You are on page 1of 6

‫ن نشأة المصطلح العلمي ‪-‬بصفة عامة‪ -‬تعد ظاهرة من الظواهر اللغوية الحضارية‬

‫التي تحدث عادة بظهور أو انبثاق مفه&وم جدي&د ال يت&وفر على مقاب&ل ل&&ه في لغت&ه‪،‬‬
‫‪.‬فيكرس المختصون جهودهم من أجل وضع مقابل لذلك المفهوم من لغتهم‬
‫وإذا ك&&ان الب&&احثون يجمع&&ون على أن المفك&&رين الع&&رب الق&&دامى تن&&اولوا الظ&&اهرة‬
‫االصطالحية باعتبارها ظ&&اهرة فكري&&ة ال باعتباره&&ا علم&&ا مس&&تقال‪ ،‬ف&&إن الغرب&&يين‬
‫(األوروبيين خاصة) استطاعوا صياغة قانون لوضع المص&&طلحات وتص&&نيفها م&&ع‬
‫بداية القرن ‪ 19‬م‪ .‬ثم توالت الجهود والمس&&اعي على الص&&عيدين الع&&ربي واألوربي‬
‫فظهرت المؤسسات والمجامع اللغوية التي تحمل على عاتقه&&ا س&&ن ق&&وانين لتوحي&&د‬
‫جهود وضع المصطلح أو ترجمته أو تعريبه‪ ،‬وتجميع ذل&&ك في مع&&اجم متخصص&&ة‬
‫‪.‬قصد تعميمها على القراء‬
‫إن البحث عن هيئ&&ة الجدي&&د في الش&&كل الق&&ديم يقتض&&ي دائم&&ا مس&&اءلة الت&&اريخ‬
‫واستنطاقه‪ ،‬لهذا فقد قسمت أفكار هذا المقال إلى ثالثة مح&&اور؛ يتعل&&ق األول بنش&&أة‬
‫الدراسة االصطالحية عن&&د الع&&رب‪ ،‬والث&&اني يتط&&رق لب&&دايات علم المص&&طلح عن&&د‬
‫الغرب‪ .‬أم&&ا المح&&ور الث&&الث فق&&د خصص&&ته للح&&ديث عن جه&&ود بعض المؤسس&&ات‬
‫‪.‬والمجامع اللغوية العربية في خدمة المصطلح‬
‫أوال‪ :‬في الفكر العربي‬
‫يمكن التأريخ النطالقة المصطلحية العربية ببدء ظه&&ور األبح&&اث اإلس&&المية ح&&ول‬
‫القرآن والحديث والس&&يرة النبوي&&ة‪ ،‬حيث ب&&دأت تأخ&&ذ مكانته&&ا في ركب الحض&&ارة‪،‬‬
‫وتفرض نفسها أثن&&اء ت&&دوين العل&&وم‪ ،‬حيث‪« :‬أص&&بح ل&&دارس اإلعج&&از مص&&طلحه‪،‬‬
‫وكذلك دارس التفسير والسيرة والمغ&&ازي والت&&اريخ وغ&&ير ذل&&ك من العل&&وم النقلي&&ة‬
‫‪.‬التي شكلت اللبنات األساسية في بنية الثقافة العربية اإلسالمية»(‪)1‬‬
‫كما كثر االهتمام بمسألة االصطالحات أو الحدود والتعريفات (كم&&ا ي&&رد في بعض‬
‫األحي&&ان)‪ ،‬بع&&د انتش&&ار العل&&وم العقلي&&ة‪ ،‬ل&&ذا يعتق&&د أن يك&&ون المتكلم&&ون من رواد‬
‫‪.‬المعتنين بالمصطلح‬
‫ويزداد االهتمام بالمسألة المصطلحية مع استيراد العرب للعل&&وم اليوناني&&ة والهندي&&ة‬
‫والفارسية من منطق وفلسفة ورياضيات وغيرها‪ ،‬مما أدى إلى قيام علمائنا األوائل‬
‫بمحاورة لغتهم والتفتيش عن كنوزها الدفينة‪ ،‬مستعينين بوسائل شتى مث&&ل‪ :‬الوض&&ع‬
‫والقياس‪ ،‬واالشتقاق والنحت‪ ،‬والترجمة والتعريف وهلم جرا… بهدف إبداع حدود‬
‫العلوم ومصطلحاتها ورسومها وتعريفاتها‪ ،‬ح&تى يس&دوا العج&ز المص&طلحي ال&ذي‬
