You are on page 1of 35

‫جامعة أم القرى‬

‫كلية الدعوة وأصول الدين‬

‫قسم العقيدة‬

‫نقد الفلسفة‬
‫إعداد‬

‫دكتـــــــــــور‬

‫إبراهيــــم خليفـــــه‬

‫‪0‬‬
‫مادة‪ :‬نقد الفلسفة (‪)163‬‬
‫الزمن‪ :‬حماضراتن‪ ،‬ختصص دقيق‬
‫األهداف‪:‬‬
‫‪ .1‬اإلحاطة بتاريخ الفلسفة اليواننية واإلسالمية ومراحل تطورها وأعالمها‪.‬‬
‫‪ .2‬التعرف على اآلاثر السلبية حلركة الرتمجة للفلسفة على الساحة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .3‬تربية ملكة النقد لدى الطالب يف مواجهة املذاهب الفلسفية‪.‬‬
‫‪ .4‬التأكي ددد عل ددى أف ددوس التفك ددض اإلس ددالم وبي ددان ضد دواب الب د د يف الطبيع ددة وم ددا ورا‬
‫الطبيعة‪.‬‬
‫‪ .5‬إبراز جهود علما السلف يف مواجهة التيارات الفلسفية الوافدة‪.‬‬
‫مفردات املنهج‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬الفلسفة اليواننية‪.‬‬
‫(‪ )1‬التعريف ابلفلسفة يف مراحلها املختلفة وبيان عالقتها ابلعلوم األخرى‪.‬‬
‫(‪ )2‬منشأ الفكر الفلسف وأقواس الباحثني فيه‪.‬‬
‫(‪ )3‬املدارس الطبيعية األوىل يف اليوانن واختالفها حوس نشأة الكون‪.‬‬
‫(‪ )4‬السوفسطائيون والقضااي اليت طرحوها والرد عليهم‪.‬‬
‫(‪ )5‬أعالم الفلسفة اليواننية‪ :‬سقراط – أفالطون – أرسطو‪.‬‬
‫(‪ )6‬نقد نظرية املثل األفالطونية ونظرية احملرك األوس األرسطية‪.‬‬
‫اثنياً‪ :‬الفلسفة يف العامل اإلسالم ‪:‬‬
‫(‪ )1‬حركة الرتمجة يف العامل اإلسالم وآاثرها السلبية‪.‬‬
‫(‪ )2‬أعالم الفلسفة يف العامل اإلسالم ‪ :‬الكندي – الفارايب – ابن سينا – ابن رشد‪.‬‬
‫اثلثاً‪ :‬دراسة نقدية يف ضو العقيدة اإلسالمية للمسائل اليت كفر هبا الفالسفة والقضدااي العقديدة الديت‬
‫ترتبت عليها مثل‪:‬‬
‫أ‪ .‬قدم العامل‪.‬‬
‫ب‪ .‬إنكار علم هللا تعاىل ابجلزئيات‪.‬‬
‫ج‪ .‬نظرية العقوس‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫د‪ .‬تصوراهتم عن املالئكة‪.‬‬
‫ه‪ .‬ختبطهم يف معىن الوح والنبوة‪.‬‬
‫و‪ .‬جهود علما السلف يف تعقب الفكر الفلسف والرد عليه‪.‬‬
‫أهم املصادر واملراجع‪:‬‬
‫‪ .1‬در تعارض العقل والنقل‪ :‬لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪.‬‬
‫‪ .2‬الصفدية‪ :‬لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪.‬‬
‫‪ .3‬بغية املراتد‪ :‬لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪.‬‬
‫‪ .4‬هتافت الفالسفة‪ :‬أليب حامد الغزايل‪.‬‬
‫‪ .5‬متهيد لتاريخ الفلسفة اإلسالمية‪ :‬للشيخ مصطفى عبد الرزاق‪.‬‬
‫‪ .6‬رسائل الكندي‪ :‬حتقيق د‪ .‬حممد عبد اهلادي أبو ريدة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫تعريف الفلسفة‬
‫أصللا اتق ل قا ‪:‬كلمددة فلسددفة مشددتقة م دن الكلمددة اليواننيددة (فيلددو سددوفيا) الدديت تتكددون مددن شددقني‬
‫(فيلو) و (سوفيا) فيلو مبعىن ‪ :‬حمبة ‪ ،‬وسوفيا مبعىن ‪ :‬احلكمة ‪.‬‬
‫وعليه تكون الفلسفة مبعىن ‪ :‬حمبة احلكمة ‪ ،‬والفيلسوف هو ‪ :‬احملب لل كمة ‪.‬‬
‫يؤكد على ذلك ابن القيم رمحه هللا يف "إغاثة اللهفان"قدائال‪ :‬فدنن معناهدا حمبدة احلكمدة‪ ،‬والفيلسدوف‬
‫أفله (فيال سوفا) أي‪ :‬حمب احلكمة‪ ،‬فد(فيال) ه احملب‪ ،‬و(سوفا) ه احلكمة‪.‬‬
‫فأصا الفلسفة ومعناها‪ :‬حمبة احلكمة‪ ،‬وكل من حيب احلكمدة فهدو فيلسدوف أو يسدمى فيلسدوفاً ‪،‬‬
‫بغض النظر عن أفله وعرقه ودينه ‪.‬‬
‫وقددد أطلددق علددى الفيلسددوف اسددم "احلكدديم"ولكددن سددقراط مل تددرق لدده هددذ التسددمية‪ ،‬فقدداس‪ :‬أان لسددت‬
‫حكيما ولكين حمب احلكمة ف سب‪.‬‬
‫واملقصود ابحلكمة‪ :‬املعرفة العقلية الراقية‪ ،‬واإلدراك الكل حلقائق الوجود‪،‬وقد أطلق على الشخص‬
‫املتأمل عقلياً حلقائق الوجود وقضااي الكربى اسم "الفيلسوف" متييزا له عن غض من عامة الناس‪.‬‬
‫إذاً يطلق الفعل "تفلسدف"علدى اإلنسدان الدذي يدرى ظدواهر األشديا املختلفدة فيتصدورها مث يُ َّكدون لده‬
‫فيها رأايً‪ ،‬مث جيتهد يف تعرف علل الظواهر الكونية‪ ،‬وعالقة الكون بظواهر ‪.‬‬
‫فالذي يتفلسف هو الذي يفكر يف ش خاص ذااتً كان أو معىن‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى هو‪ :‬اإلنسان الذي يب يف ماهية األشيا وأفوهلا وعالقة بعضها ببعض ‪.‬‬
‫وملا كان اإلنسان من طبيعته أن يفكر ويب على هذا الن و‪ ،‬فن ّن كلمة فيلسوف مل تطلق علدى‬
‫ّ‬
‫ك ددل إنس ددان‪ ،‬ب ددل أطلق ددت عل ددى امل ددر الد دذي م ددن أه ددم األه ددداف يف حيات دده دراس ددة طب ددائع األش دديا‬
‫وتعقلها‪ ،‬وكانت لديه قدرة إدراك األشيا بسرعة‪ ،‬معتمدا على فكر اخلاص‪.‬‬
‫الفلسددفة والفيلسددوف يف اللغددة العربيددة‪،‬‬ ‫وبعللد ان قللا الفلسللفة إىل املسلللمن‪ ،‬ودخددوس مصددطل‬
‫فددا العددرب مددن ذلددك الفعددل أبنواعدده‪ ،‬فقددالوا‪ :‬تفلسددف‪ ،‬يتفلسددف‪ ،‬مثّ قددالوا‪ :‬هددو متفلسددف‪ ،‬وهددم‬
‫متفلسددفة‪ ،‬كمددا جعل دوا احلكمددة مرادفددة للفلسددفة فقددالوا‪ :‬حكمددا اإلسددالم‪ ،‬مبعددىن فالسددفة اإلسددالم‪.‬‬
‫وففا ألولئك الراغبني يف معرفة احلقائق الكلية‪.‬‬
‫ا ‪:‬يتعدددد تعريددف الفلسددفة بتعدددد الفالسددفة واملددذاهب وفقددا للتب ددارب‬ ‫تعري للف الفلس للفة اص للا‬
‫الشخصية للفيلسوف وعاداته الفردية‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وندذكر أهددم تعريفددات الفلسددفة حسددب العصددور الدديت مددرت هبددا بددد ا ابلفلسددفة اليواننيددة ‪ ،‬مث يف العددامل‬
‫اإلسالم ‪ ،‬والفلسفة احلديثة ‪.‬‬
‫أوتا‪ :‬تعريف الفلسفة عند ف سفة اليوانن‪:‬‬
‫استعمل اليوانن كلمة الفلسفة منذ القرن السادس قبدل املديالد‪ ،‬ومل يكدن معناهدا حمددداً وال مضدبوطاً‬
‫يف أوس األمددر‪ ،‬فكددانوا يطلقددون كلمددة فلسددفة علددى املعددارف اإلنسددانية املعروفددة يف زمددا‪،‬م‪ ،‬فشددملت‬
‫الطددب والفلددك واهلندسددة والكيميددا والطبيعددة والتنبدديم‪ ،‬مث قصددرت يف اإلطددالق علددى مددن أتمددل يف‬
‫الوجود أتمالً عقليا‪.‬‬
‫ومع ذلك فن ّن معناها كان خيتلف من عصر إىل آخر ومن فيلسوف إىل آخر على الن و التايل‪:‬‬
‫‪ -3‬عص للر م للا قب للا س للقرا ‪ :‬وموض ددو الفلس ددفة يف ه ددذا العص ددر يتن دداوس الك ددون الطبيعد د ‪ ،‬ول ددذا‬
‫فم اوالهتم ه ‪ :‬معرفة األفل الذي نشأ عنه هذا العامل الطبيع احملسوس ‪.‬‬
‫فتعريددف الفلسددفة يف هددذا العصددر‪ :‬هددو "الب د يف الوجددود الطبيع د ‪ ،‬وغايتدده ومصددض وعلددل ظ دواهر‬
‫األشيا "‪.‬‬
‫‪ -2‬عصر السوفساائين وسقرا ‪ :‬وموضو الفلسفة يف هذا العصر قافر على اإلنسدان ومعرفدة‬
‫احلقيق ددة‪ ،‬واحل ددق والع دددس واخل ددض‪ ،‬ودراس ددة ه ددذ الق دديم مبني ددة عل ددى التص ددور العقل د وح ددد وال عالق ددة‬
‫لل واس هبا ‪.‬‬
‫فتعريف الفلسفة إذاً عند سقراط‪":‬الب د عدن احلقدائق حبثداً نظرايً‪،‬وخافدة احلقدائق واملبداد اخللقيدة‬
‫من خض وعدس وفضيلة "‪.‬‬
‫‪ -1‬عصر أف طون وتلميذه أرساو‪:‬‬
‫أ ‪ -‬موضو الفلسفة عند أفالطون‪ :‬جواهر األشيا وحقائقها الثابتة اليت ال تتغض ‪.‬‬
‫ويطلق عليهدا أفالطدون "عدامل املثدل " وتعريلف الفلسلفة عنلد أف طلون هل ‪:‬معرفدة حقدائق األشديا ‪،‬‬
‫ومعرفة اخلض لإلنسان‪.‬‬
‫ب ‪ -‬موض ددو الفلس ددفة عن ددد أرس ددطو‪ :‬يش ددمل ك ددل املعرف ددة اإلنس ددانية‪ ،‬أو بعب ددارة أخ ددرى أف ددب ت‬
‫الفلسددفة مرادفددة ملعددىن العلددم‪ ،‬ويندددرج حتددت الفلسددفة مجيددع العلددوم مددن املنطددق‪ ،‬والرايضددة‪ ،‬والطبيعددة‪،‬‬
‫واألخالق والسياسة ‪.‬‬
‫وتعريف الفلسفة عند أرساو ه ‪ :‬العلم ابملباد األوىل اليت تفسر هبا طبيعة األشيا ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫عن علل األشيا وأفوهلا األوىل ‪.‬‬ ‫أو ه الب‬
‫‪ -4‬عصللر مللا بعللد أرسللاو‪ :‬يف هددذا العصددر مجددد موضددو الفلسددفة‪ ،‬ومل يبتكددر الفالسددفة شدديئاً بددل‬
‫كانوا مقلدين حاكني‪ ،‬وظهرت فيه مدرستا األبيقوريني والرواقيني ‪.‬‬
‫وموضللو الفلسللفة عنللد األبيقللورين والللرواقين‪ :‬قافددر علددى بعددض جوانددب اإلنسددان مددن انحيددة‬
‫أخالقه وسعادته وسلوكه يف هذ احلياة‪ ،‬وقيمته فيها‪ ،‬وإن اختلفت املدرسدتان يف حتديدد الغايدة الديت‬
‫تريد كل منهما الوفوس إليها‪.‬‬
‫أ ‪ -‬فاألبيقوريون مث ا ‪:‬كانوا يطلبون السعادة ويرو‪،‬ا يف احلصوس على اللّذة ‪.‬‬
‫وتعريف الفلسفة عندهم‪ :‬ه القدرة على السعادة بواسطة العقل والفطنة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أما اللرواقين‪ :‬فكدانوا يطلبدون الواجدب لذاتده مهمدا كلفهدم عمدل الواجدب مدن تضد يات يف‬
‫املاس أو النفس أو غضمها‪ ،‬وقد توفلوا لذلك بعمل الفضيلة‪.‬‬
‫وتعريف الفلسفة عندهم‪ :‬السع ورا الفضيلة‪ ،‬وما جيب أن يسض عليه اإلنسان يف حياته‪.‬‬
‫اثنيا ‪:‬تعريف الفلسفة عند الف سفة اإلس مين ‪:‬‬
‫‪ -1‬عرفها أبو يوسف يعقوب الكندي بقوله‪" :‬الفلسفة علم األشيا حبقائقها"‪.‬‬
‫مبعىن العلم الكامل حبقيقة األشيا وكنهها‪ ،‬وحقائق األشيا كلية ال جزئية ‪.‬‬
‫‪ -2‬وعرفها أبو نصر الفارايب بقوله‪":‬العلم ابملوجودات مبا ه عليه موجودة "‪.‬‬
‫‪ -3‬وعرفهددا أبددو عل د بددن سددينا فقدداس‪":‬ه د فددناعة نظريددة يسددتفيد منهددا اإلنسددان حتصدديل مددا عليدده‬
‫الوجددود كلدده يف نفسدده‪ ،‬ومددا الواجددب عليدده عملدده ممددا ينبغد أن يكتسددب فعلدده لتشددرف بددذلك نفسدده‬
‫وتستكمل‪ ،‬وتصض عاملاً معقوالً مضاهيا الوجود‪ ،‬وتستعد للسدعادة القصدوى ابآلخدرة وذلدك حبسدب‬
‫الطاقة اإلنسانية "‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬تعريف الفلسفة يف العصر احلديث‪:‬‬
‫لق ددد حت د ّدررت الفلس ددفة يف ه ددذا العص ددر م ددن ال دددين‪ ،‬وف ددارت تب د يف موض ددوعاهتا ح ددرة مس ددتقلة‪،‬‬
‫مستندة يف حبثها إىل العقل اإلنساين الطليق من قيود الدين ‪.‬‬
‫وقد اختلفت تعاريف الفلسفة يف هذا العصر الختالف موضو الب الذي تناوله الفالسفة‪.‬‬
‫فددذهب ديكددارت(أبو الفلسددفة احلديثددة) أبن الفلسددفة هد ‪ :‬العلددم ابملبدداد األوىل وهد العلددم الكلد‬
‫الشامل‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وذه ددب آخ ددرون أبن الفلس ددفة‪ :‬ه د عل ددم األش دديا اليقيني ددة ال دديت ال تق ددع حت ددت احل ددس‪ ،‬وال دديت يعرفه ددا‬
‫اإلنسان بطريق النظر العقل ‪.‬‬
‫يف هذه ال عريفا أن املعر يزر ااجان الذ يع ي ب يف دراس للفلسفة‬ ‫ون‬
‫ما سبق ميكن صر معاين الفلسفة يف اآليت‪:‬‬ ‫ومن خ‬
‫األو ‪" :‬ه علم املعرفة الكلية املطلوبة لذاهتا"‪.‬‬
‫واملدراد ابملعرفدة الكليدة‪ :‬املعرفدة الديت تتندداوس احلقدائق الكليدة للموجدودات عامدة‪ ،‬أي ال تتنداوس الفلسددفة‬
‫احلق ددائق اجلزئي ددة للوج ددود؛ إ‪ ،‬ددا تتن دداوس طبيع ددة الوج ددود‪ ،‬وماهي ددة اإلنس ددان‪ ،‬واملش ددكالت العام ددة ذات‬
‫الطابع العقل الكل ‪ ،‬مثل‪ :‬مشكلة احلرية‪ ،‬ظاهرة املوت واحلياة‪ ،‬مشكلة املعرفة‪.‬‬
‫والفيلسددوف عندددما يدددرس احلقددائق الكليددة املتفرقددة للوجددود فننّدده جيمعهددا مددع بعضددها‪ ،‬وجيردهددا مددن‬
‫طبيعتهددا املاديددة املتغددضة‪ ،‬مث يربطهددا يف تسلسددل منطقد لدده ترتيددب معددني‪ ،‬لي ِّّكددون منهددا يف ‪،‬ايددة األمددر‬
‫مذهباً فلسفياً خافاً به‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬علم املباد األوىل لكل ظواهر الوجود‪.‬‬
‫إ ّن الفيلسوف ال يهتم بدراسة املباد ‪ ،‬أو العلل القريبة املباشرة يف تفسدض ملختلدف ظدواهر الوجدود‪،‬‬
‫ألن املب دداد القريب ددة والعل ددل املباش ددرة حتت دداج يف دراس ددتها إىل احل دواس‪ ،‬وتعتم ددد امل ددنهج التب دري ‪ ،‬إن دده‬
‫يعتمد على التأمل العقلد يف إدراك املبداد األوىل والعلدل البعيددة‪ ،‬الديت هد بطبيعتهدا عقليدة جمدردة‪،‬‬
‫ِّ‬
‫بردهددا إىل أفددوهلا العقليددة األوىل وعللهددا‬
‫وميكددن أن يقددوم الفيلسددوف بتفسددض احلقددائق اجلزئيددة‪ ،‬ولكددن ّ‬
‫احلقيقية البعيدة‪.‬‬
‫فم للث ا‪ :‬يه ددتم العلددم التب دري مبعرف ددة أس ددباب منددو النب ددات وه د ت ددوفر املددا واهل دوا والغ ددذا املناس ددب‬
‫والشددمس‪ ،‬بينمددا يهددتم الفيلسددوف مبددا هددو أرقددى مددن ذلددك‪ ،‬إندده يريددد أن يدددرك العلددل العقليددة البعيدددة‬
‫واملبدداد األوىل العامددة لنمددو النبددات واحليدوان واإلنسددان وكددل الكائنددات احليددة األخددرى‪ ،‬وهكددذا بقيددة‬
‫ظواهر الوجود‪.‬‬
‫الثالللث‪ :‬ه د وجهددة نظددر عقليددة فرديددة خافددة جتددا ظدداهرة معينددة يف الوجددود أو يف حيدداة اإلنسددان‪:‬‬
‫ووجهات النظر العقلية عند الفالسفة البد أن تكون خمتلفة‪،‬إذ أن لكدل فيلسدوف خربتده الشخصدية‬
‫وظروف بيئته وجمتمعه اخلاص به‪ ،‬وله عاداته اليت تؤثر يف وجهة نظر ومذهبه الفلسف ‪.‬‬
‫فمث ا‪:‬جند وجهات نظر متعددة خمتلفة ومتعددة يف تعليل وحتليل ظاهرة الشر أو اخلض‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫وهكددذا نددرى أن الفلسددفة ال ختددتص بعلددم دون آخددر‪ ،‬بددل ه د مددنهج يف الب د واملعرفددة‪ ،‬قددائم علددى‬
‫إاثرة األسئلة واإلشكاالت والشكوك حوس املعارف أبنواعها؛ بغرض التأكد من ف تها وجددواها‪،‬‬
‫وتفسض عللها وغاايهتا‪ ،‬مث حماولة اإلجابة عن كل ذلك‪ ،‬ومن هنا وففت الفلسفة أب‪،‬ا أ ُّم العلوم‪.‬‬
‫نشأة ال فكري الفلسف ‪:‬‬
‫اختلف الباحثون حوس نشأة وبداية التفكض الفلسف إىل فريقني ‪:‬‬
‫الرأ األو ‪ :‬ذهب فريق من الفالسفة والعلما البداحثني واملستشدرقني إىل أ ّن التفكدض الفلسدف يف‬
‫بددالد الشددرق أقدددم ظهددوراً مددن بددالد اليددوانن‪ ،‬فدالتفكض الفلسددف بدددأ أوالً يف بددالد الشددرق قبددل القددرن‬
‫السادس ق‪.‬م‪،‬حي شهدت بالد الشرق القدمي جمموعة من أمناط التفكض الفلسف مثدل‪ :‬الفلسدفة‬
‫املصرية‪ ،‬والفلسفة الفارسية‪،‬والفلسفة البابلية‪ ،‬والفلسفة اهلندية‪،‬والصينية ‪.‬‬
‫وعلدى رأس هددؤال املددؤر اإلغريقد " دبددوجني ال إرس" الددذي قداس يف كتابدده "حيدداة الفالسددفة "‪ ":‬إن‬
‫الفلسفة اإلغريقية ليست إال ترااثً شرقيا متغلغال يف القدم ‪.‬‬
‫واسددتدلّوا علددى ذلددك بوجددود كثددض مددن النصددوص واألسدداطض البابليددة واملصدرية الدديت جددا فيهددا حدددي‬
‫عن أفل العامل‪.‬‬
‫فمث ا‪ :‬قيل إ ّن طاليس قاس‪:‬أب ّن أفل العامل هو املا ‪ ،‬ولقد جا يف األسداطض والنصدوص القدميدة أ ّن‬
‫العامل يف البد كان ما ً‪ ،‬وهذا يدلّل على أ ّن طاليس قد استفاد قوله من تلك األساطض‪.‬‬
‫ويؤّكددد هددذا ال درأي أنّده يف جمدداس العلددوم الكونيددة والرايضددية وجدددت بعددض هددذ العلددوم عنددد القبائددل‬
‫الناشئة يف بالد الصني القدمي على حنو ما هو موجود يف بالد اليوانن‪.‬‬
‫فمثالً ‪:‬الصينيون أسبق إىل معرفة املثل القائم الزاوية وخصائص وتر ‪.‬‬
‫الرأ الثاين‪ :‬ذهدب فريدق آخدر إىل أن اليدوانن هدم ّأوس مدن ظهدر فديهم التفلسدف‪ ،‬فأرسدطو يدرى أ ّن‬
‫طاليس اليوانين هدو أوس فيلسدوف حداوس أ ّن يفسدر الكدون تفسدضاً عقليداً‪.‬واخليداس والبداهدة‪ ،‬ومل يكدن‬
‫مسلكهم يف التفكض خاضعاً ملنهج علم أو أسلوب فلسف معني ‪.‬‬
‫لكد ّدن اليددوانن هددم ّأوس مددن قد ّدم املددنهج واملصددطل الددذي سددارت عليدده الفلسددفة حددى اليدوم‪ ،‬والتفكددض‬
‫الفلسددف عنددد اليددوانن كددان تفكدضاً منظمداً يعتمددد علددى االسددتدالس العقلد والتأمددل الفلسددف والنظددر‬
‫املنطق ‪.‬‬
‫ال وفي للق ب للن الل لرأين‪:‬خروج داً مددن هددذا اخلددالف ميكددن القددوس‪ :‬أب ّن التفكددض الفلسددف نشددأ أوالً يف‬

