج لد خروف يفرش ه ليًال ‪-‬بحس ب‬
‫ما يذكر التاريخ‪ -‬وينام عليه هو وزوجته‪ ،‬ويحشو جلده نهارًا َع َلفًا يعلف ب ه البع ير؛ ه ذه‬
‫حكومة اإلسالم‪ .‬كان (عليه السالم) يحفر القناة ِبَيده في اليوم نفسه الذي بايعه المس لمون‪،‬‬
‫وبعد َبيعته عاد ِليواصل عمله فيها‪ ،‬إذ‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،14‬ص‪.275 - 274‬‬ ‫‪1‬‬


‫لم يكن يعمل من أجل نفسه ومنفعته الخاّصة‪ ،‬بل إّن ه َح فره ا‪ ،‬وم ا إن تفّج رت عين م اٍء‬
‫حّتى جعلها وْقفًا للفقراء‪.‬‬

‫‪| 70‬‬ ‫ونحن أّيها السادة‪ ،‬نريد مثل هذا الحاكم‪ ،‬نريد حاكمًا يقت دي بالرس ول األك رم (ص لى هللا‬
‫عليه وآله) واإلمام علّي (عليه السالم)‪ .‬نحن ال ذين تحَّم لن ا المش ّقاِت وعاَنين ا م ا عاَنين ا‪،‬‬
‫عندما ُنكّلم شعبنا المسلم‪ ،‬فإّن خالصة ما نريد هو مطالبتنا بحاكم ال يكون خائنًا‪.‬‬

‫ينقل عن اإلمام (عليه السالم) أّن ه ك ان يحس ب عوائ د بيت الم ال‪ ،‬كالزك اة‪ ،‬وِم ق دار م ا‬
‫يجب أن يدفعه الناس من ضرائب لبيت المال‪َ ،‬و كان يحمل ِم صباحه الزيتّي ِبَيده ليض يء‬
‫ب ه المك ان‪ .‬وبينم ا ه و منهم ك في إع داد الكش وفات‪ ،‬ج اء ش خٌص ‪-‬بحس ب م ا ت ذكره‬
‫الرواية‪ -‬في حديث خاّص معه (عليه السالم)‪ ،‬فأطفأ اإلمام (علي ه الس الم) المص باح‪ ،‬ثّم‬
‫راح يحّد ثه»‪.1‬‬

‫السّيدة فاطمة الزهراء (عليها السالم)‬

‫إّن المتابع لكلمات اإلمام الخمينّي (قدس سره) على مقام السّيدة الزهراء (عليها الس الم)‪،‬‬
‫وتوصيف تأثيرها على اإلسالم‪ ،‬وحركتها الجهادّية‪ ،‬يرى شّد ة الَع َظمة التي ك انت تمّثله ا‬
‫هذه السّيدة العظيمة في حياته (قدس سره)‪ ،‬وم دى َع َظم ة اإلس الم‪ ،‬بحيث تح وز الم رأة‬
‫الكاملة في ه خصوص ّيات األنبي اء (عليهم الس الم) كاّف ة؛ «إّن األبع اد المتص ّو رة للم رأة‬
‫جميعها‪ ،‬والمتصّو رة لإلنسان‪ ،‬قد تجَّلت في فاطمة الزهراء (عليه ا الس الم)‪ .‬إّنه ا لم تكن‬
‫امرأة عادّية‪ ،‬ب ل ك انت ام رأة روحانّي ة‪ ،‬ام رأة ملكوتّي ة‪ ،‬إنس انًا ِبتم ام مع نى اإلنس ان‪،‬‬
‫باألبعاد اإلنسانّية كّلها‪ ،‬حقيقة المرأة الكاملة‪ ...‬حقيقة اإلنس ان الكام ل‪ .‬إّنه ا ليس ت ام رأة‬
‫عادّية‪ ،‬بل موجوٌد ملكوتّي قد ظهر في العالم ِبصورة إنسان‪ ،‬موجوٌد إلهّي جبروتّي ظهر‬
‫بص ورة ام رأة‪ ...‬غ دًا ي وم الم رأة‪ .‬إّن الحق ائق الكمالّي ة كّله ا المتص َّو رة لإلنس ان‪،‬‬
‫والمتص ّو رة للم رأة‪ ،‬تتجّلى في ه ذه الم رأة‪ .‬غ دًا تول د مث ل ه ذه الم رأة؛ ام رأة فيه ا‬
‫خصوصّيات‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.122 - 121‬‬ ‫‪1‬‬


‫األنبياء (عليهم السالم) جميعهم‪ .‬امرأة لو كانت رجًال َلك ان نبّي ًا‪َ ،‬ل و ك انت رجًال َلك انت‬
‫مكان رسول هللا (صلى هللا عليه وآله)‪ .‬إذًا‪ ،‬غدًا يوم الم رأة‪ .‬إّن مص داقّية الم رأة الكامل ة‬
‫توج د غ دًا؛ المعنوّي ات‪ ،‬التجّلي ات الملكوتّي ة‪ ،‬التجّلي ات اإللهّي ة‪ ،‬التجّلي ات الجبروتّي ة‪،‬‬
‫‪| 71‬‬ ‫التجّليات الملكّية والناسوتّية‪ ،‬جميعها مجتمعة في هذا الموجود‪ ...‬إّنها إنسان ِبتم ام مع نى‬
‫اإلنسان‪ ...‬إّنها امرأة ِبتمام معنى المرأة‪ ...‬إّن للمرأة أبعادًا مختلفة‪ ،‬كم ا أّن للرج ل أبع ادًا‬
‫مختلفة‪ ،‬وك ذلك اإلنس ان‪ ...‬إّن ه ذه الص ورة الطبيعّي ة هي أدنى م راتب اإلنس ان وأدنى‬
‫مراتب المرأة وأدنى مراتب الرجل‪ ،‬ولكْن ِم ن هذه المرتب ة المتدّني ة تك ون الحرك ة نح و‬
‫الكمال‪ .‬اإلنس ان موج ود متح ّرك من مرتب ة الطبيع ة إلى مرتب ة الَغيب‪ ،‬حّتى الفن اء في‬
‫األلوهّية؛ إّن هذه المسائل والمعاني حاصلة للصّد يقة الطاهرة (عليها الس الم)‪ ،‬فق د ب دأت‬
‫ِم ن مرتبة الطبيعة‪ ،‬وتحّر كت حركة معنوّية‪َ ،‬فَطَو ت هذه المراحل ِبقدرة إلهّية‪ِ ،‬بَيٍد غيبّية‪،‬‬
‫ِبتربية رسول هللا (صلى هللا عليه وآله)‪ ،‬إلى أن وصَلت مرتبًة يقصر عنها الجميع»‪.1‬‬

‫يّتضح‪ ،‬إذًا‪ ،‬أّن في اإلنسان قدرات للوصول إلى الكماالت الالئقة بإنسانّيته‪ ،‬ع بر الُق رب‬
‫ِم ن هللا‪ ،‬وال ذي ك ان مص داقه األب رز نبّين ا وآل ه (عليهم الس الم)؛ ل ذا ُح َّق ِل برامج‬
‫األنبياء (عليهم السالم) في تربية اإلنسان أن تفعل فيه هذه الطاقات‪ ،‬وأن ترسم له طريق ه‬
‫إلى العبودّي ة والق رب اإللهّي ‪ .‬وق د أش رنا في م ا س بق‪ ،‬عن د الح ديث عن العدال ة‬
‫االجتماعّية‪ ،‬إلى أّن هذه العدالة ‪-‬من المنظ ار اإلس المّي اإللهّي ‪ُ -‬تع ُّد ه دفًا وس يطًا‪ ،‬أّم ا‬
‫الهدف األقصى ِلبرامج األنبي اء (عليهم الس الم) واألدي ان اإللهّي ة‪ ،‬فتتلّخ ص في وص ول‬
‫اإلنسان إلى القرب اإللهّي والعبودّية هلل تع الى؛ وهي قض ّية ش ّد د عليه ا اإلم ام الخمي نّي‬
‫(قدس سره) كثيرًا عند بيان ه األه داف القص وى لألنبي اء (عليهم الس الم)‪ ،‬إذ َبَّين أّن ِم ن‬
‫أهّم الخطط التي وضعتها األديان اإللهّي ة ِم ن أج ل إيص ال الن اس إلى عبودّي ة هللا تع الى‬
‫هي تحريرهم من عبودّية َم ن سواه من سالطين الزمان وفراعنته‪،‬‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.250‬‬


‫َفيندمج بذلك السلوك السياسّي العسكرّي بالسلوك المعنوّي‪َ .‬فيقول (قدس سره)‪« :‬األنبي اء‬
‫أيضًا ُبعثوا ِم ن أجل أن تتفّتح معنوّيات الناس وقدراتهم‪ ،‬ففي ظّل تل ك الق درات ُي دركون‬
‫بأّننا لسنا شيئًا‪ُ ،‬م ضافًا إلى العمل على إخراج الن اس والض عفاء ِم ن هيمن ة المس تكبرين‪.‬‬
‫‪| 72‬‬ ‫َفُم نذ البداية‪ ،‬كان عمل األنبياء (عليهم السالم) يتمحور حول جانَبْين؛ جانب معن وّي‪ ،‬ه و‬
‫إخراج الناس ِم ن قيد النفس وَأْسر ذواتهم‪ ،‬التي هي الش يطان األك بر‪ ،‬وج انب تحري رهم‬
‫ِم ن هيمن ة الظ المين‪َ .‬فعن دما ينظ ر اإلنس ان إلى الن بّي موس ى والن بّي إب راهيم (عليهم ا‬
‫السالم)‪ ،‬وإلى ما أف اده الق رآن عنهم ا‪ ،‬ي رى أّنهم ا اهتّم ا ِبه َذ ْين الج انَبْين؛ األّو ل دع وة‬
‫الناس إلى التوحي د‪ ،‬والث اني إنق اذ التعس اء ِم ن الظلم‪ .‬وإْن ك ان ه ذا الج انب ُم هّم ش ًا في‬
‫تعليمات السّيد المسيح (عليه الس الم)‪َ ،‬فه و ألّن ه (علي ه الس الم) لم ُيعّم ر ط ويًال‪َ ،‬فك ان‬
‫احتكاكه بالن اس قليًال‪ ،‬وإاّل ‪ ،‬ف إّن نهج ه ه و نهج الن بّي موس ى واألنبي اء جميعهم (عليهم‬
‫السالم) نفسه‪.‬‬

‫واألس مى منهم جميع ًا رس ول هللا (ص لى هللا علي ه وآل ه)‪ ،‬إذ إّنن ا ن رى ه ذْين الج انَبْين‬
‫بارَزْين في سيرته (صلى هللا عليه وآله)‪ ،‬بحسب ما أفاد القرآن والُس ّنة‪َ .‬فَق د دع ا الق رآن‬
‫إلى المعنوّي ات‪ ،‬بالق در ال ذي يس تطيع اإلنس ان تحقيق ه‪ ،‬ثّم إقام ة الع دل‪ .‬وك ان الن بّي‬
‫محّم د (صلى هللا عليه وآله)‪ ،‬والذين كانوا ِلسان الوحي‪ُ ،‬م هتّم ين ِبالج انَبْين ِكَلْيهم ا‪ ،‬إذ إّن‬
‫سيرته (صلى هللا عليه وآله) تدّل على ذلك‪َ .‬فقد َعمل على تقوي ة المعنوّي ات إلى م ا قب ل‬
‫تشكيل الحكومة‪ ،‬وما إن تمّك ن ِم ن تشكيل الحكومة‪ ،‬حّتى عمل على َبْسط الع دل‪ُ ،‬م ض افًا‬
‫إلى المعنوّيات‪َ .‬فَقد شّك َل الحكومة‪ ،‬وأنقذ هؤالء المحرومين ِم ن س لطة الظ المين‪ِ ،‬بالق در‬
‫الذي تسّنى له ذلك‪.‬‬

‫ه ذه هي س يرة األنبي اء (عليهم الس الم)‪ ،‬وينبغي على ال ذين يع ّد ون أنفس هم أتباع ًا لهم‬
‫الح رص على ه ذا النهج‪ ،‬خاّص ًة الج انب المعن وّي‪َ .‬فيجب على َم ن ُهم على درج ة ِم ن‬
‫المعنوّيات العمَل على تقوية هذا الجانب لديهم ولدى الن اس‪َ .‬فَع لى الن اس أيض ًا االهتم ام‬
‫بهذا الجانب‪،‬‬
‫وبالجانب اآلخر‪ ،‬وهو إقامة العدل‪ ،‬إذ إّن الحكومة اإلسالمّية ُم طالب ة بإقام ة الع دل‪ .‬ف إذا‬
‫كّنا أتباع اإلسالم واألنبياء (عليهم السالم)‪َ ،‬فهذه هي س يرتهم المتواص لة‪َ ،‬و َل و افترض نا‬
‫استمرار بعثتهم إلى األبد‪َ ،‬فَلن تحيد سيرتهم عن ذلك؛ علينا االهتم ام ب الجوانب المعنوّي ة‬
‫‪| 73‬‬ ‫لإلنسان‪ ،‬بالقدر الذي يستوعبه‪ ،‬والعمل على َبْسط الع دل بين ب ني اإلنس ان‪ ،‬وقط ع داب ر‬
‫الظالمين‪ .‬علينا أن نعمل من أجل َتطبيق َهَذ ْين النهَج ْين»‪.1‬‬

‫العبودّية أساس برامج تربية اإلنسان‬

‫إّن وضوح الهدف والغاية القصوى َج عل اإلمام الخمينّي (قدس سره) شّفافًا جّد ًا في َر س م‬
‫الخطط االستراتيجّية للمؤّسسات التعليمّية والتربوّية كاّفة‪َ ،‬فقد جع َل تربي ة اإلنس ان على‬
‫الفضائل المبِع دة عن حّب الدنيا وهوى النفس‪ ،‬والموص لة إلى الُق رب من هللا‪ ،‬هي الغاي ة‬
‫التي ينبغي أن توضع ال برامج والمش اريع التفص يلّية على ض وئها‪ .‬وفي بعض خطابات ه‬
‫التي وّجهها إلى أس اتذة الم دارس ‪-‬إذ ك ان ُيرش دهم إلى طري ق تفعي ل طاق ات التالمي ذ‪-‬‬
‫يق ول‪« :‬عليكم أن ُترّب وهم على األخالق اإلنس انّية واألخالق اإلس المّية‪ ،‬وأن ُتوّجه وهم‬
‫نحو هللا‪ ،‬وأن ُتجّنبوهم الفساد الموج ود في المجتمع ات المنحّط ة‪ .‬عليكم أن ُت ذّك روهم أّن‬
‫سعادتهم وسعادة بلدهم في ترِبيتهم تربي ًة إس المّية‪-‬إنس انّية‪ .‬يجب عليكم أن ُترّب وهم على‬
‫االحتراز عن الطبيعة المنحّطة التي تشّد اإلنسان نحو االنحطاط‪ ،‬والتي تتمّثل بحّب الجاه‬
‫وحّب المال وحّب المنصب‪ .‬يجب أن ُتبعدوهم عن ه ذه األش ياء ال تي هي ِم ن ص عوبات‬
‫طريق اإلنسان‪ ،‬والتي تمنع ُرقّيه‪ .‬وِّض حوا لهم أّن اإلنسان‪ ،‬طالما كان ُم نصرفًا إلى ع الم‬
‫الطبيعة هذا‪ ،‬فإّنه ليس إنسانًا؛ َك َم ن كان هّم ه كّله الحصول على شيء من الحياة الرغي دة‬
‫التي ُتؤَّم ن فيها األمور الماّد ّية‪ ،‬ففي النهاية‪ ،‬سيكون وضعه كحيوان هّم ه حاجات ه الماّد ّي ة‬
‫فقط‪ .‬يجب عليكم أن ُتَو ِّض حوا لهم أّن الحياة هي الحياة الشريفة‪َ ،‬و الحياة اإلنسانّية هي‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،17‬ص‪.427‬‬


‫الحياة الشريفة‪ .‬يجب عليكم أن تمنع وهم من عب ادة غ ير هللا‪ ،‬وأن ترّب وهم على عبادت ه؛‬
‫َفإذا دخل اإلنس ان المجتم ع عن طري ق عب ادة هللا‪ ،‬أو نظ ر إلى األم ور ِم ن منظ ار ه ذه‬
‫القناة‪ ،‬فإّن أعماله كّلها تصبح إلهّية‪ .‬إذا َقِب َل اإلنس ان عب ادة هللا فق ط‪ ،‬واح ترز من س ائر‬
‫‪| 74‬‬ ‫األشخاص؛ أي دخل عن طريق هذه القناة في الدنيا وفي الطبيعة‪َ ،‬فسيكون كّل عمل يقوم‬
‫به عبادة‪ ،‬ألّن المبدأ هو عبادة هللا‪ .‬لقد الحظتم كي ف إّن في الق رآن الك ريم‪ ،‬وفي الص الة‬
‫أيضًا‪ُ ،‬تقَّد م عبادة النبّي (صلى هللا عليه وآله) هلل على رسالته (عبده ورسوله)‪َ ،‬فه و عب ٌد‬
‫قب ل أن يك ون رس وًال‪ .‬وِم ن الممكن أن يك ون ه ذا األس اس إش ارة إلى أّن ه وص ل إلى‬
‫الرسالة عن طريق العبودّية؛ تحَّرر ِم ن كّل شيء وصار عبدًا هلل‪ ،‬ال أِل شياء أخرى‪.‬‬

‫إذًا‪ ،‬ثّم ة طريق ان ال أك ثر؛ إّم ا عبودّي ة هللا‪ ،‬وإّم ا عبودّي ة النفس األّم ارة‪ .‬ه ذان هم ا‬
‫الطريقان‪َ .‬فأن يتحّر ر اإلنسان ِم ن عبادة اآلخرين‪ ،‬ويقبل عبودّية هللا الذي يليق بأن يكون‬
‫اإلنساُن عبَده‪ ،‬يعني أّن األعمال ال تي يق وم به ا ليس فيه ا انح راف؛ أي إّن ه لن ينح رف‬
‫متعَّم دًا‪َ .‬و ه ذه االنحراف ات جميعه ا‪ ،‬س واء أك انت في العقائ د أو في األعم ال واألقالم‬
‫واألح اديث المنحرف ة‪ ،‬تتّم ألّنه ا لم تم ّر من قن اة العبودّي ة هلل‪ ،‬وألّنهم عبي د األه واء‬
‫النفسّية»‪.1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،14‬ص‪.35 - 34‬‬ ‫‪1‬‬


‫اّتض ح ل دينا‪ ،‬إذًا‪ ،‬أّن لإلنس ان طري ق نح و التكام ل‪ ،‬ه و طري ق االرتب اط باهلل تع الى‪.‬‬
‫وننطلق في ما يأتي للبحث في أبع اد اإلنس ان المختلف ة‪ِ ،‬بحس ب بيان ات اإلم ام الخمي نّي‬
‫(قدس سره)‪ ،‬وما يطرحه في هذا الصدد‪ ،‬لتربية اإلنسان في أبعاده كاّفة‪.‬‬
‫‪| 75‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬أبعاد الوجود اإلنسانّي ومراعاة اإلسالم لها‬
‫ِم ن الركائز المهّم ة في رؤية اإلمام الخمينّي (قدس سره) حول اإلنسان أّنه كائن ذو أبع اد‬
‫مختلفة‪ ،‬يصُل ‪-‬باكتمالها ومراعاته ا جميع ًا‪ -‬إلى كمال ه‪ ،‬وأّن اإلس الم ه و النس خة ال تي‬
‫‪| 76‬‬ ‫جاءت مطابقة ألبعاد وجود اإلنسان؛ بحيث إّن اإلسالم هو البرنامج العملّي ِلتفعي ل أبع اد‬
‫اإلنسان وقابلّياته كاّفة‪ ،‬وإيصاله إلى الغاية التي من أجلها ُخ لق‪.‬‬

‫وإذا أردنا أن نضّم ما ذكرناه في األمر السابق إلى هذه الفك رة‪ ،‬يّتض ح ل دينا أّن اإلس الم‬
‫هو طريق العبودّية والقرب اإللهّي ‪َ .‬فيشير اإلمام الخمينّي (قدس س ره) في بعض كلمات ه‬
‫إلى أّن الكثير من التصّو رات حول اإلسالم إّنما تك ون مغلوط ة‪ ،‬ألّنه ا ال ت راعي أبع اده‬
‫كاّفة التي تتطابق مع أبعاد اإلنسان؛ «إّن أبعاد اإلنسان أبع اد الع الم كّل ه‪ ،‬واإلس الم ج اء‬
‫لتربية اإلنسانّية في أبعادها كّله ا‪ .‬لكّن الّتص ورات المختلف ة ال تي تك َّو نت ح ول اإلس الم‬
‫ُتعزى إلى الرؤى المختلفة ألصحابها‪ ،‬وهي مختلفة جّد ًا‪ ،‬والتي لم تِص ل أّي منها إلى ح ّد‬
‫معرفة اإلسالم أو اإلنسان أو الرسول األكرم (صلى هللا عليه وآله) أو العالم‪َ ،‬فَبقَيت كّله ا‬
‫في مستوى محدود‪َ .‬فقد يتصّو ر كثيرون أّن الرسول األك رم (ص لى هللا علي ه وآل ه) إّنم ا‬
‫جاء ‪-‬وسائر األنبياء (عليهم السالم) الذين بعثهم هللا‪ِ -‬م ن أجل إنقاذ الناس ِم ن هذه المظالم‬
‫واإلجحاف وما شابه ذلك‪َ ،‬فتكون مهّم تهم توفير العدل للمجتم ع واألف راد؛ أي إّن مهّم تهم‬
‫ال تتجاوز هذا الحّد ‪ .‬وقد يظّن كثيرون أّن االقتصاد قضّية مهّم ة‪ ،‬ويقصرون علي ه مهّم ة‬
‫األنبياء (عليهم السالم)؛ أي إّنهم جاؤوا ليحّققوا للناس ُبطونًا ش بعانة وحي اة مرّفه ة‪ ،‬وأّن‬
‫مهّم تهم ال تتع ّد ى ه ذا الح ّد ‪ .‬وق د يك ون ِلبعض هم اآلخ ر رؤى عرفانّي ة ت رى أّن بعث ة‬
‫األنبياء (عليهم السالم) محدودٌة في َبسط المعارف اإللهّية ليس إاّل ‪ُ .‬يفّك ر الفالس فة هك ذا‪،‬‬
‫وُيفّك ر فقهاء اإلسالم بشكل آخر‪ ...‬والش عوب تفّك ر بطريق ة معّين ة‪ ،‬والمثّقف ون يفّك رون‬
‫ِبنحٍو خاّص ‪ ،‬ويفّك ر كّل م ؤمن ِبش كل معّين‪ ،‬وكّلهم قاص رون عن الوص ول إلى م ا ه و‬
‫موجود‪ .‬إّن القول المأثور «َم ن عرف نفسه َفَقد‬
‫عرف رّبه» ُيفهمنا أّن اإلنسان موجود‪َ ،‬فإن ه و ُع ِر َف ‪ُ ،‬ع ِر َف ب ه هللا‪ .‬وه ذا ال َيص دق‬
‫على أّي موجود آخر‪َ .‬فال يستطيع أن َيعرف رَّب اإلنس ان إاّل َم ن ع رف نفس ه‪ ،‬ومعرف ة‬
‫الذات ‪-‬التي تستتبع معرف ة هللا‪ -‬ال تحص ل إاّل ِلُك َّم ل أولي اء هللا‪ .‬وينبغي ع دم تص ُّو ر أّن‬
‫‪| 77‬‬ ‫اإلسالم جاء إلدارة هذه الدنيا‪ ،‬أو أّنه ج اء لتوجي ه الن اس نح و اآلخ رة فق ط‪ ،‬أو ِلُيع ّرف‬
‫الناَس المعارَف اإللهّي ة؛ االقتص ار على ج انب واح د ِم ن ه ذه الج وانب ِخ الف الحقيق ة‬
‫َم هما كان‪ .‬إّن اإلنسان غير محدود‪ ،‬ومرّبي اإلنسان غير محدود‪ ،‬ومنهاج تربية اإلنس ان‬
‫‪-‬أي القرآن‪ -‬غير محدود‪ ،‬ال ِبعالم الطبيعة والم اّد ة‪ ،‬وال ِبع الم الَغيب‪ ،‬وال بع الم التج ُّر د‪،‬‬
‫بل هو كّل شيء»‪.1‬‬

‫اإلسالم قانون ألبعاد اإلنسان كاّفة‬

‫يقول اإلمام الخمينّي (قدس س ره)‪« :‬اإلس الم رس الة ن زلت للتربي ة اإلنس انّية‪َ ،‬فيجب أن‬
‫نرى أبعاد هذا اإلنسان ‪-‬الذي يقول بعضهم إّنه ذو ماهّية مجهول ة‪ -‬واحتياجات ه‪ ،‬وه ل إّن‬
‫اإلسالم جاء تربيًة لجوانبه الحيوانّية فقط‪ ،‬أو المعنوّية‪ ،‬أو إّنه يريد تربيته كإنسان؟‬
‫ليس اإلنسان كسائر الموجودات‪ .‬فإدراك الحيوان ِلما وراء الطبيع ة إدراك ن اقص‪ ،‬ولكّن‬
‫اإلنس ان يس تطيع أن يس ير ِم ن الطبيع ة إلى م ا وراء الطبيع ة‪ ،‬ومّم ا وراء الطبيع ة إلى‬
‫األلوهّية‪ ،‬إلى أن يصل إلى َفهِم ذلك‪.‬‬

‫إّن اإلنسان كائن جامع ذو أبعاد متعّد دة‪ِ ،‬بخالف الكائنات األخرى التي له ا ُبع د واح د أو‬
‫ُبعدان أو أكثر‪ .‬غير أّن أبعاد الوجود كّلها ال تجتمع في بقّية الكائنات‪ ...‬اإلنسان وحده ِم ن‬
‫َبين الكائنات كّلها كائن متعّد د األبعاد‪ ،‬ولكّل ُبعد من أبعاده حاجات‪ .‬لكّن المدارس الفكرّية‬
‫الموجودة في العالم ‪-‬باستثناء اإلسالم‪ -‬ماّد ّية‪ُ ،‬تصّو ر اإلنسان حيوانًا‪ ،‬وأّن أموره جميعها‬
‫تتحّر ك ضمن هذه الحدود‪ ،‬وأّن تكامله يتّم ضمن االعتبارات الماّد ّية التي أطلقوا‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،12‬ص‪.340 - 339‬‬ ‫‪1‬‬


‫عليها اسم «األمور العينّية»‪ .‬إّنهم يتخّيلون أّن األمور العينّية هي عالم الطبيعة نفس ه‪ ،‬في‬
‫حين أّن هناك عوالم أخرى لم ُيدركوها‪ ،‬وِلتلك العوالم ح ّظ أك بر ِم ن العينّي ة بالنس بة إلى‬
‫عالم الطبيعة‪ .‬إّن عالم الطبيعة يقع في آخر مراتب موجودات عالم الوج ود؛ أي إّن ع الم‬
‫‪| 78‬‬ ‫الطبيعة ه و نهاي ة ع الم الوج ود‪ ،‬وه و أدنى الع والم‪َ .‬و ليس ص حيحًا أّن اإلنس ان وح ده‬
‫الموجود الذي يمتلك هذه الطبيعة‪ ،‬وأاّل مراتب أخ رى بع د ذل ك‪ .‬فلإلنس ان م راتب‪َ ،‬فمن‬
‫طلب المرتبة العليا وَغفل عن هذه الم راتب‪َ ،‬فق د أخط أ‪ ،‬وَم ن تمَّس ك ِبع الم الم اّد ة َفَش هد‬
‫مرتبة الطبيعة وَغفل عّم ا وراء الطبيعة‪َ ،‬فَقد أخطأ أيضًا‪.‬‬

‫إّن لإلسالم منهجًا ومسلكًا لهذا اإلنسان الذي له مراتب ِم ن الطبيعة إلى ما وراء الطبيعة‪،‬‬
‫وِم ن ما وراء الطبيعة إلى األلوهّية‪ .‬اإلسالم يريد أن يرّبي إنسانًا جامع ًا‪ِ ،‬بالص ورة ال تي‬
‫هو عليها؛ ذا ُبع ٍد ط بيعّي فينّم ي في ه الُبع د الط بيعّي ‪ ،‬وذا ُبع د ب رزخّي فينّم ي في ه الُبع د‬
‫ال برزخّي ‪ ،‬وذا ُبع د روحّي فُينّم ي في ه الُبع د ال روحّي ‪ ،‬وذا ُبع ٍد عقلّي فُينّم ي في ه الُبع د‬
‫العقلّي ‪ ،‬وذا ُبعد إلهّي فُينّم ي فيه الُبعد اإللهّي ‪ ...‬إّن األبعاد جميعه ا ال تي يمتلكه ا اإلنس ان‬
‫ناقصة ولم َتِص ل إلى درجة الكمال‪ .‬وقد جاءت األدي ان إلنض اج الثم رة غ ير الناض جة‪،‬‬
‫وإكمال الثمرة الناقصة‪.‬‬

‫َو على المقيمين في الغ رب الغ ارق في الطبيع ة الدنيوّي ة‪ ،‬والغاف ل ‪-‬تمام ًا‪ -‬عّم ا وراء‬
‫الطبيعة‪ ،‬أاّل ُيخَدعوا بهذه المدارس الفكرّية‪ ،‬فيتصّو روا أّن اإلنسان ليس سوى ما يحتاجه‬
‫ِم ن الطعام والشراب‪ ،‬وأّن ما عدا ذلك ال شيء‪ ...‬إّن ذلك وليد الَفهم الخ اطئ لإلس الم‪ .‬ال‬
‫بّد ِم ن وضع كّل شيء في موضعه؛ أي إّن لإلنسان نمّو ًا طبيعّيًا إلى الحّد الممكن‪ ،‬وأّن له‬
‫ُبعدًا طبيعّيًا‪ِ ،‬بما هو طبيعّي وسليم‪ .‬وهكذا ينمو ويتكامل في األبعاد المختلف ة حّتى يص بح‬
‫إنسانًا متكامًال‪َ .‬فِم ن الص عب أن يص بح الف رد إنس انًا‪ .‬ال تظّن وا أن اإلس الم ج اء ِل يرّبي‬
‫حيوانًا؛ اإلسالم يريد أن يرّبي اإلنسان ليكون كائنًا ُم تكامًال يمتلك األبعاد جميعها‪.‬‬
‫ولدى اإلسالم تعليمات لكّل ُبعد من أبعاد اإلنسان‪ .‬ففي اإلسالم أحكام للحكومة اإلس المّية‬
‫ولمؤّسس اتها‪ ،‬ولمواجه ة األع داء‪ ،‬ولتحري ك المجتم ع من أج ل الوص ول إلى م ا وراء‬
‫الطبيعة؛ اإلسالم يملك كّل ذل ك‪َ ،‬فه و ليس أح ادّي الج انب ِليق ول اإلنس ان إّن ني ع رفت‬
‫‪| 79‬‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وعرفت تاريخه‪ ،‬مثًال‪ ،‬وم ا ك انت علي ه حيات ه البش رّية ‪-‬على س بيل الف رض‪-‬‬
‫وقوانينه الطبيعية‪ ،‬وأمثال ذلك‪ .‬ليس األمر بهذه الص ورة‪ .‬إّن قض ايا اإلس الم أس مى من‬
‫هذه المعاني‪ ،‬وذات أبعاد كثيرة‪َ .‬فمن يري د أن يع رف اإلس الم‪ ،‬علي ه أن ينظ ر جّي دًا في‬
‫القرآن الذي هو المبدأ األساس‪ ،‬ويالحظ األبع اد جميعه ا الموج ودة في ه‪ ،‬وأاّل يق ول‪ :‬أن ا‬
‫أقبل اآليات المتعّلقة بالطبيعة والحكومة فقط‪ ،‬أّم ا اآليات المتعّلقة بي وم القيام ة َفال أقبله ا‪.‬‬
‫وألّن هذا اإلنسان ال يعلم ما معنى القيامة‪ ،‬وما هو ذل ك الي وم ال ذي س يأتي‪ ،‬يظّن األم ر‬
‫وهمًا‪ .‬كاّل ‪ ،‬إّنه أمر عينّي ‪ ،‬وعينّيته أكثر من عينّية هذه الطبيعة‪ ،‬غاية األمر أّنن ا لم نص ل‬
‫إلى ذلك»‪.1‬‬

‫بناء على ما ذكره اإلمام (قدس سره)‪ ،‬تّتضح األمور اآلتية‪:‬‬

‫‪ .1‬اإلنسان كائن ذو أبعاٍد ماّد ّية (طبيعّية) وعقلّية وروحّية‪.‬‬

‫‪ .2‬اإلسالم يشتمل على الضوابط والقوانين التي تراعي الجوانب كاّفة‪.‬‬

‫‪ .3‬معرفة اإلسالم ال ُبّد من أن تنطلق ِم ن قضّية تعّد د األبعاد‪َ ،‬فال نقع في فّخ ق راءة اإلس‬
‫الم في ُبعٍد واحد‪.‬‬

‫البعد األّو ل لإلنسان هو الُبعد الماّد ّي الجسمانّي‬


‫يمّثل الُبعُد اإلنسانّي األّو ل الُبعَد الطبيعّي والماّد ّي‪ ،‬والذي يتمّثل ‪-‬بشكٍل أساس ٍّي ‪ -‬بالجس د‬
‫والمجتمع‪ ،‬ألّن اإلنسان في عالم الماّد ة َم قهور ِبجمل ة ِم ن الحاج ات البدنّي ة ال تي ال يمكن‬
‫التغافل عنها‪ ،‬كحاجته الطعام والشراب والزواج وغير ذلك‪.‬‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.16 - 14‬‬


‫من هنا‪ ،‬ال يمكن للبرنامج الذي يط رح نفس ه على أّن ه برن امج تكام ل اإلنس ان أن ُيغف ل‬
‫هذْين القسَم ْين ِم ن الحاجات‪َ ،‬فال رهبانّية في اإلسالم في هذه الجهة‪ ،‬ألّنها نوع من إهمال‬
‫حاجة قهرّية اضطرارّية‪.‬‬
‫‪| 80‬‬
‫وقد َو َض ع اإلسالم قوانيَن تفصيلّية في ما يخّص بدن اإلنسان وتربيته البدنّية والجسمانّية‪،‬‬
‫إذ حّر م عليه الكثير من المؤذيات والمفاسد‪ ،‬كلحم الخنزير والميتة وش رب النجس وغ ير‬
‫ذلك‪ ،‬وأحَّل له الطّيبات من الطعام والشراب وغيرهما‪ ،‬حّتى إّن عدم مراعاة هذه األم ور‬
‫المحّللة وحرمان النفس منها قد يؤّد ي إلى آفات ومش اكل على مس تويات ال روح والقلب؛‬
‫وبتفصيل آخر‪ :‬إّن اإلسالم‪ ،‬الذي نّظم البدن بتفاصيل األمور‪ ،‬ال يقتصر نظ ره فق ط على‬
‫هذا الُبعد‪َ ،‬فالبدن طريق إلى الروح والُبع د الب اطنّي ‪-‬ال ذي س نتكّلم علي ه الحق ًا‪ .-‬ل ذا‪ ،‬ال‬
‫يمكن فص ل تربي ة الب دن عن تربي ة ال روح‪ ،‬وحرم ان اإلنس ان في مس تواه الب دنّي من‬
‫الشهوات المحّللة‪ ،‬ما ينعكس سلبًا على حياته الروحّية والعقلّية؛ ِم ن هنا كان الُبعد الب دنّي‬
‫في اإلنسان غير مستقّل عن بقّية األبعاد‪ .‬وقد َذ كر اإلمام الخمينّي (قدس سره) هذا األمر‪،‬‬
‫وس ّم اه «أدب الرعاي ة» للب دن‪َ ،‬فق ال‪ِ ...« :‬م ن المهّم ات في ب اب الرياض ة الروحّي ة‬
‫والقلبّية‪ ...‬أدب الرعاية‪ ،‬وكيفّيته أن يراعي الس الك حال ه‪ ،‬في أّي ة مرتب ة من الرياض ات‬
‫والمجاهدات العلمّية والنفسانّية والعملّية كان‪ ،‬ويتعام ل م ع نفس ه ب الرفق والم داراة‪َ ،‬فال‬
‫يحّم لها أكثر ِم ن طاقته وحاله‪ .‬ورعاية هذا األدب بالنسبة إلى الشباب وح ديثي العه د من‬
‫المهّم ات‪ ،‬فإذا لم يعامل الشباب أنفسهم ب الرفق والم داراة‪ ،‬ولم ي ؤّد وا الحظ وظ الطبيعّي ة‬
‫ألنفسهم بمقدار حاجتها من الطرق المحّللة‪ ،‬ف إّنهم يوش كون أن يقع وا في خط ر عظيم ال‬
‫يتيّسر لهم جبره‪ ،‬هو أّن النفس رّبما تصير ‪-‬بسبب الضغط عليه ا‪ ،‬وكّفه ا عن مش تهياتها‬
‫أكثر ِم ن العادة‪ -‬مطلقة العنان في شهواتها‪َ ،‬فيخرج زمام االختي ار من َي ِد ص احبها‪َ .‬ف إذا‬
‫تراكمت اقتضاءات الطبيعة‪ ،‬ووقعت نار الشهوة الحاّرة تحت ض غط الرياض ة الخارج ة‬
‫عن الحّد ‪ ،‬اشتعلت‬
‫‪-‬ال محالة‪ -‬وأحرقت المملكة كّلها‪ .‬وإذا صار سالٌك مطلق العنان أو زاهد بال اختيار‪ ،‬فإّنه‬
‫يقع في مهلكة ال يرى وجه النجاة فيها أبدًا‪ ،‬ولن يعود إلى طري ق الس عادة والفالح‪َ .‬فَع لى‬
‫السالك‪ ،‬إذًا‪ ،‬أن يتمّلك نفسه في أّيام سلوكه ‪-‬كطبيب حاذق‪ -‬ويعامله ا ِبحس ب اقتض اءات‬
‫‪| 81‬‬ ‫األحوال وأّيام الس لوك‪ ،‬وال يمن ع نفس ه الطبيعّي ة في أّي ام اش تعال ن ار الش هوة وغ رور‬
‫الشباب من حظوظها بالكّلّية‪ .‬وعليه ‪-‬أيضًا‪ -‬أن يخم د ن ار الش هوة ب الطرق المش روعة‪،‬‬
‫فإّن في إطفاء الشهوة ِبطريق األمر اإللهّي إعانة كاملة على سلوك طري ق الح ّق ‪َ ،‬فلينكح‬
‫وليتزّو ج‪ ،‬فإّنه ِم ن السنن الكبيرة اإللهّية‪ُ ،‬م ضافًا إلى أّنه مبدأ البقاء للنوع اإلنسانّي ‪ ،‬ومّم ا‬
‫له دور واسع في سلوك طريق اآلخرة»‪.1‬‬

‫البعد الثاني لإلنسان هو الُبعد االجتماعّي‬


‫تحّد ثنا في ما تقّد م عن الُبع د الم اّد ّي الف ردّي المس ّم ى بالب دن‪ .‬لكّن اإلس الم راعى أيض ًا‬
‫الُبع د االجتم اعّي في الحي اة البش رّية‪ ،‬وه و يب دأ م ع اإلنس ان في ُأس رته‪ ،‬ثّم ينتق ل إلى‬
‫المجتمع الكبير‪.‬‬

‫اهتّم اإلسالم كثيرًا باُألسرة‪ ،‬وَع َّد ها المهد األّو ل الذي يتلّقى فيه اإلنسان علومه ومعنوّياته‬
‫ومعرفته؛ لذا وضع القوانين لكيفّية اختي ار ال زوج والزوج ة‪ ،‬وآداب ال والدة قب ل مجيء‬
‫الطفل‪ ،‬وكيفّية العناية بالطفل حّتى يكبر وينشأ ويشتّد ع وده‪ .‬والالفت أّن اإلم ام الخمي نّي‬
‫(قدس سره) ‪-‬في كثير من كلماته‪ -‬كان يكّرر هذه القضّية‪ ،‬إذ يقول‪« :‬فاألديان تهتّم بأبعاد‬
‫اإلنسان جميعه ا‪ ،‬حّتى قب ل والدت ه‪َ .‬فهي ت بّين كي ف ينبغي أن يك ون ال زواج‪ ،‬وم ا هي‬
‫شرائطه‪ ،‬وأّية امرأة يجب أن يختارها الرجل‪ ،‬أو أّي رجل يجب أن تختار الم رأة‪ .‬وذل ك‬
‫ألّن الزواج مزرعة لظهور إنسان آخر‪َ .‬فَقبل أن يقع الزواج‪ ،‬يوّض ح اإلسالم األمور التي‬
‫ترتبط بوالدة هذا الطفل‪ ،‬بحيث يكون سليم الجسم والنفس‪َ ،‬فيهتّم بأمور ما قبل‬

‫اإلمام الخمينّي ‪ ،‬اآلداب المعنوّية للصالة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.59 - 58‬‬ ‫‪1‬‬
‫ال زواج‪ ،‬كش رائطه‪ .‬ثّم بع د ذل ك في ف ترة الحم ل‪ ،‬وحّتى قب ل الحم ل ‪-‬أي عن دما ُي راد‬
‫التلقيح‪-‬؛ بأّية شرائط ينبغي أن يكون؟ وما هي أحكامه؟ وعن دما يك ون الطف ل جنين ًا؛ م ا‬
‫األشياء الجّيدة التي ينبغي على األّم تناولها؟ وما األشياء التي ينبغي عليها اجتنابها؟ كيف‬
‫‪| 82‬‬ ‫ينبغي أن تكون حياتها أثناء الحمل؟ وما هي األمور التي عليها مراعاتها؟ ثّم بعد أن يولد‬
‫الطف ل؛ م ا هي الش رائط ال تي تجب مالحظته ا في المرض عة ‪-‬في م ا إذا أرادوا اّتخ اذ‬
‫مرضعة له‪-‬؟ وكيف ترضعه؟ في أّية أوقات؟ بأّية شرائط؟ وعندما يكون في حضن األّم ؛‬
‫كيف تتعامل األّم معه؟ وبعد أن يخرج عن حضانتها؛ كيف لألب أن يتعام ل مع ه؟ كي ف‬
‫ينبغي أن تك ون أج واء اُألس رة في س بيل تربي ة ه ذا الطف ل؟ ثّم كي ف ينبغي أن يك ون‬
‫المعِّلم؟»‪.1‬‬

‫أّم ا اجتماعّيًا‪ ،‬قّد م اإلسالم اهتمامه وقوانينه بالقيم االجتماعّية‪ِ ،‬م ن قبيل العدالة االجتماعّية‬
‫والحّرّية اللَتْين ذكرناهما في الفصل األّو ل‪ .‬وِم ن أهّم األفكار التي َبلَو َر ها اإلمام الخمي نّي‬
‫(قدس سره) في هذا المجال «مبدأ الحكوم ة»‪ ،‬إذ ي رى (ق دس س ره) أّن تربي ة المجتم ع‬
‫وإص الحه ال يك ون بمج ّرد الوع ظ واإلرش اد‪ ،‬ب ل ال ب ّد ِم ن وض عه كك ّل على س ّك ة‬
‫اإلص الح تنفي ذّيًا‪ ،‬وذل ك ال يك ون إاّل بالحكوم ة ِو فاق ًا إلرادة هللا تع الى‪ِ .‬م ن هن ا‪ ،‬ك ان‬
‫اإلسالم متطابقًا مع الُبعد االجتم اعّي في اإلنس ان‪ ،‬ومراعي ًا ل ه‪ ،‬ع بر االهتم ام بالح اكم‬
‫والدولة والمجتمع؛ «إّن األنبياء والعلماء كانوا يتصّد ون لحكومات الجور منذ بدء التاريخ‬
‫البش رّي حّتى اآلن‪ .‬أفلم يكون وا يعقل ون؟ وحين َبعث هللا س بحانه وتع الى موس ى (علي ه‬
‫السالم) للقضاء على فرعون‪ ،‬ألم يكن سبحانه وتعالى م دركًا للقض ّية كإدراكن ا له ا‪ ،‬أن ا‬
‫وأنتم‪ ،‬أم إّن عليه أاّل يعارض الملك؟‬

‫ينقل الطبرّي وابن األثير رواية عن الرسول (صلى هللا عليه وآله) أّنه ق ال إّن ِم ن أبغض‬
‫الكلمات إلّي كلمة «َم ِل ك المل وك»؛ أي إّنه ا ِم ن الكلم ات المبغوض ة‪ ،‬إْن هي ُنس بت إلى‬
‫شخص ِم ن البشر‪ ،‬ألّنها هلل تعالى وحده‪.‬‬

