Professional Documents
Culture Documents
www.alukah.net
2
www.alukah.net
مقدمة
ارتبط تقدم البحث العلمي وحتصيل املعرفة العلمية بضرورة وجود منهج للبحث والتحصيل ،فإن
غاب املنهج خضع البحث للعشوائية وأضحت املعرفة غري علمية .ولو مل يستفد اإلنسان من احملاوالت
اليت قام هبا جتاه أحداث الطبيعة حيث يستبعد حماوالته الفاشلة يف الفهم والتفسري ويبقى على احملاوالت
الناجحة ،لكانت عصور ما قبل التاريخ هي اليت تظللنا حىت اليوم ،ولضاعت معامل أي تقدم ميكن أن
حترزه اإلنس انية ،فالتق دم رهن ب املنهج والطريق ة .ويس هل علين ا أن نالح ظ ارتب اط تط ور العلم نظري ًا
وتكنولوجي ًا وتق دم ت راث املعرف ة االنس انية واتس اع جماالهتا بن وع املنهج املس تخدم يف التحق ق منهم ا
وحتصيلهما .فما انتكست مسرية البحث العلمي إال بسبب النقص يف تطبيق املناهج العلمية أو لتخلف
أدوات تلك املناهج عن قياس الظاهرة موضوع البحث .ومن املعروف «أن املعرفة الواعية مبناهج البحث
العلمي متكن العلماء الباحثني من اتقان البحث وتاليف كثري من اخلطوات املتعثرة أو اليت ال تفيد شيئًا ».
وال خيتلف الع امل عن اإلنسان الع ادي عن دما يس لك طريق ًا لتحصيل املعرفة إال يف أنه يتب ع برناجمًا
حمددًا يؤدي به اىل الكشف عن احلقيقة ،مستندًا يف ذلك اىل جمموعة قواعد عامة هتيمن على سري العقل
وحتدد عملياته حىت يصل اىل نتيجة معلومة .ويعمل العامل وهو مقتنع بأن ما يدرسه من وقائع ليست
معطيات عشوائية ،ولكن ينتظمها اطار عام كحبات العقد ،ومن مث عليه أن حياول اكتشاف هذه الوقائع
يف اطار الظاهرة اليت تكتنفها ،وعليه أيض ًا – يف مرحلة تالية أن حياول الكشف عن القانون الذي ينتظم
جمموعة من الظواهر املرتابطة يف اطار نظرية واحدة. 1
وتتم مقاربة هذه الدراسة من خالل حمورين:
المحور األول :مفهوم املنهج التحليلي.
المحور الثاني :كيفية تطبيق املنهج التحليلي.
- 1حممد حممد قاسم ،املدخل إىل مناهج البحث العلمي ،دار النهضة العربية للطباعة والنشر ،الطبعة األوىل 1999م ،ص:
.52 -51
3
www.alukah.net
المحور األول
مفهوم المنهج التحليلي
-1التعريف بالمنهج
مل يتوق ف الق رآن عن د بعث ال روح العلمي ة والفكري ة يف حي اة املس لمني ،وإمنا جتاوز ذل ك إىل توجي ه
املسلمني لطرق التفكري ومناهج البحث.
م أخوذ من م ادة (َنَه َج ) ،والَّنْه ج :الطري ق ،وهنج يل األم ر :أوض حه ،وفالن هنج س بيل فالن :س لك
مسلكه ،واجلمعُ :نُه ج ،ومناهج .وعلى هذا :فاملنهج يف اللغة يعين :الطريق الواضح ،أو اخلطة املرسومة للسري
عليها.1
وردت اإلشارة إليه يف موضع واحد عند حديث القرآن عن الكتب السابقة ،وموقف القرآن منها،
وموقف النيب حممد صلى اهلل عليه وسلم ،من أهل الكتاب ،حيث يقول تعاىلَ﴿ :و َأْنَز ْلَنا ِإَلْي َك اْلِكَت اَب ِب اْلَح ِّق
ُمَص ِّد ًقا ِلَم ا َبْيَن َيَد ْيِه ِم َن اْلِكَتاِب َو ُمَهْيِم ًن ا َعَلْي ِه َف اْح ُك ْم َبْيَنُه ْم ِبَم ا َأْنَز َل الَّل ُه َو اَل َتَّتِب ْع َأْه َو اَءُه ْم َعَّم ا َج اَءَك
- 1أيب احلسني بن زكريا بن فارس ،معجم مقاييس اللغة ،كتاب (النون) ،والقاموس احمليط للفريوز أبادي باب اجليم فصل
النون.
