You are on page 1of 64

‫»‬ ‫«‬

‫البحث الثاني ‪:‬‬

‫األستاذ المساعد بقسم العلوم اإلسالمية‬


‫كلية التربية ‪ -‬جامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان‬
‫‪alsuwafi@squ.edu.om‬‬
‫● حصل على درجة الماجستير من جامعة آل البيت ـ المملكة األردنية الهاشمية في‬
‫تخصص القرآن الكريم وعلومه بأطروحته ‪ ( :‬الوحدة اإلنسانية في القرآن الكريم)‬
‫● حصل على درجة الدكتوراه من جامعة الزيتونة ـ الجمهورية التونسية في‬
‫العلوم اإلسالمية في تخصص علوم القرآن والتفسير (بأطروحته‪ :‬منهج ابن‬
‫بركة في علوم القرآن والتفسير في كتابه الجامع دراسة منهجية مقارنة)‬
‫● من مؤلفاته‪:‬‬
‫● الوقف واﻻبتداء واثرهما في المعاتي القرانية‬
‫● القران الكريم واستشراف القيم اﻻنسانية ‪ :‬قيمة العدل انموذجا‬
‫● السند ‪ :‬مفهومه واهميته واثره في التفسير‬
‫● اﻻلفات السبع في القران الكريم بين الرسم والقراءة‬
‫● تدبر القران الكريم وصناعة الشخصية المسلمة‬

‫‪١2١‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫‪ J‬ملخص البحث ‪L‬‬


‫مهما يف الحياة اإلنسانية‪ ،‬فهو يب ِّين المنهج القرآين‪:‬‬
‫يتناول هذا البحث جان ًبا ًّ‬
‫ُأ ُسسه وقواعده يف التعامل‪ ،‬من خالل دراسة تد ُّبر َّية تأ ُّمل َّية يف سورة الحجرات‪،‬‬
‫وقد جاء تقسيمه إلى‪ :‬مقدمة‪ ،‬وتمهيد‪ ،‬ومبحثين‪.‬‬
‫الم ِّ‬
‫قدمة تتضمن نبذة عن الموضوع وأهميته‪ ،‬وأهداف الدراسة‪ ،‬والمنهجية‪،‬‬ ‫ُ‬
‫والخ َّطة‪.‬‬
‫وأسئلة الدراسة‪ ،‬والدراسات السابقة‪ُ ،‬‬
‫التمهيد فقد كان حول سورة الحجرات‪ :‬بيان التنــزيل‪ ،‬ومقتضيات المضمون‪.‬‬
‫المبحث األول كان بعنوان‪« :‬منهج التعامل مع اهلل ورسوله»‪ ،‬وشمل مطلبين‪:‬‬
‫‪ -‬األول‪ :‬منهج التعامل مع اهلل تعالى عقيدة وشريعة‪.‬‬
‫‪ -‬والثاين‪ :‬منهج التعامل مع المقام النبوي‪.‬‬
‫المبحث الثاين فقد كان عن منهج التعامل اإلنساين‪ ،‬وشمل مطلبين‪:‬‬

‫‪ -‬األول‪ :‬منهج التعامل يف ِظ ّل َ‬


‫الوحدة اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ -‬والثاين‪ :‬منهج التعامل يف ِظ ّل المجتمعات اإلنسانية‪.‬‬
‫حوت أهم النتائج والتوصيات‪.‬‬
‫وأخيرا الخاتمة‪َ :‬‬
‫ً‬
‫تعامل المسلم مع اهلل تعالى‪،‬‬
‫ويهدف البحث إلى إبراز منهج القرآن الكريم يف ُ‬
‫ومع رسوله ‪ ،‬وتعا ُمل المسلم مع غيره من بني البشر‪ ،‬كما ورد يف سورة‬
‫الحجرات‪ ،‬واستخالص أهمية هذا المنهج القرآين وبيان دوره يف تنظيم حياة المسلم‪.‬‬

‫كلمات مفتاحية‪:‬‬
‫الحجرات ‪ ،‬التعامل ‪ ،‬المنهج ‪ ،‬التدبر ‪ ،‬التأمل‪.‬‬
‫‪١2٣‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫َ‬
‫وجعله خليفة‬ ‫وكرمه‪َّ ،‬‬
‫وفضله على سائر مخلوقاته‪،‬‬ ‫الحمد هلل‪َ ،‬‬
‫خلق اإلنسان َّ‬
‫يف األرض‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا محمد قدوة العالمين‪ ،‬وسيد األولين‬
‫واآلخرين‪ ،‬صلى اهلل عليه وسلم وآله وصحبه‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم‬
‫الدين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فإن اهلل ‪ ‬عندما جعل هذا اإلنسان خليفة يف األرض‪َ ،‬‬


‫وضع له‬
‫المنهج الذي يسير عليه‪ ،‬والقواعد واألسس التي ينطلق منها‪َ ،‬تم َّثل ذلك يف إنزال‬
‫الرساالت السماوية إلى البشر‪ ،‬وآخر هذه الرسالت الرسالة الخاتمة التي جاء‬
‫هبا سيدنا محمد ‪‬؛ فقد جاء بالهدى والنور‪ ،‬والمنهج الر َّباينّ (القرآن‬
‫الكريم)‪.‬‬
‫الم َ‬
‫حكم للكون وما فيه؛‬ ‫والحديث عن المنهج القرآين حديث عن النظام ُ‬
‫وأوجد فيه من المخلوقات‬
‫َ‬ ‫فاهلل ‪ ‬هو الذي أبدَ ع الكون من العدم‪،‬‬
‫ما ال ُيحصى عد ًدا‪ ،‬وج َعل أشرف هذه المخلوقات وأكر َمها بني آدم ﴿ﮎ ﮏ‬
‫ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ‬
‫منهجا‬
‫ً‬ ‫كرم‬
‫الم َّ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [اإلسراء‪ ،]٧0 :‬وقد اختار لهذا المخلوق ُ‬
‫ودستورا يف الحياة‪ ،‬ين ِّظم سلوكه يف األرض‪ ،‬وعالقته بخالقه ‪ ،‬وعالقته‬
‫ً‬
‫بنفسه‪ ،‬وبغيره‪.‬‬

‫‪١2٤‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫وقد حوى القرآن الكريم المناهج التي يحتاجها البشر يف تعامالتهم يف حياتهم‬
‫المعاشية‪ ،‬ولم يدَ ع جان ًبا من جوانب الحياة إال كانت له نظرته الخاصة‪ ،‬ومنهجه‬
‫الم ّ‬
‫ستقل؛ بحيث ينتج من مجموع مناهجه وأنظمته‪ ،‬تشريع متكامل لمناحي‬ ‫ُ‬
‫الحياة كلها ﴿ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ﴾‬
‫[المائدة‪.(١(]3:‬‬

‫حوى القرآن الكريم المنهج القويم المتكامل للتعامل‪ ،‬وال نستطيع يف مثل‬
‫هذا البحث المتواضع أن نأيت على جزئيات هذا المنهج‪ ،‬فهو شامل لجميع‬
‫نواحي الحياة اإلنسانية ومجاالهتا المختلفة‪.‬‬
‫وقد لفت انتباهي وأنا أقرأ سورة الحجرات وأتد َّب ُرها؛ ما فيها من كنوز‬
‫معان سامية‪ ،‬وما تتضمنه من مناهج ُمح َكمة‪ ،‬وما يتخلل‬‫ٍ‬ ‫عظيمة‪ ،‬وما تحمله من‬
‫حري بالمرء أن يتوقف‬ ‫ٍ‬
‫ونواه وتوجيهات‪ ،‬إن هذه السورة الكريمة‬ ‫أوامر‬ ‫ذلك من‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫عندها؛ سواء بالتأمل والتدبر‪ ،‬أو بالتحليل والدراسة‪ ،‬ولع ِّلي أستفيد مما س َّطره‬
‫علي‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الكاتبون قبلي‪ ،‬أو أفيد بما يفتح اهلل ّ‬
‫واسعا‪ ،‬والمجال خص ًبا‬
‫ً‬ ‫ومهما ُكتب حولها من دراسات‪ ،‬فلن يزال البحث‬
‫للباحثين والدارسين‪ ،‬وصدق رسولنا الكريم ‪ -‬صلوات اهلل وسالمه عليه ‪ -‬إذ‬
‫يقول يف وصف القرآن الكريم‪« :‬وهو الذي ال تنقضي عجائبه‪ ،‬وال يخ َلق على‬
‫أنموذجا للمنهج القرآين يف‬
‫ً‬ ‫كثرة الر ّد»(‪ .(٢‬لذا اخرتت سورة الحجرات لتكون‬
‫ً‬
‫متكامال؛ حيث حوت‬ ‫منهجا‬
‫ً‬ ‫التعامل‪ ،‬ورغم أهنا من السور القصار؛ إال أهنا تمثل‬

‫(‪ُ (١‬ينظر‪ :‬مباحث يف إعجاز القرآن‪ ،‬لمصطفى مسلم (‪.)249‬‬


‫(‪ (٢‬جزء من حديث طويل‪ ،‬رواه الرتمذي وغيره‪ُ ،‬ينظر‪ :‬سنن الرتمذي‪ ،‬للرتمذي‪ ،‬رقم الحديث (‪،)2906‬‬
‫باب‪ :‬فضل القرآن‪.)172/5( ،‬‬

‫‪١25‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫أهم المرتكزات والقواعد واألسس التي من شأهنا أن تجعل المجتمع مجتم ًعا‬
‫مثال ًّيا راق ًيا يسير وفق المنهج السديد‪ ،‬ولذلك ُس ِّميت هذه السورة بسورة «اآلداب‬
‫واألخالق»‪.‬‬

‫‪ ‬أهمية املوضوع‪:‬‬
‫™ تربز أهمية الدراسة يف اآلتي‪:‬‬

‫‪ ) ١‬تناولها لموضوع غاية يف األهمية يف حياة المسلم‪ ،‬وهو المنهج الذي‬


‫ينبغي أن يسلكه يف تعامله مع اهلل تعالى‪ ،‬ومع رسوله ‪ ،‬ومع‬
‫اآلخرين‪.‬‬

‫قي يف مجال التعامل‪ ،‬يف ظِ ّل ُّ‬


‫تأزم‬ ‫الر ّ‬
‫‪ ) ٢‬تقديمها توجيهات قرآنية غاية يف ُّ‬
‫العالقات اإلنسانية يف العصر الراهن‪.‬‬
‫‪ ) ٣‬ما ست ِّ‬
‫ُقدمه من توصيات تتعلق بأسس التعامل‪ ،‬والموضوعات التي تحتاج‬
‫إلى مزيد من البحث والدراسة يف هذا المجال‪.‬‬

‫‪ ‬أهداف الدراسة تتمثل يف اآلتي‪:‬‬


‫‪ ) ١‬إبراز منهج القرآن الكريم يف تعامل المسلم مع اهلل تعالى‪ ،‬ومع رسوله‬
‫‪ ‬كما ورد يف سورة الحجرات‪.‬‬
‫‪ ) ٢‬توضيح منهج القرآن الكريم يف تعامل المسلم مع غيره كما ورد يف سورة‬
‫الحجرات‪.‬‬
‫‪ ) ٣‬استخالص أهمية هذا المنهج القرآين ودوره يف تنظيم حياة المسلم‪.‬‬

‫‪١26‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫‪ ‬أسئلة الدراسة‪:‬‬
‫™ تسعى الدراسة إىل اإلجابة عن األسئلة اآلتية‪:‬‬

‫‪ -‬ما المنهج القرآين يف تعامل المسلم مع اهلل تعالى كما ورد يف سورة‬
‫الحجرات؟‬
‫‪ -‬ما المنهج القرآين يف تعامل المسلم مع الرسول ‪ ‬كما ورد يف‬
‫سورة الحجرات؟‬
‫ِ‬
‫‪ -‬ما المنهج القرآين يف تعامل المسلم مع غيره يف ظ ّل َ‬
‫الوحدة اإلنسانية كما‬
‫ورد سورة الحجرات؟‬
‫‪ -‬ما المنهج القرآين يف تعامل المسلم مع غيره يف ظِ ّل المجتمعات اإلنسانية‬
‫كما ورد سورة الحجرات؟‬

‫‪ ‬الدراسات السابقة‪:‬‬
‫مثل هذا الموضوع يجب أن يكون فيه دراسات كثيرة ومتنوعة؛ ألنه يالمس‬
‫حياة المجتمع اإلنساين اليومية‪ ،‬ومع أن هناك دراسات عديدة أجريت حول سورة‬
‫الحجرات‪ ،‬إال أهنا تميل إلى الناحية التفسيرية؛ سواء التفسير التحليلي‪ ،‬أو التفسير‬
‫الخ ُلقية والرتبوية‪ ،‬وأهم الدراسات‬
‫الموضوعي‪ ،‬أو الرتكيز على بيان الجوانب ُ‬
‫التي تسنَّى لي االطالع عليها اآليت‪:‬‬
‫‪ ) ١‬األمين (‪١976‬م)‪ ،‬سورة الحجرات منهج تربوي لمجتمع مثالي‪،‬‬
‫رسالة ماجستير‪ ،‬كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية‪ ،‬جامعة الملك عبد العزيز‪:‬‬
‫تناولت هذه الدراسة تعري ًفا للرتبية وأهدافها وتاريخها‪ ،‬مع الرتكيز على الرتبية‬

‫‪١27‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫اإلسالمية‪ ،‬ثم التعريف بسورة الحجرات‪ ،‬وإبراز عناصرها األساسية‪ ،‬وناقشت‬


‫بعض الجوانب المتعلقة بالرتبية‪.‬‬
‫‪ ) ٢‬اللوح (‪٢٠٠٤‬م)‪ ،‬التربية األخالقية يف ضوء سورة الحجرات‪ ،‬بحث‬
‫ُمقدَّ م إلى المؤتمر الرتبوي األول «الرتبية يف فلسطين وتغيرات العصر» كلية‬
‫الرتبية – الجامعة اإلسالمية‪2004 /24 - 23 ،‬م‪ :‬وهذه الدراسة قائمة على‬
‫منهج التفسير الموضوعي لسورة الحجرات‪ ،‬وقد تم تقسيم الموضوع على‬
‫أساس مقاطع السورة‪ ،‬كل مقطع يحمل موضو ًعا معينًا‪ ،‬وعالقة هذه المقاطع‬
‫ببعضها‪ ،‬وربط اآليات بالواقع الحالي للمة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ ) ٣‬الشنقيطي (‪٢٠٠6‬م)‪ ،‬األوامر يف سورة الحجرات‪ ،‬بحث نشر يف المجلة‬
‫العلمية لجامعة الملك فيصل (العلوم اإلنسانية واإلدارية)‪ :‬تناول األوامر الواردة‬
‫وقس َمه إلى تمهيد وثمانية فصول‪ :‬التمهيد يف األمر وتعريفه‪،‬‬
‫يف سورة الحجرات‪َّ ،‬‬
‫وحكمه‪ ،‬وأنواعه‪ .‬أما الفصول فقد تناولت األوامر يف سورة الحجرات‪.‬‬
‫‪ ) ٤‬العمر (‪٢٠١١‬م)‪ ،‬سورة الحجرات دراسة تحليلية وموضوعية‪ :‬وهو‬
‫عبارة عن تفسير لسورة الحجرات‪ ،‬يتضمن قسمين‪ :‬األول‪ :‬تناول دراسة اآليات‬
‫تفسيرا تحليل ًّيا؛ من حيث أسباب نـزول اآليات‪ ،‬والقراءات الواردة يف‬
‫ً‬ ‫وتفسيرها‬
‫السورة‪ ،‬وبعض أحكام التجويد‪ ،‬وتناول معاين اآليات وتفسيرها‪ ،‬وما ورد يف‬
‫السورة من أحكام‪ .‬والقسم الثاين‪ :‬تناول دراسة السورة دراسة موضوعية شاملة‪.‬‬
‫‪ ) 5‬زغرب (‪٢٠١6‬م) الوصايا التسع يف سورة الحجرات يف التعامل مع‬
‫الناس‪ ،‬تناول فيه الوصايا التسع المعروفة يف سورة الحجرات‪ ،‬وألن المؤلف إمام‬
‫وي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وخطيب مسجد الفرقان بفلسطين‪ ،‬فإنه تناول الموضوع بأسلوب و ْعظ ّي د َع ّ‬

‫‪١2٨‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫‪ ) 6‬عودة‪ ،‬أدب المعاملة وأثره يف بناء العالقات اإلنسانية من منظور قرآين‪،‬‬


‫بحث بالشبكة العالمية‪:‬‬
‫ّ‬
‫ركز على جانبين‪:‬‬
‫األول‪ :‬التوجيهات القرآنية التي تحث على االلتزام بأدب التعامل مع اآلخرين‪،‬‬
‫ودوره يف بناء العالقات اإلنسانية‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬الوقوف مع أنموذج تطبيقي‪ ،‬وهو موقف يوسف ‪ ‬مع السجناء‪،‬‬
‫وانعكاس ذلك على عالقته هبم‪.‬‬

‫‪ ‬املنهجية‪:‬‬
‫اتبعت يف هذا البحث المنهجين‪ :‬االستنباطي‪ ،‬واالسرتدادي؛ حيث قمت‬
‫ُ‬
‫بتحديد اآليات القرآنية المتعلقة بموضوع الدراسة‪ ،‬واستنباط دالالهتا ومعانيها‪،‬‬
‫واالسرتشاد بأقوال المفسرين والعلماء والباحثين‪ ،‬ولم أتعمق يف اختالفات‬
‫حاولت االقتصار على المختصر المفيد؛ تجن ًبا‬
‫ُ‬ ‫العلماء يف المسائل الفقهية؛ وإنما‬
‫للحشو والتطويل‪ ،‬فحسبي إظهار جوانب المنهج القرآين يف التعامل‪ ،‬ولم ألتزم‬
‫برتتيب آيات السورة‪ ،‬وإنما استشهدت باآليات حسب مقتضى تقسيم البحث‪.‬‬

‫‪ُ ‬خ َّطة الدراسة‪:‬‬


‫تشمل هذه الدراسة اآلتي‪:‬‬
‫مقدمة‪ :‬حوت نبذة عن الموضوع وأهميته‪ ،‬وأهداف الدراسة‪ ،‬والدراسات‬
‫الم َّت َبعة‪.‬‬
‫السابقة‪ ،‬والمنهجية ُ‬
‫التمهيد‪ :‬يف سورة الحجرات‪ :‬بيان التنــزيل ومقتضيات المضمون‪.‬‬

‫‪١29‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫المبحث األول‪ :‬منهج التعامل مع اهلل ورسوله‪ ،‬وشمل مطلبين‪:‬‬


‫‪ -‬المطلب األول‪ :‬منهج التعامل مع اهلل تعالى عقيدة وشريعة‪.‬‬
‫‪ -‬المطلب الثاين‪ :‬منهج التعامل مع المقام النبوي‪.‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬منهج التعامل اإلنساين‪ ،‬وشمل مطلبين‪:‬‬

‫‪ -‬المطلب األول‪ :‬منهج التعامل يف ِظ ّل َ‬


‫الوحدة اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ -‬المطلب الثاين‪ :‬منهج التعامل يف ِظ ّل المجتمعات اإلنسانية‪.‬‬
‫الخاتمة‪ :‬حوت أهم النتائج والتوصيات‬

