You are on page 1of 4

‫املحاضرة األولى‬

‫المنهج العلمي وأهميته‬


‫تمهيد‪:‬‬
‫يع د المنهج العلمي في أي علم من العل وم ظ اهرة حض ارية ترتس م معالمه ا وتتم يز خصائص ها‬
‫وفق طبيعة هذا المنهج‪ ،‬وما ينطبق عليه من مواصفات علمية أو غير علمية‪ ،‬ومن هنا تبرز مظاهر‬
‫البحث وتت بين ثمرات ه اس تنادا إلى معطي ات المنهج‪ ،‬وم ا يمكن أن يس هم في ه من إب راز لتل ك المظ اهر‬
‫والنتائج‪ ،‬وبذلك تقوم طبيعة المرحلة الفكرية ألية أمة من األمم ‪..‬‬
‫‪-1‬تعريف المنهج العلمي‪:‬‬
‫تع ددت تع اريف علم اء المنهجي ة له ذا المص طلح بن اء على تع دد االهتمام ات والم داخل النظري ة‬
‫في تحليل الظواهر االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬وسوف نتطرق في البداية إلى تعريف المنهج لغويا‪:‬‬
‫أ‪-‬المنهج لغة‪:‬‬
‫ت ذكر الق واميس والمع اجم اللغوي ة والفلس فية ال تي تن اولت اللف ظ منهج ب التعريف إلى أن ه يع ني‬
‫الطري ق الواض ح‪ ،‬والمس لك ال بين المس تقيم‪ .‬في اللغ ة العربي ة اللف ظ (منهج) مش تقة من (نهج) أي ‪:‬‬
‫س لك ‪ ...‬ومن ه النهج ال ذي ي رادف مع اني الس بيل والطري ق وه ذا بحس ب م ا أورده ( ابن منظ ور)‪،‬‬
‫ف المنهج عن ده "الطري ق الواض ح‪ ،‬ونهج الطري ق أي تبين ه‪ ،‬وأنهج الطري ق ‪ :‬وض ح واس تبان"‪ .‬وهي‬
‫الداللة اللغوية نفسها التي جاءت في المعجم الوسيط‪" :‬نهج الطريق نهجا‪ ،‬ونهوجا‪ :‬وضح واس تبان ‪...‬‬
‫استهنج الطريق‪ ،‬صار نهجا‪ ،‬والمنهاج الطريق الواضح والجمع مناهج"‪.‬‬
‫م ا تج در اإلش ارة إلي ه أن اللف ظ منهج في الق رآن الك ريم لم ي رد إال م رة واح دة وذل ك في قول ه‬
‫تع الى في اآلي ة ‪ 48‬من س ورة المائ دة ﴿ِلُك ٍّل َج َع ْلَن ا ِم ْن ُك ْم ِش ْر َع ًة َو ِم ْن َهاًج ا﴾‪ ،‬ومنهاج ا في اآلي ة الكريم ة‬
‫تع ني كم ا أورد ذل ك معظم المفس رين الطري ق الواس ع الس هل‪ ،‬والمس لك الواض ح ال بين‪ .‬اس تعمل لف ظ‬
‫المنه اج‪ .‬وليس المنهج‪ ،‬فالمنه اج ه و الطري ق أو الش ريعة في حين أن المنهج مج رد طريق ة في‬
‫االس تدالل‪ ،‬والمنه اج أس لوب حي اة‪ ،‬ونظ ام أخالقي واجتم اعي وسياس ي في حين أن المنهج أق رب إلى‬
‫النظر‪.‬‬
‫كلم ة "المنهج" ترجم ة للكلم ة (‪ )Méthode‬الفرنس ية ال تي له ا نظائره ا في اللغ ات األوروبي ة‬
‫األخرى وكلها تعود إلى الكلمة اليونانية (‪ )Metodos‬فالمقطع (‪ )ODOS‬يعني الطريق أو المسلك‪ ،‬أم ا‬
‫المقط ع (‪ )META‬تع ني نح و أو جه ة وفي مجموعه ا تع ني الطري ق أو النهج ال ذي ي ؤدي إلى اله دف‬
‫المتوخى الوصول إليه‪.‬‬
‫وبالرغم من التاريخ القديم للفظ "منهج" إال أن معناه االصطالحي لم يتحدد إال في أواخر القرن‬