‫‪7‬‬
‫حضددارات الشددرق القدددمي‪ ،‬ولكندده كددان جمموعددة مددن األسدداطض أو املالحظددات التبريبيددة الدديت دفعددتهم‬
‫إليها حاجتهم إىل الشراب والطعام واملسكن‪ ،‬واعتمدوا فيها على األوهام‪ ،‬ورغدم اخدتالف البداحثني‬
‫يف نشأة الفلسفة إالّ أ ّ‪،‬م أمجعوا على أ ّن الفلسفة اليواننية كانت أعمق الفلسدفات حبثداً‪ ،‬وأوسدعها‬
‫موضوعاً‪ ،‬وأحسنها تنظيماً وترتيباً‪.‬‬
‫ومع ترجيحنا لسبق الشرق على الغرب إال أننا نؤكد علدى حقيقدة ال يغفلهدا إال املتعصدبون وهد ‪:‬‬
‫أن الفضل يرجع إىل اليواننيني يف تدوين وتنظيم وتطوير الفكر الفلسف ‪.‬‬
‫صلة الفلسفة ابلعلوم‬
‫يت دث الفالسفة عن فالت للفلسفة تربطها بعلوم شى‪ ،‬وما يعنينا هو فلتها ابلعلم‪.‬‬
‫بن الفلسفة والعلم‬
‫لقد اختل مفهوم الفلسفة مبفهوم العلم يف أذهان القدما إذ مل يكن مثّة فدروق بينهمدا‪ ،‬لقدد كاندت‬
‫الفلس ددفة ل دددى الق دددما علم داً‪ ،‬حي د ك ددان العلددم والفلس ددفة ي دددالن عل ددى مفه ددوم واح ددد‪ ،‬ومل يف ددرق‬
‫القدددما بددني العلددوم الفلسددفية الدديت تقددوم علددى التأمددل العقل د اجملددرد‪ ،‬وبددني العلددوم الدديت تعتمددد علددى‬
‫املالحظة والتبربة واملشاهدة‪.‬‬
‫دأوس الفالسددفة طدداليس كددان عامل داً رايضددياً‬ ‫فالفلسددفة مشلددت يف القدددمي أل دوان املعرفددة البش درية كلهددا‪ ،‬فد ّ‬
‫وطبيعيد داُ‪ ،‬وفيث دداغورس ك ددان فيلس ددوفاُ ورايض ددياُ ومهندسد داُ‪ ،‬وجع ددل أفالط ددون اهلندس ددة أساس ددا ملذهب دده‬
‫الفلس ددف ‪ ،‬وكت ددب عل ددى ابب مدرس ددته‪" :‬م ددن مل يك ددن مهندس داً ف ددال ي دددخل علين ددا"‪ ،‬وكان ددت فلس ددفة‬
‫تضم جمموعة من العلوم‪ ،‬وهكذا األمر ابلنسبة للفالسفة اإلسالميني فالفارايب كدان فيلسدوفاً‬ ‫أرسطو ّ‬
‫وموسيقياً‪ ،‬وابن سينا كان فيلسوفاً وطبيبا‪.‬‬
‫هذا ابلنسبة للعلوم الطبيعية‪ّ ،‬أما العلوم اإلنسانية‪:‬كالسياسة واالقتصاد واألخالق وعلم النفس فقدد‬
‫كانت من أقسام الفلسفة وفروعها العامة إىل فرتة قريبة‪ ،‬فلما انفصلت العلوم الطبيعية عن الفلسدفة‬
‫يف العصددور احلديثددة‪ ،‬بدددأت العلددوم اإلنسددانية تسددض نفددس املندواس‪ ،‬ولكددن ظهددرت معارضددة مددن بعددض‬
‫املفكرين خصوم النزعة الطبيعية‪ ،‬إذ رأوا أ ّن العلوم اإلنسانية ال تناسبها املناهج التبريبية‪.‬‬
‫استمرت هذ العلوم ضمن مباح الفلسفة إىل أن استقل علم النفس عدن الفلسدفة وأفدب علمداً‬ ‫و ّ‬
‫مستقالً بذاته‪.‬‬
‫واستقل علم االجتما على يد "أوجست كونت" حي اختذ فورة العلم التبري الوضع ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫أوتا‪ :‬الع قة بن الفلسفة والعلم‪:‬‬
‫إذا كانت الفلسفة مرادفة للعلم قدمياً فلقد أفب ت اليوم شيئاً آخر غض العلدم السدتقالس كثدض مدن‬
‫املعارف والعلوم عنها‪ ،‬وميكننا أن نبني أوجه العالقة بني الفلسفة والعلم على الن و اآليت‪:‬‬
‫‪ -1‬إ ّن مدديالد الفكددر الفلسددف كددان يعددين مدديالد العلددم مبنهبدده الدددقيق ومفاهيمدده البسدديطة الواضد ة‬
‫ومنهبدده العقددالين لطبددائع املوجددودات‪ ،‬وكددان القصددد مددن الفلسددفة حماولددة اإلنسددان جمدداوزة التفسدضات‬
‫األس ددطورية واخلرافي ددة للظد دواهر الطبيعي ددة الكوني ددة‪ ،‬إىل تفس ددض يعتم ددد عل ددى احل دددس العقلد د والف ددرض‬
‫العلم واملالحظة االستقرائية ومن مث وجد قدمياً تطابق بني مفهوم العلم والفلسفة‪.‬‬
‫لقد نشأت الفلسفة يف أحضان العلم وكانت الدور الراقد مدن أدوار ‪ ،‬ذلدك أن العلدوم مل تكدد تنشدأ‬
‫وتسددتقر إال وبدددأ التفكددض الفلسددف ينشددأ علددى أعقاهبددا ولددذا فددنن العالقددة وثيقددة بددني الفلسددفة والعلددم‬
‫على الرغم من استقالس الكثض من العلوم عنها‪.‬‬
‫‪ -2‬إ ّن الفلسددفة تكشددف للعلددم عددن طبيعددة العقددل الدذي هددو أداة مددن أدواتدده الدديت يسددتعني هبددا علددى‬
‫ضد ددب املشد دداهدات والتبد ددارب ‪.‬فالعلمد ددا يلتمسد ددون املعرفد ددة ابلعقد ددل وقيمد دده‪ ،‬ومقياسد دديه وأحكامد دده‬
‫املسددتمدة مددن الفلسددفة ‪.‬إ ّن كددل علددم مددن العلددوم اخلافددة يعتمددد علددى املعدداين األوليددة الدديت تكشددف‬
‫الفلسددفة عددن حقيقتهددا‪ ،‬فمددثالً العلددوم اإلنسددانية حباجددة إىل معرفددة جددوهر اإلنسددان وأفددله ومصددض ‪،‬‬
‫وهذ أسئلة جتيب عنها الفلسفة‪.‬‬
‫‪ -3‬يعتمددد العلددم علددى الربهددان‪ ،‬والفلسددفة هد الدديت تكشددف للعلمددا عددن مقدددمات الربهددان واألمددور‬
‫األدلة‪.‬‬
‫اليت يقوم عليها وقوانينه‪ ،‬إمنا ه اليت تعرفهم كيف حيددون املعاين وينظمون ّ‬
‫‪ -4‬إ ّن الفلسددفة تقدددم لكددل علددم مددا يناسددبه ومددا يصددل لدده مددن املندداهج والطرائددق الدديت تتناسددب مددع‬
‫موضوعه‪.‬فمثالً‪:‬العلوم الطبيعية (املادية)تقدم هلا الفلسفة املنهج الذي يقدوم علدى املالحظدة والتبربدة‬
‫واالسد ددتقرا ‪ .‬فعلد ددم الرايضد دديات مد ددثالً تقد دددم ل د دده الفلسد ددفة املد ددنهج الد ددذي يرتكد ددب مد ددن الض د ددرورايت‪،‬‬
‫والبديهيات‪ ،‬ومباد االستنباط‪.‬‬
‫اثنيا‪:‬الفر بن الفلسفة والعلم‪:‬‬
‫أ‪ -‬الفر بينهما من يث املوضو ‪:‬‬
‫فموضو العلم هدو األحدداث والقضدااي املاديدة اجلزئيدة والقدوانني املعيندة الديت تنطبدق علدى قسدم معدني‬
‫م ددن أقس ددام الك ددون وأجزائ دده‪ ،‬فعل د س ددبيل املث دداس‪:‬جن ددد أ ّن عل ددم اجليولوجي ددا خي ددتص ابملس ددائل املتعلق ددة‬