‫‪.‬عانوا منه في تلك الفترة‬
‫فقد الحظ علماؤنا األولون أن اللغة يحكمها قانون التطور في كل عصر وكل حال‪،‬‬
‫هذا التط&&ور يؤهله&&ا لمس&&ايرة ال&&رؤى والمخترع&&ات ال&&تي يم&&وج به&&ا العص&&ر؛ ألن‬
‫‪.‬القاعدة تقول‪« :‬إذا اتسعت العقول وتصوراتها اتسعت عباراتها» (‪)2‬‬
‫وعن آليات وضع المصطلح عند العرب القدامى‪ ،‬يلخص عباس عب&&د الحليم عب&&اس‬
‫م&ا الحظ&ه د‪ .‬أحم&د مطل&وب في كتاب&ة “بح&وث لغوي&ة”‪ ،‬حين تح&دث عن وس&ائل‬
‫‪:‬القدماء في وضع المصطلح‪ ،‬فوجد أنهم اعتمدوا في ذلك عددا من الوسائل (‪)3‬‬
‫األولى‪ :‬اخ&&تراع األس&&ماء لم&&ا لم يكن معروف&&ا كم&&ا فع&&ل النحوي&&ون والعروض&&يون‬
‫‪.‬والمتكلمون وغيرهم‬
‫الثاني ة‪ :‬إطالق األلفاظ القديم&&ة للدالل&&ة على المع&&اني الجدي&&دة‪ ،‬على س&&بيل التش&&بيه‬
‫والمجاز‪ ،‬كما في األسماء الشرعية والدينية وغيره&&ا مم&&ا اس&&تجد بع&&د اإلس&&الم من‬
‫‪.‬علوم وفنون‬
‫الثالثة‪ :‬وهي نق&&ل األلف&&اظ األعجمي&&ة إلى العربي&&ة بإح&&دى الوس&&ائل المعروف&&ة عن&&د‬
‫‪.‬النحاة واللغويين‬
‫وهناك فريق آخر يرى أن بداية االعتناء بالمسألة المص&&طلحية في ال&&تراث الع&&ربي‬
‫كانت بسبب «فكرة محورها الص&&راع بين ف&&ريقين‪ ،‬أح&&دهما ي&&رى أن اللغ&&ة توفي&&ق‬
‫‪.‬ووحي وإلهام‪ ،‬واآلخر يفسرها باالصطالح» (‪)4‬‬
‫ومهما اختلفت اآلراء‪ ،‬فإن الق&&دماء نجح&&وا في إث&&راء اللغ&&ة بمص&&طلحات متنوع&&ة‪،‬‬
‫تشمل مختلف الميادين‪ ،‬لكن المصطلحية ‪-‬باعتبارها علما قائم&&ا على أس&&س نظري&&ة‬
‫مقنعة‪ -‬قد بزغ نجمه&ا في أواخ&&ر الق&&رن التاس&ع عش&ر‪« ،‬أم&ا الطروح&&ات العربي&ة‬
‫القديمة التي تمس الظاهرة االصطالحية فقد تن&&اولت االص&&طالح باعتب&&اره ظ&&اهرة‬
‫‪.‬فكرية ال باعتباره علما مستقال» (‪)5‬‬
‫إضافة إلى أن المفكرين العرب القدامى لم يكون&&وا يفص&&لون الظ&&اهرة المص&&طلحية‬
‫عن ب&&اقي العل&&وم؛ حيث ت&&داخلت القض&&ايا المتعلق&&ة بالمص&&طلح بالكتاب&&ات اللغوي&&ة‬
‫‪.‬والمنطقية والفقهية واألصولية وغيرها‬
‫وإذا كانت القرون األولى من التاريخ اإلسالمي قد شهدت ازدهارا علمي&&ا أس&&هم في‬
‫اإلعالء من ش&&أن ال&&ذات الثقافي&&ة المس&&لمة‪ ،‬ف&&إن رك&&ود البحث العلمي في الق&&رون‬
‫الموالية أدى إلى ركود اللغة أيضا‪ ،‬فجمدت المص&&طلحات ط&&وال س&&تة ق&&رون إب&&ان‬
‫الحكم العثم&&اني ال&&تركي ألس&&باب عدي&&دة‪ .‬وم&&ا أن أش&&رقت ش&&مس النهض&&ة العربي&&ة‬
‫الحديثة في القرن‪19‬م حتى أشرقت معها أنوار “ص&حوة لغوي&ة”‪ ،‬نظ&را لم&ا تيس&ر‬
‫له&&ا من وس&&ائل العلم والثقاف&&ة كالص&&حف والكتب والمعاه&&د… فظه&&رت المج&&امع‬
