Professional Documents
Culture Documents
تأليف
أ.د .حممود جابر أ.د .عبدالرمحو الكيالني
9102م
اإلسالم وقضايا العصر
ب
اإلسالم وقضايا العصر
قائمة احملتويات
الصفحة المحتوى
1 مقدمة
ج
اإلسالم وقضايا العصر
د
اإلسالم وقضايا العصر
بسم ا﵁ كاٟتمد ﵁ كالصبلة كالسبلـ على رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم كعلى آله
كصحبه أٚتعُت
الشريعة اإلسبلمية كشر و
يعة شاملة كاملة َف تدع جانبان من جوانب حياة فقد جاءت ٌ
ٌ
اإلنساف إالٌ كعاٞتته ككضعت له اٟتلوؿ ا١تناسبة ،كهي شريعة باقية خالدة إُف أف يرث ا﵁ األرض
كمن عليها.
كالشريعة اإلسبلمية ٘تتاز ٓتصائص عديدة ٘تكنها من االنفتاح على قضايا العاَف ا١تعاصرة
كالتعامل معها ،بل كمعاٞتتها ،كال ٮتفى على أحد ما ٘توج به اٟتياة ا١تعاصرة من أحداث
الشموؿ كالكماؿ ،فشريعة اإلسبلـ شريعةه كاملة شاملة اشتملت األحكاـ الفقهيٌة يف العبادات
ٌ
كا١تعامبلت كاألخبلؽ.
كما أف شريعة اإلسبلـ هي شريعة كسطية ال رهبانيٌة فيها أكانقطاع عن ال ٌدنيا،بل هي
دعوة للعمل كاٟتياة ،كاٞتد كالعطاء ،كالتوازف بُت أمرم الدنيا كاآلخرة ،فبل إفرا هط فيها كال تفريط.
1
اإلسالم وقضايا العصر
كيضاؼ إُف ما سبق ما ٘تتاز به الشريعة اإلسبلمية بتنوع كبَت يف مصادرها التشريعية اليت
تعتمد على العقل كالنقل ،كالقرآف كالسنة كاإلٚتاع كالقياس كا١تصاٌف ا١ترسلة كاالستحساف كسد
الذرائع كالعرؼ كغَتها من ا١تصادر ،باإلضافة إُف جهود الفقهاء يف استنباط القواعد الفقهية
اٟتاكمة كبياف مقاصد الشريعة اإلسبلمية ا١ترعية ،كل ذلك شكل رصيدان لدل الشريعة اإلسبلمية
كمكنها من إ٬تاد األدكات كالوسائل معاٞتة القضايا ا١تختلفة مهما ٕتددت أك تعقدت.
2
اإلسالم وقضايا العصر
الٕسد ٚاألٔىل
الظسٖع ٛاإلسالوٗٛ
إعداد
األشتاذ الدكتور عبد الرمحو الكيالني
األشتاذ الدكتور حممود صاحل جابر
3
اإلسالم وقضايا العصر
الوحدة األوىل
مقاصد الشريعة وأثرها يف مرونة الشريعة اإلسالمية
سنتناكؿ يف هذا ا١تبحث التعريف ٔتقاصد الشريعة اإلسبلمية ،كعبلقتها ٔتصاٌف اإلنساف،
كمراتب ا١تصاٌف من حيث أ٫تيتها يف هذ اٟتياة ،كطرؽ ٖتقيق ا١تقاصد كإقامتها يف الوجود
كالواقع ،كأثر ا١تقاصد يف ٖتقيق مركنة الشريعة كاستيعاب القضايا ا١تعاصرة.
4
اإلسالم وقضايا العصر
كإذا نظرنا يف آيات القرآف الكرمي كنصوص السنة ا١تطهرة للتعرؼ على مقاصد الشريعة
كغاياهتا ،كاكتشاؼ معانيها كمراميها ،فإننا ٧تد أف إقامة مصاٌف اإلنساف يف اٟتياة الدنيا كاآلخرة
كٖتقيق سعادته يف عاجله كآجله ،كاٟتفاظ على كجود ا١تادم كا١تعنوم ،هي ا﵀ور الذم تدكر
حوله مقاصد الشريعة اإلسبلمية ،أم أف مصاٌف اإلنساف اٟتقيقية هي جوهر مقاصد الشريعة
اإلسبلمية كركيزهتا األساسية.
فا١تتأمل يف آيات القرآف الكرمي ٬تد كاضح الداللة كدائم التأكيد على مكانة مصاٌف
اإلنساف يف الشريعة اإلسبلمية ،كأهنا ا﵀ور الذم تدكر حوله الشريعة اإلسبلمية ّتميع أحكامها
كتفاصيلها ،كأصو٢تا كفركعها ،كموضوعاهتا ك٣تاالهتا ؛ كمن ذلك مثبل:
-ما بينه القرآف الكرمي من أف إقامة العدؿ بُت الناس كٖتقيق القسط يف اٟتياة هي الغاية
اليت من أجلها أرسلت الرسل كأنزلت الكتب كشرعت الشرائع ،كذلك قوله تعاُف{:لىىق ٍد أ ٍىر ىسلٍنىا
َّاس بًالٍ ًق ٍس ًط }(ُ).
وـ الن ي
ً ً
اب ىكالٍم ىيزا ىف ليىػ يق ى
ً ً ً
ير يسلىنىا بالٍبىػيّْػنىات ىكأىنٍػىزلٍنىا ىم ىع يه يم الٍكتى ى
-كتنبيه القرآف الكرمي على أف الرٛتة با٠تلق كاإلحساف إليهم هي الغاية من بعثة النيب
(ُ) اٟتديدِٓ-
(ِ) األنبياء َُٕ -
(ّ) البقرة ُٖٓ -
(ْ) اٟتج ٕٖ -
5
اإلسالم وقضايا العصر
كإننا لنجد تأكيد السنة النبوية ا١تطهرة على مقاصد القرآف الكرمي يف كوف مصاٌف اإلنساف
اٟتقيقية هي جوهر ك٤تور مقاصد الشرع ،كتأكيد صلى ا﵁ عليه كسلم على مقصد الرٛتة با٠تلق
كالتيسَت على الناس كالتخفيف عنهم يف قوله عليه السبلـ" :بعثت باٟتنيفية السمحة "(ُ) ككصيته
تعسرا
يسرا كال ٌ
صلى ا﵁ عليه كسلم لسفرائه الذين كاف يرسلهم للتعريف باإلسبلـ كمقاصد ٌ " :
(ِ)
كبشرا كال تن ٌفرا كتطاكعا كال ٗتتلفا"
ٌ
إُف غَت ذلك من النصوص الشرعية الكثَتة اليت تؤكد ٔتجموعها على أف " الشريعة مبناها
كأساسها على مصاٌف العباد يف ا١تعاش كا١تعاد ،كهي عدؿ كلها ،كرٛتة كلها ،كمصاٌف كلها،
كحكمة كلها ؛ كأف كل مسألة خرجت عن العدؿ إُف اٞتور ،كعن الرٛتة إُف ضدها ،كعن
ا١تصلحة إُف ا١تفسدة ،كعن اٟتكمة إُف العبث ؛ فليست من الشريعة كإف أدخلت فيها بالتأكيل ؛
فالشريعة عدؿ ا﵁ بُت عباد ،كرٛتته بُت خلقه ،كظله يف أرضه ،كحكمته الدالة عليه كعلى صدؽ
(ّ)
رسوله صلى ا﵁ عليه كسلم أمت داللة كأصدقها "
كألجل ذلك فإنك ال تكاد ٕتد مقصدا شرعيا صحيحا قد أرشدت إليه األدلة الشرعية ا١تعتربة إال
كٕتد منطويا على ٖتقيق مصلحة لئلنساف كنفعه كخَت إف يف العاجل أك يف اآلجل:
فعبادة ا﵁ تعاُف كتوحيد كطاعته سبحانه كااللتزاـ بشريعته كمنهجه هي كلها مقاصد
شرعية معتربة ،كهي يف الوقت نفسه مصاٌف حقيقية تستهدؼ نفع اإلنساف كاٟتفاظ على بقائه
ككجود كسعادته يف الدنيا كاآلخرة.
كإعمار األرض كتنميتها كاٟتفاظ على مواردها كاستثمار طاقاهتا كاالنتفاع ٓتَتاهتا
كاٟتفاظ على البيئة فيها ،هي كلها مقاصد شرعية معتربة ،كهي يف الوقت نفسه مصاٌف حقيقية
لئلنساف يتحقق فيها نفعه كخَت يف هذ اٟتياة.
(ُ) ركا أٛتد مسند عن عائشة رضي ا﵁ عنها حديث حسن حديث رقم(ُُِ) ِٓٔٔ/
(ِ) ركا الغماـ مسلم يف صحيحه كتاب اٞتهاد كالسَت ،باب االمر بالتيسَت ك ترؾ التنفَت حديث رقم (ِّٗٔ)
(ّ) إعبلـ ا١توقعُت البن القيم ص ُِ
6
اإلسالم وقضايا العصر
كاٟتفاظ على حياة اإلنساف ،كصوف كرامته ،ككفالة حريته ،كٖتقيق أمنه كاستقرار يف اٟتياة
الدنيا ،هي ٚتيعها مقاصد شرعية معتربة ،كهي يف الوقت نفسه مصاٌف لئلنساف ال تدكـ حياته
كال تستمر إال ّٔا.
كالتعاكف بُت الناس يف بناء ا١تشًتكات اإلنسانية اٞتامعة كيف إقامة جسور التواصل
كالتعارؼ اإلنساين ،هي من مقاصد الشريعة اإلسبلمية ،كهي يف الوقت نفسه مصاٌف حقيقية
تعود على اإلنسانية كلها با٠تَت كالنفع الصبلح ،حُت يتبادؿ الناس ا٠تربات اإلنسانية يف آّاالت
اٟتيوية ،كالصحة كالتعليم كالعمراف كا١تعرفة ،كيعملوف على التكامل فيما بينهم على سد الثغرات
اليت تعًتم ا٠تربات اإلنسانية ،كيسعوف يف تعزيز قيم التكافل كالتناصر يف آّاالت األساسية اليت
ال يستغنوف عنها يف هذ اٟتياة.
َّاس إًنَّا
كهذا ا١تقصد العظيم هو ما أشار إليه القرآف الكرمي يف قوله سبحانه ﴿ :يىا أىيػُّ ىها الن ي
ً ً ً ً ً
ىخلى ٍقنىا يك ٍم م ٍن ذى ىك ور ىكأينٍػثىى ىك ىج ىع ٍلنىا يك ٍم يش يعوبنا ىكقىػبىائ ىل لتىػ ىع ىارفيوا إً َّف أى ٍكىرىم يك ٍم عٍن ىد اللَّه أىتٍػ ىقا يك ٍم إً َّف اللَّهى
يم ىخبًَته ﴾ (ُ). ً
ىعل ه
كنظرا ٢تذا التبلزـ كاالقًتاف بُت مقاصد القرآف كبُت مصاٌف اإلنساف ،أك بُت مقاصد
ا٠تالق كبُت مصاٌف ا٠تلق ،فإف الشريعة اإلسبلمية قد رحبت كاحتفت بكل ا١تنجزات اإلنسانية
كالعادات االجتماعية اليت عرفتها الشعوب كاألمم كآّتمعات غَت اإلسبلمية ،كفيها خدمة كاضحة
١تصاٌف اإلنساف اٟتقيقية ،كهذا ما أشار إليه الرسوؿ الكرمي يف ثنائه كتقدير ٟتلف الفضوؿ الذم
كقع يف اٞتاهلية ككاف فيه انتصار للمظلوـ من الظاَف كرد للحقوؽ إُف أصحأّا حيث قاؿ:
7
اإلسالم وقضايا العصر
"شهدت حلف بٍت هاشم ،كزهرة ،كتيم ،فما يسرين أين نقضته كِف ٛتر النَّعم ،كلو دعيت به
اليوـ ألجبت :على أف نأمر با١تعركؼ ،كننهى عن ا١تنكر ،كنأخذ للمظلوـ من الظاَف"(ُ).
فهذا اٟتلف الذم شهد الرسوؿ صلى ا﵁ عليه كسلم قبل البعثة ،كهو حلف الفضوؿ،
قد أقر بعد البعثة؛ كذلك ١تا تضمنه من القيم الصاٟتة اليت تتحقق ّٔا مصاٌف الناس :من ٛتاية
للمظلومُت ،كالضرب على أيدم الظلمة كا١تعتدين كرد اٟتقوؽ ألصحأّا.
كبناء على كوف مصاٌف اإلنساف هي جوهر مقاصد الشريعة ،فإف اإلسبلـ َف يبطل كل ما
كاف عليه الناس قبل اإلسبلـ ،كإ٪تا أبطل فقط ما كاف مضيعا ١تصاٌف الناس كسببا يف إٟتاؽ
الضرر ّٔم دينيا أك أخبلقيا أكاجتماعيا أك اقتصاديا ،بينما أقر كأبقى ما كاف صاٟتا كنافعا كمفيدا
٢تم ،أم أنه أقر األحواؿ الصاٟتة كالنافعة كا١تفيدة للناس ،كأبطل األحواؿ الفاسدة كالضارة ّٔم،
ألف أحكامه قد ابتنيت على أساس ٖتقيق مصاٌف العباد.
ك٧تد هذا ا١تعٌت كاضحا كظاهرا يف تعامل الشريعة اإلسبلمية مع عادات الناس كأعرافهم اليت كانت
قبل اإلسبلـ:
-ففي ٣تاؿ ا١تعامبلت ا١تالية مثبل :أقرت الشريعة الكثَت من العقود اليت كاف يتعامل ّٔا
الناس كمن شأهنا ٖتقيق مصاٟتهم ؛كعقد البيع كاإلجارة كالشركة كالرهن كالقرض كا١تضاربة ،بينما
أبطلت ا١تعامبلت الفاسدة ،كالربا كالقمار كبيع الغرر نظرا ١تا فيها من ا١تفاسد الكثَتة على حياة
الناس ك٣تتمعاهتم كاقتصادهم.
-كيف ٣تاؿ العبلقات األسرية أقرت الشريعة اإلسبلمية الزكاج الصحيح نظرا ١تا فيه من
ٖتصُت للفرد كمن بناء للمجتمع كمن قوة لؤلمة ،بينما حرمت الشريعة اإلسبلمية فاحشة الزنا نظرا
الز ىخار ّ )َُِْ( ِّٓ/عن عبد الرٛتن ابن عوؼ رضي ا﵁ عنه؛ كقاؿ ا٢تيثمي يف
(ُ) ركا البزار يف البحر ى
آّمع ٕ ِْٔ/را البزار كفيه ضرار بن صرد ،كهو ضعيف ،كله طريق آخر .انتهى؛ كذكر الدار قطٍت يف
العلل (ْ ِٖٔ/رقم ٖٔٓ ) عن الداكردم (عبد العزيز بن ٤تمد) عن عمر بن عثماف ابن موسى عن عبد
الرٛتن بن عوؼ .ينظر كذلك سَتة ابن هشاـ ُ.ُْٗ/
8
اإلسالم وقضايا العصر
١تا فيها من ضياع لؤلنساب كاعتداء على األعراض كفساد للمجتمع كانتشار للرذيلة كخراب
للركابط األسرية كاالجتماعية
9
اإلسالم وقضايا العصر
ػج ًر مصاٌفي الدنيا على استقامة ،بل على فساد كهتارج كفوت حياة ،كيف األخرل ف ي
ػوت النجاة َف تى ٍ
(ُ)
كالنعيم ،كالرجوعي با٠تسراف ا١تبُت".
كيأيت يف طليعة ا١تصاٌف الضركرية ،ما يعرؼ عند العلماء باسم الضركريات ا٠تمس ،أك
الكليات ا٠تمس ،أك األصوؿ ا٠تمسة ،كهي :الدين ،كالنفس ،كالعقل ،كالنسل ،كا١تاؿ.
11
اإلسالم وقضايا العصر
كتبُت حقوؽ األفراد ككاجباهتم ،كبغَت تلك التشريعات ال تستقر حياة األفراد كاٞتماعات لفقداهنا
التشريع كا١تنهج الذم ينظم حركة اإلنساف يف اٟتياة كيضبطها.
كما أف الدين ضركرم يف جانبه األخبلقي ألف هناؾ حاجة للمجتمع إُف بواعث تدفع
أفراد آّتمع إُف عمل ا٠تَت كأداء الواجب كإف َف يوجد من البشر من يراقبهم أك يكافئهم ،كما أف
آّتمع ْتاجة إُف ضوابط أخبلقية ٖتكم عبلقتهم كتلزـ كل كاحد منهم أف يقف عند حد ،كال
يعتدم على حق غَت أك يفرط يف خَت ٣تتمعه من أجل شهوات نفسه ،أك منفعته ا١تادية
العاجلة(ُ).
كالدين ضركرم أيضا يف حياة اإلنساف ألنه يليب حاجات اإلنساف الوجدانية كالفطرية
كيشبع حاجات الركح كمطالبها مثلما يشبع الطعاـ كالشراب حاجات البدف ،ك٢تذا قاؿ ابن
القيم" :حاجة الناس إُف الشريعة ضركرية فوؽ حاجتهم إُف كل شيء ،كال نسبة ٟتاجتهم إُف علم
الطب إليها ،ألف أكثر الناس يعيشوف بغَت طب"(ِ).
كقد َّبُت ا١تاكردم أف صبلح اٟتياة الدنيا يرتكز على ست قواعد تتصدرها قاعدة امتثاؿ
ً ً
الدنٍػيىا ىح َّىت تىصَتى صلي يح ُّ ىف ىما بًه تى ٍ "اعلى ٍم أ َّ
الدين كالتزامه كاتباع أحكامه كمقرراته قاؿ ا١تاكردمٍ :
ً ً ً ً ً ً ً
ين يمتَّبى هع،ت ،ىكه ىي :د ه ورىها يم ٍلتىئ ىمةن ،ستَّةي أى ٍشيىاءى ه ىي قىػ ىواع يد ىها ،ىكإً ٍف تىػ ىفَّر ىع ٍ ىح ىوا ي٢تىا يمٍنتىظ ىمةن ،ىكأ ييم ي
أٍ
يكُف :فى ًه ىي اهر ،كع ٍد هؿ ىش ًامل ،كأىمن عاـّّ ،ك ًخصب دائًم ،كأىمل فى ًسيح .فىأ َّىما الٍ ىق ً
اع ىدةي ٍاأل ى ً
ه ىٍه ى ى ٍ ه ى ه ىىه ه ىك يس ٍلطىا هف قى ه ى ى
صَت قى ً
اهنرا ً ً ً ً ص ًر ي ً
وب ىع ٍن ىإر ىادهتىا ،ىح َّىت يى ى ف الٍ يقلي ى وس ىع ٍن ىش ىه ىواهتىا ،ىكيػى ٍعط ي ؼ النُّػ يف ى ّْين الٍ يمتَّبى يع فىؤلىنَّهي يى ٍ
الد ي
وس ًيف خلىو ًاهتىا ،نىصوحا ى٢تا ًيف ملً َّم ًاهتى ً ً َّمائًًر ،ىرقًيبنا ىعلىى النُّػ يف ً لً َّ ً ً ً
ور ىال ا.كىهذ ٍاأل ييم يى ي ن ى ي ىى لسىرائ ًر ،ىزاجنرا للض ى
َّاس َّإال ىعلىٍيػ ىها.
صلي يح الن يوص يل بًغى ًٍَت الدّْي ًن إلىٍيػ ىها ،ىكىال يى ٍ
يي ى
(ُ) انظر :مدخل ١تعرفة اإلسبلـ مقوماته خصائصه أهدافه مصادر ليوسف القرضاكم ص ُِ ،ّٖ-طّ،
مكتبة كهبة ُِِْ ،هػ ََُِ -ـ.
(ِ) مفتاح السعادة البن القيم ِ.ِ/
11
اإلسالم وقضايا العصر
ىج ىدل ٍاأل ييم ىور نػى ٍف نعا ًيف انٍتًظى ًام ىها الدنٍػيا ك ً ً ً و
ّْين أىقٍػ ىول قىاع ىدة ًيف ى
ص ىبل ًح ُّ ى ى ٍ
است ىق ىامت ىها ،ىكأ ٍ فى ىكأ َّ
ىف الد ى
ىك ىس ىبل ىمتً ىها.
12
اإلسالم وقضايا العصر
كقد ذكر ابن تيمية أف أعظم الفساد الذم يقع يف الدنيا هو مفسدة تفويت اٟتياة
اإلنسانية بانتهاؾ حق اإلنساف يف اٟتياة ،قاؿ" :الفساد إما يف الدين كإما يف الدنيا ،فأعظم فساد
الدنيا قتل النفوس بغَت اٟتق ك٢تذا كاف أكرب الكبائر بعد أعظم فساد الدين الذم هو الكفر"(ُ).
13
اإلسالم وقضايا العصر
كمعٌت إعماؿ العقل :أم تفعيله كتشغيله ،كمن أبرز كسائل ذلك العبادات العقلية
كالتفكر كالتدبر كالتبصر كاالعتبار(ُ).
كذـ الذين كألجل ذلك فقد مدح القرآف الكرمي الذين ييعملوف عقو٢تم بالتفكر كالتدبرَّ ،
َّم ىكثً نَتا ً
{كلىىق ٍد ذى ىرأٍنىا ٞتى ىهن ى
يعطلوف عقو٢تم بالتقليد األعمى كاإلعراض عن آيات ا﵁ ،قاؿ ا﵁ تعاُف :ى
صيرك ىف ًّٔىا ىكى٢تي ٍم آىذىا هف ىال يى ٍس ىم يعو ىف ًّٔىا
س ى٢تم قيػليوب ىال يػ ٍف ىقهو ىف ًّٔا كى٢تم أ ٍىعُت ىال يػب ً
اإلنٍ ً ي ٍ ه ى ي ى ى ي ٍ ي ه يٍ ًم ىن ٍ
اٞتً ّْن ىك ًٍ
14
اإلسالم وقضايا العصر
كاٟتفاظ على النسل كفق هذا ا١تعٌت هو من مقتضيات استقامة اٟتياة كاستمرارها ،إذ به
تتحقق عمارة األرض كهنضتها ك٪توها كازدهارها ،كبه تعزز األمم قوهتا ،كٖتمي حقوقها ،كتصوف
أعراضها كأموا٢تا ،كبه تستمر اٟتياة كتدكـ كتبقى" ،كلو عدـ النسل َف يكن يف العادة بقاء"(ُ).
كمن أجل ذلك فقد اعترب اٟتفاظ على النسل أحد ا١تصاٌف ا٠تمس الضركرية يف الشريعة
اإلسبلمية ،ألف ضياعه يعٍت تناقص النوع اإلنساين كمن مث فناؤ كانقراضه.
كإف النسل الذم يقصد الشارع إ٬تاد هو النسل ا١تنتفي عنه الشك يف النسب فالنسل
ا١تعترب شرعا هو الناشئ عن اتصاؿ الزكجُت بواسطة عقدة النكاح ا١تنتفي عنها الشك يف النسب.
كاستقراء مقصد الشريعة يف النسب أفاد أهنا تقصد إُف نسب ال شك فيه كال ٤تيد به عن طريقة
النكاح اليت قررها الشارع "(ِ).
ك٢تذا فقد جعل الشارع اٟتكيم لتحقيق هذا ا١تقصد طريقا كاحدا هو الزكاج ،فهو السبيل
الوحيد المتداد النسل البشرم كبقائه كدكامه كاستمرار ،كقد َّبُت ا﵁ تعاُف هذ السنة اإل٢تية اليت
َّاس اتَّػ يقوا ىربَّ يك يم الَّ ًذم ىخلى ىق يك ٍم
كضعها يف سبيل دكاـ اإلنسانية كبقائها بقوله سبحانه":يا أىيػُّ ىها الن ي
ث ًمٍنػ يه ىما ًر ىج ناال ىكثً نَتا ىكنً ىساءن ىكاتػَّ يقوا اللَّهى الَّ ًذم تى ىساءىليو ىف بًًه
اح ىدةو ىك ىخلى ىق ًمٍنػ ىها ىزٍك ىج ىها ىكبى َّ
سكً
م ٍن نػى ٍف و ى
ً
(ّ)
ىك ٍاأل ٍىر ىح ىاـ إً َّف اللَّهى ىكا ىف ىعلىٍي يك ٍم ىرقًيبنا "
15
اإلسالم وقضايا العصر
كا١تقصود با١تاؿ كل ما ينتفع به الناس انتفاعا مشركعان كله قيمة مادية بينهم ،فيشمل
األعياف كا١تنافع كالديوف ،كيستوعب النقود كثركات األرض كالطعاـ كا١تسكن كاللباس كٚتيع
.
ا١تتموالت
كيعد ا١تاؿ من ضركرات اٟتياة اإلنسانية كمقوماهتا األساسية حيث ال يستغٍت عنه اإلنساف
لطعامه كملبسه كمسكنه كٚتيع مصاٟته الدنيوية ،أم أنه ال يستقيم أمر اٟتياة دكنه.
ك ا١تاؿ الذم قصد الشارع اٟتفاظ عليه كاعترب من كليات الشريعة كأصو٢تا ليس فقط هو
أمواؿ آحاد األفراد ك٦تتلكاهتم ا٠تاصة ،كإ٪تا هو أيضا كيف ا١تقاـ األكؿ منه أمواؿ األمة كثركاهتا،
فاٟتفاظ على ا١تاؿ يرتبط باٟتفاظ على كجود األمة كتقوية شوكتها كتعزيز مكانتها بُت األمم
كٖتقيق عمراف األرض كتنميتها كٖتقيق كاجب ا٠تبلفة فيها ،كليس هو فقط اٟتفاظ على أمواؿ
آحاد األفراد كأنفسهم ككجودهم ا١تادم ،قاؿ الشيخ ٤تمد الطاهر ابن عاشور" :ما يظن بشريعة
جاءت ٟتفظ نظاـ األمة كتقوية شوكتها كعزهتا إال أف يكوف لثركة األمة يف نظرها ا١تكاف العاِف
من االعتبار كاالهتماـ.،
16
اإلسالم وقضايا العصر
أيضا ٔتصاٌف اإلنساف اٟتاجية اليت تيسر على اإلنساف يف حياته كتضفي عليها معاين الرفق
(ُ)
كاللُت
كهذا يرشد إُف مدل اهتماـ اإلسبلـ ٔتصاٌف اإلنساف حيث أقاـ له ضركراته ،كاتبعها
ْتاجاته اليت ٕتعل حياته سهلة كميسرة.
كمن ذلك مثبل :أهنا شرعت للمريض ٣تموعة من األحكاـ ا١تخفّْفة تيسَتان عليه كمراعاة
(ِ)
ٟتاله ؛كالصبلة قاعدان إف َف يستطع الصبلة قائمان،أك الصبلة على جنب إف َف يستطع قاعدا،
ككاإلفطار يف رمضاف،كا١تسح على ا٠تفُت.
فإذا َف تراع هذ األحواؿ كالعوارض اليت تصيب اإلنساف كا١ترض كالضعف ،فسيصبح
التكليف حرجا كشاقا تغيب فيه معاين الرفق با٠تلق كالتيسَت على الناس.
كمن هذا القبيل أيضا :العقود اليت أجازها الشارع ٟتاجة الناس كالتيسَت عليهم يف
معامبلهتم:كا١تزارعة كا١تساقاة كا١تضاربة كالسلم كغَتها ،فهي ٦تا ٭تتاجه الناس يف حياهتم كليست
هي أمرا أصليا كال ضركريا إلقامة مصاٌف اإلنساف.
17
اإلسالم وقضايا العصر
ككما اعتنت الشريعة اإلسبلمية ٔتصاٌف اإلنساف الضركرية كاٟتاجية فقد اعتنت أيضا
ٔتصاٟته التحسينية اليت تتمم ا١تصاٌف الضركرية كتكسو اٟتياة اإلنسانية بثوب اٞتماؿ كاٟتسن يف
ٚتيع ٣تاالت اٟتياة من عبادات كعادات.
من هذا مثبل :الدعوة إُف أخذ الزينة عند كل مسجد،كالتطيب عند حضور اٞتمع
كاٞتماعات ،كاختيار األئمة كا١تؤذنُت ذكم الصوت اٟتسن كالسمت اٟتسن ،كٕتهيز ا١تساجد
بالفرش كا١ترافق الصحية النظيفة ،كاختيار أحسن الدعاة كا٠تطباء لتبليغ الدعوة إُف الناس.
كمنها أيضا :التحلي بآداب الطعاـ كالشراب اليت حفلت ّٔا السنة النبوية ،مثل قوله صلى
(ُ)
سم ا﵁،ككل بيمينك،ككل ٦تا يليك " ،كقوله":ما مؤل آدمي كعاء شران
ا﵁ عليه كسلم:يا غبلـ ٌ
من بطن،حسبك يا ابن آدـ لقيمات يقمن صلبك فإف كاف ال بد،فثلث طعاـ،كثلث
شراب،كثلث نفس "(ِ) كهنيه صلى ا﵁ عليه كسلم أف يشرب الرجل من يف السقاء" (ّ)،ك هنيه
"أف يتنفس يف اإلناء "(ْ).
(ُ) ركا البخارم ٕ)ّٕٖٓ( )ّٕٓٔ( ٖٔ /؛ كمسلم ّ ،)َِِِ( ُٓٗٗ /عن عمر بن أيب سلمة ا١تخزكمي
رضي ا﵁ عنه قاؿ :كنت يف حجر النيب صلى ا﵁ عليه كسلم ككانت يدم تطيش يف الصحفة فقاؿ ِف :يا
غبلـ "...؛ كرمز له ا١تزم (رقم َُٖٖٔ) خ ـ س ؽ.
(ِ) ركا الًتمذم ْ ،)َِّٖ( َٓٗ /كقاؿ :حسن صحيح .انتهى؛ كركا النسائي يف الكربل ِٔٔٗ-ِٖٔ /
(ّٖٕٔ) (ّّٗٔ)؛ كأٛتد يف ا١تسند ِٖ )ُُٕٖٔ( ِّْ-ِِْ /؛ كرمز له ا١تزم (رقم ُُٕٓٓ) ت
س ؛ كركا النسائي يف الكربل ٔ )ّٕٕٔ( ِٖٔ /؛ كرمز له ا١تزم (رقم ُُٕٔٓ) س ؛ كركا ابن ماجه
ِ)ّّْٗ( ُُُُ /؛ كرـ له ا١تزم (رقم ُُٖٕٓ) ؽ ؛ كركا ابن حباف ُِ )ِّٓٔ( ُْ /كاللفظ له،
كلهم عن ا١تقداـ بن معدم كرب رضي ا﵁ عنه.
(ّ) ركا البخارم ٕ)ِٖٓٔ( )ِٕٓٔ( ُُِ /؛ عن أيب هريرة رضي ا﵁ عنه ؛ كرمز له ا١تزم (رقم ُِْْٓ)
خ ؽ .ينظر فتح البارم َُ.)ِٕٓٔ( ْٗ-ّٗ /
(ْ) ركا البخارم ُ )َّٓٔ( ُُِ /ٕ ،)ُْٓ( )ُّٓ( ِْ /؛ كمسلم ُ،)ٔٓ( )ّٔ(/)ِٕٔ( ِِٓ /
عن أيب قتادة األنصارم رضي ا﵁ عنه؛ كرمز له ا١تزم (رقم َُُِٓ) ع ،قاؿ اٟتافظ ابن حجر يف الفتح ُ/
َّٓ (ُّٓ ) ،كهذا النهي للتأديب إلرادة ا١تبالغة يف النظافة ،إذ قد ٮترج من النفس بصاؽ أك ٥تاط أك ٓتار
ردئ فيكسبه رائحة كريهة فيتقذر ّٔا هو أك غَت عن شربه.
18
اإلسالم وقضايا العصر
كمن هذا القبيل التحسينات اليت تتعلق ْتسن اللباس كٚتاؿ ا٢تيئة،كما يف حديث مالك
ابن نضلة أنه أتى النيب صلى ا﵁ عليه كسلم فرآ الرسوؿ أشعث أغرب يف هيئة أعرايب ،فقاؿ:ما
لك من ا١تاؿ ؟ قاؿ:من كل ا١تاؿ قد آتاين ا﵁،قاؿ:إف ا﵁ إذا أنعم على العبد نعمة أحب أف ترل
(ُ)
به "
(ُ) ركا أبو داكد ْ )ََْٔ( َْٓ /؛ كالنسائي ٖ )ِْٓٗ( )ِِّٓ( )ِِّٓ( ُٗٔ ،ُُٖ ،َُٖ /؛
كالنسائي يف الكربل ٖ )ْٖٗٔ( )ْٖٗٓ( )ْْٖٗ( ّٖٗ-ّٖٖ /؛ كأٛتد يف ا١تسند ِِِٓٔ-ِِِ /
(ٕٖٖٓ) (ٖٖٖٓ) (ٖٖٗٓ) (ُٖٗٓ) )ُِٖٓٗ( ِِٕ /ٖ ،كاللفظ له ؛ كركا ابن حباف ُِِّٓ /
(ُْٕٓ) كاللفظ له ؛ كرمز له ا١تزم (رقم َُُِّ) د س.
(ِ) ركا البخارم ِ )ُُُٕ( ْٖ/كاللفظ له ،كركا بلفظ مقارب ِ ،)ُُُٔ( )ُُُٓ( ْٕ/عن عمراف بن
حصُت رضي ا﵁ عنه ؛ كرمز له ا١تزم (رقم َُُّٖ) خ د ت س ؽ.
19
اإلسالم وقضايا العصر
هذا سببا قويا إلدخاؿ النقص على أصل اٟتفاظ على ا١تاؿ ،من حيث كوف هذ العقود
ٔتجموعها كسائل لتنمية األمواؿ كاستثمارها كتكثَتها ،فإذا تركت بالكلية آذف ذلك بانعداـ كسيلة
حاجية قوية من كسائل اٟتفاظ على ا١تاؿ من جانب الوجود.
كمن هذا القبيل أيضا :أنه قد شرعت الكثَت من الوسائل التحسينية اليت ٗتدـ مصلحة
الزكجُت لآلخر ،كأف ٮتاطب كل منهما اآلخر بأحب اٟتفاظ على النسل كأف يتزين كل من ٌ
األلقاب كاألكصاؼ إليه ،كأف يتحليا بآداب ا١تعاملة عن طريق الكلمة الطيبة كاالبتسامة اٞتميلة
كغَتها من الوسائل اليت تشيع يف األسرة معاين السكينة كالسعادة كاالستقرار ،هذا فضبل عن أف
٭تسن الزكجاف اختيار أٝتاء األكالد ،كأف ٭ترصوا على الرفق ّٔم كمداعبتهم كالتلطف معهم
كالبشاشة يف كجوههم.
كل من الزكجُت ٢تذ التحسينات يف تعامل كل منهما مع اآلخر ،أك يف
فإذا أ٫تل ّْ
تعاملهما مع األكالد ،كَف يكًتثوا ٢تذ القيم كاألخبلؽ اٞتميلة يف عبلقاهتم األسرية ،فسيفضي
هذا إُف إدخاؿ عوامل التوتر كالقلق داخل األسرة ،كسيؤثر سلبا على استقرارها كسعادهتا ،كقد
ينتج عن ذلك كله يف النهاية ٘تزؽ األسرة كتفككها كاهندامها.
كمتممات للمصاٌف الضركرية ،كهي
مكمبلت ّْ
كهذا يعٍت أف اٟتاجيات كالتحسينات هي ّْ
كبلن من الضركريات من نفاذ كسائل الفساد إليها،فإذا أ٫تلت
يف الوقت نفسه سياج منيع ٭تمي ٌ
اٟتاجيات أك ضيعت التحسينات كاف هذا سببا يف تسرب أسباب الفساد إُف ا١تراتب األعلى
منها يف ا١تكانة كاالعتبار.
زابعا :طسم احلفاظ عم ٜوكاصد الظسٖع:ٛ
إف كل ما شرعه ا﵁ تعاُف من األحكاـ العملية ككل ما قرر من فركع الشريعة كتفاصيلها ،إ٪تا
هتدؼ إُف ٖتقيق مقاصد الشريعة بأحد طريقُت:
الطريق األكؿ :ما يتحقق به جلب ا١تصاٌف عن طريق كجودها كتثبيتها كتنميتها كاستدامتها
يف اٟتياة ،كيعرب عنه باٟتفظ من جانب الوجود.
21
اإلسالم وقضايا العصر
كالوجه الثاين ،ما يتحقق به درء ا١تفاسد عن طريق منع إفسادها كتعطيلها كإعدامها كيدفع
عنها األضرار كاألخطار اليت ٯتكن أف تصيبها ،كيعرب عنه باٟتفظ من جانب العدـ.
كيدخل ٖتت هذين الطريقُت العامُت-الوجود كالعدـ -كل األحكاـ كالتدابَت الشرعية
اليت كردت فيها نصوص شرعية خاصة يف ٣تاالت اٟتياة ا١تختلفة ،حيث ال ٗترج هذ األحكاـ
الشرعية عن كوهنا حافظة ١تقاصد الشريعة من جانب الوجود ّتلب ا١تصاٌف ٢تا ،أك من جانب
العدـ بدرء ا١تفاسد عنها.
كٯتكن من خبلؿ النظر إُف مقاصد الشريعة كطرؽ حفظها من جانيب الوجود أك العدـ
اٟتكم على العديد من القضايا كا١تستجدات ا١تعاصرة اليت َف ترد فيها نصوص شرعية خاصة كَف
تتناك٢تا على كجه التعيُت كالتحديد آيات كرٯتة أك أحاديث شريفة ،حيث ٯتكن االهتداء ٔتقاصد
الشريعة العامة للحكم على هذ ا١تستجدات كإعطائها كصفها الشرعي ا١تناسب ،كذلك على
ضوء النظر إُف أثرها على ا١تقاصد الشرعية إما باٟتفظ كالرعاية كحينئذ تكوف مشركعة كجائزة ،أك
بالتضييع كالتفويت كحينئذ تكوف ٦تنوعة ك٤تظورة.
كهنا تظهر أ٫تية ا١تقاصد الشرعية يف إثبات مركنة الشريعة اإلسبلمية على امتداد الزماف،
كقدرهتا على الوفاء ْتاجات الناس الكثَتة كقضاياهم ا١تختلفة ،كالتمكن من استيعاب كل جديد
نافع ما داـ تتحقق به مصاٌف الناس كخَتهم يف حياهتم ككجودهم.
كعلى هذا فإف كل ما ٭تافظ على الدين إ٬تادان كاستبقاء فهو تصرؼ مناسب ١تقصود
الشارع كموافق العتبار .ككل ما يضر بالدين أك يلحق به الفساد فهو ٥تالف ١تقصود الشارع
كعلى الضد من نظر كاعتبار .
ككل ما ٭تافظ على النفس كجودا كاستبقاء فهو مناسب ١تقصود الشارع كموافق العتبار .
ككل ما يضر بالنفس أك يلحق ّٔا الفساد فهو ٥تالف ١تقصود الشارع كعلى الضد من نظر
كاعتبار .
21
اإلسالم وقضايا العصر
ككل ما ٭تافظ على النسل كيقوم رابطة الزكاج كيسهم يف بناء األسرة الفاضلة كآّتمع
البشرم السعيد إ٬تادان كبقاء فهو تصرؼ مناسب ١تقصود الشارع كموافق العتبار .ككل ما يضر
بالنسل أك يلحق به الفساد فهو ٥تالف ١تقصود الشارع كعلى الضد من نظر كاعتبار (ُ).
كيتجلى اٟتفاظ على مقاصد الشريعة من جانيب الوجود كالعدـ يف كثَت من األحكاـ كالتدابَت
الشرعية:
ففي ٣تاؿ اٟتفاظ على الدين من جانب الوجود:
ُ-شرعت أركاف اإلٯتاف :من اإلٯتاف با﵁ كمبلئكته ككتبه كرسله كاليوـ اآلخر كالقدر خَت
كشر ،كأركاف اإلسبلـ :من الشهادتُت كالصبلة كالزكاة كالصياـ كاٟتج ،كذلك ألنه ال يقوـ الدين
يف الوجود بغَت هذ األسس كاألركاف ،فحفظ الدين حاصله يف ثبلثة و
معاف ،كهي :اإلسبلـ،
كاإلٯتاف ،كاإلحساف (ِ).
ِ -كما كجب األمر با١تعركؼ كالنهي عن ا١تنكر ،كفق أصوله الشرعية ،كبياف حدكد ا﵁
كاإلرشاد إُف أكامر الشريعة كالزجر عما ٮتالفها ،قاؿ صلى ا﵁ عليه كسلم" :من رأل منكم منكرا
فليغَت بيد فإف َف يستطع فبلسانه فإف َف يستطع فبقلبه كذلك أضعف اإلٯتاف"(ّ).
ّ-كشرعت فريضة اٞتهاد يف سبيل ا﵁ لتكوف طريقا ٟتماية الدين كنشر ا٠تَت كالعدؿ يف
األرض ،كإنقاذ ا١تستضعفُت كٗتليصهم من الظلم كاالضطهاد كالبغي ،كإزالة اٟتواجز اليت تقف يف
(ُ) مصاٌف اإلنساف مقاربة مقاصدية لعبدالنور بزا ص َّٕ كما بعدها.
(ِ) ا١توافقات ْ.ِٕ/
(ّ) ركا مسلم ُٗ (ْٗ) ،)ٕٖ(/عن أيب هريرة رضي ا﵁ عنه؛ كرمز له ا١تزم (رقم َْٖٓ) ـ د ت س ؽ.
22
اإلسالم وقضايا العصر
طريق الدعوة إُف ا﵁ من أف تصل إُف الناس كافة لتكوف ٢تم اٟترية يف أف ٮتتاركا الدين الذم
يرتضونه دكف قسر كال إجبار.
ْ -كمن الوسائل ا١تعاصرة للحفاظ على الدين من جانب الوجود :االستفادة من
ا١تعطيات العلمية ا١تعاصرة يف الدعوة إُف اإلسبلـ كإنشاء القنوات الفضائية كا١تواقع االلكًتكنية
كاستثمار مواقع التواصل االجتماعي لبياف حقائق اإلسبلـ كتعريف الناس به كإبراز ٤تاسنه
كفضائله كرٛتته بالعا١تُت.
كمن طرؽ اٟتفاظ على الدين من جانب العدـ:
ُ-اعتبار الردة عن اإلسبلـ جرٯتة تستوجب العقوبة الشرعية،كذلك ١تا تؤدم إليه من
إرجاؼ كتشويه للدين ،كاعتداء على النظاـ العاـ للمجتمع ا١تسلم ،كإفقاد الدين ١تكانته كقدسيته
فيما لو ترؾ لؤلفراد اٟتق يف الردة عن اإلسبلـ كا٠تركج عن الدين دكف رادع كال زاجر.)ُ(.
ِ-النهي عن الغلو كالتشدد يف الدين ،ألف التدين عندما يتجه إُف التشدد كا١تغاالة فإنه
سرعاف ما يفضي إُف االنقطاع عن متابعة التدين كاالنصراؼ عن االمتثاؿ للدين ،هذا فضبل عما
يفضي إليه من تصوير للدين على غَت حقيقته اليت أرادها ا﵁ تعاُف ما يؤدم إُف نفور الناس منه
كإعراضهم عنه كمعاداهتم له.
ّ-منع الشبهات اليت تثار حوؿ اإلسبلـ ،كالتصدم ﵀اكالت ٖتريف الدين اليت يعتمد
أصحأّا على تأكيل نصوص الشريعة تاكيبلن باطبل كصرفها عن معانيها اٟتقيقية ا١تقصودة ،ألف يف
التصدم ٢تذ الشبهات كالوقاية منها إبقاء للدين على حقيقته النقية الناصعة كحفظا له من
٤تاكالت التحريف كالتغيَت.
(ُ) انظر :مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة لعبد آّيد النجار ص ٓٔ ،دار الغرب اإلسبلمي ،طُ.ََِٔ ،
23
اإلسالم وقضايا العصر
24
اإلسالم وقضايا العصر
ْ -إف حفظ النفس كما يكوف يف اٟتفاظ ا١تادم على النفس اإلنسانية من خبلؿ
الطعاـ كالشراب كاللباس كالسكن كالعبلج ،فإنه يكوف أيضا باٟتفاظ على النفس معنويا بتحقيق
الكرامة لئلنساف كضماف اٟترية له يف التعبَت كالتفكَت ،كاٟتركة كالتنقل.)ُ( .
ّ .أنه يف حالة اٟترب أك ا١تنازعات ا١تسلحة ال ٬توز قتل من ال مشاركة ٢تم يف القتاؿ
كالشيخ الكبَت كا١ترأة كالطفل ،كللجريح اٟتق قي أف يداكل ،كلؤلسَت أف يطعم كيؤكل كيكسى،
(ُ) انظر٨ :تو تفعيل مقاصد الشريعة ٞتماؿ الدين عطية ص ُّٔ ،كمقاصد الشريعة بأبعاد جديدة لعبدآّيد
النجار ص ُُِ ،ُِِ-دار الغرب اإلسبلمي ،طُ.ََِٔ ،
(ِ) النساءِٗ :
(ّ) ركا البخارم ٕ)ٕٕٖٓ( َُْ-ُّٗ/؛ كمسلم ُ )َُٗ( َُْ-َُّ/كاللفظ له ،عن أيب هريرة رضي
ا﵁ عنه؛ كرمز له ا١تزم (رقم ُِّْٗ ) خ ـ ت س .كقوله" :يتوجأ" بتشديد اٞتيم بوزف يتكرب كهو ٔتعٌت
الطعن .انتهى ،من فتح البارم َُ.ِٓٗ/
(ْ) البقرةُٕٗ :
25
اإلسالم وقضايا العصر
ألف للنفس اإلنسانية العصمة كاالحًتاـ فبل يقتل إال من قاتل ،أما ا١تساَف فبل ٬توز قتله كال
االعتداء عليه (ُ).
ْ -كمن القضايا ا١تعاصرة اليت تتعلق باٟتفاظ على النفس اإلنسانية :إصدار التشريعات
كالقوانُت اليت تكفل اٟتفاظ على البيئة من ٚتيع أشكاؿ التلوث كأسبابه ،كتعمل على تأمُت البيئة
النظيفة اليت يتحقق ّٔا مقصود الشارع يف اٟتفاظ على أنفس األفراد كاٞتماعات .كاٗتاذ التدابَت
الوقائية كاالحًتازية من األمراض كاألكبئة كاٟتوادث الضارة بالنفوس كاألبداف.
26
اإلسالم وقضايا العصر
ّ-من التدابَت ا١تعاصرة أيضا اليت ٯتكن أف تتخذ للحفاظ على العقل :التشجيع على
البحث العلمي كإقامة ا١تراكز ا١تتخصصة له ،كالعناية بالطلبة ا١تتميزين عن طريق توفَت ا١تنح العلمية
٢تم حىت يواصلوا دراستهم ،كتأمُت فرص العمل ا١تناسبة ٢تم يف الببلد اإلسبلمية حىت تكوف ببلدا
جاذبة للعقوؿ ا١تبدعة ال طاردةن ٢تا ،كحىت تتفادل ظاهرة هجرة العقوؿ من العاَف اإلسبلمي.
ْ -كمن هذا القبيل أيضا :تبٍت السياسات اليت ترغب األفراد ْتب القراءة كاٟتث عليها،
كالًتبيةعلى التحليل كالنقد كاإلبداع كاالخًتاع كالتأليف كاالجتهاد ا١تستمر يف إنتاج الثقافة البانية،
كتطوير العلوـ إُف أقصى حد ٦تكن؛ ألف العقل ال يكتمل بدكف العلم كا١تعرفة(ُ).
كمن طرؽ اٟتفاظ على العقل من جانب العدـ:
ُٖ .ترمي ٚتيع ا١تفسدات العقلية من ا١تأكوالت كا١تشركبات كا١تسكرات كا١تخدرات
كا١تفًتات ،على اختبلؼ انواعها كأشكا٢تا كأٝتائها ،كٕترمي من يتعاطاها كاعتبارها من كبائر
ا١ت عاصي كاآلثاـ كذلك ١تا فيها من تضييع ١تقصد من مقاصد الدين كأصل من أصوؿ الشريعة.
ِ .منع ٚتيع التصرفات ا١تؤدية لتعطيل كظيفة العقل أك التشويش عليه؛ كاتباع ا٢تول
كالتقليد األعمى كاٞتداؿ كالعناد كا١تكابرة كاالستبداد كمنع حرية الرأم كتغييب فريضة الشورل،
فهذ ٚتيعها تصرفات منهي عنها كتدخل يف دائرة ا﵀ظورات الشرعية ١تخالفتها ألسس
كمقتضيات اٟتفاظ على العقل اإلنساين.
ّ٬ .تب ٖتصُت أفراد األمة من ا١تعتقدات الفاسدة اليت تتناىف مع العقل كالفطرة ،كالعرافة
كالكهانة كالسحر كالشعوذة ،كبناء عقل أفراد األمة ٔتا يكسبها ا١تناعة العلمية ضد كل األضرار
الفكرية الوافدة من ٥تتلف ا١تدارس اليت تتضمن معتقدات فاسدة تتناىف مع موجبات العقل السليم
كمقتضيات الفطرة الصحيحة.
27
اإلسالم وقضايا العصر
28
اإلسالم وقضايا العصر
ّ -ال ٬توز اإلجهاض إال يف حاالت الضركرة ككفق شركط كضوابط خاصة ،ألف
السماح باإلجهاض مطلقا دكف قيد كال شرط من شأنه أف يفتك بالنسل كيضعفه كهو خبلؼ
مقصود الشارع ،هذا فضبل عن كونه مصادما ١تقصد الشارع يف اٟتفاظ على النفس.
ْ -أنه ٭ترـ استئصاؿ القدرة على اإل٧تاب يف الرجل كا١ترأة كهو ما يعرؼ باإلعقاـ أك
التعقيم ،ما َف تدع إُف ذلك الضركرة كفق ضوابطها الشرعية(ُ).
ٓ-كمن التدابَت ا١تعاصرة للحفاظ على النسل :اإللزاـ بالفحص الطيب قبل الزكاج كذلك
للوقاية من األمراض الوراثية اليت ٯتكن أف تصيب الذرية مستقببل ،كالوقاية من األمراض ا١تعدية اليت
ٯتكن أف تنتقل من الزكجُت إُف األكالد ما يؤدم إُف إضعاؼ النسل كفساد .
29
اإلسالم وقضايا العصر
عمل يد كإف نيب ا﵁ داكد عليه السبلـ كاف يأكل من عمل يد "(ُ)،كقوله":ما من مسلم يغرس
(ِ)
غرسا أك يزرع زرعا فيأكل منه طَت أك إنساف أك ّٔيمة إال كاف له به صدقة" .
ِ .تشريع ٚتلة كبَتة من العقود ا١تالية اليت تستثمر ّٔا األمواؿ كتنمى فيها الثركات،
كيتحقق فيها ركاج األمواؿ ؛ كعقد البيع كالسلم كاإلجارة كالشركة كا١تضاربة كا١تزارعة كا١تساقاة
كاالستصناع.
ّ .اعتبار أف األصل يف العقود كا١تعامبلت ا١تالية هو اإلباحة ال اٟتظر؛ كذلك الستيعاب
ٚتيع العقود ا١تالية ا١تعاصرة اليت من شأهنا حفظ األمواؿ كتنميتها ٔتا ال يتعارض مع أحكاـ
الشريعة كضوابطها يف ٣تاؿ االستثمار ،كعقد التوريد كا١تراْتة لآلمر بالشراء كعقود ا١تقاكلة كغَتها
من العقود ا١تالية األخرل.
31
اإلسالم وقضايا العصر
ِ-النهي عن اإلسراؼ كالتبذير ،كعن اإلمساؾ كالتقتَت ،يف إنفاؽ األمواؿ أك استهبلكها،
قاؿ ا﵁ تعاُف { كالذين إذا أنفقوا َف يسرفوا كَف يقًتكا ككاف بُت ذلك قوامها }(ُ) إذ يف كبل
األمرين :التقتَت كالتبذير ضياعا لؤلمواؿ ،كإف من "اٟتقائق االقتصادية أف التقليل الكبَت ا١تغاُف فيه
لبلستهبلؾ ضار اقتصاديا ككذلك هو اإلفراط يف االستهبلؾ"(ِ).
ّ-يندرج يف طرؽ اٟتفاظ على ا١تاؿ ٖترمي العقود اليت تتضمن الربا أك الغرر أك اٞتهالة
الفاحشة ،ألف ا١تعامبلت ا١تالية اليت تقوـ على مثل هذ ا١تعامبلت ا﵀رمة هي السبب يف ضياع
األمواؿ كنشوء األزمات كالكوارث االقتصادية العا١تية.
هذا ك٬تدر التنبيه يف هذا السياؽ إُف أنه إذا كانت ا١تقاصد تنقسم إُف ضركريات
كحاجيات كٖتسينات على كفق ما تقدـ آنفا ،فإف طرقها ككسائلها تبع ٢تا ،فقد تكوف الطرؽ
ضركرية إذا كانت تقيم أصل ا١تصاٌف الضركرية ،كقد تكوف حاجية إذا كانت تعمل على إضفاء
معاين التيسَت كرفع اٟترج عن الناس ،كقد تكوف الطرؽ ٖتسينية إذا كانت تكمل كتتمم مصاٌف
الناس كتصبغها بقيم اٟتسن كاٞتماؿ.
ففي طرؽ اٟتفاظ على الدين كجودان كعدمان قد يكوف منها ما هو ضركرم إذا كانت
تتعلق باٟتفاظ على أصل الدين ْتيث إذا فاتت تعرض ذات الدين لبلختبلؿ كالنقص ،كوجوب
الدعوة إُف ا﵁ ،كاٟتكم ٔتا أنزؿ ا﵁ ،كامتثاؿ أحكاـ الشرع ،كٖترمي االرتداد عن الدين.
كقد يكوف منها ما هو حاجي إذا كانت تضفي جانب التيسَت كرفع ا١تشقة كما يف
الرخص الشرعية ا١تختلفة ،كا١تسح على ا٠تفُت كاٞتبَتة ،كاإلفطار يف رمضاف بعذر السفر كا١ترض.
31
اإلسالم وقضايا العصر
32
اإلسالم وقضايا العصر
٩تلص من ذلك كله إُف أف مقاصد الشريعة كمصاٌف اإلنساف ٫تا كجهاف ٟتقيقة
كاحدة،فالشريعة اإلسبلمية تقرر كل ما فيه مصلحة لئلنساف كنفع له ،كٖتتفي بكل جديد نافع
تتحقق به مصاٌف اإلنساف اٟتقيقية يف هذ اٟتياة ،كترحب بكل إضافة مفيدة ينتفع منه الناس
اف ىكإًيتى ًاء ًذم
اإلحس ًً ً ً ً َّ
انتفاعا حقيقيا ،كهذا ما تقرر آيات القرآف الكرمي {:إ َّف اللهى يىأٍ يمير بالٍ ىع ٍدؿ ىك ٍ ٍ ى
الٍ يق ٍرىَب ىكيػىٍنػ ىهى عى ًن الٍ ىف ٍح ىش ًاء ىكالٍ يمٍن ىك ًر ىكالٍبىػ ٍغ ًي يىعًظي يك ٍم لى ىعلَّ يك ٍم تى ىذ َّكيرك ىف}(ُ).
33
اإلسالم وقضايا العصر
الٕسد ٚالجاٌٗٛ
إعداد
أ.د .عبد اجمليد الصالحني
34
اإلسالم وقضايا العصر
الوحدة الثانية
اإلشالم وقضايا البيئة
يعد التلوث البيئي من أخطر القضايا اليت تواجه البشرية يف العصر اٟتاِف١ ،تا ٭تدثه هذا
التلوث من اختبلالت يف ا١تنظومة البيئية يف هذا الكوكب كما يستتبع ذلك من آثار خطَتة على
ا١تكونات البيئية كعلى اٟتياة عموما على سطح هذا الكوكب.
قد قدمت الشريعة اإلسبلمية الغراء الكثَت من اٟتلوؿ الوقائية كالعبلجية ٟتماية البيئة
كا﵀افظة عليها نظيفة كصاٟتة ك٤تققة الستخبلؼ اإلنساف يف هذا الكوف ،فقد عملت الشريعة
الغراء من خبلؿ منظومة متكاملة كمتوازنة من ا١تبادئ كالتشريعات على ٛتاية البيئة كا﵀افظة على
التوازف الذم أكدعه ا﵁ فيها.
كقد انتظمت هذ التشريعات النواحي العقدية كالفكرية كالفقهية كاألخبلقية ،كأرست
كفصلت األحكاـ اليت من شأهنا ٛتاية البيئة.
القواعد ى
وفًّٕ التمٕخ البٗ٘٠
(ُ) ابن منظور ،أبو الفضل ٚتاؿ الدين بن مكرـ ،لساف العرب ،دار صادر ،بَتكت ،جُ ،صّٗ ،مادة باء،
ُٖٔٗ
(ِ) العنكبوتٖٓ :
(ّ) ابن كثَت ،ابو الفداء اٝتاعيل ،تفسَت القراف العظيم ،مؤسسة الكتب الثقافية ،بَتكت ،طٓ ،جّ،
صَُُْْٓٔ ،هػُٗٗٔ ،ـ
35
اإلسالم وقضايا العصر
التمٕخ يف المػ:ٛ
يطلق التلوث خلط الشيء بالشيء من غَت جنسه .فيقاؿٌ :لوث ا١تاء :أم خلطه بغَت ،
أك لىٌوث الًتاب :أم خلطه بشيء خارج عنه .كيقاؿ للمختلط عقله ،به لىىوث ،أم خالط عقله
(ِ)
العتىه أك اٞتنوف.
شيء من ى
التمٕخ البٗ ٘٠يف االصطالح.
هو ادخاؿ اإلنساف بطريق مباشر أك غَت مباشر ١تواد أك لطاقة يف البيئة ،كالذم يستتبع
نتائج ضارة على ٨تو يعرض الصحة اإلنسانية للخطر ،كيضر با١توارد اٟتيوية كبالنظم البيئية ،كيناؿ
(ّ)
من قيم التمتع بالبيئة أك يعوؽ االستخدامات األخرل ا١تشركعة للوسط
كهذا التعريف يلحظ يف التلوث أسبابه كنتائجه معا ،كإذا ٕتاكزنا مفهوـ القانونيُت كعلماء
البيئة للتلوث البيئي إُف ا١تفهوـ القرآين ٢تذا التلوث ٧تد أف القرآف عرب عن التلوث بتعبيَت هو أبلغ
كأدؽ من اصطبلح التلوث أال كهو الفساد(ْ) الذم هو نقيض الصبلح ،كما دؿ على ذلك قوله
36
اإلسالم وقضايا العصر
ض الَّ ًذم ىع ًمليوا لى ىعلَّ يه ٍم تعاُف﴿ :ظىهر الٍ ىفساد ًيف الٍبػّْر كالٍبح ًر ًٔتا ىكسبت أىي ًدم الن ً ً ً
َّاس لييذي ىق يه ٍم بػى ٍع ى ى ى ى ي ى ى ى ٍ ى ىى ٍ ٍ
يػىٍرًج يعو ىف ﴾(ُ) فإف هذ األية الكرٯتة أشارت باألسلوب القرآين الببلغي ا١تعجز إُف حصوؿ التلوث
كأسبابه كنتائجه كا١تعاناة البشرية منه كعبلجه.
اد ًيف الٍبىػّْر ىكالٍبى ٍح ًر﴾ كإُف أسبابه بقوله
فقد أشارت إُف حصوله بقوله تعاُف﴿ :ظى ىهىر الٍ ىف ىس ي
ت أىيٍ ًدم الن ً
َّاس ﴾ كإُف نتائجه بالتعبَت بالفساد ،الذم هو معٌت عاـ يشمل كافة ً
تعاُفٔ﴿ :تىا ىك ىسبى ٍ
اآلثار السلبية للتلوث يف البحار كاألهنار كا﵀يطات ،كأشار النظم القرآين إُف معاناة الناس من
حل النتائج ا١تركعة ٢تذا التلوث بقوله تعاُف ﴿ :لًي ًذي ىقهم بػع َّ ً ً
ض الذم ىعمليوا ﴾ ،كما أشار إُف ٌ
ي ي ٍ ىٍ ى ٌ
مشكلة التلوث كعبلجها بقوله ﴿ :لى ىعلَّ يه ٍم يػىٍرًج يعو ىف﴾ كلعل ا١تراد رجوعهم عن النشاطات
كا١تمارسات اليت تؤدم إُف ظهور الفساد(ِ).
كّٔذا يظهر أف مفهوـ الفساد يشمل كل األعماؿ الضارة بالبيئة كمصادر هتديدها ككل ما
يؤدم إُف إحداث ا٠تلل كاالضطراب فيهاْ ،تيث يعٍت الفساد تلويث البيئة ،ككذلك استنزاؼ
(ّ)
مواردها كالتبذير يف استخدامها على ٨تو يهدد دكامها.
37
اإلسالم وقضايا العصر
ُ .آيات اإلستخبلؼ (ُ):كردت يف القرآف الكرمي ع ٌدة آيات تتحدث عن استخبلؼ
ضاع هل ًيف ٍاأل ٍىر ً ك لًٍلم ىبلئً ىك ًة إً ّْين ج ً (كإً ٍذ قى ى
ى اؿ ىربُّ ى ى ا﵁ لئلنساف يف هذا الكوف من مثل قوله تعاُف :ى
ً ً ً ً خلًي ىفةن قىاليوا أ ى ً
اؿ إً ّْين
ك قى ى ّْس لى ىّْماءى ىكىٍ٨ت ين ني ىسبّْ يح ْتى ٍمد ىؾ ىكنػي ىقد يك الد ىىٕت ىع يل ف ىيها ىم ٍن يػي ٍف ًس يد ف ىيها ىكيى ٍسف ي
ٍ ى
ً ً
أ ٍىعلى يم ىما ىال تىػ ٍعلى يمو ىف) كقوله تعاُف ( :ىكيه ىو ٱلَّذل ىج ىعلى يك ٍم ىخلىئ ى
(ِ)
ض يك ٍم فىػ ٍو ىؽ
ض ىكىرفى ىع بػى ٍع ىف ٍٱأل ٍىر ً
استىػ ٍغ ًفيركي يمثَّ تيوبيوا إًلىٍي ًه)(ْ) فهذ اآليات كغَتها تدؿ ً
استىػ ٍع ىمىريك ٍم ف ىيها فى ٍ
ض ىك ٍىنشأى يك ٍم ًم ٍن ٍاأل ٍىر ً
(ه ىو أ ى
ي
على أف ا﵁ عز كجل استخلف اإلنساف يف هذا الكوف ليعمر كفق إرادته كشرعه ،كالزـ هذا
اإلستخبلؼ أال يأيت اإلنساف ا١تستخلف من السلوكيات ما يفسد ا١تستخلف فيه كهو الكوف
كخصوصا األرض اليت يعيش اإلنساف على ظهرها ألف ذلك من مقتضيات ا٠تبلفة كأف أم سلوؾ
بشرم يعترب تعديا على البيئة كافسادا ٢تا يناقض هذا اإلستخبلؼ.
ِ٣ .تموعة النصوص التشريعية اليت تنهى عن الفساد يف األرض من مثل قوله سبحانه
الدنٍػيىا ىكيي ٍش ًه يد اللَّهى ىعلىى ىما ًيف قىػلٍبً ًه ىكيه ىو أىلى ُّد اٟتىيىاةً ُّ
ك قىػ ٍوليهي ًيف ٍ ً (كًم ىن الن ً
َّاس ىم ٍن يػي ٍعجبي ى كتعاُف :ى
َّس ىل ىكاللَّهي ىال يً٭ت ُّ ً ً ا٠تًص ًاـ ،كإًذىا تىػوَُّف سعى ًيف ٍاألىر ً ً
ض لييػ ٍف ًس ىد ف ىيها ىكيػي ٍهل ى
(ٓ)
ب الٍ ىف ىس ىاد) ث ىكالن ٍ اٟتىٍر ى
ك ٍ ٍ ٍ ى ى ى ىى
يب ًم ىن ً ً ض بػع ىد إً ً
ص ىبلح ىها ىك ٍاد يعوي ىخ ٍوفان ىكطى ىمعان إ َّف ىر ٍٛتىةى اللَّه قى ًر ه
ً
(كىال تػي ٍفس يدكا ًيف ٍاأل ٍىر ً ى ٍ ٍ كقوله تعاُف :ى
ُت)(ٔ) إُف غَت ذلك من اآليات الناهية عن الفساد كاإلفساد يف األرض ،فيدخل يف عموـ ًً
الٍ يم ٍحسن ى
هذ اآليات إفساد البيئة بتلويثها كاإلستنزاؼ اٞتائر ١تصادر الثركة فيها كاإلخبلؿ بتوازهنا ،فكل
ذلك يعترب من الفساد كاإلفساد الذم هنى عنه ا﵁ عز كجل.
