Professional Documents
Culture Documents
تـمهيد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ،ونتوب إليه ونستغفره ،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ،ومن سيئات أعمالنا،
من يهده الله فال مضلل له ،ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال الله ،وحده ال شريك له،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فلقد تعددت مناهج التفسير ومدارسه واتجاهاته ،على مدار التاريخ اإلسالمي ،ومن أهم مناهج التفسير:
التفسير بالمأثور المجرد ،والتفسير األثري النظري ،والتفسير بالرأي المحمود ،والتفسير بالرأي المذموم.
وأفضل هذه المناهج هو منهج التفسير األثري النظري ،الذي يجمع بين اعتماد األقوال المأثورة من آيات
وأحاديث ،وأقوال صحابة وتابعين ،ولغة وشواهد شعرية ،وبين النظر في اآليات ،واستخراج بعض ما فيها
فسروا القرآن بقواعد هذا المنهج
من دالالت ولطائف وأحكام ،وكثير من المفسرين في القديم والحديث ّ
األثري النظري.
وألن الحاجة ماسة إلى تعريف الدارسين -من طالب جامعيين أكاديميين ،ومثقفين إسالميين ،وطلبة
علم – بأهم مناهج المفسرين ،وعرض ألهم قواعد كل منهج ،وتعريف بأشهر التفاسير التي تحقق فيها
هذا المنهج ،لهذا جاء هذا المقرر (مناهج المفسرين) ليتعرف دارسوه على قواعد ومالمح هذه المناهج
التفسيرية ،وموجز حركة التفسير ،وليتمكنوا من مالحظة توزيع هذه التفاسير على تلك المناهج.
وثمرة هذا المقرر المرجوة هي القراءة في التفاسير التي سنتطرق لبعضها ،لتكون عوناً لفهم كتاب الله
وتدبّره.
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ،ونور صدورنا ،وذهاب همومنا ،وجالء أحزاننا ،وارزقنا تالوته آناء
حجة لنا يوم القيامة" اللهم آمين.
الليل وآناء النهار وعلمنا منه ما جهلنا ،وذكرنا منه ما تُشينا ،واجعله ّ
وصلى الله على سيدنا محمد ،وعلى آله وصحبه وسلم.
الصفحة 1
ملخص مقرر مناهج المفسرين
الصفحة 2
ملخص مقرر مناهج المفسرين
مقدمات تمهيدية
المقدمة األولى :معنى مناهج المفسرين وطرق معرفته وأهميته:
قال ابن فارس في (مقاييس اللغة)" :النهج :الطريق ،ونهج لي األمر :أوضحه ،وهو مستقيم المنهاج،
()1
والمنهج :الطريق ،والجمع :المناهج "
وقال الراغب األصفهاني في (المفردات)" :النهج :الطريق الواضح ،ونهج األمر وأنهج :وضح ،ومنهج
()2 ِ ِ ِ
شرعةً ﴾ [المائدة. " ]84 :
الطريق ومنهاجه ،قال تعالى ﴿ :ل ُك ٍّّل جعْلنا مْن ُك ْم ْ
وورد في (المعجم الوسيط) ":نهج الطريق ،ينهج ،نهجاً ونهوجاً :وضح واستبان.
وخالصة األقوال السابقة :أن مادة (ن هج) تقوم على :توضيح األمر وبيانه ،وتُستعمل في الطريق الذي
يكون واضحاً مستقيماً معروفاً بيِّناً ،بحيث يمكن معرفته وتمييزه ،ويُسهل سلوُكه والسير فيه.
األول :استعمال مادي حسي ،حيث يُطلق على الطريق الواضحة المستقيمة ،التي يعرفها اإلنسان،
ويتمكن من سلوكها والسير عليها بقدميه.
الثاني :استعمال معنوي نظري ،حيث يطلق على الخطة العلمية الموضوعية المحددة المرسومة الدقيقة،
التي يتعرف عليها الباحث أو الدارس ،ويقف على قواعدها وأسسها ،ويلتزم بها ،لتكون دراسته علمية
منهجية موضوعية صحيحة.
واالستعماالن المادي والمعنوي لمصطلح (المنهج) متكامالن متوافقان ،ولبسا متناقضين ،وهما يقومان
على الوضوح والبيان.
ويهمنا في دراستنا االستعمال الثاني لمصطلح (المنهج) ،وهو االستعمال النظرية المعنوي.
ُ
إذن( :منهج الدراسة) هو :الخطة المرسومة المح ّددة للدراسة ،هذه الخطة لها قواعد وأسس ومنطلقات،
ولها طرق وأساليب وتطبيقات.
ينطبق هذا على كل دراسة علمية منهجية ،إسالمية أو غير إسالمية ،تقول :مناهج الدراسات اإلسالمية،
ومناهج التعليم العام ،ومناهج التفسير ،ومناهج الحديث والفقه ،وغير ذلك.
ومن هنا نقول أن (مناهج المفسرين) هي :الخطط العلمية الموضوعية المحددة التي التزم بها
المفسرون في تفاسيرهم للقرآن الكريم ،هذه الخطط الموضوعية لها قواعد وأسس منهجية مرسومة،
ولها طرق وأساليب وتطبيقات ظهرت في تفاسيرهم.
الصفحة 8
ملخص مقرر مناهج المفسرين
وهذا الخلط والترادف بين المنهج والطريقة عندهم جعل دراساتهم غير واضحة وغير محددة وال تُعرف
على األشخاص الذين تتح ّدث عنهم ،وال على المناهج التي تعرضها.
ولذا وجب التفريق بين المنهج والطريقة ،في الدراسات اإلسالمية أو األدبية أو العلمية أو الفكرية أو
غيرها.
وإذا كان هذا التفريق ضرورياً في مختلف الدراسات النظرية ،فإنه أكثر ضرورة في الدراسات اإلسالمية
التي تتحدث عن علمائنا ومفكرينا في مختلف ميادين العلوم اإلسالمية ،من تفسير وحديث وفقه وعقيدة.
الب ّد أن نفرق بين المنهج والطريقة عند :المفسرين ،والمحدثين ،والفقهاء ،وعلماء العقيدة ،وعلماء
النحو ،والمؤرخين ،وغيرهم.
فالمنهج هو :الخطة المرسومة المحددة الدقيقة ،التي تتمثل في القواعد واألسس والمنطلقات ،التي
تعرف عليها المفسر ،والتي انطلق منها في فهمه للقرآن الكريم ،والتي التزم بها في تفسيره له ،هذه
القواعد واألسس كانت ضوابط له ولتفسيره ،حکمته وهو يتعامل مع كتاب الله ويفهمه ويفسره ،فلم
يخالفها ،ولم يخرج عنها.
ّأما الطريقة :فهي األسلوب الذي سلكه المفسر أثناء تفسيره لكتاب الله ،والطرق التي عرض تفسير
كتاب الله من خاللها.
الصفحة 5
ملخص مقرر مناهج المفسرين
تطبيق تلك القواعد في مختلف ألوان علوم التفسير :كتفسير آيات العقيدة ،وآيات األحكام ،وآيات
االمثال ،وآيات القصص ،وغير ذلك.
هذا كالم ضمن الحديث عن (منهج اإلمام الطبري في التفسير) ،ويُعرض ضمن التعريف على قواعد
منهجه فيه.
أما (طريقة الطبري في التفسير) فتعنى بتطبيق الطبري للقاعدة السابقة ،وذكر أمثلة ونماذج لها من تفسيره،
إذ يبين الباحث كيف طبق الطبري هذه القاعدة المنهجية على أسلوبه في عرض الروايات المختلفة
المسندة.
مثال آخر :من قواعد (منهج اإلمام الزمخشري في التفسير) :االنتصار لمذهب المعتزلة في تفسير آيات
العقيدة ،والدفاع عنهم ،وذم األقوال األخرى المخالفة لهم.
وعند حديث الباحث عن (طريقة الزمخشري في التفسير) فإنه يذكر أمثلة وتطبيقات من تفسير
الزمخشري ،تظهر القاعدة المنهجية السابقة واضحة من خاللها :تفسير الزمخشري آليات رؤية الله في
اآلخرة ،وتفسيره آليات الوعد والوعيد ،وآيات الهدى والضالل ...الخ.
الصفحة 6
ملخص مقرر مناهج المفسرين
بعض المفسرين -أو معظمهم بتعبير أدق -ال يكتفون بالحديث عن منهجهم في التفسير في مقدمته،
وإنما يُشيرون إلى قواعد أخرى أثناء التفسير ،فأثناء تفسير أحدهم لسورة -أو آيات منها -يخطر له
أن يذكرها قاعدة من قواعد فهمه للقرآن ،أو واحداً من أسس تعامله معه ،ويكون هذا في جملة أو ُجمل
قصيرة.
وعلى الدارس المنتبه أن يحسن مالحظة والتقاط هذه الجمل القصيرة ،التي تكون معالم هادية كاشفة
عرف على منهج المفسر في فهم القرآن وتفسيره.
تُ ّ
أما معرفة (طريقة) المفسر في تفسيره فهي أسهل من معرفة قواعد منهجه.
يتعرف على طريقة المفسر في تفسير السور ،وتقسيم آياتها إلى وحدات ودروس ،وأن
فعلى الدارس أن ّ
يتعرف على طريق ته في تفسير مختلفي موضوعات (علوم التفسير) ،كآيات األحكام ،وآيات العقيدة،
ّ
الصفحة 7
ملخص مقرر مناهج المفسرين
ليتعرف على موقف المفسر من مختلف موضوعات التفسير ،التي اختلف فيهاوآيات القصصّ ،
المفسرون والعلماء ،ورجال الفرق اإلسالمية.
من الواجب معرفة المفسرين وتفاسيرهم ومناهجهم وطرائقهم معرفة مجملة :المفسر ونسبه ،وعصره
وعلمه ،ونتاجه وجهوده ،وهدفه من التفسير ،ومنهجه فيه ،وتقويم ذلك التفسير ،ومعرفة ما فيه من خير
وفائدة ،وج ّدة وإضافة ،ومعرفة ما عليه من مآخذ.
وبذلك يكون الدارس ُملِ ّماً إلماماً موجزاً بحركة التفسير ورجالها وتراثها ومناهجها ،ويكون هذا اإللمام
حافزاً له على الدراسة المفصلة للتفاسير األساسية التي أعجب بها ،ووجدها أكثر دقة وعلمية ومنهجية.
الصفحة 4
ملخص مقرر مناهج المفسرين
المؤلف :هو الشيخ الدكتور :محمد حسين الذهبي ولد في قرية مطوبس في مصر سنة 1333ه حصل
على شهادة العالمية من األزهر سنة 1365ه ،وکان البحث الذي تقدم به للحصول على هذه الدرجة
وعيّن وزيراً لألوقاف
هو کتابه( :التفسير والمفسرون) ،عمل مدرساً في مصر والسعودية والكويت والعراق ُ
المصرية ،اغتيل رحمه الله تعالى في سنة 1397ه .
ومن مؤلفاته رسالة بعنوان( :االتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم) ،و(اإلسرائيليات في التفسير
والحديث) ،و(أثر إقامة الحدود في استقرار المجتمع).
-1أنه يعد أول دراسة شاملة لمناهج عدد كبير من المفسرين ،حيث لم يسبقه أحد في هذا العلم،
والفضل للمتقدم كما قال األول! ولذلك فقد نفدت طبعته األولى في أسابيع معدودة من طباعته.
-2أنه درس مناهج كتب عديدة لم تطبع في ذلك الوقت ،وقد كان لهذا فائدة كبيرة وال زال.
-3أنه قد خرج من تحت عباءة هذا الكتاب عدد كبير من الرسائل العلمية ،فقد أفردت بعد ذلك رسائل
عديدة لمناهج المفسرين الذين أشار إليهم في كتابه ،وبعض تلك الدراسات كانت تحت إشراف الدكتور
الذهبي.
الصفحة 9
ملخص مقرر مناهج المفسرين
منهجه في الكتاب:
سار المؤلف في رسالته وفق خطة علمية مرتبة على طريقة الرسائل الجامعية ،التي استقرت عليها األعراف
الجامعية في األقسام العلمية ،وهي موضحة في الكتاب يمكن الرجوع عليها.