‫العلمية واستنهض&&ت الهمم وع&&ادت المي&&اه إلى مجاريه&&ا لينض&&ب ش&&ريان اللغ&&ة من‬
‫‪.‬جديد‬
‫فقد «بذل المرحوم رفاعة الطهطاوي وتالميذه في مدرسة األلسن‪ ،‬جه&دا متواض&عا‬
‫في تعريب بعض االصطالحات…» (‪ .)6‬وتوالت النداءات في كافة أرجاء الوطن‬
‫العربي من المحيط إلى الخليج داعية إلى بذل مزيد من الجهد في س&&بيل رقي اللغ&&ة‬
‫‪.‬العربية سواء على مستوى المؤسسات أم على مستوى األفراد‬
‫وحاصل الكالم‪ ،‬إن علماءنا األوائل طرحوا العديد من القضايا التي تخص الظاهرة‬
‫االصطالحية سواء تعل&&ق األم&&ر بالوض&&ع أو التوحي&&د أو التحدي&&د‪ ،‬كم&&ا أن بعض&&هم‬
‫أبدى موقفا محافظا من مسألة المصطلح الدخيل‪ ،‬والبعض األخر «م&&ال إلى إنش&&اء‬
‫رسائل في االصطالح أدت إلى تطوير الحركة المعجمية وظهور المعاجم الخاص&&ة‬
‫‪.‬التي تحوي اصطالحات علم من العلوم أو فن من الفنون» (‪)7‬‬
‫وتبقى مس&&ألة االس&&تفادة من ت&&راث األوائ&&ل في م&&ا يخص الدراس&&ة المص&&طلحية‬
‫ض&&رورة ملح&&ة ح&&تى‪« :‬نس&&تمد المعاص&&رة من أص&&التنا‪ ،‬فنمتل&&ك هويتن&&ا‪ ،‬ونظه&&ر‬
‫‪.‬بشخصيتنا» (‪)8‬‬
‫لمصطلحية علم حديث النشأة في الغرب‪ ،‬ولم يخص علماء العربية دراسة المصطلح ‪] Inconu Name:‬م‪[7:27 2023/11/25 ,‬‬
‫بعلم خالص كما فعلوا مع علوم اللغة والنحو والصرف والمنطق والفلسفة ‪ ...‬ومن يقرأ الكتب التراثية قراءة متأنية يقف على ما يمكن‬
‫أن نعده تأسيسا عربيا لهذا العلم؛ ذلك أّن العناية بالمصطلح شغلت بال العلماء ابتداء من صدر اإلسالم‪ ،‬لتنتشر في السذاحة الفكرية‬
‫العربية بعد ذلك‪ ،‬إذ تفرقت مجاالته في مباحث من كتب الحديث والتفسير والفقه واألصول والبالغة وعلم الكالم والمنطق والفلسفة‪...‬‬
‫ذلك أن الفكر العربي اإلسالمي جاء في صورة رسالة تغييرية مست المفاهيم التي شاعت في الجاهلية‪ ،‬وسعت إلى بناء نسق مفهومي‬
‫جديد يقوم على أساس العقيدة الجديدة وما حملته من أفكار جديدة ومفاهيم مستحدثة‪ ،‬وترجم ذلك رصيد مصطلحي خاص ينبئ عن‬
‫هويته الفكرية في جميع نواحي الحياة بتفرعاتها وتفاصيلها‪ ،‬فألفينا مصطلحات من قبيل الوحي والتوحيد والحرام والحالل والقيامة‬
‫والوضوء والصالة والصوم والزكاة والحج والدعوة والمؤمن والفاسق واألمة والملة والجهاد والخالفة والشريعة والشورى‪ ...‬وهي‬
‫مصطلحات تحمل في طياتها شحنة عقدية جعلتها متميزة من المفاهيم التي ألفها العربي قبل انتشار الدعوة المحمدية في حنايا جزيرة‬
‫العرب‪ ،‬وهو ما استدعى أن ينبري علماء مخلصون إلحاطة هذا النظام المفهومي الجديد بالدرس والضبط والتأطير حتى برزت علوم‬
‫لم يكن للعرب سابق عهد بها؛ كعلم‬