38
اإلسالم وقضايا العصر
39
اإلسالم وقضايا العصر
عموما كاألرض خصوصا كال تتضمن اآليات ا١تذكورة الدعوة إُف التفكر كاالعتبار فحسب بل إهنا
تتضمن دعوة بطريق غَت مباشر إُف عدـ افساد صنع ا﵁ كخلقه بالسلوكيات ا٠تاطئة كغَت
ا١تسؤكلة إتا البيئة كمكوناهتا.
ب .ا١تصاٌف ا١ترسلة :كهي ا١تصاٌف اليت َف يتعرض ٢تا الشرع باإلعتبار أك اإلبطاؿ(ُ) حيث
تعترب ا١تصاٌف موجها أساسيا للسلوؾ اإلنساين إتا البيئة؛ ألف الشريعة اإلسبلمية مبتناة على
جلب ا١تصاٌف كتعظيمها كدرئ ا١تفاسد كتقليلها(ِ) فبل شك أف ا﵀افظة على البيئة صاٟتة كنقية
من أعظم ا١تصاٌف العاجلة كاآلجلة كي تتمكن األجياؿ اٟتاضرة كالقادمة من اإلنتفاع بالبيئة
كمكوناهتا بالشكل الذم أراد ا﵁ سبحانه كتعاُف كأف إفساد البيئة بشىت انواع ا١تلوثات ٢تي من
أعظم ا١تفاسد اليت سعت الشريعة إُف درئها كتقليلها.
ج .سد الذرائع :يعترب سد الذرائع من األصوؿ التشريعية ا١تهمة اليت ٯتكن أف يستمد منها
السلوؾ األمثل إتا البيئة كمكوناهتا،كيتلخص مفهوـ سد الذرائع بتحرمي أم فعل أك قوؿ أك
(ّ)
تصرؼ يؤدم إُف ما هو ٤ترـ كلو كاف هذا القوؿ أك التصرؼ أك الفعل مباحا يف ذاته ،كبناءن
كٮتل بالتوازف الذم جعله ا﵁ بُت عناصرها
على ذلك فإف أم نشاط انساين يضر بالبيئة ٌ
كمكوناهتا يعترب ٤ترما إلفضاء إُف ما هو ٤ترـ كهو اإلفساد للبيئة كمكوناهتا كلو كاف هذا النشاط
يف أصله مباحا إذ يصبح -يف هذ اٟتالة٤ -ترما لغَت كبذلك يصبح مبدأ سد الذرائع مصدران ٌثرا
كغنيا يف اٟتكم على التصرفات كاألنشطة البشرية إتا البيئة.
41
اإلسالم وقضايا العصر
د .مقاصد الشريعة١ :تقاصد الشريعة دكر كبَت يف توجيه النشاط اإلنساين كال شك أف
ا﵀افظة على البيئة تعترب من ا١تقاصد الضركرية يف الشريعة اإلسبلمية؛ ألف ا١تقاصد الضركرية هي
اليت ال بد منها يف قياـ مصاٌف الدارين ،كهي الكليات ا٠تمس:
"حفظ الدين كالنفس كالعقل كالنسل كا١تاؿ" كاليت ثبتت باالستقراء كالتنصيص يف كل أمة
(ُ)
كفقد هذ الكليات الضركرية يؤدم إُف عدـ استقامة اٟتياة كإُف كملة ،كيف كل زماف كمكاف
(ِ)
كمعلوـ أف مفسدات البيئة تتسبب يف ظواهر كونية مضطربة شيوع الفوضى كاالضطراب
كظاهرة التسخُت اٟترارم كظاهرة هتتك طبقة األكزكف كالظواهر ا١تناخية ا١ترتبطة بالعواصف
كاألعاصَت كالفيضانات٦ ،تا ٯتكن أف يع ٌد من شيوع الفوضى كاإلضطراب الكوين .باإلضافة إُف
ذلك فإف ا﵀افظة على البيئة تدخل يف أكثر من مقصد من ا١تقاصد الضركرية ،حيث تدخل يف
حفظ النفس ألف التلوث كالفساد البيئيُت يؤدياف إُف اإلضرار بالنفس اإلنسانية(ّ)؛ نتيجة تسرب
األشعة الضارة كنتيجة انتشار األدخنة كاألٓترة السامة اليت تقذفها مداخل ا١تصانع كالطائرات
كا١تركبات بأنواعها ٦تا يتسبب يف أمراض ٥تتلفة كالسرطاف بأنواعه ،كما تدخل يف حفظ ا١تاؿ
حيث يؤدم إفساد البيئة إُف اإلضرار با١تزركعات كيتسبب يف أمراض لئلنساف كاٟتيواف تستنزؼ
ثركات الناس كمصادر دخلهم(ْ).
هػ .السياسة الشرعية :كتتمثل يف القياـ على شأف الرعية من قًبىل كالهتم ٔتا يصلحهم من
األمر كالنهي كاإلرشاد كالتهذيب ،كما ٭تتاج إليه ذلك من كضع تنظيمات أك ترتيبات إدارية تؤدم
إُف ٖتقيق مصاٌف الرعية ّتلب ا١تنافع أك األمور ا١تبلئمة ،كدفع ا١تضار كالشركر أك األمور
41
اإلسالم وقضايا العصر
ا١تنافية )ُ(.كٯتكن للسياسة الشرعية أف تلعب دكرا كبَتا كمهما يف ا﵀افظة على البيئة من خبلؿ
سن القوانُت اليت من شأهنا أف تع ٌدؿ من السلوكيات ا٠تاطئة إتا بعض عناصر البيئة كتضمُت
مضر بالبيئة أك بعض عناصرها ،كما ٯتكن
تلك القوانُت عقوبات كغرامات مالية إتا أم سلوؾ ٌ
من خبلؿ االستناد إُف السياسة الشرعية إ٬تاد التنظيمات كالتعليمات اإلدارية للمحافظة على
البيئة كٛتايتها.
ك .العرؼ :هو كل قوؿ كفعل كترؾ اعتاد عليه الناس(ِ) ،كٯتكن للعرؼ باعتبار مصدرا
من مصادر التشريع أف يكوف مستندا إلجراءات كتدابَت تعمل على ٛتاية البيئة كا﵀افظة عليها من
خبلؿ سن األنظمة كالتعليمات اليت تصبح بعد سنها كالعمل ّٔا عرفا صاٟتا كصحيحا يستند إليه
يف ٛتاية البيئة.
(كتىػ ىع ىاكنيوا
ز .التعاكف الدكِف :التعاكف أمر مشركع كمطلوب بل قد يكوف كاجبا قاؿ تعاُف :ى
كال يقتصر األمر بالتعاكف على ا١تسلمُت اإل ًٍمث ىكالٍ يع ٍد ىك ًاف)
(ّ)
ىعلىى الًٍ ّْرب ىكالتَّػ ٍقول ىكىال تىػ ىع ىاكنيوا ىعلىى ًٍ
ى
كحدهم بل ٯتكن للدكؿ اإلسبلمية أف تعتمد مبدأ التعاكف مع الدكؿ غَت ا١تسلمة كهو ما يعرؼ
بالتعاكف الدكِف،حيث يشرع هذا النوع من التعاكف يف ا١تصاٌف ا١تشًتكة بُت الدكؿ سواء أكانت
تلك الدكؿ مسلمة أـ غَت مسلمة ،كال شك أف ا﵀افظة على البيئة كٛتايتها يعداف من أعظم
ا١تصاٌف ا١تشًتكة بُت الدكؿ كالشعوب قاطبة؛ ألف مصلحة ا﵀افظة على البيئة كٛتايتها ليست
قاصرنة على دكلة أك شعب بعينه كإ٪تا هي مصلحة مشًتكة عامة ٞتميع الدكؿ كالشعوب.
كتعترب اإلتفاقيات كا١تعاهدات الدكلية من أبرز مظاهر هذا التعاكف إذ ٬تب على الدكؿ
اإلسبلمية أف تقوـ بدكر فاعل كطليعي يف التنسيق الدكِف للمحافظة على البيئة كأف توقع على
ا١تعاهدات كاإلتفاقيات الدكلية العادلة يف هذا آّاؿ كأف تعمل على اإللتزاـ ّٔا كاحًتامها.
42
اإلسالم وقضايا العصر
أِىٗ ٛاملا:ٞ
َف يغفل اإلسبلـ أ٫تية ا١تاء يف استمرارية اٟتياة البشرية ،بل إف الشرع ا١تطهر كضع ا١تاء يف منزلته
كحاضان بطريقة ضمنية على ضركرة ا﵀افظة على هذا
ٌ ا١تناسبة ،الفتا بذلك األنظار إُف أ٫تية ا١تاء،
العنصر ا٢تاـ ،كاٗتاذ ما يلزـ من الوسائل إلدامة االنتفاع به ،كسد الذريعة إُف إفساد كتلويثه ،كقد
أبرز الشرع ا١تطهر أ٫تية ا١تاء من خبلؿ ٚتلة أمور ابرزها:
ُ .أف ا١تاء هو أكؿ ا١تخلوقات اليت خلقها ا﵁ سبحانه كتعاُف ﴿ :ىكيه ىو الَّ ًذم ىخلىق
ض ًيف ًست ًَّة أىيَّ واـ ىكىكا ىف ىع ٍر يشهي ىعلىى الٍ ىماء ليبلوكم أيكم أحسن عمبل﴾(ُ). َّ ً
الس ىم ىاكات ىكاأل ٍىر ى
ِ .اعترب الشارع اٟتكيم ا١تاء أصل ا١تخلوقات كلها من حيواف كإنساف كغَت ،كيكفي
للتدليل على أ٫تية ا١تاء يف خلق الكائنات أف نشَتإُف أف األْتاث العلمية أثبتت أف ما يزيد على
(ِ)
دؿ على هذا ا١تعٌت ّتبلء قوله
(َٗ )%من كزف أكثر الكائنات اٟتية هو من ا١تاء ،كقد ٌ
تعاُف ﴿:ىك ىج ىع ٍلنىا ًم ىن الٍ ىم ًاء يك َّل ىش ٍي وء ىحي﴾(ّ).
ّ .كيعترب ا١تاء أهم عامل يف تكوين الغطاء النبايت الذم ال يستغٍت عنه الكوف يف ٖتقيق
التوازف يف الغبلؼ اٞتوم بُت األكسجُت كثاين أكسيد الكربوف ،كيعترب الغطاء النبايت أيضا من
كسائل تغذية اإلنساف كاٟتيواف ،كلذا فإف ا١تاء يعترب عامبل حاٝتا يف التنمية الزراعية اليت بدكهنا ال
(ُ) هودٕ:
(ِ) قانوف ٛتاية البيئة ،صُٕٔ
(ّ) األنبياءَّ :
43
اإلسالم وقضايا العصر
ض ٍ ً
اٞتييرز فىػني ٍخر ي
ًج وؽ الٍ ىماءى إً ىُف ٍاأل ٍىر ً
يتحقق قواـ اٟتياة يف هذا الكوف .قاؿ تعاُف﴿ :أ ىىكىَفٍ يػىىرٍكا أىنَّا نى يس ي
صيرك ىف﴾(ُ). بًًه زرعا تىأٍ يكل ًمٍنه أىنٍػعامهم كأىنٍػ يفسهم أىفى ىبل يػب ً
يٍ ي ي ى يي ٍ ى يي ٍ ىٍ ن
ْ .يعترب ا١تاء ا١تكاف ا١تناسب الذم توجد فيه ثركات ٔتختلف أنواعها سواء أكانت ثركات
ٝتكية أـ ثركات معدنية ،فالبحار كا﵀يطات كاألهنار اليت تشكل ما يزيد عن (َٕ )%من مساحة
األرض تزخر بالثركات السمكية كاألمبلح ا١تعدنية ٔتختلف أنواعها .قاؿ تعاُف ﴿ :ىكيه ىو الَّ ًذم
ىس َّخىر الٍبى ٍحىر لًتىأٍ يكليوا ًمٍنهي ىٟتٍ نما طى ًريِّا ىكتى ٍستى ٍخ ًر يجوا ًمٍنهي ًح ٍليىةن تىػ ٍلبى يسونػى ىها ﴾(ِ)،
ٓ .كما تع ٌد البحار كا﵀يطات طرقا مناسبة لوسائل ا١تواصبلت اليت تنقل الناس كالبضائع
الكثَتة إُف أقاصي الدنيا ،كقد لعبت البحار هذا الدكر يف ٥تتلف العصور كال تزاؿ تلعبه حىت
أيامنا هذ ،كبالرغم من التطور ا٢تائل يف كسائل ا١تواصبلت األخرل الربية منها كاٞتوية ،إال أف
االعتماد األكرب يف نقل البضائع كالبًتكؿ كغَت من األدكات كا١تعدات الثقيلة إ٪تا يتم عن طريق
ضلًهً ً سخر لى يكم الٍبحر لًتج ًرم الٍ يف ٍل ً َّ َّ ً
ك ف ًيه بًأ ٍىم ًرً ىكلتىٍبتىػغيوا ًمن فى ٍ
ي البحر .قاؿ تعاُف﴿ :اللهي الذم َّ ى ي ى ٍ ى ى ٍ ى
ىكلى ىعلَّ يك ٍم تى ٍش يكيرك ىف﴾(ّ).
ٔ .كما أف للماء استعماالته الطبية الكثَتة ،اذ يستعمل ا١تاء مذيبا لبعض األدكية اليت
كح ىقنان يف األكردة كالشرايُت ،كإذا كاف الطب اٟتديث يوصي
تؤخذ إما شربا عن طريق الفم أك إبران ي
باستخداـ ا١تاء خافضا لدرجة حرارة اٞتسم باعتبار بديبل عن األدكية كالعقاقَت الكيماكية اليت ال
ٗتلو من مضاعفات جانبية فإننا ٧تد عليه الصبلة كالسبلـ يوصي بذلك يف قوله( :اٟتي ٌمى من
فىػٍيح جهنم فأبردكها با١تاء)(ْ).
44
اإلسالم وقضايا العصر
كبناء على ما تقدـ َف يكن مستغربا أف ٯتنت ا﵁ سبحانه كتعاُف على عباد با١تاء كيف هذا
اإلمتناف تنبيه كاضح إُف أ٫تية ا١تاء يف حياة اإلنساف كاٟتيواف ،ألف ا﵁ ال ٯتنت إال ٔتا له أ٫تية بالغة
يف تسهيل حياة اإلنساف على كجه هذ البسيطة ،كما أف يف هذا اإلمتناف دعوة كاضحة إُف عدـ
إفساد منن ا﵁ سبحانه كتعاُف كالتعدم عليها باإلستنزاؼ أك التلويث.
كاآليات القرآنية الدالة على امتناف ا﵁ سبحانه كتعاُف على عباد با١تاء كثَتة جدا ،كقد
انتظمت أكجه كثَتة لئلمتناف ،كاالمتناف بالشرب كالتطهَت ك٨تو٫تا ،.قاؿ تعاُف ﴿ :أىفىػىرأىيٍػتي يم الٍ ىماءى
الَّ ًذم تى ٍشىربيو ىف (ٖٔ) أىأىنٍػتي ٍم أىنٍػىزلٍتي يموي ًم ىن الٍ يم ٍزًف(ُ) أ ٍىـ ىٍ٨ت ين الٍ يمٍن ًزليو ىف ﴾(ِ)ك قوله سبحانه كتعاُف:
الس ىم ًاء ىماءن لًييطى ّْهىريك ٍم بًًه﴾(ّ).﴿ ىكيػينىػّْزيؿ ىعلىٍي يك ٍم ًم ىن َّ
الٍّ٘ عَ تمٕٖح املا:ٞ
ليحقق ا١تاء ا١تنافع اليت أشرنا إليها سابقا ،فبل بد من ا﵀افظة عليه من كافة أشكاؿ التلوث ،سواء
كانت أشكاؿ بدائية أك كيماكية معقدة ،كقد أكلت الشريعة اإلسبلمية ا﵀افظة على ا١تاء من
التلوث عناية فائقة ٯتكن إبراز أهم مبل٤تها يف النقاط التالية:
دؿ على ذلك حديث أيب هريرة
ُ .اف الشرع ا١تطهر هنى عن التبوؿ يف ا١تاء الراكد ،كما ٌ
لن أحدكم يف ا١تاء الدائم مث يغتسل منه)
رضي ا﵁ عنه كفيه قوله صلى ا﵁ عليه كسلم( :ال يبو ٌ
كيف ركاية (مث يتوضأ منه)(ْ) .كهذا النهي عن البوؿ يف ا١تاء الراكد ال يعٍت ْتاؿ ٕتويز يف ا١تاء
اٞتارم،كذلك ألف هذا النهي خرج ٥ترج الغالب كهو أف غالب بوؿ الناس أك غالب اغتسا٢تم
45
اإلسالم وقضايا العصر
كتوضئهم إ٪تا هو من ا١تاء الراكد .كيدؿ على ذلك ما ركل جابر( :أف رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه
كسلم هنى أف يباؿ يف ا١تاء اٞتارم)(ُ) .كهذا النهي يتناكؿ ما تقوـ به بعض الدكؿ من ٖتويل
لتصب يف البحر .فإذا كاف رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم قد هنى
ٌ ٣تارم بعض مدهنا الساحلية
ٕتر ميا آّارم اليت تقدر ٔتبلين ا١تًتات ا١تكعبة
األفراد عن ٣ترد البوؿ يف ا١تاء فكيف يتصور أف َّ
لتصب يف البحر أك يف ا﵀يط؟
فبل شك أف الفساد كالتلوث اٟتاصلُت من مثل هذ ا١تيا هو أعظم كأشد من التلوث
اٟتاصل من ٣ترد تبوؿ أفراد يف ماء راكد أك جار .كاٟتق أف النهي عن البوؿ يف ا١تاء فيه اشارة
كاضحة إُف كافة أكجه تلويث ا١تاء ،فيدخل يف ذلك تلويث بطرح ٥تلفات ا١تصانع الكيماكية
كغَتها ،كما يدخل أيضا تلويثه بدفن النفايات السامة أك النفايات النوكية فيه ٦تا يؤدم إُف هبلؾ
الكثَت من الكائنات البحرية ،األمر الذم ٮتل بالتوازف اٟتيوم يف البحار كما يستتبع ذلك من
اخبلؿ بالتوازف البيئي عموما.
كما ال ٗتلو التفجَتات النوكية يف أعماؽ البحار من أضرار بيئية خطَتة تضر بالبيئة
البحرية كتفسدها.
ِ .أمر ا١تسلمُت بالتأكد من تغطية االكاين كاألسقية اليت تكوف يف ا١تنازؿ .فأمر النيب
صلى ا﵁ عليه كسلم ا١تسلمُت بتغطية األكاين يف منازؿ الناس كبيوهتم منعا من تلويثها إما بوركد
اٟتيوانات كاٟتشرات عليها أك ٔتا ٯتكن أف يصلها من ميكركبات كجراثيم من كسط ا﵀يط ّٔا.
(ِ)
دؿ على ذلك ٣تموعة من األدلة الشرعية منها قوله صلى ا﵁ عليه كسلمٜ( :تٌركا آنيتكم)
كقد ٌ
(ُ) أخرجه الطرباين يف األكسط ،ج ِ ،صْْٔ ،رقم (َُٕٕ) ،كقاؿَ :ف يرك هذا اٟتديث عن األكزاعي إال
اٟتارث.
(ِ) أخرجه البخارم،جٓ،ص َِِّ ،رقم (ّٕٗٓ)،ك ج ّ ،صَُِٓ ،رقم (ُّّٖ) كمسلم ،ج ّ ،ص
َُْٗ ،رقم (َُِِ)
46
اإلسالم وقضايا العصر
كا١تراد بتخمَت اآلنية تغطيتها ؛ ألف لفظ التخمَت يف اللغة يدؿ على السًت كالتغطية كمنه ٜتار
ا١ترأة(ُ).كقوله صلى ا﵁ عليه كسلم( :غطوا اإلناء كأككئوا السقاء)(ِ).
ّ .كقد تعدل اإلهتماـ با١تاء كمصادر إُف النهي عن التنفس أك النفخ يف ا١تاء١ ،تا ٯتكن
(ّ)
دؿ على ذلك قوله
أف ينجم عن هذا النفخ من انتقاؿ للجراثيم إُف اإلناء ا١تنفوخ فيه ،كما ٌ
صلى ا﵁ عليه كسلم( :إذا شرب أحدكم فبل يتنفس يف اإلناء)(ْ) ،كهذا النهي يستلزـ ٖترمي
تلويث ا١تاء بأم ملوث كاف ؛ ألف مورد النهي يتناكؿ كل ا١تلوثات كليس التلويث با١تايكركبات
كاٞتراثيم فقط
ْ .كقد شدد الشارع اٟتكيم بشأف تلويث مصادر ا١تاء ،فع ٌد تلويث مصادر ا١تاء ٣تلبة
دؿ على ذلك قوله صلى ا﵁ عليه كسلم( :إتقوا ا١تبلعن الثبلث :الرباز يف ا١توارد
للعن ،كما ٌ
كقارعة الطريق كالظل)(ٓ).
يدؿ على شناعة هذا األمر كال ٗتفى داللته
إف ترتيب اللعن على التبوؿ يف موارد ا١تيا ٌ
على اإلهتماـ الكبَت الذم ٖتظى به مصادر ا١تيا من قبل الشارع اٟتكيم.
(ُ) الزبيدم٤ ،تمد مرتضى ،تاج العركس من جواهر القاموس ،منشورات دار مكتبة اٞتيل ،جّ ،صُٕٖ.
(ِ) أخرجه مسلم ،جّ ،ص ُْٗٓ ،رقم (َُِِ) ،كج ّ ،ص ُٔٗٓ ،رقم (َُِْ).
(ّ) العيٍت ،بدر الدين ،عمدة القارم شرح صحيح البخارم ،دار إحياء الًتاث العريب ،بَتكت ،جُِ،
صََِ ،قانوف ٛتاية البيئة ،ص ُٕٓ.
(ْ) أخرجه البخارم ،جُ ،ص ٗٔ ،رقم (َِِ).
(ٓ) أخرجه أبو داكد ،جُ ،صٕ ،رقم (ِٔ) ،كأٛتد ،جُ ،ص ِٗٗ ،رقم (ُِٕٓ) ،كالطرباين يف ا١تعجم
الكبَت ،جَِ ،ص ُِّ ،رقم (ِْٕ).
47
اإلسالم وقضايا العصر
هذا التبذير كذاؾ اإلسراؼ من إستنزاؼ للثركة ا١تائية كإهدار ١تصادرها كتعطيل لكثَت من ا١ترافق
اليت يلعب ا١تاء دكرا هاما يف ادامة اإلستفادة منها.
إف االستنزاؼ اٞتائر ١تصادر ا١تيا يعد من اخطر ملوثات البيئة كذلك ١تا يلي:
ُ -إف هذا االستنزاؼ يؤدم اُف ارتفاع نسبة ا١تلوحة يف ا١تاء٦ ،تا ٬تعل ا١تاء عاجزا عن
ٖتقيق االهداؼ كا١تصاٌف ا١تتوخاة من استعماله يف الزراعة كالشرب كغَت٫تا.
ِ -إف نضوب ا١تاء أك ندرتة ،يؤدياف إُف تلوث البيئة ،كذلك لعدـ توفر ا١تاء الكايف
للتطهَت كالتنظيف.
ّ -إف اإلسراؼ يف استعماؿ ا١تاء لؤلغراض ا١تنزلية يؤدم إُف ٖتويل كميات كبَتة من ا١تيا
الصاٟتة النقية إُف ميا عادمة ،كال شك أف ا١تيا العادمة تعد من أكثر ملوثات البيئة ،كما أف
تدفق ا١تبليُت من األمتار ا١تكعبة من ا١تيا العادمة إُف ٤تطات التنقية يلحق ضررا بالغا ّٔذ
ا﵀طات،كيضعف قدرهتا على التنقية ،إلف ا١تيا العادمة ا١تتدفقة تزيد عن طاقتها ،كهذا بدكر
يؤدم إُف تراجع كا٩تفاض يف مستويات التنقية ،فإذا استعملت هذ ا١تيا أصبحت من أخطر
ملوثات البيئة كما أف تراجع مستويات التكرير كالتنقية يؤدم إُف انتشار الركائح الكريهة ا١تنبعثة
من بعض هذ ا﵀طات كاليت قد تنتشر إُف مسافات بعيدة ،كرٔتا كاف بعض هذ ا﵀طات قريبا
من ٕتمعات سكانية كما أف االسراؼ يف ا١تأكل كا١تشرب كا١تلبس يؤدم إُف ضغط كبَت على
موارد البيئة كمقدراهتا كٮتل إخبلال بيٌنا بتوازف اٟتيوم يف هذ البيئة.
كقد سبق اإلسبلـ غَت يف كضع ا١تبادئ كالتعليمات كالتوجيهات اليت ٖتوؿ دكف استنزاؼ
ا١تيا ،كمن هنا فقد هنى الشارع اٟتكيم عن التبذير كاإلسراؼ يف استعماؿ ا١تاء ٦تا يؤدم اُف
استنزافه كنضوبه ،كقد كاف النهي عن استنزاؼ ا١تاء كاإلسراؼ يف استعماله يف إتاهُت:
االٕتاة االكؿ:النصوص الناهيه عن االسراؼ عموما كاليت يدخل يف عمومها اإلسراؼ يف
استعماؿ ا١تاء ،فقد هنى ا﵁ سبحانه كتعاُف عن االسراؼ يف الطعاـ كالشراب.قاؿ ا﵁ تعاُف:
48
اإلسالم وقضايا العصر
ً (كيكليوا ىكا ٍشىربيوا ىكىال تي ٍس ًرفيوا إًنَّهي ىال يً٭ت ُّ
ب الٍ يم ٍس ًرف ى
ُت)(ُ)،فقد راينا كيف أخرب ا﵁ سبحانه كتعاُف اف ى
االسراؼ يف امور الطعاـ كالشراب ٣تلبه لبغضه كعدـ حبه ،كال شك يف أف أم مسلم يهوله ٌأال
٭تبه ا﵁ سبحانه كتعاُف ،االمر الذم يدفعه اُف اجتناب كل امر يستجلب بغضه سبحانه كتعاُف.
كمن هذ النصوص أيضا قوله صلى ا﵁ عليه كسلم( :كل كاشرب كتصدؽ من غَت
إسراؼ كال ٥تيلة)(ِ) ،كهذا أمر نبوم لكل مسلم بأف ٬تتنب اإلسراؼ يف مأكله كيف مشربه.
كإذا كانت النصوص القرآنية كالنصوص النبوية ا١تطهرة قد هنت عن اإلسراؼ يف األكل
كالشرب اللذين يعداف من الضركرات إلقامة اٟتيا كإدامتها فبل شك أف النهي عن اإلسراؼ يف
ا١تاء لغَت ضركرة سيكوف آكد كآكُف ،كال شك أف اإلسراؼ يف ا١تأكل كا١تشرب يؤدم إُف
استنزاؼ مصادر البيئة،كما أنه يساعد يف طرح الفضبلت اآلدمية اليت تعترب من أكثر ملوثات
للبيئة.
اإلٕتا الثاين :النصوص اليت جاءت تنهى عن اإلسراؼ يف ا١تاء بصفة خاصة.
لقد هنى الشارع اٟتكيم عن اإلسراؼ يف استعماؿ ا١تاء كإف كاف ذلك يف عبادة هي من
أشرؼ العبادات كأجلها كهي الطهارة اليت تعد مفتاح الصبلة.
كمن النصوص الدالة على ذلك:
ُ -ما ركل عبد ا﵁ بن عمر رضي ا﵁ عنهما أف رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم مر
السىرؼ يا سعد؟) ،فقاؿ :كهل يف ا١تاء ىسىرؼ يا رسوؿ ا﵁؟ بسعد كهو يتوضػأ فقاؿ(:ما هذا ى
قاؿ( :نعم ،كإف كنت على هنر جا ور)(ّ).فأنت ترل أنه عليه الصبلة كالسبلـ َف يعترب ٣ترد ندرة
49
اإلسالم وقضايا العصر
ا١تاء كقلته ا١تربر لعدـ اإلسراؼ يف استعماؿ ا١تاء ،بل إنه عليه الصبلة كالسبلـ هنى عن اإلسراؼ
حىت مع كثرة ا١تاء كتوفر ،كما دؿ على ذلك قوله(:كإف كنت على هنر جار).
فليت الدكؿ اليت يكثر فيها ا١تاء تفطن إُف هذا ا١تعٌت فتمتنع عن اإلسراؼ يف استعماؿ
ا١تاء ألف ما كاف كثَتا يف زماف سيؤكؿ إُف القلة باستنزافه كاإلسراؼ فيه كتبذير ،كما أف هذ
دعوة إُف األفراد القادرين الذين ال يعانوف من شح ا١تيا لكي ال يعتربكا كفرة ا١تاء أك قدرهتم على
دفع ٙتنه مسوغا للتبذير كاإلسراؼ فيه،انسجاما مع ا٢تدم النبوم الشريف الذم سبقت اإلشارة
إليه.
ِ -حديث عمرك بن شعيب عن أبيه عن جد رضي ا﵁ عنهم قاؿ:جاء أعرايب إُف النيب
صلى ا﵁ عليه كسلم يسأله عن الوضوء،فأرا ثبلثا،مث قاؿ(:هذا الوضوء،من زاد على هذا فقد
أساء كتعدل كظلم)(ُ) .فإذا كاف النيب صلى ا﵁ عليه كسلم يسمي الزيادة على الغسله الثالثه يف
الوضوء تعديا كإساءة كظلما مع اف الزيادة إ٪تا كانت يف أمر طهارة كعبادة ،فكيف باإلسراؼ
فيما ليس بعبادة!
ّ -كقد طبق عليه الصبلة كالسبلـ هذة التوجيهات على نفسه من الناحيه العمليه مقدما
ا١تثاؿ كالقدكة على عدـ اإلسراؼ يف استعماؿ ا١تاء .فقد ركم عنه صلى ا﵁ عليه كسلم انه كاف
يغتسل بالصاع كيتوضأ با١تد (ِ).كالصاع النبوم ال يكاد يزيد عن لًتين كنصف كاما ا١تد فهو ربع
صاع ام ما يساكم ِٓٔ مل من ا١تاء ،حىت أف أحد التابعُت ١تا ركم له هذا اٟتديث،قاؿ :إف
هذا ال يكفي فقاؿ ابن عباس رضي ا﵁ عنه :لقد كاف يكفي من هو خَت منك (ّ).
(ُ) اخرجه النسائي يف كتاب الطهارة رقم (َُْ)،كاٛتد يف ا١تسند يف مسند ا١تكثرين من الصحابه رقمّٕٗٔ.
(ِ) اخرجه البخارم يف كتاب الوضوء ،جُ ،صْٖ،رقم(ُٖٗ)،كمسلم يف كتاب اٟتيض ،جُ ،صِٖٓ،
رقم(ِّٓ).
(ّ) اخرجه اٛتد يف مسندة يف مسند بٍت هاشم رقم(ِْٕٗ).
51
اإلسالم وقضايا العصر
كما طبق عليه الصبلة كالسبلـ هذ التوجيهات عندما كاف يغتسل كإحدل زكجاته من
إناء كاحد ٗتتلف ايديهما فيه (ُ).فإذا كانت النصوص السابقة كغَتها كثَت٘،تنع اإلسراؼ يف
أستعماؿ ا١تاء يف الضركرات كاالكل كالشرب كالعبادة فمنع اإلسراؼ يف استعماله يف غَت األشياء
الضركرية كهو كثَت يف ايامنا هذ من باب أكُف.
(ُ) أخرجه البخارم عن عائشة رضي ا﵁ عنها قالت( :كنت أغتسل أنا كرسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم من
إناء كاحد ٗتتلف أيدينا فيه جُ،صَُّ،رقم(ِٖٓ)
(ِ) أخرجه مسلم يف كتاب الطهارة ،باب فضل الوضوء،من حديث أيب مالك األشعرم ،جُ ،صَِّ،
حديث رقم(ِّّ).
51
اإلسالم وقضايا العصر
ال تلحق ضررا بالبيئة عموما كالبيئة الربية على كجه ا٠تصوص ،فلفظ الطهور لفظ عاـ ال ٮتتص
بالنظافة الشخصية كحدها ،بل ٯتكن تعدية مفهومه ليشمل النظافة البيئية عموما.
ِ .إف هذ التعاليم الغراء قد بدأت باألمر بالطهارة كالنظافة منذ أكؿ نزكؿ لقبسات
الوحي ،فبالرغم من أف األكامر القرآنية ا١تتضمنة للتكاليف الشرعية العملية التفصيلة قد تأخرت يف
طلبها إُف ا١ترحلة ا١تدنية ،إال أننا ٧تد أف األمر بالطهارة كالنظافة كاجتناب األكساخ كالقذارة قد
كاف منذ البدايات األكُف لنزكؿ الوحي اإل٢تي ،كيدؿ على ذلك قوله تعاُف﴿ :يىا أىيػُّ ىها الٍ يم َّدثػّْير (ُ)
ً
الر ٍجىز فى ٍاه يج ٍر (ٓ) ﴾(ُ)، ك فى ىكبّْػ ٍر (ّ) ىكثًيىابى ى
ك فىطى ّْه ٍر (ْ) ىك ُّ قي ٍم فىأىنٍذ ٍر (ِ) ىكىربَّ ى
كهذا االجتناب لؤلنداس كاألرجاس لشمل يف مفهومه كل ا١تلوثات إذا كانت ا١تلوثات
البسيطة البدائية كاألكساخ كالنجاسات مأمورا باجتنأّا ،فبل شك أف ا١تلوثات ا١تعقدة كاالكثر
خطرا مأمور باجتنأّا من باب أكُف؛ ألف التلويث اٟتاصل منها أفدح خطرا من التلويث اٟتاصل
باألكساخ كالنجاسات اليسَتة.
ّ .إف الشريعة اإلسبلمية قد اعتربت النظافة كالطهارة دينا يتقرب به ا١تسلم إُف ا﵁ تعاُف
كتتجلى عناية الشريعة يف اعتبار تنظيف الطرؽ العامة كازالة األكساخ كالقاذكرات منها ٣تلبة لؤلجر
دؿ على ذلك قوله عليه الصبلة كالسبلـ( :تبسمك يف كجه
كا١تثوبة عند ا﵁ سبحانه كتعاُف كما ٌ
أخيك صدقة ،كإماطتك األذل عن الطريق صدقة)(ِ) كال شك بأف ا١تراد باألذل كل ما يؤذم
الناس يف صحتهم كيف مشيهم كيف ذكقهم ،فيدخل فيه كافة األكساخ اليت تكوف يف الطريق ،كإذا
كاف ا١تؤمن مأمورا بإماطة األذل عن الطريق ،فبل شك بأنه مأمور من باب أكُف بأف ال يساهم
يف طرح األكساخ يف الطريق من خبلؿ رميه القاذكرات كغَتها فيها.
(ُ) ا١تدثر.ٓ-ُ:
(ِ) اخرجه الًتمذم يف كتاب الرب كالصلة ،حديث رقم (ُٕٖٗ) ،من حديث أيب ذر رضي ا﵁ عنه.قاؿ أبو
عيسى:هذا حديث حسن غريب.
52
اإلسالم وقضايا العصر
كليست اماطة األذل ا١تأمور ّٔا يف اٟتديث مقصورا على األكساخ كالقاذكرات ا١تعتادة
كا١تعركفة ،بل إف ا١تلوثات األكثر إيذاء للبيئة كالكائنات ا١توجودة فيها من إنساف كحيواف كحىت
نبات داخلة يف األمر باإلماطة –أم اإلزالة -من باب أكُف ،كعليه فإف الشرع يأمرنا بإزالة كل
أذل تعترب ازالته صدقة كقربة إُف ا﵁ تعاُف.
أشكاؿ التلويث كيعترب ذلك ن
ْ .إف الشريعة اإلسبلمية قد جعلت عدـ اإلهتماـ بالنظافة ٣تلبة للعذاب يف اآلخرة ،كما
دؿ على ذلك قوله صلى ا﵁ عليه كسلم( :استنزهوا من البوؿ فإف عامة عذاب القرب منه)(ُ) ،إف
ٌ
ربط الشريعة بُت عدـ مراعاة النظافة كبُت العذاب له أثر البالغ يف دفع ا١تسلم لئللتزاـ اٞتازـ الذم
يًتتب على اإلخبلؿ به العقوبة األخركية بل اف النصوص ا١ترتبة العذاب الشديد على من ال
يستنز من القاذكرات ٯتكن أف تكوف سندا للدكلة يف كضع العقوبات الدنيوية الرادعة يف حق كل
من يتعدل على البيئة بطرح ا١تلوثات فيها ،سواء أكاف ا١تقذكؼ من األفراد أـ ا١تصانع أـ
ا١تؤسسات كإف يف العقوبة التعزيرية ّٓاالت رحبة للدكلة كي تضع العقوبات الدنيوية ا١تناسبة،
اليت ٯتكن أف تقنن من خبلؿ سن التشريعات كالقوانُت اليت ترتب العقوبات التعزيرية كالغرامات
على ا١تخالفات البيئية،
ٓ .كتبلغ الشريعة اإلسبلمية ذركهتا يف التشديد كاإلعظاـ يف النكَت على طرح ا١تلوثات يف
دؿ على ذلك قوله
األماكن العامة كالطرؽ كأماكن الظل ،عندما تعترب هذا الفعل ٣تلبة للعن ،كما ٌ
عليه الصبلة كالسبلـ( :اتقوا ا١تبلعن الثبلث ،قالوا :يا رسوؿ ا﵁ ،كما هي؟ قاؿ :الرباز يف ا١توارد،
كعلى قارعة الطريق ،كيف أماكن الظل)(ِ).
(ُ) أخرجه الدارقطٍت يف كتاب الطهارة ،باب ٧تاسة البوؿ ،جُ ،صُِٖ
(ِ) سبق ٗتر٬ته.
53
اإلسالم وقضايا العصر
(ُ) فصلتُُ-ٗ:
(ِ) ا١تلكُٓ :
54
اإلسالم وقضايا العصر
الذم يقذفه البشر من خبلؿ التنفس الطبيعي ٢تم ،كمن خبلؿ ٦تارسة أنشطتهم الصناعية كغَتها،
كما يطرح األكسجُت الذم يتناقص من خبلؿ ذلك التنفس كتلك ا١تمارسات ،فيحافظ بذلك
(ُ)
على التوازف الدقيق بُت هذين الغازين كهو التوازف ا١تطلوب باستمرارية اٟتياة البشرية
كما ال ٮتفى أثر الغطاء النبايت يف إعاشة العنصرين األخرين اللذين يقاٝتانه البيئة الربية.
(ِ)
كال ننسى مسا٫تته يف تلطيف البيئة الربية .كاٟتد من درجات اٟترارة ،كمقاكمة التصحر.
كقد عٍت اإلسبلـ با﵀افظة على الغطاء النبايت من خبلؿ ٚتلة اكامر يف السنة النبوية
ا١تطهرة يفهم منها اٟتض على تنمية الغطاء الزراعي .قاؿ صلى ا﵁ عليه كسلم( :ما من مسلم
(ّ)
يغرس غرسا أك يزرع زرعا فيأكل منه طَت أك انساف أك ّٔيمة إال كاف له به صدقة)
ككاضح من هذا اٟتديث أف النيب صلى ا﵁ عليه كسلم قد كجه ا١تؤمنُت إُف زراعة الغراس،
كإف َف تكن ٢تم فيها فائدة دنيوية ،ككأنه عليه الصبلة كالسبلـ يوجه ا١تؤمنُت إُف أف يغرسوا الغراس
١تنافع غَتهم ،كيبلغ األمر النبوم الشريف غايته يف اٟتض على الزراعة عندما يأمر ا١تسلم بأف
يغرس الفسيلة اليت يف يديه ،كلو قامت الساعة عليه كهو يغرسها .قاؿ صلى ا﵁ عليه كسلم( :إذا
قامت القيامة كيف يد أحدكم فسيلة فإف استطاع أال يقوـ حىت يغرسها فليغرسها)(ْ) ،كال ٮتفى أف
مراد صلى ا﵁ عليه كسلم من هذا اٟتديث ا١تبالغة يف اٟتىض على الزراعة كتنمية الغطاء النبايت.
اٟتض على تنمية القطاع الزراعي ّٔذا القدر من األ٫تية فبل شك أف اإلسبلـ يرشد من
كإذا كاف ٌ
خبلؿ هذ النصوص كغَتها إُف العمل على إدامة الغطاء النبايت كعدـ التعدم عليه بالقطع اٞتائر
(ُ) جرعتلي٣ ،تد ،أ٫تية كفوائد الغطاء النبايت الطبيعي لئلنساف كالبيئة كأساليب تنميته ك حفظه ،صُ.
(ِ) الًتبية البيئية ك دكرها يف مواجهة مشكلة البيئة صفحة ّٕ ْٕ-الزيدم ،كاصد ياسر ،الطبيعة يف القرآف
الكرمي ،صفحة َٗ
(ّ) أخرجه البخارم ج ِ ،ص ُٕٖ ،رقم (ُِٓٗ) ،كمسلم جّ ،ص ُُٖٗ ،رقم (ُّٓٓ).
(ْ) أخرجه أٛتد يف ا١تسند ،جّ ،صُّٖ ،رقم (ُِِٓٗ) ،ص ُُٗ ،رقم (ََُّْ) ،كأبو داكد
الطيالسي يف مسند ،صِٕٓ ،رقم (َِٖٔ).
55
اإلسالم وقضايا العصر
يفوت ا١تنافع ا١تتوخاة من هذا الغطاء ،بل إننا لنجد أف الشارع اٟتكيم ٭ترـ قطع الشجر
الذم ٌ
حىت يف اٟترب كما يف قوله صلى ا﵁ عليه كسلم( :كال تقطعوا شجرا مثمرا)(ُ).
إف القطع اٞتائر لؤلشجار يؤدم إُف مفاسد كثَتة تلحق بالبيئة الربية ،كإف كاف ٭تقق لقاطعيه
مصاٌف آنية ضيقة ،كاٟتق أف إعماؿ القواعد الشرعية يدفع إُف القوؿ ْترمة التعدم على الغطاء
النبايت باألعماؿ ا١تلوثة كالضارة )ِ(.كهناؾ ٚتلة قواعد ٯتكن استحضارها يف هذا آّاؿ منها:
ُ .قاعدة (درئ ا١تفاسد أكُف من جلب ا١تصاٌف)(ّ) كبإعماؿ هذ القاعدة ٯتكن اٞتزـ
ْترمة التعدم على الغطاء النبايت بالقطع أك بالتلويث ،كإف كاف هذا الفعل ٭تقق مصاٌف ،كذلك
رعاية ٞتانب ا١تفسدة يف ذلك الفعل الراجح على جانب ا١تصلحة فيها ألنه إذا ترتب على الفعل
الواحد جلب مصلحة كدرء مفسدة فإنه ال يشرع ذلك الفعل درء للمفسدة الناشئة عن اإلتياف
به .فا١تصلحة الضيقة كالشخصية اليت ٭تققها القطع لقاطعي األشجار استعما٢تا ألغراض ٥تتلفة
تعارضها مفسدة راجحة تتمثل يف تقليل ا١تساحات ا١تزركعة كما يتبع ذلك من انعكاسات سلبية
على البيئة.
ِ .قاعدة (ما ال يتم الواجب إال به فهو كاجب)(ْ) فبل شك أف ا﵀افظة على الغطاء
النبايت من أكجب الواجبات ،كهي ال تتأتى إال بتحرمي التعدم عليه كاستنزافه بالقطع اٞتائر الذم
يؤدم يف الغالب إُف اإلخبلؿ بالتوازف البيئي.
ّ .ال ضرر كال ضرار :إف هذ القاعدة ٘تنع إٟتاؽ الضرر ،كهي بعمومها دالة على منع
اإلضرار بالغطاء النبايت ،خاصة إذا علمنا أف اإلضرار بالغطاء النبايت يستتبع أضرارا أخرل كثَتة
تلحق بالتوازف البيئي.
(ُ) أخرجه البيهقي يف السنن ،جِ ،ص َٗ ،كابن أيب شيبة ا١تسمى ،جٔ ،صّْٖ.
(ِ) قانوف ٛتاية البيئة ،صِِْْٖٗ-
(ّ) حيدر ،علي ،درر األحكاـ شرح ٣تلة األحكاـ ،دار اٞتليل ،بَتكت ،طُ ،جُ ،صُُُْٗٗ ،ـ.
(ْ) الندكم ،علي أٛتد ،قواعد الفقهية ،دار القلم ،دمشق ،طّ ،صَُُْْْ ،هػُْٗٗ/ـ.
56
اإلسالم وقضايا العصر
ْ .تصرؼ اإلماـ على الرعية منوط با١تصلحة :إذ أف يف ادامة الغطاء النبايت ،عرب منع
التعدم عليه ،مصلحة ظاهرة كراجحة.
كمن اٞتدير بالذكر انه إذا ارتأت الدكلة اإلسبلمية أف تسن التشريعات اليت ٘تنع قطع
األشجار كالتعدم عليها رعاية ١تصاٌف العامة فإف قطع هذ األشجار يصبح ٤ترما كإف كاف مباحا
باألصل بناءن على سلطة كِف األمر يف تقييد ا١تباح.
كما عملت الشريعة الغراء من خبلؿ منظومة من التشريعات على زيادة مساحة األراضي ا١تزركعة
كما ينطوم عليه ذلك من منافع بيئية ،كمن هذ التشريعات:
أ٣ -تموعة من النصوص التشريعية اليت ٖتض ا١تسلمُت على زراعة األرض كالتوسع يف
ذلك ،كقد سبقت االشارة إُف بعضها قبل قليل.
ب -احياء األرض ا١توات ،كاألرض ا١توات( :هي أرض خارج البلدَ ،ف تكن ملكا
ألحد ،كال حقا له خاصة)(ُ) كقد شرع اإلسبلـ اٟتنيف االنتفاع ّٔذ األرض ا١توات من خبلؿ
حث ا١تسلمُت على إحياء هذ األرض باستصبلحها كزراعتها ،كترغيب ٤تييها باألجر من ا﵁
سبحانه كتعاُف كما دؿ على ذلك قوله صلى ا﵁ عليه كسلم( :من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر،
كما أكلت العوايف(ِ) منها فهو له صدقة)(ّ) ،كَف يكتف الشرع ا١تطهر يف حث ا١تسلمُت على
(ُ) الكاساين ،عبلء الدين ،بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع ،جٔ صُْٗ ،دار الكتاب العريب ،بَتكت،
ُِٖٗ
قاؿ أبو ٤تمد :العافية الطَت ك غَت ذلك ،الدارمي ،جِ،ص ّْٕ ،كقاؿ أبو حامت :هم طبلب الرزؽ ،صحيح
ابن حباف،جُُ ،صُٔٔ(ِ)
(ّ)أخرجه الدارمي يف سننه ،جِ ،صّْٕ ،برقم (َِٕٔ) كاإلماـ أٛتد يف مسند ،جّ،صَّْ،
برقم(َُُّْ).
57
اإلسالم وقضايا العصر
إحياء األرض ا١توات بًتتيب األجر األخركم –على أ٫تيته -بل ٧تد يقرف ذلك بتقدٯته اٟتوافز
الدنيوية من خبلؿ ٘تليك ا١تسلم األرض اليت أحياها كما دؿ على ذلك نصوص كثَتة منها:
(ُ)
ُ .قوله صلى ا﵁ عليه كسلم( :من أعمر أرضا ليست ألحد فهو أحق ّٔا)
(ِ)
ِ .قوله صلى ا﵁ عليه كسلم( :من أحيا أرضا ميتة فهي له)
كالفقهاء متفقوف على مشركعية إحياء األرض ا١توات ،كإف كانوا ٥تتلفُت يف الشركط
ا١تعتربة لذلك اإلحياء٦ ،تا يضيق آّاؿ عن تفصيله يف هذ العجالة،
ج -اإلقطاع :كهو أف تقوـ الدكلة بإقطاع األرض كمنحها ١تن عليها ،كيكوف ا١تقطع له يف
(ّ)
كٮتتلف اإلقطاع عن اإلحياء ،يف أف اإلقطاع بأمر من هذ اٟتالة أحق بإحيائها من غَت .
اإلماـ ،بينما يكوف اإلحياء ٔتبادرة من الشخص الذم يريد اإلحياء ،كقد دؿ على مشركعية
اإلقطاع أحاديث منها:
ُ .حديث عبد الرٛتن بن عوؼ كفيه( :أقطعٍت رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم كعمر بن
(ْ)
ا٠تطاب أرض كذا ككذا)
ِ .حديث أٝتاء بنت أيب بكر كفيه أهنا قالت( :كنت أنقل النول من أرض الزبَت اليت
(ٔ)
أقطعها رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم على رأسي كهو مٍت على ثلثي فرسخ(ٓ) ...اٟتديث)
(ُ) أخرجه البخارم يف كتاب ا١تزارعة ،رقم اٟتديث (َُِِ) من حديث عائشة رضي ا﵁ عنها
(ِ) أخرجه أبو داككد يف سننه ،جّ ،صُٖٕ ،رقم(َّّٕ) ،كالًتمذم يف سننه ،جّ ،ص ِٔٔ،
رقم(ُّٕٖ).
(ّ) ا١تاكردم ،األحكاـ السلطانية،ص َُٗ.ُُٗ-
(ْ) أخرجه أٛتد يف ا١تسند ،يف مسند العشرة ا١تبشرين باٞتنة ،جُ ،صُِٗ ،رقم(َُٕٔ) ،من حديث عبد
الرٛتن بن عوؼ ،كالبيهقي يف السنن الكربل ،جَُ ،ص ُِْ ،رقم(َُُِٖ).
(ٓ) فرسخ :كحدة مسافة تقدر بُٔ كم
ْ أخرجه البخارم ،جّ،صُُْٗ ،رقم(ِِٖٗ).
58
اإلسالم وقضايا العصر
كاٟتق أف إحياء األرض ا١توات يساهم مسا٫تة كبَتة يف ا﵀افظة على التوازف البيئي بل كيساهم
أيضا يف ٖتسُت ظركؼ البيئة ،كتيسَت سبل اٟتياة للناس ٚتيعا كذلك ألف هذا اإلحياء ٭تقق ٚتلة
فوائد منها:
ُ .زيادة ا١تساحة ا١تزركعة كبالتاِف زيادة الغطاء النبايت ٦تا يؤدم إُف ٖتسُت الظركؼ البيئية
من خبلؿ ا﵀افظة على التوازف بُت غازم األكسجُت كثاين أكسيد الكربوف.
ِ .يؤدم الغطاء النبايت إُف تلطيف اٞتو أك ٗتفيض درجات اٟترارة ،كال ٮتفى أثر ذلك
يف منع التسخُت اٟترارم ذم العواقب الوخيمة على البيئة كلها(ُ).
ّ .يسهم الغطاء النبايت يف اٟتد من الزحف الصحراكم (التصحر) (ِ) ،ليس هذا
فحسب ،بل إنه ٯتكن بإحياء األرض ا١توات إستصبلح ا١تزيد من األراضي الصحراكية ،كجعلها
أراضي منتجة ٘تد آّتمع بالغذاء.
ْ .كما يؤدم إحياء األرض ا١توات إُف التخفيف من الضغط العمراين يف ا١تدف كما
يستتبع ذلك من ضغط على ا٠تدمات كا١ترافق العامة(ّ) من ميا ك٣تار ،ك٨تو ذلك كيساهم يف
توزيع سكاين أقل كثافة كأكثر ٖتقيقا للمتطلبات الصحية ا١تناسبة.
كال تقتصر عناية الشريعة يف ٛتاية الًتبة كزيادة ا١تساحات ا١تزركعة على إحياء األرض ا١توات بل
أهنا سنت من التشريعات كالعقود ما يساهم يف ا﵀افظة على األرض الصاٟتة للزراعة كزيادة
رقعتها ،كمن هذ العقود:
أ .ا١تزارعة :كهو أف يقوـ صاحب األرض بدفع أرضه ١تن يزرعها مقابل جزء مشاع معلوـ
(ْ)
كيف هذا العقد ٬تتمع ملك صاحب األرض مع جهد ا١تزارع ،فليس كل من ناتج األرض
59
اإلسالم وقضايا العصر
صاحب أرض لديه القدرة على زراعة أرضه كليس كل من لديه ا٠تربة الزراعية مالكا ألرض
يزرعها.
ب .ا١تساقاة :كهي عقد يقوـ ٔتوجبه صاحب الشجر بدفع شجر ١تن يسقيه كيقوـ بكافة
األعماؿ البلزمة كالتسميد كالقطاؼ كغَت ذلك مقابل جزء معلوـ من ٙتر كقد ٝتي هذا العقد
(ُ)
كمن األدلة على مشركعية هذين العقدين حديث ابن با١تساقاة ألف السقي هو أهم أعماله
(ّ)
عمر كفيه" :عامل النيب صلى ا﵁ عليه كسلم أهل خيرب بشطر(ِ) ما ٮترج منها من ٙتر أك زرع"
(ُ) هناية ا﵀تاج ،جٓ ،صِِْ ،مغٍت ا﵀تاج ،جِ ،صِِّ ،كشاؼ القناع ،جّ،صِّٓ
(ِ) بنصف.
(ّ) أخرجه البخارم يف صحيحه ،جِ،صَِٖ ،رقم اٟتديث (ُِٓٔ).
(ْ) النحلٕ-ٓ :
61
اإلسالم وقضايا العصر
(ُ)
حض اإلسبلـ على الرفق باٟتيوانات ،سابقا بذلك
ِ .الرفق ّٔذ اٟتيوانات :لقد ٌ
ٚتعيات الرفق باٟتيواف اليت تدعي السبقة إُف هذا ا١تبدأ .كتتجلى رٛتة اإلسبلـ باٟتيواف من خبلؿ
اٟتديث عن عقوبات عوقب ّٔا من َف يرفق باٟتيواف كالثواب الذم اثيب به من رفق ّٔا ،فها هو
النيب صلى ا﵁ عليه كسلم ٭تدثنا عن امرأة دخلت النار يف هرة ،فبل هي أطعمتها كال هي تركتها
تأكل من خشاش األرض(ِ) كيف ا١تقابل ٮتربنا النيب صلى ا﵁ عليه كسلم عن بغي من بٍت اسرائيل
(ّ)
لسانه من العطش فنزعت غفر ا﵁ ٢تا بصنيعها إُف كلب عندما رأته يركض كيلهث ،يدلع
موقها(ْ) فمؤلته ماءن كسقته منه فقاؿ صلى ا﵁ عليه كسلم( :فشكر ا﵁ ٢تا كغفر ٢تا)(ٓ) ليس هذا
فحسب ،بل إف الرفق باٟتيواف ٯتتد إُف الرفق به عند اإلنتفاع ركوبا أك ٛتبل أك حىت ذْتا ،قاؿ
رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم( :إف ا﵁ كتب اإلحساف على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة
كإذا ذْتتم فأحسنوا الذْتة ،كليح ٌد أحدكم شفرته كلَتح ذبيحته)(ٔ) ،كهنى رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁
عليه كسلم أف يقتل شيئا من الدكاب صربا(ٕ))(ٖ) كعندما كانت عائشة رضي ا﵁ عنها مع النيب
61
اإلسالم وقضايا العصر
صلى ا﵁ عليه كسلم يف سفر على بعَت صعب فجعلت تصرفه ٯتينا كمشاال فقاؿ ٢تا :يا عائشة
(ِ) (ّ)
عليك بالرفق فإنه ال يدخل يف شيء إال زانه(ُ) ،كالينزع من شيء إال شانه )
ّ .اٟتفاظ على الثركة اٟتيوانية كعدـ استعما٢تا يف غَت منفعه :اف اٟتكمة من خلق
اٟتيوانات ٖتقيق منافع بيئية كاخرل تتعلق باالستخداـ كاالنتفاع البشريُت ،كمن اهم ا١تنافع البيئية
اليت تتأتى من خبلؿ ا﵀افظة على الثركة اٟتيوانية ٖتقيق التوازف البيئي بُت عناصر البيئة كمكوناهتا،
من حيواف كنبات كتربة كهواء ك٨تو ذلك ،كما اف ا﵀افظة على الثركة اٟتيوانية كتنميتها تساهم يف
استمرارية الدكرة البيئية(ْ) ،كال شك يف أف استنزاؼ الثركة اٟتيوانية يؤدم اُف انقراض بعض االنواع
كالسبلالت البلزمة لتحقيق التنوع اٟتيوم الذم ال بد منه للمحافظة على توازف البيئة(ٓ).
كمن هنا جاءت النصوص تنهى ا١تسلمُت عن قتل اٟتيوانات ّٓرد التسليه كالتلهي ،كتعظم
النكَت يف ذلك كال شك يف أف هذ التعاليم الشرعية اليت تأمر ا١تسلمُت بعدـ قتل اٟتيوانات اال
١تنافع ظاهرة ٖتافظ على دٯتومة الثركة اٟتيوانية كاستمراريتها ،ككثَتة هي النصوص اليت كرد فيها
النهي عن قتل اٟتيوانات من غَت جلب ا١تنفعه اك دفع ١تفسدة ،كمنها قوله صلى ا﵁ عليه كسلم:
(ٔ)
رب اف فبلنا قتلٍت عبثا كَف يقتلٍت
عج اُف ا﵁ يوـ القيامه يقوؿ :يا ٌ (من قتل عصفورا عبثا ٌ
(ٕ)
منفعة)
حرـ الشرع ا١تطهر اإلسراؼ يف
ْ -النهي عن اإلسراؼ يف اإلنتفاع بالثركة اٟتيوانية :لقد ٌ
كل شيء كٓتاصة يف ٣تاؿ الطعاـ كالشراب الذم تع ٌد الثركة اٟتيوانية من أهم مكوناته ،فقاؿ
(ُ) أم حسنه.
(ِ) أم جعله سيئا.
(ّ) ركا أبو داكد يف سننه،جْ ،صِٓٓ ،رقم (َْْٖ) ،كأٛتد يف مسند ،جٔ ،صُِٓ ،رقم (ِِْٖٗ).
بشكل مستم ور دكف إحداث أيٌة تغيَتات خارجية عليه.
و (ْ) أف يؤدم كل عنصر من عناصر البيئة عمله
(ٓ) الشوابكة ،مراد ،طرؽ ٛتاية اٟتيوانات ،صٔ
عج :رفع صوته صارخا
(ٔ) ٌ
(ٕ) قانوف ٛتايه البيئه ،ص ِٓٓ ،كاٟتديث اخرجه النسائي يف السنن الكربل ،جّ ّٕ ،رقم (ّْٓٓ) ،كاف
حباف ،جُّ ، ُِْ ،رقم (ْٖٗٓ)
62
اإلسالم وقضايا العصر
ً (كيكليواٍ ىكا ٍشىربيواٍ ىكالى تي ٍس ًرفيواٍ إًنَّهي الى يً٭ت ُّ
ب الٍ يم ٍس ًرف ى
ُت)(ُ) .كقاؿ عليه الصبلة كالسبلـ: سبحانه كتعاُف :ى
(كل كاشرب كتصدؽ من غَت اسراؼ كال ٥تيلة).
كال شك يف أف عدـ اإلسراؼ يف اإلنتفاع بالثركة اٟتيوانية يؤدم إُف إدامة االنتفاع ّٔذ
الثركة كما يؤدم إُف ا﵀افظة على التوازف البيئي(ِ) الذم يتحقق من خبلؿ عدـ القضاء على أنواع
من هذ الثركة كهو ما يعرؼ بالتوازف اٟتيوم ،كفقد٫تا ما زالت تشكوا منه البشرية يف أيامنا هذ
كتدأب ٚتعيات ا﵀افظة على البيئة يف الدعوة إُف منعه.
ٓ -تنمية هذ الثركة اٟتيوانية كتكثَتها(ّ) :ال شك يف أف تنمية الثركة اٟتيوانية كتكثَتها
الغراء ،كذلك ١تا يف تنمية هذ الثركة ،كتكثَتها،كإدامتها من
أمر مطلوب يف الشريعة اإلسبلمية ٌ
منافع ٭تصل عليها اٞتنس البشرم ،كٯتكن أف نتلمس يف بعض النصوص ما يشهد ٢تذا األصل
كقوله عليه الصبلة كالسبلـ( :يف الغنم اهنا بركة)(ْ)ككقوله( :ا٠تيل معقود يف نواصيها ا٠تَت إُف يوـ
القيامة)(ٓ).
كهذ النصوص كغَتها تدؿ على مدل ما يقيمه اإلسبلـ من أ٫تية بالغة لتنمية الثركة
اٟتيوانية اليت ٭تتاج إليها اإلنساف يف شىت أكجه االنتفاع البشرم.
63
اإلسالم وقضايا العصر
(ُ) ٤تاسنة ،احساف ،العلوـ النباتية ،دار الشركؽ للنشر كالتوزيع ،جِ ،صََِ ،كانظر أيضا :زين الدين،
حسُت فرج ،كرمسيس لطفي ،دراسات يف علم اٟتيواف ،دار الفكر العريب ،ص ْٗ.
(ِ) أم القوانُت الطبيعية كيعرب عنها يف الفكر اإلسبلمي بالنواميس أك السنن.
(ّ) القمر.ْٗ :
(ْ) الرعدّ :
(ٓ) الذاريات ْٗ
(ٔ) النجم ْٓ
64
اإلسالم وقضايا العصر
كقد أمر ا﵁ سبحانه كتعاُف نبيه نوحا١ ،تا قضى على قومه با٢تبلؾ أف ٭تمل يف سفينته من
كل حيواف زكجُت كي يبدأ اٟتياة من جديد يف كجهته اليت سيتوجه إليها من خبلؿ التكاثر
اٛتل فً ىيها ًم ٍن يكل ىزٍك ىج ٍ ً
ُت اثٍػنىػ ٍ ً
ُت ً ً
ُّور قيػ ٍلنىا ٍ ٍ
كالتناسل ،فقاؿ تعاُف " :ىح َّىت إذىا ىجاءى أ ٍىميرنىا ىكفى ىار التَّػن ي
(ُ)
ك إًَّال ىم ٍن ىسبى ىق ىعلىٍي ًه الٍ ىق ٍو يؿ "
ىكأ ٍىهلى ى
كيف هذا إشارة كاضحة إُف أف استمرارية اٟتياة كدٯتومتها بسبلسة كيسر ال تتأتى إال من
خبلؿ هذا التوازف ا١تشار إليه بالزكجية ،كإذا كانت استمرارية اٟتياة كٖتقيق ا١تقاصد الضركرية
كاٟتاجية كالتحسينية للشريعة اإلسبلمية ال تتأتى إال من خبلؿ التوازف اٟتيوم الدقيق فإف اٟتفاظ
على هذا التوازف كٕتنب التصرفات اليت ٗتل به يصبح من أكجب الواجبات ،كمن هنا فإف إعماؿ
يسوغاف تقييد األفراد كاٞتماعات كاٟتد من
القواعد الشرعية كالرجوع إُف مقاصد الشريعة السمحة ٌ
تصرفاهتم اليت تؤدم إُف استنزاؼ الثركة اٟتيوانية ،كإصدار القوانُت اليت ٘تنع الصيد يف مواسم
(ِ)
كتوعية الناس أل٫تية تكاثر اٟتيواف كمنع الصيد يف مناطق ٤تددة تسمى ا﵀ميات الطبيعية
ا﵀افظة على الثركة اٟتيوانية كالتحذير من السلوكيات ا٠تاطئة لدل بعض األفراد كاليت تؤدم إُف
إهدار الثركة اٟتيوانية كاإلخبلؿ بالتوازف اٟتيوم ٦تا ينايف مقاصد الشرع ا١تطهر.
