You are on page 1of 24

‫‪Humanities & Natural‬‬

‫‪HNSJ‬‬ ‫‪Sciences Journal‬‬


‫‪ISSN: (e) 2709-0833‬‬
‫‪www.hnjournal.net‬‬
‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬
‫مجلة علمية محكمة (التصنيف‪)NSP :‬‬
‫معامل التأثير للعام ‪4.91 = 2022‬‬

‫عنوان البحث‬

‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫‪1‬‬
‫بشرى محمود الطيلوني السنكري‬

‫جامعة إسطنبول أيدن‪ ،‬تركيا‬ ‫‪1‬‬

‫بريد الكتروني‪bushratiloni@gmail.com :‬‬


‫‪HNSJ, 2023, 4(6); https://doi.org/10.53796/hnsj4612‬‬

‫تاريخ القبول‪2023/05/20 :‬م‬ ‫تاريخ النشر‪2023/06/01 :‬م‬

‫المستخلص‬

‫إن علم الداللة من أهم أنواع العلوم اللغوية التي شغلت العلماء منذ زمن بعيد‪ ،‬ويعود السبب الرئيسي لهذا االهتمام هو الكتب‬
‫المقدسة عند الشعوب‪ ،‬فشعب الفيدا مثال اهتم بهذا العلم انطالقا من كتابه المقدس الذي يحتوي على تعاليم دينه‪ ،‬ولم يقتصر‬
‫هذا على الشعوب الهندية األولى‪ ،‬بل تجاوزه لشعوب أخرى‪ ،‬منها العرب الذين اهتموا اهتماما كبي ار بهذا العلم‪ ،‬فكانت معالم‬
‫العلم وخطوطه العريضة لتكاد تأخذ شكلها األخير على أيديهم‪ ،‬وذلك لما للقرآن الكريم من أهمية بالغة في حياتهم على جميع‬
‫األصعدة بشكل عام‪ ،‬وعلى استنتاج األحكام المتعلقة بالدين اإلسالمي بشكل خاص‪ ،‬ولما للكلمة من أهمية عند هذه األمة‪.‬‬
‫‪ -‬لذلك نجد أن معظم العلماء العرب تناولوا أبحاث علم الداللة في مؤلفاتهم‪ ،‬وإن لم يكن ذلك العلم قد أخذ اسمه الواضح كعلم‬
‫مستقل‪ ،‬ولكنه تداخل مع العلوم اللغوية األخرى‪ ،‬سواء أكانت هذه العلوم صرفية‪ ،‬أم نحوية‪ ،‬أم أديبة‪ ،‬إذ أن القرآن الكريم أعاد‬
‫بناء الكلمة ودالالتها من الناحية االصطالحية الدينية‪ ،‬دون أن يستغني عن معناها األصلي الذي كانت تدل عليه قبل مجيئه‪،‬‬
‫مما أثمر عند العرب علما أقرب إلى النضج والتمام‪.‬‬
HNSJ Volume 4. Issue6 ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

RESEARCH TITLE

THE EMERGENCE OF SEMANTICS AMONG THE ARABS

Bushra Altilouni Alsankari1

1
Istanbul Aydin University, Türkiye
Email: bushratiloni@gmail.com

HNSJ, 2023, 4(6); https://doi.org/10.53796/hnsj4612

Published at 01/06/2023 Accepted at 20/05/2023

Abstract

Semantics is one of the most important types of linguistic Sciences that have occupied
scientists for a long time, and the main reason for this interest is the sacred books of peoples
The people of the Vedas, for example, took an interest in this science based on his holy
book, which contains the teachings of his religion, and this was not limited to the first Indian
peoples, but exceeded it to other peoples, including the Arabs, who took a great interest in
this science, the features of science and its outlines were almost taking their last form on
their hands, because of the in particular, because of the importance of the word to this nation
Therefore, we find that most Arab scientists dealt with the research of semantics in their
writings, although this science has not taken its obvious name as an independent science, but
it overlapped with other linguistic Sciences, whether these sciences are morphological,
grammatical, or literary, as the Holy Quran reconstructed the word and its semantics in
terms of religious terminology, without dispensing with its original meaning that it denoted
before his coming, which resulted in a science closer to maturity and completeness for the
Arabs.

www.hnjournal.net )6( ‫) العدد‬4( ‫المجلد‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ 2023 ‫ يونيو‬،‫بشرى السنكري‬ | 118 ‫صفحة‬
‫‪HNSJ Volume 4. Issue6‬‬ ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫المقدمة‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وأفضل الصالة‪ ،‬وأتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين‪ ،‬وعلى آله الطيبين‬
‫الطاهرين‪ ،‬وعلى أصحابه الغر الميامين‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫وبعد‪ ،‬لقد ظهر علم الداللة بمفهومه ونظرياته الحديثة مع بداية القرن التاسع عشر‪ ،‬وبدأ يأخذ مكانه كعل ٍم‬
‫أن ِ‬
‫لكل عل ٍم مهما بدا حديثاً ال ُب َّد من جذور قد ارتكز عليها‪- ،‬وخاصة أن علوم‬ ‫أسسه وقواعده‪ ،‬إال َّ‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫مستقل له‬
‫اللغات تُبنى على التراكم‪ ،‬وليس على التجاوز‪ -‬ونحن إذا ما عدنا إلى جذور تراثنا العربي‪ ،‬وبعد البحث‬
‫واالستقصاء‪ ،‬سنجد أن لهذا العلم جذو اًر ضاربة في أصل اللغة‪ ،‬وغيرها من العلوم التي تناولها أسالفنا‪ ،‬وكذلك‬
‫سنلمس تطوره من ألفه إلى يائه‪ ،‬غير أنه لم يتخذ شكله الذي وصل إلينا‪ ،‬ويستقل بنفسه إال مع بدايات القرن‬
‫التاسع عشر الميالدي‪.‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬قمت بالعودة إلى المركز في هذه الدائرة الكبيرة‪ ،‬ومنها بدأت بحثي في علم الداللة‪ ،‬معتمدة على‬
‫المنهج الوصفي التاريخي (االستردادي)‪ ،‬مستشهدة بما وقع تحت يدي من كتب أصيلة في العلم‪ ،‬وبما أُِلف حديثاً‬
‫من مراجع وأبحاث تدور في الفلك ذاته‪ ،‬وقد جاء تقسيم بحثي كاآلتي‪:‬‬
‫نشأة علم الداللة عند العرب‪:‬‬
‫‪ -1‬علم الداللة النشأة والماهية‪ ،‬وفيه بسطت القول عن نشأة علم الداللة‪ ،‬والسبب المباشر لنشأته‪ ،‬وتعريفه‪،‬‬
‫وكذلك اشتجاره مع العلوم األخرى‪ ،‬وعالقته بها‪ ،‬فجاء التقسيم‪:‬‬
‫‪ -1 .1‬سبب نشأة علم الداللة عند العرب‪.‬‬
‫‪ -1 .2‬مصطلح الداللة في القرآن الكريم‪ ،‬والمعجمات العربية‪.‬‬
‫‪ -1 .3‬تعريف علم الداللة عند العرب القدامى‪.‬‬
‫‪ 1 .4‬عالقة علم الداللة بالعلوم‪ ،‬وتداخله معها‪.‬‬
‫‪ -2‬نشأة علم الداللة عند العرب‪ ،‬وتطوره‪( ،‬أصوليون‪ ،‬فالسفة)‪.‬‬
‫وقد خصصت هذا المطلب للبحث في نشأة هذا العلم عند األصوليين وفي مؤلفاتهم‪ ،‬وكذلك نشأته عند الفالسفة‬
‫كالفارابي‪ ،‬وابن سينا‪ ،‬وابن خلدون من حيث هو مؤرخ عربي كتب في علم الداللة‪ ،‬فكان التقسيم على هذا النحو‪:‬‬
‫‪ -2 .1‬علم الداللة في علم أصول الفقه‪ ،‬وتطوره‪:‬‬
‫‪ -2 .1 .1‬اإلمام الشافعي في كتابه الرسالة (‪204-150‬ه)‪.‬‬
‫‪ - 2 .1 .2‬اإلمام الغزالي في كتابه المستصفى (‪505-450‬ه)‪.‬‬
‫‪ -2 .1 .3‬وكذلك اآلمدي في كتابه اإلحكام في أصول األحكام (‪631-551‬ه)‪.‬‬
‫‪ - 2 .2‬علم الداللة في الفلسفة والتاريخ العربي‪ ،‬وتطوره‪:‬‬
‫‪ -2 .2 .1‬الفارابي في كتابه إحصاء العلوم (‪339-260‬ه)‬
‫‪ -2 .2 .2‬ابن سينا في كتابه منطق المشرقيين (‪427-370‬ه)‬
‫‪ -2 .2 .3‬ابن خلدون في مقدمته (‪808-732‬ه)‬
‫المطلب الثالث‪ :‬علم الداللة في علوم اللغة‪ ،‬وتطوره‪.‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )4‬العدد (‪)6‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫بشرى السنكري‪ ،‬يونيو ‪2023‬‬ ‫صفحة ‪| 119‬‬
‫‪HNSJ Volume 4. Issue6‬‬ ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫أما المطلب الثالث فقد خصصته للحديث عن أرباب اللغة العربية؛ فتناولت خمسة من أساطينهم مشيرة إلى‬
‫جهودهم في علم الداللة ونشأته‪ ،‬فكان التقسيم على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ -3‬علم الداللة عند اللغويين العرب‪:‬‬
‫‪ -3 .1‬الجاحظ في البيان والتبيين (‪255-165‬ه)‪.‬‬
‫‪ -3 .2‬ابن جني في كتابه الخصائص (‪392-322‬ه)‪.‬‬
‫‪ -3 .3‬ابن فارس في معجمه مقاييس اللغة (‪395-329‬ه)‪.‬‬
‫‪ -3 .4‬الثعالبي في كتابه فقه اللغة (‪429-350‬ه)‪.‬‬
‫‪ -3 .5‬عبد القاهر الجرجاني (‪471-400‬ه)‪.‬‬
‫علم الداللة النشأة والماهية‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪ -1.1‬سبب نشأة علم الداللة عند العرب‪.‬‬
‫‪ - 1.2‬مصطلح الداللة في القرآن الكريم‪ ،‬والمعجمات العربية‪.‬‬
‫‪ -1.3‬تعريف علم الداللة عند العرب القدامى‪.‬‬
‫‪ -1.4‬عالقة علم الداللة بالعلوم‪ ،‬وتداخله معها‪.‬‬
‫‪ -1. 1‬سبب نشأة علم الداللة عند العرب‪:‬‬
‫يعود السبب المباشر لنشأة علم الداللة عند العرب المسلمين إلى القرآن الكريم الذي أثار نشاطاً فكرياً علمياً عندهم‬
‫باعتباره الكتاب المقدس لديهم‪ ،‬وهذا شأن من سبقهم من األمم ممن كان لديهم كتاب مقدس‪ ،‬وأبرزهم هنود‬
‫(الفيدا)(‪.)1‬‬
‫ويعود اهتمام العرب بشكل خاص‪ ،‬والمسلمين بشكل عام‪ ،‬بعلم الداللة إلى مركزية النص القرآني واألحاديث النبوية‬
‫في استنباط األحكام الشرعية التي يتعلق بها مناط الحكم على األمور باعتبارها حالالً أو حراماً‪ ،‬أوسنة‪ ،‬أو غير‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ولعل أول ما وصلنا من آثار تاريخية علمية حول غريب القرآن الكريم وتفسيره‪ ،‬واالهتمام بداللة األلفاظ على‬
‫‪-‬رضي هللا عنه‪ .-‬إذ أمسك قبل هذا كبار الصحابة عما‬ ‫(‪)3‬‬
‫البن عباس‬ ‫(‪)2‬‬
‫معانيها‪ ،‬كانت مسائل نافع بن األزرق‬
‫لم يعرفوه من معاني القرآن الكريم‪ ،‬واعتبروه من التكلف غير المحمود‪ ،‬فهذا عمر بن الخطاب ‪-‬رضي هللا عنه‪-‬‬
‫ونا وَن ْخ ًال وح َد ِائق ُغْلبا وَف ِ‬
‫اك َه ًة َوأَبًّاَّ) [عبس‪]31-27 :‬‬ ‫ِ‬
‫ََ َ ً َ‬ ‫يها َحبًّا َو ِع َنًبا َوَق ْ‬
‫ض ًبا َوَزْيتُ ً َ‬ ‫يق أر قول هللا تعالى‪َ(:‬فأ َْنَب ْتَنا ف َ‬

‫(‪ )1‬كراعين‪ ،‬أحمد نعيم‪ .‬علم الداللة بين النظر والتطبيق‪ .‬المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع‪ .‬لبنان‪ ،‬بيروت‪1993 .‬م‪ .‬الطبعة األولى‪ .‬ص‪.7‬‬
‫نافع بن األزرق بن قيس الحنفي‪ ،‬البكري الوائلي‪ ،‬الحروري‪ ،‬أبو راشد‪ :‬رأس األ ازرقة‪ ،‬وإليه نسبتهم‪ .‬كان أمير قومه وفقيههم‪ .‬من أهل‬ ‫(‪)2‬‬