‫‪....‬مصطلح الحديث‪ ،‬وعلم التفسير ‪ ،‬وعلم الفقه‪ ،‬وعلم األصول‪ ،‬وعلم الكالم والفلسفة‬

‫‪:‬ويمكن أن نستجلي احتفاء علماء كل فن بالدرس المصطلحي فيما يأتي‬

‫أوال ‪ -‬صناعة المصطلح عند علماء الحديث‬

‫لما انتشر اإلسالم في أرجاء الجزيرة العربية‪ ،‬ظهرت حاجة المسلمين إلى تدوين كل ما يتعلق بالشرع‪ ،‬فكانت البداية مع تدوين‬
‫الوحي‪ ،‬وتلتها خطوة أخرى في تدوين الحديث واالهتمام به إلى أن ارتقى إلى درجة العلم علم الحديث)‪ ،‬بل وقد عرف بـ (علم‬
‫المصطلح ؛ وسبب هذه التسمية يعود إلى أنه علم يهتم باصطالحات أهل الحديث‪ ،‬من تعريف وشرح وإيضاح لما اصطلحوا عليه من‬
‫ألفاظ متداولة في هذا العلم‪ ،‬وقد ارتبطت نشأته بنقل السنة النبوية من دون أن يمسها تحريف أو زيادة أو نقصان‪ ،‬لذلك‬

‫ارتبط مصطلح الحديث بالصدق في روايته‪ ،‬فكانت المفاهيم والمصطلحات تصب في ‪] Inconu Name:‬م‪[7:28 2023/11/25 ,‬‬
‫هذا المضمار كـ‪ :‬عدالة الرواة‪ ،‬والسند والعدل والثقة‪ ،‬والثبت‪ ،‬والمبتدع‪ ،‬والحسن والصحيح والضعيف‪ ،‬والجرح والتعديل والمرسل‬
‫والمنقطع‪ ،‬والمفصل والمعلق‪ ،‬والغريب‪ ،‬والفرد‪ ،‬والشاذ‪ ،‬والمعلول ‪ ، )1( ...‬وكان لمصطلح الحديث صدى في المصطلح اللغوي‬
‫عند الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت ‪ 170‬هـ) ومن جاء بعده‪ ،‬نظرا للبيئة التي نشأوا فيها‪ ،‬واستقوا منها تكوينهم األولي‪ ،‬وهي بيئة‬
‫فرض فيها المحدثون سيطرتهم على ساحة الفكر‪ ،‬فجنح اللغويون إلى جمع اللغة من مصادرها الصحيحة‪ ،‬وسعى األدباء إلى توثيق‬
‫النصوص على منوال المحدثين الذين سنوا القواعد وأصلوا األصول لعملهم‪ ،‬أو كما يقول الدكتور فاروق حمادة‪ « :‬إذا كان المحدثون‬
‫…قد أسسوا المصطلح النقدي الذي تميز به الفكر العربي اإلسالمي‪ ،‬فإّن اللغويين قد تشربوه وساهموا في تثبيته وتدعيمه‪ ،‬وعملو‬