‫اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.219 - 218‬‬ ‫‪1‬‬
‫إّن األنبياء (عليهم السالم)‪ ،‬منذ القدم‪ ،‬وصوًال إلى نبّو ة الرسول األك رم (ص لى هللا علي ه‬
‫وآله)‪ ،‬ثّم األئّم ة (عليهم السالم)‪ ،‬كانوا جميعهم يواجه ون الظلم‪ .‬حّتى أثن اء وج ودهم في‬
‫السجن‪ ،‬كانوا يواجهون الظلم‪ .‬فموسى بن جعف ر (علي ه الس الم) لم ي ترك مس ؤولّيته في‬
‫‪| 83‬‬ ‫المواجهة‪ ،‬حّتى عندما كان يرزح في السجن‪ .‬وكذلك أبو عبد هللا الحسين (عليه الس الم)‪،‬‬
‫كان يقف في وجه الظالمين‪ ،‬على الرغم من التقّية الكذائّية والكذائّية‪ ،‬إذ تفيد الرواي ة أّن ه‬
‫كان يتصّد ى لهم بالكالم‪ ،‬ويمارس التبليغ‪ ،‬ويحّرك الناس ِلمعارضتهم‪.‬‬

‫وإذا تعّم قنا في النظر‪ ،‬نرى أّن اإلمام الحسن (عليه السالم) تص ّد ى لمعاوي ة ‪-‬ال ذي ك ان‬
‫حاكمًا في زمنه‪ -‬على الرغم من أّن جميعهم بايعوا ذلك التاف ه‪ ،‬وك انوا يخش ون س لطانه‪.‬‬
‫إاّل أّن اإلمام الحسن (عليه السالم) وق ف ض ّد ه م ا اس تطاع إلى ذل ك س بيًال‪ ،‬إلى ال وقت‬
‫الذي حالت فيه مجموعة من البسطاء بين ه وبين مواص لة دوره في المواجه ة‪َ ،‬فَقِب َل ‪ ،‬في‬
‫ظّل تلك الظروف‪ ،‬بالصلح مع معاوية‪ .‬وأثناء فترة الص لح‪ ،‬لم ي ّد خر وس عًا في فض حه‪،‬‬
‫ب ل إّن م ا عّرض ه ل ه من الخ زي والع ار ال يق ّل عّم ا عّرض ه اإلم ام الحس ين (علي ه‬
‫السالم) ِليزيد»‪.1‬‬

‫الُبعد الثالث لإلنسان هو الُبعد الروحّي‬


‫يمّثل الُبعد الروحّي في اإلنسان أحد أهّم األبعاد التي ال بّد ِم ن تقويتها وإخراجها ِم ن ح ال‬
‫الكم ون إلى الفعلّي ة‪ ،‬ألّن اإلنس ان ك ائن يعيش بالحي اة القلبّي ة ‪-‬ال تي مركزه ا القلب‪ -‬ال‬
‫البدنّية فقط‪ ،‬وهي تتجّلى في اكتساب الملكات المعنوّية واألخالقّية والقيمّية؛ يق ول اإلم ام‬
‫الخمينّي (قدس سره)‪« :‬الشيء الذي يجب أن أقول ه له ؤالء األبن اء األع ّز اء إّن اإلنس ان‬
‫إنس ان بروح ه‪ ،‬إنس ان ِبَبص يرته‪ .‬نحن كّلن ا ش ركاء الحي وان في الس مع والبص ر والَي د‬
‫والِر جل‪ ،‬ولكْن ليس ه ذا من اط اإلنس انّية‪َ ،‬فم ا يرف ع اإلنس ان عن الموج ودات الطبيعّي ة‬
‫جميعها هو قلبه وبصيرته‪.‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.345‬‬ ‫‪1‬‬


‫كونوا ُأولي بصيرة‪َ ،‬فِم ن غيرها ال يكون أحٌد إنسانًا‪َ .‬فأبو جهل كان ذا عين‪ ،‬لكّن ه لم يكن‬
‫إنسانًا‪ ،‬فيما كان أحد األنبي اء (عليهم الس الم) ِبال عين‪َ .‬فم يزان اإلنس انّية ه و المعنوّي ة‪.‬‬
‫كونوا إنسانًا بمحتواكم‪ ،‬وَأْو ِج دوا اإلنسانّية في نفوسكم‪ ،‬ثّم ال خوف ِم ن أاّل يكون لإلنسان‬
‫‪| 84‬‬ ‫َيٌد أو ِر جل ونحوها‪َ .‬ففي روايٍة أّن أحد األنبياء (عليهم الس الم) ك ان يفِق د جارح ة‪ ،‬إذ لم‬
‫يكن له َيد وال ِر جل ‪-‬ال أذكر اآلن َم ن هو‪-‬؛ كان َنبّيًا غير ُم رَسٍل طبعًا‪ ،‬لكّنه ن بّي ‪ .‬وكث ير‬
‫ِم ن العلماء والنابغين لم يكونوا ُم بصرين‪ ،‬وفي زمانن ا أيض ًا َلقين ا َم ن ك انوا ِم ن العلم اء‬
‫النابغين ُأولي المعارف الكثيرة الواسعة؛ كانوا َبشرًا‪َ ،‬و ُهم غ ير ُم بص رين‪َ .‬فال تقلق وا أاّل‬
‫تكون لكم حاَّسة ما‪َ .‬قُّو وا معنوّياتكم ِبَح ول هللا‪ ،‬واصقلوا روحّياتكم»‪.1‬‬

‫ولقد سعى األنبياء (عليهم السالم)‪ ،‬عن طري ق ح ركتهم وجه ادهم‪ ،‬إلى إيص ال اإلنس ان‬
‫إلى أوج المعنوّيات والروحانّيات‪ ،‬والتي تمّثل أحد أهّم أبعاد وصوله إلى العبودّي ة‪ ،‬ال تي‬
‫هي الهدف ‪-‬كما ذكرنا س ابقًا‪-‬؛ ل ذا «يمكنن ا أن نس ّم ي األنبي اء (عليهم الس الم) معّلمين‪،‬‬
‫والبش ر ُطاّل ب ًا‪ .‬فاألنبي اء‪ ،‬وعن طري ق ال دعوة إلى هللا‪َ ،‬يس َع ون إلى هداي ة اإلنس ان إلى‬
‫الصراط المستقيم‪.‬‬

‫بناء على ما ذكرن اه‪ ،‬فإّنن ا ال يمكن أن نحص ر كلم ة «معِّلم» في المعِّلمين في الجامع ات‬
‫والمدارس‪ ،‬وكذلك كلمة «طالب»‪ ،‬ألّن العالم أجمع جامعة كبيرة‪ .‬إذًا‪ ،‬يمكنن ا أن نص ّنف‬
‫األفراد إلى فئَتْين؛ ُم عِّلمين وُم تعِّلمين‪َ .‬فاألولى تهدي المجتمع وتعمل على تربيته وتعليمه‪،‬‬
‫والثانية عليها االنطالق نحو مناهل العلم والتربية‪.‬‬

‫اإلنسان مخَّير بين السير في طريق هللا أو طريق الطاغوت‪َ ،‬فُهما طريقان ال ث الث لهم ا‪.‬‬
‫إّن السير في طريق هللا يعني االلتزام بأوامره‪ ،‬وانعكاس ذلك يكون على جوانب المجتمع‬
‫كاّفة ِم ن اقتصاد وسياسة وثقافة‪َ ،‬فهو يدعو إلى الفضائل ِبتمام أبعاد اإلنسان؛ العقالنّية‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.346 - 345‬‬ ‫‪1‬‬


‫والخيالّية المتوّسطة والمتنّز لة (أي العمل)‪َ .‬و َلو س لك اإلنس ان ه ذا الطري ق‪َ ،‬لَتح َّو ل إلى‬
‫إنسان إلهّي ِبأفكاره وأعمال ه‪ .‬ولكّن َت ْر ك الطري ق الق ويم‪ ،‬واالنح راف عن النهج اإللهّي‬
‫الصحيح‪ ،‬يعني السير في طريق الطاغوت‪﴿ .‬ٱلَّل ُه َو ِلُّي ٱَّل ِذ يَن َءاَم ُن وْا ُيۡخ ِر ُج ُه م ِّمَن ٱلُّظُلَٰم ِت ِإَلى‬
‫‪| 85‬‬ ‫ٱلُّنوِۖر ﴾‪1‬؛ الظلمات تعني عدم االلتفات إلى هّللا عّز وجّل والنور هو نور هللا المطل ق ال ذي‬
‫يضيء قلوب المؤمنين كّلهم‪َ﴿ .‬و ٱَّل ِذ يَن َكَف ُر ٓو ْا َأۡو ِلَي ٓاُؤ ُه ُم ٱلَّٰطُغ وُت ﴾‪2‬؛ أي ساروا في طريق‬
‫الطاغوت المظلم‪ .‬إذًا‪ ،‬ثّم ة طريق ان؛ إّم ا اإليم ان والتوّج ه إلى هللا ال ذي يه دي اإلنس ان‬
‫ويهّذ به ويجعل منه مخلوقًا ذا صفات إلهّية‪ ،‬وإّم ا الكفر‪ ،‬وهو الطاغوت‪ ،‬وَم ن يس لك ه ذه‬
‫الطريق مأواه جهّنم وبئس المصير‪.‬‬

‫إّن الحروب التي تشّنها القوى االستكبارّية تحمل صفة ش يطانّية وطاغوتّي ة‪ ،‬بينم ا ك انت‬
‫الحروب التي قادها األنبياء (عليهم السالم) واألولياء والمؤمنون ُحروب ًا توحيدّي ة ته دف‬
‫إلى تأديب اإلنسان وتحريره ِم ن جهالته وعناده‪ ،‬وهي حروب إلهّية بمعنى الكلمة كّله»‪.3‬‬

‫الُبعد الرابع لإلنسان هو الُبعد العقلّي‬


‫الُبعد الرابع الذي يرّك ز علي ه اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) في كلمات ه ه و ُبع د العق ل‪.‬‬
‫وينبغي االلتف ات إلى أّن للعق ل اص طالحات كث يرة‪ِ ،‬بحس ب العل وم المختلف ة‪ ،‬لكّنن ا إذا‬
‫رجعنا إلى كالم اإلمام (قدس سره)‪ ،‬نجده يريد بالعقل أحَد أبعاد اإلنس ان؛ أي الق ّو ة ال تي‬
‫لها شعبتان‪ :‬نظرّية وعملّية‪.‬‬

‫إّن الترك يز على الجه ة النظرّي ة من دون العملّي ة نقص في العق ل‪ ،‬والعكس ص حيح‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإّن كمال العقل اإلنسانّي يتّم بالمعرفة الصحيحة التي بها يستكمل جنبته النظرّية‪،‬‬
‫وبالعمل الصالح‪،‬‬

‫‪ 1‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.257‬‬


‫‪ 2‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.257‬‬
‫‪ 3‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪.133‬‬
‫وبالسير ِبحسب ما تقتضيه المعرفة‪ .‬وللعمل جانب خارجّي متعّل ق بالَي د والَع ين واللس ان‬
‫وغيرها ِم ن الجوارح‪ ،‬وجانب داخلّي متعّلق ِبعمل القلب‪ ،‬الذي يمكن أن ُنسّم يه «اإليم ان‬
‫وتهذيب النفس»‪.‬‬
‫‪| 86‬‬
‫ِلذا‪ ،‬يوصي اإلمام الخمينّي (قدس سره) ابنه ‪-‬في بعض وصاياه األخالقّي ة‪ِ -‬بع دم إهم ال‬
‫جانب تهذيب النفس والعمل الصالح‪َ ،‬فيقول‪« :‬عليَك أن تعلم أّن اإليمان ِبوحدة هللا ووحدة‬
‫المعبود ووحدة المؤّثر لم يبلغ قلبك كم ا ينبغي‪َ .‬فح اول إيص ال كلم ة التوحي د ‪-‬ال تي هي‬
‫أكبر كلمة وأس مى جمل ة‪ِ -‬م ن عقل ك إلى قلب ك‪ ،‬ف إّن ح ّظ العق ل ه و االعتق اد البره انّي‬
‫الجازم‪ .‬فإْن َح صل ه ذا البره ان‪ ،‬ولم ُينق ل إلى القلب بالمجاه دة والتلقين‪َ ،‬س يكون أث ره‬
‫ضئيًال‪ .‬وكم َو قع بعض أصحاب البراهين العقلّية واالستدالالت الفلسفّية في ش رك إبليس‬
‫والنفس الخبيثة أكثر من غيرهم! إّن ألص حاب االس تدالل أرُج ًال خش بّية‪َ .‬و ه ذه الخط وة‬
‫البرهانّية العقلّية تتحّو ل إلى خطوة روحانّية إيمانّية‪ ،‬عندما تبلغ مقام القلب ِم ن ُأفق العقل‪،‬‬
‫حّتى ُيصّد ق القلب ما أثبته االستدالل عقلّيًا»‪.1‬‬

‫إذًا‪ ،‬إّن طغيان الشهوة والغضب على وجود اإلنسان ُم ن اقض للعق ل‪َ .‬فال يمكن أن تجتم ع‬
‫الشهوة المسيطرة على النفس اإلنسانّية مع حّرّية الفكر والعقل‪ ،‬ألّن العقل سيكون عاجزًا‬
‫عن العم ل ِبحس ب م ا تقتض يه المعرف ة الص حيحة؛ بعب ارة أخ رى‪ :‬إّن العق ل ال يك ون‬
‫بالمعرفة فقط‪ ،‬بل بالمعرفة والعمل الجوارحّي والقلبّي ‪ ،‬فما َيحول دون العمل واإليم ان ‪-‬‬
‫وإْن حضر العلم والمعرفة‪ -‬هو في الحقيقة خادم للجهل والجهالة‪َ ،‬فين اقض العق ل؛ «ُنق ل‬
‫لي أّن المرحوم آية هللا المدّر س ‪-‬رحمة هللا عليه‪ -‬قال‪ :‬إّن الش يخ ال رئيس أب و علي س ينا‬
‫قال يومًا‪ :‬إّنني أخاف ِم ن البق رة‪ ،‬ألّنه ا تمل ك قرن ًا‪ ،‬وال عق ل له ا‪ .‬وه ذه نقط ة تس تحّق‬
‫االهتمام‪ .‬حّتى لو افترضنا أّن الشيخ لم يُقل ذلك‪ ،‬لكّن المس ألة الفت ة للنظ ر؛ ف البقرة له ا‬
‫قرون ولكْن ال عقل لها‪ ،‬وتمتلك القدرة لكّنها ال تمتلك‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،18‬ص‪.408‬‬ ‫‪1‬‬


‫عقًال‪ .‬وهذه القوى المتجّبرة ال تي تنش ر الفس اد في الع الم ‪-‬في ال وقت الحاض ر‪ -‬هي ِم ن‬
‫صنف مثالنا هذا نفسه‪ ،‬إذ إّنها تمتلك قرونًا ولكْن ال عقل له ا‪ ،‬وتمتل ك الق ّو ة لكّنه ا بعي دة‬
‫عن اإلنس انّية‪ .‬أنتم تش اهدون ب أعينكم م ا تفعل ه أمريك ا في الع الم‪ ،‬وم ا يفعل ه االّتح اد‬
‫‪| 87‬‬ ‫الس وفييتّي في الج انب اآلخ ر‪ .‬لق د ش اء هللا أن تتن افس هات ان القّو ت ان في م ا بينهم ا‪،‬‬
‫وتصارع إح داهما األخ رى‪َ ،‬فَل و تف ّردت إح داهما بالع الم‪ ،‬فإّنه ا س وف تبتلع ه بَأس ره‪.‬‬
‫ِك الهما مقتدرتان‪ ،‬وتقفان في مقابل بعضهما؛ تلك الق ّو ة تخ اف ِم ن ه ذه‪ ،‬وه ذه ِم ن تل ك‪.‬‬
‫َو َلو لم يكن هناك خوف بينهما‪ ،‬فإّنهما ستلتهمان العالم ِبُر َّم ته‪ .‬وليس صحيحًا ما ت َّد عيان‪،‬‬
‫ِم ن أّنهما تريدان ِفعل كذا وكذا ِم ن أج ل نش ر الس الم في الع الم‪َ .‬فق د ش اهدنا كي ف ج اء‬
‫هؤالء إلى بيروت‪ِ ،‬بُحّجة أّنهم يريدون أن َيعّم السالم واألمن في لبن ان‪ .‬ونحن نق ول لهم‪:‬‬
‫أنتم لسُتم دعاة للسالم‪ ،‬وحّتى َلو افترضنا كونكم كذلك‪َ ،‬فما الداعي ِلَم ج يئكم وت دُّخ لكم في‬
‫دول أخرى؟ إّن األنظمة الحاكمة في بعض بل دان المنطق ة ليس ت وطنّي ة‪ ،‬وال يوج د أّي‬
‫ارتباط بينها وبين شعوبها‪ .‬فإذا كنتم بشرًا تحملون صفات اإلنسان‪ ،‬وك ان فيكم ش يء ِم ن‬
‫اإلنسانّية والمعايير األخالقّي ة‪َ ،‬ل راعيتم ح ال المحت اجين والش عوب الض عيفة والبائس ة‪.‬‬
‫َو ليس مقبوًال أن تدخلوا بل دًا ُفرَض ت علي ه حكوم ة غ ير منبثق ة ِم ن الش عب ِبحّج ة أّنكم‬
‫تريدون تدعيم ركائز هذه الحكومة‪ .‬إّن ذلك كّل ه س ببه أّن ه ؤالء ال يتحّل ون بأّي ة مب ادئ‬
‫أخالقّي ة‪ ،‬ب ل إّنهم بعي دون عن اإلنس انّية‪ ،‬وهّم هم كّل ه التس ّلط وَف رض إرادتهم على‬
‫اآلخرين‪َ .‬فُهم يمتلكون القّو ة‪ ،‬ولكْن ال عقل لهم‪ .‬وتالحظون أّن أّي مكان في العالم يتس ّلل‬
‫إليه الفساد‪ ،‬يكون الحاكم فيه َم ن يمتلك القّو ة والسلطة‪ ،‬ال َم ن يمتلك العق ل‪َ .‬س ُيمس ك ه ذا‬
‫ِبزمام األمور‪ ،‬لكّن ه ع ديم اإلنس انّية؛ َفالعق ل ال ذي أقص ده ه و ذل ك ال ذي «م ا ُع ِب َد ب ه‬
‫الرحمن»‪ ،‬وإاّل ‪ ،‬فإّن هؤالء يمتلكون الحيل الشيطانّية والت دبير‪ ،‬لكّنهم ال يمتلك ون العق ل‬
‫الس ليم ال ذي يمكن أن َيص ل باإلنس ان إلى القيم اإلنس انّية الس امية‪َ .‬فُم ج ّرد الِع لم بأح د‬
‫المعاني ال‬
‫ينفع‪ ،‬إذ إّن ِم ن الممكن أن يكون أحد األشخاص عاِلمًا كب يرًا‪ ،‬إاّل أّن ه يفتق د العق ل‪َ ،‬ف نراه‬
‫يستخدم ِع لمه في نشر الفساد وإفساد الشعوب وَقْتلهم بعد التعذيب»‪.1‬‬

‫‪| 88‬‬ ‫«وِم ن جملة األشياء التي ُتخِّدر عقول الشباب الِغ ناء‪َ .‬فعندما يتعَّرض عقل الش اب للِغ ن اء‬
‫طوال الوقت‪ ،‬فإّنه يصبح غ ير العق ل الط بيعّي ال ذي يجب أن يفّك ر في األم ور ِبجّد ّي ة‪،‬‬
‫ويبدأ ِبتوجيه صاحبه إلى أمور أخرى‪ .‬هذه الوسائل التي أعّد وها كّلها ‪-‬وع ددها م ا ش اء‬
‫هللا‪َ ،‬و بعض ها ال ي زال موج ودًا‪ -‬ك انت ِم ن أج ل إبع اد الن اس عن التحُّك م بمق ّد راتهم‪،‬‬
‫وإلهائهم ِبأمور أخرى‪ ،‬كي يتسّنى لهم تحقيق مطامعهم‪ .‬وذلك كّله كان قد تّم التخطيط ل ه‬
‫ِبدّقة ‪-‬ولم يأِت اعتباطًا‪ِ -‬م ن أجل َج ّر الشباب إلى الفساد والرذيلة»‪.2‬‬

‫«عن دما يّتج ه ش بابنا ‪-‬ال ذين ُهم أس اس البالد وِع ماده ا‪ -‬إلى طري ق الفحش اء والمل ّذ ات‬
‫والمخ ّد رات والمجاّل ت الس اقطة وال برامج التلفزيونّي ة الهابط ة‪ ،‬فإّن ه لن يبقى ل ديهم‬
‫وقت يفّك رون فيه أو عقل يستفيدون منه‪.‬‬

‫إّن الغناء ِم ن األمور التي يتلّذ ذ بها كّل إنسان ِبحسب َطْبعه‪ ،‬ولكّنه ‪-‬على كّل حال‪ُ -‬يخِر ج‬
‫اإلنسان ِم ن الجّد ّية في العمل إلى الهزلّية والالمباالة‪َ .‬فالشاّب الذي اعتاد أن يقضي يوم ه‬
‫ُم ستمعًا إلى الغناء ‪-‬عبر اإلذاعة والتلفزيون‪ِ -‬م ن دون أن ُيعير مسائل الحياة اليومّي ة أّي ة‬
‫أهّم ّية‪َ ،‬سَيعتاد التعامَل مع األم ور ِبالمب االة‪ ،‬وسيص بح غ افًال عن أم ور الحي اة الج اّد ة‪،‬‬
‫شأنه في ذلك شأن َم ن يتعاطى المخّد رات تمامًا؛ فالذين يتعاطون المخّد رات ال يمكنهم أن‬
‫يكونوا ج اّد ين‪ ،‬وال يمكنهم التفك ير في المس ائل السياس ّية‪ .‬فالغن اء يجع ل عق ل اإلنس ان‬
‫ع اجزًا عن التفك ير ِبَغ ير الش هوات الحيوانّي ة‪ .‬ل ذا‪َ ،‬أص ّر وا على أن تك ون اإلذاع ة‬
‫والتلفزيون‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،18‬ص‪.178 - 177‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.154‬‬ ‫‪2‬‬


‫والصحافة والمجاّل ت وُد ور السينما والمسرح على هذا النح و‪ ،‬حّتى تجتم ع ه ذه األم ور‬
‫مع بعضها‪َ ،‬فتؤّد ي إلى َح ْر ف اهتمام ات أبن اء الش عب‪ِ ،‬م ن األم ور الحيوّي ة إلى أم ور‬
‫فرعّية ال ترتبط بحياتهم‪ ،‬ثّم َينصرفون ُهم إلى نهب ثروات البالد»‪.1‬‬
‫‪| 89‬‬
‫«تستطيع العقول أن تعمل في الجّو الهادئ‪ ،‬ولكْن م تى َدخ ل الغض ب في العم ل‪َ ،‬و َق ف‬
‫العق ُل جانب ًا‪ .‬ف القّو ة الغض بّية ُتبع د الق ّو ة العاقل ة‪ ،‬حّتى يتكّلم الش خص من دون عق ل‪.‬‬
‫فالقاضي‪ ،‬مثًال‪ ،‬ال يجب أن ُيصدر الحكم في ح ال الغض ب‪ ،‬ألّن إص دار الحكم في ح ال‬
‫الغضب ال يصدر من منشأ عقلّي وشرعّي ‪ .‬وِم ن مثل هذه المس ائل الكث ير‪َ .‬فافرض وا أّن‬
‫شخصًا لديه انتقاد ‪-‬وال مانع ِم ن طرح االنتقادات‪ ،‬ش ريطة ع دم اإلس اءة إلى ش خص أو‬
‫مجموع ة م ا به دف إقص ائهم من الس احة؛ فالنق د ِم ن أج ل البن اء وإص الح األم ور‬
‫ضرورّي‪َ ،‬و يجب أن يك ون في ك ّل مجلس ِم ث ل ه ذه االنتق ادات‪ -‬ف إّن انتقادات ه في ج ٍّو‬
‫هادئ ونظرة صحيحة‪َ ،‬و ِم ن دون غض ب‪ ،‬س ُتعطي نتيج ة؛ فيك ون ‪-‬ب ذلك‪ -‬المنط ق في‬
‫ُم قابل المنطق‪ .‬وَلو أردُتم‪ ،‬مثًال‪ ،‬حّل مس ألٍة بالص راخ والض ّجة والغوغ اء‪ ،‬إذ يظّن ك ّل‬
‫شخص ‪ِ-‬م ن وجهة نظره‪ -‬أّن الطرف المقابل يهاجمه كعدٍّو ل ه‪َ ،‬فَس تذهب العق ول جانب ًا‪،‬‬
‫َو إْن لم ُتضَبط القّو ة الغضبّية ‪-‬وهي أسوأ القوى‪ -‬حينها‪َ ،‬فإّن المسألة َلن ُتَح ّل‪ ،‬ب ل س تتعّقد‬
‫أكثر»‪.2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.155‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،14‬ص‪.289 - 288‬‬ ‫‪2‬‬


‫الفصل الثاني‪ :‬شرائح المجتمع في فكر اإلمام الخمينّي (قدس سره)‬

‫‪| 90‬‬
| 91
‫تكّلمنا على الرؤية النظرّية لإلمام الخمينّي (قدس سره) ِم ن جهة المنظومة المتكاملة التي‬
‫قَّد َم ها‪ ،‬وِم ن جهة رؤيته لإلنسان الذي ينبغي أن يكون ترجمان ه ذه المنظوم ة‪ .‬وفي ه ذا‬
‫الفصِل نتكَّلم على رؤيته (ق دس س ره) إلى ش رائح المجتم ع المختلف ة‪ِ ،‬بحس ب التسلس ل‬
‫‪| 92‬‬ ‫المنطقّي ؛ َفَبعد أن َبّيّنا كيف يرى اإلمام الخمينّي (ق دس س ره) الع الم والقيم وس ائر أبع اد‬
‫المنظومة الفكرّية‪ ،‬وبعد أن َبّيّنا أبعاد اإلنس ان بم ا ه و إنس ان‪ ،‬ال ب ّد ِم ن الكالم على ك ّل‬
‫شخص ِبَع يِنه‪ِ ،‬م ن حيث هو ُم نتٍم إلى شريحة ِم ن شرائح المجتمع‪َ .‬فما موقع الج امعّي في‬
‫تطبيق المنظومة الفكرّية؟ وما موقع طالب العلوم الدينّية؟‬

‫سنتكّلم‪ ،‬إذًا‪ ،‬على الفئات االجتماعّية اآلتية‪:‬‬

‫‪ .1‬طلبة العلوم الدينّية‬

‫‪ .2‬الجامعة والجامعّيين‬

‫‪ .3‬المعّلمين‬

‫‪ .4‬اإلعالمّيين‬

‫‪ .5‬الرياضّيين‬

‫‪ .6‬المرأة‬

‫‪ .7‬الشباب‬
‫األمر األّو ل‪ :‬الحوزة العلمّية‬
‫إّن اإلمام الخمينّي (قدس سره) هو أحد المراجع الِع ظام في الح وزة العلمّي ة‪ ،‬ويع ّد ها من‬
‫المؤّسس ات المهّم ة في الحف اظ على اإلس الم حّي ًا في المي ادين المختلف ة؛ االجتماعّي ة‬
‫‪| 93‬‬ ‫والسياسّية والفكرّية وغيرها‪ .‬لذا‪َ ،‬د َأب ‪-‬طوال عمره الشريف‪ -‬على الحفاظ عليها وتنبي ه‬
‫الَطَلبة فيها إلى وظائفهم‪ .‬والالفت أّنه في أواخر عم ره َو َّج ه بيان ًا ‪ُ-‬ع رف ِبَبي ان علم اء‬
‫الدين‪َ -‬و ضع فيه أهّم ُرؤاه حول هذه المؤّسسة العريق ة وَطَلب ة الِع لم فيه ا‪ ،‬يمكن تقس يمها‬
‫إلى عناوين عديدة‪.‬‬

‫وحاِص ل ما َذ كره اإلمام الخمينّي (قدس سره) يندرج تحت أربعة محاور‪:‬‬

‫أّو ًال‪ُ ،‬أنِش َئت الحوزة ‪-‬بشكٍل أساسّي ‪ -‬لحفظ الِد ين على مستويات عديدة‪ ،‬على رأسها ِح فظ‬
‫التراث الدينّي من النواحي العقدّية والقيمّية والفقهّية؛ لذا َس عى العلماء ‪-‬من ذ فج ر تأس يس‬
‫الح وزة‪ -‬في َبي ان المنهج الس ليم للفقاه ة واس تنباط األحك ام الش رعّية‪ ،‬وفي مواجه ة‬
‫االنحرافات على المستَو َيْين العقائدّي والِقَيمّي ‪َ .‬و َقد ُو ج دت الكث ير ِم ن الفت اوى واألحك ام‬
‫ال تي ك انت ُم نطلق ة ِم ن ح رص الفقه اء على ص يانة ال ِد ين الح نيف ِم ن أّي َتص ّد ع أو‬
‫انحراف‪.‬‬

‫ثانيًا‪ ،‬كانت الح وزة العلمّي ة وفئ ة طلب ة العل وم الدينّي ة ِم ن ض من األه داف ال تي س عى‬
‫االستعمار واألعداء إلى مواجهتها والحّط ِم ن َقدرها‪َ ،‬ع بر ال ترهيب ت ارًة‪ ،‬وال ترغيب ‪-‬‬
‫ِبإدخال بعض المفاهيم التي ال تمّت إلى ال ِد ين ِبِص لة ض من دائ رة الح وزة‪ -‬أخ رى؛ أي‬
‫إّنهم‪ ،‬بعد أن َيِئسوا من إزالة كيان الح وزة‪ ،‬س عوا إلى خرابه ا داخلّي ًا‪َ ،‬فك ان ِم ن أهّم م ا‬
‫خّططوا له إدخال بعض المفاهيم غير األصيلة‪ِ ،‬م ن قبيل عدم شأنّية عالم ال دين بالسياس ة‬
‫والمجتمع‪َ ،‬و َفْص ل الِد ين عن السياسة‪ ،‬إلى أذهان بعض َطَلبة الِع لم في بعض العصور‪.‬‬

‫ثالثًا‪َ ،‬ذ كر اإلمام الخمينّي (قدس سره)‪ ،‬في جملة توصياته للحفاظ على‬
‫الحوزة‪ ،‬أّنه يجب عليها التوُّح د‪ ،‬واالبتعاد عن التحُّز بات الفئوّية‪ ،‬وَترك االختالفات ال تي‬
‫َتؤول إلى تشتيت أمر هذه المؤّسسة العلمّية؛ ِلم ا للتفِر ق ة من تحقي ٍق ألحالم أع داء ال ِد ين‬
‫وَح ٍّط ِلقيمة هذه الحوزة التي تمّثل رافدًا أساسّيًا للمجتمع والنظام اإلسالمّي ‪.‬‬
‫‪| 94‬‬
‫رابعًا‪َ ،‬ح ّذ ر اإلم ام الخمي نّي (ق دس س ره) ِم ن ت أثير بعض تّي ارات الحداث ة ال تي ت ّد عي‬
‫التجديد على أصالة الحوزة العلمّية والفقاهة‪ .‬لذا‪ ،‬شّد د كثيرًا على ضرورة التمُّسك بمنهج‬
‫الفقهاء التقليدّي الذي قام على ُأسس علمّية متينة؛ وهذا أمٌر ال عالقة له بالتخُّلف أو البقاء‬
‫في َأسر التاريخ‪ ،‬بل إّن التجديد أمٌر الزم وضرورّي‪ ،‬ولكْن ال بّد ِم ن أن يكون مبنّيًا على‬
‫أصول منهجّية رصينة‪.‬‬

‫وفي ما يأتي‪ ،‬ننقل كالم اإلمام الخمينّي (قدس سره) على هذه األركان األربعة التي تمّثل‬
‫رؤيته حول شريحة َطَلبة العلوم الدينّية والحوزة العلمّية‪.‬‬
‫تاريخ الحوزة في نشر الِد ين اإلسالمّي ومواجهة االنحرافات‬

‫يقول اإلمام الخمينّي (قدس سره)‪« :‬ال شّك في أّن الحوزات العلمّي ة والعلم اء المل تزمين‬
‫‪| 95‬‬ ‫كانوا ‪-‬على مّر تاريخ اإلس الم والتش ُّيع‪ -‬أهّم قاع دة إس المّية محَك م ة في وج ه الحمالت‬
‫واالنحرافات والسلوك المتطّرف‪َ .‬فقد سعى علم اء اإلس الم الكب ار ‪ِ-‬ط وال عم رهم‪ -‬إلى‬
‫نش ر مس ائل الحالل والح رام اإللهَّيْين من دون ت دُّخ ل أو تص ُّر ف‪َ .‬و َل و لم يكن الفقه اء‬
‫األعّز اء‪َ ،‬لما كان معلومًا أّية علوم َس ُتقَّد م اليوم إلى الناس ِبَو صفها علوم القرآن واإلس الم‬
‫وأهل البيت (عليهم السالم)‪ .‬إّن َج مَع علوِم القرآن واإلسالم وُس ّنة الرسول األكرم (ص لى‬
‫هللا عليه وآله) وسيرته وسيرة المعص ومين (عليهم الس الم) وِح فظه ا وت دوينها وتبويبه ا‬
‫وتنقيحها لم يكن عمًال سهًال‪ ،‬في ظروف كانت اإلمكانّيات قليل ة ج ّد ًا بالمقارن ة م ع تل ك‬
‫التي َس ّخ رها السالطين والظالمون في سبيل َم ْح و آثار الرسالة‪ .‬ونرى اليوم ‪-‬وهلل الحم د‪-‬‬
‫ثمرة تل ك الجه ود في آث ار ومؤّلف ات مبارك ة‪ ،‬ك الكتب األربع ة‪ 1‬والمص ّنفات األخ رى‬
‫للمتق ّد مين والمت أّخ رين في الفق ه والفلس فة والرياض ّيات والنج وم واألص ول والكالم‬
‫والحديث وعلم الرجال والتفسير واألدب والعرفان واللغة وفروع المعرف ة جميعه ا‪ .‬ف إذا‬
‫لم ُنَس ِّم هذه الجهود والمعان اة كّله ا جه ادًا في س بيل هللا‪ ،‬فم اذا ينبغي أن نس ّم يه؟ إّن ثّم ة‬
‫حديثًا طويًال عن الخدمات العلمّية الف ّذ ة للح وزات الدينّي ة‪ ،‬ال يّتس ع المج ال هن ا ِل ذكره‪.‬‬
‫فالحوزات العلمّية‪ ،‬من حيث المصادر وأساليب البحث واالجتهاد‪ ،‬غنّية وحافلة باإلبداع‪،‬‬
‫وال أتص ّو ر وج ود طريق ة أنس ب من نهج علم اء الس لف في دراس ة العل وم اإلس المّية‬
‫بأسلوب ُم عّم ق‪ .‬إّن تاريخ أكثر من ألف عاٍم من البحث والتحقيق والتتُّب ع لعلم اء اإلس الم‬
‫الصادقين‪ ،‬على طريق رعاية غرسة اإلسالم المقّد سة ونمّو ها‪ ،‬خير ش اهد على اّد عائن ا؛‬
‫فعلى مدى مئات األع وام‪ ،‬ك ان علم اء اإلس الم مالذ المح رومين‪ ،‬وك ان المستض عفون‬
‫يرتوون من كوثر زالل معرفة‬

‫‪ 1‬كتب األحاديث الفقهّية الش هيرة األربع ة‪« :‬الته ذيب» و«االستبص ار» للش يخ الطوس ّي ‪ ،‬و«من ال يحض ره الفقي ه»‬
‫للشيخ الصدوق‪ ،‬و«الكافي» للكلينّي ‪.‬‬
‫الفقهاء العظام على الدوام‪ .‬وإذا ما تجاوزن ا جه ادهم العلمّي والثق افّي ال ذي ُيَع ُّد ‪ِ-‬بَح ٍّق ‪-‬‬
‫أفضل من دماء الشهداء‪ 1‬في بعض األبعاد‪ ،‬فإّنهم‪ ،‬ومن أجل الدفاع عن مقّد ساتهم الدينّي ة‬
‫والوطنّي ة‪ ،‬ع انوا الكث ير على م ّر العص ور‪ .‬وف وق تحّم لهم اَألس ر والنفي والس جون‬
‫‪| 96‬‬ ‫والتعذيب واإلساءة‪ ،‬قَّد موا ش هداء عظام ًا على طري ق الح ّق تع الى‪ ...‬إّن ش هداء علم اء‬
‫الِد ين لم ينحص روا في ش هداء النض ال والح رب في إي ران‪ ،‬ب ل إّن الكث ير من الش هداء‬
‫المجهولين للحوزات العلمّي ة َفَق دوا حي اتهم غرب اء في طري ق نش ر المع ارف واألحك ام‬
‫اإللهّي ة على ي د العمالء والخبث اء‪ .‬وفي ك ّل نهض ة وث ورة إلهّي ة وش عبّية‪ ،‬ك ان علم اء‬
‫اإلسالم يقفون في طليعة المواجهة‪َ ،‬و َقد ُخ َّط على جباههم الدم والشهادة‪ .‬فأّية ثورة شعبّية‬
‫إسالمّية لم َيقف فيها رجال الحوزة وعلماء الدين في طليعة الشهداء‪ ،‬ولم ُيعَّلقوا فيها على‬
‫المشانق‪ ،‬ولم تتوّسد فيها أجسادهم الطاهرة َم ذبح الشهادة في ِخ ّض م األحداث الدامي ة؟ َم ْن‬
‫هم شهداء انتفاضة الخامس عشر ِم ن خرداد‪ ،‬وما َس بقها ِم ن أحداث‪ ،‬وما تالها؟ وِم ن أّي ة‬
‫فئة كانوا؟ َنحمد هللا تعالى على أّن الدماء الطاهرة لشهداء الحوزة العلمّي ة وعلم اء ال دين‬
‫فتحت ُأفق الفقاهة‪ِ ،‬م ن جدران المدرسة الفيضّية إلى الزنازين االنفرادّية المرعب ة ِلنظ ام‬
‫الشاه‪َ ،‬و ِم ن الزقاق والشارع إلى المسجد ومحراب إمامة الجمع ة والجماع ة‪َ ،‬و ِم ن موق ع‬
‫العمل والخدمة إلى الخطوط األمامّية لجبهات القتال وحقول األلغام‪َ .‬و َم ع انته اء الح رب‬
‫المفروض ة ‪-‬ال تي تبعث على الفخ ر‪ -‬ك ان ع دد ش هداء الح وزات العلمّي ة وُم عَّو قيه ا‬
‫ومفقوديها يزيد على عدد الفئات األخرى‪َ .‬فق د استش هد في الح رب المفروض ة أك ثر ِم ن‬
‫ألَفْين وخمسمئة طالب ِم ن طلبة العلوم الدينّية في مختلف أنح اء إي ران‪ .‬وِم ث ل ه ذا الع دد‬
‫يشير إلى مدى استعداد علماء الدين للدفاع عن اإلسالم والبلد اإلسالمّي في إيران‪.‬‬

‫راجع‪ :‬الشيخ الصدوق‪ ،‬من ال يحضره الفقيه‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.399‬‬ ‫‪1‬‬
‫واليوم أيضًا ‪-‬كم ا في الس ابق‪ -‬انطل ق َص ّيادو االس تعمار في مختل ف أنح اء الع الم ‪-‬في‬
‫مص ر وباكس تان وأفغانس تان ولبن ان والع راق والحج از وإي ران واألراض ي المحتّل ة‪-‬‬
‫يترّبصون بأبط ال الروحانّي ة المعاِرض ين للش رق والغ رب‪ ،‬المؤم نين بمب ادئ اإلس الم‬
‫‪| 97‬‬ ‫المحّم دّي األص يل‪ .‬وه ا نحن نش هد ‪-‬بين الَفين ة واألخ رى‪ -‬في الع الم اإلس المّي انفج اَر‬
‫غض ب الن اهبين ال دولّيين في وج ِه أح د علم اء ال دين المخلص ين‪ ،‬ألّن علم اء اإلس الم‬
‫األصيلين لم يخضعوا ُم طلقًا للرأسمالّيين والخّو انين وَع َبدة الم ال‪ ،‬ب ل ح اَفظوا على ه ذا‬
‫الشرف على ال دوام‪ .‬وِم ن الُظلم الف احش أن ي رى َبعض هم أّن علم اء ال دين األص يلين ‪-‬‬
‫أنصار اإلسالم المحّم دّي األص يل‪ -‬والرأس مالّيين ق د َو ض عوا أي ديهم في إن اء واح د‪ .‬لن‬
‫يغف ر هللا تع الى لك ّل َم ن ي رّو ج ل ذلك‪ ،‬أو يفّك ر به ذا النح و‪َ .‬فُعلم اء ال دين المل تزمون‬
‫ُم تعّطشون لدماء الرأس مالّيين الُطفيلّيين‪ ،‬ولم ولن يتص الحوا معهم؛ إذ إّن ه ؤالء العلم اء‬
‫تعَّلموا الزهد والتقوى والرياضة جنبًا إلى جنب مع َك ْس ِبهم المقام ات العلمّي ة والمعنوّي ة‪،‬‬
‫وعاَيشوا الفقر والحرمان‪ ،‬وَتركوا بهارج الدنيا‪ ،‬ولم َيعرفوا المّنة والِذ ّلة مطلقًا‪ .‬فالمتأّم ل‬
‫في حياِة علماء السلف يرى كيف اعتاَدت أرواحهم السامية على َك ْسب المع ارف في ظ ّل‬
‫التعايش مع الَفقر‪ ،‬وكيف ك انوا َيدرس ون العل وم تحت َض وء الش معة ون ور القم ر؛ لق د‬
‫عاشوا ِبقناعة وكبرياء‪.‬‬

‫إّن َنْش ر الفقاهة والروحانّية لم يتّم ِبقّو ة الِح راب‪ ،‬وال ِبفعل ثروة َع َبدة المال واألثرياء‪ ،‬ب ل‬
‫إّن ِج ّد العلماء ومثابرتهم وإخالصهم والتزامهم كان وراء اّتباع الناس لهم‪َ .‬و إّن معارضة‬
‫علماء الدين ِلبعض مظاهر المدنّية في الماضي لم تُك ن إاّل خوفًا ِم ن نفوذ األج انب‪ ،‬إذ إّن‬
‫الشعور بالخطر ِم ن انتشار الثقافة األجنبّية ‪-‬وال سّيما الثقافة الغربّية المبتذلة‪ -‬أّد ى إلى أن‬
‫يتعامل هؤالء مع االختراعات والظواهر الجدي دة ِبحيط ة وَح ذر‪ .‬فالعلم اء الص ادقون ‪-‬‬
‫ِلكثرة ما َش هدوا ِم ن َك ذب الناهبين الدولّيين وخداعهم‪ -‬لم يكونوا يطمئّنون إلى كّل جديد‪،‬‬
‫َفكانت الوسائل ‪ِ-‬م ن قبيل الراديو والتلفاز‪ -‬بالنسبة إليهم ُم قّد مة ِلنفوذ االستعمار؛ لذا ك انوا‬
‫يفتون ‪-‬أحيانًا‪ -‬بتحريم االستفادة منها‪ .‬أَفَلم يكن الراديو والتلفزي ون في بل دان مث ل إي ران‬
‫َو سيلة لجلب الثقافة الغربّي ة؟ ألم َيس تِفد النظ ام البائ د ِم ن الرادي و والتلفزي ون في تجري د‬
‫‪| 98‬‬ ‫المعتقدات الدينّية ِم ن صدقّيتها‪ ،‬واإلساءة إلى العادات والتقاليد الوطنّية والقومّية؟‬

‫على أّية ح ال‪ ،‬إّن خص ائص كث يرة‪ ،‬كالقناع ة والش جاعة والص بر والزه د وطلب العلم‬
‫وعدم التبعّي ة للق وى الك برى‪ ،‬واألهّم ِم ن ذل ك كّل ه الش عور بالمس ؤولّية أم ام الش عوب‪،‬‬
‫َص نعت ِم ن الروحانّية كيانًا حّيًا ثابتًا ومحبوبًا‪ .‬فأّية عّز ة أسمى ِم ن ثورة علماء ال دين م ع‬
‫قّلة اإلمكانّيات؟ وهي التي غرس ت ب ذور الفك ر اإلس المّي األص يل في الترب ة الخص بة‬
‫ألفك ار المس لمين واهتمام اتهم‪ ،‬إلى أن أينَع ت غرس ة الفقاه ة المقّد س ة في ري اض حي اة‬
‫آالف الباحثين ومعنوّياتهم‪َ .‬و َم ع هذا المجد كّل ه والَع ظم ة والنف وذ‪َ ،‬أليس من الس ذاجة أن‬
‫يتصَّو ر بعضهم عدم مالحقة االستعمار ِلعلماء الدين؟‬

‫إّن كتاب «آيات شيطانّية»‪ 1‬عمٌل مدروس‪ ،‬هدف ه استئص ال ج ذور ال دين والت دُّين‪ ،‬وفي‬
‫طليعتها اإلسالم وعلماؤه‪َ .‬فِمّم ا ال شّك فيه أّنه لو كان ِبوسع الن اهبين ال دولّيين أن يعمل وا‬
‫على اجتثاث ج ذور علم اء ال دين وأس مائهم َلعِم ل وا‪ ،‬ولكّن هللا تع الى ك ان دائم ًا حافظ ًا‬
‫وحارسًا لهذا المشعل المقّد س‪ ،‬وسيستمّر ذلك ِبَع ون ه تع الى ش رَط أن َنعي ِحَي ل الن اهبين‬
‫الدولّيين ومكرهم وخداعهم»‪.2‬‬