‫الس ابع عش ر‪ ،‬حيث أص بح ي دل على الطري ق الم ؤدي إلى الكش ف عن الحقيق ة في العل وم بواس طة‬
‫مجموعة من القواعد تهيمن على سير العقل‪ ،‬وتحدد عملياته‪ ،‬حتى يصل إلى نتيجة معلومة‪.‬‬
‫ب المنهج اصطالحا‪:‬‬
‫يعرفه عبد المنعم حلفي على أن "المنهج هو الطريق الموصل بصحيح النظر فيه إلى المطلوب‬
‫وبالمعنى العلمي هو مجموعة اإلجراءات التي ينبغي اتخاذها بترتيب معين لبلوغ هدف معين"‪.‬‬
‫كما أن المنهج هو "التنظيم الصحيح للفكر والعمليات العقلية لإلنسان والخطوات اإلجرائية؛ من‬
‫أجل الكشف والبحث عن الحقائق وتقديم البراهين التي تثبت القواعد والمسلمات‪.‬‬
‫تعرف ه دائ رة المع ارف البريطاني ة بأن ه "مص طلح ع ام يش ير إلى مختل ف العملي ات ال تي ينهض‬
‫عليها علم من العلوم أو يستعين بها في دراسة الظاهرة الواقعة في مجال اختصاصه‪ ،‬وعليه فإن المنهج‬
‫طريقة للتفكير والبحث يعتمد عليها في مجال تحصيل المعرفة العلمية الصادقة والثابتة والشاملة حول‬
‫ظاهرة معينة" ‪.‬‬
‫يع رف العلم ال ذي يختص بدراس ة المن اهج بعلم المن اهج (الميتودولوجي ا)‪ ،‬وه ذه التس مية ترج ع‬
‫خصوص ا إلى كان ط‪ ،‬فقد ك ان أول من نب ه إلى ه ذا العلم‪ ،‬وذل ك من خالل تقس يمه المنط ق إلى قس مين‪:‬‬
‫م ذهب المب ادئ‪ ،‬وموض وعه ش روط المعرف ة الص حيحة‪ ،‬أم ا القس م الث اني‪ ،‬فه و علم المن اهج‪،‬‬
‫‪ Méthodologie‬الذي يحدد الشكل العام لكل علم والطريقة التي يكون عليها أي علم‪.‬‬
‫من خالل م ا س لف عرض ه من تعريف ات لمص طلح "منهج" يمكن تحدي د معن اه بأن ه "مجموع ة‬
‫المب ادئ والخط وات المنظم ة العلمي ة الواض حة والدقيق ة ال تي يس لكها الب احث في مناقش ة أو معالج ة‬
‫الظواهر المختلفة"‪.‬‬
‫‪ -2‬منهج البحث العلمي‪:‬‬
‫لم يختل ف تعريف ه عن م ا س بق في تعري ف المنهج‪ ،‬ب ل إن الف رق بينهم ا ه و أن المنهج العلمي‬
‫موجه بالتحديد والتخصص لألبحاث العلمية في هيئتها المعروفة‪.‬‬
‫منهجية البحث العلمي في العلوم اإلنسانية متنوعة ومتعددة وال يستطيع الباحثون في متغيراتها‬
‫ومشكالتها ومعارفها االلتزام بمبادئ منهج واحد من بين المناهج العلمية المستخدمة في البحث بأنواع‬
‫العلوم المختلفة‪.‬‬
‫العل وم اإلنس انية متع ددة تع دد كب ير ألنه ا تختص بدراس ة النفس البش رية وعالقته ا م ع الكائن ات‬
‫والُب نى األساس ية للنفس البش رية وس لوكها‪ ،‬ال يحجب ه ذا التن وع منهج علمي م ا ُيس تخدم للوص ول إلى‬
‫المعرفة المبنية على المنطق في دراسته وأبحاثه‪.‬‬
‫يع ّر ف المنهج العلمّي بأّن ه‪ :‬الطريق ة العلمّي ة ال تي يتبعه ا الب احثون في الوص ول إلى المعرف ة‪،‬‬

