You are on page 1of 266

‫اإلسالً ٔقضاٖا العصس‬

‫تأليف‬
‫أ‪.‬د‪ .‬حممود جابر‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرمحو الكيالني‬

‫أ‪.‬د‪.‬عبداهلل الكيالني‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬ذياب عكل احملارمه‬

‫أ‪.‬د‪ .‬عارف حسونة‬ ‫أ‪.‬د‪.‬عبداجمليد الصالحني‬


‫أ‪.‬د‪.‬عبداهلل الصيفي‬ ‫أ‪.‬د‪.‬امساعيل الربيشي‬
‫أ‪.‬د‪.‬رديها الرفاعي‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬مجيلة الرفاعي‬
‫د‪ .‬حممد أبو ليل‬ ‫د‪.‬رائد نصري أبومؤنس‬
‫د‪.‬آمهة العكيلي‬ ‫د‪.‬ارحيل الغرايبة‬

‫‪9102‬م‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫‌ب‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫قائمة احملتويات‬
‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬

‫‪1‬‬ ‫مقدمة‬

‫‪3‬‬ ‫الوحدة األولى‪ :‬مقاصد الشريعة‬

‫‪34‬‬ ‫الوحدة الثانية‪ :‬اإلسالم والبيئة‬

‫‪71‬‬ ‫الوحدة الثالثة‪ :‬اإلسالم وقضايا الشباب‬

‫‪105‬‬ ‫الوحدة الرابعة‪ :‬االسالم وقضايا األسرة‬

‫‪152‬‬ ‫الوحدة الخامسة‪ :‬االسالم وقضايا االقتصاد‬

‫‪177‬‬ ‫الوحدة السادسة‪ :‬اإلسالم والقضايا السياسية‬

‫‪208‬‬ ‫الوحدة السابعة‪ :‬اإلسالم والعالقات الدولية‬

‫‪243‬‬ ‫الوحدة الثامنة‪ :‬اإلسالم وسبل معالجة اإلرىاب‬

‫‌ج‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫‌د‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫‪‬‬
‫بسم ا﵁ كا‪ٟ‬تمد ﵁ كالصبلة كالسبلـ على رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم كعلى آله‬

‫كصحبه أ‪ٚ‬تعُت‬
‫الشريعة اإلسبلمية كشر و‬
‫يعة شاملة كاملة َف تدع جانبان من جوانب حياة‬ ‫فقد جاءت ٌ‬
‫ٌ‬
‫اإلنساف إالٌ كعا‪ٞ‬تته ككضعت له ا‪ٟ‬تلوؿ ا‪١‬تناسبة‪ ،‬كهي شريعة باقية خالدة إُف أف يرث ا﵁ األرض‬

‫كمن عليها‪.‬‬

‫كالشريعة اإلسبلمية ٘تتاز ٓتصائص عديدة ٘تكنها من االنفتاح على قضايا العاَف ا‪١‬تعاصرة‬

‫كالتعامل معها‪ ،‬بل كمعا‪ٞ‬تتها‪ ،‬كال ٮتفى على أحد ما ٘توج به ا‪ٟ‬تياة ا‪١‬تعاصرة من أحداث‬

‫لكل ا‪١‬تسائل كالقضايا‪ ،‬كمن أبرز‬


‫كمتغَتات‪ ،‬كهذا يتطلٌب كجود شريعة مرنة تستطيع كضع ا‪ٟ‬تلوؿ ٌ‬
‫خصائص الشريعة اإلسبلمية اليت ٘ت ٌكنها من معا‪ٞ‬تة القضايا ا‪١‬تعاصرة ما ٘تتاز به من خاصيٌة‬

‫الشموؿ كالكماؿ‪ ،‬فشريعة اإلسبلـ شريعةه كاملة شاملة اشتملت األحكاـ الفقهيٌة يف العبادات‬
‫ٌ‬

‫كا‪١‬تعامبلت كاألخبلؽ‪.‬‬

‫كما أف شريعة اإلسبلـ هي شريعة كسطية ال رهبانيٌة فيها أكانقطاع عن ال ٌدنيا‪،‬بل هي‬

‫دعوة للعمل كا‪ٟ‬تياة‪ ،‬كا‪ٞ‬تد كالعطاء‪ ،‬كالتوازف بُت أمرم الدنيا كاآلخرة‪ ،‬فبل إفرا هط فيها كال تفريط‪.‬‬

‫خاصية العا‪١‬تيٌة‪ ،‬فاإلسبلـ‬


‫كما أف ‪٦‬تا يساعد شريعة اإلسبلـ التعامل مع القضايا ا‪١‬تعاصرة ٌ‬
‫يتعامل مع أحواؿ الناس كقضاياهم مهما اختلفت األلواف كاألعراؽ كحىت األدياف‪ ،‬فهو دين قادر‬
‫على التٌواجد يف كل و‬
‫مكاف كزماف ‪١‬تعا‪ٞ‬تة كحل مشكبلت العاَف كمواكبة قضايا ا‪١‬تختلفة‪.‬‬ ‫ٌ‬

‫‪1‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كيضاؼ إُف ما سبق ما ٘تتاز به الشريعة اإلسبلمية بتنوع كبَت يف مصادرها التشريعية اليت‬

‫تعتمد على العقل كالنقل‪ ،‬كالقرآف كالسنة كاإل‪ٚ‬تاع كالقياس كا‪١‬تصاٌف ا‪١‬ترسلة كاالستحساف كسد‬

‫الذرائع كالعرؼ كغَتها من ا‪١‬تصادر‪ ،‬باإلضافة إُف جهود الفقهاء يف استنباط القواعد الفقهية‬

‫ا‪ٟ‬تاكمة كبياف مقاصد الشريعة اإلسبلمية ا‪١‬ترعية‪ ،‬كل ذلك شكل رصيدان لدل الشريعة اإلسبلمية‬

‫كمكنها من إ‪٬‬تاد األدكات كالوسائل معا‪ٞ‬تة القضايا ا‪١‬تختلفة مهما ٕتددت أك تعقدت‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪2‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الٕسد‪ ٚ‬األٔىل‬

‫وكاصد الظسٖع‪ٔ ٛ‬أثسِا يف وسٌٔ‪ٛ‬‬

‫الظسٖع‪ ٛ‬اإلسالوٗ‪ٛ‬‬

‫إعداد‬
‫األشتاذ الدكتور عبد الرمحو الكيالني‬
‫األشتاذ الدكتور حممود صاحل جابر‬

‫‪3‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الوحدة األوىل‬
‫مقاصد الشريعة وأثرها يف مرونة الشريعة اإلسالمية‬
‫سنتناكؿ يف هذا ا‪١‬تبحث التعريف ٔتقاصد الشريعة اإلسبلمية‪ ،‬كعبلقتها ٔتصاٌف اإلنساف‪،‬‬
‫كمراتب ا‪١‬تصاٌف من حيث أ‪٫‬تيتها يف هذ ا‪ٟ‬تياة‪ ،‬كطرؽ ٖتقيق ا‪١‬تقاصد كإقامتها يف الوجود‬
‫كالواقع‪ ،‬كأثر ا‪١‬تقاصد يف ٖتقيق مركنة الشريعة كاستيعاب القضايا ا‪١‬تعاصرة‪.‬‬

‫أٔال‪ :‬التعسٖف مبكاصد الظسٖع‪ٔ ٛ‬عالقتّا مبصاحل اإلٌشاُ احلكٗكٗ‪ٛ‬‬


‫ا‪١‬تقاصد لغة هي‪ٚ :‬تع مقصد‪ ،‬كا‪١‬تقصد مصدر ميمي‪ ،‬مأخوذ من الفعل قصد يقصد‬
‫األـ كطلب الشيء‬
‫قصدان كمقصدان‪ ،‬كالقصد يف اللغة‪ :‬يدكر حوؿ معٌت االعتزاـ كاالعتماد ك ّْ‬
‫(ُ)‬
‫كإتيانه‪.‬‬
‫أما مقاصد الشريعة اصطبلحا فهي‪ ":‬الغايات اليت كضعت " الشريعة ألجل ٖتقيقها‪،‬‬
‫(ِ)‬
‫‪١‬تصلحة العباد"‬
‫كإف أهم مصدرين ٯتكن التعرؼ من خبل‪٢‬تما على مقاصد الشرع كغاياته‪٫ :‬تا القرآف‬
‫الكرمي كالسنة ا‪١‬تطهرة‪ ،‬حيث ٯتثبلف ا‪١‬تدخل السليم ‪١‬تعرفة مقاصد الشريعة معرفة صحيحة ال‬
‫يشؤّا التشويه‪ ،‬كبياهنا بيانا سليما ال يعًتيه ا‪٠‬تلل‪ ،‬كتوضيحها توضيحا كامبل ال يرد عليه النقص‬
‫أك الزلل‪ ،‬فهما ا‪١‬تصدراف األصلياف اللذاف ينبغي االعتماد عليهما يف الكشف عن حقائق اإلسبلـ‬
‫كمعا‪١‬ته‪ ،‬كاالهتداء إُف أسرار كغاياته‪.‬‬

‫(ُ) لساف العرب البن منظور ّ‪ ،ّٓٓ/‬تاج العركس للزبيدم ٗ‪ّٔ/‬‬


‫(ِ) نظرية ا‪١‬تقاصد للريسوين صُٗ‬

‫‪4‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كإذا نظرنا يف آيات القرآف الكرمي كنصوص السنة ا‪١‬تطهرة للتعرؼ على مقاصد الشريعة‬
‫كغاياهتا‪ ،‬كاكتشاؼ معانيها كمراميها‪ ،‬فإننا ‪٧‬تد أف إقامة مصاٌف اإلنساف يف ا‪ٟ‬تياة الدنيا كاآلخرة‬
‫كٖتقيق سعادته يف عاجله كآجله‪ ،‬كا‪ٟ‬تفاظ على كجود ا‪١‬تادم كا‪١‬تعنوم‪ ،‬هي ا﵀ور الذم تدكر‬
‫حوله مقاصد الشريعة اإلسبلمية‪ ،‬أم أف مصاٌف اإلنساف ا‪ٟ‬تقيقية هي جوهر مقاصد الشريعة‬
‫اإلسبلمية كركيزهتا األساسية‪.‬‬
‫فا‪١‬تتأمل يف آيات القرآف الكرمي ‪٬‬تد كاضح الداللة كدائم التأكيد على مكانة مصاٌف‬
‫اإلنساف يف الشريعة اإلسبلمية‪ ،‬كأهنا ا﵀ور الذم تدكر حوله الشريعة اإلسبلمية ّتميع أحكامها‬
‫كتفاصيلها‪ ،‬كأصو‪٢‬تا كفركعها‪ ،‬كموضوعاهتا ك‪٣‬تاالهتا ؛ كمن ذلك مثبل‪:‬‬
‫‪-‬ما بينه القرآف الكرمي من أف إقامة العدؿ بُت الناس كٖتقيق القسط يف ا‪ٟ‬تياة هي الغاية‬
‫اليت من أجلها أرسلت الرسل كأنزلت الكتب كشرعت الشرائع‪ ،‬كذلك قوله تعاُف‪{:‬لىىق ٍد أ ٍىر ىسلٍنىا‬
‫َّاس بًالٍ ًق ٍس ًط }(ُ)‪.‬‬
‫وـ الن ي‬
‫ً ً‬
‫اب ىكالٍم ىيزا ىف ليىػ يق ى‬
‫ً‬ ‫ً ً‬
‫ير يسلىنىا بالٍبىػيّْػنىات ىكأىنٍػىزلٍنىا ىم ىع يه يم الٍكتى ى‬
‫‪-‬كتنبيه القرآف الكرمي على أف الر‪ٛ‬تة با‪٠‬تلق كاإلحساف إليهم هي الغاية من بعثة النيب‬

‫اؾ إًَّال ىر ٍ‪ٛ‬تىةن‬


‫{كىما أ ٍىر ىس ٍلنى ى‬
‫‪٤‬تمد صلى ا﵁ عليه كسلم كإرساله للناس كافة كذلك يف قوله تعاُف‪ :‬ى‬
‫ُت}(ِ) ‪.‬‬ ‫ً ً‬
‫ل ٍل ىعالىم ى‬
‫‪-‬كتأكيد القرآف الكرمي على أف التيسَت على الناس كالتخفيف عنهم كالشفقة ّٔم هي من‬
‫يد بً يك يم‬
‫يد اللَّهي بً يك يم الٍيي ٍسىر ىكىال ييًر ي‬
‫أعظم مقاصد الشريعة‪ ،‬كهذا ظاهر يف قوله تعاُف‪ {:‬ييًر ي‬
‫الدي ًن ًم ٍن ىحىروج }(ْ)‪.‬‬
‫{كىما ىج ىع ىل ىعلىٍي يك ٍم ًيف ّْ‬ ‫(ّ)‬
‫الٍ يع ٍسىر } ‪ ،‬كقوله تعاُف‪ :‬ى‬

‫(ُ) ا‪ٟ‬تديد‪ِٓ-‬‬
‫(ِ) األنبياء ‪َُٕ -‬‬
‫(ّ) البقرة ‪ُٖٓ -‬‬
‫(ْ) ا‪ٟ‬تج ‪ٕٖ -‬‬

‫‪5‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كإننا لنجد تأكيد السنة النبوية ا‪١‬تطهرة على مقاصد القرآف الكرمي يف كوف مصاٌف اإلنساف‬
‫ا‪ٟ‬تقيقية هي جوهر ك‪٤‬تور مقاصد الشرع‪ ،‬كتأكيد صلى ا﵁ عليه كسلم على مقصد الر‪ٛ‬تة با‪٠‬تلق‬
‫كالتيسَت على الناس كالتخفيف عنهم يف قوله عليه السبلـ‪" :‬بعثت با‪ٟ‬تنيفية السمحة "(ُ) ككصيته‬
‫تعسرا‬
‫يسرا كال ٌ‬
‫صلى ا﵁ عليه كسلم لسفرائه الذين كاف يرسلهم للتعريف باإلسبلـ كمقاصد ‪ٌ " :‬‬
‫(ِ)‬
‫كبشرا كال تن ٌفرا كتطاكعا كال ٗتتلفا"‬
‫ٌ‬
‫إُف غَت ذلك من النصوص الشرعية الكثَتة اليت تؤكد ٔتجموعها على أف " الشريعة مبناها‬
‫كأساسها على مصاٌف العباد يف ا‪١‬تعاش كا‪١‬تعاد‪ ،‬كهي عدؿ كلها‪ ،‬كر‪ٛ‬تة كلها‪ ،‬كمصاٌف كلها‪،‬‬
‫كحكمة كلها ؛ كأف كل مسألة خرجت عن العدؿ إُف ا‪ٞ‬تور‪ ،‬كعن الر‪ٛ‬تة إُف ضدها‪ ،‬كعن‬
‫ا‪١‬تصلحة إُف ا‪١‬تفسدة‪ ،‬كعن ا‪ٟ‬تكمة إُف العبث ؛ فليست من الشريعة كإف أدخلت فيها بالتأكيل ؛‬
‫فالشريعة عدؿ ا﵁ بُت عباد ‪ ،‬كر‪ٛ‬تته بُت خلقه‪ ،‬كظله يف أرضه‪ ،‬كحكمته الدالة عليه كعلى صدؽ‬
‫(ّ)‬
‫رسوله صلى ا﵁ عليه كسلم أمت داللة كأصدقها "‬
‫كألجل ذلك فإنك ال تكاد ٕتد مقصدا شرعيا صحيحا قد أرشدت إليه األدلة الشرعية ا‪١‬تعتربة إال‬
‫كٕتد منطويا على ٖتقيق مصلحة لئلنساف كنفعه كخَت إف يف العاجل أك يف اآلجل‪:‬‬
‫فعبادة ا﵁ تعاُف كتوحيد كطاعته سبحانه كااللتزاـ بشريعته كمنهجه هي كلها مقاصد‬
‫شرعية معتربة‪ ،‬كهي يف الوقت نفسه مصاٌف حقيقية تستهدؼ نفع اإلنساف كا‪ٟ‬تفاظ على بقائه‬
‫ككجود كسعادته يف الدنيا كاآلخرة‪.‬‬
‫كإعمار األرض كتنميتها كا‪ٟ‬تفاظ على مواردها كاستثمار طاقاهتا كاالنتفاع ٓتَتاهتا‬
‫كا‪ٟ‬تفاظ على البيئة فيها‪ ،‬هي كلها مقاصد شرعية معتربة‪ ،‬كهي يف الوقت نفسه مصاٌف حقيقية‬
‫لئلنساف يتحقق فيها نفعه كخَت يف هذ ا‪ٟ‬تياة‪.‬‬

‫(ُ) ركا أ‪ٛ‬تد مسند عن عائشة رضي ا﵁ عنها حديث حسن حديث رقم(ُُِ) ٓ‪ِٔٔ/‬‬
‫(ِ) ركا الغماـ مسلم يف صحيحه كتاب ا‪ٞ‬تهاد كالسَت‪ ،‬باب االمر بالتيسَت ك ترؾ التنفَت حديث رقم (ِّٗٔ)‬
‫(ّ) إعبلـ ا‪١‬توقعُت البن القيم ص ُِ‬

‫‪6‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كا‪ٟ‬تفاظ على حياة اإلنساف‪ ،‬كصوف كرامته‪ ،‬ككفالة حريته‪ ،‬كٖتقيق أمنه كاستقرار يف ا‪ٟ‬تياة‬
‫الدنيا‪ ،‬هي ‪ٚ‬تيعها مقاصد شرعية معتربة‪ ،‬كهي يف الوقت نفسه مصاٌف لئلنساف ال تدكـ حياته‬
‫كال تستمر إال ّٔا‪.‬‬
‫كالتعاكف بُت الناس يف بناء ا‪١‬تشًتكات اإلنسانية ا‪ٞ‬تامعة كيف إقامة جسور التواصل‬
‫كالتعارؼ اإلنساين‪ ،‬هي من مقاصد الشريعة اإلسبلمية‪ ،‬كهي يف الوقت نفسه مصاٌف حقيقية‬
‫تعود على اإلنسانية كلها با‪٠‬تَت كالنفع الصبلح‪ ،‬حُت يتبادؿ الناس ا‪٠‬تربات اإلنسانية يف آّاالت‬
‫ا‪ٟ‬تيوية‪ ،‬كالصحة كالتعليم كالعمراف كا‪١‬تعرفة‪ ،‬كيعملوف على التكامل فيما بينهم على سد الثغرات‬
‫اليت تعًتم ا‪٠‬تربات اإلنسانية‪ ،‬كيسعوف يف تعزيز قيم التكافل كالتناصر يف آّاالت األساسية اليت‬
‫ال يستغنوف عنها يف هذ ا‪ٟ‬تياة‪.‬‬
‫َّاس إًنَّا‬
‫كهذا ا‪١‬تقصد العظيم هو ما أشار إليه القرآف الكرمي يف قوله سبحانه‪ ﴿ :‬يىا أىيػُّ ىها الن ي‬
‫ً ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬
‫ىخلى ٍقنىا يك ٍم م ٍن ذى ىك ور ىكأينٍػثىى ىك ىج ىع ٍلنىا يك ٍم يش يعوبنا ىكقىػبىائ ىل لتىػ ىع ىارفيوا إً َّف أى ٍكىرىم يك ٍم عٍن ىد اللَّه أىتٍػ ىقا يك ٍم إً َّف اللَّهى‬
‫يم ىخبًَته ﴾ (ُ)‪.‬‬ ‫ً‬
‫ىعل ه‬
‫كنظرا ‪٢‬تذا التبلزـ كاالقًتاف بُت مقاصد القرآف كبُت مصاٌف اإلنساف‪ ،‬أك بُت مقاصد‬
‫ا‪٠‬تالق كبُت مصاٌف ا‪٠‬تلق‪ ،‬فإف الشريعة اإلسبلمية قد رحبت كاحتفت بكل ا‪١‬تنجزات اإلنسانية‬
‫كالعادات االجتماعية اليت عرفتها الشعوب كاألمم كآّتمعات غَت اإلسبلمية‪ ،‬كفيها خدمة كاضحة‬
‫‪١‬تصاٌف اإلنساف ا‪ٟ‬تقيقية‪ ،‬كهذا ما أشار إليه الرسوؿ الكرمي يف ثنائه كتقدير ‪ٟ‬تلف الفضوؿ الذم‬
‫كقع يف ا‪ٞ‬تاهلية ككاف فيه انتصار للمظلوـ من الظاَف كرد للحقوؽ إُف أصحأّا حيث قاؿ‪:‬‬

‫(ُ) ا‪ٟ‬تجرات ‪ُّ /‬‬

‫‪7‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫"شهدت حلف بٍت هاشم‪ ،‬كزهرة‪ ،‬كتيم‪ ،‬فما يسرين أين نقضته كِف ‪ٛ‬تر النَّعم‪ ،‬كلو دعيت به‬
‫اليوـ ألجبت‪ :‬على أف نأمر با‪١‬تعركؼ‪ ،‬كننهى عن ا‪١‬تنكر‪ ،‬كنأخذ للمظلوـ من الظاَف"(ُ)‪.‬‬
‫فهذا ا‪ٟ‬تلف الذم شهد الرسوؿ صلى ا﵁ عليه كسلم قبل البعثة‪ ،‬كهو حلف الفضوؿ‪،‬‬
‫قد أقر بعد البعثة؛ كذلك ‪١‬تا تضمنه من القيم الصا‪ٟ‬تة اليت تتحقق ّٔا مصاٌف الناس‪ :‬من ‪ٛ‬تاية‬
‫للمظلومُت‪ ،‬كالضرب على أيدم الظلمة كا‪١‬تعتدين كرد ا‪ٟ‬تقوؽ ألصحأّا‪.‬‬
‫كبناء على كوف مصاٌف اإلنساف هي جوهر مقاصد الشريعة‪ ،‬فإف اإلسبلـ َف يبطل كل ما‬
‫كاف عليه الناس قبل اإلسبلـ‪ ،‬كإ‪٪‬تا أبطل فقط ما كاف مضيعا ‪١‬تصاٌف الناس كسببا يف إ‪ٟ‬تاؽ‬
‫الضرر ّٔم دينيا أك أخبلقيا أكاجتماعيا أك اقتصاديا‪ ،‬بينما أقر كأبقى ما كاف صا‪ٟ‬تا كنافعا كمفيدا‬
‫‪٢‬تم‪ ،‬أم أنه أقر األحواؿ الصا‪ٟ‬تة كالنافعة كا‪١‬تفيدة للناس‪ ،‬كأبطل األحواؿ الفاسدة كالضارة ّٔم‪،‬‬
‫ألف أحكامه قد ابتنيت على أساس ٖتقيق مصاٌف العباد‪.‬‬
‫ك‪٧‬تد هذا ا‪١‬تعٌت كاضحا كظاهرا يف تعامل الشريعة اإلسبلمية مع عادات الناس كأعرافهم اليت كانت‬
‫قبل اإلسبلـ‪:‬‬

‫‪ -‬ففي ‪٣‬تاؿ ا‪١‬تعامبلت ا‪١‬تالية مثبل‪ :‬أقرت الشريعة الكثَت من العقود اليت كاف يتعامل ّٔا‬
‫الناس كمن شأهنا ٖتقيق مصا‪ٟ‬تهم ؛كعقد البيع كاإلجارة كالشركة كالرهن كالقرض كا‪١‬تضاربة‪ ،‬بينما‬
‫أبطلت ا‪١‬تعامبلت الفاسدة‪ ،‬كالربا كالقمار كبيع الغرر نظرا ‪١‬تا فيها من ا‪١‬تفاسد الكثَتة على حياة‬
‫الناس ك‪٣‬تتمعاهتم كاقتصادهم‪.‬‬

‫‪ -‬كيف ‪٣‬تاؿ العبلقات األسرية أقرت الشريعة اإلسبلمية الزكاج الصحيح نظرا ‪١‬تا فيه من‬
‫ٖتصُت للفرد كمن بناء للمجتمع كمن قوة لؤلمة‪ ،‬بينما حرمت الشريعة اإلسبلمية فاحشة الزنا نظرا‬

‫الز ىخار ّ‪ )َُِْ( ِّٓ/‬عن عبد الر‪ٛ‬تن ابن عوؼ رضي ا﵁ عنه؛ كقاؿ ا‪٢‬تيثمي يف‬
‫(ُ) ركا البزار يف البحر ى‬
‫آّمع ٕ‪ ِْٔ/‬را البزار كفيه ضرار بن صرد‪ ،‬كهو ضعيف‪ ،‬كله طريق آخر‪ .‬انتهى؛ كذكر الدار قطٍت يف‬
‫العلل (ْ‪ ِٖٔ/‬رقم ٖٔٓ ) عن الداكردم (عبد العزيز بن ‪٤‬تمد) عن عمر بن عثماف ابن موسى عن عبد‬
‫الر‪ٛ‬تن بن عوؼ‪ .‬ينظر كذلك سَتة ابن هشاـ ُ‪.ُْٗ/‬‬

‫‪8‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫‪١‬تا فيها من ضياع لؤلنساب كاعتداء على األعراض كفساد للمجتمع كانتشار للرذيلة كخراب‬
‫للركابط األسرية كاالجتماعية‬

‫‪ -‬كيف ‪٣‬تاؿ العقوبات ٌ‬


‫أقرت الشريعة عقوبة القصاص على ا‪ٞ‬تاين كحد ألف هذا هو‬
‫مقتضى العدؿ باعتبار هو ا‪١‬تسؤكؿ عن جرٯتته كفعله كال يد لغَت فيها‪ .‬كألجل هذا فقد أبطلت‬
‫الشريعة ما كاف يقًتف ّٔذ العقوبة من مفاسد ا‪ٞ‬تاهلية كالثأر من أهل القتيل الذين ال مسؤكلية‬
‫‪٢‬تم عن ا‪ٞ‬تناية كال يد ‪٢‬تم فيما ارتكبه قريبهم‪ ،‬قاؿ تعاُف‪{:‬كمن قيتًل مظٍليوما فىػ ىق ٍد جعلٍنىا لًولًيّْهً‬
‫ىى ى‬ ‫ىى ٍ ى ى ن‬
‫ص نورا}(ُ) قاؿ ابن كثَت معنا فبل يسرؼ الوِف يف القتل‬ ‫ؼ ًيف الٍ ىقٍت ًل إًنَّهي ىكا ىف ىمٍن ي‬
‫يس ٍلطىا نا فى ىبل يي ٍس ًر ٍ‬
‫بأف ٯتثل به أك يقتص من غَت القاتل‪.)ِ(.‬‬

‫ثاٌٗا‪ :‬وساتب وكاصد الظسٖع‪ ٛ‬وَ سٗح أِىٗتّا‪:‬‬


‫كإذا كاف التشريع اإلسبلمي قد ارتبط ارتباطا كثيقا بتحقيق مصاٌف اإلنساف ا‪ٟ‬تقيقية‪،‬‬
‫كاعتٌت أٯتا عناية بإقامة مصاٌف الناس على كجهها الصحيح‪ ،‬فإف علماء األمة قد اعتنوا ببياف‬
‫مراتب هذ ا‪١‬تصاٌف كأنواعها كدرجاهتا‪ ،‬حيث كجدكا بعد التتبع كاالستقراء لنصوص الشريعة‬
‫الكثَتة كأحكامها ا‪١‬تختلفة يف سائر ‪٣‬تاالت ا‪ٟ‬تياة أف ا‪١‬تصاٌف اليت اعتنت الشريعة بإقامتها ليست‬
‫على درجة كاحدة من حيث أ‪٫‬تيتها كمكانتها‪ ،‬كأنه ٯتكن تقسيمها من حيث األ‪٫‬تية كا‪١‬تكانة إُف‬
‫(ّ)‬
‫ثبلث مراتب‬
‫ا‪١‬ترتبة األكُف‪ :‬ا‪١‬تصاٌف الضركرية‪.‬‬
‫ا‪١‬ترتبة الثانية‪ :‬ا‪١‬تصاٌف ا‪ٟ‬تاجية‪.‬‬
‫ا‪١‬ترتبة الثالثة‪ :‬ا‪١‬تصاٌف التحسينية‪.‬‬

‫(ُ) اإلسراء ‪ّّ -‬‬


‫(ِ) تفسَت ابن كثَت ّ‪.َْ-ّٗ/‬‬
‫(ّ ) ا‪١‬تادة العلمية يف هذ ا‪١‬تراتب قد استفيدت بدرجة كبَتة ‪٦‬تا كتبه كْتثه االستاذ الدكتور عبد الر‪ٛ‬تن الكيبلين‬
‫يف موسوعة زايد للقواعد الفقهية كاألصولية‪ :‬آّلد الرابع‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫املستب‪ ٛ‬األٔىل‪:‬املصاحل الضسٔزٖ‪ٛ‬‬