‫فصل الدين عن السياسة ِم ن خطط األعداء ضّد الحوزة العلمّية‬

‫«إّن االس تكبار الع المّي ‪ ،‬وبع دما يئَس ِم ن القض اء على علم اء ال دين وت دمير كي ان‬
‫الحوزات العلمّية‪ ،‬لجأ ‪-‬في عصرنا الحاضر‪ -‬إلى أسلوَبْين‬

‫‪ 1‬لمؤّلفه المرتّد سلمان رشدّي‪.‬‬


‫‪ 2‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،21‬ص‪.253 - 251‬‬
‫ِلتنفيذ مخّططه؛ األّو ل أسلوب القّو ة واإلرهاب‪ ،‬والثاني أس لوب الخ داع والتض ليل‪ .‬وَلّم ا‬
‫فشلت َح ربة اإلرهاب والتهديد في تحقي ق أهداف ه‪َ ،‬س عى إلى أس لوب الخ داع والتض ليل‬
‫وتقوية نفوذه في األوساط الدينّية‪ .‬ولعّل ِم ن ُأولى تحّركاته وأهّم ها الترويج ِلِش عار الفص ل‬
‫‪| 99‬‬ ‫بين الِد ين والسياسة‪ .‬ومع األسف‪ ،‬استطاعت هذه الحربة أن تترك تأثيره ا ‪-‬إلى ح ٍّد م ا‪-‬‬
‫في الحوزات العلمّية‪ ،‬وفي أوساط الروحانّيين‪ ،‬إلى درجة أصبح التدُّخ ل في السياسة أمٌر‬
‫ال شأن للفقيه به‪ ،‬بل أصبح الَخوض في معترك السياسة َم قرونًا ِبتهم ة التبعّي ة لألج انب‪.‬‬
‫َو ال شّك في أّن علماء الدين المجاهدين تضّرروا كثيرًا ِم ن ه ذا النف وذ‪َ ،‬فال تتص ّو روا أّن‬
‫تهمة التبعّية واالفتراءات التي كانوا ُيلصقونها بالروحانّيين قد صدَر ت ِم ن ع ديمي ال دين‬
‫األغيار وحدهم‪ ،‬أَبدًا‪َ ،‬فالضربات التي ألحقها رج ال ال دين الجهل ة وال واعين الم رتبطين‬
‫كانت ‪-‬وال تزال‪ -‬أكثر تأثيرًا ِم ن ضربات األغيار‪.‬‬
‫إّبان انطالقة النضال اإلسالمّي ‪ ،‬كنَت إذا قلت‪ :‬إّن الشاه خائن‪ ،‬س معَت على الف ور‪ :‬ولكّن‬
‫الش اه ش يعّي ‪ .‬إّن مجموع ة ِم ن المتظ اهرين بالقداس ة وال رجعّيين ك انت تع ّد ك ّل ش يء‬
‫حرامًا‪ ،‬ولم َيكن يجرؤ أحٌد على مواجهة أمثال ه ؤالء‪ ...‬إّن اآلالم ال تي تج ّرع مرارته ا‬
‫وال دكم العج وز‪ِ ،‬بس بب ه ذه الفئ ة المتحّج رة‪ ،‬لم يواِج ه مثله ا ‪-‬مطلق ًا‪ِ -‬م ن ض غوط‬
‫ومضايقات‪ .‬وعندما شاَع ِش عار الفصل بين الدين والسياسة‪ ،‬وأضَح ت الفقاه ة في منط ق‬
‫غير الواعين االنغماس في األحكام الفردّية والعبادّي ة‪َ ،‬و لم يح ّق للفقي ه الخ روج ِم ن ه ذا‬
‫السياق وهذه الدائرة والخوض في السياس ة والحكوم ة‪ ،‬أص بَح ت حماق ة ع الم ال دين في‬
‫معاشرته للن اِس َفض يلة‪َ .‬فَز عم وا أّن الروح انّيين يكون ون ج ديرين ب االحترام والتك ريم‬
‫عندما تقطر الحماقة ِم ن كّل نقطة في وجودهم‪ ،‬وإاّل ‪ ،‬فإّن عالم الدين السياسّي والروحانّي‬
‫الواعي والفطن‪ُ ،‬م غرض ومدسوس‪.‬‬
‫كان ذلك كّله ِم ن األمور الرائجة في الحوزات؛ َفَم ْن ينهج نهجًا ُم نحرف ًا ُيع ّد أك ثر ت دُّينًا‪،‬‬
‫ومن يتعّلم اللغة األجنبّية ُيعّد كافرًا‪ .‬كما إّن الفلس فة والعرف ان كانت ا تع ّد ان ذنب ًا وش ركًا؛‬
‫ففي أحد األّيام‪ ،‬شرب االبن العاقل السليم المرحوم مص طفى ِم ن ج ّرة م اء في المدرس ة‬
‫‪| 100‬‬ ‫الفيضّية‪ ،‬فَأخذوا الجّرة وطّهروها‪ ،‬ألّن أباه يدرس الفلسفة‪ .‬إّن ني على ثق ة أْن ل و اس تمّر‬
‫ِم ث ل ه ذا النهج‪ ،‬أَل ص بح وض ُع الح وزات وعلم اء ال دين ِم ث ل وض ع كن ائس الق رون‬
‫الوسطى‪ ،‬غير أّن هللا تعالى َم ّن على المس لمين وعلم اء ال دين‪ ،‬وص اَن كي ان الح وزات‬
‫ومجدها الحقيقّي ‪.‬‬

‫إّن العلم اء المؤم نين بال دين ترّب وا في أمث ال ه ذه الح وزات‪ ،‬وَعَزل وا ص فوفهم عن‬
‫اآلخرين‪ ،‬وقد استمّد ت نهضتنا اإلس المّية العظيم ة وجوده ا من ه ذه البارق ة‪ .‬طبع ًا‪ ،‬ال‬
‫تزال الحوزات تع اني ه ذا النم َط ِم ن التفك ير‪َ ،‬فيجب أن نك ون ح ذرين ِلَئاّل تنتق ل فك رة‬
‫الفصل بين الدين والسياسة من المتحّج رين إلى الَطَلب ة الش باب‪َ .‬و م ا ينبغي على الَطَلب ة‬
‫الشباب َتَع ّرفه هو كيف إّن بعض هم ش ّم روا عن س اعد الج ّد في الف ترة ال تي ك ان ُيهيمن‬
‫المتظ اهرون بالقداس ة والجهل ة األّم ّي ون الس ّذ ج على ك ّل ش يء‪ ،‬وخ اطروا ب أرواحهم‬
‫وسمعتهم ِم ن أجل إنقاذ اإلسالم والحوزة وعلماء ال دين؛ إذ إّن األوض اع لم تكن كم ا هي‬
‫عليه اليوم‪ ،‬فك ّل َم ن لم ي ؤمن ‪-‬تمام ًا‪ -‬بالنض ال‪ ،‬ك ان ينس حب ِم ن الس احة تحت ض غط‬
‫المتظ اهرين بالقداس ة وتهدي دهم‪َ .‬فَلم تكن النص يحة واإلعالم والنض ال الس لبّي تفي د في‬
‫مواجهة أفكاٍر ِم ن قبيل أّن الش اه ظ ُّل هللا‪ ،‬أو أّن ه ال يمكن مواجه ة الم دفع والدباب ة ِبأي ٍد‬
‫خالية‪ ،‬أو أّننا غير مكّلفين بالجهاد والنضال‪ ،‬أو َم ن يحمل مسؤولّية دماء القتلى؟ واألسوأ‬
‫من ذلك كّله الِش عار المضّلل الذي يقول إّن الحكومة قبل ظهور المه دّي المنتظ ر (عج ل‬
‫هللا تعالى فرجه) حكومة باطلة‪ ،‬إلى غير ذلك ِم ن اإلشكاالت الواهية‪ .‬ذلك كّله‪ ،‬مّم ا ك ان‬
‫يخلق مشكالت كبرى وظروف صعبة‪ ،‬لم يكن باإلمكان‬
‫مواجهته إاّل عن طريق حّل وحيد‪ ،‬ه و النض ال والتض حية بال دماء‪ ،‬وَق د هّي أ هللا تع الى‬
‫وسيلته»‪.1‬‬

‫‪| 101‬‬ ‫الحفاظ على الوحدة أهّم واجبات َطَلبة العلوم الدينّية‬

‫«إّن األعداء ‪-‬منذ مّد ة طويلة‪ -‬كانوا قد استعّد وا ِلَبّث االختالف والفرقة بين علم اء ال دين‪.‬‬
‫وإذا م ا غفلن ا عن ذل ك‪َ ،‬فس وف يض يع ك ّل ش يء‪ِ ،‬بغِّض النظ ر عن نوعّي ة االختالف‬
‫وأشكاله‪ ،‬سواء أكان تشويه صورة كبار المسؤولين أو إث ارة المش اكل ح ول الح دود بين‬
‫الفق ه التقلي دّي والح ركّي ‪ ،‬إلى غ ير ذل ك‪ِ .‬إذا لم يح رص الَطَلب ة واألس اتذة في الح وزة‬
‫العلمّية على انسجامهم‪ ،‬ال يمكن توُّقع َم ن الذي سُيوَّفق‪َ .‬فإن كانت الس يادة الفكرّي ة ‪-‬على‬
‫فرض المحال‪ -‬للمتلّبسين ِبزّي رج ال ال دين والمتحّج رين‪ِ ،‬بم اذا س ُيجيب علم اُء ال دين‬
‫الثورّي ون َهللا والش عَب ؟ ال يوج د أّي اختالف ‪-‬إن ش اء هللا‪ -‬بين رابط ة أس اتذة الح وزة‬
‫والطاّل ب الثورّيين‪ ،‬وإْن ُو ِج د‪َ ،‬فِم ن أجل ماذا؟ أِم ْن أجل األصول أو ِبَو حي ِم ن المزاجّية؟‬
‫هل أدار األساتذة المحترمون الذين كانوا يمّثلون سند الثورة المحَك م في الحوزات العلمّية‬
‫ظه وَر هم ‪-‬والعي اذ باهلل‪ -‬إلى اإلس الم والث ورة والش عب؟ َأَلم ُيص ِد ر ه ؤالء أنفس هم ‪-‬في‬
‫ذروة النضال‪ -‬فتاواهم ِبَع دم مشروعّية السلطنة؟ َأَلم يعمل هؤالء أنفس هم على َفْض ح ك ّل‬
‫َم ن يحاول استغالل منص ب المرجعّي ة واالنح راف عن اإلس الم والث ورة‪ ،‬وَلْفت أنظ ار‬
‫الشعب إلى ذلك؟ ألم يدعم أساتذة الحوزة األعّز اء جبهات القتال والمقاتلين؟ فإذا ما ُهِز م ‪-‬‬
‫ال سمح هللا‪ -‬هؤالء‪َ ،‬فما هي الق ّو ة ال تي س تحّل محّلهم؟ وإذا م ا عملت أي ادي االس تكبار‬
‫على دعم رجال الدين المزّيفين إلى حّد المرجعّية‪ ،‬أَلْن ُتسِّلط شخصًا آخر على الحوزات؟‬
‫َو أولئك الذين َنَأوا بأنفسهم عن األحداث طوال خمسة عشر عامًا ِم ن النضال قبل الث ورة‪،‬‬
‫وعش ر س نوات من األح داث العص يبة بع دها‪ ،‬ولم ُيع انوا من مت اعب النض ال ومأس اة‬
‫الحرب‪ ،‬وال تأّثروا بشهادة‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،21‬ص‪255 - 253‬‬ ‫‪1‬‬


‫أعّز ة لهم‪ ،‬وواَص لوا دروس هم وبح وثهم بك ّل اطمئن ان وراح ة ب ال‪ ،‬ه ل يس تطيعون أن‬
‫ُيشّك لوا دعامة للثورة اإلسالمّية في المستقبل؟ ِلص الح َم ْن س تكون هزيم ة أّي ِم ن علم اء‬
‫الدين والَطَلبة الثورّيين والروحانّيين المناضلين ورابط ة أس اتذة الح وزة؟ ال ش ّك في أّن‬
‫‪| 102‬‬ ‫الذي سيجني ثمار ذلك ُهم خصوم علماء الدين‪ ،‬وإذا ما حاولوا االقتراب ‪-‬للضرورة‪ -‬من‬
‫الروحانّيين‪ ،‬فإلى أّية فئة سيّتجهون؟ باختصار‪ ،‬إّن االختالف ‪-‬مهما كان‪ُ -‬م دّم ر‪ .‬وإذا م ا‬
‫وصَلت القوى المؤمنة ب الثورة ‪-‬حّتى تحت عن اوين الفق ه التقلي دّي والفق ه الح ركّي ‪ -‬إلى‬
‫مستوى الفئوّية والجبهوّية‪ ،‬فإّن ذلك سُيشّك ل بداية الطريق الستغالل األعداء‪ ،‬ألّن التكّت ل‬
‫الجبه وّي يق ود في النهاي ة إلى المعارض ة‪ .‬فك ّل جن اح‪ ،‬وِب دافع إقص اء الط رف اآلخ ر‬
‫وتحجيم ه‪ ،‬س َيلجأ إلى اختي ار المص طلحات والش عارات‪ِ ،‬بحيث يّتهم أح دهم بمناص رة‬
‫الرأس مالّية‪ ،‬وآخ ر بااللتقاطّي ة‪ .‬وق د ح اولُت دائم ًا‪ِ ،‬ح رص ًا مّني على الموازن ة بين‬
‫األجنحة‪ ،‬أن أعطي توجيهات حلوة وُم ّرة‪ ،‬ألّنني أعّد الجميع أبن ائي وأع ّز ائي‪ .‬طبع ًا‪ ،‬لم‬
‫أقلق أبدًا ِم ن البحوث الحوزوّية العاص فة في ف روع الفق ه وأص وله‪ ،‬غ ير أّن ني قِل ق ِم ن‬
‫تقاب ل األجنح ة المؤمن ة ب الثورة وتعاُرض ها‪ ،‬لئاّل ينتهي بتقوي ة الجن اح المرّف ه ال ذي ال‬
‫يعرف معنى األلم‪ ،‬وال يكّف عن الثرثرة‪.‬‬

‫نستنتج من ذلك أّنه إذا تباطأ علماء الدين ‪-‬أنص ار اإلس الم المحّم دّي األص يل‪ -‬وأنص ار‬
‫الثورة في تحّر كهم‪ ،‬فإّن الق وى العظمى وأذنابه ا س ُيَج ّيرون ك ّل ش يء ِلص الحهم‪َ .‬فعلى‬
‫رابطة أساتذة الحوزة أن تعّد الطاّل ب الث ورّيين األع ّز اء ‪-‬ال ذين ع انوا الكث ير‪ ،‬وتحَّم ل وا‬
‫العذاب والضرب‪ ،‬وتوَّجهوا إلى جبهات القتال‪ -‬أبناَء ها‪ ،‬وأن تقيم جلسات معهم‪ ،‬وترّحب‬
‫ِبطروح اتهم وأفك ارهم‪ .‬كم ا أّن على الَطَلب ة الث ورّيين أن يح ترموا األس اتذة األع ّز اء‬
‫المؤّيدين للثورة‪ ،‬ويقّد روا م نزلتهم‪ ،‬وأن يكون وا ي دًا واح دة في مقاب ل التّي ار االنته ازّي‬
‫التافه الذي ال يك ّف عن ال ثرثرة‪ ،‬وأن يتحّل وا بالمزي د ِم ن االس تعداد والت أّهب للتض حية‬
‫والشهادة في سبيل‬
‫هداية الشعب‪ ،‬سواء أكان المجتمع والشعب ينشدان الحقيقة ِم ثلما هو الحال في عصرنا ‪-‬‬
‫إذ إّن أبناء الشعب أوفياء حّقًا لعلماء الدين أكثر مّم ا نتصّو ر‪ -‬أو كما كان علي ه الح ال في‬
‫زمن المعصومين (عليهم السالم)»‪.1‬‬
‫‪| 103‬‬
‫ضرورة الحفاظ على األصالة‬

‫«أّم ا بالنس بة إلى ال دروس والبح وث داخ ل الح وزات‪ ،‬ف إّنني أؤمن بالفق ه التقلي دّي‬
‫واالجتهاد الجواهرّي ‪ ،‬وأرى عدم جواز التخّلف عنه‪ .‬إّن االجتهاد في هذا النهج ص حيح‪،‬‬
‫ولكّن هذا ال يعني أّن الفقه اإلسالمّي يفتقر إلى المرونة‪ ،‬بل إّن الزمان والمكان عنصران‬
‫رئيسّيان في االجته اد‪َ ،‬فِم ن الممكن أن تج َد مس ألًة ك ان له ا في الس ابق ُحكم‪ ،‬وفي ظ ّل‬
‫العالقات المتغّيرة‪ ،‬التي تحكم السياسة واالجتماع واالقتصاد في ِنظام ما‪َ ،‬تِج د له ا ُحكم ًا‬
‫جديدًا؛ أي إّنه‪ ،‬وعن طريق المعرفة الدقيقة للعالقات االقتصادّية واالجتماعّية والسياس ّية‬
‫المحيطة بالموضوع األّو ل الذي يبدو أّنه ال يختلف عن السابق‪ ،‬ولكّنه في الحقيقة أص بح‬
‫موضوعًا آخر يتطّلب حكمًا جديدًا بالضرورة‪ .‬لذا‪ ،‬ينبغي على المجتهد أن يحي ط بقض ايا‬
‫عصره‪ .‬فالن اس والش باب وحّتى العاّم ة‪ ،‬لن يقبل وا ِم ن المرج ع والمجته د االعت ذار عن‬
‫إعطاء رأيه في المسائل السياسّية‪ ...‬إّن اإلحاطة ِبُسبل مواجهة التزوير والتض ليل للثقاف ة‬
‫السائدة في العالم‪ ،‬وامتالك البصيرة والرؤية االقتص ادّية‪ ،‬واالّطالع على كيفّي ة التعام ل‬
‫مع االقتصاد العالمّي ‪ ،‬ومعرف ة السياس ات والموازن ات وم ا ُي رّو ج ل ه الساس ة‪ ،‬وإدراك‬
‫موق ع القطَبْين الرأس مالّي والماركس ّي ونق اط قّو تهم ا وض عفهما‪ ،‬إذ إّنهم ا يح ّد دان في‬
‫الحقيقة استراتيجّية النظام العالمّي ‪ُ ،‬يعّد ِم ن خصائص المجته د الج امع وِس ماته‪َ ...‬فال ُب ّد‬
‫للمجتهد ِم ن التحّلي بالحنكة والذكاء ِلِفراسة ِه داية المجتم ع اإلس المّي وغ ير اإلس المّي ‪.‬‬
‫ويجب أن يكون مديرًا ومدّبرًا حّقًا‪ ،‬فضًال عن اّتسامه باإلخالص والتقوى والزه د‪ ،‬إذ إّن‬
‫هذه الصفات ِم ن شأن المجتهد‪ .‬فالحكومة‪ ،‬من وجهة‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،21‬ص‪.261 - 260‬‬


‫نظ ر المجته د الحقيقّي ‪ ،‬تمّث ل الفلس فة العملّي ة لألحك ام الفقهّي ة في الحي اة اإلنس انّية‪...‬‬
‫والحكومة تجسيد الجانب العملّي للفقه في تعامله م ع المعض الت االجتماعّي ة والسياس ّية‬
‫والعسكرّية والثقافّية‪ ...‬الفقه هو النظرّية الواقعّية المتكاملة إلدارة اإلنس ان ِم ن المه د إلى‬
‫‪| 104‬‬ ‫اللح د‪ .‬فاله دف األساس ّي أن يتس ّنى لن ا تط بيق أص ول الفق ه المحكم ة في عم ل الف رد‬
‫والمجتمع‪ ،‬وأن تكون لدينا إجابات للمعضالت‪َ .‬فإّن أقص ى م ا يخش اه االس تكبار ه و أن‬
‫يجد الفقُه واالجتهاُد الترجمَة العملّية والواقع الموضوعّي ‪ ،‬فيخل ق ل دى المس لمين الق درة‬
‫على المواجهة‪ .‬ما الذي أغضب الناهبين الدولّيين إلى ه ذا الح ّد ‪ ،‬إث ر اإلعالن عن الحكم‬
‫الشرعّي واإلسالمّي ‪-‬الذي يّتفق عليه العلم اء جميعهم‪ -‬بح ّق أح د العمالء األج انب‪1‬؟ إذ‬
‫واَج هوه ِبنحٍو مستميت‪ُ ،‬م ستنفرين قواهم كّلها؟ أليس هو َو عي المسلمين ِلرسالتهم الدينّي ة‬
‫والعلمّية‪ ،‬وتصّد يهم لمؤامرات قادة االس تكبار المش ؤومة؟ ه ؤالء المس تكبرون ُي دركون‬
‫جّيدًا أّن إسالم المسلمين بات الي وم دين ًا راقي ًا متحّرك ًا مفعم ًا بالحم اس‪ ،‬ونظ رًا إلى أّن‬
‫األجواء لم َتُع د مهّي أة لهم‪ ،‬كم ا في الس ابق‪َ ،‬فَلم يع د بإمك ان عمالئهم وأذن ابهم التالعب‬
‫بمقّد سات المسلمين‪ ،‬انتابهم االضطراب‪.‬‬

‫سبق أْن قلُت إّن مؤامرات الن اهبين ال دولّيين جميعه ا ال تي اس تهدفتنا‪ ،‬ب دءًا من الح رب‬
‫المفروضة إلى الحصار االقتصادّي وغير ذلك‪ ،‬كانت تستهدف إظهار عجز اإلس الم عن‬
‫تلبية احتياجات المجتمع‪ ،‬من أجل اللجوء إليهم في كّل صغيرة وكبيرة‪ .‬ولكن يجب علين ا‬
‫أن ندرك جميعًا أّنه ال بّد لنا ‪-‬في الحقيقة‪ِ -‬م ن التحّر ك ‪-‬إن شاء هللا تعالى‪ِ -‬لَقط ع ش رايين‬
‫تبعّية بالدنا كّلها لهذه الدنيا المتوّحشة‪.‬‬

‫رّبما ظَّن االستكبار الغربّي أّننا‪ ،‬إذا ما هّد َدنا بالسوق المشتركة والمحاصرة االقتص ادّية‪،‬‬
‫َس نبقى ُنراوح مكاننا أو نتراجع عن تنفيذ‬

‫‪ 1‬إشارة إلى الفت وى (الحكم) ِبوج وب إع دام س لمان رش دّي وناش ري كتاب ه «اآلي ات الش يطانّية» المن اهض لألخالق‬
‫والدين‪.‬‬
‫ُحكم هللا العظيم‪ ...‬إّنه أَل مر الفت ومثير! إّن هؤالء الذين يتظ اهرون بالتحّض ر والثقاف ة‪،‬‬
‫ال يهّم هم أن يقوم أحد الكّتاب العمالء باإلساءة إلى أحاسيس أكثر ِم ن ملي ار إنس ان ُم س لم‬
‫ومشاعرهم‪ ،‬عبر قلمه الذي يقطر سّم ًا‪ ،‬وُيسِقط ع ددًا ِم ن الش هداء‪ ،‬ب ل إّنهم يع ّد ون ه ذه‬
‫‪| 105‬‬ ‫الفاجع ة عين الديمقراطّي ة والتحُّض ر‪ .‬ولكن عن دما ُيث ار بحُث تنفي ذ الحكم والعدال ة‪،‬‬
‫َينوحون بالرأفة واإلنسانّية‪.‬‬

‫إّننا ندرك ِح قد العالم الغربّي على العالم اإلس المّي والفقاه ة‪ ،‬وَنَتَبّين ه من ه ذه المواق ف‪.‬‬
‫فالقضّية ليست قضّية دفاٍع عن شخص‪ ،‬وإّنما قضّية دفاٍع عن نهج يعادي اإلس الم والقيم‬
‫األخالقّية‪ُ ،‬ترّو ج له المحافل الص هيونّية والبريطانّي ة واألميركّي ة‪ ،‬وَتض عه في مواجه ة‬
‫العالم اإلسالمّي ِبَأسره ِبكّل حماقة»‪.1‬‬

‫‪ 1‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،21‬ص‪.263 - 262‬‬


‫األمر الثاني‪ :‬الجامعة‬
‫ُتَع ّد الجامعة في فكر اإلمام الخمينّي (قدس سره) الجناح الثاني للفكر‪ ،‬إلى ج انب الح وزة‬
‫العلمّي ة‪ ،‬فالبل د اإلس المّي ال يس تغني عن ك ٍّل ِم ن الجامع ة والح وزة من أج ل ت أمين‬
‫‪| 106‬‬ ‫المستلزمات الفكرّية والعلمّي ة‪ .‬ولكن ابُتلَيت الجامع ات ‪-‬تاريخّي ًا‪ِ -‬بَس لخها عن مجتمعه ا‬
‫وثقافتها‪ِ ،‬بحيث صارت الجامعات الموجودة في البلدان اإلسالمّية‪ ،‬مثًال‪َ ،‬ت درس القض ايا‬
‫التي ال ترجع إلى صالحها بشيء‪ ،‬خاّص ًة كّلّيات العلوم اإلنسانّية‪َ ،‬فصارت أذهان الَطَلبة‬
‫الجامعّيين واألساتذة ُم تَبّنية النظرّي ات الغربّي ة ال تي نش َأت في فض اء ثق افّي واجتم اعّي‬
‫ُم باِين للفضاء الخاّص بالمجتمعات اإلسالمّية‪ .‬وقد َلَفت اإلمام الخمينّي (قدس سره) كثيرًا‬
‫إلى هذه القضّية‪ ،‬وَس عى إلى طرح موضوع َأْس َلمة الجامعات‪ ،‬انطالقًا ِم نها‪َ ،‬فك ان س عيه‬
‫األساسّي إصالح هذا االنحراف الذهنّي في الطبقة الجامعّية؛ بأن تتوّجه الكّلّيات اإلنسانّية‬
‫‪-‬خاّص ًة‪ -‬إلى مجتمعاتها‪ ،‬وتبحث عن الحلول التي تريدها الفئات المختلف ة فيه ا‪ ،‬من دون‬
‫االنشغال باألفكار الشرقّية أو الغربّية التي لم تنشأ ِلتحّل مشكالت المسلمين‪.‬‬

‫ويمكننا تقسيم الكلمات ال‪1‬تي َذ كره‪1‬ا اإلم‪1‬ام الخمي‪1‬نّي (قدس س‪1‬ره) في ه‪1‬ذا المج‪1‬ال إلى‬
‫أربعة محاور‪:‬‬

‫أّو ًال‪َ ،‬لفت اإلمام الخمينّي (قدس سره) إلى ضرورة يقظ ة الطبق ة الجامعّي ة واْلِتفاته ا إلى‬
‫القضايا التي تهّم المجتمع المحّلّي الذي يتواجدون فيه‪ ،‬وتركيز البحوث والدراس ات على‬
‫المشاكل التي يعانيها المجتمع اإلسالمّي ‪-‬خاّص ًة‪ -‬إليجاد الحلول لها‪ ،‬وخدمة بلدهم ِلجه ة‬
‫االكتفاء الذاتّي واالستغناء عن الدول التي كان لها تاريخ استعمارّي‪.‬‬

‫ثانيًا‪َ ،‬يطرح اإلمام الخمينّي (قدس سره) قضّية َفْص ل الح وزة عن الجامع ة‪ ،‬ويع ّد ها من‬
‫اآلفات الكبيرة التي ابُتلَيت به ا ال دول اإلس المّية؛ إذ إّن الح وزة العلمّي ة مؤّسس ة علمّي ة‬
‫بامتياز‪ ،‬مرتبطة بالمصادر اإلسالمّية‬
‫األصيلة‪ ،‬فال ينبغي أن تفصل عن فضاء الجامعة واألكاديمّي ات‪ ،‬ب ل إّن الَفص ل ه ذا ِم ن‬
‫أعمال األعداء‪.‬‬

‫‪| 107‬‬ ‫ثالثًا‪ُ ،‬ينّبه اإلمام الخمينّي (قدس سره) إلى ضرورة إدخ ال الُبع د المعن وّي وال روحّي في‬
‫الجامع ات على أص عدة مختلف ة؛ منه ا تأكي د حض ور دروس األخالق والقيم‪ ،‬وع دم‬
‫االقتصار على الدروس األكاديمّية الَبحتة‪ ،‬ومنها رعاية شخصّيات األساتذة المحاض رين‬
‫في الجامعات‪ ،‬والحرص على كونهم مه ِّذ بين ألنفس هم‪ِ ،‬لم ا ِلت أثير األس تاذ على الطاّل ب‬
‫ِم ن قّو ة وحضور‪.‬‬

‫رابعًا‪ ،‬أطلق اإلمام الخمينّي (قدس سره) ُم صطلح «إصالح الجامع ات»‪ ،‬ألّن الجامع ة ‪-‬‬
‫كمؤّسسة علمّية‪ -‬نشَأت في الدول الغربّية ِض من فضاء خاّص به ا‪َ ،‬فال ينبغي أن نس توِر د‬
‫الجامعات‪َ ،‬فُنغرقها بهموم الغرب أو الشرق‪ ،‬وُنهمل اإلسالم فيها‪.‬‬
‫خّطة األعداء في الجامعات َح ْر ف الشباب عن ثقافتهم‬

‫«أّم ا في الجامعة‪ ،‬فإّن خّطتهم تقضي ِبَح ْر ف الشّبان عن ثقافتهم وآدابهم وِقَيمهم المحّلّي ة‪،‬‬
‫‪| 108‬‬ ‫َو َج ِّر هم إلى الش رق أو الغ رب‪ ،‬واختي ار المس ؤولين الحك ومّيين ِم ن بينهم ِلتحكيمهم‬
‫بمصائر البلدان وتنفيذ ما يريدونه كّله‪َ .‬فُهم ينهبون البلدان ويجّرونه ا إلى اَألس ر للغ رب‬
‫ِم ن دون أن يكون بمقدور الروحانّيين ‪-‬علماء الدين‪ -‬الحيلولة دون ذل ك‪ ،‬إذ إّنهم س اهموا‬
‫في ع زلهم وتنف ير الن اس منهم وإحب اطهم؛ ه ذا ه و الطري ق األفض ل ِلَنهب البل دان‬
‫المستعَم رة وإبقائها متخّلفة‪َ ،‬فهو يؤّد ي إلى إفراغ كّل شيء في جيوب ال دول الك برى من‬
‫دون عناء أو كلفة‪ ،‬ومن دون إثارة أّية ضّجة في األوساط الوطنّية‪.‬‬

‫لذا‪ِ ،‬م ن واجبنا جميعًا‪ ،‬اآلن‪ ،‬أن نصّب الجهود على إصالح الجامعات والمعاهد التعليمّية‬
‫ونطّهرها‪ِ ،‬بمساعدة المسؤولين‪ ،‬للحيلولة ‪-‬وإلى األبد‪ -‬دون انحراف الجامعات‪ ،‬والس عي‬
‫في معالجة أّي انحراف يلّو ح بحركة سريعة‪ .‬وال بّد ِم ن تحقي ق ه ذا األم ر الحي وّي على‬
‫أيدي شّبان الجامعات والمعاهد التعليمّية ابتداًء ‪ ،‬ف إّن نج اة الجامع ة ِم ن االنح راف يع ني‬
‫نجاة البلد والشعب‪.‬‬

‫إّنني أوص ي الفتي ة والش ّبان وآب اَء هم وأّم ه اتهم ومحّبيهم أّو ًال‪ ،‬ثّم رج ال الدول ة المثّقفين‬
‫الحريصين على مصالح البلد ثانيًا‪ ،‬بأن ُيبادروا جميعًا إلى بذل الجه ود في ه ذا المج ال؛‬
‫ما يس تتبع حف ظ البالد ِم ن األذى‪ ،‬وتس ليم أمان ة حف ظ الجامع ات إلى الجي ل الق ادم‪ .‬كم ا‬
‫أوصي األجيال الالحقة بأن يجهدوا في حفظ الجامعات وصيانتها ِم ن االنحراف أو الميل‬
‫إلى الغرب والشرق؛ ففي ذلك نجاتهم ونجاة بالدهم العزيزة واإلسالم ‪-‬ص انع اإلنس ان‪.-‬‬
‫ولَيعلم وا أّنهم‪ِ ،‬بعملهم اإلنس انّي واإلس المّي ه ذا‪ ،‬يقطع ون أي دي الق وى الك برى عن‬
‫بالدهم‪ ،‬وُيفقدونها األمل نهائّيًا»‪.1‬‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،21‬ص‪.374 - 373‬‬


‫آفة َفْص ل الجامعة عن الحوزة‬

‫«في زمن الشاه‪ ،‬وقبل انتصار الثورة اإلسالمّية‪َ ،‬ح ِر ص المسؤولون ‪-‬آنذاك‪ -‬على تعيين‬
‫‪| 109‬‬ ‫المعّلمين والمدّر سين واألساتذة ورؤساء الجامعات ِم ن بين المنبهرين ب الغرب أو الش رق‬
‫والمنحرفين عن اإلس الم وس ائر األدي ان‪ ،‬وعلى اإلقالل ِم ن ع دد المت دّينين والمؤم نين‪،‬‬
‫لكي ُيصار إلى زيادة تأثير الشريحة األقوى في العملّية التربوّية؛ إذ إّنهم يقوم ون ِبتربي ة‬
‫َم ن ُيحتمل تصّد يهم لألمور ُم ستقبًال‪ِ ،‬م ن الطفولة‪ِ ،‬بطريقة تجعلهم يش مئّز ون ِم ن األدي ان‬
‫عمومًا‪ ،‬واإلسالم وعلماء الدين خصوصًا‪ ،‬مّم ن كانوا يوصفون في ذل ك ال وقت بالعمال ة‬
‫لإلنجليز والتحالف مع التجار واإلقطاعّيين والرجعّية المخاِلف ة لل رقّي والتم ُّد ن‪ .‬ه ذا ِم ن‬
‫جهة‪.‬‬

‫وِم ن جهة أخرى‪ ،‬زرعوا‪ ،‬عبر إعالمهم السّيئ‪ ،‬الخوف في نف وس الروح انّيين وال دعاة‬
‫والمتدّينين من الجامعة والجامعّيين‪ ،‬فاّتَهموهم بالتحّلل وعدم الت دُّين ومعارض ة المظ اهر‬
‫والشعائر اإلسالمّية واألديان‪َ .‬و كانت النتيجة أن أصبح رجال الدول ة معارض ين لألدي ان‬
‫واإلسالم وعلمائه والمتدّينين‪ ،‬وأصبحت جماهير الشعب الُم حّبة للِد ين وعلمائه معاِرض ة‬
‫للدولة والحكومة وما يرتبط بها؛ ما أنتَج اختالفًا عميقًا بين الحكومة والشعب والجامعّيين‬
‫والروحانّيين‪ ،‬وفتح الطريق أمام الناهبين‪ ،‬إلى َح ّد سيطرتهم على مقّد رات البلد جميعه ا‪،‬‬
‫وإفراغ ثروات الشعب كّلها في جيوبهم‪ .‬وقد رأيتم ما حّل بهذا الشعب المظلوم‪ ،‬وما ك ان‬
‫ينتظره ِم ن مصير‪.‬‬

‫واآلن‪ ،‬بعد أن تحّطمت األغالل‪ ،‬وُك ِس ر َطوق س لطة الق وى الك برى‪َ ،‬و ُأنِق ذت البالد من‬
‫أيديهم وأي دي عمالئهم‪ ،‬ب إرادة هللا تع الى وجه اد الش عب بفئات ه كّله ا؛ ِم ن َطَلب ة العل وم‬
‫الدينّية َو الجامع ات إلى الَك َس بة والعّم ال والفاّل حين‪ ،‬ف إّني أوص ي ه ذا الجي ل واألجي ال‬
‫القادمة باليقظة‪ ،‬كما أوصي الجامعّيين والشّبان الراشدين األعّز اء بأن يبذلوا غاية وسعهم‬
‫ِلَج عل عقد المحّبة واالنسجام مع علماء الِد ين وطلبة العلوم‬
‫اإلسالمّية أكثر استحكامًا‪ ،‬وأاّل يغفلوا عن مخّططات العدّو الغادر ومؤامراته‪ ،‬وليبادروا‪،‬‬
‫عند رؤيتهم َم ن يهدفون ِبأقوالهم أو ممارساتهم إلى َبذر بذور النف اق بينهم‪ ،‬إلى إرش ادهم‬
‫وُنصحهم‪ ،‬فإْن لم يرَعُو وا َفلُيعِر ضوا عنهم‪ ،‬ولَيفرض وا عليهم العزل ة ِلتطوي ق الم ؤامرة‬
‫‪| 110‬‬ ‫وَم نعها من التجُّذ ر؛ فإّنهم‪ ،‬إْن ُأتيحت لهم الفرصة‪ُ ،‬سرعان م ا يتمّك ن ون ِم ن العث ور على‬
‫نب ع َيس قيهم‪ .‬وك ذلك األم ر بالنس بة إلى األس اتذة‪ ،‬ف إْن ُو ج د بينهم َم ن يه دف إلى إيج اد‬
‫االنحراف َفلُيرِش دوه‪ ،‬ف إن لم يس تِج ب َفلينب ذوه ولَيط ردوه حّتى ِم ن قاع ة َدرس ه‪ .‬وه ذه‬
‫الوصفة موّجهة إلى الروحانّيين وطلبة العلوم الدينّية ِبنسبة أكبر‪ .‬وال بّد ِم ن الق ول‪ُ ،‬هن ا‪،‬‬
‫إّن المؤامرات التي ُتح اك في الجامع ات تمت از ِبعمقه ا الخ اّص ؛ ل ذا َو جب على الفئ ات‬
‫المحترمة جميعها‪ ،‬مّم ن يمّثلون عقل المجتمع المفّك ر‪ ،‬أن تحذر تلك المؤامرات»‪.1‬‬
‫«إّن ِم ن الخيانات التي حدَثت في هذا البلد َفْص ل الحوزة العلمّي ة عن الجامع ة؛ فاألس اتذُة‬
‫يخافون العلماَء ‪ ،‬وحوزاتنا تخشى الجامعات‪ .‬وعندما يدخل العلماء إلى الجامع ة‪ ،‬وي دخل‬
‫أساتذة الجامعة إلى الحوزات‪ ،‬يدركون ‪-‬عندئٍذ ‪ -‬أّية جريمة اقترفت بحّق ه ذا البل د‪َ .‬فك ان‬
‫إذا َذ هب أح دهما إلى حيث اآلخ ر‪ ،‬رأى نفس ه غريب ًا‪ ،‬أو في بيئ ٍة س ّيئة؛ والس بب في‬
‫إيصال األم ر إلى ه ذا الح ّد ه و أّنهم ك انوا يخش ون أن يك ون هن اك تق ارب بين ه اَتْين‬
‫الفئَتْين‪ .‬وقد َبذلوا جهودًا إعالمّية كب يرة ِم ن أج ل َز رع الخ وف بينهم ا‪ ،‬ألّنهم َي َر ون في‬
‫التقارب بين الحوزة والجامع ة‪ ،‬والتف اهم بينهم ا‪ ،‬انعكاس ًا ِلماهّي ة اإلس الم‪َ ،‬فَع مل وا على‬
‫َز رع العداوة بين هاَتْين الجبهَتْين اللَتْين تستطيعان حفظ البلد وإنقاذه ِم ن المشاكل‪ِ ،‬لَيصلوا‬
‫بذلك إلى هدفهم‪ .‬وقد رأينا كيف إّنهم حّققوا ذلك‪ .‬إّن تلك الدعايات السّيئة كّلها إّنم ا ك انت‬
‫ألّنهم كانوا يخافون‪َ ،‬و لكن َلو التقى أساتذُة الجامعة علماَء الحوزات العلمّية وأساتذتها‪،‬‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،21‬ص‪.371 - 370‬‬


‫ورأوا ما هو اإلسالم‪َ ،‬فلن ُيصابوا بالخوف‪ ،‬وَس ُيدركون َح جم المصيبة ال تي عانيناه ا في‬
‫تلك الفترات‪ ،‬وال سّيما في السنوات الخمسين األخيرة‪ ،‬إذ كّنا أع داء إِل خوتن ا‪ ،‬يعم ل ك ٌّل‬
‫ِم ّنا في سبيل إضعاف اآلخر‪َ .‬فال تغفلوا عن ضرورة إقامة العالقة بين الجامعة والفيضّية‬
‫‪| 111‬‬ ‫‪-‬الح وزة العلمّي ة في قّم المقّد س ة‪ -‬لتتمّك ن وا من ِح ف ظ بل دكم‪َ .‬ف إذا م ا س عى األس اتذة‬
‫الجامعّيون ومعّلمو الثانوّيات والمدارس إلى تعريف الطاّل ب والتالميذ الحوزاِت العلمّية‪،‬‬
‫وَس عى العلماء وطلبة الحوزة إلى التقريب بين الحوزة والجامعة‪َ ،‬غَدت هاتان الفئت ان ِم ن‬
‫العلماء ص الحَتْين ومنس جمَتْين‪ ،‬وال يمكن لبل دنا ‪-‬عندئ ٍذ ‪ -‬أن يع اني أّي نقص‪َ .‬ف إذا فس د‬
‫العاِلم‪ ،‬فسد العاَلم؛ أي إّن العاِلم ُيفسد العاَلم‪ ،‬ال جماهير الناس»‪.1‬‬

‫ضرورة اهتمام الجامعة بالمعنوّيات‬

‫«عليكم أن تّتجه وا بالجامع ة نح و هللا واألم ور المعنوّي ة‪ ،‬وأن ُتدّرس وا فيه ا ال دروس‬
‫المختلفة‪َ ،‬تقُّر ب ًا إلى هللا‪ .‬ف إن اس تطعتم الس ير في ه ذا الس بيل‪ ،‬وأَّد يتم ه ذا العم ل‪ ،‬ف أنتم‬
‫موّفق ون‪ ،‬س واء أحّققتم ه دفكم أم لم تحّقق وه‪ .‬أّم ا إذا ك ان العم ل ِم ن أج ل أنفس كم‪َ ،‬فِم ن‬
‫الممكن أن يك ون عمًال عادّي ًا يع ود ب النفع على غ يركم ال عليكم‪ ،‬أو أن يك ون ‪-‬أحيان ًا‪-‬‬
‫سهمكم منه الض رر وس هم غ يركم من ه المنفع ة‪ ،‬أو إّنكم ق د تنتفع ون من ه ويتض ّرر ب ه‬
‫اآلخرون‪ .‬رّبما أردتم القيام ِبعمل جّيد َو لم يتحّقق ذلك‪ ،‬بل حصل م ا ه و خالف إرادتكم‪.‬‬
‫َفعلينا أن نتذّك ر ‪-‬دائمًا‪ -‬هذا األمر‪ ،‬ونتنّبه إليه‪ِ ،‬لَنن ال التوفي ق في أمورن ا جميعه ا‪ .‬أن ا ال‬
‫أّد عي أَّن أمثالي ُأناس موّفقون‪ ،‬كاّل ؛ َفَنحن ‪َ-‬بنو البشر‪ -‬غير ك املين‪ ،‬وعلين ا أن نواص ل‬
‫الدراسة ِلُنحّص ل الكمال‪ .‬ولكّنن ا نعلم أّن ِم ث ل ه ؤالء األش خاص موج ودون بين الن اس‪،‬‬
‫َفاألنبياء (عليهم السالم) وأولياء هللا ك انوا ‪-‬على األق ّل‪َ -‬يعمل ون ِم ن أج ل هللا؛ ك ّل عم ل‬
‫قاموا به ك ان هلل‪ ،‬ال ِم ن أج ل الحص ول على الس لطة والحكم أو ش يء آخ ر‪ .‬وإن طلب وا‬
‫الحكم َفِم ن أجل إنقاذه‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.380 - 379‬‬


‫من أيدي الجائرين ِلُيقيموا العدالة اإللهّية‪ ،‬ال ِلَيكونوا ُهم الّحكام‪َ .‬و بما أَّن َعملهم ه ذا ك ان‬
‫إلهّيًا خالصًا‪ ،‬فقد كانوا ُهم أنفسهم إلهّيين‪ ،‬وكانت أعمالهم إلهّية كذلك‪ .‬أّم ا نحن َفناقص ون‬
‫‪-‬ونعترف أمام هللا تع الى أّنن ا ناقص ون‪ -‬وال نس تطيع الوص ول إلى مث ل ه ذا الكم ال أو‬
‫‪| 112‬‬ ‫الحصول عليه بهذا الشكل‪ ،‬ولكْن علينا أن َنضع هذا الهدف أمام أنظارنا‪ ،‬ونس عى إلى أن‬
‫تكون أعمالنا ِم ن أجل هللا‪ .‬آمل أن تكونوا ُم وّفقين في أن يكون لكم مثل هذا اله دف‪ ،‬حّتى‬
‫في األعمال التي لم تستطيعوا إنجازها‪َ ،‬فعندها ستنالون تأييد هللا تبارك وتعالى»‪.1‬‬