(ُ) هودَْ:
(ِ) خضَت ،عباس عبد اٟتسُت ،ا﵀ميات الطبيعية كأثرها يف ٛتاية التنوع اإلحيائي يف منطقة األهوار ،صُُ
(ّ) قانوف ٛتاية البيئة اإلسبلمي :ص ِّٓ.
65
اإلسالم وقضايا العصر
ّٔذا الغبلؼ من خبلؿ ما تنفثه مداخن ا١تصانع من أدخنة كأٓترة ،كما تنفثه الطائرات كالسيارات
كالشاحنات من عوادـ تسبب بعض اإلختبلالت يف التوازف الدقيق الذم أكدعه ا﵁ يف هذا
الغبلؼ ،كينجم عن ذلك :التسخُت الدائم بارتفاع درجة حرارة األرض كإذا كاف للغبلؼ اٞتوم
هذا القدر من األ٫تية فإف اإلسبلـ قد أكال جل عنايته من خبلؿ ٚتلة أمور:
أ .بياف أ٫تيته ،ككظيفته اليت أرادها ا﵁ له ،كٖتدث القرآف الكرمي كالسنة النبوية ا١تطهرة
عن ٚتلة كظائف للغبلؼ اٞتوم ،كالذم كاف يعرب عنه بالسماء أحيانا كبالريح أحيانان أخرل.
ُ .فقد ذكر القرآف الكرمي أ٫تية هذا الغبلؼ يف حفظ األرض كالذم جعله ا﵁ كالسقف
ً
الس ىماءى ىس ٍق نفا ىٍ٤ت يفوظنا ىكيه ٍم ىع ٍن آيىاهتىا يم ٍع ًر ي
ضو ىف)(ُ) .كقد أثبت العلم (ك ىج ىعلٍنىا َّ
٢تا ،قاؿ تعاُف :ى
اٟتديث أ٫تية الغبلؼ اٞتوم يف كونه سقفا ٭تفظ األرض من تسرب األشعة الكونية الضارة ،كما
اٟتديث ا١تتواصل عن طبقة األكزكف كالفتق الذم ال يزاؿ يتسع فيها ،سول أحد األدلة على
ذلك.
ِ .كما ٌبُت القرآف أ٫تية هذا الغبلؼ يف التوزيع ا١تتوازف لؤلمطار من خبلؿ ٛتل
ُت يى ىد ٍم
اح بي ٍشنرا بػى ٍ ى (كيه ىو الَّ ًذم يػيٍرًس يل ّْ
الريى ى السحب كتسيَتها إُف حيث يريد ا﵁ سبحانه كتعاُف :ى
ىخىر ٍجنىا بًًه ًم ٍن يك ّْل ً ً و و ً ًً
ت ىس ىحابنا ث ىق ناال يس ٍقنىا ي لبىػلىد ىميّْت فىأىنٍػىزلٍنىا بًه الٍ ىماءى فىأ ٍ
ىر ٍٛتىته ىح َّىت إًذىا أىقىػلَّ ٍ
ات)(ِ) ،كقاؿ أيضا( :اللَّه الَّ ًذم يػرًسل الرياح فىػتثًَت سحابا فىػيبسطيه ًيف َّ ً الثَّمر ً
ف يى ىشاءي الس ىماء ىكٍي ى يٍ ي ّْى ى ي ي ى ى ن ىٍ ي ي ي ىى
اب بًًه ىم ٍن يى ىشاءي ًم ٍن عًبى ًاد ً إً ىذا يه ٍم ىص ى
كى٬تعليه كًس نفا فىػتػرل الٍو ٍد ىؽ ىٮتٍر ً ً ًً
ج م ٍن خ ىبلله فىًإ ىذا أ ى يي ى ٍ ى ي ى ىى ى
ض ىآلي و اب الٍمس َّخ ًر بػُت َّ ً ص ًر ً ً
الس ىح ً ي ى ى ٍ ى
(ّ)
ات الس ىماء ىك ٍاأل ٍىر ً ى اح ىك َّ الريى ً
يف ّْ (...كتى ٍ
يى ٍستىٍبشيرك ىف) ،كقاؿ أيضان :ى
لًىق ٍووـ يػى ٍع ًقليو ىف)(ْ).
66
اإلسالم وقضايا العصر
ّ .كتعمل الرياح على تلقيح بُت السحب من خبلؿ توليد الشرارات الكهربية اليت تؤدم
إُف اقًتاب السحب بعضها من بعض ،األمر الذم يؤدم إُف توليد الربؽ كمن مث األمطار ،كما
تعمل على نقل حبوب اللقاح من األعضاء الذكرية إُف األعضاء األنثوية يف النباتات(ُ)،كهذا ما
الس ىم ًاء ىماءن)(ِ) ،كهذا ما
اح لىىواقً ىح فىأىنٍػىزلٍنىا ًم ىن َّ
الريى ى
(كأ ٍىر ىس ٍلنىا ّْ
ذكر القرآف الكرمي يف قوله تعاُف :ى
أكدته السنة النبوية ا١تطهرة ،فقد ركم عن سلمة بن األكوع أنه صلى ا﵁ عليه كسلم كاف إذا
اشتدت الريح قاؿ( :اللهم لقحا ال عقيما)(ّ).
إف لفت القرآف األنظار إُف أ٫تية السماء كالرياح (الغبلؼ اٞتوم) ،كتأكيد هذ األ٫تية
من خبلؿ آيات القرآف الكرمي مكيٌها كمدنيٌها على السواء ،يدؿ على ضركرة ا﵀افظة على سبلمة
هذا الغبلؼ؛ ألف هذا الغبلؼ ال يقوـ بوظائفه على الوجه األكمل إال يف ضوء التوازف الذم
أراد ا﵁ سبحانه كتعاُف كإف اإلخبلؿ ّٔذا التوازف ال يًتتب عليه عدـ قدرة هذا الغبلؼ على
القياـ بوظائفه فحسب بل يًتتب عليه مفاسد كثَتة تعرب عن نفسها من خبلؿ الظواهر اٞتوية غَت
ا١تألوفة ،كفًتات اٞتفاؼ الطويلة يف مناطق َف تعهد هذا اٞتفاؼ ،ككظواهر العنف اٞتوم اليت
تعرب عن نفسها يف هيئة عواصف كأعاصَت كفيضانات ،كمن هنا فإف لفت األنظار إُف األ٫تية اليت
ٯتثلها الغبلؼ اٞتوم فيه دعوة كاضحة الداللة إُف ا﵀افظة على هذا الغبلؼ من العبث
كالتدخبلت البشرية الضارة.
ب .النهي عن الفسادٙ :تة آيات قرآنية كثَتة تنهى عن الفساد يف األرض ،كال شك أف
فساد الغبلؼ اٞتوم هو إفساد يف األرض ذاهتا ،كما قاؿ تعاُف( :يا قوـ اعبدكا ا﵁ كارجوا اليوـ
67
اإلسالم وقضايا العصر
اآلخر كال تعثوا يف األرض مفسدين)(ُ) ،كقاؿ أيضا( :كال تفسدكا يف األرض بعد إصبلحها
كادعو خوفا كطمعان إف رٛتة ا﵁ قريب من ا﵀سنُت)(ِ) ،كقاؿ أيضا( :كلوا كاشربوا من رزؽ ا﵁
كال تعثوا يف األرض مفسدين)(ّ).
ج -اعماؿ مقاصد الشريعة االسبلمية كخاصة الضركرية منها،فإعماؿ هذ ا١تقاصد
يؤدم إُف ٖترمي أم تعد على الغبلؼ اٞتوم١ ،تا ينتج عن اإلخبلؿ بتوازف الغبلؼ اٞتوم ،أك
تلويثه من تفويت ١تصاٌف ضركرية ينجم عن فواهتا اإلضطرابات اٞتوية ا١تؤدية إُف اإلخبلؿ ببعض
هذ ا١تقاصد الضركرية كمنها ا﵀افظة على النفس كا١تاؿ
د .-إعماؿ القواعد الفقهية:إف إعماؿ القواعد الفقهية يف هذا ا١تقاـ يدفعنا إُف القوؿ
بأف الشريعة اإلسبلمية قد منعت من خبلؿ مبادئها العامة ،كقواعدها الكلية أم تعد على
الغبلؼ اٞتوم أك افساد فيه يسبب أضرارا ٢تذا الغبلؼ ،أك يعوقه عن أداء كظائفه البلزمة إلدامة
اٟتياة على كجه األرض ،كمن هذ القواعد:
ُ .الضرر يزاؿ :هذ القاعدة تعد من القواعد ا٠تمس الكربل ،كمؤداها أف أم تصرؼ
يًتتب عليه أضرار ،فإف هذا التصرؼ ٯتنع(ْ) ،كال ٮتفى أف التصرفات ا١تخلة بتوازف الغبلؼ اٞتوم
كسبلمته ،هي تصرفات مسببة للضرر ،كلذا فإف إعماؿ هذ القاعدة يستوجب منعها ،كإذا كاف
الشرع ا١تطهر قد أمر بإزالة الضرر ا٠تاص ،فما بالك بالضرر العاـ خصوصا إذا علمنا أف أم
تصرؼ ضار بالبيئة ،ال يقتصر ضرر على صاحب التصرؼ كال حىت على بلد أك اقليمه ،فبل
68
اإلسالم وقضايا العصر
٣تاؿ للحدكد عندما يتعلق األمر بالبيئة ،كذلك ألف البيئة يف بلد ما ،تتأثر بأم تصرؼ أك تعد
يكوف يف بلد آخر.
ِ .ال ضرر كال ضرار :هذ القاعدة تنفي الضرر كما تنفي مقابلة الضرر بالضرر(ُ) ،فإذا
كانت الشريعة الغراء ال تأذف ٔتقابلة الضرر بضرر مثله ،فكيف ٯتكن أف تأذف بإحداث الضرر
(ِ)
ابتداءن ،كهذ القاعدة هي نص ٟتديث نبوم شريف.
ّ .درء ا١تفاسد أكُف من جلب ا١تصاٌف :هذ القاعدة تعٍت أف أم تصرؼ أك فعل يؤدم
اإلتياف به إُف مفسدة ،فإف هذا الفعل أك التصرؼ ال يشرع ،فيجب االمتناع عنه حىت لو أدل
االمتناع إُف تفويت مصلحة(ّ) ،فإذا كانت ا١تفسدة ٬تب درؤها ،حىت كلو أدل الدرء إُف تفويت
مصاٌف كمنافع فإف درأها عندما تتمحض مفسدة من باب أكُف .كال شك أف ا١تفاسد ا١تًتتبة على
اإلخبلؿ بالتوازف يف الغبلؼ اٞتوم ،هي من الكثرة ْتيث يصبح منعها أمرا ذا أ٫تية كبَتة ،كإف
هذ القواعد الشرعية ٯتكن أف تكوف مستندا للدكلة كي تسن من القوانُت كالتشريعات ما ٯتنع كل
أكجه اإلضرار بالغبلؼ اٞتوم من خبلؿ كضع الضوابط الصارمة لعمل ا١تصانع ،كترتيب العقوبات
الرادعة على كل أكجه اإلستهتار الضار بالبيئة اٞتوية.
(ُ) البورنو٤ ،تمد صدقي بن أٛتد ،موسوعة القواعد الفقهية ،طُ ،جُ ،صُُْْٖٔ ،هػ.
(ِ) أخرجه ابن ماجة يف كتاب األحكاـ ،رقم (ُِّّ) من حديث عبادة بن الصامت.
(ّ) األشبا كالنظائر ،جُ ،ص َُٓ.
69
اإلسالم وقضايا العصر
الٕسد ٚالجالجٛ
إعداد
أ.د .عدناى حممود العصاف
71
اإلسالم وقضايا العصر
الوحدة الثالثة
اإلشالم وقضايا ال َّشباب
الظَّباب ٔأِىٗتّي يف التازٖذ اإلسالو٘:
الشَّباب لغةنٚ" :تىٍع و
شاب ككذا الشُّباف ،كالشَّباب أيضان اٟتى ىداثة ،ككذا الشَّبيبىة؛ كهو ي
خبلؼ الشٍَّيب"(ُ).
كال ٮتفى على أحد ما للشَّباب من أ٫تية بالغة يف رقي آّتمع كتقدمه ،فالشَّباب قوة(ِ)،
كالشباب عطاء ،كهم أصحاب ا٢تمة ،كالعزـ ،كالصحة ،كا١تنعة ،كالدأب ،كاٟتمية ،كاإلصرار،
ف يمثَّ ىج ىع ىل ًمن
ض ٍع و ً
كعلى أيديهم تكوف اإل٧تازات العظاـ .قاؿ تعاُف" :اللَّهي الَّذم ىخلى ىق يكم ّْمن ى
يم الٍ ىق ًد يير" (ّ) .ً
ض ٍع نفا ىك ىشٍيبىةن ىٮتٍلي يق ىما يى ىشاءي ىكيه ىو الٍ ىعل ي
ً ً و ض ٍع و
ف قيػ َّوةن يمثَّ ىج ىع ىل من بػى ٍعد قيػ َّوة ى
ً
بػى ٍعد ى
كقد اهتم اإلسبلـ بالشَّباب أٯتا اهتماـ؛ فكانوا كمنذ فجر اإلسبلـ ٤تل الثقة كا١تسؤكلية،
كمصدر االعتزاز ،كقد َّقرب رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عيه كسلم إليه ي٩تبة الشَّباب معتمدان عليهم يف
أهم ا١تهاـ كأصعبها ،كمنهم عمر بن ا٠تطاب رضي ا﵁ عنه ،كالذم كاف من أهم مستشاريه
بسنته كحديثه الشريف ،ككذلك على بن أيب طالب رضي ا﵁
كمسانديه ،كأبوهريرة الذم عهد إليه ي
عنه ،الذم كالَّ القضاء ،كع ًهد إليه ،كإُف ي٩تبة من الصحابة كمنهم الكثَت من الشَّباب كتابة
الوحي ،كمن مث اعتمد عليهم عثماف بن عفاف رضي ا﵁ عنه يف ٚتع ا١تصحف الشريف .كمن
(ُ) انظر :الرازم ،اإلماـ ٤تمد بن أيب بكر بن عبد القادر ،مختار الصحاح ،الطبعة األكُف ،ا١تكتبة األموية،
بَتكت -دمشقُّٖٗ ،هػ– ُٖٕٗـ .ص ِّٕ .كانظر :ابن منظور ،العبلمة أبو الفضل ٚتاؿ الدين
٤تمد بن مكرـ ،لسان العرب ،الطبعة الثالثة ،دار الفكر ،بَتكتُُْْ ،هػ– ُْٗٗـ .جػ ُ ،ص َْٖ.
(ِ) انظر :الرازم ،اإلماـ ٤تمد فخر الدين بن العبلمة ضياء الدين عمر؛ ا١تشتهر ٓتطيب الرم (َْٔهػ)،
التفسير الكبير ومفاتيح الغيب ،دار الفكر ،بَتكتُُْْ ،هػُْٗٗ-ـ .جػ ِٓ ،ص ُّٕ.
(ّ) الركـْٓ :
71
اإلسالم وقضايا العصر
الصحابة الشَّباب الذين عهد إليهم رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم أموران سيادية مهمة؛ زيد بن
.
ثابت ،كمعاذ بن جبل ،كمصعب بن عمَت ،كأسامة بن زيد رضي ا﵁ عنهم أٚتعُت
كقد ٝتت اٟتضارة العربية اإلسبلمية بفضل من ا﵁ تعاُف ،مثَّ بدع وم من شباب هذ األمة
عرب العصور ا١تتعاقبة ،كقد برع شباب أمتنا يف ا٠تلق كالسلوؾ فكانوا قدكة للغَت ،كسببان يف نشر
اإلسبلـ يف أصقاع ا١تعمورة ،كقد برعوا يف العلوـ ا١تختلفة؛ فنشأ منهم علماء سطركا يف تاريخ
اإلنسانية صفحات جلية من نور العلم ا١تمزكجة بنور الوحي كيقُت اإلٯتاف ،ككاف علمهم مفتوحان
لكل أحد بأرفع قيم اإلنسانية كأنبلها؛ فامتازكا ْتضارهتم ّٔذ ً
السمات الراقية عن غَتها من
اٟتضارات ا١تادية ،كعن تلك اليت قامت على نزعة عرقية ٤تدكدة اإلطار ،كقد استقوا ا٢تدم من
عدد ال ييستهاف به من
علمائهم ،كأمرائم ا١تشهود ٢تم باإلٯتاف كاٟتكمة ،كقد ساس ا١تسلمُت ه
ا٠تلفاء الشَّباب يف ٥تتلف العصور ،كالذين كاف على أيديهم نصر كبَت من ا﵁ ،كفتوح حضارية
كعلمية كثقافية ،ككفرة اقتصادية ،كهنضة اجتماعية كبَتة ،كاٟتمد ﵁ رب العا١تُت ،كقد انطلق
هؤالء من كعيهم للواجب الديٍت كاٟتضارم ٢تذ األمة اليت شهد ا﵁ ٢تا با٠تَتيّْة ،كجعلها شاهدة
ّْ ً (ُ)
ك ىج ىع ٍلنىا يك ٍم أ َّيمةن ىك ىسطنا لتى يكونيواٍ يش ىه ىداءى
"كىك ىذل ى
كأمة كسط ،قاؿ تعاُف :ى على غَتها من النَّاس َّ
وؿ ىعلىٍي يك ٍم ىش ًه ن
يدا" (ِ). الر يس ي ىعلىى النَّ ً
اس ىكيى يكو ىف َّ
الظَّباب ٔوشؤٔلٗ ٛاالستدالف يف األزض ٔٔادب عباد ٚاهلل:
لقد خلق ا﵁ اإلنساف كأسبغ عليه نعمان ظاهرة كباطنة ،كفضله على ا٠تبلئق كلها ،كميَّز
(ُ) انظر :ابن عاشور ،الشيخ ٤تمد الطاهر ،مقاصد الشريعة اإلسالميةٖ ،تقيق ٤تمد ا١تيساكم ،الطبعة الثانية،
دار سحنوف النفائس ،عمافُُِْ ،هػََُِ-ـ.ص ُّٕ.ُّٖ-
(ِ) البقرةُّْ :
الراغب األصفهاين ،الشيخ أبو القاسم اٟتسُت بن ٤تمد بن ا١تفضل ،الذريعة إلى مكارم الشريعة،
(ّ) انظرَّ :
ٖتقيق ٤تمود بيجو ،الطبعة األكُف ،دار اقرأ ،دمشقُِِْ ،هػََُِ-ـ .صٔٗ.ٕٗ-
72
اإلسالم وقضايا العصر
(ُ) انظر :ابن عاشور ،الشيخ ٤تمد الطاهر ،التحرير والتنوير ػ ا١تطبعة التونسية ،دار سحنوف للنشر كالتوزيع،
تونسُٕٗٗ ،ـ .جػ ٖ ،ص َِٓ .كانظر :الدريٍت ،فتحي ،خصائص التشريع اإلسالمي ،الطبعة الثانية،
مؤسسة الرسالة ،بَتكتَُْٕ ،هػُٖٕٗ-ـ ،ص ِْٕ.
(ِ) الذارياتٓٔ :
(ّ) الركـَّ :
(ْ) أخرجه اٟتاكم يف المستدرك ،كرقمه (ْٖٕٔ) ،جػ ْ ،ص ُّْ ،كقاؿ" :هذا حديث صحيح على شرط
الشيخُت ،كَف ٮترجا ".
73
اإلسالم وقضايا العصر
74
اإلسالم وقضايا العصر
75
اإلسالم وقضايا العصر
رضي ،كإف َف يعط َف يىرض"(ُ) .كالقطيفة كا٠تميصة؛ نوع من األلبسة الفاخرة ،كهي هنا كناية
عن السعي كراء ا١تنصب كالرياسة ،كا١تكانة االجتماعية العالية بأم سبب حىت كإف كاف ٤تظوران(ِ).
ككل هذا ال يعٍت أف يعتزؿ الشَّاب اٟتياة؛ فيًتهنب يف اٞتباؿ ،فبل يتزكج ،كال يأيت من
يمتع اٟتياة ا١تباحة ،إالَّ ما يسد ىرىمقه من طعاـ كشراب ،كال أف يكتفي بالعبادة دكف السعي إُف
ٖتقيق الطموحات ا١تشركعة(ّ) ،كبناء الذات ،كاألسرة السعيدة ا١تيسورة ،كالسعي إُف بناء آّتمع
ا١تتقدـ ،ككذلك ا١تسا٫تة يف تطوير اٟتضارة اإلنسانية يف هذ ا١تعمورة ،بل َّ
إف اإلسبلـ هو دين
توحيد كعبادة ،كمنهج حياة ،يوجه إُف إعطاء حق ا﵁ ،كإعطاء حق النَّفس ،كيتبٌت العبادة،
ك٬تعل جزءان منها العمل كالبناء كا٠تدمة العامة(ْ) ،كيي ُّ
عد هذا السعي من أهم أهداؼ ىخ ٍلق
اإلنساف؛ فقد أنشأ ا﵁ تعاُف من هذ األرض ككلفه بعمارهتا ،كالذم يقتضي إحداث التنمية،
استىػ ٍع ىمىريك ٍم فً ىيها"(ٔ)، ىنشأى يكم ّْم ىن ٍاأل ٍىر ً
ض ىك ٍ جل كعبل " :يه ىو أ ى
(ٓ)
كالنهضة ،كإنشاء اٟتضارة ،قاؿ َّ
فا١تهم أف تكوف النيَّة من خطط الشَّباب الذاتية ،كالباعث الدافع إُف أعما٢تم كتصرفاهتم
متجهة إُف اٟتصوؿ على رضا ا﵁ ،كنعيم اآلخرة ،كالنجاة من العذاب كالعقاب فيها ،كتكوف
األفعاؿ مبنية على ٖترم طاعة ا﵁ ،كالصبلح يف طلب أمور الدنيا كمتعها كمنافعها ،كاجتناب
76
اإلسالم وقضايا العصر
ا﵀رمات ككل ما يؤدم إُف الفساد يف األرض(ُ)؛ سواءن كاف على مستول الفرد ،أك على مستول
ىح ًس ٍن ىك ىما ك ًم ىن ُّ ً
اآلخرةى كال تىػٍنس نى ً ً
الدنٍػيىا ىكأ ٍ صيبى ى ى َّار ى ى اؾ اللَّهي الد ى
يما آتى ى
"كابٍػتى ًغ ف ى
اٞتماعة ،قاؿ تعاُف :ى
ًً ض إً َّف اللَّهى ال يً٭ت ُّ
ين"(ِ).
ب الٍ يم ٍفسد ى ىح ىس ىن اللَّهي إًلىٍي ى
ك ىكال تىػٍب ًغ الٍ ىف ىس ىاد ًيف األ ٍىر ً أٍ
الصش ٛالسُّٔسَّٗ ٛلمظَّباب:
يتسم ّٔا اإلسبلـ اٟتنيف ،كتفتقدها كثَت من األطركحات الفكرية َّ
إف من أهم ا١تيزات اليت ي
الركحي لئلنساف كيعتٍت به ،كيرتقي به ١تر و
تبة يظهر أثرها يف سلوكه ا١تعاصرة أنَّه يليب اٞتانب ُّ
الركحي يليب حاجة فطرية يفتقدها الكثَت من الشَّباب ا١تعاصر إلنغماسهم
كأخبلقه .فتعزيز اٞتانب ُّ
يف سياؽ اٟتياة ا١تادية ،اليت فرضتها طبيعة هذا العصر كسياقه ا١تادم .فاإلسبلـ اٟتنيف يقدـ
للشَّباب هذا التعزيز الركحي الذم ٭تقق ٢تم حياة ملؤها السكينة كالطمأنينة .فهو دين الفطرة
ً
كجسد مادم ال يليب كركح كعقل ،كليس و
كالواقعية يتعامل معهم بتوازف كتكامل؛ كجسد ،ي
حاجاته إالَّ ا١تادة(ّ) .فقد كجه ديننا اٟتنيف الشَّباب إُف تعمق اإلٯتاف با﵁ ،كتوثيق صلتهم به
تبارؾ كتعاُف ،كعظم أجر من ينشأ يف طاعته كعبادته؛ فعن أيب هريرة رضي ا﵁ عنه ،عن رسوؿ
ً
نشأ يف
كشاب ى
ّّ عادؿ، ظل َّإال ظلُّه :ه
إماـ ه ا﵁ عليه السبلـ قاؿ" :سبعةه ييظلُّهم ا﵁ي يف ظلّْه ى
يوـ ال َّ
ً
ا١تسجد ،كرج ً
بلف ٖتابَّا كرجل قلبيه معلَّ هق يف ً ً
ي كرجل ذ ىكر ا﵁ى خالينا ففاضت عينا ،ه
عبادة ا﵁ تعاُف ،ه
أخاؼ إين كٚتاؿ إُف ً
نفسها فقاؿّْ : منصب و و ذات ً
ي دعته امرأةه ي كرجل ٍ
كتفرقا ،ه
اجتمعا عليه َّ
يف ا﵁ :ى
حىت ال تعلى ىم ًمشاليه ما تي ًنف يق ٯتينيه"(ْ). ا﵁ ،كرجل تصدَّؽ ب و
صدقة فأخفاها َّ ه ى
77
اإلسالم وقضايا العصر
(ُ) أخرجه البزار يف مسنده ،عن أيب هريرة ،كاإلماـ أٛتد يف مسنده عنه أيضان ،بركايةَّ :
"إ٪تا بعثت أل٘تم صاٌف
األخبلؽ".
(ِ) اٞتويٍت ،غياث األمم في التياث الظُلَم ،ص ُُٖ.
(ّ)البقرةُِ :
(ْ) الصنعاين ،سبل السالم ،جػ ْ ،ص ِّْ.
78
اإلسالم وقضايا العصر
صفة التقول؛ فقد حاز خَتان كثَتان؛ ففيها ا١تخرج من ا١تشكبلت ،كا١تصائب ،كا٢تموـ ،كالكركب،
السعة يف الرزؽ ،قاؿ تعاُف " :ىكىمن يػىت ًَّق اللَّهى ىٍ٬ت ىعل لَّهي ٥تىٍىر نجا )ِ( ىكيػىٍريزقٍهي ًم ٍن كبسببها أيضان ٖتصل َّ
ب ىكىمن يػىتىػ ىوَّك ٍل ىعلىى اللَّ ًه فىػ يه ىو ىح ٍسبيهي إً َّف اللَّهى بىالً يغ أ ٍىم ًرً قى ٍد ىج ىع ىل اللَّهي لً يك ّْل ىش ٍي وء ً
ث ىال ىٍ٭تتىس ي
ىحٍي ي
(ُ)
"كىم ٍن قى ٍد نرا " [] ،كقد جعل ا﵁ التقول أيضان سببان لتيسَت أمور اٟتياة كتسهيلها ،قاؿ َّ
جل كعبل :ى
يػىت ًَّق اللَّهى ىٍ٬ت ىع ٍل لىهي ًم ٍن أ ٍىم ًرً يي ٍسران" ،كبالتقول أيضان ٭تصل تكفَت الذنوب ،كتعظيم األجر؛ قاؿ َّ
(ِ)
عز
ًً ً
القائل " :ىكىمن يػىت ًَّق اللَّهى يي ىكف ٍّْر ىعٍنهي ىسيّْئىاته ىكيػي ٍعظ ٍم لىهي أ ٍ
ىجنرا"(ّ) ،كعبلكنة على ذلك؛ َّ
فإف التقول
كسبيلها -العبادة ،-سبب يف ٖتصيل العلم ،فمن أراد من شبابنا االرتقاء يف العلم ،كالنجاح يف
و ً ً
كجل " :ىكاتػَّ يقوا اللَّهى ىكيػي ىعلّْ يم يك يم اللَّهي ىكاللَّهي ب يك ّْل ىش ٍيء ىعل ه
يم"(ْ). التحصيل الدراسي؛ فعليه ّٔا ،قاؿ عز َّ
بل َّ
إف ا﵁ تعاُف أنعم على من يتقيه من ا١تؤمنُت بفضله ككرمه بأف ٬تعل ٢تم فرقانان ٯتيزكف به بُت
ين ىآمنيوا إً ٍف تػىتَّػ يقوا اللَّهى ىٍ٬ت ىع ٍل لى يك ٍم فيػ ٍرقىا نا ىكيي ىكف ٍّْر عىٍن يك ٍم ىسيّْئىاتً يك ٍم َّ ً
اٟتق كالباطل ،قاؿ تعاُف"يىا أىيػُّ ىها الذ ى
ض ًل الٍ ىع ًظي ًم"(ٓ). ً
ىكيػى ٍغف ٍر لى يك ٍم ىكاللَّهي ذيك الٍ ىف ٍ
أم
فأم نعمة ٬تنيها الشَّاب أعظم من السعي إُف تقول ا﵁ بطاعته كحسن عبادته ،ك ٌ ٌ
خسارة يقع فيها إذا قصر يف جانب العبادة كٖتصيل التقول؛ خاصةن كأنَّه يف سن ون ٖتيفُّه فيه الفنت
الكثَتة ،كٗتتلج يف نفسه أهواء عديدة كشهوات ليست باليسَتة ،فالشَّاب أكثر الناس حاجةن إُف
اٟترص على العبادات كعلى الوصوؿ ّٔا إُف مرتبة التقول ا١تباركة ،فحرم بالشباب ا١تسلم الفيت
اٞتاد صاحب اإل٧تازات ا١تشهودة أف ال ينسى ما افًتضه ا﵁ عليه من العبادات ،كما أمر به من
التقول ،كاليت تستلزـ أيضان فعل األكامر الشرعيةػ كاجتناب ا١تناهي كلها ،فذلك هو سبيل كصو٢تم
79
اإلسالم وقضايا العصر
َّار ٍاآل ًخىرةي ىٍ٧ت ىعلي ىها لتحقيق ا١تراـ ،كاٟتصوؿ على النجاح كالنجاة يف الدارين ،قاؿ تعاُف" :تًٍل ى
ك الد ي
ً ً ً يدك ىف يعلي ِّوا ًيف ٍاأل ٍىر ً ًً
ُت"(ُ).
ض ىكىال فى ىس ناداۚ ىكالٍ ىعاقبىةي ل ٍل يمتَّق ى ين ىال ييًر ي
للَّذ ى
خصٕصٗ ٛالصالٔ ٚالصًٕ لتٍىٗ ٛاجلاٌب السُّٔس٘ لمظَّباب:
الروح ،كهي ًعماد الدين ،كالصبلة من كسائل صلة العبد بربه ،كهي
الصالة غذاء ُّ
َّ
بأمس اٟتاجة إُف إقامة الصبلة كا﵀افظة
السبيل الركحي كالوجداين إُف ا﵁ تعاُف ،كالشَّباب هم ّْ
عليها يف سن ون ٖتييفه ا١تخاطر ،فهي كسيلة البلوغ إُف التقول بكل ميزاهتا سابقة الذكر ،كهي أيضان
الركحيَّة ،كاالستقرار النَّفسي البلزـ ٢تم يف هذ ا١ترحلة العمرية اليت ٗتتلج
طريق ٖتصيل الراحة ُّ
الركح فيها كثَت من الوساكس ،كاألكهاـ ،كا٢تموـ ،خاصةن إذا أدكها ْتضور ركحي ،مع تركيز
ُّ
الذهن ،كخشوع القلب(ِ) ،فعن ساَف بن أيب اٞتعد رضي ا﵁ عنه قاؿ :قاؿ رجل من خزاعة:
فاسًت ٍحتَّ ،
فكأهنم عابيوا ذلك عليه ،فقاؿٝ :تعت رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم ليتٍت صلَّيت ى
يقوؿ" :أقًم الصبلةى يا ببلؿ ،أ ًر ٍحنىا ّٔا "(ّ) .فمن أقاـ الصبلة يف كقتها ،كٓتشوعها ،مع إ٘تاـ
أركاهنا كشركطها كاف من ا١تفلحُت الناجحُت ،بإذف ا﵁ تعاُف ،كهو القائل" :قى ٍد أىفٍػلى ىح الٍ يم ٍؤًمنيو ىف
ك ًم ىن يكح ىي إًلىٍي ىعز كجل أيضان" :اتٍل ما أ ً (ْ)
اش يعو ىف{ِ{ ،كقاؿ َّ {ُ} الَّ ًذين هم ًيف ص ىبلهتًًم خ ً
يى ى ٍ ى ى يٍ
الص ىبلةى تىػٍنػ ىهى ىع ًن الٍ ىف ٍح ىش ًاء ىكالٍ يمٍن ىك ًر ىكلى ًذ ٍكير اللَّ ًه أى ٍكبىػير ىكاللَّهي يػى ٍعلى يم ىما اب ىكأىقً ًم َّ
الص ىبلةى إً َّف َّ الٍ ًكتى ً
81
اإلسالم وقضايا العصر
فرص للشَّباب ال ٯتكن أف ٬تدكها يف غَت ؛ فهو يعطيهم ٣تاالن كاسعان ١تدة شهر كامل ١تراجعة
أنفسهم كاالرتقاء بأركاحهم ،كهتذيبها ،كمراجعة الذات ،كٕتديد النيَّة ،كاإلخبلص فيها يف األمور
كلها ،فهو كسيلة حثيثة مستمرة تدكر سنويان لتوصل اإلنساف إُف تقول ا﵁ كرضا ،كهو ىمبلؾ
ب ىعلىى ً ً َّ ً (ُ )
الصيى ياـ ىك ىما يكت ى ب ىعلىٍي يك يم ّْين ىآمنيوا يكت ى ا٠تَت كله .قاؿ تعاُف" :يىا أىيػُّ ىها الذ ى
صلَّى اللَّهي ىعلىٍي ًه ىك ىسلَّ ىم: الَّ ًذين ًمن قىػبلً يكم لىعلَّ يكم تىػتَّػ يقو ىف"(ِ) .كعن أىيب هريرةى قاؿ :قىاؿ رس ي ً
وؿ اللَّه ى ىي يى ى ٍ ٍ ى ٍ ى
َّـ ًم ٍن ىذنٍبً ًه"(ّ). ً "من صاـ رمضا ىف إًٯتىانا ك ً
احت ىسابنا غيفىر لىهي ىما تىػ ىقد ى
ى ٍ ى ٍ ى ى ىى ى
كجه رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم الشَّباب
كأما صوـ النافلة كالتطوع؛ ففيه ميزة عظيمة َّ
إُف اإلفادة منها على كجه ا٠تصوص؛ كهي كوف الصوـ كجاءن حافظان ٢تم من الوقوع يف الفنت،
كا﵀رمات ،كمشاكل النَّفس كأهوائها ،فقاؿ عليه أفضل الصبلة كأمتٌ التسليم ٥تاطبان ٢تم" :يىا ىم ٍع ىشىر
ً ض لًٍلبص ًر ،كأىح ً ً
يع استىطىاعى مٍن يك يم البىاءىةى فىػ ٍليىتىػىزَّك ٍج ،فىًإنَّهي أى ىغ ُّ ى ى ى ٍ ى
ص ين للٍ ىفرًج ،ىكىم ٍن ىَفٍ يى ٍستىط ٍ الشَّباب ىم ًن ٍ
الص ٍوًـ ،فىإًنَّهي لىهي ىك ىجاءه"(ْ) .كقد َّبُت بذلك أف مشاكل الشَّباب يٖتل بتوجيههم إُف الزكاج
فىػ ىعلىٍي ًه بً َّ
أكالن لًما له من أثر يف سكينة النَّفس ،كاالستقرار األسرم ،كحصوؿ ا١تودة كالرٛتة ،كيف حاؿ
فإف على الشَّباب اإلكثار من صوـ النافلة بقدر الطاقة كاالستطاعة(ٓ) ،كأمثل الصوـ صوـ
تعذر ؛ َّ
داكد عليه السبلـ ،كاف يصوـ يومان كيفطر يومان(ٔ) ،كمن يسنن النَّيب صلى ا﵁ عليه كسلم أنَّه كاف
السنن كلها ىمندكحة
يواظب على صوـ التطوع يف يومي االثنُت كا٠تميس من كل أسبوع .كيف هذ ُّ
الركحيَّة ا١تتميَّزة على
كسعة لبلرتقاء بأركاحهم ،كالقرب من بارئهم ،كاالستعانة ّٔذ العبادة ُّ
لشبابنا ى
ككساكس الشيطاف الرجيم ،كما قد يىعًتم ىمسَتة بعضهم من يميوؿ إُف أمور ً
كبح ٚتاىح شهواهتم ،ى
ٍ
81
اإلسالم وقضايا العصر
فاسدة ك٤تظورة؛ كذلك لًما يف الصوـ من تعطيل ١تغذيات الغرائز؛ من شهويت الفرج كالبطن
ا١تاديتُت ،كالذم يفتح فرصةن أكرب للشاب لتهذيب ركحه ،كتصفيتها ،كالتحلّْى بكل و
خلق كرمي(ُ).
82
اإلسالم وقضايا العصر
سامية كعظيمة النَّفع كالفائدة؛ كمنها عمق اإلٯتاف ،كاإلخبلص ،كعظم التضحية ،كالصرب اٞتميل،
كطاعة الوالدين ،كتسخَت اٟتياة كلها ﵁ تعاُف(ُ).
(ُ) انظر :الرازم ،التفسير الكبير ،جػ ِٔ ،ص ُّٓ كما بعدها .الدهلوم ،اإلماـ أٛتد بن عبد الرحيم (ت.
ُُٕٔهػ) ،حجة اهلل البالغةٖ ،تقيق د .عثماف ضمَتية ،مكتبة الكوثر ،الرياضَُِْ ،هػُٗٗٗ-ـ .جػ
ِ ،ص ٕٕٗ.
(ِ) اٟتشرٗ :
(ّ) انظر :ابن القيم ،زاد المعاد ،جػ ُ ،ص ُْٕ .الدهلوم ،حجة اهلل البالغة ،جػ ِ ،ص َْٖ.
(ْ) التوبةَُّ :
(ٓ) متفق عليه .أخرجه البخارم كمسلم يف الصحيحين .البخارم (َُّّ) مسلم (ُُّٕ).
83
اإلسالم وقضايا العصر
84
اإلسالم وقضايا العصر
الصحة ،كالوقت ،كأنَّه ي٤تاسب عليهما فهما عماد العمر كاٟتياة ،كٔتراعاهتما ،كاستخدامهما يف
العمل الصاٌف تتحصل أهداؼ خلق اإلنساف ،ككجود يف هذ اٟتياة(ُ).
كمن هنا جاءت أ٫تية التنبيه على أ٫تية ا﵀افظة على الصحة البدنيَّة للشَّباب؛ فكثَت منهم
يفرط يف صحته يف شبابه ،كيظن َّأهنا سوؼ تبقى سليمة لؤلبد ،مث يقع فريسة األمراض ا١تختلفة،
ّْ
الوٍهن كالشيخوخة ا١تبكرة؛ نتيجةن لتفريطه يف هذا اٞتانب ا١تهم من مرحلة الشَّباب اغًتاران بقوته
كى
أف ا﵁ تعاُف سوؼ يسأ٢تم عن ذلك ك٭تاسبهم عليه؛ فعن اب ًن
كعنفوانه ،كقد ال يذكر بعضهم َّ
كؿ قى ىد ىما الٍ ىعٍب ًد يػى ٍوىـ الٍ ًقيى ىام ًة صلَّى اللَّهي ىعلىٍي ًه ىك ىسلَّ ىم ،قى ى
اؿ" :ال تىػيز ي ىم ٍس يعود رضي ا﵁ عنه ،ىع ًن النً ّْ
َّيب ى
و
85
اإلسالم وقضايا العصر
دكاـ الصحة ،أك غلبتها إُف انقضاء األجل"(ُ) .كعلى ذلك ٬تب على الشَّاب االعتداؿ يف نومه؛
السن ،ككذلك عليه أف يعتدؿ يف تناكله للطعاـ
فبل يزيد فيه كال ينقص عن حاجته يف هذا ّْ
كالشراب ،كالذم ٬تعلنا نتنبه إُف موضوع زيادة الوزف كمؤشر مهم ،فكثَتان ما ٭تدث ذلك يف فًتة
الشَّباب نتيجةن لئلفراط يف تناكؿ ا١تلَّذات ،كاليت تشكل خطران ملموسان على مستقبل الشَّباب من
الناحية الصحية(ِ) ،فمعظم األمراض البدنيَّة ٢تا عبلقة كثيقة بزيادة الوزف؛ ك٢تذا نبهنا رسوؿ ا﵁
بآد ًم ّّي ًك ىعاء ىشِّرا ًم ٍن بىطٍ ون ًْتىس ً "ما ىم ىؤلى ى صلَّى ا﵁ عليه كسلم على االعتداؿ يف ذلك؛ فقاؿ :ى
ٍ ن
ث لًنىػ ىف ًس ًه"(ّ).ث لً ىشىرابًًه ،ىكثػيلي ه ث لًطى ىع ًام ًه ،ىكثػيلي ه
ص ٍلبىهي ،فىًإ ٍف ىكا ىف ىال ى٤تىالىةى؛ فىػثيػلي ه اب ًن آدـ أي يك ىبل ً
ت ييق ٍم ىن ي
ه ٍ ىى
ف اللَّهي نػى ٍف نسا إًَّال يك ٍس ىع ىها
عدم إرىاق الجسم بتحميلو فوق طاقتو :قاؿ تعاُف" :ىال يي ىكلّْ ي
ت"(ْ) .فقد كجههنا ديننا إُف االعتداؿ يف استخداـ البدف كالرفق
ت ىك ىعلىٍيػ ىها ىما ا ٍكتى ىسبى ٍ
ى٢تىا ىما ىك ىسبى ٍ
به؛ حىت يف العبادات ،فبل ٬توز إرهاقه فيها ،كال يف أم عمل آخر ،كإف كاف صاٟتان ،ككجهنا
أيضان إُف مراعاة الفركؽ الفردية فكل يتحمل من الطاعة ما يطيق ال أكثر؛ فقد ركم عن النيب
صلى ا﵁ عليه كسلم أنَّه قاؿ" :عليكم ٔتا تيطي يقوف ،فوا﵁ ال ىٯتل ا﵁ حىت ٘تلُّوا" ،ككاف َّ
أحب الدين
إليه ما داـ عليه صاحبه"(ٓ) .كقد قاؿ الرسوؿ صلى ا﵁ عليه كسلم للرهط الذين سألوا عن
لكٍت أصوـ كأ ً
يفطر ،كأيصلّْي كأرقيد، إين ألخشاكم ﵁ كأتقاكم لهّْ ،
"أما كا﵁ ٌ
عبادته فكأهنم تقالٌوها :ى
أتزكج النساء؛ فمن ىر ًغب عن يسنَّيت فليس مٍت"(ٔ) .كهذا درس مهم للشَّباب بالذات أف الك َّ
(ُ) ابن قيم اٞتوزية ،اإلماـ مشس الدين أبو عبد ا﵁ ٤تمد بن أيب بكر (تُٕٓ .هػ) ،زاد المعاد في ىدي خير
العباد ،دار الفرقاف ،عماف .جػ ّ ،ص ُّْ.
(ِ) انظر :الغزاِف ،اإلماـ أبو حامد ٤تمد بن ٤تمد (تَٓٓ .هػ) ،إحياء علوم الدين ،بَتكت :مؤسسة ا١تعرفة.
جػ ّ،ص َُٓ .كانظر أيضان :الصنعاين ،سبل السالم ،جػ ْ ،ص ِّٓ.ِّٔ-
(ّ) ركا الًتمذم يف سننو.
(ْ) البقرةِٖٔ :
(ٓ) متفق عليو؛ ركا البخارم كمسلم عن عائشة رضي ا﵁ عنها.
(ٔ) متفق عليو؛ ركا البخارم كمسلم عن عائشة رضي ا﵁ عنها.
86
اإلسالم وقضايا العصر
تدفعهم اٟتماسة ألف يتكلفوا من األعماؿ فوؽ طاقتهم ،كال يف القرب كالعبادات ،فالبدف له
عليهم حق(ُ).
٭ترـ ا﵁ شيئان إالَّ حرمات للمحافظة على الصحة:
والم َّ البُعد عن ِ
َف ّْ الموبقات ُ
ُ
ٟتفظ اإلنساف ك١تصلحته يف اٟتاؿ كا١تآؿ ،كإف كاف ا١تمنوع مرغوبان إالَّ أنَّه سبب لئلمث ،ككباؿ
اجتىنًبيوي ،ىكىماللصحة كالعافية ،ك٢تذا قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم " :ىما نػى ىهٍيتي يك ٍم ىعنٍهي فى ٍ
اختًبلىفيػ يه ٍم ىعلىى ًً أىمرتي يكم بًًه فىأٍتيوا ًمٍنه ما استطىعتم ،فىًإَّ٪تىا أىهلىك الَّ ًذ ً ً
ين م ٍن قىػٍبل يك ٍم ىكثٍػىرةي ىم ىسائل ًه ٍم ك ٍ
ى ٍ ى ي ى ٍ ى ٍي ٍ ىٍ ٍ
مقدكر على اجتنابه كاالقبلع عنه، ٤ترـ يأف كل َّ أىنٍبًيىائً ًه ٍم"(ِ) .كهذا اٟتديث الشريف يدؿ على َّ
كجوبان ،فهو يف مقدكرنا ،كلكن ما أمرنا به من أكامر شرعيةٗ ،تتلف بُت مقدكور فعلينا اجتنابه ي
عليها ،كما يكوف فوؽ قدرتنا ،فعلينا أف نأيت من ا١تأمورات قدر االستطاعة.
(ُ) انظر :ابن عاشور ،مقاصد الشريعة اإلسالمية ،ص ِٖٔ كما بعدها .كانظر :عقلة ،اإلسالم مقاصده
وخصائصو ،ص ْٗ.
(ِ) متفق عليو؛ ركا البخارم كمسلم عن أيب هريرة رضي ا﵁ عنه.
(ّ) النّْساءِٗ :
87
اإلسالم وقضايا العصر
أسر أخطر أنواع اإلدماف ،كأدنأ أنواع اآلفات ،كمركجيها ا١تنحرفُت يقع فريسة سهلة ٖتت ٍ
ي
أف ديننا السمح ىحظر كل ما يضر بالصحة، ا١تفسدين يف األرض ،كالعياذ با﵁ ،كليس خفيان َّ
ي
(ُ) ً
كييودم بالعقل ،كيورث الضَّغينة كالعداكة بُت النَّاس ،كا١تخدرات تيقاس على ا٠تمر يف اٟتكم،
فهي ٤ترمة مثله ،كتعاطيها أك ترك٬تها بيعان كشراءن يي ُّ
عد من كبائر الذنوب كا١تعاصي ،كهي كا٠تمر أـ
ا٠تبائث ذريعة -كسيلتها -لكل ا١توبقات كا١تفسدات ،ككباؿ على صحة اإلنساف فهي ٝتوـ
تودم بصحته ،كهي سبب رئيس يف أمراض السرطاف ،كغَتها من عضاؿ الداء .قاؿ تعاُف" :يىا
اجتىنًبيوي لى ىعلَّ يك ٍم ً ا٠تمر كالٍمي ًسر كاألىنٍصاب كاأل ٍىزالـ ًرج ً ًَّ َّ ً
س م ٍن ىع ىم ًل الشٍَّيطىاف فى ٍ ين ىآمنيوا إ٪تىا ٍى ٍ ي ى ى ٍ ي ى ى ي ى ي ٍ ه أىيػُّ ىها الذ ى
ً ً ً
ص َّد يك ٍم ىعن ضاءى ًيف ٍ
ا٠تى ٍم ًر ىكالٍ ىمٍيس ًر ىكيى ي تيػ ٍفل يحو ىف(َٗ) إًَّ٪تىا ييًر ي
يد الشٍَّيطىا يف أىف ييوق ىع بػىٍيػنى يك يم الٍ ىع ىد ىاكةى ىكالٍبىػ ٍغ ى
الص ىبلةً فىػ ىه ٍل أىنتيم ُّمنتىػ يهو ىف (ُٗ)" (ِ). ًذ ٍك ًر اللَّ ًه ىك ىع ًن َّ
ككذلك فعلى شباب األمة كأمل تقدمها كهنضتها ،أف ٭تذركا ا١توبقات من فواحش
الزنا كالشذكذ كما يدكر يف فلكها من ا١تهالك ا﵀فوفة بالشهوات ا١تهلكة؛ فقد باتت هتدد البشرية
بالفتك عن طريق ظهور األمراض اٞتنسية سريعة العدكل كاالنتشار كمرض "اإليدز" ،الذم
شاءت حكمة ا﵁ أف ال يظهر إالَّ بعد شيوع ٦تارسة هذ الفواحش ،كاالستمراء عليها ،فهو يزداد
يف آّتمعات كفقان لقدر ٖتررها من الثوابت الفطرية كأخبلقياهتا ،يف حُت ينحسر يف ٣تتمعات
اح ىشةن ىك ىساءى ىسبً نيبل" .)ّ(.كقاؿ الزنىا إًنَّه ىكا ىف فى ً
التقول كالعفة كاالستقامة .قاؿ تعاُف " :ىكىال تىػ ٍقىربيوا ّْ ي
ّْس ًاء بى ٍل ً
اؿ ىش ٍه ىونة ّْمن يدكف الن ى تعاُف كاصفان مدل قبح فعل الشواذ باإلسراؼ ":إًنَّ يك ٍم لىتىأٍتيو ىف ّْ
الر ىج ى
88
اإلسالم وقضايا العصر
أىنتي ٍم قىػ ٍوهـ ُّم ٍس ًرفيو ىف"(ُ)؛ كذلك لًما يف هذ اٞترٯتة من ٥تالفة للفطرة ،كطغياف يف السلوؾ ،كدناءة يف
ا٠تيلق ،كإضرار بالصحة بتعريض الذات ألبشع أنواع األمراض(ِ).
الرياضة البدنيَّة وأىميتها َّ
للشباب :من الثابت علميان َّ
أف الرياضة كما تستتبعه من حركة
للجسم ٢تا فائدة صحية عظيمة يف حفظ صحة اإلنساف ،كتفريغ طاقاته الزائدة ،كحفظ توازنه
باعتداؿ(ّ) ،كلذلك فإنَّه على الشَّباب االعتناء ّٔا ،فهي األكفق لسنهم ،كا١تساند ٢تم يف حفظ
ي
ً
ا٠تي ًل تيػرهبو ىف بًهً ً ً و ً ً
استىطى ٍعتي ٍم م ٍن قيػ َّوة ىكم ٍن ًربىاط ٍىٍ ٍ ي
عافيتهم ،كبناء قوهتم ،قاؿ تعاُف " :ىكأىع ُّدكا ى٢تي ٍم ىما ٍ
ىع يد َّك اللَّ ًه"(ْ).
التطبب والمعالجة من األمراض البدنيَّة :لقد رغب فيه ديننا اٟتنيف التطبب كالعبلج،
كاألخذ بأسباب الشفاء ،ففي الصحيحُت(ٓ)؛ عن أيب هريرة رضي ا﵁ عنه قاؿ :قاؿ رسوؿ ا﵁
صلى ا﵁ عليه كسلم" :ما أنزؿ ا﵁ من داء إالَّ أنزؿ له شفاء" .فبل ٌ
يصح من ا١تسلم أف ييهمل
كركد النَّهي عن ذلك. (ٔ) ً
ّتسد كصحته ؛ لما ذكرنا من ي
الظَّباب ٔالصش ٛالٍَّفشَّٗ:ٛ
َّ
إف الصحة النَّفسيَّة للشباب من أهم ما ٬تب السعي إليه بيغية ا﵀افظة عليهم يف اٟتاؿ
خَتة ،كأخرل سيئة ،كهي َّأمارة
الركح ،ك٢تا غرائز إ٬تابية ّْ
كا١تآؿ ،كالنَّفس يف ديننا هي ذات ُّ
(ٕ)
٥تَت فيما ٮتتار من الغرائز كاألفعاؿ،
بالسوء ،كاٟتاكم على غرائزها اإلرادة ،كالعقل ،كاإلنساف َّ
ُّ
سَتان ،كقد ابتبل ا﵁ تعاُف يف هذ اٟتياة بامتحانه فيما ٮتتار بُت هتذيب للنَّفس كتقوية
كليس يم َّ
89
اإلسالم وقضايا العصر
الشر(ُ)،
لغرائزها اإل٬تابية الدافعة إُف ا٠تَت ،كبُت تدسية للنَّفس باتباع غرائزها السلبية ا١تؤدية إُف ٌ
س ىكىما ىس َّو ىاها )ٕ( فىأى ٍ٢تىىم ىها في يج ىورىها ىكتىػ ٍق ىو ىاها (ٖ) قى ٍد أىفٍػلى ىح ىمن ىزَّك ى
اها (ٗ) ىكقى ٍد قاؿ تعاُف " :ىكنػى ٍف و
(ّ) (ِ)
يسر ا﵁ لئلنساف طريقي ا٠تَت َّج ىديٍ ًن" .أمَّ : اها" .كقاؿ تعاُف " :ىكىه ىديٍػنىا ي الن ٍ اب ىمن ىد َّس ى ىخ ى
كالشر ،كأعطا القدرة على االختيار بينهما كفقان إلرادته ،كهو ٤تاسب على اختيار كفعله.
فالصحة النَّفسيَّة للشاب أمر يرجع إُف كعيه ،كعلمه بدينه ،كْتقيقة خلقه ،كنواميس
اٟتياة الدنيا اليت يعيشها كارتباطها بطاعة ا٠تالق العظيم ،كٔتدل إٯتانه بعقيدة اٞتزاء؛ بالثواب أك
بالعقاب يف اآلخرة .فمن أخذ بأسباب التزكية كاالستقامة؛ كاف صحيح النَّفس ،هادئ الباؿ،
مستقيم اٟتاؿ ،كمن أخل يف أمر من ذلك ،أك سلك مسلكان خاطئان من مسالك ا٢تول ،كاتبع
الغرائز اليت تدفع الجًتاح ا١تنكرات ،فحمله ذلك على ٥تالفة الشرع يف فعله كسلوكه؛ كقع يف
و
بشيء من أمراض النَّفس من التوتر ،كالقلق ،كاإلحباط ،كمن اإلمث ،كاال٨تراؼ ،ككذلك ابتلي
أف العديد من الشَّباب ا١تعاصر ييعاين من هذ ا٢تموـ كا١تشاكل النَّفسيَّة ،بل َّ
إف شاهد َّ
الواقع ا١تي ى
بعضهم كقع يف األفعاؿ ا﵀ظورة كرد و
فعل سليب؛ نتيجةن لذلك أيضان ،كاتبع طريقان منحرفان ضيَّع ٙترة
شبابه كفرصة عمر يف ٖتقيق األمثل له ،كفقان ألصل خلقه .كلذلك فقد َّ
أكد علماؤنا ا١تسلموف
على العناية بالصحة النَّفسيَّة ،كد٣تها يف ا١تعاٞتة مع الصحة البدنبة؛ بل َّإهنم أكدكا َّ
أف صحة
الراغب األصفهاين ،الذريعة إلى مكارم الشريعة ،ص ٖٗ .َُُ-كانظر :ابن قيم اٞتوزية ،اإلماـ(ُ) انظرَّ :
مشس الدين أبو عبد ا﵁ ٤تمد بن أيب بكر (تُٕٓ .هػ) ،الفـوائـد ،دار الكتاب العريب ،بَتكتَُِْ ،هػ-
ُٗٗٗـ .ص ِِٓ.ِِٔ-
(ِ) الشمسَُ-ٕ :
(ّ) البلدَُ :
91
اإلسالم وقضايا العصر
النَّفس ال تقل أ٫تيةن عن صحة البدف ،كأف صحة البدف هي أثر لصحة النَّفس يف كثَت من
األحواؿ(ُ) ،كهذ اٟتقيقة أثبتها العلم اٟتديث ،فمعظم األمراض البدنيَّة ٢تا تعلُّق بأسباب نفسية.
يف هاكية ا١تعاناة كاألمراض ا١تتتالية ،فاستقرار النَّفس َّإ٪تا يكوف بالتزاـ الشريعة؛ لكوهنا كما قاؿ
"تزجر عن الفواحش كما ٮتالف ا١تعاِف ...،كتعضد أسباب القوة كاالستطاعة"(ْ).
الشاطيب :ي
من أٚتل ما ذكر يف تراثنا يف طرؽ العبلج النَّفسي كعبلقته بالعبلج البدين أيضان ،كتطبيب
ا١تريض كصبلح حاله ..." :ككل طبيب ال يداكم العليل يتفقد قلبه كصبلحه كتقوية أركاحه كقوا
(ُ) انظر :ابن القيم ،زاد المعاد ،جػ ّ ،ص َٕ .كمن أقواله -رٛته ا﵁ -عن عبلقة طبيب األبداف بالصحة
النفسية " :أف يكوف له خربة باعتبلؿ القلوب كاألركاح كأدكيتها ،كذلك أصل عظيم يف عبلج األبداف؛ فإف
الركح،
انفعاؿ البدف كطبيعته عن النفس كالقلب أمر مشهود ،كالطبيب إذا كاف عارفان بأمراض القلب ك ُّ
كعبلجهما؛ كاف هو الطبيب الكامل ،كالذم ال خربة له بذلك – كإف كاف حاذقان يف عبلج الطبيعة كأحواؿ
البدف؛ نصف طبيب ." ،ذات المصدر السابق ،جػ ّ ،ص َُُ.ُُُ-
(ِ) انظر :الصنعاين ،سبل السالم ،جػ ْ ،ص َِّ.ُِّ-
(ّ) أخرجه الًتمذم يف سننو.
(ْ) انظر :اٞتويٍت ،غياث األمم في التياث الظُلَم ،ص ُُٖ.
91
اإلسالم وقضايا العصر
بالصدقة كفعل ا٠تَت كاإلحساف ،كاإلقباؿ على ا﵁ كالدار اآلخرة ،فليس بطبيب ،بل يمتىطبب
ضُّرع ،كاالبتهاؿ
قاصر ،كمن أعظم عبلجات ا١ترض؛ فعل ا٠تَت ،كاإلحساف ،كالذكر ،كالدعاء ،كالتى ى
إُف ا﵁ ،كالتوبة ،ك٢تذ األمور تأثَت يف دفع العًلىل ،كحصوؿ الشفاء أعظم من األدكية الطبيعية،
كلكن ْتسب استعداد النَّفس كقبو٢تا ،كعقيدهتا يف ذلك ،كنفعه"(ُ).
كبناءن على ذلك فعلى شبابنا التزاـ هذ القواعد ا١تنىجية من مشاكل النَّفس ك٫تومها ،ففيها
ي
تزكيتها كٖتليتها ،كهنيها عن ا٢تول ،كعليهم أف ال يركنوا إُف التسويف فيها ،أك االستهانة من
فاعلية بعضها ،فهي ٣تربة ،كمستنبطة من كحي الكتاب كالسنة ،كٕتارب الصاٟتُت كاٟتكماء.
ك٦تَّا يعُت الشَّاب على هدكء النَّفس كاستقرارها اإلٯتاف بقضاء ا﵁ كقدر ،كالتوكل عليه،
كسلَّم:
رس يوؿ ا﵁ صلَّى اللَّهي علىيى ٍه ى
(ِ)
كالرضا ٔتا قسمه لئلنساف من رزؽ كظركؼ كأحواؿ .قاىؿ ى
ً ً ً ً "من أصبح منًك ً
ُّنياى"(ّ). جس ىد ،عن ٍد ى يقوت ىيوٍمه ،ف ىكأَّى٪تاى حيً ى
زت لهى الد ٍ ىف ًيف ى ٍم آمنان ًيف س ًربٍه ،ي
معاى ن ى ىٍ ى ي
ككذلك ترؾ عادة الكثَت من شبابنا يف التنافس مع اآلخرين كاألقراف على حطاـ الدنيا،
كطموحاهتا ا١تادية الزائلة ،كخَت ٢تم من ذلك؛ النَّظر إُف من هو دكهنم يف النعمة؛ فإنَّه باعث على
رضاهم بنعمة ا﵁ عليهم ،كتقديرهم ٢تا كشكر ا﵁ عليها ،فعن أيب هريرة رضي ا﵁ عنه قاؿ :قاؿ
رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم :انظركا إُف من هو أسفل منكم ،كال تنظركا إُف من هو فوقكم،
فإنَّه أجدر أف ال تزدركا نعمة ا﵁ عليكم"(ْ) .كعليه أيضان أف ٬تتنب ثبلثة أخبلؽ عدَّها العلماء
أساس الذنوب كا٢تموـ كلها كهي؛ اٟتًرص ،كاٟتسد ،ك ً
الك ٍرب(ٓ)؛ فاألكؿ يبعث على األنانية، ى ٍ
كالطمع الزائد ،كالتحسر على ما يفوت اإلنساف من أمور ،كالثاين يقتل النَّفس كيورث الضغينة
92
اإلسالم وقضايا العصر
كأمراضان عميقة؛ كا٢تم كاٟتزف ،كهو سبب للثالث؛ فالكرب كهو كما يف اٟتديث الشريف" :بطر
اٟتق ،كغمط الناس"(ُ) ،غالبان ما ينشأ عن اٟتسد ،كالكرب سبب يف الشعور بالنَّقص ،كاإلساءة
ك٥تالفة اٟتق .فيجدر بكل شاب أف يتوقف مع الذات يف مراجعة حثيثة ٢تذ
لآلخرين ،ي
األخبلؽ ،كالعمل على تنقية النفس منها ،كمن أسبأّا ،إف كانت مبتبلة بشيء منها؛ فإف فعل
ذلك شعر بسركر كبَت ،كسكينة ،كطمأنينة تدفع به كبسلوكه إُف كل خَت.
أما سبيل هتذيب النَّفس كاالرتقاء ّٔا يف معاِف ا١تكارـ كاألخبلؽ(ِ)؛ فيكوف ٔتا يلي:
ُ .التعلم؛ كخَت علم علم الكتاب كالسنة؛ فهو سبيل اٟتكمة؛ كهي االعتداؿ يف
استخداـ القوة العقلية لئلنساف ٔتا ينفع نفسه كيزكيها.
ِ .االتساـ بالعًفة كهي التوسط بُت اإلفراط كالتفريط يف التعامل مع القوة الشهوانية
ا١توجودة يف اإلنساف كهي سبيل النزاهة ،كاٞتود ،كسكينة النَّفس.
ّ .استعماؿ الصرب؛ كهو حبس النَّفس عن ردكد الفعل السلبية؛ كهو طريق الشجاعة
تستقر النَّفس ،كتثق
ُّ كاليت تع ٌد الوسط بُت اإلفراط كالتفريط يف االستخداـ القوة الغضبية ،كّٔا
با﵁ ،مثَّ بذاهتا ،كتتسم باٟتلم.
ْ .االتساـ بالعدالة كٖتريها ،كهي الوسط يف األخبلؽ كلها كاٟتاكم عليها ،كمن ضبط
نفسه عليها اتسم سلوكه ٚتيعه بالتوازف كالسداد(ّ).
93
اإلسالم وقضايا العصر
كاإلحساف .فبالتَّعلم يتوصل إُف اٟتًكمة ،كباستعماؿ العًفة يتوصل إُف اٞتيود ،كباستعماؿ َّ
الصرب
كرمة يدرؾ الشجاعة كاٟتًلم ،كباستعماؿ العدالة يصحح األفعاؿ[ ،فمن فعل ذلك] فقد َّ
تدرع ا١تى ي
كصليح ٠تًبلفة ا﵁ تعاُف ،كصار من َّ
الربانيُت ً ا١تعيَّنة بقوله تعاُفَّ :
"إف أى ٍكىرىم يكم عٍن ىد ا﵁ أتٍػ ىقا يكم" ،ى
كالشُّهداء كالصديقُت"(ْ).