‫‪١٣٠‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫التمهيد‬
‫يف سورة احلجرات‬
‫‪ J‬بيان التنزيل ومقتضيات املضمون ‪L‬‬
‫‪ ) ١ ‬تعريف بالسورة‪:‬‬
‫سورة الحجرات مدنية‪.‬‬
‫عدد آياتها ثماين عشرة آية(‪.(١‬‬
‫هي السورة الثامنة بعد المئة يف ترتيب نزول السور‪.‬‬
‫نزلت بعد سورة المجادلة وقبل سورة التحريم‪.‬‬
‫وكان نزول هذه السورة سنة تسع‪ ،‬وتسميتها بسورة الحجرات ِ‬
‫لذكر‬
‫بأشهر شيء‬
‫َ‬ ‫الحجرات هبا كعادة تسمية بقية السور القرآنية؛ إذ ُت َّ‬
‫سمى‬ ‫(‪(٢‬‬

‫ذكر ْته السورة‪ ،‬والمقصود بالحجرات‪ :‬حجرات النبي ‪ ،‬وهي‬


‫َ‬
‫بيوت أزواجه الطاهرات‪.‬‬
‫وسورة الحجرات تمثل المنهج الرباين المتكامل للمجتمع اإلنساين‪« ،‬وهي‬
‫‪ -‬على وجازهتا ‪ -‬جمعت أحكا ًما جليلة ضخمة‪ ،‬تتعلق بحقائق الرتبية الخالدة‪،‬‬
‫سماها بعض العلماء سورة األخالق»(‪.(٣‬‬
‫وأسس المدنية الفاضلة‪ ،‬حتى ّ‬
‫وأول ما يبرز للنظر عند مطالعة السورة الكريمة أهنا تكاد تستقل بوضع معالم‬

‫(‪ُ (١‬ينظر‪ :‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬البن كثير (‪ ،)364/1‬وفتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من‬
‫علم التفسير‪ ،‬للشوكاين‪.)83/5( ،‬‬
‫(‪ (٢‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)178/26‬‬
‫(‪ (٣‬قبس من نور القرآن الكريم‪ ،‬للصابوين (‪.)203/12‬‬

‫‪١٣١‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫كاملة لعالم نظيف‪ ،‬متضمنة القواعد واألصول والمبادئ والمناهج التي يقوم‬
‫عليها هذا العالم‪ ،‬والتي تكفل قيامه وصيانته‪ ،‬عا َلم يصدر عن اهلل‪ ،‬ويتجه إلى اهلل‪،‬‬
‫عف السريرة‪ ،‬عالم له‬ ‫عا َلم نقي القلب‪ ،‬نظيف المشاعر‪ّ ،‬‬
‫عف اللسان‪ ،‬وقبل ذلك ّ‬
‫أدب مع اهلل‪ ،‬وأدب مع رسوله‪ ،‬وأدب مع نفسه‪ ،‬وأدب مع غيره(‪.(١‬‬
‫™ غرض السورة الكرمية بشكل عام‪:‬‬
‫إرشاد المؤمنين إلى بعض اآلداب التي ينبغي االلتزام بها يف التعامل مع اهلل‬
‫ورسوله‪ ،‬وكذلك بعض المناهج يف التنظيم االجتماعي‪.‬‬
‫ركزت على بعض المبادئ والقواعد واألسس يف‬
‫كما أن هذه السورة ّ‬
‫التعامل بين الناس‪ ،‬كما حوت بعض األمور التشريعية والعقدية‪ ،‬وحقائق‬
‫عن الوجود اإلنساين(‪.(٢‬‬
‫وهذه الموضوعات كلها تهدف إلى تخلية المجتمع من األمراض‬
‫االجتماعية‪ ،‬وتحليته بالفضائل والقيم العليا‪.‬‬

‫‪ ) 2‬أهم موضوعاتها‪:‬‬
‫شملت سورة الحجرات موضوعات متعددة‪ :‬تنوعت بين األحكام‪ ،‬واآلداب‪،‬‬
‫واإليمان‪ .‬وكلها هتدف إلى سلوك المنهج القويم يف التعامل؛ سواء كان هذا‬
‫التعامل مع اهلل تعالى وشرعه القويم‪ ،‬أو التعامل مع رسوله الكريم ‪،‬‬
‫أو تعامل الناس بين بعضهم‪ ،‬مع الرباط الوثيق المتصل باهلل سبحانه خالق الكون‬
‫واإلنسان‪ ،‬والحاكم والمتصرف فيهما‪ ،‬قال الفخر الرازي عند الكالم على قوله‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ﴾ [الحجرات‪« :]٦ :‬هذه السورة‬

‫(‪ (١‬يف ظالل القرآن‪ ،‬لسيد قطب (‪.)3335/6‬‬


‫(‪ (٢‬سورة الحجرات منهج تربوي لمجتمع مثالي‪ ،‬للمين (‪.)52‬‬

‫‪١٣2‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫فيها إرشاد المؤمنين إلى مكارم األخالق‪ ،‬وهي إما مع اهلل تعالى‪ ،‬أو مع الرسول‬
‫‪ ،‬أو مع غيرهم من أبناء الجنس»(‪.(١‬‬

‫(‪ (١‬التفسير الكبير‪ ،‬للفخر الرازي (‪.)98-97/28‬‬

‫‪١٣٣‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫املبحث األول‬
‫‪ J‬منهج التعامل مع اهلل ورسوله ‪L‬‬
‫اإلنسان يف هذا الكون يتعامل مع عوالم مختلفة‪ ،‬يتعامل مع اهلل ‪،‬‬
‫باعتباره خالق هذا الكون و ُمد ِّبره‪ ،‬فهو ُمطا َلب باإليمان به وعبادته‪ ،‬وتطبيق‬
‫شرعه‪ ،‬ويتعامل مع رسوله الكريم الذي أرسله هبذا الشرع الحنيف‪ ،‬كما يتعامل‬
‫أيضا يتعامل مع عوالم مختلفة يف هذا الكون‪ ،‬وقد‬
‫مع بني جنسه من البشر‪ ،‬وهو ً‬
‫رسم القرآن الكريم لهذا اإلنسان المنهج القويم يف التعامل مع هذه العوالم‪.‬‬
‫َ‬

‫‪ ‬ويشري القرآن الكريم إىل مبدأ مهم يف التعامل‪:‬‬

‫وج َفا ًء يف‬


‫ين يف المنظور القرآين ليس صال ًة وصيا ًما يف جهة‪ ،‬وجالف ًة َ‬ ‫ِّ‬
‫فالد ُ‬
‫التعامل يف الجهة األخرى‪ ،‬بل هو َو ْحدَ ٌة متكاملة يرتبط فيها الجانب اإليماين‬
‫بالجانب ال َعملي يف الحياة‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ‬
‫ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [البقرة‪ ،]1٧٧ :‬فهذه اآلية تشير إلى‬
‫مالمح الشخصية اإلسالمية التي ترتكز على جانبين اثنين‪ :‬جانب الفكر واإليمان‬
‫وأداء العبادات‪ ،‬وجانب الممارسة يف السلوك الذايت‪ ،‬ويف العالقة مع الناس ومع‬
‫المواقف الصعبة يف الحياة‪.‬‬

‫نلمح ذلك من خالل تحديد طبيعة البِ ّر الذي يعني ُّ‬


‫التوسع يف الخير واإلحسان‪،‬‬

‫‪١٣٤‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫التصور‬
‫ُّ‬ ‫كما يذكر أهل اللغة ‪ ،‬ألنه يم ِّثل َّ‬
‫سر الشخص َّية لدى المؤمن يف آفاق‬ ‫(‪(١‬‬

‫وميدان التعامل‪ ،‬فباإليمان والعمل تتكامل الشخصية وتنطلق(‪.(٢‬‬

‫(‪ُ (١‬ينظر‪ :‬معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم‪ ،‬للراغب األصفهاين (‪.)50‬‬
‫(‪ (٢‬أدب المعاملة وأثره يف بناء العالقات اإلنسانية من منظور قرآين‪ ،‬لعودة عبد (‪.)300‬‬

‫‪١٣5‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫املطلب األول‬
‫‪ J‬منهج التعامل مع اهلل تعاىل عقيدة وشريعة ‪L‬‬
‫اإلنسان مخلوق هلل ‪ ،‬ويجب عليه أن يحقق معنى العبودية الخالصة‬
‫لخالقه‪ ،‬ويتمثل ذلك يف هذه السورة الكريمة من خالل ثالثة جوانب‪:‬‬
‫األول‪ :‬اإليمان الحقيقي الخالص هلل سبحانه‪.‬‬
‫نـزل على سيدنا محمد ‪.‬‬
‫الم َّ‬
‫الثاين‪ :‬اتباع شرع اهلل ُ‬
‫الثالث‪ :‬تقوى اهلل تعالى‪.‬‬

‫‪ ‬اً‬
‫أوال‪ :‬يف جانب اإلميان‪:‬‬
‫منهجا سديدً ا يف التعامل مع اهلل ‪ ‬يف الجانب‬
‫َّبينت السورة الكريمة ً‬
‫اإليماين‪ ،‬فقد ب ّينت حقيقة اإليمان واإلسالم(‪ ،(١‬ورسمت المنهج الذي يجب أن‬
‫يسلكه اإلنسان المسلم‪ ،‬وأنه ال يمكنه ا ِّدعاء اإليمان بمجرد دخوله يف اإلسالم‪،‬‬
‫فاهلل يعلم ما يف ضمير اإلنسان و ُم َّطلِع عليه؛ فبدأت اآليات ببيان الخطأ الذي‬
‫وقع فيه األعراب الذين يظنون أهنم آمنوا‪ ،‬وادعوا بمجرد دخولهم اإلسالم مقام‬
‫اإليمان‪ ،‬بل ويمنُّون على النبي ‪ ‬بإيماهنم‪ ،‬فب ّينت السورة الكريمة‬
‫لهؤالء أن األَ ْولى أن يحمدوا اهلل تعالى على توفيقه إياهم للهداية إلى اإليمان‬
‫﴿ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﴾ [الحجرات‪.]14 :‬‬
‫قيل‪ :‬إن هذه اآليات نزلت يف أعراب بني أسد‪ ،‬قالوا‪ :‬آمنَّا أول ما دخلوا يف‬
‫اإلسالم‪ ،‬و َمنُّوا على رسول اهلل ‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل أسلمنا وقات َلت َْك‬

‫اختصارا‪.‬‬
‫ً‬ ‫(‪ (١‬كثر كالم العلماء حول اإلسالم واإليمان والفرق بينهما‪ ،‬وال مجال للحديث هنا عن ذلك‬

‫‪١٣6‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫العرب ولم نُقاتِلك(‪.(١‬‬


‫ُ‬
‫فأراد اهلل أن ُي ِّ‬
‫علمهم حقيقة ما هو قائم يف نفوسهم وهم يقولون هذا القول‪،‬‬
‫وأهنم دخلوا يف اإلسالم استسال ًما‪ ،‬ولم تصل قلوهبم بعد إلى مرتبة اإليمان‪ .‬فدل‬
‫تستقر يف قلوهبم‪ ،‬ولم ْ‬
‫تش َرهبا أرواحهم‪﴿ :‬ﮑ ﮒ‬ ‫ّ‬ ‫هبذا على أن حقيقة اإليمان لم‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ﴾ [الحجرات‪.(٢(]14 :‬‬
‫والذي يظهر أن هؤالء األعراب قالوا هذا الكالم ً‬
‫جهال منهم‪ ،‬فإهنم يظنون‬
‫أهنم بمجرد دخولهم اإلسالم أصبحوا مؤمنين ُخ َّل ًصا‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪« :‬وسياق اآلية يدل على أن اهلل ذمهم لكوهنم منُّوا بإسالمهم‬
‫لجهلهم وجفائهم وأظهروا ما يف أنفسهم مع علم اهلل به»(‪.(٣‬‬
‫ثم إن المنهج القرآين لم ُينكر على هؤالء األعراب هذا التصرف فحسب‪،‬‬
‫بل َّبين لهم الصواب‪ ،‬وهو أن حقيقة اإليمان ليست دعوى باللسان‪ ،‬وإنما عقيدة‬
‫راسخة يف القلب‪ ،‬تظهر آثارها يف تصرفات اإلنسان(‪ ،(٤‬فالمؤمن الحق هو من‬
‫أخلص يف إيمانه‪ ،‬وصدَّ ق تصدي ًقا جاز ًما ال يمازجه ّ‬
‫شك وال ريب‪ ،‬وقام بما‬
‫يجب عليه تجاه خالقه‪ ،‬ودينه ﴿ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ﴾ [الحجرات‪.]15 :‬‬
‫ِّ‬
‫ويؤكد القرآن الكريم أن هذا هو اإليمان الصادق ﴿ﯝ ﯞ ﯟ﴾‬
‫«الصادقون يف عقيدهتم‪ ،‬الصادقون حين يقولون إهنم مؤمنون‪ ،‬فإذا لم تتحقق‬

‫مسند البزار‪ ،‬للبزار‪ ،‬حديث رقم (‪ )5141‬مسند ابن عباس ‪ ،)328/11( ‬واألحكام الشرعية‬ ‫(‪(١‬‬
‫الكربى‪ ،‬لإلشبيلي (‪.)211/4‬‬
‫يف ظالل القرآن‪ ،‬لقطب (‪.)3349/6‬‬ ‫(‪(٢‬‬
‫اإليمان‪ ،‬البن تيمية (‪.)193‬‬ ‫(‪(٣‬‬
‫قبس من نور القرآن الكريم‪ ،‬للصابوين (‪.)222/12‬‬ ‫(‪(٤‬‬

‫‪١٣7‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫تلك المشاعر يف القلب‪ ،‬ولم تتحقق آثارها يف واقع الحياة‪ ،‬فاإليمان ال يتحقق‪،‬‬
‫والصدق يف العقيدة ويف ادعائها ال يكون»(‪.(١‬‬
‫كما أوضحت اآليات الكريمة ما ينبغي أن يكون عليه اإلنسان من األدب مع‬
‫اهلل سبحانه‪ ،‬الذي ال يخفى عليه ما يف الضمائر‪﴿ ،‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ﴾ [الحجرات‪.]1٦ :‬‬
‫ثم يأتي التوجيه الرباين إلى الرسول ‪﴿ ‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ﴾ [الحجرات‪]1٧ :‬‬

‫أي‪ :‬يمنُّون عليك بإسالمهم ومتابعتهم ونصرهتم(‪ ،(٢‬فاهلل غني عن عباده وعن‬
‫إيماهنم وعبادهتم‪ ،‬والعباد هم المحتاجون إليه سبحانه‪ .‬لو تف َّكر اإلنسان العاقل‬
‫الذي هداه اهلل إلى اإليمان‪ ،‬ألي َق َن بصدق أنه ممنون هلل هبذا التوفيق الذي هداه اهلل‬
‫إليه؛ فاإليمان يمنح اإلنسان التصور الصحيح لهذا الكون‪ ،‬وهذه الحياة وما فيها‬
‫من أسرار‪ ،‬تنعكس عليه يف حياته ويف تعامله مع الكون بما فيه من عوالم مختلفة‪.‬‬
‫وتختم السورة الكريمة بتنبيه هؤالء األعراب وغيرهم على أن اهلل ‪‬‬
‫المتفرد بعلم الغيب يعلم كل شيء‪ ،‬وال يخفى عليه ما عليه حالكم من أعمال‪،‬‬
‫ِّ‬
‫خفيه النفوس ﴿ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ‬ ‫وحتى ما ُتكِنّه الصدور و ُت ِ‬
‫ﰒ ﰓ ﰔ﴾ [الحجرات‪.]18 :‬‬

‫ثانيا‪ :‬يف جانب التشريع‪:‬‬


‫‪ ‬اً‬
‫شرع هو اهلل ‪ ،‬واإلنسان ُمطا َلب بأن ُيط ِّبق شرع اهلل يف جميع‬
‫الم ِّ‬
‫ُ‬
‫شؤون الحياة‪ ،‬وال يمكن ألي إنسان أن ُيقدِّ م أو ِّ‬
‫يؤخر شي ًئا يف شرع اهلل‪.‬‬

‫(‪ (١‬يف ظالل القرآن‪ ،‬لقطب (‪.)3350/6‬‬


‫(‪ (٢‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬البن كثير (‪.)390/7‬‬

‫‪١٣٨‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫ويف هذه السورة الكريمة‪ ،‬بل يف بدايتها ٌ‬


‫رسم للمنهج الذي ينبغي على اإلنسان‬
‫اتباعه تجاه شرع اهلل الذي بعث به رسوله محمدً ا ‪.‬‬
‫وقد ابتدأت السورة الكريمة بنداء عباد اهلل المؤمنين‪ ،‬محدِّ دة المنهج الذي‬
‫يجب عليهم اتباعه يف تعاملهم مع اهلل ‪ ،‬وشرعه الذي ُب ِعث به رسوله‬
‫‪ ‬وأمره بتبليغه إياهم ﴿ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ‬
‫ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [الحجرات‪« ]1 :‬أي‪ :‬ال ُتقدِّ موا ً‬
‫قوال وال ً‬
‫فعال بين يدي اهلل‬
‫وقول رسوله وفعله‪ ،‬فيما سبيله أن تأخذوه عنه من أمر الدين والدنيا»(‪.(١‬‬
‫قرأ الجمهور ﴿ﮒ﴾ بضم الفوقية وكسر الدال مشددة‪ .‬وقرأ يعقوب‬
‫بفتحهما ﴿ َت َقدَّ ُموا﴾ على أن أصله‪ :‬ال تتقدموا(‪.(٢‬‬
‫المجرد‪ :‬قدم من باب ن ََص َر‪ ،‬قال‬
‫َّ‬ ‫والتقدم حقيقته‪ :‬المشي قبل الغير‪ ،‬وفعله‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ [هود‪ .]98 :‬وهنا استعارة تمثيلية؛ بتشبيه حال من‬
‫يفعل فِ ً‬
‫عال دون إذن من اهلل ورسوله‪ ،‬بحال من يتقدم مماشيه يف مشيه ويرتكه‬
‫خلفه(‪ .(٣‬أي ال ُتقدِّ موا أنفسكم يف حضرة النبي ‪ ،‬أي‪ :‬ال تجعلوا‬
‫ألنفسكم تقدُّ ًما ورأ ًيا عنده‪ ،‬وحينئذ تتحد القراءتان يف المعنى‪ ،‬وهما قراءة من قرأ‬
‫بفتح التاء والدال‪ ،‬وقراءة من قرأ بضم التاء وكسر الدال(‪.(٤‬‬
‫والمقصود‪ :‬ال تعجلوا بقضاء أمر قبل أن ُيقضي اهلل لكم فيه ورسوله‪ ،‬فتقضوا‬
‫بخالف أمر اهلل ورسوله‪ ،‬بل كُونوا تب ًعا لحكم اهلل ورسوله يف جميع األمور(‪ .(5‬وقد‬

‫(‪ (١‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬للقرطبي (‪.)273/16‬‬


‫(‪ (٢‬القراءات العشر المتواترة من طريقي الشاطبية والدرة‪ ،‬لشرف (‪.)515‬‬
‫(‪ (٣‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)180/26‬‬
‫(‪ (٤‬التفسير الكبير‪ ،‬للفخر الرازي (‪.)92/28‬‬
‫(‪ (5‬جامع البيان يف تأويل آي القرآن‪ ،‬البن جرير الطربي (‪ .)335/21‬وتفسير القرآن العظيم‪ ،‬البن كثير (‪.)364/7‬‬