‫«العاِلم وأس تاذ الجامع ة الل ذان ال يتحّلي ان بته ذيب النفس ال يمنح ان س وى الفس اد‪َ .‬فق د‬
‫تع َّرض ش عبنا ‪-‬على م دى الت اريخ‪ -‬للك وارث‪ ،‬ألّن الِع لم لم يق ترن بالتربي ة األخالقّي ة‬
‫والدينّية والمعنوّية‪ .‬فإذا ُو ِج د ُر ْك نا الِع لم والتربي ة المعنوّي ة في الجامع ة َتمّخ َض ت عنهم ا‬
‫نتائج سليمة وراقية وبّناءة أيض ًا‪ ،‬وم ا ع انى بل دنا م ا ُيعاني ه اآلن‪َ .‬فق د ك انت المش اكل‬
‫جميعها ناجمة عن االنحرافات األخالقّي ة وانع دام ته ذيب النفس‪ ،‬إذ إّن م ا يص يب البالد‬
‫كّله من مصائب‪ ،‬وما ُيبت دع من أفك ار‪ ،‬إّنم ا يص نع م ا يهل ك الن اس‪ ،‬كالم دفع والدباب ة‬
‫والصاروخ وأمثالها‪ .‬ذلك كّله ألّنهم ال يملكون التربية الروحّية؛ ال ألّن ه ؤالء مس يحّيون‬
‫‪َ-‬فالمسيحّي يلتزم بتعاليم السّيد المسيح (عليه السالم) التربوّية‪ -‬وال ألّنهم يه ودًا ‪-‬ف اليهود‬
‫ترّبوا على تعاليم موسى (عليه السالم)‪ -‬وال ألّنهم مسلمون ‪-‬فالمسلمون ترّبوا على تعاليم‬
‫اإلسالم الروحّية‪ .-‬يّد عي كثيرون أّنهم يريدون السالم للعاَلم‪ ،‬ولع ّل ال دول العظمى أك ثر‬
‫اّد عاًء من غيرها‪ ،‬وكذلك األنبياء (عليهم السالم)‪َ ،‬دعوا إلى نشر السالم في الع اَلم‪ ،‬ولكن‬
‫أّيهما كان صادقًا؟ ثّم ة برنامج في إذاعة إسرائيل يّد عي أّن الصهاينة والمجرمين جميعهم‬
‫يعمل ون ِم ن أج ل هللا والحقيق ة والس الم‪ ،‬وأّنهم حم اة للمظل ومين؛ ه ذا اّد ع اؤهم‪ ،‬وذل ك‬
‫عملهم‪ .‬واألمركان أيضًا يّد عون ذلك‪ ،‬فيؤّد ون في كنائسهم‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.385‬‬


‫الطقوس الكنسّية‪ ،‬ويرّد دون كالم الكنائس‪ ،‬ولكن ما الذي يقومون ب ه عملّي ًا؟ أنتم َت َر ون‪،‬‬
‫وأنا أتعّجب‪ .‬فالمسيح (عليه السالم) دعا إلى تهذيب النفس والتربية الروحّية‪ ،‬لكّن أتباع ه‬
‫أسوأ ِم ن اليهود ‪-‬مع أّنه ال يمكن القول إّن هن اك أس وأ من اليه ود؛ أي إس رائيل‪َ .-‬فكي َف‬
‫‪| 113‬‬ ‫أص بح أتباع ه رؤس اء البالد‪ ،‬ومّم ن يحرق ون البش ر؟ الج واب ه و أّنهم غ ير مه ّذ بي‬
‫النفوس‪َ ،‬فِع لمهم هو ِع لم السياسة والصناعة‪ ،‬يملكون كّل شيء إاّل م ا يجب أن يتحّل وا ب ه‬
‫من خص اٍل ته ّذ ب نف وس البش ر وُتفي دهم؛ ُهم ال يحمل ون أخالق عيس ى المس يح (علي ه‬
‫السالم) وال أخالق موسى الكليم (عليه السالم) وال أخالق اإلسالم»‪.1‬‬

‫ضرورة إصالح الجامعات‬

‫«عليكم السعي في إصالح هذه الجامعة‪ ،‬واعَلموا أّن اإلسالم يس تطيع إص الحها‪َ .‬فعن دما‬
‫نراقب أطفالنا من المرحلة االبتدائّية‪ ،‬وُنرّبيهم منذ الطفولة‪ ،‬ف إّن مش اكل الجامع ة س وف‬
‫ُتحّل‪ .‬وأنا آمل ‪ِ-‬بَس عي األس اتذة والمعّلمين‪ -‬أْن يتخ ّرج في ال دورات الدراس ّية أش خاص‬
‫ملتزمون ُيفّك رون في مصلحة بالدهم‪ ،‬وال ُيبالون برضى الدول األجنبّية أو عدم رضاها‪.‬‬
‫َفأنتم تعلمون أَّن بعض الذين ترَّبوا في الجامعة ‪-‬مع أّن بعضهم يقيمون الصالة‪ -‬يعتق دون‬
‫بوجوب إشراف الدول األجنبّية على إيران‪ ،‬ويقولون إَّن إي ران ال تس تطيع إدارة نفس ها؛‬
‫أال يس تطيع اإلي رانّي ‪-‬ال ذي حاف ظ على نفس ه على ال رغم من الض غوط كّله ا‪ ،‬وص ّد ر‬
‫ثورته‪ ،‬وأيقظ الشعوب األخرى‪ -‬إدارة نفسه بنفسه؟ لماذا؟ يجب أْن تعَلموا أّن ه يجب على‬
‫الجامعات أْن تتبع مس ير الش عب‪َ ،‬فال تس تطيع الجامع ة َف رض م ا ال يري ده علي ه‪ .‬وأنتم‬
‫تالحظون كيف أَّن جماهيرنا المليونّي ة تح ّو لت‪ ،‬وأدركت وج وب مواجه ة المتغط رس‪.‬‬
‫يجب أن تكون الجامعة مركزًا ِلُنمّو مثل ه ذا األم ر‪ ،‬لكّنه ا ‪-‬م ع األس ف‪ -‬لم تكن ك ذلك‪.‬‬
‫وآمل ‪-‬باألعباء التي تتحّم لونها أنتم والمجلس األعلى للثورة الثقافّية‪ -‬أْن‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.379 - 378‬‬


‫نشاهد جامعة شعبّية‪ ،‬ال جامعة أجنبّي ة‪ .‬يجب علين ا أْن ن رّبي ش ّباننا ِلَيفهم ُم س لمو ال دول‬
‫األخرى أَّن التربية‪ ،‬هنا‪ُ ،‬م فيدة‪ .‬واعلموا أْن َلو عملت الجامعة ِبش كٍل ص حيح‪َ ،‬فعَر ض ت‬
‫نفسها على العالم‪َ ،‬و َفِهم الن اس أَّن الجامع ة في إي ران تعم ل لص الح إي ران ال األج انب‪،‬‬
‫‪| 114‬‬ ‫َفسيأتي ُم سلمو الدول األخرى إلى هنا َح تمًا‪.‬‬

‫ال فائدة ِم ن الِع لم وحده‪ ،‬بل بالعلم وااللتزام َم عًا يتمّك ن اإلنسان من الوص ول إلى االكتف اء‬
‫الذاتّي ‪ ،‬بحيث ال يحتاج إلى اآلخرين‪ ،‬ويكون عند هللا وجيهًا‪ .‬وبالطبع‪ ،‬تستتبع هذا العم َل‬
‫مشاكُل ومرارات؛ إذ ال يمكن أن يرضى الجميع عن كُّل َم ن يريد أْن يق ّد م عمًال إيجابّي ًا‪،‬‬
‫ويتقَّبلون عمله‪ .‬فِم ن الممكن أْن يكون العمل الحّق ُم ّر ًا في أذواق بعض الن اس‪ ،‬ولكَّن َم ن‬
‫َيْتبع الحّق ‪ ،‬ويعمل لرضى هللا‪ ،‬ال يبالي بما قيل وما يقال ل ه‪ .‬يجب أْن ُي راقب رض ى هللا‬
‫وُيعمل من أجله‪ ،‬ولَيُقل أّي كان ما يقول‪ِ .‬للَع مل الَحَس ن ُم عارض ون‪ ،‬ولكن اس عوا إلى أْن‬
‫يكون َعملكم َح َس نًا‪ ،‬وُس ْم عتُك م َح َس نة عند هللا‪َ ،‬فعندما تكونون كذلك‪ ،‬فإّن هللا سوف ُيسّد دكم‬
‫ويحُّل مشكالتكم‪َ .‬فَلو صلَح ت الجامعة َص ُلَح المجتمع والبلد»‪.1‬‬

‫«أّيها السادة‪ ،‬تعلمون أّن إصالح الجامعات في أّي بلد يع ني إص الح ذل ك البل د‪ ،‬ألّن َم ن‬
‫َيش غل المناص ب التنفيذّي ة أو التش ريعّية أو القض ائّية ُهم الج امعّيون أو رج ال ال دين؛‬
‫َفِبإصالح الجامع ة تص لح أم ور البالد‪ ،‬وبانحرافه ا تنح رف‪َ .‬و حّتى َل و ك ان ثّم ة أس تاذ‬
‫منحرف واحد‪ ،‬فإّن أثره قد يكون كبيرًا على مستوى البلد‪ ،‬ألّنه يمكن أن ُيس ّبب انح راف‬
‫َج مٍع ِم ن الشباب‪ ،‬الذين يقومون ‪-‬على المدى البعيد‪ِ -‬بالدور نفسه‪َ ،‬فتظهر ‪-‬فج أًة‪ُ -‬م ش كلة‬
‫كبرى‪ .‬لذا‪ ،‬إّن أهّم قضّية في عملّية إصالح الجامع ة والث ورة الثقافّي ة هي قض ّية أس اتذة‬
‫الجامع ات والمعّلمين‪ ،‬وك ذلك الَطَلب ة‪ِ ،‬م ن المس تويات األولى إلى المس تويات العلي ا‪،‬‬
‫وصوًال إلى‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.199 - 198‬‬


‫الجامعة‪ ،‬حّتى يكون هؤالء الناشئين في أيدي أناس ُم لتزمين‪ ،‬ولكي تس تطيع الجامع ة أن‬
‫َتبنيهم جّيدًا‪.‬‬

‫‪| 115‬‬ ‫إّن الض ربات ال تي تلَّقيناه ا حّتى اآلن ك انت ِم ن الجامع ات‪ ،‬إذ إّنه ا لم تكن جامع ات‬
‫ُم لتزمة‪َ .‬فُم ضافًا إلى أّن الجامعة لم تنزع منزعًا دينّيًا‪ ،‬لم َيكن لديها اّتج اه وط نّي ‪َ ،‬فس عى‬
‫أولئك الذين يريدون نهب بالدنا إلى القضاء على كّل شيء فيها وَج ِّر ها نح و االنح راف‪.‬‬
‫إّنهم يعملون في كّل مكان‪ ،‬خاّص ًة في الجامعات‪َ ،‬فإذا ما كانت الجامعة في خدمة الغرب‪،‬‬
‫فإّن البالد س تكون ك ذلك‪ .‬ل ذا‪ِ ،‬م ن أهّم األم ور أن تنظ ر الجامع ات في ش ؤون األس اتذة‬
‫والمعّلمين والَطلبة‪ِ ،‬لَم عرفة أمورهم قبَل الثورة وبعَدها‪ ،‬وم ا ُهم علي ه اآلن‪ .‬يجب العم ل‬
‫على أساس َفتِح الجامعات بأيدي أش خاص مل تزمين‪َ ،‬فال ب ّد ِم ن َفتح الجامع ات‪ ،‬ولكن ال‬
‫يتصّو ر أحد أّن هذا َو حده َس ُيزيل العقب ات جميعه ا؛ إّن الجامع ة الجّي دة هي ال تي تزي ل‬
‫العقبات‪ .‬كما إّن انعدام الجامعة السّيئة َخ ير ِم ن وجودها‪ ،‬ألّن ع دم وج ود الجامع ة يع ني‬
‫جه ل الن اس‪ ،‬ولكّن وج ود الجامع ة الفاس دة يع ني تربي ة المعان دين والمخ الفين للش عب‬
‫واإلسالم»‪.1‬‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،15‬ص‪372 - 371‬‬


‫األمر الثالث‪ :‬المعّلمون‬
‫تقع قيمة التربي ة والتعليم على رأس أولوّي ات المجتم ع اإلس المّي ‪ ،‬ألّن اله دف األقص ى‬
‫لألنبياء (عليهم السالم) واألولياء هو قيادة الناس إلى الكم ال اإلنس انّي ال ذي عّبرن ا عن ه‬
‫‪| 116‬‬ ‫في الفصل السابق بالعبودّية‪ ،‬وهو أمٌر ال يتحّقق إاّل في ظّل التعليم والتربية‪َ .‬و ق د َأنش أت‬
‫المجتمعات‪ ،‬من أجل هذه الوظيفة العظيم ة‪ ،‬مؤّسس ات تعليمّي ة‪ ،‬كالم دارس والجامع ات‬
‫والحوزات‪َ ،‬و كان األستاذ هو الركن األساسّي فيها؛ َفم ا لم يكن األس تاذ حاوي ًا للكم االت‬
‫الضرورّية التي تستوجبها هذه الوظيفة‪ ،‬لن تتحّقق الغاي ة ِم ن التعليم والتربي ة‪َ .‬و التربي ة‪،‬‬
‫هنا‪ُ ،‬م قَّد مٌة على التعليم‪ ،‬ألّن اإلنسان المتعّلم‪ ،‬م ا لم يكن ُم ه ِّذ بًا لنفس ه وُم ظِه رًا لألخالق‬
‫والقيم اإللهّية‪َ ،‬س يكون‪ ،‬بالعلم نفسه الذي يحمله‪َ ،‬س ببًا لألضرار والمفاسد‪.‬‬

‫ِم ن هذا المنطلق‪ ،‬سعى اإلمام الخمينّي (قدس سره)‪ ،‬بعد انتصار الثورة اإلسالمّية‪ ،‬إلى‬
‫َج عل ش‪11‬ريحة المعّلمين ِم ن أولوّيات‪11‬ه‪َ ،‬ف ذكر‪ ،‬في الكث‪11‬ير من بيانات‪11‬ه وخطابات‪11‬ه‪ ،‬الرؤي‪11‬ة‬
‫التي يجدها كفيلة بحفظ المؤّس سات التعليمّية وَج ْع لها سبيل تكامٍل للفرد والمجتمع‪ .‬وفي‬
‫ما يأتي العناوين التي رّتبها اإلمام (قدس سره) ِلُر ؤيته‪:‬‬

‫‪ .1‬بيان المسؤولّية العظيمة للمعّلم‬

‫‪ .2‬الربط بين وظيفة المعِّلم ووظيفة األنبياء (عليهم السالم)‬

‫‪ .3‬التفريق بين التعليم الذي يريده هللا تعالى ونمط التعليم الماّد ّي‬

‫‪ .4‬بيان ضرر المعِّلم غير المهّذ ب لنفسه‬

‫‪ .5‬بيان أثر التعليم على المجتمعات وُرقّيها وسعادتها أو شقائها‬

‫‪ .6‬بيان الخصائص الفطرّية للمتعّلمين‬

‫‪ .7‬ضرورة تقديم التربية على التعليم‬


‫المقام الرفيع للمعِّلم ومسؤولّيته الكبيرة‬

‫«إّن مقام المعّلم مق ام رفي ع‪َ ،‬فال مق اَم أس مى ِم ن مق اٍم عّظم ه هللا تب ارك وتع الى ولكّن ه‬
‫‪| 117‬‬ ‫يتحّم ل مسؤولّية جسيمة وعظيمة؛ فكّلما كان المقام أسمى كانت المسؤولّية أكبر‪.‬‬

‫إّن مس ؤولّية تربي ة الش باب مس ؤولّية عظيم ة‪ ،‬وعلى أبن اء الش عب أن يكون وا معِّلمين‬
‫ألبنائهم‪ ،‬بل يجب على أتب اع اإلس الم جميعهم أن يكون وا معِّلمين‪ ،‬وأن يكون وا ُم تعِّلمين‪.‬‬
‫النس اء أيض ًا يجب أن َيُك ّن ُم عّلم ات‪َ ،‬فَيعملَن على تربي ة أبن ائهّن في أحض انهّن ‪ِ ،‬م ث ل‬
‫األس اتذة والمعِّلمين‪ .‬واآلب اء يجب أن يكون وا ُم عّلمين ألبن ائهم‪ُ .‬أَس ركم يجب أن تك ون‬
‫مدارس لتعليم أحكام اإلسالم وتهذيب أخالق الصغار؛ عليكم أن ُتق ّد موا ص غارًا ُم ه َّذ بين‬
‫إلى المعِّلمين‪ ،‬وعلى المعِّلمين أن يهّذ بوهم أكثر فأكثر»‪.1‬‬

‫«إّن المعِّلمين هم المرّبون لّلذين سُيمِس كون بمقّد رات البلد؛ أي إّن مفتاح س عادة البل د ِبَي د‬
‫المعِّلم وِبَيد الجامعّي ‪ .‬فالمعِّلم ُيرّبي الشباب‪ ،‬والشباب ُيديرون البلد‪ .‬لذا‪ ،‬فإّن وجود أّي بلد‬
‫في العالم‪ ،‬أو أّية دولة‪ُ ،‬م رتبط بالجامعّي والمعِّلم‪ .‬إّن مفتاح السعادة ِبَيد المعِّلم‪َ ،‬فِبمقدار ما‬
‫يكون عظيمًا‪ ،‬تكون مسؤولّيته عظيمة‪ ،‬وبمقدار ما يكون العاِلم عظيمًا‪ ،‬تك ون مس ؤولّيته‬
‫كبيرة‪َ ،‬و ال فرق في هذا بين أن يكون عاِلمًا في الجامعات أو الحوزات‪.‬‬

‫كّلما زادت َع َظمة اإلنسان زادت مسؤولّيته بالمق دار نفس ه‪ ،‬وإذ إّن َع َظم ة المعِّلم كب يرة‪،‬‬
‫فمسؤولّيته كبيرة أيضًا؛ َع َظمته كبيرة ألّن ه ي رّبي الش باب‪ ،‬فالطاق ة الش بابّية تتّم تربيته ا‬
‫على يد المعِّلم‪ .‬ومسؤولّيته كبيرة ألّنه إذا ما رّبى الشباب والطاقة الشبابّية تربيًة ص الحة‪،‬‬
‫فإّن مستقبل البلد سيكون جّيدًا‪َ ،‬و سَتعُّم ه السعادة‪ .‬أّم ا إذا كان ثّم ة انحراف‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.123‬‬


‫عند المعِّلمين‪ ،‬وكانت التربية ُم نحرفة‪ ،‬فإّن الفساد سينتشر في البلد‪َ .‬فكم ا أّن ش أنكم ‪-‬أنتم‬
‫أّيها الشباب‪ -‬كبير ألّنكم َطَلبة‪َ ،‬تدرسون ثّم تكونون ‪-‬إن شاء هللا‪ -‬معّلمين‪َ ،‬و كما أّن عملكم‬
‫عمل شريف وعظيم‪ ،‬فإّن مسؤولّيتكم مسؤولّية كبيرة أيضًا»‪.1‬‬
‫‪| 118‬‬
‫«إّن ال ذين َيعمل ون عم َل األنبي اء (عليهم الس الم) جميعهم تق ع على ع اتقهم مس ؤولّية‬
‫جسيمة‪َ .‬فمسؤولّية المعِّلمين مسؤولّية عظيم ة‪ ،‬كم ا إّن مس ؤولّية علم اء ال دين مس ؤولّية‬
‫عظيمة؛ أي إّن ثّم ة مس ؤولّية واح دة تق ع على ع اتق الجمي ع‪ ،‬مس ؤولّية أم ام هللا‪َ .‬ف أنتم‬
‫مسؤولون عن الذين يحضرون في ص فوفكم وَيقع ون تحت ت ربيتكم وإش رافكم ِم ن أج ل‬
‫َتنشئتهم تنشئة إنسانّية‪ ،‬ومعِّلمو العل وم القديم ة ‪-‬أيض ًا‪ -‬مس ؤولون عن ال ذين يحض رون‬
‫عندهم من أجل إعدادهم إعدادًا إنسانّيًا‪ .‬فإذا أنجزتم هذا العمل بشكٍل صحيح ُمِنحُتم ش رفًا‬
‫كبيرًا‪ ،‬وُك نتم قد هّيأُتم لبل دكم وش عبكم ب واعث الفخ ر واالع تزاز‪ ،‬إذ ال يمكن لبل ٍد ي رّبي‬
‫أبناءه تربية سليمة أن يقبل الخضوع لالستعمار‪ .‬لذا‪ ،‬فإّن الذين يريدون أن يبقى هذا البل د‬
‫‪-‬أو باألحرى بالد الشرق‪ -‬تحت نفوذهم ِلَينهبوه‪ ،‬قاموا ب الهجوم على ه اَتْين الفئَتْين؛ فئ ة‬
‫علماء العلوم القديمة‪ ،‬وفئة العاملين في حقل التعليم‪ .‬غايَة األمر أّن الهجوم ك ان ص ريحًا‬
‫مكشوفًا حينًا‪ ،‬وخفّيًا مستورًا حينًا آخر»‪.2‬‬

‫«إّن المعِّلمين َيِقفون في صٍّف واحد مع معّلمي العلوم القديمة؛ أي إّن عمل علماء اإلسالم‬
‫‪َ-‬و ُهم ُم عّلمو العلوم اإلس المّية‪ -‬ه و عم ل المعّلمين نفس ه‪ .‬وه ذا العم ل أش رف األعم ال‬
‫وأعظمها مسؤولّية‪ ،‬ألّنه تربيٌة لإلنسان‪ ،‬وهو العمل ال ذي ج اء من أجل ه األنبي اء (عليهم‬
‫السالم) جميعهم‪ .‬إّن القرآن كتاب تربية اإلنسان‪ ،‬وقد َنزل ِم ن أجل إعداده؛ لذا فإّن العمل‬
‫الذي يقوم به المعّلمون ‪-‬سواء أكانوا ُم عّلمي العلوم القديمة‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.196‬‬


‫‪ 2‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.312‬‬
‫أم سائر العلوم‪ -‬هو بناء اإلنسان أيضًا‪َ .‬و إذا أعددنا اإلنسان‪َ ،‬نج ا بل دنا‪َ .‬فال ذين يمس كون‬
‫بمق ّد رات ال دول ُهم أن اٌس ع ادّيون‪ ،‬غاي ة األم ر أّن بعض هم ذو ظ اهر إنس انّي وب اطن‬
‫ش يطانّي ‪ ،‬وبعض هم حقيقّي ون عظم اء َيظه رون دائم ًا ِم ن بين أه ل الِع لم‪ .‬إذًا‪ ،‬إّن ال ذين‬
‫‪| 119‬‬ ‫يس تطيعون إنق اذ الش عوب وإحي اء البالد وإعم ار ال دنيا واآلخ رة لُألمم ُهم المعِّلم ون‪،‬‬
‫فالتعليم َم صنع اإلنسان‪َ ،‬و األنبياء (عليهم الس الم) ُبِع ث وا من أج ل ه ذا األم ر؛ أي تربي ة‬
‫اإلنسان»‪.1‬‬

‫التعليم عمل األنبياء (عليهم السالم)‬

‫«إّن التعليم أهّم ما ُك ّلف ب ه األنبي اء (عليهم الس الم) ال ذين أرس لهم هللا‪ ،‬ف وظيفتهم تربي ة‬
‫اإلنس ان‪َ .‬ف األقرب إلى مق ام اإلنس انّية هم األق رب إلى األنبي اء (عليهم الس الم)‪ِ .‬ع ن دما‬
‫تساَء ل المالئكة عن سبب َخ ْلق اإلنسان‪ ،‬م ع أّن ه س يكون ُم فس دًا في األرض‪ ،‬أج ابهم هللا‬
‫تع الى‪ :‬إّني أعلم م ا ال تعلم ون‪ .‬ثّم َع ّلم هللا آدم (علي ه الس الم) األس ماء كّله ا‪ ،‬وعن دما‬
‫ُع رَض ت على المالئكة َعرفوا أّنهم ال يستطيعون إدراك الحق ائق كم ا ُي دركها آدم (علي ه‬
‫السالم)‪َ .‬فِم ن البداية‪ ،‬جاء آدم (علي ه الس الم) ب التعليم اإللهّي ‪َ ،‬و ك ان معِّلم ًا للبش ر‪ ،‬كم ا‬
‫األنبياء (عليهم السالم) كّلهم‪َ .‬و التعليم َعمل عاّم يشمل األنبي اء (عليهم الس الم) واألولي اء‬
‫والفالسفة واألئّم ة (عليهم الس الم) والعلم اء واألس اتذة والمعِّلمين‪ ،‬ونحن ِم نهم ‪-‬إن ش اء‬
‫هللا‪َ .-‬فهذا العمل عظيم للغاية؛ إّنه عمل بن اء اإلنس ان وإع داده‪ ،‬عم ل ال ت رقى إلي ه بقّي ة‬
‫األعمال ألّنه ا مرتبط ة بج وانب أخ رى‪ ،‬إذ ال يوج د في الع الم موج ود َيص ل إلى مق ام‬
‫اإلنسان‪ ،‬وال عمل يوازي عمل بناء اإلنسان‪ .‬إذًا‪ ،‬هو عمل عظيم جّد ًا‪ ،‬وشريف للغاية»‪.2‬‬

‫«يجب على المعِّلمين أن يلتفتوا‪ ،‬أّو ًال‪ ،‬إلى أّن عملهم ه و عم ل األنبي اء (عليهم الس الم)‪،‬‬
‫وإلى أّن مس ؤولّيتهم هي مس ؤولّية األنبي اء (عليهم الس الم)‪ ،‬ثاني ًا‪ .‬إّن األنبي اء (عليهم‬
‫السالم) كانوا مسؤولين‪ ،‬وكانوا يقومون بمسؤولّياتهم بشكٍل‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪310‬‬


‫‪ 2‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪311 - 310‬‬
‫صحيح‪ ،‬ويؤّد ون ما عليهم بشكٍل تاّم ‪ ،‬وينجح ون في االمتح ان‪ ...‬ك انوا مكَّلفين بالتربي ة‪،‬‬
‫وقد قاموا بها وَع ِم لوا على َقدر استطاعتهم‪ .‬وأنتم أيضًا تتحّم لون أعب اء ه ذه المس ؤولّية‪،‬‬
‫ولكم الشرف نفسه‪َ.‬فكأّن التعليم ظّل للنبّو ة‪ ،‬والمعّلمين ظّل للن بّي (ص لى هللا علي ه وآل ه)‪،‬‬
‫‪| 120‬‬ ‫َو يجب على الظّل أن يعم ل بالكيفّي ة نفس ها ال تي يعم ل به ا ص احب الظ ّل‪ .‬وإّنم ا أق ول‬
‫«ظّل» ألّن الظّل ال ينبغي أن يكون عن ده ش يء ِم ن نفس ه‪َ ،‬فعن دما يق ع ظ ّل ش يء على‬
‫األرض‪ ،‬فإَّن حركته تكون حركة ذلك الش يء‪ .‬وم ا يقولون ه ِم ن أّن الس لطان ه و «ظ ّل‬
‫هللا» هو أفضل تمثيل‪َ ،‬و ل و أّنن ا تص َّو رناه الس تطعنا تمي يز الح ّق ِم ن الباط ل؛ َفظ ّل هللا‬
‫يتحّقق عندما تكون حركت ه حرك ة هللا‪ ،‬من غ ير أن يك ون ل ه ِم ن نفس ه ش يء‪ .‬إّن الن بّي‬
‫األك رم (ص لى هللا علي ه وآل ه) ظ ّل هللا‪ ،‬ألّن ه‪َ﴿ ...‬و َم ا َرَم ۡي َت ِإۡذ َرَم ۡي َت َو َٰلِكَّن ٱلَّل َه َرَم ٰى ﴾‪،1‬‬
‫وأولئك الذين بايعوك ﴿ُيَباِيُعوَن ٱلَّلَه﴾‪2‬؛ َفَبيعة النبّي (صلى هللا عليه وآله) بيع ة هللا‪ ،‬لم اذا؟‬
‫ألّن ما كان عند النبّي (صلى هللا عليه وآله) كّله هو ِم ن عند هللا‪ ،‬وما ك ان ي راه كّل ه َفه و‬
‫هللا‪ .‬إذ إّن ك ّل حرك ة يق وم به ا األنبي اء (عليهم الس الم) تك ون ُم طابق ة لرض ى هللا‪َ ،‬فُهم‬
‫يتحّر كون بحركته‪ ،‬يتحّركون ِبتحريكه‪ ،‬ال ِم ن عن د أنفس هم‪ .‬وأنتم أيض ًا أّيه ا المعِّلم ون‪،‬‬
‫يجب أن تكونوا ظّل األنبياء (عليهم السالم)»‪.3‬‬

‫«أّم ا عن َدور المعِّلم‪َ ،‬فهو كدور األنبياء (عليهم السالم)‪ ،‬إذ إّنهم معّلمو البش رية جمع اء‪،‬‬
‫وَدورهم حّساس ومهّم ‪ ،‬ألّن مس ؤولّية جس يمة تق ع على ع اتقهم‪ ،‬هي مس ؤولّية التربي ة‪،‬‬
‫َو اإلخراج ِم ن الظلمات إلى النور؛ ﴿ٱلَّل ُه َو ِلُّي ٱَّل ِذ يَن َءاَم ُن وْا ُيۡخ ِر ُج ُه م ِّمَن ٱلُّظُلَٰم ِت ِإَلى ٱلُّنوِۖر ﴾‪.4‬‬
‫فاألنبياء (عليهم السالم) يخرجون الناس ِم ن الظلم ات إلى الن ور‪ ،‬وَي دعونهم إلى الكم ال‬
‫والمحّبة‪ .‬إّنهم يمّثلون ال دين اإللهّي في األرض‪َ ،‬و عملهم تربي ة البش رّية وتعليمه ا كيفّي ة‬
‫الترّفع عن المراتب الحيوانّية‪ ،‬لترتقي إلى المراتب‬

‫‪ 1‬سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.17‬‬


‫‪ 2‬سورة الفتح‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬
‫‪ 3‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.311‬‬
‫‪ 4‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.257‬‬
‫اإلنسانّية؛ فلإلنسان مقامات عديدة‪ ،‬أّو لها مق ام الحيوانّي ة‪َ .‬و اإلنس ان‪ِ ،‬م ن غ ير تربي ٍة‪ ،‬ال‬
‫يختلف عن الحيوان‪ ،‬بل قد يكون أخطر منه‪ ،‬إذ إّنه يرتكب بحّق أبناء نوع ه ِم ن الج رائم‬
‫ما ال يرتكبه أّي حيوان وحشّي ‪.‬‬
‫‪| 121‬‬
‫لقد ُبعث األنبياء (عليهم الس الم) ِلُينِق ذوا اإلنس ان ال ذي ت دّنى إلى مرحل ة خط يرة ته ّد ده‬
‫وتهّد د البشرّية جمعاء‪ ،‬فُيرّبوه وَيسموا به إلى مستوى اإلنسانّية‪ ،‬بعد أن تدّنى إلى مستوى‬
‫الحيوانّية‪ .‬وِم ن بع د األنبي اء (عليهم الس الم) ي أتي َدوركم أنتم أّيه ا المعِّلم ون ‪-‬وّفقكم هللا‬
‫تعالى‪َ -‬فَيقع على عاتقكم الَدور نفسه‪ ،‬إذ إّن َعملكم هو إخ راج األطف ال ِم ن الظلم ات إلى‬
‫النور‪ ،‬والتعليم والتربية اإلنسانّية‪-‬اإلسالمّية‪َ ،‬و إنقاذهم ِم ن األخالق الفاسدة‪ ،‬وتلك األحالم‬
‫واألوهام التي تج ّر هم إلى الفس اد‪ ،‬وَت ربيتهم تربي ًة ص الحة‪ .‬أنتم أّيه ا المعِّلم ون ت ؤّد ون‬
‫عمًال نبيًال للغاية‪ ،‬هو عمل هللا تع الى واألنبي اء (عليهم الس الم)‪ ...‬تأخ ذون على ع اتقكم‬
‫مسؤولّية جسيمة هي مسؤولّية األنبياء (عليهم الس الم)‪ .‬لق د نجح وا في عملهم‪ ،‬إذ َع ِم ل وا‬
‫بما ُبعثوا ِم ن أجله‪ ،‬واآلن جاء دورن ا ِلنعم ل برس التنا؛ َفل و خ رج ‪-‬ال س مح هللا‪ -‬ه ؤالء‬
‫األطفال ِم ن مدارسهم‪ِ ،‬م ن غير أن يتلّقوا التربية اإلسالمّية اإلنسانّية‪ ،‬فإّن َتِبع ة ذل ك تق ع‬
‫على عاتقكم‪ .‬رّبما يستطيع إنسان واحد صالح تربية العالم‪ ،‬وقد يجّر شخص فاس د الع الم‬
‫إلى الفساد‪ ،‬فالفساد والصالح يخرجان ِم ن أحضان مدارسكم‪ِ ،‬م ن التربي ة ال تي تق ّد مونها‬
‫ِلتالمذتكم»‪.1‬‬

‫«تقَع على عاتق هاَتْين الش ريحَتْين ‪-‬الط الب والمعّلم‪ -‬وظ ائف وواجب ات يمليه ا عليهم ا‬
‫اإلسالم‪ِ ،‬لما تتطّلبه اإلنسانّية من الرقّي والتقّد م والتدّرج في درج ات الِع لم‪ ،‬للوص ول إلى‬
‫اإلنسانّية الكاملة‪.‬‬

‫لق د تحّم ل األنبي اء (عليهم الس الم) وأولي اء هللا‪ ،‬من ذ ب دء الخليق ة حّتى اآلن‪ ،‬الكث ير ِم ن‬
‫المصاعب في سبيل االرتقاء بمكانة اإلنسان والوصول ب ه إلى مس توى اإلنس ان الكام ل‬
‫بالمعنى الحقيقّي ‪َ .‬فَلو بحثنا في الكتب‬

‫‪ 1‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.232 - 231‬‬


‫السماوّية جميعها التي نزلت على األنبي اء (عليهم الس الم)‪َ ،‬لَو ج دنا أّنه ا أّك دت ‪ِ-‬م رارًا‪-‬‬
‫أهّم ّية تربية اإلنسان وهدايته وتهذيبه‪ِ ،‬ليأخذ مكانه الطبيعّي كأفضل المخلوقات‪ ،‬وَح ّذ رت‬
‫‪-‬أيضًا‪ِ -‬م ن ترك هذا المخلوق من دون هداية وتربية‪ ،‬ألّنه س يتحّو ل ‪-‬حينه ا‪ -‬إلى أخط ر‬
‫‪| 122‬‬ ‫مخلوق‪ِ .‬م ن هذا المنطلق‪ ،‬قامت النهضات اإلس المّية والتوحيدّي ة ِم ن أج ل هداي ة البش ر‬
‫ِباإلسالم‪ ،‬كدين جاء ِلَيرفع منزلة اإلنسان وَيصل به إلى الكمال واإلنسانّية الحقيقّية‪.‬‬
‫إّن طبيع ة اإلنس ان‪ ،‬والص راع بين الح ّق والباط ل في داخل ه‪ ،‬تجعل ه مخلوق ًا خط يرًا‬
‫وفاسدًا‪ ،‬ما لم تتّم ِه دايته وتربيته؛ لذا َبعث هللا األنبياء (عليهم السالم)‪ ،‬إذ عملوا على منع‬
‫ظهور الفساد وُنشوب الحروب ومواجهة مشاكل أخرى‪ ،‬كالتي نشهدها في عاَلمن ا الي وم‪.‬‬
‫إذًا‪َ ،‬ح مل األنبياء (عليهم السالم) لواء الهداية‪ ،‬للوص ول باإلنس ان إلى الكم ال‪ ،‬وتنزيه ه‬
‫عن اآلثام‪ ،‬بدًال ِم ن الغوص في الخطايا ونشر الفساد في العالم‪ِ .‬م ن هنا‪ ،‬يمكننا أن نس ّم ي‬
‫األنبي اَء (عليهم الس الم) معّلمين والبش َر ُطاّل ب ًا‪ ،‬إذ إّنهم‪ ،‬بال دعوة إلى هللا‪َ ،‬يس عون إلى‬
‫هداية اإلنسان إلى الصراط المستقيم‪.‬‬

‫بن اء على م ا ذكرن ا‪ ،‬فإّنن ا ال يمكن أن نحص ر كلم ة «معّلم» ب المعّلمين في الجامع ات‬
‫والمدارس‪ ،‬وك ذلك كلم ة «ط الب»‪ ،‬ألّن الع الم بأجمع ه جامع ة كب يرة‪ .‬ولكن يمكنن ا أن‬
‫ُنصّنف األفراد إلى فئَتْين‪ُ :‬م عّلمين وُم تعّلمين؛ األولى تهدي المجتم ع وتعم ل على تربيت ه‬
‫وتعليمه‪ ،‬والثانية تنطلق نحو مناهل الِع لم والتربية»‪.1‬‬

‫سعادة األمم وشقاؤها ِبَيد المعّلمين‬

‫«ولكن ثّم ة مس ؤولّية كب يرة تق ع على ع اتق المعّلمين‪َ ،‬فكّلم ا ك ان العم ل عظيم ًا ك انت‬
‫المسؤولّية عظيمة‪ .‬إّنهم مسؤولون عن المقّد رات والحوادث جميعها التي َت ِر د على البل د‪،‬‬
‫وعن الناس جميعهم الذين‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪.133 - 132‬‬


‫يجب أن ُيصبحوا ُأناسًا‪ ،‬وعن الش باب جميعهم ال ذين ينبغي أن تتّم ت ربيتهم على أي ديهم؛‬
‫فإّن تربي ة اإلنس ان يج بر أن تتّم على أي دي المعّلمين‪ .‬إّن مق ّد رات أّي ة دول ة َتق ع في َي د‬
‫ه ؤالء ال ذين يتخّرج ون ِم ن التعليم‪َ ،‬و تط ّو ر أّي بل د وتقّد م ه أو تخّلف ه إّنم ا يك ون ِبَي د‬
‫‪| 123‬‬ ‫المعّلمين‪ .‬فالمعّلم‪ ،‬بإعداده نفَس ه‪ ،‬يجعل اآلخرين يتقّد مون إلى األمام‪ ،‬ويجعل البلد يتحّرك‬
‫نحو األفضل‪ .‬لكّنه ‪-‬أيضًا‪ -‬هو َم ن يؤّد ي إلى خراب البلد‪ ،‬إذا م ا انح رف ‪-‬ال س مح هللا‪-‬؛‬
‫فإّم ا أن ُينِش ئ ُأناسًا مه ّذ بين مل تزمين َيش عرون بالمس ؤولّية‪ ،‬أو ُأناس ًا ُطفيلّيين م رتبطين‬
‫بالغير‪ .‬ه ذا كّل ه َينش أ ِم ن المدرس ة؛ إّن أن واع الس عادة وأل وان الش قاء جميعه ا تب دأ ِم ن‬
‫المدارس‪ ،‬ومفتاحها ِبَيد المعّلمين»‪.1‬‬

‫«تنطلق سعادة الشعب ِم ن الجامعات والم دارس‪ ،‬فالجامع ات والم دارس هي ال تي ت دير‬
‫مقّد رات البلد كّلها‪ .‬إّن سعادة أّي ة ُأّم ة ِبَي د علمائه ا؛ ف إذا ك ان علماؤه ا ص الحين وغ ير‬
‫منحرفين عن الصراط المستقيم‪َ ،‬فَس تسير على الصراط المستقيم‪ ،‬وتك ون س عيدة‪ .‬أّم ا إذا‬
‫ظهَر ت االنحرافات ‪-‬ال سمح هللا‪ -‬في الجامعات والكّلّي ات والم دارس الدينّي ة والم دارس‬
‫العصرّية‪َ ،‬فحينئٍذ ‪َ ،‬يبدأ انحرافها‪.‬‬

‫إّن الشعوب تتطّلع إلى العلماء‪ ،‬فإذا َفسد العاِلم َفَس د الع اَلم‪ ،‬ألّن الع اَلم يتطّل ع إلى الع اِلم‪.‬‬
‫وأنظار عاّم ة الناس مّتجهة نحو مفّك ري البلد وعلمائه؛ ف إذا ك انوا ‪-‬ال س مح هللا‪ -‬فاس دين‬
‫َفَس د البلد ِبَأسره‪ ،‬وإذا كانوا صالحين َص ُلح البلد كّله‪ .‬لذا‪ ،‬فإّن شأنكم ‪-‬أنتم الجامعّيين الذين‬
‫تتطّلعون إلى أن ُتصبحوا علماء إن شاء هللا‪ ،‬و َس ُتص بحون ك ذلك إن ش اء هللا‪ -‬كب يٌر ِم ن‬
‫ِج هة‪ ،‬ولكّنكم تتحّم لون مسؤولّية ِم ن جهة أخ رى‪َ .‬ف اْلَتِفتوا إلى ه ذه المس وؤلّية وإلى ه ذا‬
‫العبء الذي يقع على عاتقكم‪ ،‬والذي تتحّم لونه‪ِ ،‬ش ئتم أم َأَبيتم‪َ ،‬فاهلل تبارك وتعالى ي دعوكم‬
‫إلى تربية المجتمع‪ ،‬وهذه خدمة عظيمة ‪-‬إذا ما ُقمُتم بها بشكٍل جّيد‪-‬‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.311‬‬


‫ال نستطيع بيان درجتها‪ .‬أّم ا إذا أسأتم ‪-‬ال سمح هللا‪ -‬أداءه ا‪ ،‬ف إّن فس ادها س يكون كب يرًا‪،‬‬
‫وهو َفساد الع اَلم‪َ .‬فالع اِلم ليس كاإلنس ان الع ادّي‪ِ ،‬بحيث إذا َفس د تك ون َتبع ة ذل ك علي ه‬
‫َو حده‪ ،‬بل إّن مرضه َيسري إلى الطبقات جميعها‪ .‬أنا ‪ِ-‬بنفسي‪ -‬كنُت أذهب في السابق إلى‬
‫‪| 124‬‬ ‫إحدى المدن‪ ،‬وكنت أرى أهلها صالحين َج ّيدين‪ ،‬وعندما بحثُت في هذا‪ ،‬وَك يف أّن الن اس‬
‫هناك ص الحون؟ ت بَّين أّن ع اِلم تل ك المدين ة َر ج ل ص الح‪ ،‬وه ؤالء ق د اقت دوا ب ه‪َ .‬فِم ن‬
‫الطبيعّي أن يترك العلماء ‪-‬في أّي مكان كانوا‪ -‬تأثيرهم على الناس‪ ،‬شاؤوا أم َأب وا‪ ،‬إذ إّن‬
‫الناس يتطّلعون إليهم‪ .‬فإذا كانوا صالحين م اَل الن اس نح و الص الح‪ ،‬وإْن ك انوا فاس دين‬
‫َم الوا نحو الفساد»‪.1‬‬

‫الفرق بين التعليم اإللهّي والتعليم الماّد ّي‬


‫«يستطيع التعليُم حَّل الُع َقد إْن هو أخذ على عاتقه أن يرّبي إنسانًا أو ُينِش ئ ملتزم ًا مؤمن ًا‬
‫بما وراء هذه الطبيعة وهذا العالم‪َ ،‬و يس تطيع المحافظ ة على البل د‪َ ،‬فال يرتض ي خيانت ه‪،‬‬
‫َو َلو قَّد موا له ما يريد‪.‬‬

‫لقد أقسَم أمير المؤم نين (علي ه الس الم) ‪-‬بحس ب رواي ة واردة في نهج البالغ ة‪ -‬أّن ه َل و‬
‫ُأعطَي أقاليم الدنيا جميعها على أن يظلم نملة يسلبها قوَته ا م ا َفع ل‪ .‬لن يس تطيع أح د أن‬
‫ُيص بح مثل ه ‪-‬طبع ًا‪ -‬ولكّن مق ّد رات البل د ِبأي ديكم‪ .‬إّن ال ذين ه اجموا التعليم والم دارس‬
‫القديم ة والجامع ات‪ِ ،‬س ّر ًا وعالنَي ة‪ ،‬ك انوا َيه دفون ِم ن وراء ذل ك إلى أاّل يخ رج ِم ن‬
‫الجامعة إنسان‪ ،‬وأاّل يخرج ِم ن المدارس القديمة إنسان؛ ل ذا َفَق د وقف وا بق ّو ة أم ام التعليم‬
‫والثقافة عندنا‪ ،‬حّتى ال نخطو إلى األم ام‪َ .‬ف إذا نش أ ال ذين َس ُيمس كون بمق درات البل د في‬
‫المس تقبل ‪-‬أثن اء التعليم‪ -‬أناس ًا مل تزمين ص الحين َيش عرون بالمس ؤولّية‪ ،‬ف إّنهم س وف‬
‫ُيعيقون تنفيذ مخّططاتهم‪ .‬بينما إذا لم َيشعروا بالمسؤولّية ولم ُيبالوا بشيء ولم‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.197 - 196‬‬