املعاصس:ٚ
فيما يلي بياف مرتكزات أساسية يف الفكر كالسلوؾ٬ ،تدر بشبابنا العزيز أف يقف عندها
بتأمل كعناية؛ فيجعلها جزءن من خطته اليومية ٟتياة صحيحة طيبة ،يرضا ا﵁ تعاُف عنها ،كرسوله،
كصاٌف ا١تؤمنُت:
94
اإلسالم وقضايا العصر
95
اإلسالم وقضايا العصر
كاٟتكم على األفعاؿ ا١تختلفة ،كالقضايا ،كاألحداث ا١تستجدة كفقان لرأيهم آّرد ،كلرٔتا ْتسب
أهوائهم ،فبل ٬توز .فكم من شاب دفعه هتور للمناقشة يف ثوابت اإلسبلـ من غَت علم كال
الربا ،كتعاطي
سلطاف منَت ،فدخلوا بذلك بالتكفَت ،كالضبلؿ ،كأباح بعضهم لنفسه اقًتاؼ ّْ
ا﵀رمة ،كمنع الزكاة ككثَت من حقوؽ ا﵁ ،بل كٛتلهم
ا١تعامبلت ا١تالية ا﵀ظورة ،ككسب األمواؿ َّ
ذلك على أداء العبادات على غَت كفق ما كردت به يف الشرع؛ َّ
كإ٪تا كقعوا يف ذلك إما الجًتائهم
كتسرعهم يف اٟتكم على األمور ،أك نتيجةن ٞتهلهم بإلزامية اتباع أحكاـ الدين ،كالسؤاؿ عنها يف
كل األمور ،فاتبعوا الظن ،كا٢تول .قاؿ تعاُف" :إ ٍف يػىتَّبًعيو ىف إًَّال الظَّ َّن ىكإً ٍف يه ٍم إًَّال ىٮتٍير ي
صو ىف"(ِ) . (ُ)
كقوله تعاُف" :ٮترصوف" يعٍت :يظنوف فيأخذكف بالظن كليس باليقُت كالدليل(ّ)َّ .أما من يسأؿ
أهل العلم الشرعي؛ فقد رىكن إُف رك ون ً
شديد كمرج وع و
أصيل ،فهم أصحاب االجتهاد كالدليل ،كهم ى
كٖترم
األقدر على ا١توازنة بُت ا١تصاٌف كا١تفاسد يف اجتهادهم يف اٟتكم على األمور ا١تلتبسةّْ ،
ي
العدؿ كالصواب ،كالذم يكوف بالنظر ا١تتوازف بُت النصوص الشرعية ،كبُت مقاصدها كمعانيها يف
(ْ)
الصور كمفرداهتا ،كفقان
الناحية التطبيقية ،فكثَتان ما ٮتتلف اٟتكم من شخص إُف آخر يف آحاد ُّ
الختبلؼ الظركؼ كا١تبلبسات كاألعراؼ ،كهذا ٤تل نظر العلماء ا﵀ققُت ،ال العامة من الناس.
كمنطلق للفكر كالسلوؾ ،كاجتناب كل ما تطرؼ عن
اإلنطبلؽ من الوسطية كاالعتداؿ ي
ذلك ،من تشدد أك تساهل؛ كقد عيّْرفت الوسطية ٔتعٌت العدالة ذاته؛ كما َّبُت التفتازاين ذلك
اؿ أ ٍىك ىسطي يه ٍم} ،ككل الفضائل منحصرة يف التوسط
بقوله" :كالوساطة العدالة ،كمنه قوله تعاُف{ :قى ى
(ُ) انظر :صندكؽ دعم البحث العلمي ،الشباب في مواجهة الفكر المتطرف – المحور الديني ،عماف،
كانوف األكؿ .َُِٓ ،صُٕ.ُٗ-
(ِ) يونسٔٔ :
(ّ) انظر :الصنعاين ،سبل السالم ،جػ ْ ،ص ِْٖ.ِْٗ-
(ْ) انظر :الدريٍت ،الدكتور فتحي ،دراسات وبحوث في الفكر اإلسالمي المعاصر ،الطبعة األكُف ،دار قتيبة،
دمشقَُْٖ ،هػ– ُٖٖٗـ .حػ ِ ،ص ّٖٔ.
96
اإلسالم وقضايا العصر
(ُ) التفتازاين ،التلويح إلى كشف حقائق التنقيح ،الطبعة األكُف ،دار الكتب العلمية ،بَتكتُُْٔ ،هػ-
النص ذاتهَّ ..." :
فإف رؤكس الفضائل؛ اٟتكمة ،كالعفة، ُٔٗٗـ .جػ ِ ،ص َُْ .كقاؿ أيضان يف ٘تاـ ّْ
كالشجاعة ،كالعدالة ...مثَّ التوسط يف هذا آّموع أم :اٟتكمة ،كالعفة ،كالشجاعة؛ هي العدالة؛ فلهذا فسر
الوساطة بالعدالة؛ فالعدالة تقتضي الرسوخ على الصراط ا١تستقيم ،كتنفي الزيغ عن سواء السبيل".
(ِ) البقرةُّْ :
(ّ) انظر :العساؼ ،الدكتور عدناف ٤تمود" ،دكر كليات الشريعة كا١تعاهد العلمية يف تعزيز الوسطية كمواجهة
التطرؼ كاإلرهاب" :صندكؽ دعم البحث العلمي ،الشباب في مواجهة الفكر المتطرف – المحور
الديني ،ا١تلحق (ّ) ،ص َٕ.ُٕ-
(ْ) الغزاِف ،إحياء علوم الدين .،جػ ّ ،ص ّٓ .ْٓ-كانظر :األٛتد نكرم ،جامع العلوم في اصطالحات
الفنون ،جػ ِ ،ص ِِِ .كانظر :العساؼ ،المرجع السابق ذاتو ،ا١تلحق (ّ) ،صُٕ.
97
اإلسالم وقضايا العصر
كآّالس اليت ٖتتوم على ي٤تَّرـ ،كال يفضوؿ الدَّافع إُف ٕتربة أم شيء ٤تظور شرعان(ٓ)؛ فكل هذ
األمور أسباب للوقوع يف ا﵀رمات ،كاليت قد ترتقي إُف اجًتاح الكبائر من الذنوب ،بل قد تودم
ٔتسَتة اٟتياة بأسرها.
السوء؛ فمعظم خطوات
كمن ا١تنطلق ذاته يأيت دكر األصحاب كاألصدقاء من رفقاء ُّ
الشيطاف يف التىػلٍبًيس على الشَّاب ا١تستقيم ا١تنضبط تأيت من صديق يم َّ
قرب إليه يزين له عمل
اٟتراـ ،كغالبان ما يدعو إُف ذلك؛ إما بإغرائه بتجربته ،أك بإيقاعه فيه باستخداـ سيف التخجيل
(ُ) كقد جاء يف قرارات مجمع الفقو اإلسالمي ّٔذا الصدد٬" :تب التصدم للمذاهب كاالٕتاهات الفكرية
كل دعوة
السنة ،فكما ال يسوغ اإلفراط ال ٬توز التفريط بقبوؿ ٌ
ا١تعاصرة اليت تتعارض مع مقتضيات الكتاب ك ي
كلو كانت مريبة ،كال بد من إبراز الضوابط للحفاظ على استحقاؽ اسم اإلسبلـ".قرار رقم ُِٓ
(ُ" :)ُٕ/بشأف اإلسبلـ كاألمة الواحدة ،كا١تذاهب العقدية كالفقهية كالًتبوية" .انظر صندكؽ دعم البحث
العلمي ،الشباب في مواجهة الفكر المتطرف – المحور الديني ،ا١تلحق (ِ) ،ص ٔٓ.
(ِ) األنعاـُّٓ:
(ّ) يسِٔ-َٔ :
(ْ) فصلتّٔ :
(ٓ) انظر :الصنعاين ،سبل السالم ،جػ ْ ،ص ِِٓ كما بعدها.
98
اإلسالم وقضايا العصر
كا١تزاح كالسخرية؛ فينبغي على الشَّاب الواعي أف يكوف على قد ور كبَت من الثقة با﵁ أكالن ،مثَّ
بنفسه ثانيان ،فيتسم باٟتزـ يف مواجهة السلوؾ ا٠تاطئ ،فبل يقع فريسةن لفضوؿ التجربة ،كال
سن الشَّباب -خصوصان-؛ القدكة اٟتسنة ،كالرفقة
لضغوط التخجيل؛ كلذلك فعلينا أف نتحرل يف ّْ
السوء من طريقنا البتَّة ،فال ىق ًرين با١تقارف يقتدم(ُ). الطيبة ،كاألصدقاء الصاٟتُت ،كأف نيبعد يرفقاء ُّ
ي
ً ض يه ٍم لًبىػ ٍع و ًو ً
ض ىع يد ّّك إًَّال الٍ يمتَّق ى
ُت"(ِ). قاؿ تعاُفٍ " :األىخ َّبلءي يػى ٍوىمئذ بػى ٍع ي
الملَ ِّهيات :فعلى
العمل الدؤوب والجدية في الحياة وحسن استثمار الوقت بعيداً عن ُ
شباب األمة كأمل مستقبلها أف يراجعوا موقفهم ،كمسلكهم فيما يتصل بالوقت ،كالفراغ؛ فهم
٤تاسبوف عليه كهو عماد اٟتياة ،كبه ترتبط األسئلة األربعة اليت ييسألوا عنها يف اآلخرة؛ كا١تتصلة
بالعمر ،كاٞتسد ،كا١تاؿ كالعلم ،ككلها من متعلقات الوقت كالزمن .فعليهم استثمار بأحسن
حاؿ ،كالبعد عن تضييعه كالتفريط فيه ،كخَت منهج ٥تتصر يوضح سبيل التوفيق يف ذلك هو تدَّبير
اإلنٍ ىسا ىف لى ًفي يخ ٍس ور *
ص ًر * إً َّف ًٍ
الشَّاب معاين سورة العصر ،كاألخذ ٔتقتضاها؛ قاؿ تعاُف " :ىكالٍ ىع ٍ
الص ًٍرب"(ّ) .فاإلنساف يف يخسراف دائم اص ٍوا بً َّ ات كتىػو ً إًَّال الَّ ًذين آىمنيوا كع ًمليوا َّ ً ً
اص ٍوا با ٍٟتى ّْق ىكتىػ ىو ى
الصاٟتى ى ى ى ى ى ىى
١تضي عمر يومان بعد يوـ ،كاستهبلؾ بدنه ،كفناء شبابه ،كقربه من ا١توت ،كغَت ذلك ،إالَّ أنَّه
يستثٌت من ذلك من اتصف بصفات الفبلح كالنجاح؛ فهو رابح يف الدنيا كاآلخرة ،كليس ٓتاسر،
كهذ الصفات هي؛ اإلٯتاف ،كعمل الصاٟتات ،كالتواصي باٟتق بعموـ مفهومه كمشوله للعدالة،
مر أساس يف هتذيب النَّفس ،كٛتلها على اتباع
كا١تكارـ ،كاالستقامة ،كالتواصي بالصرب؛ فهو كما َّ
ٯتر به يف هذ اٟتياة من ابتبلءات ،كمشقات.
شرع ا﵁ كٖتقيق أهداؼ خلق اإلنساف ،كٖتمل ما ُّ
(ُ) انظر :بيومي ،الشيخ ٤تمد ،الحلول اإلسالمية لمشكالت الشباب المعاصرة ،الطبعة األكُف ،دار مكة
ا١تكرمةُِْٔ ،هػ– ََِٓـ .ص ٕٓ.
(ِ) الزخرؼٕٔ :
(ّ) العصرّ-ُ :
99
اإلسالم وقضايا العصر
ك٦تَّا ٬تدر التحذير من إساءة استخدامه؛ كسائل اإلعبلـ ،كا١تواقع االلكًتكنية ا١تختلفة،
ككسائل التواصل االجتماعية؛ فهي سبلح ذك حدين فيها؛ خَت كثَت ،ككذلك شر كاضح عريض.
فليحذر شبابنا من الوقوع يف إضاعة الوقت فيها ،أك إرهاؽ اٞتسم ،كتشتيت الفكر ،أك الوقوع يف
حرـ إُف العورات ،كالوقوع يف الغيبة كالنَّ ًميمة ،كاللَّهو ا﵀ظور ،كااللتًهاء
األفعاؿ ا﵀رمة ،كالنَّظر ا١ت َّ
ي
عن ًذكر ا﵁ ،كعن الصبلة كالواجبات.
استثمار َّ
الشباب في طلب العلمَّ :
إف من أنفس ما يقضي به ا١ترء شبابه طلب العلم؛
فهو أساس الصبلح كالفبلح؛ فإذا اجتمع مع اإلٯتاف ٧تم عنه العمل الصاٌف يف كل األمور(ُ) ،فبل
َّ
بد للشباب من الًتكيز على الدراسة األكادٯتية ،كتعبد ا﵁ بذلك من حيث النيَّة ،كعليهم ٤تاكلة
ك٬تدر بطلبة اٞتامعات بالذات استغبلؿ
تطوير قدراهتم الذاتية كاستغبلؿ الوقت يف طلب العلم ،ي
الفرصة اٞتامعية ،فكل مستقبلهم ا١تهٍت ،أك العلمي مبٍت على ا١ترحلة اٞتامعية األكُف ،كاليت يفرط
فيها مع األسف عدد ملحوظ منهم ،كالذين يقضوف أكقاتان عزيزةن من شبأّم يف السعي إُف ما ال
طائل منه من األكهاـ العاطفية ،كا١تمارسات ا٠تاطئة ،كالعبلقات ا١تشبوهة أك ا﵀ظورة ،كاليت ال
الغم ،كتفوت فرصة العمر بالتسلح ْتظ كافر من العلم العميق يف مرحلة هي األهم تورث إالَّ َّ
ا٢تم ك ٌ
من مراحل اٟتياة؛ فخَت ما يقضي الشاب اٞتامعي كقته به بعد عبادة ا﵁ ،كإقامة فرائضة؛ الدراسة
كالبحث كا١تتابعة ١تا يطلب منه أكادٯتيان ،هذا باإلضافة إُف توسيع مداركه بالقياـ با١تزيد من
ا١تطالعة كالقراءة ،بيغية تشكيل قاعدة ثقافية رصينة.
تحري صالح العمل واإلحسان للمجتمع واألمة( :)2فيجب على الشباب تكريس ٙترة
ِّ
111
اإلسالم وقضايا العصر
ين"(ُ) ،كيتبع ٢تذا قيامهم ٓتدمات جليلة ًً ض إً َّف اللَّهى ال يً٭ت ُّ
ىكال تىػٍب ًغ الٍ ىف ىس ىاد ًيف األ ٍىر ً
ب الٍ يم ٍفسد ى
تطوعية ،كاهتمامهم بأسرهم ك٣تتمعهم ،كمن مظاهر ذلك ما يأيت:
-اىتمام َّ
الشباب باألسرة :فهنالك عدة كاجبات تقع على كل شاب ٨تو أسرته ينبغي له
جعلها جزءن رئيسيان من التزاماته؛ األكؿ منها معنوم ،كيتمثل برضى الوالدين(ِ) ،كصلة الرحم،
كبا﵀افظة على ٝتعة أسرته كمكانتها االجتماعية ،كاآلخر كاجب ماِف يتمثل بوجوب النَّفقة على
القريب الفقَت ،كمساعدة األقارب قدر االستطاعة ،كما كعليهم دكر دعوم يف نصح أفراد األسرة
كتوعيتهم لفعل ما يرضي ا﵁ ،كخاصة إخوهتم ٦تَّن هم أصغر سنان ،كأقل خربة يف اٟتياة ككعيان يف
أمورها.
َّ -
الشباب والمجتمع واألمة :قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلمُّ :
"الرب يحسن ا٠تيلق"،
كحسن ا٠تلق كضد ،من األمور اإلرادية ا١تكتسبة فهو يعود إُف اختيار العبد ذاته(ّ)؛ كلذلك فإنَّه
على الشَّباب أف يكونوا على بيّْنة من أ٫تية دكرهم يف بناء ٣تتمعهم كالنهوض به ،كهذا ال يكوف
إالَّ باالنتماء العميق له ،مث باإلحساف يف التعامل مع عموـ الناس؛ كمن كاجب الشَّباب إجبلؿ
العلماء ،كتوقَت الكبار ،كالرٛتة بالصغار .فمن هدم نبيهم صلى ا﵁ عليه كسلم ،كهو القائل:
"ليس منَّا من َف ييوقّْر كبَتنا ،كيًرحم صغَتنا ،كيعرؼ ىلعالً ًمنىا ىح ٍقه"(ْ).
بالسماىحة يف الفكر كالسلوؾ يف معاملة الناس؛ كهي كما كضح
ّْساـ َّ
ك٦تَّا يتبع لذلك االت ى
"سهولة ا١تعاملة يف اعتداؿ؛ فهي كسط بُت التضييق كالتساهل ،كهي راجعة إُف معٌت
ابن عاشور :ي
االعتداؿ كالعدؿ كالتوسط ...فالسماحة :السهولة ا﵀مودة فيما يظن النَّاس الت ً
َّشديد فيه ،كمعٌت ٌ
(ُ) ال ىقصصّٕ:
(ِ) انظر :الغزاِف ،إحياء علوم الدين ،جػ ّ ،ص َّٗ كما بعدها .الصنعاين ،سبل السالم ،جػ ْ ،ص ُِٔ
كما بعدها.
(ّ) الصنعاين ،سبل السالم ،جػ ْ ،ص ِْٔ.
(ْ) أخرجه الًتمذم يف سننو ،عن عبد ا﵁ بن عمرك مرفوعان.
111
اإلسالم وقضايا العصر
ً
كوهنا ٤تمودة َّأهنا ال تيفضي إُف ضر أك فساد"(ُ) .كلذلك فإنَّه ينبغي على الشَّباب كبح ٚتاح
اندفاع القوة الغضبية ،كاألخذ بالعفو يف معاشرته ألفراد آّتمع ،ذكم ا١تيوؿ كاألخبلؽ ا١تتباينة،
كعليهم أيضان التعامل با١تعركؼ كاإلعراض عن اٞتاهلُت؛ فليس البطش ،كالعينف ،كال القتل -
كالعياذ با﵁٦ -تَّا يقبله اإلسبلـ اٟتنيف(ِ) ،بل ينبغي أف يكوف يخلق الشَّاب ا١تسلم؛ التعامل مع
ً ً ً (ّ )
الناس بالعفو ،كالتسامح ،كاٟتلم ،قاؿ تعاُف ":يخذ الٍ ىع ٍف ىو ىكأ يٍم ٍر بًالٍ يع ٍرؼ ىكأ ٍىع ًر ٍ
ض ىع ًن
ُت"(ْ). ٍ ًً
اٞتىاهل ى
ككذلك األمر َّ
فإف من خَت الوسائل العمل التطوعي العاـ يف خدمة آّتمع بعمومه،
با١تسا٫تة يف أعماؿ اإلعمار ،كالصيانة التطوعية ،كالتحديث ،كخدمة البيئة كٛتايتها ،كالزراعة،
ككذلك العناية بكبار السن ،كتقدمي العوف ٢تم.
كباإلضافة إُف ذلك؛ فينبغي على كل شاب أف ال ينسى دكر اإلصبلحي يف ٣تتمعه،
كا١تتمثل باألمر با١تعركؼ كالنهي عن ا١تنكر؛ كفقان لدرجة علمه ،كقدرته ،فينبغي عليه أف ينصح من
ي
و ً ً ً ً ً
حوله ،كيوجههم لطريق ا٠تَت كالنجاة ،قاؿ تعاُف" :قي ٍل ىهذ ىسبًيلي أ ٍىد يعو إً ىُف اللَّه ىعلىى بىص ىَتة أىنىا
ىكىم ًن اتػَّبىػ ىع ًٍت"(ٓ).
المدوامة على مراجعة النفس ومحاسبتها( )6والتوبة إلى اهلل تعالى؛ َّ
إف من أهم األمور ُ
اليت ٬تدر على شبابنا معاكدهتا؛ التوبة إُف ا﵁ باستمرار .فقد جاء يف اٟتديث الشريف" :كل ابن
112
اإلسالم وقضايا العصر
تؤخر إُف
تعوض ،فقد جعل ا﵁ التوبة ا١تقبولة للذنوب اليت تكوف قريبة لوقت ا١تعصية ،أما اليت َّ
ًًً ًَّ
آخر عمر ؛ فقد ال تقبل منه ،فلنحذر من ذلك ،قاؿ تعاُف" :إ٪تىا التػ ٍَّوبىةي ىعلىى اللَّه للَّذ ى
ين
ً ً
يما.
يما ىحك ن
ً
وب اللَّهي ىعلىٍيه ٍم ىكىكا ىف اللَّهي ىعل ن ك يػىتي ي يب فىأيكلىئً ىالسوء ًّتى ىهالى وة يمثَّ يػىتيوبيو ىف ًم ٍن قى ًر و
يػى ٍع ىمليو ىف ُّ ى
ت التػَّوبةي لًلَّ ًذين يػعمليو ىف َّ ً كلىيس ً
ت اآلف اؿ إً ّْين تػيٍب ي ت قى ى ىح ىد يه يم الٍ ىم ٍو ي السيّْئىات ىح َّىت إًذىا ىح ى
ضىر أ ى ى ىٍ ى ٍى ىٍى
ً َّ ً
يما"(ُ). َّار أيكلىئً ى
ك أ ٍىعتى ٍدنىا ى٢تي ٍم ىع ىذابنا أىل ن ين ٯتىيوتيو ىف ىكيه ٍم يكف ه
ىكالالذ ى
113
اإلسالم وقضايا العصر
الٕسد ٚالسابعٛ
114
اإلسالم وقضايا العصر
الوحدة الرابعة
اإلشالم وقضايا األشرة
األسس ٚأِىٗتّا ٔأسص تهٍّٕٖا يف اإلسالً.
متّٗد:
الفطرة البشرية ٘تيل إُف تكوين حياة زكجية،تعود باالثر الطيب على حياة الفرد النفسية
كاالجتماعية،فمن سعادة الفرد ذكرا كاف أك أنثى أف يكوف له أسرة فيها االكالد كالبنات فتسكن
النفس كتستأنس ّٔذ األسرة قاؿ تعاُف(:كمن آياته أف خلق لكم من انفسكم أزكاجا لتسكنوا
إليها كجعل بينكم مودة كرٛتة) (ُ) كقاؿ تعاُف (كجعل منها زكجها ليسكن إليها) (ِ) الرجل كا١ترأة
إف اخذا باألسباب اليت تعينهم على أف تكوف اٟتياة الزكجية سعيدة دافعة ٢تم لبلستقرار
كالطمأنينة.
(ُ) الركـُِ:
(ِ) األعراؼ ُٖٗ
(ّ) البقرة ّٓ
(ْ) النورِّ :
115
اإلسالم وقضايا العصر
116
اإلسالم وقضايا العصر
على خطبة أخيه ،قاؿ صلى ا﵁ عليه كسلم "ال ٮتطب أحدكم على خطبة أخيه حىت ينكح أك
يًتؾ"(ُ).
كحرصان على األخوة بُت أبناء آّتمع ا١تسلم منع الشارع من خطبة ا١تعتدة من خبلؼ
رجعي أك بائن أك من كفاة ،لتعلق حق الغَت با١تخطوبة ،كبقاء بعض آثار الزكاج أثناء العدة
بالنسبة لزكجها.
ككذلك ال ٬توز خطبة من كانت ٤ترمة على ا٠تاطب مؤبدان كمؤقتان ،ك٭ترـ خطبة امرأة
متزكجة من زكج آخر كهي ال تزاؿ يف عصمته ،كل ذلك حفاظان على حق الغَت كعمبلن بقوله
صلى ا﵁ عليه كسلم "كل ا١تسلم على ا١تسلم حراـ دمه كماله كعرضه"(ِ).
الجالج :ٛالظّٕد:
قاؿ رسوؿ ا﵁ ال نكاح إال بوِف كشاهدم عدؿ(ّ) ألف يف الشهادة حفظا ٟتقوؽ الزكجة
كالوِف كيدرأ التهمة عن الزكجُت ك٭تفظ نسب الولد.
السابع :ٛالٕل٘:
يتوُف عقد الزكاج األب أك اٞتد كهو كِف ا١ترأة ،كجود الوِف ال ٯتنع من أف ٗتتار ا١ترأة
زكجها بنفسها ككجد الوِف ٟتماية ا١ترأة كونه يعلم بطبيعة الرجاؿ.
هنالك عوامل ال بد من توفرها لنجاح الزكاج كحىت ٭تققأغراضه كمن أبرزها:
أ .من حسن اإلختيار أف ٮتتار الرجل كا١ترأة شريكه على أساس الدين كا٠تلق.
ُ .حسن االختيار(ْ).
117
اإلسالم وقضايا العصر
االختيار حق للرجل كا١ترأة على السواء ،فعليهما أف ٮتتارا من يريدا أف يقضيا حياهتما
معه ،كأرشد إف اإلسبلـ إُف حسن االختيار حيث قاؿ عليه الصبلة كالسبلـ(:تيػٍن ىك يح الٍ ىم ٍرأىةي ًأل ٍىربى وع:
ً ً ً ًً ً ً ً ً
ل ىما٢تىا ،ىكٟتى ىسبً ىها ،ىكٞتى ىما٢تىا ،ىكلدين ىها ،فىاظٍ ىف ٍر بً ىذات الدّْي ًن تى ًربى ٍ
(ُ)
(كقاؿ عليه الصبلة ت يى ىد ىاؾ)
كالسبلـ ( :إذا خطب إليكم من ترضوف دينه كخلقه فزكجو إال تفعلوا تكن فتنة يف األرض كفساد
عريض)(ِ) فاختيار الزكج كالزكجة على أساس الدين كا٠تلق من العوامل اليت تساعد على ا٧تاح
هذا الزكاج ،كال مانع أف ٮتتار مع الدين كا٠تلق الطيب ا١تاؿ كاٞتماؿ كالصحه كالسبلمة البدف ألف
هذ االمور تتفق مع الفطرة اإلنسانية.
جاءت توجيهات الشارع اٟتكيم يف كتاب ا﵁ عز كجل كسنة رسوله صلى ا﵁ عليه كسلم
بدعوة كل من الرجل كا١ترأة إُف االجتهاد كالتحرم كبذؿ اٞتهد يف حسن اختيار الطرؼ اآلخر
ففي القرآف الكرمي قاؿ تعاُف:فالصاٟتات قانتات حافظات للغيب ٔتا حفظ ا﵁(ّ) كقاؿ تعاُف:
عسى ربه إف طلقكن أف يبدله أزكاجان خَتان منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات
سائحات ثيبات كأبكاراو(ْ) كجاء يف سورة األحزاب عشر صفات يف كل من الرجاؿ كالنساء لو
ركعيت يف حسن االختيار قبل الزكاج كعند الزكاج لظفر اإلنساف ٓتَتم الدنيا كاآلخرة قاؿ تعاُف:
(إف ا١تسلمُت كا١تسلمات كا١تؤمنُت كا١تؤمنات كالقانتُت كالقانتات كالصادقُت كالصادقات كالصابرين
كالصابرات كا٠تاشعُت كا٠تاشعات كا١تتصدقُت كا١تتصدقات كالصائمُت كالصائمات كاٟتافظُت
فركجهم كاٟتافظات كالذاكرين ا﵁ كثران كالذاكرات أعد ا﵁ ٢تم مغفرة كأجرا عظيما)(ٓ).
118
اإلسالم وقضايا العصر
كيف السنة ا١تطهرة قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم "ما كسب ا١ترء بعد إسبلمه خَت له
من إمرأة صاٟتة تسر إذا نظر كتطيعه إذا أمر ،كال ٗتالفه يف نفسها كماله ٔتا يكر "(ُ) .كقاؿ صلى
ا﵁ عليه كسلم يف ٥تاطبة كتوجيه ا١ترأة كأكليائها "إذا جاءكم من ترضوف دينه كخلقه ،كيف ركاية
كأمانته ،فزكجو إال تفعلوا تكن فتنة يف األرض كفساد كبَت"(ِ).
كا١ترأة تتأثر بأسرهتا فتنتقل إليها الصفات الطيبة من خبلؿ أصلها كأمهاهتا كخاالهتا
كعماهتا ،باعتبار أف األصل كالنسب ٢تما أثر كبَت يف نسيج اٟتياة الزكجية قاؿ صلى ا﵁ عليه
كسلم" :الناس معادف كمعادف الذهب كالفضة خياركم يف اٞتاهلية خياركم يف اإلسبلـ إذا
(ّ)
كقاؿ اٟتبيب ٤تمد صلى ا﵁ عليه كسلم "ٗتَتكا لنطفكم ،كانكحوا األكفاء كانكحوا فقهوا"
إليهم" كقاؿ أيضان "ٗتَتكا لنطفكم فإف العرؽ دساس"(ْ) كقاؿ الفاركؽ عمر بن ا٠تطاب رضي ا﵁
عنه "إياكم كخضراء الدمن فإهنا تلد مثل أبيها كأخيها كعمها كعليكم بذكات األعراؽ فإهنا تلد
مثل أبيها كأخيها كعمها"(ٓ).
كقد يسأؿ سائل ١تاذا اٟترص على حسن االختيار من قبل الزكج كمن قبل الزكجة نقوؿ
إجابة على هذا السؤاؿ" :كالباعث على حسن االختيار عند إرادة الزكاج هو ٖتصُت الفرج،
كالتمتع بالنعمة ،كالتماس الذرية ،ألف النسل امتداد لئلنساف فذكر الفىت عمر الثاين ،كمن مث فإف
أهم مقومات االختيار الدين كا٠تلق اٟتسن ،فيحسن بالرجل أال ٬تعل جل اهتمامه كغاية منا
هو إف ظ فر بامرأة ٚتيلة أك امرأة غنية أك امرأة حسيبة نسيبة على حُت أنه دكهنا يف كل ذلك،
(ُ) سنن النسائي ،كتاب النكاح ،باب أم النساء خَت يف حديث (ُّٕٗ) كأٛتد يف مسند حديث
(ُُْٕ).
(ِ) أخرجه الًتمذم ،كتاب النكاح ،باب إذا جاءكم من ترضوف دينه حديث (ََُْ).
(ّ) أخرجه مسلم يف صحيحه حديث (ِّٖٔ).
(ْ) أخرجه ابن ماجة ،كاٞتامع الصغَت للسيوطي (َّٓ)ُ/
(ٓ) أخرجه الدار قطي ،كاإلفصاح (ٖٔ.)ُ/
119
اإلسالم وقضايا العصر
كالعاقل الذكي الفطن هو الذم ٭ترص على االقًتاف بإمرأة ذات دين قومي كخلق ٛتيد ،فهذ هي
اليت يكوف الزكاج ّٔا أجل ،كأكمل ،كتستقر ّٔا اٟتياة الزكجية ،دكف نكد أك تنفيص.
فحسن االختيار يعترب عنصران كأساسان هامان من أسس ٧تاح الزكاج كيشهد لذلك سجبلت
ا﵀اكم الشرعية يف عا١تنا العريب كاإلسبلمي عامة كا﵀اكم الشرعية يف أردننا اٟتبيب بشكل خاص
كمن ذلك أف الزكاج كالطبلؽ يقعاف يف األسبوع :الزكاج يف أكؿ األسبوع كالطبلؽ يف هنايته كهذا
دليل عدـ حسن االختيار ،فمطلوب من الشاب أف يتحرل عن الفتاة من خبلؿ أسرهتا ،جَتاهنا،
زميبلهتا يف الدراسة ،زميبلهتا يف العمل عن دينها كخلقها ،كسَتهتا الذاتية ،ككذلك اٟتاؿ بالنسبة
للفتاة أف تتحرل عن شريك حياهتا من خبلؿ أسرته ك٣تتمع رفاقه ،كزمبلئه يف الدراسة كالعمل كيف
كبل اٟتالتُت يستشار أصحاب الدين كا٠تلق كا١تستشار مؤ٘تن كأقوؿ ألبنائي الطبلب كبنايت
الطالبات يف عاَف البناء إذا أراد اإلنساف أف يبٍت بيتا فإنه يسعى للحصوؿ على أعبل ا١تواصفات
ا٢تندسية فبيت اٟتياة الزكجية أكُف بالتحرم كالسؤاؿ من أجل بناء أسرة قوية كيف النهاية ٣تتمع
صاٌف متماسك ،كسأذكر بعض صفات الزكج الصاٌف كالزكجة الصاٟتة.
فإف ا١ترأة إنساف كأٚتل ما فيه دينه كخلقه ،فإف أكيت اإلنساف حظه من ذلك فقد أكيت
نصيبه من اٞتماؿ اٟتق قاؿ تعاُف( :فالصاٟتات قانتات حافظات للغيب ٔتا حفظ ا﵁) (ُ).
كالتدين هو ا١تعيار األكؿ الذم ينبغي على الزكج أف يضعه نصب عينيه قاؿ صلى ا﵁
عليه كسلم "تنكح ا١ترأة ألربع١ :تا٢تا ،كٟتسبها كٞتما٢تا كلدينها فاظفر بذات الدين تربت
يداؾ"(ِ).
كٮتطئ من يفهم من هذا اٟتديث أف اإلسبلـ ال يعًتؼ بطبيعة اإلحساس اإلنساين كميله
٨تو اٞتماؿ كاٟتسب كا١تاؿ ،فهي من األمور ا١ترغوبة ،فجماؿ ا١ترأة يساهم يف إحصاف الزكج
111
اإلسالم وقضايا العصر
كغض بصر عن غَتها قاؿ صلى ا﵁ عليه كسلم" :ما استفاد ا١تؤمن بعد تقول ا﵁ خَتان له من
زكجة صاٟتة :من إف أمرها أطاعته ،كإف نظر إليها سرته ،كإف أقسم عليها أبرته ،كإف غاب عنها
نصحته يف نفسها كماله) (ُ).
ككذلك ا١تاؿ له أ٫تية يف استقرار البيت كاقتصاد ،فاإلنساف ٬تب أف يكوف أكالد أغنياء،
كما ٬تب تساعد زكجته يف نفقه البيت ،كما أف اإلحساس بالشرؼ كاٟتسب يدفع إُف التزاـ
الشرؼ ،كقد حذر رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم من تقدمي عنصر اٞتماؿ كا١تاؿ على حساب
الدين قاؿ صلى ا﵁ عليه كسلم "ال تزكجوا النساء ٟتسنهن ففي حسنهن أف يرديهن ،كال تزكجهن
ألموا٢تن فعسى أموا٢تن أف تطغيهن ،كلكن تزكجهن على الدين كألمة خرماء سوداء ذات دين
أفضل"(ِ).
كحىت يتحقق النجاح للزكاج ٭تسن بالزكجة أف ٖتسن اختيار زكج صاٌف فإذا مت ذلك من
قبل الطرفُت كانت النتيجة بناء بيوت سليمة قوية ،عمادها اٟتب ال الكر ،كالرضا ال اإلجبار
٭تفظ كل منهما حق اآلخر رضي ا﵁ عن اٟتسن بن علي حُت قاؿ" :زكج ابنتك ذا دين إذا
أحبها أكرمها ،كإف بغضها َف يظلمها"(ّ).
فالزكجة العاقلة هي اليت تتطلع إُف االرتباط بزكج ذا خلق كدين كأف تقدـ ذلك على اٞتا
كا١تاؿ ،ألف الفقَت صاحب ا٠تلق غٍت بأخبلقه ،كالفاسد الغٍت فقَت بسوء خلقه كإُف ذلك أشار
القرآف الكرمي قاؿ تعاُف( :إف يكونوا فقراء يغنهم ا﵁ من فضله) (ْ).
كألف صاحب ا١تاؿ إذا َف يكن صاٟتان يضيع ماله بُت عشية كضحاها يف لعب القمار،
كصحبته يف السهرات ،كعقله بشرب ا٠تمر كا١تخدرات كمن خبلؿ ذلك تضيع كافة حقوؽ
111
اإلسالم وقضايا العصر
الزكجة ،كأما صاحب ا٠تلق كالدين يعلم علم اليقُت قوؿ الرسوؿ صلى ا﵁ عليه كسلم "ال تزكؿ
قدما عبد يوـ القيامة حىت يسأؿ عن أربع :عن عمر فيما أفنا ،كعن شبابه فيما أببل ،كعن ماله
من أين اكتسبه كفيما أنفقه ،كعن علمه ماذا فعل فيه"(ُ).
كال يفوتنا أف نذ ٌكر بدكر األب كاألـ يف مساعدة الفتاة على حسن االختيار خاصة يف
هذا العصر الذم نعيش فيه ،فليس كل ما يلمع ذهبان ،كينبغي أف يكوف ميزاف االختيار ،هو ميزاف
التقول ،قاؿ تعاُف (إف أكرمكم عند ا﵁ أتقاكم).
كهذا ٖتذير من النيب صلى ا﵁ عليه كسلم لكل من ترفض صاحب ا٠تلق كالدين.
كعمبلن ّٔذ التوجيهات القرآنية كالنبوية ،تقدـ الوليد بن عبدا١تلك بن مركاف ٠تطبة ابنه
سعيد بن ا١تسيب أحد علماء التابعُت كعرض عليه كزهنا بالذهب فرفض تزك٬تها منه ،مث سجنه،
كرفض ،كزكجها على أربعة دراهم ألحد طبلب علمه الفقراء كهو عبدا﵁ بن أيب كداعه عمبلن
بقوؿ تعاُف "إف أكرمكم عند ا﵁ أتقاكم"(ِ).
كمسألة الزكاج كحسن االختيار مسألة مهمة يف حياة ا١ترأة ،ألهنا مسألة حياة أك موت،
فشل أك سعادة ،فعليها أف تستشَت كتستخَت ،كأف تسدد كتقارب كقاؿ أحد علماء ا١تسلمُت
عامر الشعيب "من زكج ابنته من فاسق فقد قطع رٛته"(ّ).
ب .القوة كاألمانة :كهذا ما جاء على لساف ابنه شعيب عليه السبلـ حُت قالت ألبيها:
قاؿ تعاُف (يا أبت استأجر إف خَت من استأجرت القوم األمُت) (ْ).
فالقوة كاألمانة صفتاف تتطلع كل امرأة عاقلة كاعية إُف كجود٫تا يف شريك حياهتا ،ككل
كاحدة منهما مكملة لؤلخرل ،فإذا انفصلت إحدا٫تا عن األخرل أدل ذلك إُف خلل كبَت ،كقد
112
اإلسالم وقضايا العصر
امتدح الرسوؿ عليه الصبلة كالسبلـ ا١تسلم القوم بقوله "ا١تؤمن القوم خَت كأحب إُف ا﵁ من
ا١تؤمن الضعيف"(ُ).
كمفهوـ القوة :ال تعٍت قوة اٞتسم كالعضبلت ،كإ٪تا تعٍت قوة ا١تبدأ كقوة ا١توقف ،كقوة
الشخصية ،قوة اإلرادة ،قوة اٟتجة ،قوة ا١تنطق .كما أف األمانة صفة مكملة للقوة كهي تعٍت أف
يكوف أمينان على عرضها أمينان على شرفها ٭تافظ عليه ،غيوران عليها ال يسمح ألحد باالعتداء
(ِ)
عليها قاؿ صلى ا﵁ عليه كسلم "أتعجبوف من غَتة سعد ،فو ا﵁ ألنا أغَت منه ،كا﵁ أغَت مٍت"
كقاؿ صلى ا﵁ عليه كسلم "ال يدخل اٞتنة ديوث ،قالوا من الديوث يا رسوؿ ا﵁؟ قاؿ :الذم
يرل العيب يف أهله كيسكت"(ّ).
كمن معاين هذ األمانة أف يلبسها لباس التقول ،كأف ال تبد زينتها كٚتا٢تا لغَت امتثاالن
(ْ)
كقوله تعاُف (كال يبدين زينتهن إال لقوله تعاُف (كال يبدين زينتهن إال ما ظهر منها)
لبعولتهن)(ٓ).
فإذا ما مت حسن االختيار بناء على هذ ا١تعايَت ،فإف ذلك من شأنه أف يساهم يف ٧تاح
اٟتياة الزكجية كٕتنب الفشل الذم يشكل خطران كبَتان على الزكجُت كاألسرة كآّتمع ،كما أكثر
كقوعه يف زماننا كسببه عدـ مراعاة ما ذكرنا من الصفات السابقة كاألخذ ّٔا.
ِ-القدرة على النفقة(ٔ) :من الواجبات اليت ألقيت على كاهل الزكج أف ينفق على أهل
بيته من الزكجة كاألكالد ،كهذ النفقة تكوف مضبوطة بقدر حاؿ صاحبها كالعرؼ ما يعد من
النفقه اليت ٭تب اف تقدـ لبلسرة ،كهذ النفقه كإف كانت كاجبة على الزكج فبل بأس اف كاف فقَتا
113
اإلسالم وقضايا العصر
اف تساعد زكجته اف كانت غنيه كنفقتها من قبيل الصدقه تؤجر عليها ،كال بد من اإلشارة إُف
أنه نفقة الرجل على أهلي بيتيه ٬تب أف تكوف من حبلؿ لتنعم األسرة بالسعادة.
ّ -الكفاءة من العوامل ا١تهمة جدا يف ٖتقيق الزكاج الناجح ،كا١تقصود يف الكفاءة النظَت
كا١تساكاة كتكافأ الشيئاف أم ٘تاثبل )ُ(.كالكفاءة عند الفقهاء ا١تماثلة بُت الزكجُت دفع للعار يف
(ِ)
امور ٥تصوصة
كعرفها اٞترجاين":أف يكوف الرجل مساكيان ا١ترأة كنظَتها يف خصاؿ ٤تدكدة كالدين
كالنسب كاٟترية كالصنعة ك٨تو ذلك) (ّ).
كتتمثل الكفاءة يف الدين كالنسب كاٟترية كيسر اٟتاؿ الغٌت كالفقر كالعلم .فإذا كاف
هنالك ٘تاثل تساكم بُت االزكاج كلما كانت اٟتياة الزكجية أ٧تح كأبعد عن ا١تنازعات اليت تبٌت
على ادعاء كبل منهما أنه هو االفضل.
كقد أشار ا١تصطفى على فاطمة بنت قيس بقبوؿ الزكاج من أسامة بن زيد رضي ا﵁
عنهما(ْ) ،كما أف الرسوؿ زكج زيد بن حارثة ابنة عمته زينت بنت جحش األسدية(ٓ) كفوؽ ذلك
قوؿ ا﵁ تعاُف( :يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر كأنثى كجعلناكم شعوبان كقبائل لتعارفوا إف
أكرمكم عند ا﵁ أتقاكم (ٔ).
(ُ) (ابن منظور ،لساف العرب ،طبعة دار صادر ،بَتكت ،طبعة الثالثةُُْْ(،ق) ،حُ ،صُّٗ)
(ِ) الزحيلي ،الفقه اإلسبلمي كأدلته ،طبعة دار الفكر دمشق ،ج ٗ،ص ُّٓ.
(ّ) التعريفات للجرجاين ص ُْٗ.
(ْ) صحيح مسلم (ُُُْ.)ِ/
(ٓ) الدار قطٍت (َُّ )ّ/كالبيهقي يف السنن الكربل (ُّٕ)ٕ/
(ٔ) اٟتجرات)ُّ( :
114
اإلسالم وقضايا العصر
115
اإلسالم وقضايا العصر
بغَت الكفء صح النكاح ،ألف الكفاءة حقهم ،كقد اسقطو جاء يف الفقرة (ب) من ا١تادة
اٟتادية كالعشرين من هذا القانوف "الكفاءة حق خاص با١ترأة كالواِف"(ُ).
فإف زكجت ا١ترأة نفسها من غَت رضا الوِف فيجوز للوِف على مذهب اٟتنفية االعًتاض
كأف يطالب بفسخ العقد.
كبعد هذا العرض عن الكفاءة فإهنا قد تكوف سببان يف فشل ا لزكاج إذا َف تراع بُت
الزكجُت كمن ذلك التباين بُت الزكجُت يف ا١تستويات ا١تادية كاالجتماعية ،كاختبلؼ البيئات
كالطباع ،فمن يعيش يف األرياؼ ٗتتلف طباعه عمن يعيش يف ا١تدينة بفعل ا١تؤثرات ،كمن مث فإف
نبينا ٤تمد صلى ا﵁ عليه كسلم حث على مراعاة الطباع ا١تكتسبة يف الزكج كالزكجة عند إرادة
الزكاج ،باعتبار أف ٥تالفة الطباع كالصفات ا١تكتسبة ١تا شرطه الشارع اٟتكيم تؤدم إُف عدـ
التفاهم بُت الزكجُت ،كٕتعل كبل منهما فكريان يف منأل عن اآلخر ٦تا تكثر معه ا١تشكبلت اليت
تنتهي غالبان بالطبلؽ كهذ هناية غَت سعيدة للزكاج فلنحرص على مراعاة الكفاءة.
ْ -ا١تشاركة يف ا١تسؤكلية من قبل الزكجُت من عوامل السعادة بينهما ،فمعرفة اٟتقوؽ
كالواجبات لكبل الطرفُت أمر مهم يف غاية اال٫تية ليعرؼ كل منهما ما يطلب منه كهذا ٭تقق
السعادة يف األسرة بأكملها قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم(:كلكم راع ككلكم مسؤكؿ عن
رعيته كالرجل راع على أهل بيته ،كا١ترأة راعية على بيتزكجها ككلد ،فكلكم راع ككلكم مسؤكؿ
عن راعيته)(ِ) كقد جعل ا﵁ عز كجل القوامة للرجل على زكجته لقوله تعاُف الرجاؿ قواموف على
النساء ٔتا فضل ا﵁ بعضهم على بعض كٔتا أنفقوا) (النساء )ّْ :كالقوامة اليت أسندها ا﵁ للرجل
تتمثل بقياـ الرجل بتدبَت كرعاية كٛتاية أفراد األسرة كهذ القوامة مضبوطة بأمرين كما ذكرهتا
االيات ٔتافضل ا﵁ بعضهم على بعض ام تكوين الرجل ٮتتلف عن تكوين ا١تراة فهي أميل
116
اإلسالم وقضايا العصر
للعاطفة كالرقة يف اٗتاذ القرارات ،كاالمر الثاين ٔتا أنفقوا على زكجاهتم فإف َف يتحقق األمراف فبل
قوامة للزكج على زكجته ،كقوامة الرجل يف شؤؤف االسرة ليس معناها استبداد الرجل يف شؤؤف ا١ترأة
كظلمها كعدـ استشارهتا كاعتبار رأيها خطأ كرأيه هو الصواب كا٪تا معنا اف يتم التشاكر بينهما
يف أم أمر من االمور ا١تشًتكة بينهما كقرار ٮتص البيت كاالسرة كيقنعا بعضهما البعض يف الرام
ا١تطركح لكل منهما فإف َف يتوصبل اُف قرار مشًتؾ فإف الذم ٬تزـ االمر صاحب القوامة هنا كهو
(ُ)
الرجل
ٓ -العدؿ :من عوامل ٧تاح اٟتياة الزكجية العدالة يف ا١تعاملة بُت الزكجُتْ،تيث ٬تب أف
يوازف الطرفُت بُت اإل٬تابيات كالسلبيات يف السلوكيات اليت تصدر منهما فبل يغضبا التفه
االسباب كيرتبا على ذلك طبلقا اك مشكلة كبَتة،فبل يظلم الرجل زكجته كيكلفها فوؽ طاقتها كال
يؤذيها ابدا بالقوؿ اك الفعل ،ككذؿ ا١ترأة ال تظلم زكجها كتكلفه فوؽ طاقته كال تؤذيه بأمه
كأخواته كغَت ذلك من اعماؿ الظلم ا١تختلفة ،قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى كسلم(:ال يفرؾ مؤمن مؤمنة
(ِ)
إف كر منها خلقا راضيه منها آخر).
ٔ -ا١تعاملة الطيبة كالعشرة اٟتسنة من عوامل ٧تاح العبلقة الزكجية اليت قاؿ ا﵁ عزكجل
فيها الستمرار هذ العبلقة(:كعاشركهن با١تعركؼ)(ّ) العبلقة الزكجية تبٌت على االخبلؽ اٟتميدة
كا١تعاملة اٟتسنة كالبعد عن األذل كالشح كاألنانية كغَتها من األخبلؽ كالسلوكيات اليت تعمل
شرخا كبَتا يف العبلقة بُت الزكجُت(ْ).
117
اإلسالم وقضايا العصر
ٕ -ا﵀افظة على األسرار الزكجية كعدـ نشرها بُت الناس من العوامل اليت تسعد الزكجُت
كتبعد عنهم ا١تشاكل كا٠تبلفات قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم(:أف من شر الناس عند ا﵁
ُ)
منزلة يوـ القيامة ،الرجل يفضي إُف امرأته كتفضي إليه مث ينشر سرها)(
كال بد من اف االهتماـ باالزكاج الذين يف بدايه حياهتما اٞتديد كذلك من خبلؿ عمل
دكرات تدريبية تأهيلية ليفهم كبل منهما طباع االخر كالتهيئة للحياة الزكجية،كال ننسى اف ننشر
ثقافه ا﵀افظة على اٟتياة الزكجية من خبلؿ ا١تناهج التعليمية يف ا١ترحلة الثانوية لنخفف من
الطبلؽ الذم يرتفع يف ا﵀اكم الشرعية يف الببلد االسبلمية.
كقبل عقد الزكاج هنالك ا٠تطبة كهذ ا١ترحلة مهمة جدا ،فا٠تطبةيف اإلسبلـ من العقود
ا٢تامة اليت ٖتتاج إُف مقدمات من ا١تتعاقدين ،كعقد الزكاج من أهم العقود اليت يسبقها خطبة،
كيقصد با٠تطبة طلب الزكاج من فتاة معينة ،ساء طلب من الفتاة أك من أحد اهلها (ِ).إف
ا٠تطبة باألصل تكوف عندما يطلب الرجل الفتاة للزكاج كهو ال يعدها كال يعد اهلها بذلك كإ٪تا
ٮتطبها ام يستكمل التعرؼ عليها ككذلك هي تتعرؼ عليه مث ٮتتاراف ا٘تاـ عقد الزكاج الذم بدا
با٠تطبة اـ ال حسب ما يتوصبلف اليه كليس هنالك ما ٯتنع شرعا أف تقًتف ا٠تطبة بوعد من قبل
ّ)
الطرفُت بالزكاج(
كقد شرع ا﵁ ا٠تطبة بأدلة كثَتة من القرآف كالسنة كاإلٚتاع حيث قاؿ سبحانه كتعاُف كال
جناح عليكم فيما عرفت به من خطبة النساء اك اكننتم يف انفسكم علم ا﵁ انكم ستذكركهنن
كلكن ال تواعدكهن سرا إال أف تقولوا قوال معركفا كال تعزموا عقدة النكاح حىت يبلغ الكتاب أجله)
(ُ) مسلم ،الصحيح ،طبعة السعودية ،نشر كتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية ك اإلفتاءََُْ،هجرم،
كتاب النكاح ،باب ٖترمي إفشاء سر ا١ترأة ،حديثُّْٕ.
(ِ) القرطيب،التفسَت ،جّ ،ص ُٖٗ،طبعة دار الكتاب العريبُٕٔٗ
(ّ) الرفاعي كالعزيزم ،ا١ترأة يف اإلسبلـ،صفحة َُٓ
118
اإلسالم وقضايا العصر
(البقرة ِّٓ)قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم(:ا١تؤمن اخو ا١تؤمن فبل ٭تل للمؤمن أف يبتاع
(ُ)
على بيع أخيه كال ٮتطب على خطبته حىت يذر)
كيستحب للخاطب أف يرل من ٥تطوبته ما يدعو إُف الزكاج منها كقد طلب النيب صلى
ا﵁ عليه كسلم من ا١تغَتة بن شعبة عندما إراد خطبة امرأة أف ينظر إليها(:انظر اليها فإنه أحرل أف
يؤدـ بينكما)(ِ)(كيسنن للخاطب اف يستخَت ا﵁ يف ٥تطوبته ككذلك ا١تخطوبه تستخَت ا﵁ فيه
ايضا مع االخذ باالسباب من السواؿ كاالستفسار عن هذا الذم يود كتود االرتباط به كيكوف
ّ)
الًتكيز على الدين كاالخبلؽ كالكفاءة كالقدرة ا١تالية للنفقه على زكجته (
ك٬تب أف نبلحظ أف يف هذا الزمن قد كثرت أنواع الزكاج ،كيف غالب هذ األنواع
٥تالفات شرعية منها :زكاج الدـ كزكاج الوشم كزكاج ا١تسيار حيث تتنازؿ ا١ترأة يف زكاج ا١تسيار
عن النفقة ،كغَت ذلك من األنكحة ا١تختلفة.
()4
الزٔاز املدٌ٘
ظهرت فكرة الزكاج ا١تدين يف أكركبا ،ككاف ا٢تدؼ من هذ الفكرة إبعاد الزكاج عن ا١تظلة
الدينية ،حيث بقي الزكاج خاضعان للكنيسة يف إبرامه كتنظيمه كانتهائه.
كيعد الزكاج ا١تدين امتدادان طبيعيان لفكرة فصل الدين عن الدكلة ،أك فصله عن الدنيا ،فهو
نتيجة طبيعية ١تبدأ العلمانية اليت تبنته الشعوب األكركبية فراران من سطوة الكنيسة كسلطاهنا
الكهنويت.
(ُ) مسلم ،صحيح كتاب النكاح ،باب ٖترمي ا٠تطبة على خطبة أخيه ،رقم اٟتديث ُْ ُْ
(ِ) الًتمذم،السنن،كتاب النكاح ،باب ما جاء يف النظر إُف اؿ ٥تطوبة رقم اٟتديثَُٕٖ
(ّ) الرفاعي كالعزيزم ،ا١ترأة يف اإلسبلـ،صفحة ََُُٕٔ-
(ْ) كبارة ،عبد الفتاح ،الزكاج ا١تدين ،طبعة أكُف ،دار الندكة ،ُْٗٗ ،القواٝتي ،الزكاج ا١تدين ،ا١تشرفة ٚتيلة
الرفاعي،رسالة ماجستَت –االردنية.
119
اإلسالم وقضايا العصر
كتقوـ فكرة الزكاج ا١تدين على اعتبار الزكاج عقدان من العقود ا١تدنية اليت ال ٮتتلف فيها
عن أم عقد مدين آخر من حيث مقوماته كأركانه كشركطه كابتناؤ على اإلرادة التعاقدية لدل
طريف هذا العقد.
فهو أشبه ما يكوف باتفاقية شركة يتضمن عقدها الشركط كالواجبات كاٟتقوؽ لطريف
العقد بصورة توافقيه بينهما.
كيعرؼ الزكاج ا١تدين بأنه " :الشركة اليت ٕتمع بُت الرجل كا١ترأة إلستمرار بقاء النسل،
(ُ)
كليساعد كل منهما اآلخر با١تعونة ا١تتبادلةٟ ،تمل أعباء اٟتياة ،كليتقاٝتا أقدار٫تا ا١تشًتكة "
كمن خبلؿ التعريف السابق يتضح ما يلي:
ُ-إف فكرة الزكاج ا١تدين تعترب الزكاج شركة با١تعٌت القانوين للكلمة كليس رباطان مقدسان
كميثاقاي غليظان كما ينظر إليه اإلسبلـ ،ككما دؿ عليه قوله تعاُف " :ككيف تأخذكنه كقد أفضى
بعضكم إُف بعض كأخذف منكم ميثاقان غليظان " (ِ)
ُ -إف النفقة ال تكوف على الزكج سواء يف ذلك منفعة الزكجة أك األكالد ،كالذم ٭تدد
النفقة ككيفيتها هو ما يتوصل إليه الزكجاف من توافق عقد وم ٬تب بيانه يف عقد الزكاج ،كمن
خبلؿ هذا التوافق يتم تقاسم اإلنفاؽ على بيت الزكجية بالقدر كالكيفية اليت يتفق عليها
الزكجاف.
٭تملها بالتشارؾ مع الزكج
ال يعًتؼ الزكاج ا١تدين بنفقة الزكجة أك أجرة رضاعها ،كإ٪تا ٌ
نفقة أكالدها منه ،باعتبار أف األكالد إ٪تا هم ٙترة ذلك االرتباط بُت الزكج كالزكجة ،فعلى كل
كاحد منهما أف يتحمل نصيبه من نفقة األكالد كفق االتفاؽ العقدم الذم يسجل يف الدكائر
ا١تختصة ،كييرجع إُف ذلك االتفاؽ العقدم عند التنازع.
(ُ)تناغو ،عبد السيد ،أحكاـ األسرة للمصريُت غَت ا١تسلمُت ،دار بورسعيد ،ص ُِٓ.
(ِ) النساء.ُِ ،
121
اإلسالم وقضايا العصر
كيف ذلك ٥تالفة كاضحة للشرع ا١تطهر الذم يعترب الزكجية سبباى لوجوب النفقة على الزكج
بغض النظر عن يسار الزكجة أك إعسارها ،أك يسار الزكج أك إعسار ،كما دؿ على ذلك قوله _
سبحانه تعاُف _ " :كعلى ا١تولود له رزقهن ككسوهتن با١تعركؼ " (ُ) ،كقوله صلى ا﵁ عليه كسلم
٢تند بنت عتبة " :خذم ما يكفيك ككلدؾ با١تعركؼ" (ِ).
حيث أكجب اإلسبلـ نفقة الزكجة على زكجها ،كجعل ٣ترد الزكجية سببان لوجوب النفقة،
علمان بأف سبب نفقة القريب على قريبه هو اٟتاجة ،بينما سبب نفقة الزكجة على الزكج هو
الزكجية.
كمن خبلؿ دراسة القوانُت ا١تنظمة للزكاج ا١تدين يف أكثر البلداف اليت تتبنا نلحظ ٥تالفته
للشريعة اإلسبلمية ،بل كللديانات السائدة يف تلك البلداف ،فباإلضافة إُف التباينات يف ا١تنطلقات
الفكرية كالتشريعية اليت ينبثق عنها كل من الزكاج ا١تدين كالزكاج الديٍت يف ٥تتلف الديانات إال أف
هذا العقد ينطوم على ٥تالفات شرعية يف إبرامه ،كآثار ،كانتهائه ،األمر الذم ٭تتم القوؿ بأف
الشرع اإلسبلمي يرفض هذا الزكاج كيعترب باطبلن كأف َف يكن ،كفيما يلي رصد ألهم ا١تخالفات
الشرعية اليت ينطوم عليها هذا العقد:
ُ -ال يعًتؼ الزكاج ا١تدين ٔتبدأ ا﵀رمات من النساء ،كما هو يف الشرع اإلسبلمي ،كال
حىت يف الديانات السائدة يف الببلد الذم ينتشر فيها هذا النوع من الزكاج ،غَت أف بعض هذا
النوع من الزكاج يتأثر بأعراؼ سائدة يف تلك الببلد٘ ،تنع الزكاج من بعض النساء ،كهذ األعراؼ
تستند إُف تقاليد يرجع بعضها إُف أصوؿ كثنية ،فعند كثَت من الشعوب األكركبية ال يصلح الزكاج
من بنت العم أك العمة ،كا٠تاؿ كا٠تالة ،كيصل التحرمي عند بعض شعوب البلداف إُف الدرجة
121
اإلسالم وقضايا العصر
ا٠تامسة ،أم أبناء العمومة ،فتحرـ بنت العم كإف عبل كما تولد منها ،كبنت ا٠تاؿ كإف عبل،
كبنت العمة كإف علت ،كهكذا.
ِ -ال يعًتؼ الزكاج ا١تدين ٔتبدأ ا﵀رمات من الرضاع ٥تالفاي بذلك الشرع ا١تطهر الذم
٭ترـ من الرضاع النساء ا﵀رمات من النسب ،كما دؿ على ذلك قوله _ صلى ا﵁ عليه كسلم _
(ُ)
" ٭ترـ من الرضاع ما ٭ترـ من النسب "
ّ -ال يعترب الزكاج ا١تدين ٔتبدأ الوِف ا١تقر يف الفقه اإلسبلمي ،كالذم ال يصلح النكاح إال
(ِ)
به ،كما دؿ على ذلك قوله _ صلى ا﵁ عليه كسلم _ " :ال نكاح إال بوِف كشاهدم عدؿ "
ْ -ال كجود للمهر يف عقد الزكاج ا١تدين ،كتلك ٥تالفة كاضحة لصريح القرآف الكرمي
ص يدقىاهتًً َّن ً ٍ٨تلىةن) (ّ) كقوله -
َّساء ى
كالسنة النبوية ا١تطهرة ،كما دؿ على ذلك قوله تعاُف ( :ىكآتيواٍ الن ى
(ْ)
صلى ا﵁ عليه كسلم ١تن خطب امرأة كَف ٬تد مهراى " التمس كلو خا٘تان من حديد "
كاستبعاد فكرة ا١تهر من هذا العقد يرجع إُف االعتقاد باف ا١تهر هو ٙتن للمرأة ،كلذا فإهنم
يعتربكنه نوعان من أنواع اإلهانة ٢تا ،دكف أف ينظركا إُف أف ا١تهر يف اإلسبلـ هو هبة ،حيث ٝتا
(ُ) البخارم ،صحيح البخارم،كتاب الشهادات ،باب الشهادة على االنساب كالرضاع ا١تستفيض كا١توت
القدمي،حديث ِْٓٔ ،جّ ،صَُٕ
(ِ) البيهقي ،أٛتد بن اٟتسُت بن علي بن موسى ا٠تي ٍسىرٍكًجردم ا٠تراساين ،سنن البيهقي ،مكة ا١تكرمة،دار
الباز ُْٗٗ،ـٖ،تقيق٤:تمد عبد القادر عطا ،كتاب النكاح ،باب ال نكاح إال بوِف ،حديث ُِّْْ،
جٕ ،صُُُ ،قاؿ الزيلعي ،عبد ا﵁ بن يوسف،كتاب نصب الراية ُّٕٓهػ،مصر،دار
اٟتديثٖ،تقيق٤:تمد يوسف البنورم.
يف أنه ضعيف ،جّ ،صُٖٔ ،.البيهقي،أٛتد بن حسُت بن علي أبو بكر ،معرفة السنن كاآلثارٖ ،تقيق :سيد
كسركم حسن ،بَتكت -دار الكتب العلمية ذكر أنته ركم عن عبد ا﵁ بن ٤ترر كهو مًتكؾ ال تقوـ اٟتجة
بركايته
(ّ) النساءْ ،
(ْ) البخارم ،صحيح البخارم،كتاب فضائل القرآف ،باب القراءة عن ظهر قلب ،حديثِْْٕ ،جْ،
صَُِٗ ،مسلم ،أبو اٟتسُت مسلم بن اٟتجاج بن مسلم القشَتم النيسابورم،صحيح مسلم ،بَتكت-
لبناف،دار إحياء الًتاثٖ،تقيق ٤تمد فؤاد عبد الباقي ،كتاب النكاح ،باب الصداؽ،حديث
ُِْٓ،جِ،صََُْ.
122
اإلسالم وقضايا العصر
القرآف الكرمي ٨تلة ،أم هبة ،كييقصد منه إكراـ ا١ترأة ال إهانتها ،كتطييب خاطرها ،كإشعار الزكج
با١تسؤكلية حىت ال يفرط با١ترأة كيتساهل يف طبلقها.
ٓ -ال يعًتؼ الزكاج ا١تدين ٔتبدأ الطبلؽ كما هو مقرر يف الفقه اإلسبلمي ،كالسبيل
الوحيد إلهناء العبلقة الزكجية بُت الزكج كزكجته هو فسخ عقد الزكاج ا١تدين ،كإف الفسخ يف هذا
العقد هو حق لكبل الزكجُت سواء يف ذلك الزكج أك الزكجة ،فمن حق كل كاحد منهما فسخ
عقد الزكاج ا١تدين باإلرادة ا١تنفردة ،أك بالتوافق بُت الزكجُت ،كال كجود لفكرة الطبلؽ بتاتان يف هذا
العقد سواء يف ذلك الطبلؽ الكنسي ،أك الطبلؽ الشرعي ؛ ألنه ال سلطة للدين يف هذا العقد،
ال من حيث إبرامه كال من حيث إهناؤ .