‫أما ا‪١‬تصاٌف الضركرية‪ :‬فهي اليت ال بد منها يف قياـ مصاٌف الدين كالدنيا‪ْ ،‬تيث إذا فيػقدت‬

‫ػج ًر مصاٌفي الدنيا على استقامة‪ ،‬بل على فساد كهتارج كفوت حياة‪ ،‬كيف األخرل ف ي‬
‫ػوت النجاة‬ ‫َف تى ٍ‬
‫(ُ)‬
‫كالنعيم‪ ،‬كالرجوعي با‪٠‬تسراف ا‪١‬تبُت‪".‬‬
‫كيأيت يف طليعة ا‪١‬تصاٌف الضركرية‪ ،‬ما يعرؼ عند العلماء باسم الضركريات ا‪٠‬تمس‪ ،‬أك‬
‫الكليات ا‪٠‬تمس‪ ،‬أك األصوؿ ا‪٠‬تمسة‪ ،‬كهي‪ :‬الدين‪ ،‬كالنفس‪ ،‬كالعقل‪ ،‬كالنسل‪ ،‬كا‪١‬تاؿ‪.‬‬

‫وكصد احلفاظ عم‪ ٜ‬الدَٖ‪:‬‬


‫كا‪١‬تراد بالدين ‪٣‬تموع ما شرعه ا﵁ تعاُف من األحكاـ سواء أكانت هذ األحكاـ تتعلق‬
‫بالعقيدة أك العبادة أك األخبلؽ أك ا‪١‬تعامبلت‪ .‬فا‪ٟ‬تفاظ على الدين ّتميع مشموالته كمضامينه‬
‫كأحكامه هو يف صدارة مقاصد الشريعة الكلية اليت جاءت فركعها كجزئياهتا يف ‪ٚ‬تيع أبواب‬
‫الشريعة ا‪١‬تختلفة‪.‬‬
‫كيع ٌد ا‪ٟ‬تفاظ على أصل الدين من ضركرات ا‪ٟ‬تياة؛ ألف ا‪ٟ‬تياة ال تستقيم دكنه؛ ذلك أنه‬
‫يف جا نبه العقدم يقدـ لئلنساف ا‪١‬تعرفة الضركرية با‪ٟ‬تقائق الكربل يف الوجود اليت ال يستقر أمر‬
‫ا‪ٟ‬تياة إال ٔتعرفتها‪ ،‬حيث يعرؼ ْتقيقة اإلنساف نفسه كبالغاية من كجود كأنه ‪٥‬تلوؽ ﵁ تعاُف‬
‫خلقه للقياـ بواجب العبادة كا‪٠‬تبلفة يف األرض‪ ،‬كيعرفه ْتقيقة ا‪٠‬تالق كبصفاته كبعبلقته با‪١‬تخلوؽ‪،‬‬
‫كما يعرفه ْتقيقة الكوف كأنه ‪٥‬تلوؽ مسخر ‪ٟ‬تاجات اإلنساف كمنافعه ليفيد منه كينعم ٓتَتاته‪،‬‬
‫هذا فضبل عن التعريف با‪١‬تصَت الذم ينتهي إليه كبا‪ٟ‬تياة اآلخرة اليت تنتظر ‪.‬‬
‫مث هو ضركرم يف جانبه التشريعي ألنه ينظم حياة الفرد كآّتمع يف شىت شؤكف ا‪ٟ‬تياة من‬
‫خبلؿ التشريعات العملية ا‪١‬تختلفة اليت ترسي قواعد العدالة كا‪١‬تساكاة كا‪ٟ‬ترية كالتكافل االجتماعي‬

‫(ُ) ا‪١‬توافقات ِ‪.ٖ/‬‬

‫‪11‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كتبُت حقوؽ األفراد ككاجباهتم‪ ،‬كبغَت تلك التشريعات ال تستقر حياة األفراد كا‪ٞ‬تماعات لفقداهنا‬
‫التشريع كا‪١‬تنهج الذم ينظم حركة اإلنساف يف ا‪ٟ‬تياة كيضبطها‪.‬‬
‫كما أف الدين ضركرم يف جانبه األخبلقي ألف هناؾ حاجة للمجتمع إُف بواعث تدفع‬
‫أفراد آّتمع إُف عمل ا‪٠‬تَت كأداء الواجب كإف َف يوجد من البشر من يراقبهم أك يكافئهم‪ ،‬كما أف‬
‫آّتمع ْتاجة إُف ضوابط أخبلقية ٖتكم عبلقتهم كتلزـ كل كاحد منهم أف يقف عند حد ‪ ،‬كال‬
‫يعتدم على حق غَت أك يفرط يف خَت ‪٣‬تتمعه من أجل شهوات نفسه‪ ،‬أك منفعته ا‪١‬تادية‬
‫العاجلة(ُ)‪.‬‬
‫كالدين ضركرم أيضا يف حياة اإلنساف ألنه يليب حاجات اإلنساف الوجدانية كالفطرية‬
‫كيشبع حاجات الركح كمطالبها مثلما يشبع الطعاـ كالشراب حاجات البدف‪ ،‬ك‪٢‬تذا قاؿ ابن‬
‫القيم‪" :‬حاجة الناس إُف الشريعة ضركرية فوؽ حاجتهم إُف كل شيء‪ ،‬كال نسبة ‪ٟ‬تاجتهم إُف علم‬
‫الطب إليها‪ ،‬ألف أكثر الناس يعيشوف بغَت طب"(ِ)‪.‬‬
‫كقد َّبُت ا‪١‬تاكردم أف صبلح ا‪ٟ‬تياة الدنيا يرتكز على ست قواعد تتصدرها قاعدة امتثاؿ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الدنٍػيىا ىح َّىت تىصَتى‬ ‫صلي يح ُّ‬ ‫ىف ىما بًه تى ٍ‬ ‫"اعلى ٍم أ َّ‬
‫الدين كالتزامه كاتباع أحكامه كمقرراته قاؿ ا‪١‬تاكردم‪ٍ :‬‬
‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬
‫ين يمتَّبى هع‪،‬‬‫ت‪ ،‬ىكه ىي‪ :‬د ه‬ ‫ورىها يم ٍلتىئ ىمةن‪ ،‬ستَّةي أى ٍشيىاءى ه ىي قىػ ىواع يد ىها‪ ،‬ىكإً ٍف تىػ ىفَّر ىع ٍ‬ ‫ىح ىوا ي‪٢‬تىا يمٍنتىظ ىمةن‪ ،‬ىكأ ييم ي‬
‫أٍ‬
‫يكُف‪ :‬فى ًه ىي‬ ‫اهر‪ ،‬كع ٍد هؿ ىش ًامل‪ ،‬كأىمن عاـّّ‪ ،‬ك ًخصب دائًم‪ ،‬كأىمل فى ًسيح‪ .‬فىأ َّىما الٍ ىق ً‬
‫اع ىدةي ٍاأل ى‬ ‫ً‬
‫ه ىٍه ى ى ٍ ه ى ه ىىه ه‬ ‫ىك يس ٍلطىا هف قى ه ى ى‬
‫صَت قى ً‬
‫اهنرا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ص ًر ي‬ ‫ً‬
‫وب ىع ٍن ىإر ىادهتىا‪ ،‬ىح َّىت يى ى‬ ‫ف الٍ يقلي ى‬ ‫وس ىع ٍن ىش ىه ىواهتىا‪ ،‬ىكيػى ٍعط ي‬ ‫ؼ النُّػ يف ى‬ ‫ّْين الٍ يمتَّبى يع فىؤلىنَّهي يى ٍ‬
‫الد ي‬
‫وس ًيف خلىو ًاهتىا‪ ،‬نىصوحا ى‪٢‬تا ًيف ملً َّم ًاهتى ً ً‬ ‫َّمائًًر‪ ،‬ىرقًيبنا ىعلىى النُّػ يف ً‬ ‫لً َّ ً ً ً‬
‫ور ىال‬ ‫ا‪.‬كىهذ ٍاأل ييم ي‬‫ى‬ ‫ي ن ى ي‬ ‫ىى‬ ‫لسىرائ ًر‪ ،‬ىزاجنرا للض ى‬
‫َّاس َّإال ىعلىٍيػ ىها‪.‬‬
‫صلي يح الن ي‬‫وص يل بًغى ًٍَت الدّْي ًن إلىٍيػ ىها‪ ،‬ىكىال يى ٍ‬
‫يي ى‬

‫(ُ) انظر‪ :‬مدخل ‪١‬تعرفة اإلسبلـ مقوماته خصائصه أهدافه مصادر ليوسف القرضاكم ص ُِ‪ ،ّٖ-‬طّ‪،‬‬
‫مكتبة كهبة‪ ُِِْ ،‬هػ ‪ََُِ -‬ـ‪.‬‬
‫(ِ) مفتاح السعادة البن القيم ِ‪.ِ/‬‬

‫‪11‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ىج ىدل ٍاأل ييم ىور نػى ٍف نعا ًيف انٍتًظى ًام ىها‬ ‫الدنٍػيا ك ً ً‬ ‫ً و‬
‫ّْين أىقٍػ ىول قىاع ىدة ًيف ى‬
‫ص ىبل ًح ُّ ى ى ٍ‬
‫است ىق ىامت ىها‪ ،‬ىكأ ٍ‬ ‫فى ىكأ َّ‬
‫ىف الد ى‬
‫ىك ىس ىبل ىمتً ىها‪.‬‬

‫وكصد احلفاظ عم‪ ٜ‬الٍفص‪:‬‬


‫أما مصلحة النفس فهي النفس اإلنسانية ا‪١‬تتمثلة يف ذات اإلنساف الذم يقوـ با‪ٞ‬تسد‬
‫كالركح معا‪ ،‬كيدخل يف مشموالهتا ‪ٚ‬تيع أعضاء اإلنساف كأجهزته كحواسه ا‪١‬تختلفة‪ .‬كيكوف‬
‫ا‪ٟ‬تفاظ عليها با‪ٟ‬تفاظ على حياة اإلنساف ككجود كسبلمته‪ ،‬كتوفَت ‪ٚ‬تيع أسباب القوة للذات‬
‫اإلنسانية ْتيث تكوف على أمثل ما ٯتكن من كضع لتقوـ بأداء مهمتها‪.‬‬
‫كيع ٌد ا‪ٟ‬تفاظ على النفس يف صدارة كليات الشريعة كمقاصدها العامة بعد ا‪ٟ‬تفاظ على‬
‫الدين‪ ،‬كما تعد ‪ٚ‬تيع ا‪١‬تقاصد الضركرية األخرل متوقفة على كجود النفس اإلنسانية كا‪ٟ‬تفاظ‬
‫عليها‪ ،‬ألنه لو عدـ ا‪١‬تكلف لعدـ من يتدين كينهض بأصل ا‪ٟ‬تفاظ على الدين‪ ،‬كلعدمت معه‬
‫ضركرة النسل اليت تتفرع عن ا‪ٟ‬تفاظ على النفس كبقائها‪ ،‬كلعدـ العقل الذم ال يقوـ أصبل بغَت‬
‫٘تو‪٢‬تا له؛ فا‪١‬تصاٌف‬
‫نفس‪ ،‬كلعدمت أ‪٫‬تية ا‪١‬تاؿ الذم يكتسب قيمته من انتفاع األنفس به ك ٌ‬
‫الضركرية إ‪٪‬تا تقوـ كتتحقق إذا كجدت النفس اإلنسانية كٖتقق ا‪ٟ‬تفاظ عليها‪.‬‬
‫ك‪٢‬تذا كاف ا‪ٟ‬تفاظ على ا‪ٟ‬تياة اإلنسانية أصبل مقررا يف ‪ٚ‬تيع الشرائع السماكية‪ ،‬ألنه ال‬
‫ٯتكن أف يقوـ الوجود اإلنساين كتتحقق مصا‪ٟ‬ته إذا ارتفعت العصمة عن حياة اإلنساف‪" ،‬فلم ٮتل‬
‫زم اف آدـ كال زمن من بعد من شرع‪ ،‬كأهم قواعد الشرائع ‪ٛ‬تاية الدماء عن االعتداء كحياطته‬
‫بالقصاص كفا كردعا للظا‪١‬تُت كا‪ٞ‬تائرين‪ .‬كهذا من القواعد اليت ال ٗتلو عنها الشرائع كاألصوؿ اليت‬
‫ال ٗتتلف فيها ا‪١‬تلل"(ُ)‪.‬‬

‫(ُ) أحكاـ القرآف البن العريبِ‪.ٖٖ/‬‬

‫‪12‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كقد ذكر ابن تيمية أف أعظم الفساد الذم يقع يف الدنيا هو مفسدة تفويت ا‪ٟ‬تياة‬
‫اإلنسانية بانتهاؾ حق اإلنساف يف ا‪ٟ‬تياة‪ ،‬قاؿ‪" :‬الفساد إما يف الدين كإما يف الدنيا‪ ،‬فأعظم فساد‬
‫الدنيا قتل النفوس بغَت ا‪ٟ‬تق ك‪٢‬تذا كاف أكرب الكبائر بعد أعظم فساد الدين الذم هو الكفر"(ُ)‪.‬‬

‫وكصد احلفاظ عم‪ ٜ‬العكن‪:‬‬


‫كيقصد بالعقل‪ :‬قوة يف النفس اإلنسانية ّٔا تستعد للعلوـ كاإلدراكات(ِ)‪ ،‬كهذ القوة‬
‫منها ما يكوف غريزيا مركوزا يف النفس بأصل ا‪٠‬تلقة اليت خلق ا﵁ الناس عليها‪ ،‬كمنها ما يكوف‬
‫مكتسبان كمستفادان من خبلؿ التجارب كالعلوـ كا‪١‬تعارؼ؛ ْتيث تزداد تلك القوة اإلدراكية كتنمو‬
‫يف النفس اإلنسانية بنمو اإلنساف نفسه كبزيادة ٕتاربه كمعارفه كعلومه‬
‫كا‪ٟ‬تفاظ على العقل أمر ضركرم ألنه ال تستقيم حياة اإلنساف بغَت قوته ا‪١‬تدركة اليت ٘ت ٌكن‬
‫اإلنساف من التمييز بُت ا‪٠‬تَت كالشر‪ ،‬كالنفع كالضر‪ ،‬كالصبلح كالفساد‪ ،‬كيؤهله لفهم ا‪ٟ‬تقائق‬
‫كا‪ٟ‬تكم على األمور‪.‬‬
‫كإف عناية الشريعة اإلسبلمية ٔتصلحة العقل تتسع لعناصر رئيسة ثبلثة هي‪ :‬تنمية العقل‪،‬‬
‫كحفظ العقل‪ ،‬كإعماؿ العقل‪.‬‬
‫كمعٌت تنمية العقل‪ :‬جعله يف أحسن حاالته ا‪١‬تمكنة‪ ،‬سواء من حيث قدرته على التفكَت‬
‫العلمي أك من حيث تدريب ا‪١‬تلكة العقلية‪ ،‬أك من حيث تغذية العقل با‪١‬تعارؼ كا‪١‬تهارات إُف غَت‬
‫ذلك ‪٦‬تا ‪٬‬تعله أكثر قدرة على تأدية كظائفه‪..‬‬
‫كمعٌت حفظ العقل‪ :‬ا﵀افظة على سبلمة ا‪ٟ‬تواس كا‪ٞ‬تهاز العصيب كا‪١‬تخ كا﵀افظة على‬
‫قدرات العقل على تأدية كظائفه‪.‬‬

‫(ُ) اقتضاء الصراط ا‪١‬تستقيم البن تيمية ُ‪.ٕٔ/‬‬


‫(ِ ) انظر‪ :‬دستور العلماء جامع العلوـ يف اصطبلحات الفنوف للقاضي عبد النيب بن عبد الرسوؿ األ‪ٛ‬تد‬
‫نكرمِ‪ ،ِّٓ/‬دار الكتب العلمية ‪ -‬لبناف ‪/‬بَتكت ‪ُُِْ -‬ق‪َََِ - -‬ـ‪ ،‬الطبعة‪ :‬األكُف‪ٖ ،‬تقيق‪:‬‬
‫حسن هاين فحص‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كمعٌت إعماؿ العقل‪ :‬أم تفعيله كتشغيله‪ ،‬كمن أبرز كسائل ذلك العبادات العقلية‬
‫كالتفكر كالتدبر كالتبصر كاالعتبار(ُ)‪.‬‬
‫كذـ الذين‬ ‫كألجل ذلك فقد مدح القرآف الكرمي الذين ييعملوف عقو‪٢‬تم بالتفكر كالتدبر‪َّ ،‬‬
‫َّم ىكثً نَتا‬ ‫ً‬
‫{كلىىق ٍد ذى ىرأٍنىا ‪ٞ‬تى ىهن ى‬
‫يعطلوف عقو‪٢‬تم بالتقليد األعمى كاإلعراض عن آيات ا﵁‪ ،‬قاؿ ا﵁ تعاُف‪ :‬ى‬
‫صيرك ىف ًّٔىا ىكى‪٢‬تي ٍم آىذىا هف ىال يى ٍس ىم يعو ىف ًّٔىا‬
‫س ى‪٢‬تم قيػليوب ىال يػ ٍف ىقهو ىف ًّٔا كى‪٢‬تم أ ٍىعُت ىال يػب ً‬
‫اإلنٍ ً ي ٍ ه ى ي ى ى ي ٍ ي ه يٍ‬ ‫ًم ىن ٍ‬
‫ا‪ٞ‬تً ّْن ىك ًٍ‬

‫اب ًعٍن ىد اللَّ ًه ُّ‬ ‫ً‬


‫ً‬ ‫ىض ُّل أيكلىئً ى‬
‫ك ىك ٍاألىنٍػ ىع ًاـ بى ٍل يه ٍم أ ى‬ ‫أيكلىئً ى‬
‫(ِ)‬
‫الص ُّم‬ ‫ك يه يم الٍغىافليو ىف} قوله تعاُف‪{:‬إ َّف ىشَّر الد ى‬
‫َّك ّْ‬
‫ين ىال يػى ٍع ًقليو ىف}(ّ)‪.‬‬ ‫الٍبك َّ ً‬
‫ٍم الذ ى‬ ‫ي ي‬
‫كبُت شرفهم كمقامهم كفضلهم كما يف قوله‬
‫كما أثٌت القرآف الكرمي على العلماء َّ‬
‫َّ ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً ًً‬ ‫ً‬
‫تعاُف‪{:‬إَّ‪٪‬تىا ىٮتٍ ىشى اللَّهى م ٍن عبىاد الٍ يعلى ىماءي إ َّف اللَّهى ىع ًز هيز ىغ يف ه‬
‫ور } ‪ ،‬كقوله تعاُف‪{ :‬يػىٍرفى ًع اللَّهي الذ ى‬
‫(ْ)‬
‫ين‬
‫ات ىكاللَّهي ًٔتىا تىػ ٍع ىمليو ىف ىخبً هَت }(ٓ)‪ ،‬كإف من مقتضيات العلم‬ ‫آىمنيوا ًمٍن يكم كالَّ ًذين أيكتيوا الٍعًٍلم درج و‬
‫ى ىى ى‬ ‫ٍ ى ى‬ ‫ى‬
‫كموجباته إعماؿ العقل كتنميته كالًتقي به‪ ،‬فبل حياة للعقل بدكف العلم‪ ،‬كال إمكانية ٖتصيل للعلم‬
‫بدكف العقل‪.‬‬

‫وكصد احلفاظ عم‪ ٜ‬الٍشن‪:‬‬


‫كا‪١‬تقصود بالنسل‪:‬الذرية اليت تعقب اآلباء كٗتلفهم يف بقاء كاستمرار كجود النوع‬
‫اإلنساين(ٔ)‪.‬‬

‫(ُ) ‪٨‬تو تفعيل ا‪١‬تقاصد ‪ٞ‬تماؿ عطية ص ُّٔ‪.ُّٕ-‬‬


‫(ِ) األعراؼ ‪ُٕٗ-‬‬
‫(ّ) األنفاؿ‪ِِ -‬‬
‫(ْ) فاطر‪ِٖ -‬‬
‫(ٓ) آّادلة ‪ُُ -‬‬
‫(ٔ) انظر‪ :‬مقاصد الشريعة ليوسف العاَف ص ّّٗ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كا‪ٟ‬تفاظ على النسل كفق هذا ا‪١‬تعٌت هو من مقتضيات استقامة ا‪ٟ‬تياة كاستمرارها‪ ،‬إذ به‬
‫تتحقق عمارة األرض كهنضتها ك‪٪‬توها كازدهارها‪ ،‬كبه تعزز األمم قوهتا‪ ،‬كٖتمي حقوقها‪ ،‬كتصوف‬
‫أعراضها كأموا‪٢‬تا‪ ،‬كبه تستمر ا‪ٟ‬تياة كتدكـ كتبقى‪" ،‬كلو عدـ النسل َف يكن يف العادة بقاء"(ُ)‪.‬‬
‫كمن أجل ذلك فقد اعترب ا‪ٟ‬تفاظ على النسل أحد ا‪١‬تصاٌف ا‪٠‬تمس الضركرية يف الشريعة‬
‫اإلسبلمية‪ ،‬ألف ضياعه يعٍت تناقص النوع اإلنساين كمن مث فناؤ كانقراضه‪.‬‬
‫كإف النسل الذم يقصد الشارع إ‪٬‬تاد هو النسل ا‪١‬تنتفي عنه الشك يف النسب فالنسل‬
‫ا‪١‬تعترب شرعا هو الناشئ عن اتصاؿ الزكجُت بواسطة عقدة النكاح ا‪١‬تنتفي عنها الشك يف النسب‪.‬‬
‫كاستقراء مقصد الشريعة يف النسب أفاد أهنا تقصد إُف نسب ال شك فيه كال ‪٤‬تيد به عن طريقة‬
‫النكاح اليت قررها الشارع "(ِ)‪.‬‬
‫ك‪٢‬تذا فقد جعل الشارع ا‪ٟ‬تكيم لتحقيق هذا ا‪١‬تقصد طريقا كاحدا هو الزكاج‪ ،‬فهو السبيل‬
‫الوحيد المتداد النسل البشرم كبقائه كدكامه كاستمرار ‪ ،‬كقد َّبُت ا﵁ تعاُف هذ السنة اإل‪٢‬تية اليت‬
‫َّاس اتَّػ يقوا ىربَّ يك يم الَّ ًذم ىخلى ىق يك ٍم‬
‫كضعها يف سبيل دكاـ اإلنسانية كبقائها بقوله سبحانه‪":‬يا أىيػُّ ىها الن ي‬
‫ث ًمٍنػ يه ىما ًر ىج ناال ىكثً نَتا ىكنً ىساءن ىكاتػَّ يقوا اللَّهى الَّ ًذم تى ىساءىليو ىف بًًه‬
‫اح ىدةو ىك ىخلى ىق ًمٍنػ ىها ىزٍك ىج ىها ىكبى َّ‬
‫سكً‬
‫م ٍن نػى ٍف و ى‬
‫ً‬
‫(ّ)‬
‫ىك ٍاأل ٍىر ىح ىاـ إً َّف اللَّهى ىكا ىف ىعلىٍي يك ٍم ىرقًيبنا "‬

‫وكصد احلفاظ عم‪ ٜ‬املاه‪:‬‬


‫أما ا‪١‬تصلحة الضركرية ا‪٠‬تامسة اليت ال ب ٌد منها يف قياـ مصاٌف الدين كال ٌدنيا فهي مصلحة‬
‫ا‪١‬تاؿ‪.‬‬

‫(ُ) ا‪١‬توافقات للشاطيب ِ‪.ُٕ/‬‬


‫(ِ) مقاصد الشريعة البن عاشور ص ُْْ‪.‬‬
‫(ّ) النساء‪ُ:‬‬

‫‪15‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كا‪١‬تقصود با‪١‬تاؿ كل ما ينتفع به الناس انتفاعا مشركعان كله قيمة مادية بينهم‪ ،‬فيشمل‬
‫األعياف كا‪١‬تنافع كالديوف‪ ،‬كيستوعب النقود كثركات األرض كالطعاـ كا‪١‬تسكن كاللباس ك‪ٚ‬تيع‬
‫‪.‬‬
‫ا‪١‬تتموالت‬
‫كيعد ا‪١‬تاؿ من ضركرات ا‪ٟ‬تياة اإلنسانية كمقوماهتا األساسية حيث ال يستغٍت عنه اإلنساف‬
‫لطعامه كملبسه كمسكنه ك‪ٚ‬تيع مصا‪ٟ‬ته الدنيوية‪ ،‬أم أنه ال يستقيم أمر ا‪ٟ‬تياة دكنه‪.‬‬
‫ك ا‪١‬تاؿ الذم قصد الشارع ا‪ٟ‬تفاظ عليه كاعترب من كليات الشريعة كأصو‪٢‬تا ليس فقط هو‬
‫أمواؿ آحاد األفراد ك‪٦‬تتلكاهتم ا‪٠‬تاصة‪ ،‬كإ‪٪‬تا هو أيضا كيف ا‪١‬تقاـ األكؿ منه أمواؿ األمة كثركاهتا‪،‬‬
‫فا‪ٟ‬تفاظ على ا‪١‬تاؿ يرتبط با‪ٟ‬تفاظ على كجود األمة كتقوية شوكتها كتعزيز مكانتها بُت األمم‬
‫كٖتقيق عمراف األرض كتنميتها كٖتقيق كاجب ا‪٠‬تبلفة فيها‪ ،‬كليس هو فقط ا‪ٟ‬تفاظ على أمواؿ‬
‫آحاد األفراد كأنفسهم ككجودهم ا‪١‬تادم‪ ،‬قاؿ الشيخ ‪٤‬تمد الطاهر ابن عاشور‪" :‬ما يظن بشريعة‬
‫جاءت ‪ٟ‬تفظ نظاـ األمة كتقوية شوكتها كعزهتا إال أف يكوف لثركة األمة يف نظرها ا‪١‬تكاف العاِف‬
‫من االعتبار كاالهتماـ‪.،‬‬

‫الستب‪ ٛ‬الجاٌٗ‪ :ٛ‬املصاحل احلادٗ‪:ٛ‬‬


‫حاجي‪ ،‬نسبة إُف ا‪ٟ‬تاجة‪ .‬كيف االصطبلح‪ :‬تطلق ا‪ٟ‬تاجيات على‬
‫ّّ‬ ‫(ا‪ٟ‬تاجػيَّػات) مفردها‬
‫ا‪١‬ترتبة الوسطى من ا‪١‬تصاٌف كا‪١‬تقاصد‪ ،‬فهي مصاٌف ذات أ‪٫‬تية بالغة يف الدين كالدنيا‪ ،‬لكنها ال‬
‫تبلغ مبلغ ا‪١‬تصاٌف الضركرية‪.‬‬
‫كا‪١‬تقصود ّٔا‪ :‬أهنا مفتقر إليها من حيث التوسعة كرفع الضيق ا‪١‬تؤدم يف الغالب إُف‬
‫اع دخل على ا‪١‬تكلفُت ػ على ا‪ٞ‬تملة ػ ا‪ٟ‬ترج‬
‫ا‪ٟ‬ترج كا‪١‬تشقة البلحقة بفوت ا‪١‬تطلوب ؛ فإذا َف تر ى‬
‫كا‪١‬تشقة‪ ،‬كلكنه ال يبلغ مبلغ الفساد العادم ا‪١‬تتوقع يف ا‪١‬تصاٌف العامة‪ .)ُ(".‬أم أف الشريعة‬
‫اإلسبلمية َف تقتصر على إقامة ا‪١‬تصاٌف الضركرية اليت هي أساس ا‪ٟ‬تياة كعمادها‪ ،‬كإ‪٪‬تا اعتنت‬

‫(ُ) ا‪١‬توافقات للشاطيب ِ ‪.ٖ /‬‬

‫‪16‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫أيضا ٔتصاٌف اإلنساف ا‪ٟ‬تاجية اليت تيسر على اإلنساف يف حياته كتضفي عليها معاين الرفق‬
‫(ُ)‬
‫كاللُت‬
‫كهذا يرشد إُف مدل اهتماـ اإلسبلـ ٔتصاٌف اإلنساف حيث أقاـ له ضركراته‪ ،‬كاتبعها‬
‫ْتاجاته اليت ٕتعل حياته سهلة كميسرة‪.‬‬
‫كمن ذلك مثبل‪ :‬أهنا شرعت للمريض ‪٣‬تموعة من األحكاـ ا‪١‬تخفّْفة تيسَتان عليه كمراعاة‬
‫(ِ)‬
‫‪ٟ‬تاله ؛كالصبلة قاعدان إف َف يستطع الصبلة قائمان‪،‬أك الصبلة على جنب إف َف يستطع قاعدا‪،‬‬
‫ككاإلفطار يف رمضاف‪،‬كا‪١‬تسح على ا‪٠‬تفُت‪.‬‬
‫فإذا َف تراع هذ األحواؿ كالعوارض اليت تصيب اإلنساف كا‪١‬ترض كالضعف‪ ،‬فسيصبح‬
‫التكليف حرجا كشاقا تغيب فيه معاين الرفق با‪٠‬تلق كالتيسَت على الناس‪.‬‬
‫كمن هذا القبيل أيضا‪ :‬العقود اليت أجازها الشارع ‪ٟ‬تاجة الناس كالتيسَت عليهم يف‬
‫معامبلهتم‪:‬كا‪١‬تزارعة كا‪١‬تساقاة كا‪١‬تضاربة كالسلم كغَتها‪ ،‬فهي ‪٦‬تا ٭تتاجه الناس يف حياهتم كليست‬
‫هي أمرا أصليا كال ضركريا إلقامة مصاٌف اإلنساف‪.‬‬