ويعد الكتاب بحق من الكتب الهامة جداً في المكتبة القرآنية ،فهو موسوعة شاملة في تاريخ التفسير
عرف به مؤلفه رحمه الله تعالى في مقدمته فقال" :هو كتاب يبحث
منذ نشأته إلى العصر الحديث وقد ّ
عن نشأة التفسير وتطوره ،وعن مناهج المفسرين ،وطرائقهم في شرح كتاب الله تعالى ،وعن ألوان التفسير
عند أشهر طوائف المسلمين ومن ينتسبون إلى اإلسالم ،وعن ألوان التفسير في هذا العصر الحديث،
تطرق الوضع إليه ،ودخول
وراعيت أن أضمن هذا الكتاب بعض البحوث التي تدور حول التفسير :من ّ
()
اإلسرائيليات عليه ،وما يجب أن يکون عليه المفسر عندما يحاول فهم القرآن أو كتابة التفسير" . 1
وقد اعتذر المؤلف في خاتمة كتابه أنه قد اختصر الحديث اختصاراً ،وأن الموضوعات التي تعرض لها
تستحق أن تبحث بشكل منفصل ،لتنال حظها من البحث والنقد والتمحيص ،وقد تحقق كثير من ذلك
في حياته وبعد وفاته ،وغفر لنا وله.
وهذا الكتاب وإن كان عليه بعض المالحظات الخفيفة تظهر أثناء حديثه عن بعض التفاسير ،كون
صاحبه أشعري المذهب ،إال أنه ال يکاد يستغني عنه الباحث في علم التفسير ،بل إنه يعتبر المرجع
األساس في دراسة مناهج المفسرين ،وكل من ألف بعده في مناهج المفسرين فهو عالة عليه.
حاول المؤلف اختصار وتهذيب كتاب الدكتور الذهبي السابق (التفسير والمفسرون) في كتابه هذا ،وقد
ذكر في مقدمة كتابه أن عمله في الكتاب كان مركزاً على االستطرادات واألمثلة الضعيفة في داللتها
واألحاديث واآلثار الضعيفة ،وقد جعل تعليقاته على الكتاب في الهامش األسفل للكتاب وجعلها مميزة
عن حواشي الذهبي بأن جعل حواشي الذهبي بين األقواس هكذا ( ) وما علقه هو جعله أرقاماً بال أقواس
هكذا -2 -1ولم يتعرض المختصر لمتن الذهبي بأي تعديل وإنما ركز عمله بالتعليقات في الحاشية.
مثال ذلك ،كتاب (بحر العلوم للسمرقندي) قال عنه الذهبي :مخطوط.
كما قام المختصر بتخريج األحاديث واآلثار التي ذكرها الذهبي في كتابه ولم يخرجها.
والكتاب مفيد لمن رغب الحصول على المعلومة دون استطراد وإطالة.
-3اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري للدكتور فهد بن عبد الرحمن الرومي.
هذا الكتاب أصله رسالة الدكتوراه للدكتور فهد الرومي نوقشت عام 1815ه ،وهو يتناول اتجاهات
التفسير في القرن الرابع عشر الهجري.
الباب األول :تحدث فيه عن االتجاه العقدي في التفسير ،وهي التفاسير التي عنيت بإبراز جوانب
العقيدة وبيان دقائقها والرد على الخصوم.
وذكر تحتها:
الصفحة 12
ملخص مقرر مناهج المفسرين
-4اتجاهات التفسير في العصر الراهن للدكتور عبد المجيد عبد السالم المحتسب.
وقد طبع الجزء األول منه عام 1812ه ،وقد أشار إليه الدكتور فهد الرومي في الدراسات السابقة في
بحثه للدكتوراه.
وهم يعرفون بالمفسر باختصار ،ثم يبرزون أبرز معالم منهجه في نقاط مختصرة ،ثم يوردون نموذجاً من
تفسيره وهكذا.
وقد تناولوا في الجزء األول تسعة وثمانين تفسيراً ،ولم ترتب على حسب وفيات المؤلفين ،وإنما جاءت
متتابعة دون ترتيب ،ولو رتب على تاريخ الوفيات لكان أفضل.
وتناول الجزء الثاني التعريف بتسعة وتسعين مؤلفاً في التفسير وعلوم القرآن المختلفة ،والجزء الثاني أكثر
تحريراً من الجزء األول بكثير ،وفيه استدراكات قيمة لمؤلفه وفقه الله.
الصفحة 13
ملخص مقرر مناهج المفسرين
تعريف الدارسين بمناهج المفسرين ،للدكتور :صالح عبد الفتاح الخالدي( .أوصى به -7
الدكتور في المحاضرة).
وقد حاول المؤلف في هذا الكتاب بيان مناهج أبرز المفسرين ،ومميزات كتبهم ،وأبرز الملحوظات التي
تؤخذ على كتبهم ،مع تنبيهات وفوائد متفرقة ،ولغته سهلة ،وهو مفيد لعامة القراء والمثقفين.
ويصلح للمستعجل الراغب في معرفة أبرز مميزات هذه التفاسير ،كما أن من مميزاته أنه يذكر عقيدة
المؤلف.
هذا استعراض سريع ألبرز الكتب المؤلفة في مناهج المفسرين وأغلب هذه الكتب مطبوعة ومتوفرة في
المكتبات لمن يريد اقتناءها.
الصفحة 18
ملخص مقرر مناهج المفسرين
عرف د .فهد الرومي االتجاه التفس يري بقوله" :هو الهدف الذي يتجه إليه المفس ـ ــرون بتفاس ـ ــيرهم،
()
ويجعلونه نصب أعينهم وهم يكتبون ما يكتبون" . 3
وقد اصطلح بعض المعاصرين على (اتجاهات التفسير) ب (ألوان التفسير) ،الشخص الذي يفسر نصاً
يلون هذا النص بتفس يره له وفهمه إياه ،وعلى هذا األص ل وجدنا آثار شخصية المتصدين لتفسير القرآن
تطبع تفس يرهم له في كل عهد وعص ر ،وعلى أي طريقة ومنهج ،س واء أكان تفس يرهم نقلياً مروياً ،أم
()
كان عقلياً اجتهادياً" . 4
واعتباراً لما س لف ،فالمراد باالتجاه في علم التفس ير :المقص ـ ــد الذي يتوجه إليه المفس ـ ــر والهدف
الذي يرجو بلوغه.
فاالتجاه الفقهي :يهدف المفس ر من خالله إلى تقرير أحكام القرآن ،ويس تعين في ذلك باآلثار واللغة
وقواعد أصول الفقه وغير ذلك.
واالتجـاه العلمي :يقص د من خالل ه المفس ر إلى إبراز مختلف دالالت آي ات اآلف اق واألنفس في
القرآن.
واالتجاه البياني :في التفسير يهتم بإبراز مناحي اإلعجاز عن طريق االستعانة بعلم البالغة خاصة.
وقد يكون للمفس ر اتجاه منحرف ،كأن يكون منتص راً لمذهبه أو عقيدته الباطلة ،فيس تغل معرفته بعلم
من العلوم المتصلة بالتفسير :كاللغة أو البالغة ألجل االحتجاج على مذهبه ونحلته.
وقد درج مفسرو المعتزلة وطوائف من مفسري اإلمامية إلى التنقل باأللفاظ القرآنية من الحقيقة إلى
المجاز إذا كان المعنى الحقيقي للفظ يخالف مذاهبهم ،ومن هنا اشتهر عنهم القول في الكثير من
محكم الكتاب بأنه تخيل أو حمله على التمثيل ،وذلك حرصاً على سالمة المذهب أو العقيدة الباطلة.
وقد يسمى هذا االتجاه بمدرسة التفسير ،وموقف المفسر من مدرسة التفسير ،ولهذا قد يقول مدرسة
التفسير بالمأثور والمنقول ،ومدرسة التفسير بالرأي ،ومدرسة أهل السنة ،ومدرسة أصحاب العقل،
ومدرسة أهل البيت ،ونحو ذلك.
الصفحة 16
ملخص مقرر مناهج المفسرين
فاالتجاه :هو الميل ،والتوجه إلى قضية معينة؛ سواء كانت عقدية أو فقهيه أو لغويه للوصول إلى هذا
األمر ،فهو بمثابة الغاية التي يريد المفسر تحقيقها،
أما المنهج فهو حديث عن الوسيلة ،االتجاه والتوجه ميول ،والمنهج قواعد معينة يسير عليها المفسر،
يعني لو أقول ما اتجاه هذا المفسر فتقول االتجاه العقدي له أنه مثالً :االتجاه الشيعي أو االتجاه
الرافضي ويقال االتجاه الفقهي :مالكي المذهب توجهه.
لكن المنهج يختلف ،فهو القواعد والخطط التي سار عليها ،وقد يتشابه مفسران في منهج لكن يختلفان
في االتجاه ،وقد يختلفان في المنهج ويتفقان في االتجاه.
مثال :لو أن عندنا كتابين اتجاههم فقهي مالكي ،لكن األول :يختلف منهجه عن اآلخر في ذلك ،فقد
يكون مطول يعتمد عل تفسيره القرآن بالقرآن والسنة وهكذا ،واآلخر :مقتصد مع أن اتجاههما واحد.
الصفحة 17
ملخص مقرر مناهج المفسرين
أنزل الله القرآن الکريم بلسان عربي مبين ،وجعله ميسرا للذكر والفهم والتالوة والحفظ﴿ ولق ْد يس ْرنا
الْ ُق ْرآن لِل ِّذ ْك ِر ف ه ْل ِم ْن ُمدكِ ٍّر ﴾[القمر ،]17 :ولهذا كان الصحابة يعرفون معظم معاني القرآن.
وما خفي عليهم معناه وغمض عليهم تفسيره؛ كانوا يسألون عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فيجيبهم
على سؤالهم ،ومعظم القرآن لم يكن بحاجة إلى تفسير زمن الصحابة ،لفهمهم له.
مرت حركة التفسير في مسيرتها التاريخية -منذ الصحابة الكرام وحتى العصر الحاضر -بعدة ولقد ّ
مراحل بارزة ،تميّز التفسير في كل واحدة منها بمزايا خاصة.
استمرت حركة التفسير في مسيرتها التاريخية على مدار القرون واألجيال ،وامتألت مكتبة التفسير
و ّ
بالتفاسير المختلفة ،على اختالف مدارسها واتجاهاتها.
وفيما يلي حديث مجمل عن كل مرحلة ،وعن طبيعة التفسير فيها ،والمنهج الذي برز واضحاً فيها.
الصفحة 14
ملخص مقرر مناهج المفسرين
المرحلة األولى :التفسير في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين (ما قبل عهد
التدوين):
هذه هي المرحلة األساسية ،التي نشأ فيها التفسير نشأة علمية صحيحة ،وتأسس فيها علم التفسير
تأسيساً قوياً متيناً ،واتصف فيها بالعلمية والمنهجية والموضوعية.
وامت ّدت هذه المرحلة على مدار القرون الخيرية الثالثة األولى ،التي شهد لها رسول الله بالفضل والخير،
وتمثل هذه القرون الثالثة األجيال الثالثة األولى الفاضلة في هذه األمة :جيل الصحابة ،وجيل التابعين،
وجيل أتباع التابعين.
يُعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم المؤسس لعلم التفسير ،ويكفي هذا فضالً ومزية لعلم التفسير الشريف.
فقد تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظ القرآن﴿ :إِنا ن ْح ُن ن زلْنا ال ِّذ ْكر وإِنا لهُ لحافِظُون[ ﴾٩سورة
الحجر.]9:
کما تکفل لنبيه محمد صلی الله عليه وسلم أن يجمع القرآن في صدره﴿ ال تُحِّرْك بِ ِه لِسانك لِت ْعجل
بِِه٦١إِن علْي نا ج ْمعهُ وقُ ْرآنهُ[﴾٦١سورة القيامة ،]17-16:ثم كلف الله نبيه محمداً صلی الله عليه
وسلم أن يبين لهم القرآن ،وأن يفسره لهم قال تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم﴿ وأنْ زلْنا إِلْيك
ال ِّذ ْكر لِتُب يِّن لِلن ِ
اس ما نُِّزل إِلْي ِه ْم ولعل ُه ْم ي ت فك ُرون[﴾٤٤سورة النحل]88:
ولذا فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يرجعون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أشكل عليهم فهمه
من القرآن فيجدون الجواب الشافي.