4
www.alukah.net
.يقول ابن عباس -رضي اهلل عنهما :-شرعة ومنهاجا .سبيال
2
ِم َن اْلَح ِّق ِلُك ٍّل َجَعْلَنا ِم ْنُك ْم ِش ْر َعًة َو ِم ْنَه اًج ا﴾
وسّنة ،فاملنهاج :السبيل أي الطريق الواضح ،والشرعة والشريعة مبعىن واحد ،وشّر ع :سّن .
المنهج في بعض استعماالت السنة النبوية:
جاء مبعىن الواضح الذي ينبغي السري عليه ،يقول صلى اهلل عليه وسلم( :تكون النبوة فيكم م6ا شاء اهلل
أن تكون ،ثم يرفعها اهلل إذا شاء أن يرفعه66ا ،ثم تكون خالف66ة على منه66اج النبوة .1)...أي يس لك اخللف اء
مسالك النيب ،وينهجون هنجه ،ويسريون على طريقته.
المنهج في االصطالح:
ويع رف ال دكتور عب د الرمحان ب دوي املنهج بأن ه "الطري ق املؤدي إىل الكش ف عن احلقيق ة يف العل وم
بواس طة طائف ة من القواع د العام ة ،هتيمن على س ري العق ل ،وحتدد عمليات ه الفكري ة ،ح ىت يص ل إىل نتيج ة
معلومة".2
وعرفه البعض بأنه« :فّن التنظيم الصحيح لسلسلة من األفكار العديدة إّم ا من أجل الكشف عن احلقيقة
حني نكون هبا جاهلني ،أو الربهنة عليها لآلخرين حني نكون هبا عارفني ».3
5
www.alukah.net
يذكر املنهج التحليلي دائما مقرتنا باملنهج الرتكييب ،فالتحليل والرتكيب عمليتان عقليتان تقوم عليهما
معظم املن اهج األخ رى .وال رتكيب ه و اع ادة ت أليف اجلزئي ات املعرفي ة والعلمي ة وتركيبه ا .فه و وال رتكيب
متالزم ان ،والع رض والوص ف عمليت ان تس بقانه والنق د واملقارن ة خطوت ان تعقبان ه فه و انطالق ة ملراح ل متتالي ة
ومتكاملة من العمل فهو ليس غاية يف حد ذاته.
ثانيا :مضمون المنهج التحليلي
أ -يسمى املنهج التحليلي لتصنيف البيانات وتبويبها اىل وصف املضمون احملتوى الظاهر والصريح للمادة قيد
التحليل وال يقتصر على اجلوانب املوضوعية ،امنا الشكلية أيضا.
ب -يعتم د على تك رارات وردت أول ظه ور مجل أو كلم ات أو مص طلحات أو رم وز أو أش كال املع اين
املتضمنة يف مادة التحليل بناء على ما يقوم به الباحث من حتديد موضوعي لفئات التحليل ووحداته.
ت -جيب أن يتم يز باملوض وعية وخيض ع للمتطلب ات املنهجي ة كالص دق والثب ات ح ىت ميكن األخ ذ باألحك ام
نتائجه على أهنا قابلة للتعميم.
ث -ينبغي أن يك ون التحلي ل منتظم ا ،وأن يعتم د أس س األس لوب الكمي يف عملي ات التحلي ل هبدف القي ام
بالتحليل الكيفي على أسس موضوعية.
ج -جيب أن تتكون نتائج التحليل املضمون مطابقة يف حالة اعادة الدراسة التحليلية لذات األداة وللمادة (قيد
التحليل) لضمان ثبات النتائج – االتساق عرب الزمن -أو عرب تطبيقها واقرتاب نتائجها من قبل حمللني آخرين
(التحكيم اخلارجي).