‫يفهموا غير ما يأكلونه‪َ ،‬فسوف يتّم اصطيادهم بإعط ائهم م ا ُيريدون ه‪ِ ،‬بش كٍل أفض ل ِم ن‬
‫اآلخ رين؛ َفُتق َّد م لهم مناص ب أفض ل‪ ،‬وأم وال أك ثر‪ ،‬الس تدراجهم إلى االس تعمار‬
‫واالستغالل‪.‬‬
‫‪| 125‬‬
‫إذًا‪َ ،‬فعملنا جميع ًا ‪-‬عملي وعملكم‪َ -‬عم ٌل ورثن اه من األنبي اء (عليهم الس الم)‪ .‬ف إذا ُقمن ا‬
‫بخيانة هذا العمل فنكون قد ُقمنا بخيانة األنبياء (عليهم السالم) وهللا تب ارك وتع الى؛ ويتّم‬
‫ذلك بأن نرّبي الشباب ‪-‬الذين تقع علينا مسؤولّية تربيتهم‪ -‬تربيًة ُم نحرفة‪ .‬ف إذا ك ان هّم كم‬
‫أن يبقى بل دكم َم ص ونًا‪ ،‬وأن يبقى دينكم محفوظ ًا‪َ ،‬ف اعملوا على تنش ئة الش باب تنش ئًة‬
‫سليمة؛ أي على تنشئة اإلنسان‪ .‬إّن مفت اح المحافظ ة على بل دكم ودينكم ِبأي ديكم‪ ،‬كم ا أّن‬
‫مفتاح سعادة أّي بل ٍد وش قائه ِبَي د المعّلم؛ ف إذا ك ان المعّلم ص الحًا َص لح البل د‪ ،‬وإذا ك ان‬
‫ُم نحرفًا َفسد البلد‪ .‬إذًا‪ ،‬أنتم الذين تستطيعون أن َتسيروا بالبالد ُقدمًا‪ ،‬معنوّي ًا وماّد ّي ًا‪ ،‬وفي‬
‫ال وقت نفس ه‪ ،‬أنتم ال ذين تس تطيعون أن تس يروا ب البالد القهق رى ‪-‬ال س مح هللا‪ -‬ماّد ّي ًا‬
‫ومعنوّيًا‪ .‬فالعمل‪ ،‬إذًا‪ ،‬نبيل‪ ،‬والمسؤولّية جس يمة‪ ،‬ونحن معكم‪ ،‬تب ٌع لكم ‪-‬إن ش اء هللا‪ .-‬ال‬
‫تخونوا هذه األمانة التي َم نحكم هللا إياها‪ ،‬ولن تخونوها ‪-‬إن شاء هللا‪.1»-‬‬

‫ضرر العالم غير المهّذ ب‬

‫«المهّم في الجامعات والمعاهد هو تربية المعّلم تربية جامعّي ة مش فوعة ب التعليم والتعُّلم‪،‬‬
‫ِلتكون إنسانّية‪َ .‬فما أكثر َم ن بلغوا المراتب العلي ا في الِع لم‪ ،‬لكن ِم ن غ ير تربي ة إنس انّية!‬
‫وَض رر هؤالء على البالد والشعب واإلسالم أكثر ِم ن ضرر اآلخ رين‪َ .‬فَم ن ك ان ل ه ِع لم‬
‫غير مقترن ِبتهذيب األخالق والتربية الروحّي ة َيك ون َض رر ِع لم ه على الش عب والبالد‬
‫أكثر ِم ن ضرر أولئك الذين ال ِع لم لهم‪ ،‬إذ إّن ه يجع ل الِع لم َس يفًا في َي ِد ه‪ ،‬يمكن أن يجتّث‬
‫به ُجذور البالد‪َ ،‬فال ُيبقي ِم نها»‪.2‬‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.314 - 313‬‬


‫‪ 2‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.244‬‬
‫واجب المعّلمين تجاه األطفال والتالميذ‬

‫«على ُم عّلمي المدارس ‪-‬أينما كانوا‪ -‬االعتناء بهؤالء األطفال‪ ،‬ألّنهم أمل مس تقبل بالدن ا؛‬
‫‪| 126‬‬ ‫َفِم ن أطفال اليوم ُيصنع إنسان الَغد وعاَلمه‪َ .‬و ِم ن حيث إّنهم س ُيديرون ِبالدن ا ُم س تقَبًال‪ ،‬ال‬
‫بّد ِم ن أن يحفظوا اس تقاللها وحّرّيته ا ِم ن َبع دنا‪َ .‬فعلى المعّلمين أن يعرف وا قيم ة ه ؤالء‬
‫األطفال الناشئين‪ ،‬وأاّل َيَدعوهم يتلّو ثون بما تلّو ثنا به نحن الكبار‪.‬‬

‫إّن التربية يجب أن تكون دينّية‪ ،‬واإلسالم يضمن االستقالل والحّرّيات كّلها‪َ .‬فإذا ما رّبيتم‬
‫أطفالن ا الص غار تربي ة إس المّية‪َ ،‬فس وف تض منون اس تقاللكم وح ّرّيتكم‪َ .‬ق ِّدروهم ح َّق‬
‫َقدرهم‪ .‬أنا ُأحّب هؤالء األطفال كما تحّبون أعّز اَء كم‪ ،‬وأشكرهم على ع واطفهم الطفولّي ة‬
‫البريئة‪ُ .‬هم جميعًا أعّز ائي وُقّرة َعيني‪َ ،‬و ُهم محّط آمالي في المستقبل»‪.1‬‬

‫«يجب عليكم أن تنتبه وا جّي دًا إلى أّنكم لس ُتم أشخاص ًا ع ادّيين‪َ .‬فَل و ارتكب ش خٌص م ا‬
‫مخالفًة في إدارة أو وزارة‪ ،‬فإّن ه ذه المخالف ة تختل ف كث يرًا عن المخالف ة ال تي تق ع في‬
‫األماكن التي يجب أن تتّم فيها التربية والتعليم‪ ،‬كوزارة التربية والتعليم؛ الفرق كبير جّد ًا‪.‬‬
‫إّن المخالفة التي تحصل في وزارة ما ال ت ؤّد ي إلى اض طراب المجتم ع‪ ،‬إاّل في ح االت‬
‫نادرة‪ ،‬ولكن َلو صدَر ت في دائرة التربية والتعليم ِم ن طفٍل فاسٍد تّم ت تربيت ه على أخالق‬
‫شيطانّية واستكبارّية‪َ ،‬فِم ن الممكن أن يفسد بلدًا ِبكامله‪ ،‬أو أن يفسد الكثير ِم ن الناس‪ .‬وفي‬
‫هذه الحاالت جميعها‪ ،‬أنتم ‪-‬العاملون في هذا الحقل التربوّي العظيم‪ -‬شركاء؛ ش ركاء في‬
‫المحاسن واألعمال الحمي دة وفي األعم ال الس ّيئة‪ ،‬في الجريم ة ‪-‬أحيان ًا‪ -‬وفي النورانّي ة‬
‫ال تي تس اهمون في َخلقه ا ‪-‬أحيان ًا أخ رى‪ .-‬يجب عليكم أن تنتبه وا إلى أّنكم لس تم أناس ًا‬
‫ع ادّيين؛ أنتم ُتعّلم ون جيًال س وف يتس ّلم مقالي د البالد وش ؤونها كّله ا في المس تقبل‪ .‬أنتم‬
‫أمناء على هذا‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.67 - 66‬‬


‫الجيل‪َ ،‬فيجب أن تقترن تربيتكم ِبتعليمكم‪ .‬وال يق ع ه ذا ال واجب على ع اتق معّلم التربي ة‬
‫الدينّي ة وح ده‪ ،‬ب ل إّن ه واجب المعّلمين وأس اتذة الجامع ات جميعهم‪ ،‬في أّي اختص اص‬
‫ك انوا‪ .‬ولكّن معّلم التربي ة الدينّي ة نفس ه‪ ،‬إذا أراد أن ُيعّلم العل وم الدينّي ة ِم ن غ ير أخالق‬
‫‪| 127‬‬ ‫دينّية‪ ،‬ومن دون أن يهتّم ببناء الطفل والش اّب ‪َ ،‬فِم ن الممكن أّن يتس ّبب ِبك وارث‪َ ،‬و ُي دّم ر‬
‫البالد‪ .‬ومعّلمو االختصاصات األخرى كذلك أيضًا‪َ ،‬فإّن عليهم مثل هذا ال واجب‪ ،‬بحس ب‬
‫اختصاصاتهم‪َ .‬فالمعّلمون واألساتذة الذين يس ّببون انحراف ًا في التعليم ش ركاء في الج رم‬
‫الصادر عنهم ِم ن جهة‪ ،‬وُم سّببون ِل دمار بل دهم من جه ة أخ رى‪ .‬إذًا‪ ،‬التعليم ليس وح ده‬
‫واجبكم‪ ،‬بل يجب أن ُتعّلموا ه ؤالء ال ذين بين أي ديكم‪ ،‬فالتربي ة أهّم ِم ن التعليم؛ عليكم أن‬
‫ُترّب وهم على األخالق اإلنس انّية واألخالق اإلس المّية‪ ،‬وأن ُتوّجه وهم نح و هللا‪ ،‬وأن‬
‫ُتجّنب وهم الفس اد الموج ود في المجتمع ات المنحّط ة‪ .‬عليكم أن ُت ذّك روهم أّن س عادتهم‬
‫وسعادة بلدهم في ترِبيتهم تربيًة إسالمّية‪-‬إنس انّية‪ .‬يجب عليكم أن ُترّب وهم على االح تراز‬
‫عن الطبيعة المنحّطة التي تشّد اإلنسان نح و االنحط اط‪ ،‬وال تي تتمّث ل بحّب الج اه وحّب‬
‫المال وحّب المنصب‪ .‬يجب أن ُتبعدوهم عن هذه األشياء ال تي هي ِم ن ص عوبات طري ق‬
‫اإلنس ان‪ ،‬وال تي تمن ع ُرقّي ه‪ .‬وِّض حوا لهم أّن اإلنس ان‪ ،‬طالم ا ك ان ُم نص رفًا إلى ع الم‬
‫الطبيعة هذا‪ ،‬فإّنه ليس إنسانًا؛ َك َم ن كان هّم ه كّله الحصول على شيء من الحياة الرغي دة‬
‫التي ُتؤَّم ن فيها األمور الماّد ّية‪ ،‬ففي النهاية‪ ،‬سيكون وضعه كحيوان هّم ه حاجات ه الماّد ّي ة‬
‫فقط‪ .‬يجب عليكم أن ُتَو ِّض حوا لهم أّن الحي اة هي الحي اة الش ريفة‪َ ،‬و الحي اة اإلنس انّية هي‬
‫الحياة الشريفة‪ .‬يجب عليكم أن تمنع وهم من عب ادة غ ير هللا‪ ،‬وأن ترّب وهم على عبادت ه؛‬
‫َفإذا دخل اإلنس ان المجتم ع عن طري ق عب ادة هللا‪ ،‬أو نظ ر إلى األم ور ِم ن منظ ار ه ذه‬
‫القناة‪ ،‬فإّن أعماله كّلها تصبح إلهّية‪ .‬إذا َقِب َل اإلنس ان عب ادة هللا فق ط‪ ،‬واح ترز من س ائر‬
‫األشخاص؛ أي دخل عن طريق هذه القناة في الدنيا وفي الطبيعة‪َ ،‬فسيكون كّل عمل يقوم‬
‫به عبادة‪ ،‬ألّن المبدأ‬
‫هو عبادة هللا‪ .‬لق د الحظتم كي ف إّن في الق رآن الك ريم‪ ،‬وفي الص الة أيض ًا‪ُ ،‬تق َّد م عب ادة‬
‫النبّي (صلى هللا علي ه وآل ه) هلل على رس الته (عب ده ورس وله)‪َ ،‬فه و عب ٌد قب ل أن يك ون‬
‫رسوًال‪ .‬وِم ن الممكن أن يكون هذا األساس إشارة إلى أّنه وصل إلى الرس الة عن طري ق‬
‫‪| 128‬‬ ‫العبودّية؛ تحَّرر ِم ن كّل شيء وصار عبدًا هلل‪ ،‬ال أِل شياء أخرى‪.‬‬

‫إذًا‪ ،‬ثّم ة طريق ان ال أك ثر؛ إّم ا عبودّي ة هللا‪ ،‬وإّم ا عبودّي ة النفس األّم ارة‪ .‬ه ذان هم ا‬
‫الطريقان‪َ .‬فأن يتحّر ر اإلنسان ِم ن عبادة اآلخرين‪ ،‬ويقبل عبودّية هللا الذي يليق بأن يكون‬
‫اإلنساُن عبَده‪ ،‬يعني أّن األعمال ال تي يق وم به ا ليس فيه ا انح راف؛ أي إّن ه لن ينح رف‬
‫متعَّم دًا‪َ .‬و ه ذه االنحراف ات جميعه ا‪ ،‬س واء أك انت في العقائ د أو في األعم ال واألقالم‬
‫واألحاديث المنحرفة‪ ،‬تتّم ألّنها لم تمّر من قناة العبودّية هلل‪ ،‬وألّنهم عبيد األهواء النفسّية‪.‬‬

‫هؤالء الصغار في المرحلة االبتدائّي ة‪ِ ،‬م ن ح ّق ك ٍّل منهم أن يك ون إنس انًا‪ِ ،‬بتم ام مع نى‬
‫الكلمة‪ .‬إاّل أّن ِلكٍّل منهم اس تعدادًا ألن يك ون ش يطانًا أو حيوان ًا‪ .‬فالتربي ة هي ال تي ت دفع‬
‫الطف ل نح و طري ق اإلنس انّية أو طري ق الحيوانّي ة؛ َف إذا زّين المعّلم ل ه مقام ات ال دنيا‬
‫ومناصبها‪ ،‬وأكثَر ِم ن الحديث عن هذه األمور‪ ،‬ومأل قلبه بها‪ ،‬فإّنه ينشأ على هذا الشيء‪،‬‬
‫وَيشّب عليه‪ .‬فالطفل‪ ،‬ذو القلب الصافي النورانّي ‪ ،‬يقبل ما تعّلم ه في ه ذه المرحل ة‪َ ،‬و م ا‬
‫وقع في قلبه‪َ .‬و حين ينتقل إلى مرحلة أخرى‪ ،‬كأْن يطلب شهادًة أو عمل‪ ،‬فإّم ا أن يتح ّو ل‬
‫إلى موّظف ِبُطرق شرعّية أو إلى ناهب‪.‬‬

‫إذا مألتم أذهان األطفال بالحديث عن العمل والمنصب‪ِ ،‬م ن قبيل‪ :‬كيف سيكون منص بك؟‬
‫وهل سَتملك ماًال أو مزرعة؟ فإّن اهتمام األطف ال كّلهم يص بح ه ذه األش ياء‪ ،‬ال غيره ا‪.‬‬
‫ولو أّنكم لّقنتموهم أّنه يجب أن نعيش في هذا البلد ِبشرف إنسانّي ‪ ،‬فإّن هذا المعنى يرس خ‬
‫في أذهانهم ‪-‬إن ُهم عملوا هلل‪ -‬كما رسخ في ذهن اللّص وناهب أموال‬
‫الناس والمنحرف الذي َيقبض الراتب‪ ،‬ولكن مع فارِق أّن أح دهما امتل ك بيت ًا ‪-‬مثًال‪ -‬عن‬
‫طريق الخيانة‪ ،‬واآلخر عن طريق عبادة هللا؛ أحدهما لم يك ترث ب البيت َفامتلك ه كحاج ة‬
‫طبيعّية له‪ ،‬واآلخر لم يهتّم بشيء سوى الحصول عليه‪َ .‬فإذا لم يهَتِد اإلنس ان إلى الطري ق‬
‫‪| 129‬‬ ‫المستقيم الذي خّطه هللا تبارك وتعالى له‪ ،‬ولم يسلكه‪ ،‬فإّن الطرق الباقية جميعه ا منحرف ة‬
‫وُم عَو ّجة‪َ .‬فإن َو صل المنحرفون والمعوّج ون في بل د م ا إلى مقّد رات ه‪ ،‬فإّن ه َس يؤول إلى‬
‫االنحطاط واالنحراف‪ ،‬بينما إذا َو صل األفاض ل والعلم اء‪ ،‬ذوو الفض ائل اإلنس انّية‪ ،‬إلى‬
‫الس لطة‪ ،‬ف إّن فض ائل ذل ك البل د س تزداد‪ ،‬ألّن الن اس ‪-‬وبحس ب المنزل ة ال تي ُهم فيه ا‪-‬‬
‫يهتّم ون ِلكالمهم الم ؤّثر في أفك ار العاّم ة منهم؛ أي إّن ه ِم ن الممكن أن ت ؤّد ي كلم ة ِم ن‬
‫شخص ذي مكانة ونفوذ في المجتمع إلى توجيه المجتم ع نح و الفس اد أو الص الح‪ .‬وأنتم‬
‫أّيها السادة‪ ،‬تريدون أن ُتقّد موا للمجتم ع ِم ث ل األف راد الص الحين‪ .‬ال تتوّهم وا أّنهم أف راد‬
‫عادّيون‪ ،‬فِم ن المحتمل أن يصبح هذا الفرد العادّي رئيسًا ِلبلد‪ ،‬أو صاحب منص ب‪ ،‬وُهن ا‬
‫ُنعِم ل الم يزان؛ َف إن ك ان ق د انح رف عن دكم أثن اء التعّلم‪ِ ،‬م ن الممكن أن ُيفس د ف ردًا‬
‫ومجتمعًا‪ .‬النبّي (صلى هللا عليه وآله)‪ ،‬مثًال‪ ،‬كان فردًا‪َ ،‬ع َبر ِم ن مق ام العبودّي ة إلى مق ام‬
‫الرسالة‪ ،‬ولكّن ك ّل ش يء في ه ك ان إنس انّيًا‪َ ،‬فأص َلح المجتمع ات الك برى‪ُ ،‬م ن ذ ُبعَث إلى‬
‫فترات الحقة؛ كان شخصًا واحدًا‪ ،‬ولكّن فردًا ُيصِلح مجتمعات‪َ .‬و َلو أّن الدنيا كانت خالية‬
‫ِم ن األنبي اء (عليهم الس الم) ‪-‬أي َل و ك ان ثّم ة بش ر ِم ن غ ير أنبي اء‪َ -‬لُكّن ا س معنا الي وم‬
‫حكايات في الدنيا‪ ،‬ورأينا فضائح ال يتمّك ن اإلنسان ِم ن أن ي رى نظيره ا‪ .‬أّم ا اآلن‪ ،‬وق د‬
‫ق ام األنبي اء (عليهم الس الم) بتحُّم ل العن اء‪ ،‬وش ّر فوا البش رّية بتعليمهم وت ربيتهم ‪-‬على‬
‫الرغم ِم ن أّن المنحرفين كانوا كثيرين أيضًا‪ ،‬وقاموا بالوقوف في وجههم‪ ،‬وَدع وا الن اس‬
‫إلى االنحرافات‪ -‬فإّن ما في الدنيا كّله ِم ن َبَر كات هو ِم ن األنبياء (عليهم السالم)‪ .‬أنتم‪ ،‬لو‬
‫الحظتم الملّفات والقضايا الموج ودة الي وم في المح اكم في أنح اء ال دنيا كّله ا‪َ ،‬فلن ت روا‬
‫قضايا لألشخاص الذين يعتقدون باألنبياء (عليهم الس الم)‪ ،‬وال ذين ترّب وا تحت عن ايتهم‪،‬‬
‫فالقضايا الجنائّية‬
‫التي تخّص هم قليلة أو غير موج ودة أص ًال‪ .‬قض ايا الجناي ات جميعه ا‪ ،‬والملّف ات المالّي ة‬
‫والجنائّي ة واإلجرامّي ة كّله ا‪ ،‬تص در عن أش خاص بعي دين عن تربي ة األنبي اء (عليهم‬
‫السالم)‪ ،‬حّتى لو كانوا يصّلون‪َ ،‬فصلواتهم لم تمّر عبر قن اة العبودّي ة‪َ ،‬و حّتى َل و فرض نا‬
‫‪| 130‬‬ ‫أّن األعمال التي يقومون بها ص الحة‪ ،‬لكّنه ا لم تكن ِم ن طري ق العبودّي ة المس تقيم؛ وَم ن‬
‫يقوم بمثل هذه األعمال‪ ،‬فإّن هّم ه كّله والتفاته سيكون إلى نفسه‪.‬‬

‫األطفال َيقبلون ما ُيوَّجه إليهم بس رعة‪َ ،‬فَل و اس تطعُتم أن ُترّب وا ه ؤالء األطف ال على أن‬
‫َيطلبوا هللا ِم ن البداية‪ ،‬ويوّجهوا اهتمامهم كّله نحوه‪ ،‬وَل و تمّك نتم ِم ن تلقينهم عبودّي ة هللا ‪-‬‬
‫الذي له كّل شيء‪ -‬والِص لة معه‪َ ،‬و ألَقيتم إليهم التربي ة اإللهّي ة‪َ ،‬لَقِبل وا ذل ك‪َ ،‬و تكون ون ق د‬
‫قَّد مُتم إلى المجتمع ِخ دمة؛ أي يكون ِلَتعبكم قيمة‪ .‬فيما َلو قَّد م أحٌد ‪-‬ال قّد ر هللا‪ِ -‬خ الف ذل ك‬
‫لهذه األمانة‪ ،‬فإّنه يكون قد ارتكب خيان ًة مختلف ة عن الخيان ات جميعه ا؛ خيان ة اإلنس ان‬
‫وخيانة اإلسالم وخيانة عبودّية هللا‪.‬‬

‫يجب عليكم االنتب اه جّي دًا‪َ .‬لق د اخ ترتم عمًال س اميًا ج ّد ًا‪ ،‬ولكن يجب أن تنتبه وا إلى‬
‫مسؤولّيته‪ .‬رّبوا‪ ،‬فالمهّم هو التربية‪ ،‬ال فائدة ِم ن الِع لم وح ده‪ .‬الِع لم وح ده ُمِض ّر؛ َفعن دما‬
‫ُيالقي المطُر ‪-‬وهو رحمة إلهّية‪ -‬الوروَد ينتش ر عبقه ا وأريجه ا‪ ،‬وعن دما ُيالقي األش ياء‬
‫القذرة فإّن رائحتها القذرة تتصاعد‪َ .‬و َلو دخَل الِع لم قلبًا ُرِّبَي فإّن ِع ط ره يمأل الع الم‪ ،‬ول و‬
‫دخل قلبًا لم يتَر َّب ف إّن فس اده يمأل الع الم؛ إذا فس د الع اِلم فس د الع اَلم‪ ،‬وإذا ك ان ص الحًا‬
‫َص لَح ‪ .‬لذا‪َ ،‬فإّن الصالح شعاع ِم ن النور يوصل الن اس إلى الس الم واإلص الح والُحس ن‪.‬‬
‫وأنتم تتصّد ون ِلِم ثل هذا العمل‪ ،‬من أجل إيصال هذا الع الم إلى الن ور ِم ن بع د الظلم ات‪.‬‬
‫حاِو لوا إظهار نورانّي ة األطف ال الن ورانّيين لتتفّتح م واهبهم‪ .‬أنتم تتص ّد ون أِل م ٍر جلي ل؛‬
‫قوموا بتربيتهم تربية إسالمّية صحيحة‪ ،‬حّتى َينال بلدكم ‪-‬إن شاء هللا‪ -‬سعادته»‪.1‬‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،14‬ص‪.36 - 33‬‬


‫طريق التربية والتعليم‬

‫«إّن الطريق الوحيدة إلى التربية والتعليم هي التي َبَّينها هللا سبحانه وتعالى وهي التهذيب‬
‫‪| 131‬‬ ‫المقتِر ن بالتربية اإللهّية التي رّبى األنبياء ُ (عليهم السالم) الناَس عليها‪َ ،‬فقد جاؤوا ب الِع لم‬
‫ِلَيسير بالبشرّية نح و س عادتها‪َ ،‬و يوِص لها إلى كماله ا المطل وب؛ ﴿ٱلَّل ُه َو ِلُّي ٱَّل ِذ يَن َءاَم ُن وْا‬
‫ُيۡخ ِر ُج ُه م ِّمَن ٱلُّظُلَٰم ِت ِإَلى ٱلُّن وِۖر َو ٱَّل ِذ يَن َكَف ُر ٓو ْا َأۡو ِلَي ٓاُؤ ُه ُم ٱلَّٰطُغ وُت ُيۡخ ِر ُج وَنُه م ِّمَن ٱلُّن وِر ِإَلى‬
‫ٱلُّظُلَٰم ِۗت ﴾‪ .1‬إّن اآلية ُتوّض ح ميزان الم ؤمن ومالك اإليم ان‪َ ،‬فتفص ل ُم ّد عي اإليم ان عن‬
‫المؤمنين؛ َو ما أكثر ُم ّد عي اإليمان في ِقب ال المؤم نين الحقيقّيين! إذ ثّم ة مؤمن ون تَر ّب وا‬
‫على أيدي األنبياء (عليهم السالم)‪َ ،‬فَخرجوا ِم ن الظلمات والمش اكل والنق ائص جميعه ا‪،‬‬
‫وتجاوزوا الموانع كّلها التي تقف في طريق اإلنسان‪َ ،‬و دخلوا النور والكمال المطلق‪ ،‬عن‬
‫طري ق تربي ة األنبي اء (عليهم الس الم) اإللهّي ة لهم‪َ ،‬فق د رّب اهم هللا وهّي أهم له ذا األم ر‪.‬‬
‫الميزان‪ ،‬إذًا‪ ،‬هو هذا؛ َفالمؤمن َم ن َخ رج ِم ن الظلم ات‪ ،‬بواس طة تع اليم األنبي اء (عليهم‬
‫السالم)‪َ ،‬و َو صل إلى الن ور المطل ق‪ .‬وفي الجه ة المقابل ة‪ ،‬الُك ّف ار؛ أي «ال ذين كف روا»‪.‬‬
‫َفَليس ُهللا َو لّيهم‪ ،‬بل الطاغوت الذي يخرجهم ِم ن النور وُيدخلهم في الظلمات‪.‬‬

‫إذًا‪ ،‬مالك المؤمن وغير المؤمن ‪-‬بحسب اآلية الشريفة‪ -‬هو هذا؛ َف المؤمن الحقيقّي ال ذي‬
‫آمن باألنبياء (عليهم السالم) وترّبى على أيديهم‪َ ،‬س يخرج من الظلمات والنقائص جميعها‬
‫وَيصل إلى النور‪ ،‬فيكون هللا سبحانه معّلم ه وولّي ه‪ ،‬إلى ج انب األنبي اء (عليهم الس الم)؛‬
‫َفقد َخّص ُهللا األنبياَء (عليهم السالم) ِبعنايته وتربيته‪ ،‬وأرسلهم ِلتربية البشر جميعهم‪َ .‬ففي‬
‫ح ال تعّلمن ا على أي ديهم‪ ،‬واس تفدنا من العل وم ال تي حملوه ا إلين ا‪ ،‬ونهلن ا ِم ن تع اليمهم‬
‫وإرشاداتهم‪ُ ،‬كّنا على الصراط المستقيم وفي طريق النور‪ُ ،‬م هتدين باهلل س بحانه وتع الى؛‬
‫النور المطلق»‪.2‬‬

‫‪ 1‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.257‬‬


‫‪ 2‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪.393‬‬
‫أولوّية التربية على التعليم‬

‫«ُتعّد مسألة التربية أعظم وأكثر أهّم ّية ِم ن مسألة التعليم؛ لذا فإّن اآلي ة الش ريفة ذك رت ‪-‬‬
‫‪| 132‬‬ ‫أّو ًال‪ -‬تالوة آي ات الق رآن الك ريم ﴿َيۡت ُل وْا َعَلۡي ِه ۡم َءاَٰيِتِهۦ﴾ ِلتب يين تعليم ات طري ق التربي ة‬
‫والتعليم‪ ،‬ثّم مسألة التزكية ﴿َو ُيَز ِّك يِه ۡم ﴾ قبل مسألة التعليم؛ م ا ي دّل على أّن مس ألة تزكي ة‬
‫النفس أكثر أهّم ّية ِم ن مسألة تعليم الكتاب والحكمة‪ ،‬وأّنها ُم قّد مة وق وع الكت اب والحكم ة‬
‫في َنفس اإلنسان‪َ .‬فَلو قام اإلنسان بتزكية نفسه وترِبيتها‪ ،‬بحسب توصيات األنبياء (عليهم‬
‫الس الم) ال تي ج اؤوا به ا إلى البش ر كاّف ة‪ ،‬ف إّن الكت اب والحكم ة سَيرتس مان في نفس ه‬
‫بمعانيهما الحقيقّية؛ ما يوصله إلى الكمال المطلوب‪ .‬لذا‪ ،‬يقول تعالى في آية أخرى‪َ﴿ :‬م َث ُل‬
‫ٱَّلِذ يَن ُح ِّم ُل وْا ٱلَّتۡو َر ٰى َة ُثَّم َلۡم َيۡح ِم ُلوَه ا َك َم َث ِل ٱۡل ِح َم اِر َيۡح ِم ُل َأۡس َف اَۢر ۚا ﴾‪1‬؛ َفال فائدة من الِع لم َو حده‪،‬‬
‫ما لم يرتبط بالتربية والتزكية‪َ .‬فكما أّن الحمار ال يستفيد ِم ن الكتب التي في خرجه‪ ،‬سواء‬
‫أكانت كتب التوحيد أو الفقه أو كتبًا علمّية‪ ،‬كذلك الذين َيخِز نون أنواع العل وم والمع ارف‬
‫في باطنهم من دون أن يقوموا بتربي ة نفوس هم وتزكيته ا‪ ،‬فال فائ دة من عل ومهم‪ ،‬ب ل ق د‬
‫تكون في بعض األحيان ُم ضّرة‪َ .‬ففي كثير ِم ن األحيان‪ ،‬ال يق وم الع اِلم ال ذي يع رف ك ّل‬
‫شيء ِبتزكية نفسه وتصِفيتها بواسطة التربية اإللهّية‪َ ،‬فيكون ِع لمه وسيلة دم ار للبش رّية‪.‬‬
‫والعلم اء ال ذين يجلب ون ال دمار للبش رّية أس وأ ِم ن الن اس الع ادّيين‪ ،‬ألّن َض ررهم‬
‫أكبر؛ ﴿َك َم َثِل ٱۡل ِح َم اِر ﴾ بل أسوأ‪ ،‬ألّن ِع لمهم يؤّد ي إلى تدمير اآلخرين‪َ .‬فعلى الع املين في‬
‫مجال إعداد المعّلمين ‪-‬وكّل َم ن يعم ل في ه ذا المج ال‪ -‬أن يعلم وا ‪-‬أّو ًال‪ -‬أّن ه ذا العم َل‬
‫إلهٌّي ‪ ،‬إذ إّن هللا سبحانه وتع الى ه و ُم رّبي المعّلمين؛ أي األنبي اء (عليهم الس الم)‪ .‬ف إذًا‪،‬‬
‫العمل عمٌل إلهّي أّو ًال‪ ،‬والتربية والتزكية متقّد متان على التعليم ثانيًا‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة الجمعة‪ ،‬اآلية ‪.5‬‬


‫َلو حّققت مدارسنا وكّلّياتنا وجامعاتنا والمدارس التعليمّية كّلها ‪-‬سواء أكانت تدّرس العلوم‬
‫اإلسالمّية أو غير اإلسالمّية‪ -‬التربي ة والتزكي ة‪ ،‬فإّنه ا تس تطيع أن تق ّد م خ دمات كث يرة‪،‬‬
‫وُتهدي البشرّيَة السعادة؛ َفسعادة البشر كّلها ِم ن الِع لم واإليمان والتزكية‪.‬‬
‫‪| 133‬‬
‫﴿ِإَّن ٱۡل ِإ نَٰس َن َلِف ي ُخ ۡس ٍر ﴾‪ ،1‬فاإلنسان ‪-‬أي الحيوان الذي ُيدعى إنسانًا‪ -‬في ُخ س ران وض رر‪،‬‬
‫إاّل طائفة واحدة‪ُ ،‬هم الذين آمنوا باهلل سبحانه وتعالى وأط اعوه وَع ِم ل وا الص الحات‪ .‬وِم ن‬
‫آثاره التواصي بالحّق ﴿َو َتَو اَص ۡو ْا ِبٱۡل َح ِّق﴾‪2‬؛ أي يوصون بالحّق وبالصبر‪ ،‬وإاّل خرجوا ِم ن‬
‫هذا االستثناء ﴿ِإاَّل ٱَّل ِذ يَن َءاَم ُن وْا﴾‪َ .3‬فاسَع وا إلى تربية أنفسكم وتزكيتها قبل التعليم‪ ،‬إذ إّنه ا‬
‫مقَّد م ة علي ه وعلى تالوة الق رآن وتعُّلم الكت اب والحكم ة‪ .‬وظيفتكم‪ ،‬إذًا‪ ،‬تربي ة المعِّلمين‬
‫الملّم ين ِبالعلوم التي يحتاجها اإلنس ان والبش ر كاّف ة؛ س واء أك انت في ال دنيا أو اآلخ رة‪.‬‬
‫َوُم ضافًا إلى ذلك‪ ،‬بل قبل ذلك كّله‪ ،‬يجب أن تكون تزكي ة النفس في ص لب عملكم‪ ،‬ألّنه ا‬
‫إن لم تُك ن‪ ،‬فإّن تعاليمكم وإرش اداتكم‪ ،‬إْن لم تجلب الض رر للبش ر‪َ ،‬فَلن تجلب النف ع لهم؛‬
‫فاألضرار كّلها التي لحقت بالبشر‪ ،‬والخسران كّله ال ذي يواجه ه البش ر على ه ذه الك رة‬
‫األرضّية‪ ،‬كان بسبب العلماء المتخّصصون‪ ،‬لكْن ِم ن غير تربية إلهّية‪َ .‬ف إذا ُقمن ا بتزكي ة‬
‫أنفسنا َو فق التربية اإلسالمّية‪ ،‬وكان هللا عّز وجّل ولّينا‪ ،‬ال الطاغوت‪ ،‬ف إّن ه ذه النق ائص‬
‫الموج ودة في بعض أنح اء بل دنا وفي مختل ف أنح اء الع الم س تزول وتنع دم‪ ،‬ألّن س بب‬
‫االختالفات ال تي تظه ر ه و ع دم قيامن ا بالتربي ة والتزكي ة‪ ،‬إاّل االختالف م ا بين الح ّق‬
‫والباطل‪.‬‬

‫إّن أكبر عدّو لنا هو نفسنا التي بين جنَبْينا؛ أي إّن نفس اإلنسان هي العدّو األكبر ل ه‪َ .‬ف إذا‬
‫لم يعمل على تربيتها وتزكيتها فإّنها َس َتسوقه‬

‫‪ 1‬سورة العصر‪ ،‬اآلية ‪.2‬‬


‫‪ 2‬سورة العصر‪ ،‬اآلية ‪.3‬‬
‫‪ 3‬سورة العصر‪ ،‬اآلية ‪.3‬‬
‫إلى دمار أخيه اإلنسان‪ ،‬والدخول في الظالم ال ذي يوِص ل إلى الظالم األك بر؛ أي جهّنم‪.‬‬
‫بينما إذا ُقمنا بتربية أنفسنا‪ ،‬فإّن مشاكلنا جميعها سوف تح ّل‪ ،‬إذ إّن س ببها انع دام التربي ة‬
‫والتزكية‪ ،‬وعدم الخضوع للتربّية اإللهّية‪ ،‬وعدم االنضواء تحت ل واء اإلس الم‪ .‬وِبحس ب‬
‫‪| 134‬‬ ‫الواقع‪ ،‬فإّن هذه األزمات جميعه ا ال تي تش اهدونها‪ ،‬والموان ع كّله ا ال تي تواج ه ش عبنا‪،‬‬
‫سببها عدم وجود التربية والتزكية في ص لب أعمالن ا‪ ،‬وانتش ار الجه ل‪ ،‬أو الِع لم المض ّر‬
‫باإلنسان‪ .‬وقد ذك ر هللا ع ّز وج ّل م يزان الِع لم بواس طة األنبي اء (عليهم الس الم)‪« :‬العلم‬
‫نور»‪1‬؛ أي إّن الِع لم نور يقذفه هللا في قلوب الن اس‪ ،‬ف إذا أوج د النورانّي ة َفه و ِع لم‪ ،‬وإذا‬
‫أصبح ِح جابًا لإلنسان فال يكون ِع لمًا‪ ،‬و«الِع لم هو الحجاب األكبر»‪.‬‬

‫إذًا‪َ ،‬على الع املين في مج ال التربي ة وإع داد المعِّلمين أن يجعل وا التربي ة على رأس‬
‫أولوّياتهم‪ ،‬ومقّد مة لك ّل ش يء‪َ .‬فنف وس الش باب مس تعّد ة لتقُّب ل أّي ش يء‪ ،‬إذ إّنه ا كم رآة‬
‫مصقولة لم تنفص ل عن فطرته ا‪ ،‬يمكن أن ُيرَس م عليه ا ك ّل ش يء‪ .‬ف إْن َدع ا المعّلُم إلى‬
‫النور والصالح واإلسالم واألخالق الحميدة والقيم اإلس المّية واإلنس انّية‪ ،‬ف إّن ِفعل ه ه ذا‬
‫يماثل ِفعل األنبي اء (عليهم الس الم) ال ذين يخرج ون الن اس ِم ن الظلم ات إلى الن ور‪ِ ،‬م ن‬
‫حيث إّنه ُيخرج الشباب ِم ن الظلمات إلى النور‪ .‬وإْن خالف المعّلمون ‪-‬ال قّد ر هللا‪ -‬طري ق‬
‫الحّق والصراط المس تقيم‪ ،‬ولم يقوم وا بتربي ة أنفس هم وتزكيته ا‪ ،‬ف إّن آراءهم وأفك ارهم‬
‫المنحرفة سترتسم على مرايا نفوس شبابنا‪ ،‬وتحِر فهم عن الطريق المستقيم‪ ،‬إّم ا ش رقًا أو‬
‫غربًا»‪.2‬‬

‫سعادة البشر في العلم والتربية‬


‫«إّنه َلِم ن السذاجة أن يظّن اإلنسان أّن المدارس للِع لم فقط‪ ،‬وأّن‬

‫‪ 1‬اإلمام الصادق‪ ،‬جعفر بن محّم د (عليهما السالم) (منسوب)‪ ،‬مصباح الش ريعة‪ ،‬مؤّسس ة األعلمّي ‪ ،‬لبن ان ‪ -‬ب يروت‪،‬‬
‫‪1400‬هـ‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.16‬‬
‫‪ 2‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪.396 - 393‬‬
‫المعّلمين ال بّد ِم ن أن يكونوا متخّصصين‪ِ ،‬بغّض النظر عن مش اربهم الفكرّي ة والعقدّي ة؛‬
‫أي إّن ارتباطهم بالغرب أو بالشرق سّيان‪ .‬وهذا يجعل أبناءنا ‪-‬بنفوس هم الص افية النقّي ة‪-‬‬
‫عرضة لتقُّبل األفكار المنحرفة؛ فإذا كان المعِّلم ش رقَّي الفك ر‪ ،‬طَّب ع أبناءن ا بم ا يحمل ه‪،‬‬
‫‪| 135‬‬ ‫وإذا كان فكره غربّيًا فإّنه سيؤّثر في نفوسهم‪ .‬ال يص لح التخّص ص والتمُّك ن الِع لمَّيْين أِل ْن‬
‫يكونا معيارًا للمعّلم الجّيد‪ ،‬بل ال بّد ل ه ِم ن التربي ة والتزكي ة‪ .‬ف إذا م ا اق ترن التخُّص ص‬
‫بالتربية والتزكية ‪-‬التي عَّلمها هللا سبحانه لرسوله (صلى هللا علي ه وآل ه)‪ ،‬فتجّس َدت ب ه‪،‬‬
‫وظّهَر ته لنا قدوة وأسوة‪ -‬كان الِع لم حقيقّيًا‪َ ،‬و َض ِم ن الس عادة للبش رّية‪ .‬ف إذا ُو ِج د ذل ك في‬
‫مدارسنا‪ ،‬اإلسالمّية أو غيرها‪ ،‬وُو ِج د العلم الحقيقّي الملتزم بالتع اليم والض وابط اإللهّي ة‪،‬‬
‫َفَلن يطول الوقت حّتى يصبح شبابنا ‪-‬الذين ُهم أمل هذا البلد ومستقبله‪ -‬مؤم نين مل تزمين‬
‫ِبطريق الحّق ‪ ،‬غير َم شوبين باألفكار الغربّية أو الشرقّية‪.‬‬

‫إّنه َلِم ن السذاجة ‪-‬حّقًا‪ -‬أن نظّن أّن التخّص ص َيكفي‪َ .‬لو أَر دنا ترويج العلم واالس تفادة ِم ن‬
‫العلماء‪ ،‬ال بَد ِم ن أن يكون ِع لمًا غير َم شوب باالنحراف‪َ ،‬فال ُنعِّين أساتذة ومعّلمين ترّبوا‬
‫في موسكو أو واشنطن‪ .‬إّن متخّص صين كهؤالء قد يعالجون َم رضًا ظاهريًّا هن ا‪ ،‬ولكّنهم‬
‫‪-‬في الوقت نفسه‪ -‬يزرعون أمراضًا داخلّية وباطنّية عدي دة؛ ي زول عّن ا م رض ص غير‪،‬‬
‫وُنبتلى ِبداٍء أعظم‪ .‬يجب علينا أن ننتبه إلى األمور والمس ائل جميعه ا‪َ .‬و ه ؤالء البع ثّيون‬
‫ِم ثاٌل حٌّي أمامكم‪َ ،‬فُهم ‪-‬اآلن‪ -‬مصدر مشاكل بلدنا كّلها‪ ،‬ومش اكل ش عب الع راق المس ِلم‪،‬‬
‫ال ذي أص ابه أك ثر مّم ا أص ابنا بس ببهم‪ .‬ه ؤالء البع ثّيون تخّصص وا في الجامع ات‪،‬‬
‫وتخّر جوا منها‪ ،‬ولكن لم يكن لديهم أّية تربي ة أو تزكي ة‪َ ،‬و إذا لم يق ترن العلم م ع التربي ة‬
‫والتزكية َيظهر النظام الص ّد امّي الس ابق‪َ .‬ف إذا لم ُنق رن ِع لمن ا بتزكي ة أنفس نا وتربيته ا‪،‬‬
‫سنكون صّد امّيين‪ .‬لذا‪َ ،‬فلتكن ت ربيتكم تربي ًة إس المّية‪-‬إنس انّية‪ ،‬على الص راط المس تقيم‪،‬‬
‫ألّننا ال نقبل بتربية موسكو أو واشنطن»‪.1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪.397 - 396‬‬ ‫‪1‬‬


‫«إذا أردُتم أن ُتعّلموا األطفال فقط‪ِ ،‬م ن دون أن تهتّم وا بج انب التعليم والتربي ة اإلنس انّية‬
‫واألخالقّية‪ ،‬فإّن المتعِّلم سيقطع المراحل التعليمّي ة‪ ،‬ولكّن الِع لم سيش ّد ه ‪-‬أو يش ّد أك ثرهم‪-‬‬
‫إلى الفساد‪.‬‬
‫‪| 136‬‬
‫ال يأتي اإلنسان إلى الدنيا فاسدًا‪ ،‬بل يأتي ِبفطرة جّيدة إلهّي ة‪ ،‬إذ إّن ك ّل مول ود يول د على‬
‫الفطرة اإلنسانّية‪ِ ،‬فطرة الصراط المستقيم‪ ،‬فطرة اإلسالم‪ ،‬وفطرة التوحيد‪ .‬ولكّن التربي ة‬
‫هي التي تسّد الطريق على هذه الفطرة‪َ ،‬فتوصل المجتمع إلى كماله المنشود ‪-‬بحسب ك ّل‬
‫مجتمع إنسانّي ‪ -‬وتجعل البالد إنسانّية نموذجّي ة كم ا يري دها اإلس الم‪ .‬فتعليم األطف ال ِم ن‬
‫دون تربية‪ ،‬يمكن أن يدفع البالد وشؤونها إلى الدمار‪ ،‬إْن ُه و َو ق ع في أي ديهم‪ .‬أنتم ‪-‬أّيه ا‬
‫المعّلمون وأساتذة الجامعات في أنحاء البالد‪ -‬جميعكم َم س ؤولون تج اه ه ذه األمان ة ال تي‬
‫َأعطاكم إّياها هللا تبارك وتعالى وأولي اء األطف ال‪ .‬جميعكم مس ؤولون‪ .‬ال تظّن وا أّن َع دد‬
‫الطاّل ب الذين ُتعّلم ونهم ال وزَن ل ه‪ ،‬واآلخ رون هم ال ذين يقوم ون باألعم ال‪ ،‬إذ إّن ِم ن‬
‫الممكن أن يك ون من بين ه ؤالء ش خص َيص ل إلى مرتب ة عالي ة ‪-‬ك أن يص بح رئيس ًا‬
‫للجمهورّية والبالد أو رئيسًا للوزراء‪ -‬أو تصبح مناصب الوطن العليا ِبَيده‪ ،‬فيقض ي على‬
‫بلٍد بأكمله‪َ .‬فإْن هَو تَتلَم ذ على َيديك‪ ،‬ثّم َذ هب عند َم ن ُيرّبيه تربية فاسدة‪ ،‬أو تعَّلم ِم ن دون‬
‫أن يهتّم بأن يترّبى تربية إنسانّية‪ ،‬أو تَتلمذ ‪-‬ال س مح هللا‪ -‬على َي د معِّلم ُم نح رف؛ أي إّن ه‬
‫كان تحت تأثير تربي ة ُم نحرف ة في مراح ل حيات ه كّله ا‪ِ ،‬م ن الممكن أن يقض ي على بل د‬
‫كامل‪...‬‬