ٔ -ال يوجد عدد معُت ١ترات الفسخ ،بل ٯتكن أف ييفسخ عقد الزكاج ا١تدين مث ييربـ عقد
حد كال و
عدد ،كيف ذلك ٥تالفة كاضحة كصر٭تة للشرع ا١تطهر الذم حدد عدد جديد ببل و
الطلقات بثبلث كما دؿ على ذلك قوله تعاُف( " :الطبلؽ مرتاف فإمساؾ ٔتعركؼ أك تسريح
بإحساف كال ٭تل لكم أف تأخذكا ٦تا آتيتموهن شيئا إال أف ٮتافا أال يقيما حدكد ا﵁ فإف خفتم
أال يقيما حدكد ا﵁ فبل جناح عليهما فيما افتدت به ،تلك حدكد ا﵁ فبل تعتدكها ،كمن يتعد
حدكد ا﵁ فأكلئك هم الظا١توف فإف طلقها فبل ٖتل له من بعد حىت تنكح زكجا غَت ،فإف طلقها
فبل جناح عليهما أف يًتاجعا إف ظنا أف يقيما حدكد ا﵁ ،كتلك حدكد ا﵁ يبينها لقوـ
يعلموف"(ُ).
فالشرع ا١تطهر يقرر عددان ١ترات الطبلؽ ال ييسمح بتجاكزها ،كيوضح كيفية الطبلؽ
كأحكامه التفصيلية ،كألف عدد مرات الطبلؽ ثبلث ،ال ٖتل الزكجة لزكجها إذا أكقع الطلقة الثالثة
إال بعد أف تنكح الزكجة زكجان غَت ،كيدخل ّٔا دخوالن شرعيان ،مث يطلقها من غَت تواطؤ مع
طليقها األكؿ.
123
اإلسالم وقضايا العصر
ٕ٘ -تنح بعض القوانُت كبل من الزكجُت نصف ما ٯتلكه الزكج اآلخر ،إذا مت فسخ عقد
الزكاج ألم سبب من األسباب ،على اعتبار الشركة اليت كانت بينهما ،كأف ما كسبه أحد٫تا
ساهم فيه اآلخر ،فكاف من العدؿ كفق تلك القوانُت أف يقاٝته ما ٯتلك إذا مت فسخ عقد
النكاح.
ٖ -ال يعًتؼ الزكاج ا١تدين ٔتبدأ العدة بعد إهناء العبلقة الزكجية بالفسخ ،كهي أم العدة،
ا١تدة اليت ال ييسمح للمرأة بالزكاج خبل٢تا من رجل آخر ،بل ٯتكن للمرأة أف تتزكج بعد فسخ عقد
الزكاج ا١تدين مباشرة إذا رغبت يف ذلك ،كيف هذا ما فيه من اختبلط األنساب٥ ،تالفه للشرع
ا١تطهر الذم أكجب على ا١ترأة ا١تدخوؿ ّٔا دخوالن شرعيان أف تنتظر مدة معينة ٗتتلف باختبلؼ
النساء من حيث كوهنا ذات حيض أك آيسة منه ،حيث أكجب على ذكات اٟتيض انتظار ثبلثة
ص ىن بًأىن يف ًس ًه َّن ثىبلىثىةى قيػيرىكوء) (ُ)، قركء قبل أف تتزكج من رجل آخر ،لقوله تعاُف ( :ىكالٍ يمطىلَّ ىق ي
ات يػىتىػىربَّ ٍ
أم حيض ،كما أكجب على غَت ذكات اٟتيض أك اآليسات منه تربص ثبلث أشهر ،كما دؿ
على ذلك قوله تعاُف ":كالبلئي يئسن من ا﵀يض من نساءكم إف ارتبتم فعدهتن ثبلثة أشهر
كالبلئي َف ٭تضن" (ِ).
ىٛتى ًاؿ
ت ٍاأل ٍ
كأكجب على اٟتوامل من النساء اإلنتظار حىت كضع اٟتمل لقوله تعاُف ( :ىكأ ٍيكىال ي
ض ٍع ىن ٛتىٍلى يه َّن) " (ّ).
ىجلي يه َّن أىف يى ى
أى
كيف عدـ اعتبار العدة يف الزكاج ا١تدين باإلضافة إُف ٥تالفة الشرع ،إختبلط األنساب،
كإشاعة للفساد ،كتفويت ١تصلحة مراجعة الزكجة أثناء عدة الطبلؽ الرجعي كما هو مقرر يف
الشرع ا١تطهر.
124
اإلسالم وقضايا العصر
ٗ -ال يعًتؼ عقد الزكاج ا١تدين بكثَت من اآلثار ا١تًتتبة على عقد الزكاج ،كمنها ا١تَتاث،
كما هو مقرر يف الفقه اإلسبلمي ،بل تي ًرجع الكثَت من األنظمة كالقوانُت أمر ا١تَتاث إُف رغبة
ا١تتوىف من الزكجُت من خبلؿ الوصية ،حيث ٯتكن ألحد الزكجُت أف يوصي ٔتا شاء من ماله ،أك
ٔتاله كله إُف الزكج اآلخر دكف ٖتديد ٔتقدار معُت ،أك تفرقة بُت ما إذا كاف للزكج ا١توصي أكالد،
أك ليس له أكالد.
كيف ذلك ٥تالفة للشرع ا١تطهر الذم حدد نصيب كل من الزكجُت من تركة اآلخر يف قوله
الربي يع ً٦تَّا تىػىرٍك ىن
اج يك ٍم إً ٍف ىَفٍ يى يك ٍن ى٢تي َّن ىكلى هد فىًإ ٍف ىكا ىف ى٢تي َّن ىكلى هد فىػلى يك يم ُّ
ف ىما تىػىرىؾ أ ٍىزىك يص ي
ً
تعاُف " :ىكلى يك ٍم ن ٍ
الربي يع ً٦تَّا تىػىرٍكتي ٍم إً ٍف ىَفٍ يى يك ٍن لى يك ٍم ىكلى هد فىإً ٍف ىكا ىف لى يك ٍم ىكلى هد ُت ًّٔىا أ ٍىك ىديٍ ون ىكى٢تي َّن ُّ ً ًو ً
م ٍن بػى ٍعد ىكصيَّة ييوص ى
ً
ً ً ًو ً
ث ىك ىبللىةن أى ًك ٍامىرأىةه ىكلىهي وصو ىف ًّٔىا أ ٍىك ىديٍ ون ىكإً ٍف ىكا ىف ىر يج هل يي ىور ي فىػلى يه َّن الث يُّم ين ٦تَّا تػىىرٍكتي ٍم م ٍن بػى ٍعد ىكصيَّة تي ي
ث ًم ٍن بػى ٍع ًد
ك فىػهم يشرىكاء ًيف الثػُّلي ًً ً الس يد ً
س فىإ ٍف ىكانيوا أى ٍكثىػىر م ٍن ذىل ى ي ٍ ى ي
ًوً أىخ أىك أيخ ً
ت فىل يك ّْل ىكاحد مٍنػ يه ىما ُّ ي
ه ٍ ٍ ه
(ُ)
يم"صيَّةن ًمن اللَّ ًه كاللَّه علً ً
ك ًصيَّ وة يوصى ًّٔا أىك دي ون ىغيػر مضار ك ً
يم ىحل ه
ى ى يى ه ى ي ى ى ٍ ىٍ ٍى ي ى ى
َُ -ال يعًتؼ الزكاج ا١تدين بكوف اختبلؼ الدين بُت الزكجُت مانعان للزكاج ،بل يصح
يف الزكاج ا١تدين أف يقًتف الزكجاف ا١تختلفاف يف الدين أيان كاف دين الزكج أك الزكجة بزعم ا﵀افظة
على الوحدة الوطنية ،كٖتقيق مبدأ ا١تساكاة بُت األدياف ،أك الطوائف ،كيف ذلك ٥تالفة للشرع
ا١تطهر الذم كضع قيودان كضوابط يف حاؿ اختبلؼ الدين ،حيث أباح للمسلم الزكاج من
اب ًمن ً ات كالٍمحصن ً َّ ً ً ً الكتابيات بقوله تعاُف :كالٍمحصنى ً
ين أيكتيوا الٍكتى ى ات م ىن الذ ى ات م ىن الٍ يم ٍؤمنى ى ي ٍ ى ى ي ى يٍ ى ي
اإلٯتى ً
ىخ ىد واف ،ىكىمن يى ٍك يف ٍر بً ًٍ ًً ًً ًً ً
اف ُت ىكىال يمتَّخذم أ ٍ
ُت ىغٍيػىر يم ىسافح ى
يج ىوريه َّن يٍ٤تصن ى قىػٍبل يك ٍم إً ىذا آتىػٍيتي يم ي
وه َّن أ ي
ط عمليه كهو ًيف ٍاآل ًخرةً ًمن ٍ ً ً
ا٠تىاس ًر ى
ين(ِ). ى ى فىػ ىق ٍد ىحب ى ى ى ي ى ي ى
125
اإلسالم وقضايا العصر
كمنع زكاج ا١تسلم من ا١تشركة الوثنية كغَتها ،كما منع زكاج ا١تسلمة من غَت ا١تسلم ،كما
ات ىح َّىت يػي ٍؤًم َّن ،ىكىأل ىىمةه ُّم ٍؤًمنىةه ىخٍيػهر ّْمن ُّم ٍش ًرىك وة ىكلى ٍو نكحوا الٍم ٍش ًرىك ً ً
دؿ على ذلك قوله تعاُف " :ىكىال تى ي ي
كُت ىح َّىت يػي ٍؤًمنيوا ،ىكلى ىعٍب هد ُّم ٍؤًم هن ىخٍيػهر ّْمن ُّم ٍش ًر وؾ ىكلى ٍو أ ٍىع ىجبى يك ٍم ،أيكلىئً ى ً ً
أ ٍىع ىجبىٍت يك ٍم ،ىكىال تينك يحوا الٍ يم ٍش ًرك ى
(ُ)
ُت آيىاتًًه لًلنَّا ًس لى ىعلَّ يه ٍم يػىتى ىذ َّكيرك ىف ً ًً ي ٍدعو ىف إً ىُف النَّا ًر ،كاللَّه ي ٍدعو إً ىُف ٍ ً
اٞتىنَّة ىكالٍ ىم ٍغفىرةً بًًإ ٍذنه ،ىكيػيبىػ ّْ ي ى يى ي ى ي
باإلضافة إُف أف ٖتقيق مقاصد الزكاج من السكينة كا١تودة كالرٛتة كاأليلفة يستلزـ التوافق
بُت الزكجُت ،كأعظم أكجه التوافق هو التوافق الديٍت كالفكرم.
الزٔاز العسيف
قبل اٟتديث عن الزكاج العريف ٕتدر اإلشارة إُف أف هذ التسمية غَت صحيحة ؛ ألهنا
تشعر بأف العرؼ ييقر هذا النوع من الزكاج ،أك أنه أمر متعارؼ عليه.
كللزكاج الذم يسمى بالعرؼ عدة صور ٮتتلف انتشارها من بلد إُف آخر ،كهي:
الصورة األكُف :أف يتم الزكاج مستكمبلن لشركطه الشرعية من كِف كشهود عدكؿ كمهر
مسمى كإشهار ،كلكن ال يتم تسجيله كتوثيقه يف ا﵀اكم الشرعية أك لدل أم جهة مسئولة عن
توثيق الزكاج.
كهذا النوع من الزكاج صحيح كلكن اإلقداـ عليه من قبل الزكج أك كِف الزكجة يعترب
٥تالفة شرعية ترتب على صاحبها اإلمث فهو صحيح مع اٟترمة.
كباإلضافة إُف ا١تخالفة الشرعية فإف فيه ٥تالفة قانونية لقانوف األحواؿ الشخصية الذم
يوجب تسجيل هذا الزكاج كتوثيقه ،كيرتب عقوبة على عدـ توثيقه ،كيوجب على الزكجُت
تصويب ا٠تلل الذم حصل من جراء عدـ تسجيله من خبلؿ توثيقه با﵀اكم الشرعية التابعة
لدائرة قاضي القضاة.
126
اإلسالم وقضايا العصر
كمن اٞتدير بالذكر أف عدـ توثيق عقد الزكاج ال يشكل ٥تالفة قانونية فحسب ،بل هو
٥تالفة شرعية بناءن على أف كِف األمر إذا سن تشريعا فيه مصلحة عامة كليس فيه ٥تالفة شرعية،
فإف طاعته تصبح كاجبة شرعان ،يستحق ا١تخالف ٢تا التشريع العقوبة األخركية فضبلن عن الدنيوية.
الصورة الثانية :أف يتم الزكاج من خبلؿ اتفاؽ مكتوب بُت الرجل كا١ترأة،
ييقر فيه الرجل أنه تزكج هذ ا١ترأة دكف إذف الوِف أك موافقته ،أك حىت علمه ،كييشهد على
ذلك شاهداف ،٭تتفظ الرجل بنسخة من هذ االتفاقية ،بينما ٖتتفظ ا١ترأة باألخرل.
كغالبان ما يكوف هذا الزكاج سريان ال يعرفه إال الرجل كا١ترأة كالشهود ،دكف أف يكوف فيه
إشهار ،كغالبان ما يكوف فيه ا١تهر قليبلن ،بل كحىت رمزيان.
ه
كهذا النوع من الزكاج يقع باطبلن لفقداف أهم أركاف العقد الصحيح كهو الوِف الشرعي،
باإلضافة إُف عدـ تسجيله كتوثيقه ،كعدـ إشهار ،كأما الشهود فغالبان ما ال تتحقق فيهم شركط
الشهادة الشرعية من العدالة كغَتها ،كغالبان ما يكوف الشهود من زمبلء الرجل أك ا١ترأة يف الدراسة
أك يف العمل.
كلعل ضعف الوازع الديٍت لدل بعض الشباب من اٞتنسُت ،باإلضافة إُف اٞتهل
باألحكاـ الشرعية كالتأثر با١تسلسبلت اليت تبث من خبلؿ كسائل اإلعبلـ ،باإلضافة إُف ما ٬ترم
يف مواقع التواصل االجتماعي من اٟتديث بُت الشباب كالشابات ،كقياـ الشباب باستدراج
الساذجات من النساء ،يعترب من بُت األسباب ا١تؤدية إُف انتشار هذا النوع من الزكاج.
كٯتكن اٟتد من انتشار ما يسمى بالزكاج العريف من خبلؿ بث الوعي بُت الشباب
ٔتخاطر هذا الزكاج كمفاسد االجتماعية كاألخبلقية ،كمدل ما ينطوم عليه من ٥تالفات قانونية
أيضا تسبب ا١تسائلة كا١تبلحقة القانونية لكل من أقدـ على الزكاج ّٔذ الطريقة ،ككل من أعاف
عليه من شهود كغَتهم ،باإلضافة إُف الًتكيز على كوف هذا الزكاج ال يضفي الشرعية على العبلقة
اليت تنشأ بُت الرجل كا١ترأة من خبلؿ هذا الزكاج ،فضبلن عن اإلشارة إُف ا١تتاعب اليت سيلقاها
127
اإلسالم وقضايا العصر
األكالد لدل اٞتهات ا١تختصة كإٟتاقهم با١تدارس ،كغَت ذلك من ا١تتاعب القانونية كاالجتماعية
الكثَتة اليت ال حصر ٢تا ،فضبلن على أف هذا النوع من الزكاج ال ٭تقق ا١تقاصد الشرعية كاألهداؼ
اليت توخاها الشرع ا١تطهر من الزكاج ،كأ٫تها السكينة كا١تودة كالرٛتة كالواردة يف قوله تعاُف " :ىكًم ٍن
ً ً ًً
كاجا لّْتى ٍس يكنيوا إًلىٍيػ ىها ىك ىج ىع ىل بػىٍيػنى يكم َّم ىوَّدةن ىكىر ٍٛتىةن إً َّف ًيف ذىل ى
آيىاته أى ٍف ىخلى ىق لى يكم ّْم ٍن أىن يفس يك ٍم أ ٍىزىك ن
(ُ).
ات لّْ ىق ٍووـ يػىتىػ ىف َّكيرك ىف
ىآلي و
ى
فما ييعرؼ بالزكاج العريف ال ٭تقق هذ ا١تقاصد ،كال غَتها من تكوين األسر ا١تستقرة،
كتربية النشئ الصاٌف ؛ ألف ما بيٍت على فاسد فهو فاسد.
كال شك أف تيسَت سبل الزكاج الشرعي أماـ الشباب من خبلؿ عدـ ا١تغاالة يف ا١تهر ،أك
التشدد يف الشركط ،أك التوسع يف ال يكلف كا١تتطلبات اليت يطلبها أهل الفتاة ،يعترب من أهم
األسباب ا١تعينة على حصار هذ الظاهرة كالتقليل منها ،كمن آثارها السلبية على األسرة ا١تسلمة،
(ِ).
بل كعلى آّتمع ا١تسلم عمومان امتثاالن لقوله تعاُف« " :أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة "
املسأٔ ٚاالسسٚ
رفع اإلسبلـ مكانة ا١ترأة كبُت منزلتها الطبيعية يف آّتمع ،كقرر ٢تا حقوقا تتناسب مع
طبيعتها ،كتوفر ٢تا االستػقػرار كالسػعػادة يف الدنيا كاآلخرة،قرر ٢تا اٟتقوؽ ابتداءن دكف أية مؤ٘ترات
عا١تية للمرأة ،كدكف خركج النساء يف ا١تظاهرات بالنداءات ا١تتعالية يف كسائل اإلعبلـ ا١تختلفة
للمطالبة باٟتقوؽ -كما هو اٟتاؿ يف هذا الزماف ػ بل ٧تد ا٠تالق عز كجل العاَف ٔتا خلق يقرر ٢تا
حقوقا ترفع من مكانتها عرب العصور كيشرع من التشريعات ما َف ترتق ٢تا أية تشريعات يف
اٟتضارات الوضعية القدٯتة كا١تعاصرة ،كمن ذلك:
128
اإلسالم وقضايا العصر
129
اإلسالم وقضايا العصر
أػ االلتزاـ باللباس الشرعي:ػ ففي لباسها تلتزـ باللباس الشرعي الذم أمر به الشارع
ًً (ُ) ً ً
َّيب قيل اٟتكيم بقوله تعاُف ":كليضربن ٓتي يم ًره َّن ىعلىى يجييؤّ َّن" "ك قاؿ تعاُف:ػ " يىا أىيػُّ ىها النً ُّ
ً ً
ُت ىعلىٍي ًه َّن ًمن ىج ىبلبًيبً ًه َّن ذىل ى
ك أ ٍىد ىَن أىف يػي ٍعىرفٍ ىن فى ىبل يػي ٍؤذىيٍ ىن ً
ُت يي ٍدن ى
ًً ك كبػنىاتً ى ً
ك ىكن ىساء الٍ يم ٍؤمن ى ّْأل ٍىزىكاج ى ى ى
ً
يما(ِ) كاللباس الشرعي يكوف بسًت العورة كيكوف ذلك باٞتلباب كا٠تمار. ىكىكا ىف اللَّهي ىغ يف نورا َّرح ن
اٞتلباب:ػ ما تغطي به ا١ترأة جسمها أك هو الذم يسًت ٚتيع البدف.
كا٠تمار :كهو ما تغطي به ا١ترأة رأسها ك٨ترها كصدرها،ك حجاب ا١ترأة ٯتنع السفور
كاالبتذاؿ ك٭توم معاين العفة كاٟتياء كا﵀افظة على اٟترمات.
كهو النقص كالعيب كالقبح.كسًت العورة كاجب على الرجاؿ كالنساء .لقوله تعاُف:ػ " يىا بىًٍت ى
آد ىـ
ك ىخٍيػهر (ّ)" كهذا يدؿ على قى ٍد أىنزلٍنا علىي يكم لًباسا يػوا ًرم سوءاتً يكم كًريشا كلًباس التَّػ ٍقو ً
ل ذىل ى
ىٍى ٍ ى ن ى ى ي ى ى ى ى ى ٍ ٍ ى ن يى
كجوب سًت العورة.كقاؿ عليه السبلـ:ػ "ال تربز فخذؾ كال تنظر فخذ حي كال ميت" (ْ)كحدكد
ين ًزينىتىػ يه َّن إًَّال ىما ً
عورة ا١ترأة على األجانب ٚتيع بدهنا إال الوجه كالكفُت لقوله تعاُف " :ىكىال يػيٍبد ى
(ُ) ُّ:النور
(ِ) ٗٓ :األحزاب
(ّ) ِٔ :األعراؼ
(ْ) ابن ماجه أبو عبد ا﵁ ٤تمد بن يزيد القز كيٍتٖ،تقيق ٤تمود ٤تمد نصار ،سنن ابن ماجه،كتاب اٞتنائز،رقم
اٟتديث ُْْٗ ،أبو داككد سليماف بن األشعث(تِٕٓهػ)،سنن أبو داككد،دار الفكر بَتكت ،كتاب
اٞتنائز رقم اٟتديث ِِّٕ ،أٛتد بن حنبل ،ا١تسند،دار صادر بَتكت،باب مسند علي بن أيب طالب ،رقم
اٟتديثُُْٖ.
131
اإلسالم وقضايا العصر
() .قاؿ ابن عباس:ػ الوجه كالكفُت كبه قاؿ ٚتهور الفقهاء.كأما سًت الوجه (ُ)
ظى ىهىر ًمٍنػ ىها"
كالكفُت إ٪تا هو سنة كمندكب إليه كقد يأخذ حكم الوجوب إذا َف تأمن ا١ترأة الفتنة.
2ـ أن يكون واسعاً غير ضيق ال يصف البدن
جاء عن أيب هريرة رضي ا﵁ عنه قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم :ػ "صنفاف من أهل
النار َف أر٫تا قط ،بأيديهم سياط كأذناب البقر ،يضربوف ّٔا الناس ،كنساء كاسيات عاريات
٦تيبلت رؤكسهن كأسنمة البخت ا١تائلة ال يدخلن اٞتنة كال ٬تدف ر٭تها كإف ر٭تها ليوجد من
(ِ)
مسَتة كذا ككذا"
.3أن ال يكون شفافا
ْتيث يكوف ثخينان ال يظهر ما ٖتته فعن عائشة رضي ا﵁ عنها أف أٝتاء بنت أيب بكر
دخلت على رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم كعليها ثياب رقاؽ فأعرض عنها كقاؿ:ػ" يا أٝتاء إذا
(ّ)
(كدخلت بلغت ا١ترأة ا﵀يض فبل يصلح أف ييرل منها إال هذا كهذا كأشار إُف كجهه ككفيه"
ٜتار رقيق فشقته عائشة
على عائشة رضي ا﵁ عنها حفصة بنت عبد الرٛتن كعلى حفصة ه
ككستها ٜتاران كثيفان (ْ).
صا ًرًه ٍم ىكىٍ٭ت ىفظيوا ب -غض البصر كعدـ التربج:ػ قاؿ تعاُف " قيل لٍّْلمؤًمنًُت يػغي ُّ ً
ضوا م ٍن أىبٍ ى يٍ ى ى
صا ًرًه َّن ات يػ ٍغض ٍ ً
ض ىن م ٍن أىبٍ ى
ً ً ً
ك أ ٍىزىكى ى٢تي ٍم إً َّف اللَّهى ىخبً هَت ٔتىا يى ٍ
صنىػ يعو ىف (َّ) ىكقيل لٍّْل يم ٍؤمنى ى ي
ً
كج يه ٍم ذىل ى
فيػير ى
رمنها"(ُّ) (ٓ) .فاآلية توجب غض البصر ألف ين ًزينىتىػ يه َّن إًَّال ىما ظى ىه ى ً
كج يه َّن ىكىال يػيٍبد ىىكىٍ٭ت ىفظٍ ىن فيػير ى
(ُ) ُ:ّ.النور
(ِ) مسلم ،صحيح مسلم،كتاب اٞتنة كصفة أهلها ،رقم اٟتديث َٖٗٓ ،مالك بن أنس(،تُٕٗق)،
ا١توطأ،بيت األفكار الدكلية،طعاـََِْـ ،ما يكر للنساء من الثياب،رقم اٟتديث ُُِْ.
(ّ) أبو داكد،السنن ،كتاب اللباس رقم اٟتديث َّٖٓ.
(ْ) مالك بن أنس ،ا١توطأ ،الكتاب اٞتامع،ما يكر للنساء من اللباس رقم اٟتديث َُِْ.
(ٓ) سورة النور َُّّ-
131
اإلسالم وقضايا العصر
ذلك يؤدم إُف حفظ الفركج كإُف تزكية األنفس،كاآلية تدؿ كذلك على ٖترمي التربج فعليها أف
الٗترج متربجة.
ج -عدـ ا٠تضوع يف القوؿ :لقوله تعاُف" :فبل ٗتضعن بالقوؿ فيطمع الذم يف قلبه مرض
كقلن قوالن معركفان "(ِّ:سورة األحزاب) فعليها أف تكوف جادة يف تعاملها مع اآلخرين كحازمة
غَت خاضعة يف قو٢تا كال متكسرة يف مشيتها.
(ُ) مسلم ،صحيح مسلم،ا١تساقاة أخذ اٟتبلؿ كترؾ الشبهات،رقم اٟتديث ُٔٗٗ).
132
اإلسالم وقضايا العصر
اجلٍدزٖٛ
أكجد ا﵁ – عز كجل – البشرية ،كأنشأ الكوف من أجل عمارته كعبادته سبحانه ،كجعل
هناؾ أسبابان تساعد على عمارة الكوف كمنها خلق اإلنساف فجعل منه الذكر كاألنثى ،كأناط كبلن
منهما ٔتسؤكليات تناسبه كتكوف على قدر استطاعته ،كهيأ ٢تما من الظركؼ كالتكوين ا٠تلقي ما
يساعد كل ذلك يف إعمار الكوف ،فللمرأة دكر تلعبه يف اٟتياة حسب ما تطيق كحسب قدرهتا
فجعلها مسؤكلة عن أكالدها من ناحية الًتبية كا١تنشأ كالعناية كإعدادهم للحياة ،كجعل الرجل
الذم خلق بطبيعة معينة ككظائف اختصه ا﵁ ّٔا لتكمل اٟتياة فهو مسؤكؿ عن اإلعالة كاإلعاشة
٢تؤالء األكالد كالتوجيه كالًتبية ٔتا يتفق مع شخصية الرجل اليت خلق عليها.كجعل ا﵁ عز كجل
خلق ا١ترأة كالرجل ليحدثوا التكامل متوافقان من السياؽ الكوين ،قاؿ تعاُف" :كهو الذم مد االرض
كجعل فيها ركاسي كأهناران كمن كل الثمرات جعل فيها زكجُت اثنُت يغشي الليل النهار إف يف ذلك
آليات لقوـ يتفكركف"(ُ) .كقاؿ تعاُف" :كإنه خلق الزكجُت الذكر كاألنثى"(ِ) .كقاؿ تعاُف:
"سبحاف الذم خلق األزكاج كلها ٦تا تنبت األرض كمن أنفسهم ك٦تا ال يعلموف"(ّ) .كقاؿ تعاُف:
"كمن كل شيء خلقنا زكجُت لعلكم تذكركف"(ْ) .كقاؿ تعاُف" :كخلق منها زكجها كبث منهما
رجاالن كثَتان كنساء كاتقوا ا﵁ الذم تساءلوف به كاألرحاـ إف ا﵁ كاف عليكم رقيبا"(ٓ).
الرعد ّ (ُ)
النجم ْٓ (ِ)
يس ّٔ (ّ)
الذاريات ْٗ (ْ)
(ٓ) النساءُ ،
133
اإلسالم وقضايا العصر
134
اإلسالم وقضايا العصر
قاؿ تعاُف" :كال تتمنوا ما فضل ا﵁ به بعضكم على بعض للرجاؿ نصيب ٦تا اكتسبوا
ُ)
كللنساء نصيب ٦تا اكتسنب كاسألوا ا﵁ من فضله(
أما كقت ظهور مصطلح اٞتندر Genderفقد ظهر هذا ا١تصطلح يف فًتة السبعينات
من هذا القرف حيث أف الكاتبة (آف أككلي) أدخلت هذا ا١تصطلح إُف علم االجتماع حيث
قالت ما يلي:
ُ -إف األمومة خرافة ،كال يوجد هنالك غريزة لؤلمومة ،كإ٪تا ثقافة آّتمع هي اليت تصنع
هذ الغريزة).
كقد بدأ العمل باستخداـ لفظة اٞتندر Genderيف مؤ٘تر السكاف كالتنمية كالذم عقد
يف القاهرة بتاريخ ُْٗٗ ،كظهر يف مؤ٘تر بكُت سنة ُٓٗٗ حيث تكرر (ِْٓ) مرة ،ك٥تتلف
الربامج الدكلية البلحقة كاليت ركزت على اٞتندر دكف أف ٭تدد ا١تراد منه بدقة.
135
اإلسالم وقضايا العصر
أِداف اجلٍدز(:)1
ُ-عدـ اعتبار الفركؽ الفسيولوجية كغَتها بُت ا١ترأة كالرجل من الناحية االجتماعية
كالثقافية كاالقتصادية ،حيث يعتربكا أف البشر هو من صنع هذ الفركؽ ،كبأف األدياف هي اليت
(ِ)
فرقت بُت ا١ترأة كالرجل ،حيث قاؿ تعاُف على لساف امرأة عمراف" ،كليس الذكر كاألنثى"
كلكن هذا الكبلـ مردكد عليهم حيث أف اإلسبلـ جعل ا١ترأة مشابه للرجل ٘تامان حيث
(ّ)
قاؿ عليه السبلـ "إ٪تا النساء شقائق الرجاؿ"
ككضح اإلسبلـ أف ا١ترأة تستقيم كتؤمن كما الرجل كقد تنحرؼ كما ٭تدث للرجل ٘تامان
(ْ)
حيث قاؿ تعاُف" :كنفس كما سواها فأ٢تما فجورها كتقواها"
كا١ترأة مساكية للرجل يف التشريف كالكرامة حيث قاؿ تعاُف" :كلقد كرمنا بٍت آدـ"(ٓ) كَف
يفرؽ بُت ا١ترأة كالرجل.
كما أف ا١ترأة مساكية للرجل يف التكاليف التشريعية فيجب عليها الصبلة كالصوـ كالزكاة
كالعبادات كما الرجل كتثاب كما يثاب الرجل كتؤمث كذلك قاؿ تعاُف" :من عمل صاٟتان من ذكر
(ٔ)
أك أنثى كهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة كلنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملوف"
(ُ) ٚتيل ٛتداكم ،ما اٞت ػنػدر؟ كما ا١تقػاربة اٞتندرية؟ الطبعة األوُف َُِٖـِْ-ُٗ ،ص ،لتعميم النوع
االجتماعي االجتماعي " اٞتندر " يف برنامج الدعم القطاعي للبيئة ESPمارس ََِٓ ،مركز خدمات
التنمية ، ُٕ-ُْ ،مدل فاعليةكجدات النوع االجتماعي اٟتكومية من كجهة نظر ا١توسسات النسوية يف
٤تفاظات مشاؿ الضفة الغربية ،ّْ،جامعة النجاح.
(ِ) آؿ عمراف.ّٔ :
(ّ) ركا أبو داككد يف سننه كتاب الطهارة باب يف الرجل ٬تد ليلة رقمه (َِْ).
(ْ) الشمس.ٖ-ٕ :
(ٓ) اإلسراءَٕ :
(ٔ) النحل.ٕٗ :
136
اإلسالم وقضايا العصر
كما أف العقوبة تًتتب على ا١ترأة كما هي على الرجل قاؿ تعاُف "كالسارؽ كالسارقة
(ُ)
فاقطعوا أيديهما جزاء ٔتا كسبا نكاالن من ا﵁ كا﵁ عزيز حكيم"
ا١تسؤكلية مشًتكة بُت ا١ترأة كالرجل فهماعليهما مسؤكلية الدعوة ﵁ عز كجل "إال الذين
آمنوا كعملوا الصاٟتات كتواصوا باٟتق كتواصوا بالصرب"(ِ) كعليهما مسؤكلية تربية أكالد٫تا قاؿ
تعاُف" :يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم كأهليكم ناران كقودها الناس كاٟتجارة"(ّ)،كتعلم العلوـ
(ْ)
ا١تختلفة مسؤلية مشًتكة بينهما قاؿ تعاُف" :كقل رب زدين علما"
ك٢تما أف ٬تريا العقود ا١تختلفة ،ك٢تما أف يرثا كيورثا حيث قاؿ تعاُف" :كللرجاؿ نصيب ٦تا
ترؾ الوالداف كاألقربوف كللنساء نصيب ٦تا ترؾ الوالداف كاألقربوف ٦تا قل منه أك كثر نصيبان
(ٓ)
مفركضان"
كخبلصة األمر أف ا١ترأة مساكية الرجل ٘تامان من ناحية إنسانيتها ككرامتها كلكن هنالك
فركقات فسيولوجية بُت ا١ترأة كالرجل ،حيث أف ا١ترأة خلقت بشكل معُت كجعلت فيه غريزة
األمومة كالعاطفة كقوة ا١تشاعر كاألحاسيس أقول ٦تا كجد عند الرجل ٦تا ٬تعله مؤهبلن ألعماؿ
تناسبه أكثر ٦تا تناسب ا١ترأة.
كهذا االختبلؼ بينهما ما هو إال اختبلؼ تكامل ْتيث يؤدم كبلن منهما كظيفة ْتسب
طبيعته فما بنيت عليه ا١ترأة من العاطفة كاألحاسيس ا١ترهفة يف غالب حا٢تا يساعدها على إنشاء
األطفاؿ كتوجيههم كتدريسهم للحياة كهذا ال عيب فيه بل فيه من التكامل بُت الرجل كا١ترأة
فا١ترأة ال تستطيع أف ٖتفر اآلبار أك تسوؽ اآلالت الثقيلة أك تتعامل مع ما ٮتتلف مع فطرهتا
حيث أف هذا التعامل ما يدمر سعادهتا الذاتية اليت ٕتدها بُت أكالدها كاألعماؿ اٟتقيقية اليت
137
اإلسالم وقضايا العصر
تستطيع أف تقوـ ّٔا ،بينما ٧تد الرجل يقوـ باألعماؿ الشاقة كاليت قد ترهق ا١ترأة من النظر إليها
فقط فكيف ٔتزاكلتها.
كال يقوؿ ِف قائبلن إف فبلنة كانت كذا ككذا ...نقوؿ ٨تن نتحدث عن الغالب كاألعم
كالعربة له ال نتحدث عن نساء قليبلت ال يقاس عليهن.
قد نرل الرجل يرل القتل كالدـ فيتأثر ٔتا يناسب خلقته كلكننا ٧تد أف ا١ترأة ال تتحمل
ذلك قد تصاب بأمراض نفسية حيث أف العاطفة عندها غالبة كهكذا خلقت لتكمل اٟتياة
حيث غلبت العاطفة عندها لتقوـ بًتبية أكالدها كرعايتهم كغلب عند إذف الفركقات الفسيولوجية
بُت ا١ترأة ،العقل على العاطفة كالرجل ال ينكرها عاقل.
كتطور اٟتياة اإلنسانية كارتقاؤها ال يرتبط بفكرة اٞتنس فللذكر دكر كلؤلنثى دكرها.
ِ -كهتدؼ اٞتندرة إُف ٘تكُت ا١ترأة كإعادة الثقة بنفسها كأ٫تية مشاركتها يف صنع القرار.
كمن ضمن التمكُت ا١تساكاة ا٢تامة بُت الذكر كاألنثى كهذا الكبلـ نرا ال ٮتالف ديننا بل
يتفق معه كلكن يقوؿ أنه ال يوجد مساكاة عامة بُت الطرفُت إ٪تا ينظر اإلسبلـ إُف ا١ترأة ٔتنظور
العدالة ال ا١تساكاة.
ّ -التخلي عن الدكر التقليدم لؤلسرة أم أهنا تتكوف من أب كأـ كأبناء أم من ا١تمكن
أف تقاـ األسر بناء على كجود أـ كأـ كأبناء أك كجود أب كأب كأبناء كهذا يعٍت تشجيع ا١تثلية
كاللواط كالشواذ.
138
اإلسالم وقضايا العصر
ِ -ال يشجعوف إ٧تاب ا١ترأة ألف اإل٧تاب يكوف سدان كحاجزان ٯتنع ا١ترأة من مساكاهتا مع
الرجل حيث هنالك ٛتل كإ٧تاب كرضاعة لذا أباحوا زكاج ا١تثليُت كالشواذ كإذا أرادكا طفبلن –
كهو أمر بالفطرة – شجعوا على التبٍت.
ّ -إلغاء الفوارؽ البيولوجية أك التارٮتية اليت تعمل على ٘تييز جنسي بُت الذكر كاألنثى
حيث تقوؿ "سيموف ديبو فواغ"" :ال يولد اإلنساف امرأة إ٪تا يصبح كذلك".
كتقوؿ إحداهن" :إف فكرة الطبيعة ال تعرب عن قيمة إنسانية ذات باؿ ،ألف اإلنسانية
بدأت تتخطى الطبيعة" .كهذا يعٍت أف الفوارؽ التشر٭تية كالوظيفية بُت الذكر كاألنثى َف تعد ذات
قيمة كهذا يعٍت أف تعمل ا١ترأة أعماؿ الرجل ،كاألنثى تعمل أعماؿ الذكر.
ْ -ينزع تيار اٞتندرية إُف الفردية حيث يعامل ا١ترأة على أهنا كائن فردم أم حرة اإلرادة
أم تتصرؼ ّتسدها بعيدة عن ركابط الزكاج كاألبناء كاألسرة كآّتمع ككل.
ٓ -تتفق اٞتندرة مع ا١تاركسية أم أف كبل ا١تفهومُت يؤمنوف بوجود صراع بُت ا١ترأة كالرجل
مع أف ديننا اٟتنيف يرل أف العبلقة تكامل بُت ا١ترأة كالرجل كبل منهما يكمل اآلخر.
ٔ -تلتقي اٞتندرية مع ا١تاركسية بأف كبل٫تا يهدفاف إُف هدـ األسرة حيث يرل أف األسرة
من ا١تعوقات األساسية ٢تدـ آّتمع.
ٕ -كتلتقي اٞتندرية مع ا١تاركسية بإلغاء الطبقية اٞتنسية بُت ا١ترأة كالرجل كبالتاِف ٭تدث
خلل يف كظائف الطرفُت كعليه فإف للرجل أف يصبح امرأة ،كا١ترأة ٭تق ٢تا أف تصبح رجبلن شكبلن
كتصرفات.
ٖ -إلغاء دكر ا١ترأة االجتماعي فاألمومة كالًتبية كاالهتماـ باألجياؿ هذا ال معٌت له يف
مفهوـ اٞتندر.
ٗ -يشجعوف عمل ا١ترأة يف ٚتيع ٣تاالت اٟتياة بغض النظر هل يتفق مع طبيعتها أـ ال
مثل اٟتدادة كعاملة باطوف عامل مناجم كهكذا.
139
اإلسالم وقضايا العصر
َُ -كيرل أف من يؤيد اٞتندرية إف من ٮتالفها يعد ٣ترما يف حق اإلنسانية حيث كرد يف
مؤ٘تر ركما إلنشاء ٤تكمة اٞتنايات الدكلية ُٖٗٗ" :كل تفرقة أك عقاب على أساس اٞتندر
تشكل جرٯتة ضد اإلنسانية.
ُُ -تنظر اٞتندرية إُف أف الرجل يهيمن على ا١ترأة كٯتارس قوته عليها كأف آّتمع الذم
تعيش فيه ا١ترأة أنه ٣تتمعان ذكوريان كعليه ٬تب أف ٯتنح ا١ترأة قوة سياسية كاجتماعية كاقتصادية
مساكية للرجل يف ٚتيع ٣تاالت اٟتياة حىت كلو هدمت األسرة.
ك ال يتفق هذا الكبلـ مع ا١تفهوـ اإلسبلمي حيث جعل ا١ترأة حرة يف حياهتا سواء كاف
هذا األمر يف آّاؿ االجتماعي كاالقتصادم كالثقايف كالسياسي.كال ننسى أف اإلسبلـ ضبط ا١ترأة
كالرجل على حد سواء بضوابط شرعية.
ما رأينا من أثار مت ذكرها هنا أهنا تتناقض مع توجهات االسبلـ كالدين اٟتنيف إذ يؤمن
الشرع أف الرجل كا١ترأة من ٥تلوقات ا﵁ اليت مت تكرٯتها ،كمنحها حقوقا كثَتة كبُت دكر٫تا كاهنما
يكمبلف بعضهما البعض ،كالعبلقة عبلقة تكميلية بُت ا١تراة كالرجل ،كعبلقتهما عبلقة تقوـ على
ا١تودة كاالحًتاـ ،كَف ير االسبلـ اف هنالك فكرة صراع بينهما كعبلقتهما عبلقة طردية كتكميلية
العمار االرض كالعبادة.
دساٟي الظسف
دساٟي الظسف:
جرائم الشرؼ يقصد ّٔا:هي عمل إنتقامي بقصد القتل أك ما دكنه ،يقًتؼ من قبل أفراد
األسرة على فرد ،أك أكثر من األسرة ،أك من خارجها بذريعة اٟتفاظ على ٝتعة كشرؼ األسرة
كمكانتها ا١توركثة(ُ).
(ُ) د.علي ابو البصل ،جرائم الشرؼ دراسة فقهية مقارنة ،ص ُِ.
141
اإلسالم وقضايا العصر
جنايات ضعفاء اإلٯتاف ،فرتبت الشريعة اإلسبلمية ألمثاؿ هؤالء أحكامان جزاءن ٢تم ،كردعان
ألمثا٢تم ،كمن ذلك عقوبات الزنا كاللواط كالقذؼ كغَتها من جرائم اإلعتداء على أعراض الناس
كاليت هتدد أمن كاستقرار آّتمع.
(ُ) خالد بن ٤تمد اٟتميزم ،اٟتماية اٞتنائية للعرض دراسة تأصيلية مقارنة ،صُّ.ُْ-
141
اإلسالم وقضايا العصر
اٟتياة اإلنسانية ،كتوعد ا﵁ تبارؾ كتعاُف فاعله بالغضب كاللعنة يف الدنيا كاآلخرة ،كَف يكتف
َّم ً
اإلسبلـ بتحرمي القتل كتعدل إُف التجرمي ،قاؿ تعاُف ( :ىكىم ٍن يػى ٍقتي ٍل يم ٍؤمننا يمتىػ ىع ّْم ندا فى ىجىز ياؤي ىج ىهن ي
ً ً ً ً ً
يما) (ُ) . ب اللَّهي ىعلىٍيه ىكلى ىعنىهي ىكأ ىىع َّد لىهي ىع ىذابنا ىعظ ن
ىخال ندا ف ىيها ىك ىغض ى
أما قتل ا١ترأة باسم الشرؼ فذلك ٦تا ال يقر الشرع ،حيث يعترب اإلسبلـ القتل من جرائم
القصاص اليت تتعلق باإلعتداء على النفس كهي بذلك من اٞترائم اليت قاؿ ا﵁ تعاِف يف شأهنا:
س أ ٍىك فى ىس واد
"كىال تىػ ٍقتيػليوا النَّػ ٍفس الًَّيت ىحَّرىـ اللَّهي إًَّال بًا ٍٟتى ّْق"(ِ) ،كقوله تعاُف " :ىمن قىػتىل نػى ٍف نسا بًغى ًٍَت نػى ٍف و
ى ى ى
ٚتيعا كمن أىحياها فى ىكأَّى٪تىا أىحيا النَّاس ىً
ٚت نيعا"(ّ) . ض فى ىكأَّى٪تىا قىػتىل الن ً
ًيف ٍاأل ٍىر ً
ٍى ى َّاس ى ن ى ى ٍ ٍ ى ى
ى ى
أدل ٛحتسٖي دساٟي الكتن حبذ ٛالدفاع عَ الظسف
أدلة التحرمي من القرآف الكرمي:
ىم ىذ و ً
ت ،بًأ ّْ ً
ُ .قوله تعاُف ( ىكإً ىذا الٍ ىم ٍوءي ى
(ْ)
ت)
نب قيتلى ٍ كدةي يسئلى ٍ
س الًَّيت ىحَّرىـ اللَّهي إًَّال بً ٍ
(ٓ)
اٟتى ّْق) ِ .قوله تعاُف ( :ىكىال تىػ ٍقتيػليوا النَّػ ٍف ى
آخىر ىكال يػى ٍقتيػليو ىف النَّػ ٍفس الًَّيت ىحَّرىـ اللَّهي إًالَّ ً َّ ً
ى ين ال يى ٍد يعو ىف ىم ىع اللَّه إً٢تنا ى
ّ .قوله تعاُف ( :ىكالذ ى
(ٔ)
ىثاما) ً بً ٍ
ك يػىلٍ ىق أ ن
اٟتى ّْق ىكال يػىٍزنيو ىف ىكىم ٍن يػى ٍف ىع ٍل ذل ى
ب اللَّهي ىعلىٍي ًه ً ْ .قوله تعاُف( :كمن يػ ٍقتل مؤًمنا ُّمتػع ّْمدا فىجزاؤ جهن ً ً
َّم ىخال ندا ف ىيها ىكغىض ى ى ى ى ي ٍ ي ٍ ن ى ى ن ى ى يي ى ى ي
(ٕ) ً
ىكلى ىعنىهي ىكأ ىىع َّد لىهي ىع ىذابنا ىعظ ن
يما)
142
اإلسالم وقضايا العصر
فااليات الكرٯتة السالفة الذكر تدؿ داللة قاطعة على حرمة القتل بشىت صور ما َف يكن
ْتق ثابت كالقصاص ،كقد أعد ا﵁ للقاتل بغَت حق عذابان أليما يف األخرة كعقابا يف الدنيا ،كقد
تنوعت أساليب اإليات يف بياف حرمة القتل كالتشنيع على فاعله(ُ).
صلَّى ا﵁ي ىعلىٍي ًه ىك ىسلَّ ىم):الى ىً٭تلُّ قاؿ ي ً مسعود -ىر ًضي ا﵁ي ىعٍنهي -ى و عن اب ًن
رسوؿ ا﵁ ى قاؿ :ى ٍُ .
الزًاين ،ىكالنَّػ ٍف ً وؿ ا﵁ً إًالَّ بًًإح ىدل ثىبلى و
ث :الثػَّيّْ ً ً ً و ً
س ب َّ ٍ ىد يـ ٍام ًرئ يم ٍسل وم يى ٍش ىه يد أىف الى إلىهى إالَّ ا﵁ي كأ ّْىين ي
رس ي
اع ًة) (ِ). ً ً ً ً ً ًً بًالنَّػ ٍف ً
س ،ىكالتَّا ًرؾ لدينه الٍ يم ىفا ًرؽ ل ٍل ىج ىم ى
فاٟتديث الشريف يفيد صراحة عصمة دـ ا١تسلم ،كال يستباح إال يف حاالت ٤تددة.
السبع الٍموبًىق ً اؿً : ً ِ .عن أًىيب هريػرةى ،أى ٌف رس ى ً
ات، (اجتىنبيوا َّ ٍ ى ي صلَّى اللَّهي ىعلىٍيه ىك ىسلَّ ىم قى ى ٍ
وؿ اللَّه ى ىي ى ٍ ي ىٍى
س الًَّيت ىحَّرىـ اللَّهي إًَّال بً ٍ
اٟتى ّْق ىكأى ٍك يل ُّح ىكقىػٍتل النَّػ ٍف ً ً َّ ً وؿ اللَّ ًه ىما ًه ىي؟ قى ى
اؿ :الش ٍّْريؾ بالله ىكالش ُّ ي يل :يىا ىر يس ى
ق ى
ً
ً ً (ّ).
ت الٍ يم ٍؤمنىات) ات الٍغىافً ىبل ًؼ الٍمحصنى ً الربا كأى ٍكل م ًاؿ الٍيتًي ًم كالتػَّوِّْف يػوـ َّ ً
الز ٍحف ىكقى ٍذ ي ي ٍ ى ّْى ى ي ى ى ى ى ى ٍ ى
من خبلؿ هذ النصوص يتبُت لنا أف النيب عليه السبلـ عندما تعامل مع قضايا العرض
كالشرؼ َف يأمر بالقتل ،بل طلب البينة تارة كأمر بالتثبت تارة أخرل(ْ).
143
اإلسالم وقضايا العصر
كقد جعلت الشريعة اإلسبلمية عقوبة الزاين الغَت ٤تصن رجبلن كاف أك امرأة اٞتلد مئة
اح ود ّْمٍنػ يه ىما ًمائىةى ىج ٍل ىدةو)
الزًاين فىاجلً يدكا يك َّل ك ً
ى ٍ (الزانًيىةي ىك َّ
جلدة لكل كاحد منهما لقوله تعاُفَّ :
(النور.)ِ:
كالرجم حىت ا١توت للزاين ا﵀صن رجبلن كاف أك امرأة كذلك ١تا ثبت عن الرسوؿ صلى ا﵁
عليه كسلم أنه رجم ماعز كالغامدية(ُ).
سائِ ُك ْم اح َ ِالالتِي يأْتِين الْ َف ِ
شةَ من نِّ َ كيثبت الزنا بشهادة أربعة من الشهود لقوله تعاُفَ ( :و َّ َ َ
استَ ْش ِه ُدوا َعلَْي ِه َّن أ َْربَـ َعةً ِّمن ُك ْم) (النساء ،)ُٓ:كيثبت باإلقرار ،كالقرائن كأف ٖتمل ا١ترأة بدكف
فَ ْ
زكاج،
كاللعاف كأحد كسائل اثبات الزنا كهو خاص بالزكج اذا اهتم زكجته بالزنا كليس له شهود
إال نفسه.
كقد ْتث الفقهاء مسألة قتل الرجل زكجته دفاعان عن الشرؼ ،كلبياف اٟتكم الشرعي
ينبغي التمييز بياف اٟتاالت التالية:
ُ .القتل يف حاؿ التلبس بالزنا :ذهب الفقهاء إُف عدـ كجوب القصاص على من قتل
زكجته ،اك أحد ٤تارمه ،أك من يزين ّٔا يف حاؿ التلبس بالزنا إذا أقاـ البينة على ذلك(.)2
144
اإلسالم وقضايا العصر
()1
إُف كقد اختلف الفقهاء يف حاؿ عدـ كجود البينة لدل الزكج ،فذهب اٞتمهور
القصاص من القاتل ما َف يأت بالبينة على كقوع جرٯتة الزنا ،أك يصدقه كِف ا١تقتوؿ يف ادعائه،
كذهب آخركف( )2إُف سقوط القصاص على من قتل زكجته أك أحد ٤تارمه اثناء تلبسهما يف الزنا
سواء كجدت البينة أـ ال.
ِ .القتل يف حاؿ عدـ التلبس بالزنا اك انتهاء فعل الزنا كتكلم الناس به :فبل ٬توز القتل
دفاعان عن الشرؼ ّٓرد الشبهة أك التهمة أك اإلشاعات اليت تنتشر بُت أفراد آّتمع ،كللزكج يف
هذ اٟتالة اٟتق يف مبلعنة زكجته(.)3
ِ .اإلغتصاب(ْ):
كهو زنا كلكنه يتم باإلكرا من قبل الرجل للمرأة ،فهو يقوـ على الوطء غَت ا١تشركع
بإجبار ا١ترأة على هذا الفعل كانعداـ رضاها كتوفر القصد اٞتنائي ،كحكم اإلغتصاب للمعتدم
هو ذاته حكم الزنا من حيث اٟترمة كالعقوبة ككسائل إثباته ،كٯتكن اإلستعانة بأهل ا٠تربة كمعاينة
آٍّت عليها عن طريق الكشف الطيب يف إثبات اٞترٯتة.
(ُ) الدسوقي ،حاشية الدسوقي ،جٔ ،صُٕٗ ،النوكم ،ركضة الطالبُت ،جٕ ،صّٓٗ ،ابن النجار ،منتهى
اإلرادات ،جٓ ،صُِٔ.
(ِ) ابن عابدين ،حاشية ابن عابدين ،جٔ ،صٖٕ ،الدسوقي ،حاشية الدسوقي ،جٔ ،صُٕٗ ،ابن القيم،
زاد ا١تعاد ،جٓ ،صَْٔ.
(ّ) ابن فرحوف ،تبصرة اٟتكاـ ،جِ ،صُٓٗ ،الشربيٍت ،مغٍت ا﵀تاج ،جٓ ،صْٕٓ ،البهويت ،كشاؼ
القناع ،جٔ ،صُِِ.
(ْ) عبدالرحيم دراغمة ،جﺭﺍئﻡ ﺍلشﺭﻑ في ﺍلشﺭيعة ﺍإلسبلمية مقاﺭنة بقانﻭﻥ ﺍلعقﻭباﺕ ﺍألﺭﺩني ،صْْ.
145
اإلسالم وقضايا العصر
ّ .القذؼ(ُ):
القذؼ هو اعتداء على األعراض بالقوؿ كرميها بالزنا ،كهو كبَتة من الكبائر حرمتها
الشريعة االسبلمية بنصوص الكتاب كالسنة كاإلٚتاع ،قاؿ تعاُف( :كالَّ ًذين يػرمو ىف الٍمحصنى ً
ات يمثَّ ى ى ىٍ ي ي ٍ ى
ك هم الٍ ىف ً
اس يقو ىف) ً ً ىَف يأٍتيوا بًأىربػع ًة شهداء فى ً
ُت ىج ٍل ىدةن ىكىال تىػ ٍقبىػليوا ى٢تي ٍم ىش ىه ىادةن أىبى ندا ىكأيكلىئ ى ي ي
كه ٍم ىٙتىان ى
اجل يد ي
ٍ ى ٍى ى ي ى ى ى ٍ
(النور.)ْ :
وؿ اللَّ ًه ىمايل :يىا ىر يس ى ً ً ً (اجتىنًبيوا َّ
السٍب ىع الٍ يموب ىقات ،ق ى كمن السنة حديث النيب عليه السبلـٍ :
الربىا ىكأى ٍك يل ىم ًاؿ الٍيىتًي ًم س الًَّيت ىحَّرىـ اللَّهي إًَّال بً ٍ
اٟتى ّْق ىكأى ٍك يل ّْ ُّح ىكقىػٍتل النَّػ ٍف ً ً َّ ً
اؿ :الش ٍّْريؾ بالله ىكالش ُّ يًه ىي؟ قى ى
ات) (ِ). ت الٍمؤًمنى ً ؼ الٍمح ً ً ً كالتػَّوِّْف يػوـ َّ ً
صنىات الٍغىاف ىبل ي ٍ الز ٍحف ىكقى ٍذ ي ي ٍ ى ى ى ىٍ ى
كتثبت جرٯتة القذؼ بإحدل كسائل اإلثبات ا١تعتربة شرعان من شهادة أك إقرار أك باليمُت
ا١تردكدة...اٍف(ّ).
كقد جعلت الشريعة اإلسبلمية حد عقوبة القاذؼ باٞتلد ٙتانُت جلدة ،كعدـ قبوؿ
شهادته لسقوط عدالته ،ككصفه بالفسق ،إذا توافرت الشركط الواجب توافرها يف حد القذؼ.
ْ .هتك العرض(ْ):
كهو اإلعتداء الواقع على مواطن العفة ،أك ما يعد عورة لدل اإلنساف ،كإٟتاؽ األذل
كالعار يف عرضه كشرفه سواء كقع هذا الفعل من ذكر أك أنثى.
146
اإلسالم وقضايا العصر
حاؿ تلبسها ّترٯتة الزنا أك يف فراش غَت مشركع فقتلها يف اٟتاؿ أك قتل من يزين ّٔا أك قتلهما معان
أك اعتدل عليهما اعتداء أفضى إُف موت أك جرح أك إيذاء أك عاهة دائمة.
ِ .كيستفيد من العذر ذاته الزكجة اليت فوجئت بزكجها حاؿ تلبسه ّترٯتة الزنا أك يف
فراش غَت مشركع يف مسكن الزكجية فقتلته يف اٟتاؿ أك قتلت من يزين ّٔا أك قتلتهما معا أك
اعتدت عليه أك عليهما اعتداء أفضى إُف موت أك جرح اك ايذاء أك عاهة دائمة.
ّ .كال ٬توز إستعماؿ حق الدفاع الشرعي ْتق من يستفيد من هذا العذر.
ْ .كال تطبق عليه أحكاـ الظركؼ ا١تشددة.
تسمى هذ ا١تاد يف القانوف العذر ا١تخفف يف القتل؛ حيث تقوـ هذ ا١تادة بتوضيح
الشركط الواجب توافرها إلعماؿ العذر ا١تخفف كهي:
يف حاؿ الرجل :عنصر ا١تفاجئة ،كأف تكوف مرتكبة جرٯتة الزنا الزكجة أك أحد األصوؿ أك
الفركع األخوات ،كأف يكونا يف حالة التلبس ّترـ الزنا.
أما يف حاؿ الزكجة :عنصر ا١تفاجئة ،كأف يكوف مرتكب جرٯتة الزنا الزكج ،كأف تكوف
جرٯتة الزنا كقعت يف مسكن الزكجية ،كأف يكونا يف حاؿ تلبس.
كقد مت تعديل هذ ا١تادة أكثر من مرة حىت كصلت إُف النص اٟتاِف حيث كانت تعاًف
هذ اٞترائم ٔتوجب قانوف العقوبات بالعذر ا﵀ل بدالن من العذر ا١تخفف ،كالذم كاف يعذر
األفراد الذكور الذين يقدموف على قتل قريباهتم .كبعد ثبوت براءة بعض النساء ا١تقتوالت ٔتوجب
147
اإلسالم وقضايا العصر
التقارير الطبية الشرعية ا١تًتتبة على تشريح جثثهن ،كخيانة بعض األزكاج لزكجاهتم ،فقد عدؿ نص
ا١تادة )َّْ( سنة ََُِ على ٨تو يسمح بالعذر ا١تخفف لكبل اٞتنػػسُت(ُ).
148
اإلسالم وقضايا العصر
ً ً ً ً ا٠ت ًام ىسةي أ َّ هادات بًاللَّ ًه إًنَّه لى ًمن َّ ً ً
ىش و
ُت (ٕ) ت اللَّه ىعلىٍيه إً ٍف كا ىف م ىن الٍكاذبً ى ىف لى ٍعنى ى ُت (ٔ) ىك ٍالصادق ى ي ى
ا٠ت ًام ىسةى أ َّ ً ً و ً
ب
ضىىف ىغ ى ُت (ٖ) ىك ٍ ذاب أى ٍف تى ٍش ىه ىد أ ٍىربى ىع ىشهادات بًاللَّه إًنَّهي لىم ىن الٍكاذبً ى
ىكيى ٍد ىريؤا ىعٍنػ ىها الٍ ىع ى
ض يل اللَّ ًه ىعلىٍي يك ٍم ىكىر ٍٛتىتيهي ىكأ َّ اللَّ ًه علىيها إً ٍف كا ىف ًمن َّ ً ً
ىف اللَّهى تىػ َّو ه
اب ُت (ٗ) ىكلى ٍوال فى ٍ الصادق ى ى ىٍ
يم(َُ)"(ُ). ً
ىحك ه
ّ .تنفيذ العقوبات لئلماـ كليس لؤلفراد
لقد أككلت الشريعة اإلسبلمية حق إقامة العقوبات لئلماـ أك من ينوب عنه ،فبل ٬توز
ألم شخص أف يأخذ حقه بنفسه أك يقيم العقوبة على غَت .
كعلى هذا ال ٭تق للرجل أف يقتل إحدل ٤تارمه ألنه افتآت على حق اإلماـ كسعى لنشر
الفوضى فليس ألحد اٟتق يف استيفاء حد أك تعزير أك قصاص يف نفس أك غَتها إال بإذف اإلماـ
أك نائبه كالقاضي(ِ).
قاؿ الكاساين(ّ)" :كالية االستيفاء لئلماـ باإلٚتاع ...كالية إقامة اٟتد ثابتة لئلماـ
١تصلحة العباد ،كهي صيانة أنفسهم ،كأموا٢تم ،كأعراضهم ...كاإلماـ قادر على اإلقامة لشوكته
كمنعته ،كإنقياد الرعية له قهران ،كجربان ،كال ٮتاؼ تبعة اٞتناة ،كأتباعهم؛ إلنعداـ ا١تعارضة بينهم،
كبُت اإلماـ ،كهتمة ا١تيل ،كا﵀اباة ،كالتواين عن اإلقامة منفية يف حقه ،فيقيم على كجهها ،فيحصل
الغرض ا١تشركع له الوالية بيقُت".
ْ .هدـ األعراؼ الفاسدة كالتشنيع على اصحأّا
دعا اإلسبلـ إُف هدـ األعراؼ الفاسدة كالتشنيع على أصحأّا ،فأكؿ ما بدأ به اإلسبلـ
ٖترمي كأد البنات ،كأمر بإحًتاـ النساء ،كترؾ عادات اآلباء كاألجداد اليت ٗتالف الشرع.
149
اإلسالم وقضايا العصر
كقد اهتم علماء الشريعة باألعراؼ كقسموها إُف عرؼ صحيح كعرؼ فاسد ،كفرقوا بُت
التقليد األعمى كالتقليد ا١تستنَت ،فعلى اإلنساف أف ينظر يف الفعل قبل اإلقداـ عليه كإعماؿ عقله
الذم كهبه ا﵁ له كأف يستدؿ باألدلة كاألحكاـ الشرعية ٟتل قضايا من أجل ٖتقيق ا١تصاٌف كدرء
ا١تفاسد ،كمن هنا على ا١تسلم أف ينبذ العادات الفاسدة كمنها قتل النساء بدافع الشرؼ لتحقيق
(ُ).
مقصد حفظ النفس
(ُ) رقيه القرالة ،سبل معاٞتة الشريعة لقضايا قتل النساء بدافع الشرؼ.ُُٕ ،
151
اإلسالم وقضايا العصر
الٕسد ٚاخلاوشٛ
إعداد
أ.د .عباط الباز
أ.د .عبداهلل الصيفي
د.رائد أبو مؤنض
151
اإلسالم وقضايا العصر
الٕسد ٚاخلاوشٛ
تعسٖف الفكس:
الفقر هو عدـ ملك اإلنساف ما يكفيه من ماؿ (ُ).
ك الفقر من ا١تشكبلت اليت تعاين منها البشرية كقد أكال اإلسبلـ اهتمامان بالغان فقد كردت
كلمة الفقر كمشتقاهتا يف القرآف الكرمي ثبلثة عشر مرة (ِ) .كقد استعاذ النيب صلى ا﵁ عليه كسلم
(ّ)
من الفقر يف دعاء حيث كاف يقوؿ يدعو بقوله ":كأعوذ بك من الفقر كالكفر "
(ُ) عبلج مشكلة الفقر (دراسة قرآنية موضوعية) ،عبد السبلـ ٛتداف اللوح٤ -تمود هاشم عنرب٣ ،تلة اٞتامعة
اإلسبلميَّة (سلسة الدراسات اإلسبلمية) ،آّلد السابع عشر ،العدد األكؿ ،يناير ََِٗ ،ص َِّ
بتصرؼ.
(ِ) بازموؿ ،أحكاـ الفقَت ك ا١تسكُت يف القرآف العظيم ك السنة ا١تطهرة صُّ ،دار البشائر اإلسبلمية ،طُ،
ُٗٗٗـ.
(ّ) ابن حباف ،صحيح ابن حباف جّ ،صََّ ،حديث رقم َُِّ (صححه األلباين) ،مؤسسة الرسالة –
بَتكت ،طُِّٗٗ ،ـ
(ْ) الشيباين٤ ،تمد بن اٟتسن ،كتاب الكسب ،عبدا٢تادم حرصوين ،دمشق – ََُْق ،ص ِّ.
152
اإلسالم وقضايا العصر
،كقد جاء حث اإلسبلـ على العمل يف أكثر من موضع يف القرآف الكرمي كالسنة النبوية
ا١تطهرة ،منها
ُ ، -قاؿ تعاُف ":هو الذم جعل لكم األرض ذلوالن فامشوا يف مناكبها ككلوا من رزقه
كإليه النشور " ا١تلكُٓ.