‫األلفاظ"‪ ،‬حيث يقول في مقدمته‪ « :‬فإَّن علوم القرآِن جّمة‪ ،‬ومعرفتها مؤّك دة مهمة‪] Inconu Name: ،‬م‪[7:28 2023/11/25 ,‬‬
‫ومن جملتها المحتاج إليها‪ ،‬والمعول في فهمه عليها‪ ،‬مدلوالت ألفاظه الشريفة‪ ،‬ومعرفة معانيه اللطيفة؛ إذ بذلك ُيترقى إلى معرفة‬
‫أحكامه‪ ،‬وبيان حالله وحرامه‪ ،‬ومناصي أقواله‪ ،‬وإشارة مواعظه وأمثاله»(‪ .)1‬وقد انتشر مصطلح "غريب القرآن" ابتداء من‬
‫الصحابي عبد هللا بن عباس رضي هللا عنه صاحب المقولة المشهورة‪« :‬إذا سألتم عن شيئ من غريب القرآن فالتمسوه في الشعر‪،‬‬
‫‪.‬فإن الشعر ديوان العرب (‪ .)2‬ليبدأ في القرن الثاني الهجري تأليف الكتب وليمتد التأليف فيه عبر العصور المختلفة (‪)3‬‬

‫وقد اعتنى المفسرون بشرح ألفاظ القرآن الكريم‪ ،‬وأولوها عناية خاصة‪ ،‬بالتحقيق في معانيها االصطالحية‪ ،‬بل إنها اتخذت في كثير‬
‫… من األحايين منعرجا خطيرا ؛ فاتجه المفسرون بالمصطلحات القرآنية اتجاها يدعم االنتماء المذهبي والكالمي (‪ .)4‬فكانت الع‬

‫ومناطاتها الشرعية (‪ ،)1‬على نحو ما ورد في تفسير الجامع ألحكام القرآن" لإلمام ‪] Inconu Name:‬م‪[7:29 2023/11/25 ,‬‬
‫القرطبي‪ ،‬وتفسير آيات أحكام القرآن للجصاص الحنفي (ت ‪370‬هـ)‪ ،‬وتفسير "أحكام القرآن البن العربي المالكي (ت ‪543‬هـ)‪،‬‬
‫‪....‬وتفسير أحكام القرآن" للكيا الهراسي الشافعي (ت ‪504‬هـ)‬

‫ثالثا ‪ -‬صناعة المصطلح عند المناطقة والفالسفة‬

‫بدهي أن تلفي الفالسفة يهتمون بحدود المصطلحات والمفاهيم‪ ،‬وهو ما كان عند الفالسفة المسلمين والمناطقة كابن سينا والفارابي‬
‫والغزالي والكندي والرازي وابن تيمية وإخوان الصفا‪ ...‬وغيرهم‪ ،‬حين عرضوا للحد وأقسامه وشروط بنائه‪ ،‬في مثل قول الغزالي‬
‫في كتاب الحّد ‪ « :‬والنظر في هذا الكتاب يحصره فنان (األول) فيما يجري من الحّد مجرى القوانين الكلية (والثاني) في الحدود‬
‫المفصلة»(‪ .)2‬كما قسموا الحد والرسم إلى تام وناقص‪ ،‬وعّد وا التعريف بالحد التام أتم التعريفات (‪)3‬؛ ألنه يعرف المصطلح‬
‫…بمجموع األجزا‬
‫أما تعريف المصطلح بالرسم فهو تعريف له بصفات تخصه (‪ ،)1‬وميزوا بين تعريف ‪] Inconu Name:‬م‪[7:29 2023/11/25 ,‬‬
‫المصطلح برسم تام يتضمن أجزاء المفهوم ولوازمه ‪ ،‬ورسم ناقص تعّر ف بمقتضاه المصطلحات بلوازمها فقط (‪ .)2‬ففي الرسم التام‬
‫تعرف حقيقة اللفظ ببعض أجزائه وبعض لوازمها ‪ ،‬ويمكن صياغة ذلك على‬

‫‪:‬الشكل التالي‬

‫الرسم التام ‪ -‬أجزاء الماهية ‪ +‬لوازم‪ ،‬أو ‪ :‬الرسم التام ‪ -‬جنس قريب ‪ +‬الزمة‬

‫ومثال ذلك قولهم في حد اإلنسان‪ :‬اإلنسان ‪ -‬حيوان ‪ +‬ضاحك‬

‫وفي الرسم الناقص تعرف حقيقة اللفظ بما يتركب من أجزاء ولوازم فقط‪ .‬ويمكن صياغة ذلك‬