‫‪9‬‬
‫بطبقات األرض‪ ،‬وعلم اجلغرافيا خيتص أبحواس العامل الطبيعية مدن مندا و حدرارة و تضداريس‪ ،‬وعلدم‬
‫الطبيعددة يدددرس الظ دواهر املاديددة احملدددودة كالصددوت والضددو واحلركددة واجلاذبيددة وحنوهددا مددن الظ دواهر‬
‫اجلزئي ددة‪ ،‬وعل ددم الن ددو يتعل ددق ابلك ددالم وأقس ددامه وأحوال دده م ددن حي د د اإلعد دراب والبن ددا … ف ددالعلم‬
‫موضوعاته جزئية معينة‪.‬‬
‫بينما موضو الفلسفة كل مالق‪ ،‬يتناوس احلقيقة الكلية العقلية اجملدردة عدن املدادة وعالئدق املدادة‪،‬‬
‫واحلقيقددة املطلقددة‪ ،‬إ‪،‬ددا تتندداوس مجيددع األهددداف‪ ،‬وتسددتوعب كددل الظ دواهر الطبيعيددة ولكنهددا تفسددرها‬
‫تفسضاً كلياً دون النظر إىل قسم معني من أقسام العامل أو جز من جزئياته‪.‬‬
‫كما أن موضو العلم يكمن يف الظواهر الطبيعية من سنن وقوانني‪.‬‬
‫بينما موضو الفلسفة جييب عن أسئلة تتعلدق هبدذ السدنن والقدوانني‪.‬مثدل‪:‬هدل هدذ القدوانني يقينيدة‬
‫أم ظنية؟ دقيقة أو غض دقيقة؟ وما ه النتائج املرتتبة على هذ القوانني؟‬
‫ب‪-‬الفر بينهما من يث الغاية واهلد ‪:‬‬
‫إذا كان موضو الفلسفة ما هو كلد عقلد ‪ ،‬فلنن اهللد الدذي يسدعى إليده الفيلسدوف‪:‬الوفدوس‬
‫إىل العلل واألسباب البعيدة ملختلف املوجودات وه علل عقليدة جمدردة‪ .‬إ ّن الفيلسدوف يهددف مدن‬
‫أتمله العقل أن جييب عن أسئلة منها ما هدو أفدل الكدون؟ ومدا هدو مصدض الدذي ينتهد إليده؟ ومدا‬
‫هو أفل اإلنسان؟ وما هو مصض ؟ وما عالقة اإلنسان ابلكون الذي يعيش فيه ‪.‬‬
‫بينمللا العلللم يهدددف إىل اكتشدداف األسددباب املباشددرة والعلددل القريبددة الدديت أدت إىل حدددوث الظدداهرة‪.‬‬
‫إذاً فغايددة العلددم ‪:‬وفددف األحددداث الطبيعيددة والظدواهر الكونيددة مبددا فيهددا اإلنسددان بصددرف النظدر عمددا‬
‫يكددون بددني هددذ األحددداث والظدواهر وبددني اإلنسددان مددن رابطددة أو عالقددة ‪.‬فمددثالً‪:‬إن سددقوط التفاحددة‬
‫مددن الشددبرة إىل األرض فسددر العددامل إس د اق نيددوتن ابجلاذبيددة األرضددية‪ ،‬وهددو سددبب قريددب مباشددر‪.‬‬
‫بينما الفيلسوف ال يقنع بذلك‪ ،‬إنّه يَهتم مبعرفدة السدبب البعيدد الدذي مدن أجلده وجددت اجلاذبيدة يف‬
‫األرض‪.‬‬
‫ج‪ -‬الفر بينهما من يث املنهج ‪:‬‬
‫املنهج الذ يسلك الفيلسو يف معرفة العلل واألسباب البعيدة هو املدنهج العقلد الدذي يعتمدد‬
‫عل ددى التأم ددل النظ ددري والت لي ددل العقلد د ‪ ،‬إنّدده يعتم ددد عل ددى العق ددل يف جتري ددد امل دددركات م ددن ماديته ددا‬
‫واسددتخالص ماهياهتددا الكليددة الثابتددة‪ ،‬ويعتمددد علددى الت ليددل العقل د ألندّده ينفددذ إىل اجلددذور األفددلية‬

‫‪10‬‬
‫ويب عن العلل البعيدة الكامنة خلف الظاهرة موضو الدراسة والتأمل‪ ،‬ويعتمد املنهج الفلسف‬
‫أيضاً على الضمض والشعور والوجدان كطرق ملعرفة وإدراك اخلض واجلماس‪.‬‬
‫أما العلم فننّه يعتمد على املنهج االستقرائ التبري واملشاهد اخلارجية اليت تدرك ابحلواس‪.‬‬
‫وهذا املنهج يقوم على مخس خاوا ه ‪:‬‬
‫‪ -1‬الشعور ابملشكلة وحتديدها ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ -2‬مجع املعلومات والبياانت اخلافة ابلظاهرة أو املشكلة موضو الب‬
‫‪ -3‬فرض الفروض املبدئية لتفسض الظاهرة ‪.‬‬
‫‪ -4‬اختبار ف ة الفروض جتريبياً ‪.‬‬
‫‪ -5‬التوفل إىل قانون عام يفسر الظاهرة‪.‬‬
‫د‪ -‬الفر بينهما من يث الذاتية‪:‬‬
‫املقص ل للود ابلذاتي ل للة‪:‬مد ددا يرجد ددع إىل ذات اإلنسد ددان الفد ددرد وحد ددد ‪ ،‬وتد دددخل فيهد ددا مشد دداعر اإلنسد ددان‬
‫وأحاسيسه وميوله الشخصية وظروف حياته اخلافة‪.‬‬
‫ويقابلا الذاتيللة احلقلائق املوضللوعية وهد كددل حقدائق الوجددود خدارج الددذات البشدرية‪ ،‬أي يف الواقددع‬
‫اخلارج الطبيع ‪ ،‬واحلقائق اثبتة ال تتغض‪ ،‬بعكس الذاتية اليت ختتلف من شخص آلخر‪.‬‬
‫إن الفلسللفة يف جوهرهددا عبددارة عددن آرا ذاتيددة ومددذاهب شخصددية تددع بّددر عددن وجهددة نظددر خافددة‬
‫ابلفيلسددوف نفسدده‪ ،‬وابلتددايل فددن ّن احلقددائق الدديت يتوفددل إليهددا فيلسددوف مددا ختتلددف عددن احلقددائق الدديت‬
‫يتوفل إليها فيلسوف آخر؛ أل ّن كل فيلسوف له ميوله اخلافة ومشاعر وأحاسيسه اخلافة‪.‬‬
‫بينمللا العلللم الددذي يتندداوس ابلب د احلقددائق املوضددوعية الثابتددة فننّدده ال يتددأثر آبرا العلمددا وميددوهلم‬
‫وذاتيتهم‪ ،‬فاحلقيقة العلمية حمل إمجا العلما وإذا اختلف العلما فيما بيدنهم دس ذلدك علدى أ ّن مدا‬
‫توفلوا إليه مل يصل إىل رتبة احلقيقة العلمية‪ ،‬إّمنا هو ظنون أو فرضيات‪.‬‬
‫موضوعا الفلسفة‪:‬‬
‫مددن خددالس الوقددوف علددى مددا للفلسددفة مددن معددان خمتلفددة يتبددني لنددا أ‪،‬ددا ال تب د يف موضددو واحددد‬
‫بعينه‪ ،‬بل تب موضوعات متعددة‪ ،‬ومن هنا فنن موضدوعها كدان يشدمل كدل املعدارف اإلنسدانية‬
‫وموضوعات الوجود واحلياة‪ ،‬كانت تضم موضوعات إهلية وإنسانية إىل جانب املنطدق وعلدم الدنفس‬
‫واألخددالق …إ‪،‬ددا تب د يف كددل شد ميكددن للعقددل أن يب د فيدده ‪.‬فهد تب د يف أفددل العددامل‬

‫‪11‬‬
‫ومن أيدن جدا ‪ ،‬ومدا هدو مصدض و‪،‬ايتده‪ ،‬كمدا تب د يف موجدد العدامل وخالقده ( هللا )‪ ،‬ومدا جيدب لده‬
‫مددن فددفات‪ ،‬وتب د يف الكددون كلدده حبث داً شددامالً يتندداوس كددل جوانبدده‪ ،‬و تعددىن ابإلنسددان وسددلوكه‪،‬‬
‫ومبدئه ومصض ‪.‬‬
‫فموضوعها إذا‪ :‬هللا والكون واإلنسان‪.‬‬
‫وقددد درس الفالسددفة ه ددذ املعددارف وحبث دوا يف ه ددذ املوضددوعات بواسددطة األس ددلوب الفلسددف وم ددن‬
‫خددالس مددنهج التأمددل العقلد ‪.‬والسددبب أن املددنهج التبدري مل يكددن معروفددا يف تلددك العصددور الزمنيددة‪.‬‬
‫ومددع بدايددة عصددر النهضددة األوروبيددة احلديثددة واكتشدداف املددنهج التب دري بدددأت جمموعددة مددن العلددوم‬
‫تنفصل تدرجييا لعدم مالئمة منهج الفلسفة مع تلك العلوم‪ ،‬فانفصلت العلوم الطبيعية واستخدمت‬
‫املنهج التبري ‪ ،‬واستقلت الرايضيات مستخدمة املنهج الت ليل الرايضد ‪ ،‬وكدذلك اسدتقلت علدوم‬
‫أخ ددرى كالفل ددك واملوس دديقى واالجتم ددا ‪.‬واقتص ددرت الفلس ددفة يف احل دددي عل ددى موض ددوعات رئيس ددية‬
‫ثالث‪ ،‬ابإلضافة إىل مباح فرعية كلها تتوافق مع املنهج العقل التأمل ‪.‬‬
‫أوتا ‪:‬املوضوعا الرئيسية ‪:‬‬
‫‪ -3‬مبحث الوجود‪ :‬وهدو يددرس الوجدود عامدة ويف فدورته الكليدة‪،‬ويف خصائصده األساسدية العامدة‬
‫في اوس الفيلسوف كشف القوانني الكونية اليت تفسر حقيقة الوجود وجوهر وأفله‪.‬‬
‫‪ -2‬مبحللث املعرفللة ‪ :‬وهددو يدددور حددوس مدددى إمكانيددة معرفددة الوجددود ووسددائل إدراكدده والعلددم بدده‪،‬‬
‫ويدددرس املعرفددة اإلنسددانية ومددا يتعلددق هبددا مددن وسددائل ومشددكالت‪ ،‬فيدددرس مددثالً وسددائل املعرفددة مددن‬
‫احلس والعقل واحلدس واملوازنة بينها ‪.‬‬
‫‪ - 1‬مبحث القيم ‪ :‬يتعدرض لدراسدة املثدل والقديم العليدا‪ ،‬والكشدف عدن ماهيدات القديم الديت يسدعى‬
‫ُ‬
‫اجلميع إىل حتقيق ها يف حياهتم ‪ .‬وأهم القيم اليت تدرس يف هذا املب ه ‪:‬‬
‫أ ‪-‬قيمة احلق ويدرسها علم املنطق‪.‬‬
‫ب ‪-‬قيمة اخلض‪ ،‬ويدرسها علم األخالق‪.‬‬
‫ج ‪-‬قيمة اجلماس‪ ،‬ويدرسها علم اجلماس‪.‬‬
‫اثنيا ‪:‬املوضوعا الفرعية ‪:‬‬
‫‪ -1‬فلسفة الدين‪ :‬وهدفها تدعيم العقائد الدينية ابألدلة واحلبج العقلية املنطقية‪.‬‬
‫‪ -2‬فلس ددفة الت دداريخ‪ :‬وتب د د يف القد دوانني العام ددة واملب دداد األساس ددية ال دديت حتك ددم س ددض األح ددداث‬

‫‪12‬‬
‫التارخيية عامة وال يهتم الفيلسوف بدراسة الوقائع واألحداث اجلزئية‪.‬‬
‫‪ -3‬فلسددفة القددانون ‪ :‬وهتددتم بدراسددة األسددس العامددة الدديت يقددوم عليهددا القددانون‪ ،‬وبيددان عالقددة القددانون‬
‫مبباد األخالق والعدالة‪ ،‬وارتباطه بفكرة اإللزام واحلرية‪.‬‬
‫مرا ا الفلسفة‬
‫أوت‪ :‬الفلسفة اليواننية‪:‬‬
‫مرت بثالث مراحل أساسية ميثل سقر اط احملور األساس فيها فتقسم إىل‪:‬‬
‫‪ - 1‬ما قبل سقراط‪.‬‬
‫‪ - 2‬سقراط والسوفسطائيني‪.‬‬
‫‪ - 3‬ما بعد سقراط ) أفالطون – أرسطو(‬
‫املر لة األوىل – ما قبا سقرا ‪:‬‬
‫وموضددو هددذ املرحلددة الكددون الطبيعد ملعرفددة األفددل الددذي نشددأ عنده ‪ .‬وقددد مد ّدرت الفلسددفة يف هددذ‬
‫املرحلة بعدة أدوار‪ ،‬متيّز كل دور مبميزات عن الدور اآلخر‪،‬وهذ األدوار ه ‪:‬‬
‫أ ‪-‬الابيعيون األوائا ) املدرسة األيونية( ‪.‬‬
‫ب ‪-‬الفيثاغورية ) أشهرهم فيثاغورث( ‪.‬‬
‫ج ‪-‬املدرسة اإليلية ) أشهرهم ابرمنيدس( ‪.‬‬
‫د – الابيعيون امل أخرون ) أشهرهم دميقريطس( ‪.‬‬
‫أوت‪( :‬املدرسة األيونية)الابيعيون األوائا‪:‬‬
‫مسوا ابلابيعين؛ لب ثهم يف أفل الطبيعة أو الوجود‪.‬‬
‫وتع ّد مدرسة الطبيعيني األوائل أوس مدرسة ظهر فيها التفكض الفلسف املنظم يف بدالد اليدوانن‪ ،‬وقدد‬
‫قام ددت هد ددذ املدرس ددة يف مقاطعد ددة أيوني ددا آبس دديا الص ددغرى عل ددى س دداحل الب د در األب دديض املتوس د د ‪،‬‬
‫وزعماؤها أربعة هم ‪(:‬طاليس‪ ،‬وأنكسمندر ‪ ،‬وأنكسمنس ‪ ،‬وهرياقلياس) ‪.‬‬
‫نشددأ الفالسددفة الثالثددة األوس يف مدينددة ملطيددة‪ ،‬والرابددع يف مدينددة أفسددوس‪ ،‬حبد هددؤال الفالسددفة يف‬
‫األفل الذي نشأ عنه العامل‪ ،‬واتفقدوا أن هدذا األفدل مدادة موجدودة يف الطبيعدة‪ ،‬ولكدنهم اختلفدوا يف‬
‫تعيني هذ املاد‪.‬‬
‫‪ -3‬طللاليس ‪ :‬فيلسددوف مددالط ‪ ،‬مددن أ َّوس وأشددهر فالسددفة اليددوانن‪ ،‬عددا مددا بددني(‪) 550 -624‬‬