يف اآلية إشارة إُف طلب الرزؽ كالكسب حيث قاؿ تعاُف فامشوا يف مناكبها ككلوا من
رزقه.
ِ -قوله صلى ا﵁ عليه كسلم ":ما أكل أحد طعاما قط خَتا من أف يأكل من عمل
(ُ).
يد كإف نيب ا﵁ داكد عليه السبلـ كاف يأكل من عمل يد "
ّ -كقد عمل كثَت من الرسل كقص ا﵁ علينا عملهم
-فموسى عليه السبلـ عمل يف رعي األغناـ قاؿ تعاُف مبينان خطاب الرجل الصاٌف
-كهذا داكد عليه السبلـ كاف يعمل يف صناعة الدركع ،قاؿ تعاُف كاصفان عمل نبيه
داكد عليه السبلـ ":كعلمنا صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكركف "
األنبياءَٖ.
-كقاؿ النيب صلى ا﵁ عليه كسلم عن مهنة زكريا عليه السبلـ أنه ٧تاران
(ِ)
(ُ) صحيح البخارم ،كتاب البيوع ،باب :كسب الرجل كعمله بيد ،جّ ،ص ٕٓ ،حديث رقم َِِٕ ،طُ
ُِِْ-ق.
(ِ) شرح النوكم على صحيح مسلم ،جُٓ،صُّٓ ،حديث رقم ِّٕٗ.
153
اإلسالم وقضايا العصر
154
اإلسالم وقضايا العصر
155
اإلسالم وقضايا العصر
(ُ) ْتوث ٥تتارة من ا١تؤ٘تر العا١تي لبلقتصاد اإلسبلمي صِِٕ.ا١تركز العا١تي ألْتاث االقتصاد اإلسبلمي طُ،
َُٖٗـ
(ِ) النوكم ،آّموع شرح ا١تهذب جٔ ،صُٕٔ.مكتبة الرشاد جدة
156
اإلسالم وقضايا العصر
(ُ) متفق عليه ،اخرجه البخارم يف صحيحه جِ‘ صُُِ ‘ حديث رقم ُِْٗ – دار طوؽ
النجاة،طُُِِْ،ق .كاخرجه مسلم يف صحيحه جِ ،صُٕٕ ،حديث رقم َُّّ ،دار إحياء الًتاث
العريب.
(ِ) اٟتلس :بساط يفرش يف البيت ٖتت الثياب.
(ّ) القعب :هو اإلناء الذم يشرب فيه.
(ْ) القدكـ :الفاس الذم يقطع به ا٠تشب.
157
اإلسالم وقضايا العصر
ً
القيامة َّ
إف ا١تسألةى ال تصلى يح يوـ لك من أف ٕتيءى ا١تسألةي نكتةن يف كج ًه ى
(ُ)
ك ى خَت ى عليه كسلم هذا ه
لثبلثة لذم فق ور يم ٍدقً وع (ِ) أك لذم يغ ٍروـ(ّ) يم ٍف ًظ وع(ْ) أك لذم ىدوـ يموج وع
ً (ٓ) " (ٔ). إال و
فانظر كيف عاًف النيب صلى ا﵁ عليه كسلم طلب هذا الرجل ،فلم يستجب له يف طلبه
أف يأخذ من أمواؿ الزكاة كإ٪تا أرشد للعمل كدله على نوع العمل الذم قد يستفيد منه ،كقد
ٖتقق له ذلك ،كبالتاِف فاإلسبلـ يدعو الناس القادرين على العمل إُف العمل كيف اٟتاالت اليت
يعجز اإلنساف عن اٟتصوؿ على العمل مع قدرته كرغبته فيه يصرؼ له من الزكاة حىت ٬تد عمبل
أك توجد له الدكلة العمل كلذا من مهاـ الدكلة ا٬تاد فرص العمل للراغبُت فيه دكف النظر إُف نوع
العمل الذم يطلبه الناس كا٪تا الدكلة توجد العمل البلئق براعاياها كالذم يسد حاجتهم ك٭تقق
النفع للدكلة.
158
اإلسالم وقضايا العصر
كقد شاع التعامل بالتأمُت كانتشر بسبب تعدد ا١تخاطر اليت قد يتعرض ٢تا الشخص يف
حياته ٦تا أدل إُف كقوع ا٠تسارة يف البدف أك ا١تاؿ كا١تمتلكات اليت دفعت بدكرها إُف البحث عن
الوسائل اليت تعُت على التقليل من آثار هذ ا١تخاطر اليت تصيب اإلنساف يف بدنه أك ماله.
كما أف القوانُت الوضعية اليت تلزـ يف الكثَت من التعامبلت بضركرة التأمُت على
ا١تمتلكات كعلى اٟتياة كانت أحد األسباب ا١تباشرة يف انتشار التأمُت كشيوعه .فكاف ظهور
شركات التأمُت التجارم.
-وفًّٕ التأوني
التأمُت مصطلح معاصر يقابله يف الداللة كا١تعٌت مصطلح األمن الذم هو مصدر فعله
الثبلثي أمن –بكسر ا١تيم -يقاؿ :أمن أمنان كأمانا إذا اطمأف كَف ٮتف فهو آمن ،كأمن البلد:
اطمأف فيه أهله ،كاألمن كاألمانة كاألماف يف األصل كصف للحالة اليت يكوف عليها اإلنساف إذا
اطمئن كٕترد من ا٠توؼ على نفسه أك ماله أك عرضه.
كمن ا١تعٌت اللغوم السابق لؤلمن يظهر ا١تراد منه عند إطبلقه طلبا ١تعنا االصطبلحي
الذم هو شعور اإلنساف بالطمأنينة كعدـ توقع خوؼ أك مكرك ،فاألمن شعور نفساين يبعث
على الراحة كاالطمئناف يبعد اإلنساف عن أسباب ا٠توؼ كتوقع ا١تكرك .كمن مث ٯتكن تعريف
األمن بأنه كصف للحالة اليت يكوف عليها اإلنساف من الطمأنينة كراحة الباؿ كهدكء النفس.
كقد استخدـ الفقهاء مصطلح األمن يف حديثهم عن أحكاـ موضوعات متعددة مثل
العقوبات كأ٫تية كجودها يف آّتمع كما ٢تا من دكر كبَت يف اٟتفاظ على أركاح الناس ك٦تتلكاهتم
كنشر األمن كالطمأنينة كمنع االعتداء الفردم أك اٞتماعي ؛ ككذلك يف حديثهم عن نظاـ القضاء
كأثر يف نشر األمن كٛتاية الناس من ا٢ترج كالقتل كسفك الدماء كا﵀افظة على ا١تاؿ كمنع
االعتداء على األعراض كاٟترمات .إذ لشعور اإلنساف باألمن دكر كبَت يف ٖتقيق سبلمة النفس
159
اإلسالم وقضايا العصر
كا١تاؿ كالعرض كالدين كالعقل ،كهي الضركريات اليت ال بد من كجودها يف حياة اإلنساف إقامة
١تصاٌف الدين كالدنيا.
(ُ) ٚتاؿ اٟتكيم :عقود التأمُت من الناحيتُت التأمينية كالقانونية ُ ّّ /
161
اإلسالم وقضايا العصر
(ُ) قرار ٣تمع الفقه اإلسبلمي يف دكرته ا١تنعقدة يف مكة ا١تكرمة يف الفًتة ُِّٓٗٗ / ْ/ْ – ّ/ق كقرار رقم
ٗ ِ /يف دكرته اليت انعقدت يف جدة من َُ ُٔ-ربيع اآلخر َُْٔ انظر قرارات كتوصيات ٣تمع الفقه
اإلسبلمي :القرارات ُٚ ٕٗ -تع كتنسيق د عبد الستار أبو غدة ،منشورات دار القلم ،دمشق ،الطبعة
الثانية
161
اإلسالم وقضايا العصر
اٟتادث ا١تؤمن منه كقد ال يقع ،كقد تستويف شركة التأمُت ٚتيع ما يستحق ٢تا من أقساط كقد
تستويف بعضها كقد تدفع أكثر ٦تا أخذت كقد تدفع أقل أك قد ال تدفع شيئا .ككذلك ا١تؤمن له
قد يدفع أقل ٦تا أخذ أك أكثر كقد ال يأخذ شيئا.
_ عقد التأمين يشتمل نوعي الربا الفضل والنسيئة ؛ ألن فيه مبادلة النقد بالنقد
بزيادة أو نقصان وهذا ربا الفضل ،وحيث ان المبلغ المستحق ألحد طرفي
العقد يثبت بعد حين من الزمان لتعلقه بوقوع الحادث او عدم وقوعه يكون
االجل عنصرا اساسيا في التأمين فيدخله ربا النسيئة من هذا الجانب .والربا
من المعامالت التي تفسد العقود باتفاق الفقهاء.
_عقد التأمُت يقوـ على االحتماؿ ا١تؤدم اُف القمار كالرهاف ؛ ألف ا١تقامر أك ا١تراهن ال
يستطيع أف ٭تدد هل سَتبح بدؿ الرهاف كالقمار اك ال ،ككذلك شركة التأمُت كا١تستأمن – ك٫تا
طرفا العقد-ال يستطيع أحد٫تا أف يقرر من ا١تستحق النهائي لقسط التأمُت كمبلغ التأمُت،
فا ١تستأمن ال يعرؼ إف كاف سيحصل على العوض أك ال ٭تصل عليه ؛ألف استحقاؽ العوض أك
عدـ استحقاقه متوقف على حصوؿ ا٠تطر ،كهذا ا٠تطر قد يقع كقد ال يقع.
_ عقد التأمُت صورة من صور بيع الدين الكاِفء بالدين الكاِفء ،كالكاِفء ا١تؤجل الذم
يتأخر تسليمه ذلك أف قسط التأمُت كهو ٤تل التزاـ ا١تؤمن له ال يدفع يف الغالب مرة كاحدة بل
على دفعات متفق عليها فما َف يدفع منه يثبت دينا مؤجبل يف الذمة ،كمثله مبلغ التأمُت الذم
يستحقه ا١تؤمن له عند كقوع ا٠تطر ا١تؤمن منه تدفعه شركة التأمُت على هيئة أقساط متتالية فما َف
يدفع منه يثبت دينا يف ذمة الشركة .كهذا الدليل ينطبق على عقود التأمُت على اٟتياة.
162
اإلسالم وقضايا العصر
(ُ) ـ مصطفى أٛتد الزرقاء ،نظاـ التأمُت :حقيقته كالرأم الشرعي فيه ،،طبع مؤسسة الرسالة ،دمشق
ص ُِِ
163
اإلسالم وقضايا العصر
كهذا الوصف لفكرة التأمُت يتفق مع مبادلء االسبلـ كتشريعاته ا٢تادفة اُف نشر االمن
كٖتقيق الطمأنينة بُت أفراد آّتمع من خبلؿ تشجيعهم على التعاكف كالتكافل يف مواجهة أم
خطر ٯتكن أف يلحق ّٔم فرادل أك ٚتاعات.
(ُ) هيثم ٤تمد حيدر :الفائض التأميٍت كمعايَت احتسابه كأجكامه ،ا١تلتقى الثاين للتأمُت التعاكين ص ّّ
(ِ) هيثم ٤تمد حيدر :الفائض التأميٍت كمعايَت احتسابه كأجكامه ،ا١تلتقى الثاين للتأمُت التعاكين ص ُّ
164
اإلسالم وقضايا العصر
هذا النوع من التعاكف كالتكافل بُت أفراد آّموعة ١تواجهة التكاليف ا١تالية اليت تًتتب عند كقوع
ضرر أك حدكث خطر ما على أحد أفراد هذ آّموعة ،فا٠تسارة تكوف ثقيلة مرهقة بالنسبة للفرد
الواحد خفيفة مقبولة إذا كزعت على ٣تموع األفراد (ُ).
الثاني :التأمُت ا١تركب :كهو صورة متقدمة عن التأمُت البسيط كيطلق عليه اسم " التأمُت
التبادِف ا١تتطور " ألنه ذات التأمُت البسيط مع تطور أدكاته ككسائله ٔتا يتناسب مع الواقع
ا١تعاصر ،حيث َف تعد مفردات اٟتياة القدٯتة ذات النمط البسيط ٖتقق الغاية كا٢تدؼ ا١تتوقع من
كجود التأمُت يف حياة الناس ،فكثرة أعداد الراغبُت يف االشًتاؾ بنظاـ التأمُت ككثرة كتنوع
األخطار اليت يتعرض ٢تا الفرد استلزـ التماشي مع هذ ا١تؤثرات بإحداث التطور ا١تطلوب مع
االحتفاظ با١تضموف ا١توافق ألحكاـ الشريعة السمحاء فكاف أف نشأت شركات خاصة تعٌت
بالتأمُت التعاكين التكافلي غايتها مواجهة آثار األخطار اليت قد تقع على الفرد أك آّتمع (ِ).
كصورة التأمُت ا١تركب ا١تعاصرة أف تقوـ شركة متخصصة بإنشاء كإدارة أعماؿ التأمُت
التعاكين من خبلؿ كجود فريقُت من األفراد:
األكؿ :الفريق ا١تؤسس للشركة كهم ا١تسا٫توف أصحاب رأس ا١تاؿ.
الثاين :فريق ا١تشًتكُت من األفراد الذين يتكافلوف فيما بينهم كيتربعوف بأموا٢تم ١تساعدة
من يقع عليه الضرر من أفراد آّموعة.
ككما هو ظاهر من نوعي التأمُت البسيط كا١تركب أنه بصورتيه من التربعات القائمة على
اإلعانة كالنصرة كحاؿ الكثَت من ا١تبادمء اليت أقرها التشريع اإلسبلمي استنادا إُف عموـ اآليات
كاألحاديث الدالة على مشركعية التكاتف كالتعاكف بُت أفراد آّتمع ا١تسلم كما يف قوؿ ا﵁ تعاُف
" كتعاكنوا على الرب كالتقول كال تعاكنوا على االمث كالعدكاف " ككذلك قوؿ الرسوؿ – صلى ا﵁
165
اإلسالم وقضايا العصر
عليه كسلم " -ا١تسلم أخو ا١تسلم " كقوله " ا١تؤمن للمؤمن كالبنياف يشد بعضه بعضا " كالشد
معنا اإلسناد كالتناصر يف اٟتق كاإلعانة على فعل ا٠تَت.
فاألساس الذم تقوـ عليه فكرة التأمُت اإلسبلمي هي التعاكف كالتكافل بُت ٣تموع
ا١تستأمنُت كاالستعداد ماليا ١تواجهة آثار األخطار ا﵀تملة اليت ٯتكن أف تقع على بعض
ا١تستأمنُت ،كفيه تعاكف منظم تنظيما دقيقا بُت عدد كبَت من الناس معرضُت ٚتيعا ٠تطر كاحد
حىت إذا ٖتقق ا٠تطر بالنسبة اُف بعضهم تعاكف اٞتميع يف مواجهته بتضحية قليلة يبذ٢تا كل منهم
يتبلفوف ّٔا أضرارا جسيمة ٖتيق ٔتن نزؿ ا٠تطر به منهم.
كقد اكتسب هذا النوع من التأمُت شرعيته من هذا ا١تقصد الذم أيد التشريع كأقر ،
كعليه فإف التأمُت التعاكين أك التكافلي هو البديل ا١تشركع للتأمُت التجارم ا﵀رـ ،كٯتكن من
الناحية التشغيلية تطبيق فكرة التأمُت التعاكين على هيئة شركة تأمُت تقوـ على تطبيق نظاـ التأمُت
التعاكين بتجريدها عن ا٢تدؼ التجارم ليحل ٤تله االشًتاؾ على اساس التربع كالتعاكف بُت أفراد
آّموعة.
كحاؿ ا١تتكافل يشبه حاؿ الفقَت الذم يستحق من ماؿ الزكاة بالفريضة الشرعية ما داـ
يستحق عليه من ماؿ إُف غَت من
ن فقَتان حىت إذا ما رزقه ا﵁ ا١تاؿ كاستغٌت به أصبح دافعا ١تا
الفقراء.
كهو مشركع ألنه يقوـ على أساس التربع آّرد عن العوض ،كال يضر التفاكت كعدـ
التعادؿ بُت ما يؤخذ كبُت ما يعطى عند االشًتاؾ فيه ،أم أف التفاكت اٟتاصل بُت مبلغ التأمُت
كقسط التأمُت ٦تا يغتفر ؛ ألنه قائم على ا١تعاكنة كالتناصر على فعل ا٠تَت على خبلؼ التفاكت
اٟتاصل يف عقود البيع كا١تعاكضات فبل يسمح فيها بالتفاكت إذا كاف فاحشا لئبل يؤدم ذلك اُف
أكل أمواؿ الناس بالباطل لقياـ عقد البيع يف األصل على ا١تماكسة كا١تشاحة.
166
اإلسالم وقضايا العصر
كٗتريج مبلغ التأمُت على أنه منحة كعطية مقابل عمل يقصد منه التكافل كتقدمي العوف
يقدمه ٣تموع ا١تؤمن ٢تم من حصيلة ا١تبلغ آّموع كا١تعد سلفان ١تواجهة آثار الضرر سائغ ؛ ألنه
٭تقق مصاٌف متبادلة للمستأمنُت ٚتيعان ،كيكوف ما يدفع من مبلغ التأمُت ليس إال جزاء كمكافأة
على فعل ا٠تَت الذم قدـ أكالن ،فمبلغ التأمُت الذم يستحقه ا١تؤمن له يعد من باب ا١تعونة اليت
تقدمها هذ آّموعة إُف ا١تؤمن له تنفيذان للتعهد ا١تتفق عليه الذم تراضى عليه الطرفاف ا١تؤمن له
ك٣تموع ا١تؤمنُت الذين ٘تثلهم شركة التأمُت ،كالغاية من هذ ا١تعونة هي تعويض ا١تؤمن له بعض
الشيء عن مصيبته.
كيؤيد هذا النظر القوؿ بأف األساس الذم قاـ عليه التأمُت التعاكين برمته هو التعاكف كمنه
ٝتي تعاكنيان ،فينبغي أف يبقى هذا األساس حاضران يف أذهاف ا١تؤمن ٢تم ٚتيعان كاستبعاد الكسب
ا١تاِف عند ا١تشاركة يف التأمُت التعاكين كاستحضار نية الصدقة ٔتبلغ التأمُت ١تن يقع عليه الضرر
مشاركان ّٓموع ا١تؤمن ٢تم بالتعاكف ،كما داـ األمر كذلك فينبغي أف يبقى أصل التعاكف ماثبلن يف
التطبيق ابتداء كحاضران يف األذهاف مآالن كانتهاء .كهذا يستلزـ القصد كالنية من ا١تؤمن له عند
مشاركته يف عقد التأمُت أف يكوف القصد كالغاية هو التعاكف على ا٠تَت كدفع الضرر عن اآلخرين
ال ٖتصيل مبلغ التأمُت مقابل األقساط اليت يلزمه دفعها ٔتقتضى العقد.
املصازف اإلسالوٗٛ
تعد ا١تصارؼ اإلسبلمية أحد أهم تطبيقات ا١تصرفية اإلسبلمية ،كأكثرها ٪توا ،كرغم قصر
ٕتربة ا١تصارؼ اإلسبلمية مقارنة ٔتثيبلهتا التقليدية فقد خطت خطوات هامة ،كيف مسارات
متعددة ٦تا أفرز تنوعا يف التجربة الواقعية ،كا١تتمثل بقياـ ا١تصارؼ اإلسبلمية بدكرها التجارم
كاالقتصادم كاالجتماعي كالتنموم يف خدمة اإلنساف الذم هو األساس الذم تدكر حوله اٟتياة،
ات لَّىق ٍووـ
ٚتيعا ّْمٍنه إً َّف ًيف ذىلًك ىآلي و
ى ى ض ى ن ي ٍ
يقوؿ سبحانه :كس َّخر لى يكم َّما ًيف َّ ً
ات كما ًيف ٍاألىر ً ً
الس ىم ىاك ى ى ىى ى
167
اإلسالم وقضايا العصر
يػىتىػ ىف َّكيرك ىف ،)ُ(كيقوؿ سبحانه :ىكلىىق ٍد ىكَّرٍمنىا بىًٍت آ ىد ىـ ،)ِ(كذلك من خبلؿ قياـ ا١تصارؼ بتلبية
رغبات كحاجات اإلنساف اليت تقرها الشريعة بشكل ٭تقق كرامة اإلنساف ،كيسمو به ٨تو رسالة
اإلسبلـ.
كمن جهة أخرل ،فليس من الضركرم تسمية ا١تؤسسة ا١تالية بالصفة اإلسبلمية حىت تكوف
مندرجة يف اطار ا١تؤسسات ا١تالية اإلسبلمية ؛ كإ٪تا ينبغي أف ٖتقق ا١تؤسسة ا١تالية ا١تنتمية
للمصرفية اإلسبلمية ٣تموعة من ا١تعايَت اليت إذا ما توفرت يف أم مؤسسة مالية ٯتكن اعتبارها من
مؤسسات ا١تصرفية اإلسبلمية ؛ كفيما يلي بياف ٢تذ ا١تعايَت:
168
اإلسالم وقضايا العصر
املعٗاز الجاٌ٘ :وؤسشات والٗ ٛحتكل وبادئ ٔأِداف ٔقٕاعد االقتصاد اإلسالو٘
من خصائص ا١تصارؼ اإلسبلمية كوهنا مؤسسات مالية لتجميع األمواؿ كتوظيفها يف
إطار الشريعة اإلسبلمية كمقاصدها ،كرغم تشابه كل من ا١تصارؼ اإلسبلمية كا١تصارؼ التقليدية
يف الطبيعة ا١تصرفية (تعبئة ا١تدخرات كتوظيفها يف استثمارات ك٘تويبلت) إال إف ا١تصارؼ
اإلسبلمية هي جزء من النظاـ االقتصادم اإلسبلمي ،كمن مث ؛ فإهنا تطبيق كاقعي كتفعيل
لقواعد كمبادئه ،كتستلزـ هذ ا١تيزة للمصارؼ اإلسبلمية ارتفاع دكرها االجتماعي من خبلؿ
ا١توازنة بُت مصاٟتها ا٠تاصة كا١تصلحة االجتماعية ؛ فينبغي أف تراعي ا١تصاٌف االجتماعية كلو
أدل ذلك إُف التضحية ببعض مصاٟتها ا٠تاصة (ُ).
كيف هذا اإلطار جاء تعريف ا١تصرؼ اإلسبلمي " مؤسسة مالية مصرفية لتجميع األمواؿ
كتوظيفها يف نطاؽ الشريعة اإلسبلميةٔ ،تا ٮتدـ بناء آّتمع اإلسبلمي كٖتقيق عدالة التوزيع،
ككضع ا١تاؿ يف ا١تسار اإلسبلمي" (ِ) .ككذا تعريفه بأنه " مؤسسة نقدية مالية ،تعمل على جذب
ا١توارد النقدية من أفراد آّتمع كتوظيفها توظيفا فعاال يكفل تعظيمها ك٪توها يف إطار القواعد
ا١تستقرة للشريعة اإلسبلمية كٔتا ٮتدـ شعوب األمة كيعمل على تنمية اقتصادياهتا" (ّ) .يف حُت
يرل خرباء التنظيم يف البنوؾ اإلسبلمية أف :البنوؾ اإلسبلمية":تلك ا١تنظمة ا١تالية ا١تصرفية اليت
ٗتتص بتجميع األمواؿ كتوظيفها يف نطاؽ الشريعة اإلسبلمية ٔتا ٮتدـ ٣تتمع التكافل اإلسبلمي
بوضع ا١تاؿ يف ا١تسار اإلسبلمي" (ْ).
169
اإلسالم وقضايا العصر
إف تلبية رغبات اإلنساف كحاجاته يف ضوء ندرة ا١توارد االقتصادية ،عبلكة على ٖتقيق
توزيع عادؿ للثركة غدا من بدهيات البحث يف االقتصاد اإلسبلمي ػ بتمويله لؤلفراد بصورة ٖتسن
دخلهم مستقببل ػ أداة مالية فعالة للوصوؿ إُف هذ النتيجة بشكل ٕتارم متوافق مع مبادئ
الشريعة.
املعٗاز الجالح :املصازف اإلسالوٗ ٛوؤسشات والٗ ٛتعىن ٔفل أسهاً الظسٖعٛ
معرفها باعتبارها
كيف هذا السياؽ اندرجت أغلب تعريفات ا١تصارؼ اإلسبلمية ما بُت ٌ
شكبلن مطوران لعقد الصرؼ ؛ فا١تصارؼ اإلسبلمية هي ا١تؤسسة ا١تالية اليت تقوـ بعمليات الصرافة
كاستثمار ٔتا يتفق كأحكاـ الشريعة اإلسبلمية (ُ).
معرؼ للمصرؼ اإلسبلمي باعتبار مؤسسة ال تتعامل بػ " الربا " ،حىت كاف من
كما بُت ٌ
الشائع تعريف البنك اإلسبلمي على أنه مؤسسة مصرفية ال تتعامل بالفائدة (الربا) أخذا أك
عطاء؛ فالبنك اإلسبلمي ينبغي أف يتلقى من العمبلء نقودهم دكف أم التزاـ أك تعهد مباشر أك
غَت مباشر بإعطاء عائد ثابت على كدائعهم ،مع ضماف رد األصل ٢تم عند الطلب(ِ)" ...،
مؤسسة تباشر األعماؿ ا١تصرفية ،مع التزامها باجتناب التعامل بالفوائد الربوية ،أخذان كعطاءن
بوصفه تعامبلن ٤ترمان شرعا كباجتناب أم عمل آخر ٥تالف ألحكاـ الشريعة اإلسبلمية"(ّ) .بل
جعل اجتناب الربا أساسان لتعريف ا١تصرفية اإلسبلمية بأهنا :نظاـ مصريف يٕترل فيه ا١تعامبلت
كاألنشطة ٔتوجب مبادئ الشريعة اإلسبلمية كالذم ي٬تيز التمويل على أساس األصوؿ ك٭ترـ
ا١تعامبلت على أساس الربا(ْ).
171
اإلسالم وقضايا العصر
كإف كاف اطبلؽ االلتزاـ بالشريعة اإلسبلمية دكف قصر ذلك على الربا هو ا١تنهج األدؽ
يف تعريف ا١تصرؼ اإلسبلمي ؛ إذ ليس الربا ا﵀ظور الوحيد ،عبلكة على أف ا١تطلوب من ا١تصرؼ
التزاـ الواجبات كما هو اجتناب ا﵀رمات ،كلكي يكتمل تعريف ا١تصرؼ اإلسبلمي ال بد من
إضافة إُف شرط ٖترمي الفائدة ،االلتزاـ يف نواحي نشاطه كمعامبلته ا١تختلفة بقواعد الشريعة
اإلسبلمية ،التزاما يتمثل بعدـ االستثمار أك ٘تويل أم أنشطة ٥تالفة للشريعة ،كااللتزاـ ٔتقاصد
الشريعة يف ابتغاء مصلحة آّتمع اإلسبلمي ،كمن مث العمل على توجيه ما لديه من موارد مالية
إُف أفضل االستخدامات ا١تمكنة ،عبلكة على االلتزاـ بالقيم األخبلقية كالقواعد الشرعية اليت
تستلزـ تقدمي النصيحة للعمبلء كالتشاكر معهم لتحقيق مصاٟتهم الفردية يف إطار ا١تصلحة
االجتماعية.
كمن مث؛ كاف تعريف ا١تصارؼ اإلسبلمية بأهنا "مؤسسات مصرفية تلتزـ يف ٚتيع معامبلهتا
كنشاطاهتا االستثمارية كإدارهتا ٞتميع أعما٢تا بالشريعة اإلسبلمية كمقاصدها ،ككذلك بأهداؼ
آّتمع اإلسبلمي داخليا كخارجيا" (ُ) ،تعريف أكثر دقة ٦تا سبقه من تعريفات بالنظر إُف هذا
ا١تعيار كهذا ا١تعيار يستلزـ أف يوجد يف ا١تصرؼ كي ما يكوف إسبلميا كجود :اللجنة الشرعية:
كهي كياف مستقل يتألف من علماء متخصصُت يف فقه ا١تعامبلت يتوُف توجيه كدراسة أنشطة
ا١تؤسسة ا١تالية اإلسبلمية كاإلشراؼ عليها لضماف اتفاقها مع أحكاـ كمبادئ الشريعة
اإلسبلمية(ِ).
(ُ) يسرم ،عبد الرٛتن ،دكر ا١تصارؼ اإلسبلمية يف التنمية٣ ،تلة االقتصاد اإلسبلمي ،ديب ،العدد رقم ُٖٔ.
(ِ) البنك اإلسبلمي للتنمية ،مصطلحات البنك اإلسبلمي للتنمية ،مصطلح رقم.ُٖٓ :
171
اإلسالم وقضايا العصر
(ُ) الزعًتم ،ا٠تدمات ا١تصرفية كموقف الشريعة اإلسبلمية منها.ّْ -ّٕ ،
(ِ) مرطاف ،سعد ،مدخل الفكر االقتصادم يف االسبلـ ،ص ُِٖ.
(ّ) شحاته ،حسُت.،
(ْ) طايل ،مصطفى كماؿ (ُٖٖٗ) ،البنوؾ اإلسبلمية ،ا١تنهج كالتطبيق ،جامعة أـ درماف.،
172
اإلسالم وقضايا العصر
االجتماعي يف آّتمع كتلتزـ ٔتبادئ كمقتضيات الشريعة اإلسبلمية كذلك دؼ ٖتقيق التنمية
اإل٬تابية ،االقتصادية كاالجتماعية ،لؤلفراد كا١تؤسسات مع مراعاة ظركؼ آّتمع(ُ).
ا١تصارؼ اإلسبلمية عبارة عن مؤسسات استثمارية مصرفية اجتماعية تتعامل يف إطار
الشريعة اإلسبلمية ،فهي تعمل على تعبئة ا١توارد اإلسبلمية ا١تتاحة كتوجيهها إُف االستثمارات اليت
ٗتدـ أهداؼ التنمية االقتصادية كاالجتماعية إضافة إُف القياـ باألعماؿ ا١تصرفية البلزمة ٔتقتضى
أحكاـ الشريعة اإلسبلمية .كبشكل ٭تقق التنسيق كالتعاكف كالتكافل بُت ٥تتلف الوحدات
االقتصادية يف آّتمع كاليت تسَت كفقان ألحكاـ الشريعة اإلسبلمية .كٔتا يؤكد دكر ا١تصارؼ
اإلسبلمية يف السوؽ ا١تصرفية القائمة كٖتقيق االنتشار اٞتغرايف كالعمل على توسيع قاعدة
ا١تتعاملُت معها٦ ،تا يستوجب على ا١تصارؼ اإلسبلمية أف يشمل نشاطها كل القطاعات
اإلنتاجية ككل الفئات كا١تناطق مع إعطاء األكلوية للسلع الضركرية كا٠تدمات األساسية (ِ).
كقياـ ا١تصارؼ اإلسبلمية يف ٘تويل خدمات ا١تنافع خاصة ما كاف منها يتعلق ٔتصاٌف
ضركرية كحاجية كالصحة كالتعليم ؛ كتقدمي هذ التمويبلت بكلف ٘تويلية منخفضة ،ينبغي أف
يكوف أحد أهم أسس كأركاف النظاـ ا١تصريف اإلسبلمي ٖتقيقا ألهداؼ ا١تصرفية اإلسبلمية ا١تعلنة
يف رسالة ا١تصارؼ اإلسبلمية .كيقوم هذا التوجه أف خاصية هذ التمويبلت كوهنا قصَتة األجل،
كهو ما ٯتكن أف يشكل حبل ١تشكلة فائض السيولة اليت تعاين منها ا١تصارؼ اإلسبلمية.
173
اإلسالم وقضايا العصر
174
اإلسالم وقضايا العصر
(ُ) أبو مؤنس ،رائد نصرم (َُِِ ) ٘تويل خدمات ا١تنافع يف ا١تصارؼ اإلسبلمية ،دار الرضواف ،عماف،
ط(ُ) ،ص ِٖ.
175
اإلسالم وقضايا العصر
الٕسد ٚالشادسٛ
إعداد
أ.د .عبداهلل إبراييم زيد الكيالني
د.رحيل الغرايبة
176
اإلسالم وقضايا العصر
الوحدة الصادشة
اإلشالم والكضايا الصياشة
وفًّٕ الٍعاً الشٗاس٘:
السياسة هي تدبَت الشأف العاـ؛ أم ما يتعلق باٞتماعة ،كحفظ األمن كإقامة مرفق
القضاء ،كتنظيم استعماؿ ا١تباحات ،كاٟتريات العامة ،كيف اٟتديث النبوم" :كانت بنو إسرائيل
تسوسهم األنبياء"(ُ) ؛ أم :تدبر شأهنم العاـ ،كتنظم أمورهم ،كتبُت ٢تم اٟتبلؿ كاٟتراـ ،كٖتملهم
على الطريق اٟتسنة ،كينصفوف ا١تظلوـ ،كيف اٟتديث إشارة إُف أنه ال ب ٌد للرعية كاٞتماعة من قائم
بأمرها.
يطلق النظاـ السياسي على تنظيم الشأف العاـ ،ببياف ً
طرؽ اختيار اٟتكاـ ،كالدستوًر
الذم ٭تدد العبلقة بُت األمة كاٟتاكم ،كالوظائف ا١تنوطة باألئمة ،كا﵀افظة على القيم العقدية
كالثقافية اليت ٖتفظ كجود اٞتماعة كٖتقق مصلحتها ،كإقامة مؤسسات العدؿ ،كالقضاء ،كإدارة
موارد آّتمع ،كمنع التناحر بُت القول داخل آّتمع ،ك٤تاربة الدعوات للطائفية كالعنصرية أك
لبل٨تبلؿ األخبلقي.
كيتم ٖتقيق هذ الوظائف يف النظاـ السياسي اإلسبلمي عرب مؤسسات سيادية ٘تثل األمة
٘تثيبلن صحيحان ،ك٘تتلك القدرة على األمر كالنهي ،كتتوزع بينها عملية صنع القرار السياسي ،كهي
ا١تؤسسات التشريعية كالتنفيذية كالقضائية.
كتتناكؿ دراسة النظاـ السياسي يف اإلسبلـ من الناحية األكادٯتية مفهوـ الدكلة ،كمفهوـ
ا٠تبلفة ،كطرؽ تفويض السلطة ،كشكل الدكلة :ملكي أـ ٚتهورم ،اٖتادم فيدراِف أك كونفدراِف،
177
اإلسالم وقضايا العصر
كا١تبادئ العليا للنظاـ السياسي ،كعبلقة اٟتاكم باألمة ،كطرؽ تقومي ا٨تراؼ السلطة العامة ،كطرؽ
عزؿ رئيس الدكلة.
وفًّٕ الدٔل:ٛ
(الدكلة) لغة ًاال ٍستً ىيبلء ىكالٍغىلىبىة ،كالتحوؿ من شيء إُف شيء ،كما تطلق على الشيء
ا١تتداكؿ من ىماؿ أىك ىٍ٨تو ىذلًك(ُ).
كمن تأمل يف فقه اللغة ٬تد عبلقة بُت معاين الغلبة كالتحوؿ؛ فمن شأف الغلبة أال تدكـ،
كهذ سنة اجتماعية يؤكدها القرآف الكرمي" :كتلك األياـ نداك٢تا بُت الناس" ،كما تؤكدها ا٠تربة
اإلنسانية كما يف قصيدة أيب البقاء الرندم يف رثاء األندلس:
إنػسػاف العيش بطيب يغر فبل لكل شيء إذا ما مت نػقػصػاف
أزمػاف ساءتػه زمن سر من دكؿ شاهدتػهػا كما األمور هي
ِ :الدكلة هي شعب أك أمة من األمم ،ينظم أمرهم يحكم ،كٮتضعهم هذا اٟتكم ٚتيعان
إُف أحكاـ قانونية كاحدة ال ٘تايز فيها(ِ).
ّ :الدكلة هي مؤسسة سيادية كقانونية تقوـ حُت يقطن ٣تموع من الناس بصفة دائمة يف
إقليم معُت ،كٮتضعوف لسلطة عليا ٘تارس سيادهتا عليهم(ّ).
178
اإلسالم وقضايا العصر
ٖتليل التعريفات:
ُ .يتضح من التعريفات أف الدكلة ال تقوـ إال بوجود عدة عناصر( ،العنصر البشرم أك
ا١تواطنُت ،كهم أفراد يقيموف على ٨تو دائم يف إقليم ٤تدد ،كالعنصر ا١تادم ،كهو اإلقليم ،كالعنصر
التنظيمي كاإلدارم ،كهو سلطة قادرة على األمر كالنهي) ،كيتفق فقهاء القضاء الدكِف على ضركرة
توافر هذ العناصر ٣تتمعة لكي تقوـ الدكلة كييعًتؼ ّٔا دكليان.
ِ .االستقرار كالدكاـ من أهم الصفات ا١ترافقة للدكلة.
ّ .السيادة من أهم الصفات ا١ترافقة للدكلة.
ْ .السلطة سياسية ينبسط أمرها على اٞتميع(ُ).
ٓ .كمن خصائص الدكؿ اٟتديثة اليت ٘تيزها عن نظاـ "اإلقطاع" ،الفصل بُت من ٯتارس
السلطة كبُت أشخاص اٟتاكمُت ،حيث كاف نظاـ اإلقطاع -الذم بدأ يف أكركبا يف القرف الثامن
ا١تيبلدم كامتد إُف القرف ا٠تامس عشر للميبلد -يقوـ على كجود مالك ١تزرعة كعند تابع كعماؿ
أك قن أرضن ،هم من طبقة العبيد بالوراثة ،أما ا١تالك فيتصرؼ يف ٦تلكته باعتبارها ملكان
شخصيان ،كيعطي للتابع أرضان ليعيش منها ،كلكن ليس للقن حقوؽ سياسية يف اختيار حاكمه،
كال ا١تشاركة يف اٟتكم ،أما الدكلة اٟتديثة فإف اٟتاكم فيها موظف كنائب عن األمة ،كلذا فتصرفه
مقيد با١تصلحة ،كهذا مبدأ إسبلمي مقرر بنص القاعدة ا٠تامسة من القواعد الفقهية الكربل:
كلذا فالدكلة اٟتديثة اليوـ اقًتبت من ا١تفهوـ (ِ)
صلى ىح ًة" الر ًعيَّ ًة ىمنيو ه
ط بًالٍ ىم ٍ اإل ىم ًاـ ىعلىى َّ
ؼ ًٍصُّر ي
"تى ى
اإلسبلمي للحكم باعتبار اٟتاكم ككيبلن كنائبان عن األمة.
(ُ)عبد ا١توُف ،عصاـ (َُِٔ) ،الفيدرالية رسالة دكتوراة ،اٞتامعة األردنية إشراؼ د عبدا﵁ الكيبلين ،صٗٔ
(ِ) األشبا كالنظائر البن ٧تيم ،دار الكتب العلمية ،بَتكت ،ُٗٗٗ ،ص َُْ
179
اإلسالم وقضايا العصر
181
اإلسالم وقضايا العصر
181
اإلسالم وقضايا العصر
ىم ىجاعً هل ًيف قاؿ ابن عاشور :كا١تراد من قوله تعاُف "إين جاعل يف األرض خليفة" أ ٍ
اُف استً ىع ىارةه أىٍك ى٣تى هاز يم ٍر ىس هل ىكلىٍيس ًْتى ًقي ىق وة؛ ًأل َّ
ىف اللَّهى تىػ ىع ى ض ،فىػ يه ىو ٍيد ي ًيف ٍاأل ٍىر ً
ض يم ىدبػّْنرا يػى ٍع ىم يل ىما نيًر ي
ٍاأل ٍىر ً
ى
الس ٍلطىنىةي ىعلىىاف ،ىكيه ىو َّ اإلنٍس ً
ً ً َّ ً ً ً ىَفٍ يى يك ٍن ىح ِّاال ًيف ٍاأل ٍىر ً
ض ىكىال ىعام نبل ف ىيها الٍ ىع ىم ىل الذم أ ٍىكىد ىعهي يف ٍ ى
اإل ٍ٢تى ًاـ أ ٍىك
ض بً ًٍ يذ يمىر ًاد اللَّ ًه تىػ ىع ى
اُف؛ ًم ٍن تىػ ٍع ًم ًَت ٍاأل ٍىر ً ات ٍاألىرض ،كمعٌت خبلفة آدـ قًيامه بًتػنٍ ًف ً
ى يي ى ٍ
موجود ً
ىٍ ي ى
اُف ًم ٍن ىه ىذا الٍ ىعا ًىَف ٍاأل ٍىر ًض ّْي. بًالٍو ٍح ًي كتىػلٍ ًق ً
ُت ذيّْريَّتً ًه يمىر ىاد اللَّ ًه تىػ ىع ى ى ى
اخلالف ٛيف االصطالح الظسع٘:
صلَّى اللَّهي ىعلىٍي ًه ىك ىسلَّ ىم يف حراسة الدين ًهي ًرئىاسةه ع َّامةه ًيف الدّْي ًن ك ُّ ً
الدنٍػيىا نيىابىةن ىع ًن النً ّْ
َّيب ى ى ى ى ى
ضا اإلٍ ىم ىامةى الٍ يكٍبػىرل.
كسياسة الدنيا ،ىكتي ىس َّمى أىيٍ ن
اإلمامة:
األصل اللغوم لكلمة اإلمامة مصدر من الفعل (أـَّ) تقوؿَّ :أمهم كأـَّ ّٔم :تقدمهم ،كهي
اإلمامة.
ُت،ً
كاإلماـ :كل من ائتم به من رئيس أك غَت ،كا٠تليفة ،كاإلمامة الٍ يعظٍ ىمى ،كإمارة الٍ يمؤمن ى
١تصاٌف ال ٌدين ىك ُّ
الدنٍػيىا. ثىىبلث ىكلًمات معنىاها ك ً
ومة اإلسبلمية اٞتامعة ى
اٟتي يك ى
احد ،ىكيه ىو رئاسة ٍ ى ىٍ ى ى
فالتسمية با٠تليفة إبراز لنيابته عن النيب ،كالتسمية باإلماـ إبراز لرئاسته للجماعة كاقتدائهم به.
182
اإلسالم وقضايا العصر
٘تنع استبداد اٟتكاـ إذ تقيدهم بقانوف ،لكنها ال ٘تنع استبداد القانوف نفسه ،أك تقنُت االستبداد،
يف حُت أف اإلسبلـ جعل العدؿ ٔتفهومه اإلسبلمي من ا١تبادئ العليا للدكلة الذم يرقى على كل
قرار اجتهادم ،كسيتضح األمر عند دراسة "سيادة التشريع".
كبناء على ما سبق فإف التشريع اإلسبلمي ال يهدؼ إُف هدـ دكلة القانوف ،ليكوف البديل
هو الدكلة االستبدادية أك الفوضى ،كإ٪تا يرل يف دكلة القانوف خطوة متقدمة يسعى إلنضاجها
كاالرتقاء ّٔاْ ،تيث يكوف "العدؿ ا١تطلق" سيد التشريعات كمهيمنان عليها ،مصداقان لقوله تعاُف:
أم صدقان يف (ُ)
يم }ً ّْؿ لً ىكلًماتًًه كهو َّ ً {كى٘تَّت ىكلًمت ربّْ ى ً
يع الٍ ىعل ي
السم ي ك ص ٍدقنا ىك ىع ٍدنال ىال يمبىد ى ى ى ي ى ى ٍ ى ي ى
التبليغ ،كعدالن يف التشريع.
يدلك على هذا أف الرسوؿ عليه السبلـ مدح النجاشي ككصفه بأنه ملك "ال ييظلم عند
أحد" ،فالوصوؿ إُف دكلة قانونية ٘تنع الظلم ٤تل ترحيب من النيب عليه الصبلة كالسبلـ.
كقد ذـ الرسوؿ على اٞتاهلية عدـ كجود أمَت ٢تم ،فقاؿ :من مات كليس يف عنقه بيعة
مات ميتة جاهلية .قاؿ ابن حجر :أم مثل ميتة أهل اٞتاهلية .كمن هنا يعد كجود نظاـ سياسي
٭تكم اٞتماعة مقصد شرعي.
تساعد يف تطبيق أحكاـ الشريعة؟
ي كيبقى السؤاؿ :ما هي الدكلةي القانونية اليت
٘تنع السلطةى السياسيةى من اٗتاذ قرارات تتصادـ مع يحريات اإلنساف
إهنا دكلةه دستورية ي
األساسية ،كهي دكلةه تسمح للمجتمع بتنظيم نفسه عرب مؤسسات آّتمع ا١تدين ْتيث تشكل
ٛتايةن للفرد من تعسف السلطة.
183
اإلسالم وقضايا العصر
(ُ) بدائع السلك يف طبائع ا١تلك ،ابن األزرؽٖ ،تقيق على سامي النشارٗٓ :ُ ،
(ِ) سنن أيب داكد برقم ْْٔٔ ،بلفظ :خبلفة النبوة ثبلثوف سنة مث يؤيت ا﵁ ا١تلك من يشاء ،قاؿ األلباين حسن
صحيح
184
اإلسالم وقضايا العصر
ض إً ّْين ىح ًفي ه
ظ {اج ىع ٍل ًٍت ىعلىى ىخىزائً ًن ٍاأل ٍىر ً
بل طلب أف يشارؾ يف اٟتكم كزيران ،فقاؿ للملكٍ :
يم} (ِ) ،فكل اقًتاب من مفهوـ العدؿ يف الدكؿ القانونية هو اقًتاب من السَت على منهاج ً
ىعل ه
النبوة ،كٖتكيم شرع ا﵁ تعاُف.
كتقسم السيادة إُف سيادة داخلية كسيادة خارجية ،كمن مظاهر السيادة الداخلية:
ُ :إلغاء أعراؼ العرب ا١تخالفة للعدالة ،كالثأر اٞتاهلي ،كتشريع شريعة القصاص العادؿ
القائم على ا١تساكاة كاقتصار العقوبة على اٞتاين.
185
اإلسالم وقضايا العصر
ِ :إلغاء مظاهر الظلم ضد ا١ترأة الذم عرفه اٞتاهليوف ،فقد كرد يف مناسبة قوله تعاُف:
اٟتىيىاةً ُّ
الدنٍػيىا} (ُ) [] أنه كاف لعبد ض ٍ {كىال تي ٍك ًرهوا فىػتػياتً يكم علىى الٍبًغ ًاء إً ٍف أىرد ىف ىٖت ُّ ً
صننا لتىٍبتىػغيوا ىعىر ىىٍ ى ى ي ىى ٍ ى ى
ا﵁ بن أيب جوار يفرض على كل كاحدة أف تعمل بالبغاء كتدفع له در٫تا ،فأنزؿ ا﵁ هذ اآلية ٘تنع
هذا الفعل .كييعد تصديق الدكؿ على اتفاقيات ٕترـ البغاء اقًتاب من مفهوـ سيادة الشرع.
ّ :كمن مقتضيات سيادة الشرع الداخلية عدـ جواز تطبيق اٞتلوة العشائرية على من َف
يرتكب جرمان؛ ألف ا﵁ تعاُف يقرر أنه ال ٬توز معاقبة اإلنساف بذنب غَت ،كال ٬توز التذرع بشدة
الغضب من أهل القتيل إليقاع ظلم آخر على أبرياء.
كهناؾ السيادة ا٠تارجية ،كمن تطبيقات هذا ا١تبدأ:
ُ:إف االتفاقيات الدكلية اليت تتضمن شرطان ٥تالفا للشريعة يعد الشرط فيها الغيان ،كال
٬توز للدكلة تطبيقه ،كاالتفاقيات اليت تنطلق من رؤية ليربالية ال تراعي أحكاـ الشرع يف شأف
ا﵀رمات من النساء ،كال يف شأف قواعد اإلرث.
ِ :ال ٬توز إقرار اتفاقية تفوت على األمة حقها على ٨تو دائم يف مقاكمة ا﵀تل.
186
اإلسالم وقضايا العصر
اعة ٍاأل ًىمَت تىابً ىعة لطاعتهم ،كاجتماع يحة ًيف الٍتًىزاـ ٍ كرد من ٍاألىح ًاديث َّ ً
اعة ،ىكىكوف طى ى اٞتى ىم ى الصح ى ى
اؿ ":من ُت ىعن النًَّيب [صلى ا﵁ ىعلىٍي ًه ىكسلم] قى ى يح ٍ ً الٍ ىكلًمة بسلطتهم ،ىكح ًديث ابن عبَّاس ًيف َّ ً
الصح ى ٍ ى ى ى
اهلًيَّة" ،ىك١تا أخرب اٞتماعة شبػرا فىمات مات ميتة ج ً ً ً
رأل من أمَت ىشٍيئا فليصرب عىلىٍيه ،فىإف من فىارؽ ٍى ى ى ٍ ن ى ى ى ى ى ى
النًَّيب [صلى ا﵁ ىعلىٍي ًه ىكسلم] يح ىذيٍػ ىفة بن الٍيى ىماف ًٔتىا يكوف ًيف ٍاألمة من الٍ ًف ىنت ًيف اٟتى ًديث َّ
الص ًحيح
اعة الٍ يمسلمُت، ً
اؿ [صلى ا﵁ ىعلىٍيه ىكسلم] " :ت ٍلزـ ٚتى ى اؿ :فى ىما تىأٍ يم ًرين إًف أدركٍت ذىلًك؟ قى ى
الٍ ىم ٍش يهور قى ى
كلها " إً ىٍف ..ىكًيفك الٍفرؽ ى اؿ " فاعتزؿ تًٍل ىاعة ىكىال إً ىماـ؟ قى ى
اؿ قلت :فىإًف َف يكن ى٢تيم ٚتى ى كإمامهم " قى ى
ّْسبى ًة إً ىُف صدر ًٍ ً ىح ًاديث بػىيىاف أىف ٍ
(ِ)
اإل ٍس ىبلـ. السواد ٍاأل ٍىعظىم ،أىم بالن ٍ
اعة ،كهم ى اٞتى ىم ى بعض ٍاأل ى
187
اإلسالم وقضايا العصر
ْ:كمن ا١تعقوؿ كدليل أف السلطة لؤلمة أف ا﵁ خاطب األمة بالتكاليف الشرعية ،كال
تكليف ببل سلطة ،فكانت السلطة لؤلمة؛ ألهنا ا١تخاطبة ابتداء.
(ُ) صفوة البياف ١تعاين القرآف (ّٔامش القرآف) ،ص َُُ٤ ،تمد حسنُت ٥تلوؼ.
(ِ) زبدة التفسَت من فتح القدير (ّٔامش القرآف الكرمي) ،ص ٖٗ٤ ،تمد سليماف األشقر.
188
اإلسالم وقضايا العصر
189
اإلسالم وقضايا العصر
191
اإلسالم وقضايا العصر
فيجوز أف تكوف ا١ترأة مفتية شرعان ،كالتشريع يف ا١تسائل نوعُت :الفقهية يعتمد على معرفة اٟتكم
الشرعي.
191
اإلسالم وقضايا العصر
كقيٌد اإلسبلـ سلطة الدكلة ْتقوؽ اإلنساف قبل اف تعرؼ أكركبا (ا١تاجنا كارتا) اك العهد
األعظم (ُُِٓللميبلد) ،اليت كصفت بأهنا ا١تيثاؽ العظيم للحريات يف إ٧تلًتا
كمن الوثائق العربية اإلسبلمية ا١تبكرة ٟتقوؽ اإلنساف :رسالة اٟتقوؽ لزين العابدين لئلماـ
علي بن اٟتسُت (ّٖ ٖٗ-هػ) كهي تشمل ٜتسُت مادة ،تتناكؿ :حق ا﵁،كحق النفس ،كحقوؽ
األمة على اٟتكاـ.كجاء فيها:حق الرعية على اإلماـ :الرٛتة ،كاٟتياطة ،كاألناة ،كحق اإلماـ على
(ُ)
الرعية.النصيحة كعدـ ا١تنازعة.
ِ:إف ما كصلت إليه اإلنسانية من حقوؽ،كأقرته ٔتواثيق عا١تية ملزمة ،كحق اٟتياة ،كحق
ا١تلكية ،كحق تكوين أسرة ،هو يف النظر الشرعي من الضركريات ا١تتصلة ْتفظ النفس كا١تاؿ،
كاالعتداء على هذ اٟتقوؽ جرٯتة كربل ،كما العقوبات اٟتدية يف اإلسبلـ ،أك العقوبات
(ِ)
ا١تنصوص عليها ،إالٌ ٛتاية ٢تذ اٟتقوؽ اإلنسانية األساسية كراجعة إليها
ّ :من خصائص حقوؽ اإلنساف :أهنا تثبت لئلنساف بوصفه إنسانا ،بقطع النظر عن
جنسه ،كلونه ،كدينه ،كعرقه ،كهذا ما أكد حديث الرسوؿ يف خطبة الوداع :يا أيها الناس أال إف
ربكم كاحد ،أال إف أباكم كاحد ،أال ال فضل لعريب على عجمي ،أال ال فضل ألسود على أٛتر
(ّ)
إال بالتقول ،أال قد بلغت؟ قالوا :نعم ،قاؿ :ليبلغ الشاهد الغائب.
ْ :ال توافق الشريعة على الرؤية الليربالية اليت تتعامل مع اإلنساف بوصفه جسدا كتلغي
حاجاته الركحية تلغي دكر الدين يف نظاـ األسرة كتدعو إلقرار زكاج ا١تثليُت أك إلغاء كالية األب
على ابنته.
(ُ ) رسالة اٟتقوؽ ،األثر ا٠تالد ،تأمبلت فکرية معاصرة فی حقوؽ االنساف،صاٌف،نبيل علی؛٣تلة:
ا١تنهاج،رقم ،ُّ:صفحة.ََّ:
(ِ) حقوؽ األنساف ٤تور مقاصد الشريعة ،الريسوين ،الزحيلي ،شبَت ،كتاب األمة عدد ٕٖ ،،تقدمي عمر حسنة
صَِ :
(ّ) أخرجه اٛتد برقم ِّْٖٗ كإسناد صحيح
192
اإلسالم وقضايا العصر
اعتبار اإلسبلـ أكؿ من نادل بالدٯتقراطية ،كتبٌت مبادئها كسيادة الشعب ،كمنهم من كقف موقفان
ت إُف التشابه ا٠تارجي يف
كسطان ،فاعترب اإلسبلـ بُت الدٯتقراطية كالثيوقراطية .كهذ األْتاث التىفتى ٍ
بعض اآلثار ،كغاب عنها البحث يف ا١تفاهيم كاٟتقائق ،فالدٯتقراطية تصدر عن فكرة أف الشعب
سيد نفسه ،ليحكم نفسه با١تنهج الذم يرا مناسبان ،كهذا مغاير لئلسبلـ رأسان؛ ألنه قائم على
التسليم ﵁ كحد بسلطة التشريع .كالتشريع هو أهم مقومات الدكلة يف كل عصر ،فا١تناقضة
بينهما جوهرية ال شكلية ،كليست يف الوسائل كاألساليب .النظاـ الدٯتقراطي يقوـ على أساس
(ُ ) إإلعبلف اإلسبلمي ٟتقوؽ اإلنساف( ،إعبلف القاهرة) :ا١تادة ْ ،موقع جامعة مينوستا
http://wwwُ.umn.edu/humanrts/arab/aََْ.html
(ِ) انظر رئاسة الدكلة٤ ،ّٖٓ :تمد رأفت عثماف.
193
اإلسالم وقضايا العصر
حرية الشعب يف أف ٭تكم نفسه بالطريقة كالتشريع الذم يرا مناسبان ،فاألمة عند مصدر
التشريع .كَف يكن النظاـ الدٯتقراطي ٤تميان من اٗتاذ قرارات ظا١تة ْتق األقلية ،كاٟتق يف ا١تفهوـ
الليرباِف مرتبط بإرادة األغلبية ،فهو تقريرم يقر الناس على ما يرغبوف.
أما يف النظاـ السياسي اإلسبلمي ،فالتشريع ابتداء ﵁ رب العا١تُت ،كهو يأمر بالشورل
حىت ال يتفرد فرد ٔتصَت األمة ،كيقيد إرادة األمة ،كأهل الشورل بالعدؿ الرباين؛ حىت ال تهظلم
األقلية بقرارات اإلغلبية ،أك تظلم األجياؿ البلحقة بقرارات َف تراع مصاٟتهم ،فشرع ا﵁ ٭تكم
إرادة األغلبية ،كليس للشعب يف اإلسبلـ حرية ٦تارسة كتطبيق التشريع دكف ضوابط أك قيود ،لقوله
يما ىش ىجىر بػىٍيػنىػ يه ٍم يمثَّ ىال ىً٬ت يدكا ًيف أىنٍػ يف ًس ًه ٍم ىحىر نجا ً٦تَّاتعاُف" :فى ىبل كربّْك ىال يػؤًمنو ىف ح َّىت ي٭ت ّْكم ى ً
وؾ ف ى ىى ى يٍ ي ى ى ي
ً
ك٤تكوـ بالشرع. ه سود
يما" [ٓٔ النساء] فالشعب يف ا١تفهوـ اإلسبلمي ىم ه ت ىكيي ىسلّْ يموا تى ٍسل ن
ضٍي ى
قى ى
كالشرع تقوٯتي ال تقريرم؛ أم :إنه ييقوـ إرادة األغلبية إذا ا٨ترفت (ُ).
ِ :تطور الفكر اإلنساين الدٯتقراطي ١تعاٞتة ثغرات يف النظاـ الدٯتقراطي ،فوضع قيودان
على إرادة األغلبية ،الدكلة ٦تثلة ٔتواثيق حقوؽ اإلنساف العا١تية إذا كقعت عليها الدكلة ،كّٔذا
يكوف الفكر الدٯتقراطي قد اقًتب من الفكر اإلسبلمي يف أ٫تية تقييد االجتهاد اإلنساين بقيم
عليا ٤تايدة ٘تنع األغلبية من ظلم األقلية ،غَت أف مشكلة ا١تواثيق الدكلية أهنا َف تستطع الوصوؿ
لقيم موضوعية ٘تثل ا١تصاٌف اإلنسانية اٟتقيقية ،فبل زالت ا١تواثيق الدكلية تتأثر بقول ضغط كما
يف مسألة حق األجنة يف اٟتياة أك إباحة اإلسقاط ،فدعاة الفكر الليرباِف يتبنوف حق إسقاط
األجنة ،يف حُت ٧تد حكم الشرع كاضحان يف ٖترمي اإلجهاض ابتداء ،كقد يؤذف به يف حاالت
٤تددة إذا كاف يف استمرار اٟتمل خطر ٤تقق على حياة األـ.
(ُ) الفقه اإلسبلمي ا١تقارف مع ا١تذاهب :ص ْٖ ،د .فتحي الدريٍت ،ا١توافقات – جِ :ص ُّّ – الشاطيب.
194
اإلسالم وقضايا العصر
195
اإلسالم وقضايا العصر
(ُ) النساءَُٓ:
(ِ) الطورُِ :
(ّ) دراسات كْتوث :ص َٗ ،د .فتحي الدريٍت.
196
اإلسالم وقضايا العصر
أحسنت
ي ّ١ :تا كقف أبو بكر الصديق خطيبان يف الناس بعد مبايعته با٠تبلفة قاؿ" :إف
(ُ)
يؤكد حق األمة يف الرقابة كالتقومي ،كهذا يتناىف مع ا١تفهوـ أخطأت فقوموين "
ي فأعينوين ،كإف
الثيوقراطي الذم ال ٬تيز مساءلة اٟتكاـ.
197
اإلسالم وقضايا العصر
كقهر الناس بشوكته انعقدت ا٠تبلفة له إال أنه يعصى ٔتا فعل –كما حصل مع عبد ا١تلك بن
مركاف رٛته ا﵁ تعاُف – فاألصل الرجوع لؤلمة كأخذ موافقتها.
كهذ الطريقة ال تقر بشرعية االنقبلبات على حاكم ٥تتار برضى األمة؛ ألف للحاكم
ا١تختار برضى األمة حق النصرة كالطاعة ،كال ٬توز خلع اإلماـ ببل سبب كلو خلعو َف ينفذ ،أما
اٟتاكم الذم حكم بالغلبة ليس له يف رقاب األمة حق النصرة .كإذا ثبت اإلماـ بالقهر كالغلبة مث
جاء آخر فقهر انعزؿ كصار القاهر إمامان.
ٔظاٟف الدٔل:ٛ
ُ:حفظ كجود الدكلة ٔتنع االعتداء عليها ،كلذا قاؿ ا﵁ تعاُف { فى ىم ًن ٍاعتى ىدل ىعلىٍي يك ٍم
(ُ)
اعتى يدكا ىعلىٍي ًه ٔتًًثٍ ًل ىما ٍاعتى ىدل ىعلىٍي يك ٍم }
فى ٍ
ِ:منع الدعوات اإلقليمية كالعنصرية اليت ٘تزؽ آّتمع ،قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه
ات ىعلىى كسلم" :لىيس ًمنَّا من دعا إً ىُف عصبًيَّ وة ،كلىيس ًمنَّا من قىاتىل علىى عصبًيَّ وة ،كلىي ً
س منَّا ىم ٍن ىم ى
ى ى ىٍ ى ىٍ ى ى ى ى ىٍ ى ٍ ى ىٍ ىى
صبًيَّ وة".
ىع ى
َّ ً
ض أىقى ياموا ين إً ٍف ىم َّكن ي
َّاه ٍم ًيف ٍاأل ٍىر ً ّ:األمر با١تعركؼ كالنهي عن ا١تنكر ،قاؿ تعاُف {:الذ ى
(ِ)
كؼ ىكنػى ىه ٍوا ىع ًن الٍ يمٍن ىك ًر ىكلًلَّ ًه ىعاقًبىةي ٍاأل ييموًر}
الزىكاةى كأىمركا بًالٍمعر ً
ى ىي ى ٍي
الص ىبلةى ىكآتػى يوا َّ
َّ
كيف اآلية بياف لوظيفة الدكلة بإقامة الصبلة كتقوية الوازع الديٍت ،كهذا أمر يبدك غريبان على
العلماين الذم َف ٬تعل للدكلة كظيفة دينية ،كلكن النظر العلمي يؤكد دقة ا١تنهج
الفكر ى
اإلسبلمي؛ فهناؾ مسائل ال تستطيع الدكلة حلها بالوازع ا١تادم كحد ،فبلبد مثبلن من تقوية
الوازع الديٍت عند معاٞتة مدمٍت ا١تخدرات ليتمكنوا من االنتصار على هواهم.
198
اإلسالم وقضايا العصر
ْ :إقامة مؤسسات ٖتقيق العدؿ ،كمؤسسة القضاء ،كقد بُت ا﵁ تعاُف أف العدؿ شرط
199
اإلسالم وقضايا العصر
نصحه لتثبيت إمامته ،أما ا١تنازعة فهي باب للفساد قاؿ ابن تيمية ":ىكإًَّ٪تىا يػى ٍف يس يد ىح ي
اؿ أى ٍكثى ًر الن ً
َّاس
اس ًة كا١تنازعة على اٟتكم"(ُ). ً
ًالبٍتًغىاء ّْ
الريى ى
عزه االواً ٔسشب الجك ٛوَ احلهٕوٛ
يتوهم بعض الباحثُت أف النظاـ السياسي يف اإلسبلـ ال يقر لؤلمة ْتق العزؿ ألنه ال يؤيد
ا ٠تركج على اٟتكاـ إال يف حالة الكفر البواح ،كهذا خلط بُت العزؿ ،الذم يتم بطرؽ دستورية
آمنة ،كبُت ا٠تركج الذم يؤدم للفنت.
ال يؤيد النظاـ السياسي يف اإلسبلـ ا٠تركج ٔتعٌت التمرد على الدكلة كمنازعة األئمة يف
كاليتهم؛ كترؾ األمر فوضى ال جامع للناس على اٟتق ،ألف هذا يؤدم لفتنة غالبان ،كيعطل التنمية
يف آّتمع ،أما العزؿ إذا كاف عرب مؤسسات الدكلة ْتيث يبقى للدكلة كياهنا كيعزؿ شخص
اٟتاكم ك٭تل غَت مكانه فقد نص عليه الفقهاء كله أسباب منها (ِ):
ُ :إذا قدـ اسقالته ،كأعلن عدـ رغبته باالستمرار.