‫يجب أن تنتبهوا إلى هذا المع نى؛ َف إذا ك انت ت ربيتكم ‪-‬ال س مح هللا‪ -‬تربي ة غ ير إنس انّية‬
‫وغير إسالمّية‪ ،‬فإّنكم ستكونون شركاء له في أّي عمل يقوم به في المستقبل؛ أي ش ركاؤه‬
‫في الجريمة‪َ .‬و إذا كانت التربية تربية إنسانّية مواِفقة للفطرة‪ ،‬فأنتم شركاء ل ه ‪-‬أيض ًا‪ -‬في‬
‫أّي عمٍل َح َس ن يقوم ب ه في المس تقبل‪ .‬المعِّلم أمين‪ ،‬ال كغ يره من األمن اء‪ ،‬إذ إّن اإلنس ان‬
‫أمانة ِبَيده‪ ،‬فإذا خان األمانة ارتكَب إثمًا‪.‬‬
‫َلو اؤُتِم ن على سّجادة َففّرط بها‪ ،‬ف إّن ذل ك لن ي ؤّثر على المجتم ع‪ ،‬ب ل سيض ّر شخص ًا‬
‫واحدًا ‪-‬طبعًا يجب عليه أن ُيعّو ض عن الضرر ال ذي ألحق ه ب ه‪ -‬ولكن َل و ك انت األمان ة‬
‫إنسانًا أو طفًال قابًال للتربية‪َ ،‬و ارتكب خيانة بحّقه‪ ،‬فإّن هذه الخيانة قد تكون خيانة للش عب‬
‫‪| 137‬‬ ‫والمجتمع واإلسالم‪ .‬بناًء على هذا‪ ،‬فإّن هذا العمل‪ ،‬على الرغم ِم ن أّنه عمل ش ريف وَقِّيم‬
‫جّد ًا‪ِ ،‬م ن باب أّنه ُش غل األنبياء (عليهم السالم) ال ذين ج اؤوا في ه ِلتربي ة اإلنس ان‪ ،‬إاّل أّن‬
‫مسؤولّيته ‪-‬كما كانت مسؤولّية األنبياء (عليهم السالم)‪ -‬كبيرة جّد ًا»‪.1‬‬

‫الفطرة النقّية لألطفال والناشئة‬

‫«أنتم تعلمون أّن هؤالء األطفال الموجودين هنا في المدرسة االبتدائّية ‪-‬والذين س يكونون‬
‫في الثانوّي ة بع دها‪ ،‬إلى أن ينتهي بهم األم ر إلى الجامع ة‪ُ -‬هم رأس مال ال وطن؛ أع ني‬
‫رأسماله وبن اءه العلمّي ‪ .‬وتعلم ون أّن له ؤالء األطف ال ‪-‬من ذ دخ ولهم بيئ ة التعُّلم‪ -‬نفوس ًا‬
‫سالمة نقّية قابلة ألنواع التربية وم ا ُيلقى إليه ا كّل ه‪َ .‬و أّنهم ‪-‬من ذ دخ ولهم ُد ور الحض انة‪-‬‬
‫أمانات إلهّية بأيدي َم ن ُيعّلمونهم‪ ،‬سينتقلون إلى أم اكن أخ رى وإلى معّلمين آخ رين‪ ،‬إلى‬
‫أن يك بروا ويرش دوا وَيص لوا إلى المراح ل الُعلي ا والجامع ات‪َ .‬ف إذا تّم ت تربي ة ه ؤالء‬
‫األطفال تربي ًة مناس بة إلنس انّيتهم وِفط رتهم اإلنس انّية النقّي ة‪ ،‬من البداي ة‪ ،‬وِم ن دون أّي‬
‫انح راف‪ ،‬في الحض انة والم دارس االبتدائّي ة‪ ،‬ف إّنهم س ينتقلون إلى الثانوّي ات بالتربي ة‬
‫نفسها‪ ،‬ثّم إلى الجامعات‪َ .‬فإذا تّم ت التربية فيه ا ‪-‬أيض ًا‪ -‬على أس اس الص راط المس تقيم‪،‬‬
‫َّل ِه َّلِت‬ ‫ِفۡط‬ ‫ًا‬ ‫ّل‬
‫َو قام المع مون بتربيتهم تربية إنسانّية وه دايتهم طبق ِلم ا تقتض يه ﴿ َر َت ٱل ٱ ي َفَط َر‬
‫ٱلَّناَس َعَلۡي َه ۚا ﴾‪ ،2‬تحَّم لوا مسؤولّية مصير البالد‪ ،‬وقادوا المجتمع إلى األمام‪،‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،14‬ص‪.33 - 32‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة الروم‪ ،‬اآلية ‪.30‬‬ ‫‪2‬‬


‫َو َج علوه نورانّيًا وإنسانّيًا‪ ،‬وَر ّبوا البالد على أساس ِفطرة هللا‪َ .‬فإذا ك انت التربي ة إنس انّية‪،‬‬
‫أّثرت في اليافعين أكثر ‪-‬من حيث إّنهم أكثر قابلّية‪ -‬وَخ ُطوا المراحل أسرع»‪.1‬‬

‫‪| 138‬‬

‫اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،14‬ص‪.31‬‬ ‫‪1‬‬


‫األمر الرابع‪ :‬اإلعالمّيون‬
‫ال يق ّل َدور المؤّسس ات اإلعالمّي ة ‪-‬خاّص ًة في وقتن ا ال راهن‪ -‬عن َدور أّي ة مؤّسس ة أو‬
‫وس يلة تربوّي ة أخ رى‪ ،‬إذ إّنه ا ُتق ّد م الِغ ذاء الثق افّي وال تربوّي ‪ِ-‬بش كٍل واس ع‪ -‬لش رائح‬
‫‪| 139‬‬ ‫المجتمع كّلها‪ِ .‬م ن هنا‪ ،‬أعَر ب اإلمام الخمينّي (قدس سره) عن قلقه ح ول قض ّية إص الح‬
‫وسائل اإلعالم ‪-‬وال سّيما اإلذاعة والتلفزيون والصحف‪ -‬منذ انتصار الثورة‪.‬‬

‫َفقاَم اإلمام (قدس سره)‪ ،‬في هذا المجال‪ ،‬باآلتي‪:‬‬

‫‪ .1‬رّسخ فكرة أّن وظيفة وسائل اإلعالم تربوّية تعليمّي ة ِبش كٍل أساس ّي ‪ ،‬ب ل إّنه ا بمثاب ة‬
‫الجامعة للناس جميعًا‪.‬‬

‫‪ .2‬بّيَن َدور وسائل اإلعالم تاريخَيًا في إصالح المجتمع أو فساده‪.‬‬

‫‪ .3‬طرح مفهوم «استقالل المؤّسسات اإلعالمّي ة» ِبش كٍل أساس ّي ‪ ،‬وَبّين معن اه‪ِ ،‬بحيث ال‬
‫يكون ُم ساويًا للحّرّية المطلقة المباِينة لضرورة إصالحها‪.‬‬

‫‪ .4‬رّك ز على قضّية ارتباط أساس النظام اإلسالمّي ِبحفظ الوسائل اإلعالمّية‪.‬‬

‫اإلذاعة والتلفزيون مؤّس سة تعليمّية‬

‫«اإلذاعة والتلفزيون ِج هاز مهّم في البناء والتربية‪ ،‬كما هو مهّم في اإلفساد‪ .‬ولع ّل ال ذين‬
‫اخترعوا هذه األجهزة كانوا يطمحون إلى أن تكون أجهزة تربوّية‪ ،‬والشيء نفسه َيص دق‬
‫على الصحافة‪ ،‬لكّن أهّم ّية اإلذاعة والتلفزيون أكبر‪َ ،‬فينبغي أن تتّم بواسطتها تربية فئ ات‬
‫الشعب كاّفة‪ ،‬من حيث إّنها جامعة عمومّية ال ينحصر وجودها ِبمك ان ُم عّين‪ ،‬كالجامع ة‪،‬‬
‫بل إّنها جامع ة على مس توى البالد بأس رها‪ .‬ل ذا‪ ،‬تنبغي االس تفادة ِم نه ا في ه ذا اإلط ار‬
‫بأقصى ما يمكن‪َ .‬فينبغي عليها‪ ،‬والحال هذه‪ ،‬أن تساهم في توعية الناس بع د س نواتٍ ِم ن‬
‫عملها‪ ،‬فتجعل‬
‫الجمي ع مجاه دين مفّك رين مس تقّلين تح ّررّيين بعي دين عن التغ ُّر ب‪ ،‬وأن ُتعِّلم الن اس‬
‫االستقالل ‪-‬وهو أهّم متعّلقات هذه األجهزة‪-‬؛ أي إّن مسؤولّيتها تتلّخ ص في أن تك ون م ع‬
‫الناس كالمعّلم مع الطاّل ب‪َ .‬فليتحّد ث َعبرها الكّتاُب والخطب اء الواع ون المّطلع ون‪ ،‬إذ ال‬
‫‪| 140‬‬ ‫بّد ِم ن إعطاء هؤالء فرصة للحديث ع بر ه ذه األجه زة‪َ .‬و ثّم ة العدي د مّم ن يتمّك ن ون من‬
‫اقتراح هذه المعاني‪َ ،‬فلُيعطوا فرصة التحّد ث‪ ،‬ولُيق ّد موا للن اس م واّد مفي دة وغ ذاء نافع ًا‬
‫وصحيحًا وسليمًا‪ ،‬بدًال ِم ن األمور التي ال تنفعهم أو تضّرهم»‪.1‬‬

‫«عليكم أن تعلموا أّن هذه األجهزة‪ ...‬يجب أن تكون أجهزة تعليمّية‪َ .‬ففي زمن الطاغوت‪،‬‬
‫َعمَلت هذه األجهزة على استغفال شبابنا بشأن مصيرهم‪ ،‬وتوجيه شعبنا نح و أم ور غ ير‬
‫ُم جِد ية‪ ،‬والحال أّن ُد ور السينما لم توَج د ِلتحقي ق األغ راض المش ؤومة ال تي َس َع وا إليه ا‬
‫طوال هذه المّد ة‪ .‬اإلذاعة والتلفزيون مؤّسسة تعليمّية‪ ،‬وك ذلك ُد ور الس ينما‪َ ،‬فتنبغي إدارة‬
‫هذه المؤّسسات والمراكز إدارًة سليمة وأخالقّية»‪.2‬‬

‫«يجب أن تك ون اإلذاع ة والتلفزي ون والمس رح وس ائل للتربي ة والتعليم‪َ .‬و اإلس الم ال‬
‫يعارض تلك األجه زة‪ ،‬إاّل أّن ه يري د ته ذيبها وَج عله ا في خدمت ه وخدم ة تربي ة الش ّبان‪.‬‬
‫َفنحن‪ ،‬إذ إّننا ُم كّلفون بتربية هؤالء الشباب الذين نحّبهم‪ ،‬علينا أن ن رّبيهم تربي ة إس المّية‬
‫دينّي ة‪ ،‬آخ ذين بَع ين االعتب ار متطّلب ات العص ر‪ ،‬بحيث يعرف ون ‪-‬من البداي ة‪ -‬قض ايا‬
‫العصر‪ ،‬ويدركون ما عليهم القيام به في المستقبل‪َ .‬فيجب أن تقترن هذه التربية بالِع لم»‪.3‬‬

‫«يستطيع اإلعالم المرئّي ‪ ،‬عن طري ق الس مع والمش اهدة‪ ،‬تربي ة الن اس أو ه دم اُألس س‬
‫اإلنسانّية داخلهم‪ِ .‬م ن هذا المنطلق‪ ،‬كانت‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.317 - 316‬‬


‫‪ 2‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.325‬‬
‫‪ 3‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.376‬‬
‫المس ؤولّية الملق اة على ع اتق ال واقفين على إدارة ه ذه األجه زة اإلعالمّي ة مس ؤولّية‬
‫جسيمة؛ بمعنى أّن تأثير الراديو والتلفزيون الساِلَم ين اإليجابّي َيسير بالمجتمع في مس اره‬
‫الص حيح‪ ،‬بينم ا إذا اعترض هما ‪-‬ال ق ّد ر هللا‪ -‬أّي انح راف‪ ،‬فإّنهم ا س يؤّد يان إلى ض ياع‬
‫‪| 141‬‬ ‫المجتمع بأكمله‪ .‬لذا‪ ،‬ينبغي على وسائل اإلعالم القيام ِبَدور المرّبي في المجتمع‪ ،‬فإّنها ق د‬
‫ُو جَدت ‪-‬أساسًا‪ -‬من أجل إصالحه‪َ .‬و َل و فرض نا أّنه ا لم توج د من أج ل ذل ك‪َ ،‬فإّنه ا ‪-‬في‬
‫النهاي ة‪ -‬وس يلة ِم ن وس ائل التربي ة‪َ .‬فالص حيفة والمجّل ة يجب أن تكون ا ترب وّيَتْين ِلَم ن‬
‫يقرأهما‪ ،‬والسينما يجب أن تكون مرّبي ًا ِلَم ن ي دخلها‪ ،‬وك ذلك المس رح‪ ،‬بينم ا ي برز َدور‬
‫الراديو والتلفزيون على نطاٍق أوسع‪ .‬إذًا‪ ،‬ينبغي اس تخدام ه ذه األجه زة في تربي ة أف راد‬
‫وطنّيين ُم سلمين صالحين»‪.1‬‬

‫«يجب أن تكون اإلذاعة وسيلة لتربية الشعب وتعليمه‪ .‬إّن باستطاعة اإلذاعة والتلفزي ون‬
‫‪-‬أفض ل ِم ن غيرهم ا‪ -‬أن يرّبي ا بل دًا ك امًال‪ ،‬إذ إّن ط الب الِع لم واألّمّي يس تفيدان ِم نهم ا‪،‬‬
‫بعكس الوسائل األخرى‪ ،‬كالصحف والمجاّل ت‪ ،‬التي تخاطب فئ ة معّين ة ِم ن الن اس‪ ،‬ف إّن‬
‫تأثيره ا مح دود‪ .‬أّم ا اإلذاع ة والتلفزي ون ف إّن انتش ارهما واس ع‪َ ،‬فه ا أنتم تقول ون إّن‬
‫إلذاعتكم أربعة ماليين ُم ستمع‪َ .‬ففئات الشعب جميعها تس تطيع اآلن أن تش اهد التلفزي ون‬
‫وتستمع إلى اإلذاعة‪َ ،‬فإّنكم تخدمون هذا الشعب عن طريق السمع والبصر‪ ،‬في حين أّنهم‬
‫ك انوا يخونون ه في الس ابق عن طري ق الس مع والبص ر‪ .‬إّن اإلذاع ة والتلفزي ون أفض ل‬
‫الوس ائل التعليمّي ة‪ ،‬وبهم ا ت رتقي الوس ائل األخ رى‪ .‬كم ا يمكن تربي ة جي ل الش باب‬
‫ِبواسطتهما‪ ،‬ألّن الناس جميعهم يتابعونهما‪ ،‬إذ إّن برامجهما يمكن أن َتصَل القرى النائية‪،‬‬
‫َفَم ن لم يمتلك جهازًا ِلنفسه‪َ ،‬يذهب إلى بيت َص ديقه ِلُم تابعتها‪.‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.127 - 126‬‬ ‫‪1‬‬


‫على كّل حال‪ ،‬ال بّد ِم ن إيجاد تحُّو ل في هاَتْين الوسيلَتْين‪ .‬فإذا أردُتم أن يكون وطنكم ملكًا‬
‫لكم‪ ،‬يجب أن تغّيروا نهج َس ير اإلذاعة والتلفزيون‪َ .‬و إن لم يح دث ذل ك‪ ،‬كون وا على ثق ة‬
‫أّن األم ور س تعود إلى م ا ك انت علي ه في الس ابق‪ ،‬وإْن لم َيكن ذل ك اآلن‪َ ،‬س يكون بع د‬
‫‪| 142‬‬ ‫سنوات‪َ ،‬فيعيش أبناؤكم وأحفادكم زمن البؤس مّرة أخرى»‪.1‬‬

‫مسؤولّية الوسائل اإلعالمّية في عدم تضليل الناس‬

‫«إّنني أحّذ ر الصحافّيين واإلذاعة والتلفزيون والجماعات التي بدأت تمارس نشاطها اآلن‬
‫‪-‬هذا تحذير للجميع‪ِ -‬م ن خيانة الشعب‪َ .‬فإذا أرادوا خدم ة البل د‪ ،‬فليتعّرف وا على توّجه ات‬
‫الشعب وتطّلعاته‪ ،‬ولَيتأّم لوا في البواعث ال تي دفَع ت أبن اء الش عب لل نزول إلى الش وارع‬
‫للهتاف بــ «هللا أكبر» والتضحية ِبشبابهم‪ِ .‬لماذا حصل هذا؟ َلقد كان ِم ن أجل اإلسالم‪ .‬لقد‬
‫أرادوا اإلسالم؛ لم تكن المسألة أّننا نريد الحّرّية وَح ْسب‪ ،‬فإيران وشعب إيران ال يريدون‬
‫حّرّية ِم ن دون اإلسالم‪ .‬إّن الشعب اإليرانّي ينشد اإلسالم‪ِ .‬لَتكن الحّرّية‪ ،‬ولكن ه ل تك ون‬
‫مثل حّرّية االّتح اد الس وفييتي؟ ِلتكن الحّرّي ة‪ ،‬ولكن ه ل تك ون مث ل حّرّي ة دول ة أخ رى‬
‫أجنبّية؟ منذ متى يريد شعبنا مث ل ه ذا؟ إّن ه ؤالء الس ادة مخطئ ون ‪-‬وال أق ول خ ائنون‪-‬‬
‫َو عليهم أن يتالفوا أخطاءهم‪ .‬يجب أن يكون الجمي ع ُم ّتح دين م ع بعض هم‪ِ ،‬م ثلم ا حّقق وا‬
‫باّتحادهم ما ُهم فيه اآلن»‪.2‬‬

‫َدور وسائل اإلعالم في إصالح المجتمع وفساده‬

‫«ك ان الرادي و والتلفزي ون ‪-‬على س بيل المث ال‪ -‬ينش ران الثقاف ة الطاغوتّي ة في زمن‬
‫الط اغوت‪َ ،‬فك ان ترك يزهم ُج ُّل ه على الموس يقى والغن اء ِلتم ييع ش بابنا وض ياعهم‪ .‬إّن‬
‫الموسيقى ُتضعف الروح‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.158‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.382‬‬ ‫‪2‬‬


‫اإلنسانّية‪ ،‬وُتصادر االستقالل الفكرّي لإلنسان‪ ،‬غير أّن ِنصف عمل الرادي و والتلفزي ون‬
‫كان َبّث الموسيقى أو عرض المشاهد الفاضحة ال تي ُتض ّلل ِفك ر الش باب وت دعوهم إلى‬
‫الفحشاء‪ .‬فحين يفتح الش اّب الم ذياع ويس مع الموس يقى المبتذل ة‪ ،‬أو يش اهد اإلغ راء في‬
‫‪| 143‬‬ ‫التلفزيون والسينما والمجّلة والصحيفة‪ ،‬ف إلى أين س وف ينج ّر تفك يره وتفك ير المجتم ع‬
‫كّله؟ لقد حصل ما رأيتموه‪ ،‬وكيف ُد ّم ر البلد ِبأسره‪.‬‬

‫إذا كنتم ُم حّبين لبلدكم وِلشعبكم ولإلس الم‪َ ،‬فعلى ك ٍّل منكم‪ ،‬وبحس ب مكان ه ووظيفت ه في‬
‫الجه از اإلعالمّي ‪ ،‬أن يق وم بإص الح ه ذا الجه از‪ .‬يجب أاّل تكون وا مت أّثرين بالثقاف ة‬
‫الغربّي ة‪َ ،‬فال توج د أّي ة ض رورة لبّث الموس يقى‪ 1‬بين خ بر وآخ ر‪ ،‬إذ إّن في ذل ك تش ّبه‬
‫بالغرب‪َ .‬و ال تظّنوا أّنه ا ت دّل على رقّي البل د‪ ،‬ب ل إّنه ا تخ رب عق ول أطفالن ا وتفس دها‪.‬‬
‫فعن دما َتط رق الموس يقى مس امع الش باب على ال دوام‪ ،‬س يتأّثرون به ا‪ ،‬ولن يس تطيعوا‬
‫التفكير ِبجّد ّية‪ِ .‬م ن األنسب لكم أن تبتكروا شيئًا يليق بثقافتنا‪ ،‬كوننا ُم سلمين»‪.2‬‬

‫«لم ُيِر د عمالء النظام الس ابق أن َيعَي ش بابنا م ا يح دث‪َ ،‬فك انوا يج ّر ونهم إلى الحان ات‬
‫والمالهي ِليشغلوهم عن قضايا بلدهم‪ .‬فالهدف ِم ن أن يعتاد ش بابنا مطالع ة تل ك المجاّل ت‬
‫المبتذلة ‪-‬التي رأيتموها‪ -‬بما تحويه ِم ن صور فاضحة ومس ائل مث يرة‪ ،‬وارتي اد ص االت‬
‫الس ينما بالكيفّي ة ال تي ك انت عليه ا‪ ،‬ومتابع ة الرادي و والتلفزي ون ببرامجهم ا المث يرة‬
‫لالشمئزاز‪ ،‬والترّد د إلى المدارس والشواطئ ومراكز الفحشاء‪ ،‬هو ضياع شبابنا وإلهائ ه‬
‫عن قضايا البلد‪ِ ،‬لُيصبحوا غير ُم بالين بشيء‪ ،‬حّتى ِبأنفس هم‪ .‬فالش اّب ‪ ،‬إذا اعت اد ال ذهاب‬
‫إلى السينما ورؤية تلك المشاهد الساقطة كّل ليلة أو كّل يوم‪ ،‬ف إّن ِفك ره لن ينص ّب على‪:‬‬
‫أين يذهب نفطنا؟ وأين تذهب ثرواتنا؟ وَم ن يستغّلنا؟ لن تخطر هذه األشياء‬

‫المقصود هو الموسيقى المحّرمة‪ ،‬أو الموسيقى الكثيرة التي تخرج عن حّد االعتدال‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.128‬‬ ‫‪2‬‬


‫في باله أبدًا‪َ ،‬فمثله كمثل ال ذي يتع اطى المخ ّد ارت‪ ،‬ال هّم ل ه س وى‪ :‬م تى أتع اطى تل ك‬
‫المواّد ؟ وِم ن أين أحصل عليها؟ وما إلى ذلك؛ لن ُيفّك ر أب دًا في أم ور حيات ه‪َ .‬فالش خص‬
‫ال ذي يرت اد الن وادي الليلّي ة لن يفّك ر في م ا يج ري في ه ذا البل د‪ ،‬وال في ع واقب ه ذه‬
‫‪| 144‬‬ ‫األمور‪َ ،‬و لن يأخذها ِبعين االعتبار‪.‬‬

‫تلك المسائل كّلها التي عملوا على ترويجها في الخمسين سنة األخيرة ‪-‬خاّص ًة في زم ان‬
‫ذلك الثاني [الشاه محّم د رض ا بهل وّي] األس وأ ِم ن األّو ل [الش اه رض ا بهل وّي]‪ -‬ك انت‬
‫تهدف إلى إلهاء شبابنا عن أنفسهم وعن بلدهم‪ ،‬فلم َيعبؤوا ِبما يجري‪ .‬فالذي ال هّم له غير‬
‫الذهاب إلى البحر بماذا يستطيع أن يفّك ر؟ إّنهم يمارس ون هن اك العه ر؛ ل ذا َفال يمكن أن‬
‫يتساءلوا عن قضايا العصر‪ ،‬ألّنها أمور خارجة عن دائ رة اهتمام اتهم‪ .‬إلى أين س ار بن ا‬
‫هذا الرجل الخائن؟ هذا كّله غير مهّم ‪ .‬ثّم إّن هؤالء المتنّو رين والكّت اب ودع اة التح ّرر ‪-‬‬
‫معظمهم ال كّلهم‪ -‬غير ملتفتين إلى ما يخَّطط لهؤالء الشباب والشاّبات‪ ،‬إذ إّنهم يفعلون ما‬
‫تمليه عليهم أهواؤهم كّله‪ .‬إّنهم يصرخون‪ :‬آه‪ ...‬لقد ذهبت الحّرّية‪ ،‬الحّرّية الجميلة ذهَبت‪.‬‬
‫َح سنًا ذهبت الحّرّي ة‪ ،‬فم اذا ح دث؟ ُأغلقت الحان ات وُع ّطلت مراك ز الفحش اء‪ ،‬وال زلن ا‬
‫نجهل إذا ما ُع ّطلت كّلها أم ال‪َ ،‬فلم َيع د مس موحًا له ؤالء الش باب والفتي ات بال ذهاب إلى‬
‫البحر بمفردهم‪ ،‬والتعّري هناك‪ ،‬أو ِفعل ما يشاؤون‪ .‬هذه الحّرّية التي ينادون به ا‪ ،‬وال تي‬
‫ُأملَيت عليهم ِم ن الغرب‪ُ ،‬أمِلَيت علينا نحن فق ط‪ ،‬ال عليهم‪ ،‬وإاّل َفِم ن أين لهم ذل ك ال رقّي‬
‫الماّد ّي؟ إّن هذا النوع ِم ن الحّرّية أوج ده الغ رب للش عوب المس تعَم رة‪ ،‬حّرّي ة مس توردة‬
‫وغير منصفة‪ .‬فأولئك المتحّيزون لم زاعم الغ رب يتبّجح ون بحق وق اإلنس ان َو ُهم غ ير‬
‫ُم نصفين‪ ،‬ألّنهم أنفس هم ‪-‬بعض ال ذين ي ّد عون التح ّرر ال كّلهم‪ -‬يري دون أن ينش روا ه ذا‬
‫الشكل ِم ن الحّرّية التي تجّر بالدنا نحو الهاوية»‪.1‬‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.352 - 351‬‬


‫«إذا ما ُو جدت عناصر تريد اإلخالل والعمل على خالف التوّج ه اإلس المّي ‪ ،‬ف إّن عليكم‬
‫إقص ائها جانب ًا‪ ،‬ولكن بالت دريج‪ ،‬من دون اللج وء إلى أس اليب المواجه ة العنيف ة‪ ،‬حّتى‬
‫تصبح هذه المؤّسسة مؤّسسة إسالمّية ُيبَّلغ فيها اإلسالم‪ ،‬تعمل على نشر التربي ة وال وعي‬
‫‪| 145‬‬ ‫والثقافة في أوساط الشعب‪.‬‬

‫إّن هذه األجهزة التي ترونها‪ ،‬والتي يجلس ِلمشاهدة برامجه ا ماليين الن اس ِم ن األطف ال‬
‫والشباب والكبار والش يوخ والمس ّنين‪ ،‬إذا م ا عمَلت على تق ديم ب رامج تربوّي ة وتثقيفّي ة‬
‫جّيدة‪ ،‬كعرض األفالم والندوات والخطب المفي دة‪ ،‬ف إّن أطفالن ا الص غار س يتلّقون تربي ة‬
‫سليمة من البداية‪ .‬أّم ا إذا قّد َم ت برامج فاسدة ومنحرفة ‪-‬ال سمح هللا‪ -‬ف إّنهم س يتلّقون ‪-‬من‬
‫البداية‪ -‬تربية فاسدة‪َ .‬فهذه األجهزة سالح ذو حَّد ْين‪ ،‬يتوّقف َنْفعه ا وض ررها عليكم؛ ف إْن‬
‫ِش ئتم جعلتموه ا وس يلة لل وعي والتربي ة والثقاف ة‪ ،‬وإن ِش ئتم جعلتموه ا أداة للفس اد‬
‫واالنحراف والرذيلة‪َ .‬و هي أجهزة جّذ ابة كثيرًا‪ ،‬تشُّد األطفال ِلرؤية ما تعرض ه ِم ن أفالم‬
‫ورسوم متحّركة َو ُص َو ر‪ ...‬فإْن ك انت ه ذه األفالم وال برامج مفي دة وتثقيفّي ة س اهَم ت في‬
‫تربي ة ه ؤالء األطف ال تربي ة س ليمة‪ ،‬وإن ك انت فاس دة س اهَم ت في َح ْر فهم وإفس ادهم‪.‬‬
‫وكذلك األمر بالنس بة إلى الكب ار‪ .‬ل ذا‪ ،‬تق ع على ع اتق ه ذه المؤّسس ات والع املين فيه ا‬
‫مسؤولّيات إلهّية وأخالقّية ووطنّية جسيمة»‪.1‬‬

‫ضرورة االستقالل الفكرّي للمؤّس سات اإلعالمّية‬

‫«يجب أن نمتلك االستقالل الفكرّي ‪ ،‬وأن نفصل طريقة تفكيرنا عن الطريقة الغربّية‪ ،‬لكي‬
‫نعيش مستقّلين فكريًّا‪ .‬ولن يتحّق ق ه ذا االس تقالل إاّل في ابتعادن ا عن التش ُّبه ب اآلخرين‪.‬‬
‫َفلتكن شؤوننا وأفكارنا مستقّلة‪َ ،‬و لَيُك ن جهازنا اإلعالمّي مستقًاّل‪ .‬لنمتلك حياة خاّص ة بن ا‪.‬‬
‫ال‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.155‬‬ ‫‪1‬‬


‫ُتع يروهم اهتمام ًا حين يّتهم ونكم بالرجعّي ة‪ ،‬وال ته ابوا انتق ادهم إّي اكم في كتاب اتهم أو‬
‫مقاالتهم‪ .‬فإذا أردُتم أن تستقّل بالدنا‪َ ،‬فلَيعمل كٌّل ِم نكم ِبِج ٍّد ِم ن موقعه‪ ،‬بما يحّق ق مص الح‬
‫هذا البل د‪ ،‬وال ته ابوا النق د أو االّته ام‪َ .‬فلُتك َّرس الجه ود إلص الح أداء مؤّسس ة اإلذاع ة‬
‫‪| 146‬‬ ‫والتلفزيون‪ ،‬بما يساعد في بناء اإلنسان‪ ،‬وينّم ي فيه كماالته الروحّية والمعنوّية والعقلّي ة‪.‬‬
‫ويجب أاّل يغيب عن أذهاننا ما الذي َفعله النظام البائ د في تخُّل ف ه ذا البل د تحت واجه ة‬
‫الحضارة الكبرى»‪.1‬‬

‫«ُقلت ِم رارًا إّن مؤّسس ة اإلذاع ة والتلفزي ون يجب أن تس تقّل تمام ًا‪ ،‬وتنبغي المحافظ ة‬
‫على استقاللّيتها‪ ،‬بأاّل يتدّخ ل أحٌد في شؤونها‪ .‬كِّر سوا الجهود من أجل َأسَلَم تها فق ط‪ ،‬حّتى‬
‫تكون ُم نسجمة مع إرادة الشعب‪َ .‬لق د ب ذل الن اس دم اءهم‪َ ،‬و ال يمكن أن يب ذل المس لمون‬
‫دماءهم لكي تأتي عناصر منحرفة وتحصد الثمار؛ ال يحكم بهذا أّي عقل أو شرع‪ .‬ن زَلت‬
‫الجماهير المسلمة إلى الش وارع‪ ،‬ورّد َدت ن داء «هللا أك بر»‪َ ،‬و َض ّحت بأنفس ها‪ ،‬وق الت‪:‬‬
‫نريد جمهورّية إسالمّية؛ إّن محتوى الجمهورّية اإلسالمّية ه و أن يك ون ك ّل ش يء فيه ا‬
‫إسالمّيًا‪ .‬وبما أّن مؤّسسة اإلذاعة والتلفزيون ِم ن األمور المهّم ة ال تي تف وق في أهّم ّيته ا‬
‫أّي شيء آخر‪َ ،‬فتجب َأْس َلمتها‪ِ .‬احفظوا استقاللها‪ .‬وإذا جاء شخص وأراد َفرض شيء َفال‬
‫تبالوا به أبدًا‪ ،‬بل اعملوا في هذا الجهاز باستقالل واقتدار»‪.2‬‬

‫مسؤولّية الوسائل اإلعالمّية في بناء الشباب‬

‫«يجب أن ُتقِّدم اإلذاعة والتلفزيون ‪-‬هاتان الوسيلتان اللت ان ُيف ترض أن تكون ا تعليمّيَتْين‪-‬‬
‫المنعة والقّو ة لشبابنا‪ .‬فال يجوز أن يكون التلفزيون‪ ،‬مثًال‪ ،‬أداة لبّث األغاني عشر ساعات‬
‫يومّي ًا؛ م ا ُيص ِّير الش اّب الق وّي ض عيفًا‪ ،‬وُيدخل ه في حال ة تش به حال ة المخم ورين أو‬
‫المخّد رين‪،‬‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.129‬‬


‫‪ 2‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،12‬ص‪.244‬‬
‫إذ إّن أث ر المخ ّد رات ال يختل ف كث يرًا عن التلفزي ون‪َ ،‬فإّنهم ا ُيح دثان حال ة ِم ن الثمال ة‬
‫ِكاَل هما‪ .‬يجب أن يتغّير ه ذا كّل ه‪ .‬ف إذا كنتم تري دون أن يك ون وطنكم ح ّر ًا أبّي ًا مس تقًاّل‪،‬‬
‫عليكم ‪ِ-‬م ن اآلن َفص اعدًا‪ -‬أن تأخ ذوا األم ور بجّد ّي ة تاّم ة‪ .‬عليكم إلغ اء بّث الغن اء ِم ن‬
‫‪| 147‬‬ ‫اإلذاعة والتلفزيون‪ ،‬وتحويل هاَتْين الوسيلَتْين إلى وسيلَتْين تعليمّيَتْين‪ِ ،‬م ن غير أن َتخشوا‬
‫أن يّتهمكم بعضهم بالتخّلف أو الرجعّية‪َ .‬فإن َح َذ فُتم الغناء ِم ن اإلذاعة أو التلفزيون‪ ،‬قولوا‬
‫لهم‪ :‬إذا كّن ا َس نص بح به ذا العم ل ُم تخّلفين‪ ،‬فنحن متخّلف ون‪ .‬وال تقلق وا‪ ،‬ألّن ِم ث ل ه ذه‬
‫األقاويل تهدف إلى إبعادكم عن األعمال الجاّد ة»‪.1‬‬

‫«عليكم السعي في َج عل الشعب يتقّبل هذه األشياء تدريجّيًا‪ ،‬وَج علهم ُيقلع ون عن ع اداتهم‬
‫الخبيث ة ه ذه‪َ .‬فكم ا تش اهدون اآلن‪ ،‬إْن لم َيِج د ش بابنا الغن اء ف إّنهم َيبحث ون عن ه‪ ،‬ألّنهم‬
‫اعتادوا هذه األشياء؛ هذا شاهد على أّن شبابنا باتوا ُم نحّلين ُخ لقّيًا‪ .‬وعلى عاتقن ا إّنم ا تق ع‬
‫وظيفة إعادة تأهيل هذا الجيل المنحّل‪َ ،‬و َم نع تكرار هذه المأساة مّر ة ثانية‪ .‬يجب أخذ ه ذه‬
‫األمور بجّد ّية تاّم ة‪ .‬كما أّن االختالط بين الرجال والنساء على شاطئ البحر ‪-‬هو اآلخ ر‪-‬‬
‫ِم ن األمور التي كانوا يخّططون لها‪َ .‬فيجب أن يكون الناس ج اّد ين في وقاي ة أنفس هم ِم ن‬
‫هذه األمور‪َ ،‬و يجب على قوى األمن واألجهزة اإلدارّية أن تبذل م ا ِبوس عها ِلَم ن ع وق وع‬
‫مثل هذه األمور‪ .‬كما يجب على اإلذاعة أن توّض ح للشعب مخاطر هذه األم ور‪ ،‬والفس اد‬
‫الكامن فيها»‪.2‬‬

‫ارتباط حفظ النظام اإلسالمّي بصيانة الوسائل اإلعالمّية‬

‫«إّن َو ضَع اإلذاعة والتلفزيون يختل ف عن َو ض ع المؤّسس ات األخ رى‪َ ،‬فِم ن الممكن أن‬
‫تصدر بعض االنحرافات عن وزارة ما‪ ،‬ويبقى الناس غ افلين عنه ا س نوات عدي دة‪ ،‬أّم ا‬
‫اإلذاعة والتلفزيون فإّنهما‪ ،‬بمجّرد‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.157‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.158 - 157‬‬ ‫‪2‬‬


‫َبِّثهما ما ُيخالف الشرع أو يتعارض مع توُّج هات الش عب‪ ،‬ف إّن البالد كّله ا س تعلم ب ه في‬
‫وقته ‪-‬خاّص ًة أّن أجهزة الراديو والتلفزيون باتت موجودة في كّل مكان تقريبًا‪-‬؛ ما يجع ل‬
‫هذه األجهزة خطيرة للغاية‪ ،‬ألّن عي ون الماليين وآذانهم ترقبه ا‪ُ ،‬م ض افًة إلى الكث ير ِم ن‬
‫‪| 148‬‬ ‫القنوات الخارجّية‪ ،‬إذ يمكن للراديو أن يبّثه ا ع بر موج ات مختلف ة‪ .‬ف إذا م ا بّثت أم ورًا‬
‫مخالفة للشرع‪ ،‬ومعاِر ضة لتوّج هات اإلسالم والشعب‪ ،‬فإّن َخ طرها س يكون أعظم ِبكث ير‬
‫ِم ن خطر انحراف هذه الوزارة أو تلك‪ ...‬إّن مؤّسس ة حّساس ة وخط يرة وواس عة الت أثير‬
‫كهذه‪ ،‬إذا ما قاَم ت ِبَبّث ب رامج منحرف ة أو مخالف ة للتوّج ه اإلس المّي ‪ ،‬أو تتع ارض م ع‬
‫تطّلعات الشعب‪َ ،‬فلن يق ول األع داء إّن التلفزي ون أو اإلذاع ة منحرف ان‪ ،‬ب ل س ُيوّجهون‬
‫أص ابع االّته ام إلى النظ ام اإلس المّي ‪ .‬ل ذا‪ ،‬ف إّن س معة اإلس الم ومص داقّية الجمهورّي ة‬
‫اإلس المّية مرتبط ة بعم ل ه ذه األجه زة والمؤّسس ات‪ ،‬وال س ّيما مؤّسس ة اإلذاع ة‬
‫والتلفزي ون‪ ،‬األخط ر من المؤّسس ات الباقي ة‪ .‬علين ا‪ ،‬إذًا‪ ،‬أن نس عى إلى َص ون اإلس الم‬
‫وسمعته‪ِ ،‬بالعمل الدؤوب‪ ،‬واالستقامة‪ ،‬والتفاهم في ما بيننا»‪.1‬‬

‫«قلُت ِم رارًا إّن جهاز اإلذاع ة والتلفزي ون أك ثر األجه زة اإلعالمّي ة حساس ية في البالد‬
‫كّلها‪ ،‬إذ إّن الناس يستفيدون منه َبصرّيًا وَس معّيًا‪ ،‬وال يهتّم ون بجهاٍز آخر كما يهتّم ون به‪،‬‬
‫ِم ن الجهاز الصغير الذي يوضع لألطفال إلى البرامج التي ُتقّد م لآلخرين‪َ .‬فإذا تّم إص الح‬
‫هذا الجهاز‪ ،‬وكانت برامجه برامج إصالحّية‪َ ،‬فِم ن المؤّم ل أن تصلح البالد بأكمله ا‪ ،‬وإذا‬
‫كان هذا الجهاز جهازًا ُيشبه م ا ك ان علي ه في زمن الط اغوت‪ ،‬س يبقى الن اس على تل ك‬
‫الحال‪ .‬لذا‪ِ ،‬م ن الواجبات المهّم ة الملقاة على عاتق هذه الش ورى ال تي يجتم ع أعض اؤها‬
‫ُهنا ‪-‬وفيها السّيد موسوّي‪ ،‬الذي نعلم سوابقه‪ ،‬ونعرفه‪ُ -‬م راقبة ه ذا الجه از‪ِ ،‬بحيث يك ون‬
‫محتواه محتوى جمهورّيًا إسالمّيًا‪.‬‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.154 - 153‬‬


‫إذا أردن ا تحقي ق جمهورّي ة إس المّية في إي ران‪َ ،‬فال يكفي أن نق ول جمهورّي ة إس المّية‪،‬‬
‫وُنص ِّو ت ِلص الح الجمهورّي ة اإلس المّية‪ ،‬ب ل يجب أن تك ون كّله ا إس المّية؛ بأجهزته ا‬
‫اإلعالمّي ة وُص حفها وإذاعته ا وتلفزيونه ا وإداراته ا ومراكزه ا الحكومّي ة والوطنّي ة‬
‫‪| 149‬‬ ‫والسوق‪ ،‬وفي الصحراء وفي الداخل‪ ،‬وفي المعامل‪ ،‬بحيث إذا دخلها أحٌد َش عر أّن ه دخ ل‬
‫جهازًا فيه رائحة اإلسالم وأث ره‪ .‬ينبغي أن تك ون آث ار اإلس الم في ه ذه األجه زة كّله ا‪،‬‬
‫وتنبغي إزال ة األم ور المخالف ة للمع ايير اإلس المّية كّله ا‪ ،‬والمتناقض ة م ع الجمهورّي ة‬
‫اإلسالمّية ومصالح الشعب‪ .‬ثّم ة في التلفزيون‪ ،‬مثًال‪ ،‬مسألة األفالم‪ .‬ينبغي أن تك ون ه ذه‬
‫األفالم أفالمًا تربوّية‪ ،‬ال أفالم ًا إذا ش اهدها ش بابنا انحرف وا‪َ .‬و إذا ك ان ثّم ة َم ن يري دون‬
‫القيام بمث ل ه ذه األعم ال‪ ،‬وأمكَن ُنص حهم فانص حوهم‪ ،‬وإاّل َو جب تطه ير ه ذا الجه از‬
‫ِم نهم‪.‬‬

‫إّن مسؤولّيتكم كبيرة‪َ ،‬فإّم ا أن تسيروا بهذه الجمهورّية إلى األمام ‪-‬ب إعالمكم وب العروض‬
‫التي تقّد مونها وباألفالم التي تعِر ضونها‪ -‬أو ُترجعوها إلى ال وراء؛ ه ذه مس ؤولّية كب يرة‬
‫جّد ًا‪ .‬س تطول الم ّد ة إلى أن ُنفِهم الع املين والم وظّفين في ك ّل مك ان أّن ه يجب أاّل تك ون‬
‫أمورنا كّله ا تقلي دًا للغ رب‪ ،‬ألّنهم يظّن ون أّن ه إذا ك انت اإلذاع ة والتلفزي ون في أمريك ا‬
‫وبريطانيا على نحو ما‪َ ،‬فعلينا أن نقّلدهم وأن نفعل ما يفعلون ه كّل ه‪ .‬ه ذه قض ّية ُنواجهه ا‬
‫نحن تقريب ًا في األم اكن كّله ا ال تي يظّن ون أّن ش كل بل داننا يجب أن يك ون ك الغربّيين‪.‬‬
‫ستطول المّد ة إلى أن يتغّير هذا الشكل وُنفهم الش رائح جميعه ا أّن األم ر ينبغي أاّل يك ون‬
‫كذلك‪ ،‬وإّنم ا يجب أن نك ون مس تقّلين في أفكارن ا وآرائن ا‪ .‬اآلن‪ِ ،‬م ن واجبكم أن ُتراقب وا‬
‫العاملين وُتشرفوا عليهم في هذه األمور كّلها؛ َفال بّد للذين يتوّلون األمور في التلفزيون ‪-‬‬
‫وهو مؤّسسة كبيرة‪ِ -‬م ن أن يكونوا ملتزمين باإلس الم ومؤم نين بالجمهورّي ة اإلس المّية‪،‬‬
‫وأن يعلم وا مع نى الجمهورّي ة اإلس المّية ‪-‬وه و أن يك ون محتواه ا إس المّيًا‪ .-‬يجب أن‬
‫َتضعوا‬
‫ه ذا على رأس األعم ال في أنح اء إي ران كّله ا‪ ،‬وفي ك ّل مك ان‪ .‬كم ا يجب أن تج دوا‬
‫ُم تح ّد ثين ل برامجكم ال تي تحت اج ذل ك‪ ،‬وثّم ة كث يرون ِم ن الفض الء والعلم اء والمثّقفين‬
‫ُم ستعّد ون لذلك‪َ .‬فليأِت أفراٌد ِم ن كّل طبقة ويتحّد ثوا؛ استفيدوا من هؤالء‪ .‬هذا ش يء يجب‬
‫‪| 150‬‬ ‫أن يتّم ‪.‬‬

‫أّم ا ما يتعّلق بالمرئّيات واألفالم‪ ،‬فانتبهوا إلى أاّل تكون محِّر ف ة‪ ،‬وال تحت وي من اظر كم ا‬
‫في السابق‪ ،‬فتؤّد ي إلى انحراف شبابنا‪ ...‬حّتى ما ُيعرض لألطفال‪ ،‬يجب أن يجعل الطفل‬
‫ينشأ ‪-‬من البداية‪ُ -‬م ستقًاّل في ِفكره ومستقيمًا وملتزمًا ‪-‬ويجب هذا في أفالم الكبار أيض ًا‪.-‬‬
‫َفَع ليكم أن تنتبهوا جّيدًا‪ ،‬وتتابعوا‪ ،‬وُتش رفوا‪َ ،‬فال َت َدعوها في أي دي غ ير المل تزمين‪ .‬وإْن‬
‫ك ان ثّم ة َم ن يفهم َفيعم ل على التغي ير فلَيُك ن‪ ،‬وإْن لم َيكن َفَيجب التطه ير؛ ه ذا ش يء‬
‫ضرورّي والزم»‪.1‬‬