‫املستب‪ ٛ‬الجالج‪:ٛ‬املصاحل التششٍٗٗ‪:ٛ‬‬


‫٭تسن‪ ،‬مشتق من ا‪ٟ‬تيسن‬
‫حسن ّْ‬
‫التحسينية هي نسبة لتحسُت‪ ،‬كالتحسُت مصدر للفعل َّ‬
‫الذم يعٍت ا‪ٞ‬تماؿ(ّ)‪،‬فالتحسينة لغة هي التجميلية‪.‬‬
‫أما اصطبلحا فهي‪" :‬األخذ ٔتا يليق من ا﵀اسن يف العبادات كالعادات كٕتنب األحواؿ‬
‫ا‪١‬تدنسات اليت تأنفها العقوؿ الراجحات"‬

‫(ُ) ا‪١‬توافقات ْ ‪.ِٗ /‬‬


‫(ِ) ركا البخارم ِ‪ )ُُُٕ( ْٖ /‬كاللفظ له‪ ،‬كركا بلفظ مقارب ِ‪ ،)ُُُٔ( )ُُُٓ( ْٕ /‬عن عمراف بن‬
‫حصُت رضي ا﵁ عنه ؛ كرمز له ا‪١‬تزم ({قم َُُّٖ) خ د ت س ؽ‪.‬‬
‫(ّ) الفَتكز آبادم‪٣ :‬تد الدين ‪٤‬تمد بن يعقوب تُٕٖهػ‪/‬القاموس ا﵀يط‪ ،‬طُ‪َُْٔ ،‬هػ ‪ُٖٗٔ -‬ـ‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بَتكت مادة حسن‪ ،‬باب النوف فصل ا‪ٟ‬تاء‪ ،‬صُّٓٓ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ككما اعتنت الشريعة اإلسبلمية ٔتصاٌف اإلنساف الضركرية كا‪ٟ‬تاجية فقد اعتنت أيضا‬
‫ٔتصا‪ٟ‬ته التحسينية اليت تتمم ا‪١‬تصاٌف الضركرية كتكسو ا‪ٟ‬تياة اإلنسانية بثوب ا‪ٞ‬تماؿ كا‪ٟ‬تسن يف‬
‫‪ٚ‬تيع ‪٣‬تاالت ا‪ٟ‬تياة من عبادات كعادات‪.‬‬
‫من هذا مثبل‪ :‬الدعوة إُف أخذ الزينة عند كل مسجد‪،‬كالتطيب عند حضور ا‪ٞ‬تمع‬
‫كا‪ٞ‬تماعات‪ ،‬كاختيار األئمة كا‪١‬تؤذنُت ذكم الصوت ا‪ٟ‬تسن كالسمت ا‪ٟ‬تسن‪ ،‬كٕتهيز ا‪١‬تساجد‬
‫بالفرش كا‪١‬ترافق الصحية النظيفة‪ ،‬كاختيار أحسن الدعاة كا‪٠‬تطباء لتبليغ الدعوة إُف الناس‪.‬‬
‫كمنها أيضا‪ :‬التحلي بآداب الطعاـ كالشراب اليت حفلت ّٔا السنة النبوية‪ ،‬مثل قوله صلى‬
‫(ُ)‬
‫سم ا﵁‪،‬ككل بيمينك‪،‬ككل ‪٦‬تا يليك " ‪،‬كقوله‪":‬ما مؤل آدمي كعاء شران‬
‫ا﵁ عليه كسلم‪:‬يا غبلـ ٌ‬
‫من بطن‪،‬حسبك يا ابن آدـ لقيمات يقمن صلبك فإف كاف ال بد‪،‬فثلث طعاـ‪،‬كثلث‬
‫شراب‪،‬كثلث نفس "(ِ) كهنيه صلى ا﵁ عليه كسلم أف يشرب الرجل من يف السقاء" (ّ)‪،‬ك هنيه‬
‫"أف يتنفس يف اإلناء "(ْ)‪.‬‬

‫(ُ) ركا البخارم ٕ‪)ّٕٖٓ( )ّٕٓٔ( ٖٔ /‬؛ كمسلم ّ‪ ،)َِِِ( ُٓٗٗ /‬عن عمر بن أيب سلمة ا‪١‬تخزكمي‬
‫رضي ا﵁ عنه قاؿ‪ :‬كنت يف حجر النيب صلى ا﵁ عليه كسلم ككانت يدم تطيش يف الصحفة فقاؿ ِف‪ :‬يا‬
‫غبلـ‪ "...‬؛ كرمز له ا‪١‬تزم (رقم َُٖٖٔ) خ ـ س ؽ‪.‬‬
‫(ِ) ركا الًتمذم ْ‪ ،)َِّٖ( َٓٗ /‬كقاؿ‪ :‬حسن صحيح‪ .‬انتهى؛ كركا النسائي يف الكربل ٔ‪ِٔٗ-ِٖٔ /‬‬
‫(ّٖٕٔ) (ّّٗٔ)؛ كأ‪ٛ‬تد يف ا‪١‬تسند ِٖ‪ )ُُٕٖٔ( ِّْ-ِِْ /‬؛ كرمز له ا‪١‬تزم (رقم ُُٕٓٓ) ت‬
‫س ؛ كركا النسائي يف الكربل ٔ‪ )ّٕٕٔ( ِٖٔ /‬؛ كرمز له ا‪١‬تزم (رقم ُُٕٔٓ) س ؛ كركا ابن ماجه‬
‫ِ‪)ّّْٗ( ُُُُ /‬؛ كرـ له ا‪١‬تزم (رقم ُُٖٕٓ) ؽ ؛ كركا ابن حباف ُِ‪ )ِّٓٔ( ُْ /‬كاللفظ له‪،‬‬
‫كلهم عن ا‪١‬تقداـ بن معدم كرب رضي ا﵁ عنه‪.‬‬
‫(ّ) ركا البخارم ٕ‪)ِٖٓٔ( )ِٕٓٔ( ُُِ /‬؛ عن أيب هريرة رضي ا﵁ عنه ؛ كرمز له ا‪١‬تزم (رقم ُِْْٓ)‬
‫خ ؽ‪ .‬ينظر فتح البارم َُ‪.)ِٕٓٔ( ْٗ-ّٗ /‬‬
‫(ْ) ركا البخارم ُ‪ )َّٓٔ( ُُِ /ٕ ،)ُْٓ( )ُّٓ( ِْ /‬؛ كمسلم ُ‪،)ٔٓ( )ّٔ(/)ِٕٔ( ِِٓ /‬‬
‫عن أيب قتادة األنصارم رضي ا﵁ عنه؛ كرمز له ا‪١‬تزم (رقم َُُِٓ) ع‪ ،‬قاؿ ا‪ٟ‬تافظ ابن حجر يف الفتح ُ‪/‬‬
‫َّٓ (ُّٓ )‪ ،‬كهذا النهي للتأديب إلرادة ا‪١‬تبالغة يف النظافة‪ ،‬إذ قد ٮترج من النفس بصاؽ أك ‪٥‬تاط أك ٓتار‬
‫ردئ فيكسبه رائحة كريهة فيتقذر ّٔا هو أك غَت عن شربه‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كمن هذا القبيل التحسينات اليت تتعلق ْتسن اللباس ك‪ٚ‬تاؿ ا‪٢‬تيئة‪،‬كما يف حديث مالك‬
‫ابن نضلة أنه أتى النيب صلى ا﵁ عليه كسلم فرآ الرسوؿ أشعث أغرب يف هيئة أعرايب‪ ،‬فقاؿ‪:‬ما‬
‫لك من ا‪١‬تاؿ ؟ قاؿ‪:‬من كل ا‪١‬تاؿ قد آتاين ا﵁‪،‬قاؿ‪:‬إف ا﵁ إذا أنعم على العبد نعمة أحب أف ترل‬
‫(ُ)‬
‫به "‬

‫ثالجا‪ :‬العالق‪ ٛ‬بني وساتب املكاصد الجالخ‪:‬‬


‫إف ا‪١‬تصاٌف ا‪ٟ‬تاجية كالتحسينية كإف كانت أخفض رتبة من ا‪١‬تصاٌف الضركرية فإهنا ٔتثابة‬
‫السياج ا‪ٟ‬تامي للضركريات فهي ٖتميها كتذكد عنها‪،‬كلذا كاف ال بد من ا‪ٟ‬تفاظ عليها كرعايتها‬
‫حىت تقوـ ا‪١‬تصاٌف الضركرية على أحسن الوجو ‪.‬‬
‫كلو أهدرت ا‪١‬تصاٌف ا‪ٟ‬تاجية كالتحسينية كضيعت تضييعا كامبل لكاف هذا مدخبل‬
‫الختبلؿ الضركريات نفسها‪ ،‬ألف يف إبطاؿ األخف جرأة على ما هو آكد منه‪.‬‬
‫كمن هذا مثبل‪ :‬أنه قد شرعت للمريض ‪٣‬تموعة من األحكاـ ا‪١‬تخفّْفة تيسَتان عليه كمراعاة‬
‫‪ٟ‬تاله؛ كالصبلة قاعدان إف َف يستطع الصبلة قائمان‪ ،‬أك الصبلة على جنب إف َف يستطع قاعدا(ِ)‪،‬‬
‫ككاإلفطار يف رمضاف‪ ،‬كا‪١‬تسح على ا‪ٞ‬تبَتة‪ ،‬فإذا تكلف ا‪١‬تريض اإلتياف بالعزائم بالرغم ‪٦‬تا فيها من‬
‫حرج كمشقة‪ ،‬كأ‪٫‬تل الرخص الشرعية ا‪ٟ‬تاجية بإطبلؽ‪ ،‬فقد ينشأ عن هذا فوات النفس أك فساد‬
‫عضو من األعضاء‪.‬‬
‫ككالعقود اليت أجازها الشارع ‪ٟ‬تاجة الناس كالتيسَت عليهم يف معامبلهتم‪:‬كا‪١‬تزارعة‬
‫كا‪١‬تساقاة كا‪١‬تضاربة كالسلم كغَتها‪ ،‬إذا تركت بإطبلؽ كتوقف األفراد عن التعامل ّٔا فقد يكوف‬

‫(ُ) ركا أبو داكد ْ‪ )ََْٔ( َْٓ /‬؛ كالنسائي ٖ‪ )ِْٓٗ( )ِِّٓ( )ِِّٓ( ُٗٔ ،ُُٖ ،َُٖ /‬؛‬
‫كالنسائي يف الكربل ٖ‪ )ْٖٗٔ( )ْٖٗٓ( )ْْٖٗ( ّٖٗ-ّٖٖ /‬؛ كأ‪ٛ‬تد يف ا‪١‬تسند ِٓ‪ِِٔ-ِِِ /‬‬
‫(ٕٖٖٓ) (ٖٖٖٓ) (ٖٖٗٓ) (ُٖٗٓ)‪ )ُِٖٓٗ( ِِٕ /ٖ ،‬كاللفظ له ؛ كركا ابن حباف ُِ‪ِّٓ /‬‬
‫(ُْٕٓ) كاللفظ له ؛ كرمز له ا‪١‬تزم (رقم َُُِّ) د س‪.‬‬
‫(ِ) ركا البخارم ِ‪ )ُُُٕ( ْٖ/‬كاللفظ له‪ ،‬كركا بلفظ مقارب ِ‪ ،)ُُُٔ( )ُُُٓ( ْٕ/‬عن عمراف بن‬
‫حصُت رضي ا﵁ عنه ؛ كرمز له ا‪١‬تزم (رقم َُُّٖ) خ د ت س ؽ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫هذا سببا قويا إلدخاؿ النقص على أصل ا‪ٟ‬تفاظ على ا‪١‬تاؿ‪ ،‬من حيث كوف هذ العقود‬
‫ٔتجموعها كسائل لتنمية األمواؿ كاستثمارها كتكثَتها‪ ،‬فإذا تركت بالكلية آذف ذلك بانعداـ كسيلة‬
‫حاجية قوية من كسائل ا‪ٟ‬تفاظ على ا‪١‬تاؿ من جانب الوجود‪.‬‬
‫كمن هذا القبيل أيضا‪ :‬أنه قد شرعت الكثَت من الوسائل التحسينية اليت ٗتدـ مصلحة‬
‫الزكجُت لآلخر‪ ،‬كأف ٮتاطب كل منهما اآلخر بأحب‬ ‫ا‪ٟ‬تفاظ على النسل كأف يتزين كل من ٌ‬
‫األلقاب كاألكصاؼ إليه‪ ،‬كأف يتحليا بآداب ا‪١‬تعاملة عن طريق الكلمة الطيبة كاالبتسامة ا‪ٞ‬تميلة‬
‫كغَتها من الوسائل اليت تشيع يف األسرة معاين السكينة كالسعادة كاالستقرار‪ ،‬هذا فضبل عن أف‬
‫٭تسن الزكجاف اختيار أ‪ٝ‬تاء األكالد‪ ،‬كأف ٭ترصوا على الرفق ّٔم كمداعبتهم كالتلطف معهم‬
‫كالبشاشة يف كجوههم‪.‬‬
‫كل من الزكجُت ‪٢‬تذ التحسينات يف تعامل كل منهما مع اآلخر‪ ،‬أك يف‬
‫فإذا أ‪٫‬تل ّْ‬
‫تعاملهما مع األكالد‪ ،‬كَف يكًتثوا ‪٢‬تذ القيم كاألخبلؽ ا‪ٞ‬تميلة يف عبلقاهتم األسرية ‪ ،‬فسيفضي‬
‫هذا إُف إدخاؿ عوامل التوتر كالقلق داخل األسرة‪ ،‬كسيؤثر سلبا على استقرارها كسعادهتا‪ ،‬كقد‬
‫ينتج عن ذلك كله يف النهاية ٘تزؽ األسرة كتفككها كاهندامها‪.‬‬
‫كمتممات للمصاٌف الضركرية‪ ،‬كهي‬
‫مكمبلت ّْ‬
‫كهذا يعٍت أف ا‪ٟ‬تاجيات كالتحسينات هي ّْ‬
‫كبلن من الضركريات من نفاذ كسائل الفساد إليها‪،‬فإذا أ‪٫‬تلت‬
‫يف الوقت نفسه سياج منيع ٭تمي ٌ‬
‫ا‪ٟ‬تاجيات أك ضيعت التحسينات كاف هذا سببا يف تسرب أسباب الفساد إُف ا‪١‬تراتب األعلى‬
‫منها يف ا‪١‬تكانة كاالعتبار‪.‬‬
‫زابعا‪ :‬طسم احلفاظ عم‪ ٜ‬وكاصد الظسٖع‪:ٛ‬‬
‫إف كل ما شرعه ا﵁ تعاُف من األحكاـ العملية ككل ما قرر من فركع الشريعة كتفاصيلها‪ ،‬إ‪٪‬تا‬
‫هتدؼ إُف ٖتقيق مقاصد الشريعة بأحد طريقُت‪:‬‬
‫الطريق األكؿ‪ :‬ما يتحقق به جلب ا‪١‬تصاٌف عن طريق كجودها كتثبيتها كتنميتها كاستدامتها‬
‫يف ا‪ٟ‬تياة‪ ،‬كيعرب عنه با‪ٟ‬تفظ من جانب الوجود‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كالوجه الثاين‪ ،‬ما يتحقق به درء ا‪١‬تفاسد عن طريق منع إفسادها كتعطيلها كإعدامها كيدفع‬
‫عنها األضرار كاألخطار اليت ٯتكن أف تصيبها‪ ،‬كيعرب عنه با‪ٟ‬تفظ من جانب العدـ‪.‬‬
‫كيدخل ٖتت هذين الطريقُت العامُت‪-‬الوجود كالعدـ ‪ -‬كل األحكاـ كالتدابَت الشرعية‬
‫اليت كردت فيها نصوص شرعية خاصة يف ‪٣‬تاالت ا‪ٟ‬تياة ا‪١‬تختلفة‪ ،‬حيث ال ٗترج هذ األحكاـ‬
‫الشرعية عن كوهنا حافظة ‪١‬تقاصد الشريعة من جانب الوجود ّتلب ا‪١‬تصاٌف ‪٢‬تا‪ ،‬أك من جانب‬
‫العدـ بدرء ا‪١‬تفاسد عنها‪.‬‬
‫كٯتكن من خبلؿ النظر إُف مقاصد الشريعة كطرؽ حفظها من جانيب الوجود أك العدـ‬
‫ا‪ٟ‬تكم على العديد من القضايا كا‪١‬تستجدات ا‪١‬تعاصرة اليت َف ترد فيها نصوص شرعية خاصة كَف‬
‫تتناك‪٢‬تا على كجه التعيُت كالتحديد آيات كرٯتة أك أحاديث شريفة‪ ،‬حيث ٯتكن االهتداء ٔتقاصد‬
‫الشريعة العامة للحكم على هذ ا‪١‬تستجدات كإعطائها كصفها الشرعي ا‪١‬تناسب‪ ،‬كذلك على‬
‫ضوء النظر إُف أثرها على ا‪١‬تقاصد الشرعية إما با‪ٟ‬تفظ كالرعاية كحينئذ تكوف مشركعة كجائزة‪ ،‬أك‬
‫بالتضييع كالتفويت كحينئذ تكوف ‪٦‬تنوعة ك‪٤‬تظورة‪.‬‬
‫كهنا تظهر أ‪٫‬تية ا‪١‬تقاصد الشرعية يف إثبات مركنة الشريعة اإلسبلمية على امتداد الزماف‪،‬‬
‫كقدرهتا على الوفاء ْتاجات الناس الكثَتة كقضاياهم ا‪١‬تختلفة‪ ،‬كالتمكن من استيعاب كل جديد‬
‫نافع ما داـ تتحقق به مصاٌف الناس كخَتهم يف حياهتم ككجودهم‪.‬‬
‫كعلى هذا فإف كل ما ٭تافظ على الدين إ‪٬‬تادان كاستبقاء فهو تصرؼ مناسب ‪١‬تقصود‬
‫الشارع كموافق العتبار ‪ .‬ككل ما يضر بالدين أك يلحق به الفساد فهو ‪٥‬تالف ‪١‬تقصود الشارع‬
‫كعلى الضد من نظر كاعتبار ‪.‬‬
‫ككل ما ٭تافظ على النفس كجودا كاستبقاء فهو مناسب ‪١‬تقصود الشارع كموافق العتبار ‪.‬‬
‫ككل ما يضر بالنفس أك يلحق ّٔا الفساد فهو ‪٥‬تالف ‪١‬تقصود الشارع كعلى الضد من نظر‬
‫كاعتبار ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ككل ما ٭تافظ على النسل كيقوم رابطة الزكاج كيسهم يف بناء األسرة الفاضلة كآّتمع‬
‫البشرم السعيد إ‪٬‬تادان كبقاء فهو تصرؼ مناسب ‪١‬تقصود الشارع كموافق العتبار ‪ .‬ككل ما يضر‬
‫بالنسل أك يلحق به الفساد فهو ‪٥‬تالف ‪١‬تقصود الشارع كعلى الضد من نظر كاعتبار (ُ)‪.‬‬
‫كيتجلى ا‪ٟ‬تفاظ على مقاصد الشريعة من جانيب الوجود كالعدـ يف كثَت من األحكاـ كالتدابَت‬
‫الشرعية‪:‬‬
‫ففي ‪٣‬تاؿ ا‪ٟ‬تفاظ على الدين من جانب الوجود‪:‬‬
‫ُ‪-‬شرعت أركاف اإلٯتاف‪ :‬من اإلٯتاف با﵁ كمبلئكته ككتبه كرسله كاليوـ اآلخر كالقدر خَت‬
‫كشر ‪ ،‬كأركاف اإلسبلـ‪ :‬من الشهادتُت كالصبلة كالزكاة كالصياـ كا‪ٟ‬تج‪ ،‬كذلك ألنه ال يقوـ الدين‬
‫يف الوجود بغَت هذ األسس كاألركاف‪ ،‬فحفظ الدين حاصله يف ثبلثة و‬
‫معاف‪ ،‬كهي‪ :‬اإلسبلـ‪،‬‬
‫كاإلٯتاف‪ ،‬كاإلحساف (ِ)‪.‬‬
‫ِ‪ -‬كما كجب األمر با‪١‬تعركؼ كالنهي عن ا‪١‬تنكر‪ ،‬كفق أصوله الشرعية‪ ،‬كبياف حدكد ا﵁‬
‫كاإلرشاد إُف أكامر الشريعة كالزجر عما ٮتالفها‪ ،‬قاؿ صلى ا﵁ عليه كسلم‪" :‬من رأل منكم منكرا‬
‫فليغَت بيد فإف َف يستطع فبلسانه فإف َف يستطع فبقلبه كذلك أضعف اإلٯتاف"(ّ)‪.‬‬
‫ّ‪-‬كشرعت فريضة ا‪ٞ‬تهاد يف سبيل ا﵁ لتكوف طريقا ‪ٟ‬تماية الدين كنشر ا‪٠‬تَت كالعدؿ يف‬
‫األرض‪ ،‬كإنقاذ ا‪١‬تستضعفُت كٗتليصهم من الظلم كاالضطهاد كالبغي‪ ،‬كإزالة ا‪ٟ‬تواجز اليت تقف يف‬

‫(ُ) مصاٌف اإلنساف مقاربة مقاصدية لعبدالنور بزا ص َّٕ كما بعدها‪.‬‬
‫(ِ) ا‪١‬توافقات ْ‪.ِٕ/‬‬
‫(ّ) ركا مسلم ُٗ (ْٗ)‪ ،)ٕٖ(/‬عن أيب هريرة رضي ا﵁ عنه؛ كرمز له ا‪١‬تزم (رقم َْٖٓ) ـ د ت س ؽ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫طريق الدعوة إُف ا﵁ من أف تصل إُف الناس كافة لتكوف ‪٢‬تم ا‪ٟ‬ترية يف أف ٮتتاركا الدين الذم‬
‫يرتضونه دكف قسر كال إجبار‪.‬‬
‫ْ‪ -‬كمن الوسائل ا‪١‬تعاصرة للحفاظ على الدين من جانب الوجود‪ :‬االستفادة من‬
‫ا‪١‬تعطيات العلمية ا‪١‬تعاصرة يف الدعوة إُف اإلسبلـ كإنشاء القنوات الفضائية كا‪١‬تواقع االلكًتكنية‬
‫كاستثمار مواقع التواصل االجتماعي لبياف حقائق اإلسبلـ كتعريف الناس به كإبراز ‪٤‬تاسنه‬
‫كفضائله كر‪ٛ‬تته بالعا‪١‬تُت‪.‬‬
‫كمن طرؽ ا‪ٟ‬تفاظ على الدين من جانب العدـ‪:‬‬
‫ُ‪-‬اعتبار الردة عن اإلسبلـ جرٯتة تستوجب العقوبة الشرعية‪،‬كذلك ‪١‬تا تؤدم إليه من‬
‫إرجاؼ كتشويه للدين‪ ،‬كاعتداء على النظاـ العاـ للمجتمع ا‪١‬تسلم‪ ،‬كإفقاد الدين ‪١‬تكانته كقدسيته‬
‫فيما لو ترؾ لؤلفراد ا‪ٟ‬تق يف الردة عن اإلسبلـ كا‪٠‬تركج عن الدين دكف رادع كال زاجر‪.)ُ(.‬‬
‫ِ‪-‬النهي عن الغلو كالتشدد يف الدين‪ ،‬ألف التدين عندما يتجه إُف التشدد كا‪١‬تغاالة فإنه‬
‫سرعاف ما يفضي إُف االنقطاع عن متابعة التدين كاالنصراؼ عن االمتثاؿ للدين‪ ،‬هذا فضبل عما‬
‫يفضي إليه من تصوير للدين على غَت حقيقته اليت أرادها ا﵁ تعاُف ما يؤدم إُف نفور الناس منه‬
‫كإعراضهم عنه كمعاداهتم له‪.‬‬
‫ّ‪-‬منع الشبهات اليت تثار حوؿ اإلسبلـ‪ ،‬كالتصدم ﵀اكالت ٖتريف الدين اليت يعتمد‬
‫أصحأّا على تأكيل نصوص الشريعة تاكيبلن باطبل كصرفها عن معانيها ا‪ٟ‬تقيقية ا‪١‬تقصودة‪ ،‬ألف يف‬
‫التصدم ‪٢‬تذ الشبهات كالوقاية منها إبقاء للدين على حقيقته النقية الناصعة كحفظا له من‬
‫‪٤‬تاكالت التحريف كالتغيَت‪.‬‬

‫(ُ) انظر‪ :‬مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة لعبد آّيد النجار ص ٓٔ‪ ،‬دار الغرب اإلسبلمي‪ ،‬طُ‪.ََِٔ ،‬‬

‫‪23‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫احلفاظ عم‪ ٜ‬الٍفص وَ داٌيب الٕدٕد ٔالعدً‪:‬‬


‫كيف ‪٣‬تاؿ ا‪ٟ‬تفاظ على النفس من جانيب الوجود كالعدـ اٗتذت الشريعة اإلسبلمية تدابَت كثَتة‬
‫منها‪:‬‬

‫احلفاظ عم‪ ٜ‬الٍفص وَ داٌب الٕدٕد‪:‬‬


‫ُ‪ -‬شرع اإلسبلـ التمتع بالطيبات من الطعاـ كالشراب كا‪١‬تسكن كا‪١‬تلبس ما َف يكن‬
‫فيها سرؼ أك ‪٥‬تيلة؛ كأباحت الشريعة كل ما فيه نفع للحياة اإلنسانية ك٘تكُت لئلنساف من ا‪ٟ‬تياة‬
‫آد ىـ يخ يذكا ًزينىتى يك ٍم ًعٍن ىد يك ّْل ىم ٍس ًج ود ىكيكليوا‬
‫الكرٯتة ا‪١‬تستقرة كهو ما أرشد إليه قوله تعاُف‪{ :‬يا بىًٍت ى‬
‫ات ًم ىن‬ ‫ب الٍمس ًرفًُت‪ .‬قيل من حَّرـ ًزينىةى اللَّ ًه الًَّيت أىخرج لًعًب ًاد ً كالطَّيّْب ً‬ ‫ً‬
‫ٍى ى ى ى ى‬ ‫ىكا ٍشىربيوا ىكىال تي ٍس ًرفيوا إًنَّهي ىال ي٭ت ُّ ي ٍ ى ٍ ى ٍ ى ى‬
‫ات لًىق ٍووـ‬
‫صل ٍاآلي ً‬
‫ك نػي ىف ّْ ي ى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫صةن يػى ٍوىـ الٍقيى ىام ًة ىك ىذل ى‬
‫ً‬ ‫ا‪ٟ‬تىيىاةً ُّ‬
‫الدنٍػيىا ىخال ى‬ ‫ين ىآمنيوا ًيف ٍ‬ ‫ً ًً‬ ‫ّْ ً‬
‫الرٍزؽ قي ٍل ه ىي للَّذ ى‬
‫(ُ)‬
‫يػى ٍعلى يمو ىف}‬
‫ِ‪ -‬دعت الشريعة اإلسبلمية إُف ا﵀افظة على النظافة كالصحة العامة للفرد كآّتمع‪،‬‬
‫كعملت على توفَت األسباب اليت تتحقق ّٔا سبلمة األفراد كصحة آّتمعات باعتبارها من أهم‬
‫ضمانات ا‪ٟ‬تياة اإلنسانية القوٯتة‪ ،‬كمن ذلك الدعوة الواضحة إُف نظافة ا‪ٞ‬تسد كطهارته كالثناء‬
‫(ِ)‬
‫الكبَت على ا‪١‬تتطهرين‪ ،‬كما يف قوله تعاُف‪ {:‬إف ا﵁ ٭تب التوابُت ك٭تب ا‪١‬تتطهرين }‬
‫ا‪ٟ‬تض على إعمار األرض كتنميتها كاستغبلؿ طاقاهتا زراعيا كصناعيا كٕتاريا كعمرانيا‪،‬‬
‫ّ‪ٌ -‬‬
‫ألف حياة اإلنساف كبقاء كاستمرار ال يقوـ إال بإعمار الكوف كا‪ٟ‬تياة‪.‬كألجل هذا فقد دعا‬
‫الرسوؿ صلى ا﵁ عليه كسلم إُف االستمرار يف العمل كاالنتاج حىت قياـ الساعة‪ ،‬ففي ا‪ٟ‬تديث عن‬
‫رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم‪ ":‬إذا قامت الساعة كيف يد أحدكم فسيلة فليغرسها "‪.‬‬