‫حيث يستخدمون فيها طرق ًا بحثّي ة متعددة تقوم على االستدالل واالستقراء‪ ،‬للوصول إلى الحقائق‪ ،‬وإ ّن‬
‫المتأمل في هذا التعريف يج ّد أّن على الباحث أن يسلك عددًا من األساليب العلمّي ة الدقيقة التي توصله‬
‫إلى معارف صادقة وكاملة إلى حّد ما‪ ،‬من خالل اتباع مجموعة من الخطوات أو التدابير العلمّي ة‪ ،‬التي‬
‫تؤدي بمجملها للوصول إلى أصل الحقائق العلمّية‪.‬‬
‫‪ -3‬أهمية المنهج العلمي‪:‬‬
‫إن اله دف األقص ى للخط وات ال تي يتس لح به ا المنهج العلمي هي الوص ول إلى الفهم الش امل‬
‫للعالم الذي تعيش فيه‪ ،‬ولهذا فإن األمر ال يتعلق فقط بتحديد لجزء من األسباب التي تؤدي إلى وقوع‬
‫ظاهرة ما‪ ،‬وإ نما الوصول إلى وصف وتفسير لهذه الظاهرة‪ ،‬والقدرة على التنبؤ بحدوثها‪ ،‬وفي معظم‬
‫الحاالت القدرة على إعادة إحداثها بعد توافر شروطها‪.‬‬
‫يح دد "كريستينس ين" "‪ ) Christensen) "1977‬أربع ة أه داف للعلم وهي‪ :‬الوص ف‪ ،‬التفس ير‪،‬‬
‫التنبؤ‪ ،‬اإلنتاج ‪.‬‬
‫أ‪ -‬الوصف‪ :‬فأما الهدف األول‪ ،‬فإنه يصف بدقة كبيرة الظاهرة الخاضعة للدراسة‪ ،‬وهذه خطوة ال غنى‬
‫عن تحقيقه ا‪ ،‬وبشكل عام ف إن المقص ود بوصف الظ اهرة هو تحديد مكونات ه ودرج ة أهمي ة كل مكون‬
‫منها إذا أمكن‪.‬‬
‫ب‪ -‬التفس ير‪ :‬أم ا التفس ير‪ ،‬فه و يتعل ق بتفس ير ظه ور الظ اهرة نفس ها‪ ،‬بتحدي د أس باب ظهوره ا؛ مم ا‬
‫يقتض ي معرف ة الش روط الض رورية لظهوره ا‪ ،‬ولم ا ك انت هن اك في معظم األحي ان عدة عوام ل ت ؤدي‬
‫إلى اس تثارة الظ اهرة؛ ف إن األمر يقتضي الت أني في تفس ير ظهورها‪ ،‬والقيام بمراجع ة التفس ير الذي تم‬
‫تقديمه‪ ،‬إذا تمت مالحظة شروط جديدة أو إذا تم إدخال عوامل مسبقة‪.‬‬
‫جـ‪ -‬التنبؤ‪ :‬وهو هدف ال يتم تحقيقه ما لم تتقدم معرفتنا للظاهرة المدروسة؛ مما يسمح بإمكانية التنبؤ‬
‫بها‪ ،‬وهذه القدرة تستند إلى المعرفة الدقيقة للشروط المشجعة لظهور هذه الظاهرة‪.‬‬
‫د ‪ -‬اإلنت اج‪ :‬اله دف األخ ير للعلم والغاي ة من ه إنت اج ظ اهرة معين ة برغب ة الع الم عن طري ق ت وافر‬
‫الشروط أو العوامل المؤدية إلى ظهورها‪ ،‬فعملية إنتاج الظاهرة تتم عندما نعرف الشروط المتحكمة في‬
‫إنتاجها وإ حداثها‪.‬‬
‫ُتع د دراس ة المنهج العلمي عم اًد ا للعم ل البح ثي‪ ،‬لتحقي ق رغب ات الب احثين والباحث ات والتوص ل‬
‫بنتائج منطقية ومقبولة من الناحية العلمية‪ ،‬فهي ُتساعد الباحث على تنمية القدرات الخاصة بها‪ ،‬ومن ثم‬
‫تفهم مختل ف الط رق واألس س ال تي تعتم د عليه ا البح وث والرس ائل العلمي ة‪ ،‬وال غ نى عن دراس ة ذل ك‬
‫بالنسبة للطلبة ‪ ،‬وبما يترتب عليه الفهم السليم للمشكلة‪ ،‬ومن ثم القدرة على طرح التساؤالت أو وضع‬
‫الفرضيات‪ ،‬واختبارها‪ ،‬والتوصل لنتائج موثوق منها‪.‬‬
‫ُتنمي المناهج العلمية ُقدرة الباحث فيما يتعلق بعملية التحليل بالنسبة للبيانات للمعلومات‪ ،‬وتقويم‬
‫المنتجات العلمية واألدبية السابقة‪ ،‬ومن ثم االستفادة من ذلك في الجوانب العملية والنظرية‪ ،‬وبما ُيساعد‬
‫الفئ ات ال تي تم ارس التخصص ات بص ورة عملي ة أو تنفيذي ة في الوص ول لألفض ل‪ ،‬واتخ اذ الق رارات‬
‫بشكل حكيم‪ ،‬وتخطي الصعوبات التي تُم ُّر بهم‪.‬‬

You might also like