ح -ترتبط نتائج حتليل املضمون مع ما ورد من نتائج وصفية وحتليلية ونظرية ،بإطار عام وشامل ،ليتم وفقها
تفسري الظاهرة أو املشكلة ،أي أنه يف هذه احلالة يعد مكمال إلجراءات منهجية أخرى تسبقه أو تلحقه يف إطار
الدراسة الشاملة.
ثالثا :آليات التحليل وشخصية المحلل
-1أليات التحليل
-العلم الواسع باملوضوع واالحاطة به.
-التحكم يف لغة البحث األساسية.
-التمتع بفطنة وذكاء اىل األجزاء املكونة لألفكار وتكتسب هذه املهارة بالرتويض واملراس.
-فسح اجملال للفكر وترك األحكام املسبقة واخللفيات.
-ال مينع االستعانة باألعمال السابقة بشرط عدم الوقوع يف التبعية والتقليد.
-التمرس على التفكيك والتجزئة املناسبة للموضوع.
6
www.alukah.net
-2شخصية المحلل
-قوة الشخصية اليت حترر الفكر ،واالستقالل
-عدم النقل وترديد األقوال
-خالل التحليل تقاس شخصية الباحث وتبني معتقداته وتتضح قناعته
1
-الباحث إذا مل حيلل فهو متقدم مادة خام وجيمع املعلومات فقط
المحور الثاني
كيفية تطبيق المنهج التحليلي
7
www.alukah.net
ظه رت احلاج ة للمنهج املق ارن التحليلي يف تل ك الف رتة ،وال يت تتف اوت فيه ا ال دول من حيث مس توى التق دم،
وجند أن هن اك ظ واهر وإش كاليات تتف اوت يف ح َّدهتا بني دول وأخ رى ،وهن اك من يتغَّلب عليه ا بس رعة،
وأخرى تقبع حتت نرياهنا ،وال تستطيع التخلص منها ،ومن مث يستخدم ذلك املنهج يف املقارنة بني اإلشكاليات
يف أكثر من دولة ،واالستفادة من طرق العالج اليت اتبعتها الدول املتقدمة ،ومن خالل التحليالت الدقيقة.
8
www.alukah.net
المنهج الفلسفي التحليلي:
يع د املنهج الفلس في التحليلي أنسب املن اهج يف تفس ري الظ واهر املعنوي ة ،ومن بني ذل ك مفه وم الع دل واإلميان
واجلمال والوجود واخلري والشر ،ويساهم ذلك يف التوصل ألنسب التفسريات يف تلك النوعية من الدراسات
العلمية.
المنهج االستكشافي التحليلي:
يستخدم املنهج االستكشايف التحليلي يف حالة رغبة أحد الباحثني يف تصميم اخرتاع جديد ،وعماد ذلك املنهج
هو التجربة واخلطأ.1
المنهج التاريخي :وقد قسمه بدوره إىل قسمني من حيث االستعمال. -1
-أوال " :املنهج التارخيي كطريقة حبث " :وهـو الذي ُيعىن بالتأريخ للعلوم مجيعها ،عرب التساؤالت الثالثة:
كيف نشأ؟ وكيف تطور؟ مث كيف آل؟
-ثانيا " :املنهج التارخيي كقدرة شرح " :وهذا خيص الدراسات التارخيية ،وقد ميز فيه بني ثالثة مستويات:
/https://www.mobt3ath.com - 1
- 2احملاضرة السابعة -املناهج الفرعية -املنهج التحليلي ،ص.6 :
9
www.alukah.net
أ -منهج الم 66ؤرخ :ال ذي يعتم د على كيفي ة االحتف اظ بالتسلس ل واالسرتس ال لألفع ال واألفك ار ع رب
التاريخ ،فهو منهج رصدي.
ب -منهج ع66 6الم الت66 6اريخ :ال ذي يه دف إىل تص حيح الت اريخ وغربلت ه مما عل ق ب ه من تغميض املؤرخني
وتذوقاهتم وانتماءاهتم .
ج -فلسفة التاريخ :اليت ُتعىن ب " تعليل الواقع واألحداث الصحيحة".
-2المنهج السسيولوجي :وخيتصره يف ثالثة اجتاهات هي:
ولعل هذا االقرتاح الذي قدمه الدكتور رشدي فكار غري جامع ،فثمة حبوث إسالمية ،قد ال جتد مكاهنا
بني املناهج الثالثة.