‫(ُ) االعراؼ‪.ُّ :‬‬


‫(ِ) البقرة‪.ِِِ :‬‬

‫‪24‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ْ‪ -‬إف حفظ النفس كما يكوف يف ا‪ٟ‬تفاظ ا‪١‬تادم على النفس اإلنسانية من خبلؿ‬
‫الطعاـ كالشراب كاللباس كالسكن كالعبلج‪ ،‬فإنه يكوف أيضا با‪ٟ‬تفاظ على النفس معنويا بتحقيق‬
‫الكرامة لئلنساف كضماف ا‪ٟ‬ترية له يف التعبَت كالتفكَت‪ ،‬كا‪ٟ‬تركة كالتنقل‪.)ُ( .‬‬

‫احلفاظ عم‪ ٜ‬الٍفص وَ داٌب العدً‪:‬‬


‫ُ‪ٖ .‬ترمي االنتحار؛ حيث ٭ترـ على اإلنساف أف يقدـ على قتل نفسه‪ ،‬كما ٭ترـ أف‬
‫يطلب من غَت أف يقتله للتخلص من ا‪ٟ‬تياة‪ ،‬أك لبلسًتاحة من آالـ األمراض كهو ما يعرؼ بقتل‬
‫(ِ)‬
‫كقاؿ ‪" :‬من قتل نفسه ْتديدة فحديدته يف يد‬ ‫الر‪ٛ‬تة‪ ،‬قاؿ تعاُف‪( :‬كال تقتلوا أنفسكم)‬
‫يتوجأ ّٔا‪ -‬أم يطعن ّٔا ‪ -‬يف بطنه يف نار جهنم خالدا ‪٥‬تلدا فيها أبدا‪ ،‬كمن شرب ‪ٝ‬تا فقتل‬
‫نفسه فهو يتحسا يف نار جهنم خالدا ‪٥‬تلدا فيها أبدا‪ ،‬كمن تردل من جبل فقتل نفسه فهو‬
‫يًتدل يف نار جهنم خالدا ‪٥‬تلدا فيها أبدا"(ّ)‪.‬‬
‫ِ‪ .‬أف من قتل نفسا معصومة قتبل عمدا عدكانا فتجب عليه عقوبة القصاص‪ ،‬كذلك‬
‫للحفاظ على حياة الناس من أف تتطاكؿ عليهم أيدم آّرمُت كالعابثُت‪ ،‬كهذا ما نبه إليه القرآف‬
‫يكِف ٍاألىلٍب ً‬ ‫ً‬
‫اب لى ىعلَّ يك ٍم تىػتَّػ يقو ىف }‬ ‫الكرمي يف قوؿ ا﵁ تعاُف‪ {:‬ىكلى يك ٍم ًيف الٍق ى‬
‫(ْ)‬
‫اص ىحيىاةه يىا أ ً ى‬
‫ص ً‬

‫ّ‪ .‬أنه يف حالة ا‪ٟ‬ترب أك ا‪١‬تنازعات ا‪١‬تسلحة ال ‪٬‬توز قتل من ال مشاركة ‪٢‬تم يف القتاؿ‬
‫كالشيخ الكبَت كا‪١‬ترأة كالطفل‪ ،‬كللجريح ا‪ٟ‬تق قي أف يداكل‪ ،‬كلؤلسَت أف يطعم كيؤكل كيكسى‪،‬‬

‫(ُ) انظر‪٨ :‬تو تفعيل مقاصد الشريعة ‪ٞ‬تماؿ الدين عطية ص ُّٔ‪ ،‬كمقاصد الشريعة بأبعاد جديدة لعبدآّيد‬
‫النجار ص ُُِ‪ ،ُِِ-‬دار الغرب اإلسبلمي‪ ،‬طُ‪.ََِٔ ،‬‬
‫(ِ) النساء‪ِٗ :‬‬
‫(ّ) ركا البخارم ٕ‪)ٕٕٖٓ( َُْ-ُّٗ/‬؛ كمسلم ُ‪ )َُٗ( َُْ-َُّ/‬كاللفظ له‪ ،‬عن أيب هريرة رضي‬
‫ا﵁ عنه؛ كرمز له ا‪١‬تزم (رقم ُِّْٗ ) خ ـ ت س‪ .‬كقوله‪" :‬يتوجأ" بتشديد ا‪ٞ‬تيم بوزف يتكرب كهو ٔتعٌت‬
‫الطعن‪ .‬انتهى‪ ،‬من فتح البارم َُ‪.ِٓٗ/‬‬
‫(ْ) البقرة‪ُٕٗ :‬‬

‫‪25‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ألف للنفس اإلنسانية العصمة كاالحًتاـ فبل يقتل إال من قاتل‪ ،‬أما ا‪١‬تساَف فبل ‪٬‬توز قتله كال‬
‫االعتداء عليه (ُ)‪.‬‬
‫ْ‪ -‬كمن القضايا ا‪١‬تعاصرة اليت تتعلق با‪ٟ‬تفاظ على النفس اإلنسانية‪ :‬إصدار التشريعات‬
‫كالقوانُت اليت تكفل ا‪ٟ‬تفاظ على البيئة من ‪ٚ‬تيع أشكاؿ التلوث كأسبابه‪ ،‬كتعمل على تأمُت البيئة‬
‫النظيفة اليت يتحقق ّٔا مقصود الشارع يف ا‪ٟ‬تفاظ على أنفس األفراد كا‪ٞ‬تماعات‪ .‬كاٗتاذ التدابَت‬
‫الوقائية كاالحًتازية من األمراض كاألكبئة كا‪ٟ‬توادث الضارة بالنفوس كاألبداف‪.‬‬

‫احلفاظ عم‪ ٜ‬العكن وَ داٌيب الٕدٕد ٔالعدً‪:‬‬


‫كيف ‪٣‬تاؿ ا‪ٟ‬تفاظ على العقل كجودا كعدما‪ ،‬فثمة العديد من التدابَت كالطرؽ اليت منها‪:‬‬

‫احلفاظ عم‪ ٜ‬العكن وَ داٌب الٕدٕد‪:‬‬


‫ُ‪-‬ا‪ٟ‬تض على إعماؿ العقل بالتفكر كالتدبر كالنظر يف آيات ا﵁ الكونية‪ ،‬كالدعوة إُف‬
‫دكاـ التأمل كالنظر يف كتاب ا﵁ ا‪١‬تنظور كسائر ‪٥‬تلوقات ا﵁ تعاُف اليت ترشد إُف اإلٯتاف با‪٠‬تالق‬
‫السماك ً‬ ‫ً ً ً‬
‫ات‬ ‫كعظمته كتوحيد سبحانه‪ ،‬كهذ الدعوة هي ما ‪٧‬تدها يف قوله تعاُف إ َّف يف ىخ ٍلق َّ ى ى‬
‫ً‬ ‫ً َّ ً‬ ‫ات ًأل ً‬ ‫ض كاختً ىبل ً‬
‫ؼ اللَّي ًل كالنػَّها ًر ىآلىي و‬
‫ين يى ٍذ يكيرك ىف اللَّهى قيى ناما ىكقيػعي ن‬
‫ودا ىك ىعلىى‬ ‫يكِف ٍاألىلٍبىاب الذ ى‬ ‫ٍ ى ى ى‬ ‫ىك ٍاأل ٍىر ً ى ٍ‬
‫اط نبل سبحانى ً‬ ‫السماك ً‬ ‫ًً‬
‫اب‬
‫ك فىقنىا ىع ىذ ى‬ ‫ت ىه ىذا بى ً ي ٍ ى ى‬ ‫ات ىك ٍاأل ٍىر ً‬
‫ض ىربػَّنىا ىما ىخلى ٍق ى‬ ‫َّ ً ً‬
‫يجنيؤّ ٍم ىكيػىتىػ ىفكيرك ىف يف ىخ ٍلق َّ ى ى‬
‫(ِ)‬
‫النَّا ًر }‬
‫ِ‪ -‬كمن التدابَت ا‪١‬تعاصرة للحفاظ على العقل ضركرة العمل على إلزامية التعليم كالدعوة‬
‫على مكافحة األمية ‪ٞ‬تميع فئات الشعب‪ْ ،‬تيث ال تقتصر إلزامية التعليم على جنس الذكور دكف‬
‫اإلناث كإ‪٪‬تا تشمل ‪ٚ‬تيع فئات آّتمع اكأجناسه‪.‬‬

‫(ُ) كثيقة حقوؽ اإلنساف يف اإلسبلـ ا‪١‬تادة الثالثة‪.ُ/‬‬


‫(ِ) اؿ عمراف‪.ُُٗ-َُٗ :‬‬

‫‪26‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ّ‪-‬من التدابَت ا‪١‬تعاصرة أيضا اليت ٯتكن أف تتخذ للحفاظ على العقل‪ :‬التشجيع على‬
‫البحث العلمي كإقامة ا‪١‬تراكز ا‪١‬تتخصصة له‪ ،‬كالعناية بالطلبة ا‪١‬تتميزين عن طريق توفَت ا‪١‬تنح العلمية‬
‫‪٢‬تم حىت يواصلوا دراستهم‪ ،‬كتأمُت فرص العمل ا‪١‬تناسبة ‪٢‬تم يف الببلد اإلسبلمية حىت تكوف ببلدا‬
‫جاذبة للعقوؿ ا‪١‬تبدعة ال طاردةن ‪٢‬تا‪ ،‬كحىت تتفادل ظاهرة هجرة العقوؿ من العاَف اإلسبلمي‪.‬‬
‫ْ‪ -‬كمن هذا القبيل أيضا‪ :‬تبٍت السياسات اليت ترغب األفراد ْتب القراءة كا‪ٟ‬تث عليها‪،‬‬
‫كالًتبيةعلى التحليل كالنقد كاإلبداع كاالخًتاع كالتأليف كاالجتهاد ا‪١‬تستمر يف إنتاج الثقافة البانية‪،‬‬
‫كتطوير العلوـ إُف أقصى حد ‪٦‬تكن؛ ألف العقل ال يكتمل بدكف العلم كا‪١‬تعرفة(ُ)‪.‬‬
‫كمن طرؽ ا‪ٟ‬تفاظ على العقل من جانب العدـ‪:‬‬
‫ُ‪ٖ .‬ترمي ‪ٚ‬تيع ا‪١‬تفسدات العقلية من ا‪١‬تأكوالت كا‪١‬تشركبات كا‪١‬تسكرات كا‪١‬تخدرات‬
‫كا‪١‬تفًتات‪ ،‬على اختبلؼ انواعها كأشكا‪٢‬تا كأ‪ٝ‬تائها‪ ،‬كٕترمي من يتعاطاها كاعتبارها من كبائر‬
‫ا‪١‬ت عاصي كاآلثاـ كذلك ‪١‬تا فيها من تضييع ‪١‬تقصد من مقاصد الدين كأصل من أصوؿ الشريعة‪.‬‬
‫ِ‪ .‬منع ‪ٚ‬تيع التصرفات ا‪١‬تؤدية لتعطيل كظيفة العقل أك التشويش عليه؛ كاتباع ا‪٢‬تول‬
‫كالتقليد األعمى كا‪ٞ‬تداؿ كالعناد كا‪١‬تكابرة كاالستبداد كمنع حرية الرأم كتغييب فريضة الشورل‪،‬‬
‫فهذ ‪ٚ‬تيعها تصرفات منهي عنها كتدخل يف دائرة ا﵀ظورات الشرعية ‪١‬تخالفتها ألسس‬
‫كمقتضيات ا‪ٟ‬تفاظ على العقل اإلنساين‪.‬‬
‫ّ‪٬ .‬تب ٖتصُت أفراد األمة من ا‪١‬تعتقدات الفاسدة اليت تتناىف مع العقل كالفطرة‪ ،‬كالعرافة‬
‫كالكهانة كالسحر كالشعوذة‪ ،‬كبناء عقل أفراد األمة ٔتا يكسبها ا‪١‬تناعة العلمية ضد كل األضرار‬
‫الفكرية الوافدة من ‪٥‬تتلف ا‪١‬تدارس اليت تتضمن معتقدات فاسدة تتناىف مع موجبات العقل السليم‬
‫كمقتضيات الفطرة الصحيحة‪.‬‬

‫(ُ) انظر‪ :‬مصاٌف اإلنساف مقاربة مقاصدية عبدالنور بزا ص ِٖٔ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫احلفاظ عم‪ ٜ‬الٍشن وَ داٌيب الٕدٕد ٔالعدً‪:‬‬


‫كيف ‪٣‬تاؿ ا‪ٟ‬تفاظ على النسل كجودا كعدما‪ ،‬فثمة العديد من الطرؽ كالتدابَت الشرعية‪:‬‬
‫ا‪ٟ‬تفاظ على النسل من جانب الوجود‪:‬‬
‫ُ‪-‬ترغيب الشباب بالزكاج باعتبار الطريق الشرعي الوحيد إل‪٬‬تاد النسل كالذرية‪ ،‬كإُف‬
‫ٖترم الزكجات الصا‪ٟ‬تات‪ ،‬كاألزكاج األكفياء‪ ،‬كالدعوة إُف حسن العشرة بُت الزكجُت‪ ،‬ألف‬
‫الرابطة الزكجية لن ٖتقق نتائجها يف إ‪٬‬تاد الذرية الطيبة إال ّٔذ التدابَت كالوسائل‪.‬‬
‫ِ‪-‬من التدابَت ا‪١‬تعاصرة للحفاظ على النسل من جانب الوجود‪ :‬تبٍت السياسات اليت‬
‫تيسر أمور الزكاج ٔتنح الراغبُت فيه ا‪ٟ‬توافز كالقركض ا‪ٟ‬تسنة اليت تعينهم عليه‪ ،‬كبتوفَت الرعاية‬
‫الصحية البلزمة لؤلمهات كاألكالد من خبلؿ إقامة ا‪١‬تراكز الصحية ا‪٠‬تاصة باألمومة كالطفولة‪،‬‬
‫كبإ‪٬‬تاد ا﵀اضن الًتبوية آّانية اليت تعٌت بتعليم األكالد‪ ،‬كإ‪٬‬تاد مراكز التوجيه األسرم اليت تشيع‬
‫الثقافة األسرية اليت تبٍت أسرة قوية كمتماسكة‪ ،‬إُف غَتها من الوسائل الكثَتة اليت ٗتدـ مقصد‬
‫ا‪ٟ‬تفاظ على النسل كتقويه كتعزز ‪.‬‬

‫احلفاظ عم‪ ٜ‬الٍشن وَ داٌب العدً‪:‬‬


‫ُ‪ -‬أنه ٭ترـ نكاح ا‪١‬تتعة كالنكاح ا‪١‬تؤقت‪ ،‬ألف التوقيت يتناىف مع مقصد ا‪ٟ‬تفاظ على‬
‫النسل الذم هو ا‪١‬تقصد األكؿ للزكاج؛ فبدٯتومة الزكاج تتأتى رعاية األكالد كتربيتهم كا‪ٟ‬تفاظ‬
‫عليهم‪ ،‬كهذا بعكس ما لو بٍت العقد على التوقيت الذم يكوف سببا يف ضعف االلتزامات األبوية‬
‫(ُ)‬
‫أك زكا‪٢‬تا مع حاجة النسل إُف ذلك‬
‫ِ‪ -‬أف الزنا كمثله الشذكذ ا‪ٞ‬تنسي ‪ -‬زكاج ا‪١‬تثليُت – هو من العبلقات ا‪ٞ‬تنسية ا﵀رمة‬
‫كهو من أعظم الكبائر كأشد ا‪١‬تنكرات‪ ،‬ألف يف الزنا خطرا على التكاثر كالتناسل‪ ،‬كيف الشذكذ‬
‫ا‪ٞ‬تنسي قطعا للتناسل كالتوالد من أصله‪ ،‬كيف هذا كله مصادمة ك‪٣‬تافاة للفطرة اإلنسانية السوية‪.‬‬

‫(ُ) ا‪١‬تقاصد العامة ليوسف العاَف ص ُْٖ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ّ‪ -‬ال ‪٬‬توز اإلجهاض إال يف حاالت الضركرة ككفق شركط كضوابط خاصة‪ ،‬ألف‬
‫السماح باإلجهاض مطلقا دكف قيد كال شرط من شأنه أف يفتك بالنسل كيضعفه كهو خبلؼ‬
‫مقصود الشارع‪ ،‬هذا فضبل عن كونه مصادما ‪١‬تقصد الشارع يف ا‪ٟ‬تفاظ على النفس‪.‬‬
‫ْ‪ -‬أنه ٭ترـ استئصاؿ القدرة على اإل‪٧‬تاب يف الرجل كا‪١‬ترأة كهو ما يعرؼ باإلعقاـ أك‬
‫التعقيم‪ ،‬ما َف تدع إُف ذلك الضركرة كفق ضوابطها الشرعية(ُ)‪.‬‬
‫ٓ‪-‬كمن التدابَت ا‪١‬تعاصرة للحفاظ على النسل‪ :‬اإللزاـ بالفحص الطيب قبل الزكاج كذلك‬
‫للوقاية من األمراض الوراثية اليت ٯتكن أف تصيب الذرية مستقببل‪ ،‬كالوقاية من األمراض ا‪١‬تعدية اليت‬
‫ٯتكن أف تنتقل من الزكجُت إُف األكالد ما يؤدم إُف إضعاؼ النسل كفساد ‪.‬‬

‫طسم احلفاظ عم‪ ٜ‬املاه وَ داٌيب الٕدٕد ٔالعدً‪:‬‬


‫كيف ‪٣‬تاؿ ا‪ٟ‬تفاظ على ا‪١‬تاؿ كجودا كعدما‪ ،‬فثمة العديد من الطرؽ كالتدابَت الشرعية‪:‬‬

‫احلفاظ عم‪ ٜ‬املاه وَ داٌب الٕدٕد‪:‬‬


‫ا‪ٟ‬تض على العمل كالكسب كاإلنتاج ٔتختلف ‪٣‬تاالته كأساليبه ا‪١‬تشركعة من ٕتارة‬
‫ُ‪ُّ .‬‬
‫كزراعة كصناعة‪،‬كقد حفلت نصوص الشريعة بالتوجيه إُف ذلك كله‪ ،‬كما يف قوله تعاُف { فىإً ىذا‬
‫ض ًل اللَّ ًه ىكاذٍ يكيركا اللَّهى ىكثً نَتا لى ىعلَّ يك ٍم‬
‫ض ىكابٍػتىػغيوا ًم ٍن فى ٍ‬
‫الص ىبلةي فىانٍػتى ًشيركا ًيف ٍاأل ٍىر ً‬
‫ت َّ‬ ‫ضي ً‬
‫قي ى‬
‫ً‬
‫تيػ ٍفلًحو ىف }(ِ)‪ ،‬كقوله تعاُف‪{ :‬هو الَّ ًذم جعل لى يكم ٍاألىرض ذىلي نوال فىام يشوا ًيف منىاكًبًها كيكليوا ًمن ًرٍزقًهً‬
‫ٍ‬ ‫ى ى ى‬ ‫ٍ‬ ‫ىى ى ي ٍ ى‬ ‫يى‬ ‫ي‬
‫ور}(ّ) ‪ ،‬كقوله صلى ا﵁ عليه كسلم‪ ":‬ما أكل أحد طعاما قط خَتا من أف يأكل من‬ ‫ىكإًلىٍي ًه الن ي‬
‫ُّش ي‬

‫(ُ) انظر‪ :‬قرار ‪٣‬تمع الفقه اإلسبلمي الدكِف رقم ّٗ (ُ‪.)ٓ/‬‬


‫(ِ) ا‪ٞ‬تمعة‪.َُ :‬‬
‫(ّ) ا‪١‬تلك‪.ُٓ :‬‬

‫‪29‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫عمل يد كإف نيب ا﵁ داكد عليه السبلـ كاف يأكل من عمل يد "(ُ)‪،‬كقوله‪":‬ما من مسلم يغرس‬
‫(ِ)‬
‫غرسا أك يزرع زرعا فيأكل منه طَت أك إنساف أك ّٔيمة إال كاف له به صدقة‪" .‬‬
‫ِ‪ .‬تشريع ‪ٚ‬تلة كبَتة من العقود ا‪١‬تالية اليت تستثمر ّٔا األمواؿ كتنمى فيها الثركات‪،‬‬
‫كيتحقق فيها ركاج األمواؿ ؛ كعقد البيع كالسلم كاإلجارة كالشركة كا‪١‬تضاربة كا‪١‬تزارعة كا‪١‬تساقاة‬
‫كاالستصناع‪.‬‬
‫ّ‪ .‬اعتبار أف األصل يف العقود كا‪١‬تعامبلت ا‪١‬تالية هو اإلباحة ال ا‪ٟ‬تظر؛ كذلك الستيعاب‬
‫‪ٚ‬تيع العقود ا‪١‬تالية ا‪١‬تعاصرة اليت من شأهنا حفظ األمواؿ كتنميتها ٔتا ال يتعارض مع أحكاـ‬
‫الشريعة كضوابطها يف ‪٣‬تاؿ االستثمار‪ ،‬كعقد التوريد كا‪١‬تراْتة لآلمر بالشراء كعقود ا‪١‬تقاكلة كغَتها‬
‫من العقود ا‪١‬تالية األخرل‪.‬‬

‫سفغ املاه وَ داٌب العدً‬


‫ُ‪ٖ-‬ترمي االعتداء على حقوؽ األفراد ك‪٦‬تتلكاهتم ا‪٠‬تاصة‪ ،‬كفق ما بينته الكثَت من‬

‫اط ًل ىكتي ٍدليوا ًّٔىا إً ىُف ٍ‬


‫ا‪ٟ‬تي َّك ًاـ‬ ‫النصوص الشرعية مثل قوله تعاُف‪ {" :‬كىال تىأٍ يكليوا أىموالى يكم بػيػنى يكم بًالٍب ً‬
‫ٍ ى ٍ ىٍ ٍ ى‬ ‫ى‬
‫اإل ًٍمث ىكأىنٍػتي ٍم تىػ ٍعلى يمو ىف } (ّ) كقوله ‪" :‬كل ا‪١‬تسلم على ا‪١‬تسلم حراـ‬ ‫لًتىأٍ يكليوا فى ًري نقا ًم ٍن أ ٍىم ىو ًاؿ الن ً‬
‫َّاس بً ًٍ‬
‫(ْ)‬
‫دمه كماله كعرضه"‬

‫(ُ) أخرجه البخارم‪.‬‬


‫(ِ) ركا البخارم ّ‪ )َِِّ( َُّ /‬كاللفظ له؛ كركا بلفظ مقارب ٖ‪)َُِٔ( َُ /‬؛ كمسلم ّ‪ُُٖٗ /‬‬
‫(ُّٓٓ) (ُِ) كاللفظ ‪٢‬تما؛ عن أنس بن مالك رضي ا﵁ عنه؛ ينظر‪ٖ :‬تفة األشراؼ رقم (ُُّْ)‪.‬‬
‫(ّ) البقرة ‪ُٖٖ -‬‬
‫(ْ) ركا أبو داكد ٓ‪)ْْٖٖ( َّٔ/‬؛ كالًتمذم ْ‪ ،)ُِٕٗ( ِّٓ/‬كقاؿ‪ :‬حسن غريب انتهى‪ .‬كبل‪٫‬تا عن أيب‬
‫هريرة ‪‬؛ كرمز له ا‪١‬تزم (رقم ُُِّٗ) د ت؛ كله شاهد عند مسلم ْ‪ ،)ِْٓٔ( ُٖٗٔ/‬عن أيب هريرة‬
‫‪‬؛ كرمز له ا‪١‬تزم (رقم ُُْْٗ) ـ ؽ‪ ،‬كهو جزء من ا‪ٟ‬تديث ا‪١‬تشهور الذم أكله "ال ٖتاسدكا كال‬
‫تناجشوا‪ ،‬كال تباغضوا كال تدابركا‪....‬‬

‫‪31‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ِ‪-‬النهي عن اإلسراؼ كالتبذير‪ ،‬كعن اإلمساؾ كالتقتَت‪ ،‬يف إنفاؽ األمواؿ أك استهبلكها‪،‬‬
‫قاؿ ا﵁ تعاُف { كالذين إذا أنفقوا َف يسرفوا كَف يقًتكا ككاف بُت ذلك قوامها }(ُ) إذ يف كبل‬
‫األمرين‪ :‬التقتَت كالتبذير ضياعا لؤلمواؿ‪ ،‬كإف من "ا‪ٟ‬تقائق االقتصادية أف التقليل الكبَت ا‪١‬تغاُف فيه‬
‫لبلستهبلؾ ضار اقتصاديا ككذلك هو اإلفراط يف االستهبلؾ"(ِ)‪.‬‬
‫ّ‪-‬يندرج يف طرؽ ا‪ٟ‬تفاظ على ا‪١‬تاؿ ٖترمي العقود اليت تتضمن الربا أك الغرر أك ا‪ٞ‬تهالة‬
‫الفاحشة‪ ،‬ألف ا‪١‬تعامبلت ا‪١‬تالية اليت تقوـ على مثل هذ ا‪١‬تعامبلت ا﵀رمة هي السبب يف ضياع‬
‫األمواؿ كنشوء األزمات كالكوارث االقتصادية العا‪١‬تية‪.‬‬
‫هذا ك‪٬‬تدر التنبيه يف هذا السياؽ إُف أنه إذا كانت ا‪١‬تقاصد تنقسم إُف ضركريات‬
‫كحاجيات كٖتسينات على كفق ما تقدـ آنفا‪ ،‬فإف طرقها ككسائلها تبع ‪٢‬تا‪ ،‬فقد تكوف الطرؽ‬
‫ضركرية إذا كانت تقيم أصل ا‪١‬تصاٌف الضركرية‪ ،‬كقد تكوف حاجية إذا كانت تعمل على إضفاء‬
‫معاين التيسَت كرفع ا‪ٟ‬ترج عن الناس‪ ،‬كقد تكوف الطرؽ ٖتسينية إذا كانت تكمل كتتمم مصاٌف‬
‫الناس كتصبغها بقيم ا‪ٟ‬تسن كا‪ٞ‬تماؿ‪.‬‬
‫ففي طرؽ ا‪ٟ‬تفاظ على الدين كجودان كعدمان قد يكوف منها ما هو ضركرم إذا كانت‬
‫تتعلق با‪ٟ‬تفاظ على أصل الدين ْتيث إذا فاتت تعرض ذات الدين لبلختبلؿ كالنقص‪ ،‬كوجوب‬
‫الدعوة إُف ا﵁‪ ،‬كا‪ٟ‬تكم ٔتا أنزؿ ا﵁‪ ،‬كامتثاؿ أحكاـ الشرع‪ ،‬كٖترمي االرتداد عن الدين‪.‬‬
‫كقد يكوف منها ما هو حاجي إذا كانت تضفي جانب التيسَت كرفع ا‪١‬تشقة كما يف‬
‫الرخص الشرعية ا‪١‬تختلفة‪ ،‬كا‪١‬تسح على ا‪٠‬تفُت كا‪ٞ‬تبَتة‪ ،‬كاإلفطار يف رمضاف بعذر السفر كا‪١‬ترض‪.‬‬

‫(ُ) الفرقاف‪.ٕٔ :‬‬


‫(ِ) انظر‪ :‬نظرات اقتصادية يف القرآف الكرمي لشوقي دنيا ص َّ‪ ،‬ا‪١‬تعهد اإلسبلمي للبحوث كالتدريب‪ ،‬سلسلة‬
‫‪٤‬تاضرات العلماء الفائزين‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كقد يكوف من هذ الطرؽ ما هو من قبيل التحسينيات‪ ،‬كاختيار أحسن األساليب‬