الصفحة 19
ملخص مقرر مناهج المفسرين
لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يُطنب في تفسير اآلية ،أو يخرج إلى ما ال فائدة في معرفته وال
ثمرة في إدراكه ،فكان جل تفسيره صلى الله عليه وسلم بياناً لمجمل ،أو توضيحا لمشكل ،أو تخصيصا
لعام ،أو تقييداً لمطلق أو بياناً لمعنى لفظ أو متعلقه.
الصحابة رضي الله عنهم كانوا عرباً خلصاً يفهمون القرآن ويدركون معانيه ومراميه بمقتضى سليقتهم العربية
فهماً ال تُعكره عجمة وال يشوهه شيء من قبح االبتداع وتحكم العقيدة الزائفة.
وإذا خفي عليهم معنى أو دق عليهم مرمى رجعوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فبين لهم ذلك
ووضحه ،وإن لم يتيسر لهم ذلك رجعوا إلى اجتهاد هم وکان التفاوت بينهم واضحاً في هذه الرتبة،
فكان بعضهم يرجع إلى بعض ،إذ التفاوت بينهم راجع إلى التفاوت في قوة الفهم واإلدراك ،والتفاوت
فيما أحاط باآلية من ظروف ومالبسات ،بل کانوا يتفاوتون في معرفة المعاني التي وضعت لها
المفردات ،فمن مفردات القرآن ما خفي معناه على بعض الصحابة وظهر آلخرين منهم ،وال ضير في
هذا؛ فإن اللغة وإن أحاط بها مجموع أهلها ،فإنه ال يُحيط بها كل فرد من أهلها فقد خفي على عمر
بن الخطاب رضي الله عنه معنى األب في قوله تعالى﴿ :وفاكِهةً وأبًّا﴾ [سورة عبس ،]31:ومعنى
يم﴾ [سورة النحل ]87:حتى التخوف في قوله تعالى﴿ :أو يأْخذهم على تخ ُّو ٍّ
ف فِإن رب ُكم لرء ٌ ِ
وف رح ٌ ْ ُ ْ ُ ُْ
()1
قال له رجل من هذيل التخوف عندنا التن ّقص
وورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال :كنت ال أدري ما فاطر السماوات حتى أتاني أعرابيان
()2
يختصمان في بئر فقال أحدهما :أنا فطرتها يقول :ابتدأتها
وهذا عدي بن حاتم رضي الله عنه لم يفهم المراد بقوله تعالى ﴿ :وُكلُوا وا ْشربُوا حتى ي ت ب ين ل ُك ُم
ض ِمن الْخْي ِط ْاأل ْسوِد ﴾ [سورة البقرة ،]147:فكان يجعل عند رأسه عقاالً أبيض وعقاالً ط ْاألبْي ُ
الْخْي ُ
()
أسود حتى بين له الرسول صلى الله عليه وسلم المراد . 1
ويرجع تفاوت الصحابة رضي الله عنهم في فهم القرآن إلى أمور عديدة منه:
أشهر المفسرين من الصحابة :أشهر المفسرين من الصحابة عشرة ،وهم :أبو بکر الصديق ،وعمر بن
الخطاب ،وعثمان بن عفان ،وعلي بن أبي طالب ،وعبد الله بن مسعود ،و عبد الله بن عباس ،و أبي
()
بن کعب ،وزيد بن ثابت ،و أبو موسى األشعري ،وعبد الله بن الزبير ،رضي الله عنهم أجمعين . 3
وأشهر المفسرين العشرة :ابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب رضي الله عنهم.
واشتهرت ثالث مدارس للتفسير زمن الصحابة :مدرسة ابن عباس في مكة ،ومدرسة أُبي بن كعب في
المدينة ،ومدرسة ابن مسعود في الكوفة رضي الله عنهم.
يقوم منهج الصحابة رضي الله عنهم في التفسير على ثالثة أسس:
فإن من آيات القرآن ما جاء مجمالً في موضع وجاء في موضع آخر مبينا ،ومنه ما فيه إيجاز ،وما فيه
إطناب ،ومنه ما فيه عموم وما فيه خصوص ،وما فيه إطالق ،وما فيه تقييد ،ومثل هذا يفسر بعضه
ببعض.
فقصص القرآن مثال جاءت في بعض المواضع موجزة وجاءت القصة نفسها في موضع آخر مفصلة
كقصة آدم وإبليس ،وقصة موسى عليه السالم مع فرعون.
()1
وهذا النوع هو أحسن طرق التفسير كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى.
وإن لم يجد الصحابة رضي الله عنهم تفسير اآلية في القرآن رجعوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم
فسألوه عنها فبينها لهم ،وقد أفردت کتب السنة باباً للتفسير بالمأثور ذكرت فيه کثيراً من التفسير النبوي
للقرآن الكريم.
فإن لم يجد الصحابة رضي الله عنهم التفسير في القرآن وال في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
اجتهدوا ألنهم عرب خلص شاهدوا التنزيل وحضروا مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن نزل
بلسان عربي مبين ،وهذا فيما يحتاج إلى اجتهاد وإعمال ذهن.
()
وقد توافرت عندهم أدوات االجتهاد وهي : 1
أوالً :يعرفون أوضاع اللغة العربية وأسرارها وهذا يعينهم على معرفة اآليات التي يتوقف فهمها على فهم
اللغة العربية.
ثانياً :يعرفون عادات العرب وأخالقهم ،وهذا يعين على فهم ما يتعلق بإصالح عاداتهم وتهذيب
سلوكهم من اآليات.
ثالثاً :معرفتهم بأحوال اليهود والنصارى في جزيرة العرب وقت نزول القرآن الكريم وهذا يُعينهم على معرفة
اآليات التي تتحدث عن اليهود والنصارى وما يأتون من أمور وما يُدبرون للمسلمين.
رابعاً :معرفة أسباب النزول فهم الذين شاهدوا التنزيل وحضروا األحداث والوقائع ومعرفة ذلك تُعين على
فهم كثير من اآليات.
خامساً :قوة الفهم واالدراك فقد آتاهم الله عقال وفهما جلّوا به كثيراً من األمور وهذا أمر معلوم من
سيرتهم رضي الله عنهم وبهذه األمور فهم الصحابة كثيراً من آيات القرآن الكريم التي لم يرد تفسيرها في
الكتاب وال في السنة.
قلة األخذ باإلسرائيليات وتناولها في التفسير لحرصه صلى الله عليه وسلم على اقتصار -1
أصحابه على نبع اإلسالم الصافي الذي لم تكدره األهواء ولم تشبه االختالفات واالفتراءات
يدل على هذا المقصد غضبه صلى الله عليه وسلم حين رأى في يد عمر رضي الله عنه
صحيفة من التوراة.
لم يكن تفسيرهم يشمل القرآن كله ،إذ أن بعض اآليات من الوضوح لديهم بحيث ال تحتاج -2
إلى خوض في تفسيرها لتضلعهم في اللغة ومعرفتهم بأحوال المجتمع آنذاك وغير ذلك من
األسباب.
وقد كانوا ال يتكلفون التفسير وال يتعمقون فيه تعمقاً مذموماً ،فقد كانوا يكتفون في بعض -3
اآليات بالمعنى العام وال يلتزمون بالتفصيل فيما ال فائدة كبيرة في تفصيله ،فيكتفون مثال
بمعرفة أن المراد بقوله تعالى ﴿:وفاكِهةً وأبًّا ﴾[سورة عبس ]31:أنه تعداد ليعم الله تعالى
على عباده.
قلة تدوينهم للتفسير ،وأ ّن أغلب ما روي عنهم كان بالرواية والتلقين وليس بالتدوين ،وإن كان -8
دون عبد الله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه صحيفته
بعض الصحابة يعتني بالتدوين فقد ّ
التي يسميها الصادقة ويقول عنها "هذه الصادقة فيها ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه
()
وسلم ليس بيني وبينه فيها أحد" ، 1وهي موجودة في مسند اإلمام أحمد لكن هذا التدوين
()
كان نادراً . 2
والمفسرون من أعالم علماء التابعين في التفسير هم تالميذ الصحابة أئمة المدارس الثالثة:
ولم يكن ثمة فارق كبير بين منهج الصحابة رضي الله عنهم ومنهج التابعين فقد تلقى التابعون
تفسيرهم من الصحابة رضي الله عنهم.
وهذا القول منهم رحمهم الله تعالى محمول على تحرجهم عن الكالم في التفسير بما ال علم لهم به،
فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعاً فال حرج عليه.
ّ
()2
منهج التابعين في التفسير:
يشترك التابعون رحمهم الله تعالى مع الصحابة رضي الله عنهم في أهم اسس التفسير ،إال أنهم نظراً
لتلقيهم التفسير عن الصحابة واتساع الفتوحات اإلسالمية ج ّدت أسس أخرى ،فمنهج التابعين رحمهم
الله تعالى يقوم على:
إلى تفسير الصحابة رضي الله عنهم ويُقدمونه على أقوالهم وهم الدين تلقوا التفسير عن الصحابة
وسمعوا منهم ما لم يسمعه غيرهم فحق لهم أن يجتهدوا بعد ذلك.
-5أقول أهل الكتاب من اليهود والنصارى :وذلك أ ّن القرآن الكريم يذكر قصص األنبياء السابقين
واألمم الماضية ذكراً موجزاً ،ولم يتعرض لتفاصيل هذه األحداث والقصص ،والنفوس تميل إلى
االستيفاء واالستقصاء ،فلما اتسعت الفتوحات االسالمية ودخل في االسالم أمم من أهل الكتاب
الذين يعرفون تفاصيل هذه القصص من التوراة واإلنجيل صاروا يروون هذا للناس ،وصار الناس
يقبلون على سماعها حباً لسماع تفاصيل القصص واألخبار القرآنية فدخل في التفسير طائفة من
هذه االخبار التي تعرف باإلسرائيليات.
وأكثر من رويت عنه اإلسرائيليات عبد الله بن سالم ،وكعب األحبار ،ووهب بن منبه ،وعبد الملك
بن جريج.
وقد بدأ عصر التدوين في أواخر القرن األول الهجري حيث ُد ِّون الحديث النبوي الشريف بمختلف
موضوعاته وأبوابه في عهد جيل أتباع التابعين ،وظهر علماء الطبقة الثالثة من طبقات المفسرين ،وهم
تالميذ التابعين وبعضهم دون تفاسير مستقلة للقرآن الكريم.
ومن أعالم المفسرين في هذه الطبقة :شعبة بن الحجاج ،ووكيع بن الجراح ،وسفيان بن عيينة ،ومقاتل
بن سليمان البلخي ،وعبد الملك بن جريج ،وعبد الرزاق بن همام الصنعاني ،ويحيى بن سالم البصري،
()
وعبد بن حميد . 1
ُ
ونالحظ أ ّن التفسير في بدايات هذه المرحلة كان يتصف باإليجاز واالختصار ،ولم يتم تفسير القرآن
كامالً من سورة الفاتحة إلى سورة الناس ،وإنما كان المفسر يفسر اآليات التي يُسأل عنها ،أو التي تدعو
الحاجة إلى تفسيرها.
الخطوة األولى:
ُد ّون فيها التفسير على أنه باب من أبواب الحديث كباب الطهارة وباب الصالة وباب الزكاة وباب الحج
وغيرها ولم يُفرد للتفسير تأليف خاص ال يتناول إال التفسير سورة سورة وآية آية من أول القرآن إلى آخره.
وممن دون التفسير في هذه المرحلة على أنه باب من أبواب الحديث:
-يزيد بن هارون السلمي ت 117ه .
-شعبة بن الحجاج ت 16 1ه
-وكيع بن الجراح ت 197ه .
-عبد بن حميد ت 289ه .وغير هؤالء.
1كان لهم عناية خاصة بذكر اإلسناد ولكن دون تخريج وتميز بين الصحيح وغيره.
2لم يكن جمعهم للتفسير مستقالً ،بل على أنه باب من أبواب الحديث.
3لم يقتصر على التفسير المرفوع للرسول صلى الله عليه وسلم ،بل اشتمل على تفسير الصحابي
والتابعي.
الصفحة 24
ملخص مقرر مناهج المفسرين
الخطوة الثانية:
أصبح التفسير فيها علماً مستقالً قائماً بنفسه شامالً آليات القرآن الكريم وسوره مرتباً حسب ترتيب
المصحف ،وقد نص ابن تيمية وابن خلكان على :أن أول من صنف في التفسير عبد الملك بن جريج
(181-41ه ).