‫‪13‬‬
‫ق‪.‬م‪ ،‬وهددو أحددد احلكمددا السددبعة‪ ،‬درس العلددوم دراسددة عميقددة‪ ،‬عمددل مهندس داً حب درايَ‪ ،‬واسددتطا أن‬
‫يضع تقومياً حبرايً للمالحني حيتدوي علدى إرشدادات وقواعدد فلكيدة كاندت هلدا آاثرهدا القيمدة يف اتريدخ‬
‫املالحة الب ري‬
‫وميثل طاليس مرحلة مهمة يف الفكر الفلسف اليوانين ؛ ألنه نقل الفكر من األسطورة إىل العلم‪.‬‬
‫مذهبل الفلسلف ‪:‬يدرى طداليس أن أفدل الكدون هدو امللا ‪ ،‬وهدو اجلدوهر األساسد الدذي نشدأ منده‬
‫املوجودات على اختالفها ‪ ،‬فاملا قابل لكل فورة ‪ ،‬ف ينما جتمد تكونت األرض ‪ ،‬وحينما احندل‬
‫تكون اهلوا ‪ ،‬ومن اهلوا تكونت النار ‪ ،‬ومن الدخان واألخبرة تكونت السما ‪.‬‬
‫ويرجلع بعدض البداحثني رأي طداليس إىل البدابليني واملصدريني القددما ‪،‬فقدد كدان مألوفدا عندد‬
‫األقدمني‪ ،‬فاألسطورة البابلية تقوس‪ (:‬يف البد قبل أن تسمى السما وأن يعرف لألرض اسم كان‬
‫احملي وكان الب ر( ‪.‬‬
‫ويف قصة مصرية‪ (:‬يف البد كدان احملدي املظلدم أو املدا األوس حيد كدان آتدون وحدد اإللده األوس‬
‫فانع اآلهلة والبشر واألشيا ( ‪.‬‬
‫ويفسر أرسطو سبب قوس طاليس أبن النبات واحليوان كالمها يغتدذاين ابلرطوبدة ‪ ،‬ومبددؤها املدا ‪،‬‬
‫وما منه الغذا فهو يتكون عنه‪.‬‬
‫‪ -2‬أنكسل للمندر ‪ :‬ع ددا ه ددذا الفيلس ددوف امل ددالط م ددا ب ددني‪ ) 547-611‬ق ‪.‬م وق ددد ج ددا بع ددد‬
‫طاليس‪ ،‬فهو اثين فالسفة املدرسة "اليونية "‪.‬‬
‫وكان تلميذا لطاليس‪ ،‬وضع تقوميا مشسيا كما وضع خريطة للعامل استخدمها امللطيون يف رحالهتدم‬
‫عرب الب ر األسود والب ر األبيض املتوس ‪.‬‬
‫مذهبل الفلسلف ‪:‬يدرى أنكسدمندر أن أصلا األقليا هلو ال حملدود وهدو األفدل‪ ،‬ولديس عنصدر‬
‫ماداي كالعنافر األربعة )املا – الرتاب – النار – اهلوا ( وتسمى ابألسطقسات األربعة أيضا‪.‬‬
‫والالمتناه هو أفل السماوات والعوامل املوجودة فيها فهو غضها ويتضمنها يف نفس الوقت‬
‫ويعر ال حمدود أبن مادة أولية امتزجت فيها املتضادات ) احلار –البارد ( بصورة متعادلة‪.‬‬
‫ويسدتخدم أنكسدمندر كلمدة انفصلا وانضلمام لبيدان نشدأة املوجدودات وهد مبعدىن حركدة الديت‬
‫استخدمها أرسطو فيما بعد‪.‬‬
‫لكن ما الذ أ دث هذا ال غري؟‬

‫‪14‬‬
‫جيي أنكسمندر أن ذلك حدث بشكل آيل ومب ض الصدفة‪ ،‬وهذا إنكار لوجود اخلدالق تعداىل‪،‬‬
‫ويبدو هنا أثر الواض على القائلني ابلصدفة والتطور‪.‬‬
‫‪ -1‬أنكسمنس‪ 528-588(:‬ق‪.‬م)‬
‫مذهبل الفلسلف ‪:‬قداس أبن األفدل الدذي نشدأ منده الكدون هدو اهللوا ‪ ،‬وهدو املبددأ األوس للوجدود‪،‬‬
‫واهلوا عند ليس احملسوس بدل املي لافيييق ‪ ،‬ومسدا ابهلدوا ألنده أقدرب األشديا احملسوسدة شدبها بده‪،‬‬
‫وميتزج فيه األضداد أيضا كما قاس سلفه أنكسمندر‪.‬‬
‫ومدن اهلدوا امليتدافيزيق تك َدون مجيدع مدا يف العدامل علويده وسدفليه‪ ،‬وتتولدد منده األشديا عدن طريدق‬
‫التخلخل والتكاثف‪ ،‬فنذا ختلل فار ان ا ر ‪ ،‬ومنها الكواكب والنبوم وسائر األشيا النارية‪.‬‬
‫واذا تكاثف كانت الرايح والعوافف مث تتكاثف فتنتج األتربة والرماس والصخور‪.‬‬
‫‪ -4‬هرياقلياس‪475-540(:‬ق‪.‬م)‬
‫مذهب الفلسف ‪ :‬ذهب إىل ان أفل الكون هدو الندار اإلهليدة وليسدت احملسوسدة‪ ،‬فبتكاثفهدا يظهدر‬
‫كل ما حتبر كاألرض‪ ،‬وابلتخلل يكون املا ‪ ،‬وبتخلل املا يصض اهلوا ‪ ،‬وبتخلل اهلوا تكون النار‬
‫احملسوسة‪.‬‬
‫والتغدض جيدري يف طدريقني‪:‬إىل أسدفل وإىل أعلدى‪ ،‬ومدن تقابدل هدذين التيدارين تتك َدون املوجدودات مدن‬
‫احليوان والنبات‪ ،‬وعنده الكون يف تغري دائم‪ ،‬وأثر عنه قوله‪ :‬اإلنسان ال ينزس النهر مرتني‪.‬‬
‫اثنيا‪:‬املدرسة الفيثاغورية‪:‬‬
‫الفيثاغورثيون هم أتبا الفيلسوف الرايض فيثاغورث بن منسارخس‪ ،‬ولد سنة‪ 572‬ق‪.‬م يف جزيرة‬
‫ساموس من بالد اليوانن‪ ،‬سافر فيما بعد إىل مصر مث استقر يف جنوب إيطاليا وهناك أسس‬
‫مدرسته‪ .‬وذهب الشهرستاين إىل أنّه عافر ن هللا سليمان بن داود عليهما السالم‪.‬‬
‫مللذهبهم الفلسللف ‪ :‬يددرون أ ّن أفددل الكددون هددو‪ :‬العدددد‪ ،‬ألندّده أشددبه بعددامل األعددداد مندده بعددامل املددا أو‬
‫النّددار أو اهل دوا ‪ ،‬فالعدددد ّأوس مبددد أبدعدده البدداري تعدداىل‪ ،‬و ّأوس العدددد‪ :‬الواحددد‪ ،‬وأن مبدداد األعددداد‬
‫هد عنافددر املوجددودات‪ ،‬أل ّن املوجددودات أعددداد‪ ،‬والعددامل علددى هددذا مددر ّكددب مددن عدددد‪ ،‬واملوجددودات‬
‫ليست إال حماكية لنماذجها األوىل الالزمة هلا وه األعداد‪ ،‬ومدا يتصدور مدن مفارقدة بينهدا فنمندا هد‬
‫يف الددذهن فق د ال يف احلقيقددة والواقددع‪،‬وال ميكددن لألشدديا عندددهم أن يتمددايز بعضددها عددن بعددض إال‬
‫ابلعدد ‪.‬فمثالً األطوس يتميز عن األقصر واألكرب عن األفغر بزايدة وحدات وعدد فق ‪ ،‬ال بدزايدة‬

‫‪15‬‬
‫ش خارج عن العدد‪.‬‬
‫مثّ إ ّن لفيثدداغورس رأايً يف العدددد واملعدددود قددد خددالف فيدده مجيددع احلكمددا قبلدده وخالفدده فيدده مددن بعددد‬
‫وهددو أندده ج ددرد العدددد عددن املع دددود جتريددد الصددورة ع ددن املددادة وتصددور موج ددودا حمققددا وجددرد الص ددورة‬
‫وحتققها وقاس مبدأ املوجودات هو العدد‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬املدرسة اإليلية أو اإليليائية‬
‫نشددأت هددذ املدرسددة الدديت يف مدينددة إيليددا علددى الشدداط اجلنددويب الغددريب مددن إيطاليددا وزعيمهددا هددو‪:‬‬
‫" أكيينوفللان" الددذي أعلددن أن هللا واحددد ال ش دريك لدده‪ ،‬وأنّدده يتصددف بصددفات الكمدداس وال يتصددف‬
‫بش من احلوادث‪ ،‬وأن العامل يف قبضته وأنّده احملرك له‪ ،‬ولقدد كدان طدابع هدذ املدرسدة عقليداً‪ ،‬وقدد‬
‫اهتمت يف الب عن أفل العامل الروح ‪ ،‬ومل هتتم إال قليالً أبفله املادي‪.‬‬
‫ويع زر ابرمنيدس الذي عا ما بني القرن السادس والنصف األوس من اخلامس مدن أشدهر فالسدفة‬
‫هذ املدرسة‪.‬‬
‫مذهب الفلسلف ‪:‬يدرى أ ّن أفدل الوجدود هدو الوجدود نفسده‪ ،‬فلديس يف الكدون كلده إال هدذ احلقيقدة‪،‬‬
‫فدال نسددتطيع وفدفه إالّ أبنّده موجددود‪.‬‬ ‫أال وهد حقيقدة الوجددود‪.‬وإذا أردان وفدف هدذا الوجددود بشد‬
‫وعن هذا األفل (الوجود) تنشأ وجودات األشيا ‪ ،‬ويتميز بعضدها عدن الدبعض مبقددار مدا فيهدا مدن‬
‫هذ احلقيقة األوىل‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬الف سفة الابيعيون امل أخرون‬
‫وهددم الفالس ددفة ال ددذريون‪ ،‬وأش ددهر فالس ددفتهم ثالث ددة‪ ،‬نش ددأ ه ددؤال متعاف درين يف الق ددرن اخل ددامس قب ددل‬
‫امليالد‪ ،‬وهم‪ :‬دميقرياس‪ ،‬وأنبادقليس‪ ،‬أنكسجوراس‪.‬‬
‫مذهبهم الفلسف ‪ :‬ين صر مذهبهم يف القوس أب ّن أفل العامل هو الذرة ‪.‬ويفسدرون الكدون والفسداد‬
‫(الوجود‪ ،‬والعدم) يف هذا العامل على هذا األساس‪ ،‬وتتكون األشيا نتيبة جتميع عدد من الذرات‪،‬‬
‫وفساد هذ األشيا نتيبة افرتاق هذ اجملموعة أو تلك مدن الدذرات‪ ،‬وهكدذا كدل مدا جيدري يف هدذا‬
‫الكون من تغضات‪.‬‬
‫ولقد أطلق على القائلني هبذا املذهب ابلطبيعيني ألنّه كدان يف البدد مدذهباً مدادايً فدرفا أي طبيعد‬
‫حبت‪ ،‬ولك يتميزوا عن الطبيعيني األوس " فالسفة أيونيا " ُمسوا ابلطبيعيني الثواين‪.‬‬
‫وملددا وجدددت فددعوابت يف فهددم حركددات الددذرات الدديت تتبدده إىل تكددوين األشدديا أو انعدددامها‪ ،‬فددن ّن‬
‫ّ‬
‫‪16‬‬
‫بعددض أتبددا هددذا املددذهب ذهددب إىل أ ّن احلركددة تلقائيددة وذاتيددة يف الددذرة قائمددة علددى قددانون اجلددذب‬
‫واملغناطيسية الدذي يدرب بعضدها بدبعض‪ ،‬وابلتدايل يكدون اجتمدا الدذرات وافرتاقهدا علدى أسداس هدذا‬
‫القانون ومب ض الصدفة‪.‬‬
‫وق للا آخ للرون‪ :‬إن دده الب ددد جبان ددب ك ددل ذرة م ددن ه ددذ ال ددذرات ذرة أخ ددرى روحي ددة أو عقلي ددة أتخ ددذ‬
‫خصائص املدبر واحملرك ‪.‬‬
‫وذه ددب أح ددد الفالس ددفة ال ددذريني "أنكس للجوراس"(‪) 428 -500‬ق‪ .‬م إىل رف ددض م ددا ذه دب إلي دده‬
‫دميق دريطس مددن إرجددا أفددل الكددون إىل الددذرات‪ ،‬قدداس إ ّن مبدددأ املوجددودات هددو‪:‬جسددم أوس متشددابه‬
‫األجزا ‪ ،‬وه أجزا لطيفة ال يدركها احلس‪ ،‬وال يناهلا العقل‪.‬‬
‫م)‬ ‫املر لة الثانية‪ :‬السوفساائيون وسقرا (من سنة ‪ 484‬إىل ‪222‬‬
‫تغض موضو الفلسفة يف هذ املرحلدة‪ ،‬فأفدب اإلنسدان بددالً مدن الكدون الطبيعد احملسدوس‪ ،‬وذلدك‬
‫حولوا الب الفلسف من الطبيعة إىل اإلنسان‪،‬بعد أن رأَوا عدم جدوى الب د‬ ‫أ ّن السفسطائيني ّ‬
‫يف العامل الطبيع ‪.‬‬
‫أوت‪ :‬السوفساائيون‬
‫السوفسطائ ‪ :‬هو املت كم الذي يذكر وجو املغالطات‪ ،‬وكيفيدة الت درز منهدا‪ ،‬والسوفسدطائيون هدم‬
‫الذين ال يثبتون حقائق األشيا ‪.‬‬
‫نشأهتم‪ :‬بعد فالسفة املدرسة الطبيعية الثانية طرأت على اجملتمع اليدوانين أحدداث سياسدية أدت إىل‬
‫تطورات هامة تركت آاثراً سيئةً يف احلياة الدينية واألخالقية والسياسية يف بالد اليوانن‪.‬‬
‫وأهم هذ التطدورات‪ :‬اعتدداد الفدرد بذاتده واعتدزاز بشخصديته‪ ،‬وظهدور موجدة مدن اإلحلداد الديت جتلدت‬
‫يف إنكار اآلهلة‪ ،‬وأ‪،‬ا ال تست ق التقديس أو العبادة‪ ،‬كما جتلت يف الثورة على كل قددمي متعدارف‬
‫عليه‪ ،‬واإلقباس على كل جديد مست دث ‪.‬‬
‫الف سللفة يف بيددان أفددل العددامل‪ ،‬وتندداقض أق دواهلم يف ذلددك حدددث ارتيدداب لدددى‬ ‫ون يجللة اخ ل‬
‫الناس‪ ،‬وظهر مجاعة من الفالسفة يوجهدون النقدد والتشدكيك آلرا الفالسدفة السدابقني‪ ،‬مث اتسدعت‬
‫دائ ددرة النق ددد والتش ددكيك لتش ددمل جبان ددب النظ درايت الفلس ددفية‪ :‬العقائ ددد الديني ددة وس ددلوك اإلنس ددان يف‬
‫حياتدده‪ ،‬وحقددائق األشدديا ‪ ،‬ويف هددذا اجلددو املشد ون ابلتمددرد واإلحلدداد واتسددا دائددرة النقددد والتشددكيك‬
‫ظهرت مجاعة السوفسطائيني الذين كانوا مرآة فافية انعكست فيها فورة هذا العصر‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫مذه السوفساائين‪:‬‬
‫ذهددب السوفسددطائيون إىل أنّدده ليسددت هندداك قضددااي عامددة تتسدداوى العقددوس يف إدراكهددا‪ ،‬فاإلنسددان‬
‫وحد هو مقياس كل ش ‪ ،‬فما يرا حقاً فهو حق ابلنسبة إليه‪ ،‬وما يرا ابطالً فهو ابطل ابلنسبة‬
‫إليه‪.‬‬
‫وهكل للذا هل للدم السوفسل للاائيون قواع ددد األخ ددالق‪ ،‬وأنك ددروا اآلهل ددة ابإلض ددافة إىل إنك ددارهم حق ددائق‬
‫األشدديا ‪ ،‬وقددالوا ال وجددود هلددا إال يف اخليدداس‪ ،‬وفددار األمددر فوضددى وأفددب الندداس أح دزاابً متفرقددة يف‬
‫آرائها‪ ،‬ونشأ اجلدس واخلطابة وفنون احلوار واحملاورة‪ ،‬وأفب التّدزود مبثدل هدذ األمدور ضدرورة للتغلدب‬
‫على اخلصوم يف املناقشات واحملاورات‪ ،‬ووسيلة للظهور والرتق يف احلياة السياسية‪ ،‬بغض النظر عن‬
‫حتري احلق يف ذاته أو الوفوس إىل الصواب‪.‬‬
‫وأهللم مللا مييللي السوفسللاائين أ‪،‬ددم كددانوا يعلّمددون النّدداس ابألجددر‪ ،‬ويل ّقدون الدددروس لألغنيددا مقابددل‬
‫أج دراً زهيددداً‪ ،‬وللعامددة مببل د أقددل‪ ،‬وكددانوا ينتقلددون مددن مدينددة إىل أخددرى‪ ،‬وهلددم قدددرة فائقددة يف جلددب‬
‫التالميذ‪ ،‬الذين يصط بو‪،‬م أحياان يف تنقالهتم‪.‬‬
‫وملا كانت اخلطابة من أهم العلوم اليت هتي اإلنسان للنباح السياسد فقدد اخدتص السوفسدطائيون‬
‫ّ‬
‫بتعليمها للشباب األثيين الراغب يف الوفوس إىل السلطة واملشاركة يف السياسة‪.‬‬
‫أقهر ف سفة السوفساائين‪:‬‬
‫‪ -3‬برواتجوراس يعد برواتجوراس من أشهر الفالسفة السوفسطائيني‪ ،‬وتعد آراؤ مصدراً ملذهب‬
‫هددؤال الفالسددفة‪ ،‬ولددد يف مدينددة أبددديرا ح دوايل عددام ‪ 480‬ق‪.‬م ‪ ،‬ولقددد طدداف يف أحنددا اليددوانن‪ ،‬مثّ‬
‫اسددتقر بدده املقددام يف أثينددا‪ ،‬و ضددع كتددااب بعن دوان "احلقيقللة"شددكك يف وجددود اآلهلددة‪ ،‬واعتددرب اإلنسددان‬
‫مقياس األشيا مجيعاً‪ ،‬ولكون أفراد الناس كثضين فن ّن إحساسات الناس متعدددة ومتناقضدة أحيداان‪،‬‬
‫واحلواس ه وسيلة اإلدراك الوحيدة وماال يدرك هبا فليس موجوداً‪.‬جا يف أوس كتابه‪ ":‬ال أستطيع‬
‫أن أعلددم إن كانددت اآلهلددة موجددودة أم غددض موجددودة‪ ،‬فددن ّن أمددوراً كثددضة حتددوس بيددين وبددني هددذا العلددم‪،‬‬
‫أخص ددها غم ددوض املس ددألة وقص ددر احلي دداة "‪ ،‬ف ددا ُهتم برواتج ددوراس ابإلحل دداد‪ ،‬وحك ددم علي دده ابإلع دددام‪،‬‬
‫وأحرقت كتبه علناً‪ ،‬ففر هارابً‪ ،‬ومات غرقا أثنا فرار سنة ‪ 410‬ق ‪.‬م‬
‫وعلى ضو ما ذه إلي برواتجوراس ي بن ما يل ‪:‬‬
‫أ ‪-‬إ ّن احلقيقة املطلقة غض موجودة‪ ،‬ألن احلقائق تتعدد بتعدد األشخاص واختالف أحواهلم‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫مددا خددالف مددا نتصددور عليدده يف وقددت مددا‪،‬‬ ‫ب ‪-‬ميتنددع وقددو اخلطددأ‪ ،‬ألندده ميكددن أن نتصددور يف شد‬
‫فاحلق يتعدد ‪.‬‬
‫ج ‪-‬إ ّن الفرد مقياس اخلض والشر‪ ،‬والعدس والظلم‪.‬‬
‫م)‬ ‫‪ -2‬جورجياس (‪173 -484‬‬
‫وضع جورجياس كتااب يف "الالوجود "أورد فيه قضااي ثالث‪:‬‬
‫‪ -1‬ال يوجد ش ‪-2 .‬إذا كان هناك ش فاإلنسان قافر عن إدراكه‪ -3 .‬إذا فرضنا أن إنساانً‬
‫أدركه فلن يستطيع أن يبلغه لغض من الناس‪.‬‬
‫فر السوفساائية ‪:‬ميكن أن منيّز يف السوفسطائيني ثالث فرق ه ‪:‬‬
‫‪ -3‬ال أدريللة‪ :‬وهددم الددذين قددالوا‪ :‬حنددن شدداكون وشدداكون يف أان شدداكون‪ ،‬وهددؤال هددم الشددكاك يف‬
‫احلقائق‪.‬‬
‫‪ -2‬العناديلة‪ :‬وهدم الدذين يقولدون مدا مدن قضدية بديهيدة أو نظريدة إال وهلدا معارضدة أو مقاومدة ملثلهدا‬
‫يف القوة والقبوس عند األذهان‪.‬‬
‫‪ -1‬العنديللة‪ :‬ومسدوا بددذلك أل‪،‬ددم يددرون أن احلقددائق حددق عنددد مددن عنددد حق‪،‬وابطددل عنددد مددن عنددد‬
‫ابطدل‪ ،‬وأن مددذهب كددل قددوم حدق ابلقيدداس إلدديهم‪ ،‬وابطددل ابلقيداس إىل خصددومهم‪ ،‬وقددد يكددون طرفددا‬
‫النقيضني حقاً ابلقياس إىل شخصني‪ ،‬وليس يف نفس األمر ش حبق‪.‬‬
‫مهما يكن من أمر هدؤال السوفسدطائيني‪ ،‬فدنن هلدم دورا ال ينكدر يف حيداة اليدواننيني‪ ،‬وملن‬ ‫تعقي‬
‫إجيابيللاهتم‪ :‬نشددرهم التعلدديم يف بالدهددم وأسس دوا علددم البالغددة وحبث دوا يف األخددالق ‪ ،‬وعصددرهم عددرف‬
‫بعصر النهضة الفكرية يف اليوانن ‪.‬‬
‫وموضع اخلاأ‪ :‬هو االعتماد على احلواس فق ‪ ،‬وجتاهل املعرفة العقلية ‪.‬‬
‫وكان شكهم ه ّداما‪ ،‬وهدو مدا يعدرف ابلشل امللذهي الدذي ميثدل فيده الشدك وسديلة وغايدة‪ ،‬خبدالف‬
‫الش املنهج الذي يتخذ من الشك وسيلة للوفوس إىل اليقني ‪.‬‬
‫م‬ ‫اثنيا‪ :‬سقرا ‪474‬‬
‫نصبوا أنفسهم ملعارضة السوفسطائيني‪ ،‬وبيدان ضدالهلم ومدن هدؤال الفيلسدوف اليدوانين‬
‫ظهر فالسفة ّ‬
‫سقراط الذي ذا فيته واشتهرت فلسفته‪.‬‬
‫ولد من أب فانع للتماثيل‪ ،‬وأم قابلة؛احرتف حرفة أبيه قليال‪ ،‬ولكنه تركها واشتغل ابلفلسفة طوس‬