‫‪:‬على الشكل التالي‬

‫رسم ناقص ‪ -‬جنس بعيد ‪ +‬الزمة‪ ،‬ومثاله اإلنسان موجود ‪ +‬ضاحك‬

‫أو ‪ :‬رسم ناقص ‪ -‬الزمة‪ ،‬ومثاله‪ :‬اإلنسان الضاحك‬

‫لقد جاء الفالسفة والمناطقة المسلمون بأنواع من التعريفات‪ ،‬ضبطوا طرقا معينة في صياغة التعريف بنيت على مجموعة من المبادئ‬
‫‪:‬الواجب اتباعها‪ ،‬منها‬

‫‪.‬اجتناب تعريف المصطلح بنفسه‬

‫…اجتنا ‪-‬‬

‫احترام التعريف في الحد فإذا وجد للتعريف جنس قريب وآخر بعيد وجب إيراد ‪] Inconu Name: -‬م‪[7:29 2023/11/25 ,‬‬
‫« ‪:‬القريب‪ ،‬وإذا وجد للحد جنس وفصل‪ ،‬وجب االبتداء بذكر الجنس ثم الفصل‪ ،‬ويعّلق الغزالي على ذلك بالقول‬

‫‪.‬فرعاية الترتيب في هذه األمور شرط للوفاء بصناعة الحدود‪ ،‬وهو في غاية العسر ‪)1(»..‬‬

‫رابعا ‪ -‬صناعة المصطلح عند المتكلمين‬

‫وجد المتكلمون في المصطلح مادة خصبة تخدم انشغاالتهم وتوجهاتهم في استحداث المفاهيم وتفريعها حسب ما يقتضيه منحاهم‬
‫الفكري ومذهبهم العقدي‪ ،‬وحرصوا على توليد مصطلحات المفاهيم حديثة؛ كالجوهر والعرض والوجود والماهية‪ ...‬يقول الجاحظ في‬
‫هذا اإلطار ‪ -‬عن جمهور المتكلمين‪ :‬تخيروا تلك األلفاظ لتلك المعاني‪ ،‬وقد اشتقوا لها من كالم العرب تلك األسماء‪ ،‬وهم اصطلحوا‬
‫‪ :‬على تسمية ما لم يكن له في لغة العرب اسم‪ ،‬فصاروا في تلك سلفا لكل خلف‪ ،‬وقدوة لكل تابع‪ ،‬ولذلك قالوا‬

‫‪.‬العرض والجوهر والماهية‪)2(»...‬‬

‫…ومن ثم‬

‫وذات األمر نجده عند األشاعرة الذين صبوا اهتمامهم على االصطالح وعالقته ‪] Inconu Name:‬م‪[7:30 2023/11/25 ,‬‬
‫بالتصورات التي تدور في الخواطر‪ ،‬وأهميته في البيان‪ .‬وذهبوا إّن اللغة نظام من العالقات‪ ،‬ومجموعة من الروابط الداللية‬
‫والمفاهيمية التي تنشأ بين األلفاظ الداخلة في تراكيب لغوية يسند بعضها إلى بعض‪ .‬ويرى األشاعرة أن األلفاظ التي هي أوضاع اللغة‬
‫لم توضع معانيها في أنفسها‪ ،‬ولكن ألن يضم بعضها إلى بعض فيعرف ما بينها من فوائد فاأللفاظ في معتقدهم لم توضع لتعرف بها‬
‫‪،‬المعاني؛ ألن المعاني معروفة وموجودة في األذهان قبل وضع األلفاظ كذلك وظيفة األسماء‪ ،‬ليست لتعرف مسمياتها بها‬

‫‪.‬وإنما وظيفتها اإلشارة إليها‬

‫ونجد من المسائل التي شغلت الباقالني (ت ‪ 403‬هـ) مسألة اللفظ والمعنى‪ ،‬والصلة بينهما‪ ،‬فقد ارتبطت هذه المسألة عنده بالبحث عن‬
‫…مواطن اإلعجاز خدمة للنص القرآني‪ .‬فقد استطاع أن يدرك ما لأللفاظ من دور في صنع العبارة‪ ،‬وم‬
‫النظري الذي تستمد منه هذه المدرسة مبادئها بمعية (داهلبيرك) و (يرزيك) و ‪] Inconu Name:‬م‪[7:30 2023/11/25 ,‬‬
‫(هوفمان)‪ .‬ومن أهم مبادئ هذه‬