1أن ما دون فيها كان بالتفسير المأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وتابعيهم رضي
الله عنهم.
٢كان التفسير باإلسناد المتصل إلى صاحب التفسير المروي عنه.
٢لم تكن لهم عناية بالنقد وتحري الصحة في رواية األحاديث في التفسير بل إن بعضهم ذكر ما روي
في كل آية من صحيح وسقيم ،ولم يتحر الصحة كابن جريج مثالً ويرجع السبب في ذلك إلى ذكرهم
لإلسناد فهم يكتفون بذكر اإلسناد عن بيان درجة المروي على حد قول القائل من أسند فقد أبرأ ذمته.
الصفحة 29
ملخص مقرر مناهج المفسرين
شكلت هذه المرحلة منعطفاً خطيراً في تاريخ التفسير بدأت حين اتجه بعض المفسرين إلى اختصار
األسانيد ونقلوا اآلثار المروية عن السلف دون أن ينسبوها إلى قائليها فاختلط الصحيح بالضعيف وكانت
تلك الهفوة من أخطر الهفوات وأوسع الفجوات لنفوذ األعداء إلى الدين ليضعوا فيه ما ال يرتضيه،
وينحلوه ما ليس من مبادئه ،لوال أن الله هيأ لهذا األمر من علماء اإلسالم من كشف زيف الزائفين ودس
المغرضين وميز بين الصحيح والسقيم وحفظ الله تعالى لهذه األمة هذا الدين.
كما ازداد في هذه المرحلة القول في التفسير بالرأي المحمود منه والمذموم وتجرأوا على القول في القرآن
بغير علم ،وحرص بعضهم على اإلكثار من رواية األقوال في تفسير اآلية الواحدة ،فصار كل من يسنح له
قول يورده من غير أن يخطر بباله شيء يعتمد عليه فيأتي من بعده فيظن أ ّن لما أورد أصالً غير ُملتفت
لصحة وال باحثاً عن سند.
وتطورت كثيرا رواية اإلسرائيليات وتوسعت في استقصاء األخبار اإلسرائيلية ،والخوض فيما ال فائدة في
الجاد األسمى في أمور الدين.
معرفته واشتغلوا بهذا عن البحث ّ
وهذه نتيجة حتمية لما سبقها من خطوات ،فقد انفتح باب التفسير على مصراعيه فدخل منه الغث
والسمين ،والصحيح والعليل ،فبعد أن كان التفسير يعتمد على النقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم
وأصحابه والتابعين ،أصبح يعتمد على التفسير بالرأي وذلك نتيجة لنشأة كثير من الفرق والملل والمذاهب
في اإلسالم فأصبح أصحاب كل مذهب يتجهون إلى آيات القرآن ويفسرونها حسب ما يوافق مذاهبهم
الصفحة 31
ملخص مقرر مناهج المفسرين
ومعتقداتهم ،كما اعتنى أرباب العلوم بما يوافق علومهم فكان كل من برع في علم من العلوم غلب ذلك
على تفسيره.
فالفقيه :يكاد يسرد فيه الفقه وربما استطرد الي إقامة أدلة الفروع والرد على المخالفين ،كالقرطبي
الجصاص.
و ّ
هم له إال اإلعراب ،وذكر ما يُحتمل في ذلك من أوجه ،وتراه ينقل فروع النحووالنحوي :تراهُ ال ّ
وخالفياته ،كالزجاج ،والواحدي في البسيط ،وأبي حيان في البحر المحيط.
وصاحب البدع :ليس له قصد إال أن يؤول كالم الله ،وينزله على مذهبه الفاسد ،وذلك كالرماني،
والجبائي ،والقاضي عبد الجبار ،والزمخشري ،وهؤالء من المعتزلة ،ومال محسن الكاشي من اإلمامية
االثني عشرية.
وأصحاب التصوف :قصدوا إلى ناحية الترغيب والترهيب ،واستخراج المعاني اإلشارية من اآليات
القرآنية ،بما يتفق مع مشاربهم ،ويتناسب مع رياضاتهم ومواجيدهم ،ومن هؤالء ابن عربي.
استمرت هذه المرحلة قروناً عديدة ،من القرن الرابع حتى نهاية القرن الثالث عشر.
وقد ّ
بقي المفسرون منذ القرن الرابع حتى القرن الرابع عشر يفرعون وينوعون في تفاسيرهم ،كل حسب الجانب
الذي مهر فيه ،والعلم الذي غلب عليه ،حتى جاء العصر الحديث.
الصفحة 31
ملخص مقرر مناهج المفسرين
ويبدأ العصر الحديث من بداية القرن العشرين الميالدي ،أو القرن الرابع عشر الهجري.
تميز التفسير في العصر الحديث بمزية (التجديد).
ونعني بالتجديد في التفسير :التجديد الصحيح السليم ،المنضبط بالضوابط العلمية ،الملتزم باألسس
المنهجية ،التجديد القائم على اإلبداع والتحسين والج ّدة ،واالستفادة من العلوم والمعارف والثقافات
المعاصرة ،وتوسيع أبعاد معاني اآليات القرآنية ،وإحسان تنزيلها على الواقع الذي تعيشه األمة ،والعمل
على حل مشكالت األمة على هدي حقائق القرآن الكريم.
وال نعني بالتجديد الخروج على القواعد والضوابط واألسس العلمية المنهجية ،واالنفالت والفوضى،
والقول في القرآن بدون علم ،وتحريف معاني اآليات ودالالتها ،لتوافق أهواء هؤالء ،وتتفق مع مقررات
الغربيين أو الشرقيين ،المخالفة لكتاب الله.
هذا استعراض موجز لحركة التفسير في مسيرتها التاريخية ،منذ عهد الصحابة حتى العصر الحاضر ،وهذه
مرت بها.
هي المراحل األساسية التي ّ
التفسير بالمأثور
ويُذكر التفسير بالمأثور في مقابل التفسير بالرأي ،ويُذكر التفسير النقلي في مقابل التفسير العقلي.
الصفحة 32
ملخص مقرر مناهج المفسرين
)(1
واألثر :الخبر المروي والسنة الباقية .والمأثور :الحديث المروي ،وما ورث الخلف عن السلف" .
فالمأثور :يقوم على الرواية والنقل ،ويطلق على ما ورثة الخلف عن السلف من علم وحديث والروايات
وغير ذلك ،وغالب إطالقه على الحديث والروايات ،هذا في اللغة واالصطالح.
ّأما في موضوعنا( :التفسير بالمأثور) فقد قال عنه الدكتور محمد حسبن الذهبي رحمه الله" :يشمل
التفسير بالمأثور :ما جاء في القرآن نفسه من البيان والتفصيل لبعض آياته ،وما نقل عن الرسول
صلى الله عليه وسلم ،وما نقل عن الصحابة رضوان الله عليهم ،وما نقل عن التابعين ،من كل ما
()
هو بيان وتوضيح لمراد الله من نصوص كتابه" . 2
إن التفسير بالمأثور -الذي يتحقق فيه معنى المأثور في اللغة واالصطالح-هو ما روي عن الرسول صلى
الله عليه وسلم ،أو الصحابة ،أو التابعين ،من روايات نقلية مروية في تفسير القرآن.
اسمه اآلخر يؤكد هذا المفهوم ،وهو التفسير النقلي ،الذي يقوم على نقل األقوال والروايات عن السلف
و ُ
في تفسير القرآن.
ورد في المعجم الوسيط" :نقل ،ينقل ،نقالً ونقل الكالم أو الخبر :بلغه عن صاحبه.
()3
والمنقول :ما علم من طريق الرواية أو السماع ،كعلم اللغة أو الحديث ونحوهما ،وهو يقابل المعقول".
واألول :إما أن يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ،أو الصحابة ،أو رؤوس التابعين ،فاألول يبحث فيه
فسره من حيث اللغة فهم أهل اللسان ،والشك
عن صحة السند .والثاني :يُنظر في تفسير الصحابي :فإن ّ
في اعتمادهم ،أو بما شاهده من األسباب والقرائن ،فالشك فيه ،وإن تعارضت أقوال جماعة من
()
الصحابة ،فإن أمكن الجمع فذاك ،وإن تعذر قُ ّدم ابن عباس" . 1
وبما أ ّن التفسير بالمأثور -أو التفسير النقلي-هو ما نقل بنقل صحيح عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أو الصحابة أو التابعين ،فإنه ضروري لحسن فهم القرآن وتفسيره ،والب ّد لكل مفسر يريد أن يكون
تفسيره صواباً مقبوالً من أن ينطلق من التفسير بالمأثور ،وأن يلتزم بمراحله وخطواته.
ً
أهمية التفسير بالمأثور: .2
تبرز أهمية التفسير بالمأثور كونه أفضل أنواع التفسير وأعالها ألنه:
ّ إما أن يكون تفسيراً للقرآن بكالم الله تعالى فهو أعلم بمراده.
ّ
وإما أن يكون تفسيراً له بكالم الرسول صلى الله عليه وسلم فهو المبين لكالم الله تعالى.
وإ ّما أن يكون بأقوال الصحابة فهم الذين شاهدوا التنزيل وهم أهل اللسان وتميزوا عن غيرهم بما
شاهدوه من القرائن واألحوال حين النزول.
ولكن ينبغي أن يعلم أن هذا مشروط بصحة السند عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة
رضي الله عنهم.
التفسير بالمأثور إذا صح سنده ال خالف في قبوله وتقديمه على غيره ،لكن ينبغي أن نتفطن إلى أن
التفسير بالمأثور قد دخله ما ليس منه مما يوجب التثبت وأخذ الحيطة والحذر عند تناوله وبيان الصحيح
من الدخيل فال نقبل المروي من التفسير بالمأثور إال بعد نقد وتمحيص ،ألنه قد دخله الوضع وسرى
فيه ال ّدس والخرافات ويرجع ذلك إلى أسباب منها:
ما دس ه أعداء اإلس الم مثل زنادقة اليهود الذين تظاهروا باإلس الم ل ّدس األخبار المحرفة -1
التي يجدونها في كتبهم.
ما دس ه أص حاب المذاهب الباطلة والنحل الزائفة كالرافضة الذين افتروا األحاديث ونسبوها -2
زوراً وبهتانا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو الى أصحابه رضي الله عنهم.
نقل كثير من األقوال المنس وبة إلى الص حابة بغير إس ناد مما ّأدى إلى اختالط الص حيح -3
بغير الصحيح والتباس الحق بالباطل.
كما كان لالنتماء الس ياس ي في ص در اإلس الم أثره في وض ع األحاديث تقرباً لبعض -8
السالطين أو كرهاً آلخرين.
ولذا فإنه ينبغي التثبت عند الرواية للتفسير بالمأثور وعلى هذا َّ
فإن التفسير بالمأثور نوعان:
وليس من الحق االعتقاد بأن التص نيف في التفس ير بالمأثور عمل آلي ليس لص احبه من عمل فيه إال
النقل
الصفحة 35
ملخص مقرر مناهج المفسرين
بل إن هذا النوع من التفس ير يحتاج إلى جهد من المفس ر وجهد من القار للتفس ير لتحري مذهب
المفسر.
تناول القرآن كثيراً قصص األنبياء السابقين واألمم الماضية والحوادث الغابرة ،وحين يتناولها القرآن فإنه
يبرز منها جانب الموعظة والعبرة وال يعتني بتفصيل دقائقها.
وفي النفس اإلنسانية ميل إلى استيفاء القصة واستكمال الصورة ،فكان بعض المسلمين يسأل من دخل
في اإلسالم من أهل الكتاب عن تفاصيل قصص القرآن وأخباره مما ورد في التوراة واإلنجيل ويطلق على
هذا اللون من األخبار (اإلسرائيليات) وهو إطالق وإن كان يدل على ما ورد عن بني إسرائيل وهم اليهود،
إال أن المراد به ما ورد عن اليهود والنصارى ،أيضاً من باب التغليب وإطالق الجزء على الكل ،وإنما
غلب اليهود لوجود طائفة منهم في المدينة في صدر االسالم وكان االتصال بهم أقرب.
ومعلوم أن التحريف والتغيير والتبديل قد أصاب التوراة واإلنجيل ،ولهذا فإن االسرائيليات ال تخلو
من ثالث حاالت:
الصفحة 36
ملخص مقرر مناهج المفسرين
فالنوع األول :نعلم صدقه تبعاً لتصديقنا ما جاء في شريعتنا وحكم هذا النوع القبول.