‫‪19‬‬
‫حياته‪ ،‬وعلى العكس من السوفسطائيني مل أيخذ أجرا على تعليمه ‪.‬‬
‫وكانت ‪،‬ايته اإلعددام الهتامده إبنكدار اآلهلدة والددعوة إىل آهلدة جديددة‪ ،‬وحكمدوا عليده بشدرب السدم؛‬
‫فمات على أثر ‪.‬‬
‫منهج يف البحث وال فكري‪:‬‬
‫ابتد سقراط منهباً جديدا يف التفكض واحملاورة يقوم على أمرين‪:‬‬
‫‪ -3‬الل ل هكم الس للقراط ‪ :‬بن ددا عل ددى تص ددنع اجله ددل‪ ،‬والتظ دداهر ابلتس ددليم لوجه ددة نظ ددر اخلص ددوم‪ ،‬مثّ‬
‫االنتقدداس إىل إاثرة الشددكوك حوهلددا‪ ،‬مث يسددتخلص مددن آرا اخلصددوم ل دوازم ال يسددتطيعون االلت دزام هبددا‬
‫لكو‪،‬ددا متناقضددة مددع آرائهددم ومعتقددداهتم وبددذلك يددوقعهم يف احلددرج والتندداقض‪.‬وكددان قصددد سددقراط مددن‬
‫هددذا تنقيددة أذهددان الندداس مددن املعلومددات الفاسدددة‪ ،‬وتطهضهددا مددن القضددااي الكاذبددة واملعددارف اخلاطئددة‬
‫اليت ورثوها عن السوفسطائيني‪.‬‬
‫‪ -2‬ال وليد‪ :‬أي تولد احلقيقة من نفدوس اخلصدوم‪ ،‬مدن خدالس اسدتنباطها عدن طريدق توجيده األسدئلة‬
‫إليهم يف نسق منطق وترتيب فكري‪ ،‬ومل يكن حوار ينته إىل نتيبة معيندة‪،‬وإمنا كدان القصدد منده‬
‫تنبيدده األذهددان إىل ضددرورة الت دزام الدقددة يف اختيددار األلف ددا وإىل أن املعدداين موجددودة يف ال ددنفس‪ ،‬وال‬
‫سبيل إىل استخراجها إال ابحلوار‪.‬‬
‫وهكددذا كددان اسددتخدام سددقراط لطريقددة احل دوار مددع اخلصددم‪،‬ابدعا عدددم املعرفددة‪ ،‬ليتصدديد مددن إجابددة‬
‫اخلصم كلمة أو عبارة يسأله فيها حى يعرتف اخلصم ابجلهل‪ ،‬فيقرر سقراط احلقيقة كما حيب ‪.‬‬
‫تدور فلسدفة سدقراط حدوس موضدو واحدد هدو اإلنسدان‪ ،‬وإذا مدا تناولدت الكدون الطبيعد‬ ‫فلسف‬
‫وموجوداته احلسية وظواهر ‪ ،‬فنمنا لكو‪،‬ا مركز اإلنسان وبيئته‪ ،‬ومكان نشأته ومنو ‪.‬‬
‫وميكن القوس أب ّن أساس آرائه ينبين على‪:‬‬
‫أ ‪-‬اعتقاد بوجود احلقيقة‪ ،‬وإبمكان معرفتها‪.‬‬
‫ب ‪-‬ربطه العمل ابلعلم‪ ،‬أي جعله املعرفة أساسا للسلوك‪.‬‬
‫والذي يهمنا من فلسفة سقراط أمران‪:‬‬
‫األو ‪:‬حتديد ملنهج املعرفة ملدا يرتتدب عليده مدن حتدوس كبدض يف موضدو الفلسدفة ومنهبهدا يف اتريدخ‬
‫الفكر اليوانين‪.‬‬
‫الثاين ‪:‬حتديد ملفهوم الفضيلة ملا يرتتب عليها من وجهة نظر األخالقية‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫سقرا واملعرفة‪:‬كان السوفسطائيون يرون أن املعرفة مقصورة على اإلحساس‪ ،‬وهد لدذلك ختتلدف‬
‫ابخ ددتالف األش ددخاص‪ ،‬فم ددا ي درا الش ددخص حق داً فه ددو عن ددد ح ددق‪ ،‬وإن رآ اآلخ ددرون خبالف دده‪ ،‬أل ّن‬
‫اإلحساسات ختتلف ابختالف الناس‪.‬‬
‫فلمددا جددا سددقراط أنكددر قددوهلم يف املعرفددة‪ ،‬وأثبددت أ ّن العلددم إمنددا هددو يف املدددركات العقليددة‪ ،‬وأن املعرفددة‬
‫ّ‬
‫تتكددون مددن حقددائق كليددة‪ ،‬يستخلصددها العقددل‪ -‬ال احلدواس ‪-‬مددن اجلزئيددات املتغددضة‪ ،‬وملددا كددان العقددل‬
‫ّ‬
‫عنص دراً مشددرتكاً لددزم أن تكددون احلقيقددة عنددد شددخص معددني ه د نفسددها احلقيقددة عنددد شددخص آخددر‪،‬‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫الفضيلة عند سلقرا ‪:‬الفضديلة عندد أمدر بدديه ‪ ،‬يف أسداس تكدوين اإلنسدان‪ ،‬لكدن اإلنسدان حدني‬
‫خيط معاينة الفضيلة يظن الباطل حقا والشر فضيلة؛هلذا فنن احلقيقة اليت حيب سدقراط نقلهدا إىل‬
‫الناس ه أنه عليهم إعادة ف ص ما هم متيقنون من معرفته‪.‬‬
‫وذهب سقراط إىل الرب بني الفضيلة واملعرفة‪ ،‬فاإلنسان الذي يرغب أن يكون فاضدالً‪ ،‬فدال بدد أن‬
‫ص دل املددر مددن املعرفددة‪ ،‬معرفددة عددن نفسدده ومددا تشددتمل عليدده مددن ملكددات‬
‫يكددون عارفداً‪ ،‬ومبقدددار مددا حي ّ‬
‫وقدوى‪ ،‬ومعرفتدده عددن الكددون مبقدددار مددا يكددون املددر فاضدالً؛ إ ّن معرفددة اخلددض سددتدفع إىل فعلدده‪ ،‬ومعرفددة‬
‫الشر حتض املر على تركه‪ ،‬واإلنسان يبتعد عن فعل اخلدض ويسدلك الشدر ألنّده جاهدل ابخلدض والشدر‪.‬‬
‫ويددرى سددقراط أ ّن اإلنسددان روح وعقددل يُسدِّّدض اجلسددم وي د ّدبر ‪ ،‬ولدديس مركب داً مددن اهلددوى والشددهوة كمددا‬
‫ذه ددب السوفس ددطائيون‪ ،‬وذه ددب إىل أن القد دوانني العادل ددة ال مص دددر هل ددا إال العق ددل وهد د متفق ددة م ددع‬
‫القوانني غض املكتوبة اليت رمستها اآلهلة يف قلوب البشدر‪ ،‬فمن حيرتم القوانني العادلة إّمنا هو يف الواقدع‬
‫حيرتم العقل والنظام اإلهل ‪ .‬حبثه فيما ورا الطبيعة‪:‬‬
‫حبلث سللقرا فيمللا ورا الابيعللة فددذهب إىل أ ّن الددنفس ليسددت جمدرد مبدددأ احليدداة‪ ،‬بدل هد أهددم مددن‬
‫ذلك‪ ،‬ه ‪":‬الذات األخالقية"‪ ،‬وقاس خبلود النفس‪ ،‬وأقام األدلدة علدى وجدود اإللده‪،‬وهو يف نظدر إلده‬
‫خض‪ ،‬ال يدركه العقل‪ ،‬وال حيي به الوفف‪،‬وال يصددر عنده إال كدل فدالح‪ ،‬وال يشدبه احلدوادث يف‬
‫قددوس أو فعددل‪ ،‬وأندده واحددد ال يتغددض وال يتبدددس‪ ،‬والواجددب علددى اإلنسددان أن يطيددع أوامددر مهمددا كلفدده‬
‫من مشقة وتعب‪.‬‬
‫وهكل للذا رّكد دز س ددقراط يف فلس ددفته عل ددى بنل للا احلقل للائق واملفل للاهيم ال دديت ش ددكك السوفس ددطائيون يف‬
‫وجودها‪ ،‬وكان طريقه يف ذلك استخدام العقل مع االستعانة ابإلدراك احلس بال شك ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫وقد أثبت أن حقائق األشيا اثبتة‪.‬‬
‫ويرى أن العما األخ ق مؤسس على املعرفة أيضا ‪ ،‬والفضليلة عنلده هل املعرفلة ‪ ،‬فمدن عدرف‬
‫اخلض عمله ‪ ،‬ومن عمل اخلض بال معرفة فليس خضا‪ ،‬وكل شر هو غض مقصود وانتج عن اجلهل‪.‬‬
‫وأخاأ سقرا يف ‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه اعترب عمل اخلض الناتج عن عدم معرفة ال يعترب خضا ‪.‬‬
‫‪ -2‬املعرفة وحدها ال تكف ؛ بل ال بد من اإلرادة ‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلنسان ليس عقال فق ‪ ،‬بل معه عواطف وشهوات ال ينبغ إغفاهلا ‪.‬‬
‫املر لة الثالثة‪ :‬أف طون وأرساو‬
‫يف هذ املرحلة اتسع نطاق الفلسدفة حيد فدار موضدوعها شدامالً لكدل حبد إنسداين‪ ،‬وامتداز هدذا‬
‫العص ددر بتبوي ددب وتنظ دديم املس ددائل الفلس ددفية‪،‬وبلغت الفلس ددفة في دده كماهلا‪،‬وك ددان ذل ددك عل ددى ي دددي‪:‬‬
‫أفالطون وتلميذ أرسطو من عام ‪ 427‬إىل ‪ 322‬ق ‪.‬م‪.‬‬
‫م‬ ‫أوت‪ :‬أف طون ‪427‬‬
‫ولد يف أثينا سنة ‪ 427‬ق‪.‬م من أسرة عريقة غنية‪ ،‬ذات شأن يف السياسية وامللك واحلكمة‪ ،‬تثقدف‬
‫ثقافددة واسددعة حي د تعلددم الرايضددة والشددعر‪ ،‬واطلددع علددى املددذاهب الفلسددفية‪ ،‬وملددا بل د سد ّدن العش درين‬
‫تعرف على سقراط‪ ،‬فالزمه وتتلمذ عليه مدة مثانية أعوام‪ ،‬نقل خالهلدا الكثدض مدن أفكدار وتعاليمده‪،‬‬
‫واليت تركت بدورها أثراً كبضا يف حياة أفالطون وتفكض الفلسف ‪.‬‬
‫وبعددد مددوت أسددتاذ سددقراط غددادر أفالطددون أثينددا إىل ميغدداري‪ ،‬وأقددام هبددا عنددد الفيلسددوف أقليدددس‪،‬‬
‫الددذي أسددس مدرسددة فلسددفية يف هددذ املدينددة‪ ،‬مث غادرهددا إىل مصددر الدديت درس فيهددا الرايضددة دراسددة‬
‫وافيددة‪ ،‬واطلددع علددى علومهددا ودايانهتددا‪ ،‬ويف سددنة ‪ 370‬ق‪ .‬م غددادر مصددر إىل إيطاليددا‪ ،‬وهندداك تعددرف‬
‫على الفيثاغورثيني واتصل هبم ودرس مذهبهم‪.‬‬
‫لقدد مجددع أفالطددون مدن خددالس رحالتدده وتنقالتدده بدني ثقافددات الشددرق والغدرب؛ األمددر الددذي أسددهم يف‬
‫فلسفته اليت جا ت متعددة اجلوانب الفكرية‪ ،‬متعددة املوضوعات‪.‬‬
‫مؤلفا أف طون ‪:‬‬
‫متتاز مؤلفاته بتمثيلها ملراحل حياته الفكرية الثالث‪:‬‬
‫اجملموعة األوىل‪ :‬ه اليت كتبت يف الفرتة اليت قضاها يف أثينا‪ ،‬واليت أحاطت مبوت أستاذ سقراط‬