‫‪١٣9‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫حصل من قوله ﴿ﮒ﴾ معنى اتبعوا اهلل ورسوله(‪.(١‬‬


‫ومفاد هذا المنهج هو أنه ال يمكن للبشر ‪ -‬بأي حال من األحوال ‪ -‬أن يقترحوا‬
‫أحكا ًما تشريعية‪ً ،‬‬
‫فضال عن أن يكون لهم الصدارة يف َس ّن األحكام الشرعية‪ ،‬فاهلل‬
‫شرع‪ ،‬أو أن ُيبدوا رأ ًيا يف أي حكم شرعه اهلل عليهم‪ ،‬وإنما عليهم‬
‫الم ِّ‬
‫سبحانه هو ُ‬
‫يحق‬
‫أن يقولوا سمعنا وأطعنا‪ ،‬فأحكام اهلل ال تقبل المفاصلة وال المساومة‪ ،‬وال ّ‬
‫ألي إنسان أن يعرتض على حكم اهلل‪ ،‬أو أن يتدخل يف تغيير شيء من أحكامه‪ ،‬بل‬
‫الم ْط َلقة هلل ‪ ،‬وهو‬
‫المط َلق‪ ،‬والعمل دون تر ُّدد‪ ،‬ألن الحاكمية ُ‬
‫التسليم ُ‬
‫وحده مصدر التشريعات واألحكام‪ ،‬عن طريق إنزالها على رسوله ‪،‬‬
‫واإلنسان يجب أن يتلقى أحكام اهلل وتشريعاته بالقبول والتسليم‪ ،‬وعليه تنفيذها؛‬
‫باتباع األوامر اإللهية‪ ،‬واالنتهاء عما هنى اهلل عنه‪.‬‬
‫لذا فإن العالم اإلسالمي مطالب اليوم أن يقف عند هذه اآلية الكرية‪،‬‬
‫ويتدبر فحواها‪ ،‬ويعي مدلولها‪ ،‬يف س ّن التشريعات‪ ،‬وإصدار القوانين المنظمة‬
‫شرعوا شي ًئا من عقولهم‬
‫للمجتمعات؛ ألنه ال يحق للمسلمين ولو اجتمعوا أن ُي ِّ‬
‫ما دام كتاب اهلل تعالى ورسول اهلل ‪ ‬بين أظهرهم‪ ،‬والواجب عليهم‬
‫والسنّة‪.‬‬
‫أن ينطلقوا من هدي اهلل ومنهجه‪ ،‬المتمثل يف الكتاب ُّ‬

‫‪ ‬اً‬
‫ثالثا‪ :‬يف جانب التقوى‪:‬‬
‫مهمة يف‬
‫مهم لتزكية النفس وتهذيبها‪ ،‬ويترتب عليها آثار ّ‬
‫تقوى اهلل تعالى عامل ٌّ‬
‫قوة داخل ّية وقدرة نفسية تمتلك من خاللها النفس القدرة‬
‫حياة اإلنسان‪ ،‬فالتقوى ّ‬
‫على إطاعة األوامر اإلله ّية‪ ،‬وعلى مقاومة ميولها وأهوائها‪ ،‬ومنشؤها الخوف من‬

‫(‪ (١‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)181/26‬‬

‫‪١٤٠‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫اهلل‪ ،‬وأثرها تجنّب معصيته وسخطه‪ ،‬وهي تساعد اإلنسان على تجنُّب حبائل‬
‫الشيطان وإغراء الدنيا(‪.(١‬‬
‫يقول اإلمام ابن قيم الجوزية يف ِ‬
‫بيان حقيقة التقوى‪« :‬وأما التقوى فحقيقتُها‬
‫أمرا وهن ًيا‪ ،‬فيفعل ما أمر اهلل به إيمانًا باألمر‪،‬‬ ‫ُ‬
‫العمل بطاعة اهلل إيمانًا واحتسا ًبا‪ً ،‬‬
‫وتصدي ًقا بوعده‪ ،‬ويرتك ما هنى اهلل عنه إيمانًا بالنَّهي‪ ،‬وخو ًفا من وعيده»(‪.(٢‬‬
‫ومن خالل هذا ال َّتعريف والبيان لحقيقة ال َّتقوى‪ ،‬والتأمل يف آيات هذه السورة‬
‫الكريمة تظهر أهميتها يف حياة اإلنسان؛ فقد أمر اهلل هبا‪ ،‬وجعلها ثمرة طاعته يف أداء‬
‫العبادات التي ك َّلف هبا العباد‪ ،‬كما جعلها الميزان الحقيقي لتفاضل النَّاس‪ ،‬ولذلك‬
‫ٍ‬
‫عضو يف اإلنسان‪ ،‬وا َّلذي عليه مدار صالح سائر‬ ‫مقرها القلب‪ ،‬ا َّلذي هو أعظم‬‫كان ُّ‬
‫األعضاء واألركان‪ ،‬حيث بصالحه يصلح الجسد ك ُّله‪ ،‬وبفساده يفسد الجسد ك ُّله(‪.(٣‬‬
‫وقد ورد ذكر التقوى يف هذه السورة الكريمة يف مواضع مختلفة‪ ،‬تنوعت بين‬
‫األمر هبا‪ ،‬وبيان أثرها‪ ،‬وامتداح الملتزمين هبا‪ ،‬وهي على النحو اآليت‪:‬‬
‫ورد األمر بها يف افتتاح السورة الكريمة ‪-‬بعد هني المؤمنين من التقدم بين اهلل‬
‫ورسوله‪ -‬يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [الحجرات‪« ،]1 :‬فهو أدب نفسي مع اهلل ورسوله‪ ،‬وهو منهج يف التل ِّقي‬
‫والتنفيذ‪ ،‬وهو أصل من أصول التشريع والعمل يف الوقت ذاته‪ ،‬وهو منبثق من تقوى‬
‫اهلل‪ ،‬وراجع إليها‪ ،‬هذه التقوى النابعة من الشعور بأن اهلل سميع عليم»(‪.(٤‬‬

‫(‪ (١‬تزكية النفس وهتذيبها‪ ،‬للميني (‪.)101‬‬


‫(‪ (٢‬الرسالة التبوكية‪ ،‬البن قيم الجوزية (‪.)8‬‬
‫(‪ (٣‬التقوى‪ :‬حقيقتها وأهميتها وثمرهتا‪ ،‬شبكة راية اإلصالح‪.‬‬
‫(‪ (٤‬يف ظالل القرآن‪ ،‬لقطب (‪.)3338/6‬‬

‫‪١٤١‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫أمرا بها‪ ،‬ولكن‬


‫ويأتي ذكر التقوى يف اآلية الثالثة من السورة الكريم‪ ،‬ليس ً‬
‫امتداحا للذين يسيرون على منهج اهلل‪ ،‬وينفذون أوامره‪ ،‬فهم الذين نجحوا يف‬
‫ً‬
‫االمتحان‪ ،‬نتيجة التقوى التي يتحلون هبا‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯘﯙﯚﯛﯜ‬
‫[الحجرات‪:‬‬ ‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ﴾‬
‫‪ .]3‬أي‪ :‬أخلص قلوهبم‪ ،‬والمعنى‪ :‬اخترب اهلل قلوهبم فوجدهم مخلصين(‪.(١‬‬

‫قال ابن جرير‪« :‬هم الذين اخترب اهلل قلوهبم بامتحانه إياها‪ ،‬فاصطفاها وأخلصها‬
‫للتقوى‪ ،‬يعني التقائه بأداء طاعته‪ ،‬واجتناب معاصيه‪ ،‬كما يمتحن الذهب بالنار‪،‬‬
‫فيخلص جيدها‪ ،‬ويبطل خبثها»(‪ ،(٢‬فهؤالء هم الذين تقع السكين ُة عليهم من هيبة‬
‫حضرة النبي ‪ ‬بسبب التقوى‪ ،‬فهم الذين امتحن ُ‬
‫اهلل قلو َبهم للتقوى‬
‫ب الشهوات منها(‪.(٣‬‬
‫بانتزاع ُح ِّ‬
‫ويعود السياق باألمر بالتقوى يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [الحجرات‪ ،]10 :‬واألمر هنا يف هذا الموضع فيه‬
‫إشارة إلى ما يصوهنم عن التشاجر؛ ألن من اتقى اهلل شغله تقواه عن االشتغال‬
‫بغيره(‪.(٤‬‬
‫ثم يأمر اهلل تعالى بالتقوى بعد أمره عباده المؤمنين باجتناب الظن السيئ‪،‬‬
‫وهنيه سبحانه عباده عن التجسس والغيبة‪ ،‬وهي أمراض نفسية اجتماعية خطيرة‪،‬‬
‫تأكيدً ا منه سبحانه أن التقوى تعصم صاحبها من الوقوع يف مثل هذه المحظورات‪،‬‬

‫(‪ (١‬سورة الحجرات دراسة تحليلية وموضوعية‪ ،‬للعمر (‪.)27‬‬


‫(‪ (٢‬جامع البيان يف تأويل القرآن (‪.)282/22‬‬
‫(‪ (٣‬لطائف اإلشارات للقشيري (‪.)438/3‬‬
‫(‪ُ (٤‬ينظر‪ :‬التفسير الكبير‪ ،‬للفخر الرازي (‪.)106/28‬‬

‫‪١٤2‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫قال تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬


‫ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ﴾ [الحجرات‪.]12 :‬‬
‫ليبين أن التقوى هي الميزان الحقيقي الذي يتفاضل به‬
‫ثم يأتي البيان اإللهي ّ‬
‫الناس‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ﴾ [الحجرات‪.]13 :‬‬
‫قال البيضاوي‪« :‬فإن التقوى هبا تكمل النفوس‪ ،‬وتتفاضل هبا األشخاص‪،‬‬
‫فمن أراد شر ًفا فليلتمسه منها‪ ،‬كما قال ‪« :‬من سره أن يكون أكرم‬
‫الناس فليتق اهلل»(‪.(١‬‬

‫(‪ (١‬أنوار التنزيل وأسرار التأويل‪ ،‬للبيضاوي (‪ .)137/5‬والحديث رواه القضاعي‪ ،‬مسند الشهاب‪ ،‬رقم‬
‫الحديث (‪ .)234/2( ،)367‬وذكره الجرجاين يف الضعفاء وض ّعف راويه‪ُ .‬ينظر‪ :‬الكامل يف الضعفاء‪،‬‬
‫للجرجاين (‪.)405/8‬‬

‫‪١٤٣‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫املطلب الثاني‬
‫‪ J‬منهج التعامل مع املقام النبوي ‪L‬‬
‫مقام النبي ‪ ‬مقام عظيم عند اهلل تعالى‪ ،‬فقد اختصه بخصائص من‬
‫وجه الحق تبارك وتعالى الناس إلى احرتام نبيهم‬
‫بين سائر األنبياء والرسل‪ ،‬وقد َّ‬
‫وإجالله‪ ،‬وإنزاله المنـزلة التي تليق بمقامه العالي‪ ،‬وأن يتأدبوا يف الحديث معه‬
‫ويف حضرته ويف مخاطبته‪ ،‬أد ًبا ينعكس على حركاهتم وسكناهتم‪ ،‬وحتى على نربة‬
‫أصواهتم‪ ،‬وكان المنهج القرآين يف التعامل مع مقام النبي ‪ ‬كما يأيت‪:‬‬

‫‪ ) ١ ‬عدم رفع الصوت يف حضرة النيب ‪:‬‬


‫من المناهج القرآنية يف التعامل عمو ًما هو خفض الصوت‪ ،‬وعدم رفعه‪ ،‬يظهر‬
‫ذلك يف التوجيه القرآين يف قوله‪﴿ :‬ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ﴾ [لقمان‪،]19 :‬‬
‫والحكمة من ذلك كما يقول األلوسي‪« :‬أنه أوفر للمتكلم‪ ،‬وأبسط لنفس السامع‪،‬‬
‫وفهمه»(‪.(١‬‬
‫وإذا كان هذا المنهج مطلو ًبا مع العامة؛ فإنه يكون أكيدً ا مع من لهم مكانة‬
‫وشأنًا عند اهلل سبحانه وعند البشر‪ ،‬وعلى هذا المنهج القرآين جاء التوجيه بخفض‬
‫الصوت يف حضرة النبي ‪ ‬يف هذه السورة الكريمة‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾ [الحجرات‪.]2 :‬‬
‫وسبب نزول هذه اآلية ما رواه البخاري يف صحيحه يف قصة وفد بني تميم‬
‫بسنده إلى ابن الزبير‪ ،‬قال‪َ :‬ق ِدم ركب من بني تميم على النبي ‪ ،‬فقال‬
‫أبو بكر‪ :‬أ ِّمر القعقاع بن معبد بن زرارة‪ .‬قال عمر‪ :‬بل أ ِّمر األقرع بن حابس‪ .‬قال‬

‫(‪ (١‬روح المعاين يف تفسير القرآن العظيم والسبع المثاين‪ ،‬لللوسي (‪.)90/11‬‬

‫‪١٤٤‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫أبو بكر‪ :‬ما أردت إال خاليف‪ .‬قال عمر‪ :‬ما أردت خالفك‪ .‬فتماريا حتى ارتفعت‬
‫أصواهتما‪ ،‬فنـزل يف ذلك ﴿ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﴾ حتى‬
‫انقضت اآلية(‪.(١‬‬
‫متجاوزا لمعتاد الكالم(‪.(٢‬‬
‫ً‬ ‫جهرا‬
‫والرفع‪ :‬مستعار لجهر الصوت ً‬
‫قال الفخر الرازي يف تفسير ﴿ﮣ ﮤ ﮥ﴾‪« :‬المراد حقيقته؛ وذلك ألن‬
‫رفع الصوت دليل قلة االحتشام وترك االحرتام»(‪.(٣‬‬
‫وإذا كانت اآلية الكريمة قد نزلت يف أفضل الناس وخيرة الرجال من صحابة‬
‫رسول اهلل ‪‬؛ ألهنما رفعا صوتيهما يف أمر يريان فيه مصلحة لدين‬
‫اهلل‪ ،‬أمام حضرة النبي ‪ ،‬ولم يكن ذلك منهما بقصد اإليذاء؛ فكيف‬
‫بغيرهما من عامة المسلمين(‪(٤‬؟!‬

‫‪ ) 2 ‬عدم اجلهر بالقول يف ماطبة النيب ‪:‬‬


‫قال تعالى‪﴿ :‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ﴾ [الحجرات‪ ]2 :‬فقوله‪﴿ :‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ هني‬
‫عن جهر آخر وهو الجهر بالصوت عند خطاهبم الرسول ‪‬؛ لوجوب‬
‫التغاير بين مقتضى قوله ﴿ﮣﮤﮥﮦﮧﮨ﴾ [الحجرات‪ ]2 :‬ومقتضى‬
‫﴿ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﴾(‪.(5‬‬

‫(‪ (١‬صحيح البخاري‪ ،‬للبخاري‪ ،‬حديث رقم (‪ )4109‬باب‪ :‬وفد بني تميم (‪.)1587/4‬‬
‫(‪ (٢‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)184/26‬‬
‫(‪ (٣‬التفسير الكبير‪ ،‬للفخر الرازي (‪.)93/28‬‬
‫(‪ُ (٤‬ينظر‪ :‬قبس من نور القرآن الكريم‪ ،‬للصابوين (‪.)208/12‬‬
‫(‪ (5‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)184/26‬‬

‫‪١٤5‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫أخرج ابن جرير الطبري َع ْن َقتَا َد َة‪َ ،‬ق ْو َل ُه‪﴿ :‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬


‫ﮯ﴾ «كانوا يجهرون له بالكالم‪ ،‬ويرفعون أصواهتم‪ ،‬فوعظهم اهلل‪ ،‬وهناهم عن‬
‫ذلك»(‪ .(١‬وإذا كان هذا يف مجلس النبي ‪ ،‬ويف حضرته‪ ،‬فإنه كذلك‬
‫بعد التحاقه بالرفيق األعلى‪ ،‬فاحرتام رسول اهلل ‪ ‬يجب أن يكون يف‬
‫كل األحوال؛ سواء كان يف حضرته أو يف غيبته‪ ،‬يف حياته أو يف مماته‪ ،‬قال الحافظ‬
‫ابن كثير‪« :‬قال العلماء‪ُ :‬يكره رفع الصوت عند قربه‪ ،‬كما كان ُيكره يف حياته؛ ألنه‬
‫دائما»(‪.(٢‬‬
‫محرتم ح ًيا ويف قربه‪ ،‬صلوات اهلل وسالمه عليه‪ً ،‬‬

‫‪ ) ٣ ‬الثناء على من يغض الصوت يف حضرة النيب ‪:‬‬


‫امتدح اهلل ‪ ‬الممتثلين للنهي اإللهي عن رفع الصوت وعن الجهر‬
‫بالقول يف حضرة النبي ‪ ،‬وجعل منـزلتهم منـزلة المؤمنين الصادقين‪،‬‬
‫الذين أخلصوا يف إيماهنم‪ ،‬واستحقوا بذلك المثوبة عند اهلل تعالى‪ ،‬وهي المغفرة‬
‫واألجر العظيم منه سبحانه‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ﴾ [الحجرات‪.]3 :‬‬

‫فعن ابن عباس ‪ ‬قال‪ :‬لما نزل قوله تعالى‪﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬


‫ﮧ ﮨ ﴾ [الحجرات‪ ]2 :‬كان أبو بكر ال يكلم رسول اهلل إال كأخي السرار(‪،(٣‬‬
‫السر من الكالم‪ ،‬فأنزل اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫أي‪ :‬مصاحب ّ‬
‫ﯝ ﯞ ﴾اآلية(‪ .(٤‬أي إِ َّن الذين َي ُك ُّفون رفع َأصواتِهم عند رسول اهلل‪.‬‬

‫(‪ (١‬جامع البيان يف تأويل القرآن‪ ،‬البن جرير الطربي (‪.)339/21‬‬


‫(‪ (٢‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬البن كثير (‪.)368/7‬‬
‫(‪ (٣‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬للواحدي (‪.)403‬‬
‫(‪ (٤‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور ( ‪.)185/26‬‬

‫‪١٤6‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫ف فِي لِين‪ ،‬ومنه َغ ُّض ا ْل َب َص ِر‪ ،‬وهو َك ُّف ُه َع ِن النَّ َظ ِر(‪ ،(١‬والغض‬ ‫فأصل ا ْل َغ ِّ‬
‫ض‪ :‬ا ْل َك ُّ‬
‫هنا مستعار لخفض الصوت والميل به إلى اإلسرار‪.‬‬
‫واالمتحان‪ :‬االختبار والتجربة‪ ،‬وهو افتعال من َم َحنَ ُه إذا اختربه‪ ،‬وصيغة‬
‫االفتعال فيه للمبالغة‪ ،‬كقولهم‪ :‬اضطره إلى كذا‪.‬‬
‫والالم يف قوله ﴿ ﯤﯥ ﴾ الم العلة‪ ،‬والتقدير‪ :‬امتحن قلوهبم ألجل التقوى‪،‬‬
‫أي لتكون فيها التقوى‪ ،‬أي ليكونوا أتقياء(‪.(٢‬‬
‫إن هذا المنهج الذي تربى عليه الصدر األول هو الذي ارتقى بهم إلى المكانة‬
‫تبو ُءوها يف التعامل اإلنساين؛ سواء مع رسول اهلل ‪ ،‬أو مع غيره‪،‬‬
‫التي َّ‬
‫إنه المنهج الرباين الذي من اتبعه سار يف درب الهداية والتوفيق‪.‬‬