‫البصرة‪ .‬صحب في أول أمره عبد هللا بن عباس‪ ،‬وكان من مؤيدي الثورة على عثمان بن عفان‪ ،‬قتل يوم دوالب قرب األهواز عام ‪ ٦٥‬هـ‪.‬‬
‫الزركلي الدمشقي‪ ،‬خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس‪ ،‬ت‪١٣٩٦‬هـ‪ .‬األعالم‪ .‬دار العلم للماليين‪ .‬الطبعة الخامسة‬
‫عشر‪ 2002.‬م‪ .‬ج‪ 7‬ص ‪.٣٥٢‬‬
‫(‪ )3‬عبد هللا بن العباس بن عبد المطلب‪ .‬ابن عم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪َ ،‬حبر األمة‪ ،‬فقيه العصر‪ ،‬وإمام المفسرين‪ .‬ولد قبل الهجرة‬
‫بثالث سنين‪ .‬دعا له رسول هللا صلى هللا عليه وسلم (اللهم علمه التأويل‪ ،‬وفقهه في الدين) وكان كثير العلم لقب بالبحر‪ ،‬وبترجمان القرآن‪.‬‬
‫توفي سنة ‪ 68‬للهجرة‪ .‬الذهبي‪ ،‬شمس الدين أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن عثمان بن َق ْايماز ت‪748‬هـ‪ .‬سير أعالم النبالء‪ .‬دار الحديث‪-‬‬
‫القاهرة‪٢٠٠٦ .‬م‪ .‬ج‪ .4‬ص‪ 280‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )4‬العدد (‪)6‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫بشرى السنكري‪ ،‬يونيو ‪2023‬‬ ‫صفحة ‪| 120‬‬
‫‪HNSJ Volume 4. Issue6‬‬ ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫فيقول‪" :‬كل هذا قد عرفنا فما أاْلَب‪ ،‬ثم نقض عصا كانت ِفي يده‪ ،‬وقال‪ :‬هذا لعمر هللا ُّ‬
‫التكلف‪ .‬اتبعوا ما تبين‬
‫(‪)4‬‬
‫لكم من هذا الكتاب وما ال فدعوه‪".‬‬
‫إال أن امتزاج العرب مع غيرهم من الشعوب عن طريق دخول الكثير منهم في اإلسالم بسبب الفتوحات التي‬
‫توالت في الخالفة الراشدة‪ ،‬وتوسع رقعة الدولة اإلسالمية‪ ،‬وانصهار العنصر العربي مع العنصر غير العربي في‬
‫تطبيق األحكام اإلسالمية‪ ،‬وظهور الملل والنحل واألفكار المستحدثة التي لم تكن متداولة في عصر كبار‬
‫الصحابة‪ ،‬جعل الحاجة ماسة إلى علم الداللة الذي يفهم من خالله األحكام الشرعية المستنبطة من أدلتها‬
‫التفصيلية في الكتاب والسنة‪ .‬وكذلك لتقام الحجة الدامغة‪ ،‬الدافعة لكل شك وريبة على أصحاب البدع ممن أحدثوا‬
‫في الدين ما لم يكن فيه‪ ،‬كان البد لعلم الداللة أن يساهم في ذلك عن طريق علم المنطق‪.‬‬
‫وبالعودة إلى مسائل نافع بن األزرق إلى ابن عباس ‪-‬رضي هللا عنهما‪ -‬نجد أن ابن عباس أول من ُسئل عن‬
‫معاني األلفاظ في القرآن الكريم‪ ،‬وأول من أجاب عنها من مخزونه الشعري الذي حفظه عن شعراء الجاهلية‪ ،‬وما‬
‫هذا إال نوع من أنواع الداللة المعجمية لأللفاظ الواردة في القرآن‪ ،‬ومن هذه المسائل‪:‬‬
‫قَّ) [الفلق‪]1:‬‬
‫ب ْالفَلَ ِ‬ ‫قال (نافع بن األزرق)‪ :‬يا ابن عباس‪ :‬أخبرني عن قول هللا عز وجل‪( :‬قُ ْل أ َ ُ‬
‫عوذُ ِب َر ِّ ِ‬
‫الصبح إذا انفلق من ظلمة الليل‪.‬‬
‫قال‪ :‬هو ّ‬
‫قال‪ :‬وهل تعرف العرب ذلك؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬أما سمعت زهير بن أبي سلمى وهو يقول‪:‬‬
‫لم ِة َ‬ ‫ُّ‬ ‫ال َف ِارج الهم مس ُدوالً ع ِ‬
‫(‪)5‬‬
‫ق‬
‫الفَل ُ‬ ‫ج َغ َّم الظ َ‬
‫فر ُ‬
‫ساكُرُه ‪َ ...‬ك َما ُي َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ ّ َأ‬
‫وسقي وترعرع‪ ،‬وما نقط المصحف‪ ،‬وضبطه بالشكل إال أحد مظاهر علم‬ ‫ثم ُتلي هذا العهد الداللي ببذوره األولى‪ُ ،‬‬
‫الداللة اللغوي المتمثل في الحرص على حفظ معاني وألفاظ القرآن(‪ ،)6‬والتي كانت أحد أهم مرتكزات هذا العلم‬
‫الذي شهد النور في مصنفات العرب والمسلمين الموسوعية فيما بعد‪.‬‬
‫‪ 1.2‬مصطلح الداللة في القرآن الكريم‪ ،‬والمعجمات العربية‪:‬‬
‫ورد في القرآن الكريم فعل (دل) واشتقاقاته في ثمانية مواضع نذكر منها‪:‬‬
‫ور) ۚ[األعراف‪َ " ]22:‬ف َدَّالهُما" يُقال‪ :‬أ أَدلَى دلوه‪ :‬أرسلها‪ .‬ودالها‪ :‬أخرجها‪ .‬وقيل‪َ ":‬ف َدَّالهُما" أي‬ ‫(َف َد َّال ُه َما ِب ُغ ُر ٍ‬
‫)‪(7‬‬ ‫ِ‬
‫المعصية فخرجا من َّ‬
‫الجنة‪".‬‬ ‫َّال ِة وهي ا ألجُ أأَرةُ‪ .‬أي َجَّأرَهُمَا على‬
‫َدَّللَهُما‪ ،‬من الد َّ‬
‫َ‬
‫فمراودة الشيطان آلدم وزوجه واإلشارة إليهما باألكل من الشجرة دال‪ ،‬وفعلهما في األكل مدلول ثبت في ذهنهما‬

‫أخرجه الحاكم‪ ،‬وقال‪ :‬صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه‪ .‬الحاكم‪ ،‬أبو عبد هللا‪ ،‬محمد بن عبد هللا بن محمد بن النيسابوري‬ ‫(‪)4‬‬

‫المعروف بابن البيع‪ .‬ت ‪ 405‬هـ‪ .‬المستدرك على الصحيحين‪ .‬دار الكتب العلمية‪ /‬بيروت‪ .‬الطبعة األولى‪1990 .‬م‪ .‬ج‪ .2‬ص‪.559‬‬
‫الدالي‪ ،‬محمد أحمد‪ .‬مسائل نافع بن األزرق عن عبد هللا بن العباس‪ .‬الجفان والجابي للطباعة والنشر‪ .‬الطبعة األولى‪1993 .‬م‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬

‫ص‪.60‬‬
‫محمد‪ ،‬سامح عبد السالم‪ .‬نشأة الداللة وتطورها‪ .‬مقال على الشابكة في موقع األلوكة‪ .‬تاريخ النشر‪2014/3/19 :‬م‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫القرطبي‪ ،‬أبو عبد هللا‪ ،‬محمد بن أحمد األنصاري‪ ،‬ت‪671‬هـ‪ .‬الجامع ألحكام القرآن‪ .‬تحقيق‪ :‬البردوني‪ ،‬أحمد‪ .‬دار الكتب المصرية‪/‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫القاهرة‪ .‬الطبعة الثانية‪1964 .‬م‪ .‬ج‪ .7‬ص‪.180‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )4‬العدد (‪)6‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫بشرى السنكري‪ ،‬يونيو ‪2023‬‬ ‫صفحة ‪| 121‬‬
‫‪HNSJ Volume 4. Issue6‬‬ ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫(‪)8‬‬
‫فأرشدهما بذلك إلى المعصية‬
‫َه ِل بي ٍت ي أكُفُلوَن ُه َل ُكم و ُهم َل ُه َن ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اص ُحو َن)َّ [القصص‪]12 :‬‬ ‫أ َ أ‬ ‫( َو َحَّر أمَنا َعَل أيه األ َمَراض َع م أن َقأب ُل َفَقاَل أت َه أل أ َُدُّل ُك أم َعَل ٰى أ أ َ أ َ‬
‫الش أم َس َعَلأي ِه َدلِ ًيال) َّ [الفرقان‪" ]45 :‬ومعنى‬ ‫ظ َّل وَلو َشاء َلجعَل ُه س ِ‬
‫اكًنا ثُ َّم َج َعألَنا َّ‬ ‫َ ََ َ‬
‫ِ‬
‫ف َمَّد ال ّ َ أ‬ ‫(أََل أم َتَر ِإَل ٰى َرّب َ‬
‫ِك َك أي َ‬
‫عرف بأضدادها‪".‬‬ ‫النور لما عُِرفت ُّ‬
‫الظلمة‪َ ،‬و أاْلشياء تُ َ‬ ‫ف الظّ ُّل‪ ،‬ولوال ُّ‬ ‫داللتها عليه َّأنه لو لم تكن ّ‬
‫الشمس لما عُِر َ‬
‫)‪(9‬‬

‫(دليال) فالشمس هي الدال والظل هو‬


‫ً‬ ‫جليا من خالل هذا التفسير عناصر الداللة في قوله تعالى‪:‬‬ ‫ويظهر لنا ً‬
‫المستدل عليه‪ ،‬ولوال هذه االستدالل بالشمس على مد الظل في اآلية في اآلية لما عرفناه‬
‫أك ُل ِمأن َسأ ََت ُه)َّ [سبأ‪]14 :‬‬ ‫( َفَل َّما َق َض أيَنا َعَل أي ِه األ َم أو َت َما َدَّل ُه أم َعَل ٰى َم أوِت ِه ِإَّال َد َّاب ُة أاْل أَر ِ‬
‫ض َتأ ُ‬
‫يتوصل به إلى معرفة الشيء‪ ،‬كداللة اْللفاظ على المعنى‪ ...‬وسواء كان ذلك بقصد ممن يجعله‬ ‫ّ‬ ‫"الداللة‪ :‬ما‬
‫ّ‬
‫داللة‪ ،‬أو لم يكن بقصد‪ ،‬كمن يرى حركة إنسان فيعلم أنه حيّ‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ما َدَّلهُمأ عَلى مَ أوِت ِه ِإَّال َد َّاب ُة‬
‫ضة (دابة األرض) للعصا دال على موت سليمان عليه السالم‪.‬‬ ‫ض" فأكل َ‬
‫األر َ‬
‫(‪)10‬‬
‫أاْل أَر ِ‬
‫كانت هذه المواضع التي ورد فيها لفظ (دل) في القرآن الكريم وبعض تفاسيرها‪ ،‬وفي هذا األفعال الواردة في‬
‫القرآن الكريم عناصر الفعل الداللي واضحة من حيث وجود الدال والمدلول‪ .‬ودله على الشيء بمعنى أرشده فهو‬
‫ومرش ٍد إليه‪ ،‬وجميع هذه األفعال تستلزم معنى الداللة‬
‫َ‬ ‫ومرشد‪،‬‬
‫َ‬ ‫دال(‪ ،)11‬واإلرشاد إلى أمر يستدعي وجود ِ‬
‫مرشد‪،‬‬
‫وتتضمن عناصرها ما بين دال ومدلول‪ ،‬وتصور قائم في الذهن‪.‬‬
‫َّالةُ‪ :‬ما تَِد ُّل به‬ ‫(دل) في القاموس المحيط بهذا المعنى‪" :‬والد َّ‬ ‫(د ّل) في المعاجم العربية‪ :‬فقد ورد لفظ َ‬ ‫أما عن لفظ َ‬
‫(‪)12‬‬
‫َّدهُ إليه‪".‬‬ ‫ودَّلهُ عليه َدال لَةً‪ ،‬ويُ َّثل ُث‪ُ ،‬‬
‫ودلول ًة فا أن َد َّل‪َ :‬سد َ‬ ‫على ح ِ‬
‫ميم َك‪َ .‬‬ ‫َ‬
‫ارةٍ تَتَعََّلمُ َها‪َ ،‬و أاْل َخ ُر‬ ‫الش ِ‬
‫يء ِبأَمَ َ‬‫أ‬
‫أحدهُما ِإبَانَ ُة َّ‬
‫وفي معجم مقاييس اللغة البن فارس قال‪ " :‬الدَّال والالم أصالن‪َ :‬‬
‫الد َال لَ ِة‬
‫يء‪ .‬وهو بَِيّ ُن َّ‬ ‫الش ِ‬‫ارةُ ِفي َّ‬ ‫ِ‬
‫الشيء‪ .‬فاْل ّول قولهم‪َ :‬دلَأل ُت فال نًا على الطريق‪ .‬والدَّليلُ‪ :‬اْلَمَ َ‬
‫اضطراب ِفي َّ ِ‬
‫ٌ‬
‫ِ (‪)13‬‬
‫و ِّ‬
‫الد َال لَة‪".‬‬
‫لت‬
‫َدلّ َداللة‪ ،‬وقال أبو زيد‪ :‬أَدلَ ُ‬ ‫"دلَأل ُت بهذا الطريق َداللةً‪ ،‬أي‪ :‬عرفتُه‪ ،‬ودلَأل ُت به أ ُ‬ ‫وفي تهذيب اللغة لألزهري‪َ :‬‬

‫عبد الجليل‪ ،‬منقور‪ .‬علم الداللة أصوله ومباحثه في التراث العربي‪ .‬منشورات اتحاد الكتاب العرب‪ .‬دمشق ‪2001‬م‪ .‬ص‪.24‬‬ ‫(‪)8‬‬

‫البغوي‪ ،‬أبو محمد الحسين بن مسعود (ت‪510:‬هـ)‪ .‬معالم التنزيل في تفسير القرآن‪ .‬تحقيق‪ :‬النمر‪ ،‬محمد عبد هللا‪ .‬دار طيبة للنشر‬ ‫(‪)9‬‬

‫والتوزيع‪ .‬الطبعة الرابعة‪1997 .‬م‪ .‬ج‪ .6‬ص‪.86‬‬


‫األصفهاني‪ ،‬أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب (ت‪502:‬هـ)‪ .‬المفردات في غريب القرآن‪ .‬تحقيق‪ :‬الداودي عدنان‪ .‬دار‬ ‫(‪)10‬‬

‫القلم‪ /‬دمشق‪ -‬بيروت‪ .‬الطبعة األولى‪1412 .‬هـ‪ .‬ص‪.317‬‬


‫الجمل‪ ،‬حسن عز الدين‪ .‬معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن‪ .‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ /‬مصر‪ .‬الطبعة األولى‪2008 .‬م‪ .‬ج‪.2‬‬ ‫(‪)11‬‬

‫ص‪.113‬‬
‫الفيروز أبادي‪ ،‬مجد الدين محمد بن بعقوب‪ .‬القاموس المحيط مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر‪ .‬لبنان‪ ،‬بيروت‪2005 .‬م‪ .‬الطبعة‬ ‫(‪)12‬‬

‫الثامنة‪ .‬ص‪.1000‬‬
‫القزويني الرازي‪ ،‬أبو الحسين‪ ،‬أحمد بن فارس بن زكرياء (ت‪395 :‬هـ)‪ .‬معجم مقاييس اللغة‪ .‬تحقيق‪ :‬هارون‪ ،‬عبد السالم‪ .‬دار الفكر‪.‬‬ ‫(‪)13‬‬

‫‪1979‬م‪ .‬ج‪ .2‬ص‪.259‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )4‬العدد (‪)6‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫بشرى السنكري‪ ،‬يونيو ‪2023‬‬ ‫صفحة ‪| 122‬‬
‫‪HNSJ Volume 4. Issue6‬‬ ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫(‪)14‬‬
‫ندلّ على الطّريق‪".‬‬
‫وسمعت أعرابيًا يقول ْل َخر‪ :‬أما تَ َ‬
‫ُ‬ ‫وقلت‪:‬‬
‫بالطّريق إدالالً‪ .‬قال‪ُ :‬‬
‫أما في لسان العرب فقد ورد لفظ (دل) بنفس المعنى الوارد في المعاجم الثالثة األول‪ ،‬أي‪ :‬بمعنى اإلرشاد والهدى‬
‫َّالة‪ :‬ما تُِد ُّل به على حميمك‪.‬‬
‫والسداد‪ ،‬باإلضافة إلى معنى آخر وهو‪ :‬دل المرأة‪ ،‬وداللها على زوجها‪ ،‬فيقول‪" :‬والد َّ‬
‫ود ُّل الم أرَِة َ‬
‫ودال لُها‪ :‬تَ َدُّللها على زوجها‪ ،‬وذلك أن تُريه جراءةً عليه في تَغَُّنج وتَ َش ُّكل‪ ،‬كأنها تُخالفه وليس بها‬ ‫َ‬
‫(‪)15‬‬
‫خالف‪ ،‬وقد تدللت عليه‪".‬‬

‫‪ -1.3‬تعريف علم الداللة عند العرب القدامى‪:‬‬


‫ال بد قبل الخوض في تاريخ نشأة علم الداللة من أن نعرف الداللة عند العرب القدامى‪ ،‬وهي كما يقول صاحب كشاف‬
‫اصطالحات الفنون‪َّ :‬‬
‫"الداللة بالفتح هي على ما اصطلح عليه أهل الميزان واْلصول والعربية والمناظرة‪ ،‬أن‬
‫يكون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر‪ ...‬والشيء اْلول يسمى داالً‪ ،‬والشيء الثاني يسمى‬
‫(‪)16‬‬
‫مدلوالً"‬
‫وقسمها إلى أربعة صور وهي‪:‬‬

‫صور الداللة األربعة‬

‫الدال لفظ‪ ،‬واملدلول غري لفظ‬


‫كون كل منهما غري لفظ‬ ‫الدال غري لفظ‪ ،‬واملدلول لفظ‬ ‫الدال واملدلول لفظان‬
‫(اسم الرجل دال على شخصه‬
‫(العقد ابألانمل الدالة على األعداد)‬ ‫(اخلطوط الدالة على األلفاظ)‬ ‫(أمساء‪ ،‬أفعال)‬
‫اإلنساين)‬