‫كأ‪ٚ‬تلها يف الدعوة إُف ا﵁‪ ،‬ككتجميل عمارة ا‪١‬تساجد كالعناية ٔترافقها العامة‪ ،‬كاختيار اإلماـ‬
‫كا‪١‬تؤذف من أصحاب األصوات ا‪ٟ‬تسنة‪ ،‬كتسوية الصفوؼ عند أداء الصلوات(ُ)‪.‬‬
‫كيف طرؽ ا‪ٟ‬تفاظ على النفس كجودان كعدمان قد يندرج بعضها ٖتت أصل الضركريات إذا‬
‫كانت تتعلق با‪ٟ‬تفاظ على أصل النفس ْتيث إذا فاتت تعرضت النفس لبلختبلؿ كالفوات‪،‬‬
‫كتحرمي القتل كمعاقبة القاتل‪.‬‬
‫كمنها ما يندرج ٖتت أصل ا‪ٟ‬تاجيات إذا كانت تضفي جانب التيسَت كرفع ا‪١‬تشقة على‬
‫ا‪ٟ‬تفاظ على النفس كالرخص الشرعية ا‪١‬تختلفة‪ ،‬كالتيمم كا‪١‬تسح على ا‪٠‬تفُت كا‪ٞ‬تبَتة‪ ،‬كاإلفطار يف‬
‫رمضاف للسفر كا‪١‬ترض‪.‬‬
‫كمنها ما يندرج ٖتت التحسينيات‪ ،‬كالتجمل بآداب األكل كالشرب‪ ،‬كاجتناب األكساخ‬
‫كالقاذكرات يف ا‪١‬تأكل كا‪١‬تشرب كا‪١‬تلبس كيف السكن كا‪١‬ترافق العامة(ِ)‪.‬‬
‫كذلك هو ا‪ٟ‬تاؿ يف طرؽ ا‪ٟ‬تفاظ على النسل كجودا كعدما فمنها ما يندرج ٖتت أصل‬
‫الضركريات إذا كانت تتعلق با‪ٟ‬تفاظ على أصل النسل ْتيث إذا فاتت تعرض النسل نفسه‬
‫لبلختبلؿ كالفوات‪ ،‬كمشركعية الزكاج كٖترمي الزنا‪ ،‬كمنها ما يندرج ٖتت أصل ا‪ٟ‬تاجيات إذا كانت‬
‫تضفي جانب التيسَت كرفع ا‪١‬تشقة على ا‪ٟ‬تفاظ على النسل كما يف فرض ا‪١‬تهر‪ ،‬كإقامة ا‪ٟ‬تياة‬
‫الزكجية على أساس السكن كا‪١‬تودة كالر‪ٛ‬تة‪.‬‬
‫كمن هذ الوسائل ما يعترب من التحسينيات‪ ،‬كتزيٌن كل من الزكجُت لآلخر‪ ،‬كاختيار‬
‫أحسن األ‪ٝ‬تاء لؤلكالد‪ ،‬ك‪٥‬تاطبة كل كاحد من الزكجُت بأحب األكصاؼ إُف نفسه‪.‬‬

‫(ُ) مصاٌف اإلنساف‪ ،‬مقاربة مقاصدية لعبدالنور بزا ص ّٖٓ‪.‬‬


‫(ِ) مصاٌف اإلنساف مقاربة مقاصدية لعبدالنور بزا ص ّٖٓ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫‪٩‬تلص من ذلك كله إُف أف مقاصد الشريعة كمصاٌف اإلنساف ‪٫‬تا كجهاف ‪ٟ‬تقيقة‬
‫كاحدة‪،‬فالشريعة اإلسبلمية تقرر كل ما فيه مصلحة لئلنساف كنفع له‪ ،‬كٖتتفي بكل جديد نافع‬
‫تتحقق به مصاٌف اإلنساف ا‪ٟ‬تقيقية يف هذ ا‪ٟ‬تياة‪ ،‬كترحب بكل إضافة مفيدة ينتفع منه الناس‬
‫اف ىكإًيتى ًاء ًذم‬
‫اإلحس ً‬‫ً ً ً‬ ‫ً َّ‬
‫انتفاعا حقيقيا‪ ،‬كهذا ما تقرر آيات القرآف الكرمي‪ {:‬إ َّف اللهى يىأٍ يمير بالٍ ىع ٍدؿ ىك ٍ ٍ ى‬
‫الٍ يق ٍرىَب ىكيػىٍنػ ىهى عى ًن الٍ ىف ٍح ىش ًاء ىكالٍ يمٍن ىك ًر ىكالٍبىػ ٍغ ًي يىعًظي يك ٍم لى ىعلَّ يك ٍم تى ىذ َّكيرك ىف}(ُ)‪.‬‬

‫(ُ) النحل ‪َٗ -‬‬

‫‪33‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الٕسد‪ ٚ‬الجاٌٗ‪ٛ‬‬

‫اإلسالً ٔقضاٖا البٗ‪ٛ٠‬‬

‫إعداد‬
‫أ‪.‬د‪ .‬عبد اجمليد الصالحني‬

‫‪34‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الوحدة الثانية‬
‫اإلشالم وقضايا البيئة‬
‫يعد التلوث البيئي من أخطر القضايا اليت تواجه البشرية يف العصر ا‪ٟ‬تاِف‪١ ،‬تا ٭تدثه هذا‬
‫التلوث من اختبلالت يف ا‪١‬تنظومة البيئية يف هذا الكوكب كما يستتبع ذلك من آثار خطَتة على‬
‫ا‪١‬تكونات البيئية كعلى ا‪ٟ‬تياة عموما على سطح هذا الكوكب‪.‬‬
‫قد قدمت الشريعة اإلسبلمية الغراء الكثَت من ا‪ٟ‬تلوؿ الوقائية كالعبلجية ‪ٟ‬تماية البيئة‬
‫كا﵀افظة عليها نظيفة كصا‪ٟ‬تة ك‪٤‬تققة الستخبلؼ اإلنساف يف هذا الكوف‪ ،‬فقد عملت الشريعة‬
‫الغراء من خبلؿ منظومة متكاملة كمتوازنة من ا‪١‬تبادئ كالتشريعات على ‪ٛ‬تاية البيئة كا﵀افظة على‬
‫التوازف الذم أكدعه ا﵁ فيها‪.‬‬
‫كقد انتظمت هذ التشريعات النواحي العقدية كالفكرية كالفقهية كاألخبلقية‪ ،‬كأرست‬
‫كفصلت األحكاـ اليت من شأهنا ‪ٛ‬تاية البيئة‪.‬‬
‫القواعد ى‬
‫وفًّٕ التمٕخ البٗ‪٘٠‬‬

‫البٗ‪ ٛ٠‬يف المػ‪ٛ‬‬


‫البيئة مشتقة من الباءة كا‪١‬تباءة كهي ا‪١‬تنزؿ كا‪١‬تسكن‪ ،‬يقاؿ‪ٌ :‬بوأت فبلنا‪ :‬أم أنزلته أك‬
‫(ِ)‬
‫َّه ٍم ًم ىن ا ٍ‪ٞ‬تىن ًَّة غيىرفنا)‬ ‫أسكنتة(ُ) كمنه قوله سبحانه كتعاُف‪(:‬كالَّ ًذين آمنيوا كع ًمليوا َّ ً ً‬
‫الصا‪ٟ‬تىات لىنيبىػ ّْوئىػنػ ي‬ ‫ى ى ى ىى‬
‫(ّ)‬
‫كا‪١‬تراد لنسكننٌهم هذ الغرؼ‬

‫(ُ) ابن منظور‪ ،‬أبو الفضل ‪ٚ‬تاؿ الدين بن مكرـ‪ ،‬لساف العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بَتكت‪ ،‬جُ‪ ،‬صّٗ‪ ،‬مادة باء‪،‬‬
‫ُٖٔٗ‬
‫(ِ) العنكبوت‪ٖٓ :‬‬
‫(ّ) ابن كثَت‪ ،‬ابو الفداء ا‪ٝ‬تاعيل‪ ،‬تفسَت القراف العظيم‪ ،‬مؤسسة الكتب الثقافية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬طٓ‪ ،‬جّ‪،‬‬
‫صَْٓ‪ُُْٔ ،‬هػ‪ُٗٗٔ ،‬ـ‬

‫‪35‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫البٗ‪ ٛ٠‬يف االصطالح‪:‬‬


‫هي ‪٣‬تموعة من ا‪١‬توارد كالعناصر ا‪ٟ‬تية كغَت ا‪ٟ‬تية اليت تشكل كسطا حيويا مبلئما لعيش‬
‫(ُ)‬
‫الكائنات كاألحياء"‬
‫كمن ا‪ٞ‬تدير باإلشارة أف بعض التعريفات تدخل النشاط البشرم يف مفهوـ البيئة‪ ،‬لكن‬
‫األصح عدـ إدخاؿ هذا النشاط يف تعريف البيئة؛ ألف لفظ البيئة إذا أطلق انصرؼ إُف ‪٣‬تموعة‬
‫العوامل كالعناصر الطبيعية‪ ،‬ا‪ٟ‬تية كغَت ا‪ٟ‬تية‪ ،‬كال يطلق لفظ البيئة على غَتها إال مقيدان فيقاؿ‪:‬‬
‫البيئة العلمية أك البيئة السياسية أك االجتماعية ك‪٨‬تو ذلك‪.‬‬

‫التمٕخ يف المػ‪:ٛ‬‬
‫يطلق التلوث خلط الشيء بالشيء من غَت جنسه‪ .‬فيقاؿ‪ٌ :‬لوث ا‪١‬تاء‪ :‬أم خلطه بغَت ‪،‬‬
‫أك لىٌوث الًتاب‪ :‬أم خلطه بشيء خارج عنه‪ .‬كيقاؿ للمختلط عقله‪ ،‬به لىىوث‪ ،‬أم خالط عقله‬
‫(ِ)‬
‫العتىه أك ا‪ٞ‬تنوف‪.‬‬
‫شيء من ى‬
‫التمٕخ البٗ‪ ٘٠‬يف االصطالح‪.‬‬
‫هو ادخاؿ اإلنساف بطريق مباشر أك غَت مباشر ‪١‬تواد أك لطاقة يف البيئة‪ ،‬كالذم يستتبع‬
‫نتائج ضارة على ‪٨‬تو يعرض الصحة اإلنسانية للخطر‪ ،‬كيضر با‪١‬توارد ا‪ٟ‬تيوية كبالنظم البيئية‪ ،‬كيناؿ‬
‫(ّ)‬
‫من قيم التمتع بالبيئة أك يعوؽ االستخدامات األخرل ا‪١‬تشركعة للوسط‬
‫كهذا التعريف يلحظ يف التلوث أسبابه كنتائجه معا‪ ،‬كإذا ٕتاكزنا مفهوـ القانونيُت كعلماء‬
‫البيئة للتلوث البيئي إُف ا‪١‬تفهوـ القرآين ‪٢‬تذا التلوث ‪٧‬تد أف القرآف عرب عن التلوث بتعبيَت هو أبلغ‬
‫كأدؽ من اصطبلح التلوث أال كهو الفساد(ْ) الذم هو نقيض الصبلح‪ ،‬كما دؿ على ذلك قوله‬

‫(ُ) قانوف ‪ٛ‬تاية البيئة‪ ،‬صِْ‪.‬‬


‫(ِ) لساف العرب‪ ،‬جٓ‪ ،‬ص ّْٓ‪( ،‬مادة لوث)‬
‫(ّ) منظمة التعاكف كالتنمية االقتصادية ألكركبا‪ ،‬صْ‪.ُْٖٗ ،‬‬
‫(ْ) قانوف ‪ٛ‬تاية البيئة‪ ،‬صّٗ‪،‬ص ْٖ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ض الَّ ًذم ىع ًمليوا لى ىعلَّ يه ٍم‬ ‫تعاُف‪﴿ :‬ظىهر الٍ ىفساد ًيف الٍبػّْر كالٍبح ًر ًٔتا ىكسبت أىي ًدم الن ً ً ً‬
‫َّاس لييذي ىق يه ٍم بػى ٍع ى‬ ‫ى ى ى ي ى ى ى ٍ ى ىى ٍ ٍ‬
‫يػىٍرًج يعو ىف ﴾(ُ) فإف هذ األية الكرٯتة أشارت باألسلوب القرآين الببلغي ا‪١‬تعجز إُف حصوؿ التلوث‬
‫كأسبابه كنتائجه كا‪١‬تعاناة البشرية منه كعبلجه‪.‬‬
‫اد ًيف الٍبىػّْر ىكالٍبى ٍح ًر﴾ كإُف أسبابه بقوله‬
‫فقد أشارت إُف حصوله بقوله تعاُف‪﴿ :‬ظى ىهىر الٍ ىف ىس ي‬
‫ت أىيٍ ًدم الن ً‬
‫َّاس ﴾ كإُف نتائجه بالتعبَت بالفساد‪ ،‬الذم هو معٌت عاـ يشمل كافة‬ ‫ً‬
‫تعاُف‪ٔ﴿ :‬تىا ىك ىسبى ٍ‬
‫اآلثار السلبية للتلوث يف البحار كاألهنار كا﵀يطات‪ ،‬كأشار النظم القرآين إُف معاناة الناس من‬
‫حل‬ ‫النتائج ا‪١‬تركعة ‪٢‬تذا التلوث بقوله تعاُف‪ ﴿ :‬لًي ًذي ىقهم بػع َّ ً ً‬
‫ض الذم ىعمليوا ﴾‪ ،‬كما أشار إُف ٌ‬
‫ي ي ٍ ىٍ ى‬ ‫ٌ‬
‫مشكلة التلوث كعبلجها بقوله‪ ﴿ :‬لى ىعلَّ يه ٍم يػىٍرًج يعو ىف﴾ كلعل ا‪١‬تراد رجوعهم عن النشاطات‬
‫كا‪١‬تمارسات اليت تؤدم إُف ظهور الفساد(ِ)‪.‬‬
‫كّٔذا يظهر أف مفهوـ الفساد يشمل كل األعماؿ الضارة بالبيئة كمصادر هتديدها ككل ما‬
‫يؤدم إُف إحداث ا‪٠‬تلل كاالضطراب فيها‪ْ ،‬تيث يعٍت الفساد تلويث البيئة‪ ،‬ككذلك استنزاؼ‬
‫(ّ)‬
‫مواردها كالتبذير يف استخدامها على ‪٨‬تو يهدد دكامها‪.‬‬

‫املٕدّات التظسٖعٗ‪ ٛ‬لمشمٕك اإلٌشاٌ٘ اجتآ البٗ‪:ٛ٠‬‬


‫‪ٙ‬تة ‪ٚ‬تلة من ا‪١‬توجهات التشريعية اليت تعترب ٔتثابة مرجعيات يي ٍستىمد منها السلوؾ اإلنساين يف‬
‫التعامل مع البيئة ٯتكن أبراز أ‪٫‬تها يف السطور التواِف‪:‬‬
‫أ‪ .‬النصوص التشريعية‪ :‬هنالك ‪ٚ‬تلة من النصوص التشريعية تع ٌد موجها أساسيا للسلوؾ‬
‫البشرم ‪٨‬تو البيئة من خبلؿ استثمار طاقات النص التشريعي إُف أقصى مدا كهذ النصوص‬
‫التشريعية ٯتكن ردها إُف ع ٌدة ‪٣‬تموعات منها‪:‬‬

‫(ُ) الركـ‪.ُْ :‬‬


‫(ِ) قانوف ‪ٛ‬تاية البيئة‪ ،‬صْٖ‪ ،‬انظر أيضا‪ :‬ا﵀رر الوجيز‪ ،‬جُُ‪ ،‬صْٓٔ‪ ،‬كتفسَت ابن عاشور‪ ،‬ج ُِ‪ ،‬ص‬
‫َُُ‪.‬‬
‫(ّ) قانوف ‪ٛ‬تاية البيئة‪ ،‬ص َْ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ُ‪ .‬آيات اإلستخبلؼ (ُ)‪:‬كردت يف القرآف الكرمي ع ٌدة آيات تتحدث عن استخبلؼ‬
‫ض‬‫اع هل ًيف ٍاأل ٍىر ً‬ ‫ك لًٍلم ىبلئً ىك ًة إً ّْين ج ً‬ ‫(كإً ٍذ قى ى‬
‫ى‬ ‫اؿ ىربُّ ى ى‬ ‫ا﵁ لئلنساف يف هذا الكوف من مثل قوله تعاُف‪ :‬ى‬
‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خلًي ىفةن قىاليوا أ ى ً‬
‫اؿ إً ّْين‬
‫ك قى ى‬ ‫ّْس لى ى‬‫ّْماءى ىكىٍ‪٨‬ت ين ني ىسبّْ يح ْتى ٍمد ىؾ ىكنػي ىقد ي‬‫ك الد ى‬‫ىٕت ىع يل ف ىيها ىم ٍن يػي ٍف ًس يد ف ىيها ىكيى ٍسف ي‬
‫ٍ‬ ‫ى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أ ٍىعلى يم ىما ىال تىػ ٍعلى يمو ىف) كقوله تعاُف‪ ( :‬ىكيه ىو ٱلَّذل ىج ىعلى يك ٍم ىخلىئ ى‬
‫(ِ)‬
‫ض يك ٍم فىػ ٍو ىؽ‬
‫ض ىكىرفى ىع بػى ٍع ى‬‫ف ٍٱأل ٍىر ً‬

‫ور َّرًحيم)(ّ) كقوله عز كجل‪:‬‬ ‫ك س ًر ً ً ً‬


‫يع ٱلٍع ىقاب ىكإنَّهۥي لىغى يف ه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫و‬
‫ض ىد ىر ىجت لّْيىٍبػلي ىويك ٍم ىف ىما ءىاتىى يك ٍم إ َّف ىربَّ ى ى ي‬ ‫بػى ٍع و‬

‫استىػ ٍغ ًفيركي يمثَّ تيوبيوا إًلىٍي ًه)(ْ) فهذ اآليات كغَتها تدؿ‬ ‫ً‬
‫استىػ ٍع ىمىريك ٍم ف ىيها فى ٍ‬
‫ض ىك ٍ‬‫ىنشأى يك ٍم ًم ٍن ٍاأل ٍىر ً‬
‫(ه ىو أ ى‬
‫ي‬
‫على أف ا﵁ عز كجل استخلف اإلنساف يف هذا الكوف ليعمر كفق إرادته كشرعه‪ ،‬كالزـ هذا‬
‫اإلستخبلؼ أال يأيت اإلنساف ا‪١‬تستخلف من السلوكيات ما يفسد ا‪١‬تستخلف فيه كهو الكوف‬
‫كخصوصا األرض اليت يعيش اإلنساف على ظهرها ألف ذلك من مقتضيات ا‪٠‬تبلفة كأف أم سلوؾ‬
‫بشرم يعترب تعديا على البيئة كافسادا ‪٢‬تا يناقض هذا اإلستخبلؼ‪.‬‬
‫ِ‪٣ .‬تموعة النصوص التشريعية اليت تنهى عن الفساد يف األرض من مثل قوله سبحانه‬
‫الدنٍػيىا ىكيي ٍش ًه يد اللَّهى ىعلىى ىما ًيف قىػلٍبً ًه ىكيه ىو أىلى ُّد‬ ‫ا‪ٟ‬تىيىاةً ُّ‬
‫ك قىػ ٍوليهي ًيف ٍ‬ ‫ً‬ ‫(كًم ىن الن ً‬
‫َّاس ىم ٍن يػي ٍعجبي ى‬ ‫كتعاُف‪ :‬ى‬
‫َّس ىل ىكاللَّهي ىال يً٭ت ُّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ا‪٠‬تًص ًاـ‪ ،‬كإًذىا تىػوَُّف سعى ًيف ٍاألىر ً ً‬
‫ض لييػ ٍف ًس ىد ف ىيها ىكيػي ٍهل ى‬
‫(ٓ)‬
‫ب الٍ ىف ىس ىاد)‬ ‫ث ىكالن ٍ‬ ‫ا‪ٟ‬تىٍر ى‬
‫ك ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ى ى ى ىى‬
‫يب ًم ىن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ض بػع ىد إً ً‬
‫ص ىبلح ىها ىك ٍاد يعوي ىخ ٍوفان ىكطى ىمعان إ َّف ىر ٍ‪ٛ‬تىةى اللَّه قى ًر ه‬
‫ً‬
‫(كىال تػي ٍفس يدكا ًيف ٍاأل ٍىر ً ى ٍ ٍ‬ ‫كقوله تعاُف‪ :‬ى‬
‫ُت)(ٔ) إُف غَت ذلك من اآليات الناهية عن الفساد كاإلفساد يف األرض‪ ،‬فيدخل يف عموـ‬ ‫ًً‬
‫الٍ يم ٍحسن ى‬
‫هذ اآليات إفساد البيئة بتلويثها كاإلستنزاؼ ا‪ٞ‬تائر ‪١‬تصادر الثركة فيها كاإلخبلؿ بتوازهنا‪ ،‬فكل‬
‫ذلك يعترب من الفساد كاإلفساد الذم هنى عنه ا﵁ عز كجل‪.‬‬

‫القرضاكم‪ ،‬يوسف‪ ،‬رعاية البيئة يف شريعة اإلسبلـ‪ ،‬صِّ‬ ‫(ُ)‬


‫البقرة‪.َّ :‬‬ ‫(ِ)‬
‫األنعاـ‪.ُٔٓ:‬‬ ‫(ّ)‬
‫هود‪.ُٔ :‬‬ ‫(ْ)‬
‫البقرة‪.َِٓ-َِْ :‬‬ ‫(ٓ)‬
‫(ٔ) االعراؼ‪.ٓٔ :‬‬

‫‪38‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ٯتنت ا﵁ فيها على عباد بتسخَت ما يف الكوف عموما‬


‫ّ‪٣ .‬تموعة النصوص التشريعية اليت ٌ‬

‫(ك ىس َّخىر لى يك يم اللٍَّي ىل ىكالٍنػ ى‬


‫َّه ىار‬ ‫كما يف األرض خصوصا ‪٠‬تدمة اإلنساف كنفعه‪ ،‬من مثل قوله تعاُف‪ :‬ى‬
‫ات لّْىق ٍووـ يػى ٍع ًقليو ىف)(ُ)‪،‬كقوله سبحانه‬ ‫كالشَّمس كالٍ ىقمر كالٍنُّجوـ مس َّخرات بًأىم ًرً إً َّف ًيف ذىلًك ىآلي و‬
‫ى ى‬ ‫ى ٍ ى ى ىى ى ي ي ي ى ى ه ٍ‬
‫(كيه ىو الَّ ًذم ىس َّخىر الٍبى ٍحىر لًتىأٍ يكليواٍ ًمنٍهي ى‪ٟ‬تٍ نما طى ًريِّا ىكتى ٍستى ٍخ ًر يجواٍ ًمنٍهي ًحلٍيىةن تىػ ٍلبى يسونػى ىها ىكتىػىرل‬ ‫كتعاُف‪ :‬ى‬
‫اخر فً ًيه كلًتبتػغيواٍ ًمن فى ٍ ً ً‬ ‫الٍ يف ٍل ى ً‬
‫ضله ىكلى ىعلَّ يك ٍم تى ٍش يكيرك ىف) كقاؿ عز كجل‪ :‬ى‬
‫(ِ)‬
‫اها لى يكم‬ ‫(كالٍبي ٍد ىف ىج ىع ٍلنى ى‬ ‫ك ىم ىو ى ى ىٍى‬
‫ت يجنيوبػي ىها فى يكليوا ًمٍنػ ىها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬
‫اؼ فىًإ ىذا ىك ىجبى ٍ‬
‫ص ىو َّ‬‫اس ىم اللَّه ىعلىٍيػ ىها ى‬‫ّْمن ىش ىعائ ًر اللَّه لى يك ٍم ف ىيها ىخٍيػهر فىاذٍ يكيركا ٍ‬
‫ً‬
‫اها لى يك ٍم لى ىعلَّ يك ٍم تى ٍش يكيرك ىف)(ّ)‪ ،‬فهذ اآليات كغَتها تعترب‬ ‫ك ىس َّخ ٍرنى ى‬ ‫ىكأىطٍعً يموا الٍ ىقانً ىع ىكالٍ يم ٍعتىػَّر ىك ىذل ى‬
‫موجها للسلوؾ البشرم ‪٨‬تو البيئة من خبلؿ ما يفهم منها من ضركرة عدـ افساد منٌة ا﵁ سبحانه‬
‫كتعاُف بالتعدم على البيئة كإفسادها كأف اإلنتفاع األمثل كالدائم ّٔذا التسخَت يستلزـ بقاء‬
‫اإلنتفاع بالكوف عموما كباألرض خصوصا كاستمراريته البقاء كتلك اإلستمرارية ال تتأتى يف ظل‬
‫تضر بالبيئة كتعصف باستمرارية اإلنتفاع ّٔا‪.‬‬
‫سلوكيات خاطئة كغَت مسؤكلة ٌ‬
‫ْ‪٣ .‬تموعة من اآليات القرآنية الداعية إُف التفكر يف خلق السماكات كاألرض(ْ) من مثل‬
‫السماك ً‬ ‫َّ ً ً‬ ‫ًً‬ ‫ً‬ ‫َّ ً‬
‫ات ىك ٍاأل ٍىر ً‬
‫ض‬ ‫ين يى ٍذ يكيرك ىف اللَّهى قيىامان ىكقيػ يعودان ىك ىعلىى يجنيؤّ ٍم ىكيػىتىػ ىفكيرك ىف يف ىخلٍق َّ ى ى‬
‫قوله تعاُف‪( :‬الذ ى‬
‫ات‬
‫ض آىيى ه‬ ‫(كًيف ٍاأل ٍىر ً‬ ‫(ٓ)‬
‫ك فى ًقنىا ىع ىذ ى ً‬ ‫ربػَّنىا ما خلى ٍقت ه ىذا ب ً‬
‫اب النَّار) كقوله عز كجل‪ :‬ى‬ ‫اطبلن يسٍب ىحانى ى‬‫ى ى ى ى ى ى‬
‫ا‪٠‬تىلٍ ىق يمثَّ اللَّهي يػيٍن ًش يئ‬
‫ف بى ىدأى ٍ‬ ‫ُت)(ٔ) كقوله سبحانه كتعاُف‪( :‬قي ٍل ًس يَتكا ًيف ٍاأل ٍىر ً‬ ‫ً ًً‬
‫ض فىانٍظييركا ىكٍي ى‬ ‫ل ٍل يموقن ى‬
‫النَّ ٍشأىىة ٍاآل ًخىرىة إً َّف اللَّهى ىعلىى يك ّْل ىش ٍي وء قى ًد هير)(ٕ) فهذ اآليات كغَتها فيها لفت إُف أ‪٫‬تية الكوف‬

‫البقرة‪.ُْٔ :‬‬ ‫(ُ)‬


‫النحل‪.ُْ:‬‬ ‫(ِ)‬
‫ا‪ٟ‬تج‪.ّٕ :‬‬ ‫(ّ)‬
‫العبادم‪ ،‬عبد السبلـ‪ ،‬البيئة من منظور اسبلمي‪ ،‬صُّ‬ ‫(ْ)‬
‫آؿ عمراف‪ُُٗ :‬‬ ‫(ٓ)‬
‫الذاريات‪َِ :‬‬ ‫(ٔ)‬
‫(ٕ) العنكبوت‪َِ :‬‬

‫‪39‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫عموما كاألرض خصوصا كال تتضمن اآليات ا‪١‬تذكورة الدعوة إُف التفكر كاالعتبار فحسب بل إهنا‬
‫تتضمن دعوة بطريق غَت مباشر إُف عدـ افساد صنع ا﵁ كخلقه بالسلوكيات ا‪٠‬تاطئة كغَت‬
‫ا‪١‬تسؤكلة إتا البيئة كمكوناهتا‪.‬‬
‫ب‪ .‬ا‪١‬تصاٌف ا‪١‬ترسلة‪ :‬كهي ا‪١‬تصاٌف اليت َف يتعرض ‪٢‬تا الشرع باإلعتبار أك اإلبطاؿ(ُ) حيث‬
‫تعترب ا‪١‬تصاٌف موجها أساسيا للسلوؾ اإلنساين إتا البيئة؛ ألف الشريعة اإلسبلمية مبتناة على‬
‫جلب ا‪١‬تصاٌف كتعظيمها كدرئ ا‪١‬تفاسد كتقليلها(ِ) فبل شك أف ا﵀افظة على البيئة صا‪ٟ‬تة كنقية‬
‫من أعظم ا‪١‬تصاٌف العاجلة كاآلجلة كي تتمكن األجياؿ ا‪ٟ‬تاضرة كالقادمة من اإلنتفاع بالبيئة‬
‫كمكوناهتا بالشكل الذم أراد ا﵁ سبحانه كتعاُف كأف إفساد البيئة بشىت انواع ا‪١‬تلوثات ‪٢‬تي من‬
‫أعظم ا‪١‬تفاسد اليت سعت الشريعة إُف درئها كتقليلها‪.‬‬
‫ج‪ .‬سد الذرائع‪ :‬يعترب سد الذرائع من األصوؿ التشريعية ا‪١‬تهمة اليت ٯتكن أف يستمد منها‬
‫السلوؾ األمثل إتا البيئة كمكوناهتا‪،‬كيتلخص مفهوـ سد الذرائع بتحرمي أم فعل أك قوؿ أك‬
‫(ّ)‬
‫تصرؼ يؤدم إُف ما هو ‪٤‬ترـ كلو كاف هذا القوؿ أك التصرؼ أك الفعل مباحا يف ذاته ‪ ،‬كبناءن‬
‫كٮتل بالتوازف الذم جعله ا﵁ بُت عناصرها‬
‫على ذلك فإف أم نشاط انساين يضر بالبيئة ٌ‬
‫كمكوناهتا يعترب ‪٤‬ترما إلفضاء إُف ما هو ‪٤‬ترـ كهو اإلفساد للبيئة كمكوناهتا كلو كاف هذا النشاط‬
‫يف أصله مباحا إذ يصبح ‪-‬يف هذ ا‪ٟ‬تالة‪٤ -‬ترما لغَت كبذلك يصبح مبدأ سد الذرائع مصدران ٌثرا‬
‫كغنيا يف ا‪ٟ‬تكم على التصرفات كاألنشطة البشرية إتا البيئة‪.‬‬