‫«منذ أن ت وَّلت الجمهورّي ة اإلس المّية َأم َر اإلذاع ة والتلفزي ون َو أن ا َقَل ق عليه ا‪ ،‬فإّنه ا‬
‫مؤّسسة إن كانت صالحة صلَح ت بالدنا‪ ،‬وإن كانت فاسدة سّببت الكث ير ِم ن الفس اد‪ .‬ل ذا‪،‬‬
‫ينبغي أن أذّك ركم ببعض النقاط؛ ِم نها أّنه إْن َلم يُك ن جهاز الرادي و والتلفزي ون‪ ،‬الموج ود‬
‫في البيوت وفي القرى وفي كّل مكان‪ ،‬إسالمّيًا ‪-‬مئة في المئة‪ -‬ف ذلك يع ني أّن اإلس الم لم‬
‫ُيطَّبق في إيران‪َ .‬فإذا كانت اإلذاعة والتلفزيون في ِخ دمة فئة أو جماعة منحرفة‪َ ،‬فَقد تجّر‬
‫البالد كّلها إلى الفساد‪ .‬لذا‪ ،‬فإّنكم مكّلفون تكليفًا شرعّيًا وقانونّيًا ِبتطه ير مؤّسس ة اإلذاع ة‬
‫والتلفزيون ِم ن الجماعات المنحرفة أو المرتبطة بالنظ ام الس ابق والعامل ة لخدمت ه‪َ ،‬و ِم ن‬
‫األف راد الفاس دين والمفس دين‪ .‬عليكم تنقي ة اإلذاع ة والتلفزي ون ِم نهم بك ّل اقت دار َو ِبال‬
‫مواربة‪ .‬وأهّم األمور كّلها األخبار‪ ،‬إذ ينبغي توّخ ي الدّقة‪ ،‬بحيث ال ينفذ إليها المنحرفون‪.‬‬

‫َليست الجمهورّية اإلسالمّية ألفاظًا َو َح ْسب‪ ،‬بل ينبغي أن تتحّقق واقع ًا‪ .‬نحن اآلن ‪-‬حيثم ا‬
‫نذهب‪ -‬نرى فسادًا‪ ،‬وال نرى تطبيقًا لإلسالم‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.169 - 168‬‬ ‫‪1‬‬


‫بشكٍل صحيح‪ .‬ولكن‪ ،‬بم ا أّن ه ذه المؤّسس ة أهّم ِم ن المؤّسس ات األخ رى‪ ،‬ف إّنني أرّك ز‬
‫عليها أكثر‪ ،‬ألّن فسادها يؤّد ي إلى فساد الش عب والمجتم ع‪َ .‬ف الكالم ال ذي ُيق ال ه ا هن ا‪،‬‬
‫والذي ُيبّث في البالد كّلها‪ ،‬يمكن أن يؤّد ي إلى االنح راف على مس توى البل د‪ ،‬وحّتى في‬
‫‪| 151‬‬ ‫الخارج‪.‬‬

‫لذا‪ ،‬ينبغي أن تس ير ه ذه المؤّسس ة ِبنح و ينس جم ‪-‬مئ ة في المئ ة‪ -‬م ع النهض ة والث ورة‬
‫اإلسالمّية‪َ ،‬فال يكفي أن نقول إّن اإلذاعة والتلفزيون إسالمّيان‪ ،‬في حين نرى فيهما كالمًا‬
‫ُيسيء إلى اإلسالم والثورة اإلسالمّية‪ .‬ينبغي االلتفات جّيدًا إلى أاّل نك ون مقِّل دين للش رق‬
‫والغ رب ب أّي ش كٍل ِم ن األش كال‪َ ،‬فتقلي د الش رق والغ رب ال ينس جم م ع توُّج ه إذاع ٍة‬
‫وتلفزيوٍن إسالمَّيْين‪ .‬يجب أن تدّققوا كثيرًا‪ ،‬وال تخ افوا أق وال ه ؤالء المثّقفين ذي النم ط‬
‫الغربّي وكتاباتهم‪َ ،‬فُهم يريدون أن يجعلوا البالد ُم ترفًة على طريقتهم‪َ ،‬و ال يهّم هم بعد ذلك‬
‫ما يحصل فيها من خراب‪ُ .‬هم فقط يتمَّنون أن تك ون البالد غربّي ة‪ .‬والح ال أّن الجم اهير‬
‫جَّد ت واجتهَدت في تطبيق اإلسالم في إيران‪ ،‬وعدم االكتفاء بالشكل الظ اهرّي لإلس الم‪،‬‬
‫إاّل أّنك حينما تزور أّية دائ رة ِم ن دوائره ا‪ ،‬ال ت رى أث رًا لإلس الم‪ .‬تنبغي‪ ،‬إذًا‪ ،‬مقارع ة‬
‫المثّقفين المتغّربين ِبشّد ة؛ لذا فإّنكم ُم كّلفون بالتعاون مع الموّظفين اإلس المّيين المل تزمين‬
‫وغ ير المنح رفين ِلتطه ير ه ذه المؤّسس ة ِبال خ وٍف ِم ن ف رد أو جماع ة‪َ .‬و ينبغي أن‬
‫تحِر صوا على أاّل يخرج ِم ن هذه المؤّسسة شخٌص واح ٌد ِم ن اإلس المّيين المل تزمين‪ ،‬إاّل‬
‫إذا ارتكبوا مخالفات‪َ ،‬فهذا موضوع آخر‪ ،‬إذ ال ف رق بين ه وبين اآلخ رين‪ .‬ولكن يجب أاّل‬
‫يخرج ِم نها بسبب اّتهامه بالرجعّية‪ ،‬مثًال‪ ،‬أو ما ش ابه ِم ن الكالم ال ذي ك ان يطلق ه الش اه‬
‫ضّد اإلسالمّيين المجاهدين الملتزمين‪ .‬يجب أن يحّل اإلسالمّيون المل تزمون المجاه دون‬
‫محّل العناصر المنحرفة‪َ .‬و لدينا ‪-‬والحمد هلل‪ -‬خطباء وكّتاب صالحون»‪.1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،12‬ص‪.243 - 242‬‬ ‫‪1‬‬


‫األمر الخامس‪ :‬الرياضّيون‬
‫كثيرة هي األفعال التي قد َيتص َّو ر اإلنس ان ‪-‬للوهل ة األولى‪ -‬أّنه ا ليس ت ذات قيم ة على‬
‫مستوى البناء االجتماعّي لُألّم ة‪ ،‬أو ليست ذات أثر على مسار المجتمع ككّل في الوصول‬
‫‪| 152‬‬ ‫إلى أهدافه‪ ،‬فُيخّيل إليه أّن هذه السلوكّيات ليست س وى ترفي ه أو تفري غ ِلبعض الش حنات‬
‫النفسّية‪ .‬وِم ن األمور التي قد يتّو هم فيها ذلك‪ :‬الرياضة واأللعاب الرياض ّية؛ بحيث يعتق د‬
‫كٌّل ِم ّنا أّن األلعاب الرياض ّية‪ ،‬أو الرياض ة ِبش كٍل ع اّم ‪ ،‬أم ر ف ردّي يقتص ر على فوائ د‬
‫ومنافع خاّص ة وشخصّية‪َ .‬فم ا ه و دور الرياض ة في تط ُّو ر المجتمع ات والوص ول إلى‬
‫أه دافها‪ ،‬خاّص ة إذا ك ان الكالم عن المجتم ع اإلس المّي ال ذي َرَص د لنفس ه ه دفًا إلهّي ًا‬
‫ومعنوّيًا هو الوصول إلى هللا تعالى والتحّلي بالقيم اإللهّية؟‬

‫في الحقيقة‪ ،‬إّن ما نج ده في الرؤي ة اإلس المّية‪ ،‬ب ل في الرؤي ة األص يلة ‪-‬خاّص ًة‪ -‬ال تي‬
‫تجَّلت في بيانات اإلمام الخمينّي (قدس سره) وكلماته‪ ،‬يعكس هذا الَفهم وُيبّين خط أه‪ .‬فق د‬
‫وضع (قدس س ره) للرياض ّيين منطلق ات وأه دافًا وق دوة ووظ ائف تتج اوز ح ّد المتع ة‬
‫الفردّية والمنافع الماّد ّية‪ .‬فالرياضّي ال بّد له ِم ن أن ينظر إلى الرياضة البدنّي ة ال تي يق وم‬
‫بها على أّنها جزء ضرورّي ِم ن سيٍر إنسانّي متكامل يشمل األبعاد اإلنسانّية كاّفة؛ أي إّن‬
‫لإلنسان وظيفة في بناء نفسه تتجّلى في ش ّتى أبع اده‪ِ ،‬م نه ا الُبع د الب دنّي ال ذي ي ؤّثر في‬
‫العقل والقلب والروح‪.‬‬

‫ُم ض افًا إلى ذل ك‪ ،‬إّن الرياض ّيين‪ ،‬في مش اركاتهم الرياض ّية في الع الم‪ ،‬يحمل ون اس م‬
‫اإلسالم والجمهورّية اإلسالمّية‪ِ ،‬م ن حيث إّنهم أبناء هذا الدين المؤمنون ِبِقَيمه والحاملون‬
‫لواَء ها إلى البشرّية كّلها‪َ .‬فميدان الرياضة مي دان ع المّي ‪ ،‬تش ّك ل في ه األلع اب الرياض ّية‬
‫نوعًا من الندوة الدولّية التي تتيح لاّل عبين فرصة إظهار القيم التي يؤمنون به ا؛ فيك ون ‪-‬‬
‫بذلك‪ -‬الرياضّي مصدرًا ِلِقَيم الثورة وأخالقّياتها‪.‬‬
‫َو لم ُيغفل اإلمام الخمينّي (قدس س ره) أم رًا في غاي ة األهّم ّي ة في توجي ه الرياض ّيين‪ ،‬إذ‬
‫حّد د لهم قدوة يجعلونها نصب أعينهم‪ ،‬وهي َليست العب ك رة ق دم متف ّو ق ومب دع أو م ا‬
‫ش اكل‪ ،‬ب ل عّين لهم أم ير المؤم نين (علي ه الس الم) ق دوة‪ ،‬بحيث يك ون (علي ه‬
‫‪| 153‬‬ ‫السالم) للرياضّي نموذجًا أعلى كامًال على مستوى األبعاد اإلنسانّية كّلها‪َ .‬فِم ن المص ائب‬
‫ال تي تص يب الرياض ّيين ومحّبي الرياض ة اّتخ اذهم أح د الاّل ع بين أو المتف ّو قين على‬
‫مستوى الرياضة قدوًة‪َ ،‬و يغفلون عن أبعاده اإلنس انّية األخ رى‪ .‬واإلم ام الخمي نّي (ق دس‬
‫سره)‪ِ ،‬بَج عله أمير المؤمنين قدوة لهم‪َ ،‬جَع َلهم في مصاّف العلماء والفقه اء وطلب ة العل وم‬
‫ِم ن هذه الجهة‪ ،‬ألّن شخصّية أمير المؤمنين (علي ه الس الم) تص لح ‪-‬بج دارة‪ -‬ألْن تك ون‬
‫القدوة لكّل فرد‪ ،‬وعلى ُم ستوى عاٍل ‪.‬‬

‫َو في ما يأتي‪ ،‬نتعّر ض إلى هذه األبعاد في كلمات اإلمام الخمينّي (قدس سره)‪:‬‬

‫ضرورة ممارسة الرياضة في األبعاد اإلنسانّية كاّفة‬

‫«إّنني لست رياضّيًا‪ ،‬لكّنني أحُّب الرياضّيين (أحّب الصالحين َو َلْس ُت ِم نهم)»‪.1‬‬

‫«أدع و هللا تب ارك وتع الى أن ي وّفقكم‪ ،‬أنتم الش باب‪ ،‬ذخ ر ه ذا البل د ومبعث أم ل األّم ة‬
‫واإلس الم‪ ،‬حّتى تمارس وا الرياض ة في األبع اد اإلنس انّية جميعه ا‪ ،‬وِم نه ا الُبع د ال ذي‬
‫تخّصص تم في ه‪ .‬ويح دوني األم ل أن تنم و فيكم األبع اد اإلنس انّية األخ رى‪ .‬لق د ك ان‬
‫الرياضّيون دائمًا يحملون روحًا سليمة ألّنهم لم يفّك روا في الشهوات والمل ّذ ات‪َ ،‬فمارس وا‬
‫نشاطًا بدنّيًا‪ ،‬إذ إّن العقل السليم في الجسم السليم‪ .‬ولو تأّم لتم أحوال المجتمعات وطبقاتها‪،‬‬
‫َلَو َج دتم أّن الذين ينهمكون في الملّذ ات الجسمانّية ‪-‬وهي‬

‫‪ 1‬أحّب الصالحين ولست منهملعّل هللا يرزقني صالحًا‬


‫في الحقيقة ليست ملّذ ات‪ -‬أبدانهم كئيبة وأرواحهم ق د َذ بَلت وأص ابها التعب‪َ .‬فَل و أمض ى‬
‫إنساٌن ساعَتْين في الملّذ ات‪ ،‬فإّنه يمضي اثَنَتْين وعش رين س اعًة في القل ق واالض طراب‪.‬‬
‫أّم ا المؤمنون باهلل‪ ،‬فإّنهم يمارسون رياضة بدنّي ة وأخ رى روحّي ة‪ ،‬فال يص يبهم ال ذبول؛‬
‫‪| 154‬‬ ‫وهذه نعمة ندعو هللا تعالى أن يمنحها الجميع إن شاء هللا»‪.1‬‬

‫ضرورة اقتداء الرياضّيين بأمير المؤمنين (عليه السالم)‬

‫«فهذا علّي (عليه السالم)‪ ،‬نجد اسمه أمامنا أينما ذهبنا؛ عندما نذهب إلى الفقهاء نجد فق ه‬
‫علّي (عليه السالم)‪ ،‬عندما نذهب إلى الزّهاد نج د زه د علّي (علي ه الس الم)‪ ،‬وإذا ذهبن ا‬
‫إلى المتصّو فة نجدهم يقولون إّن التص ّو ف م أخوذ من علّي (علي ه الس الم)‪ ،‬حّتى عن دما‬
‫نذهب إلى الرياض ّيين فإّنن ا نج دهم يقول ون‪ :‬علّي (علي ه الس الم)‪ ،‬ويب دؤون باس مه‪ .‬إّن‬
‫علّيًا (عليه السالم) هذا األّو ل في األبعاد اإلنسانّية جميعها؛ لذا تتقّر ب إليه الطوائف كّلها‪،‬‬
‫إذ يمتلك خصوصّيات الطبقات كّله ا‪َ ،‬و يمتل ك خصوص ّية ق ّو ة الرياض ّيين ِبش كٍل واٍف ‪.‬‬
‫ُيقال إّن ساعده (عليه الس الم) ك ان كالحدي د‪ ،‬وك انت الق ّو ة ال تي يس تعملها في الض رب‬
‫بالسيف كبيرة إلى درجة ُيق ال إّن ض ربته ك انت واح دة‪ ،‬إْن َعال َق َّد وإن اع ترَض َق ّط‪،‬‬
‫َو ضربات علّي (عليه السالم) وتر»‪.2‬‬

‫«َفَع لّي (عليه السالم) هذا فيه كّل شيء‪ ،‬ويجب أن يكون ق دوة لن ا‪َ .‬ففي العب ادة ه و ف وق‬
‫الُعّباد جميعهم‪ ،‬وفي الزهد فوق الُز ّهاد جميعهم‪ ،‬وفي الح رب ف وق المح اربين جميعهم‪،‬‬
‫وفي القّو ة فوق األقوياء جميعهم‪ ،‬وهو أعجوبة جمعت األضداد؛ فاإلنسان العابد ال يمكن ه‬
‫‪-‬عادًة‪ -‬أن يكون رياضّيًا‪ ،‬واإلنسان الزاه د ال يمكن ه أن يك ون مق اتًال‪ ،‬والفقي ه ال يمكن ه‬
‫ِفعل هذه األمور أيضًا‪ ...‬إّنه أسوة‪َ ،‬فُز هده فوق زهد الجمي ع‪ ،‬وق د س معتم أّي ش يء ك ان‬
‫طعامه‪ ،‬إذ َح ِفظ ذلك التاريخ‪،‬‬

‫‪ 1‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.70‬‬


‫‪ 2‬المجلسّي ‪ ،‬العاّل مة محّم د باقر بن محّم د تقّي ‪ ،‬بحار األنوار الجامع ة ل درر أخب ار األئّم ة األطه ار (عليهم الس الم)‪،‬‬
‫مؤّسسة الوفاء‪ ،‬لبنان ‪ -‬بيروت‪1403 ،‬هـ ‪1983 -‬م‪ ،‬ط‪ ،2‬ج‪ ،41‬ص‪.143‬‬
‫َفيقولون إّنه كان يضع طعامه في كيس ويختمه لئاّل يضيف إلي ه أوالده أو ابنت ه ش يئًا ِم ن‬
‫الزيت شفقة عليه‪ ،‬كان يختم رأس الكيس لئاّل َيفتحه أحد‪ .‬وفي الّليلة األخ يرة ِم ن حيات ه ‪-‬‬
‫كم ا ينق ل‪ -‬ك ان ض يفًا عن د ابنت ه كلث وم‪ ،‬وك انت ق د أحض َر ت ل ه لبن ًا وِم لح ًا ِليفط ر‪،‬‬
‫‪| 155‬‬ ‫فقال (عليه السالم)‪« :‬متى رأيتني آكل طعامين؟» أرادت أن َترف ع الملح َفق ال له ا‪« :‬ال‪،‬‬
‫ارفعي الّلبن»‪ ،‬ثّم أفطر ملحًا‪ ...‬وكان بعضهم يتعّجب ِم ن ُقَّو ته (عليه السالم) م ع طعام ه‬
‫البسيط هذا‪ ،‬فكان (عليه السالم) يجيبهم أّن النباتات البّرّي ة أص لب ع ودًا‪ ،‬إذ إّن النبات ات‬
‫الموجودة في الصحاري تش رب م اًء قليًال‪ ،‬ولكّنه ا أش ّد ن ارًا وأمتن ع ودًا‪َ ،‬فليس ت ق ّو ة‬
‫اإلنسان ِبكثرة طعامه‪.1‬‬

‫على ك ّل ح ال‪ ،‬ه ذا علّي (علي ه الس الم) ال ذي يتح ّد ثون عن ه‪ ،‬وإّن ني آم ل منكم‪ ،‬أّيه ا‬
‫الرياضّيون‪ ،‬وكما َتسعون إلى تحصيل القّو ة البدنّية ‪-‬وما شاء هللا َفَق د جلس تم هن ا ب أذرع‬
‫قوّية‪ ،‬وأنا ُأَس ّر بهذا أيضًا‪ -‬أن تقتدوا ِبسيرة علّي (عليه السالم)‪ ،‬بالزهد الذي ك ان عن ده‪،‬‬
‫وبالتقوى التي كان يتحّلى بها‪ .‬ال شّك في أّن أح دًا مّن ا ال َيس تطيع أن يك ون مثل ه‪ ،‬وإّنم ا‬
‫نتبعه على َقَدر استطاعتنا‪ ،‬ونزّك ي أنفسنا‪ .‬وآمل أن تكونوا ُم فيدين ُألّم تكم‪ ،‬وِع ّز ًا لبلدكم‪...‬‬
‫َم َّن هللا عليكم بالمزيد من القّو ة؛ قّو ة اإليمان‪ ،‬قّو ة تزكية النفس‪ ،‬قدرة التس ُّلط على النفس‪.‬‬
‫والسالم عليكم جميعًا‪ ،‬أّيها الشباب النجباء»‪.2‬‬

‫دور الرياضة والرياضّيين في تقوية المسلمين واإلسالم في العالم‬

‫«مثلما تحتاج بالدنا إلى العلماء‪ ،‬تحتاج إلى قدرتكم‪ ،‬التي َلو اقترَنت باإليم ان واس تنارت‬
‫ب القرآن َلك اَنت ظه ير األّم ة‪َ ،‬فحين يص ير األبط ال إس المّيين َيغ دون س ندًا للش عب‬
‫وساعدًا‪ ...‬أولئك يريدون كّل ش يء ألنفس هم‪ ،‬ونحن وأنتم ُنري د ك ّل ش يء هلل ولإلس الم‪.‬‬
‫َفَس َند الشعب وَس ند اإلسالم‪ ،‬أولئك الرجال المؤمنون والرياضّيون المؤمنون‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،42‬ص‪ 226‬و‪.238‬‬


‫‪ 2‬اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.201 - 200‬‬
‫ورجال الدين المؤمنون والجامعّيون المؤمنون والَك َس بة المؤمن ون والفاّل ح ون المؤمن ون‬
‫والعّم ال المؤمنون‪ ،‬الذين َيستطيعون أن يكونوا سندًا للشعب‪َ ،‬فال َي َدعوَن األي دي الخائن ة‬
‫تذهب ِبكّل شيء‪َ .‬فقدرتنا الماّد ّية والمعنوّية تبلغ م ا تري د‪ ،‬لكّن ه ؤالء هم ال ذين يمنع ون‬
‫‪| 156‬‬ ‫ذلك‪.‬‬

‫عِّز زوا إيمانكم‪ ،‬وُلوذوا باإلسالم‪َ ،‬و ْلنلجأ كّلنا إليه‪ ،‬ونذكر هللا في كّل مكان‪.‬‬

‫أن ا أعلم أّن الرياض ّيين في َح لب ة اختب ار الق ّو ة (زورخان ه)‪ 1‬ي ذكرون هللا َو أم ير‬
‫المؤمنين (علي ه الس الم)‪َ .‬ق ُّو وا ِذ ك ر هللا ه ذا في أنفس كم‪ ،‬وذك ر الم ولى ه ذا‪ ،‬وس يتقّد م‬
‫المقتدرون كّلهم والمؤمنون ‪-‬إن شاء هللا‪ -‬إلى األمام‪ .‬وّفقكم هللا جميعًا‪.2»...‬‬

‫«آم ل‪ ،‬أّيه ا األبط ال‪ ،‬أن تكون وا ُم في دين لش عبكم وبالدكم‪ ،‬وأن تمض ي ه ذه الث ورة‬
‫اإلسالمّية ُقدمًا بهّم تكم‪ ،‬أّيها الشباب الغيارى‪ ،‬وهّم ة سائر فئ ات الش عب‪ ،‬حّتى نص ل إلى‬
‫بناء دولٍة مستقّلة ُحّرة خالية ِم ن الشياطين جميعهم‪ ،‬دولة رحمانّية يخرج منه ا الش ياطين‬
‫أو ُيؤمنوا‪ .‬وُك ّلي أمل في أن ُنوّفق ِلذلك‪ ،‬بهّم تكم وهّم ة أف راد الش عب جميعهم‪ِ ،‬لَنعيش في‬
‫ظّل اإلسالم الذي فيه كّل شيء»‪.3‬‬

‫«أشعر بالسعادة وأنا ألتقيكم‪ ،‬أّيها الرياضّيون األع ّز اء‪ ،‬ف أنتم ُذ خ ر ه ذا الش عب والس ند‬
‫الداعم له‪ .‬إّنني أدعو لكم وألبناء الشعب جميعهم‪ .‬إّنكم‪ ،‬أّيه ا الرياض ّيون‪ ،‬تتمّتع ون بق ّو ة‬
‫جسدّية‪ ،‬وأتمّنى أن تكونوا ِم ن أصحاب القّو ة المعنوّية والروحّية إن شاء هللا‪.‬‬

‫إّننا نعاني اليوم مشاكل عديدة‪َ ،‬و هي مشاكل ال يمكن الحؤول دون وقوعه ا بع د قي ام ك ّل‬
‫ثورة‪ ،‬ولكّنها ليست من النوع الذي ال يمكن حّله وتجاوزه‪ ،‬وإّنما تحت اج إلى وقت ك اٍف ‪.‬‬
‫ولكن على الشعب أن يدرك أّن‬

‫وهو مكان للرياضة التقليدّية في بالد إيران (المترجم)‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫اإلمام الخمينّي ‪ ،‬صحيفة اإلمام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.35‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.181‬‬ ‫‪3‬‬


‫البلد بات ملكًا له وتحت تصّر فه بعد اندحار الط اغوت المتغط رس ال ذي ك انت جبروت ه‬
‫تزداد يومًا بعد يوم‪ ،‬ويستولي على ثرواتنا وممتلكاتن ا م ع جوق ة اللص وص ال تي ك انت‬
‫تحيط به‪ .‬كّل منطقة وناحية هي ُم لك سّك انها والقاطنين فيها‪َ ،‬فَع لى كّل ف رد أن يس عى في‬
‫‪| 157‬‬ ‫إعمار المنطقة التي يعيش فيه ا‪ .‬إْن لم تتع اونوا وتتعاض دوا وتّتح د فئ ات المجتم ع كّله ا‬
‫ِلبلوغ هذا اله دف‪ ،‬فلن تتمّك ن وا من إعم ار ه ذا البل د ال ذي س عى الط اغوت إلى ت دميره‬
‫وترسيخ تخُّلفه وتأُّخ ره‪.‬‬

‫ثّم ة العديد ِم ن األيادي واألقالم واأللسن التي تعمل اليوم على تثبيط عزيمة أبناء الش عب‪،‬‬
‫عن طريق توجيه االّتهامات الواهية ونشر األكاذيب الباطلة وإصدار البيانات والتصريح‬
‫بمزاعم ال أس اس له ا من الص ّحة‪ ،‬به دف بّث روح الي أس في نف وس الش عب والش باب‬
‫وفئات المجتمع كاّفة‪ .‬فإذا شاع اليأس في مجتمع م ا‪ ،‬ض عف ووهن وأص بح ع اجزًا عن‬
‫تحقيق أهدافه‪ .‬وقد توّص ل هؤالء إلى قناعة ِبضرورة بّث روح اليأس وتثبيط عزيمة ه ذا‬
‫الشعب؛ لذا نج دهم يزعم ون أّن ه ذه الث ورة لم تحّق ق ش يئًا حّتى اآلن‪ ،‬على ال رغم مّم ا‬
‫نشهده كّله من إنجازات ومكتسبات عظيمة‪ .‬إّن أبواقهم اإلعالمّية ت زعم الي وم أّن الث ورة‬
‫تحّققت من غير أن تنجز أّي شيء إلى اآلن‪َ ،‬و ُهم يه دفون ب ذلك إلى بّث روح الي أس في‬
‫نفوسكم‪ .‬إْذ ألهمت الش ياطيُن ه ؤالء ِبض رورة إش اعة اإلحب اط والي أس في أوس اط ه ذا‬
‫الشعب‪ ،‬ألّنه استطاع القضاء على الطاغوت وتحطيم ه ذا الس ّد الم نيع‪ِ ،‬بَع زم ه الراس خ‬
‫وإيمانه القوّي ووحدة كلمت ه‪ .‬لق د الح َظ األع داء ُق درة ش عبنا وبس الة ش بابنا‪ ،‬ف تزلزَلت‬
‫أركانهم ودخل الخوف قل وبهم وش عروا باس تحالة َف ْر ض همينتهم مج ّد دًا‪ ،‬م ا دفعهم إلى‬
‫التفكير في مخرج ِم ن هذه الورطة‪َ .‬فَبدأوا حملتهم اإلعالمّية والميدانّية الشرسة‪ ،‬وأث اروا‬
‫الفوضى واالضطرابات في كردستان وخوزستان‪ ،‬وكما تعلمون‪ ،‬ارتكبوا مؤّخ رًا جريمة‬
‫َبشعة أّد ت إلى استشهاد العديد ِم ن حرس الثورة‪ُ ،‬م ضافًة إلى جريمتهم‬
‫القذرة المتمّثلة باغتيال المرح وم الس ّيد قاض ي طباطب ائّى ‪-‬رحم ه هللا‪ -‬الص ديق العزي ز‬
‫الذي ذاق مرارة السجن وجاه د وُنِفي ج زاء نض اله ض ّد الط واغيت‪ .‬إّنهم يح اولون بّث‬
‫الي أس في نف وس أف راد الش عب عن طري ق اغتي ال شخص ّيات كه ذه‪ .‬أّم ا بالنس بة إلى‬
‫‪| 158‬‬ ‫المناطق التي لم يتمّك نوا ِم ن التدّخ ل فيها بشكٍل مباش ر‪ ،‬فق د وّجه وا إليه ا حمل ة إعالمّي ة‬
‫ِلتشويه الحقائق وتثبيط العزائم»‪.1‬‬

‫تصدير الثورة ِم ن وظائف الرياضّيين‬

‫«ينبغي عليكم أن تكونوا قدوة في الدول األخ رى‪ ،‬ألّنكم تمّثل ون الجمهورّي ة اإلس المّية‪،‬‬
‫َفإّننا بحاجة إلى تقوية اإلسالم في كّل مكان وتطبيقه وتصديره إلى البلدان األخرى‪ ،‬وأنتم‬
‫الشباب أحد مصاديق هذا التصدير؛ إذ تسافرون إلى ال دول األخ رى‪ ،‬ويتف ّر ج الكث يرون‬
‫على فعالّي اتكم‪َ ،‬فينبغي عليكم أن تعمل وا بالش كل ال ذي َت ْد عون ب ه ه ؤالء إلى اإلس الم‪،‬‬
‫وعليكم أن تكونوا نموذجًا للجمهورّية اإلسالمّية التي نأمل أن تق وم في أم اكن أخ رى إن‬
‫شاء هللا»‪.2‬‬

‫«إّنني مس رور لرؤي ة الس ادة ِم ن ُق رب‪ ،‬وأدع و لهم جميع ًا ب الخير‪ .‬أدع و هللا أن يتمّت ع‬
‫الرياضّيون ِبرياضة روحّية بالصورة نفسها التي يمارس ون به ا الرياض ة البدنّي ة‪َ .‬فُم ن ذ‬
‫الِقدم‪ ،‬كان الرياضّيون اإليرانّيون يبدأون ألعابهم الرياضّية ِبِذ كر هللا واإلم ام علّي (علي ه‬
‫السالم)‪ ،‬وكان ذلك ِم ن مّيزاتهم البارزة‪ .‬أتمّنى أن تف وزوا بالبطول ة أينم ا ذهبتم‪ ،‬وأدع و‬
‫لكم ب التوفيق في تص دير الث ورة بمعناه ا الحقيقّي ‪ ،‬وآم ل أن تكون وا أبط اًال ِم ن الناحي ة‬
‫األخالقّية أيضًا‪ ،‬وأرى ‪-‬والحمد هلل‪ -‬أخالقًا عالية أخ ذت تظه ر وتنم و ل دى الرياض ّيين‪.‬‬
‫وأدعوكم إلى االلتفات إلى نقطة مهّم ة‪ ،‬هي أّن ه ذه ال دعايات كّله ا المث ارة ض ّد الش عب‬
‫اإليرانّي ال تهدف إاّل إلى إعادة البالد إلى الوراء وإلى العهد البائد‪َ ،‬فحاِو لوا ُم قاوم ة ه ذه‬
‫الدعايات‪،‬‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.330 - 329‬‬


‫‪ 2‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.70‬‬
‫واسعوا إلى عدم التأُّثر بها‪َ ،‬فبالدكم أصبحت اليوم ذات مكانة بين دول العالم‪ ،‬وذل ك كّل ه‬
‫يعود إلى قدراتكم وطاقاتكم‪ِ .‬بالدكم حاليًا ُتعّد إحدى أقوى دول العالم‪ ،‬وينبغي عليكم َب ذل‬
‫ما ِبِو سعكم من أجل صيانة هذه القّو ة وهذا االقتدار»‪.1‬‬
‫‪| 159‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،18‬ص‪.130‬‬ ‫‪1‬‬


‫األمر السادس‪ :‬المرأة‬
‫ُتَع ّد قضّية المرأة ِم ن القضايا ذات الفاعلّية والحساسّية في الَع صر األخ ير‪ ،‬وإذا أردن ا أن‬
‫نعرف الس بب في انتق ال ه ذا األم ر إلى الس احات الفكرّي ة‪ ،‬بحيث ص ار النق اش ح ول‬
‫‪| 160‬‬ ‫مواضيع ِم ن قبيل هوّية المرأة وحقوقها ووظائفها وأدوارها‪ ،‬فإّنن ا نج ده التح ّو ل الغ ربّي‬
‫المتأّخ ر نسبّيًا بعد الثورة الفرنسّية الكبرى وما َتِبعه من أحداث على المستوى األوروّبّي ‪،‬‬
‫إذ تتابعت األحداث ال تي َتق ع على رأس ها قض ّية الحق وق والحّرّي ات‪َ ،‬و ب رَز ت في ه ذه‬
‫الحقبة الزمنّي ة قض ّية ظلم الم رأة الش نيع ال ذي ك انت تتع ّرض ل ه في أوروّب ا والغ رب‬
‫عمومًا‪ِ .‬م ن هنا‪ ،‬برز هذا النقاش‪ ،‬وصار سؤاًال محورّيًا في النقاشات الفكرّية‪.‬‬

‫لم يتعامل اإلمام الخمينّي (قدس سره) مع قضّية المرأة ِبأس لوب دف اعّي ‪ ،‬بحيث اس تجاب‬
‫لهجمات الغربّيين على اإلسالم بعد أن َو صفوه بالرجعّية والتخّلف وطالبوه بمجاراتهم في‬
‫مسائل عديدة‪ِ ،‬م نها مسألة المرأة تحت عن اوين ِم ن قبي ل تحُّر ره ا وإعطائه ا حقوقه ا‪ .‬لم‬
‫َيسلك اإلمام (قدس سره) سبيَل الدفاع َو َر ّد الشبهات كمنهج ومسار عاّم ‪ ،‬بل كان هجومّي ًا‬
‫في طرحه‪ ،‬فإّن الغرب هو المتأّخ ر‪ ،‬وهو الذي التفَت في قرون الحقة إلى مس ألة تحري ر‬
‫المرأة‪ ،‬والتي كان ق د أّس س له ا اإلس الم قب ل أربع ة عش ر قرن ًا‪ .‬وَليس ت الحّرّي ة ال تي‬
‫يطرحها الغرب سوى َس حق ِلمسائل التنظيم االجتماعّي الذي يقتضي توزي ع األدوار بين‬
‫الرجل والمرأة‪ ،‬واختالف هذه األدوار ‪ِ-‬بطبيعة الحال‪ -‬قضّية طبيعّية‪.‬‬

‫في مواجهته الهجومّية لهذه الثقافة التي كان الشاه محّم د رضا بهلوّي يحاول نقلها إلى‬
‫إيران‪ ،‬طرح اإلمام الخمينّي (قدس س‪11‬ره) عن‪11‬اوين عدي‪11‬دة ِض من المق‪11‬ابالت والبيان‪11‬ات‬
‫والخطابات التي ألقاها‪ ،‬خاّص ًة بعد تأسيس الجمهورّية اإلسالمّية في إيران وتخص‪11‬يص‬
‫يوم والدة الس‪ّ1‬يدة الزه‪11‬راء (عليه‪11‬ا الس‪11‬الم) يوم‪ً1‬ا للم‪11‬رأة‪ .‬ويمكن َح ص‪11‬ر ه‪11‬ذه القض‪11‬ايا‬
‫والعناوين ِبما يأتي‪:‬‬
‫‪ .1‬هوّية المرأة وحقوقها‬

‫‪ .2‬االختالفات بين الرجل والمرأة وشرعّيتها‬


‫‪| 161‬‬
‫‪ .3‬دخول المرأة في شّتى ميادين التنظيم االجتماعّي‬
‫‪ .4‬األمومة أهّم وظيفة للمرأة‬

‫وفي ما يأتي كلمات لإلمام الخمينّي (قدس سره) َتندرج في هذا اإلطار وهذه العناوين‪.‬‬

‫هوّية المرأة اإلنسانّية وحقوقها‬

‫«بالنسبة إلى الحقوق اإلنسانّية‪ ،‬ال َفرق بين الرجل والمرأة‪ ،‬ألّنهما إنس اٌن ِكالهم ا‪ ،‬وِم ن‬
‫حّق المرأة التحّك م بمصيرها كالرجل‪ .‬نعم‪ ،‬ثّم ة حاالت ُتوِج د ُفروقًا بين الرجل والمرأة ال‬
‫عالقة لها بشأنها‪ .‬إّن القضايا كّلها التي ال تتعارض م ع كرام ة الم رأة وش رفها مس موح‬
‫بها‪ .‬أّم ا بالنسبة إلى اإلجهاض َفهو حرام ِم ن وجهة نظر اإلسالم»‪.1‬‬

‫«في النظام اإلسالمّي ‪ ،‬المرأة إنسان ال سلعة‪ ،‬يمكنها المشاركة الفّعالة مع الرجل في ِبناء‬
‫المجتمع اإلسالمّي ‪َ ،‬و ال يحّق لها أن ُتقّلل ِم ن شأنها ِلُتصبح ِس لعة‪ ،‬كما ال يحّق للرج ال أن‬
‫ينظروا إليها ِم ن هذا المنظار‪ .‬أّم ا بالنس بة إلى م ا ُيع رف بوس ائل الترفي ه‪ ،‬ف إّن اإلس الم‬
‫يحارب كّل شيء يجّر اإلنسان إلى العبثّية ويجّرده من هوّيته؛ إّن شرب الخمر واإلدم ان‬
‫علي ه مح ّرم في اإلس الم‪ ،‬كم ا أّن األفالم المنحرف ة عن األخالق اإلنس انّية الس امية‬
‫ممنوعة»‪.2‬‬

‫اإلسالم المدافع الحقيقّي عن حقوق المرأة‬

‫«وبطبيعة الحال‪ ،‬اإلسالم يعارض ه ذه األم ور ‪-‬الفس اد األخالقّي واالنحراف ات‪ -‬وينش د‬
‫التقُّد م للمرأة والرجل‪ ،‬بل إّنه أنقذ المرأة من‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.255‬‬


‫‪ 2‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.292 - 291‬‬
‫الوضع المأساوّي الذي كانت عليه في الجاهلّية‪َ ،‬و يعلم هللا أّنه خدم المرأة أك ثر مّم ا َخ دم‬
‫الرجل‪ .‬أنتم ال تعرفون الحال التي كانت عليها المرأة في الجاهلّي ة‪ ،‬والح ال ال تي ارتَقت‬
‫إليها في ظّل اإلسالم‪ .‬هؤالء يتع املون معه ا اآلن بأفع ال أس وأ من ِفع ال الجاهلّي ة؛ َففي‬
‫‪| 162‬‬ ‫الجاهلّية لم ُيقيموا للمرأة وزنًا‪ ،‬أّم ا اآلن فإّن الشاه يقول إّنها يجب أن تكون ملهاة‪ ،‬وأمثال‬
‫ذلك ِم ن الكلمات المهينة ِلكرامتها‪ .‬هذه هي نظرته إلى المرأة التي ُيعّبر عنها بتلك العبارة‬
‫السّيئة‪ .‬اإلسالم يريد إنقاذ المرأة ِم ن هذه الحالة الوضيعة‪ ،‬يريد لها أن تّطلع بالمسؤولّيات‬
‫واألعمال المهّم ة التي يقوم بها الرجل‪ ،‬ولكن ليس على تلك الح ال المبتذل ة من االختالط‬
‫والظهور متبّرج ة في الوس ط االجتم اعّي ‪ .‬اإلس الم ال يس مح ب ذلك‪ ،‬ه و يري د أن يحف ظ‬
‫للمرأة كرامتها واحترامها‪ ،‬وُيعارض تحّو لها إلى ملهاة تنتقل بين األيدي‪َ .‬فهل يكون ض ّد‬
‫المرأة؟ لقد ق ّد م اإلس الم للم رأة خ دمات ال نظ ير له ا على م دى الت اريخ‪ ،‬إذ أنق َذ ها من‬
‫المستنقعات القذرة وَم َنحها شخصّية محترمة‪ ،‬فكيف يكون معاديًا لها؟»‪.1‬‬

‫«ِم ن ه ذه ال دعايات أيض ًا االّد ع اء ب أّن مجيء الحكم اإلس المّي يع ني َح بس النس اء في‬
‫المنازل وإقفال األبواب عليهّن كي ال يخرجن منها‪ .‬أّي َقول قبيح ه ذا ال ذي ينس بونه إلى‬
‫اإلسالم؟ في َص در اإلسالم شاركت النساء الجيوش في ميادين القتال‪ .‬اإلسالم ال ُيعارض‬
‫الجامعات‪ ،‬بل يرفض نشر الفساد فيها وَج ْعلها متخّلفة‪ ،‬ويعارض الجامع ة االس تعمارّية‪،‬‬
‫ال أصل الجامعة‪ .‬اإلس الم ال يع ارض ‪-‬أب دًا‪ -‬ش يئًا من مظ اهر التق ُّد م‪ ،‬وال يح ّد فئ ة من‬
‫فئاتكم‪ .‬اإلسالم هو الذي أنقذ النساَء وَح ِفظهّن في مقاب ل الرج ال َبع دما ك انوا ال ُيقيم ون‬
‫لهّن وزنًا قبل بعثة اإلسالم‪ ،‬فَم َنحهّن القّو ة‪ ،‬وجعَلهّن مساويات للرج ال في مكان ة واح دة‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬إّن ثّم ة أحكامًا خاّص ة بالمرأة تناسبها وأخرى خاّص ة بالرجل تناسبه‪ ،‬لكّنها ال تع ني‬
‫التمييز بينهما‪ ،‬كالهما يستطيعان‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.304 - 303‬‬ ‫‪1‬‬


‫دخول الجامعة‪ ،‬ويتمّتعان بحّرّية االنتخاب والترشيح‪ .‬أّم ا الذي يرفض ه اإلس الم َفه و م ا‬
‫َيس عون إلي ه ِم ن تحوي ل الم رأة إلى لعب ة بأي دي الرج ال‪ ،‬أو أن تك ون مج ّرد جاذب ة‬
‫ألنظارهم‪ ...‬هذا انحراف َنسعى إلى َم نعه‪َ ،‬فنحن نريدها إنسانًا ح ّر ًا مث ل س ائر األح رار‬
‫‪| 163‬‬ ‫ِم ن بني اإلنسان»‪.1‬‬

‫دور المرأة في النظام االجتماعّي‬


‫«ِم ن وجهة النظر اإلس المّية‪ ،‬تحت ّل النس اء دورًا حّساس ًا في بن اء المجتم ع اإلس المّي ‪،‬‬
‫َفاإلسالم يسمو ِبشأن المرأة إلى الحّد الذي تستطيع معه أن تس تعيد منزلته ا اإلنس انّية في‬
‫المجتمع‪ ،‬وأن تخرج ِم ن إطار كونها ِس لعة‪ .‬وفي ضوء ذلك يمكنها أن تت وّلى المس ؤولّية‬
‫في صرح الحكومة اإلسالمّية»‪.2‬‬

‫فاطمة الزهراء (عليها السالم) نموذج إنسانّي متكامل‬

‫«إّن األبعاد جميعه ا المتص ّو رة للم رأة ولإلنس ان ق د تجَّلت في فاطم ة الزه راء (عليه ا‬
‫السالم)‪ .‬إّنها لم تكن امرأة عادّية‪ ،‬بل كانت امرأة روحانّية‪ ،‬امرأة ملكوتّي ة‪ ،‬إنس انًا بتم ام‬
‫معنى اإلنسان‪ ،‬باألبعاد اإلنسانّية كّلها‪ ،‬حقيقة المرأة الكاملة‪ ...‬حقيقة اإلنسان الكامل‪ .‬إّنها‬
‫ليست امرأة عادّية‪ ،‬بل موجود ملكوتّي قد ظهر في الع الم ِبص ورة إنس ان‪ ،‬موج ود إلهّي‬
‫جبروتّي ظهر بصورة امرأة‪ ...‬إّن الحقائق الكمالّية كّلها المتصّو رة لإلنس ان والمتص ّو رة‬
‫للمرأة تتجّلى في هذه المرأة‪ ...‬امرأة فيها خصوصّيات األنبي اء (عليهم الس الم) جميعهم‪،‬‬
‫امرأة لو كانت رجًال َلكاَن نبّيًا‪ ،‬امرأة ل و ك انت رجًال َلك ان َم ك ان رس ول هللا (ص لى هللا‬
‫عليه وآله)‪ ...‬إّنها إنسان بتمام معنى اإلنسان‪ ...‬إّنها امرأة ِبتمام معنى المرأة‪ ...‬إّن للم رأة‬
‫أبعادًا مختلفة‪ ،‬كما أّن للرجل أبعادًا مختلفة‪ ،‬وكذلك اإلنسان‪ ...‬إّن ه ذه الص ورة الطبيعّي ة‬
‫هي أدنى مراتب اإلنسان وأدنى مراتب المرأة وأدنى مراتب الرجل‪ ،‬ولكْن ِم ن هذه‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.148‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.312‬‬ ‫‪2‬‬