‫وبحسب الصورة التي عرضها صاحب الكشاف‪ ،‬يتضح لنا أن الداللة تكون على ضربين اثنين لفظية‪ ،‬وغير لفظية‪.‬‬
‫ولم يخرج السيد الشريف الجرجاني في تعريفها عما عرفها به صاحب الكشاف‪ ،‬ولكن السيد الجرجاني بين كيفية داللة‬
‫(‪)17‬‬
‫اللفظ على المعنى باصطالح علماء األصول‪ ،‬وحصر استداللهم في أربعة أنواع‪.‬‬
‫كيفية داللة النص على المعنى عند علماء األصول بحسب تقسيم السيد الجرجاني‪:‬‬

‫تهذيب اللغة‪ ،‬األزهري الهروي‪ ،‬أبو منصور‪ ،‬محمد بن أحمد (ت‪370:‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬مرعب‪ ،‬محمد عوض‪ .‬دار إحياء التراث العربي‪/‬‬ ‫(‪)14‬‬

‫بيروت‪ .‬الطبعة األولى‪2001 .‬م‪ .‬ج‪ .14‬ص‪.47‬‬


‫لسان العرب‪ .‬ابن منظور األنصاري األفريقي‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬جمال الدين محمد بن مكرم بن علي (ت‪711 :‬هـ)‪ .‬دار صادر‪ /‬بيروت‪.‬‬ ‫(‪)15‬‬

‫الطبعة الثالثة‪1414 .‬هـ ج‪ ،11‬ص‪.247‬‬


‫التهانوي‪ ،‬محمد علي‪ .‬موسوعة كشاف اصطالحات العلوم والفنون‪ .‬تحقيق‪ :‬دحروج‪ ،‬علي‪ .‬مكتبة لبنان‪ .‬الطبعة األولى‪1996 .‬م‪ .‬ج‪.1‬‬ ‫(‪)16‬‬

‫ص‪.787‬‬
‫الشريف الجرجاني‪ ،‬علي بن محمد بن علي الزين (ت‪ .)816‬التعريفات‪ .‬دار الكتب العلمية‪ .‬بيروت‪/‬لبنان‪ .‬الطبعة األولى‪1983.‬م‪.‬‬ ‫(‪)17‬‬

‫ص‪.104‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )4‬العدد (‪)6‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫بشرى السنكري‪ ،‬يونيو ‪2023‬‬ ‫صفحة ‪| 123‬‬
‫‪HNSJ Volume 4. Issue6‬‬ ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫داللة النص على املعىن‬


‫عند علماء األصول‬

‫اقتضاء النص‬ ‫داللة النص‬ ‫إشارة النص‬ ‫عبارة النص‬

‫جدا في القرآن الكريم‪،‬‬


‫وأمثلته كثيرة ً‬ ‫وعبارة النص هو‪" :‬ما يتبادر فهمه لألذهان من المعنى الحرفي للنص‪".‬‬
‫(‪)18‬‬

‫منها قوله تعالى( ََٰذلِ َك ِبأََّن ُه ْم َقاُلوا ِإَّن َما اْل َب ْي ُع ِم ْث ُل ِ‬


‫الرَبا )َّ [البقرة‪]275:‬‬
‫وإشارة النص هي‪ ":‬المعنى الذي ال يتبادر فهمه من ألفاظه‪ ،‬وال يقصد من سياقه أصالة وال تبعًا‪ ،‬ولكنه معنى‬
‫)‪(19‬‬
‫الزم للمعنى المتبادر من ألفاظه‪".‬‬
‫الرَف ُث ِإَل َٰى ِن َس ِائ ُك ْم)َّ [البقرة‪]187 :‬‬ ‫ُح َّل َل ُكم َليَل َة ِ‬
‫الص َيا ِم َّ‬ ‫ْ ْ‬
‫(أ ِ‬
‫وفيه إشارة إلى أن من أصبح جنباً صح صيامه؛ ألن اتساع الوقت في إباحة األكل والشرب ومباشرة الزوجة إلى‬
‫قبيل طلوع الفجر‪ ،‬يلزم منه أن يطلع الفجر وهو جنب‪.‬‬
‫وداللة النص هي‪" :‬داللة اللفظ على ثبوت حكم المنطوق به للمسكوت عنه الشتراكهما في علة الحكم التي‬
‫)‪(20‬‬
‫يمكن فهمها عن طريق اللغة‪".‬‬
‫َح ُد ُه َما أ َْو ِك َال ُه َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ومثاله من القرآن الكريم(وَقض َٰى رب َّ‬
‫ُّك أَال تَ ْعُب ُدوا ِإال ِإيَّاهُ َوبِاْل َوال َد ْي ِن ِإ ْح َس ًانا ۚ ِإ َّما َيْبلُ َغ َّن ع ْن َد َك اْلك َب َر أ َ‬‫َ َ َ َ‬
‫ٍ‬
‫يماَّ) [اإلسراء‪]23 :‬‬ ‫َف َال تَُق ْل َل ُه َما أُف َوَال تَْن َه ْرُه َما َوُق ْل َل ُه َما َق ْوًال َك ِر ً‬
‫فإن المنطوق به هنا تحريم التأفف‪ ،‬وهو نوع من أنواع اإليذاء‪ ،‬والمسكوت عنه تحريم الضرب والشتم‪ ،‬وله نفس‬
‫حكم المنطوق به؛ الشتراكهما في العلة وهو اإليذاء‪.‬‬
‫)‪(21‬‬
‫أما اقتضاء النص فهو‪" :‬داللة الكالم على مسكوت عنه ويتوقف صدق الكالم أو صحته شرعًا على تقديره‪".‬‬
‫أي أن النص يحتاج إلى تقدير؛ ليصدق معناه أو يستقيم‪ ،‬ومثاله من القرآن الكريم‪ ُّ:‬ﭐ ﱳ ﱴ ﱵَّ [النساء‪]23:‬‬
‫والتقدير هنا‪ :‬زواجهن‪.‬‬
‫من خالل التعريفين السابقين نستطيع أن نستنتج أن الداللة لفظية وغير لفظية‪ ،‬وأن ميدان الدراسات التي تدور‬
‫حوله الدراسات الداللية هو‪ :‬معنى اللفظة وداللتها‪ ،‬وقد تكلم الشريف الجرجاني في كتابه التعريفات عن الداللة‬
‫وعرفها بقوله‪" :‬هي كون اللفظ بحيث متى أطلق أو تخيل فهم منه‬
‫اللفظية الوضعية‪ ،‬وقسمها إلى ثالثة أقسام‪َّ ،‬‬

‫(‪ )18‬الزحيلي‪ ،‬محمد مصطفى‪ .‬الوجيز في أصول الفقه اإلسالمي‪ .‬دار الخير للطباعة والنشر والتوزيع‪ .‬سوريا‪/‬دمشق‪ .‬الطبعة‬
‫الثانية‪2006.‬م‪ .‬ج‪ .2‬ص‪.138‬‬
‫المرجع السابق نفسه‪ .‬ج‪ .2‬ص‪.140‬‬ ‫(‪)19‬‬

‫الزحيلي‪ ،‬محمد مصطفى‪ .‬الوجيز في أصول الفقه اإلسالمي‪ .‬ج‪ .2‬ص‪.143‬‬ ‫(‪)20‬‬

‫المرجع السابق نفسه‪ .‬ج‪ .2‬ص‪147‬‬ ‫(‪)21‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )4‬العدد (‪)6‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫بشرى السنكري‪ ،‬يونيو ‪2023‬‬ ‫صفحة ‪| 124‬‬
‫‪HNSJ Volume 4. Issue6‬‬ ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫)‪(22‬‬
‫معناه‪ ،‬للعلم بوضعه‪".‬‬
‫أما أقسامها عند الشريف الجرجاني فهي‪:‬‬

‫أقسام الداللة اللفظية‬


‫الوضعية‬

‫االلتزام‬ ‫التضمن‬ ‫املطابقة‬


‫(قابلية اإلنسان للضحك أو التعلم‬ ‫(يدل على جزء من أجزاء اإلنسان‬ ‫(ومثاهلا اإلنسان يدل على متام‬
‫اباللتزام)‬ ‫ابعتبار تضمنه)‬ ‫احليوان الناطق)‬
‫‪ -1.4‬عالقة علم الداللة بالعلوم اْلخرى‪:‬‬
‫نظر لكون علم الداللة يبحث في اللفظة وداللتها‪ ،‬وتطور داللتها‬‫اشتجر علم الداللة بالعلوم اللغوية األخرى‪ً ،‬ا‬
‫بتطور الزمن واختالفه باختالف موضعها‪ ،‬لذلك نجد أن علم الداللة يشترك اشتراكاً واضحاً مع العلوم اللغوية‪،‬‬
‫اتصاال وثيقاً‪ ،‬فال يكاد يخلو علم من هذه العلوم من الجوانب الداللية فيه‪ ،‬سواء في‬
‫ً‬ ‫ويتداخل معها‪ ،‬ويتصل بها‬
‫الداللة الصوتية‪ ،‬أو الصرفية‪ ،‬أو النحوية‪ ،‬أو المعجمية‪.‬‬
‫كذلك تداخل علم الداللة مع العلوم الشرعية باعتبار محل البحث الذي يدور في فلكه العلم الشرعي هو‪ :‬اللفظة‬
‫القرآنية‪ ،‬والنص الشرعي‪.‬‬
‫ومما ال شك فيه أن مدار هذه العلوم كلها يعود إلى األسس المنطقية التي أفدنا منها بشكل جوهري في علم‬
‫الداللة‪.‬‬
‫علم الداللة‪ ،‬علم اْلصوات‪:‬‬
‫وهي التي تستمد قيمتها الداللية من األحرف المكونة للفظة الواحدة كل حرف بمفرده‪ ،‬وتتجلى هذه الظاهرة في‬
‫الكثير من المفردات العربية التي تحاكي الطبيعة‪ ،‬وقد مثل لها ابن جني في كتابه الخصائص بكثير من األمثلة‪،‬‬
‫منها‪( :‬خضم‪ ،‬وقضم) فالقضم في اليابس‪ ،‬والخضم في اللين الرطب؛ لقوة حرف القاف في فعل القضم‪ ،‬وضعف‬
‫(‪)23‬‬
‫حرف الخاء في الخضم‪.‬‬
‫وبمثل هذا يتداخل علم الداللة في داللة صوت كل حرف على حدى مع داللة ما يليه فيشكل لدينا الداللة‬
‫الصوتية في المفردات واأللفاظ‪ ،‬قوةً وضعفاً‪ ،‬رق ًة وقسوةً‪ ،‬بناء على تناغم أحرف المفردة وجرسها‪.‬‬
‫علم الداللة‪ ،‬وعلم الصرف‪:‬‬
‫وتعريف علم الصرف اصطالحاً كما في شذا العرف‪" :‬تحويل اْلصل الواحد إلى أمثلة مختلفة‪ ،‬لمعان مقصودة‪،‬‬
‫(‪)24‬‬
‫تحصل إال بها‪ ،‬كاسمَي الفاعل والمفعول‪ ،‬واسم َّ‬
‫التفضيل‪ ،‬والتَثنية والجمع‪ ،‬إلى غير ذلك"‬ ‫ال ُ‬
‫إذا ال يمكننا إغفال دور علم الصرف‪ ،‬ونحن بأشد الحاجة إليه في دراسة البنية الصرفية للكلمة‪ ،‬وبيان المعنى‬

‫الشريف الجرجاني‪ ،‬علي بن محمد بن علي الزين التعريفات‪ .‬ص‪105‬‬ ‫(‪)22‬‬

‫عثمان بن جني الموصلي‪ ،‬أبو الفتح‪ .‬الخصائص‪ .‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ .‬الطبعة الرابعة‪ .‬ج‪ .1‬ص‪.66‬‬ ‫(‪)23‬‬

‫الحمالوي‪ ،‬أحمد بن محمد (ت‪1351:‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬نصر هللا‪ ،‬نصر هللا عبد الرحمن‪ .‬مكتبة الراشد‪ /‬الرياض‪ .‬ص‪.11‬‬ ‫(‪)24‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )4‬العدد (‪)6‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫بشرى السنكري‪ ،‬يونيو ‪2023‬‬ ‫صفحة ‪| 125‬‬
‫‪HNSJ Volume 4. Issue6‬‬ ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫الذي تؤديه صيغتها الصرفية‪ ،‬فال يكفي بيان معنى الكلمة المعجمي في (ر ح م) لبيان معنى‪( :‬استرحم)‪ ،‬بل ال‬
‫بد من أن نضم إليه معنى الطلب التي أفدناه من حروف الزائدة الداخلة على بنيتها الصرفية‪ ،‬وهي‪( :‬األلف‬
‫(‪)25‬‬
‫والسين والتاء)‬
‫علم الداللة‪ ،‬وعلم النحو‪:‬‬
‫اعتنى علماء اللغة العربية عناية خاصة بعلم النحو ووظائفه‪ ،‬وأكدوا أن نظامه نظام حاسم في تحديد معاني‬
‫المفردات وداللتها للغوية‪ ،‬وما ذلك إال بهدف دراسة القرآن الكريم‪ ،‬وتراكيبه دراسة متعمقة صحيحة‪.‬‬
‫فتغير موقع الكلمة في الجملة يغير وظيفتها النحوية‪ ،‬فقولنا‪( :‬ضرب األستا ُذ التلمي َذ) مختلف عن قولنا‪( :‬ضرب‬
‫التلمي َذ األستا ُذ) مع أن كال الجملتين تتكون من المفردات نفسها‪ ،‬ولكننا في األولى أخبرنا عن الفاعل‪ ،‬وفي الثانية‬
‫أخبرنا عن المفعول به(‪.)26‬‬
‫علم الداللة‪ ،‬والمعجم‪:‬‬
‫وبه أي‪( :‬المعجم) تتمثل وحدانية المعنى‪ ،‬وتثبت العالقة بين الكلمة (الدال) وبين (المدلول) فيقابلها بمركزية‬
‫المعنى المراد منها(‪.)27‬‬
‫وقد التفت العرب إلى أهمية تدوين مفردات لغتهم منذ البداية للحفاظ على جوهرها‪ ،‬وخشية أن تضطرب اللغة‬
‫فتنحرف في طرق اللحن والخطأ‪ .‬وقد ظهر ذلك في اهتمامهم بغريب القرآن الكريم‪ .‬ومعرفة معانيه‪ ،‬فكان نواة هذا‬
‫(‪)28‬‬
‫العمل العظيم ابن عباس‪ ،‬ثم تبعه تفسير الذي يحمل اسم (غريب القرآن) ألبان بن أبي رباح البكري‪.‬‬
‫ما لبث هذا الجهد أن تبلور في القرن الرابع الهجري في المعاجم التي احتوت على جل الذخيرة العربية بين دفوف‬
‫كتبها‪ ،‬وكانت هذه الرحلة قد بدأت منذ القرن األول الهجري عندما ألف العرب رسائل صغيرة في معنى من‬
‫المعاني كرسالة اللبأ واللبن ألبي زيد‪ ،‬واإلبل والخيل والشاء‪ ،‬وخلق اإلنسان لألصمعي‪ .‬ثم ظهر أول معجم شامل‬
‫في القرن الثاني‪ ،‬وهو‪ :‬العين للخليل بن أحمد‪ ،‬وشهد القرن الرابع غ ازرة في التأليف والجمع في هذا العلم‪ ،‬فظهر‬
‫(‪)29‬‬
‫عندنا معجم البارع ألبي علي القالي‪ ،‬وتهذيب اللغة لألزهري‪ ،‬ومقاييس اللغة البن فارس‪ ،‬وغيرها الكثير‪.‬‬
‫علم الداللة‪ ،‬وأصول الفقه‪:‬‬
‫يمثل علم الداللة الركن األساسي في علم أصول الفقه‪ ،‬إذ أن مدار البحث وأسه ومركزيته تدور حول مفردات‬
‫وتراكيب القرآن الكريم‪ ،‬وفهمها واستنباط الحكم الشرعي منها‪ ،‬وال يتم فهم ألفاظ القرآن بتعريتها عن داللتها التي‬
‫أصبحت جزء من معناها في اإلسالم؛ فمثالً ال نستطيع أن نأخذ لفظ الصالة التي كانت تدل في الجاهلية على‬
‫الدعاء فقط‪ ،‬ونستنبط منها حكماً شرعياً‪ ،‬بل ال بد لنا من االلتفات إلى الداللة الجديدة للفظ الصالة التي أصحبت‬