‫(ُ) الزحيلي‪ ،‬كهبة‪،‬الوجيز يف أصوؿ الفقه اإلسبلمي‪ ،‬جِ‪،‬صِّٓ‬


‫(ِ) النعمة‪ ،‬ابراهيم‪ ،‬أمن ك‪ٛ‬تاية البيئة يف الشريعة اإلسبلمية‪٣ ،‬تلة بيئتنا‪،‬ا‪٢‬تيئة العامة للبيئة‪ ،‬العدد ّٖ‬
‫(ّ) الزركشي‪ ،‬أبو عبد ا﵁ بدر الدين ‪٤‬تمد بن عبد ا﵁ بن ّٔادر‪ ،‬البحر ا﵀يط يف أصوؿ الفقه‪ .ٖٗ/ٖ ،‬الوجيز‬
‫يف أصوؿ الفقه اإلسبلمي‪ ،‬جِ‪،‬صّٕٖ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫د‪ .‬مقاصد الشريعة‪١ :‬تقاصد الشريعة دكر كبَت يف توجيه النشاط اإلنساين كال شك أف‬
‫ا﵀افظة على البيئة تعترب من ا‪١‬تقاصد الضركرية يف الشريعة اإلسبلمية؛ ألف ا‪١‬تقاصد الضركرية هي‬
‫اليت ال بد منها يف قياـ مصاٌف الدارين‪ ،‬كهي الكليات ا‪٠‬تمس‪:‬‬
‫"حفظ الدين كالنفس كالعقل كالنسل كا‪١‬تاؿ" كاليت ثبتت باالستقراء كالتنصيص يف كل أمة‬
‫(ُ)‬
‫كفقد هذ الكليات الضركرية يؤدم إُف عدـ استقامة ا‪ٟ‬تياة كإُف‬ ‫كملة‪ ،‬كيف كل زماف كمكاف‬
‫(ِ)‬
‫كمعلوـ أف مفسدات البيئة تتسبب يف ظواهر كونية مضطربة‬ ‫شيوع الفوضى كاالضطراب‬
‫كظاهرة التسخُت ا‪ٟ‬ترارم كظاهرة هتتك طبقة األكزكف كالظواهر ا‪١‬تناخية ا‪١‬ترتبطة بالعواصف‬
‫كاألعاصَت كالفيضانات‪٦ ،‬تا ٯتكن أف يع ٌد من شيوع الفوضى كاإلضطراب الكوين‪ .‬باإلضافة إُف‬
‫ذلك فإف ا﵀افظة على البيئة تدخل يف أكثر من مقصد من ا‪١‬تقاصد الضركرية‪ ،‬حيث تدخل يف‬
‫حفظ النفس ألف التلوث كالفساد البيئيُت يؤدياف إُف اإلضرار بالنفس اإلنسانية(ّ)؛ نتيجة تسرب‬
‫األشعة الضارة كنتيجة انتشار األدخنة كاألٓترة السامة اليت تقذفها مداخل ا‪١‬تصانع كالطائرات‬
‫كا‪١‬تركبات بأنواعها ‪٦‬تا يتسبب يف أمراض ‪٥‬تتلفة كالسرطاف بأنواعه‪ ،‬كما تدخل يف حفظ ا‪١‬تاؿ‬
‫حيث يؤدم إفساد البيئة إُف اإلضرار با‪١‬تزركعات كيتسبب يف أمراض لئلنساف كا‪ٟ‬تيواف تستنزؼ‬
‫ثركات الناس كمصادر دخلهم(ْ)‪.‬‬
‫هػ‪ .‬السياسة الشرعية‪ :‬كتتمثل يف القياـ على شأف الرعية من قًبىل كالهتم ٔتا يصلحهم من‬
‫األمر كالنهي كاإلرشاد كالتهذيب‪ ،‬كما ٭تتاج إليه ذلك من كضع تنظيمات أك ترتيبات إدارية تؤدم‬
‫إُف ٖتقيق مصاٌف الرعية ّتلب ا‪١‬تنافع أك األمور ا‪١‬تبلئمة‪ ،‬كدفع ا‪١‬تضار كالشركر أك األمور‬

‫(ُ) الشاطيب‪ ،‬إبراهيم بن موسى بن ‪٤‬تمد اللخمي الغرناطي‪ ،‬ا‪١‬توافقات‪ٖ/ِ ،‬‬


‫(ِ) ا‪٠‬تادمي‪ ،‬نور الدين بن ‪٥‬تتار‪ ،‬علم ا‪١‬تقاصد الشرعية‪ ،‬صٖٓ‬
‫(ّ) القرضاكم‪ ،‬يوسف‪ ،‬رعاية البيئة يف شريعة اإلسبلـ‪ ،‬صْٖ‬
‫(ْ) رعاية البيئة يف شريعة اإلسبلـ‪ ،‬صُٓ‬

‫‪41‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ا‪١‬تنافية‪ )ُ(.‬كٯتكن للسياسة الشرعية أف تلعب دكرا كبَتا كمهما يف ا﵀افظة على البيئة من خبلؿ‬
‫سن القوانُت اليت من شأهنا أف تع ٌدؿ من السلوكيات ا‪٠‬تاطئة إتا بعض عناصر البيئة كتضمُت‬
‫مضر بالبيئة أك بعض عناصرها‪ ،‬كما ٯتكن‬
‫تلك القوانُت عقوبات كغرامات مالية إتا أم سلوؾ ٌ‬
‫من خبلؿ االستناد إُف السياسة الشرعية إ‪٬‬تاد التنظيمات كالتعليمات اإلدارية للمحافظة على‬
‫البيئة ك‪ٛ‬تايتها‪.‬‬
‫ك‪ .‬العرؼ‪ :‬هو كل قوؿ كفعل كترؾ اعتاد عليه الناس(ِ)‪ ،‬كٯتكن للعرؼ باعتبار مصدرا‬
‫من مصادر التشريع أف يكوف مستندا إلجراءات كتدابَت تعمل على ‪ٛ‬تاية البيئة كا﵀افظة عليها من‬
‫خبلؿ سن األنظمة كالتعليمات اليت تصبح بعد سنها كالعمل ّٔا عرفا صا‪ٟ‬تا كصحيحا يستند إليه‬
‫يف ‪ٛ‬تاية البيئة‪.‬‬
‫(كتىػ ىع ىاكنيوا‬
‫ز‪ .‬التعاكف الدكِف‪ :‬التعاكف أمر مشركع كمطلوب بل قد يكوف كاجبا قاؿ تعاُف‪ :‬ى‬
‫كال يقتصر األمر بالتعاكف على ا‪١‬تسلمُت‬ ‫اإل ًٍمث ىكالٍ يع ٍد ىك ًاف)‬
‫(ّ)‬
‫ىعلىى الًٍ ّْرب ىكالتَّػ ٍقول ىكىال تىػ ىع ىاكنيوا ىعلىى ًٍ‬
‫ى‬
‫كحدهم بل ٯتكن للدكؿ اإلسبلمية أف تعتمد مبدأ التعاكف مع الدكؿ غَت ا‪١‬تسلمة كهو ما يعرؼ‬
‫بالتعاكف الدكِف‪،‬حيث يشرع هذا النوع من التعاكف يف ا‪١‬تصاٌف ا‪١‬تشًتكة بُت الدكؿ سواء أكانت‬
‫تلك الدكؿ مسلمة أـ غَت مسلمة‪ ،‬كال شك أف ا﵀افظة على البيئة ك‪ٛ‬تايتها يعداف من أعظم‬
‫ا‪١‬تصاٌف ا‪١‬تشًتكة بُت الدكؿ كالشعوب قاطبة؛ ألف مصلحة ا﵀افظة على البيئة ك‪ٛ‬تايتها ليست‬
‫قاصرنة على دكلة أك شعب بعينه كإ‪٪‬تا هي مصلحة مشًتكة عامة ‪ٞ‬تميع الدكؿ كالشعوب‪.‬‬
‫كتعترب اإلتفاقيات كا‪١‬تعاهدات الدكلية من أبرز مظاهر هذا التعاكف إذ ‪٬‬تب على الدكؿ‬
‫اإلسبلمية أف تقوـ بدكر فاعل كطليعي يف التنسيق الدكِف للمحافظة على البيئة كأف توقع على‬
‫ا‪١‬تعاهدات كاإلتفاقيات الدكلية العادلة يف هذا آّاؿ كأف تعمل على اإللتزاـ ّٔا كاحًتامها‪.‬‬

‫(ُ) الشريف‪٤ ،‬تمد بن شاكر‪ ،‬السياسة الشرعية تعريف كتأصيل‪ ،‬صّ‬


‫(ِ) آؿ عمَت‪ ،‬صاٌف بن ‪٤‬تمد بن حسن‪٣ ،‬تموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية‪ ،‬صّٗ‪.‬‬
‫(ّ) ا‪١‬تائدة‪ِ:‬‬

‫‪42‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫محاٖ‪ ٛ‬البٗ‪ ٛ٠‬املا‪:ٟٛٗ‬‬


‫أكُف اإلسبلـ ا‪ٟ‬تنيف عناية بالغة للمحافظة على البيئة ا‪١‬تائية‪ ،‬كٯتكن بياف مبلمح تلك‬
‫العناية من خبلؿ العناكين التالية‪:‬‬

‫أِىٗ‪ ٛ‬املا‪:ٞ‬‬
‫َف يغفل اإلسبلـ أ‪٫‬تية ا‪١‬تاء يف استمرارية ا‪ٟ‬تياة البشرية‪ ،‬بل إف الشرع ا‪١‬تطهر كضع ا‪١‬تاء يف منزلته‬
‫كحاضان بطريقة ضمنية على ضركرة ا﵀افظة على هذا‬
‫ٌ‬ ‫ا‪١‬تناسبة‪ ،‬الفتا بذلك األنظار إُف أ‪٫‬تية ا‪١‬تاء‪،‬‬
‫العنصر ا‪٢‬تاـ‪ ،‬كاٗتاذ ما يلزـ من الوسائل إلدامة االنتفاع به‪ ،‬كسد الذريعة إُف إفساد كتلويثه‪ ،‬كقد‬
‫أبرز الشرع ا‪١‬تطهر أ‪٫‬تية ا‪١‬تاء من خبلؿ ‪ٚ‬تلة أمور ابرزها‪:‬‬
‫ُ‪ .‬أف ا‪١‬تاء هو أكؿ ا‪١‬تخلوقات اليت خلقها ا﵁ سبحانه كتعاُف‪ ﴿ :‬ىكيه ىو الَّ ًذم ىخلىق‬
‫ض ًيف ًست ًَّة أىيَّ واـ ىكىكا ىف ىع ٍر يشهي ىعلىى الٍ ىماء ليبلوكم أيكم أحسن عمبل﴾(ُ)‪.‬‬ ‫َّ ً‬
‫الس ىم ىاكات ىكاأل ٍىر ى‬
‫ِ‪ .‬اعترب الشارع ا‪ٟ‬تكيم ا‪١‬تاء أصل ا‪١‬تخلوقات كلها من حيواف كإنساف كغَت ‪ ،‬كيكفي‬
‫للتدليل على أ‪٫‬تية ا‪١‬تاء يف خلق الكائنات أف نشَتإُف أف األْتاث العلمية أثبتت أف ما يزيد على‬
‫(ِ)‬
‫دؿ على هذا ا‪١‬تعٌت ّتبلء قوله‬
‫(َٗ‪ )%‬من كزف أكثر الكائنات ا‪ٟ‬تية هو من ا‪١‬تاء ‪،‬كقد ٌ‬
‫تعاُف‪ ﴿:‬ىك ىج ىع ٍلنىا ًم ىن الٍ ىم ًاء يك َّل ىش ٍي وء ىحي﴾(ّ)‪.‬‬
‫ّ‪ .‬كيعترب ا‪١‬تاء أهم عامل يف تكوين الغطاء النبايت الذم ال يستغٍت عنه الكوف يف ٖتقيق‬
‫التوازف يف الغبلؼ ا‪ٞ‬توم بُت األكسجُت كثاين أكسيد الكربوف‪ ،‬كيعترب الغطاء النبايت أيضا من‬
‫كسائل تغذية اإلنساف كا‪ٟ‬تيواف‪ ،‬كلذا فإف ا‪١‬تاء يعترب عامبل حا‪ٝ‬تا يف التنمية الزراعية اليت بدكهنا ال‬

‫(ُ) هود‪ٕ:‬‬
‫(ِ) قانوف ‪ٛ‬تاية البيئة‪ ،‬صُٕٔ‬
‫(ّ) األنبياء‪َّ :‬‬

‫‪43‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ض ٍ ً‬
‫ا‪ٞ‬تييرز فىػني ٍخر ي‬
‫ًج‬ ‫وؽ الٍ ىماءى إً ىُف ٍاأل ٍىر ً‬
‫يتحقق قواـ ا‪ٟ‬تياة يف هذا الكوف‪ .‬قاؿ تعاُف‪﴿ :‬أ ىىكىَفٍ يػىىرٍكا أىنَّا نى يس ي‬
‫صيرك ىف﴾(ُ)‪.‬‬ ‫بًًه زرعا تىأٍ يكل ًمٍنه أىنٍػعامهم كأىنٍػ يفسهم أىفى ىبل يػب ً‬
‫يٍ‬ ‫ي ي ى يي ٍ ى يي ٍ‬ ‫ىٍ ن‬
‫ْ‪ .‬يعترب ا‪١‬تاء ا‪١‬تكاف ا‪١‬تناسب الذم توجد فيه ثركات ٔتختلف أنواعها سواء أكانت ثركات‬
‫‪ٝ‬تكية أـ ثركات معدنية‪ ،‬فالبحار كا﵀يطات كاألهنار اليت تشكل ما يزيد عن (َٕ‪ )%‬من مساحة‬
‫األرض تزخر بالثركات السمكية كاألمبلح ا‪١‬تعدنية ٔتختلف أنواعها‪ .‬قاؿ تعاُف‪ ﴿ :‬ىكيه ىو الَّ ًذم‬
‫ىس َّخىر الٍبى ٍحىر لًتىأٍ يكليوا ًمٍنهي ى‪ٟ‬تٍ نما طى ًريِّا ىكتى ٍستى ٍخ ًر يجوا ًمٍنهي ًح ٍليىةن تىػ ٍلبى يسونػى ىها ﴾(ِ)‪،‬‬
‫ٓ‪ .‬كما تع ٌد البحار كا﵀يطات طرقا مناسبة لوسائل ا‪١‬تواصبلت اليت تنقل الناس كالبضائع‬
‫الكثَتة إُف أقاصي الدنيا‪ ،‬كقد لعبت البحار هذا الدكر يف ‪٥‬تتلف العصور كال تزاؿ تلعبه حىت‬
‫أيامنا هذ ‪ ،‬كبالرغم من التطور ا‪٢‬تائل يف كسائل ا‪١‬تواصبلت األخرل الربية منها كا‪ٞ‬توية‪ ،‬إال أف‬
‫االعتماد األكرب يف نقل البضائع كالبًتكؿ كغَت من األدكات كا‪١‬تعدات الثقيلة إ‪٪‬تا يتم عن طريق‬
‫ضلًهً‬ ‫ً‬ ‫سخر لى يكم الٍبحر لًتج ًرم الٍ يف ٍل ً‬ ‫َّ َّ ً‬
‫ك ف ًيه بًأ ٍىم ًرً ىكلتىٍبتىػغيوا ًمن فى ٍ‬
‫ي‬ ‫البحر‪ .‬قاؿ تعاُف‪﴿ :‬اللهي الذم َّ ى ي ى ٍ ى ى ٍ ى‬
‫ىكلى ىعلَّ يك ٍم تى ٍش يكيرك ىف﴾(ّ)‪.‬‬
‫ٔ‪ .‬كما أف للماء استعماالته الطبية الكثَتة‪ ،‬اذ يستعمل ا‪١‬تاء مذيبا لبعض األدكية اليت‬
‫كح ىقنان يف األكردة كالشرايُت‪ ،‬كإذا كاف الطب ا‪ٟ‬تديث يوصي‬
‫تؤخذ إما شربا عن طريق الفم أك إبران ي‬
‫باستخداـ ا‪١‬تاء خافضا لدرجة حرارة ا‪ٞ‬تسم باعتبار بديبل عن األدكية كالعقاقَت الكيماكية اليت ال‬
‫ٗتلو من مضاعفات جانبية فإننا ‪٧‬تد عليه الصبلة كالسبلـ يوصي بذلك يف قوله‪( :‬ا‪ٟ‬تي ٌمى من‬
‫فىػٍيح جهنم فأبردكها با‪١‬تاء)(ْ)‪.‬‬

‫السجدة‪.ِٕ :‬‬ ‫(ُ)‬


‫النحل‪ُْ :‬‬ ‫(ِ)‬
‫ا‪ٞ‬تاثية‪ُِ :‬‬ ‫(ّ)‬
‫أخرجه البخارم من حديث ابن عباس‪ ،‬يف كتاب بدء ا‪٠‬تلق رقم (َُِّ) ك (َِِّ)‪ ،‬كيف كتاب الطب‪،‬‬ ‫(ْ)‬
‫باب ا‪ٟ‬تمى من فيح جهنم رقم (ِِٖٓ)‪،‬كأخرجه مسلم يف كتاب السبلـ رقم (َّْٗ)‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كبناء على ما تقدـ َف يكن مستغربا أف ٯتنت ا﵁ سبحانه كتعاُف على عباد با‪١‬تاء كيف هذا‬
‫اإلمتناف تنبيه كاضح إُف أ‪٫‬تية ا‪١‬تاء يف حياة اإلنساف كا‪ٟ‬تيواف‪ ،‬ألف ا﵁ ال ٯتنت إال ٔتا له أ‪٫‬تية بالغة‬
‫يف تسهيل حياة اإلنساف على كجه هذ البسيطة‪ ،‬كما أف يف هذا اإلمتناف دعوة كاضحة إُف عدـ‬
‫إفساد منن ا﵁ سبحانه كتعاُف كالتعدم عليها باإلستنزاؼ أك التلويث‪.‬‬
‫كاآليات القرآنية الدالة على امتناف ا﵁ سبحانه كتعاُف على عباد با‪١‬تاء كثَتة جدا‪ ،‬كقد‬

‫انتظمت أكجه كثَتة لئلمتناف‪ ،‬كاالمتناف بالشرب كالتطهَت ك‪٨‬تو‪٫‬تا‪ ،.‬قاؿ تعاُف‪ ﴿ :‬أىفىػىرأىيٍػتي يم الٍ ىماءى‬
‫الَّ ًذم تى ٍشىربيو ىف (ٖٔ) أىأىنٍػتي ٍم أىنٍػىزلٍتي يموي ًم ىن الٍ يم ٍزًف(ُ) أ ٍىـ ىٍ‪٨‬ت ين الٍ يمٍن ًزليو ىف ﴾(ِ)ك قوله سبحانه كتعاُف‪:‬‬
‫الس ىم ًاء ىماءن لًييطى ّْهىريك ٍم بًًه﴾(ّ)‪.‬‬‫﴿ ىكيػينىػّْزيؿ ىعلىٍي يك ٍم ًم ىن َّ‬
‫الٍّ٘ عَ تمٕٖح املا‪:ٞ‬‬
‫ليحقق ا‪١‬تاء ا‪١‬تنافع اليت أشرنا إليها سابقا‪ ،‬فبل بد من ا﵀افظة عليه من كافة أشكاؿ التلوث‪ ،‬سواء‬
‫كانت أشكاؿ بدائية أك كيماكية معقدة‪ ،‬كقد أكلت الشريعة اإلسبلمية ا﵀افظة على ا‪١‬تاء من‬
‫التلوث عناية فائقة ٯتكن إبراز أهم مبل‪٤‬تها يف النقاط التالية‪:‬‬
‫دؿ على ذلك حديث أيب هريرة‬
‫ُ‪ .‬اف الشرع ا‪١‬تطهر هنى عن التبوؿ يف ا‪١‬تاء الراكد‪ ،‬كما ٌ‬
‫لن أحدكم يف ا‪١‬تاء الدائم مث يغتسل منه)‬
‫رضي ا﵁ عنه كفيه قوله صلى ا﵁ عليه كسلم‪( :‬ال يبو ٌ‬
‫كيف ركاية (مث يتوضأ منه)(ْ)‪ .‬كهذا النهي عن البوؿ يف ا‪١‬تاء الراكد ال يعٍت ْتاؿ ٕتويز يف ا‪١‬تاء‬
‫ا‪ٞ‬تارم‪،‬كذلك ألف هذا النهي خرج ‪٥‬ترج الغالب كهو أف غالب بوؿ الناس أك غالب اغتسا‪٢‬تم‬

‫(ُ) ا‪١‬تزف‪ :‬السحب كالغيوـ اليت ٖتمل ا‪١‬تاء‬


‫(ِ) الواقعة‪.ٖٔ،ٔٗ ،‬‬
‫(ّ) األنفاؿ‪ُُ :‬‬
‫(ْ) أخرجه مسلم يف كتاب الطهارة رقم (ِّْ)‪ ،‬كالنسائي يف كتاب الغسل كالتيمم رقم (ّٔٗ)‪،‬كابن ماجة يف‬
‫كتاب الطهارة رقم (ّّٕ) أما ركاية "مث يتوضأ منه" أخرجها أ‪ٛ‬تد‪ ،‬جِ‪ ،‬صِٖٖ رقم (ِٖٓٓ)‪ ،‬ك جِ‪،‬‬
‫ص ِْٗ‪ ،‬رقم (ََُْٗ) كالبيهقي يف السنن الكربل‪ ،‬جُ‪ ،‬ص ِّٗ‪ ،‬رقم (َُِٕ) كالطحاكم يف شرح‬
‫معاين اآلثار‪ ،‬جُ‪ ،‬ص ُٓ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كتوضئهم إ‪٪‬تا هو من ا‪١‬تاء الراكد‪ .‬كيدؿ على ذلك ما ركل جابر‪( :‬أف رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه‬
‫كسلم هنى أف يباؿ يف ا‪١‬تاء ا‪ٞ‬تارم)(ُ)‪ .‬كهذا النهي يتناكؿ ما تقوـ به بعض الدكؿ من ٖتويل‬
‫لتصب يف البحر‪ .‬فإذا كاف رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم قد هنى‬
‫ٌ‬ ‫‪٣‬تارم بعض مدهنا الساحلية‬
‫ٕتر ميا آّارم اليت تقدر ٔتبلين ا‪١‬تًتات ا‪١‬تكعبة‬
‫األفراد عن ‪٣‬ترد البوؿ يف ا‪١‬تاء فكيف يتصور أف َّ‬
‫لتصب يف البحر أك يف ا﵀يط؟‬
‫فبل شك أف الفساد كالتلوث ا‪ٟ‬تاصلُت من مثل هذ ا‪١‬تيا هو أعظم كأشد من التلوث‬
‫ا‪ٟ‬تاصل من ‪٣‬ترد تبوؿ أفراد يف ماء راكد أك جار‪ .‬كا‪ٟ‬تق أف النهي عن البوؿ يف ا‪١‬تاء فيه اشارة‬
‫كاضحة إُف كافة أكجه تلويث ا‪١‬تاء‪ ،‬فيدخل يف ذلك تلويث بطرح ‪٥‬تلفات ا‪١‬تصانع الكيماكية‬
‫كغَتها‪ ،‬كما يدخل أيضا تلويثه بدفن النفايات السامة أك النفايات النوكية فيه ‪٦‬تا يؤدم إُف هبلؾ‬
‫الكثَت من الكائنات البحرية‪ ،‬األمر الذم ٮتل بالتوازف ا‪ٟ‬تيوم يف البحار كما يستتبع ذلك من‬
‫اخبلؿ بالتوازف البيئي عموما‪.‬‬
‫كما ال ٗتلو التفجَتات النوكية يف أعماؽ البحار من أضرار بيئية خطَتة تضر بالبيئة‬
‫البحرية كتفسدها‪.‬‬
‫ِ‪ .‬أمر ا‪١‬تسلمُت بالتأكد من تغطية االكاين كاألسقية اليت تكوف يف ا‪١‬تنازؿ‪ .‬فأمر النيب‬
‫صلى ا﵁ عليه كسلم ا‪١‬تسلمُت بتغطية األكاين يف منازؿ الناس كبيوهتم منعا من تلويثها إما بوركد‬
‫ا‪ٟ‬تيوانات كا‪ٟ‬تشرات عليها أك ٔتا ٯتكن أف يصلها من ميكركبات كجراثيم من كسط ا﵀يط ّٔا‪.‬‬
‫(ِ)‬
‫دؿ على ذلك ‪٣‬تموعة من األدلة الشرعية منها قوله صلى ا﵁ عليه كسلم‪ٜ( :‬تٌركا آنيتكم)‬
‫كقد ٌ‬

‫(ُ) أخرجه الطرباين يف األكسط‪ ،‬ج ِ‪ ،‬صْْٔ‪ ،‬رقم (َُٕٕ)‪ ،‬كقاؿ‪َ :‬ف يرك هذا ا‪ٟ‬تديث عن األكزاعي إال‬
‫ا‪ٟ‬تارث‪.‬‬
‫(ِ) أخرجه البخارم‪،‬جٓ‪،‬ص َِِّ‪ ،‬رقم (ّٕٗٓ)‪،‬ك ج ّ‪ ،‬صَُِٓ‪ ،‬رقم (ُّّٖ) كمسلم‪ ،‬ج ّ‪ ،‬ص‬
‫َُْٗ‪ ،‬رقم (َُِِ)‬

‫‪46‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كا‪١‬تراد بتخمَت اآلنية تغطيتها ؛ ألف لفظ التخمَت يف اللغة يدؿ على السًت كالتغطية كمنه ‪ٜ‬تار‬
‫ا‪١‬ترأة(ُ)‪.‬كقوله صلى ا﵁ عليه كسلم‪( :‬غطوا اإلناء كأككئوا السقاء)(ِ)‪.‬‬
‫ّ‪ .‬كقد تعدل اإلهتماـ با‪١‬تاء كمصادر إُف النهي عن التنفس أك النفخ يف ا‪١‬تاء‪١ ،‬تا ٯتكن‬
‫(ّ)‬
‫دؿ على ذلك قوله‬
‫أف ينجم عن هذا النفخ من انتقاؿ للجراثيم إُف اإلناء ا‪١‬تنفوخ فيه ‪،‬كما ٌ‬
‫صلى ا﵁ عليه كسلم‪( :‬إذا شرب أحدكم فبل يتنفس يف اإلناء)(ْ)‪ ،‬كهذا النهي يستلزـ ٖترمي‬
‫تلويث ا‪١‬تاء بأم ملوث كاف ؛ ألف مورد النهي يتناكؿ كل ا‪١‬تلوثات كليس التلويث با‪١‬تايكركبات‬
‫كا‪ٞ‬تراثيم فقط‬
‫ْ‪ .‬كقد شدد الشارع ا‪ٟ‬تكيم بشأف تلويث مصادر ا‪١‬تاء‪ ،‬فع ٌد تلويث مصادر ا‪١‬تاء ‪٣‬تلبة‬
‫دؿ على ذلك قوله صلى ا﵁ عليه كسلم‪( :‬إتقوا ا‪١‬تبلعن الثبلث‪ :‬الرباز يف ا‪١‬توارد‬
‫للعن‪ ،‬كما ٌ‬
‫كقارعة الطريق كالظل)(ٓ)‪.‬‬
‫يدؿ على شناعة هذا األمر كال ٗتفى داللته‬
‫إف ترتيب اللعن على التبوؿ يف موارد ا‪١‬تيا ٌ‬
‫على اإلهتماـ الكبَت الذم ٖتظى به مصادر ا‪١‬تيا من قبل الشارع ا‪ٟ‬تكيم‪.‬‬