والنوع الثاني :نعلم كذبه لمخالفته ما صح في شريعتنا ،وهذا النوع مردود ال تجوز روايته؛ إال على سبيل
التحذير منه ورده.
والنوع الثالث :ال نعلم صدقه وال كذبه ،فال نصدقه وال نكذبه ،بل نتوقف فيه ،وغالب هذا النوع مما
ال فائدة في معرفته.
ولهذا ينبغي التثبت فيما روي من التفسير بالمأثور لئال يكون من االسرائيليات.
الصفحة 37
ملخص مقرر مناهج المفسرين
مؤلفه :هو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ،ولد في (آمل) في طبرستان سنة 228ه ،وتوفي وفي
بغداد سنة ۲۱۳ه.
كان عالماً بالقراءات ،وإماماً في التفسير ،بارعاً في الحديث وشيخاً للمؤرخين ،انفرد في الفقه بمذهب
مستقل وأقاويل واختيارات وله أتباع ومقلدون.
()
قال عنه ابن الخطيب" :جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره" . 1
()
وقال ابن خزيمة" :ما أعلم على أديم األرض أعلم من محمد ابن جرير" ، 2وقال عنه السيوطي إنه "رأس
()
المفسرين على اإلطالق" . 3
وله مؤلفات عديدة منها ما هو مطبوع ومنها ما لم يطبع بعد ،فمن ذلك:
في علوم القرآن :کتاب في القراءات( ،الغرائب)( ،التنزيل) (العدد) وكتاب في التفسير و(تاريخ الرجال)
في الصحابة والتابعين و(لطيف القول) جمع فيه مذهبه الذي اختاره و(الخفيف) و(التبصير) و(تهذيب
اآلثار) ،و(البسيط) و(الفضائل) ومن أهم كتبه (تاريخ األمم والملوك وأخبارهم).
تفسيره :أما تفسيره (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) فلم يؤلف قبله وال بعده مثله في موضوعه ،وال
يزال المفسرون عالة على تفسيره في التفسير بالمأثور ،ويتميز تفسيره بمزايا منها:
اعتماده على التفسير بالمأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين. -1
التزامه باإلسناد في الرواية. -2
عنايته بتوجيه األقوال والترجيح. -3
ذكره لوجوه اإلعراب. -8
دقته في استنباط األحكام الشرعية من اآليات. -5
وكان هذا التفسير مفقوداً إلى وقت قريب حيث ُعثر على نسخة مخطوطة منه عند أحد أمراء حائل وهو
حمود بن عبيد الرشيد ،فطبع على هذه النسخة في 31جزء ،ثم نقح بعد ذلك وطبع أخرى سنة1991م
وصورت هذه الطبعة عدة مرات بعد ذلك.
ّ
وقام الشيخان الفاضالن محمود وأحمد محمد شاكر بتحقيق الكتاب والتعليق عليه ومراجعته ،وتخريج
أحاديثه ،وصدر منه ستة عشر جزءاً إلى نهاية تفسير اآلية ٢١من سورة ابراهيم ،ثم توقف العمل ،نسأل
الله أن يهيئ من عباده العلماء من يتمه.
()
قال النووي" :لم يصنف أحد مثله" 1يعني تفسير الطبري.
وقال أبو حامد اإلسفراييني" :لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل له کتاب تفسير محمد بن جرير لم
()
يکن ذلك کثيراً" . 1
وقال ابن تيمية" :وأما التفاسير التي في أيدي الناس فأصحها تفسير محمد بن جرير الطبري ،فإنه يذكر
()
مقاالت السلف باألسانيد الثابتة ،وليس فيه بدعة ،وال ينقل عن المتهمين ،كمقاتل بن بکير ،والكلبي" . 2
التفسير بالرأي
الرأي مصدر ،تقول رأى -يرى– رأياً ،وأساس استعماله في اإلبصار والرؤية والمشاهدة ،رآه :أبصره بعينه.
()
ويستعمل في االعتقاد والتدبير والتفكير ،والنظر والتأمل . 3
قال أبو البقاء في (الكليات)" :الرأي اعتقاد النفس أحد النقيضين ،عن غلبة الظن ،وعليه قوله تعالى:
ُخرى كافِرةٌ ي رْون ُه ْم ِمثْ لْي ِه ْم رأْي الْعْي ِن ِ ِ ِ ِ ِ ِ
﴿ق ْد كان ل ُك ْم آيةٌ في فئ ت ْي ِن الْت قتا فئةٌ تُقات ُل في سبِ ِيل الله وأ ْ
ص ِرهِ م ْن يشاءُ إِن فِي ذلِك لعِْب رًة ِألُولِي ْاألبْصا ِر﴾ [سورة آل عمران ]13:أي :يظنونهم واللهُ يُؤيِّ ُد بِن ْ
بحسب مقتضى مشاهدة العين مثليهم ،وقال بعضهم :الرأي هو :إجالة الخاطر في المقدمات ،التي
()
يُرجى منها إنتاج المطلوب" . 4
وقال الدكتور محمد حسين الذهبي" :يُطلق الرأي على االعتقاد ،وعلى االجتهاد ،وعلى القياس ،ومنه :
()
أصحاب الرأي :أي :أصحاب القياس" . 1
وعرف الذهبي التفسير بالرأي بقوله" :التفسير بالرأي :عبارة عن تفسير القرآن باالجتهاد ،بعد معرفة
ّ
المفسر لكالم العرب ومناحيهم في القول ،ومعرفته لأللفاظ العربية ،ووجوه داللتها ،واستعانته في ذلك
بالشعر الجاهلي ،ووقوفه على أسباب النزول ،ومعرفته بالناسخ والمنسوخ من آيات القرآن ،وغير ذلك
()
من األدوات التي يحتاج إليها المفسر" . 2
-2كالم العلماء حول التفسير بالرأي:
اختلف العلماء من قديم الزمان في جواز التفسير بالرأي ،فمنهم من منعه مطلقاً ،واعتبره قوالً بدون علم،
يفسر القرآن برأيه وعقله
ومنهياً عنه ،ومن فعله فهو آثم ،ومنهم من أباحه مطلقاً ،وأجاز لكل إنسان أن ّ
ونظره واجتهاده ،بدون شروط وال قيود وال ضوابط.
وقد تح ّدث العلماء عن هذا االختالف ،وبسطوا أدلة المجيزين والمانعين ،وتوسعوا في ذلك كثيراً.
منهم :أبو حيان األندلسي في مقدمة تفسيره (البحر المحيط) ،واإلمام الشاطبي في كتابه (الموافقات)،
وجمال الدين القاسمي في تفسيره (محاسن التأويل) ،ومحمد الطاهر بن عاشور في مقدمة تفسيره
(التحرير والتنوير ) ،والدكتور محمد حسين الذهبي في (التفسير والمفسرون) ،وخالد العك في (أصول
التفسير وقواعده) ،وسنلخص أهم ما استدل به الفريقان بمنتهى اإليجاز:
التفسير بالرأي قول على الله بال علم ،وهذا منهي عنه في القرآن فهو محرم قال تعالى: -1
ف ما لْيس لك بِِه ِعْل ٌم إِن الس ْمع والْبصر والْ ُفؤاد ُك ُّل أُولئِك كان عْنهُ م ْسئُ ًوال﴾﴿وال ت ْق ُ
[سورة اإلسراء.]36:
جعل الله بيان القرآن لرسوله صلى الله عليه وسلم ،وهذا معناه أنه ال يجوز لغيره أن يفسر -2
القرآن برأيه ،وهذا في قوله تعالى ﴿:وأنْزلْنا إِلْيك ال ِّذ ْكر لِتُب يِّن لِلن ِ
اس ما نُِّزل إِلْي ِه ْم ولعل ُه ْم
ي ت فك ُرون ﴾[سورة النحل]88:
نه ُي النبي صلى الله عليه وسلم عن تفسير القرآن بالرأي ،واعتباره من قال في القرآن برأيه -3
فقد أخطأ وإن أصاب.
ويسجلون فيها تحرجهم من
ورود آثار عن الصحابة والتابعين ينهون فيها عن التفسير بالرأيّ ،
ُ -8
القول في التفسير.
رد المُجيزون للتفسير بالرأي المحمود على تلك األدلة األربعة ردوداً مفصلة ،وسجل مجمل تلك
وقد ّ
()
الردود الدكتور الذهبي في كتابه( :التفسير والمفسرون) . 1
أن الله دعا عباده إلى تدبر القرآن ،وهذا معناه النظر في آياته ،وإعمال العقل فيه ،وترداد -0
وب أقْ فالُها ﴾[سورة الرأي في نصوصه ،قال تعالى ﴿:أفال ي تدب رون الْ ُقرآن أ ْم على قُلُ ٍّ
ْ ُ
اب أنْ زلْناه إِلْيك مبارٌك لِيدب روا آياتِِه ولِي تذكر أُولُو ْاأللْب ِ
اب ِ
محمد ،]28:وقال تعالى ﴿:كت ٌ
ُ ُ ُ
﴾[سورة ص.]29:
أن الله مدح الذين يستنبطون المعاني والدالالت من اآليات ،وهم أولوا األلباب ،الذين -2
يجتهدون في تفسير القرآن بآرائهم ،قال تعالى ﴿:أفال ي تدب ُرون الْ ُق ْرآن ول ْو كان ِم ْن ِعْن ِد
اختِالفًا كثِ ًيرا ﴾[سورة النساء.]42: ِِ ِ
غْي ِر الله لوج ُدوا فيه ْ
( )1لالستزادة ينظر لتلك الردود في كتاب التفسير والمفسرون للذهبي .260-286/0
الصفحة 82
ملخص مقرر مناهج المفسرين
لو كان التفسير بالرأي غير جائز لما كان االجتهاد جائزاً ،وهذا معناه تعطيل األحكام ،وإلغاء -2
دور العقل في فهم القرآن.
دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم البن عباس رضي الله عنهما أن يعلمه الله التأويل ،فقد -4
روى أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده
على كتفي -أو منكبي – ثم قال(( :اللهم فقهه في الدين وعلّ ُمه التأويل(( .
ولو كان التفسير بالرأي ممنوعاً لما كان لتخصيص ابن عباس بهذا الدعاء فائدة ،وقد استجاب الله دعاء
رسوله صلى الله عليه وسلم ،وعلّم ابن عباس التأويل ،فكان حبر األمة وترجمان القرآن.
الرأي الراجح :أن التفسير بالرأي جائز ومطلوب إذا انطبقت فيه الشروط الضرورية لصحته وصوابه وقبوله.
-قسم جار على موافقة کالم العرب ،ومناحيهم في القول ،مع موافقة الكتاب والسنة ،ومراعاة سائر
شروط التفسير ،وهذا القسم جائز ال شك فيه ،وعليه يحمل کالم المجيزين للتفسير بالرأي.
-وقسم غير جار على قوانين العربية ،وال موافق لألدلة الشرعية ،وال مستوف لشرائط التفسير وهذا هو
مورد النهى ومحط الذم.
إن التفسير بالرأي الجائز محدود بحدود ،ومقيد بقيود ،البد من مراعاتها.
وقد ساق اإلمام ابن تيمية في رسالته (أصول التفسير) أقواالً عن الصحابة والتابعين في النهي عن التفسير
بالرأي.
تحرجهم عن
وعلّق عليها بقوله" :فهذه اآلثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف ،محمولة على ّ
الكالم في التفسير بما ال علم لهم به ،فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعاً فال حرج عليه.