‫عمر‪ ،‬أحمد مختار‪ .‬علم الداللة‪ .‬عالم الكتب‪ /‬القاهرة‪ .‬الطبعة الخامسة‪1998 .‬م‪ .‬ص‪.13‬‬ ‫(‪)25‬‬

‫المرجع السابق نفسه‪ .‬ص‪.13‬‬ ‫(‪)26‬‬

‫نهر‪ ،‬هادي‪ .‬علم الداللة التطبيقي في التراث العربي‪ .‬دار األمل للنشر والتوزيع‪ .‬األردن‪ /‬إربد‪ .‬الطبعة األولى‪2007 .‬م‪ .‬ص ‪.216‬‬ ‫(‪)27‬‬

‫أبان بن تغلب بن رباح البكري الجريري بالوالء‪ ،‬أبو سعيد‪ :‬قارئ لغوي‪ ،‬من غالة الشيعة‪ .‬من أهل الكوفة‪ .‬كان جده رباح مولى لجرير‬ ‫(‪)28‬‬

‫بن عباد البكري (من بكر بن وائل) فنسب إليه‪ .‬من كتبه (غريب القرآن) ولعله أول من صنف في هذا الموضوع‪ ،‬و(القراآت) و(صفين)‬
‫و(الفضائل) و(معاني القرآن) توفي سنة ‪141‬هـ‪ .‬الزركلي‪ .‬األعالم‪ .‬ج‪ .1‬ص‪.26‬‬
‫الداية‪ ،‬فايز‪ .‬علم الداللة العربي النظرية والتطبيق‪ .‬دار الفكر المعاصر‪ .‬لبنان‪ ،‬بيروت‪1996 .‬م‪ .‬الطبعة الثانية‪ .‬ص‪.208-204‬‬ ‫(‪)29‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )4‬العدد (‪)6‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫بشرى السنكري‪ ،‬يونيو ‪2023‬‬ ‫صفحة ‪| 126‬‬
‫‪HNSJ Volume 4. Issue6‬‬ ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫جدا‪ ،‬فالحج‪ ،‬والزكاة‪،‬‬


‫داللة أساسية في الدين اإلسالمي‪ ،‬وعليها تدور األحكام الشرعية‪ .‬ومثل هذا كثير وكثير ً‬
‫واإليمان كل هذه المفردات اكتسبت داللة جديدة لم تكن تعرفها العرب من قبل اإلسالم‪ .‬لذلك نجد أن بين علم‬
‫(‪)30‬‬
‫أصول الفقه‪ ،‬وعلم الداللة تالزم تام ال ينفصل أحدهما عن اآلخر عند استنباط األحكام‪.‬‬
‫علم الداللة‪ ،‬والفلسفة والمنطق‪:‬‬
‫إن الموضوع األساسي الذي يتناوله المنطق هو اإلنسان والقضايا العقلية التي تتجلى في أرقى صورها في اإلنسان‬
‫العاقل‪ ،‬وكذلك ارتبط كل من عالم المنطق وعالم الفلسفة ارتباطاً مباش اًر بعلوم اللغة التي بها يستطيع فهم معاني‬
‫األلفاظ؛ فكان ال بد من أن يلتفت المناطقة والفالسفة إلى علم الداللة‪ ،‬ويجعلوا جل تركيزهم عليه‪ ،‬جرياً على سنن‬
‫اللغة وقوانينها في التعبير والخطاب(‪)31‬؛ لذلك تجدهم قد اهتموا اهتماماً بالغاً في علم الداللة‪ ،‬وأصبح أحد أهم‬
‫علومهم التي يعتمدون عليها جنباً إلى جنب مع علوم اللغة‪.‬‬
‫‪ -2‬نشأة علم الداللة عند العرب وتطوره (أصوليون‪ ،‬فالسفة)‪.‬‬
‫علم الداللة في علم أصول الفقه‪ ،‬وتطوره‪:‬‬
‫اإلمام الشافعي (‪204-150‬ه)‪.‬‬ ‫‪2.1‬‬
‫اإلمام الغزالي (‪505-450‬ه)‪.‬‬ ‫‪2.2‬‬
‫‪ 2.3‬سيف الدين اْلمدي (‪631-551‬ه)‪.‬‬
‫علم الداللة في الفلسفة والتاريخ العربي‪ ،‬وتطوره‪:‬‬
‫‪ 2.4‬الفارابي (‪339-260‬ه)‪.‬‬
‫‪ 2.5‬ابن سينا (‪427-370‬ه)‪.‬‬
‫‪ 2.6‬ابن خلدون (‪808-732‬ه)‪.‬‬
‫نشأة علم الداللة عند العرب وتطوره (أصوليون‪ ،‬فالسفة)‬
‫إننا ال نستطيع أن نتجاوز الحقبة التاريخية التي دون فيه علم أصول الفقه لما لها من أهمية بالغة في علم الداللة‪،‬‬
‫وال نستطيع أن نقتطع علم الداللة عن تطوره التاريخي منذ نشأته على يد الشافعي رحمه هللا تعالى‪ ،‬حتى وصوله‬
‫إلينا بنظرياته الحديثة اآلن‪.‬‬
‫وبما أن بحث ي جزء تاريخي لنشأة الداللة عند العرب‪ ،‬فقد تناولت في النقاط القادمة العلماء الذين كتبوا فيه من‬
‫حيث النشأة فقط‪.‬‬
‫‪ 2.1‬اإلمام الشافعي (‪204-150‬ه)‪:‬‬
‫لم يكن قبل الشافعي محاوالت لوضع أسس وقواعد لعلم أصول الفقه اإلسالمي‪ .‬وإن أول ما وصلنا في أصول‬
‫الفقه هو كتاب (الرسالة) للشافعي‪ ،‬وكان محاولة لفهم النص القرآني‪ ،‬ووضع القواعد لفهم‪ ،‬وتحديد الداللة‬
‫(‪)32‬‬
‫المقصودة منه‪.‬‬
‫جاء في كتاب الرسالة أن عبد الرحمن بن مهدي‪ ،‬كتب إلى الشافعي ‪-‬وهو شاب‪ -‬أن يضع له كتاباً فيه معاني‬

‫نهر‪ ،‬هادي‪ .‬علم الداللة التطبيقي في التراث العربي‪ .‬ص‪.240‬‬ ‫(‪)30‬‬

‫منقور‪ ،‬عبد الجليل‪ .‬علم الداللة أصوله ومباحثه في التراث العربي‪ .‬ص‪.28‬‬ ‫(‪)31‬‬

‫المرجع السابق نفسه ص‪.112‬‬ ‫(‪)32‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )4‬العدد (‪)6‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫بشرى السنكري‪ ،‬يونيو ‪2023‬‬ ‫صفحة ‪| 127‬‬
‫‪HNSJ Volume 4. Issue6‬‬ ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫القرآن‪ ،‬ويجمع قبول األخبار فيه‪ ،‬وحجة اإلجماع‪ ،‬وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة‪ :‬فوضع له كتاب‬
‫(‪)33‬‬
‫"الرسالة"‪.‬‬
‫وبدأه الشافعي رحمة هللا في البيان فعرف البيان بأنه اإلبانة عن معاني مجتمعة األصول متشعبة الفروع‪ ،‬وأن من‬
‫يجهل اللغة العربية يختلف عنده فهم مراتب المعاني‪ ،‬وهو بهذا يؤكد على أن هذا الكتاب قد خوطب به أهل‬
‫العربية‪ ،‬وأنهم أدرى بفنونها وأساليبها‪ .‬ثم انتقل بعدها إلى توضيح الفرائض التي افترضها هللا على عباده مستدالً‬
‫بكتاب هللا عزوجل‪ ،‬فإذا ما انتهى من البيان انتقل إلى موضوع داللي آخر‪ ،‬وهو ما نزل من الكتاب عاماً‪ُ ،‬يراد به‬
‫العام‪ ،‬ويدخله الخصوص‪ ،‬مبيناً العام والخاص وموضحاً إياه باآليات‪ ،‬وينبه أثناء عرضه هذا إلى أن الكالم قد‬
‫يخرج عن ظاهره كما يخرج عن عمومه‪ ،‬وطريق معرفة ذلك هي‪ :‬القرينة اللفظية‪ ،‬يقول موضحاً ذلك كله‪ ،‬ومحدداً‬
‫طرق المعرفة واالستدالل‪" :‬فإنما خاطب هللا بكتابه العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها‪ ،‬وكان مما تعرف‬
‫من معانيها اتساع لسانها‪ ،‬وأن فطرته أن يخاطب بالشيء منه عاماً ظاه ارً يراد به العام الظاهر‪ ،‬ويستغني بأول‬
‫هذا منه عن آخره‪ ،‬وعاماً ظاه ارً يراد به العام ويدخله الخاص‪ ،‬فيستدل على هذا ببعض ما خوطب به فيه‬
‫عرف في سياقه أنه يُراد به غير ظاهره‪ .‬فكل هذا موجود علمه في أول‬ ‫وعاماً ظاه ارً يراد به الخاص‪ .‬وظاه ارً يُ َ‬
‫أو وسطه‪ ،‬أو آخره‪ )34(".‬وهو في جملته األخيرة التي أشار فيها إلى الداللة السياقية‪ ،‬يسبق أهل عصره‬ ‫الكالم‪ ،‬أ‬
‫إلى النظرية السياقية في علم الداللة‪ .‬وفي هذا يقول اإلمام أحمد بن حنبل ‪-‬رحمه هللا ‪" :-‬لم نكن نعرف‬
‫ثم ينتقل إلى السنة النبوية مبيناً تخصيصها للقرآن الكريم في بعض‬ ‫(‪)35‬‬
‫الخصوص والعموم حتى ورد الشافعي‪".‬‬
‫األحكام‪ ،‬وتفصيلها في مواضع أخرى‪.‬‬
‫لقد استطاع الشافعي أن يكون رؤية داللية للعالمة تختلف عن الرؤية اللغوية لها(‪ ،)36‬بل جعلها عقلية يستدل بها‬
‫المخلوق على الخالق العظيم "وإنما توجههم إليه بالعالمات التي خلق لهم‪ ،‬والعقول التي َّ‬
‫ركبها فيهم‪ ،‬التي‬
‫استدلوا بها على معرفة العالمات‪ .‬وكل هذا بيان‪ ،‬ونعمة منه جل ثناؤه‪".‬‬
‫ومن الجدير بالذكر أن أشير إلى أن تقسيم الداللة إلى خمسة أقسام الذي اعتمده الجاحظ وزاد عليه وشرح‪ ،‬رواه‬
‫(‪)37‬‬
‫ابن عساكر في تاريخه عن اإلمام الشافعي‪.‬‬

‫الشافعي‪ ،‬محمد بن إدريس بن العباس‪ ،‬أبو عبد هللا (ت‪204 :‬هـ)‪ .‬الرسالة‪ .‬تحقيق‪ :‬أحمد شاكر‪ .‬مكتبة الحلبي‪ /‬مصر‪ .‬الطبعة األولى‪.‬‬ ‫(‪)33‬‬

‫‪1940‬م‪ .‬ج‪ .1‬ص‪4‬‬


‫الشافعي‪ ،‬محمد بن إدريس بن العباس‪ ،‬أبو عبد هللا‪ .‬الرسالة‪ .‬ج‪ .1‬ص‪.52‬‬ ‫(‪)34‬‬

‫الزركشي‪ ،‬بدر الدين‪ ،‬محمد بن عبد هللا‪ ،‬أبو عبد هللا (ت‪794 :‬هـ)‪ .‬البحر المحيد في أصول الفقه‪ .‬دار الكتبي‪ .‬الطبعة األولى‪.‬‬ ‫(‪)35‬‬

‫‪1994‬م‪ .‬ج‪ .1‬ص‪.18‬‬


‫منقور‪ ،‬عبد الجليل‪ .‬علم الداللة أصوله ومباحثه في التراث العربي‪ .‬ص‪.118‬‬ ‫(‪)36‬‬

‫أخبرنا أبو الفتح نصر هللا بن محمد الفقيه‪ ،‬أنبأنا أبو البركات المقرئ‪ ،‬أنبأنا أبو القاسم الصيرفي‪ ،‬أنبأنا حمكان‪ ،‬حدثنا الزبير بن عبد‬ ‫(‪)37‬‬

‫الواحد األسد آباذي‪ ،‬حدثنا الحسن بن سفيان بنسا‪ ،‬حدثنا أبو ثور قال‪" :‬سمعت الشافعي وكان من معادن الفقه‪ ،‬وجهابذة األلفاظ‪ ،‬ونقاد‬
‫المعاني‪ ،‬يقول‪ :‬حكم المعاني خالف حكم األلفاظ؛ ألن المعاني مبسوطة إلى غير غاية‪ ،‬وممدودة إلى غير نهاية‪ ،‬وأسماء المعاني مقصورة‬
‫معدودة‪ ،‬ومحصلة محدودة‪ ،‬وجميع أصناف الدالالت على المعاني لفظ وغير لفظ خمسة أشياء ال تزيد وال تنقص‪ ،‬أولها اللفظ‪ ،‬ثم اإلشارة‪،‬‬
‫ثم العقد‪ ،‬ثم الخط‪ ،‬ثم الذي يسمى النصبة والنصبة في الحال الدالة التي تقوم مقام تلك األصناف‪ ،‬وال تقصر عن تلك الدالالت‪ ،‬ولكل واحد‬
‫من هذه الخمسة صورة مواتية من صورة صاحبتها‪ ،‬وحيلة مخالفة لحيلة أختها‪ ،‬وهي التي تكشف لك من أعيان المعاني في الجملة‪ ،‬وعن‬
‫بهرجا وساقطاً‬
‫ً‬ ‫معانيها في التفسير‪ ،‬وعن أجناسها وأفرادها‪ ،‬وعن خاصها وعامها‪ ،‬وعن طباعها في السار والضار‪ ،‬وعما يكون لهواً‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )4‬العدد (‪)6‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫بشرى السنكري‪ ،‬يونيو ‪2023‬‬ ‫صفحة ‪| 128‬‬
‫‪HNSJ Volume 4. Issue6‬‬ ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫‪ 2.2‬اإلمام الغزالي (‪505-450‬ه)‪:‬‬