‫‪ ) ٤ ‬تأنيب الذين نادوا النيب ‪ ‬من وراء احلجرات‪:‬‬


‫وبعد نهي اهلل ‪ ‬عن رفع الصوت والجهر به يف حضرة النبي‬
‫ً‬
‫إجالال واحرتا ًما؛ قابل‬ ‫يغضون أصواهتم يف حضرته‬
‫‪ ،‬وثنائه على الذين ُّ‬
‫ذلك بتأنيب من خا َلف هذا المنهج القويم واألدب الرفيع‪ ،‬ولم يعرف كيف يتأدب يف‬
‫خطابه مع النبي ‪ .‬بل وصف الحق تبارك وتعالى هؤالء بأهنم جاهلون‬
‫ال يعقلون‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾ [الحجرات‪.]5 ،4 :‬‬
‫ناسا أتوا النبي‪ ‬فجعلوا‬ ‫وسبب نزول هذه اآلية الكريمة أن ً‬
‫ينادونه وهو يف الحجرة‪ :‬يا محمد يا محمد‪ ،‬فأنزل اهلل تعالى هذه اآلية(‪.(٣‬‬

‫(‪ (١‬جامع البيان يف تأويل القرآن‪ ،‬البن جرير الطربي (‪.)343/21‬‬


‫(‪ُ (٢‬ينظر‪ :‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)186/26‬‬
‫(‪ُ (٣‬ينظر‪ :‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬للواحدي (‪ )403‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪١٤7‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫أو َلى من تصرفهم هذا‪ ،‬قال‬


‫وبين الحق تبارك وتعالى لهؤالء النفر ما هو ْ‬
‫َّ‬
‫وقارا بين‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ﴾‪ ،‬فإن هذا يكسبهم ً‬
‫أهل المدينة‪ ،‬ويستدعي لهم اإلقبال من الرسول ‪ ،‬إذ يخرج إليهم‬
‫غير كاره لندائهم إياه‪ ،‬ورفع أصواهتم يف مسجده فكان فيما فعلوه جالفة(‪.(١‬‬
‫ومن ذلك كله يؤخذ أن هذه اآلداب التي ينبغي أن يتأدب بها المسلم أمام‬
‫المر ِّبين‬
‫أيضا أن يتأدب هبا أمام ُ‬
‫المربي والقدوة لإلنسانية جمعاء‪ ،‬فإنه كذلك ينبغي ً‬
‫واألساتذة والعلماء؛ فإن العلماء ورثة األنبياء‪ ،‬فيجب احرتامهم وإجاللهم‪،‬‬
‫نـزل الناس منازلهم‪ ،‬فال يكون الحديث معهم كالحديث بين األقران‬
‫ويجب أن ُي َ‬
‫واألصدقاء‪ ،‬فهذا هو المنهج القرآين يف التعامل اإلنساين‪ ،‬كما أنه هو منهج السلف‬
‫الصالح‪ ،‬منذ زمن الصحابة رضوان اهلل عليهم(‪.(٢‬‬

‫(‪ (١‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)189/26‬‬


‫(‪ُ (٢‬ينظر‪ :‬سورة الحجرات دراسة تحليلية وموضوعية‪ ،‬للعمر (‪.)112‬‬

‫‪١٤٨‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫املبحث الثاين‬
‫‪ J‬منهج التعامل اإلنساني ‪L‬‬
‫اإلنسان مدين بطبعه‪ ،‬فقد جعل اهلل تعالى يف فطرته ضرورة التعامل مع اآلخر‬
‫واالحتياج إليه‪ ،‬لكي تتكامل الحياة اإلنسانية‪ ،‬ولذلك فإن اإلنسان ال يستطيع‬
‫العيش منفر ًدا‪ ،‬فال بد أن يعيش يف مجتمع‪ ،‬ومن خالله يتعامل مع غيره يف شتى‬
‫أنواع مجاالت الحياة‪ ،‬والمجتمعات اإلنسانية تتنوع وتختلف يف المعتقدات‬
‫مفر لإلنسان‬
‫واألفكار‪ ،‬وطرق العيش‪ ،‬كتنوع األعراق واأللسن واأللوان‪ ،‬وال َّ‬
‫عن التعامل مع هذه األصناف المختلفة‪ ،‬وقد وضع القرآن الكريم المنهج القويم‬
‫للتعامل اإلنساين‪ ،‬بوضع األسس والقواعد المؤطرة لذلك‪ ،‬وسنتناول من خالل‬
‫هذا المبحث ما ورد يف سورة الحجرات يف هذا اإلطار‪.‬‬

‫‪١٤9‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫املطلب األول‬
‫‪ J‬منهج التعامل يف ِظالل ال َوحدة اإلنسانية العامة ‪L‬‬
‫الرؤية القرآنية تجعل التنوع والتعدد سنة من سنن اهلل يف هذا الكون‪ ،‬فالتعددية‬
‫هي «القانون اإللهي‪ ،‬والسنة اإللهية األزلية األبدية يف ميادين الكون المادي‪،‬‬
‫واالجتماع اإلنساين‪ ،‬وشؤون العمران وميادينه‪ ،‬وهبما تتميز عوالم الخلق‬
‫المتعددة عن ذات الحق الواحدة»(‪.(١‬‬
‫ومن ذلك تنوع اإلنسانية إلى ذكر وأنثى‪ ،‬وشعوب وقبائل‪ ،‬يقول اهلل تعالى يف‬
‫هذه السورة الكريمة‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ‬
‫ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ﴾ [الحجرات‪]13 :‬؛ فقد أشار القرآن الكريم‬
‫الوحدة‪ ،‬فمنها أن‬
‫إلى ميادين حكمت فيها السنة اإللهية بالتنوع والتعدد يف إطار َ‬
‫الوحدة اإلنسانية هو خلقهم من‬
‫اهلل تعالى اقتضت حكمته أن يكون من مظاهر َ‬
‫ذكر وأنثى‪﴿ ،‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ أي‪ :‬من آدم وحواء‪ ،‬أو خلقنا كل واحد منكم‬
‫من أب وأم (‪ .(٢‬والمعنى‪ :‬يا أيها الناس إنا خلقناكم من رجل وامرأة‪ ،‬فكل واحد‬
‫منكم إنسان مولود من إنسانية‪ ،‬ال تفرتقون من هذه الجهة‪ ،‬واالختالف الحاصل‬
‫بالشعوب والقبائل ‪ -‬وهو اختالف حاصل بالجعل اإللهي ‪ -‬ليس لكرامة وفضيلة‪،‬‬
‫وإنما هو لتتعارفوا‪ ،‬فيتم بذلك اجتماعكم‪.‬‬

‫‪ ‬تن ّوع اإلنسانية للتعارف والتعاون‪:‬‬


‫والقرآن الكريم إذ يقرر هذا التنوع والتعدد ويبين الحكمة من ذلك؛ فإنه يدعو‬

‫(‪ (١‬هل اإلسالم هو الحل‪ ،‬لعمارة (‪.)50‬‬


‫(‪ (٢‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬البن كثير (‪ .)385/7‬والكشاف‪ ،‬للزمخشري (‪.)377/4‬‬

‫‪١5٠‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫إلى توظيف ذلك يف إقامة عالقات التعارف بين بني اإلنسان‪ ،‬وذلك مدعاة إلى‬
‫التفاعل والتكامل‪ ،‬فمنطوق قوله تعالى‪﴿ :‬ﭿﮀ﴾ يجعل التعارف بين أبناء بني‬
‫آدم من أسمى األهداف للحياة اإلنسانية‪ ،‬ذلك أن التعارف إذا تم على الوجه‬
‫الذي ينشده الحق ويتطلبه الكمال اإلنساين؛ فإنه يحقق معاين الحياة الكريمة‪ ،‬فيتم‬
‫تبادل المنافع بين الشعوب‪ ،‬فتأتلف‪ ،‬وتشيع بين الناس معاين اإلخاء والتعاون(‪.(١‬‬
‫يقول العقاد‪« :‬فالتعدد يف األمم وسيلة للتعارف والتعاون‪ ،‬وليس بوسيلة‬
‫لالدعاء والتنابذ والتعصب للجناس والتعالي بالعصبيات»(‪.(٢‬‬
‫فالقرآن الكريم وضع اإلنسان يف موضعه الصحيح‪ ،‬حين جعل تقسيمه إلى‬
‫ذكر وأنثى‪ ،‬وأنه ينتمي بشعوبه وقبائله إلى األسرة اإلنسانية التي ال تفاضل بين‬
‫اإلخوة فيها بغير العمل الصالح‪ ،‬وبغير التقوى‪.‬‬

‫‪ ‬مقياس التفاضل اإلنساني‪:‬‬


‫إن القرآن الكريم حين أعلن المساواة اإلنسانية يف اآلية السابقة؛ فإنه جعل‬
‫ً‬
‫مجاال لتفاضلها عندما قال بعد ذلك يف اآلية ذاهتا ﴿ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ﴾‪.‬‬
‫«والمراد باألكرم‪ :‬األنفس واألشرف‪ ،‬واألتقى‪ :‬األفضل يف التقوى»(‪(٣‬؛ ففتح بذلك‬
‫مجال التنافس والتفاضل يف القيم العليا التي يستطيع اإلنسان أن يحققها ﴿ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﯥ﴾ [المطففين‪]2٦ :‬؛ أي الرغبة يف التنافس إلى طاعة اهلل(‪.(٤‬‬
‫قال ابن عاشور‪« :‬ألهنم لما تساووا يف أصل الخلقة من أب واحد وأم واحدة‪،‬‬

‫(‪ (١‬أهداف اإلسالم يف توجيه اإلنسان‪ ،‬لرفاعي (‪.)339‬‬


‫(‪ (٢‬المجموعة الكاملة‪ ،‬للعقاد (‪.)46/7‬‬
‫(‪ (٣‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)218/26‬‬
‫(‪ُ (٤‬ينظر‪ :‬معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم‪ ،‬للراغب األصفهاين (‪.)557‬‬

‫‪١5١‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫بعضا إال بالكمال النفساين‪ ،‬وهو الكمال الذي‬


‫كان الشأن أن ال يفضل بعضهم ً‬
‫يرضاه اهلل لهم‪ ،‬والذي جعل التقوى وسيلته‪ ،‬ولذلك ناط التفاضل بالكرم بـ (عند‬
‫اهلل) إذ ال اعتداد بكرم ال يعبأ اهلل به»(‪.(١‬‬
‫وكما نالحظ من هذا المعيار الذي أقره القرآن للتفاضل وسمح به يف ِظ ّل‬
‫اإلنسانية‪ ،‬فإن هذا المعيار يرتبط برباط اتصال اإلنسان بخالقه‪ ،‬وليس له أي مرد‬
‫إلى أصل الكيان اإلنساين ومجال التكريم‪« ،‬ويف هذا المعيار يف التفاضل تبدو‬
‫الصلة باهلل هي الصلة الوحيدة التي تسمح بأن يتفاضل الناس على أساسها‪،‬‬
‫فالتفاضل ليس مرده إلى الناس‪ ،‬بل مرده إلى اهلل ‪.(٢(»‬‬
‫ً‬
‫مجاال للتفاضل هي كما‬ ‫فالتقوى الواردة يف اآلية والتي جعلها القرآن الكريم‬
‫قال عفيف طبارة‪« :‬فضيلة أراد هبا القرآن إحسان الصلة ما بين اإلنسان والخلق‪،‬‬
‫وإحسان الصلة ما بين اإلنسان وخالقه‪ ...‬والمراد أن يتقي اإلنسان ما يغضب ربه‪،‬‬
‫وما فيه ضرر لنفسه أو إضرار لغيره»(‪.(٣‬‬

‫(‪ (١‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)218/26‬‬


‫(‪ (٢‬أصول المجتمع اإلسالمي‪ ،‬لجمال الدين محمد (‪.)109‬‬
‫(‪ (٣‬روح الدين اإلسالمي‪ ،‬لطبارة (‪.)283‬‬

‫‪١52‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫املطلب الثاني‬
‫‪ J‬منهج التعامل يف ِظالل املتمعات اإلنسانية ‪L‬‬
‫منهجا أنموذج ًيا يف التعامالت يف الحياة اليومية‬
‫ً‬ ‫حوت سورة الحجرات‬
‫للمجتمعات اإلنسانية‪ ،‬ذلك بأهنا شملت عدة وصايا؛ تنوعت بين األوامر‬
‫والنواهي‪ ،‬والمتأمل يف هذه الوصايا يجدها تنصب يف تجنب أمراض نفسية‬
‫لها ضرر بالمجتمعات اإلنسانية‪ ،‬أراد القرآن الكريم من خالل هذه الوصايا‬
‫التحذير من اآلفات التي قد تصيب النفس البشرية وتؤثر يف العالقات اإلنسانية‪،‬‬
‫فــ«المجتمع الفاضل الذي يقيمه اإلسالم هبدي القرآن مجتمع له أدب رفيع‪،‬‬
‫ولكل فرد فيه كرامته التي ال تمس‪ ،‬وهي من كرامة المجموع»(‪.(١‬‬

‫‪ ‬اً‬
‫أوال‪ :‬األوامر‪:‬‬
‫األوامر اإللهية حكمها الوجوب ما لم تصرفه قرينة كما هو مقرر عند العلماء‪،‬‬
‫والقرآن الكريم أنزله اهلل ليس للتالوة فحسب؛ وإنما للتطبيق والعمل‪ ،‬ألنه منهج‬
‫حياة لإلنسانية‪ ،‬وقد ورد يف سورة الحجرات أوامر ُتعد من الضروريات‪ ،‬ألهنا‬
‫أساس التعامل والتعايش اإلنساين‪ ،‬وبفقدها ال مجال للعيش والتعايش‪ ،‬وهذه‬
‫األوامر قواعد مهمة يف حياة المجتمعات التي تنشد الحياة اآلمنة المستقرة‪،‬‬
‫التي تسودها المحبة واأللفة والمودة‪ ،‬ويغمرها اإلخاء والصفاء والنقاء‪ ،‬وهذه‬
‫القواعد هي‪:‬‬
‫™ ‪ّ -١‬‬
‫التبني يف األخبار‪:‬‬
‫تبين من أمرها من األسباب الرئيسة يف تفرق الناس‬
‫قبول األخبار الكاذبة دون ّ‬

‫(‪ (١‬يف ظالل القرآن‪ ،‬لقطب (‪.)3344/6‬‬

‫‪١5٣‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫وتباغضهم؛ لذا جاء التوجيه القرآين بالمنهج الصحيح حين تلقي أي خرب من‬
‫األخبار‪ ،‬خاصة األخبار مجهولة المصدر‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [الحجرات‪.]٦ :‬‬
‫ذكر الواحدي أن هذه اآلية الكريمة نزلت يف الوليـد بن عقبة بن أبي معيط‪،‬‬
‫بعثه رسول اهلل ‪ ‬إلى بني المصطلق ليجمع الصدقات‪ ،‬وكان بينه‬
‫تعظيما هلل تعالى ولرسوله‬
‫ً‬ ‫وبينهم عداوة يف الجاهلية‪ ،‬فلما سمع القوم تلقوه‬
‫‪ ،‬فحدّ ثه الشيطان أهنم يريدون قتله فهاهبم‪ ،‬فرجع من الطريـق إلى‬
‫رسول اهلل ‪ ‬وقال‪ :‬إن بني المصطلق قد منعوا صدقاهتم‪ ،‬وأرادوا‬
‫وهم أن يغزوهم‪ ،‬فبلغ القوم رجوعه‪،‬‬
‫قتلـي‪ ،‬فغضب رسول اهلل ‪ّ ،‬‬
‫فأتوا رسول اهلل ‪ ،‬وقالوا‪ :‬سمعنا برسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه‬
‫ونؤدي إليه ما قبلنا من حق اهلل تعالى‪ ،‬فبدا له يف الرجوع‪ ،‬فخشينا أن يكون إنما‬
‫رده من الطريق كتاب جاءه منك بغضب غضبته علينا‪ ،‬وإنا نعوذ من غضب اهلل‬
‫وغضب رسوله‪ .‬فأنزل اهلل تعالى هذه اآلية(‪.(١‬‬
‫يقول الفخر الرازي معق ًبا على أسباب نزول هذه اآلية الكريمة‪« :‬بل نقول هو‬
‫نزل عا ًما لبيان التثبت‪ ،‬وترك االعتماد على قول الفاسق»(‪ .(٢‬وهو يقصد بذلك أن‬
‫خاصا بالوليد؛‬
‫سبب نزول هذه اآلية عام يف خرب الفاسق‪ ،‬وليس إطالق الفاسق ً‬
‫ألنه اجتهد فأخطأ‪ ،‬وال ُيسمى بسبب ذلك فاس ًقا على الحقيقة‪ ،‬فأكثر المفسرين‬
‫على أن الوليد كان ثقة عند رسول اهلل ‪ ،‬فصار فاس ًقا بكذبه‪ ،‬أي‬
‫كاذ ًبا‪ ،‬ونقل القرطبي عن ابن زيد ومقاتل وسهل بن عبد اهلل‪ :‬الفاسق الكاذب(‪،(٣‬‬

‫(‪ (١‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬للواحدي (‪.)407‬‬


‫(‪ (٢‬التفسير الكبير‪ ،‬للفخر الرازي (‪.)98/28‬‬
‫(‪ (٣‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬للقرطبي (‪.)283/8‬‬

‫‪١5٤‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫وزجرا عن االستعجال يف األمر من غير تثبت‪ ،‬فهو‬


‫ً‬ ‫والظاهر أنه سمي فاس ًقا ً‬
‫تنفيرا‬
‫متأول ومجتهد‪ ،‬وليس فاس ًقا على الحقيقة(‪.(١‬‬
‫وعلى العموم فإن مدلول اآلية عام‪ ،‬وهو يتضمن منهج التمحيص والتثبت‬
‫من خبر الفاسق‪ ،‬فأما الصالح فيؤخذ بخربه؛ فهذا هو األصل يف الجماعة المؤمنة‪،‬‬
‫وال بد من التب ّين والتثبت‪ ،‬ويف خرب الفاسق أوكد‪ ،‬واألخذ بخرب الصالح جزء من‬
‫منهج التثبت‪ ،‬ألنه أحد مصادره(‪.(٢‬‬
‫وقد كثر كالم العلماء حول قصة نزول هذه اآلية الكريمة والوليد بن عقبة‬
‫المخبر والشاهد بما ال مجال للخوض يف ذلك‪ ،‬فالذي يعنينا هو المنهج‬
‫وعدالة ُ‬
‫دائما‬
‫الذي ينبغي أن نتبعه يف تلقي األخبار والتعامل معها‪ .‬فإن الطبيعة البشرية ً‬
‫﴿ﮀ ﮁ ﮂ﴾‬ ‫[األنبياء‪]3٧ :‬‬ ‫يف عجل من أمرها ﴿ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ﴾‬
‫[اإلسراء‪ ،]11 :‬فالنفس البشرية تتلقى األخبار الجديدة بالقبول والتأثر‪ ،‬وبمجرد‬
‫سماع الخرب ينطلق الفكر إلى ردة فعل معاكسة‪ ،‬دون وعي أو تفكر يف العواقب‪،‬‬
‫وللشيطان نصيب يف حث اإلنسان على ذلك‪ ،‬فعن أنس بن مالك ‪ ،‬أن‬
‫الش ْي َطان»(‪.(٣‬‬ ‫النبي ‪‬قال‪« :‬ال َّت َأ ِّني ِم َن اهللِ‪َ ،‬و َ‬
‫الع َج َل ُة ِم َن َّ‬