الصفحة 83
ملخص مقرر مناهج المفسرين
ولهذا روي عن هؤالء وغيرهم أقوال في التفسير ..وال منافاة ،ألنهم تکلموا فيما علموه ،وسكتوا عما
جهلوه .وهذا هو الواجب على كل أحد ،فإنه كما يجب السكوت عما ال علم له به ،فكذلك يجب
()
القول فيما سئل عنه مما يعلمه ،لقوله تعالى { :ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ} [سورة آل عمران. 1 "]147:
ونورد هذه الخالصة الموجزة لإلمام محمد الطاهر بن عاشور عن أهمية التفسير بالرأي المشروط
المحمود ،في مقدمة تفسيره (التحرير والتنوير):
حيث يری ابن عاشور أن تفسيرا کثيراً للقرآن لم يکن من المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأصحابه ،وأ ّن التفاسير قد اتسعت ،وتفنّن أصحابها في استنباط معاني القرآن ،بما رزقهم الله من فهم
كتاب الله ،هذا تحقيق لقول السلف عن القرآن( :ال تنقضي عجائبه) ،ولوال التفسير بالرأي لكان تفسير
القرآن مختصراً في ورقات قليلة ،ويقول" :ثم لو کان التفسير مقصوراً علی بيان معاني مفردات القرآن
من جهة العربية لكان التفسير نزراً ،ونحن نشاهد كثرة أقوال السلف -من الصحابة فمن يليهم -في
تفسير القرآن ،وما أكثر ذلك االستنباط برأيهم وعلمهم.
ونقل قول الغزالي والقرطبي :أنه ال يصح أن يكون كل ما قاله الصحابة في التفسير مسموعاً من النبي
صلى الله عليه وسلم لوجهين:
أحدهما :أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه من التفسير إال تفسير آيات قليلة.
الثاني :أنهم اختلفوا في التفسير على وجوه مختلفة ال يمكن الجمع بينها ،وسماع جميعها من رسول
الله صلى الله عليه وسلم محال ،فتبين على القطع أن كل مفسر قال في معنى اآلية بما ظهر له من
استنباطه.
روى البخاري عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال :قلت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه :هل عندكم
شيء من الوحي إال ما في كتاب الله؟
()
قال علي" :ال ،والذي فلق الحبة ،وبرأ النسمة ،ما أعلمه إال فهماً يُعطيه الله رجالً في القرآن" . 1
وقال الغزالي" :ومن موانع الفهم أن يكون قد قرأ تفسيراً واعتقد أن ال معنى لكلمات القرآن إال ما تناوله
النقل عن ابن عباس ومجاهد ،وأن ما وراء ذلك تفسير بالرأي ،فهذا من الح ّجب العظيمة".
وقال فخر الدين الرازي .." :إذا ذكر المتقدمون وجهاً في تفسير اآلية فذلك ال يمنع المتأخرين من
استخراج وجه آخر في تفسيرها ،وإال لصارت الدقائق التي يستنبطها المتأخرون مردودة ،وذلك ال يقوله
إال ُمقلّد خلف".
ثم ختم ابن عاشور كالمه بقوله :وهل استنباط األحكام التشريعية من القرآن في خالل القرون الثالثة
()
األولى من قرون اإلسالم إال من قبيل التفسير آليات القرآن بما لم يسبق تفسيرها به من قبل؟ . 2
ال ب ّد من توفر شروط وضوابط ضرورية في التفسير بالرأي المحمود ليكون صواباً ،وليكون مقبوالً معتمداً،
فإذا لم تتوفر فيه الشروط والضوابط المقررة كان تفسيراً بالرأي المذموم ،قائماً علی الهوی والمزاجية ،ومن
ثم کان مرفوضاً مردوداً.
وقد ذكر الذهبي في (التفسير والمفسرون) أمورا خمسة يجب على المفسر أن يتجنبها في تفسيره،
حتى ال يخطئ:
– ۱تجنب التهجم على بيان مراد اهلل تعالی من کالمه ،مع الجهل بقوانين اللغة وأصول الشريعة ،وبدون
أن يُحصل العلوم الضرورية للتفسير.
– 8تجنب التفسير المقرر للمذهب الفاسد ،بأن يجعل المذهب أصالً والتفسير تابعاً.
()
- 5عدم القطع بأ ّن مراد الله كذا وكذا من غير دليل . 1
-2أن يلم المفسر بالعلوم األساسية التي ال ب ّد منها ،ليحسن فهم القرآن وتفسيره وبيان معانيه.
-3أن يتجنب األخطاء التي نبه عليها العلماء ،وأن يحرص على عدم الوقوع بها أثناء تفسيره للقرآن.
- 8أال يدخل عالم القرآن ،بمقررات فكرية سابقة ،وأن ال يجعل القرآن تابعاً لمقرراته المخالفة للقرآن.
- 5أن يتخلى عن الهوى في تفس يره وإعمال رأيه ،ألن الهوى يحجبه عن حس ن فهم القرآن ،ويقوده
إلى الوقوع في الخطأ.
-6أال يخالف في تفسيره آيات القرآن األخرى ،وأن ال يتعارض رأيه مع مقررات اآليات األخرى.
-7أال يخالف في تفس يره األحاديث الص حيحة عن رس ول الله ص لى الله عليه وس لم ،وال يقرر آراء
تتعارض مع ما تقرره تلك األحاديث.
نوع محمود مقبول ،ألنه يقوم على أسسي علمية منهجية ،وتتحقق فيه الشروط والضوابط -1
المطلوبة.
ونوع مذموم مردود ،ألنه يقوم على الهوى أو الجهل. -2
أوال :التفسير بالرأي المحمود:
وهو التفسير المُستم ّد من القرآن ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان صاحبه عالماً باللغة العربية،
خبيراً بأساليبها ،عالماً بقواعد الشريعة وأصولها.
والمفسر -هنا -يبذل جهده ووسعه في فهم النص القرآني وإدراك معناه مستندا إلى اللغة ،والنصوص،
واألدلة الشرعية.
ولعل هذا النوع هو الذي دعا به الرسول صلى الله عليه وسلم البن عباس رضي الله عنهما بقوله ((اللهم
فقهه في الدين وعلمه التأويل) ) وفيه وقع االختالف بين الصحابة رضي الله عنهم في معنى اآلية فأخذ
()
كل واحد برأيه على مقتضى نظره في المقتضى کما قال الزركشي . 2
أجاز العلماء رحمهم الله تعالى التفسير بالرأي المحمود الذي يستند إلى اللغة ،ونصوص الشريعة.
()
قال ابن تيمية" :فأما من تكلم – يعني في التفسير – بما يُعلم من ذلك لغة وشرعاً فال حرج عليه" . 1
وهو التفسير بمجرد الرأي والهوى ،فهو تفسير ال يستند إلى نصوص الشريعة ،وأكثر الذين فسروا القرآن
بمجرد الرأي هم أهل البدع والمذاهب الباطلة فقد اعتقدوا معتقدات باطلة ،وآراء زائفة ليس لها سند وال
دليل ،ثم أرادوا أن يستدلوا لها من القرآن الکريم فلم تطاوعهم النصوص على ما ذهبوا إليه ففسروها
بآرائهم ،وحملوها ما ال تحتمل كما قال ابن تيمية عن هؤالء" :إن مثل هؤالء اعتقدوا رأياً ثم حملوا ألفاظ
القرآن عليه ،وليس لهم سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ،وال من أئمة المفسرين ،ال في رأيهم
()
وال في تفسيرهم" . 2
مجرد الرأي
هذا النوع من التفسير حرام ال يجوز ،قال ابن تيمية رحمه الله تعالى" :فأما تفسير القرآن ب ّ
()
فحرام" . 3
واألدلة على تحريمه كثيرة من الكتاب ومن السنة ومن أقوال الصحابة والتابعين.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى " :روى عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
()
وغيرهم أنهم ش ّددوا في أن يُفسر القرآن بغير علم" . 4
- - ۱الكشاف للزمخشري.
- ۳مفاتيح الغيب للرازي.
3مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي.
8لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن.
الصفحة 89
ملخص مقرر مناهج المفسرين
وکان يقول" :ليتني لم أشتغل بعلم الکالم" ثم يبکي ويقول" :لقد اختبرت الطرق الکالمية ،والمناهج
()
الفلسفية ،فلم أجدها تروي غليالً ،وال تشفي عليال ،ورأيت أصح الطرق طريقة القرآن" . 1
ومن مؤلفاته( :مفاتيح الغيب) ،و(المحصول في علم األصول) ،و(درة التنزيل وغرة التأويل) ،و(األربعين
في أصول الدين) ،و(عصمة األنبياء) ،و(نهاية اإليجاز في دراية اإلعجاز) ،و(مسائل الطب) وغير ذلك.
ويُع ّد تفسيره (مفاتيح الغيب) أوسع التفاسير في علم الكالم ،فقد تأثر كثيراً بالعلوم العقلية فتوسع فيها،
وسلك في تفسيره مسلك الحكماء والفالسفة وعلماء الکالم ،واستطرد في العلوم الرياضية والطبيعية
()
والفلكية والمسائل الطبية ،ومأل تفسيره بهذه العلوم حتى قيل عنه" :فيه كل شيء اال التفسير" . 2
ولم يتم الرازي تفسيره هذا ،بل قيل إنه بلغ في التفسير إلى سورة األنبياء ،ثم جاء تلميذه الخويي فشرع
في تكملته ولم يتمه ،وأتمه نجم الدين القمولي ،وقيل إن الخويي أكمله ،وكتب القمولي تكملة أخرى
غيرها ،وال يكاد القار يلحظ تفاوتاً بين أساليبهم.
التفسير اللغوي
-1المراد بالتفسير اللغوي:
( )1التفسير اللغوي للقرآن الكريم ،للدكتور مساعد الطيار ص.25 :
( )2الموافقات ،للشاطبي ،تحقيق :محيي الدين عبد اخحميد .286/2
الصفحة 51
ملخص مقرر مناهج المفسرين
رف اللُّغة ط في ف ه ِم ِ
القرآن؛ ألن من أراد تفسيره ،وهو ال ي ْع ُ ْ غة العربي ِة شر ٌ
ويفهم من ذلك أن معرفة اللُّ ِ
ُ ُ
اضعِ ِه ،كما حصل من سيحرف الكلِم عن مو ِ
سيقع في الزل ِل ،بل ِّ
التي نزل بها القرآ ُن ،فإنه ال شك ُ
مدلوالت غي ِر عربي ٍّة . 1
ٍّ ٍّ ِ
()
مصطلحات أو المبتدعة الذين حملوا القرآن على ِ
بعض
( )1التفسير اللغوي للقرآن الكريم ،للدكتور مساعد الطيار ص.40 :
( )2مجاز القرآن ،لبي عبيدة .5/0
الصفحة 52
ملخص مقرر مناهج المفسرين
كما اهتم الص در األول أيض ا ببيان غريب مفردات القرآن ،وكانوا يحتجون للغريب بنظم الش عراء قبل
ظهور اإلسالم.
وقد تض منت كتب اآلثار وكتب التفس ير روايات أس ندت إلى ابن عباس رض ي الله عنهما بش أن
احتجاجه بالش عر الجاهلي لتفس ير غريب القرآن ،واش تهرت عنه بهذا الخص وص (مس ائل نافع بن
األزرق) ،التي اعتنى بها ،ودرسها القدامى والمعاصرون على السواء.
وفي آخر القرن األول الهجري ومطلع القرن الثاني اتس ع مجال االهتمام بلغة القرآن ،وتنوعت العلوم
التي تخ دم ه ذه الم ادة ،فظهر :علم نقط القرآن وش كل ه ،وعلم الوقف واالبتداء ،وعلم الغريب ،وعلم
لغات القرآن ،وغيرها من العلوم.
وقبل أفول القرن الثاني الهجري ظهر في إطار االتجاه اللغوي التأليف في:
-إعراب القرآن الكريم.
-غريب مفردات القرآن
-علم الوجوه والنظائر.
وحين ابتدأ عص ر التص نيف اتجه المؤلفون في التفس ير اللغوي إلى إفراد كل واحد من المناحي الثالثة
الس الفة بالتأليف ،على أنه ينبغي اإلش ارة إلى أن االهتمام بلغة القرآن لم ينحص ر في المفس رين اللغويين
فحسب ،بل اهتم بها كذلك األثريون والبيانيون والفقهاء ...من المفسرين على تفاوت بينهم في ذلك.
ثم تطور هذا االتجاه في منحيين اثنين:
المنحى األول :غلب عليه االهتمام بمفردات القرآن ،وما اتص ل بها من بحث في الغريب واالش تقاق،
والتصريف ،والوجوه ،والنظائر.
والمنحى الثاني :اتجه إلى االهتمام بإعراب القرآن.
وس عى أهل اللغة حين ص نفوا في التفس ير إلى إبراز فروع علم اللغة التي نبغوا فيها من خالل تفاس يرهم،
وقد وجد من المفس رين اللغويين من جنح إلى التص نيف الموس وعي الذي يهتم باس تيعاب مختلف علوم
اللغة ،واالستفادة منها في فهم آيات القرآن.