‫إنه األصولي الفيلسوف والعالم الموسوعي الجليل‪ ،‬ولكن إن أردنا أن ننظر لمفهوم الداللة عند الغزالي ينبغي أن‬
‫ينظر إليه من زاوية الثقافة األصولية‪ ،‬والذي اتضح بشكل جلي في كتابه المستصفى‪ ،‬ذلك أن األحكام التي‬
‫استنبطها من القرآن الكريم ‪-‬خاصة‪ -‬استند فيها على أسس نظرية نجدها بشكل واضح في كتابه هذا في علم‬
‫(‪)38‬‬
‫أصول الفقه‪.‬‬
‫بدأ اإلمام الغزالي كتابه في تعريف الحد‪ ،‬ثم انتقل إلى مدركات العقول‪ ،‬ومنه إلى داللة األلفاظ على المعاني‪،‬‬
‫وقسمها إلى ثالثة فصول‪ ،‬وقد قسم داللة اللفظ على المعنى إلى ثالثة أوجه‪ ،‬وهي‪ :‬داللة المطابقة‪ ،‬وداللة‬
‫التضمن‪ ،‬وداللة اللزوم‪ ،‬ودلل على هذه األوجه بطريقة منطقية‪ ،‬ونرى في هذا التقسيم أنه لم يخرج عن تقسيم‬
‫المناطقة للداللة اللفظية‪ ،‬ثم شرع في تقسيم اللفظ باإلضافة إلى خصوص المعنى وشموله‪ ،‬وقسم اللفظ ههنا إلى‬
‫لفظ يدل على عين واحدة (شجرة‪ ،‬فرس‪...‬الخ) ولفظ يدل على أشياء كثيرة تتفق في المعنى‪ ،‬وسماه اللفظ المطلق‪،‬‬
‫وهو المعرف الذي تدل تحت ذوات كثيرة (كالفرس‪ ،‬واإلنسان‪...‬الخ)‬
‫وفي التقسيم الثالث خصصه لأللفاظ المتعددة باإلضافة إلى المسميات المتعددة‪ ،‬وجعلها على أربعة منازل‪ ،‬واخترع‬
‫لها أربعة ألفاظ‪ ،‬هي‪ :‬المترادفة‪ ،‬والمتباينة‪ ،‬والمتواطئة‪ ،‬والمشتركة‪.‬‬
‫ثم جرى على تقسيم األصوليين في داللة النص على المعنى‪ ،‬فقال‪" :‬فيما يُقتبس من اْللفاظ من حيث فحواها‬
‫وإِشارتها وهي خمسة أضرب"(‪ )39‬إلى داللة اقتضاء النص‪ ،‬وداللة إشارة‪ ،‬وإيماء أو لحن الخطاب‪ ،‬وداللة النص‪،‬‬
‫عبارة النص‪ ،‬وقد زاد على تقسيم األصوليين فرع‪ ،‬وهو‪ :‬اإليماء‪ ،‬أو لحن الخطاب‪.‬‬
‫يقول منقور عبد الجليل في هذا في إشارة الغزالي على العملية التواصلية في الحركة واإليماء‪" :‬فتنصرف الداللة‬
‫من ال معنى الرئيسي‪ ،‬إلى المعنى اإليمائي‪ ،‬أو ما يسمى في علم الداللة الحديث (بالقيم الحافة)‪ ،‬وهي تعني‬
‫(‪)40‬‬
‫جملة القيم الثقافية واالجتماعية وغيرها التي تصحب عملية التواصل‪"...‬‬
‫ِ‬
‫يكتف في الكالم عن داللة األلفاظ وتراكيبها والمعاني الدالة عليها‪ ،‬فنجد قد أفرد‬ ‫من المالحظ أن اإلمام الغزالي لم‬
‫السالم‬
‫فصوالً كاملة عن داللة الفعل‪ ،‬وخص به أفعال رسول هللا ﷺ‪ ،‬يقول‪" :‬القول في داللة أفعال النّبي عليه َّ‬
‫ِ‬
‫وسكوته واستبشا ِره وفيه فصول"(‪.)41‬‬
‫ِ‬
‫يكتف بتقسيمات‬ ‫هكذا نجد أن اإلمام الغزالي رحمه هللا لم يناقش مسألة األلفاظ من الناحية الداللة فقط‪ ،‬ولم‬

‫مدحرجاً‪ ".‬أخرجه ابن عساكر‪ ،‬علي بن الحسن بن هبة هللا‪ ،‬أبو القاسم (ت‪571‬هـ)‪ .‬تاريخ دمشق‪ .‬تحقيق‪ :‬العمروي‪ ،‬عمرو بن غرامة‪ .‬دار‬
‫الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪1995 .‬م‪ .‬ج‪ .51‬ص‪ .356‬ينظر الجاحظ‪ ،‬عمرو بن بحر بن محبوب الكناني‪ ،‬أبو عثمان (ت‪255:‬هـ)‪.‬‬
‫البيان والتبيين‪ .‬دار ومكتبة الهالل‪ /‬بيروت‪1423 .‬هـ‪ .‬ج‪ .1‬ص‪ .82‬وينظر أيضاً الغامدي‪ ،‬إبراهيم عبد هللا‪ .‬معالم الداللة اللغوية في القرن‬
‫الثالث الهجري على مستوى الكلمة المفردة‪ .‬رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في اللغة العربية في جامعة أم القرى‪ .‬المملكة العربية‬
‫السعودية‪ .‬عام ‪1989‬م‪ .‬ص‪.32‬‬
‫عبد الجليل‪ ،‬منقور‪ .‬علم الداللة أصوله ومباحثه في التراث العربي‪ .‬ص ‪.31‬‬ ‫(‪)38‬‬

‫الغزالي‪ ،‬محمد بن محمد‪ ،‬أبو حامد (ت‪ 505:‬هـ)‪ .‬المستصفى‪ .‬تحقيق‪ :‬عبد الشافي‪ ،‬محمد عبد السالم‪ .‬دار الكتب العلمية‪ .‬الطبعة‬ ‫(‪)39‬‬

‫األولى‪1993 .‬م‪ .‬ص‪ 263‬وما بعدها‪.‬‬


‫عبد الجليل‪ ،‬منقور‪ .‬علم الداللة أصوله ومباحثه في التراث العربي‪ .‬ص‪.32‬‬ ‫(‪)40‬‬

‫الغزالي‪ .‬المستصفى‪ .‬ص ‪.274‬‬ ‫(‪)41‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )4‬العدد (‪)6‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫بشرى السنكري‪ ،‬يونيو ‪2023‬‬ ‫صفحة ‪| 129‬‬
‫‪HNSJ Volume 4. Issue6‬‬ ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫األصوليين في داللة النص‪ ،‬بل أضاف عليها من غزير علمه ومعرفته‪ ،‬وكذلك ناقش داللة األفعال‪ ،‬إذن؛ الداللة‬
‫عنده ليست داللة لفظية فقط‪ ،‬إنما تشمل داللة الفعل‪ ،‬وبهذا يكون اإلمام الغزالي قد َّ‬
‫ألم بطرفي الداللة اللفظية‬
‫وغير اللفظية‪ ،‬وناقشهما‪ ،‬وأضاف عليهما‪ ،‬وفصل فيهما القول‪.‬‬
‫‪ 2.3‬سيف الدين اْلمدي (‪631-551‬ه)‪:‬‬
‫أما هذا العالم الجليل فقد ألف كتابه (اإلحكام في أصول األحكام) وله أسلوب فريد في التصنيف والمحاجة؛ لتمكنه‬
‫(‪)42‬‬
‫من أدوات الجدل‪ ،‬وهو في كتابه هذا واضح المنهج‪ ،‬تبدو فيه اللغة العربية منظومة داللية‪.‬‬
‫وقد ال أستطيع أن ألم بكل ما كتب فيه وفصله هذا العالم الجليل‪ ،‬ولكني سأحاول أن أكتب ما وصلت إليه من‬
‫خالل اطالعي على كتابه المذكور آنفاً‪.‬‬
‫بدأ اآلمدي كتابه بمقدمة كالمية بين فيها أقسام الكتاب‪ ،‬ثم انتقل إلى الكالم عن أصول الفقه وموضوعه وغايته‪،‬‬
‫وتحدث عن المبادئ اللغوية وأصولها‪ ،‬والتي يستطيع القارئ من خاللها أن يعرف سعة علم اآلمدي في لسان‬
‫العرب‪ ،‬يقول‪" :‬وأمّا علم العربية‪ ،‬فلتوّقف معرفة دالالت اْلدلة اللفظية من الكتاب والسنة وأقوال أهل الحل‬
‫والعقد من اْلمة على معرفة موضوعاتها لغ ًة من جهة‪ :‬الحقيقة‪ ،‬والمجاز‪ ،‬والعموم‪ ،‬والخصوص‪ ،‬و ِ‬
‫اإلطالق‪،‬‬
‫(‪)43‬‬
‫والتقييد‪ ،‬والحذف‪ ،‬واإلضمار‪ ،‬والمنطوق‪ ،‬والمفهوم‪ ،‬واالقتضاء‪ ،‬واإلشارة‪ ،‬والتنبيه‪ ،‬واإليماء‪"...‬‬
‫وفي الفصل الذي يليه تحدث عن اللفظ مفرداً ومركباً‪ ،‬وقسمه إلى أقسام‪ ،‬وبدأ في الفصل الثاني في الكالم عن‬
‫الداللة‪ ،‬فجرى على تقسيم المناطقة في تقسيم الداللة إلى داللة لفظية‪ ،‬وداللة غير لفظية‪ ،‬ولكنه اختلف مع‬
‫المناطقة في تقسيم الداللة اللفظية وغير اللفظية‪.‬‬
‫أما الداللة اللفظية فهي عنده على شقين‪( :‬مطابقة‪ ،‬تضمين)‬
‫واعتبر الدال لة غير اللفظية هي (االلتزام)؛ ألن المعنى له الزم من الخارج ال يحتويه اللفظ‪ ،‬وإنما هو انتقال الذهن‬
‫(‪)44‬‬
‫إلى مدلوله‪.‬‬
‫ثم انتقل إلى مناقشة وقع المترادف اللفظي‪ ،‬فدلل على جواز وقوعه عقال‪ ،‬ثم دلل على وقوعه في لغة العرب‪،‬‬
‫(الص ْهُل ُب و َّ‬
‫الش ْوَذ ُب من أسماء‬ ‫ُّ‬ ‫فقال‪ :‬ثم الدليل على وقوع الترادف في اللغة‪ ،‬ما نقل عن العرب من قولهم‪:‬‬
‫َ‬
‫(‪)45‬‬ ‫َّ‬
‫الطويل‪ ،‬واْل ُب ْهتُُر واْل ُب ْحتُُر من أسماء القصير)"‬
‫ثم بعد ذلك يعالج موضوع الحقيقة والمجاز عند األصوليين‪ ،‬فيعرف الحقيقة‪ ،‬ثم يقسم األسماء الحقيقية عند‬
‫األصوليين على النحو اآلتي(‪:)46‬‬

‫عبد الجليل‪ ،‬منقور‪ .‬علم الداللة أصوله ومباحثه في التراث العربي‪ .‬ص ‪.165‬‬ ‫(‪)42‬‬

‫اآلمدي‪ ،‬سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم‪ ،‬أبو الحسن (ت‪631 :‬هـ) اإلحكام في أصول األحكام‪ .‬تحقيق‪ :‬عفيفي‪ ،‬عبد‬ ‫(‪)43‬‬

‫الرزاق‪ .‬المكتب اإلسالمي‪ .‬دمشق‪ -‬بيروت‪ .‬ج‪ .1‬ص‪.8‬‬


‫اآلمدي‪ .‬اإلحكام في أصول األحكام‪ .‬ج‪ .1‬ص‪15‬‬ ‫(‪)44‬‬

‫المرجع السابق نفسه‪ .‬ج‪ .1‬ص ‪23‬‬ ‫(‪)45‬‬

‫اآلمدي‪ .‬اإلحكام في أصول األحكام‪ .‬ج‪ .1‬ص‪27‬‬ ‫(‪)46‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )4‬العدد (‪)6‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫بشرى السنكري‪ ،‬يونيو ‪2023‬‬ ‫صفحة ‪| 130‬‬
‫‪HNSJ Volume 4. Issue6‬‬ ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫األمساء احلقيقية‬
‫عند األصوليني‬

‫لغوية‬ ‫شرعية‬

‫وضعية‬
‫عرفية‬ ‫والكالم إمنا هو يف‬
‫احلقيقة الوضعية‬

‫ويناقش اآلمدي في كتابه مسألة اللغة هل هي توقيفية أم ال في األصل الثاني من كتابه تحت عنوان‪ :‬مبدأ‬
‫اللغات‪ ،‬وطرق معرفتها‪ ،‬ويبسط في هذا الفصل من الكتاب آلراء العلماء مستنداً على اآلية الكريمة‪ ُّ:‬ﭐَّ ُّ ﱢ ﱣ َّ‬
‫(‪)47‬‬
‫[البقرة‪ ]31:‬ونجده يميل إلى التوقيف‪.‬‬
‫ضمن كتابه الكثير‬
‫لقد اشتمل كتاب اآلمدي على الكثير من القضايا الداللية التي تناقش في العصر الحديث‪ ،‬وقد َّ‬
‫وبسط‬
‫من القواعد األصولية‪ ،‬والفقهية‪ ،‬واللغوية في غاية الضبط والصياغة‪ ،‬ولوال ضيق المقام لفصل فيه القول‪ُ ،‬‬
‫فيه الكالم‪.‬‬
‫‪ 2.4‬الفارابي (‪339-260‬ه)‪:‬‬
‫في كتابه (إحصاء العلوم) بدأ كتابه في الفصل األول تحت عنوان‪ :‬في علم اللسان‪ ،‬فقسم علم اللسان إلى‬
‫ضربين‪ :‬حفظ ألفاظ أمة ما‪ ،‬والثاني‪ :‬علم قوانين تلك األلفاظ‪ .‬ونالحظ أن بداية الفارابي في كتابه ال تخرج عن‬
‫كونها بداية في علم الداللة‪ ،‬حيث بدأ في اللغة‪ ،‬وقسمها بين اللفظ والقواعد المختصة باللفظ‪ ،‬ثم تابع بتقسيم اللفظ‬
‫إلى مفرد ومركب‪ ،‬ثم تابع في تقسيمه في علم لسان كل أمة‪ ،‬فقسمها إلى سبعة أجزاء‪" :‬علم اْللفاظ المفردة‪،‬‬
‫وعلم اْللفاظ المركبة‪ ،‬وعلم قوانين اْللفاظ عندما تكون مفردة‪ ،‬وكذلك عندما تركب‪ ،‬وقوانين تصحيح الكتابة‪،‬‬
‫وقوانين تصحيح القراءة‪ ،‬وقوانين اْلشعار"(‪.)48‬‬
‫ثم تكلم في األصوات المكونة لأللفاظ المفردة‪ ،‬ثم تكلم عن ميزانها الصرفي من ثالثية ورباعية‪ ،‬وصحيحها‬
‫ومعتلها‪ ،‬وهو بهذا يتطرق إلى الداللة الصرفية للمفردات‪.‬‬
‫ثم يقسم األلفاظ الداللة إلى اسم وفعل ويعبر عنه بلفظ (كلم) وأداة‪ ،‬ويميز بين عالماتها اإلعرابية في أولها وفي‬
‫أطرافها‪ ،‬وما يلحقه أل التعريف‪ ،‬وما ينصرف ما ال ينصرف‪.‬‬
‫ثم يتكلم عن القوانين التي تتركب فيها األلفاظ وتنتظم؛ لتصبح أقاويل‪ ،‬كل أمة بحسب قوانينها‪ ،‬وبعدها ينتقل إلى‬