ِ:أف يطرأ على اإلماـ ما ٯتنعه من أداء كظائفه.
ّ :إذا ارتكب معصية كأخذ الرشوة ،كظلم ا١تواطنُت ،فهو مستحق للعزؿ ،لكن ال يسوغ
ا٠تركج عليه بالقتاؿ ،أما لو أمكن العزؿ بطريق آمن ،كسحب الثقة عرب مؤسسة بر١تانية نيابية ،أك
اؿ الَّ ًذم
عدـ التجديد له ،كما يف األنظمة الرئاسية ،فهذا جائز ،كنقل ابن حجر عن ابن التُت :قى ى
ب ً ًَّ و ًً ً ً ً و ىعلىٍي ًه الٍ يعلىماء ًيف أيمر ًاء ٍ ً ً
ب ،ىكإال فىالٍ ىواج ي
اٞتىٍور أىنَّهي إ ٍف قى ىد ىر ىعلىى ىخلٍعه بغى ٍَت فٍتػنىة ىكىال ظيٍلم ىك ىج ى ى ي ىى
الصٍبػير(ّ).
َّ
(ُ ) السياسة الشرعية يف إصبلح الراعي كالرعية ،ابن تيمية ،كزارة الشؤكف اإلسبلمية كاألكقاؼ ،السعودية ،ص
َُّ
(ِ) اإلسبلـ كالنظريات السياسية٤ ،تمد تقي العثماين،تعريب كليم ا﵁ البشيٍت ،السلية العربية ،األردف َُِْ،
ص َّٓ
(ّ) فتح البارم بشرح صحيح البخارم :جُّ :ص ٖ
211
اإلسالم وقضايا العصر
ْ٬:توز منازعة اٟتاكم كاليته يف حالة كاحدة ،كهي رؤية الكفر البواح من اٟتاكم؛ أم:
اعهي ىكأىظٍ ىهىري ىكأىنٍ ىكىر ثىابًتان ًيف الدىَّالئً ًل"(ُ) ،ككل ذلك مقيد با١توازنة بُت ا١تصاٌف ،فإذا كاف ا٠تركج
"أى ىذ ى
سيؤدم إُف فتنة أكرب ،كلن يتمكن ا٠تارجوف من ٖتقيق أهدافهم ،فبل يشرع ٢تم ا٠تركج ،بل يكوف
الواجب العمل على اإلصبلح بالوسائل اآلمنة ا١تتاحة.
اٟتزب يف االصطبلح:هناؾ ٚتلة من التعريفات اليت تتفق على معٌت جوهرم متشابه،
كمن هذ التعريفات:
"ٚتاعة متحدة من األفراد الذين يعملوف ٔتختلف الوسائل الدٯتوقراطية للفوز باٟتكم
بقصد تنفيذ برنامج سياسي معُت" (ْ).
211
اإلسالم وقضايا العصر
"٣تموعة من الناس ينتظمهم تنظيم معُت ،كٕتمعهم مبادئ ٤تددة ،كمصاٌف مشًتكة،
كيهدفوف اُف الوصوؿ اُف السلطة أك ا١تشاركة فيها" (ُ).
من خبلؿ التعاريف السابقة يتضح أف معٌت اٟتزب يشمل على ٣تموعة عناصر:
ُ٣ -تموعة منظمة من األفراد.
ِ٬ -تتمعوف على برنامج سياسي.
ّ -يهدفوف اُف ٖتقيق ا١تصاٌف العامة.
ْ -يسعوف اُف الوصوؿ اُف السلطة أك ا١تشاركة فيها.
ٓ -يلتزموف بالوسائل السلمية.
هنالك ٕتمعات بشرية منظمة عديدة تعمل بشكل ٚتاعي ،كهتدؼ اُف ٖتقيق ٚتلة من
ا١تصاٌف اليت تعود على أفرادها كعلى آّتمع مثل النقابات كاٞتمعيات التطوعية كا٢تيئات ا٠تَتية،
كلكن هذ التجمعات ال تسمى أحزابا سياسية با١تعٌت االصطبلحي اال اذا كانت تسعى للوصوؿ
اُف السلطة أك ا١تشاركة فيها ،كتعمل من خبلؿ كجودها يف السلطة كسدة اٟتكم على تنفيذ
برا٣تها كٖتقيق أهدافها ا١تعلنة.
(ُ)ا٠تطيب ،نعماف :األحزاب السياسية ك دكرها يف أنظمة اٟتكم ا١تعاصرة ،ص ِْ.
212
اإلسالم وقضايا العصر
السلطة كاٟتكم ،كلذلك ٯتكن القوؿ أف فكرة األحزاب هي تطوير لتجربة عا١تية أسهمت يف
انضاجها كل الشعوب كاألمم ،كلكن كانت الدكؿ الغربية أكثر تطويرا ٢تذ التجربة كأكثر استفادة
منها يف العصر اٟتاضر ،كلقد كانت الشعوب العربية كاالسبلمية جزءا من هذ التجربة ،كلكنها ما
زالت ْتاجة اُف مزيد من التطوير كاالنضاجٔ ،تا يتناسب مع ثقافتها كأفكارها كمبادئها.
ك ٯتكن القوؿ أف فكرة اٟتزب اٞتوهرية ،القائمة على معٌت ٕتمع ٣تموعة من األفراد على
أفكار كمبادئ ك٤تاكلة تطبيقها من خبلؿ السلطة كاٟتكم هي فكرة قدٯتة يف التاريخ االسبلمي،
حيث كجدنا اختبلفا بُت أهل السنة كاٞتماعة ،كالشيعة كا٠توارج بفرقهم ا١تختلفة على كيفية
اختيار رئيس الدكلة ككيفية ادارة النظاـ السياسي ،لكنها َف تكن ٕتربة منظمة من خبلؿ القانوف
كالتنافس السلمي على السلطة.
213
اإلسالم وقضايا العصر
ثانيا :األمة االسبلمية كلها تسعى لتحقيق هدؼ كاحد مشًتؾ ك٬تمعها فكر كاحد
كتعتصم بعقيدة كاحدة ،فكلهم يشكلوف حزبا كاحدا ،فبل ٣تاؿ لتعدد األحزاب اليت تؤدم اُف
تعدد األهداؼ كالعقائد كاختبلؼ االٕتاهات.
قاؿ ا﵁ تعاُف( :ك اعتصموا ْتبل ا﵁ ٚتيعا كال تفرقوا) (ُ).
ك قاؿ ا﵁ تعاُف( :ك من يتوُف ا﵁ كرسوله كالذين امنوا ،فاف حزب ا﵁ هم الغالبوف) (ِ).
ثالثا :ا١تسلموف ٚتيعا ينبغي أف يكونوا يف حلف كاحد ،فقد قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه
(ّ)
كسلم( :انه ال حلف يف االسبلـ كأٯتا حلف كاف يف اٞتاهلية َف يزر االسبلـ اال شدة)
ك من أشهر من ذهب اُف تبٍت هذا الرأم أبو األعلى ا١تودكدم(ْ) ،كمصطفى كماؿ
كصفي(ٓ) ،كاخركف.
ك يناقش أصحاب هذا الرأم بأف األحزاب ٘تارس دكرها يف االختبلؼ ضمن اطار الدكلة
الواحدة ،كضمن اطار األمة الواحدة ذات األهداؼ ا١تشًتكة ،فهي ٗتتلف فيما يسمح فيه
االختبلؼ كاالجتهاد ،كهو ال ينايف االعتصاـ ْتبل ا﵁ ،كهي تتنافس يف خدمة األمة كتقدمي ما
هو أفضل.
214
اإلسالم وقضايا العصر
أكال :األحزاب السياسية تعد الوسيلة ا١تثلى اليت ٖتقق األمة من خبل٢تا ٚتلة من الفركض
الكفائية اٞتماعية اليت ٖتتاج اُف التعاكف كالتكافل بُت األفراد ،قاؿ ا﵁ تعاُف (كلتكن منكم أمة
يدعوف اُف ا٠تَت كيأمركف با١تعركؼ كينهوف عن ا١تنكر كاكلئك هم ا١تفلحوف) (ُ).
ثانيا :األحزاب السياسية تعد أداة مناسبة للتعامل مع االختبلؼ اٟتتمي بُت البشر يف
ا١تسائل االجتهادية كيف قضايا السياسة كادارة الدكلة ضمن قواعد االسبلـ كمبادئه العامة.
قاؿ تعاُف( :ك لو شاء ربك ٞتعل الناس أمة كاحدة ،كال يزالوف ٥تتلفُت) (ِ).
ك من ا١تتفق عليه أنه ال حرج يف االختبلؼ يف الفركع الفقهية كا١تسائل العملية ،كلذلك
كجدت ا١تذاهب الفقهية ا١تختلفة كا١تتعددة اليت اختلفت يف مناهجها الفقهية كيف طريقة استنباط
األحكاـ الفقهية ،مثل :أيب حنيفة كمالك كالشافعي كأٛتد ،كاألكزاعي كالليث كزيد ،كجعفر
الصادؽ كالظاهرية كاألباضية (ّ).،
ثالثا :األحزاب السياسية ٘تثل أداة شعبية فاعلة يف مسألة الرقابة على السلطة ،كيف ٦تارسة
حرية الرأم كيف توعية الشعوب كتثقيفها كتأطَتها كتفعيل دكرها السياسي بطريقة سلمية ،كتكوف
كسيطا بُت الشعب كالسلطة.
215
اإلسالم وقضايا العصر
كذهب اُف القوؿ ّٔذا الرأم عدد كبَت من ا١تفكرين مثل توفيق الشاكم(ُ) ،كأٛتد شليب
(ِ) ،،كقحطاف الدكرم(ّ) ،ك٤تمد سليم العوا(ْ) ،ك٤تمد فتحي عثماف(ٓ)،ك فهمي شناكم(ٔ)،
(ٔ).
ك من ا١تبلحظ بعد الوقوؼ على كجهة نظر الفريقُت يتضح ّتبلء صوابية رأم من ذهب
اُف جواز التعددية اٟتزبية يف النظاـ السياسي االسبلمي ٖتت مظلة الدستور كيف اطار القانوف
الذم ينظم غاياهتا كأهدافها كأنشطتها ،ألهنا أصبحت الوسيلة الفضلى يف ٕتميع الناس على
الربامج السياسية اليت هتدؼ اُف ادارة شؤكف الدكلة ،بدال من أف ٬تتمع الناس على عصبيات
نسبية ،أك انتماءات جهوية أك اختبلفات عرقية.
ك ٦تا ٬تدر با١تبلحظة يف هذا السياؽ أف كثَتا من الدكؿ ا١تتقدمة يف العصر اٟتاضر اليت
تعتمد مبدأ اٟتزبية يف نظامها السياسي ال تعاين من الفرقة كالشرذمة ،كَف تؤدم األحزاب اُف
ضعفها كتشتيت مشلها ،بل ٧تدها تشكل عماد العمل السياسي ا١تنظم فيها ،كقد ٧تحت يف
تطوير التجربة اٟتزبية لتصبح عامبل من عوامل االستقرار كاالزدهار السياسي ،كمن هنا ٯتكن
القوؿ أف الفقه االسبلمي ال ٯتنع قياـ األحزاب السياسية ذات الربامج السياسية ا١تختلفة اليت
تنبثق من دستور الدكلة كأنظمتها التشريعية.
216
اإلسالم وقضايا العصر
الٕسد ٚالشابعٛ
إعداد
د.حممد أبوليل
217
اإلسالم وقضايا العصر
الوحدة الصابعة
اإلشالم والعالقات الدولية
متّٗد
يسمى هذ العلم يف لغة القانونيُت بالقانوف الدكِف العاـ ،كالقانوف الدكِف هو ٣تموعة
القواعد القانونية اليت ٖتدد حقوؽ األشخاص الدكلية من دكؿ كمنظمات كتعُت التزاماهتا ،كتنظم
العبلقات ا١تتبادلة بُت هذ الوحدات أثناء اٟترب كالسلم(ُ).
كيطلق على هذا العلم يف الًتاث الفقهي اإلسبلمي علم السَت ،كالسَتٚ :تيع سَتة ،كهي
السنة كالطريقة ،كيقصد ّٔا عند الفقهاء سَتة الرسوؿ صلٌى ا﵁ عليه كسلم يف غزكاته ،كذلك
يشمل البحث يف حقيقة اٞتهاد كا١تكلفُت بالقتاؿ ككاجبات ا١تسلمُت قبل بدء ا١تعركة كيف أثنائها
كبعد انتهائها ،كحكم ا١تعاهدات من أماف كهدنة كعقد ذمة ،كحكم األنفاؿ كالغنائم ككيفية
تقسيم ٜتس الغنيمة ،كحكم أمواؿ ا١تسلمُت اليت استوُف عليها األعداء ،كحكم األسرل ،كحكم
(ِ)
ا١ترتدين...
السَت الكبَت» لئلماـ ٤تمد بن اٟتسن الشٍَّيبىاين ا١تتوىف سنة ُٖٗ هػ ػ هو
كقد كاف كتاب « ّْ
أكؿ من أفرد للعبلقات الدكلية كتابان مستقبلن يوضح فيه أحكاـ العبلقة بُت الدكلة اإلسبلمية
كغَتها من الدكؿ حيث صدر هذا الكتاب يف عهد هاركف الرشيد ،كالذم اعتربته ٚتعية القانوف
الدكِف فيما بعد أكؿ رائد للقانوف الدكِف يف العاَف ؛ ١تا جاء يف كتابه ا١تذكور من توضيح للسياسة
ا٠تارجية للدكلة اإلسبلمية كالقانوف الدكِف يف اإلسبلـ،كتقديرا ٞتهود أنشئت ٚتعية باٝته كهي
ٚتعية ٤تمد بن اٟتسن الشيباين الدكلية.
(ُ) القانوف الدكِف العاـ٤ ،تمد سامي عبد اٟتميد ،صّ -عبد العزيز سرحاف ،فقه القانوف الدكِف -دراسة يف
الفقه كالتشريع كالقضاء -صٖٕ.
(ِ) كهبة الزحيلي ،الفقه اإلسبلمي كأدلته ُٖ/
218
اإلسالم وقضايا العصر
كما إف مؤلفات علماء ا١تسلمُت الكثَتة جاءت كأثرت هذا اٞتانب ،فكانت الشريعة
اإلسبلمية سباقة يف بياف القواعد كالنظم اٟتاكمة للعبلقات بُت األمم كالشعوب كالدكؿ يف حالة
السلم كيف حالة اٟترب،
يف حُت ٧تد أف القانوف الدكِف ا١تعاصر بدأت تظهر مبل٤تة يف فًتات متأخرة كمعاهػدة
كستفاليا عاـ ُْٖٔـ ،أك مؤ٘تر فيينا سنة ُُٖٓـ،كمعاهػدة باريس سنة ُٖٔٓـ ،أك مؤ٘تر
الهام سنة َُٕٗـ الذم انتهى إُف قواعػد دكليػة ٖتسم ا١تنازعات بالطرؽ الودية ،كمن مث مت
إنشاء ٤تكمة ٖتكيم دكليػة ،كغَت ذلك من اإلجراءات ا١تنظمة للعبلقات بُت الدكؿ كالشعوب.
كيذكر هنا بأف أكؿ كتاب غريب ألف فػي القانػوف الػدكِف كاف من قبل الكػاتب ا٢تولنػدم
(غركمشيوس) باسم (قانوف اٟترب كالسلم) سنة ُِٓٔـ أم بعد أكثر من ٙتانية قركف من ظهور
كتاب الشيباين(ُ).
(ُ) النظاـ السياسي يف اإلسبلـ،عبد العزيز عزت ا٠تياط ،ص ِٖٓ -كانظر العبلقات الدكلية يف كقت اٟترب
يف الفكر اإلسبلمي ،فائز اللهييب -صِ
219
اإلسالم وقضايا العصر
يف حُت لو نظرنا إُف القانوف الدكِف اإلسبلمي فسنجد أف أحكامه قد ذكرت بشكل
كاضح يف كتاب ا﵁ عز كجل ،كيف سَتة النيب صلى ا﵁ عليه كسلم،كظهرت جلية يف فتوحات
ا١تسلمُت كيف حركّٔم كيف عبلقاهتم مع غَتهم ،كهذا إف دؿ على شيء فيدؿ على أف الشريعة
جاءت ٔتبادئ التكامل اإلنساين لتوطيد دعائم العبلقات بُت البشر على هذ األرض.
كنستعرض فيما يلي أبرز ا﵀طات كا١تبلمح للعبلقات ا٠تارجية للدكلة اإلسبلمية مع غَتها
من الدكؿ ،فمنذ عهد النيب صلى ا﵁ عليه كسلم كخاصة بعد أف فرغ النيب صلى ا﵁ عليه كسلم
من أمر صلح اٟتديبية أخذ يعمل على نشر دعوة اإلسبلـ من خبلؿ إيفادالسفراء من الصحابة
إُف ا١تلوؾ كاألباطرة يدعوهم فيها بدعوة اإلسبلـ.
ككاف اختيار النيب صلى ا﵁ عليه كسلم لسفرائه قائما على مواصفات رباهم عليها ،فكانوا
يتحلوف بالعلم كالفصاحة ،كالصرب كالشجاعة ،كاٟتكمة كحسن التصرؼ ،كحسن ا١تظهر.
فاختار النيب صلى ا﵁ عليه كسلم دحية الكليب ،كأرسله إُف هرقل عظيم الركـ ،يقوؿ ابن
حجر يف اإلصابة عن دحية" :كاف ييضرب به ا١تثل يف حسن الصورة (ُ)" .ككاف دحية ػ مع حسن
مظهر ػ فارسان ماهران ،كعليمان بالركـ كأحوا٢تم.
كأرسل النيب ػ صلى ا﵁ عليه كسلم ػ عبد ا﵁ بن حذافة إُف كسرل عظيم الفرس ،ككاف له
دراية ّٔم كلغتهم ،ككاف ابن حذافة مضرب األمثاؿ يف الشجاعة كرباطة اٞتأش.
كأرسل ػ صلى ا﵁ عليه كسلم ػ إُف ا١تقوقس ملك مصر حاطب بن أيب بلتعة ،كقد قاؿ فيه
(ِ)
" ،ككاف له علم ابن حجر يف اإلصابة ":كاف أحد فرساف قريش كشعرائها يف اٞتاهلية
بالنصرانية ،كمقدرة على ا﵀اكرة.
كمن خبلؿ هذ الرسائل أظهر الرسوؿ -صلى ا﵁ عليه كسلم – دراية كحكمة يف
سياسته ا٠تارجية ،كأصبحت مثاالن ١تن جاء بعد من ا٠تلفاء.
211
اإلسالم وقضايا العصر
كمن حكمة النيب ػ صلى ا﵁ عليه كسلم ػ يف هذ الرسائل :أخذ بوسائل عصر ا١تتاحة
للدعوة ،فقد اٗتذ خا٘تا كتب عليه ٤تمد رسوؿ ا﵁ٗ ،تتم به الرسائل ،كقبًل ػ صلى ا﵁ عليه كسلم
ػ ا٢تدايا من ا١تلوؾ ،كتعامل بأعرافهم.
فقد كاف من حكمته ،صلى ا﵁ عليه كسلم ػ اعتماد لغة آّاملة يف ٥تاطبة ا١تلوؾ
(ُ)
كاألمراء ،كقد ظهر ذلك يف رسالته إُف هرقل عظيم الركـ ،كٔتثلها خاطب كسرل كسائر ا١تلوؾ.
كقد جاء يف كتابه صلى ا﵁ عليه كسلم إُف قيصر الركـ( :بسم ا﵁ الرٛتن الرحيم ،من
٤تمد رسوؿ ا﵁ إُف هرقل عظيم الركـ ،سبلـ على من اتبع ا٢تدل ،أما بعد ،فإين أدعوؾ بدعاية
(ِ)
اإلسبلـ ،أسلم تسلم....
كيتبُت لنا بأف ما جرل يف زمن النيب صلى ا﵁ عليه كسلم يشبه ا١تراسبلت الدبلوماسية يف
زماننا هذا إال أف هذ ا١تراسبلت كانت تقوـ على أساس الدعوة إُف ا﵁ كتبليغ الرسالة بالدرجة
األكُف.
كيف زمن ا٠تلفاء الراشدين توسعت هذ العبلقات كا١تراسبلت السلمية كاٟتربية ،فقد جرت
مكاتبات عدة بُت عمر – رضي ا﵁ عنه -كهرقل ،ككانت تًتدد بينهما الرسل ،حىت إف أـ كلثوـ
بنت علي زكجة عمر – رضي ا﵁ عنه بعثت إُف ملكة الركـ بطيب كمشارب ،فجاءت امرأة هرقل
كٚتعت نساءها كقالت :هذ هدية امرأة ملك العرب كبنت نبيهم .ككاتبتها ككافأهتا كأهدت
(ّ)
٢تا،
كيف عهد الدكلة األموية زاد اتساع الدكلة اإلسبلمية ،كقامت عبلقات كمعاهدات
كمكاتبات بُت الدكلة األموية كملوؾ ذلك الزماف ،كقد ذكر ا١تؤرخوف العديد من ا١تراسبلت اليت
كانت ٖتصل بُت الدكلة األموية كملوؾ القسطنطينية.
(ُ)انظر رسائل النيب صلى ا﵁ عليه كسلم إُف ا١تلوؾ كاألمراء موقع اإلسبلـ كيب بتاريخ ََُِِٗ/ٖ/
(ِ)سنن البيهقي الكربل ُٕٕٗ/
(ّ)تاريخ الطربم َُِٔ/
211
اإلسالم وقضايا العصر
كبلغت هذ العبلقات أكجها يف عصر الدكلة اإلسبلمية كخصوصان يف زمن هاركف الرشيد،
حيث دفع مل ك الركـ اٞتزية كأكفد القناصل إُف بغداد تقربا من ا٠تليفة كرغبة منه يف توثيق الصلة
مع ا٠تبلفة العباسية.
كقد كانت عبلقة هاركف الرشيد مع شارماف ملك اٞترماف بارزة كظاهرة حيث تبادال
السفراء كا٢تدايا.
كيف زمن اٟتركب الصليبية كانت ريتشاد قلب األسد قد اقًتح على صبلح الدين -رٛته
ا﵁ -الصلح بشركط غَت عادلة ساكمه فيها على ببلد ا١تسلمُت فرفض صبلح الدين تلك
ا١تقًتحات حىت حرر فلسطُت كلها من ظلم الصليبيُت.
كَف تقتصر العبلقات على اٞتانب السياسي فقط بل امتدت إُف اٞتوانب األخرل
كالعبلقات الثقافية بُت علماء قرطبة كبغداد كالقسطنطينية رغم ا٠تبلفات السياسية اليت كانت
موجودة يف ذلك الوقت.
كما إف العبلقات التجارية دفعت العديد من ا١تسلمُت إُف ٦تارسة التجارة كالتبادؿ
االقتصادم مع شعوب الدكؿ األخرل(ُ).
(ُ)انظر :أحكاـ القانوف الدكِف يف الشريعة اإلسبلمية -حامد سلطاف -ص ُٔٗ
212
اإلسالم وقضايا العصر
ِٖ -تقيق التكامل كتوفَت ا١توارد كتعويض النقص كذلك من خبلؿ كجود عبلقات
خارجية ،تتبادؿ ّٔا الدكلة ا١تنافع مع الدكؿ األخرل.
ّ -تعزيز السبلـ العا١تي :من خبلؿ تسوية ا٠تبلفات بُت الدكؿ ،كتوفَت آلية ٟتل
ا٠تبلفات بينها؛ حفظا لؤلمن كالسبلـ العا١تيُت ،كيف كاقعنا ا١تعيش تقوـ منظمة األمم ا١تتحدة
كركافدها ّٔذا الدكر ،كهذا ال يتعارض ْتاؿ مع ا١تنهج اإلسبلمي.
(ُ)انظر العبلقات الدكلية رؤية إسبلمية – عصاـ البشَت -موقع قصة اإلسبلـ بتاريخ َُُِّّ/ِ/
213
اإلسالم وقضايا العصر
منطلقات ا١تصلحة كا٢تول ،كسنجمل فيما يلي أبرز ا١تبادئ العليا اليت تقوـ عليها العبلقات
الدكلية يف اإلسبلـ:
214
اإلسالم وقضايا العصر
فلقد انطلقت اسًتاتيجية التعامل اٟتضارم يف التاريخ اإلسبلمي من هذا ا١تفهوـ ،فلم
يقم ا١تسلموف بإجبار اآلخرين على تغيَت معتقدهم ،كال يذكر التاريخ أف فًتة أك حاكمان أك مرحلة
من مراحل التاريخ اإلسبلمي شهدت عمليات إرهاب ديٍت أك قمع مذهيب .كيؤكد هذا كجود
عدد من األدياف كالطوائف كا١تذاهب ٘تتعت ْترياهتا خبلؿ ا١تراحل ا١تختلفة ٟتكم اإلسبلـ عرب
(ُ)
أربعة عشر قرنا.
كقد طبق هذا ا١تبدأ منذ نشأة الدكلة اإلسبلمية يف زمن النيب -صلى ا﵁ عليه كسلم -يف
ا١تدينة ا١تنورة ،فقد عقد -صلى ا﵁ عليه كسلم -معاهدات حسن اٞتوار كالتعاكف مع قبائل
اليهود اليت كانت تسكن حوؿ ا١تدينة ،كما عقد النيب – صلى ا﵁ عليه كسلم -معاهدة صلح
اٟتديبية ،كاليت ظهر فيها جليا النزكع إُف التسامح كالتعايش كٖتالف بعدها مع خزاعة كَف تكن قد
أسلمت بعد ،كما أف النيب – صلى ا﵁ عليه كسلم -قاـ ٔتراسلة القبائل كا١تلوؾ كالدكؿ آّاكرة
ككاف هذا ٔتثابة إعبلف حسن جوار كتأسيسان إلقامة عبلقات سلمية مع هذ الدكؿ.
طبّات ٔزدٔد
كيف صدد حديثنا عن التعاكف كالتعايش اإلنساين تربز يف كقتنا اٟتاضر شبهتاف:
جريدة الوطن (ُ ) انظر مقاؿ :البعد اإلنساين ٟتسن العبلقات الدكلية يف اإلسبلـ ،مرمي آيت أٛتد
َُُِْٓ/ِ/
215
اإلسالم وقضايا العصر
ً ً ً ط اللٌهي ىعلىٍي ًهم كًيف الٍع ىذ ً ى٢تي ٍم أىن يف يس يه ٍم أىف ىس ًخ ى
اب يه ٍم ىخال يدك ىف (َٖ) ىكلى ٍو ىكانيوا يػي ٍؤمنيو ىف بًاللَّه ىكالنً ّْ
َّيب ٍى ى
(ُ) كما أين ًزىؿ إًلىي ًه ما َّاٗت يذكهم أىكلًياء كلى ًك َّن ىكثًَتا ّْمٍنػهم فى ً
اس يقو ىف" ن يٍ ٍ ى ى يٍ ٍى ىى ىى
س ً َّخ ًذ الٍمؤًمنيو ىف الٍ ىكافً ًر ً ً ً ً ً كقوله تعاُف" :ال يػت ً
ك فىػلىٍي ىُت ىكىم ٍن يػى ٍف ىع ٍل ذىل ى
ين أ ٍىكليىاءى م ٍن يدكف الٍ يم ٍؤمن ى ى يٍ ى
ص يَت ﴾(ِ). ًمن اللَّ ًه ًيف ىشي وء إًَّال أى ٍف تىػتَّػ يقوا ًمٍنػهم تػي ىقاةن كي٭ت ّْذريكم اللَّه نػى ٍفسه كإً ىُف اللَّ ًه الٍم ً
ى ى ى ي ي ي ىي ى يٍ ٍ ى
فكيف ٯتكن التوفيق بُت األمرين؟
كاإلجابة على ذلك تكوف ببياف أف ا١تواالة ا﵀رمة لغَت ا١تسلمُت هي ا١تواالة ١تن أظهركا
للمسلمُت العداء كالبغضاء كشكلوا خطرا على اإلسبلـ كا١تسلمُت ،فكاف كاجبا على ا١تسلمُت
مقاطعتهم ك٤تاربتهم كاٟتذر منهم.
كما نشَت إُف معٌت مهم آخر كهو أف ا١تواالة ال تعٍت الرضى بعقائدهم ك٣تاملتهم يف
أمور دينهم على حساب العقيدة ،إذ إف بغض عقائدهم كأعما٢تم الزـ من لوازـ اإلٯتاف ،أما
آّاملة كا١تعاملة اٟتسنة فهي شكل من أشكاؿ الدعوة إُف ا﵁ سبحانه كتعاُف إذ قاؿٍ ﴿ " :ادعي
ً اٟتًكٍم ًة كالٍمو ًعظىًة ٍ ً ً
اٟتى ىسنىة ىك ىجاد ٍ٢تي ٍم بًالًَّيت ه ىي أ ٍ
ىح ىس ين﴾(ّ). إً ىُف سبً ًيل ربّْ ى ً
ك ب ٍ ى ى ىٍ ى ى
كما أف هناؾ مظاهر ٤ترمة للمواالة ال تتعارض مع ما ذكرنا من تعايش كتعاكف معهم،
فمن ا١تواالة ا﵀رمة للكفار التشبه ّٔم لقوله -صلى ا﵁ عليه كسلم" -من تشبه بقوـ فهو
منهم(ْ)" كالتشبه ا﵀رـ فيما هو التشبه ٔتا تعلق بعقائدهم كدينهم أك خصائصهم كعاداهتم اليت
تتناىف مع قيم اإلسبلـ كمبادئه.
كذلك فإف من ا١تواالة ا﵀رمة إعانتهم كمناصرهتم على ا١تسلمُت كتقدٯتهم يف ا١تناصب
على غَت ا١تسلمُت يف غَت ضركرة.
216
اإلسالم وقضايا العصر
217
اإلسالم وقضايا العصر
على رعايا ا١تسيحيُت أحد أمرين ال ثالث ٢تما ،ك٫تا إما اعتناؽ اإلسبلـ كإما القتل ،فاعًتض
علماء الدكلة العثمانية كرفضوا هذ الفكرة(ُ) كاستدلوا بقوله تعاُف " :ال إً ٍكىرا ى ًيف ّْ
الدي ًن "(ِ).
مع العلم بأف األكركبيُت ١تا تغلبوا على ا١تسلمُت يف األندلس أكرهوهم على ترؾ اإلسبلـ
كعلى تغيَت أٝتائهم كلغتهم كأقاموا ٢تم ٤تاكم التفتيش كقضوا على كل مظاهر اإلسبلـ يف تلك
البلداف ،يف حُت أف األقليات غَت ا١تسلمة ما زالت تسكن يف ديار ا١تسلمُت آمنة مطمئنة ٢تا ما
لنا كعليها ما علينا إُف يومنا هذا.
فهذ الوقائع تدؿ ٔتا ال يدع ٣تاالن للشك أف ا١تسلمُت َف يكرهوا أحدا على اعتناؽ
اإلسبلـ كتغيَت عقيدهتم.
كقد شهد العديد من ا١تستشرقُت ا١تنصفُت لسماحة اإلسبلـ يف ترؾ حرية االعتقاد لغَت
ا١تسلمُت ؛ فيقوؿ «توماس أرنولد» يف كتابه «الدعوة إُف اإلسبلـ..:ك١تا بلغ اٞتيش اإلسبلمي
كادم األردف ،كعسكر أبو عبيدة يف فحل ،كتب األهاِف ا١تسيحيوف يف هذ الببلد إُف العرب
ا١تسلمُت يقولوف « :يا معشر ا١تسلمُت ،أنتم أحب إلينا من الركـ ،كإف كاف الركـ على ديننا ،أنتم
ف عن ظلمنا ،كأحسن كالية علينا ،كيعقب بقوله كبذلك ظهر أف الفكرة
أكىف ،كأرأؼ بنا ،كأك ٌ
اليت شاعت بأف السيف كاف العامل يف ٖتويل الناس إُف اإلسبلـ بعيدة عن التصديق ،فإف الدعوة
كاإلقناع كانا ٫تا الطابعُت الرئيسُت ٟتركة الدعوة هذ ،كليس القوة كالعنف (ّ )».
يقوؿ ا١تؤرخ الفرنسي غوستاؼ لوبوف يف كتابه «حضارة العرب» كهو يتحدث عن سر انتشار
اإلسبلـ يف عهد ،كيف عصور الفتوحات ًمن بعد « :أثبت التاريخ أف األدياف ال تيػ ٍفىرض بالقوة،
كَف ينتشر اإلسبلـ إذف بالسيف ،بل انتشر بالدعوة كحدها ،كبأخبلؽ ا١تسلمُت اعتنقته الشعوب
مؤخرا؛ كالًتؾ كا١تغوؿ ،كبلغ القرآف ًمن االنتشار يف ا٢تند اليت َف يكن العرب
اليت قهرت العرب ن
(ُ)الدكلة العثمانية :دكلة اسلمية مفًتل عليها – عبد العزيز الشناكم صَُِ
(ِ) البقرة ِٔٓ
(ّ)الدعوة إُف اإلسبلـ ،توماس أرنولد يف كتابه -صُٔ
218
اإلسالم وقضايا العصر
انتشارا
ن فيها إال عابرم سبيل ،ما زاد عدد ا١تسلمُت أضعاؼ ما كاف عليه ،كَف يكن اإلسبلـ أقل
يف الصُت اليت َف يفتح العرب أم جزء منها قط.
كمن مث قاؿ قولته ا١تشهورة« :ما عرؼ التاريخ فاٖتنا أعدؿ كال أرحم من العرب»(ُ).
(ُ) حضارة العرب ،جوستاؼ لوبوف :ترٚتة عادؿ زعيًت ،،ص ُِٕ
(ِ) -هناية ا﵀تاج -الرملئْ/ٖ -
(ّ)سَتة ابن هشاـ ُِِْ/
219
اإلسالم وقضايا العصر
يطيقون ،فإني سمعت رسول اهلل صلى اهلل عليو وسلم ،يقول :ال تعذبوا الناس فإن الذين
(ُ)
يعذبون الناس في الدنيا يعذبهم اهلل يوم القيامة ".وأمر بهم فخلى سبيلهم.
221
اإلسالم وقضايا العصر
"سَتكا باسم ا﵁ ،كيف سبيل ا﵁ ،كقاتلوا من كفر با﵁ ،كال ٘تثلوا كال تغدركا"(ُ) ،كينطبق هذا األمر
على تعذيب األسرل ،ك٦تا هو معلوـ فإف تعذيب األسرل أصبح من األمور ا١تتبعة عند األنظمة
السياسية ا١تختلفة ،فبل ٬توز أف ننجر إُف مثل هذ األفعاؿ ،كالنيب -صلى ا﵁ عليه كسلم -قد
قاؿ :استوصوا باألسارل خَتان(ِ) ،فاإلسبلـ جاء ٟتماية الفضيلة ك٤تاربة الرذيلة ،كتعزيز القيم
الرفيعة ،فاٟترب يف اإلسبلـ ال بد أف تكوف حربان رحيمة عادلةن توجه ٨تو الطغياف كالظلم ،كما ال
٬توز القتل بالتحريق بالنار ،لقوله صلى ا﵁ عليه كسلم" :ال يعذب بالنار إال رب النار(ّ)" ،كما
ال ٬توز هتك األعراض كاغتصاب النساء ،إذ إنه يتعارض مع مبادئ اإلسبلـ كقواعد األخبلؽ
كهو من اإلفساد يف األرض ،كا﵁ ال ٭تب ا١تفسدين ،يقوؿ تعاُف :ىكإًذىا تىػ ىوَُّف ىس ىعى ًيف ٍاأل ٍىر ً
ض
221
اإلسالم وقضايا العصر
-4الٕفا ٞبالعّد
ود "(ا١تائدة ،)ُ-كالوفاء بالعقود هو من يقوؿ تعاُف" :يا أىيػُّها الَّ ًذين آمنوا أىكفيوا بًالٍع يق ً
ي ى ىي ٍ ى ى
اعو ىف"(ا١تؤمنوف ٖ،)- ًً ً ًً َّ ً
ين يه ٍم أل ىىمانىاهت ٍم ىك ىع ٍهده ٍم ىر يصفات ا١تؤمنُت الصاٟتُت ،يقوؿ تعاُف " :ىكالذ ى
كال ٮتفى أف األنظمة السياسة يف القدمي كاٟتديث ال ترعى مثل هذا األمر ،إذ إف السياسية يف
أعرافهم متغَتة كمرتبطة با١تصاٌف خصوصا يف حالة القوة ،كالشواهد على ذلك كثَتة ،يف حُت أف
الشريعة اإلسبلمية جعلت الوفاء بالعهود من قواعد السياسة حىت لو ترتب عليه ضرر أك فوات
مصلحة ،يقوؿ تعاُف " :ىكإً َّما ىٗتىافى َّن ًم ٍن قىػ ٍووـ ًخيىانىةن فىانٍبً ٍذ إًلىٍي ًه ٍم ىعلىى ىس ىو واء إً َّف اللَّهى ىال يً٭ت ُّ
ب
ًً (ُ)
ُت
ا٠تىائن ى
ٍ
فاآلية ٗتاطب الرسوؿ صلى ا﵁ عليه كسلم بأنه إف خاؼ من عدك بينه كبينهم عهد
ا٠تيانة كالغدر ،أف ينبذ إليهم كيعلمهم بفسخ العهد مث يناجزهم باٟترب ،كذلك ٔتا كاف منهم من
ظهور أمارة الغدر كا٠تيانة ،حىت يصبح هو كهم على سواء يف العلم بأنه ٢تم ٤تارب ،فيأخذكا
للحرب آلتها كيربأ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم من الغدر؛إذ إف ا﵁ ال ٭تب ا٠تائنُت
الغادرين(ِ).
كقد بلغ األمر يف النظاـ اإلسبلمي أف جعل حرمة العهود فوؽ حرمة الدين يف بعض
األحياف ،فقد هنى ا﵁ تعاُف عن نصرة ا١تسلم على من كاف بينه كبُت ا١تسلمُت ميثاؽ كلو كاف
َّصير إًَّال ىعلىى قىػ ٍووـ بػىٍيػنى يك ٍم ىكبػىٍيػنىػ يه ٍم
صيركيك ٍم ًيف الدّْي ًن فىػ ىعلىٍي يك يم الن ٍ
ً
غَت مسلم ،قاؿ تعاُف " :ىكإًف ٍ
استىػٍن ى
اؽ كاللَّه ًٔتىا تىػعمليو ىف ب ً
ص هَت"(ّ). ً
ميثى ه ى ي ٍ ى ى
(ُ)األنفاؿ ٖٓ-
(ِ)تفسَت الطربم ُُِّٖ/
(ّ) األنفاؿِٕ -
222
اإلسالم وقضايا العصر
كقد كانت سَتة النيب -صلى ا﵁ عليه كسلم -مضربا للمثل يف الوفاء يف العهود(ُ) ،كمن
ذلك أف ا١تشركُت أخذكا حذيفة بن اليماف كأبا رضي ا﵁ عنهما ،كأخذكا عليهما عهدا أف ال
يقاتبل مع النيب صلى ا﵁ عليه كسلم ،فلما قدما ا١تدينة ذكرا ذلك للنيب صلى ا﵁ عليه كسلم
فقاؿ" :نفي ٢تم بعهدهم كنستعُت ا﵁ عليهم(ِ)".
يف حُت ٧تد أنه خبلؿ القركف الوسطى كبالذات يف أكركبا كعلى الرغم من توثيق
ا١تعاهدات بُت دكؿ أكركبا كٖتت إشراؼ البابا ككهنته إال أف هذ ا١تعاهدات كانت تنقض بفتول
من كهنة الكنيسة ،كقد حدث بأف البابا أكربا السادس غَت كل ا١تعاهدات ا١تربمة مع األمراء الذم
ليسوا مواليُت للكنيسة كما أهنم أفتوا بإلغاء ا١تعاهدات ا١تربمة مع ا١تسلمُت٦ ،تا جعلهم يشعلوف
(ّ)
نار اٟتركب الصليبية ٖتت قيادهتم.
صلحا
كال ٮتفى على أحد ما قاـ به فرناندك الثالث عندما استطاع أف يدخل غرناطة ن
هجركا من فيها من ا١تسلمُت،
ٯتس أحدان من ا١تسلمُت ،،فما إف دخلوا األندلس حىت َّ
على أف ال َّ
كنصركا من ظل ّٔا ،كأقاموا ٤تاكم التفتيش للبحث ىع َّمن ٮتفي إسبلمه.
َّ
أسهاً العالقات الدٔلٗ ٛيف اإلسالً ٔقت احلسب
223
اإلسالم وقضايا العصر
للقوم ،فكاف لزاما على الدكلة اإلسبلمية أف تسعى للدفاع عن نفسها كتثبيت حدكدها كالتوسع
قدر اإلمكاف انسجاما مع هذ الظركؼ ،أما اليوـ كقد انضمت دكؿ العاَف ٖتت مظلة كاحدة،
كسادت العبلقات السلمية بُت دكؿ العاَف ،كتبادلت الدكؿ فيما بينها السفارات ،كأصبح العاَف
كالقرية الصغَتة كل ٤تتاج إُف اآلخر يف الغذاء كالدكاء كالتعليم ،فبل ٣تاؿ يف نظرم إُف أف نصدر
رأيان ال يتناسب مع مصلحة ا١تسلمُت ككاقعهم ،لذلك يرل كثَت من العلماء ا١تعاصرين أف األصل
يف العبلقة مع غَت ا١تسلمُت هي السلم ال اٟترب ،يقوؿ كهبة الزحيلي رٛته ا﵁" :كالواقع أف
األصل يف عبلقات ا١تسلمُت مع غَتهم هو السلم ،كاٟترب أمر طارئ على البشرية ،كَف يشرع إال
لدفع الشر كالعدكاف كٛتاية الدعوة(ُ).
كما ٧تد أف النصوص الشرعية قد قيدت قتاؿ ا١تسلمُت للكفار بالعدكاف من األعداء،
ين يػي ىقاتًليونى يك ٍم ىكالى تػى ٍعتى يدكاٍ إً َّف اللٌهى الى يً٭ت ّْ ً ً ً ً َّ ً
ب كهنت عن االعتداء ،قاؿ تعاُف " :ىكقىاتليواٍ يف ىسب ًيل اللٌه الذ ى
ين"(ِ). ً
الٍ يم ٍعتىد ى
كما أننا نقوؿ أف اٟترب كالقتاؿ يف كاقعنا ا١تعاصر ال تعترب كسيلة ناجعة ٢تا األكلوية يف
الدعوة إُف ا﵁ سبحانه كتعاُف ،إذ إف ٣تاالت الدعوة خصبة كمتنوعة كٯتكن للدكلة اإلسبلمية أف
تستغل الوسائل ا١تعاصرة يف الدعوة إُف ا﵁ سبحانه كتعاُف كيف الوصوؿ إُف قلوب ا١تبليُت من
البشر ،كذلك من خبلؿ استثمار القدرات كاإلمكانيات ا١تختلفة لنشر الدين يف بقاع األرض.
فاألمة ا١تسلمة أمة دعوة تتخطى كل اٟتدكد اٞتغرافية كالسياسية كالعرقية كاللغوية يف سبيل
نشر دعوهتا كتبليغ رسالتها باٟتسٌت كالكلمة الطيبة.
224
اإلسالم وقضايا العصر
(ُ)
إذ يركف أف العبلقة مع دكؿ دار ا١تخالفُت لنا كهنالك رأم كجيه لبعض ا١تعاصرين
تتوقف على سياسة تلك الدكؿ إزاء الدكلة اإلسبلمية،كهذا من قواعد السياسة الدكلية،فإف هنجت
تلك الدكؿ منهج ا١توادعة كا١تسا١تة ،كفتحت أبوأّا للدعوة كالدعاة كاف حكمها هو ما قررت
ً ً َّ ً
ين ىَفٍ يػي ىقاتليويك ٍم ًيف الدّْي ًن ىكىَفٍ يٮتٍ ًر يجويكم ّْمن ديىا ًريك ٍم أىف تىػبىػُّر ي
كه ٍم اآلية الكرٯتة﴿ :ال يػىٍنػ ىها يك يم اللَّهي ىع ًن الذ ى
كعندئذ ال يطلب من ا١تسلمُت أف يعلنوا اٟترب و ُت﴾(ِ). ًً إف اللَّهى يً٭ت ُّ ىكتػي ٍق ًسطيوا إلىٍي ًه ٍم َّ
ب الٍ يػم ٍقسط ى
على هؤالء؛ ألف اإلقساط يتناىف مع القتاؿ كاٟترب
كإف كقفت دار ا١تخالفُت من الدعوة اإلسبلمية موقف الرفض كالعداء كاٟترب فإف
حكمها هو ما قررته اآلية الكرٯتة اليت جاءت تالية لآلية السابقة كهو قوله ػ تعاُف ػَّ :
﴿إ٪تىا يػىٍنػ ىها يك يم
إخىر ًاج يك ٍم أىف تىػ ىولٍَّويه ٍم ىكىمن ً
ىخىر يجويكم ّْمن ديىا ًريك ٍم ىكظى ى
اهيركا ىعلىى ٍ ين قىاتىػليويك ٍم ًيف الدّْي ًن ىكأ ٍ
َّ ً
اللَّهي ىع ًن الذ ى
ك يه يم الظَّالً يػمو ىف﴾(ّ). يػىتىػ ىوَّ٢تي ٍم فىأ ٍيكلىئً ى
اجلّاد يف اإلسالً :وهاٌتْ ،تعسٖفْ ،سهىْ ،غاٖاتْ ،أسهاوْ
أ -تعريف اٞتهاد
اٞتهاد لغة :بذؿ اٞتهد كالوسع كالطاقة.
كنستطيع أف نعرؼ اٞتهاد يف االصطبلح بأنه قتاؿ أعداء الدين كمناجزهتم دفاعا عن
اإلسبلـ بالنفس كا١تاؿ كاللساف .كهذا التعريف يستفاد من حديث رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم
الذم ركا أنس بن مالك« ::جاهدكا ا١تشركُت بأموالكم كأنفسكم كألسنتكم(ْ)».
فكما يكوف اٞتهاد بالنفس كهو األصل فكذا يكوف با١تاؿ كبذله يف سبيل ا﵁.
(ُ) انظر مقاؿ :أصل العبلقة بُت ا١تسلمُت كغَت ا١تسلمُت ،عثماف ٚتعة ضمَتية٣ ،تلة البياف ،العددَُٖ-
صّْٖٖ –كانظر :أخبلقيات كسلوكيات اٟترب عند رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم (دراسة مقارنة مع
القانوف الدكِف لدحض افًتاءات ا١تستشرقُت كمن كاالهم) ،كليد نور -صّٖ
(ِ) ا١تمتحنةٖ :
(ّ) ا١تمتحنةٗ :
(ْ)سنن الدارمي (ُِّْ)
225
اإلسالم وقضايا العصر
(ُ) التوبةُُُ:
(ِ)متفق عليه
(ّ)أبو داكد (ِّْٔ)
(ْ)الفقه اإلسبلمي كأدلته ٖٓ/
(ٓ) التوبة ُِِ
(ٔ) النساءٗٓ:
(ٕ)ا١ترجع السابق
226
اإلسالم وقضايا العصر
(ُ)
كيتعُت اٞتهاد يف حاالت ثبلث:
أكالن ::إذا تقابل الصفاف ،فيتعُت حينئذ اٞتهاد على كل من حضر من ا١تكلفُت؛ كيكوف
ين يػىليونى يكم ّْم ىن الٍ يكفَّا ًر ىكلًيى ًج يدكاٍ فًي يك ٍم ًغ ٍلظىةن ً َّ ً
ين ىآمنيواٍ قىاتليواٍ الذ ى
َّ ً
ذلك قوله تعاُف{ :يىا أىيػُّ ىها الذ ى
ىف اللَّه مع الٍمت ًَّقُت} (ْ) .كقوله تعاُفً :
َّصير}(ٓ). نصيركيك ٍم ًيف الدّْي ًن فىػ ىعلىٍي يك يم الن ٍ
استى ى {كإًف ٍ
ى ىك ٍاعلى يمواٍ أ َّ ى ى ى ي ى
ثالثان :يف حاؿ النفَت العاـ ،بأف أعلن اإلماـ اٞتهاد كالتعبئة العامة للدفاع عن ديار
ين َّ ً
ا١تسلمُت ،فيتعُت اٞتهاد على كل من كجه له النداء من ا١تسلمُت يقوؿ تعاُف{ :يىا أىيػُّ ىها الذ ى
ً
اآلخرةً ض أىر ًضيتم بًا ٍٟتياةً ُّ ً ً ً ً ً ً ً
الدنٍػيىا م ىن ى يل لى يك يم انفيركاٍ ًيف ىسب ًيل اللَّه اثَّاقىػ ٍلتي ٍم إ ىُف األ ٍىر ً ى ي ىى
ىآمنيواٍ ىما لى يك ٍم إذىا ق ى
يل}(ٔ).. اٟتياةً ُّ ً ً ً ً ً
الدنٍػيىا يف اآلخىرة إالَّ قىل ه فى ىما ىمتىاعي ٍىى
(ُ)ا١تغٍت.ٖ/ّْٖ :
(ِ) سورة األنفاؿ(ْٓ)
(ّ) سورة األنفاؿ (ُٓ)ُٔ-
(ْ) سورة التوبة(ُِّ)
(ٓ) سورة األنفاؿ(ِٕ)
(ٔ) سورة التوبة(ّٖ)
227
اإلسالم وقضايا العصر
القتاؿ قد أ ًيذف فيه للمسلمُت ،مث أعقبتٍه ببياف السبب ،كهو أهنم ظيلموا كأيخرجوا من ديارهم بغَت ى
تفسر لنا قولىه
حق إال قو٢تم :ربُّنا ا﵁ ،فلم ييظلىموا من أهل مكة إال بسبب اعتقادهم ،كهذ اآلية ّْ
َّ ً ك ما ىعلىٍي ًهم ًمن سبً ويل * إًَّ٪تىا َّ ً ًً ً
ين
يل ىعلىى الذ ى
السب ي ٍ ٍ ى ﴿كلى ىم ًن انٍػتى ى
صىر بػى ٍع ىد ظيٍلمه فىأيكلىئ ى ى -تعاُف :-ى
228
اإلسالم وقضايا العصر
بعضهم (ُ)
ض بًغى ًٍَت ٍ
َّاس ىكيػىٍبػغيو ىف ًيف ٍاأل ٍىر ً ً
الناس ى
دفع ا﵁ ى
أيضا أنه لوال ي
بينت ن
اٟتى ّْق ﴾ ،مث ٍ يىظٍل يمو ىف الن ى
ببعض ٢تدّْمت أمكنةي العبادة على اختبلؼ أشكا٢تا كنسبها ،فبل يكوف ﵁ ًذ ٍكهر يف األرض ،مث
كصفت ا١تؤمنُت الذين أذف ٢تم بالقتاؿ بأكصاؼ ،هي يف اٟتقيقة تنبيهه ٢تم إُف ما ٬تب عليهم أف
يفعلو بعد انتصارهم على ىمن ظلموهم؛ كذلك أهنم ييقيموف الصبلة ،كيؤتوف الزكاة ،كيأمركف
(ِ)
كينه ٍوف عن ا١تنكر.
با١تعركؼ ،ى
ثالثاً :الدفاع عن الدعوة إذا كقف أح هد يف سبيلًها ً
بفتنة ىمن آمن ،كتعذيبًه حىت يرجع عما
بصد ىمن أراد الدخوؿ يف اإلسبلـ ،أك ٔتنع الداعي ًمن تبليغ دعوته؛ يقوؿ
اختار لنفسه ديننا ،أك ّْ
ً ين يػي ىقاتًليونى يك ٍم ىكىال تىػ ٍعتى يدكا إً َّف اللَّهى ىال يً٭ت ُّ ً ً ً ً َّ ً
وه ٍم
ين * ىكاقٍػتيػلي يب الٍ يم ٍعتىد ى تعاُف ﴿ :-ىكقىاتليوا يف ىسب ًيل اللَّه الذ ى
وه ٍم ًعٍن ىد ً ث أىخرجويكم كالٍ ًفٍتػنىةي أ ى ً ث ثىًق ٍفتموهم كأىخ ًرج ً
ىش ُّد م ىن الٍ ىقٍت ًل ىكىال تيػ ىقاتلي ي وه ٍم م ٍن ىحٍي ي ٍ ى ي ٍ ى ىحٍي ي ي ي ي ٍ ى ٍ ي ي
ين * فىًإ ًف انٍػتىػ ىه ٍوا فىًإ َّف ً ً ً ًً الٍ ىم ٍس ًج ًد ٍ
ك ىجىزاءي الٍ ىكاف ًر ى اٟتىىرًاـ ىح َّىت يػي ىقاتليويك ٍم فيه فىًإ ٍف قىاتىػليويك ٍم فىاقٍػتيػلي ي
وه ٍم ىك ىذل ى
ّْين لًلَّ ًه فىإً ًف انٍػتىػ ىه ٍوا فى ىبل عي ٍد ىكا ىف إًَّال ىعلىى ً
وه ٍم ىح َّىت ىال تى يكو ىف فٍتػنىةه ىكيى يكو ىف الد ي
ً
يم * ىكقىاتلي ي
اللَّه ىغ يف ً
ور ىرح ه ى ه
اعتى يدكا ىعلىٍي ًه ٔتًًثٍ ًل اٟترم ً ًً
اص فى ىم ًن ٍاعتى ىدل ىعلىٍي يك ٍم فى ٍ ص ه ات ق ى اٟتىىرًاـ ىك ٍييى ي اٟتىىر ياـ بًالش ٍ
َّه ًر ٍ َّهير ٍ ُت * الش ٍ الظَّالم ى
ً
ُت ﴾(ّ). ىف اللَّهى ىم ىع الٍ يمتَّق ىىما ٍاعتى ىدل ىعلىٍي يك ٍم ىكاتػَّ يقوا اللَّهى ىك ٍاعلى يموا أ َّ
نت هذ اآليات سبب القتاؿ؛ حيث كصفت الذين أيمر ا١تسلموف بقتا٢تم بأهنم
فقد بيَّ ٍ
الذين قاتلوهم ،كأخرجوهم من ديارهم ،كفتنوهم يف دينهم ،كجعلت ٢تذا القتاؿ غاية ،كهي انتهاء
حرا يف دينه ،ال يدين به إال ا﵁ ،ال خوفا
الفتنة ،كأف يكوف الدين ﵁ ،كذلك بأف يكوف اإلنساف ِّ
كطمعا.
ن
أيضا أف الفتنة ُّ
أشد من القتل؛ ألهنا اعتداء على العقيدة كالوجداف ،كذلك شر كقد بينت ن
ما يكوف من بٍت اإلنساف ،كأظهرت أف ا﵁ى هنى عن االعتداء ،كأعلنت أنه يبغض ا١تعتدين ،كهم
229
اإلسالم وقضايا العصر
الذين يبدؤكف غَتهم بالشر ،كأف اٞتزاء عند االعتداء ال ينبغي أف يتجاكز به ما فعله البادئ
بالعدكاف.
ك١تا كاف القتاؿ ا١تشركع موجهان للمعتدين جاءت آية كرٯتة تبُت أف من َف ً
يعتد أك َّ
يصد
فقاؿ -تعاُف -عن و
قوـ مشركُت ﴿ :فىًإ ًف (ُ)
عن الدعوة ،فليس ٢تم عليه سلطاف كال سبيل
(ُ)ا١ترجع السابق
(ِ) النساءَٗ :
(ّ) سورة النساء(ٕٓ)
(ْ)اٟتاكم يف تفسَت القرآف الكرمي ،عبد الرٛتن القماش صُّٗٔ
(ٓ) سورة البقرة(ُْٗ)
231
اإلسالم وقضايا العصر
231
اإلسالم وقضايا العصر
األصل لكوهنا ٦تا يؤدم إُف اإلفساد كا٠تراب يف هذ اٟتياة ،يقوؿ تعاُف ":ىكإً ىذا تىػ ىوَُّف
َّس ىل ىكاللٌهي الى يً٭ت ُّ ً ً سعى ًيف األىر ً ً
ب ال ىف ىس ىاد (ُ)". ث ىكالن ٍ
اٟتىٍر ى
ك ٍ ض لييػ ٍف ًس ىد فيً ىها ىكيػي ٍهل ى ٍ ىى
كلكن ٬توز امتبلؾ كاستعماؿ مثل هذ األسلحة يف دائرة ضيقة نبينها فيما يلي:
ُ-إف تعُت مثل هذا األمر بأف امتلك العدك هذا السبلح ،فبل بد على الدكلة ا١تسلمة أف
تسعى المتبلكه إلخافة العدك كزجر كٖتقيق التوازف العسكرم.
ِ٬-توز استخداـ هذا السبلح على سبيل ا١تعاملة با١تثل ،كما قاؿ تعاُف" :كجزاءي ىسيّْئى وة
سيّْئىةه ًمثٍػليها فىمن ع ىفا كأىصلىح فىأىجر علىى اللَّ ًه إًنَّه ىال يً٭ت ُّ ً ً
ب الظَّالم ى
ُت ﴾.)ِ(. ي ى ى ٍ ى ى ٍ ى ٍ يي ى ى
إال أف ا١تعاملة با١تثل مقيدة بالفضيلة كاألخبلؽ كما مر سابقان.
كما أنه ال بد من بذؿ اٞتهد كأخذ اٟتيطة ٟتماية األبرياء من الناس كا١تسلمُت كا١تدنيُت
كخصوصان األطفاؿ كالنساء ك٨توهم.
ب -أحكاـ غَت ا١تقاتلُت
اٟترب يف اإلسبلـ ليست حربا ٫تجية ال تفرؽ بُت الصغَت كالكبَت كا﵀ارب كا١تساَف ،إ٪تا
هي حرب منضبطة ال يقصد ّٔا سفك الدماء كقطع األعناؽ بقدر ما هي إلعبلء كلمة ا﵁ يف
األرض كنصر ا١تظلومُت كردع الظا١تُت كما بينا.
كلذلك ٧تد أف النظاـ اإلسبلمي كاف سابقان للمواثيق الدكلية ا١تعاصرة يف ٛتاية ا١تدنيُت
كبياف أحكامهم كقت اٟترب ،فاإلسبلـ ٭ترـ قتل النساء كالصغار كالشيوخ كا١ترضى ككل من ال
٭تمل السبلح يف كجه ا١تسلمُت.
كنشَت هنا إُف أف النيب صلى ا﵁ عليه كسلم قد هنى عن قتل النساء كاألطفاؿ كغَت
ا١تقاتلُت ،كذلك يف حديث أنس رضي ا﵁ عنه { أف رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم قاؿ :انطلقوا
(ُ) البقرَِٓ
(ِ)سورة الشورل َْ)
232
اإلسالم وقضايا العصر
باسم ا﵁ كبا﵁ ،كعلى ملة رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم ال تقتلوا شيخا فانيا ،كال طفبل صغَتا،
كال امرأة ،كال تغلوا ،كضموا غنائمكم كأصلحوا كأحسنوا إف ا﵁ ٭تب ا﵀سنُت(ُ) }
كقاؿ النوكم -رٛته ا﵁ -يف "شرحه على صحيح مسلم":
"أٚتع العلماء على ٖترمي قتل النساء كالصبياف إذا َف يقاتلوا(ِ)".
،كيستثٌت من هذا ا١تبدأ حالتاف:
ُ:-اشًتاؾ ا١تدنيُت يف القتاؿْ ،تمل السبلح ،أك التحريض أك الرأم ،أك التجسس أك
(ّ)
بتكثَت السواد ،فهنا ٬توز قتلهم كقتا٢تم.
(ْ)
كلذلك أقر النيب صلى ا﵁ عليه كسلم قتل دريد بن الصمة يف حنُت رغم أنه كاف طاعنان
(ٓ)
يف السن يزيد عن ا١تائة إال أنه كاف صاحب رأم يف اٟترب.
حرض على القتاؿ أك َّ
دؿ على قاؿ الكاساين –رٛته ا﵁ -يف "بدائع الصنائع" " :ككذا لو َّ
صغَتا ،لوجود
مطاعا ،كإف كاف امرأة أك ن
عورات ا١تسلمُت ،أك كاف الكفرة ينتفعوف برأيه ،أك كاف ن
القتاؿ من حيث ا١تعٌت(ٔ)".
233
اإلسالم وقضايا العصر
ِ -حاؿ الضركرة اٟتربية كحاؿ كجود ا﵀اربُت من األعداء بُت هذ األصناؼ من غَت
ا١تقاتلُت ،كهذا ما يطلق عليه الفقهاء اسم التًتس،كَف يكن ٦تكنان التمييز بُت ا١تقاتلُت كغَتهم،كيف
هذ اٟتالة تطبق قاعدة الضركرة تقدر بقدرها.
َّامةى ،قاؿ :سئل رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم عن الص ٍع ً
ب بن ىجث ى كدليل ذلك حديث َّ
(ُ)
الذرارم من ا١تشركُت يبيتوف فيصيبوف من نسائهم كذراريهم فقاؿ :هم منهم.
قاؿ ابن رشد –رٛته ا﵁ -يف بداية آّتهد :كاتفق عواـ الفقهاء على جواز رمي اٟتصوف
با١تنجنيق يف اٟترب ،سواء كاف فيها نساء كذرية أك َف يكن ١تا جاء " :أف النيب -عليه الصبلة
(ِ)
كالسبلـ -نصب ا١تنجنيق على أهل الطائف ".
ج-مدل اشًتاط إذف اإلماـ يف اٞتهاد
يرل الفقهاء بأف فريضة اٞتهاد مرتبط بإذف اٟتاكم من حيث األصل ،يقوؿ ابن قدامة
رٛته ا﵁":كأمر اٞتهاد موكوؿ إُف اإلماـ كاجتهاد ،كيلزـ الرعية طاعته فيما يرا من ذلك "(ّ).
كيستدؿ على ذلك بنصوص من القرآف الكرمي كالسنة ا١تطهرة ،كمن هذ األدلة
ؼ أىذى ً ا٠تو ً
اعوا بًه ىكلى ٍو ىرُّدكي ي ً
أكالن :قوله سبحانه كتعاُف { :كإذىا ىجاءى يه ٍم أ ٍىمهر ّْم ىن ٍاأل ٍىم ًن أى ًك ٍىٍ
يكِف ٍاألىم ًر ًمٍنػهم لىعلًمه الَّ ًذين يستنبًطيونىه ًمٍنػهم ۚ كلىوىال فى ٍ ً إً ىُف َّ ً ً
ض يل اللَّه ىعلىٍي يك ٍم ىكىر ٍٛتىتيهي الر يسوؿ ىكإ ىُف أ ً ٍ ي ٍ ى ى ي ى ى ٍ ى ي ي ٍ ى ٍ
(ْ)
ىالتػَّبىػ ٍعتي يم الشٍَّيطىا ىف إًَّال قىلً نيبل }
(ُ)متفق عليه
(ِ)بداية آّتهد ُُّٔ/
(ّ)ا١تغٍت َُّٖٔ /
(ْ) النساء ّٖ
234
اإلسالم وقضايا العصر
ثانيان :قوؿ ا﵁ تعاُف { :يا أىيػُّها الَّ ًذين آمنواٍ ما لى يكم إً ىذا قًيل لى يكم ً
انفيركاٍ ًيف ىسبً ًيل ى ي ى ىي ى ٍ ى ى
الدنٍػيا ًيف ً
اآلخىرةً إًالَّ اآلخرةً فىما متاع ٍ ً ً اٟتياةً ُّ ً اللٌ ًه اثَّاقىػ ٍلتيم إً ىُف األىر ً ً ً
اٟتىيىاة ُّ ى الدنٍػيىا م ىن ى ى ى ى ي ض أ ىىرضيتيم ب ٍىى ٍ ٍ
يل}(ُ) [] ً
قىل ه
ثالثان:عن أيب هريرة رضي ا﵁ عنه عن النيب صلى ا﵁ عليه كسلم أنه قاؿ :إ٪تا اإلماـ جنة
يقاتل من كرائه كيتقى به فإف أمر بتقول ا﵁ عز كجل كعدؿ كاف له بذلك أجر كإف يأمر بغَت
كاف عليه منه(ِ).