فأين نضـع (البحوث التحقيقية) مثال؟ وهي على رأس أولويات البحث العلمي يف الدراسات اإلسالمية،
فال هي (تارخيي ة) باملفهوم ال ذي أعط اه للمنهج الت ارخيي جبمي ع أقس امه ،وال هي (سوس يولوجية) وال (حتليلية)
باملفاهيم اليت قدمها ألقسام هذه وتلك.1
وأين نضع (البحوث اجلمعية) و(الدراسات املقارنة) و(الدراسات التارخيية السكونية)؟
فال منهج مما قدمه ميكن أن يستوعب مثل هذه البحوث.
- 1فريد األنصاري ،أجبديات البحث يف العلوم الشرعية ،منشورات الفرقان ،الطبعة األوىل ،الدار البيضاء -ذو القعدة
/1417أبريل ،1997ص.64 -63 :
10
www.alukah.net
-التصنيف المقترح في إطار العلوم الشرعية:
يقول األستاذ فريد األنصاري :وحنن ههنا ،نقرتح أن ُتصنف مناهج البحث يف إطار العلوم الشرعية إىل
أربع ة ُم راعني يف ذل ك طبيع ة الدراس ات اإلس المية وخصوص ياهتا وهـي :املنهج الوص في ،واملنهج الت وثيقي،
واملنهج احلواري ،مث املنهج التحليلي.1
المنهج التحليلي:
وه و منهج يق وم على دراس ة اإلش كاالت العلمي ة املختلف ة ،تفكيك ا ،أو تركيب ا ،أو تقوميا ف إذا ك ان
اإلش كال تركيب ة منغلق ة ،من ال رتاث ،أو الفك ر اإلس المي املعاص ر ،ق ام املنهج التحليلي بتفكيكه ا ،وإرج اع
العناصر إىل أصوهلا .أما إذا كان اإلشكال عناصر مشتتة ،فإن املنهج يقوم بدراسة طبيعتها ووظائفها ،لريكب
منها نظرية ما ،أو أصوال ما ،أو قواعد معينة ،كما ميكن أن يقوم املنهج التحليلي على تقومي إشكال ما ،أي
نقده . 2ويتلخص املنهج التحليلي يف عمليات ثالث قد جتتمع كلها أو بعضها يف العمل الواحد وهي:
أ -التفس66ير :وه و ع رض األعم ال العلمي ة ،على س بيل التأوي ل ،والتعلي ل وه و عم ل علمي جلي ل؛ ذل ك أن
الرتاث االسالمي اليوم حمتاج فيما هو حمتاج اليه ،اىل فهم صحيح ملقاصده ،من خالل مصطلحاته ونظرياته،
وهذا ليس باألمر اليسري ،بل إنه ملن الضروري أن تعد لذلك الرسائل ،والبحوث ،إذ أن تأويل قضايا الرتاث،
وتعليلها ،حىت تتضح مشكالهتا ،وتنكشف مبهماهتا ،يعترب من أوىل األولويات ،يف املشروع الرتاثي ،بعد حتقيق
النص وص مباش رة .وعلي ه فإن ه من املمكن أن نتص ور العملي ة التفس ريية ،على مس تويني :األول بس يط والث اين
مركب.
أما املستوى البسيط فهو شرح القضايا العلمية ،بتحليل نصوصها وتأويل مشتبهاهتا حبمل بعضها على
بعض ،تقييدا ،وإطالقا ،أو ختصيصا ،وتعميما ،لضم املؤتلف ،وفصل املختلف ،وإمنا يتم ذلك كله ،بناء على
استقراء نصوص اإلشكال وإحصائها ،حىت تنجلي حقيقة املصطلح ،شرحا وتعريفا ،إذا كان املوضوع دراسة
مصطلحية ،أو حقيقة النظرية العلمية ،أو القاعدة العلمية ،إذا كان املوضوع كذلك.
وأم ا املس توى املركب فه و حماول ة تعلي ل الظ واهر ،بإرج اع القض ايا إىل أص وهلا ،ورب ط اآلراء بأس باهبا،
وعللها.
ب -النقد :إن النقد هو عملية تقومي ،وتصحيح ،وترشيد؛ وعليه ،فإنه ال يكون مبعىن النقض ،بل هو حماكمة
إىل قواعد متفق عليها ،أو إىل نسق كلي.