‫اآلمدي‪ .‬اإلحكام في أصول األحكام‪ .‬ج‪ .1‬ص‪.78‬‬ ‫(‪)47‬‬

‫الفارابي‪ ،‬أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان‪ .‬إحصاء العلوم‪ .‬دار القومي‪ .‬لبنان‪ ،‬بيروت‪1991 .‬م‪ .‬ص‪.10‬‬ ‫(‪)48‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )4‬العدد (‪)6‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫بشرى السنكري‪ ،‬يونيو ‪2023‬‬ ‫صفحة ‪| 131‬‬
‫‪HNSJ Volume 4. Issue6‬‬ ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫قوانين الكتابة‪ ،‬وفيه إشارة إلى داللة األلفاظ في الكتابة‪ ،‬ويتكلم في قوانين القراءة وضبطها من حيث النقط‬
‫والشكل‪ ،‬ثم بعد ذلك ينتقل إلى الكالم في علم األشعار‪ ،‬ويقسمها على الجهة التي تشاكل علم اللسان‪ ،‬ويجعلها‬
‫على ثالثة أقسام‪:‬‬
‫إحصاء األوزان‪ ،‬النظر في نهايات األبيات‪ ،‬ثم يشير إلى القسم المختص العلم الداللة السياقية والداللة اللفظية في‬
‫آن معاً‪ ،‬فيقول‪" :‬والجزء الثالث يفحص عما يصلح أن يستعمل في اْلشعار من اْللفاظ عندهم مما ليس يصلح‬
‫)‬
‫أن يستعمل في القول الذي ليس بشعر"(‪49‬‬
‫ويعقد الفارابي الفصل الثاني من كتابه لعلم المنطق‪ ،‬ويبين مالءمة علم المنطق لعلمي النحو والعروض من حيث‬
‫أن لكل أمة قوانينها الخاصة في تراكيب ألفاظها‪ ،‬ثم نراه يتكلم عن علم المنطق من حيث الداللة التي محتواها في‬
‫النفس‪ ،‬وأن العالقة التي تربط الدال بمدلوله في علم المنطق؛ ألن هذا العلم يعطي القوانين في النطق الخارج‪،‬‬
‫وفي النطق الداخل‪.‬‬
‫وهكذا نجد أن "النظرية الداللية عند الفارابي‪ ،‬ال تخرج عن إطار عالقة اْللفاظ بالمعاني ضمن القوانين‬
‫)‬
‫المنطقية‪50( ".‬‬
‫‪ 2.5‬ابن سينا (‪427-370‬ه)‪:‬‬
‫بدأ ابن سينا كتابه (منطق المشرقيين) بذكر العلوم‪ ،‬وثناها بعلم المنطق فتحدث فيه عن التصور والتصديق‪ ،‬ثم‬
‫انتقل إلى الكالم عن اللفظ المفرد‪ ،‬والمعنى المفرد الذي يدل على الشيء من كونه هو ال يلتفت الذهن فيه ٍ‬
‫معان‬
‫أخرى‪.‬‬
‫يكثر ابن سينا من ذكر الوجود الذهني للمدلوالت في العالم الخارجي‪ ،‬وقد قسم األلفاظ إلى كلي وجزئي‪ ،‬ثم أشار‬
‫)‬
‫إلى اللفظ العام والخاص‪ ،‬والمشترك‪51(.‬‬
‫أما في داللة اللفظ على المعنى‪ ،‬فقد قسمها من ثالثة أوجه‪( :‬داللة مطابقة‪ ،‬داللة تضمين‪ ،‬وداللة التزام)(‪.)52‬‬
‫وأشار إلى أن داللة االلتزام هي داللة خارجة عن الشيء كداللة األب على االبن‪ ،‬أما داللة المطابقة والتضمن‬
‫فتشتركان في كونهما ليستا خارجتين عن الشيء‪ )53(.‬فإذا كان االنتقال بواسطة العقل من الدال إلى المدلول‪،‬‬
‫لعلمه بداللة الوضع كانت الداللة وضعية(‪.)54‬‬
‫وينص ابن سينا على أمر مهم يخص العالقة بين داللة المطابقة وداللة االلتزام‪ ،‬إذ أن الوصول إلى داللة اللفظ‬
‫عن طريق داللة االلتزام يمر عبر إجراء ذهني لداللة المطابقة بين اللفظ وما يطابقه من مدلوالت‪ ،‬أي أن الذهن‬
‫)‬
‫يقوم بهاتين المرحلتين في آن‪55(.‬‬

‫الفارابي‪ .‬إحصاء العلوم‪ .‬ص‪.12‬‬ ‫(‪)49‬‬

‫عبد الجليل‪ ،‬منقور‪ .‬علم الداللة أصوله ومباحثه في التراث العربي ص ‪.30‬‬ ‫(‪)50‬‬

‫المرجع السابق نفسه ص‪.31‬‬ ‫(‪)51‬‬

‫ابن سينا‪ ،‬الحسين بن عبد هللا بن الحسن‪ .‬منطق المشرقيين والقصيدة المزدوجة في المنطق‪ .‬مؤسسة هنداوي‪ .‬ص‪.61‬‬ ‫(‪)52‬‬

‫المرجع السابق نفسه ص ‪.60‬‬ ‫(‪)53‬‬

‫عبد الجليل‪ ،‬منقور‪ .‬علم الداللة أصوله ومباحثه في التراث العربي‪.143‬‬ ‫(‪)54‬‬

‫المرجع السابق نفسه‪.‬‬ ‫(‪)55‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )4‬العدد (‪)6‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫بشرى السنكري‪ ،‬يونيو ‪2023‬‬ ‫صفحة ‪| 132‬‬
‫‪HNSJ Volume 4. Issue6‬‬ ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫لقد جعل ابن سينا ذهن اإلنسان هو مستودع البينات الداللية التي تدل عليها األلفاظ‪ ،‬والتي عكست صور العالم‬
‫الخارجي على النفس البشرية‪ ،‬وطبعت صورتها في ذهنه‪ ،‬واعتمد في توضيح العالقة الداللية بين اللفظ والمعنى‬
‫على التجريد‪.‬‬
‫‪ 2.6‬ابن خلدون (‪808-732‬ه)‪:‬‬
‫يعقد ابن خلدون في كتابه المقدمة فصال في العلوم ووجه اإلفادة منها‪ ،‬ويقدم فيه جملة نصائح للمتعلم‪ ،‬ويشير فيه‬
‫إلى أهمية علم المنطق لتسديد المتعلم‪ ،‬وصيانته من الخطأ‪ ،‬ثم يتبع اإلشارة إلى أهمية تعلم علم المنطق بأمر مهم‬
‫أيضاً أال وهو معرفة األلفاظ‪ ،‬وداللتها على المعاني الذهنية التي تردها‪ ،‬ونالحظ هنا أن ابن خلدون ربط ربطاً‬
‫مباش اًر ما بين داللة األلفاظ على معانيها‪ ،‬وما بين صورتها المطبوعة في الذهن‪ ،‬وقسم الداللة إلى داللة الكتابة‪،‬‬
‫وداللة األلفاظ وداللة المعاني‪ ،‬فقال‪" :‬فأوالً داللة الكتابة المرسومة على اْللفاظ المقولة‪ ،‬وهي أحّقها‪ ،‬ثم داللة‬
‫اْللفاظ المقولة على المعاني المطلوبة‪ ،‬ثم القوانين في ترتيب المعاني لالستدالل في قوالبها المعروفة في‬
‫صناعة المنطق‪.)56(".‬‬
‫ونجد في هذا التقسيم للداللة عند ابن خلدون أمو اًر عديدة‪ ،‬ومعاني دقيقة‪ ،‬فهو يشير إلى مراتب الداللة من حيث‬
‫القوة والضعف‪ ،‬فأقواها داللة المكتوب‪ ،‬وتليها داللة المقول‪ ،‬ثم نراه يجمع بين علمي المنطق والنحو في قوله‬
‫(القوانين التي ترتب المعاني)‪ .‬ثم ما يلبث ابن خلدون أن يعقد فصالً في مقدمته بعلوم اللغة العربية‪ ،‬ويجعل‬
‫أركانها على أربعة‪ :‬اللغة‪ ،‬والنحو‪ ،‬والبيان‪ ،‬واألدب‪.‬‬
‫وعند كالمه عن النحو تجده يشير إلى أن الحروف في العربية والحركات والسكنات لها اعتبار في الداللة على‬
‫المقصود‪ ،‬وتأثر في المعنى‪ ،‬وعندما يتكلم عن اللغة يذكر المعاجم وأنواعها‪ ،‬وعندما يتكلم عن علم البيان يذكر أنه‬
‫من العلوم اللسانية‪ ،‬ويتكلم عن المسند والمسند إليه وارتباطه في الداللة‪ ،‬ويعرض داللة المطابقة وااللتزام في‬
‫(‪)57‬‬
‫التراكيب بشكل ال يكاد يالحظ‪ ،‬وإنما يذكره دون الخوض فيه‪.‬‬
‫هكذا نرى أن علم الداللة دخل ميادين العلوم الشرعية والفلسفية؛ لشدة الحاجة إليه في كال الجانبين العلميين‪ ،‬وأن‬
‫نشأة علم الداللة لم تكن طفرة نظرية عند العرب‪ ،‬بل استندت إلى منابع كثيرة‪ ،‬سواء أكانت هذه المنابع (نقالً) أم‬
‫(عقالً)‪.‬‬
‫‪ -3‬علم الداللة في علوم اللغة‪ ،‬وتطوره‪.‬‬
‫علم الداللة عند اللغويين العرب‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ 3.1‬الجاحظ (‪255-165‬ه)‬
‫‪ 3.2‬ابن جني (‪392-322‬ه)‬
‫‪ 3.3‬ابن فارس (‪395-329‬ه)‬
‫‪ 3.4‬الثعالبي (‪429-350‬ه)‬
‫‪ 3.5‬عبد القاهر الجرجاني (‪471-400‬ه)‬

‫ابن خلدون‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد‪ .‬مقدمة ابن خلدون‪ .‬دار البلخي‪ .‬دمشق ‪2004‬م‪ .‬طبعة أولى‪ .‬ج‪ 2‬ص‪.349‬‬ ‫(‪)56‬‬

‫ابن خلدون‪ .‬المقدمة‪ .‬ص‪.374-367‬‬ ‫(‪)57‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )4‬العدد (‪)6‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫بشرى السنكري‪ ،‬يونيو ‪2023‬‬ ‫صفحة ‪| 133‬‬
‫‪HNSJ Volume 4. Issue6‬‬ ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫أ‪ -‬الجاحظ (‪255-165‬ه)‪:‬‬


‫أما الجاحظ في كتابه (البيان والتبيين)‪ ،‬فقد أسس لعلم الداللة تأسيساً عجيباً! فجمع إلى دقة المعنى‪ ،‬وحسن‬
‫العبارة‪ ،‬وقوة البيان‪ ،‬صواب اإلشارات‪ ،‬فبدأ في تعريف البيان‪ ،‬وهو عنده اسم جامع لكل ما كشف النقاب عن‬
‫المعنى‪ ،‬فجمع في تعريفه ما بين المعاني‪ ،‬والتصورات الذهنية‪ ،‬والعوامل النفسية المؤثرة في التعبير عند اإلنسان‪،‬‬
‫يقول في ذلك‪ " :‬وعلى قدر وضوح الداللة وصواب اإلشارة‪ ،‬وحسن االختصار‪ ،‬ودقة المدخل‪ ،‬يكون إظهار‬
‫(‪)58‬‬
‫المعنى‪".‬‬
‫ثم قسم أصناف الدالالت على المعاني من لفظ وغير لفظ إلى خمسة أقسام‪ ،‬وهي ال تزيد‪ ،‬وال تنقص برأيه‪،‬‬
‫(‪)59‬‬
‫وأقسامها‪" :‬اللفظ‪ ،‬ثم اإلشارة‪ ،‬ثم العقد‪ ،‬ثم الخط‪ ،‬ثم الحال‪ ،‬وتسمى نُصبة‪".‬‬
‫فنجد هنا الجاحظ قد جمع بين نوعي الداللة (اللفظية‪ ،‬وغير اللفظية) في تقسيمه الذي اعتمده في أصناف‬
‫الدالالت‪ ،‬ونجده أيضاً قد جمع في هذه الكلمات القليلة‪ ،‬الكثير من النظريات الداللية‪.‬‬
‫وقد نص الجاحظ أن األداة األولى للبيان هي اللفظ‪ ،‬وقد خصه بالعديد من السمات التي تشمل بنيته الداللية‪،‬‬
‫وبنيته الصورية‪ ،‬فالمعاني مبسوطة إلى ما النهاية‪ ،‬واألسماء محدودة معدودة‪ ،‬فاللغة قاصرة عن اإلحاطة بعوالم‬
‫الداللية(‪.)60‬‬
‫أما اإلشارة الفيزيولوجية (الجوارح) فهي ترجمان المعنى الخفي الذي وقر في النفس‪ ،‬وتنوب مناب اللفظ‪ ،‬ولها‬
‫صدى يبلغ مداه أبعد من مدى الصوت‪.‬‬
‫وفي الداللة الصوتية يسمي الصوت آلة اللفظ‪ ،‬وال تكون الحروف كالماً إال بالتقطيع والتأليف‪ ،‬وأما الخط‬
‫النصبة‪ ،‬وهي الحال‪ ،‬فهي داللة غير لفظية‪ ،‬وهي داللة‬ ‫والكتابة فترتبط داللتها بارتباط الصورة الذهنية‪ ،‬وأما ُّ‬
‫اعتبارية‪ ،‬يعتبر فيها الناظر إليها‪ ،‬المتفحص فيها ويقول فيها‪" :‬ومتى دل الشيء على معنى فقد أخبر عنه وإن‬
‫(‪)61‬‬
‫كان صامتاً‪ ،‬وأشار إليه وإن كان ساكتاً‪".‬‬
‫من خالل هذا العرض السريع نجد أن الجاحظ جمع المعاني الكثير‪ ،‬والنظريات الحديثة في األلفاظ القليلة‪ ،‬مع‬
‫حسن عرض‪ ،‬ودقة معنى‪ ،‬وعمق فهم‪.‬‬
‫ابن جني (‪392-322‬ه)‪:‬‬
‫تناول ابن جني في كتابه (الخصائص) خصائص اللغة العربية ومميزاتها الدقيقة جمل ًة وتفصيالً مشي اًر إلى الغرض‬
‫سرت أحكامها‬
‫منه‪" :‬وإنّما هذا الكتاب مبني على إثارة معادن المعاني‪ ،‬وتقرير حال اْلوضاع والمبادي‪ ،‬وكيف أ‬
‫في اْلحناء والحواشي" الخصائص‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.32‬‬
‫تحدث ابن جني عن أصل اللغة أإلهام أم اصطالح؟‬
‫ِ ِ‬ ‫َّ‬
‫ال‬
‫َس َما َء ُكل َها ُث َّم َعَر َض ُه أم َعَلى األ َم َال ئ َكة َفَق َ‬ ‫واحتج برأي من قالوا بكونها توقيفية بقوله تعالى‪َ ( :‬و َعَّل َم َ‬
‫آد َم أاْل أ‬
‫ينَّ) البقرة‪31 :‬‬ ‫ِِ‬ ‫اء َٰه ُؤَال ِء ِإن ُك ُ‬
‫أَن ِبُئوِني ِبأَسم ِ‬
‫نت أم َصادق َ‬ ‫أَ‬

‫الجاحظ‪ ،‬عمرو بن حر بن محبوب‪ ،‬أبو عثمان (ت‪255 :‬هـ)‪ .‬البيان والتبيين‪ .‬دار ومكتبة الهالل‪ /‬بيروت‪1423 .‬هـ‪ .‬ج‪ .1‬ص‪.81‬‬ ‫(‪)58‬‬