‫المرتبة المتدّنية تكون الحركة نحو الكمال‪َ .‬فاإلنسان موجود متح ّرك ِم ن مرتب ة الطبيع ة‬
‫إلى مرتب ة الَغْيب‪َ ،‬و إلى الفن اء في األلوهّي ة‪ .‬إّن ه ذه المس ائل وه ذه المع اني حاص لة‬
‫للصّد يقة الطاهرة (عليها السالم)؛ َفَقد بدَأت ِم ن مرتبة الطبيعة‪ ،‬ثّم تحّركت حركة معنوّية‬
‫‪| 164‬‬ ‫َو َطَو ت هذه المراحل ِبقدرة إلهّية‪ِ ،‬بَيد غيبّية‪ِ ،‬بتربي ة رس ول هللا (ص لى هللا علي ه وآل ه)‪،‬‬
‫إلى أن َو َص َلت إلى مرتبة َيقصر عنها الجميع»‪.1‬‬

‫رسالة األمومة المقّدسة‬

‫«إّن عّف ة النس اء في الدرج ة األولى ِم ن األهّم ّي ة‪ ،‬ألّن عّف ة النس اء َتس ري إلى ه ؤالء‬
‫األطف ال ال ذين في أحض انهّن ‪ .‬إّن المق دار ال ذي َيس ري إلى األطف ال من عّف ة النس اء‬
‫وَش رفهّن ال يتحّق ق في الم دارس‪ .‬فتعُّل ق األطف ال بأّم ه اتهم ال نظ ير ل ه في ارتب اطهم‬
‫ِباآلخرين‪َ ،‬و م ا يس معونه ِم ن َفم األّم يبقى راس خًا في قل وبهم‪ ،‬بينم ا ال يرس خ ل ديهم م ا‬
‫يأخذونه من اآلخرين‪ .‬فإذا كانت األّم هات ذوات فضيلة وعّف ة‪ ،‬ف إّنهن س يرِفْد ن المجتم ع‬
‫بأوالد ذوي فضيلة وش رف‪ .‬واألوالد ذوو الفض يلة والش رف ُيص ِلحون البل د‪ .‬فإص الح‬
‫ال دول َر هن ِبكّن ‪ ،‬أّيته ا األّم ه ات‪َ .‬خ راب ال دول وإعماره ا َتب ع لكّن ‪ .‬إنكّن ‪ ،‬إذا َق ّد متن‬
‫للمجتمع شبابًا ذوي فضيلة‪ ،‬شبابًا نشؤوا في أحضانكّن على الفضيلة‪ ،‬فإّن بلدكّن سَيصلح‬
‫وَيعم ر‪ ،‬وس يتّم إنق اذه من أي دي األج انب‪ .‬أّم ا إذا لم َي دعوا أطف الكّن في أحض انكّن ‪،‬‬
‫فاستدرجوكّن إلى الدوائر وأخذوا أطفالكّن إلى ال ُد ور ال تي ت رعى األطف ال‪ ،‬ف إّن العق دة‬
‫ستظهر فيهم ألّنهم ابتعدوا عن أّم ه اتهم‪ .‬إّن الطف ل ال ذي ال يك ون تحت رعاي ة األّم ‪ ،‬وال‬
‫َيشعر بمحّبة األّم ‪ ،‬سوف يشعر بالنقص‪ .‬وهذه العقد َم نشأ المفاسد جميعها؛ السرقات تنش أ‬
‫من هذه العقد‪ ،‬وجرائم القت ل تنش أ من ه ذه العق د‪ ،‬والخيان ات تنش أ من ه ذه العق د‪ .‬وهي‬
‫تظهر عندما يبتعد الطفل عن أّم ه‪ .‬إّن الطفل‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.250‬‬ ‫‪1‬‬


‫اللطيف الرقيق سريع التأّثر يحتاج محّب ة األّم ‪ ،‬لكّن ه عن دما ُيؤخ ذ من أّم ه إلى أش خاص‬
‫غرباء عنه ‪-‬وال يعقل أن تكون محّبة شخص غريب لهذا الطفل كمحّبة أّم ه‪َ -‬و تتّم تربيت ه‬
‫بينهم‪ ،‬تنشأ العقد‪ .‬إّن المفاسد جميعها التي تظهر في البلد ‪-‬أو أكثرها‪ -‬إّنم ا تنش أ ِم ن ه ذه‬
‫‪| 165‬‬ ‫العقد‪ .‬لقد َع ِم لوا على تطبيق هذه المسألة عملّيًا بأْن يفصلوا األطفال عن أحضان أّم هاتهم‪،‬‬
‫ويقوموا بتربيتهم في مكان آخر‪ .‬لقد َخ دعوا النس اء إذ أص بحَن َيُقلَن ‪ِ :‬لَم نجلس في ال بيت‬
‫ونرّبي األطفال؟ يجب أن ننزل إلى المجتمع‪ ،‬يجب أن ن ذهب إلى ك ذا‪َ .‬و َل و ك ان ه دفهم‬
‫سليمًا َلما كان ثّم ة إشكال كبير في الَبْين‪ ،‬ولكّن نواياهم سّيئة»‪.1‬‬

‫«أنتّن ‪ ،‬أّيتها السّيدات الالتي َتُقْلن إّنكّن ُم عّلمات‪ ،‬في الحقيق ة أنتّن َتُقمَن بمهّم َتْيِن ش ريفَتْين‬
‫ِج ّد ًا؛ إحداهما تربية األبناء‪ ،‬وهي أسمى ِم ن كّل شغل‪َ ،‬فخير لكّن أن تقّد مَن للمجتم ع َو ل دًا‬
‫صالحًا‪ ،‬وأبقى لكّن ِم ن كل شيء‪َ .‬لُك ّن ِم َن الَقْد ر حين ُت رّبيَن إنس انًا م ا ال أس تطيع َبياَن ه‪.‬‬
‫فُش غلكّن األعظم هو أن ُتَر ّبيَن األبناء تربية صالحة‪َ ،‬فُحجور األّم ه ات هي الحج ور ال تي‬
‫يجب أن يترّبى فيها اإلنسان‪ ،‬إذ إّن أّو ل مراتب التربية نشأة الطفل في أحض ان أّم ه‪ِ .‬م ن‬
‫هنا كانت محّبة الطفل لألّم أعظم ِم ن كّل محّبة‪ ،‬وما ِم ن محّب ة أس مى ِم ن محّب ة األموم ة‬
‫والُبن ّو ة‪ .‬فاألطف ال يتعّلم ون القض ايا ِم ن األّم أحس ن التعّلم‪َ ،‬فُهم ُم ت أّثرون به ا أك ثر ِم ن‬
‫ت أّثرهم ب األب وب المعِّلم‪َ .‬ر ِّبيَن أبن اءكّن في أحض انكّن تربي ة إس المّية إنس انّية‪ ،‬حّتى إذا‬
‫قّد مُتَّنُهم إلى االبتدائّية‪ ،‬قَّد مُتَّن أطفاًال َس ليمين َخلوقين مهّذ بين َتسَع ْد َن بهم‪.‬‬

‫فالشغل األّو ل‪ ،‬إذًا‪ ،‬هو تربية األبناء التي نأسف على أّن الحكومة المستبّد ة كانت تري د أن‬
‫تح رمهّن إّي اه‪َ .‬فرَّو ج وا أّن االهتم ام بالطف ل ال ينبغي على الم رأة‪ ،‬وَح ُّط وا ه ذا الش غل‬
‫الشريف في نظر األّم هات‪،‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.321‬‬ ‫‪1‬‬


‫ألّنهم كانوا يريدون فصلهّن عن األنبياء (عليهم الس الم)‪ .‬فك اَن الطف ل يؤخ ذ إلى مراك ز‬
‫التربية‪ ،‬واألّم تمضي إلى ما تريد ِم ن األعمال‪ .‬والطفل الذي َيكبر في مرك ز تربي ة ليس‬
‫كالذي يكبر في ِح جر أّم ه‪ ،‬إذ ينشُأ ُم عّق دًا؛ أي عن دما يك ون الطف ل في مرك ز تربي ة م ع‬
‫‪| 166‬‬ ‫األجنبّي ِم ن دون أّم ه ومحّبتها‪ ،‬يتعَّقد بالُغ ربِة وفقدانه حنان األمومة الُم نِقذ‪ .‬وأكثر المفاسد‬
‫الشائعة في المجتمع هي ثمار هذا البالء‪َ .‬فَفصُل الطف ل عن أّم ه منش أ العق د الك برى‪ ،‬إذ‬
‫يفتقد حنانها الالزم ل ه ج ّد ًا‪ .‬ش غُلُك ّن ش غل األنبي اء (عليهم الس الم) ال ذين ج اؤوا ِلُص نع‬
‫اإلنسان؛ ُش غُلُك ّن األَّو ل هو التربية‪.‬‬

‫وُع ِهَد إليكَّن ‪-‬أنُتّن المعّلمات‪ -‬عمل شريف آخر‪ ،‬ومسؤولّيته كب يرة‪ ،‬وِبَق در ِم ن الش رف‪،‬‬
‫أال وه و ُص نع اإلنس ان‪ .‬ف المعّلم َيص نع اإلنس ان؛ وه ذا ه و عم ل األنبي اء (عليهم‬
‫السالم) الذين جاء كٌّل منهم ِلممارسته ِم ن أّو ل حياته إلى آخرها‪َ ،‬فُيعِّلُم الناس وُيزِّك ِيهم‪.‬‬

‫إّن مهن ة التعليم هي عم ل األنبي اء (عليهم الس الم)‪ ،‬والرس ول األك رم (ص لى هللا علي ه‬
‫وآله) معّلم البشر كّلهم‪ ،‬وَبعده أمير المؤمنين (عليه السالم)‪َ ،‬فُهما ُم عِّلما الناس‪ ،‬وأنُتّن ِم ن‬
‫هؤالء الناس الذين هذا هو عملهم‪ .‬فالعمل واحد‪ ،‬لكّن أولئك يعملون في المحيط األوس ع‪،‬‬
‫ونحن نعمل في المحيط األضيق‪.‬‬

‫ُش غلكّن ‪ ،‬بناًء على هذا‪ ،‬في غاي ة الش رف‪ ،‬ومس ؤولّيته في غاي ة الَع َظم ة‪ ،‬كم ا أّن ش غل‬
‫األنبي اء (عليهم الس الم) في منتهى الش رف‪ ،‬ألّنهم ج اؤوا ِلُص نع اإلنس ان‪ ،‬فك انت‬
‫مسؤولّيتهم فوق كّل مسؤولّية‪ .‬الفارق أّن األنبي اء (عليهم الس الم) أَّد وا م ا ُع ِه َد إليهم َم ن‬
‫عمل على ما يجب‪ ،‬وخرجوا من المسؤولّية‪ .‬وك رامُتكَّن ه ذا العم ل‪ ،‬وس عادتكّن إنج ازه‬
‫على ما يجب»‪.1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.80 - 79‬‬ ‫‪1‬‬


‫األمر السابع‪ :‬الشباب‬
‫ُيَع ّد عنوان «الشباب» عنوانًا جامعًا للكثير ِم ن الفئات الش عبّية األخ رى‪ ،‬فالج امعّيون ِم ن‬
‫الشباب وَطَلب ة الِع لم ال دينّي بعض هم ِم ن الش باب‪ ،‬وك ذلك النس اء والفتي ات بعض هّن ِم ن‬
‫‪| 167‬‬ ‫الشباب‪ .‬إاّل أّن الداعي األساس ِلِذ كر عنوان مستقّل حول الشباب في فكر اإلم ام الخمي نّي‬
‫(قدس سره) هو أّن العناوين التي ُذ كرت حول الج امعّيين والح وزوّيين وغ يرهم‪ ،‬ك انت‬
‫عناوين تختّص بالشريحة ِم ن حيث كونه ا جامعّي ة أو حوزوّي ة‪َ ،‬و ه ذا ال ُيلغي ض رورة‬
‫الحديث عن فئة الشباب بش كٍل ع اّم ِم ن حيث عمومّيته ا‪ ،‬وه ذا م ا س يظهر في الفق رات‬
‫اآلتية‪ .‬وكمثال على ذلك‪ ،‬يذكر اإلمام الخمينّي (قدس سره) قضّية ضرورة ته ذيب النفس‬
‫في ُع مر الشباب‪ ،‬وأّن السلوك المعنوّي لإلنسان في هذا العم ر أس هل بم راتب ِم ن عم ر‬
‫الكهولة‪ ،‬إذ إّنها قضّية سارية وشاملة كّل شخص في عمر الشباب‪ ،‬سواء أكان جامعّي ًا أم‬
‫ال‪ ،‬وحوزوّيًا أم ال‪.‬‬

‫ِم ن هنا‪ ،‬فإّن القضايا المحورّية التي كان اإلمام الخمينّي (قدس س ره) يرّك ز عليه ا ح ول‬
‫فئة الشباب في المجتمع تتمحور حول بناء الذات ومراقبته ا‪ ،‬س واء أك ان ع دّو ها داخلّي ًا‬
‫وهو النفس األّم ارة‪ ،‬أو خارجّيًا وهو الذي يصّب جهده األساس ّي في َح رف الش باب عن‬
‫مبادئ اإلسالم والثورة‪ ،‬ألّن الشباب يمّثلون العصب الحّي ألّي مجتمع وحضارة‪ .‬ويتمّثل‬
‫تركيز العدّو الخارجّي جّله في إحياء الشهوة ومراك ز الفحش بش ّتى أص نافها‪ ،‬وبإش غال‬
‫الشباب بقضايا الحياة اليومّية‪ ،‬وإغفالهم عن قضايا المجتمع والمبادئ الكبرى‪.‬‬

‫وفي ما ي‪11‬أتي أهّم العن‪11‬اوين ال‪11‬تي ذكره‪11‬ا اإلم‪11‬ام الخمي‪11‬نّي (قدس س‪11‬ره) في خطاب‪11‬ه م‪11‬ع‬
‫الشباب‪:‬‬

‫التفّقه وتهذيب النفس في عمر الشباب‬

‫«إّن بإمكانكم‪ ،‬أنتم الذين تتمّتعون بقّو ة الشباب‪ ،‬أن تعكفوا‬


‫على تهذيب أنفسكم‪ ،‬فإذا ِش بُتم َفستص بحون ض عفاء‪ ،‬وس تعجزون عن ذل ك‪ .‬ق واكم اآلن‬
‫عالية‪ ،‬وأثر الشيطان في أنفسكم ضعيف‪ ،‬فإذا تق ّد متم في الس ّن ض عَفت ق واكم وزاَد أث ر‬
‫الش يطان‪ ،‬حينه ا س تعجزون وس ُتهزمون‪ .‬عليكم أن ته ّذ بوا أنفس كم ِم ن اآلن‪ ،‬وعلى‬
‫‪| 168‬‬ ‫الحوزات العلمّية أن تسعى في تهذيب رّو اِد ها‪َ ،‬و في ظّل التهذيب تتاَبع الدراسة وتحصيل‬
‫العلوم‪ .‬إّننا بحاجة إلى التفُّقه‪ ،‬فإذا خِس رنا فقيهًا خِس رنا اإلس الم‪ .‬نحن بحاج ة إلى الفقي ه‪،‬‬
‫وعلين ا أن نس عى إلى إيج اده‪ .‬لكن في ال وقت نفس ه‪ ،‬علين ا أن نس عى في تحقي ق أم ور‬
‫أخرى‪ ،‬تمامًا كما كان األئّم ة (عليهم السالم)؛ فحضرة األم ير علّي بن أبي ط الب (علي ه‬
‫السالم) كان يحرص على صالته وعبادته وعلى أن يكون س يفه ج اهزًا أيض ًا‪ .‬لق د ك ان‬
‫أمير المؤمنين (عليه السالم) يحرص على َبْسط الِع لم والتوحيد‪َ ،‬فيترك لنا كتابًا مث ل نهج‬
‫البالغة‪ ،‬لكّنه كان يخوض ِغ مار الحروب وَيستّل سيفه المع روف‪َ .‬فه و في ال وقت نفس ه‬
‫زاهدًا وشجاعًا ومقتدرًا ومحاربًا‪ .‬هذه األمور كّلها مع بعضها»‪.1‬‬

‫«جاء اإلسالم ‪-‬أساسًا‪ِ -‬لبناء الحياة واإلنسان‪َ .‬و الجهاد ِم ن أجل حي اة اإلنس ان نفس ه ُم ق ّد م‬
‫على كّل جهاد؛ لذا سّم اه الرسول األكرم (ص لى هللا علي ه وآل ه) الجه اد األك بر‪ .‬فالجه اد‬
‫عظيم‪ ،‬إذًا‪ ،‬والفضائل كّلها تأتي بعده‪ .‬الجهاد األكبر هو جهاد اإلنس ان نفس ه الطاغوتّي ة‪،‬‬
‫َفعليكم‪ ،‬أّيها الشّبان‪ ،‬أن تشرعوا ِم ن اآلن بهذا الجهاد‪ .‬ال َتَدعوا قوى شبابكم تتب ّد د‪ ،‬فكّلم ا‬
‫ذهَبت ق وى الش باب ِم ن اإلنس ان زاَدت ج ذور األخالق الفاس دة في ه وتعّق َدت‪َ ،‬و َص ُع َب‬
‫الجهاد‪ .‬الشاّب يستطيع أن ينتصر في هذا الجهاد سريعًا‪ ،‬بينما ال يستطيع الشيخ بلوغ هذا‬
‫النصر بسرعة‪َ .‬فال َتَدعوا إصالح أحوالكم يتدحرج ِم ن الشباب إلى الشيخوخة‪ ،‬إذ إّن ِم ن‬
‫مكائد النفس التي تكيدها ِلصاحبها هذا األمر‪ ،‬وهو ما يقترحه الشيطان على اإلنس ان؛ أْن‬
‫َدع إصالح نفسك‪ ،‬وتمّتع بشبابك اآلن‪ ،‬وُتْب في آخر العم ر‪ .‬ه ذا ط رح ش يطانّي تقّد م ه‬
‫النفس ِبتعليم الشيطان األكبر‪.‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.228‬‬ ‫‪1‬‬


‫فاإلنسان يستطيع إصالح نفسه ما داَم ت قوى شبابه وروحه اللطيفة في من أًى عن ج ذور‬
‫الفساد‪ ،‬أّم ا إذا ضربت جذور الفساد في نفسه واشتّد ْت ‪ ،‬فال إمك ان لإلص الح حينه ا‪ .‬أنتم‬
‫اآلن ُم هّيأون‪ ،‬أّيها الشباب‪ ،‬لمجاهدة النفس وبنائها‪ ،‬وهذا الجهاد هو الجه اد األك بر‪ ،‬ألّن ه‬
‫‪| 169‬‬ ‫مبذول في بناء أنفسكم‪ ،‬وهو مفيد لبالدكم‪ ،‬فكونوا َخَدمها‪ .‬يجب أن تبدؤوا من هذه السنين‬
‫في صناعة رجال ينقذون البالد ِبكمالهم‪ .‬إذا َص نعُتم أنفسكم‪ ،‬وَج َّذ رتم الفض ائل اإلنس انّية‬
‫فيها‪ ،‬فإّنكم ُم نتص رون في ذل ك ال وقت في المراح ل كّله ا‪ ،‬واس تطعتم أن تنق ذوا ِبالدكم‪.‬‬
‫أولئك الذين قادوا بالدنا إلى الَبوار فعلوا ذلك ألّن بناء أنفسهم كان ُم تداعيًا‪ ،‬فقد ك انوا من‬
‫ذوي األخالق والعقائد واألعمال الفاسدة‪ .‬وَلو كانوا قد َطّهروا أنفسهم‪َ ،‬لما خ انوا الش عب‬
‫وال اإلسالم»‪.1‬‬

‫«حسابات أولئك الذين ال يؤمنون باهلل كانت ترى أّنه ِم ن غير المعقول أن ينتص ر ش عب‬
‫ال يملك شيئًا على ق وى تمل ك ك ّل ش يء‪ .‬لق د ك ان من غ ير المعق ول قط ع َي د األجن بّي‬
‫المدّج ج باألسلحة المختلفة عن خيرات الشعب وثرواته‪ .‬لقد كانت حساباتهم ماّد ّية‪ ،‬وِو فاق‬
‫الحسابات الماّد ّية‪ ،‬كان األمر كما يقولون‪ ،‬ك ان انتص ارنا مس تحيًال‪ .‬لكّنهم لم ي دخلوا في‬
‫حسابهم المعنوّيات‪ ،‬إذ كان اإلسالم يتق ّد م دائم ًا بالمعنوّي ات‪ .‬ففي ص در اإلس الم‪ ،‬وعلى‬
‫الرغم من أّنه لم يكن لدى المسلمين أّية تجهيزات‪ ،‬بل كان لك ّل ع دد ِم ن المق اتلين ف رس‬
‫واحدة‪ ،‬وأحيانًا سيف واحد‪ ،‬فيما كان جيشا الروم والفرس م دّج َج ْين باألس لحة‪ ،‬وع ددهم‬
‫أضعاف عدد المسلمين‪ ،‬إاّل أّنه بهذا العدد القليل والعّد ة الضعيفة‪ ،‬مع قّو ة اإليمان‪ ،‬هزموا‬
‫إمبراطورّية الروم وإمبراطورّية إيران‪.‬‬
‫أنتم يا جنود اإلسالم‪ ،‬أنتم يا أّيها الشباب المؤمنون النجباء‪ ،‬قد حّطمتم بإيم انكم ه ذا الس ّد‬
‫الكبير‪ ،‬حّطمتم هذه القّو ة الطاغوتّية‪ ،‬هذه‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.236‬‬ ‫‪1‬‬


‫القّو ة الش يطانّية‪َ .‬فِبَفض ل ق ّو ة اإليم ان أبطلتم الحس ابات الماّد ّي ة كّله ا‪ .‬لق د َنَص ركم هللا‪،‬‬
‫وسَينصركم ما ُد متم متوّجهين إليه‪.‬‬

‫‪| 170‬‬ ‫إخوتي‪ ،‬أعّز ائي‪ ،‬ال تضّيعوا هذا السّر ِم ن أي ديكم‪ ،‬س ّر التوّج ه إلى هللا‪ ،‬س ّر التوّج ه إلى‬
‫اإلسالم‪ .‬إّن الشهادة للمسلم وللم ؤمن س عادة‪ ،‬وش بابنا ك انوا َي َر ون الش هادة س عادة؛ هن ا‬
‫يكمن س ّر االنتص ار‪ .‬أولئ ك الم اّد ّيون ال يؤمن ون بالش هادة أص ًال‪ ،‬ولكّن ش بابنا َي َر ون‬
‫الشهادة سعادتهم‪َ ،‬يَر ونها أولى راحتهم‪ .‬كان هذا سّر النصر‪ .‬لقد أخطأ أولئك الذين ظّن وا‬
‫أّنهم يستطيعون‪ ،‬في ه ذه البره ة من ال زمن‪ ،‬إيق اع الفرق ة بين أبن ائي‪ ،‬بين ش بابنا‪ ،‬بين‬
‫أعّز ائنا‪ .‬إّن شبابنا جميعهم مهتّم ون باإلسالم‪ ،‬ويمضون ُقدمًا بإيمان راسخ»‪.1‬‬

‫دور الشباب في انتصار الثورة اإلسالمّية‬

‫«إّن لكم‪ ،‬أنتم أّيها الشباب‪ ،‬المّنة والفضل علينا‪َ ،‬فَقد ُك نتم‪ ،‬أنتم أّيها الشّبان المنحدرون ِم ن‬
‫عاّم ة ه ذا الش عب‪ ،‬ال ِم ن الفئ ات ال تي ض ّيَع ت م ا ل دينا كّل ه‪ ،‬وال ِم ن ال ذين َف ّروا إلى‬
‫الخارج‪ ،‬أو الذين كانوا هنا لكّنهم نهبوا أموال هذا الش عب‪ .‬إّن لكم الفض ل والمّن ة علين ا‪،‬‬
‫واإلسالم له المّنة على الجميع؛ َفال مّنة لن ا على اإلس الم‪ ،‬ب ل إّن ه ص احب المّن ة علين ا‪،‬‬
‫والق رآن ص احب المّن ة علين ا‪ ،‬ولكن أنتم لكم المّن ة َع َلّي ‪ .‬لق د تمّك نتم‪ ،‬أنتم أّيه ا الش ّبان‬
‫المؤمن ون‪ ،‬أّيه ا الش ّبان المرابط ون‪ِ ،‬م ن تحقي ق ه ذا النص ر‪ .‬يعلم هللا م ا تحَّم ل ه قل بي‪،‬‬
‫ومقدار األسف والتأّثر ال ذي أص ابني‪ ،‬حينم ا انتبهُت في المدرس ة العلوّي ة ‪-‬بع د ي وم أو‬
‫يومين‪ -‬إلى صور الشّبان الموجودة هناك‪ ،‬وبعضهم ش هداء‪ .‬إّن ه ؤالء ش ّباننا وأبناؤن ا‪،‬‬
‫وقد استشهدوا في سبيل اإلسالم‪ ،‬أسأل هللا أن يحشرهم مع نبّي اإلس الم (ص لى هللا علي ه‬
‫وآل ه)‪ .‬إّن اآلس ى يملؤن ا من وق وع تل ك الم ذابح وتل ك الممارس ات الوحش ّية للنظ ام‬
‫المنحوس‪ ،‬ولكّننا نشعر بالشكر ألّن‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.105 - 104‬‬ ‫‪1‬‬


‫دماء أبنائنا ساَلت في سبيل اإلسالم‪ .‬لقد سقط لإلسالم العدي د من ه ؤالء الش هداء‪ ،‬العدي د‬
‫من ه ؤالء األع ّز ة‪ .‬وأنتم‪ ،‬أّيه ا الش باب‪ ،‬خ دمتم اإلس الم كم ا خدم ه الش باب في ص در‬
‫اإلسالم‪ .‬لق د أوش ك اإلس الم أن يص بح أث رًا بع د َعين‪ ،‬وك اد أن يمحى‪ ،‬لق د أوش كوا أن‬
‫‪| 171‬‬ ‫يقضوا على هذا القرآن‪ ،‬ولكّن قيامكم‪ ،‬أنتم أّيها الشباب اإليرانّي ‪ ،‬وقيام الشعب اإلي رانّي ‪،‬‬
‫الذي كان قيامًا إلهّيًا ونهضة إلهّية‪ ،‬أعاَد الحياة إلى القرآن وإلى اإلسالم مّرة أخرى»‪.1‬‬

‫الشباب هم األمل والبشرى في مرحلة البناء بعد الثورة‬

‫«أنتم‪ ،‬أّيه ا الش باب الَطَلب ة وس ائر الش باب‪ ،‬أملي وُبش راي‪ .‬إّن أملي ينعق د عليكم‪ ،‬أّيه ا‬
‫الشباب‪ ،‬عليكم أنتم‪ ،‬أّيها الَطَلبة‪ .‬إّنني آمل أن ُتوك ل أم ور البالد في المس تقبل إليكم أنتم‪،‬‬
‫أّيها األعّز اء‪َ ،‬و تتوّلون إدارة بالدن ا وص يانتها‪ .‬إّن ني آم ل أن تتمّك ن وا من ح ّل مش اكلكم‬
‫بالِع لم والعمل‪ ،‬بالعلم وتهذيب النفس‪ ،‬بالِع لم والعمل الصالح‪.‬‬

‫لقد َطَو ْينا هذه المرحلة إلى اآلن‪ ،‬وقطعنا أي دي الخون ة ِبوح دة الكلم ة بين فئ ات الش عب‬
‫المختلف ة‪ ،‬وبالتوّك ل على اإليم ان‪ ،‬وباالس تناد إلى الق رآن واإلس الم‪ ،‬وسُنواص ل ه ذه‬
‫المسيرة بإذن هللا‪ .‬ولكّن المش اكل س تكون أك ثر ِم ن اآلن َفص اعدًا‪ ،‬م ا يتطّلب مزي دًا ِم ن‬
‫اليقظة والحذر‪ .‬لقد بدأ منذ اآلن عهد البناء واإلعمار لهذه الخربة التي تركوه ا لن ا‪ ،‬وأنتم‬
‫على ِع لم أفضل بما ألحقوه بجامعاتنا وثانوّياتنا ومدارسنا االبتدائّية نتيج ًة لخيان اتهم؛ أنتم‬
‫تعلم ون أّنهم أرادوا اإلبق اء عليكم متخّلفين‪ ،‬وح الوا دون تنش ئة إنس ان إس المّي مقت در‬
‫وهادف‪ .‬فالمن اهج الدراس ّية ك انت‪ ،‬من البداي ة‪ ،‬من اهج معوّج ة وُم نحرف ة‪ ،‬وك ذا ك انت‬
‫برامجهم‪ ،‬إذ أرادوا إعادة شبابنا إلى الوراء ِلتحقي ق أغراض هم‪ ،‬كي نك ون محت اجين في‬
‫كّل شيء‪ ،‬في العلم وفي االقتصاد وفي كّل شيء‪.‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.246‬‬ ‫‪1‬‬


‫ابذلوا مساعيكم‪ ،‬أنتم أّيها الشباب الذين تنعقد عليكم آمالي وُبشراي‪ ،‬وحافظوا على وح دة‬
‫كلمتكم‪ .‬إّنهم لم يتيحوا لنا الفرصة للق ائكم‪ ،‬ففي عم ر المدرس ة‪ ،‬ه ذه الم ّرة األولى ال تي‬
‫ألتقي بكم‪ ،‬وهذه الم ّرة األولى ال تي أرى فيه ا معِّلميكم وأس اتذتكم ِم ن ق رب‪ .‬إّنه ا الم ّرة‬
‫‪| 172‬‬ ‫األولى التي أزوركم ِم ن قرب‪ ،‬أنتم أّيها الشباب األعّز اء‪ ،‬يا أبناء اإلسالم‪.‬‬

‫يا أملي‪ ،‬يا ُبشراي‪ ،‬يا أبناء اإلسالم‪ ،‬لق د أدركتم س ّر النص ر‪ ،‬وأّن ه ق د تّم أثن اء الع اَم ْين‬
‫األخ يَر ْين اقتالع ج ذور االس تبداد والملكّي ة المس تبّد ة الممت ّد ة على م دى ‪ 2500‬عام ًا‪،‬‬
‫ِبوحدة الكلمة‪ .‬لقد أدركتم أّنكم هزمتم ناهبي النف ط والطفيلّيين‪ ،‬وأّن الس ّر ال ذي حّق ق لكم‬
‫النصر هو وحدة الكلمة ووحدة الهدف‪ ،‬واإليم ان واإلس الم والجمهورّي ة اإلس المّية‪ .‬فال‬
‫تفّر طوا بهذا السّر‪ ،‬وُرّص وا صفوفكم أكثر فأكثر‪ ،‬وعّز زوا عالقاتكم مع الفئ ات جميعه ا‪،‬‬
‫وال سّيما علماء الدين‪ .‬أنتم آمالي وُبشراي‪ ،‬والشعب اإليرانّي ه و أم ل اإلس الم وُبش راه‪.‬‬
‫ينبغي الحفاظ على وحدة الكلمة التي مّك َنت ِم ن تحقيق التقُّد م في المجاالت كاّفة»‪.1‬‬

‫مخّططات أجهزة الطاغوت لتضليل الشباب‬

‫«لقد كانوا يحاولون إشغال ِفكر الشباب عن طريق توظيف األجه زة اإلعالمّي ة كّله ا في‬
‫هذا الَغرض‪َ ،‬فقد كان كٌّل ِم ن الراديو والتلفزيون والسينما والصحافة يشّجع الش باب على‬
‫العبث واللهو وتضييع الوقت بحثًا عن الملّذ ات‪َ .‬فماذا تنتظرون ِم ن الش اّب عن دما ي ذهب‬
‫إلى السينما م ّرة واثنَتْين وثالث؟ س وف يعت اد على ذل ك‪ ،‬ولن يفّك ر في غيره ا‪ ،‬ورّبم ا‬
‫سيحلم بها في نومه‪ ،‬وعندما يستيقظ صباحًا‪ ،‬سيفّك ر كيف سيمضي الوقت بالعبث واللهو‪.‬‬
‫هذا النوع ِم ن الش باب الض ائع ِم ن المس تحيل أن يفّك ر في أّن ك ارتر َيس رق نفطن ا‪ ،‬فق د‬
‫عّو دوا شبابنا ورجالنا وحّتى أطفالنا على اللهو والعبث وقضاء وقتهم في بي وت الفحش اء‬
‫وعلى شاطئ البحر‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.278 - 277‬‬ ‫‪1‬‬


‫الذي يعّد اليوم أحد تلك المراكز المضّرة بِفكر الشباب‪ .‬فهذه األجهزة اإلعالمّية التي ك ان‬
‫يجب أن تك ون وس ائل للتربي ة الص الحة ك الراديو والتلفزي ون‪ ،‬تعم ل على تش ويه ِفك ر‬
‫شبابنا‪ .‬وال تظّنوا أّن هذا الشيء يحدث بمحض الص دفة‪ ،‬ب ل إّن ه ُم خَّط ط ل ه‪ ،‬وباحتم ال‬
‫‪| 173‬‬ ‫كب ير من الــ (س ي أي إي)‪ .‬فه ذه اإلعالن ات عن مراك ز الفس اد وش اطئ البح ر‪،‬‬
‫والتسهيالت التي تقَّد م لهم‪ ،‬هي ِم ن أجل جذب الشباب والنس اء الرتك اب الفحش اء؛ كّله ا‬
‫أشياء ُم برمجة ومنّظمة ِم ن أعداء الشعب ِلَيمنعوا اإلنس ان من أن ينض ج بش كٍل ط بيعّي ‪.‬‬
‫والشيء نفسه بالنسبة إلى الموسيقى التي تشغل تفكير الشباب اليوم‪ ،‬فإذا مَض ت م ّد ة على‬
‫هذا الشاّب وال َهّم له غير الموسيقى‪ ،‬فسوف يتوّقف عقله عن التفكير في األمور الجّد ّي ة‪.‬‬
‫وإّن أحد المخّططات المغرضة ‪-‬وهي كثيرة‪ -‬هو أن يصرفوا الش باب عن الدراس ة‪ ،‬عن‬
‫طريق إعداد فئة باسم اليسارّيين الذين يدخلون الجامع ات ليتظ اهروا وينش روا الفوض ى‬
‫داخلها ولُيخرجوا الطاّل ب من صفوفهم فيلهوهم عن دراستهم بأمور ال جدوى منها»‪.1‬‬

‫«في كّل مكان تضعون قدمكم‪ ،‬ثّم ة شيء واضح ‪-‬وأصحاب النظرة الثاقبة يفهمون ذل ك‪-‬‬
‫ه و أّن عمالء النظ ام الس ابق لم يري دوا أن يعَي ش بابنا م ا يح دث‪ .‬ك انوا يج ّرونهم إلى‬
‫الحانات والمالهي ليشغلوهم عن قضايا بلدهم‪ ،‬فالهدف ِم ن أن يعت اد ش بابنا مطالع ة تل ك‬
‫المجاّل ت المبتذلة ‪-‬التي رأيتموها‪ -‬بما تحويه ِم ن صور فاضحة ومس ائل مث يرة‪ ،‬وارتي اد‬
‫صاالت السينما بالكيفّية التي كانت عليها‪ ،‬ومتابعة الراديو والتلفزيون ببرامجهما المث يرة‬
‫لالشمئزاز‪ ،‬والترّد د إلى المدارس والشواطئ ومراكز الفحشاء‪ ،‬هو ضياع شبابنا وإلهائ ه‬
‫عن قضايا البلد‪ِ ،‬لُيصبحوا غير ُم بالين بشيء‪ ،‬حّتى ِبأنفس هم‪ .‬فالش اّب ‪ ،‬إذا اعت اد ال ذهاب‬
‫إلى السينما ورؤية تلك المشاهد الساقطة كّل ليلة أو كّل يوم‪ ،‬ف إّن ِفك ره لن ينص ّب على‪:‬‬
‫أين يذهب نفطنا؟ وأين تذهب ثرواتنا؟‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.139 - 138‬‬ ‫‪1‬‬


‫وَم ن يستغّلنا؟ لن تخطر هذه األشياء في باله أبدًا‪َ ،‬فمثله كمثل الذي يتعاطى المخّد ارت‪ ،‬ال‬
‫هّم له سوى‪ :‬متى أتعاطى تلك المواّد ؟ وِم ن أين أحصل عليها؟ وما إلى ذلك؛ لن ُيفّك ر أبدًا‬
‫في أمور حياته‪َ .‬فالشخص الذي يرتاد النوادي الليلّية لن يفّك ر في ما يجري في هذا البل د‪،‬‬
‫‪| 174‬‬ ‫وال في عواقب هذه األمور‪َ ،‬و لن يأخذها ِبعين االعتبار‪.‬‬

‫تلك المسائل كّلها التي عملوا على ترويجها في الخمسين سنة األخيرة ‪-‬خاّص ًة في زم ان‬
‫ذلك الثاني [الشاه محّم د رض ا بهل وّي] األس وأ ِم ن األّو ل [الش اه رض ا بهل وّي]‪ -‬ك انت‬
‫تهدف إلى إلهاء شبابنا عن أنفسهم وعن بلدهم‪ ،‬فلم َيعبؤوا ِبما يجري‪ .‬فالذي ال هّم له غير‬
‫الذهاب إلى البحر بماذا يستطيع أن يفّك ر؟ إّنهم يمارس ون هن اك العه ر؛ ل ذا َفال يمكن أن‬
‫يتساءلوا عن قضايا العصر‪ ،‬ألّنها أمور خارجة عن دائ رة اهتمام اتهم‪ .‬إلى أين س ار بن ا‬
‫هذا الرجل الخائن؟ هذا كّله غير مهّم ‪ .‬ثّم إّن هؤالء المتنّو رين والكّت اب ودع اة التح ّرر ‪-‬‬
‫معظمهم ال كّلهم‪ -‬غير ملتفتين إلى ما يخَّطط لهؤالء الشباب والشاّبات‪ ،‬إذ إّنهم يفعلون ما‬
‫تمليه عليهم أهواؤهم كّله‪ .‬إّنهم يصرخون‪ :‬آه‪ ...‬لقد ذهبت الحّرّية‪ ،‬الحّرّية الجميلة ذهَبت‪.‬‬
‫َح سنًا ذهبت الحّرّي ة‪ ،‬فم اذا ح دث؟ ُأغلقت الحان ات وُع ّطلت مراك ز الفحش اء‪ ،‬وال زلن ا‬
‫نجهل إذا ما ُع ّطلت كّلها أم ال‪َ ،‬فلم َيع د مس موحًا له ؤالء الش باب والفتي ات بال ذهاب إلى‬
‫البحر بمفردهم‪ ،‬والتعّري هناك‪ ،‬أو ِفعل ما يشاؤون‪ .‬هذه الحّرّية التي ينادون به ا‪ ،‬وال تي‬
‫ُأملَيت عليهم ِم ن الغرب‪ُ ،‬أمِلَيت علينا نحن فق ط‪ ،‬ال عليهم‪ ،‬وإاّل َفِم ن أين لهم ذل ك ال رقّي‬
‫الماّد ّي؟ إّن هذا النوع ِم ن الحّرّية أوج ده الغ رب للش عوب المس تعَم رة‪ ،‬حّرّي ة مس توردة‬
‫وغير منصفة‪ .‬فأولئك المتحّيزون لم زاعم الغ رب يتبّجح ون بحق وق اإلنس ان َو ُهم غ ير‬
‫ُم نصفين‪ ،‬ألّنهم أنفس هم ‪-‬بعض ال ذين ي ّد عون التح ّرر ال كّلهم‪ -‬يري دون أن ينش روا ه ذا‬
‫الشكل ِم ن الحّرّية التي تجّر بالدنا نحو الهاوية‪.‬‬

‫إّن البلَد ِبشبابه وطاقاته البشرّية‪َ ،‬فمتى ذهَبت تلك الطاقات ذهَب‬
‫البلد‪ .‬وإذا لم يمتلك البلد الطاقات البشرّية‪ ،‬فإّنه لن يستطيع أن ُيدير شؤونه‪ ،‬وه ذا الش كل‬
‫ِم ن الحّرّية الذي يريده السادة؛ أن يبّد دوا الطاقات البشرّية ويجّر وها إلى الالمباالة‪ ،‬بحيث‬
‫يصبح هّم ها كّله‪ :‬متى يأتي الصيف؟ متى نذهب إلى البحر؟ ومتى يأتي الّلي ل لن ذهب إلى‬
‫‪| 175‬‬ ‫السينما؟ إّن مثل هؤالء ال يستطيعون ‪-‬كما ال يستطيع الرجل المدمن على المخ ّد رات‪ -‬أن‬
‫يفّك روا بما يحدث في البلد‪ ،‬كإلى أين وصلت ثقافتنا واقتصادنا؟ ليس في مقدورهم التفكير‬
‫في ذلك‪ ،‬وال في أولئ ك ال ذين يري دون أن ينهبون ا‪ .‬إّنهم يري دون أن ينهبون ا من دون أن‬
‫ُيشعرونا بذلك؛ لذا قالوا ألنفسهم‪َ :‬فلنفتح باب اللهو واللعب أم ام ه ؤالء الش باب الي افعين‬
‫ليفعلوا ما يشاؤون‪ .‬نعم‪ ،‬هكذا كان وضعنا في الخمسين س نة األخ يرة؛ يرّو ج ون ِلم ا من‬
‫شأنه أن يلهي الشباب ويجعلهم يعيشون حال ة ِم ن الالمب االة‪ .‬واآلن ح ان ال وقت ِلن درك‪،‬‬
‫أنتم الذين تعملون في اإلذاعة والتلفزيون‪ ،‬أو نحن طلبة العلوم الدينّية في حوزاتن ا‪َ ،‬فس اد‬
‫ذل ك النظ ام‪ ،‬وكي ف أّن هّم ه كّل ه أن يفس د ش بابنا ويعّرض هم إلى التهلك ة‪ ،‬ويلهيهم عن‬
‫قضاياهم األساسّية‪ ،‬ويصنع منهم أفرادًا غير متحّم لين المسؤولّية وغير مبالين بشيء‪ .‬لقد‬
‫حان الوقت لنؤمن بنظام إسالمّي إنس انّي أم وره كّله ا جّد ّي ة‪ ،‬وال مك ان في ه لله زل‪َ .‬فال‬
‫هزل في اإلسالم‪ ،‬سواء أكان في األمور الماّد ّية أو المعنوّية‪ .‬ه ذه األم ور ال تي حظره ا‬
‫اإلسالم‪ ،‬مثل اللهو واللعب والهزل‪ ،‬هي نفسها التي يرّو جون لها اآلن‪ ،‬والتي تجّر ش بابنا‬
‫نحو التهلكة‪ .‬اإلسالم يريد جندّيًا‪ ،‬يري د محارب ًا يح ارب أع داء هللا‪ ،‬ويق ف مقاب ل أولئ ك‬
‫الذين يريدون الهجوم علينا‪ .‬يريد اإلسالم أن يصنع مجاهدًا‪ ،‬ال فردًا الهيًا َم ش غوًال ِبَله وه‬
‫فقط‪ ،‬غير آبٍه بما يضيع منه‪َ ،‬كَش رفه‪ .‬اإلسالم جّد ّي في أسلوبه‪ ،‬وال يوجد فيه هزل‪.‬‬

‫وإّن وسائل الترفيه ال تي أجازه ا اإلس الم‪ ،‬مث ل الرماي ة ورك وب الخي ل وس باق الخي ل‬
‫وسباق الرماية‪ ،‬فهذه حرب أيضًا‪ ،‬وقد أجاز الرهان‬
‫والشرط في هذه األلعاب‪ ،‬لكّن المسألة جّد ّية هنا‪ ،‬وهي التربية‪ .‬أّم ا أولئك‪ ،‬ف إّنهم يري دون‬
‫أن تبقى تلك المسائل الطاغوتّي ة في نظ ام الجمهورّي ة اإلس المّية‪ ،‬ونحن نري د أن نعم ل‬
‫بشكٍل جّد ّي‪.‬‬
‫‪| 176‬‬
‫لق د أدَلين ا بأص واتنا للجمهورّي ة اإلس المّية‪ ،‬وينبغي أن يك ون المحت وى إس المّيًا أيض ًا‪.‬‬
‫فالمؤّسسات المختلفة‪ ،‬مثل الراديو والتلفزيون‪ ،‬يجب أن تكون إسالمّية‪ ،‬ويجب أن تتب ّد ل‬
‫برامج اللهو والمزاح والعبث فيها‪ .‬يجب أن ُتصلحوا ذلك كّله‪ .‬نحن نريد من شبابنا ال ذين‬
‫فتحوا عيونهم وهم بين أحضان الفساد المنتشر في كّل مكان أن يعودوا إلى ذواتهم‪ ،‬رّبم ا‬
‫يستغرق ذلك وقتًا‪ ،‬ولكّنني آمل أن يرجعوا عن ه ذا الغّي ‪ .‬وق د ح دثت اآلن ‪-‬والحم د هلل‪-‬‬
‫تحّو الت ليست قليلة‪ ،‬قطع فيها ش بابنا مس يرة المئ ة س نة ِبَليل ة واح دة‪ ،‬وه ذه التح ّو الت‬
‫سريعة ومبّش رة بالخير»‪.1‬‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.253 - 351‬‬

You might also like