ذلك أن نقد فهم ما ،آلية قرآنية ،أو آيات أو أحاديث ،أو نقد اجتهاد ما ،جزئيا كان أو كليا ،يف أي
جماالت العل وم الش رعية ،إمنا ه و عملي ة حماكم ة وتق ومي ،هتدف إىل التص حيح والرتش يد من خالل بي ان م واطن
اخلط أ والص واب .بن اء على مق اييس متف ق على جله ا ،أو كله ا ،كقواع د فهم النص وص الش رعية أو قواع د
- 1نفسه ،ص.65 :
- 2نفسه ،ص.96 :
11
www.alukah.net
االس تنباط أو قواع د اجلرح والتع ديل ...وي دخل يف ذل ك األنس اق الكلي ة للعلوم الش رعية ،كالنس ق األص ويل،
بالنس بة للدراس ات األص ولية ،أي املنهج الع ام ،املب ين علي ه العلم ،كأص ول االس تنباط ،وترتيبه ا ،ه ذا أيض ا من
املقاييس املعتمدة يف 1عملية التقومي .فبواسطة هذه الضوابط وأمثاهلا نستطيع أن نقول :هذا خطأ وهذا صواب.
وباإلمكان اجلمع ،يف املنهج التحليلي ،بني طريقيت التفسري والنقد؛ وذلك بعرض األعمال العلمية شرحا
وتعليال ،مث نقدها على سبيل التزامن أو على سبيل الرتاخي ،واملقصود بالرتاخي ههنا ،أن يكون العمل النقدي،
الحقا بالعمل التفسريي ،كأن يكون هذا فصال أوال ،أو بابا ،أو قسما أوال ،ويكون اآلخر فصال ثانيا ،أو بابا
ثانيا ،أو قسما ثانيا ،أو حنو ذلك .وأما التزامن فاملقصود به أن يندمج النقد مع التفسري ،يف عملية واحدة ،كأن
تع رض الفك رة ش رحا وتعليال ،مث تنتق د بع د ذل ك مباش رة ،وتن اقش ،لبي ان احلق والباط ل فيه ا ،هك ذا يف ك ل
أبواب البحث.
ج -االستنباط :واملراد به االستنتاج االجتهادي ،والتجديد العلمي .فكل عمل يهدف اىل وضع نظرية علمية
ما ،أو تركيبها ،أو بناء قاعدة يف الفقه أو األصول أو التفسري ،...أو تأصيل فتوى ،أو جمموعة من الفتاوى،
يدخل ضمن الطريقة االستنباطية من املنهج التحليلي.
وعليه فإنه باإلمكان أن نصنف صور االستنباط اىل نوعني:
-النوع األول :االستنباط اجلزئي ،وهو االجتهاد املتعلق بقضايا جزئية ،يف أحد اجملاالت العلمية ،على
أساس االبتكار والتجديد ،كالقيام ببحث خيلص فيه اىل صياغة قاعدة ،أو قواعد علمية ما أو وضع مصطلح،
أو مصطلحات ،جملموعة من املفاهيم اجلديدة املستنبطة ،أو دراسة إشكال من اإلشكاالت النظرية ،اليت مل يقطع
فيها بقول فصل بعد ،أو طرحه ألول مرة ،وإصدار رأي أو آراء حوله ،بناء على احلجج ،والرباهني العلمية.
فمن اإلش كاالت ال يت م ازالت يف حاج ة اىل جتدي د النظ ر واالجته اد ،مثال يف علم أص ول الفق ه ت رتيب أدل ة
التش ريع ،وقض ية (النس خ) خاص ة فيم ا يتعل ق بنس خ الس نة للكت اب ،وك ذلك خ رب اآلح اد ،وقيمت ه التش ريعية،
وبعض املص ادر كاملص احل املرس لة ،واالستحس ان ،وس د ال ذرائع ،خاص ة فيم ا يتعل ق مبنهجي ة االس تعمال
وض وابطه ...أم ا اإلش كاالت املبتك رة ،فك ل قض ية علمي ة مل يس بق طرقه ا من قب ل ،مث دعت اليه ا حاج ة
حض ارية ،فتط رح بص يغة جدي دة متام ا ،أو بص يغة قدمية ،كم ا ص نع ال دكتور حس ن ال رتايب يف كتيب ه «جتدي د
أصول الفقه اإلسالمي» حيث قدم مفهوما جديدا للقياس مساه «القياس الواسع» بعدما أشار اىل بعض عوائق
«القياس احملدود» بتعبريه .هذا العمل وإن مل يرتق اىل درجة البحث العلمي مبعناه الدقيق ،من حيث الدراسة،
فهو على األقل طرح جديد لإلشكال.