‫الجاحظ‪ .‬البيات والتبيين‪ .‬ج‪ .1‬ص ‪.82‬‬ ‫(‪)59‬‬

‫عبد الجليل منقور‪.‬‬ ‫(‪)60‬‬

‫الجاحظ‪ .‬البيان والتبيين‪ .‬ج‪ .1‬ص‪. 87‬‬ ‫(‪)61‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )4‬العدد (‪)6‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫بشرى السنكري‪ ،‬يونيو ‪2023‬‬ ‫صفحة ‪| 134‬‬
‫‪HNSJ Volume 4. Issue6‬‬ ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫أقر ابن جني بذلك مع احتمال تأويل اآلية على أن هللا هو من أقدر آدم على أن واضع عليها‪.‬‬
‫وقد َّ‬
‫كما أنه َقِبل مذهب من قال إن اللغة من األصوات المسموعات كخرير الماء‪ ،‬وصهيل الفرس‪ ،‬وغيرها في مواضع‬
‫أخرى من كتابه نفسه "ونحن ال نحتاج إلى كبير عناء حتى نلمح العالقة الطبيعية بين اْللفاظ الموضوعة‬
‫لمحاكاة اْلصوات التي تصدر من الحيوانات‪ ،‬فالعصفور يزقزق‪ ،‬والحمام يهدل‪ ...‬وعن االنفعاالت اإلنسانية‬
‫(‪)62‬‬
‫المختلفة في قد القميص وقطّ القلم"‬
‫ونهاية بقيت كفتا الميزان متأرجحة لديه‪ ،‬فتارةً يجد أن في هذه اللغة من غلوة السحر ما يثير في نفسه االعتقاد‬
‫أنها توقيف من هللا سبحانه وتعالى ووحي منه‪ ،‬وتارة أخرى يجدها من تواضع بشر خلقوا قبلنا كانوا أدق وأعمق‬
‫(‪)63‬‬
‫أذهاناً وخواط اًر‪.‬‬
‫وقد قسم ابن جني في كتابه الخصائص الداللة إلى ثالثة أنواع‪ :‬الداللة اللفظية‪ ،‬والداللة الصناعية‪ ،‬والداللة‬
‫المعنوية‪ ،‬ثم فاضل بينها قوة وضعفاً‪ ،‬فقال‪" :‬إال أنها في القوة والضعف على ثالث مراتب‪ :‬فأقواهن الداللة‬
‫(‪)64‬‬
‫اللفظية ثم تليها الصناعية ثم تليها المعنوية‪".‬‬
‫فالداللة اللفظية عنده هي‪( :‬الداللة المعجمية‪ ،‬المعنى)‪ ،‬أما الصناعية فهي‪( :‬زمن بناء الفعل)‪ ،‬أما أضعفها‬
‫المعنوية فهي‪( :‬الفاعل)‪.‬‬
‫بحث ابن جني في قضية مناسبة حروف اللغة لمعانيها‪ ،‬والحظ أن الحرف العربي ليس مجرد صوت‪ ،‬وإنما هو‬
‫تعبير عن غرض معين مناسب لصوت هذا الحرف ومدلوله‪ ،‬فلكل مجموعة أحرف داللة‪ ،‬ولكل حرف على حدى‬
‫صدى يوقعه في نفس السامع متوافقاً معه‪ ،‬وفصل القول وبسطه في الداللة الصوتية في باب تصاقب األلفاظ‬
‫(‪)65‬‬
‫لتصاقب المعاني‪.‬‬
‫أما في الفرق بين الحقيقة والمجاز‪ ،‬فقد عقد بابين أولهما‪ :‬كان في استعماالت المجاز‪ ،‬وأسباب العدول إليه‪ ،‬وعدد‬
‫هذه األسباب‪ ،‬فكانت ثالثة أسباب‪ ،‬وهي‪ :‬االتساع‪ ،‬والتوكيد‪ ،‬والتشبيه‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬في المجاز إذا كثر لحق بالحقيقة‪ ،‬وبين فيه أن أكثر اللغة مجاز ال حقيقة‪ ،‬ومثل لذلك بفعل القيام‪ ،‬فقام‬
‫(‪)66‬‬
‫زيد مثالً يفاد منها معنى الجنسية‪ ،‬بمعنى قام زيد‪ ،‬كان منه القيام‪.‬‬
‫كانت هذه نظرة خاطفة عن الداللة عند ابن جني‪ ،‬ولو اتسع المقام ُلفصل الكالم‪.‬‬
‫ب‪ -‬ابن فارس (‪395-329‬ه)‪:‬‬
‫ال يخفى علينا أن أهمية المعاجم العربية في الحفاظ على كنز المعاني العربية‪ ،‬ولعل المعاجم العربية منذ نشأتها‬
‫األولى إلى أن استوت على سوقها في معجم العين كانت من أهم الروافد التي حفظت لنا العربية بشكلها األول‬
‫النقي‪.‬‬
‫أما أحمد بن فارس في معجمه مقاييس اللغة فهو صاحب نظرية داللية‪ ،‬لما لمعجمه من صلة في كشف الصلة‬

‫عثمان بن جني الموصلي‪ ،‬أبو الفتح‪ .‬الخصائص‪ .‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ .‬الطبعة الرابعة‪ .‬ج‪ .1‬ص‪.550‬‬ ‫(‪)62‬‬

‫المرجع السابق نسفه‪ .‬ج‪ .1‬ص‪.22‬‬ ‫(‪)63‬‬

‫ابن جني‪ .‬الخصائص‪ .‬ج‪ .3‬ص‪.100‬‬ ‫(‪)64‬‬

‫ابن جني‪ .‬الخصائص‪ .‬ج‪ .2‬ص‪.147‬‬ ‫(‪)65‬‬

‫المرجع السابق نفسه‪ .‬ج‪ .2‬ص ‪ 444‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(‪)66‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )4‬العدد (‪)6‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫بشرى السنكري‪ ،‬يونيو ‪2023‬‬ ‫صفحة ‪| 135‬‬
‫‪HNSJ Volume 4. Issue6‬‬ ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫(‪)67‬‬
‫القائمة بين المعاني واأللفاظ من وجوه عدة‪ ،‬كذلك في إشاراتها إلى تقليبات الجذور التي اعتمدها في معجمه‪.‬‬
‫لقد كان صنيع ابن فارس في معجمه أن يقف على بداية كثير من المواد؛ ليضع بين أيدينا أصالً أو أصلين تتفرع‬
‫(‪)68‬‬
‫منهما الفروع مجا اًز‪ ،‬أو تطو اًر داللياً‪.‬‬
‫استعمل ابن فارس في معجمه مقاييس اللغة مصطلحين أساسيين للتعبير على الداللة المحورية أولهما‪ :‬األصل‪،‬‬
‫"حلَ َز‪ :‬الحاء والالم والراء أصل صحيح"‬
‫ويقصد بها هنا أنه جذر اللفظ‪.‬‬ ‫(‪)69‬‬
‫ومن ذلك قوله‪َ :‬‬
‫ف الجيم والحاء والفاء أصل واحد‪ ،‬قياسه الذهاب بالشيء"(‪ )70‬ويقصد‬
‫"ج َح َ‬
‫والثاني‪ :‬القياس‪ ،‬ومن ذلك قوله‪َ :‬‬
‫القياس الذي ينقاس عليه الجذر‬
‫كما أنه سمى معجمه بالمقاييس‪ ،‬يقصد به أوجه التشابه‪ ،‬أو الجوامع االشتقاقية وهذا ما نسميه ب‪( ..‬الداللة‬
‫(‪)71‬‬
‫المحورية)‪.‬‬
‫وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على رسوخ قدم العرب في هذا العلم‪ ،‬وأن التفاتهم إلى الداللة المعجمية‬
‫للكلمة لم يكن حديث النشأة‪ ،‬أو وليد اللحظة‪.‬‬
‫ت‪ -‬الثعالبي (‪429-350‬ه)‪ :‬إن الواقف عند أبي منصور الثعالبي سيجد أن منهج التنظير الداللي‬
‫(‪)72‬‬
‫متكامل لديه‪ ،‬وسيجده متنقالً بين حقول األلفاظ الداللية‪ ،‬سواء منها اللغوية‪ ،‬أو المجازية‪ ،‬أو داللة نقدية‪.‬‬
‫ٌ‬
‫وهو في كتابه (فقه اللغة) لم يتعرض إلى تعريف الداللة كما عرفها العلماء من حيث المفهوم المنطقي لها‪ ،‬ولكن‬
‫موضوعات الكتاب تحمل في ثناياه منظومة داللية متكاملة‪ ،‬يكاد القارئ يلمس أركانها في كل زاوية‪.‬‬
‫يبدأ الثعالبي كتابه بأسرار العربية‪ ،‬ويتحدث عن التقديم‪ ،‬والتأخير‪ ،‬ثم يتكلم عن الكناية عما لم ِ‬
‫يجر ذكره ويستشهد‬
‫على ذلك بآيات من القرآن الكريم‪ ،‬والناظر في كتاب فقه اللغة للثعالبي يجد فيه من الغنى الداللي ما يذهله‪ ،‬ففي‬
‫عناوين الكتاب والخطوط الرئيسة نراه يتناول الداللة النحوية‪ ،‬وداللة الكتابة والخط أو الداللة اإلمالئية دون أن‬
‫يشير إلى هذا‪ ،‬وإنما يفعله سليقة‪ ،‬ونجده عندما يتحدث عن مجمل الحذف واالختصار وتحت هذا العنوان يتكلم‬
‫عن سنن العرب في الكتابة ويمثل لذلك فيقول‪" :‬من سنن العرب‪ :‬أن تحذف اْللف من "ما" إذا استَ أف َهمَ أت بها‬
‫فتقول‪ِ :‬بمَ؟ وِلمَ؟ و ِم َّم؟ وعالمَ؟ وفيمَ؟"(‪ )73‬وهذه اللفتة لم أجدها من قبل فيمن اطلعت على أعمالهم‪.‬‬
‫وتراه يتكلم في هذا السياق عن هذا حرفا حرفا فباأللفات ثم الباءات‪ ،‬ثم التاءات‪ ،‬والسينات‪ ،‬ففي السينات مثالً‬

‫الطبعة‬ ‫الصغير‪ ،‬محمد حسين علي‪ .‬تطور البحث الداللي دراسة تطبيقية في القرآن الكريم‪ .‬دار المؤرخ‪ .‬لبنان‪ ،‬بيروت ‪1999‬م‪.‬‬ ‫(‪)67‬‬

‫األولى ص ‪.30‬‬
‫الداية‪ ،‬فايز‪ .‬علم الداللة العربي النظرية والتطبيق‪ .‬دار الفكر المعاصر‪ .‬لبنان‪ ،‬بيروت‪1996 .‬م‪ .‬الطبعة الثانية‪ .‬ص‪.232‬‬ ‫(‪)68‬‬

‫ابن فارس‪ .‬مقاييس اللغة‪ .‬ج‪ .2‬ص ‪.96‬‬ ‫(‪)69‬‬

‫المرجع السابق نفسه‪ .‬ج‪ .1‬ص ‪.427‬‬ ‫(‪)70‬‬

‫(‪)71‬جبل‪ ،‬عبد الكريم محمد حسن‪ .‬الداللة المحورية في معجم مقاييس اللغة البن فارس‪ .‬مجلة كلية اآلداب‪ .‬جامعة المنصورة‪ .‬العدد السادس‬
‫والعشرين‪ .‬ج‪2000 .2‬م‪ .‬ص‪212‬‬
‫الصغير‪ ،‬محمد حسين علي‪ .‬تطور البحث الداللي دراسة تطبيقية في القرآن الكريم‪ .‬دار المؤرخ‪ .‬لبنان‪ ،‬بيروت ‪1999‬م‪ .‬الطبعة األولى‬ ‫(‪)72‬‬

‫ص ‪.34‬‬
‫الثعالبي‪ ،‬عبد الملك بن محمد بن إسماعيل‪ ،‬أبو منصور (ت‪429 :‬هـ)‪ .‬فقه اللغة وسر العربية‪ .‬تحقيق‪ :‬المهدي‪ ،‬عبد الرزاق‪ .‬دار‬ ‫(‪)73‬‬

‫إحياء التراث العربي‪ .‬الطبعة األولى‪2002 .‬م‪ .‬ص‪226‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )4‬العدد (‪)6‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫بشرى السنكري‪ ،‬يونيو ‪2023‬‬ ‫صفحة ‪| 136‬‬
‫‪HNSJ Volume 4. Issue6‬‬ ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫يقف على السين فيبين مواضع زيادتها وداللتها الصرفية في وزن (استفعل) وفي داللتها في (سأفعل) و(سوف)‪،‬‬
‫ويتكلم عنها في (استنوق) ويطلق عليها سين الصيرورة(‪ .)74‬وهو وإن لم يتناول المعاني االصطالحية كما هي‬
‫معروفة اليوم(‪ ،)75‬إال أنه وباإلشارة إلى هذه النقاط في كتابه يدل على كونه فاهماً فهماً تاماً للداللة‪ ،‬مستوعباً جل‬
‫أجزائها في كتابه‪ ،‬فتراه ينتقل من الداللة المجازية‪ ،‬إلى اإلمالئية‪ ،‬والنحوية‪ ،‬والصرفية‪ ،‬دون أن يتخذ من‬
‫المصطلحات سلماً‪ ،‬وإنما يرتقي بنا داللياً وكأن الداللة عنده فطرة ُفطر عليها‪ ،‬فهو يدركها ويدلل عليها دون أن‬
‫يدخل في تعقيد االصطالحات‪.‬‬
‫نحو المناطقة والفالسفة في إثبات إعجاز‬
‫ينح َ‬‫ث‪ -‬عبد القاهر الجرجاني (‪471-400‬ه)‪ :‬إن الجرجاني لم ُ‬
‫القرآن الكريم في كتابه (دالئل اإلعجاز)‪ .‬بل أراد به الكشف عن إعجاز القرآن من جهة مختلفة متخذاً من لسانية‬
‫(‪)76‬‬
‫األسلوبية منهجاً‪ ،‬وقد تضمن سفره العظيم مباحث تتمحور حول قيمة اللفظ‪ ،‬وعالقته بالمعنى‪.‬‬
‫يعالج الجرجاني في كتابه (دالئل اإلعجاز) المسائل الداللية بشكل مفصل‪ ،‬فيخصص الجزء األول من كتابه‬
‫بحسب الموضوعات التي طرحها للداللة البالغية‪ ،‬ويتجلى لديه الدرس الداللي بمنتهى الوضوح والدقة‪ ،‬وخصوصاً‬
‫عندما يعرض لرأي المعتزلة في اللفظة ويبين فساد قولهم في الصرفة‪.‬‬
‫الصرفة بحسب المعتزلة‪ :‬هي أن القرآن ليس معجز لذاته‪ ،‬وإنما لصرف هللا همم العرب وعقولهم ومقدرتهم على‬
‫و َّ‬
‫معارضة القرآن‪ ،‬فبهذا يكمن اإلعجاز(‪.)77‬‬
‫(‪)78‬‬ ‫الن َّ‬
‫ظام‪.‬‬ ‫ويبدو لي أن الجرجاني قد ألف كتابه هذا للرد على هذه الشبهة التي تبناها المعتزلة بقول َّ‬
‫وبالعودة إلى الجرجاني‪ ،‬نراه في القسم األول من الكتاب تظهر عنده الداللة السياقية بوضوح تام‪ ،‬حتى أنه وإن لم‬
‫يقل مصطلح (نظرية الداللة السياقية) صراحة‪ ،‬إال أن القارئ يستطيع أن يستنتج كامل النظرية السياقية من خالل‬
‫األمثلة التي أوردها على ذلك‪ ،‬فيقول‪" :‬وهل تجد أحداً يقول‪ :‬هذه لفظة فصيحة‪ ،‬إال وهو يعتبر مكانها من النظم‪،‬‬
‫(‪)79‬‬
‫وحسن مالئمة معناها لمعاني جاراتها‪ ،‬وفضل مؤانستها لخواتها؟"‬
‫وفي القسم الثاني من الكتاب يتناول المؤلف موضوع التقديم والتأخير ومواضعه (من استفهام‪ ،‬ونفي‪ ،‬وخبر‪،‬‬
‫بتفصيل مذهل‪ ،‬من غير إطناب ممل‪ ،‬أو إيجاز مخل‪ ،‬ممثالً لكل موضوع بالقرآن الكريم‪ ،‬ثم يضع دستو اًر عاماً‬
‫لكل ما ذكره‪ ،‬نستطيع أن نعتبره من خالله منظ اًر داللياً دون منافس‪.‬‬
‫أما في القسم الذي يبسط فيه القول في اللفظ والنظم‪ ،‬فيقول‪" :‬ال يكون إلحدى العبارتين مزية على اْلخرى‪ ،‬حتى‬
‫(‪)80‬‬
‫يكون لها تأثير ال يكون لصاحبتها"‬

‫المرجع السابق نفسه‪ .‬ص‪243‬‬ ‫(‪)74‬‬

‫(‪)75‬الصغير‪ ،‬محمد حسين علي‪ .‬تطور البحث الداللي دراسة تطبيقية في القرآن الكريم‪ .‬ص ‪.34‬‬
‫عبد الجليل‪ ،‬منقور‪ .‬علم الداللة أصوله ومباحثه في التراث العربي‪ .‬ص ‪.147‬‬ ‫(‪)76‬‬

‫الزركشي‪ .‬البرهان في علوم القرآن‪ .‬ج‪ .2‬ص ‪.93‬‬ ‫(‪)77‬‬

‫النظام‪ :‬شيخ المعتزلة‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم النظام بن سيار‪ .‬تكلم في القدر وانفرد بمسائل‪ ،‬وهو شيخ الجاحظ‪ ،‬توفي في خالفة المعتصم‬ ‫(‪)78‬‬