الصفحة 53
ملخص مقرر مناهج المفسرين
والوجوه هي اللفظ المش ترك ال ذي يس تعم ل في ع دة مع ان ،كلم ة (األم ة) ،والنظ ائر ك األلف اظ
()
المتواطئة" . 1
-وأهم المؤلفات في الوجوه والنظائر:
-1األشباه والنظائر في القرآن الكريم ،لمقاتل بن سليمان البلخي ،ت 151:ه .
-2ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد ،للمبرد ت 245:ه .
-3الوجوه والنظائر في القرآن الكريم ،للدامغاني ت 874:ه .
-8معترك األقران في مشترك القرآن ،للسيوطي ت 911:ه .
وبدأ هذا األثر جلياً في آخر عص ر التدوين حين ظهر من علماء العربية والعجم من اس تفاد من اإلعراب
في تفسير القرآن ،ومنذ أفول القرن الثاني الهجري ،تتالت التفاسير المصنفة في إعراب القرآن.
وإذا كان المفس رون – عامة -يولون للنحو مكانة خاص ة ،فقد وجد من علماء اللغة من عكف على
إخراج مصنفات في إعراب القرآن خاصة.
-وأهم المؤلفات في هذا العلم:
-1إعراب القرآن ،ألبي جعفر النحاس ،ت 34:ه .
-2إعراب القرآن ،البن خالويه ،ت 371 :ه .
-3إعراب القرآن ،ألبي الحسن الحوفي ،ت 831 :ه .
-8مشكل إعراب القرآن ،لمكي بن أبي طالب القيسي ،ت 837 :ه .
الصفحة 56
ملخص مقرر مناهج المفسرين
قال أبو حيان في وص ف منهجه ...":بحيث إني ال أغادر منها – أي اآلية – كلمة وإن اش تهرت –
حتى أتكلم عليه ا ،مب دي اً م ا فيه ا من غوامض اإلعراب ،ودق ائق اآلداب من ب ديع وبي ان ،مجته دا أن ال
أكرر الكالم في لفظ س بق ،وال في جملة تقدم الكالم عليها ،...وكذلك ما نذكره من القواعد النحوية
أحيل في تقريرها واالس تدالل عليها على كتب النحو ،...منكباً في اإلعراب عن الوجوه التي تنزه القرآن
عنها ،مبينا أنها مما يجب أن يعدل عنه ،...ثم أختتم الكالم في جملة من اآليات التي فس رتها إفرادا
()
وتركيبا بما ذكروا فيها من علم البيان والبديع ملخصا. 1 "...
ومض ى الزمان والناس متوقفون عند تراث المتقدمين بعد أن قص رت هممهم وفترت عزائمهم ،وتتالت
القرون على ذلك ،فانحسر التأليف في لغة القرآن.
لكن بعد هذه الطبقة توقف التأليف والتصنيف في التفسير اللغوي حتى العصر الراهن.
وإذا نظرنا اليوم إلى إس هامات المعاص رين في هذا االتجاه التفس يري تجدها محدودة جدا ،وهي في
جوهرها مؤلفات (مدرس ية) مبس طة ،وض عها أفراد أو هيئات تهتم باللغة العربية ،والهدف من وضعها هو
تقريب المادة العلمية التي تضمنتها المصادر القديمة إلى فهم المعاصرين.
التفســير الفقهي :هو تفس ير ما له ص لة باألحكام الش رعية العملية في القرآن الكريم وهو ما يس مى
تارة آيات األحكام وتارة فقه الكتاب.
أما أحكام القرآن فتنقس م إلى أنواع ثالثة تمثل األحكام الفقهية أو العملية نوعاً واحداً منها ،وهي
على التفصيل:
أوالا :األحكــام االعتقــاديــة :التي تتعلق بم ا يج ب على المكلف اعتق اده في الل ه ومالئكت ه وكتب ه
ورسله واليوم اآلخر ،وهو ما يدرس ضمن مباحث العقيدة.
الخلقيـة :التي تتعلق بما يجب على المكلف أن يتحلى به من الفض ائل ويتخلى
ثـانيـا :األحكـام ُ
عنه من الرذائل ،وهو ما يتعلق بالجوانب التربوية من القرآن الكريم.
ث ــالثـ ـا :األحك ــام العملي ــة :وهي التي تتعلق بم ا يص در عن المكلف من أقوال وأفع ال وعقود
وتص رفات .وهذا النوع هو فقه القرآن وهو الذي اهتم به المفس رون ض من ما عرف بالتفسير الفقهي
وهو يتضمن نوعين أساسيين:
.1أحكام العبادات :من صالة وصيام وزكاة وحج ونذر ويمين ونحو دلك من العبادات التي يقصد
بها تنظيم العالقة بين اإلنسان وربه.
.2أحكام المعامالت :من عقود وتصرفات وعقوبات وجنايات وغيرها ،مما يقصد به تنظيم
عالقات الناس بعضهم ببعض سواء كانوا أفراداً أم جماعات.
قبل الحديث عن أهم كتب التفسير الفقهي تحسن اإلشارة إلى أن هذه الكتب لم تكن وحدها مهتمة
بجانب األحكام ف ي القرآن بل شاركتها في ذلك كل كتب التفسير تقريبا ،فالفرق إذن بينها وبين غيرها
الصفحة 54
ملخص مقرر مناهج المفسرين
أنها اختصت باألحكام أساسا وشاركها فيها غيرها .وإذا أخذنا تفسير الطبري مثال فهو ال يخلو من
أحكام فقهية.
ومن جهة أخرى فإن كتب أحكام القرآن لم تخل من اإلشارة إلى جوانب في التفسير غير األحكام فلقد
احتوت على مباحث لغوية وعقدية وغيرها وإذا أخذنا مثاال على ذلك أحكام القرآن البن العربي ،فإن
المسائل التي يتناولها تتجاوز الجانب الفقهي ،بل في كتابه األحكام الصغرى رغم اختصاره تناول بعض
ذلك.
إن تفاسير األحكام تتنوع بتنوع المذاهب الفقهية المعروفة فأحكام القرآن للجصاص يعبر عن اختيار
األحناف ،وأحكام القرآن البن العربي يعبر عن اختيار المالكية ،وأحكام القرآن للهراسي يعبر عن اختيار
الشافعية ،وهكذا.
فكل فريق من هؤالء يجتهد في تأويل النص وص القرآنية حتى تش هد له أو ال تعارض ه على األقل مما
أدى ببعضهم إلى التعسف في التأويل والخروج باأللفاظ القرآنية عن معانيها ومدلوالتها ،وإذا كان التنوع
مس لماً؛ فإن تعميم القول بتأويل النص وص لتش هد للمذهب فيه نظر والتس ليم به؛ يفقد كتب التفس ير
الفقهي علميتها ،واألمر تابع لش خص ية المفس ر وقدرته االجتهادية ،ثم إن االختالف الفقهي كانت له
مبرراته العلمية.
أم ا عن أهم م ا كت ب في التفس ير الفقهي ففي م ا يلي عرض لط ائف ة من ه ذه الكت ب مرتبة حس ب
المذاهب الفقهية األربعة المشهورة:
أحكام القرآن :ألبي عبد الله محمد بن سحنون القيرواني ،ت 255 :ه . -1
الصفحة 59
ملخص مقرر مناهج المفسرين
أحكام القرآن :القاض ي أبو إس حاق إس ماعيل بن إس حاق بن إس ماعيل المالكي ،ت: -2
242ه .
أحكام القرآن :ألبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي ،ت 583 :ه . -3
الجامع ألحكام القرآن :ألبي عبد الله محمد بن أحمد األنص ــاري القرطبي ،ت671 : -4
هـ.
-1أحك ام القرآن :ألبي جعفر احم د بن محم د بن س لم ة االزدي الطح اوي الحنفي،
ت321:ه .
-2أحكام القرآن :ألحمد بن علي الرازي ،المشهور بالجصاص الحنفي ،ت373 :هـ.
-3تخليص أحكام القرآن ،تهذيب أحكام القرآن :جمال الدين محمود بن مس عود المعروف
بابن سراج القونوي الحنفي ت 771 :ه .
-1أحكام القرآن :لإلمام الشافعي ،ت218 :ه وجمعه اإلمام أبو بكر احمد بن الحسن البيهقي
النيسابوري ،ت 854 :ه .
-2أحكام القرآن :ألبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي الشافعي ،ت 281ه .
-3أحكام القرآن :لعماد الدين أبى الحس ـ ــين علي المعروف بالكيا الهراس ـ ــي الش ـ ــافعي ،ت:
534هـ.
-8اإلكليل في استنباط التنزيل :جالل الدين السيوطي الشافعي ،ت 911:ه .
الصفحة 61
ملخص مقرر مناهج المفسرين
-1أحكام القرآن :ألبي يعلى محمد بن الحسـ ـ ـ ــين بن محمد بن خلف بن الفراء الحنبلي ،ت:
458هـ.
-2إحكام الراي في أحكام اآلي :ش مس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الص ائغ الحنبلي ،ت:
776ه .
-3أزهار الفالة في آية قصر الصالة :مرعي بن يوسف بن ابي بكر الكرمي المقدسي الحنبلي ،ت:
1133ه .
الصفحة 61
ملخص مقرر مناهج المفسرين
التفسير العلمي :هو التفسير الذي يحكم االصطالحات العلمية في عبارات القرآن الكريم ،يعني م ًثال
مصطلح علمي مثل تناقض ضغط الجو واألكسجين ،كلما ارتفعنا في الفضاء ،يأتي التفسير العلمي
ِ ِ ِ ِ ِ
على اآلية التي تقول ﴿:فم ْن يُِرد اللهُ أ ْن ي ْهديهُ ي ْشر ْح ص ْدرهُ ل ِْإل ْسالم وم ْن يُِرْد أ ْن يُضلهُ ي ْجع ْل ص ْدرهُ
الر ْجس على ال ِذين ال يُ ْؤِمنُون ﴾[سورة ضيِّ ًقا حر ًجا كأنما يصع ُد فِي السم ِاء كذلِك ي ْجعل اللهُ ِّ
ُ
األنعام]125:
فيأتي بهذه المصطلحات العلمية ،ويحاول أن يفسر بها عبارات القرآن الكريم ،ويجتهد الذي يفسر
تفسيرا علميًّا في استخراج مختلف العلوم.
القرآن ً
-2أهم المؤلفات في التفسير العلمي:
قبل الحديث عن المؤلفات في هذا اللون من التفس ير -أعني التفس ير العلمي -الذي يرمي إلى جعل
تمال على س ائر العلوم ما جد منها ،وما يجد ،أود أن أبين أن هذا األمر قد اس تشرى أمره في
القرآن مش ً
هذا العص ر الحديث ،وراج لدى بعض المثقفين الذين لهم عناية بالعلوم ،وعناية بالقرآن الكريم .وكان
كثيرا من
من أثر هذه النزعة التفس يرية ،التي تس لطت على قلوب أص حابها فأخرج لنا المش غوفون بها ً
الكتب ،يحاول أص حابها فيها أن يحملوا القرآن كل علوم األرض والس ماء ،وأن يجعلوه ًّ
داال عليها
اعتقادا منهم أن هذا بيان لناحية من أهم نواحي صدقه وإعجازه ،وصالحيته
ً بطريق التص ريح أو التلميح،
للبقاء.
ومن أهم هذه الكتب التي ظهرت فيها هذه النزعة التفسيرية:
(كش ف األس رار النورانية القرآنية فيما يتعلق باألجرام الس ماوية واألرض ية ،والحيوانات -1
والنباتات والجواهر المعدنية) لإلمام الفاض ل والطبيب البارع ،محمد بن أحمد اإلسكندراني
من علم اء القرن الث ال ث عش ر الهجري ،وهو كت اب كبير الحجم يقع في ثالث ة مجل دات،
ومطبوع بالمطبعة الوهبية بمصر سنة 1297ه ،ومنه نسخة بدار الكتب المصرية.
الصفحة 62
ملخص مقرر مناهج المفسرين
رس الة عبد الله باش ا فكري في مقارنة بعض مباحث الهيئة بالوارد في النص وص الش رعية، -2
وقد طبعت بالقاهرة سنة 1315ه .
(طبائع االس تبداد ومص ارع االس تعباد) لرجل اإلص الح اإلس المي ،المرحوم الس يد عبد -3
الرحمن الكواكبي.