‫‪22‬‬
‫وقبل رحالته خارج أثينا‪ ،‬ومتثل كتبه يف تلك الفرتة فلسفة أستاذ سقراط‪.‬‬
‫اجملموع للة الثاني للة‪ :‬كتبه ددا بعددد رحلت دده إىل ميغ دداري وغضهددا م ددن ال ددبالد‪ ،‬وآراؤ فيهددا خل ددي م ددن آرا‬
‫أستاذ سقراط وفدديقه أقليددس الدذي تع َّدرف عليده يف ميغداري‪ ،‬وآرائده الشخصدية الديت متثدل فلسدفته‬
‫وتفكض اخلاص ‪.‬‬
‫اجملموعة الثالثة‪ :‬كتبها بعدد اسدتقرار يف أثيندا‪ ،‬وملدا وفدل درجدة لنضدج والصدفا الدذهين‪ ،‬وميكدن أن‬
‫تعرب عن استقالله يف التفكض الفلسف ‪.‬‬
‫أسلوب يف الك ابة ‪:‬‬
‫املمعددن النظددر فيمددا كتبدده أفالطددون جيددد أندده اعتمددد علددى أسددلوب احملللاورة الدديت تعددد مددن ابتكددار كمددا‬
‫ذهددب إىل ذلددك مجددع مددن املددؤرخني‪ ،‬وهد نددو خدداص مددن أندوا الكتابددة تشددمل فنددوان ثالثددة الدددراما‬
‫واملناقشة والشرح املرسل‪ ،‬وعن طريقها سبل أفالطون آرا أستاذ سقراط ‪.‬‬
‫فلسفة أف طون‬
‫مشلت فلسفة أفالطون موضوعات متعددة أمهها ما يل ‪:‬‬
‫‪ -1‬نظرية املعرفة من حي مراحلها وكيفية حتصيلها‪.‬‬
‫‪ -2‬نظرية املثل‪ ،‬وه حب عن احلقيقة املطلقة فيما ورا الطبيعة‪.‬‬
‫‪ -3‬الطبيعة‪ ،‬وتب يف ظواهر الوجود من حي هو مادة يالزمها مالزمة ضرورية كل من املكدان‬
‫والزمان‪.‬‬
‫‪ -4‬األخالق وتب يف واجبات الفرد حنو غض ‪.‬‬
‫‪ -5‬السياسددة وتب د يف واجبددات اإلنسددان حنددو اجملتمددع‪ ،‬وفيهددا وضددع أفالطددون نظريتدده يف احلكددم‬
‫اجلمهوري‪ ،‬ويف املدينة الفاضلة‪ ،‬وهو ما يعرف جبمهورية أفالطون‪.‬‬
‫وهبذا يتبني أن أفالطون تناوس يف فلسفته موضوعات شى‪ ،‬وأنه متيز عن الفالسفة قبله الذين كانوا‬
‫يقصددرون مبدداحثهم علددى موضددو واحددداً أو موضددوعني‪ .‬لقددد مشلددت فلسددفة أفالطددون‪ :‬الطبيعددة‪ ،‬ومددا‬
‫ورا الطبيعة‪ ،‬املعرفة‪ ،‬واملثل واألخالق والسياسة واملدينة الفاضلة‪ ،‬والنفس اإلنسانية‪.‬‬
‫منهج الفلسف ‪:‬‬
‫سلك أفالطون يف منهبه الفلسف ال وفيق وال نسليق بدني املدذاهب الفلسدفية الديت سدبقته‪ ،‬إذ مل يدر‬
‫يف تعارض ددها س ددبباً للش ددك مث ددل السوفس ددطائيني‪ ،‬إ ّن آرا الس ددابقني عن ددد حق ددائق جزئي ددة واحلقيق ددة‬