‫سنة بضع وعشرين ومئتين‪ .‬ينظر‪ :‬الذهبي‪ .‬سير أعالم النبالء‪ .‬ج‪ .8‬ص‪529‬‬
‫الجرجاني‪ ،‬عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي‪ ،‬أبو بكر (ت‪ )471 :‬دالئل إعجاز القرآن في علم المعاني‪ .‬تحقيق‪ :‬شاكر‪،‬‬ ‫(‪)79‬‬

‫محمود محمد‪ .‬مطبعة المدني‪ /‬القاهرة‪1992 .‬م‪ .‬ص‪44‬‬


‫الجرجاني‪ .‬دالئل اإلعجاز‪ .‬ص‪258‬‬ ‫(‪)80‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )4‬العدد (‪)6‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫بشرى السنكري‪ ،‬يونيو ‪2023‬‬ ‫صفحة ‪| 137‬‬
‫‪HNSJ Volume 4. Issue6‬‬ ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫فاأللفاظ عنده دالة على المعنى بال شك‪ ،‬ولكن ال يكون لتلك المزية على األخرى‪ ،‬حتى تسبك في عبارات وتأخذ‬
‫مكانها في الجملة المكونة لها‪ ،‬ومحتوى الخطاب عنده مرتبط بشكل مباشر بالمخاطب‪ ،‬فكلما ازداد المخاطب‬
‫علماً بمحتوى الخطاب‪ ،‬كلما كانت داللته أسرع إلى إدراكه‪ ،‬والعكس صحيح‪ ،‬إذ الجهل بمحتوى الخطاب يؤدي‬
‫(‪)81‬‬
‫إلى صعوبة إدراك داللته ومعانيه‪.‬‬
‫وفي فصله ما قبل األخير يقول‪ " :‬ذاك ْلنه ليس من عاقل يفتح عين قلبه‪ ،‬إال وهو يعلم ضرورة أن المعنى في‬
‫ضم بعضها إلى بعض‪ ،‬تعليق بعضها ببعض‪ ،‬وجعل لعضها بسبب من بعض‪.)82(".‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫هكذا نجد‪ ،‬وبناء على ما ُذكر‪:‬‬
‫أن علم الداللة علم عميق الجذور‪ ،‬بعيد الغور‪ ،‬عتيق الصلة بأبحاث اللغة العربية وبعلمائها‪ ،‬وأن علماء‬ ‫‪-‬‬
‫هذه األمة لم يدخروا جهداً‪ ،‬ولم يكتموا علماً‪ ،‬فأتموا البناء إال لبنة‪.‬‬
‫وكذلك نجد أيضا‪:‬‬
‫أن علم الداللة علم وثيق الصالت بما حوله من علوم‪ ،‬من فلسفة ومنطق‪ ،‬وأصول فقه‪ ،‬ونحو‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وأن العرب إذ كتبوا بهذا العلم واستفاضوا في التأليف فيه‪ ،‬إنما فعلوا ذلك بدافع ديني ليحفظ المنبع األول‬ ‫‪-‬‬
‫الذي يستقون منه األحكام الشرعية‪.‬‬
‫‪ -‬وأن علم الداللة لم يكن علماً مجهول الهوية عند أسالفنا‪ ،‬ولكن قواعده التي وضعها العلم الحديث لم تكن‬
‫قد اتخذت شكلها النهائي إال في القرن الماضي‪.‬‬
‫وأن التفكير الداللي عند العرب تفكير أصيل في ألسنتهم وأذهانهم‪ ،‬وأنفسهم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬وإنني إذا اقتصرت في كالمي عن األئمة المذكورين جميعهم ‪-‬في بحثي هذا‪ -‬على جانب واحد فقط من‬
‫الجوانب العلمية عند الواحد منهم‪ ،‬إال أني ال أنكر فضلهم في بقية العلوم التي برعوا فيها وكتبوا عنها‪،‬‬
‫وكما هو معروف عن علماء العرب أنهم لم يختصوا بجانب واحد من جوانب العلم‪ ،‬بل كانوا علماء‬
‫موسوعيين‪ ،‬استطاعوا أن يحوزوا قصب السبق في علوم اللغة‪ ،‬وغيرها من العلوم كافة‪.‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫‪ – 1‬القرآن الكريم‬
‫‪-2‬ابن خلدون‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد‪ .‬مقدمة ابن خلدون‪ .‬دار البلخي‪ .‬دمشق‪ .‬طبعة أولى‪2004 .‬م‪.‬‬
‫‪-3‬ابن سينا‪ ،‬الحسين بن عبد هللا بن الحسن‪ .‬منطق المشرقيين والقصيدة المزدوجة في المنطق‪ .‬مؤسسة‬
‫هنداوي‪.‬‬
‫‪-4‬األصفهاني‪ ،‬أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب (ت‪502:‬هـ)‪ .‬المفردات في غريب القرآن‪.‬‬
‫تحقيق‪ :‬الداودي عدنان‪ .‬دار القلم‪ /‬دمشق‪ -‬بيروت‪ .‬الطبعة األولى‪1412 .‬هـ‪.‬‬
‫‪-5‬اآلمدي‪ ،‬سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم‪ ،‬أبو الحسن (ت‪631 :‬هـ) اإلحكام في أصول‬
‫األحكام‪ .‬تحقيق‪ :‬عفيفي‪ ،‬عبد الرزاق‪ .‬المكتب اإلسالمي‪ .‬دمشق‪ -‬بيروت‪.‬‬

‫عبد الجليل منقور‪ .‬علم الداللة أصوله ومباحثه في التراث العربي‪ .‬ص‪152‬‬ ‫(‪)81‬‬

‫الجرجاني‪ .‬دالئل اإلعجاز‪ .‬ص ‪466‬‬ ‫(‪)82‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )4‬العدد (‪)6‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫بشرى السنكري‪ ،‬يونيو ‪2023‬‬ ‫صفحة ‪| 138‬‬
‫‪HNSJ Volume 4. Issue6‬‬ ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫‪-6‬البغوي‪ ،‬أبو محمد الحسين بن مسعود (ت‪510:‬هـ)‪ .‬معالم التنزيل في تفسير القرآن‪ .‬تحقيق‪ :‬النمر‪،‬‬
‫محمد عبد هللا‪ .‬دار طيبة للنشر والتوزيع‪ .‬الطبعة الرابعة‪1997 .‬م‪.‬‬
‫‪-7‬التهانوي‪ ،‬محمد علي‪ .‬موسوعة كشاف اصطالحات العلوم والفنون‪ .‬تحقيق دحروج‪ ،‬علي‪ .‬مكتبة لبنان‪.‬‬
‫الطبعة األولى‪1996 .‬م‪.‬‬
‫‪-8‬الثعالبي‪ ،‬عبد الملك بن محمد بن إسماعيل‪ ،‬أبو منصور (ت‪429 :‬هـ)‪ .‬فقه اللغة وسر العربية‪ .‬تحقيق‪:‬‬
‫المهدي‪ ،‬عبد الرزاق‪ .‬دار إحياء التراث العربي‪ .‬الطبعة األولى‪2002 .‬م‪.‬‬
‫‪-9‬الجاحظ‪ ،‬عمرو بن حر بن محبوب‪ ،‬أبو عثمان (ت‪255 :‬هـ)‪ .‬البيان والتبيين‪ .‬دار ومكتبة الهالل‪/‬‬
‫بيروت‪1423 .‬هـ‪.‬‬
‫‪-10‬الجرجاني‪ ،‬عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي‪ ،‬أبو بكر (ت‪ )471 :‬دالئل إعجاز القرآن في‬
‫علم المعاني‪ .‬تحقيق‪ :‬شاكر‪ ،‬محمود محمد‪ .‬مطبعة المدني‪ /‬القاهرة‪1992 .‬م‪.‬‬
‫‪-11‬الجمل‪ ،‬حسن عز الدين‪ .‬معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن‪ .‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ /‬مصر‪.‬‬
‫الطبعة األولى‪2008 .‬م‪.‬‬
‫‪12‬الحاكم‪ ،‬أبو عبد هللا‪ ،‬محمد بن عبد هللا بن محمد بن النيسابوري المعروف بابن البيع‪ .‬ت ‪ 405‬هـ‪.‬‬
‫المستدرك على الصحيحين‪ .‬دار الكتب العلمية‪ /‬بيروت‪ .‬الطبعة األولى‪1990 .‬م‪.‬‬
‫‪-13‬الدالي‪ ،‬محمد أحمد‪ .‬مسائل نافع بن األزرق عن عبد هللا بن العباس‪ .‬الجفان والجابي للطباعة والنشر‪.‬‬
‫الطبعة األولى‪1993 .‬م‪.‬‬
‫‪-14‬الداية‪ ،‬فايز‪ .‬علم الداللة العربي النظرية والتطبيق‪ .‬دار الفكر المعاصر‪ .‬لبنان‪ ،‬بيروت‪ .‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪1996‬م‪.‬‬
‫‪-15‬الذهبي‪ ،‬شمس الدين أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن عثمان بن َق ْايماز ت‪748‬هـ‪ .‬سير أعالم النبالء‪.‬‬
‫دار الحديث‪ -‬القاهرة‪2006 .‬م‬
‫‪16‬الزحيلي‪ ،‬محمد مصطفى‪ .‬الوجيز في أصول الفقه اإلسالمي‪ .‬دار الخير للطباعة والنشر والتوزيع‪.‬‬
‫سوريا‪/‬دمشق‪ .‬الطبعة الثانية‪2006.‬م‪.‬‬
‫‪-17‬الزركشي‪ ،‬بدر الدين‪ ،‬محمد بن عبد هللا‪ ،‬أبو عبد هللا (ت‪794 :‬هـ)‪ .‬البحر المحيد في أصول الفقه‪ .‬دار‬
‫الكتبي‪ .‬الطبعة األولى‪1994 .‬م‪.‬‬
‫‪-18‬الزركلي الدمشقي‪ ،‬خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس‪( .‬ت‪1396‬هـ)‪ .‬األعالم‪ .‬دار‬
‫العلم للماليين‪ .‬الطبعة الخامسة عشر‪ 2002.‬م‪.‬‬
‫‪-19‬الشافعي‪ ،‬محمد بن إدريس بن العباس‪ ،‬أبو عبد هللا (ت‪204 :‬هـ)‪ .‬الرسالة‪ .‬تحقيق‪ :‬أحمد شاكر‪ .‬مكتبة‬
‫الحلبي‪ /‬مصر‪ .‬الطبعة األولى‪1940 .‬م‪.‬‬
‫‪-20‬الشريف الجرجاني‪ ،‬علي بن محمد بن علي الزين (ت‪816‬ه)‪ .‬التعريفات‪ .‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫بيروت‪/‬لبنان‪ .‬الطبعة األولى‪1983.‬م‪.‬‬
‫‪-21‬الصغير‪ ،‬محمد حسين علي‪ .‬تطور البحث الداللي دراسة تطبيقية في القرآن الكريم‪ .‬دار المؤرخ‪ .‬لبنان‪،‬‬
‫بيروت‪ .‬الطبعة األولى‪1999 .‬م‪.‬‬
‫‪-22‬الغزالي‪ ،‬محمد بن محمد‪ ،‬أبو حامد (ت‪ 505:‬هـ)‪ .‬المستصفى‪ .‬تحقيق‪ :‬عبد الشافي‪ ،‬محمد عبد السالم‪.‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ .‬الطبعة األولى‪1993 .‬م‪.‬‬
‫‪-23‬الفارابي‪ ،‬أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان‪ .‬إحصاء العلوم‪ .‬دار القومي‪ .‬لبنان‪ ،‬بيروت‪1991 .‬م‪.‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )4‬العدد (‪)6‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫بشرى السنكري‪ ،‬يونيو ‪2023‬‬ ‫صفحة ‪| 139‬‬
‫‪HNSJ Volume 4. Issue6‬‬ ‫نشأة علم الداللة عند العرب‬

‫‪-24‬الفيروز أبادي‪ ،‬مجد الدين محمد بن بعقوب‪ .‬القاموس المحيط مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر‪ .‬لبنان‪،‬‬
‫بيروت‪ .‬الطبعة الثامنة‪2005 .‬ام‪.‬‬
‫‪-25‬القرطبي‪ ،‬أبو عبد هللا‪ ،‬محمد بن أحمد األنصاري‪ ،‬ت‪671‬هـ‪ .‬الجامع ألحكام القرآن‪ .‬تحقيق‪ :‬البردوني‪،‬‬
‫أحمد‪ .‬دار الكتب المصرية‪ /‬القاهرة‪ .‬الطبعة الثانية‪1964 .‬م‪.‬‬
‫‪-26‬القزويني الرازي‪ ،‬أبو الحسين‪ ،‬أحمد بن فارس بن زكرياء (ت‪395 :‬هـ)‪ .‬معجم مقاييس اللغة‪ .‬تحقيق‪:‬‬
‫هارون‪ ،‬عبد السالم‪ .‬دار الفكر‪1979 .‬م‪.‬‬
‫‪-27‬تهذيب اللغة‪ ،‬األزهري الهروي‪ ،‬أبو منصور‪ ،‬محمد بن أحمد (ت‪370:‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬مرعب‪ ،‬محمد‬
‫عوض‪ .‬دار إحياء التراث العربي‪ /‬بيروت‪ .‬الطبعة األولى‪2001 .‬م‪.‬‬
‫‪-28‬جبل‪ ،‬عبد الكريم محمد حسن‪ .‬الداللة المحورية في معجم مقاييس اللغة البن فارس‪ .‬مجلة كلية اآلداب‪.‬‬
‫جامعة المنصورة‪ .‬العدد السادس والعشرين‪2000 .‬م‪.‬‬
‫‪ 29‬عبد الجليل‪ ،‬منقور‪ .‬علم الداللة أصوله ومباحثه في التراث العربي‪ .‬منشورات اتحاد الكتاب العرب‪ .‬دمشق‬
‫‪2001‬م‪.‬‬
‫‪-30‬عثمان بن جني الموصلي‪ ،‬أبو الفتح‪ .‬الخصائص‪ .‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ .‬الطبعة الرابعة‪.‬‬
‫‪-31‬عمر‪ ،‬أحمد مختار‪ .‬علم الداللة‪ .‬عالم الكتب‪ /‬القاهرة‪ .‬الطبعة الخامسة‪1998 .‬م‪.‬‬
‫‪-32‬كراعين‪ ،‬أحمد نعيم‪ .‬علم الداللة بين النظر والتطبيق‪ .‬المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع‪ .‬لبنان‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫الطبعة األولى‪1993 .‬م‪.‬‬
‫‪-33‬لسان العرب‪ .‬ابن منظور األنصاري األفريقي‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬جمال الدين محمد بن مكرم بن علي (ت‪:‬‬
‫‪711‬هـ)‪ .‬دار صادر‪ /‬بيروت‪ .‬الطبعة الثالثة‪1414 .‬هـ‪.‬‬
‫‪-34‬نهر‪ ،‬هادي‪ .‬علم الداللة التطبيقي في التراث العربي‪ .‬دار األمل للنشر والتوزيع‪ .‬األردن‪ /‬إربد‪ .‬الطبعة‬
‫األولى‪2007 .‬م‪.‬‬
‫الرسائل واْلبحاث‪:‬‬
‫‪ -35‬الغامدي‪ ،‬إبراهيم عبد هللا‪ .‬معالم الداللة اللغوية في القرن الثالث الهجري على مستوى الكلمة المفردة‪.‬‬
‫رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في اللغة العربية في جامعة أم القرى‪ .‬المملكة العربية السعودية‪ .‬عام‬
‫‪1989‬م‪.‬‬
‫المواقع اإللكترونية‪:‬‬
‫‪-36‬محمد‪ ،‬سامح عبد السالم‪ .‬نشأة الداللة وتطورها‪ .‬مقال على الشابكة في موقع األلوكة‪ .‬تاريخ النشر‪:‬‬
‫‪2014/3/19‬م‪.‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )4‬العدد (‪)6‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫بشرى السنكري‪ ،‬يونيو ‪2023‬‬ ‫صفحة ‪| 140‬‬

You might also like