‫والخطاب القرآين هنا بهذه الصيغة يومئ إلى أمر مهم جدًّ ا‪ ،‬وهو ضرورة‬
‫التب ّين والتثبت من الخرب قبل اتخاذ القرار؛ ألن القرار يجب أن ُيبنى على حقائق‪،‬‬
‫وليس على شيء لم يتب ّين صوابه من خطئه؛ ولذلك جاء الخطاب القرآين ﴿ﭢ‬
‫المخرب‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﴾‪ ،‬ولم يقل‪ :‬إن جاءكم خرب أو جاءكم ُمخرب بنبأ‪ ،‬ولوصف ُ‬
‫بالفسق داللة واضحة؛ وهي أن الذي يتعمد حمل الخرب المغلوط دون تفكر يف‬

‫(‪ (١‬التفسير المنير‪ ،‬للزحيلي (‪.)227/26‬‬


‫(‪ (٢‬التفسير الرتبوي للقرآن الكريم‪ ،‬للباز (‪.)320/3‬‬
‫(‪ (٣‬سنن البيهقي الكربى‪ ،‬للبيهقي‪ ،‬رقم الحديث (‪ )20057‬باب التثبت يف الحكم (‪.)104/10‬‬

‫‪١55‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫عاقبة ما سيؤول إليه األمر هو فاسق؛ ألنه بمثابة من أطلق قنبلة موقوتة‪ ،‬قد تنفجر‬
‫جسيما‪ .‬فكم من حروب أوقدت‬
‫ً‬ ‫يف أي لحظة‪ ،‬ويكون أثرها المادي والمعنوي‬
‫بسبب األخبار الكاذبة‪ ،‬كان أثرها سفك الدماء وتشريد الشعوب‪ ،‬وإثارة الفتن‬
‫والبغضاء والكراهية‪ ،‬وكم من أرحام ُقطعت بسبب وشاية مغرضة كاذبة‪.‬‬

‫ويف القراءتين ﴿ﭦ﴾ و﴿فتث َّبتوا﴾ تأكيد لمعنى التأكد واالحتياط يف قبول‬
‫األخبار؛ فقد قرأ الجمهور‪﴿ :‬ﭦ﴾ بفوقية فموحدة فتحتية فنون‪ ،‬من البيان‪.‬‬
‫وقرأ حمزة والكسائي وخلف‪﴿ :‬فتث َّبتوا﴾ بفوقية فمثلثة فموحدة ففوقية‪ ،‬من‬
‫الثبت(‪.(١‬‬
‫التبيين‪ :‬تط ُّلب البيان وهو ظهور األمر‪.‬‬
‫التثبت‪ :‬التحري وتط ُّلب الثبات وهو الصدق‪.‬‬
‫ومآل القراءتين واحد وإن اختلف معناهما‪ ،‬وهو األمر بالتأين وعدم العجلة‬
‫حتى تظهر الحقيقة فيما أنبأ به الفاسق(‪.(٢‬‬

‫فتبينُـوا كراهـة أن تصيبـوا قو ًما بخطأ فتصبحوا نادمين على ما فعلتم‪ .‬فلو أن‬
‫َّ‬
‫الرسول ‪ ‬عمل بقول الوليد بن عقبة‪ ،‬لغزا بني المصطلق‪ ،‬وسفك‬
‫الدماء‪ ،‬وأخذ األموال بغير حق‪ ،‬فاهلل يرشد عباده إلى هذا األدب‪ ،‬ويحذرهم من‬
‫العمل بالخرب قبل الكشف عنه والتثبت منه(‪.(٣‬‬
‫خصص الفاسق ألنه مظنة الكذب‪ ،‬وحتى ال يشيع‬ ‫يقول صاحب ِّ‬
‫الظالل‪« :‬و ُي ّ‬

‫(‪ (١‬القراءات العشر المتواترة من طريقي الشاطبية والدرة‪ ،‬لشرف (‪ ،)516‬والجامع ألحكام القرآن‪،‬‬
‫للقرطبي (‪.)283/8‬‬
‫(‪ (٢‬أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن‪ ،‬للشنقيطي (‪.)411/7‬‬
‫(‪ (٣‬التفسير الواضح‪ ،‬للحجازي (‪.)503/3‬‬

‫‪١56‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫الشك بين الجماعة المسلمة يف كل ما ينقله أفرادها من أنباء‪ ،‬فيقع ما يشبه الشلل‬
‫يف معلوماهتا‪ ،‬فاألصل يف الجماعة المؤمنة أن يكون أفرادها موضع ثقتها‪ ،‬وأن‬
‫تكون أنباؤهم مصدقة مأخو ًذا هبا‪ ،‬فأما الفاسق فهو موضع الشك حتى يثبت خربه‪،‬‬
‫وبذلك يستقيم أمر الجماعة وس ًطا بين األخذ والرفض لما يصل إليها من أنباء‪،‬‬
‫وال تعجل الجماعة يف تصرف بنا ًء على خرب فاسق‪ ،‬فتصيب قو ًما بظلم عن جهالة‬
‫وتسرع‪ ،‬فتندم على ارتكاهبا ما يغضب اهلل‪ ،‬ويجانب الحق والعدل يف اندفاع»(‪.(١‬‬
‫والتعبير بكلمة (إنْ ) يف قوله ﴿ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ التي هي للشك؛ لإلشارة‬
‫نبيها يق ًظا‪ ،‬يستطيع أن يفهم ويدرك المغازي‪،‬‬
‫إلى أن الغالب يف المؤمن أن يكون ً‬
‫وما تؤول إليه األمور‪ ،‬وما يرتتب عليها‪ ،‬لذا ال يأتيهم كاذب يكذب عليه‪ ،‬وإن‬
‫نادرا(‪.(٢‬‬
‫حصل فال يكون إال ً‬
‫«إن من يتأمل يف واقع الناس اليوم‪ ،‬وينظر يف الكم الهائل من األخبار التي‬
‫نسمعها يف كل يوم‪ ،‬ويرى االختالف والتباين بين مصادر هذه األخبار‪ ،‬يدرك‬
‫عظمة هذا الدين‪ ،‬وسمو هذا المنهج الذي دعا إليه اإلسالم‪ ،‬وأمر به القرآن‪،‬‬
‫وحفظته السنة‪ ،‬وحفظت به السنة»(‪.(٣‬‬
‫ولذلك يقول سيد قطب عند تفسير قوله تعالى‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ﴾ [اإلسراء‪« :]3٦ :‬التثبت من كل‬
‫خرب ومن كل ظاهرة ومن كل حركة قبل الحكم عليها‪ ،‬هو دعوة القرآن الكريم‪،‬‬
‫ومنهج اإلسالم الدقيق»(‪.(٤‬‬

‫(‪ (١‬يف ظالل القرآن‪ ،‬لقطب (‪.)3341/6‬‬


‫(‪ (٢‬تفسير آيات األحكام‪ ،‬للسايس‪ ،‬وآخرون (‪.)460/4‬‬
‫(‪ (٣‬سورة األحزاب دراسة تحليلية وموضوعية‪ ،‬للعمر (‪.)176‬‬
‫(‪ (٤‬يف ظالل القرآن‪ ،‬لقطب (‪.)2227/4‬‬

‫‪١57‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫إن هذا المنهج الرباين المحكم تظهر أهميته يف واقعنا المعاصر اليوم‪ ،‬مع‬
‫انتشار وسائل التواصل‪ ،‬التي تحمل الكثير من األخبار المتنوعة ذات المصادر‬
‫المختلفة؛ وكمثال بسيط ما يتناقله الناس على برنامج (الواتساب) من رسائل ‪ -‬اهلل‬
‫أعلم بصحتها ‪ -‬فيعمد بعض الناس بمجرد حصوله على خرب؛ ما يلبث أن ينشره يف‬
‫المجموعات أو للفراد‪ ،‬دون تثبت من صحته‪ ،‬ثم يتضح أن الخرب كاذب‪.‬‬
‫إن مثل هذا العمل له آثاره السلبية يف أوساط المجتمعات اإلنسانية‪ ،‬فقد‬
‫يرتتب عليه أحقاد وعداوات على مستوى المجتمعات واألفراد‪ ،‬فحري باإلنسان‬
‫أن يتمسك بالمنهج القرآين قبل أن ينقل أي خرب كان‪ ،‬خاصة ونحن نملك ‪ -‬يف‬
‫عالمنا اليوم ‪ -‬إمكانات ووسائل التثبت السريع التي تمكننا من الوصول إلى‬
‫مصادر األخبار بسرعة فائقة‪.‬‬
‫™ ‪ - 2‬الصلح بني املتخاصمني‪:‬‬
‫قد يترتب على عدم التثبت من األخبار الكاذبة اتخاذ مواقف متضادة ينتج‬
‫عنها خصام وشجار وقتال‪ ،‬وقد يكون ذلك ليس قصدً ا‪ ،‬ولكن سوء فهم يحدث‬
‫للناس‪ ،‬سواء على المستوى الفردي أو الطائفي‪ ،‬وقد يدخل الشيطان بين الناس‬
‫ف ُيحدث بينهم الفرقة والخصام‪ ،‬والتنازع واالقتتال‪ ،‬وقد تأخذ الناس الحمية‬
‫الجاهلية فيتعصبون لطائفتهم دون التحقق من سبب النزاع والشقاق‪ ،‬وهذا‬
‫كثيرا يف المجتمعات اإلنسانية‪ ،‬لذا أتبع القرآن الكريم هذا المنهج الكريم‬
‫حاصل ً‬
‫يف التعامل يف مثل هذه المواقف‪ ،‬فلو حصل اقتتال بين طائفتين من المؤمنين‪ ،‬فإنه‬
‫يتعين على اآلخرين أن يقوموا بواجب الصلح‪ ،‬وإن أبت إحدى الطائفتين وبغت‬
‫على األخرى وتعذر الصلح؛ فيجب الوقوف بجانب الطائفة المبغي عليها‪ ،‬من‬
‫باب نصرة المظلوم وكف الظالم عن الظلم‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬

‫‪١5٨‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾ [الحجرات‪.]9 :‬‬
‫وقد روى أنس بن مالك ‪  -‬كما يف الصحيحين ‪ -‬يف سبب نزول هذه‬
‫اآلية الكريمة قال‪ :‬قيل للنبي ‪ :‬لو أتيت عبد اهلل بن أبي‪ ،‬فانطلق إليه‬
‫حمارا‪ ،‬فانطلق المسلمون يمشون معه‪ ،‬وهي أرض‬
‫ً‬ ‫النبي ‪ ،‬وركب‬
‫سبخة‪ ،‬فلما أتاه النبي ‪ ‬قال‪ :‬إليك عني‪ ،‬واهلل لقد آذاين نتن حمارك‪.‬‬
‫ريحا منك‪.‬‬
‫فقال رجل من األنصار‪ :‬واهلل لحمار رسول اهلل ‪ ‬أطيب ً‬
‫فغضب لعبد اهلل رجل من قومه فشتمه‪ ،‬فغضب لكل واحد منهما أصحابه‪ ،‬فكان‬
‫بينهما ضرب بالجريد واأليدي والنعال(‪.(١‬‬
‫وانطال ًقا من قاعدة‪« :‬العربة بعموم اللفظ ال بخصوص السبب»؛ فإن إصالح‬
‫ذات البين يف أي قضية كانت مطلوب‪ ،‬وهو منهج إسالمي رصين‪َّ ،‬قرره الشرع‬
‫الحنيف‪ ،‬وحث عليه‪ ،‬بل جعل النبي ‪ ‬درجته أعلى من درجة كثير من‬
‫األعمال التعبدية‪ ،‬فعن َأبي الدَّ رداء ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪َ :‬‬
‫«أ َال‬
‫الص َد َق ِة»‪َ .‬قا ُلوا‪َ :‬ب َلى‪َ .‬ق َال‪« :‬إِ ْص َ‬
‫ال ُح‬ ‫ال ِة َو َّ‬
‫الص َ‬ ‫ُأ ْخبِ ُر ُك ْم بِ َأ ْف َض َل ِم ْن َد َر َج ِة ِّ‬
‫الص َيا ِم َو َّ‬
‫ات ا ْل َب ْي ِن»(‪.(٢‬‬ ‫َذ ِ‬

‫والصلح يف األساس كما هو يف لغة العرب اسم من المصالحة‪ ،‬وهي المسالمة‬


‫تأليف بين‬
‫ٌ‬ ‫بعد المنازعة(‪(٣‬؛ لذلك فإن «إصالح ِ‬
‫ذات البين ال يأيت إال بالخير‪ ،‬ففيه‬
‫ودفع للشحناء‪ ،‬وبه تسكن النفوس‪ ،‬ويزول الخالف‬
‫ٌ‬ ‫القلوب وتقوي ٌة للروابط‬

‫(‪ (١‬صحيح البخاري‪ ،‬للبخاري‪ ،‬حديث رقم (‪ )2545‬باب‪ :‬ما جاء يف اإلصالح بين الناس (‪.)958/2‬‬
‫وصحيح مسلم‪ ،‬لمسلم بن الحجاج‪ ،‬رقم الحديث (‪.)183/5( )4762‬‬
‫(‪ (٢‬صحيح ابن حبان‪ ،‬البن حبان‪ ،‬كتاب الصلح‪ ،‬رقم الحديث (‪.)489/11( )5092‬‬
‫(‪ُ (٣‬ينظر‪ :‬كتاب التعريفات‪ ،‬للجرجاين (‪.)134‬‬

‫‪١59‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫وتذهب الفرقة‪ ،‬لذا دعانا اهلل تعالى إليه وأمرنا به»(‪.(١‬‬


‫َ‬
‫والتعبير بـ (إنْ ) يف قوله ﴿ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾ [الحجرات‪ ]9 :‬فيه‬
‫إشارة إلى أنه ال ينبغي أن يقع قتال بين المسلمين‪ ،‬وإن وقع فإنه نادر(‪ ،(٢‬وذكر‬
‫القرآن الكريم الطائفة‪ ،‬وهي الجماعة من الناس‪ ،‬الذين يجمعهم رأي أو مذهب‬
‫يمتازون به عن سواهم‪ ،‬وقد ُتطلق على الواحد فصاعدً ا (‪.(٣‬‬
‫وإن نظر ًة إلى واقعنا المعاصر شاهد على أحوال المسلمين اليوم‪ ،‬من اقتتال‬
‫وتفرق‪ ،‬فما أحوجنا إلى أن نتأمل ونتدبر ما يوجه إليه كتابنا الماثل بين أيدينا‪،‬‬
‫ويدعونا إليه‪ ،‬ونحن اليوم يف أمس الحاجة إلى تطبيق هذا المنهج القرآين إذا أردنا‬
‫الفالح والنجاح يف الحال والمآل‪ ،‬إننا نعيش زمن التفرق واالنقسام‪ ،‬والتكاره‬
‫والتباغض‪ ،‬بل االقتتال البغيض‪ ،‬الذي ينطلق من فكر الطائفية والعرقية‪ ،‬فيا أمة‬
‫اإلسالم أفيقي واستفيقي من هذه الغفلة‪ ،‬فسبيل خالصنا هو المنهج القرآين‪،‬‬
‫الذي أنزله رب العزة والجالل لنطبقه يف حياتنا‪.‬‬
‫™ ‪ -٣‬العدل والقسط‪:‬‬

‫وتبعا لمنهج الصلح بين المتخاصمين السابق ذكره فإن المنهج القرآين‬
‫ً‬
‫يؤكد أن هذا الصلح يجب أن يكون ً‬
‫عادال لكال الطرفين‪ .‬يقول اهلل تعالى يف اآلية‬
‫السابقة‪ ...﴿ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﴾ [الحجرات‪.]9 :‬‬
‫أمر اهلل ‪ ‬بعد أمره باإلصالح بين الطائفتين المتقاتلتين بالقسط‪،‬‬
‫وهو العدل الذي ال تقوم المجتمعات وال تستقر إال به‪ ،‬والعدل هو‪ :‬وضع الشيء‬

‫(‪ (١‬الوصايا التسع يف سورة الحجرات يف التعامل مع الناس‪ ،‬لزغرب (‪.)26‬‬


‫(‪ (٢‬تفسير آيات األحكام‪ ،‬للسايس (‪.)466/4‬‬
‫(‪ (٣‬إعراب القرآن الكريم وبيانه‪ ،‬للدرويش (‪.)251/7‬‬

‫‪١6٠‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫يف موضعه الصحيح؛ بإعطاء كل ذي حق حقه‪ ،‬من غير تفرقة‪ ،‬وعلى قدم المساواة‪.‬‬
‫وأمره ‪ ‬بالعدل مطل ًقا يف جميع األحوال ويف جميع األمور؛ فهو‬
‫مطلوب من الحاكم مع رعيته‪ ،‬ومن الرعية مع الحاكم‪ ،‬مع األب تجاه أبنائه‪،‬‬
‫ومن الرجل مع زوجاته‪ ،‬ومن المعلم مع طالبه‪ ،‬وهكذا‪ ،‬والعدل يف اإلسالم عدل‬
‫مطلق كما ذكرنا‪ ،‬حتى إنه مطلوب مع العدو ﴿ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [المائدة‪ ،]8 :‬بل إنه مطلوب‬
‫من اإلنسان مع نفسه‪.‬‬
‫ولم يكتف المنهج القرآين باألمر بالعدل فحسب؛ بل أكد على قضية القسط‪،‬‬
‫وهذا تأكيد على أهمية العدل بين الفئات المتنازعة‪ ،‬فمعنى ﴿ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ﴾ [الحجرات‪ ]9 :‬أي‪ :‬اعدلوا إن اهلل يحب العادلين‪ ،‬فـ ﴿ﯕﯖ﴾ من‬
‫الج ْور‪ُ ،‬يقال‪َ :‬ق َسط الرجل؛‬
‫الثالثي الذي معناه َ‬
‫ّ‬ ‫الرباعي‪ ،‬بخالف « َق َس َط»‬
‫ّ‬ ‫« َأ ْق َس َط»‬
‫إذا جار‪ ،‬وأ ْق َسط؛ إذا عدَ ل‪.‬‬
‫قسط فهو م ِ‬
‫قسط إذا‬ ‫قسط‪ :‬هو العادل‪ .‬يقال‪ :‬أقسط ي ِ‬‫قال ابن منظور‪ :‬الم ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫عدل‪ ،‬و َقس َط ي ِ‬
‫قسط‪ ،‬فهو قاسط إذا جار(‪.(١‬‬ ‫َ ُ‬

‫•فأصل كلمة ِالق ْسط تأتي بمعنيين(‪:(٢‬‬


‫األول‪ :‬بمعني العدل‪ ،‬ومنه قولـه تعالى‪﴿ :‬ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ﴾‬
‫[الحجرات‪ ]9 :‬فهي تعني يف اآلية اعدلوا إن اهلل يحب العادلين(‪ ،(٣‬وهبذا المعنى‬