(إعجاز القرآن) للمرحوم مص طفى ص ادق الرافعي ،وهو من أنص ار هذه النزعة التفس يرية، -8
خاص ا لموض وع
ومن المؤيدين لها ،وفي هذا الكتاب نجد المؤلف -رحمه الله-يعقد بحثًا ًّ
القرآن والعلوم.
(اإلسالم والطب الحديث) للدكتور عبد العزيز السباعي الطبيب المعروف. -5
إنتاجا لهذا التفســير العلمي هو المرحوم الشــي طنطاوي جوهري؛ إذ إنه جمع
وأكثرهم ا -6
كثيرا من هذا العلم ،وأطال في تفسـ ـ ــيره (الجواهر) الذي يقع في خمس ة وعش رين جزءًا
ً
كبارا ،والمطبوع س نة 1351ه ،يقول الدكتور الذهبي " :الش يخ طنطاوي جوهري يقول ً
عن نفس ه" :إن ه مغرم ب العج ائ ب الكوني ة ،معجب بالبدائع الطبيعية ،مش وق إلى ما في
الس ماء من جمال وما في األرض من بهاء وكمال ،ولما تأمل األمة اإلس المية وتعاليمها
ال ديني ة ،وج د أكثر العقالء وبعض أجل ة العلم اء عن تل ك المع اني معرض ين ،وعن التفرج
عليه ا س اهين الهين ،فقلي ل منهم من فكر في خلق العوالم ،وم ا أودع فيه ا من الغرائ ب.
فدفعه ذلك إلى أن ألف كتبًا كثيرة مزج فيها اآليات القرآنية بالعجائب الكونية ،وجعل آيات
الوحي مط ابق ة لعج ائ ب الص نع ،وحكم الخلق ،وك ان من أهم ه ذه الكت ب كت اب (نظ ام
العالم واألمم) و (جواهر العلوم) و (التاج المرص ع) و (جمال العالم) و (النظام واإلس الم) و
(األم ة وحي اته ا) ،لكن ه وج د أن ه ذه الكت ب رغم كثرته ا وانتش اره ا وترجمته ا إلى اللغ ات
األجنبي ة ،لم تش ف غليل ه ،فتوجه إلى ذي العزة والجالل أن يوفقه إلى أن يفس ر القرآن
الصفحة 63
ملخص مقرر مناهج المفسرين
تفس ًيرا ينطوي على كل ما وص ل إليه البش ر من علوم ،فاس تجاب الله دعاءه ،وتم له ما
أراد".
التفسير العقدي
يراد بالتفس ــير العقدي :تلك التفاس ير التي تعنى بجوانب بعض مس ائل العقيدة التي يعتقدها ص احب
التفسير ،من الفرق اإلسالمية المختلفة ،وإن كان ال يهمل إهماالً تاماً الجوانب األخرى.
بحي ث يكون الهدف (االتجاه) هو مس ائل العقيدة وتقريرها وبس ط معالمها والذود عنها وما يتعلق
بهذا ،ويظهر هذا الهدف على مجموعة من التفاسير فيكون االتجاه لهذه التفاسير (االتجاه العقدي).
ويس لك كل واحد من هؤالء المفس رين س بيالً خاص اً لتقرير العقيدة ،فيس لك أحدهم أص ول عقيدة
األش اعرة مثالً فيكون منهجه تقرير عقيدة األش اعرة ،ويس لك آخر أص ول عقيدة الش يعة فيكون منهجه
تقرير عقيدة الشيعة ،ويسلك ثالث أصول عقيدة الصوفية ،وهكذا.
-1يرى المعتزل ة أن مرتك ب الكبيرة إذا م ات ولم يت ب ال يجوز أ ْن يعفو الله عنه؛ ألنه أوعد بالعقاب
حتمي التزم الله به ،ومن
على الكبائر ،ووعد بالثواب على الطاعات ،والعقاب على المعاص ي قانون ّ
هنا قالوا :إن مرتكب الكبيرة مخلّد في النار ،ولو ص دق بوحدانية الله وآمن برس له واس تدلوا على
مذهبهم الفاس د بقوله تعالى:
[سورة البقرة.]41 :
اليهودي الذي تظاهر باإلس الم -أن علياً
ّ -2يرى بعض الس بئية -وهم جماعة عبد الله بن س بأ
تبس مه ،ولهذا ِ
يفس رون الرعد بأنه ص وت علي ،والبرق بأنه لمعان ص وته أو ُّ
في الس حاب ،وعلى هذا ّ
كان الواحد منهم إذا سمع صوت الرعد يقول :عليك السالم يا أمير المؤمنين.
-3كذلك نجد بعض الس بئية يزعم أن محمداً س يرجع إلى الحياة الدنياّ ،
وتأول على ذلك قول
[سورة القصص.]45 : الله تعالى:
التميمي أن ه هو الم ذكور في قول ه تع الى:
ّ -8يزعم بي ان بن س مع ان
[سورة آل عمران ،]133 :يقول :أنا البيان ،وأنا الهدى والموعظة.
-5ي زع م ال م غ ي رة ب ن س ع ي د ال ع ج ل ّي أن ال م راد ب الش ي ط ان ف ي ق ول ه ت ع ال ى
[الحش ر ،]16 :هو
عمر .
فس روا القرآن تبعاً لعقيدتهم الفاس دة ،وأهوائهم الباطلة ،فص رفوا اللفظ تلك نماذج عن الغالة الذين ّ
القرآني عن معناه الذي س يق له ،وقالوا عن الله بغير علم وال برهان ،فهلكوا وأهلكوا م ْن تبعهم ،أو قال
ّ
بقولهم ،أو اعتقد ما يعتقدون.
أبرز الكتب التي غلب عليها اتجاه أحد المذاهب العقدية في التفسير: -3
الصفحة 65
ملخص مقرر مناهج المفسرين
مؤلفه :القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني ،المتوفى سنة 815ه ،ولكنه غير شامل لجميع آيات
القرآن الكريم.
مؤلفه :الش ريف المرتض ى ،العالِم الش يعي العلوي المتوفى س نة 836ه ،ومؤلفه رغم أنه ش يعي
المذهب إال أنه كتب بحوثاً فياض ة في بعض آيات القرآن الكريم التي رأى أنها تص ادم مذهب
المعتزلة ،فوفق بين ظاهر النظم الكريم والعقيدة االعتزالية.
مؤلفه :أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري المتوفى سنة 534ه ،فسر القرآن الكريم تفسيراً عظيماً
جداً لوال ما فيه من نزعات االعتزال ،وهو أش مل ما وص ل إلينا من تفاس ير المعتزلة ،وقد س بق الحديث
عنه بالتفصيل أثناء عرض بعض كتب التفسير بالرأي.
الصفحة 66
ملخص مقرر مناهج المفسرين
يقع بعض دارس ي التفاس ير في أخطاء کثيرة ،عندما ال يدرس ون التفس ير الذي بين أيديهم دراس ة جيدة،
حيث ال يقفون على حقيقة رأي المفسر في بعض القضايا والمسائل ،فينسبون له ما لم يقله ،ويخرجون
من الدراسة بنتائج خاطئة ،ويحکمون عليه حکماً خاطئاً ظالماً.
والس بب في هذا هو عدم مراعاتهم المنهج العلمي في الدراس ة ،والموض وعية في البحث ،واألمانة في
النقل ،والنزاهة في الحكم.
أو بمعنى آخر :عدم مراعاتهم الضوابط المنهجية الضرورية للدراسة ،وأهم هذه الضوابط هي:
المعرفة التامة لعصر المفسر: -1
ال ب ّد للدارس أن يتعرف على العص ر الذي عا فيه المفسر ،وأن يقف على مختلف مظاهر الحياة
يفسر القرآن ألهداف
فيه :السياسية واالقتصادية واالجتماعية والعلمية ،ألن المفسر الذي يعيش عصرهّ ،
خاص ة ،لها ص لة بقض ايا ومش كالت عص ره ،ويرکز في تفس يره على مس ائل تهم أمته في عصره ،ويتناول
بعض األفكار والمذاهب المنتش رة في عص ره ،لذلك الب ّد للدارس أن يذهب إلى المفس ر ،ليعيش معه
عصره.
وال يليق بالدارس أن (يس لخ) المفس ر عن عص ره ،وأن يُحض ره إلينا ليعيش عص رنا ،أو أن يسلخ المفسر
المعاصر عن عصرنا ،ليعيش عصراً سابقاً ،ليس له مشكالت وقضايا واهتمام هذا العصر.
-2المعرفة التامة لشخصية المفسر:
على الدارس أن يتعرف على ش خص ية المفس ر ،ودراس ة مراحل حياته ،ومظاهر التأثر والتأثير فيها،
ومعرفة دراس ته وش يوخه وثقافته ،والكتب التي درس ها ،واألماكن التي ذهب إليها ،والوظائف التي
درس هم ،ومعرفة أس رته وأوالده .إن تيس ر له معرفة
ش غلها ،واألعمال التي قام بها ،ومعرفة تالميذه الذين ّ
ذلك.
الصفحة 67
ملخص مقرر مناهج المفسرين
الصفحة 64
ملخص مقرر مناهج المفسرين
الصفحة 69
ملخص مقرر مناهج المفسرين
وفهمهم وآرائهم البش رية القاص رة أص الً يحاكم إليه العلم وأص حابه ،فاألصل في هذا هو كتاب الله وسنة
رسوله صلى الله عليه وسلم.
-13الموضوعية في التقويم والعدالة والنزاهة في الحكم:
على الدارس أن يحرص على الدقة وحس ن الفهم ،بحيث يطيل النظرة في التفس ير ،ويس توعب الفکرة،
ويقلب وجوة الرأي ،ليحسن فهم كالم المفسر ،وال يظلمه بأن ينسب له رأياً لم يقل به.
وإذا ج اء دور النق ل فال ب ّد من توفر األم ان ة العلمي ة ل دى الب اح ث ،ب أن ينق ل عب ارة المفس ر ك امل ة،
ويالحظ ما قبلها وما بعدها ،وال يجوز أن يقتطع عبارة من سياقها ،ليعتبرها إدانة للمفسر.
البد للدراس من أن يكون موض وعياً في تقويم التفس ير بأن يطرح الهوى جانباً ،س واءً في جانب الحب
أو جانب البغض .عليه في التقويم أن يالحظ الحس نات واإليجابيات ويُش يد بها ،ويعرف نس بتها إلى
تفس يره ،وقيمة التفس ير بس ببها ،ثم يالحظ المآخذ واألخطاء ،ويُحس ن تص نيفها -هل هي في المقص د
أوفي المنهج أو في بعض خطوات الطريق -ومدى تأثر التفسير بها ،ومدى أثرها عليه.
دور الحكم ..البد للدارس من أن وبعد األمانة في النقل ،وحس ن الفهم ،والموض وعية في التقويم ،يأتي ُ
يكون نزيهاً عادالً في الحكم ،فعندما يض ع التفسير في الميزان ،عليه أن يكون ميزانه إسالمياً شرعياً ،له
كفتان :واحدة للمزايا واإليجابيات ،واألخرى للمآخذ واألخطاء والسلبيات.
ال يجوز أن يكون ميزانه بكفة واحدة ،ال يض ع فيها إال الحس نات إذا كان يحب المفس ر ،أو ال تعرف
إال األخطاء إذا كان ال يحب المفسر.
على الدارس المتص ف بهذه الص فات أن يتقي الله في حكمه على التفسير والمفسر ويعطبه ما يستحقه
من حكم ،بعد معرفة نس بة أخطائه إلى حس ناته ،وأن يهب الخطأ القليل إلى الص واب الكثير ،وكفى
المرء نبالً أن تُع ّد معايبه.
وبعد ...فهذا ما يس ره الله لنا وأعاننا على جمعه من نواح ش تى من مناهج التفس ير ،فما كان فيه من
ص واب وإحس ان ،فذلك من فض ل الله وتوفيقه ،وإن كانت األخرى ،فذلك هو ج ْه ُد ال ُم ِقل ،وطاقة
الناشئ ،الذي ال يزال يرقب من وراء الغيب أمالً فسيحاً ،وكماالً صريحاً.
والله أعلى وأعلم ،وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصفحة 71
ملخص مقرر مناهج المفسرين
الصفحة 71