-النوع الثاني :االستنباط الكلي :وهو االجتهاد املتكامل األجزاء ،الشمويل النظرة ،الذي يهدف اىل
(تركيب) ،أو (وضع) نظرية علمية .أما (الرتكيب) فهو مجع املادة العلمية ،من الرتاث ،وسبكها يف نسق جيعل
منها وحدة متكاملة ،بشرط أال تكون النظرية قد عرفت ،عند أحد القدماء ،أي سبق الوعي هبا عنده فتحدث
- 1فريد األنصاري ،أجبديات البحث يف العلوم الشرعية ،ص.99 -98 :
12
www.alukah.net
عنها وكتب فيها ،إال أنه مل يضعها يف قالب منهجي ،أو أن صياغتها املنهجية قد ضاعت ومل يبق منها إال أمايل
هنا ،وهناك ،ميكن مجعها وإعادة تركيبها .فمثل هذا عمل يدخل يف (طريقة اجلمع) من املنهج التوثيقي .أما
الرتكيب املقصود ههنا ،فهو مجع م ادة علمية ،إلشكال مت حبثه ،يف جمال علمي ما ،من طرف غري واحد من
العلماء ،إال أنه مل يبلغ درجة من النضج ،متكن أحد القدماء من مجع أطرافه وتركيبها .بيد أن الكثري كتب فيه
م ا تيس ر ل ه ،مما أدى اىل ت راكم املادة العلمي ة ،ف إذا ت بني بع د مجعه ا ،وتفحص ها ،أهنا مما ميكن تركيب ه يف نس ق
منهجي ،وص ياغته يف نظرية متكامل ة ،ركبت ذلك ال رتكيب وص يغت بتلك الص ياغة ،وأض يفت اليها اللبنات
اليت قد يبدو خلو مواضعها أثناء عملية البناء ،حىت تستوي نظرية قائمة كاملة!
وأما (الوضع) فهو اإلنشاء االبتدائي لنظرية علمية ،يف جمال ما ،أي ابتكارها كليا على أساس إشكال
جديد .ذلك أن تطور الواقع بكل أشكاله :اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا ،...وتطور العلوم املختلفة ،وغري ذلك
من التطورات ،والتغريات ،املتعلقة بالعصر ،كل ذلك جيعل من الضروري التجديد يف العلوم الشرعية ،جزئيا
وكليا ،ملواكبة حاجيات األمة احلضارية ،وإلقامة اجملتمع اإلسالمي السليم.
و(وض ع) النظري ة العلمي ة ،يقتض ي أوال إحاط ة دقيق ة باجملال العلمي ال ذي ستؤس س في ه ،كم ا يقتض ي
التحقق من احلاجة العلمية إليها ،أي أهنا جتيب على إشكال حقيقي ال ومهي.