‫(‪ (١‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪ ،‬مادة (قسط) (‪.)159/11‬‬


‫(‪ُ (٢‬ينظر‪ :‬الوجوه والنظائر أللفاظ كتاب اهلل العزيز‪ ،‬للدامغاين (‪.)385‬‬
‫(‪ُ (٣‬ينظر‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬للقرطبي (‪.)287/8‬‬

‫‪١6١‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫يكون أصل الكلمة مأخو ًذا من الفعل الرباعي أقسط واسم الفاعل منه مقسط‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬بمعنى الجور والميل عن الحق‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [الجن‪ ]15 :‬أي الجائرون الظالمون المائلون عن الحق‪ .‬وعلى‬
‫هذا فهي مأخوذة من الفعل الثالثي « َقسط» واسم الفاعل منه ِ‬
‫«قاسط» أي بمعنى‬ ‫َ‬
‫ظالِم وجائِر‪.‬‬
‫ولذلك قال الفخر الرازي‪« :‬اإلقساط إزالة القسط وهو الجور والقاسط هو‬
‫الجائر»(‪.(١‬‬
‫كما أن المنهج القرآين يف هذا الجانب منهج ُمحكم ودقيق‪ ،‬ذلك أن ذكر‬
‫العدل والقسط يف اإلصالح بعد في َئة ِ‬
‫الف َئة الباغية‪ ،‬فيه إشارة إلى أن الطائفة‬ ‫ْ‬
‫المغلوبة مظنة أن تتعرض إلى ظلم‪ ،‬وكأن المنطوق القرآين يقول‪ :‬ال يحملنكم‬
‫قهركم إياهم على ظلمهم(‪.(٢‬‬
‫™ ‪ -٤‬اجتناب الظن السيئ‪:‬‬
‫سوء الظن باآلخرين مرض نفسي‪ُ ،‬يبتلى به بعض بني اإلنسان‪ ،‬وهو عادة‬
‫سيئة‪ ،‬هنى عنها القرآن الكريم‪ ،‬وأرشد إلى المنهج الصحيح عند االبتالء هبذه‬
‫الظاهرة السيئة‪ ،‬والظن يف لغة العرب من ظ َّن َّ‬
‫الشيء ظنًّا؛ علمه بغير يقين‪ ،‬وقد‬
‫تأيت بمعنى اليقين‪.‬‬
‫ِّ‬
‫الظنة‪ :‬التهمة(‪.(٣‬‬
‫والتحذير هنا من الظن السيئ‪ ،‬الذي هو غير متيقن ﴿ﭑﭒﭓﭔﭕ‬

‫(‪ (١‬التفسير الكبير‪ ،‬للفخر الرازي (‪.)106/28‬‬


‫(‪ (٢‬تفسير آيات األحكام‪ ،‬للسايس (‪.)469/4‬‬
‫(‪ُ (٣‬ينظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪ ،‬مادة (ظ َّن) (‪.)271،272/8‬‬

‫‪١62‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ﴾ [الحجرات‪ ،]12:‬ولذلك نلحظ هذا األسلوب الرائع‬


‫من القرآن الكريم يف هنيه عن هذا األمر؛ فإنه لم يقل‪ :‬اجتنبوا الظن‪ ،‬وإنما قال‪:‬‬
‫﴿ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﴾؛ ألن الظن قد يكون حسنًا وقد يكون سي ًئا‪ ،‬لكن الغالب‬
‫بين الناس هو الظن السيئ‪.‬‬
‫والسر يف ذلك كما يقول الدرويش‪« :‬لإليذان بأن يف الظنون ما يجب أن‬
‫ّ‬
‫ُيجتنب من غير تبيين لذلك وال تعيين؛ لئال يجرتئ أحد على ظن إال بعد تأمل‬
‫و ُبعد نظر وتمحيص واستشعار للتقوى»(‪.(١‬‬
‫والظن السيئ هو أن يسيء اإلنسان بغيره‪ ،‬يقول الماوردي‪« :‬سوء الظن هو‬
‫عدم الثقة بمن هو لها أهل»(‪.(٢‬‬
‫وقال ابن القيم‪« :‬سوء الظن‪ :‬هو امتالء القلب بالظنون السيئة بالناس؛ حتى‬
‫يطفح على اللسان والجوارح»(‪.(٣‬‬
‫وقال ابن كثير‪« :‬سوء الظن هو التهمة والتخون للهل واألقارب والناس يف‬
‫غير محله»(‪.(٤‬‬
‫ولذلك اعتبر النبي ‪ ‬الظن أكذب الحديث‪ ،‬حيث قال فيما رواه‬
‫الظن أكذب الحديث»(‪.(5‬‬
‫َّ‬ ‫والظن‪ ،‬فإنَّ‬
‫َّ‬ ‫أبو هريرة‪« :‬إياكم‬
‫وبما أن الظن قد يحدث يف نفس اإلنسان؛ فقد كان المنهج النبوي تجنيب‬

‫(‪ (١‬إعراب القرآن الكريم وبيانه‪ ،‬للدرويش (‪.)258/7‬‬


‫(‪ (٢‬أدب الدنيا والدين‪ ،‬للماوردي (‪.)186/6‬‬
‫(‪ (٣‬الروح‪ ،‬البن ق ّيم الجوزية (‪ )238‬بتصرف‪.‬‬
‫(‪ (٤‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬البن كثير (‪ )377/7‬بتصرف‪.‬‬
‫(‪ (5‬صحيح البخاري‪ ،‬للبخاري‪ ،‬رقم الحديث (‪ )5717‬باب‪ :‬ما ينهى عن التحاسد والتدابر (‪.)2253/5‬‬
‫وصحيح مسلم‪ ،‬لمسلم‪ ،‬رقم الحديث (‪ ،)6701‬باب‪ :‬تحريم الظن والتجسس (‪.)10/8‬‬

‫‪١6٣‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫أصحابه أن يقعوا يف ذلك‪ ،‬مخافة أن يقعوا يف سوء الظن الذي يؤدي هبم إلى‬
‫المعصية‪ ،‬وهذا من شفقته ‪ ‬بأصحابه‪ ،‬فعن صفية بنت ُح َي ّي قالت‪:‬‬
‫«كان النبي ‪ ‬معتك ًفا‪ ،‬فأتيته أزوره ً‬
‫ليال‪ ،‬فحدَّ ثتُه‪ ،‬ثم قمت ألنقلب‪،‬‬
‫فقام معي ليقلبني‪ ،‬وكان مسكنها يف دار أسامة بن زيد‪ ،‬فمر رجالن من األنصار‪،‬‬
‫فلما رأيا النبي ‪ ‬أسرعا‪ ،‬فقال النبي ‪ :‬على رسلكما‪،‬‬
‫إنها صفية بنت ُح َي ّي‪ .‬فقاال‪ :‬سبحان اهلل يا رسول اهلل! قال‪ :‬إن الشيطان يجري من‬
‫شرا أو قال‪ :‬شيئًا»(‪.(١‬‬
‫اإلنسان مجرى الدم‪ ،‬وإين خشيت أن يقذف يف قلوبكما ًّ‬
‫قال النووي‪« :‬الحديث فيه فوائد‪ :‬منها بيان كمال شفقته ‪ ‬على‬
‫رحيما؛‬
‫ً‬ ‫ُأ َّمته‪ ،‬ومراعاته لمصالحهم‪ ،‬وصيانة قلوهبم وجوارحهم‪ ،‬وكان بالمؤمنين‬
‫فخاف ‪ ‬أن ُيلقي الشيطان يف قلوهبما فيهلكا؛ َّ‬
‫فإن ظ َّن السوء باألنبياء‬
‫ُك ْفر باإلجماع‪ ،‬والكبائر غير جائزة عليهم‪ ،‬وفيه َّ‬
‫أن من ظ َّن شي ًئا من نحو هذا‬
‫بالنبي‪َ ‬ك َفر‪ .‬وفيه استحباب التحرز من التعرض لسوء ظن الناس‬
‫يف اإلنسان‪ ،‬وطلب السالمة‪ ،‬واالعتذار باألعذار الصحيحة‪ ،‬وأنه متى فعل ما قد‬
‫ينكر ظاهره مما هو حق‪ ،‬وقد يخفى أن يبين حاله ليدفع ظ َّن السوء»(‪.(٢‬‬
‫إن اإلسالم بهذا المنهج يريد أن يتحلى اإلنسان بنقاء القلب وصفاء الروح؛‬
‫فإن الذي يتعود أن يسيء الظن باآلخرين يقع يف كثير من األمور المحذورة‪ :‬منها‬
‫نفورا منهم يف‬
‫عدم الثقة يف اآلخرين‪ ،‬مما يفقده جدية التعامل معهم‪ ،‬بل يجد ً‬
‫التعامل معه‪ ،‬هذا باإلضافة إلى ما ُيحدثه سوء الظن من عدم تعاون بين أفراد‬
‫المجتمع عندما يفقد بعضهم الثقة يف بعض‪.‬‬

‫(‪ (١‬صحيح البخاري‪ ،‬للبخاري‪ ،‬رقم الحديث (‪ )3107‬باب‪ :‬صفة إبليس وجنوده (‪ .)1195/3‬وصحيح‬
‫مسلم‪ ،‬لمسلم‪ ،‬رقم الحديث (‪ )5808‬باب‪ :‬بيان أنه يستحب ‪.)8/7( ...‬‬
‫(‪ (٢‬المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج‪ ،‬للنووي (‪.)156/14‬‬

‫‪١6٤‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫ثانيا‪ :‬النواهي‪:‬‬
‫‪ ‬اً‬
‫كما هو الحال يف وجوب تنفيذ أوامر اهلل تعالى‪ ،‬فإن الحال كذلك يف‬
‫وجوب امتثال النواهي التي هنى اهلل عنها‪ ،‬ولو التزم المسلمون هبذا األمر لكانت‬
‫المجتمعات اإلنسانية طاهرة من اآلفات االجتماعية الخطيرة التي تئن األمم‬
‫تحت وطأهتا‪ ،‬لما يشهده العالم من تفتت وضياع بسبب وقوعهم فيما هنى اهلل عنه‬
‫َّ‬
‫وحذرهم منه‪ ،‬وهذه القواعد هي‪:‬‬
‫™ ‪ -١‬عدم السخرية من اآلخر‪:‬‬
‫السخرية‪ :‬االستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه‬
‫يضحك منه‪ ،‬وقد يكون ذلك بالمحاكاة يف الفعل والقول‪ ،‬وقد يكون باإلشارة‬
‫واإليماء(‪.(١‬‬
‫وقد نهى اهلل ‪ ‬عن السخرية باآلخرين؛ لما له من أثر على العالقات‬
‫اإلنسانية؛ أفرا ًدا وجماعات‪ ،‬فالساخر من اآلخرين والمتعالي عليهم بعلمه أو‬
‫ماله أو جاهه؛ أو غيرها من األمور المادية يرى من نفسه أنه فوق اآلخرين‪ ،‬ونسي‬
‫أن من يسخر منهم قد يفوقونه يف جوانب أخرى تفوق ما عنده‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯨ‬
‫ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ‬
‫ﯽﯾ﴾ [الحجرات‪.]11 :‬‬
‫روي عن أنس أنه قال‪ :‬نـزلت يف نساء النبي ‪ ‬ع َّيرن أم سلمة‬
‫حيي بن أخطب أتت رسول‬ ‫ِ ِ‬
‫بالق َصر‪ ،‬وقال عكرمة عن ابن عباس إن صفية بنت ّ‬
‫اهلل ‪‬فقالت‪ :‬يا رسول اهلل؛ إن النساء يعيرنني‪ ،‬ويقلن‪ :‬يا يهودية بنت‬
‫يهوديين‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪« :‬هال قلت‪ :‬إن أبي هارون‪ ،‬وإن عمي‬

‫(‪ (١‬إحياء علوم الدين‪ ،‬للغزالي (‪.)131/3‬‬

‫‪١65‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫موسى‪ ،‬وإن زوجي محمد»‪ ،‬فأنـزل اهلل تعالى هذه اآلية(‪.(١‬‬


‫إن السخرية باآلخرين هو نيل من كرامتهم‪ ،‬واستخفاف بإنسانيتهم‪ ،‬وخوض‬
‫كرم عند اهلل تعالى‪ ،‬فهو الذي خ َلقه َّ‬
‫وسواه‪،‬‬ ‫يف أعراضهم‪ ،‬واإلنسان مخلوق ُم َّ‬
‫يستخف بكل هذه الموازين‬
‫ّ‬ ‫وكرمه‪ ،‬وعندما يسخر إنسان من إنسان؛ فإنه‬
‫َّ‬
‫والخصائص التي حظي هبا اإلنسان من خالقه ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم‪،‬‬
‫كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه»(‪.(٢‬‬
‫تسول له نفسه‬ ‫فالرسول ‪ ‬يف هذا الحديث الشريف ُي ِّ‬
‫حذر من ِّ‬
‫التعدي على حرمات اآلخرين‪ ،‬ولذلك قام إجماع المسلمين على تحريم وتجريم‬
‫هذا األمر‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪« :‬وقد قام اإلجماع على تحريم ذلك»(‪.(٣‬‬
‫بخلقهم أو ُخلقهم؛ لما ُيحدثه من أثر‬
‫أي‪ :‬االستهزاء والسخرية بالمؤمنين َ‬
‫سيئ تجاه المجتمعات‪« ،‬وهكذا ينبغي لكل مجتمع يريد السالمة والرقي والتقدم‬
‫حريصا على التآخي والتعاون بعيدً ا عن كل ما يؤثر سل ًبا على المجتمع‪،‬‬
‫ً‬ ‫أن يكون‬
‫مرض االستهزاء والسخرية‪ ،‬فهو يثير األحقاد‪ ،‬ويدعو‬ ‫ِ‬
‫وأخطره ُ‬ ‫ومن أشدّ ذلك‬
‫يلة واالحتقار‪ ،‬ويسبب الفرقة واالختالف‪ ،‬ويورث العداوة والبغضاء‪،‬‬ ‫للمخ ِ‬
‫ْ‬
‫ويوهن بناء المجتمع القوي المتماسك‪ .‬لقد هنى اهلل عن االستهزاء والسخرية‬
‫ألهنا رذيلة من أخس رذائل البشر‪ ،‬وصف ٌة من أقبح صفات هذا الخلق الذميم‪،‬‬

‫(‪ (١‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬للواحدي (‪94‬ـ‪.)95‬‬


‫(‪ (٢‬صحيح مسلم‪ ،‬لمسلم‪ ،‬رقم الحديث (‪ )6706‬باب‪ :‬تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره (‪.)10/8‬‬
‫(‪ (٣‬الزواجر عن اقرتاف الكبائر‪ ،‬البن حجر‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.33‬‬

‫‪١66‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫يدل على خسة صاحبه ولؤم طبعه وفساد نشأته وانحطاط مستواه‪ .‬واالستهزاء قد‬
‫يكون بنظرة أو كلمة أو إشارة أو محاكاة أو غمز أو همز أو لمز‪ ،‬ومرد ذلك كله‬
‫إلى القلب‪ ،‬فإذا انعقد على شيء من ذلك وقع المحذور»(‪.(١‬‬
‫™ ‪ -2‬عدم ملز اآلخرين‪:‬‬

‫ال َّل ْمزُ ‪ :‬الطعن والضرب باللسان‪.‬‬


‫(‪(٢‬‬

‫وأعظم اللمز إذا كان ذلك بسبب ِخلقة ُخلق عليها‪ ،‬أو أمر ال حيلة للمرء فيه‪:‬‬
‫كالفقر‪ ،‬والدمامة‪ ،‬والقصر‪ ،‬فهذا من اهلل‪ ،‬وعيب اإلنسان بذلك سوء أدب مع اهلل‪،‬‬
‫واعرتاض على خلقه وقدره‪.‬‬
‫لمزه‪ ،‬ولذلك‬
‫وال ينشأ اللمز إال من مرض االحتقار‪ ،‬فإذا احتقر المسلم أخاه َ‬
‫قال ‪« :‬ال تحاسدوا‪ ،‬وال تناجشوا‪ ،‬وال تباغضوا‪ ،‬وال تدابروا‪ ،‬وال يبع‬
‫بعضكم على بيع بعض‪ ،‬وكونوا عباد اهلل إخوانا‪ ،‬المسلم أخو المسلم؛ ال يظلمه‪ ،‬وال‬
‫يخذله‪ ،‬وال يحقره‪ ،‬التقوى ها هنا» ويشير إلى صدره ثالث مرات «بحسب امرئ من‬
‫الشر أن يحقر أخاه المسلم‪ ،‬كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه»(‪.(٣‬‬
‫والمنهج القرآين لم يكتف بتحريم اللمز فحسب؛ بل جعل لمز اإلنسان‬
‫لمزا لنفسه‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯿ ﰀ ﰁ﴾ [الحجرات‪]11 :‬؛ ألن‬
‫ألخيه اإلنسان ً‬
‫تمس‪ ،‬وهي من كرامة المجموع‪ ،‬ولمز أي‬
‫لكل فرد يف المجتمع كرامته التي ال ّ‬
‫فرد هو لمز للنفس‪ ،‬ألن الجماعة كلها َوحدة واحدة‪ ،‬فكرامتها واحدة(‪.(٤‬‬

‫(‪ (١‬الوصايا التسع يف سورة الحجرات يف التعامل مع الناس‪ ،‬لزغرب (‪.)47‬‬


‫(‪ (٢‬إعراب القرآن الكريم وبيانه‪ ،‬للدرويش (‪.)252/7‬‬
‫(‪ (٣‬صحيح مسلم‪ ،‬لمسلم‪ ،‬رقم الحديث (‪ )6706‬باب‪ :‬تحريم ظلم المسلم‪.)10/8( ...‬‬
‫(‪ (٤‬يف ظالل القرآن‪ ،‬لقطب (‪.)2244/6‬‬

‫‪١67‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫«فالقرآن الكريم يؤسس لقواعد اللياقة االجتماعية واألدب النفسي للتعامل‬


‫يف المجتمع اإلنساين‪ ،‬فالمجتمع الفاضل من وجهة النظر القرآنية ال بد وأن يقوم‬
‫على أسس من األدبيات الذوقية التي ينبغي أن تحكم العالقات السائدة بين‬
‫أبنائه‪ ،‬إنه المجتمع الذي يرت َّفع أبناؤه عن الهمز واللمز والسخرية‪ ،‬ويكون األدب‬
‫الخ ُلق الذي يحكم تعاملهم‪ ،‬فيما بينهم»(‪.(١‬‬
‫هو ُ‬
‫™ ‪ -٣‬عدم التنابز باأللقاب‪:‬‬
‫ال َّتنابزُ ‪ :‬التَّدَ ِ‬
‫اعي باألَلقاب‪ ،‬وهو يكثر فيما كان ذ ًّما‪.‬‬ ‫ُ‬
‫بعضا(‪.(٢‬‬ ‫و َتنا َبزوا باأللقاب‪ :‬أي ل َّق َ‬
‫ب بعضهم ً‬
‫وقد نهى اهلل ‪ ‬عن ذلك يف هذه السورة الكريمة‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﰂ‬
‫ﰃ ﰄﰅ﴾ [الحجرات‪.]11 :‬‬
‫واأللقاب جمع لقب‪ ،‬وهو اسم غير الذي سمي به اإلنسان‪ ،‬والمراد هنا‪:‬‬
‫لقب السوء(‪ ،(٣‬وهو ٍ‬
‫مناف لالحرتام المتبادل بين اإلنسان وأخيه اإلنسان‪ ،‬وتعد ًيا‬ ‫ُّ‬
‫على الحقوق المتبادلة بينهما‪ ،‬فمن حق المؤمن على المؤمن أال يناديه بلقب‬
‫يكرهه ويزري به‪ ،‬ومن أدب المؤمن أال يؤذي أخاه بمثل هذا(‪.(٤‬‬
‫إن من طبع اإلنسان أنه يكره إطالق لقب قبيح عليه‪ ،‬ولكن قد ُيطلق عليه‬
‫اللقب يف موقف مع َّين أو بدون قصد‪ ،‬ف ُيصبح معرو ًفا بذلك اللقب‪ ،‬وإذا كان هذا‬