‫‪23‬‬
‫الكاملة تقوم ابجلمع بينها وتنسيقها يف كل جيمع األجزا ويؤلفها‪.‬‬
‫وطريقة ال وفيق ه حصر كل وجهة يف دائرة‪ ،‬وإخضدا احملسدوس للمعقدوس‪ ،‬واحلدادث للضدروري‪،‬‬
‫تغض هرقليطس ووجود ابرمنيدس‪ ،‬ورايضيات فيثاغورث وأف ابه وعقيدهتم يف النفس‪،‬‬ ‫إنّه مجع بني ّ‬
‫وجواهر دميقريطس‪ ،‬وعنافر أنبادوقليس‪ ،‬وعقل أنكساغوراس‪ ،‬ومذهب سقراط‪.‬‬
‫إنّه مل يرد شديئاً مدن تفلسدف السدابقني‪ ،‬بدل انتفدع بكدل شد مث طبدع هدذا التفلسدف بطابعده اخلداص‬
‫وتعمق إىل ح ّد مل يسبق إليه‪ ،‬إنه أراد أن يددلل علدى فد ة كدل املعتقددات ‪ ،‬وهدذا‬
‫وزاد فيه‪ ،‬فتوسع ّ‬
‫من أغرب ما يكون يف اتريخ األداين ‪ ،‬وكأنه نواة إىل القوس بدعوى وحدة األداين ‪.‬‬
‫جوان من فلسف ‪:‬‬
‫‪ -3‬نظرية املعرفة‬
‫حب أفالطون مسألة املعرفة ووجد نفسه بني رأيني متعارضني‪:‬‬
‫األو ‪:‬يرد املعرفة إىل اإلحساس‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬يضع املعرفة احلقة يف العقل‪.‬‬
‫فاستقصى أنوا املعرفة فوجد أ‪،‬ا أربعة‪:‬‬
‫‪ -3‬اإلحساس‪ .‬وهو إدراك عوارض اجلسام يف اليقظة وفورها يف املنام‪.‬‬
‫‪ -2‬الظن‪ .‬وهو احلكم على احملسوسات مبا ه كذلك‪.‬‬
‫‪ -1‬االستدالس‪ .‬وهو علم املاهيات املن ققة يف احملسوسات‪.‬‬
‫‪ -4‬العقل‪ .‬وهو إدراك املاهيات اجملردة من كل مادة‪.‬‬
‫وي للدرج أف ط للون يف املعرف للة م ددن اإلحس دداس إىل الظ ددن إىل العل ددم االس ددتداليل إىل التعق ددل احمل ددض‬
‫مدفوعا بقوة ابطنة ‪ ،‬وهو ما مسا ابجلدس الصاعد ‪.‬‬
‫ومجي ددع املاهي ددات‪ -‬ال دديت يتوف ددل إليه ددا العق ددل‪ -‬حاف ددلة ع ددن موج ددودات جم ددردة ض ددرورية مثله ددا ألن‬
‫ما )‪ ،‬فتؤمن النفس بعدامل معقدوس هدو مثداس العدامل احملسدوس وأفدله‪ ،‬يلدر‬ ‫(املعرفة قب املعرو‬
‫ابلعقا الصرف املاهيات م حققة في ابلذا على حنو حتققها يف العقل مفارقة للملادة بريةلة علن‬
‫الكون والفساد (يعين أ‪،‬ا أبدية) فف هذا العامل اإلنسدان ابلدذات والعدالدة ابلدذات ‪ .....‬اه هدذ‬
‫املعاين‪ ،‬فه مباد ومثل الوجود احملسوس واملعرفة مجيعا‪ ،‬فاملثاس هو الش ابلدذات واجلسدم شدب‬
‫للمثاس‪ ،‬واملثاس منوذج اجلسم أو مثله األعلى مت ققة فيه كماالت النو إىل أقصى حد ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ -2‬آرا أف طون الفلسفية فيما ورا الابيعة‬
‫ااجان اإلهل يف فلسفة أف طون‬
‫أ ‪ -‬هللا عند أف طون‪ :‬يرب أفالطدون بدني العلّدة ومعلوهلدا ربطداً دقيقداً حمكمداً‪ ،‬فالعلّدة احلقدة للوجدود‬
‫البدد أن تكدون عاقلدة تددرك معلوهلدا قبدل وقوعده‪ ،‬وتضدع كدل مدا حيتداج إليده مدن الوسدائل مرتبدة ترتيبددا‬
‫منطقياً وفعله البد أن يكون لغاية‪.‬‬
‫واالعتقاد يف األلوهيدة واجدب علدى كدل إنسدان‪ ،‬وهدذا االعتقداد لديس طدار ً وال مكتسدباً‪ ،‬إنده مغدروز‬
‫يف طبيعة الدنفس اإلنسدانية‪ ،‬فاإلنسدان طبدع علدى التددين‪ ،‬واالعتقداد بوجدود إلده أمدر مركدوز يف طبيعدة‬
‫اإلنسان اليت خلقت مع فطرته اليت فطر هللا عليها ‪.‬‬
‫ولددذا فددنن معرفددة هللا واجبددة‪ ،‬وعبددادة هللا وتعظيمدده فددرض علددى كددل إنسددان‪ ،‬وهنددا وفددل أفالطددون يف‬
‫تفكض إىل إدراك األلوهية واالعرتاف بوجود إله هلذا الكون مدبر له ومهيمن عليه‪.‬‬
‫و كى عن ت مذت ‪ :‬أنه كان يقوس‪ :‬إ ّن للعامل حمداثً مبدعاً‪ ،‬أزلياً واجباً بذاتده عدامل جبميدع معلوماتده‬
‫على ففة األسباب الكلية‪ ،‬كان يف األزس ومل يكدن يف الوجدود رسدم وال طلدل إال مثداالً عندد البداري‬
‫تعاىل‪ ،‬رمبا يعرب عنه ابهليويل‪ ،‬ورمبا يعرب عنه ابلعنصر‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أدلة وجود هللا عند أف طون‬
‫يثبت أفالطون وجود هللا تعاىل بدليلني مها‪:‬‬
‫‪ -1‬دليل احلركة ‪.‬‬
‫‪ -2‬دليل النظام‪.‬‬
‫وهددو يسددتمد هددذين الدددليلني مددن ظدداهريت احلركددة اجلاريددة يف الوجددود واملتعاقبددة علددى كددل موجوداتدده‪،‬‬
‫وظاهرة النظام البادي يف كل جز من أجزا الوجود‪.‬‬
‫ج ‪ -‬صفا هللا عند أف طون‬
‫وفددف أفالطددون هللا ابلوجددود والوحدددة‪ ،‬مث أض داف إليدده مددن الصددفات مددا جيعلدده موجددوداً منفددردا عددن‬
‫كل ما سوا ‪ ،‬ومبا است ق به أن يكون فوق قمة املوجودات‪ ،‬وأن يكون مدبرها وفانعها‪.‬‬
‫فمللن صللفا هللا‪ :‬أندده روح عاقددل مددنظم‪ ،‬متصددف ابجلمدداس‪ ،‬واخلددض‪ ،‬والعدددس‪ ،‬والكمدداس‪ ،‬والبسدداطة‪،‬‬
‫اثب ددت ال يعرتي دده تغ ددض‪ ،‬ف ددادق ال يع ددرض ل دده الك ددذب‪ ،‬ال خيض ددع للزم ددان‪ ،‬يك ددون وح ددد يف حاض ددر‬
‫مستمر‪ ،‬يتبه إىل العامل بعنايته‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ -1‬آرا أف طون يف الابيعة‬
‫أ ‪ -‬ع قة هللا ابلابيعة ( الكون) عند أف طون‬
‫يفسر أفالطون الكون علدى أسداس نظريتده يف املثدل وثنائيدة العدامل‪ ،‬فالعدامل كدان يف املبددأ مدادة مبهمدة‬
‫غض معينة‪ ،‬وال يعرف عنها غض فدالحيتها لتقبدل الصدور‪ ،‬وأن هدذ املدادة حتركدت أوالً حركدة اتفاقيدة‬
‫ابسددتمرار حددى احتدددت ذراهتددا املتشدداهبة ابلشددكل وكونددت العنافددر األربعددة‪ ،‬وبعددد أن وفددلت تلددك‬
‫املادة إىل هذا النظام عني الصانع لكل منها مكاانً ‪.‬‬
‫وال يقصد أفالطون ابحلركة االتفاقية ما قصد الطبيعيون من القوس ابلصدفة واالتفاق‪ ،‬بل قصد أن‬
‫الص ددانع املب ددد امل دددبر وض ددع ال ددروح ف ددوق امل ددادة فأَلّف ددت االنس ددبام والنظ ددام احلاف ددل ب ددني األش دديا ‪،‬‬
‫والكماس املوجود بني الكائنات نظمته قوة عاقلة ه اليت تسض العامل إىل غاية ‪.‬‬
‫حمدث‪ ،‬مما جعل أرسطو يعترب خمالفا للفالسفة األقدمني‪.‬‬ ‫ويبدو من كالم أفالطون أن العامل َ‬
‫وقددد اختلددف شد ّدراح فلسددفة أفالطددون يف احلدددوث الددذي ذهددب إليدده أفالطددون‪ ،‬هددل هددو امل دراد مندده‬
‫متغضة بفعل‬‫احلدوث احلقيق أي سبق العدم على الوجود‪ ،‬أم أن املادة ليست أفالً بذاهتا بل ه ِّّ‬
‫النفس العامة اليت خلقها الصانع ليتكون من املادة األوىل املبهمة هذا النظام الكامل‪.‬‬
‫ب ‪ -‬نظرية املثا عند أف طون‬
‫وفددف أفالطددون العددامل املعقددوس أبندده إهلد الشدرتاكه مددع اإللدده يف الروحيددة والعقددل لكندده يصددنف العددامل‬
‫العقل يف مراتب خمتلفة أعالها وفوق قمتها مجيعا هللا عز وجل‪.‬‬
‫وكددان كثددضا مددا يطلددق اسددم اإللدده أو اإلهل د علددى بعددض املثددل‪ :‬كمثدداس اخلددض‪ ،‬ومثدداس اجلمدداس‪ ،‬وآهلددة‬
‫الكواكددب‪ ،‬وآهلددة اجلددن …وكددل مددا عدددا هللا مددن جمددردات ه د مبدداد للتدددبض آهلددة ابش درتاك االسددم‬
‫فق د د ‪ ،‬ألن ك ددل واح ددد مد ددنهم ميث ددل قمد ددة ند ددو أو مقول ددة‪ ،‬وال أيخد ددذون كد ددل خصد ددائص هللا‪ ،‬وإمند ددا‬
‫يستمدون منه وحدة وجودهم وخلودهم‪.‬‬
‫ويللرى أف طللون أن املعدداين الكليددة اجملددردة هلددا وجددود وحتقددق ذايت فيمددا ورا الطبيعددة‪ ،‬وهددذ املعدداين أو‬
‫اجلواهر اجملردة ال تدركها احلواس وال يطرأ عليها الفساد والفنا ‪ ،‬ووجودها هو موضو العلم اليقيين‪،‬‬
‫ولوال وجود هذ اجلواهر ما استفدان العلم‪ ،‬وما استطعنا العلم بش علماً يقينياً‪ ،‬إ‪،‬ا العلم املعقدوس‬
‫الذي هو أفل العامل احملسوس ومثاس لده‪ ،‬فالكليدات هد املوجدود احلقيقد ‪ ،‬أمدا هدذا املوجدود املدادي‬
‫فليس إال ظالً وخياالً له ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫فالوجود يف مذه أف طون طبق ان م قابل ان‪:‬‬
‫طبقدة العقدل املطلددق‪ ،‬وطبقدة املددادة األوليدة أو اهليددويل‪ ،‬والقددرة كلهدا مددن العقدل املطلددق‪ ،‬والعبدز كلدده‬
‫من اهليويل؛ وبني ذلك كائنات على درجات‪ ،‬تعلدو مبقددار مدا أتخدذ مدن العقدل‪ ،‬وتسدفل مبقددار مدا‬
‫أتخددذ مددن اهليددويل؛ وهددذ الكائنددات املتوسددطة‪ ،‬بعضددها أرابب‪ ،‬وبعضددها أنصدداف أرابب‪ ،‬وبعضددها‬
‫نفوس بشرية‪.‬‬
‫وقد ارتضى أفالطون وجود تلك األرابب املتوسطة‪ ،‬ليعلل هبا ما يف العامل مدن شدر ونقدص وأمل‪ ،‬فدنن‬
‫العقددل املطلددق كمدداس ال حيددد الزمددان واملكددان‪ ،‬وال يصدددر عندده إال اخلددض والفضدديلة‪ ،‬وهددذ األرابب‬
‫الوسددطى ه د الدديت تولددت اخللددق‪ ،‬لتوسددطها بددني اإللدده القددادر واهليددويل العدداجزة‪ ،‬وجددا الددنقص والشددر‬
‫واألمل من هذا التوس بني الطرفني‪.‬‬
‫مما سبق ي بن لنا أن أف طون يرى أن هنا عاملن اثنن‪:‬‬
‫العامل األو ‪ :‬عامل احلس املشاهد‪ ،‬دائدم التغدض‪ ،‬عسدض اإلدراك‪،‬لديس جدديراً أبن يسدمى موجدوداً‪ ،‬وال‬
‫يسمى إدراكه علماً‪ ،‬بل هو شبيه ابلعلم ألنه ظل وخياس للموجود احلقيق ‪.‬‬
‫العامل الثاين‪ :‬عامل اجملردات‪ ،‬فيه أفوس العامل احلس وهو مثاله الذي فديغت عليده موجوداتده كلهدا‪،‬‬
‫ففد عددامل املثددل يوجددد لكددل شد مثدداس هددو يف احلقيقددة املوجددود الكامددل‪ ،‬ألندده مثدداس للنددو ال للبددز‬
‫املتغض الناقص‪ ،‬ويف عامل املثل إنسانية اإلنسان وحيوانية احليوان‪ ،‬وخضية اخلض‪ ...‬وهكذا‪.‬‬
‫ومثللا ذل ل ‪:‬أ ّان إذا نظ دران يف أف دراد اإلنسددان املمثلددة يف إب دراهيم وزيددد وعل د وجدددان ك دالً مددن هددذ‬
‫األفراد جسماً انميداً ومت ركداً إبرادتده‪ ،‬وهد مدا نعدرب عنده بقولندا‪ :‬حيدوان‪ ،‬ووجددانها تشدرتك أيضداً يف‬
‫التفكض ابلقوة املعربة عنه بد "النطق "وجبوار هدذ الصدفات اجلوهريدة املشدرتكة بدني مجيدع األفدراد توجدد‬
‫ف ددفات عارض ددة ك ددالنوم وامل ددرض واملشد د ‪ ،‬فنس ددتبعد الص ددفات العارض ددة ونبقد د الص ددفات اجلوهري ددة‪،‬‬
‫م درتبني إايهددا يف جددنس وفصددل‪ ،‬فيصددب التعريددف حينئددذ تعريفددا ابحلددد التددام‪ ،‬حي د يكددون تعريددف‬
‫اإلنسان "حيوان انطق " وكل من احليوان والناطق مدرك عقل منتز من أفراد اإلنسان احلسية بعدد‬
‫جتريد من املادة‪ ،‬فهو فورة عقلية جمردة عن املادة‪ ،‬وهذ الصورة العقلية اجملردة هلا حقيقدة خارجيدة‬
‫جمردة عن املادة‪ ،‬هلا كيان خارج مستقل حبي تكون تلك الصورة مرآة هلا ومنطبعة عليها ‪.‬‬
‫هذ احلقيقة اخلارجية اجملردة اليت تنطبق عليها الصورة العقلية الكلية ه مدا يسدميها أفالطدون"مثداس‬
‫اإلنسان"‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫فمثا اإلنسان‪" :‬هو تلك احلقيقة اجملردة الكائنة يف العامل املعقوس وهو عامل املثل‪ ،‬نظر إليه الصانع‬
‫وفنع على شكله أشخاص اإلنسان احملسوسة‪.‬‬
‫وبني العامل احلس وعامل املثل يوجد العقل اإلنساين الذي تت قق فيه معرفدة حالدة مدن حداالت تلدك‬
‫املعاين الكلية واجلواهر اجملردة‪.‬‬
‫وعلى هذا فنن األقيا هلا ث ث وجودا ‪:‬‬
‫األو ‪:‬أعالها وجود اجملردات يف عامل املثل‪.‬‬
‫الثللاين ‪:‬أوسددطها وجودهددا الددذهين غددض اخلددارج ‪ ،‬وبواسددطتها ميكددن احلكددم علددى احملسوسددات ومعرفددة‬
‫اجملردات يف عامل املثل ‪.‬‬
‫الثالث ‪:‬أدانها وأحطها وهو وجودها املشاهد يف عامل احلس‪.‬‬
‫وقددد استشددهد أفالطددون أبسددطورة الكهددف ليبددني أبن العددامل الددذي يعدديش فيدده اإلنسددان هددو عددامل غددض‬
‫حقيقد ‪ ،‬وأن العدامل احلقيقد هدو عدامل املثدل الدذي يوجددد فوقده اخلدض األمسدى والدذي ميكدن إدراكده عددن‬
‫طريق التأمل العقل والتفلسف‪.‬‬
‫أساورة الكهف األف طوين‬
‫حيك أفالطون يف هذ األسطورة عن أانس مقيدين منذ طفدولتهم يف كهدف مظلدم‪ ،‬حبيد تعدوقهم‬
‫تلك القيود من االلتفات إىل الورا أو الصعود خارج الكهف‪.‬‬
‫ويف الكهف يوجد ما يشبه النافذة اليت يطل منها نور ينبع من مشس مقابلة للكهف ‪.‬‬
‫وبدني الندور وانفدذة الكهدف هندداك طريدق ميدر منده أانس حيملدون أشدديا عديددة‪ ،‬وحينمدا تضدرب أشددعة‬
‫النددور يف تلددك األشدديا تددنعكس ظالهلددا علددى اجلدددار الددداخل للكهددف‪ ،‬وهكددذا ال يددرى السددبنا‬
‫داخل الكهدف مدن األشديا املوجدودة خدارج الكهدف إال ظالهلدا‪ ،‬وقدد حددث أن ختلديص أحددهم‬
‫من قيود حبي مت ّكن من الصعود خارج الكهف‪ ،‬وقد أدرك أن األشيا خارج الكهف ختتلف عن‬
‫األشيا بداخله‪ ،‬حبي تعترب هذ األخضة جمرد ظالس أو نسخ لألوىل‪.‬‬
‫لكن إىل ماذا ترمي هذه األساورة ؟‬
‫يرمددز الكهللف إىل العددامل احملسددوس الددذي حييددا فيدده اإلنسددان حياتدده احلاضددرة‪ ،‬وترمددز القيللود إىل اجلسددم‬
‫اإلنساين الذي جيعل معرفة النفس مقيدة إبدراكها للموضوعات احملسوسة‪.‬‬
‫أمددا العللامل خللارج الكهللف فهددو يرمددز إىل عددامل املثددل الددذي عاشددت أنفسددنا فيدده قبددل حياهتددا احلاضددرة‬