‫‪.‬المدرسة أن المفاهيم تخضع لتسلسل بنيوي‪ ،‬وتحدد في إطار عالقة بعضها ببعض‬

‫خامسا ‪ -‬صناعة المصطلح عند األصوليين‬

‫تجلت عناية األصوليون بالمصطلح في تخصيصهم مباحث في كتبهم لدراسة المصطلح وبيان معانيه ومدلوالته على نحو ما فعل ابن‬
‫حزم في تفسره حين وسم أحد أبوابه‪" :‬باب األلفاظ الدائرة بين أهل النظر (‪ .)1‬والباجي في مقدمة المنهاج (‪ ، )2‬وخصص الرازي‬
‫مقدمة كتاب المحصول في علم أصول الفقه للمصطلحات األصولية الرائجة في عصره (‪ ، )3‬وأما القرافي فقد جعل مدخال في كتابه‬
‫"شرح تنقيح األصول" عالج فيه الحد وأنواعه وفروعه (‪ ، )4‬وقد يتجاوز األمر الباب والمقدمة والمدخل‪ ،‬إلى تصنيف المصنفات في‬
‫…التعريفات والحدود‪ ،‬على نحو كتاب الحدود" البن عرفة (ت ‪803‬هـ)‪ ،‬الذي حد فيه المصطلح األصولي والفقهي‪ ،‬وشرح‬

‫للداللة على التمكن في الشعر‪ ،‬واالسم (فرعون) اصطلح عليه للداللة على الظلم ‪] Inconu Name:‬م‪[7:31 2023/11/25 ,‬‬
‫واالسم (موسى)‬

‫‪".‬اصطلح عليه للداللة على قهر الظلم‪ ،‬حتى قيل ‪ :‬لكل فرعون موسى‬

‫‪.‬األنين‬

‫‪:‬وقد قسموا الدوال إلى ثالثة أنواع (‪)1‬‬

‫الدال اللفظي الطبيعي‪ :‬كاألصوات التي يصدرها اإلنسان للتعبير عن المرض‪ ،‬كمصطلح‬

‫‪.‬الدال اللفظي العقلي ‪ :‬كداللة اللفظ على وجود المتلفظ‪ ،‬إذ يستحيل صدور اللفظ دون متلفظ ‪-‬‬

‫‪.‬الدال اللفظي الوضعي‪ :‬وهو داللة األلفاظ المصطلح عليها بإزاء المعاني ‪-‬‬

‫‪:‬وقسموا الحقيقة إلى أقسام‬

‫‪.‬الحقيقة األصلية هي كون اللفظ في أول ما وضع له في أصل اللغة ‪-‬‬

‫الحقيقة الشرعية تخص الدالالت الشرعية التي تطرأ على اللفظ‪ ،‬فتخرجه من وضعه األول إلى وضع جديد‪ ،‬كمصطلحات الزكاة‬
‫‪ ....‬والصوم والحج والصالة‬

‫الحقيقة العرفية العامة تخص مدلوالت األلفاظ التي بات متعارفا عليها عند الناس في غير أصلها الذي كانت عليه‪ ،‬نحو حصر ‪-‬‬
‫…مفه‬

‫وبعد كل هذا نقول إّن العلماء العرب المسلمين قد ُعنوا أيما عناية بالمصطلحات ‪] Inconu Name:‬م‪[7:31 2023/11/25 ,‬‬
‫ومفاهيمها وباأللفاظ وتعريفاتها‪ ،‬وقدموا الكثير في تحديدها ‪ ،‬وإن كانوا لم يستخدموا المصطلحات المتعارف عليها اليوم صراحة‪،‬‬
‫فمن قول ابن فارس لكل لفظ اسمان ُلغوي وصناعي ) (‪ )1‬نفهم أن ما يقصده بالصناعي‬

‫‪.‬هو االصطالحي ال غير‬

‫ومنه نخلص إلى أن علم المصطلح كما قال بعضهم ‪ -‬علم قديم في غايته وموضوعه‪ ،‬وحديث‬

‫‪.‬في مناهجه ووسائله‬

You might also like