‫(‪ (١‬أدب المعاملة واثره يف بناء العالقات اإلنسانية من منظور قرآين‪ ،‬لعودة (‪.)320‬‬
‫(‪ (٢‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪ ،‬مادة ( نبز)‪ ،‬والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬للجوهري‪ ،‬مادة (نبز)‬
‫(‪.)897/3‬‬
‫(‪ (٣‬فتح القدير‪ ،‬للشوكاين (‪.)91/5‬‬
‫(‪ (٤‬يف ظالل القرآن‪ ،‬لقطب (‪.)3344/6‬‬

‫‪١6٨‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫اللقب معي ًبا وال يرتضيه اإلنسان فال يجوز مناداته به؛ ألنه محل سخرية واستهزاء‬
‫حرمه اإلسالم وهنى عنه‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﰂ ﰃ ﰄﰅ﴾‪ ،‬عن أبي جبير‬
‫به؛ لذا ّ‬
‫بن الضحاك قال‪ :‬قدم النبي ‪ ‬المدينة وليس فينا رجل إال وله اسمان‬
‫أو ثالثة‪ ،‬فكان إذا دعا أحدً ا منهم باسم من تلك األسماء قالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إنه‬
‫يغضب من هذا‪ ،‬فنـزلت(‪.(١‬‬
‫ومن الطبيعي أن يغضب اإلنسان من مناداته بلقب سيئ ال يرتضيه وال يستسيغه‪،‬‬
‫لما فيه من منقصة وتنقص‪.‬‬
‫فقوله‪﴿ :‬ﰂ ﰃ ﰄﰅ﴾ أي‪ :‬ال تتداعوا باأللقاب‪ ،‬وهي التي يسوء‬
‫الشخص سماعها(‪.(٢‬‬
‫قال السعدي يف تفسير قوله تعالى ﴿ﰂ ﰃ ﰄﰅ﴾ «أي‪ :‬ال يع ِّير أحدكم‬
‫أخاه‪ ،‬و ُيل ِّقبه بلقب ذ ٍّم يكره أن ُيطلق عليه»(‪ .(٣‬وقد تو َّعد اهلل ‪  -‬يف‬
‫سورة أخرى ‪ -‬من يتصف هبذه الصفة الذميمة (أي صفة اللمز)‪ ،‬قال سبحانه‪:‬‬
‫﴿ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ﴾ [الهمزة‪ ]1 :‬وكلمة «ويل» تحمل الوعيد‪ ،‬والوبال‪،‬‬
‫ولم َز غيره بفعله أو قوله‪.‬‬
‫هم َز َ‬
‫وشدّ ة العذاب لكل من َ‬
‫™ ‪ -٤‬عدم التجسس‪:‬‬
‫التجسس‪ :‬البحث عن العورات والمعايب‪ ،‬وكشف ما سرته الناس(‪ .(٤‬وهو‬
‫الج ِّس‪ ،‬وهو من َج ِّس الخرب‪ ،‬ومعناه‪ :‬بحث عنه وفحص‪ ،‬والت ََّج ُّس ُس‬
‫مأخوذ من َ‬
‫وس‪ :‬العين َيت ََج َّس ُس‬
‫والجاس ُ‬
‫ُ‬ ‫الشر‪،‬‬
‫التفتيش عن بواطن األمور‪ ،‬وأكثر ما يقال يف ِّ‬

‫لباب النقول يف أسباب النزول‪ ،‬للسيوطي (‪.)182‬‬ ‫(‪(١‬‬


‫تفسير القرآن العظيم‪ ،‬البن كثير (‪.)376/7‬‬ ‫(‪(٢‬‬
‫تيسير الكريم الرحمن يف تفسير كالم المنان‪ ،‬للسعدي (‪.)801/1‬‬ ‫(‪(٣‬‬
‫التفسير المنير‪ ،‬للزحيلي (‪.)247/26‬‬ ‫(‪(٤‬‬

‫‪١69‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫األخبار ثم يأيت هبا(‪(١‬؛ لذلك هنى اهلل ‪ ‬عن هذا األمر السلبي‪ ،‬الذي‬
‫يتعارض مع الثقة يف التعامل اإلنساين‪ ،‬ويؤدي إلى التباغض والتكاره‪ ،‬وقد‬
‫صريحا يف هذه السورة الكريمة‪﴿ :‬ﭛﭜ ﭝ ﭞ﴾ أي‪ :‬وال يتتبع‬ ‫ً‬ ‫جاء النهي عنه‬
‫بعضكم عورة بعض‪ ،‬وال يبحث عن سرائره يبتغي بذلك الظهور على عيوبه(‪.(٢‬‬
‫وقد نهى عنه ً‬
‫أيضا رسولنا الكريم ‪ ،‬حيث قال يف الحديث الذي‬
‫تحس ُسوا‪ ،‬وال‬
‫الظن أكذب الحديث‪ ،‬وال َّ‬
‫َّ‬ ‫والظن‪ ،‬فإنَّ‬
‫َّ‬ ‫رواه أبو هريرة‪« :‬إ َّياكم‬
‫تجس ُسوا‪ ،‬وال تنافسوا‪ ،‬وال تحاسدوا‪ ،‬وال تباغضوا‪ ،‬وال تدابروا‪ ،‬وكونوا عباد اهلل‬‫َّ‬
‫إخوا ًنا»(‪.(٣‬‬
‫تفشت يف المجتمع ّ‬
‫فككت أوصاله‪ ،‬وأفسدت أركانه‪ ،‬ولم‬ ‫فهذه أمراض إن ّ‬
‫ت ُعد هناك ثقة بين بني اإلنسان بعضهم يف بعض‪ ،‬فعن النبي ‪ ‬قال‪« :‬إن‬
‫األمير إذا ابتغى الريبة يف الناس أفسدهم»(‪.(٤‬‬
‫يقول المناوي‪(« :‬إن األمير إذا ابتغى الريبة) أي‪ :‬طلب الريبة‪ ،‬أي‪ :‬التهمة يف‬
‫الناس بنية فضائحهم‪ ،‬أفسدهم وما أمهلهم‪ ،‬وجاهرهم بسوء الظن فيها‪ ،‬فيؤديهم‬
‫ذلك إلى ارتكاب ما ظ َّن هبم ورموا به ففسدوا‪ .‬ومقصود الحديث‪ُّ :‬‬
‫حث اإلمام‬
‫على التغافل‪ ،‬وعدم تتبع العورات‪ ،‬فإنَّه بذلك يقوم النظام‪ ،‬ويحصل االنتظام‪،‬‬
‫قل ما يسلم من عيبه‪ ،‬فلو عاملهم ِّ‬
‫بكل ما قالوه أو فعلوه اشتدت عليهم‬ ‫واإلنسان َّ‬

‫(‪ُ (١‬ينظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪ ،‬مادة (جس) (‪ .)283/2‬وتاج العروس من جواهر القاموس‪،‬‬
‫للزبيدي‪ ،‬مادة (جس) (‪ .)499/16‬وهتذيب اللغة‪ ،‬للزهري‪ ،‬مادة (جس) (‪.)242/10‬‬
‫(‪ (٢‬تفسير المراغي‪ ،‬للمراغي (‪.)251/9‬‬
‫(‪ (٣‬صحيح البخاري‪ ،‬للبخاري‪ ،‬باب‪ :‬ما ينهى عن التحاسد والتدابر (‪ .)2253/5‬وصحيح مسلم‪،‬‬
‫لمسلم‪ ،‬رقم الحديث (‪ ،)6701‬باب‪ :‬تحريم الظن والتجسس (‪.)10/8‬‬
‫(‪ (٤‬سنن أبي داود‪ ،‬ألبي داود‪ ،‬رقم الحديث (‪ ،)4889‬باب يف النهي عن التجسس‪،)272/4(،‬‬
‫والمستدرك على الصحيحين‪ ،‬للحاكم‪ ،‬رقم الحديث (‪ ،)8137‬كتاب الحدود (‪.)419/4‬‬

‫‪١7٠‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫األوجاع‪ ،‬واتسع المجال‪ ،‬بل يسرت عيوهبم‪ ،‬ويتغافل‪ ،‬ويصفح‪ ،‬وال يتبع عوراهتم‪،‬‬
‫وال يتجسس عليهم»(‪.(١‬‬
‫يسرة‪ ،‬يستطيع هبا‬ ‫وم َّ‬‫إننا يف عصر التقنية الحديثة امتلكنا وسائل متقدمة ُ‬
‫التجسس بكل سهولة ويسر‪ ،‬فليحذر اإلنسان من أن ت ُغ َّره هذه الوسائل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اإلنسان‬
‫فيعمد إلى استخدامها يف التجسس على اآلخرين دون تفكر يف عواقبها ونتائجها‪.‬‬
‫™ ‪ -5‬النهي عن الغيبة‪:‬‬
‫شيوعا يف األوساط اإلنسانية هي الغيبة‪.‬‬
‫ً‬ ‫من أكثر األمراض االجتماعية‬
‫الوقيعة يف النَّاس؛ ألنَّها ال تقال إال يف َغ ْي َبة‪ ،‬يقال‪ :‬اغتابه اغتيا ًبا إذا وقع‬ ‫ِ‬
‫والغيبة‪َ :‬‬
‫فيه وذكره بما يكره من العيوب‪ ،‬واالسم الغيبة‪ ،‬وهي ذكر العيب بظهر الغيب(‪.(٢‬‬
‫وقد َّبينها رسولنا الكريم ‪ ‬يف الحديث الذي رواه أبو هريرة‬
‫اهلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم‪َ .‬ق َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫«أ َتدْ ُرونَ َما ا ْل ِغي َب ُة؟»‪َ .‬قا ُلوا ُ‬‫‪ ،‬أن رسول اهلل قال‪َ :‬‬
‫ال‪« :‬إِنْ َكانَ ِف ِ‬
‫يه‬ ‫ول؟ َق َ‬ ‫يل‪َ :‬أ َف َر َأ ْي َت إِنْ َكانَ يف أخي َما َأ ُق ُ‬ ‫اك بِ َما َي ْك َر ُه»‪ِ .‬ق َ‬ ‫«ذ ْك ُر َك َأ َخ َ‬
‫ِ‬
‫ول َف َق ِد ْاغت َْب َت ُه َوإِنْ َل ْم َي ُك ْن ِف ِ‬
‫يه َف َقدْ َب َه َّت ُه»(‪.(٣‬‬ ‫َما َت ُق ُ‬

‫اإل َ‬
‫نسان بما فيه مما يكره‪ ،‬سواء كان يف‬ ‫قال النووي‪ :‬فأما الغيبة فهي ذكرك ِ‬
‫ُ‬
‫بدنه أو دينه أو دنياه‪ ،‬أو نفسه أو َخلقه أو ُخلقه‪ ،‬أو ماله أو ولده أو والده‪ ،‬أو زوجه‬
‫أو خادمه أو مملوكه‪ ،‬أو عمامته أو ثوبه‪ ،‬أو مشيته وحركته وبشاشته‪ ،‬أو غير ذلك‬
‫أشرت إليه بعينك أو‬
‫َ‬ ‫رمزت أو‬
‫َ‬ ‫مما يتعلق به‪ ،‬سواء ذكرته بلفظك أو كتابك‪ ،‬أو‬
‫يدك أو رأسك أو نحو ذلك‪ .‬أما البدن فكقولك‪ :‬أعمى أعرج أعمش أقرع‪ ،‬قصير‬

‫(‪ (١‬فيض القدير‪ ،‬للمناوي (‪.)323/2‬‬


‫(‪ُ (٢‬ينظر‪ :‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬للزبيدي‪ ،‬مادة (غيب) (‪.)501 ،500/3‬‬
‫(‪ (٣‬صحيح مسلم‪ ،‬لمسلم‪ ،‬رقم الحديث (‪ )6758‬باب‪ :‬تحريم الغيبة (‪.)21/8‬‬

‫‪١7١‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫طويل أسود أصفر‪.‬‬


‫بارا‬ ‫وأما ِّ‬
‫الد ْي ُن فكقولك‪ :‬فاسق سارق خائن‪ ،‬ظالم متهاون بالصالة‪ ،‬ليس ًّ‬
‫يجتنب الغيبة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يضع الزكاة مواض َعها‪ ،‬ال‬
‫بوالده‪ ،‬ال ُ‬

‫يتهاون بالناس‪ ،‬ال يرى ألحد عليه ح ًقا‪ُ ،‬‬


‫كثير الكالم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وأما الدنيا‪ُ :‬‬
‫فقليل األدب‪،‬‬
‫يجلس يف غير موضعه‪ ،‬وأما المتع ِّلق بوالده‬
‫ُ‬ ‫كثير األكل أو النوم‪ ،‬ينا ُم يف غير وقته‪،‬‬
‫ُ‬
‫فكقوله‪ :‬أبوه فاسق‪ ،‬أو هندي أو نبطي أو زنجي‪ ،‬نجار حداد‪.‬‬
‫ضعيف‬
‫ُ‬ ‫الخ ُلق فكقوله‪ :‬سيئ الخلق‪ ،‬متك ّبر ُم َر ٍاء‪ ،‬عجول ج َّبار‪ ،‬عاجز‬
‫وأما ُ‬
‫تهور عبوس‪ ،‬خليع‪ ،‬ونحوه‪.‬‬
‫القلب‪ُ ،‬م ِّ‬
‫الكم‪ ،‬طويل الذيل‪َ ،‬و ِس ُخ الثوب‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬و ُيقاس‬
‫وأما الثوب‪ :‬فواسع ّ‬
‫الباقي بما ذكرناه‪ .‬وضاب ُطه‪ُ :‬‬
‫ذكره بما يكره(‪.(١‬‬
‫وما أكثر ما تتداول هذه األلفاظ يف أوساط المجتمعات‪ ،‬فال ُتفقد يف التجمعات‬
‫اليومية‪ ،‬بل أصبحت وكأهنا عادة من العادات‪ ،‬يسيرة على األلسن‪.‬‬
‫لذلك كان منهج القرآن الكريم يف النهي عن هذه اآلفة الخطيرة بأسلوب‬
‫تمثيلي يجعل اإلنسان العاقل يبتعد عنها كل البعد‪ ،‬والرتكيز على هذا األمر هبذه‬
‫الطريقة إنما هو لتفشيها يف المجتمعات تفش ًيا ملحو ًظا‪ ،‬ولسهولتها على المغتاب‬
‫وتلذذه هبا يف المجالس‪ ،‬هذا من ناحية‪ .‬كما أن لها نتائج وخيمة وضرر بالمجتمع‪.‬‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫﭬ﴾ [الحجرات‪ ]12 :‬وقد أتبع القرآن الكريم النهي عن الغيبة بمشهد تمثيلي‬
‫وتشمئز منه؛ فقد ش ّبه المغتاب باإلنسان الذي يأكل‬
‫ّ‬ ‫تأباه الفطرة اإلنسانية السليمة‬

‫(‪ (١‬األذكار النووية‪ ،‬للنووي (‪ )336‬بتصرف‪.‬‬

‫‪١72‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫لحم أخيه وهو م ِّيت‪ ،‬ووجه الشبه أن الم ِّيت ال يعلم بأكل لحمه‪ ،‬كما أن الحي ال‬
‫يعلم بغيبة من اغتابه‪.‬‬
‫وقال ابن عباس‪ :‬إنما ضرب اهلل هذا المثل للغيبة؛ ألن أكل لحم الميت حرام‬
‫مستقذر‪ ،‬وكذا الغيبة حرام يف الدين وقبيح يف النفوس‪.‬‬
‫وقال قتادة‪ :‬كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا؛ كذلك أن يمتنع من‬
‫غيبته ح ًيا(‪.(١‬‬
‫ونقل القاسمي عن ابن األثير يف (المثل السائر) يف بحث الكناية‪« :‬فمن ذلك‬
‫قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭤ ﭥ﴾ فإنه كنى عن الغيبة بأكل اإلنسان لحم إنسان آخر‬
‫مثله‪ ،‬ثم لم يقتصر على ذلك حتى جعله ميتًا‪ ،‬ثم جعل ما هو الغاية من الكراهة‬
‫ً‬
‫موصوال بالمحبة‪.‬‬
‫فهذه أربع دالالت واقعة على ما قصدت له‪ ،‬مطابقة للمعنى الذي وردت من‬
‫أجله؛ فأما جعل الغيبة كأكل لحم اإلنسان لحم إنسان آخر مثله فشديد المناسبة‬
‫جدً ا‪ ،‬ألن الغيبة إنما هي ذكر مثالب الناس وتمزيق أعراضهم‪ ،‬وتمزيق العرض‬
‫مماثل ألكل اإلنسان لحم من يغتابه؛ ألن أكل اللحم تمزيق على الحقيقة‪.‬‬
‫وأما جعله كلحم األخ فلما يف الغيبة من الكراهة؛ ألن العقل والشرع‬
‫مجتمعان على استكراهها‪ ،‬آمران برتكها‪ ،‬والبعد عنها‪ ،‬ولما كانت كذلك ُجعلت‬
‫بمنزلة لحم األخ يف كراهته‪ ،‬ومن المعلوم أن لحم اإلنسان مستكره عند إنسان‬
‫آخر‪ ،‬إال أنه ال يكون مثل كراهة لحم أخيه‪ ،‬فهذا القول مبالغة يف استكراه الغيبة‪.‬‬
‫ً‬
‫موصوال بالمحبة‪ ،‬فلما ُجبلت عليه‬ ‫وأما جعله ما هو يف الغاية من الكراهة‬

‫(‪ (١‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬للقرطبي (‪.)304 ،303/16‬‬

‫‪١7٣‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫النفوس من الميل إلى الغيبة والشهوة لها مع العلم بقبحها‪ ،‬فانظر أيها المتأمل إلى‬
‫شبها‪ ،‬ألنك إذا نظرت إلى كل واحدة من‬
‫هذه الكناية تجدها من أشد الكنايات ً‬
‫تلك الدالالت األربع التي أشرنا إليها وجدهتا مناسبة لما قصدت له»(‪.(١‬‬

‫(‪ (١‬محاسن التأويل‪ ،‬للقاسمي (‪.)537/8‬‬

‫‪١7٤‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫‪ J‬اخلامتة ‪L‬‬
‫منهجية التعامل أمر بالغ األهمية والخطورة‪ ،‬فقد جعل اإلسالم االلتزام‬
‫قسم ٍ‬
‫كبير منه متوق ًفا على األدب وحسن المعاملة‪.‬‬ ‫بالدين يف ٍ‬