‫عدً استٍزاف وصادز املا‪:ٞ‬‬


‫إف االستفادة ا‪١‬تثلى من هذا ا‪١‬تورد ا‪ٟ‬تيوم ا‪١‬تهم تتطلب منهجا رشيدا يف استعماله‬
‫كاالنتفاع به‪ .‬كهذا يفرض بدكر عدـ التبذير كاإلسراؼ يف استعماؿ ا‪١‬تاء‪،‬ك ذلك ‪١‬تا يًتتب على‬

‫(ُ) الزبيدم‪٤ ،‬تمد مرتضى‪ ،‬تاج العركس من جواهر القاموس‪ ،‬منشورات دار مكتبة ا‪ٞ‬تيل‪ ،‬جّ‪ ،‬صُٕٖ‪.‬‬
‫(ِ) أخرجه مسلم‪ ،‬جّ‪ ،‬ص ُْٗٓ‪ ،‬رقم (َُِِ)‪ ،‬كج ّ‪ ،‬ص ُٔٗٓ‪ ،‬رقم (َُِْ)‪.‬‬
‫(ّ) العيٍت‪ ،‬بدر الدين‪ ،‬عمدة القارم شرح صحيح البخارم‪ ،‬دار إحياء الًتاث العريب‪ ،‬بَتكت‪ ،‬جُِ‪،‬‬
‫صََِ‪ ،‬قانوف ‪ٛ‬تاية البيئة‪ ،‬ص ُٕٓ‪.‬‬
‫(ْ) أخرجه البخارم‪ ،‬جُ‪ ،‬ص ٗٔ‪ ،‬رقم (َِِ)‪.‬‬
‫(ٓ) أخرجه أبو داكد‪ ،‬جُ‪ ،‬صٕ‪ ،‬رقم (ِٔ)‪ ،‬كأ‪ٛ‬تد‪ ،‬جُ‪ ،‬ص ِٗٗ‪ ،‬رقم (ُِٕٓ)‪ ،‬كالطرباين يف ا‪١‬تعجم‬
‫الكبَت‪ ،‬جَِ‪ ،‬ص ُِّ‪ ،‬رقم (ِْٕ)‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫هذا التبذير كذاؾ اإلسراؼ من إستنزاؼ للثركة ا‪١‬تائية كإهدار ‪١‬تصادرها كتعطيل لكثَت من ا‪١‬ترافق‬
‫اليت يلعب ا‪١‬تاء دكرا هاما يف ادامة اإلستفادة منها‪.‬‬
‫إف االستنزاؼ ا‪ٞ‬تائر ‪١‬تصادر ا‪١‬تيا يعد من اخطر ملوثات البيئة كذلك ‪١‬تا يلي‪:‬‬
‫ُ‪ -‬إف هذا االستنزاؼ يؤدم اُف ارتفاع نسبة ا‪١‬تلوحة يف ا‪١‬تاء‪٦ ،‬تا ‪٬‬تعل ا‪١‬تاء عاجزا عن‬
‫ٖتقيق االهداؼ كا‪١‬تصاٌف ا‪١‬تتوخاة من استعماله يف الزراعة كالشرب كغَت‪٫‬تا‪.‬‬
‫ِ‪ -‬إف نضوب ا‪١‬تاء أك ندرتة‪ ،‬يؤدياف إُف تلوث البيئة‪ ،‬كذلك لعدـ توفر ا‪١‬تاء الكايف‬
‫للتطهَت كالتنظيف‪.‬‬
‫ّ‪ -‬إف اإلسراؼ يف استعماؿ ا‪١‬تاء لؤلغراض ا‪١‬تنزلية يؤدم إُف ٖتويل كميات كبَتة من ا‪١‬تيا‬
‫الصا‪ٟ‬تة النقية إُف ميا عادمة‪ ،‬كال شك أف ا‪١‬تيا العادمة تعد من أكثر ملوثات البيئة‪ ،‬كما أف‬
‫تدفق ا‪١‬تبليُت من األمتار ا‪١‬تكعبة من ا‪١‬تيا العادمة إُف ‪٤‬تطات التنقية يلحق ضررا بالغا ّٔذ‬
‫ا﵀طات‪،‬كيضعف قدرهتا على التنقية‪ ،‬إلف ا‪١‬تيا العادمة ا‪١‬تتدفقة تزيد عن طاقتها‪ ،‬كهذا بدكر‬
‫يؤدم إُف تراجع كا‪٩‬تفاض يف مستويات التنقية‪ ،‬فإذا استعملت هذ ا‪١‬تيا أصبحت من أخطر‬
‫ملوثات البيئة كما أف تراجع مستويات التكرير كالتنقية يؤدم إُف انتشار الركائح الكريهة ا‪١‬تنبعثة‬
‫من بعض هذ ا﵀طات كاليت قد تنتشر إُف مسافات بعيدة‪ ،‬كرٔتا كاف بعض هذ ا﵀طات قريبا‬
‫من ٕتمعات سكانية كما أف االسراؼ يف ا‪١‬تأكل كا‪١‬تشرب كا‪١‬تلبس يؤدم إُف ضغط كبَت على‬
‫موارد البيئة كمقدراهتا كٮتل إخبلال بيٌنا بتوازف ا‪ٟ‬تيوم يف هذ البيئة‪.‬‬
‫كقد سبق اإلسبلـ غَت يف كضع ا‪١‬تبادئ كالتعليمات كالتوجيهات اليت ٖتوؿ دكف استنزاؼ‬
‫ا‪١‬تيا ‪ ،‬كمن هنا فقد هنى الشارع ا‪ٟ‬تكيم عن التبذير كاإلسراؼ يف استعماؿ ا‪١‬تاء ‪٦‬تا يؤدم اُف‬
‫استنزافه كنضوبه‪ ،‬كقد كاف النهي عن استنزاؼ ا‪١‬تاء كاإلسراؼ يف استعماله يف إتاهُت‪:‬‬
‫االٕتاة االكؿ‪:‬النصوص الناهيه عن االسراؼ عموما كاليت يدخل يف عمومها اإلسراؼ يف‬
‫استعماؿ ا‪١‬تاء‪ ،‬فقد هنى ا﵁ سبحانه كتعاُف عن االسراؼ يف الطعاـ كالشراب‪.‬قاؿ ا﵁ تعاُف‪:‬‬

‫‪48‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ً‬ ‫(كيكليوا ىكا ٍشىربيوا ىكىال تي ٍس ًرفيوا إًنَّهي ىال يً٭ت ُّ‬
‫ب الٍ يم ٍس ًرف ى‬
‫ُت)(ُ)‪،‬فقد راينا كيف أخرب ا﵁ سبحانه كتعاُف اف‬ ‫ى‬
‫االسراؼ يف امور الطعاـ كالشراب ‪٣‬تلبه لبغضه كعدـ حبه‪ ،‬كال شك يف أف أم مسلم يهوله ٌأال‬
‫٭تبه ا﵁ سبحانه كتعاُف‪ ،‬االمر الذم يدفعه اُف اجتناب كل امر يستجلب بغضه سبحانه كتعاُف‪.‬‬
‫كمن هذ النصوص أيضا قوله صلى ا﵁ عليه كسلم‪( :‬كل كاشرب كتصدؽ من غَت‬
‫إسراؼ كال ‪٥‬تيلة)(ِ)‪ ،‬كهذا أمر نبوم لكل مسلم بأف ‪٬‬تتنب اإلسراؼ يف مأكله كيف مشربه‪.‬‬
‫كإذا كانت النصوص القرآنية كالنصوص النبوية ا‪١‬تطهرة قد هنت عن اإلسراؼ يف األكل‬
‫كالشرب اللذين يعداف من الضركرات إلقامة ا‪ٟ‬تيا كإدامتها فبل شك أف النهي عن اإلسراؼ يف‬
‫ا‪١‬تاء لغَت ضركرة سيكوف آكد كآكُف‪ ،‬كال شك أف اإلسراؼ يف ا‪١‬تأكل كا‪١‬تشرب يؤدم إُف‬
‫استنزاؼ مصادر البيئة‪،‬كما أنه يساعد يف طرح الفضبلت اآلدمية اليت تعترب من أكثر ملوثات‬
‫للبيئة‪.‬‬
‫اإلٕتا الثاين‪ :‬النصوص اليت جاءت تنهى عن اإلسراؼ يف ا‪١‬تاء بصفة خاصة‪.‬‬
‫لقد هنى الشارع ا‪ٟ‬تكيم عن اإلسراؼ يف استعماؿ ا‪١‬تاء كإف كاف ذلك يف عبادة هي من‬
‫أشرؼ العبادات كأجلها كهي الطهارة اليت تعد مفتاح الصبلة‪.‬‬
‫كمن النصوص الدالة على ذلك‪:‬‬
‫ُ‪ -‬ما ركل عبد ا﵁ بن عمر رضي ا﵁ عنهما أف رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم مر‬
‫السىرؼ يا سعد؟)‪ ،‬فقاؿ‪ :‬كهل يف ا‪١‬تاء ىسىرؼ يا رسوؿ ا﵁؟‬ ‫بسعد كهو يتوضػأ فقاؿ‪(:‬ما هذا ى‬
‫قاؿ‪( :‬نعم‪ ،‬كإف كنت على هنر جا ور)(ّ)‪.‬فأنت ترل أنه عليه الصبلة كالسبلـ َف يعترب ‪٣‬ترد ندرة‬

‫(ُ) االنعاـ‪.ُُْ :‬‬


‫(ِ) أخرجه ا‪ٟ‬تاكم يف ا‪١‬تستدرؾ‪ ،‬جْ‪ ،‬صَُٓ‪ ،‬رقم (ُٖٖٕ)‪ ،‬كبزيادة لفظة "كالبسوا"‪ ،‬كالطيالسي يف‬
‫مسند ‪،‬صِٗٗ‪ ،‬رقم (ُِِٔ)‪ ،‬كالنسائي يف الكربل‪ ،‬جِ‪ ،‬صُْ‪ ،‬رقم (َِّْ)‪.‬‬
‫(ّ) أخرجه أ‪ٛ‬تد يف ا‪١‬تسند‪،‬جِ‪،‬صُِِ‪،‬رقم(َٕٓٔ)‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ا‪١‬تاء كقلته ا‪١‬تربر لعدـ اإلسراؼ يف استعماؿ ا‪١‬تاء‪ ،‬بل إنه عليه الصبلة كالسبلـ هنى عن اإلسراؼ‬
‫حىت مع كثرة ا‪١‬تاء كتوفر ‪ ،‬كما دؿ على ذلك قوله‪(:‬كإف كنت على هنر جار)‪.‬‬
‫فليت الدكؿ اليت يكثر فيها ا‪١‬تاء تفطن إُف هذا ا‪١‬تعٌت فتمتنع عن اإلسراؼ يف استعماؿ‬
‫ا‪١‬تاء ألف ما كاف كثَتا يف زماف سيؤكؿ إُف القلة باستنزافه كاإلسراؼ فيه كتبذير ‪ ،‬كما أف هذ‬
‫دعوة إُف األفراد القادرين الذين ال يعانوف من شح ا‪١‬تيا لكي ال يعتربكا كفرة ا‪١‬تاء أك قدرهتم على‬
‫دفع ‪ٙ‬تنه مسوغا للتبذير كاإلسراؼ فيه‪،‬انسجاما مع ا‪٢‬تدم النبوم الشريف الذم سبقت اإلشارة‬
‫إليه‪.‬‬
‫ِ‪ -‬حديث عمرك بن شعيب عن أبيه عن جد رضي ا﵁ عنهم قاؿ‪:‬جاء أعرايب إُف النيب‬
‫صلى ا﵁ عليه كسلم يسأله عن الوضوء‪،‬فأرا ثبلثا‪،‬مث قاؿ‪(:‬هذا الوضوء‪،‬من زاد على هذا فقد‬
‫أساء كتعدل كظلم)(ُ)‪ .‬فإذا كاف النيب صلى ا﵁ عليه كسلم يسمي الزيادة على الغسله الثالثه يف‬
‫الوضوء تعديا كإساءة كظلما مع اف الزيادة إ‪٪‬تا كانت يف أمر طهارة كعبادة‪ ،‬فكيف باإلسراؼ‬
‫فيما ليس بعبادة!‬
‫ّ‪ -‬كقد طبق عليه الصبلة كالسبلـ هذة التوجيهات على نفسه من الناحيه العمليه مقدما‬
‫ا‪١‬تثاؿ كالقدكة على عدـ اإلسراؼ يف استعماؿ ا‪١‬تاء‪ .‬فقد ركم عنه صلى ا﵁ عليه كسلم انه كاف‬
‫يغتسل بالصاع كيتوضأ با‪١‬تد (ِ)‪.‬كالصاع النبوم ال يكاد يزيد عن لًتين كنصف كاما ا‪١‬تد فهو ربع‬
‫صاع ام ما يساكم ِٓٔ مل من ا‪١‬تاء‪ ،‬حىت أف أحد التابعُت ‪١‬تا ركم له هذا ا‪ٟ‬تديث‪،‬قاؿ‪ :‬إف‬
‫هذا ال يكفي فقاؿ ابن عباس رضي ا﵁ عنه‪ :‬لقد كاف يكفي من هو خَت منك (ّ)‪.‬‬

‫(ُ) اخرجه النسائي يف كتاب الطهارة رقم (َُْ)‪،‬كا‪ٛ‬تد يف ا‪١‬تسند يف مسند ا‪١‬تكثرين من الصحابه رقمّٕٗٔ‪.‬‬
‫(ِ) اخرجه البخارم يف كتاب الوضوء‪ ،‬جُ‪ ،‬صْٖ‪،‬رقم(ُٖٗ)‪،‬كمسلم يف كتاب ا‪ٟ‬تيض‪ ،‬جُ‪ ،‬صِٖٓ‪،‬‬
‫رقم(ِّٓ)‪.‬‬
‫(ّ) اخرجه ا‪ٛ‬تد يف مسندة يف مسند بٍت هاشم رقم(ِْٕٗ)‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كما طبق عليه الصبلة كالسبلـ هذ التوجيهات عندما كاف يغتسل كإحدل زكجاته من‬
‫إناء كاحد ٗتتلف ايديهما فيه (ُ)‪.‬فإذا كانت النصوص السابقة كغَتها كثَت‪٘،‬تنع اإلسراؼ يف‬
‫أستعماؿ ا‪١‬تاء يف الضركرات كاالكل كالشرب كالعبادة فمنع اإلسراؼ يف استعماله يف غَت األشياء‬
‫الضركرية كهو كثَت يف ايامنا هذ من باب أكُف‪.‬‬

‫محاٖ‪ ٛ‬البٗ‪ ٛ٠‬الربٖ‪.ٛ‬‬


‫أ‪٫‬تية نظافة البيئة الربية‪:‬‬
‫إف ا‪١‬تتتبع للتعاليم اإلسبلمية فيما ٮتتص بنظافة البيئة الربية اليت يعيش فيها اإلنساف ‪٬‬تد أف هذ‬
‫التعاليم السمحة قد أكلت النظافة عناية فائقة غَت مسبوقة‪ ،‬كتتمثل هذ العناية الفائقة يف نظافة‬
‫البيئة ك‪ٛ‬تايتها من خبلؿ ‪ٚ‬تلة أمور يف ما يلي أبرزها‪:‬‬
‫ُ‪ .‬إف الشريعة اإلسبلمية الغراء اعتربت النظافة‪ ،‬اليت يعرب عنها ٔتفهوـ الشرعي ب‬
‫دؿ على‬
‫(الطهارة) جزءان مهما من عقيدة ا‪١‬تسلم كإٯتانه‪ ،‬بل اعتربهتا نصف اإلٯتاف كشطر ‪ ،‬كما ٌ‬
‫ذلك قوله صلى ا﵁ عليه كسلم‪( :‬الطهور شطر اإلٯتاف)(ِ)‪ ،‬أف اعتبار الشريعة اإلسبلمية الطهارة‬
‫شطرا لئلٯتاف يعطينا مؤشرا كاضحا على ا‪١‬تدل الذم بلغته الشريعة الغراء يف العناية البيئية كال‬
‫يقتصر مفهوـ النظافة ا‪١‬تعرب عنه شرعا بالطهارة على ‪٣‬ترد النظافة الشخصية كا‪٪‬تا يتعدل ذلك‬
‫ليتناكؿ نظافة البيئة الربية عموما ليدخل يف ذلك نظافتها كطهارهتا من النفايات الضارة اليت‬
‫تسبب يف اإلضرار ّٔذ البيئة كنفايات الكيماكية كالنوكية حيث ال ‪٬‬توز طمر هذ النفايات يف‬
‫األرض ‪١‬تا يًتتب على ذلك من أضرار بيئية كبَتة بل ‪٬‬تب التخلص من هذ النفايات بطريقة آمنة‬

‫(ُ) أخرجه البخارم عن عائشة رضي ا﵁ عنها قالت‪( :‬كنت أغتسل أنا كرسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم من‬
‫إناء كاحد ٗتتلف أيدينا فيه جُ‪،‬صَُّ‪،‬رقم(ِٖٓ)‬
‫(ِ) أخرجه مسلم يف كتاب الطهارة‪ ،‬باب فضل الوضوء‪،‬من حديث أيب مالك األشعرم‪ ،‬جُ‪ ،‬صَِّ‪،‬‬
‫حديث رقم(ِّّ)‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ال تلحق ضررا بالبيئة عموما كالبيئة الربية على كجه ا‪٠‬تصوص‪ ،‬فلفظ الطهور لفظ عاـ ال ٮتتص‬
‫بالنظافة الشخصية كحدها‪ ،‬بل ٯتكن تعدية مفهومه ليشمل النظافة البيئية عموما‪.‬‬
‫ِ‪ .‬إف هذ التعاليم الغراء قد بدأت باألمر بالطهارة كالنظافة منذ أكؿ نزكؿ لقبسات‬
‫الوحي‪ ،‬فبالرغم من أف األكامر القرآنية ا‪١‬تتضمنة للتكاليف الشرعية العملية التفصيلة قد تأخرت يف‬
‫طلبها إُف ا‪١‬ترحلة ا‪١‬تدنية‪ ،‬إال أننا ‪٧‬تد أف األمر بالطهارة كالنظافة كاجتناب األكساخ كالقذارة قد‬
‫كاف منذ البدايات األكُف لنزكؿ الوحي اإل‪٢‬تي‪ ،‬كيدؿ على ذلك قوله تعاُف‪﴿ :‬يىا أىيػُّ ىها الٍ يم َّدثػّْير (ُ)‬
‫ً‬
‫الر ٍجىز فى ٍاه يج ٍر (ٓ) ﴾(ُ)‪،‬‬ ‫ك فى ىكبّْػ ٍر (ّ) ىكثًيىابى ى‬
‫ك فىطى ّْه ٍر (ْ) ىك ُّ‬ ‫قي ٍم فىأىنٍذ ٍر (ِ) ىكىربَّ ى‬
‫كهذا االجتناب لؤلنداس كاألرجاس لشمل يف مفهومه كل ا‪١‬تلوثات إذا كانت ا‪١‬تلوثات‬
‫البسيطة البدائية كاألكساخ كالنجاسات مأمورا باجتنأّا‪ ،‬فبل شك أف ا‪١‬تلوثات ا‪١‬تعقدة كاالكثر‬
‫خطرا مأمور باجتنأّا من باب أكُف؛ ألف التلويث ا‪ٟ‬تاصل منها أفدح خطرا من التلويث ا‪ٟ‬تاصل‬
‫باألكساخ كالنجاسات اليسَتة‪.‬‬
‫ّ‪ .‬إف الشريعة اإلسبلمية قد اعتربت النظافة كالطهارة دينا يتقرب به ا‪١‬تسلم إُف ا﵁ تعاُف‬
‫كتتجلى عناية الشريعة يف اعتبار تنظيف الطرؽ العامة كازالة األكساخ كالقاذكرات منها ‪٣‬تلبة لؤلجر‬
‫دؿ على ذلك قوله عليه الصبلة كالسبلـ‪( :‬تبسمك يف كجه‬
‫كا‪١‬تثوبة عند ا﵁ سبحانه كتعاُف كما ٌ‬
‫أخيك صدقة‪ ،‬كإماطتك األذل عن الطريق صدقة)(ِ) كال شك بأف ا‪١‬تراد باألذل كل ما يؤذم‬
‫الناس يف صحتهم كيف مشيهم كيف ذكقهم‪ ،‬فيدخل فيه كافة األكساخ اليت تكوف يف الطريق‪ ،‬كإذا‬
‫كاف ا‪١‬تؤمن مأمورا بإماطة األذل عن الطريق‪ ،‬فبل شك بأنه مأمور من باب أكُف بأف ال يساهم‬
‫يف طرح األكساخ يف الطريق من خبلؿ رميه القاذكرات كغَتها فيها‪.‬‬

‫(ُ) ا‪١‬تدثر‪.ٓ-ُ:‬‬
‫(ِ) اخرجه الًتمذم يف كتاب الرب كالصلة‪ ،‬حديث رقم (ُٕٖٗ)‪ ،‬من حديث أيب ذر رضي ا﵁ عنه‪.‬قاؿ أبو‬
‫عيسى‪:‬هذا حديث حسن غريب‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كليست اماطة األذل ا‪١‬تأمور ّٔا يف ا‪ٟ‬تديث مقصورا على األكساخ كالقاذكرات ا‪١‬تعتادة‬
‫كا‪١‬تعركفة‪ ،‬بل إف ا‪١‬تلوثات األكثر إيذاء للبيئة كالكائنات ا‪١‬توجودة فيها من إنساف كحيواف كحىت‬
‫نبات داخلة يف األمر باإلماطة –أم اإلزالة‪ -‬من باب أكُف‪ ،‬كعليه فإف الشرع يأمرنا بإزالة كل‬
‫أذل تعترب ازالته صدقة كقربة إُف ا﵁ تعاُف‪.‬‬
‫أشكاؿ التلويث كيعترب ذلك ن‬
‫ْ‪ .‬إف الشريعة اإلسبلمية قد جعلت عدـ اإلهتماـ بالنظافة ‪٣‬تلبة للعذاب يف اآلخرة‪ ،‬كما‬
‫دؿ على ذلك قوله صلى ا﵁ عليه كسلم‪( :‬استنزهوا من البوؿ فإف عامة عذاب القرب منه)(ُ)‪ ،‬إف‬
‫ٌ‬
‫ربط الشريعة بُت عدـ مراعاة النظافة كبُت العذاب له أثر البالغ يف دفع ا‪١‬تسلم لئللتزاـ ا‪ٞ‬تازـ الذم‬
‫يًتتب على اإلخبلؿ به العقوبة األخركية بل اف النصوص ا‪١‬ترتبة العذاب الشديد على من ال‬
‫يستنز من القاذكرات ٯتكن أف تكوف سندا للدكلة يف كضع العقوبات الدنيوية الرادعة يف حق كل‬
‫من يتعدل على البيئة بطرح ا‪١‬تلوثات فيها‪ ،‬سواء أكاف ا‪١‬تقذكؼ من األفراد أـ ا‪١‬تصانع أـ‬
‫ا‪١‬تؤسسات كإف يف العقوبة التعزيرية ّٓاالت رحبة للدكلة كي تضع العقوبات الدنيوية ا‪١‬تناسبة‪،‬‬
‫اليت ٯتكن أف تقنن من خبلؿ سن التشريعات كالقوانُت اليت ترتب العقوبات التعزيرية كالغرامات‬
‫على ا‪١‬تخالفات البيئية‪،‬‬
‫ٓ‪ .‬كتبلغ الشريعة اإلسبلمية ذركهتا يف التشديد كاإلعظاـ يف النكَت على طرح ا‪١‬تلوثات يف‬
‫دؿ على ذلك قوله‬
‫األماكن العامة كالطرؽ كأماكن الظل‪ ،‬عندما تعترب هذا الفعل ‪٣‬تلبة للعن‪ ،‬كما ٌ‬
‫عليه الصبلة كالسبلـ‪( :‬اتقوا ا‪١‬تبلعن الثبلث‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسوؿ ا﵁‪ ،‬كما هي؟ قاؿ‪ :‬الرباز يف ا‪١‬توارد‪،‬‬
‫كعلى قارعة الطريق‪ ،‬كيف أماكن الظل)(ِ)‪.‬‬

‫(ُ) أخرجه الدارقطٍت يف كتاب الطهارة‪ ،‬باب ‪٧‬تاسة البوؿ‪ ،‬جُ‪ ،‬صُِٖ‬
‫(ِ) سبق ٗتر‪٬‬ته‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫محاٖ‪ ٛ‬وهٌٕات البٗ‪ ٛ٠‬الربٖ‪ٛ‬‬


‫ال ٗتفى أ‪٫‬تية البيئة الربية‪ ،‬فالرب هو البيئة اليت يعيش فيها اإلنساف ككثَت من ا‪ٟ‬تيوانات‬
‫كالنباتات‪ ،‬كمن هنا فقد عٍت اإلسبلـ بتنظيم هذ البيئة كإظهار منٌة ا﵁ سبحانه كتعاُف على‬
‫يعرب عن البيئة الربية باألرض كإذا تتبعنا اآليات‬
‫عباد يف خلقها كتوازهنا‪ .‬كالقرآف الكرمي غالبا ما ٌ‬
‫القرآنية الكثَتة يف ا‪ٟ‬تديث عن األرض ‪٧‬تد أف سبحانه كتعاُف أنبأنا بأنه خلق األرض كق ٌدر فيها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ُت ىكىٍٕت ىعليو ىف لىهي‬ ‫ض ًيف يػىوىم ٍ ً‬
‫ٍ‬ ‫أقواهتا كبارؾ فيها‪ .‬قاؿ تعاُف‪( :‬قي ٍل أىئنَّ يك ٍم لىتى ٍك يفيرك ىف بًالَّذم ىخلى ىق ٍاأل ٍىر ى‬
‫َّر فً ىيها أىقٍػ ىواتىػ ىها ًيف أ ٍىربػى ىع ًة‬ ‫ً‬ ‫ً ً ً‬ ‫ً‬
‫ُت (ٗ) ىك ىج ىع ىل ف ىيها ىرىكاس ىي م ٍن فىػ ٍوق ىها ىكبى ىارىؾ ف ىيها ىكقىد ى‬
‫ك ر ُّ ً‬
‫ب الٍ ىعالىم ى‬
‫ً‬
‫أىنٍ ىدادان ذىل ى ى‬
‫ض اًئٍتًيىا طىٍوعان أ ٍىك ىك ٍرهان‬ ‫الس ىم ًاء ىكًه ىي يد ىخا هف فىػ ىق ى‬
‫اؿ ى‪٢‬تىا ىكلً ٍؤل ٍىر ً‬ ‫استىػ ىول إً ىُف َّ‬
‫ُت (َُ) يمثَّ ٍ‬
‫أىيَّ واـ سواء لً َّ ًً‬
‫لسائل ى‬ ‫ىى ن‬
‫ُت (ُُ)(ُ)‪.‬‬‫ًً‬
‫قىالىتىا أىتػىٍيػنىا طىائع ى‬
‫كقد امنت ا﵁ سبحانه كتعاُف على عباد بأف سخر ‪٢‬تم األرض كذللها ‪٢‬تم كأمرهم بالسَت‬
‫(ه ىو الَّ ًذم ىج ىع ىل لى يك يم‬
‫فيها كاالنتفاع بالرزؽ الذم قدر ا﵁ سبحانه كتعاُف فيها‪ .‬قاؿ تعاُف‪ :‬ي‬
‫ً‬
‫ور)(ِ)‪ ،‬فإف االمتناف من ا﵁ عز كجل‬ ‫ض ذىلي نوال فى ٍام يشوا ًيف ىمنىاكًبً ىها ىكيكليوا ًم ٍن ًرٍزق ًه ىكإًلىٍي ًه الن ي‬
‫ُّش ي‬ ‫ٍاأل ٍىر ى‬
‫ٔتكونات البيئة الربية ٭تمل يف ثنايا األمر با﵀افظة عليها كعدـ افسادها بالتلويث‪ ،‬ألف يف ذلك‬
‫افسادا ‪١‬تنة ا﵁ عز كجل كتفويتا ‪٢‬تا‪٦ ،‬تا يتناقض كمقصد الشرع ا‪١‬تطهر‪.‬‬

‫محاٖ‪ ٛ‬الػطا‪ ٞ‬الٍبات٘ ٔاستززاع األزض‪.‬‬


‫يعترب الغطاء النبايت ذا أ‪٫‬تية بالغة يف ا‪ٟ‬تفاظ على التوازف البيئي كله منافع ‪ٚ‬تة للعنصرين‬
‫اآلخرين الذين يقا‪ٝ‬تانه البيئة الربية ك‪٫‬تا اإلنساف كا‪ٟ‬تيواف‪ ،‬فالغطاء النبايت ٯتنع ا‪٧‬تراؼ الًتبة كتعرية‬
‫األرض كما يساهم مسا‪٫‬تة كبَتة يف ا﵀افظة على التوازف بُت الغازات يف الغبلؼ ا‪ٞ‬توم ا﵀يط‬
‫باألرض من خبلؿ ما يسمى التمثيل الكلوركفيلي‪ ،‬فيقوـ النبات بامتصاص ثاين أكسيد الكربوف‬