‫‪28‬‬
‫والذي ستعود أنفسنا إىل احلياة فيه من جديد بعد انفصاهلا عن اجلسم‪.‬‬
‫ويرمي الناس املارون خارج الكهف إىل احلقائق املطلقة املوجودة يف عامل املثل‪.‬‬
‫اللت تلنعكس داخلا الكهلف فرتمدز إىل أشديا العدامل احملسدوس‪ ،‬وهد يف نظدر أفالطدون‬ ‫أما الظل‬
‫جمرد نسخ للمثل‪.‬‬
‫لكن كيف عرفنا املثا؟‬
‫يللرى أف طللون أن معرفللة املثللا ت ل م عللن طريللق ال فكللري‪ ،‬ألن الددنفس كانددت يف حيدداة سددابقة علددى‬
‫هددذ احليدداة الراهنددة يف ف د بة اآلهلددة تشدداهد موجددودات لدديس هلددا شددكل وال لددون‪ ،‬مث ارتكبددت إمثددا‬
‫فهبطددت إىل البدددن‪ ،‬فه د إذا أدركددت أشددباح املثددل ابحل دواس تددذكرت املثددل ( العلللم تللذكر وااجهللا‬
‫نسيان )‪.‬‬
‫ج ‪ -‬صفا املُثُّا عند أف طون‬
‫آخر‪،‬إ‪،‬دا أسداس األشديا ‪،‬‬ ‫‪ -1‬أ‪،‬ا عنافر‪ :‬ومعىن ذلك أن وجودها يف نفسدها مل يصددر عدن شد‬
‫والش أساس هلا‪ ،‬وأ‪،‬ا ال تعتمد على غضها‪ ،‬وغضها يعتمد عليها‪.‬‬
‫‪ -2‬أ‪،‬ددا عامددة ال خافددة‪ :‬فمثدداس اإلنسددان مددثالً لدديس إنسدداانً خافداً‪ ،‬وإمنددا هددو احلقيقددة العامددة لكددل‬
‫إنسان‪ ،‬وكل مثاس وحد ال يتعدد‪ ،‬وإمنا يتعدد أفراد ‪.‬‬
‫‪ -3‬هذ املثل ليست مادية‪ ،‬بدل هد جمدردة عدن املدادة‪ ،‬وجودهدا يف نفسدها مسدتقل عدن كدل عقدل‪،‬‬
‫وما يف العقل فورة هلا‪ ،‬وه أزلية أبدية ال تفىن‪ ،‬وإمنا يفىن أفرادها‪ ،‬وأ‪،‬ا ال حي ّدها زمان وال مكدان‬
‫وإال كانت شخصية‪.‬‬
‫‪ -4‬إ‪،‬ا معقولة‪ ،‬مبعىن أن العقل يف إمكانه أن يدركها ابلب واالستنباط‪.‬‬
‫نقد نظرية املثا األف طونية‬
‫تعرضت نظرية املثل النتقادات حادة من أمهها ‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا كانددت املثددل موجددودة وقائمددة بددذاهتا‪ ،‬وهندداك العدددس يف ذاتدده واجلمدداس يف ذاتدده واإلنسددان يف‬
‫ذاته‪ ،‬فهل ميكن تعميم هذ النظرة على كل شد فنقدوس إن هنداك مثداس للشدعر والوحدل والقدذارة ؟‬
‫ال يستطيع جوااب ‪.‬‬
‫‪ -2‬ل ددو ك ددان هن دداك مث دداس لإلنس ددان ل دده وج ددود ال ددذايت‪ ،‬لك ددان الشد د الواح ددد موف ددوفا ابلص ددفات‬
‫املتضادة‪ ،‬كعلم زيد وجهل عمرو وطوس عل وقصر خالد ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪ -3‬ملاذا احتاجت املثل إىل احملسوسات لتطبع فورها عليها يف الوقت الذي توفف فيه املثل أب‪،‬ا‬
‫حقيقة كاملة‪:‬أليس هذا يشعر ابلنقص؟إذن ليست املثل كافية لتعليل وجود هذا العامل احملسوس‪.‬‬
‫م‬ ‫اثنيا‪ :‬أرساو طاليس ‪122 – 183‬‬
‫ولد أرسطو يف مدينة أسطاغضا اليت مسيت أخضاً أسطافرو وه مدينة يواننية قدمية على ساحل حبر‬
‫إجية‪ ،‬واشتهرت أسرة أرسطو ابلطب فأبو كان طبيباً ألحد ملوك مقدونيا تويف والد وهو فغض‪.‬‬
‫الت ق أرسطو وهو يف سن الثامنة عشرة أبكادميية أفالطدون أبثيندا‪ ،‬فتفدوق علدى زمالئده‪ ،‬وأظهدر مدن‬
‫الددذكا والفطنددة واالطددال الواسددع مددا جعلدده يكسددب إعبدداب أسددتاذ أفالطددون‪ ،‬فكددان يسددميه اترة‬
‫القرا ‪.‬‬
‫العقا‪ ،‬واترة َّ‬
‫لقددد اسددتمر أرسددطو مالزم داً أفالطددون يف أكادمييتدده عش درين عام داً‪ ،‬قضددى بعضددها يف التعل ديم والددبعض‬
‫اآلخر يف التدريس‪ ،‬فلما مات أفالطون ترك األكادمييدة ‪،‬ائيداً‪ ،‬غدادر أرسدطو أثيندا متوجهداً إىل آسديا‬
‫الصددغرى‪ ،‬وهبددا تددزوج‪ ،‬وبعددد بضددع سددنوات عدداد إىل أثينددا وأسددس مدرسددة يف أحددد مالعبهددا الرايضددية‪،‬‬
‫وقد اع اد أرساو إلقا دروس على ت ميذه وهو ماقيا يسض على األقدام جبوار امللعب‪ ،‬فعرفت‬
‫مدرس ددته الفلس ددفية "املدرس للة املش للائية"‪ ،‬ومسد د أتباع دده "ابملش ددا ين"‪ ،‬وعرف ددت فلس ددفته" ابلفلس للفة‬
‫املشائية‪.‬‬
‫اهتم أهل أثيندا أرسدطو ابإلحلداد ‪ -‬كمدا اهتمدوا سدقراط مدن قبدل ‪-‬ممدا اضدطر إىل مغدادرة أثيندا بعدد أن‬
‫أوكل أمر املدرسة إىل تلميذ اثوفرا أسطوس‪ ،‬استقر أرسطو يف مدينة خلقيس يف جزيرة أواب إحدى‬
‫اجلزر اليواننية‪ ،‬وهبا تويف نتيبة إفابته مبرض معوي وهو يف سن الثالثة والستني ‪.‬‬
‫مؤلفا أرساو‪:‬‬
‫دون أرسددطو يف خمتلددف فددرو الفلسددفة‪ ،‬فلدده مؤلفددات يف املنطددق‪ ،‬وفيمددا ورا الطبيعددة ويف الطبيعددة‪،‬‬
‫ّ‬
‫واألخالق والسياسة والفن واخلطابة والشعر‪ ،‬وأشهر كتبده يف املنطدق‪ ،‬وقدد عرفدت ابسدم"األورغانون"‬
‫ومعنا اآللة الفكرية‪.‬‬
‫وت ميي فلسفة أرساو يف ك ب مبنهجن ‪:‬‬
‫حي قام أرسطو إبيضاح فلسفة السابقني وحتليلها ونقد ماال يعببه‬ ‫األو ‪ :‬منهج نقد حتليل‬
‫منها أو تزييفها‪،‬ومل يسلم مدن نقدد أسدتاذ أفالطدون‪ ،‬وخافدة نظريتده يف املثدل‪ ،‬حيد مل يعدرتف فيهدا‬
‫أفالطون بعامل احملسوسات ‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫وإذا كان أفالطون يرى أ‪،‬ا أوهدام وخيداالت فدنن أرسدطو يدرى أن الوجدود اخلدارج يف حقيقتده لديس‬
‫إال هذ احملسوسات‪ ،‬وأن مفاهيم األشيا احملسوسة ومعانيها الكلية ال وجود هلا يف اخلدارج مسدتقلة‬
‫عن وجود أفرادها احلسية اجلزئية‪.‬‬
‫وضع أرسطو أسساً ملذهب فلسدف جديدد خداص بده‪ ،‬وقدد جدا هدذا‬ ‫الثاين‪ :‬منهج أتسيس بنائ‬
‫املذهب نتيبة حماوالت فكرية وإطال واسع على فلسفة من سبقو ‪.‬‬
‫مناق أرساو‬
‫ذهددب أرسددطو إىل أن املنطددق قددانون للفكددر مددنظم لعملياتدده‪ ،‬وهددو مي دزان للب د العقل د ‪ ،‬وضدداب‬
‫لص ي ه من فاسد ‪ ،‬وهو الذي يصدل كدرابط أو آلدة ارتبداط بدني عدامل احلدس والعقدل‪ ،‬وبده تدرتب‬
‫كليات هذا الوجود جبزئياته وكلياته‪ ،‬وجزئياته بعضها ببعض‪.‬‬
‫ويعترب أرسطو أوس من نَظَّم املنطق كعلم له موضو معني يتميز به عن سائر العلدوم‪ ،‬فكدان أوس مدن‬
‫وفصددل فصدوله‪ ،‬ووضددع أجدزا علددى الن ددو الددذي ندرا اليددوم‪ ،‬ولعملدده هددذا ُمسد َّ أرسددطو‬
‫بَد َّدوب أبوابدده َّ‬
‫ابملعلم األوس‪.‬‬
‫فلسفة أرساو‬
‫فلسف فيملا ورا الابيعلة‪ :‬وتسدمى الفلسلفة األوىل أو ملا بعلد الابيعلة‪ ،‬وموضدو هدذ الفلسدفة‬
‫هددو الوجددود الثابددت الددذي ال يتغددض‪ .‬سددبق أن بينّددا أ ّن أفالطددون أسددتاذ أرسددطو يددرى أن املوجددودات‬
‫الطبيعية ليست إال ظالالً للمثل‪ ،‬أما أرسطو فقد عارض أستاذ فقدرر أ ّن املوجودا احلقيقية ه‬
‫املوجودا احملسوسا ‪ ،‬وأما املثل اليت ه الكليات فليس هلا إال الوجود العقلد ف سدب‪.‬والعقل‬
‫ينتدز املثددل ‪ -‬املفدداهيم ‪ -‬مددن املوجددودات احلقيقيددة‪ ،‬وهددذ املوجددودات تللدر ابملشللاهدة ت ابلفكللر‪.‬‬
‫وإذا ك ددان وج ددود األجس ددام الطبيعي ددة حقيقي داً ف ددنن أرس ددطو أخ ددذ يف تفس ددضها وق دداس إ‪ ،‬ددا مركب للة م للن‬
‫مبدأين‪ :‬اهليويل والصورة‬
‫فاهليويل‪ :‬ه مادة غض معينة أفالً‪ ،‬وتوفف إذا خلعت عليها الصورة‪.‬‬
‫والصورة‪ :‬ه املبدأ الذي يعني اهليويل ويعطيها ماهية خافة‪.‬‬
‫وتع مد فلسفة أرساو فيما ورا الابيعة على نظري يف العلة‬
‫ويقسم العلّة إىل أربعة أنوا ه ‪:‬‬
‫‪ -1‬العلّة املادية‪ :‬ه املادة اليت تتكون منها األشيا كالربنز للتمثاس‪ ،‬واخلشب للكرس ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ -2‬العلّة الفاعلة أو احملركة‪ :‬وه ما يؤثر يف إجياد الش كالصانع للتمثاس أو الكرس ‪.‬‬
‫‪ -3‬العلّددة الصددورية‪ :‬وهد األوفدداف واملميدزات الدديت هبددا تكددون حقيقددة الشد وماهيتدده‪ ،‬وهددو مددا بدده‬
‫أفب التمثاس متثاالً والكرس كرسياً‪.‬‬
‫‪ -4‬العلّة الغائية‪ :‬وه اليت تشكل الغاية من وجود الش وهو املقصد واهلدف من إقامة التمثاس‪.‬‬
‫وقد اخ صر أرسطو العلل األربع يف علتني فق مها‪:‬‬
‫ب‪ -‬العلّة الصورية‪.‬‬ ‫العلة املادية‪.‬‬
‫أ‪ّ -‬‬
‫وفعل هذا العتقاد أبن العلّة الغائية ترجع إىل الصورة‪ ،‬والعلّة الفاعلة ترجع إىل املادة‪.‬‬
‫مث أطلق على ما أمسا العلّة املادية ابهليويل‪ ،‬وما أمسا ابلعلّة الصورية ابلصورة‪.‬‬
‫وعلى اهليويل والصورة يعتمد أرسطو يف تفسض لتغضات هذا الوجود وما حيدث فيه‪.‬‬
‫ع قة اهليويل ابلصورة‪:‬‬
‫يددرى أرسددطو أن اهليددويل ال تشددكل موجددوداً مددا إال بعددد أن أتخددذ فددورته‪ ،‬فه د يف اخلددارج ال توجددد‬
‫مستقلة عن فورة ما‪ ،‬وإمنا وجودها فيه يكون حبلوس فورة الش املوجود يف تلك اهليويل املطلقدة‪،‬‬
‫فنن حلّت يف اهليويل فورة نبات وجد النبات يف اخلارج مبادته وفورته‪.‬‬
‫وإن حلّت فيه فورة حيوان وجد يف اخلارج حيوان بصورته ومادته‪.‬‬
‫وهكذا تتعاقب الصورة على املادة فتتشكل منها خمتلف األنوا واألجناس يف عامل املوجودات‪.‬‬
‫إ ّن املددادة يف نظددر أرسددطو هد وجددود الش د ابلقددوة‪ ،‬وأن الصددورة عبددارة عددن وجددود الشد ابلفعددل‪،‬‬
‫فوجدود األشديا هددو خروجهدا مدن القددوة إىل الفعدل وإعددام مددا يعددم منهدا لدديس إال رجوعداً مدن الفعددل‬
‫إىل القوة‪.‬‬
‫اإلل عند أرساو ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬وجود هللا عنلد أرسلاو‪:‬اعتمدد أرسدطو عللى احلركلة يف إثبدات وجدود هللا فقداس‪:‬إ ّن كدل مت درك‬
‫البددد لدده مددن حمددرك‪ ،‬وهددذا احملددرك ال ميكددن أن حيتدداج إىل حمددرك آخددر يس دتمد حركتدده مددن غددض ‪ ،‬وإال‬
‫لتسلسددل األمددر إىل غددض ‪،‬ايددة‪ ،‬فالبددد مددن أن ينته د األمددر إىل حمددرك أويل أزيل ُحيد ِّّدرك وال يت ددرك‪ ،‬أو‬
‫يفعل يف غض وال ينفعل بغض ‪ ،‬وإال لَ َما كان أوالً‪ ،‬وذلك احملرك األوس هو هللا‪.‬‬
‫فاهلل عند أرساو هو العلة األوىل‪ ،‬أو احملر األو‬
‫هددذا احملد ّدرك عنددد أرسددطو ت ي ح للر وسددرمدي‪ ،‬ال ّأوس لدده وال آخددر‪ ،‬وأن يكددون كددامالً منزه داً عددن‬

‫‪32‬‬
‫النقص والرتكيب والتعدد‪ ،‬وأن يكون مستغنيا بوجود عن كل موجود ‪ .‬وهذا احملرك سدابق للعدامل يف‬
‫وجود ‪ ،‬سبق العلة ت سبق اليمان‪ ،‬كما تسبق املقدمات نتائبها يف العقل‪ ،‬ولكنها ال تسدبقها يف‬
‫الرتتيب الزمين ‪.‬ألن الزمان حركة العامل‪ ،‬فهو ال يسبقه ‪.‬‬
‫وهللا يف نظر أرسطو ذا أ ليلة لليس جسلما‪ ،‬لليس يف مكلان‪ ،‬وهدو بسلي ال كثدرة فيده بوجده مدن‬
‫الوجددو ‪ ،‬وذهددب أرسددطو إىل أن هللا ال يعقددل إال ذاتدده‪ ،‬وينف د علددم هللا ابلعددامل ألن يف ذلددك سددقوطاً‬
‫جيب تنزيه هللا عنه‪ ،‬وأنه ال يليق ابهلل املتصف ابلكماس أن يعلم العامل وهو أقل منده‪ ،‬فلدو علمده كدان‬
‫انقصاً مثله ‪.‬‬
‫الواحد ال يصدر عنه إال واحد‪ ،‬ويصدر عنه فق العقل الفعاس‪ ،‬ألنه لو فدر عنه أكثر من واحد‬
‫حلصل تكثر يف ذاته‪.‬‬
‫تعقيل ‪ :‬مل يسدتطع أرسددطو أن يبددني لنددا مددا الددذي جعدل مادتدده املزعومدة تت ددرك وحتدداوس التشددبه بتلددك‬
‫الص ددورة احملض ددة‪ ،‬وكي ددف كان ددت امل ددادة أو اهلي ددويل األوىل قب ددل حل ددوس الص ددورة فيه ددا إمك دداانً أو ق ددوة‪،‬‬
‫واإلمكان معىن من املعاين اليت توفف هبا املادة وليس هو املادة‪.‬‬
‫ومن مث اهتم أرساو ابإلحلاد‪ ،‬وإذا كان هللا عند ال يتصل ابلعامل من جهدة اخللدق والتددبض‪ ،‬وال مدن‬
‫جهددة العلددم‪ ،‬فمددا قيمددة هددذا اإللدده ؟ ومددا منزلتدده؟ ومددا الفائدددة مددن اإلميددان بوجددود ووحدانيتدده‪ ،‬وكوندده‬
‫حمركاً للعامل؟‬
‫إ ّن هددذا الدرأي الددذي اندى بدده أرسددطو ‪ -‬أ ّن اإللدده ال يعقددل إال ذاتدده ‪ -‬يسددتلزم أ ّن هللا ال يعلددم العددامل‬
‫حببة أن العامل ش دين ابلنسبة إىل هللا‪ ،‬وأن األشيا توجد وتنعدم دون أن يريدد هللا هلدا ذلدك أو‬
‫يعلم من أمرها شيئاً ‪.‬‬
‫إن اإلله يف نظر أرسطو سيكون منطوايً على نفسه‪ ،‬غض عامل بش من الكون‪ ،‬وال مريداً ملدا جيدري‬
‫فيه من أحداث‪ ،‬فهو إذاً ينف التدبض اإلهل للعامل‪.‬‬
‫ولذا تعرض أرساو نتيبة هذا الرأي حلملة من اهلبوم من قبل تالميذ ‪ ،‬وغضهم من احلكما ‪.‬‬
‫اإلهليا عند أرساو ابطللة يف معظمهدا قائمدة علدى الظدن والتخمدني‪ ،‬ووقدع يف تناقضدات كثدضة ‪،‬‬
‫فعدددم احلركددة ‪ ،‬ووفددف هللا ابحملددرك غددض مقبددوس فهددو اخلددالق ولدديس احملددرك ملددا يشددعر قولدده ابحلركددة أبندده‬
‫فاعل ابالضطرار والعامل أزيل ‪.‬‬
‫وهذا ال يتناسب مع األلوهية فلله ففاته اليت تقتض أن يكون مدبرا للكون ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫هلذا استبعد أرسطو أن يكون هللا مدبرا للعامل ‪.‬‬
‫وذهب إىل أن هللا ال يدرك غض ذاته‪ ،‬وال يعلم شيئا عن العامل‪ ،‬ويظن أن علمه به يصيبه مدن خاللده‬
‫التعب‪ ،‬وليس علة فاعلة له‪ ،‬فهو يفعل ابلضرورة ال ابالختيار ‪.‬‬
‫وقوله أبنه يعقل ذاته فق وهذا كماله‪ ،‬قوس غريب إذ كيف يكون كامال وهو ال يعلم غض !‬
‫هذا تناقض ال شك فيه‪ ،‬فكماس العلم اإلهل أن يعرف ذاته وغض ‪.‬‬
‫فاإلهليات عند أرسطو كلها خرافات وأابطيل تتناسدب مدع وثنيتده‪ ،‬وحتمدل كثدضا مدن التناقضدات الديت‬
‫ال يقرها عقل أو منطق ‪.‬‬

‫‪34‬‬

You might also like