‫ومن منطلق هذه األهمية جاء القرآن الكريم ليضع لنا المناهج القويمة‬
‫واألسس السليمة للتعامل‪ ،‬باعتباره موضو ًعا أساس ًيا من موضوعات هذا الدين‪.‬‬
‫أصل القرآن الكريم ألدب التعامل‪ ،‬وأقامه على مجموعة من القواعد‬
‫فقد ّ‬
‫واألسس التي ينبثق من خاللها نتائج إيجابية وحسنة يف العالقات‪.‬‬
‫المنهج القرآين يف التعامل شامل للوجود كله؛ وجميع تعامالت اإلنسان‬
‫المشرع الذي يجب أن ُتتَّبع تعاليمه ً‬
‫أمرا وهن ًيا‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫مردها إلى اهلل ‪ ،‬فهو‬
‫وأخيرا يتعامل مع اهلل سبحانه عقيدة وشريعة‪.‬‬
‫ً‬ ‫فاإلنسان ً‬
‫أوال‬
‫يقوم المنهج القرآين يف التعامل والعالقات بين أبناء اإلنسانية على أسس‬
‫وقواعد ترتكز على االحترام المتبادل بين الناس‪ ،‬وحفظ الحقوق اإلنسانية‪،‬‬
‫كما أنه ينضبط بمبادئ تكفل إيجاد الروابط السليمة يف بناء المجتمع اإلنساين‬
‫واالرتقاء به إلى أعلى المستويات‪ ،‬وتحقيق أسمى القيم االجتماعية وأرقاها‪،‬‬
‫بعضا‪.‬‬
‫لتكون هي الحاكمة على عالقات الناس ببعضهم ً‬
‫المنهج القرآين يف التعامل هو المنهج األمثل واألحسن‪ ،‬وهو المنهج الذي‬
‫يعود بانعكاسات إيجابية على العالقات‪ .‬ولو أن اإلنسان المسلم التزم هذا‬
‫الراقية المهذبة النقية‪ ،‬ولو أن‬
‫أنموذجا ح ًيا للشخصية االجتماعية ّ‬
‫ً‬ ‫المنهج ألصبح‬
‫أفراد اإلنسانية أخذوا بتعاليم القرآن الكريم ومنهجه لكانت المجتمعات اإلنسانية‬

‫‪١75‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫طاهرة من اآلفات االجتماعية الخطيرة التي تئن األمم تحت وطأهتا‪ ،‬لما يشهده‬
‫العالم من تفتت وضياع‪.‬‬

‫‪ ‬ويف اخلتام أوصي مبا يأتي‪:‬‬


‫‪ -١‬االهتمام بإجراء الدراسات التي تبرز المنهج القرآين يف مختلف جوانب‬
‫الحياة اإلنسانية؛ فالقرآن الكريم معين ال ينضب‪ ،‬ومجال البحث فيه واسع‪.‬‬
‫‪ -٢‬التركيز على المناهج القرآنية يف تأليف كتبنا ومناهجنا وإجراء بحوثنا‪،‬‬
‫وعدم الجري وراء المناهج البشرية المستوردة‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫‪١76‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫‪ J‬املصادر واملراجع ‪L‬‬


‫‪ .1‬األحكام الشرعية الكبرى‪ .‬اإلشبيلي‪ ،‬محمد عبد الحق‪ .‬تحقيق‪ :‬أبو‬
‫عبد اهلل حسين بن عكاشة‪ .‬الرياض‪ :‬مكتبة الرشد‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬إحياء علوم الدين‪ .‬الغزالي‪ ،‬أبو حامد محمد بن محمد‪( ،‬د‪.‬ط) بيروت‪:‬‬
‫دار المعرفة (د‪ .‬ت)‪.‬‬
‫‪ .3‬أدب الدنيا والدين‪ .‬الماوردي‪ ،‬علي بن محمد‪( .‬د‪.‬ط) دار مكتبة‬
‫الحياة‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬أدب المعاملة وأثره يف بناء العالقات اإلنسانية من منظور قرآين‪ .‬عودة‬
‫عبد عودة‪ .‬الشبكة العالمية‪ ،‬الرابط‪:‬‬
‫‪faculty.mu.edu.sa/download.php?fid=134454‬‬

‫‪ .5‬األذكار النووية‪ .‬النووي‪ ،‬محيي الدين يحيى بن شرف‪ .‬تحقيق‪ :‬عبد‬


‫القادر األرناؤوط‪( .‬د‪ .‬ط) بيروت‪ :‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪1994‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬أسباب نزول القرآن‪ .‬الواحدي‪ ،‬علي بن أحمد‪ .‬تحقيق‪ :‬كمال بسيوين‬
‫زغلول‪( ،‬د‪ .‬ط) بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية (د‪ .‬ت)‪.‬‬
‫‪ .7‬أصول المجتمع اإلسالمي‪ .‬جمال الدين محمد‪ .‬ط‪،1‬القاهرة وبيروت‪:‬‬
‫دار الكتاب المصري واللبناين‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن‪ .‬الشنقيطي‪ ،‬محمد األمين‪( .‬د‪.‬‬
‫ط) بيروت‪ :‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪١77‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫‪ .9‬إعراب القرآن الكريم وبيانه‪ .‬الدرويش‪ ،‬محيي الدين‪ .‬ط‪ ،6‬دمشق‬


‫وبيروت‪ :‬اليمامة ودار ابن كثير‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .10‬أنوار التنزيل وأسرار التأويل‪ .‬البيضاوي‪ ،‬عبد اهلل بن عمر‪ .‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد عبد الرحمن المرعشلي‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار إحياء الرتاث العربي‪،‬‬
‫‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ .11‬أهداف اإلسالم يف توجيه اإلنسان‪ .‬رفاعي‪ ،‬علي‪ .‬مجلة األزهر‪ ،‬ج (‪)4‬‬
‫السنة (‪1972 ،)44‬م‪.‬‬
‫‪ .12‬اإليمان‪ .‬ابن تيمية‪ ،‬أحمد بن عبد الحليم‪ .‬ط‪ ،5‬بيروت‪ :‬المكتب‬
‫اإلسالمي‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .13‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ .‬الزبيدي‪ ،‬السيد محمد مرتضى‪.‬‬
‫الكويت‪ :‬الرتاث العربي‪1975 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .14‬التحرير والتنوير‪ .‬ابن عاشور‪ ،‬محمد الطاهر‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬مؤسسة‬
‫التاريخ العربي‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .15‬تزكية النفس وتهذيبها‪ .‬األميني‪ ،‬إبراهيم‪ .‬دار البالغة‪ ،‬ط‪ ،4‬بيروت‪:‬‬
‫(د‪.‬ن) ‪2000‬م‪.‬‬
‫‪ .16‬تفسير آيات األحكام‪ .‬السايس‪ ،‬محمد علي‪ ،‬وآخرون‪ .‬ط‪ ،2‬دمشق‬
‫وبيروت‪ :‬دار ابن كثير ودار القادري‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .17‬التفسير التربوي للقرآن الكريم‪ .‬الباز‪ ،‬أنور‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار النشر‬
‫للجامعات‪2014 ،‬م‪.‬‬

‫‪١7٨‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫‪ .18‬تفسير القرآن العظيم‪ .‬ابن كثير‪ .‬تحقيق‪ :‬سامي بن محمد سالمة‪ .‬ط‪،2‬‬
‫دار طيبة للنشر والتوزيع‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .19‬التفسير الكبير‪ .‬الفخر الرازي‪ .‬ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬دار إحياء الرتاث العربي‪،‬‬
‫‪1420‬هـ‪.‬‬
‫‪ .20‬تفسير المراغي‪ .‬المراغي‪ ،‬أحمد مصطفى‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .21‬التفسير المنير‪ .‬الزحيلي‪ ،‬وهبة بن مصطفى‪ .‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار الفكر‬
‫المعاصر‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .22‬التفسير الواضح‪ .‬الحجازي‪ ،‬محمد محمود‪ .‬ط‪ ،10‬بيروت‪ :‬دار الجيل‬
‫الجديد‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .23‬التقوى‪ :‬حقيقتها وأهميتها وثمرتها‪ .‬شبكة راية اإلصالح‪ .‬الرابط‪:‬‬
‫‪https://rayatalislah.com/index.php/.../211-2013-07-22-14-23-54.‬‬

‫‪ .24‬تهذيب اللغة‪ .‬األزهري‪ ،‬محمد بن أحمد‪ .‬تح‪ :‬محمد عوض مرعب‪.‬‬


‫ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار إحياء الرتاث العربي‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .25‬تيسير الكريم الرحمن يف تفسير كالم المنان‪ .‬السعدي‪ ،‬عبد الرحمن بن‬
‫ناصر‪ .‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن بن المعال اللويحق‪ .‬ط‪ ،1‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫‪2000‬م‪.‬‬
‫‪ .26‬جامع البيان يف تأويل آي القرآن‪ .‬ابن جرير الطربي‪ ،‬محمد بن جرير‪.‬‬
‫تحقيق‪ :‬عبد اهلل بن عبد المحسن الرتكي‪ .‬ط‪ :1‬دار هجر للطباعة‬
‫والنشر واإلعالن‪2001 ،‬م‪.‬‬

‫‪١79‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫‪ .27‬الجامع ألحكام القرآن‪ .‬القرطبي‪ ،‬محمد بن أحمد‪( .‬د‪.‬ط) بيروت‪ :‬دار‬


‫الفكر‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .28‬الرسالة التبوكية‪ .‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬محمد بن أبي بكر‪ .‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫عزيز شمس‪ .‬ط‪ ،1‬مكة المكرمة‪ :‬دار عالم الفوائد‪1425 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .29‬الروح‪ .‬ابن ّقيم الجوزية‪ ،‬محمد بن أبي بكر‪( .‬د‪ .‬ط) بيروت‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية (د‪ .‬ت)‪.‬‬
‫‪ .30‬روح الدين اإلسالمي‪ .‬طبارة‪ ،‬عفيف‪ .‬ط‪ ،30‬بيروت‪ :‬دار العلم للماليين‪:‬‬
‫‪1995‬م‪.‬‬
‫‪ .31‬روح المعاين يف تفسير القرآن العظيم والسبع المثاين‪ .‬األلوسي‪ ،‬محمود‬
‫بن عبد اهلل‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .32‬الزواجر عن اقتراف الكبائر‪ .‬ابن حجر‪ ،‬أحمد بن محمد الهيتمي‪ .‬ط‪،1‬‬
‫دار الفكر‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .33‬سنن البيهقي الكبرى‪ .‬البيهقي‪ ،‬أحمد بن حسين‪ .‬تحقيق‪ :‬محمد عبد‬
‫القادر عطا‪ .‬مكة المكرمة‪ :‬مكتبة دار الباز‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .34‬سنن الترمذي‪ .‬الرتمذي‪ ،‬محمد بن عيسى‪ .‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد شاكر‬
‫وآخرون‪ ،‬دار إحياء الرتاث العربي (د‪ .‬ت‪ .‬ط)‪.‬‬
‫‪ .35‬سنن أبي داود‪ .‬أبو داود‪ ،‬سليمان بن األشعث‪ .‬تحقيق‪ :‬محمد محيي‬
‫الدين عبد الحميد‪( .‬د‪ .‬ط)‪ ،‬بيروت‪ :‬المكتبة العصرية (د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ .36‬سورة الحجرات دراسة تحليلية وموضوعية‪ .‬العمر‪ ،‬ناصر بن سليمان‪.‬‬
‫الشبكة العالمية‪ ،‬الرابط‪:‬‬

‫‪١٨٠‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫_‪https://d1.islamhouse.com/data/ar/ih_books/single4/ar_Surat‬‬
‫‪Alhogorat.pdf.‬‬

‫‪ .37‬سورة الحجرات منهج تربوي لمجتمع مثالي‪ .‬األمين‪ ،‬عبد الحميد‬


‫عمر‪ .‬رسالة ماجستير‪ ،‬السعودية‪ ،‬كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية‪،‬‬
‫جامعة الملك عبد العزيز‪1976 ،‬م‪( ،‬نسخة مرقونة)‪.‬‬
‫‪ .38‬الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية‪ .‬الجوهري‪ ،‬إسماعيل بن حماد‪.‬‬
‫تحقيق‪ :‬أحمد عبد الغفور‪ .‬ط‪ ،4‬بيروت‪ :‬دار العلم للماليين‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .39‬صحيح البخاري‪ .‬البخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل‪ .‬تحقيق‪ :‬مصطفي‬
‫ديب البغا‪ .‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار ابن كثير واليمامة‪1987 :‬م‪.‬‬
‫‪ .40‬صحيح ابن حبان‪ .‬ابن حبان‪ .‬تحقيق‪ :‬شعيب األرناؤوط‪ .‬ط‪ ،2‬بيروت‪:‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .41‬صحيح مسلم‪ .‬مسلم‪ ،‬مسلم بن الحجاج‪( .‬د‪ .‬ط) بيروت‪ :‬دار الجيل‬
‫ودار اآلفاق الجديدة‬
‫‪ .42‬فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير‪ .‬الشوكاين‪،‬‬
‫محمد بن علي‪ .‬تحقيق‪ :‬سيد بن إبراهيم‪ .‬ط‪ ،3‬القاهرة‪ :‬دار الحديث‪،‬‬
‫‪1997‬م‪.‬‬
‫‪ .43‬يف ظالل القرآن‪ .‬قطب‪ ،‬سيد‪ .‬ط‪ ،7‬بيروت والقاهرة‪ :‬دار الشروق‪،‬‬
‫‪1412‬هـ‪.‬‬
‫‪ .44‬فيض القدير‪ .‬المناوي‪ ،‬محمد (عبد الرؤوف)‪ .‬ط‪ ،1‬مصر‪ :‬المكتبة‬
‫التجارية الكرب‪1356 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪١٨١‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫‪ .45‬قبس من نور القرآن الكريم‪ .‬الصابوين‪ ،‬محمد علي‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار‬
‫السالم‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .46‬القراءات العشر المتواترة من طريقي الشاطبية والدرة‪ .‬شرف‪ ،‬جمال‬
‫الدين محمد‪ .‬ط‪ ،4‬طنطا‪ :‬دار الصحابة للرتاث‪2010 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .47‬الكامل يف الضعفاء‪ .‬الجرجاين‪ ،‬أحمد بن عدي‪ .‬تحقيق‪ :‬عادل أحمد‬
‫عبد الموجود‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬الكتب العلمية‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .48‬كتاب التعريفات‪ .‬الجرجاين‪ ،‬علي بن محمد‪( .‬د‪ .‬ط) بيروت‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .49‬الكشاف‪ .‬الزمخشري‪ ،‬محمود بن عمر‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار إحياء الرتاث‬
‫العربي‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .50‬لباب النقول يف أسباب النزول‪ .‬السيوطي‪ ،‬عبد الرحمن بن أبي بكر‪( .‬د‪.‬‬
‫ط) بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪ .51‬لسان العرب‪ .‬ابن منظور‪ .‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار إحياء الرتاث العربي‬
‫ومؤسسة التاريخ العربي‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .52‬لطائف اإلشارات‪ .‬القشيري‪ ،‬عبد الكريم بن هوازن‪ .‬تحقيق‪ :‬إبراهيم‬
‫البسيوين‪ .‬ط‪.3‬مصر‪ :‬الهيئة المصرية العامة للكتاب (د‪ .‬ت)‪،‬‬
‫‪ .53‬مباحث يف إعجاز القرآن‪ .‬مصطفى مسلم‪ .‬ط‪ ،2‬الرياض‪ :‬دار المسلم‪،‬‬
‫‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ .54‬المجموعة الكاملة‪ .‬العقاد‪ ،‬عباس‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتاب اللبناين‪،‬‬
‫‪1974‬م‪.‬‬
‫‪١٨2‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫‪ .55‬محاسن التأويل‪ .‬القاسمي‪ ،‬محمد جمال الدين بن محمد‪ .‬تحقيق‪:‬‬


‫محمد باسل عيون السود‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .56‬المستدرك على الصحيحين‪ .‬الحاكم‪ ،‬محمد بن عبد اهلل‪ .‬تحقيق‪:‬‬
‫مصطفى عبد القادر عطا‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .57‬مسند البزار‪ .‬البزار‪ ،‬أحمد بن عمرو‪ .‬ط‪ ،1‬مكتبة المدينة المنورة‪،‬‬
‫‪2009‬م‪.‬‬
‫‪ .58‬معجم مفردات ألفاظ القرآن‪ .‬الراغب األصفهاين‪ ،‬الحسين بن محمد‪.‬‬
‫ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .59‬المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج‪ .‬النووي‪ ،‬محيي الدين يحيى‬
‫بن شرف‪ .‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار إحياء الرتاث العربي‪1392 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .60‬هل اإلسالم هو الحل‪ .‬محمد عمارة‪ .‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار الشروق‪،‬‬
‫‪1995‬م‪.‬‬
‫‪ .61‬الوجوه والنظائر أللفاظ كتاب اهلل العزيز‪ .‬الدامغاين‪ ،‬الحسين بن محمد‪.‬‬
‫ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪2013 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .62‬الوصايا التسع يف سورة الحجرات يف التعامل مع الناس‪ .‬زغرب‪ ،‬شبكة‬
‫األلوكة‪2016 ،‬م‪ ،‬الرابط‪.www.alukah.net :‬‬

‫‪١٨٣‬‬
‫»‬ ‫«‬

‫‪ J‬الفهرس ‪L‬‬
‫رقم الصفحة‬ ‫املوضــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع‬
‫‪١2٣‬‬ ‫‪..................................................................................................‬‬ ‫‪ ‬ملخص البحث‬
‫‪١2٤‬‬ ‫‪............................................................................................................‬‬ ‫‪ ‬املقدمة‬
‫‪١٣١‬‬ ‫‪..........................‬‬ ‫‪ ‬التمهيد يف سورة احلجرات بيان التنزيل ومقتضيات املضمون‬
‫‪١٣٤‬‬ ‫‪....................................................‬‬ ‫‪ ‬املبحث األول منهج التعامل مع اهلل ورسوله‬
‫‪١٣6‬‬ ‫‪..............................‬‬ ‫™ املطلب األول ‪ :‬منهج التعامل مع اهلل تعاىل عقيدة وشريعة‬
‫‪١٤٤‬‬ ‫‪...........................................‬‬ ‫™ املطلب الثاني‪ :‬منهج التعامل مع املقام النبوي‬
‫‪١٤9‬‬ ‫‪..........................................................‬‬ ‫‪ ‬املبحث الثاني‪ :‬منهج التعامل اإلنساني‬
‫‪١5٠‬‬ ‫‪......................‬‬ ‫™ املطلب األول‪ :‬منهج التعامل يف ِظالل ال َوحدة اإلنسانية العامة‬
‫‪١5٣‬‬ ‫‪..........................‬‬ ‫™ املطلب الثاني‪ :‬منهج التعامل يف ِظالل املتمعات اإلنسانية‬
‫‪١75‬‬ ‫‪..........................................................................................................‬‬ ‫‪ ‬اخلامتة‬
‫‪١77‬‬ ‫‪...............................................................................................‬‬ ‫‪ ‬املصادر واملراجع‬
‫‪١٨٤‬‬ ‫‪...........................................................................................................‬‬ ‫‪ ‬الفهرس‬

‫‪١٨٤‬‬

You might also like