فيتبُت من خبلؿ النصوص السابقة بأف اإلماـ هو الذم يأمر باٞتهاد كالنفَت كعلى
ا١تسلمُت السمع كالطاعة ألمر اإلماـ.
فاٟتاكم هو ا١تخوؿ بإيفاد اٞتيوش كإعبلف اٞتهاد كهو من يقدر كجه ا١تصلحة كاآلثار
ا١تًتتبة على القتاؿ ،كهذا مانع من الفوضى اليت ٯتكن أف تنشأ من إعبلف بعض ا١تسلمُت اٟترب
(ّ)
على األعداء دكف تقدير لظركفهم كقوهتم كقوة عدكهم.
يقوؿ الشاعر:
٢تم كال يسػراة إذا جها٢تم سػادكا ال يصلح الناس فوضى ال يسراة
كعلى العلماء دكر يف هذا ا١تقاـ أال كهو أف يستنهضوا اٟتاكم ك٭تثو على اٞتهاد إف قصر
يف ذلك أك ٗتاذؿ.
كيتجلى هذا األمر كذلك يف سَتة النيب صلى ا﵁ عليه كسلم حيث أنه َف يأذف
للمسلمُت بالقتاؿ إال حُت قدـ إُف ا١تدينة حيث ازداد عدد ا١تؤمنُت كاتسع نطاؽ ال ٌدعوة داخل
235
اإلسالم وقضايا العصر
236
اإلسالم وقضايا العصر
أما مصَت األسرل فهو موكل لئلماـ يتوخى به مصلحة الدكلة كا١تسلمُت أكال ،فبل ٣تاؿ
للثأر أك لبلنتقاـ أك ا١تصاٌف الشخصية ك٨تو ذلك ،كقد ذكر الفقهاء بأف اإلماـ ٥تَت بُت ا١تن أك
الفداء أك القتل أك االسًتقاؽ.
قاؿ ابن القيم يف زاد ا١تعاد :ثبت عنه صلى ا﵁ عليه كسلم يف األسرل أنه قتل بعضهم،
كمن على بعضهم ،كفادل بعضهم ٔتاؿ ،كبعضهم بأسرل من ا١تسلمُت ،كاسًتؽ بعضهم ،كلكن
َّ
ا١تعركؼ أنه َف يسًتؽ رجبل بالغا ،فقتل يوـ بدر من األسرل عقبة بن أيب معيط ،كالنضر بن
اٟتارث ،كقتل من يهود ٚتاعة كثَتين من األسرل ،كفادل أسرل بدر با١تاؿ بأربعة آالؼ إُف
كمن على أيب عزة الشاعر يوـ
أربعمائة ،كفادل بعضهم على تعليم ٚتاعة من ا١تسلمُت الكتابةَّ ،
بدر ،كقاؿ يف أسارل بدر :لو كاف ا١تطعم بن عدم حيا ،مث كلمٍت يف هؤالء النتٌت ألطلقتهم له ػ
كفدل رجلُت من ا١تسلمُت برجل من ا١تشركُت ،كفدل رجاال من ا١تسلمُت بامرأة من السيب،
كمن على ٙتامة بن أثاؿ ،كأطلق يوـ فتح مكة ٚتاعة من قريش،
استوهبها من سلمة بن األكوعَّ ،
فكاف يقاؿ ٢تم الطلقاء ،كهذ أحكاـ َف ينسخ منها شيء ،بل ٮتَت اإلماـ فيها ْتسب
(ُ)
ا١تصلحة.
كنشَت هنا إُف أف القانوف الدكِف كاألعراؼ السائدة هي مصدر من مصادر القانوف
الدكِف اإلسبلمي ،فبل بد من أف تلتزـ الدكلة ا١تسلمة باالتفاقيات كا١تعاهادات ا١تتعلقة باألسرل يف
حدكد ضوابط كقواعد الشرع.
237
اإلسالم وقضايا العصر
238
اإلسالم وقضايا العصر
عزة ا١تسلمُت ككرامتهم ،يقوؿ تعاُف" :فى ىبل ىهتًنيوا ىكتى ٍد يعوا إً ىُف َّ
الس ٍل ًم ىكأىنتي يم ٍاأل ٍىعلى ٍو ىف ىكاللَّهي ىم ىع يك ٍم ىكلىن
يىً ىًتيك ٍم أ ٍىع ىمالى يك ٍم"(ُ) .
كهنا ينبغي التنبيه إُف أف من أشكاؿ هذ ا١تعاهدات معاهدات اقتصادية كٕتارية كغَتها،
فهذا النوع من ا١تعاهدات ٬تب أف يراعى فيها أحكاـ الشريعة يف اٟتبلؿ كاٟتراـ ،فبل تستباح
ا﵀رمات ٖتت ذريعة ا١تصلحة كاٟتاجة ،ك٧تد أف كثَتا من الدكؿ اإلسبلمية اليوـ ترضخ لشركط
غَت ا١تسلمُت متذرعة بذريعة اٟتاجة كالضركرة ،فعلى الدكلة ا١تسلمة أف تقدـ شرع ا﵁ سبحانه
كتعاُف أكالن ،كأف تثبت على مبادئها دكف الرضوخ إُف أهواء أعداء الدين.
ِ -أف يتمتع ٚتيع أطرافها باألهلية ،كذلك بأف تكوف الدكلة ذات سيادة ك٢تا السلطة
على ما مت االتفاؽ عليه.
ّ -أف تكوف األطراؼ حرة يف اختيارها سليمة من اإلكرا أك اإلجبار ،كهذا يف كقت
السلم ،فاإلسبلـ ال ٬تعل ا١تعاهدة صحيحة إذا كانت قائمة على أساس القهر كالغلبة ،إذ إف
اإلكرا مقيد يف كقت السلم ٖترزا عن معاهدة الصلح اليت تعقب اٟتركب ،كاليت يفرض فيها
الغالب شركطه على ا١تغلوب.
239
اإلسالم وقضايا العصر
ْ -بياف أهداؼ ا١تعاهدة بطريقة كاضحة ٘تنع التنازع كال تدع ٣تاالن للتأكيل ،كالقرآف
الكرمي ٭تذر من ا١تعاهدات الغامضة اليت قد تكوف طريقا للنزاع كا٠تبلؼ(ُ) ،يقوؿ تعاُف " :ىكىال
وهتىا"النحل ْٗ ،أم ال تعقدكا األٯتاف باالنطواءَّخ يذكا أىٍٯتانى يكم دخ نبل بػيػن يكم فىػت ًزَّؿ قىدـ بػعد ثػيب ً
تىػت ً
ى ٍ ى ى ىٍ ى ٍ ى ى ه ى ٍ ى ي
على ا٠تديعة كالفساد فتزؿ قدـ بعد ثبوهتا ،أم عن األٯتاف بعد ا١تعرفة با﵁(ِ).
ٓ -أف ال يًتتب على هذ ا١تعاهدة ظلم أك عدكاف على طرؼ ثالث ،فالشريعة
اإلسبلمية تقوـ على مبادئ العدؿ كنصرة ا١تظلوـ ال على البغي كالعدكاف ،كا﵁ سبحانه كتعاُف
(ّ)
يقوؿ" :كال تتعاكنوا على اإلمث كالعدكاف".
كالناظر يف حاؿ العاَف اليوـ ٬تد أف كثَتان من الدكؿ تتحالف كتتماأل ٔتا ٭تقق مصاٟتها
كأهدافها دكف النظر إُف الظاَف أك ا١تظلوـ.
ٔ -أف ٖتقق هذ ا١تعاهدة ا١تصلحة الظاهرة للدكلة اإلسبلمية ،كمن مث فبل بد على رئيس
الدكلة أف يشاكر أهل اٟتل كالعقد كا٠تربة لبياف مدل ا١تصاٌف ا١تًتتبة على هذ ا١تعاهدات ،إذ إف
إنشاءها يصبح ملزما ١تن جاء بعد ،كمن هنا كضع الفقهاء قاعدة جليلة يف هذا الباب فقالوا :إف
التصرؼ على الرعية منوط با١تصلحة ،كا١تصلحة هنا هي ا١تصلحة اليت ٖتقق ا٠تَت كاالزدهار لؤلمة
دكف تعارض مع قواعد الشرع كمبادئه(ْ).
241
اإلسالم وقضايا العصر
ب-آثار المعاىدات
إذا كقعت ا١تعاهدة صحيحة مستكملة لشركطها فيلزـ من ذلك على كل طرؼ أف يفي
ًً ً
ٔتضموهنا كيقوـ بااللتزامات اليت تعهد ّٔا ،يقوؿ تعاُف" :فىأى٘تُّواٍ إًلىٍي ًه ٍم ىع ٍه ىد يه ٍم إً ىُف يمدَّهت ٍم إً َّف اللٌهى
ُت" (ُ). يً٭ت ُّ ً
ب الٍ يمتَّق ى
ج-انتهاء المعاىدات
تنتهي ا١تعاهدات بواحدة من الطرؽ التالية:
ً ً
-انتهاء مدهتا ا١تتفق عليه بُت الطرفُت لقوله تعاُف " :ىكأ ٍىكفيوا بً ىع ٍهد اللَّه إً ىذا ىع ى
اه ٍد يٍمت ىكىال
يد ىها ىكقى ٍد ىج ىع ٍلتي يم اللَّهى ىعلىٍي يك ٍم ىك ًف نيبل(ِ)" ،كيدؿ هذا النص ٔتفهومة على أنه
تىػٍنػ يقضوا ٍاأل ٍىٯتا ىف بػعد تىػوكً ً
ي ى ىٍ ى ٍ
بعد انتهاء مدة ا١تعاهدة تعود األمور إُف ما كانت عليه من قبل.
-إذا نقض العدك ا١تعاهدة مع الدكلة ا١تسلمة ،أك ظهرت بوادر هذا النقض ،إال أنه
و
يشرع يف مثل هذا اٟتاؿ إببلغ العدك باألمر كذلك امتثاالن لقوله تعاُف " :ىكإً َّما ىٗتىافى َّن ًم ٍن قىػ ٍوـ ًخيىانىةن
ُت" (ّ).ب ٍ ًً
ا٠تىائن ى فىانٍبً ٍذ إًلىٍي ًه ٍم ىعلىى ىس ىو واء إً َّف اللَّهى ال يً٭ت ُّ
-إذا انتهى موضوع ا١تعاهدة كٖتقق الغرض منها.
كمن هنا يظهر لنا أف اإلسبلـ قد كضع نظامان دقيقان منضبطا للعبلقات مع اآلخر،كقد
كاف له قدـ السبق يف بياف مثل هذ األنظمة كالقواعد كبطريقة تفصيلية تتقاصر دكهنا القوانُت
(ْ)
الدكلية ا١تعاصرة.
241
اإلسالم وقضايا العصر
الٕسد ٚالجاوٍٛ
إعداد
أ.د .عارف عسالديو حصونه
242
اإلسالم وقضايا العصر
الوحدة الثامهة
اإلشالم وشبل معاجلة اإلرياب
إف اإلسبلـ دين اٟتق كالعدؿ؛ فإنه دين الرٛتة كالسماحة أيضا ،كقد جاء يف مقاصد
العليا كغاياته الكربل ليحفظ على ا٠تلق دينهم ،كأنفسهم،كعقو٢تم ،كأعراضهم ،كأموا٢تم،
ٮتل به أك ببعضه اليوـ ما انتشر يف هذا
ككرامتهم ،كحقوقهم الشرعية الثابتة من ا﵁ ٢تم؛ كهو ما َّ
العاَف من ظاهرة اإلرهاب كالتطرؼ كاالعتداء على الدماء كاألعراض كاألمواؿ بغَت حق كال عدؿ،
كهو ما استدعى علماء الشريعة لذلك إُف أف ينبهوا على خطر اإلرهاب كفداحة شر ،كنفي
نسبته إُف اإلسبلـ زكرا كّٔتانا؛ ك٢تذا حرصنا يف هذا الكتاب على أف نفرد ١توضوع اإلرهاب مبحثا
خاصا يتناكله ببياف تعريفه ،كحكمه ،كأسبابه ،كسبل معاٞتته يف اإلسبلـ؛ ليكوف ذلك حاجزا
عنه ،كعاصما منه ،ك٤تذرا من اغًتار شباب ا١تسلمُت بدعاته كأربابه.
(ُ) انظر :الزبيدم٤ ،تمد بن ٤تمد مرتضى ،تاج العركسٖ ،تقيق ٣تموعة من ا﵀ققُت ،دار ا٢تداية ،جِصُْٓ
كابن فارس ،أبو اٟتسُت أٛتد معجم مقاييس اللغةٖ ،تقيق عبد السبلـ هاركف ،دار الفكرُٕٗٗ ،ـ،
جِصْْٕ
243
اإلسالم وقضايا العصر
ثبليٙتائة ألف مشبو على األقل ،كأيعدـ على ا١تقصلة رٝتيان ٨تو سبعة عشر ألفا ،يف حُت مات
كثَت يف السجوف ،أك من غَت ٤تاكمة .كمع ذلك فإف كلمة اإلرهاب َف تكن مشتهرة جدان حىت
أكائل القرف التاسع عشر(ُ) .كعلى هذا نبدأ تعريف اإلرهاب شرعا كقانونا؛ فنقوؿ:
فلما أف لفظ اإلرهاب َف يبدأ
أما تعريف اإلرهاب يف اصطبلح علماء الشريعة اإلسبلميةٌ :
عشر ،فإف استعماؿ علماء
الثامن ى
ى استعماله ٔتعنا العريف ا١تتبادر اليوـ إال بعد القرف ا١تيبلدم
الشريعة له قبل ذلك القرف َف ٮترج عن استعماله يف معنا اللغوم الذم هو اإلخافة(ِ)؛ فلم يكن
٢تم فيه اصطبلح خاص(ّ) .كإذا أضافو إُف العدك – بقو٢تم يف كتبهم( :إرهاب العدك) – فإ٪تا
٣ترد ٗتويفه بإعداد مظاهر القوة من السبلح كا٠تيل كإظهار الشباب ك٨تو ذلك ٦تا
يعنوف بإرهابه ى
٭تصل به ردعيه كزجر عن االجًتاء على حرب ا١تسلمُت كأذاهم؛ أخذا من قوؿ ا﵁ تعاُف" :
ين ًم ٍن يدكهنًً ٍم ً ً ًً
ا٠تىٍي ًل تػي ٍرهبيو ىف به ىع يد َّك اللَّه ىك ىع يد َّكيك ٍم ىكآى ىخ ًر ى
اط ٍكأ ًىع ُّدكا ى٢تم ما استطىعتم ًمن قيػ َّوةو كًمن ًرب ً
يٍ ى ٍ ى ٍي ٍ ٍ ى ٍ ى ى
ىال تىػ ٍعلى يمونػى يه يم اللَّهي يػى ٍعلى يم يه ٍم "(ْ) .أما مباشرة قتاؿ العدك فعبل فإ٪تا يسموهنا جهادا كال يسموهنا
ؼ منه؛ لئبل يقدـ
اع من ىمغىبَّة ما يٮتىَّو ي
إرهابا؛ ألف اإلرهاب لغة اإلخافة ،كليست هي إال اإلفز ى
عليه(ٓ) .كال شك أف قتاؿ العدك أزيد من ٣ترد إفزاعه من مغبة اإلقداـ على حرب ا١تسلمُت
(ُ) انظر :عبد الرٛتن بن معبل اللو٭تق ،اإلرهاب كالغلو كالتطرؼ /دراسة يف ا١تصطلحات كا١تفاهيمْ ،تث
منشور ضمن أكراؽ ا١تؤ٘تر العا١تي عن موقف اإلسبلـ من اإلرهاب ّتامعة اإلماـ ٤تمد بن سعود ََِْـ،
صُُُِ-
(ِ) انظر :قحطاف الدكرم ،اإلسبلـ كاإلرهابْ ،تث نشر ضمن ْتوث بعنواف (الدين كاإلرهاب) من منشورات
منظمة ا١تؤ٘تر اإلسبلمي الشعيب ،مطبعة الرشاد ،بغدادُٖٖٗ ،ـ ،صَُكعبدا﵁ بن ٤تمد العمرك ،أسباب
ظاهرة اإلرهاب يف آّتمعات اإلسبلمية – رؤية ثقافيةْ ،تث منشور ضمن أكراؽ ا١تؤ٘تر العا١تي عن موقف
اإلسبلـ من اإلرهاب ،جامعة اإلماـ ٤تمد بن سعودََِْ ،ـ ،صٔ
(ّ) انظر :قطب سانو ،يف مصطلح اإلرهاب كحكمه /قراءة نقدية يف ا١تفهوـ كاٟتكم من منظور شرعيْ ،تث
منشور على ا١توقع االلكًتكينhttp://www.assakina.com/book/ََِٔ.html :
(ْ) االنفاؿَٔ/
(ٓ) انظر :ابراهيم مصطفى كآخركف ،ا١تعجم الوسيطٖ ،تقيق ٣تمع اللغة العربية ،دار الدعوة ،جُصِِٔ
244
اإلسالم وقضايا العصر
كأذاهم؛ فبل يسمى لذلك إرهابا(ُ) أك إخافة ،بل يسمى جهادا ،كهو ا١تسمى يف القانوف الدكِف
اليوـ بالكفاح ا١تسلح ،كحق ا١تقاكمة كما يأيت.
عشر ا١تيبلدم فقد بدأ يف العاَف استعماؿ لفظ اإلرهاب يف معٌتالثامن ى
بعد القرف ى أما ى
إخافة ا١تعصومُت كقتلًهم بغَت حق ،مث ىكثر استعماليه يف هذا ا١تعٌت حىت صار فيه حقيقةن عرفيةن
متبادرةن؛ ْتيث إذا أطلق لفظ اإلرهاب َف يتبادر منه إُف الذهن إال هذا ا١تعٌت؛ ك٢تذا صار علماء
يعرفوف اإلرهاب ّٔذا ا١تعٌت ا١تتبادر ،كال يعرفونه ٔتجرد إخافة العدك بإعداد القوة
ا١تسلمُت اليوـ ّْ
الرادعة؛ كمن ذلك فيما ٨تن بصدد :
تعريف اإلرهاب يف بياف ٣تمع الفقه اإلسبلمي يف مكة ا١تكرمة يف دكرته السادسةى عشرةى
عاـ ََِِـ بأنه " :العدكاف الذم ٯتارسه أفراد أك ٚتاعات أك دكؿ؛ بغيان على اإلنساف يف دينه
كدمه كعقله كماله كعرضه ،كيشمل صنوؼ التخويف كاألذل كالتهديد كالقتل بغَت حق ،كما
يتصل بصور اٟترابة كإخافة السبيل كقطع الطريق ككل فعل من أفعاؿ العنف أك التهديد ،يقع
تنفيذان ١تشركع إجرامي فردم أك ٚتاعي ،كيهدؼ إُف إلقاء الرعب بُت الناس ،أك تركيعهم
بإيذائهم ،أك تعريض حياهتم أك حريتهم أك أمنهم أك أحوا٢تم للخطر .كمن صنوفه إٟتاؽ الضرر
بالبيئة أك بأحد ا١ترافق كاألمبلؾ العامة أك ا٠تاصة ،أك تعريض أحد ا١توارد الوطنية أك الطبيعية
للخطر .فكل هذا من صور الفساد يف األرض اليت هنى ا﵁ سبحانه كتعاُف ا١تسلمُت عنها "(ِ).
(ُ) أما تسمية أفعاؿ القتل كالقتاؿ اليوـ إرهابا ؛ فهو داللة عرفية حادثة يف هذا اللفظ كليست من معنا اللغوم.
(ِ) انظر :قرارات ٣تمع الفقه اإلسبلمي يف مكة ا١تكرمة /الدكرات من األكُف إُف السابعة عشرة ،نشر رابطة
العاَف اإلسبلمي ،مكة ا١تكرمة ،طِ ،صّٓٓ كقد صدر هذا البياف يف دكرة آّمع السادسة عشرة ا١تنعقدة
يف ُِ ِٕ-شواؿ ُِِْهػ ََِِ/ـ بعنواف (بياف مكة ا١تكرمة بشأف التفجَتات كالتهديدات اإلرهابية /
أسبأّا ،آثارها ،حكمها الشرعي ،كسائل الوقاية منها).
245
اإلسالم وقضايا العصر
ككذلك تعريف ٣تمع البحوث اإلسبلمية باألزهر لئلرهاب بأنه " :تركيع اآلمنُت ،كتدمَت
مصاٟتهم كمقومات حياهتم ،كاالعتداء على أموا٢تم كأعراضهم كحرياهتم ككرامتهم اإلنسانية؛ بغيان
كإفسادان يف األرض "(ُ).
كظاهر من هذين التعريفُت لئلرهاب أنه ثبلثة أنواع :فردم ،كٚتاعي ،كدكِف(ِ).
فا١تراد باإلرهاب اٞتماعي :اإلرهاب الذم تركبه ٚتاعات من الناس؛ ٖتقيقا ١تآرب خاصة.
سواء أكانت تلك اٞتماعات غَت منظمة ،أـ كانت منظمة ،كاٞتماعات اإلرهابية اليت تديرها
كتشرؼ عليها دكؿ ظاهرة أك مؤسسات أك هيئات ٥تتلفة(ّ).
كا١تراد باإلرهاب الدكِف :إرهاب الدكلة ،كهو :أف تنشر الدكلة الذعر كا٠توؼ أك تنهج
كسائل العنف؛ لبسط هيمنتها كنفوذها على أفراد ٣تتمعها أك على آّتمعات األخرل(ْ) .كيدخل
يف هذا النوع من اإلرهاب أف يقع من دكلة كاحدة ،كلكن بدعم من دكؿ أك حلف من الدكؿ
األخرل؛ فهذا حينئذ إرهاب دكِف ٚتاعي(ٓ).
كما يظهر من هذين التعريفُت لئلرهاب أيضا :أنه ٦تيَّز بوقوعه بغيا كعدكانا على معصوـ
الدـ كا١تاؿ كالعرض ،كإفسادا يف األرض؛ فبل يقع ْتق .كأف من صور ما يسمى يف الشريعة
اإلسبلمية بالقتل بغَت حق – كهو قتل ا١تعصوـ عدكانا ،أم ببل موجب شرعي -كبالبغي -كهو
ا٠تركج على اإلماـ اٟتق بغَت حق(ٔ) -كباٟترابة – كهي إخافة السبيل كقطع الطريق على
246
اإلسالم وقضايا العصر
ا١تعصومُت؛ بقصد السرقة أك القتل أك اإلرعاب؛ اعتمادا على الشوكة كالقوة(ُ)– فكل ذلك من
مشموالت اإلرهاب كمسما يف اصطبلح الفقهاء.
كما أف من اإلرهاب يف هذين التعريفُت ما يكوف ٔتجرد األذل ،أك ٔتجرد حجز اٟترية،
أك ٔتجرد التخويف كاإلرعاب ،أك ٔتجرد التهديد .كما يكوف كاقعا على البيئة أك ا١ترافق
كا١تمتلكات العامة أك ا٠تاصة.
على أف ا١تعصوـ يف نفسه كماله كعرضه هو :ا١تسلم ،كالذمي ،كا١تستأمن ،كا١تعاهد ،ككل
من َف يتعرض للمسلمُت بعدكاف كال أذل من غَت ا١تسلمُت.
فأما الذمي :فهو ا١تواطن غَت ا١تسلم يف أم من الدكؿ اإلسبلمية .كأما ا١تستأمن :فهو
اٟتريب الذم بينه كبُت أم من الدكؿ اإلسبلمية حالة حرب ،إذا دخل الدكلة بإذف من سلطتها؛
فيشمل السياح كالسفراء يف الدكؿ اإلسبلمية من اٟتربيُت .كأما ا١تعاهد :فهو مواطن الدكلة اليت
بينها كبُت أم من الدكؿ اإلسبلمية معاهدة سبلـ أك صلح.
كأما تعريف اإلرهاب يف اصطبلح القانونيُت :فقد اختلفت تعريفاته جدا؛ تبعا الختبلؼ
ص ُّورهم ٟتقيقة اإلرهاب كماهيته؛ ً
ا١تعرفُت يف تى ى
الختبلؼ ّْ ا١تصاٌف كا١تعايَت كالقيم بُت الدكؿ ،كتبعا
ص ُّور آخرين .كما أف
ص ُّور بعضهم ،فإنه قد ال يعد كذلك يف تى ى
ْتيث إف ما يعد إرهابا يف تى ى
تسييس هذا ا١تصطلح من جهة كثَت من الدكؿ منى ىع االتفاؽ على تعريف علمي كاضح له(ِ)،
استدخ ىل يف مدلوله ما ليس منه؛ بل إف بعض الدكؿ بلغت يف تسييس هذا ا١تصطلح أ ٍف تركت
ك ى
تعريفه رأسا؛ لتتمكن بذلك من إطبلقه على أم تصرؼ أك سلوؾ سياسي تريد ٕترٯتىه.
(ُ) انظر :زكريا األنصارم ،أسٌت ا١تطالبٖ ،تقيق ٤تمد تامر ،دار الكتب العلمية ،بَتكتَََِ ،ـ،
جْصُْٓ
(ِ) انظر هذ األسباب كغَتها يف :هيثم عبد السبلـ ٤تمد ،مفهوـ اإلرهاب يف الشريعة اإلسبلمية ،دار الكتب
العلمية ،بَتكت ،طََُِٓ ،ـ ،صُٗ ُِ -ك٤تمد اٟتسيٍت ا١تصيلحي ،اإلرهاب ،مظاهر كأشكاله كفقا
لبلتفاقية العربية ١تكافحة اإلرهابْ ،تث منشور ضمن أكراؽ ا١تؤ٘تر العا١تي عن موقف اإلسبلـ من اإلرهاب،
جامعة اإلماـ ٤تمد بن سعودََِْ ،ـ ،صٖ
247
اإلسالم وقضايا العصر
(ُ) كهو الدكتور أسامة الغزاِف (انظر :أسامة الغزاِف ،اإلرهاب كأحد مظاهر استخداـ العنف عربيا كدكليا ،ضمن
ْتوث مؤ٘تر العنف كالسياسة يف آّتمعات العربية ،منتدل الفكر العريب ،األردف ،صِٓ).
(ِ) انظر :هيثم عبد السبلـ ،مفهوـ اإلرهاب يف الشريعة اإلسبلمية ،صِّككرمي مزعل شيب ،مفهوـ اإلرهاب /
دراسة يف القانوف الدكِف كالداخلي٣ ،تلة أهل البيت ،جامعة أهل البيت ،كرببلء،العددِ ،صّّ كموسى
الدكيك ،اإلرهاب كالقانوف الدكِف.
(ّ) انظر :كرمي مزعل ،مفهوـ اإلرهاب /دراسة يف القانوف الدكِف كالداخلي ،صّّ كموسى الدكيك ،اإلرهاب
كالقانوف الدكِف
248
اإلسالم وقضايا العصر
أما االتفاقية العربية ١تكافحة اإلرهاب ا١تربمة يف العاـ ُٖٗٗـ فقد عرفته بأنه " :كل فعل
من أفعاؿ العنف ،أك التهديد به ،أيان كانت دكافعه أك أغراضه ،يقع تنفيذ ١تشركع إجرامي فردم
أك ٚتاعي يهدؼ إُف إلقاء الرعب بُت الناس ،أك تركيعهم ،أك تعريض حياهتم أك حرياهتم كأمنهم
للخط ،أك إٟتاؽ الضرر بالبيئة ،أك بأحد ا١ترافق أك األمبلؾ العامة كا٠تاصة ،أك احتبل٢تا ،أك
االستيبلء عليها ،أك تعريض أحد ا١توارد الوطنية للخطر "(ُ).
كيف األردف جاء تعريف العمل اإلرهايب يف قانوف منع اإلرهاب ا١تعدؿ لسنة َُِْـ بأنه:
اضه أك كسائله ،يقع و
االمتناع عنه ،أيٌان كانت بواعثيه كأغر ي
ي التهديد به ،أك
ي مقصود ،أك " كل عمل
تنفيذا ١تشركع إجرامي فردم أك ٚتاعي ،من شأنه تعريض سبلمة آّتمع كأمنه للخطر ،أك إحداث
اإلخبلؿ بالنظاـ العاـ ،أك إلقاء الرعب بُت الناس ،أك تركيعهم ،أك
ي فتنة ،إذا كاف من شأف ذلك
تعريض حياهتم للخطر ،أك إٟتاؽ الضرر بالبيئة أك ا١ترافق الدكلية أك البعثات الدبلوماسية ،أك
احتبلؿ أم منها ،أك االستيبلء عليها ،أك تعريض ا١توارد الوطنية أك االقتصادية للخطر ،أك إرغاـ
سلطة شرعية أك منظمة دكلية أك إقليمية على القياـ بأم عمل ،أك االمتناع عنه ،أك تعطيل تطبيق
الدستور أك القوانُت أك األنظمة "(ِ).
كهذا التعريف -كما ترل -مأخوذ من تعريف اإلرهاب يف االتفاقية العربية ١تكافحة
تعطيل الدستور أك القوانُت أك
ى اإلرهاب ،كلكن مع إضافة يسَتة جعلت من العمل اإلرهايب أيضا
األنظمة.
على أف ٦تا ينبغي التنبيه عليه هنا أف القانوف الدكِف كا١تنظمات الدكلية نصوا على أف
الفعل الذم عدك إرهابا يف تلك التعريفات ال يعد إرهابا كال يعاقب عليه القانوف الدكِف إف كاف
249
اإلسالم وقضايا العصر
الدفاع عن حق الشعوب يف تقرير ا١تصَت(ُ) ،أك ٖترير األرض ا﵀تلة ،أك مقاكمة
ى الباعث عليه
ا﵀تل؛ ألف هذ األفعاؿ تقابل حقوقا يقررها القانوف الدكِف لؤلفراد كالدكؿ ،كيكوف األمر حالئذ
متعلقا باستعماؿ مشركع للعقوبة طبقا ألحكاـ القانوف الدكِف كاالتفاقية العرفية(ِ) ،كهو ما أكدته
كنصت عليه اٞتمعية العامة لؤلمم ا١تتحدة يف دكرهتا األربعُت ،حُت نصت على أهنا " إذ تشَت إُف
االتفاقات الدكلية القائمة ا١تتعلقة ّتوانب ٥تتلفة من مشكلة اإلرهاب الدكِف ...كإذ تشعر ببالغ
القلق للتصاعد العا١تي ألعماؿ اإلرهاب ّتميع أشكا٢تا ...كإذ تؤكد من جديد أيضا اٟتق غَت
القابل للتصرؼ يف تقرير ا١تصَت كاالستقبلؿ ٞتميع الشعوب ا٠تاضعة لنظم استعمارية كعنصرية
كلغَتها من أشكاؿ السيطرة األجنبية ،كإذ تقر شرعية كفاحها ،كال سيما كفاح حركات التحرير
الوطٍت ...تدين إدانة قاطعة ٚتيع أعماؿ كهنج ك٦تارسات اإلرهاب "(ّ).
كما أكدت ذلك أيضا ا١تادةي الثانية من االتفاقية العربية ١تكافحة اإلرهاب لعاـ ُٖٗٗـ،
حاالت الكفاح ٔتختلف الوسائلٔ ،تا يف ذلك الكفاح
ي حُت نصت على أنه " ال تعد جرٯتةن
ا١تسلح ضد االحتبلؿ األجنيب ،كالعدكا يف من أجل التحرر كتقري ًر ا١تصَت ،كفقا ١تبادلء القانوف
الدكِف "(ْ).
(ُ) حق تقرير ا١تصَت " :أف يكوف لكل شعب اٟتق يف تكوين دكلة مستقلة كأف ٮتتار نظامه السياسي ْتريته ".
فتقرير ا١تصَت له جانباف :أحد٫تا داخلي كيتعلق باختيار شكل اٟتكم ا١تبلئم ،كاآلخر دكِف كيتمثل يف حق
الشعب يف االستقبلؿ (انظر :موسى الدكيك ،اإلرهاب كالقانوف الدكِف).
(ِ) انظر :موسى الدكيك ،اإلرهاب كالقانوف الدكِف ككرمي مزعل ،مفهوـ اإلرهاب /دراسة يف القانوف الدكِف
كالداخلي ،صِّْْ-
(ّ) انظر قرارات الدكرة األربعُت للجمعية على ا١توقع
http://www.un.org/arabic/documents/GARes/َْ/GAResَْall.htm
(ْ) انظر نص اإلتفاقية على شبكة قانونيي األردف:
ِِْٕٗ?http://www.lawjo.net/vb/showthread.php
251
اإلسالم وقضايا العصر
(ُ) األنعاـُُٓ/
(ِ) ا١تائدةِّ/
(ّ) ا١تائدةِّ/
(ْ) انظر :القرطيب ،تفسَت ،جٕصِِٔ
(ٓ) اٟتجراتٗ/
(ٔ) أخرجه أبو داكد يف سننه ،بتعليق األلباين ،دار الكتاب العريب ،بَتكت ،جْصْٖٓ كصححه األلباين
251
اإلسالم وقضايا العصر
كقد ثبت بنصوص شرعية كثَتة عصمة من ذكرنا أصنافهم من ا١تعصومُت(ُ) يف أنفسهم
كأموا٢تم كأعراضهم من ا١تسلمُت كغَتهم ؛ كمن ذلك مثبل ال حصرا:
قوله صلى ا﵁ عليه كسلم يف عصمة ا١تسلم " :كل ا١تسلم على ا١تسلم حراـ :دمه ،كماله،
كعرضه "(ِ).
كقوله صلى ا﵁ عليه كسلم يف عصمة الذمي كا١تستأمن كا١تعاهد " :من قتل معاهدان َف يىرًح
رائحة اٞتنة ،كاف ر٭تها توجد من مسَتة أربعُت عامان "(ّ) .مع أف لفظ ا١تعاهد عاـ يف كل من بينه
كبُت ا١تسلمُت عهد؛ فيشمل لذلك تلك األصناؼ الثبلثة.
كقوله سبحانه كتعاُف فيمن َف يتعرض للمسلمُت بعدكاف كال أذل من غَت ا١تسلمُت " :ىال
كه ٍم ىكتػي ٍق ًسطيوا إًلىٍي ًه ٍم ً ً ً َّ ً
ين ىَفٍ يػي ىقاتليويك ٍم ًيف الدّْي ًن ىكىَفٍ يٮتٍ ًر يجويك ٍم م ٍن ديىا ًريك ٍم أى ٍف تػىبىػُّر ي
يػىٍنػ ىها يك يم اللَّهي ىع ًن الذ ى
ُت "(ْ). ًً إً َّف اللَّهى يً٭ت ُّ
ب الٍ يم ٍقسط ى
فهذ النصوص الشرعية الثابتة – كمثلها كثَت -ظاهرة الداللة على حرمة االعتداء على
ا١تعصومُت من ا١تسلمُت كغَت ا١تسلمُت ،سواء أكاف اعتداءن على دمائهم – بالقتل أك اٞتىٍرح – أـ
على أموا٢تم – بالغصب أك السرقة – أـ على أعراضهم – بالسب كاإلهانة كالذـ -كهي مع
ٖترمي هذا االعتداء فيها ،صر٭تة يف تغليظ العقوبة على فاعله يف الدنيا كاآلخرة ؛ كٓتاصة ما كاف
من ذلك حرابة كإفسادا يف األرض؛ فإف عقوبته الدنيوية قد تبلغ القتل ،كما يف نص اآلية الكرٯتة.
جاء يف بياف هيئة كبار العلماء يف السعودية لعقوبة من قاـ بأعماؿ إرهابية " :من ثبت
شرعا أنه قاـ بعمل من أعماؿ التخريب كاإلفساد يف األرض اليت تزعزع األمن ،باالعتداء على
األنفس كا١تمتلكات ا٠تاصة أك العامة ،كنسف ا١تساكن أك ا١تساجد أك ا١تدارس أك ا١تستشفيات
(ُ) انظر أدلة عصمة هؤالء من النصوص الشرعية كغَتها يف :عارؼ حسونه ،صحيفة ا١تدينة يف العهد النبوم /
دراسة فقهية مقارنة ،رسالة ماجستَت غَت منشورة ،جامعة آؿ البيت ،ا١تفرؽََُِ ،ـ ،صََُُِّ-
(ِ) أخرجه مسلم يف صحيحهٖ ،تقيق ٤تمد فؤاد عبد الباقي ،دار إحياء الًتاث العريب ،بَتكت ،جْصُٖٔٗ
(ّ) أخرجه البخارم يف صحيحهٖ ،تقيق مصطفى البغا ،دار ابن كثَت ،بَتكت ،طُّٖٕٗ ،ـ ،جّصُُٓٓ
(ْ) ا١تمتحنةٖ/
252
اإلسالم وقضايا العصر
كا١تصانع كاٞتسور ك٥تازف األسلحة كا١تيا كا١توارد العامة لبيت ا١تاؿ كأنابيب البًتكؿ ،كنسف
الطائرات أك خطفها ك٨تو ذلك؛ فإف عقوبته القتل؛ لداللة اآليات ا١تتقدمة على أف مثل هذا
اإلفساد يف األرض يقتضي إهدار دـ ا١تفسد؛كألف خطر هؤالء الذين يقوموف باألعماؿ التخريبية
كضررهم أشد من خطر كضرر الذم يقطع الطريق فيعتدم على شخص فيقتله أك يأخذ ماله،
كقد حكم ا﵁ عليه ٔتا ذكر يف آية اٟترابة "(ُ).
(ُ ) انظر :الرئاسة العامة إلدارة البحوث العلمية كاإلفتاء كالدعوة كاإلرشاد٣ ،تلة البحوث اإلسبلمية،
جِْصّٖٔ القرار رقم ُْٖ ،عاـ َُْٗ
(ِ) انظر :ا١توسوعة العربية العا١تية ،مادة إرهاب.
253
اإلسالم وقضايا العصر
الصهيونية ٔتهاٚتة القرل كا١تدف الفلسطينية كارتكاب آّازر الفظيعة فيها كطرد أهلها إُف خارج
قراهم كمدهنم .ككاف من أهم هذ آّازر ٣تزرة دير ياسُت قرب القدس كمذْتة بئر السبع ك٣تازر
صربا كشاتيبل .كبعد قياـ اسرائيل تكونت ٚتاعات اليهود ا١تتطرفُت اليت تنكر أم حق للعرب
كا١تسلمُت يف الوجود يف أرض فلسطُت ،بل كتؤمن بأف قتلهم يف مساجدهم ػ كما حدث يف
مذْتة اٟترـ اإلبراهيمي بفلسطُت ػ كاالستيبلء على مساكنهم كمزارعهم كاجب ديٍت على درجة
عالية من التأكيد(ُ).
كذلك فإف من أكضح صور إرهاب الدكلة كأشدها بشاعة اإلرهاب الذم مارسه الصرب
يف كل من البوسنة كا٢ترسك ككوسوفا بغية التطهَت العرقي(ِ) ،كقد متَّ ذلك ٔتعونة لوجستية للصرب
من بعض دكؿ أكربا ،كْتجب اإلمداد اللوجسيت عن ا١تسلمُت من قبل دكؿ غربية أخرل ،بل لقد
متَّ ارتكاب اٞترائم ٔتعونة أك تواطؤ عناصر غربية يف قوة حفظ السبلـ(ّ).
كعلى الرغم من كقوع اإلرهاب من بعض ا١تسلمُت ،إال أف هذا ال يستلزـ أف اإلسبلـ يقر
اإلرهاب ،كال أف اإلرهاب من اإلسبلـ؛ إذ اإلسبلـ دين الرٛتة كالرفق كالسماحة،ال دين العدكاف
ك٭ترمه ،كيشدد يف
كالظلم كاالعتساؼ ،كقد أكضحنا يف بياف حكم اإلسبلـ يف اإلرهاب أنه ي٬تّْرمه ي
عقوبة فاعله حُت يتلبس بأفعاؿ اٟترابة أك البغي أك القتل بغَت حق .كإذا كاف كقوع اإلرهاب من
بعض ا١تسلمُت يستلزـ نسبة اإلسبلـ إُف اإلرهاب ،فقد كجب أف كقوع اإلرهاب من بعض
النصارل كاليهود يستلزـ نسبة النصرانية كاليهودية إُف اإلرهاب أيضا.
254
اإلسالم وقضايا العصر
كالواقع أف إلصاؽ هتمة اإلرهاب باإلسبلـ إ٪تا يقصد من كرائها – على التحقيق -تنفَت
الناس عنه بعدما ثبت أنه أسرع الديانات انتشارا يف العاَف(ُ) ،كٓتاصة يف الدكؿ الغربية.
جاء يف بياف ٣تمع الفقه اإلسبلمي يف مكة ا١تكرمة " :كاتضح ألعضاء آّمع أف لصق
هتمة اإلرهاب باإلسبلـ عرب ٛتبلت إعبلمية ،إ٪تا هو ٤تاكلة لتنفَت الناس من اإلسبلـ ،حُت
يقبلوف عليه كيدخلوف يف دين ا﵁ أفواجا "(ِ).
أسباب اإلزِاب:
ال ينبغي الكبلـ على سبل معاٞتة اإلرهاب كمكافحته ،إال بعد الكبلـ على أسبابه؛ ألف
ط ٧تاعته؛ ك٢تذا فلنوطىء للكبلـ على سبل معاٞتة
معرفة سبب العلة مقدمة لعبلجها كشر ي
اإلرهاب يف اإلسبلـ با لكبلـ على أسبابه كدكاعيه أكال ،مذكرين بأف اإلرهاب الذم نتكلم يف هذا
ا١تقاـ على أسبابه كسبل معاٞتته هو اإلرهاب الذم ال يدخل فيه الكفاح ا١تسلح ضد االحتبلؿ
األجنيب أك من أجل حق تقري ًر ا١تصَت ،كفقا ١تبادلء القانوف الدكِف؛ كعلى هذا نقوؿ:
تتعدد أسباب ظاهرة اإلرهاب كتتفرع إُف أسباب كثَتة متداخلة يصعب يف هذ العجالة حصرها،
كلكننا نذكر أ٫تَّها كأكالها بالذكر على النحو اآليت:
ُ -اٞتهل بالدين ،كالقصور يف العلم الشرعي ،كالتباس اٟتق بالباطل يف أذهاف الغبلة من
الشباب ا١تسلم .كلعل من أسباب ذلك :تتلم ىذ هؤالء على من ال علم عند ،أك على أنفسهم،
كأخ ىذهم بظواهر النصوص بدكف اعتبار لقواعد االستدالؿ كقواعد التعارض بُت األدلة ،كبدكف
(ُ) أفادت دراسة ١تركز أْتاث "بيو" األمريكي بأف اإلسبلـ هو الديانة األسرع انتشارا حاليا يف العاَف ،متوقعة أف
يتجاكز اإلسبلـ ا١تسيحية ليصبح الديانة األكثر انتشارا ْتلوؿ هناية القرف .كقدرت الدراسة أف يزيد عدد
ا١تسلمُت بُت عامي ََُِ كََِٓ بنسبة ّٕ ،%كيتبعهم ا١تسيحيوف بزيادة ّٓ ،%كا٢تندكس بنسبة
ّْ .%كأشارت الدراسة إُف أف ذلك يعٍت أف اإلسبلـ -ثاين أكرب ديانة حاليا -سوؼ يتخطى ا١تسيحية
كأكرب ديانة يف العاَف ْتلوؿ هناية القرف (انظر :قناة العربية ،على ا١توقع االلكًتكين:
.)https://arabic.cnn.com
(ِ) انظر :قرارات ٣تمع الفقه اإلسبلمي يف مكة ا١تكرمة /الدكرات من األكُف إُف السابعة عشرة ،صِّٓ
255
اإلسالم وقضايا العصر
اعتبار ألفهاـ العلماء الراسخُت يف العلم؛ مع الغفلة الشديدة عن مقاصد الشريعة ،كقواعد تعارض
ا١تصاٌف كا١تفاسد(ُ).
ِ -إتباع الفتاكل الشاذة ،كاألقواؿ الضعيفة الواهية ا١تأخوذة عمن ال يوثق بعلمه من
أدعياء العلم الشرعي(ِ) ،كٓتاصة فيما تعلق من تلك الفتاكل بالتكفَت كاستباحة الدماء ،كهو ما
تابعها من الدين كالعلم كالرأم إال ما
يؤكد كيكرسه التعصب للجماعة أك الطائفة؛ ْتيث ال يقبل ي
جاء عن طريقها(ّ) ،كصدر عن أدعياء العلم الشرعي من مفتيها كمنظريها.
التأثر باألقواؿ اليت تصف آّتمع ا١تعاصر باٞتاهلية على
كلعل من صور ذلك كمظاهر :ى
٨تو يؤسس للفتول بتكفَت كردته ،مث اعتزاله كمقاطعته ،كالتحوؿ بعد ذلك إُف استعماؿ العنف
مع أفراد ،كاعتبار هدمه كهدـ مؤسساته نوعا من أنواع التقرب إُف ا﵁ سبحانه؛ أمرا با١تعركؼ
كهنيا عن ا١تنكر(ْ).
ّ-منع اٟتريات العامة ا١تقررة شرعا كقانونا؛ فإذا حرـ الناس من حرية التعبَت عن الرأم،
كمن ٤تاسبة ا١تسؤكلُت عن أخطائهم كتبديل ا١تهمل كا١تسيء منهم ،فإهنم يتحولوف إُف العمل
السرم ،ككلما ازداد الكبت من الدكلة ازداد التطرؼ كالعنف من جانب الرعية(ٓ).
ْ -الظلم االجتماعي يف بعض آّتمعات اإلسبلمية ،كعدـ توافر ا٠تدمات األساسية من
كفساد ماِف يستوِف على كثَت
ه التعليم كالعبلج كالعمل ،كٓتاصة إذا صحب هذا سوءي توزيع للثركة،
كفساد إدارم يف توزيع الوظائف كا١تناصب يف الدكلة .فإف هذا كله من أسباب
ه من ا١تاؿ العاـ،
(ُ) انظر :عبدا﵁ العمرك ،أسباب ظاهرة اإلرهاب يف آّتمعات اإلسبلمية ،صُُُٕ-
(ِ) انظر :قرارات ٣تمع الفقه اإلسبلمي يف مكة ا١تكرمة /الدكرات من األكُف إُف السابعة عشرة ،صّٗٓ
(ّ) انظر :عبدا﵁ العمرك ،أسباب ظاهرة اإلرهاب يف آّتمعات اإلسبلمية ،صِٕ
(ْ) انظر٤ :ت مد القضاة كهايل داكد ،كسائل معاٞتة اإلرهاب من منظور شرعي٣ ،تلة دراسات/علوـ الشريعة
كالقانوف ،اٞتامعة األردنية ،آّلد ُّ ،العددِ ،ََِْ ،صَُ
(ٓ) انظر٤ :تمد القضاة كهايل داكد ،كسائل معاٞتة اإلرهاب من منظور شرعي ،صُِك٤تمد ا٢توارم ،اإلرهاب
/ا١تفهوـ كاألسباب كسبل العبلج ،صُْ ك٤تمد ا٢توارم ،اإلرهاب /ا١تفهوـ كاألسباب كسبل العبلج،
صُٔ
256
اإلسالم وقضايا العصر
التذمر كا١تعاناة اليت قد تفضي إُف ما ال ٖتمد عقبا (ُ) ،كتثَتي يف النفوس مشاعر اٟتقد كالبغضاء،
كٕتعل من الذين يعانوف من ذلك هدفان ألصحاب التوجهات الغالية ،ٯتكن استدراجهم باستغبلؿ
حاجتهم ،كتوظيف نقمتهم لبللتحاؽ بركب الغالُت كسلوؾ سبيلهم(ِ) ،كٓتاصة إذا كجد هؤالء
عند الغالُت مكانة متميزة َف ٬تدكها يف ٣تتمعهم الذم َف ٭تقق ٢تم األماف االقتصادم ،كَف يتح
٢تم الفرصة لتحقيق طموحاهتم(ّ).
ٓ-معاناة الشباب من الفراغ بأنواعه ا١تختلفة من الركحي ،كالفكرم ،كالزمٍت .فهذا الفراغ
يف حياة الشباب ال ٬تد من ا١تربُت من ٯتؤل ٔتا يصلحهم كينفعهم ،كهو ً
يوجد لديهم القابلية
لسائر ا١تؤثرات ،سواء ا١تتجهة إُف التفريط كاال٨تبلؿ ،أك إُف اإلفراط كالغلو كالعنف(ْ)؛.فيتلقفهم
حالئذ منظمو اٞتماعات اإلرهابية كيعبئوهنم ك٬تندكهنم ،إما مباشرة ،كإما عرب كسائل التواصل
اإللكًتكنية اليت تستغرؽ الكثَت من أكقات هؤالء الشباب.
ا٠تطاب التحريضي من بعض الدعاة باٟتديث ا١تطرد
ي ٔ-الشحن العاطفي غَت ا١تىرشَّد ،ك
ي
عن شيوع ا١تنكرات كا١تظاَف يف آّتمعات اإلسبلمية ،كعن مكائد األعداء كظلمهم للمسلمُت؛
فإف من شأف هذا – إف َف يصحبه تنبيه من ا١تربُت كا١تعلمُت على الرٛتة با٠تىلٍق ،كعصمة النفوس
شوقها إُف ا١تدافعة كاإلنكار ،كمع قلة العلم ،كغياب
-أف يوقد جذكة الغَتة يف النفوس ،كيي ّْ
الضوابط الشرعية ،تسهل استجابة الشباب لدعاة الغلو كالعنف كاإلرهاب حينئذ(ٓ).
(ُ) انظر :قرارات ٣تمع الفقه اإلسبلمي يف مكة ا١تكرمة /الدكرات من األكُف إُف السابعة عشرة ،صّٗٓ
(ِ) انظر :عبدا﵁ العمرك ،أسباب ظاهرة اإلرهاب يف آّتمعات اإلسبلمية ،صّّ
(ّ) انظر٤ :تمد ا٢توارم ،اإلرهاب /ا١تفهوـ كاألسباب كسبل العبلج ،صُٓ
(ْ) انظر :عبدا﵁ العمرك ،أسباب ظاهرة اإلرهاب يف آّتمعات اإلسبلمية ،صَّ ك٤تمد القضاة كهايل داكد،
كسائل معاٞتة اإلرهاب من منظور شرعي ،صٕ ك٤تمد ا٢توارم ،اإلرهاب /ا١تفهوـ كاألسباب كسبل العبلج،
صُٖ
(ٓ) انظر :عبدا﵁ العمرك ،أسباب ظاهرة اإلرهاب يف آّتمعات اإلسبلمية ،صَّ
257
اإلسالم وقضايا العصر
فهذ ٚتلة أسباب اإلرهاب باختصار ،نتكلم يف ضوئها على سبل مكافحته كمعاٞتة
أسبابه؛ اعتبارا بأف مكافحته ال تكوف ناجعة ٣تدية إال إف تقررت على مقتضى أسبابه كدكاعيه؛
فنقوؿ:
(ُ) انظر :قرارات ٣تمع الفقه اإلسبلمي يف مكة ا١تكرمة /الدكرات من األكُف إُف السابعة عشرة ،صُّٔ
ك٤تمد القضاة كهايل داكد ،كسائل معاٞتة اإلرهاب من منظور شرعي ،صْْ
(ِ) انظر :قرارات ٣تمع الفقه اإلسبلمي يف مكة ا١تكرمة /الدكرات من األكُف إُف السابعة عشرة ،صُّٔ
(ّ) انظر :عصاـ بن هاشم اٞتفرم ،اإلرهاب /األسباب كالعبلجْ ،تث منشور ضمن أكراؽ ا١تؤ٘تر العا١تي عن
موقف اإلسبلـ من اإلرهاب ،جامعة اإلماـ ٤تمد بن سعودََِْ ،ـ ،صٗكهيثم عبد السبلـ ،مفهوـ
اإلرهاب يف الشريعة اإلسبلمية ،صُِٖك٤تمد القضاة كهايل داكد ،كسائل معاٞتة اإلرهاب من منظور
شرعي ،صُٔكْْ
258
اإلسالم وقضايا العصر
ْ -تصدم العلماء كا١تؤسسات الدينية يف الدكؿ اإلسبلمية للفتاكل الشاذة ا١تضللة اليت
يصدرها ا١تتصدكف للفتول يف اٞتماعات اإلرهابية؛ كببياف ٥تالفة تلك الفتاكل للحق كالصواب(ُ)،
أك لقواعد تعارض ا١تصاٌف كا١تفاسد؛ فبل يغًت ّٔا قليلو العلم من الشباب ا١تسلم.
كننو ههنا بأف دائرة اإلفتاء األردنية قد عقدت مؤ٘ترا علميا عا١تيا بعنواف (نقض شبهات
التطرؼ كالتكفَت) بتاريخ ُٕ/أيارَُِٔ/ـ يخصص ١تناقشة شبهات اإلرهابيُت كالرد على
فتاكاهم الشاذة ا١تضللة.
ٓ -ا١تواجهة الفكرية لئلرهاب باعتماد أسلوب اٟتوار مع ا١تتطرفُت(ِ)؛ من أجل إيضاح
أكجه ا٠تطأ يف أفكارهم كآرائهم؛ فأغلب تصرفات اإلنساف إ٪تا تصدر عن فكر كمعتقد ؛
كالتصرؼ ا٠تاطىء لذلك ناتج عن معتقدات خاطئة يف األغلب .كمن شواهد هذا األسلوب يف
معاٞتة التطرؼ يف التاريخ اإلسبلمي أف أمَت ا١تؤمنُت علي بن أيب طالب رضي ا﵁ عنه -يف
سعيه لعبلج مشكلة ا٠توارج قبل أف يقاتلهم -أرسل إليهم عبد ا﵁ بن عباس رضي ا﵁ عنهما؛
ليحاكرهم يف أفكارهم كآرائهم ،كيبُت ٢تم كجه الفساد كا٠تطل فيها ،كقد ٧تح ابن عباس يف
مهمته ٧تاحا الفتا كخفض عددهم إُف النصف بعدما تاب نصفهم(ّ) .ككذلك تكرر هذا األمر
يف عهد ا٠تليفة األموم عمر بن عبد العزيز رضي ا﵁ عنه؛ فباٟتوار مع ا٠تارجُت على الدكلة
استطاع أف ٬تعل فًتة حكمه أهدأ فًتات الدكلة األموية(ْ) ،كسكن ا٠توارج عنه حىت مات رٛته
ا﵁.
(ُ) انظر :هيثم عبد السبلـ ،مفهوـ اإلرهاب يف الشريعة اإلسبلمية ،صُِٖ
(ِ) انظر :عصاـ اٞتفرم ،اإلرهاب /األسباب كالعبلج ،صَُٗ-ك٤تمد القضاة كهايل داكد ،كسائل معاٞتة
اإلرهاب من منظور شرعي ،صْٓ ك٤تمد ا٢توارم ،اإلرهاب /ا١تفهوـ كاألسباب كسبل العبلج ،صِِ
(ّ) انظر :ابن كثَت ،البداية كالنهاية ،مكتبة ا١تعارؼ ،بَتكت،جٕصِِٖكابن تيمية ،الفتاكل الكربلٖ ،تقيق
أنور الباز كعامر اٞتزار ،دار الوفاء ،طََِّٓ ،ـ ،جُُصٖٓٔ
(ْ) انظر :ابن حجر ،فتح البارمٖ ،تقيق عبد العزيز بن باز ك٤تب الدين ا٠تطيب ،دار الفكر ،جُّصُِ
259
اإلسالم وقضايا العصر
كلكن ال بد لينجح اٟتوار مع ا١تتطرفُت من أف كوف ا﵀اكر ذا علم كاسع ،متمكنا من دفع
الشبهات ،كصاحب أسلوب نافذ إُف العقوؿ كالقلوب(ُ)؛ كإال كاف ما ييفسد أكثر ٦تا ييصلح.
كننو ههنا أيضا بأف الدكلة األردنية اعتمدت يف أساليبها ١تكافحة اإلرهاب أسلوب
٤تاكرة ا١تتطرفُت كاإلرهابيُت هذا بطريق إرساؿ العلماء إليهم يف السجوف؛ ﵀اكرهتم بعلم كإخبلص
كنصح؛ مع أخذ الدكلة بتوصية ٞتنة العلماء يف حاؿ أفلحت يف إقناع بعضهم.
ٔ -التزاـ اٟتكومات بضوابط حرية التعبَت يف اإلسبلـ؛ ْتيث ال تأذف للتطرؼ العلماين يف
كسائل اإلعبلـ بأف يثَت يس ٍخط ا١تسلمُت بطعنه على األحكاـ كا١تبادلء كالقيم الشرعية ،أك
بدعوته إُف ما يصادمها كٮتالفها من ا١تيوعة كاال٨تبلؿ ا٠تلقي(ِ).
ٕ -احًتاـ اٟتكومات ٟترية اإلنساف يف التفكَت كإبداء الرأم ،كعدـ التضييق على الناس
يف عقيدهتم ،كاحًتاـ حقوؽ اإلنساف عامة كفق مبادلء الشريعة اإلسبلمية(ّ).
ٖ -ضركرة اعتماد مبدأ تداكؿ السلطة(ْ) ،كإتاحة آّاؿ لئلسبلميُت ليشاركوا يف إدارة
الدكلة كإصبلحها؛ كٓتاصة إذا استحقوا ذلك بواسطة االنتخابات النزيهة ،كالطرؽ القانونية
السلمية.
ٗ -منع ا١تنكرات الفاشية يف كثَت من دكؿ ا١تسلمُت ،ك٤تاربة الفساد بكافة مستوياته(ٓ).
261
اإلسالم وقضايا العصر
َُ -إعادة النظر يف فلسفة الًتبية كالتعليم كأهدافها كغاياهتا ٔتا ينسجم مع أهداؼ
الًتبية اإلسبلمية ،كتضمُت ا١تناهج التعليمية القيم الركحية كاألخبلقية كالًتبوية اإلسبلمية(ُ) ،كالتنبُّه
إُف خطورة تقليص ا١تناهج الشرعية يف التعليم يف كافة مراحله؛ ٔتا أف ذلك يفضي إُف إشاعة
اٞتهل بالدين الذم يعد من أخطر أسباب اإلرهاب(ِ).
ُُ -كضع برامج فاعلة ٟتل مشكلة البطالة ،كتوجيه طاقات الشباب يف إتاهات نافعة
كبرامج ٗتدـ آّتمع ،كتعزز دكر اإلنساف يف أمته ،مع توظيف اإلمكانات ا١تتاحة ٠تَت الفرد
كآّتمع(ّ).
ُِ -إتباع األساليب الشرعية يف مواجهة اإلرهابيُت ،كالبعد عن الضربات األمنية
أشخاصا أبرياء أك ٘تثل انتها نكا ٟتقوؽ اإلنساف؛ ألف مثل هذ
ن االنتقامية الشاملة اليت قد تشمل
اإلجراءات قد تقمع ا١تظاهر ا٠تارجية لظاهرة اإلرهاب بصورة مؤقتة ،كلكنها ترحلها بصورة
تراكمية إُف مستقبل تصبح فيه الظاهرة أشد خطورة كأكثر استعصاء على اٟتل(ْ).
ُّ -مشاركة أفراد آّتمع ا١تسلم يف صيانة األمن العاـ يف الدكلة(ٓ)؛ ْتيث ال ييؤكف
اإلرهابيُت كال يتسًتكف عليهم ،بل يسارعوف إُف كشفهم كالتبليغ عنهم .كهذا يف الواقع ما دؿ
عليه قوله صلى ا﵁ عليه كسلم يف صحيفة ا١تدينة " :كأف ا١تؤمنُت ا١تتقُت أيديهم على كل من
(ُ) انظر :هيثم عبد السبلـ ،مفهوـ اإلرهاب يف الشريعة اإلسبلمية ،صُُٖك٤تمد القضاة كهايل داكد ،كسائل
معاٞتة اإلرهاب من منظور شرعي ،صْْ ك٤تمد ا٢توارم ،اإلرهاب /ا١تفهوـ كاألسباب كسبل العبلج،
صُِ
(ِ) انظر :قرارات ٣تمع الفقه اإلسبلمي يف مكة ا١تكرمة /الدكرات من األكُف إُف السابعة عشرة ،صِّٔ
(ّ) انظر٤ :تمد القضاة كهايل داكد ،كسائل معاٞتة اإلرهاب من منظور شرعي ،صْْك٤تمد ا٢توارم ،اإلرهاب
/ا١تفهوـ كاألسباب كسبل العبلج ،صِّ
(ْ) انظر٤ :تمد ا٢توارم ،اإلرهاب /ا١تفهوـ كاألسباب كسبل العبلج ،صِِ
(ٓ) انظر :عارؼ حسونه ،صحيفة ا١تدينة يف العهد النبوم /دراسة فقهية مقارنة ،صُُْكُْٓ
261
اإلسالم وقضايا العصر
بغى(ُ) منهم ،أك ابتغى ىدسيعةى ظيػ ٍلػ وم(ِ) ،أك إٙتان ،أك عدكانان ،أك فسادان بُت ا١تؤمنُت ،كأف أيديهم
عليه ٚتيعان كلو كاف كلد أحدهم"(ّ) .كقوله صلى ا﵁ عليه كسلم يف الصحيفة أيضا " :كانه ال ٭تل
١تؤمن أقر ٔتا يف هذ الصحيفة كآمن با﵁ كاليوـ اآلخر أف ينصر ٤تدثان أك يؤكيه ،كأف من نصر أك
آكا فاف عليه لعنة ا﵁ كغضبه يوـ القيامة ،كال يؤخذ منه صرؼ كال عدؿ ".
فهذ أظهر كسائل معاٞتة اإلرهاب يف اإلسبلـ ،تتلخص يف إنفاذ الشريعة اإلسبلمية
كالعمل بأحكامها يف آّاالت اٟتياتية ا١تختلفة من سياسية كاقتصادية كاجتماعية كتربوية؛ فإف أمن
األكطاف كسبلمة األبداف أعظم مطلب تسعى إليه األمم ،كيطمح إليه األفراد كاٞتماعات؛ كقد
ين ىآمنيوا َّ ً
أقاـ ا﵁ سبحانه هذ النعمة على سبب من اإلٯتاف به كطاعته؛ فقد قاؿ جل كعبل " :الذ ى
ىكىَفٍ يػىلٍبً يسوا إًٯتىانػى يهم بًظيٍل وم أ ٍيكلىئً ى
(ْ)
.كقاؿ سبحانه " :ىكلى ٍو أ َّ
ىف أ ٍىه ىل الٍ يقىرل ك ى٢تي يم األ ٍىم ين ىكيهم ُّم ٍهتى يدك ىف"
.كمن مث فإذا آمنا با﵁ جل كعبل ض" الس ىم ًاء ىكاأل ٍىر ً
(ٓ) آمنيواٍ كاتػَّ ىقواٍ لىىفتحنىا علىي ًهم بػرىك و
ات ّْم ىن َّ ى ٍ ى ٍ ىى ى ى
كأطعنا يف ٚتيع مناحي اٟتياة فإف األمن كاٟتياة الطيبة ٫تا أكؿ ٙترات ذلك اإلٯتاف كتلك الطاعة.
(ُ) بغى :من البغي ،كهو التعدم .الرازم٥ ،تتار الصحاح ،صٗٓ ،ا١تعجم الوسيط ،جُ صْٔ
(ِ) الدسيعة :العطية .كدسيعة ظلم :عطية ببل حق .ا١تعجم الوسيط ،جُ صِّٖ
(ّ) انظر ٗتريج بنود الصحيفة كاٟتكم عليها باٟتسن ،يف :هاركف رشيد ٤تمد " ،صحيفة ا١تدينة ،دراسة حديثيٌة
كٖتقيق " ،رسالة ماجستَت بإشراؼ ٤تمد مصطفى األعظمي ،كلية الًتبية ،قسم الدراسات اإلسبلمية ،جامعة
ا١تلك سعود ،الرياض َُْٓ ،هػ ،صٓٔ فما بعدها.
(ْ) األنعاـِٖ/
(ٓ) األعراؼ ٔٗ
262