ويقول األستاذ فريد األنصاري« :الوضع هو إنشاء ابتدائي» ال يعين االنطالق من الفراغ .إذ ال شيء يف
العلم ينطلق من الصفر ،ذلك أن وضع األنساق النظرية ،مهما كان جديدا فهو يكون بأدوات قدمية معروفة،
وحيتكم اىل قواعد العلم الذي وضعت فيه النظرية ويستمد مادته منه أساسا ،ومن غريه من العلوم .فلنفرتض أن
باحثا ما عزم على وضع نظرية جديدة يف منهج استنباط احلكم الشرعي مثال فهو بال شك سيعتمد على قواعد
أص ول الفق ه ،وض وابطه ،وأدلت ه ،ومن اهج االس تدالل في ه ،وغ ري ذل ك من الرتاكم ات العلمي ة ،يف ه ذا اجملال،
فيختار ما خيتار ،ويتبىن ما يتبىن ،وينتقد ما ينتقد ،ويتجاوز ما يتجاوز ،أو ينحت ما ينحت ،ويبتكر ما يبتكر،
مث يصوغ بعد ذلك نظريته تلك ،ليحدد هلا موضعها يف حلقات الدراسات األصولية قدميا وحديثا.1
13
www.alukah.net
خاتمة:
ويف ختام هذه الدراسة سأعرض أهم النتائج اليت توصلت إليها:
املنهج التحليلي هو منهج يقوم على دراسة اإلشكاالت العلمية املختلفة ،تفكيكا ،أو تركيبا ،أو
تقوميا ،فهو إذن يتلخص يف عمليات ثالث ،قد جتتمع كلها ،أو بعضها يف العمل الواحد ،وقد
تنفرد إحداها ببناء البحث ،وهي حسب ال رتتيب املنطقي للبحث العلمي( :التفسري) وقد عربنا
عنه بالتفكيك ،و(النقد) ،وقد عربنا عنه بالتقومي ،مث (االستنباط) وقد عربنا عنه بالرتكيب.
يقرتن املنهج التحليلي دائما باملنهج الرتكييب ،فالتحليل والرتكيب عمليتان عقليتان تقوم عليهما
معظم املناهج األخرى.
ال ُيستخدم املنهج التحليلي مبعزل عن املناهج األخرى؛ لذلك يتنوع املنهج التحليلي يف البحث
العلمي إىل املنهج الوصفي التحليلي واملنهج املقارن التحليلي واملنهج الفلسفي التحليلي مث املنهج
االستكشايف التحليلي.
تكمن أمهي ة املنهج التحليلي باعتب ار التحلي ل آلي ة تفس ريية حيث ميكن الب احث من التعم ق
واالندماج يف صلب املوضوع مث التحكم فيه ،وانعدامه أو ضعفه يؤدي به اىل االحنراف.
14
www.alukah.net
الئحة المصادر والمراجع:
أيب احلسني بن زكريا بن فارس ،معجم مقاييس اللغة ،كتاب (النون) ،والقاموس
احمليط للفريوز أبادي باب اجليم فصل النون.
عبد الرمحن بدوي ،مناهج البحث العلمي ،الطبعة الثالثة 1977م ،وكالة
املطبوعات – الكويت.
فريد األنصاري ،أجبديات البحث يف العلوم الشرعية ،منشورات الفرقان ،الطبعة
األوىل ،الدار البيضاء -ذو القعدة /1417أبريل .1997
حممد حممد قاسم ،املدخل إىل مناهج البحث العلمي ،دار النهضة العربية للطباعة
والنشر ،الطبعة األوىل 1999م.
15
www.alukah.net
المحتويات
مقدمة 4..............................................................................................
المحور األول 5......................................................................................
مفهوم المنهج التحليلي 5.............................................................................
أوال :تعريف المنهج التحليلي وعالقته بالمناهج األخرى 5.............................................
-1التعريف بالمنهج 5...............................................................................
المنهج في لغة العرب5.............................................................................. :
والمنهج في االستعمال القرآني5.................................................................... :
المنهج في بعض استعماالت السنة النبوية5.......................................................... :
المنهج في االصطالح6............................................................................. :
-3عالقة المنهج التحليلي بالمناهج األخرى 6........................................................
ثانيا :مضمون المنهج التحليلي 6......................................................................
ثالثا :آليات التحليل وشخصية المحلل 7..............................................................
-1أليات التحليل 7.................................................................................
-2شخصية المحلل 7..............................................................................
المحور الثاني 8......................................................................................
كيفية تطبيق المنهج التحليلي 8.......................................................................
أوال :خطوات وأنواع المنهج التحليلي 8..............................................................
-2أنواع المنهج التحليلي 8.........................................................................
ثانيا :أهمية المنهج التحليلي وتطبيقه في العلوم اإلسالمية 9............................................
-1أهمية المنهج التحليلي 9.........................................................................
-2تطبيق المنهج التحليلي في العلوم اإلسالمية 9.....................................................
خاتمة14........................................................................................... :
الئحة المصادر والمراجع15........................................................................ :
16
www.alukah.net
17
www.alukah.net