‫(ُ) فصلت‪ُُ-ٗ:‬‬
‫(ِ) ا‪١‬تلك‪ُٓ :‬‬

‫‪54‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الذم يقذفه البشر من خبلؿ التنفس الطبيعي ‪٢‬تم‪ ،‬كمن خبلؿ ‪٦‬تارسة أنشطتهم الصناعية كغَتها‪،‬‬
‫كما يطرح األكسجُت الذم يتناقص من خبلؿ ذلك التنفس كتلك ا‪١‬تمارسات‪ ،‬فيحافظ بذلك‬
‫(ُ)‬
‫على التوازف الدقيق بُت هذين الغازين كهو التوازف ا‪١‬تطلوب باستمرارية ا‪ٟ‬تياة البشرية‬
‫كما ال ٮتفى أثر الغطاء النبايت يف إعاشة العنصرين األخرين اللذين يقا‪ٝ‬تانه البيئة الربية‪.‬‬
‫(ِ)‬
‫كال ننسى مسا‪٫‬تته يف تلطيف البيئة الربية‪ .‬كا‪ٟ‬تد من درجات ا‪ٟ‬ترارة‪ ،‬كمقاكمة التصحر‪.‬‬
‫كقد عٍت اإلسبلـ با﵀افظة على الغطاء النبايت من خبلؿ ‪ٚ‬تلة اكامر يف السنة النبوية‬
‫ا‪١‬تطهرة يفهم منها ا‪ٟ‬تض على تنمية الغطاء الزراعي‪ .‬قاؿ صلى ا﵁ عليه كسلم‪( :‬ما من مسلم‬
‫(ّ)‬
‫يغرس غرسا أك يزرع زرعا فيأكل منه طَت أك انساف أك ّٔيمة إال كاف له به صدقة)‬
‫ككاضح من هذا ا‪ٟ‬تديث أف النيب صلى ا﵁ عليه كسلم قد كجه ا‪١‬تؤمنُت إُف زراعة الغراس‪،‬‬
‫كإف َف تكن ‪٢‬تم فيها فائدة دنيوية‪ ،‬ككأنه عليه الصبلة كالسبلـ يوجه ا‪١‬تؤمنُت إُف أف يغرسوا الغراس‬
‫‪١‬تنافع غَتهم‪ ،‬كيبلغ األمر النبوم الشريف غايته يف ا‪ٟ‬تض على الزراعة عندما يأمر ا‪١‬تسلم بأف‬
‫يغرس الفسيلة اليت يف يديه‪ ،‬كلو قامت الساعة عليه كهو يغرسها‪ .‬قاؿ صلى ا﵁ عليه كسلم‪( :‬إذا‬
‫قامت القيامة كيف يد أحدكم فسيلة فإف استطاع أال يقوـ حىت يغرسها فليغرسها)(ْ)‪ ،‬كال ٮتفى أف‬
‫مراد صلى ا﵁ عليه كسلم من هذا ا‪ٟ‬تديث ا‪١‬تبالغة يف ا‪ٟ‬تىض على الزراعة كتنمية الغطاء النبايت‪.‬‬
‫ا‪ٟ‬تض على تنمية القطاع الزراعي ّٔذا القدر من األ‪٫‬تية فبل شك أف اإلسبلـ يرشد من‬
‫كإذا كاف ٌ‬
‫خبلؿ هذ النصوص كغَتها إُف العمل على إدامة الغطاء النبايت كعدـ التعدم عليه بالقطع ا‪ٞ‬تائر‬

‫(ُ) جرعتلي‪٣ ،‬تد‪ ،‬أ‪٫‬تية كفوائد الغطاء النبايت الطبيعي لئلنساف كالبيئة كأساليب تنميته ك حفظه‪ ،‬صُ‪.‬‬
‫(ِ) الًتبية البيئية ك دكرها يف مواجهة مشكلة البيئة صفحة ّٕ‪ ْٕ-‬الزيدم‪ ،‬كاصد ياسر‪ ،‬الطبيعة يف القرآف‬
‫الكرمي‪ ،‬صفحة َٗ‬
‫(ّ) أخرجه البخارم ج ِ‪ ،‬ص ُٕٖ‪ ،‬رقم (ُِٓٗ)‪ ،‬كمسلم جّ‪ ،‬ص ُُٖٗ‪ ،‬رقم (ُّٓٓ)‪.‬‬
‫(ْ) أخرجه أ‪ٛ‬تد يف ا‪١‬تسند‪ ،‬جّ‪ ،‬صُّٖ‪ ،‬رقم (ُِِٓٗ)‪ ،‬ص ُُٗ‪ ،‬رقم (ََُّْ)‪ ،‬كأبو داكد‬
‫الطيالسي يف مسند ‪،‬صِٕٓ‪ ،‬رقم (َِٖٔ)‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫يفوت ا‪١‬تنافع ا‪١‬تتوخاة من هذا الغطاء‪ ،‬بل إننا لنجد أف الشارع ا‪ٟ‬تكيم ٭ترـ قطع الشجر‬
‫الذم ٌ‬
‫حىت يف ا‪ٟ‬ترب كما يف قوله صلى ا﵁ عليه كسلم‪( :‬كال تقطعوا شجرا مثمرا)(ُ)‪.‬‬
‫إف القطع ا‪ٞ‬تائر لؤلشجار يؤدم إُف مفاسد كثَتة تلحق بالبيئة الربية‪ ،‬كإف كاف ٭تقق لقاطعيه‬
‫مصاٌف آنية ضيقة‪ ،‬كا‪ٟ‬تق أف إعماؿ القواعد الشرعية يدفع إُف القوؿ ْترمة التعدم على الغطاء‬
‫النبايت باألعماؿ ا‪١‬تلوثة كالضارة‪ )ِ(.‬كهناؾ ‪ٚ‬تلة قواعد ٯتكن استحضارها يف هذا آّاؿ منها‪:‬‬
‫ُ‪ .‬قاعدة (درئ ا‪١‬تفاسد أكُف من جلب ا‪١‬تصاٌف)(ّ) كبإعماؿ هذ القاعدة ٯتكن ا‪ٞ‬تزـ‬
‫ْترمة التعدم على الغطاء النبايت بالقطع أك بالتلويث‪ ،‬كإف كاف هذا الفعل ٭تقق مصاٌف‪ ،‬كذلك‬
‫رعاية ‪ٞ‬تانب ا‪١‬تفسدة يف ذلك الفعل الراجح على جانب ا‪١‬تصلحة فيها ألنه إذا ترتب على الفعل‬
‫الواحد جلب مصلحة كدرء مفسدة فإنه ال يشرع ذلك الفعل درء للمفسدة الناشئة عن اإلتياف‬
‫به‪ .‬فا‪١‬تصلحة الضيقة كالشخصية اليت ٭تققها القطع لقاطعي األشجار استعما‪٢‬تا ألغراض ‪٥‬تتلفة‬
‫تعارضها مفسدة راجحة تتمثل يف تقليل ا‪١‬تساحات ا‪١‬تزركعة كما يتبع ذلك من انعكاسات سلبية‬
‫على البيئة‪.‬‬
‫ِ‪ .‬قاعدة (ما ال يتم الواجب إال به فهو كاجب)(ْ) فبل شك أف ا﵀افظة على الغطاء‬
‫النبايت من أكجب الواجبات‪ ،‬كهي ال تتأتى إال بتحرمي التعدم عليه كاستنزافه بالقطع ا‪ٞ‬تائر الذم‬
‫يؤدم يف الغالب إُف اإلخبلؿ بالتوازف البيئي‪.‬‬
‫ّ‪ .‬ال ضرر كال ضرار‪ :‬إف هذ القاعدة ٘تنع إ‪ٟ‬تاؽ الضرر‪ ،‬كهي بعمومها دالة على منع‬
‫اإلضرار بالغطاء النبايت‪ ،‬خاصة إذا علمنا أف اإلضرار بالغطاء النبايت يستتبع أضرارا أخرل كثَتة‬
‫تلحق بالتوازف البيئي‪.‬‬

‫(ُ) أخرجه البيهقي يف السنن‪ ،‬جِ‪ ،‬ص َٗ‪ ،‬كابن أيب شيبة ا‪١‬تسمى‪ ،‬جٔ‪ ،‬صّْٖ‪.‬‬
‫(ِ) قانوف ‪ٛ‬تاية البيئة‪ ،‬صِْٖ‪ِْٗ-‬‬
‫(ّ) حيدر‪ ،‬علي‪ ،‬درر األحكاـ شرح ‪٣‬تلة األحكاـ‪ ،‬دار ا‪ٞ‬تليل‪ ،‬بَتكت‪ ،‬طُ‪ ،‬جُ‪ ،‬صُْ‪ُُٗٗ ،‬ـ‪.‬‬
‫(ْ) الندكم‪ ،‬علي أ‪ٛ‬تد‪ ،‬قواعد الفقهية‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬طّ‪ ،‬صَْ‪ُُْْ ،‬هػ‪ُْٗٗ/‬ـ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ْ‪ .‬تصرؼ اإلماـ على الرعية منوط با‪١‬تصلحة‪ :‬إذ أف يف ادامة الغطاء النبايت‪ ،‬عرب منع‬
‫التعدم عليه‪ ،‬مصلحة ظاهرة كراجحة‪.‬‬
‫كمن ا‪ٞ‬تدير بالذكر انه إذا ارتأت الدكلة اإلسبلمية أف تسن التشريعات اليت ٘تنع قطع‬
‫األشجار كالتعدم عليها رعاية ‪١‬تصاٌف العامة فإف قطع هذ األشجار يصبح ‪٤‬ترما كإف كاف مباحا‬
‫باألصل بناءن على سلطة كِف األمر يف تقييد ا‪١‬تباح‪.‬‬
‫كما عملت الشريعة الغراء من خبلؿ منظومة من التشريعات على زيادة مساحة األراضي ا‪١‬تزركعة‬
‫كما ينطوم عليه ذلك من منافع بيئية‪ ،‬كمن هذ التشريعات‪:‬‬
‫أ‪٣ -‬تموعة من النصوص التشريعية اليت ٖتض ا‪١‬تسلمُت على زراعة األرض كالتوسع يف‬
‫ذلك‪ ،‬كقد سبقت االشارة إُف بعضها قبل قليل‪.‬‬
‫ب‪ -‬احياء األرض ا‪١‬توات‪ ،‬كاألرض ا‪١‬توات‪( :‬هي أرض خارج البلد‪َ ،‬ف تكن ملكا‬
‫ألحد‪ ،‬كال حقا له خاصة)(ُ) كقد شرع اإلسبلـ ا‪ٟ‬تنيف االنتفاع ّٔذ األرض ا‪١‬توات من خبلؿ‬
‫حث ا‪١‬تسلمُت على إحياء هذ األرض باستصبلحها كزراعتها‪ ،‬كترغيب ‪٤‬تييها باألجر من ا﵁‬
‫سبحانه كتعاُف كما دؿ على ذلك قوله صلى ا﵁ عليه كسلم‪( :‬من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر‪،‬‬
‫كما أكلت العوايف(ِ) منها فهو له صدقة)(ّ)‪ ،‬كَف يكتف الشرع ا‪١‬تطهر يف حث ا‪١‬تسلمُت على‬

‫(ُ) الكاساين‪ ،‬عبلء الدين‪ ،‬بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع‪ ،‬جٔ صُْٗ‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بَتكت‪،‬‬
‫ُِٖٗ‬
‫قاؿ أبو ‪٤‬تمد‪ :‬العافية الطَت ك غَت ذلك‪ ،‬الدارمي‪ ،‬جِ‪،‬ص ّْٕ‪ ،‬كقاؿ أبو حامت‪ :‬هم طبلب الرزؽ‪ ،‬صحيح‬
‫ابن حباف‪،‬جُُ‪ ،‬صُٔٔ(ِ)‬
‫(ّ)أخرجه الدارمي يف سننه‪ ،‬جِ‪ ،‬صّْٕ‪ ،‬برقم (َِٕٔ) كاإلماـ أ‪ٛ‬تد يف مسند ‪ ،‬جّ‪،‬صَّْ‪،‬‬
‫برقم(َُُّْ)‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫إحياء األرض ا‪١‬توات بًتتيب األجر األخركم –على أ‪٫‬تيته‪ -‬بل ‪٧‬تد يقرف ذلك بتقدٯته ا‪ٟ‬توافز‬
‫الدنيوية من خبلؿ ٘تليك ا‪١‬تسلم األرض اليت أحياها كما دؿ على ذلك نصوص كثَتة منها‪:‬‬
‫(ُ)‬
‫ُ‪ .‬قوله صلى ا﵁ عليه كسلم‪( :‬من أعمر أرضا ليست ألحد فهو أحق ّٔا)‬
‫(ِ)‬
‫ِ‪ .‬قوله صلى ا﵁ عليه كسلم‪( :‬من أحيا أرضا ميتة فهي له)‬
‫كالفقهاء متفقوف على مشركعية إحياء األرض ا‪١‬توات‪ ،‬كإف كانوا ‪٥‬تتلفُت يف الشركط‬
‫ا‪١‬تعتربة لذلك اإلحياء‪٦ ،‬تا يضيق آّاؿ عن تفصيله يف هذ العجالة‪،‬‬
‫ج‪ -‬اإلقطاع‪ :‬كهو أف تقوـ الدكلة بإقطاع األرض كمنحها ‪١‬تن عليها‪ ،‬كيكوف ا‪١‬تقطع له يف‬
‫(ّ)‬
‫كٮتتلف اإلقطاع عن اإلحياء‪ ،‬يف أف اإلقطاع بأمر من‬ ‫هذ ا‪ٟ‬تالة أحق بإحيائها من غَت ‪.‬‬
‫اإلماـ‪ ،‬بينما يكوف اإلحياء ٔتبادرة من الشخص الذم يريد اإلحياء‪ ،‬كقد دؿ على مشركعية‬
‫اإلقطاع أحاديث منها‪:‬‬
‫ُ‪ .‬حديث عبد الر‪ٛ‬تن بن عوؼ كفيه‪( :‬أقطعٍت رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم كعمر بن‬
‫(ْ)‬
‫ا‪٠‬تطاب أرض كذا ككذا)‬
‫ِ‪ .‬حديث أ‪ٝ‬تاء بنت أيب بكر كفيه أهنا قالت‪( :‬كنت أنقل النول من أرض الزبَت اليت‬
‫(ٔ)‬
‫أقطعها رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم على رأسي كهو مٍت على ثلثي فرسخ(ٓ)‪ ...‬ا‪ٟ‬تديث)‬

‫(ُ) أخرجه البخارم يف كتاب ا‪١‬تزارعة‪ ،‬رقم ا‪ٟ‬تديث (َُِِ) من حديث عائشة رضي ا﵁ عنها‬
‫(ِ) أخرجه أبو داككد يف سننه‪ ،‬جّ‪ ،‬صُٖٕ‪ ،‬رقم(َّّٕ)‪ ،‬كالًتمذم يف سننه‪ ،‬جّ‪ ،‬ص ِٔٔ‪،‬‬
‫رقم(ُّٕٖ)‪.‬‬
‫(ّ) ا‪١‬تاكردم‪ ،‬األحكاـ السلطانية‪،‬ص َُٗ‪.ُُٗ-‬‬
‫(ْ) أخرجه أ‪ٛ‬تد يف ا‪١‬تسند‪ ،‬يف مسند العشرة ا‪١‬تبشرين با‪ٞ‬تنة‪ ،‬جُ‪ ،‬صُِٗ‪ ،‬رقم(َُٕٔ)‪ ،‬من حديث عبد‬
‫الر‪ٛ‬تن بن عوؼ‪ ،‬كالبيهقي يف السنن الكربل‪ ،‬جَُ‪ ،‬ص ُِْ‪ ،‬رقم(َُُِٖ)‪.‬‬
‫(ٓ) فرسخ‪ :‬كحدة مسافة تقدر بُٔ كم‬
‫ْ أخرجه البخارم‪ ،‬جّ‪،‬صُُْٗ‪ ،‬رقم(ِِٖٗ)‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كا‪ٟ‬تق أف إحياء األرض ا‪١‬توات يساهم مسا‪٫‬تة كبَتة يف ا﵀افظة على التوازف البيئي بل كيساهم‬
‫أيضا يف ٖتسُت ظركؼ البيئة‪ ،‬كتيسَت سبل ا‪ٟ‬تياة للناس ‪ٚ‬تيعا كذلك ألف هذا اإلحياء ٭تقق ‪ٚ‬تلة‬
‫فوائد منها‪:‬‬
‫ُ‪ .‬زيادة ا‪١‬تساحة ا‪١‬تزركعة كبالتاِف زيادة الغطاء النبايت ‪٦‬تا يؤدم إُف ٖتسُت الظركؼ البيئية‬
‫من خبلؿ ا﵀افظة على التوازف بُت غازم األكسجُت كثاين أكسيد الكربوف‪.‬‬
‫ِ‪ .‬يؤدم الغطاء النبايت إُف تلطيف ا‪ٞ‬تو أك ٗتفيض درجات ا‪ٟ‬ترارة‪ ،‬كال ٮتفى أثر ذلك‬
‫يف منع التسخُت ا‪ٟ‬ترارم ذم العواقب الوخيمة على البيئة كلها(ُ)‪.‬‬
‫ّ‪ .‬يسهم الغطاء النبايت يف ا‪ٟ‬تد من الزحف الصحراكم (التصحر) (ِ)‪ ،‬ليس هذا‬
‫فحسب‪ ،‬بل إنه ٯتكن بإحياء األرض ا‪١‬توات إستصبلح ا‪١‬تزيد من األراضي الصحراكية‪ ،‬كجعلها‬
‫أراضي منتجة ٘تد آّتمع بالغذاء‪.‬‬
‫ْ‪ .‬كما يؤدم إحياء األرض ا‪١‬توات إُف التخفيف من الضغط العمراين يف ا‪١‬تدف كما‬
‫يستتبع ذلك من ضغط على ا‪٠‬تدمات كا‪١‬ترافق العامة(ّ) من ميا ك‪٣‬تار‪ ،‬ك‪٨‬تو ذلك كيساهم يف‬
‫توزيع سكاين أقل كثافة كأكثر ٖتقيقا للمتطلبات الصحية ا‪١‬تناسبة‪.‬‬
‫كال تقتصر عناية الشريعة يف ‪ٛ‬تاية الًتبة كزيادة ا‪١‬تساحات ا‪١‬تزركعة على إحياء األرض ا‪١‬توات بل‬
‫أهنا سنت من التشريعات كالعقود ما يساهم يف ا﵀افظة على األرض الصا‪ٟ‬تة للزراعة كزيادة‬
‫رقعتها‪ ،‬كمن هذ العقود‪:‬‬
‫أ‪ .‬ا‪١‬تزارعة‪ :‬كهو أف يقوـ صاحب األرض بدفع أرضه ‪١‬تن يزرعها مقابل جزء مشاع معلوـ‬
‫(ْ)‬
‫كيف هذا العقد ‪٬‬تتمع ملك صاحب األرض مع جهد ا‪١‬تزارع‪ ،‬فليس كل‬ ‫من ناتج األرض‬

‫(ُ) فايد‪ ،‬يوسف عبد آّيد‪ ،‬جغرافية ا‪١‬تناخ كالنبات‪ ،‬صّٕ‪.‬‬


‫(ِ) الدكسرم‪ ،‬شركؽ ‪٤‬تمد‪ ،‬التصحر‪ ،‬صٔ‪ٕ-‬‬
‫(ّ) جودة‪،‬حسنُت جودة‪ ،‬أبو عيانة‪ ،‬فتحي ‪٤‬تمد‪ ،‬قواعد ا‪ٞ‬تغرافيا العامة الطبيعية كالبشرية‪ ،‬صُِْ‬
‫(ْ) شرح منهى اإلرادات‪ ،‬جِ‪ ،‬صّْْ‪ ،‬كشاؼ القناع‪ ،‬جّ‪ِٓٗ ،‬‬

‫‪59‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫صاحب أرض لديه القدرة على زراعة أرضه كليس كل من لديه ا‪٠‬تربة الزراعية مالكا ألرض‬
‫يزرعها‪.‬‬
‫ب‪ .‬ا‪١‬تساقاة‪ :‬كهي عقد يقوـ ٔتوجبه صاحب الشجر بدفع شجر ‪١‬تن يسقيه كيقوـ بكافة‬
‫األعماؿ البلزمة كالتسميد كالقطاؼ كغَت ذلك مقابل جزء معلوـ من ‪ٙ‬تر كقد ‪ٝ‬تي هذا العقد‬
‫(ُ)‬
‫كمن األدلة على مشركعية هذين العقدين حديث ابن‬ ‫با‪١‬تساقاة ألف السقي هو أهم أعماله‬
‫(ّ)‬
‫عمر كفيه‪" :‬عامل النيب صلى ا﵁ عليه كسلم أهل خيرب بشطر(ِ) ما ٮترج منها من ‪ٙ‬تر أك زرع"‬

‫محاٖ‪ ٛ‬الجسٔ‪ ٚ‬احلٕٗاٌٗ‪ٔ ٛ‬التٍٕع احلٕٗ‪ٙ‬‬

‫محاٖ‪ ٛ‬املٕازد احلٕٗاٌٗ‪ٔ ٛ‬الطٕٗز‬


‫تعد الثركة ا‪ٟ‬تيوانية من العناصر ا‪١‬تهمة الستمرار ا‪ٟ‬تياة كإدامتها‪ ،‬فعلى هذ الثركة يتغذل اإلنساف‬
‫كما أف ‪٥‬تلفاهتا تع ٌد من العناصر اليت يتغذل عليها النبات‪ ،‬كمن هنا فقد عٍت االسبلـ با﵀افظة‬
‫على هذ الثركة كادامتها كمنع استنزافها‪ .‬كقد ظهرت عناية اإلسبلـ بالثركة ا‪ٟ‬تيوانية من خبلؿ‬
‫‪ٚ‬تلة أمور‪:‬‬
‫ُ‪ .‬اظهار عظم نفعها لئلنساف‪ :‬كذلك أف ا﵁ سبحانه كتعاُف قد امنت على اإلنساف ٔتا‬
‫خلق له من حيوانات كسخرها يف خدمته كتسهيل سبل حياته‪ ،‬كذلك من خبلؿ كثَت من اآليات‬
‫ؼءه ىكىمنىافً يع ىكًمٍنػ ىها تىأٍ يكليو ىف (ٓ) ىكلى يك ٍم فً ىيها‬
‫(ك ٍاألىنٍػ ىع ىاـ ىخلى ىق ىها لى يك ٍم فً ىيها ًد ٍ‬
‫القرآنية ذلك قوله تعاُف‪ :‬ى‬
‫ُت تى ٍسىر يحو ىف (ٔ) ىكىٍٖت ًمل أىثٍػ ىقالى يك ٍم إً ىُف بػىلى ود ىَفٍ تى يكونيوا بىالًغً ًيه إًَّال بً ًش ّْق ٍاألىنٍػ يف ً‬
‫س‬ ‫ً‬
‫ُت تي ًر٭تيو ىف ىكح ى‬
‫ى‪ٚ‬ت ه ً‬
‫اؿ ح ى‬ ‫ى‬
‫ي‬
‫يم)(ْ) فإظهار عظم فائدهتا فيه لفت لؤلنظار إُف ا﵀افظة عليها كتنميتها‪.‬‬ ‫إً َّف ربَّ يكم لىرء ه ً‬
‫كؼ ىرح ه‬‫ى ٍ ىي‬

‫(ُ) هناية ا﵀تاج‪ ،‬جٓ‪ ،‬صِِْ‪ ،‬مغٍت ا﵀تاج‪ ،‬جِ‪ ،‬صِِّ‪ ،‬كشاؼ القناع‪ ،‬جّ‪،‬صِّٓ‬
‫(ِ) بنصف‪.‬‬
‫(ّ) أخرجه البخارم يف صحيحه‪ ،‬جِ‪،‬صَِٖ‪ ،‬رقم ا‪ٟ‬تديث (ُِٓٔ)‪.‬‬
‫(ْ) النحل‪ٕ-ٓ :‬‬

‫‪61‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬
‫(ُ)‬
‫حض اإلسبلـ على الرفق با‪ٟ‬تيوانات‪ ،‬سابقا بذلك‬
‫ِ‪ .‬الرفق ّٔذ ا‪ٟ‬تيوانات ‪ :‬لقد ٌ‬
‫‪ٚ‬تعيات الرفق با‪ٟ‬تيواف اليت تدعي السبقة إُف هذا ا‪١‬تبدأ‪ .‬كتتجلى ر‪ٛ‬تة اإلسبلـ با‪ٟ‬تيواف من خبلؿ‬
‫ا‪ٟ‬تديث عن عقوبات عوقب ّٔا من َف يرفق با‪ٟ‬تيواف كالثواب الذم اثيب به من رفق ّٔا‪ ،‬فها هو‬
‫النيب صلى ا﵁ عليه كسلم ٭تدثنا عن امرأة دخلت النار يف هرة‪ ،‬فبل هي أطعمتها كال هي تركتها‬
‫تأكل من خشاش األرض(ِ) كيف ا‪١‬تقابل ٮتربنا النيب صلى ا﵁ عليه كسلم عن بغي من بٍت اسرائيل‬
‫(ّ)‬
‫لسانه من العطش فنزعت‬ ‫غفر ا﵁ ‪٢‬تا بصنيعها إُف كلب عندما رأته يركض كيلهث‪ ،‬يدلع‬
‫موقها(ْ) فمؤلته ماءن كسقته منه فقاؿ صلى ا﵁ عليه كسلم‪( :‬فشكر ا﵁ ‪٢‬تا كغفر ‪٢‬تا)(ٓ) ليس هذا‬
‫فحسب‪ ،‬بل إف الرفق با‪ٟ‬تيواف ٯتتد إُف الرفق به عند اإلنتفاع ركوبا أك ‪ٛ‬تبل أك حىت ذْتا‪ ،‬قاؿ‬
‫رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم‪( :‬إف ا﵁ كتب اإلحساف على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة‬
‫كإذا ذْتتم فأحسنوا الذْتة‪ ،‬كليح ٌد أحدكم شفرته كلَتح ذبيحته)(ٔ)‪ ،‬كهنى رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁‬
‫عليه كسلم أف يقتل شيئا من الدكاب صربا(ٕ))(ٖ) كعندما كانت عائشة رضي ا﵁ عنها مع النيب‬

‫(ُ) يوسف‪٤ ،‬تمد الصادؽ‪ٛ ،‬تاية البيئة يف اإلسبلـ‪ ،‬صٓ‪.‬‬


‫(ِ) أخرجه البخارم‪ ،‬جّ‪ ،‬صَُِٓ‪ ،‬رقم (َُّْ)‪ ،‬مسلم‪ ،‬جْ‪ ،‬صَُٕٔ‪ ،‬رقم (ِِِْ)‪.‬‬
‫(ّ) أم ٮترجه من فمه من شدة العطش‪.‬‬
‫(ْ) أم خفها‬
‫(ٓ) يف صحيح البخارم عن أيب هريرة أف الرسوؿ صلى ا﵁ عليه كسلم قاؿ‪" :‬أف رجبل رأل كلبا يأكل الثرل من‬
‫العطش فأخذ خفه فجعل يغرؼ له به حىت ركا فشكر ا﵁ له فأدخله ا‪ٞ‬تنه" جُ‪ ،‬ص ٕٓ‪ ،‬رقم (ُُٕ)‪.‬‬
‫(ٔ) أخرجه مسلم‪ ،‬جّ‪ ،‬ص ُْٖٓ‪ ،‬رقم(ُٓٓٗ)‪.‬‬
‫(ٕ) أم حبس ا‪ٟ‬تيواف كعدـ إطعامه‪.‬‬
‫(ٖ) أخرجه مسلم‪ ،‬جّ‪ ،‬ص َُٓٓ‪ ،‬رقم (ُٗٓٗ)‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫صلى ا﵁ عليه كسلم يف سفر على بعَت صعب فجعلت تصرفه ٯتينا كمشاال فقاؿ ‪٢‬تا‪ :‬يا عائشة‬
‫(ِ) (ّ)‬
‫عليك بالرفق فإنه ال يدخل يف شيء إال زانه(ُ)‪ ،‬كالينزع من شيء إال شانه )‬
‫ّ‪ .‬ا‪ٟ‬تفاظ على الثركة ا‪ٟ‬تيوانية كعدـ استعما‪٢‬تا يف غَت منفعه‪ :‬اف ا‪ٟ‬تكمة من خلق‬
‫ا‪ٟ‬تيوانات ٖتقيق منافع بيئية كاخرل تتعلق باالستخداـ كاالنتفاع البشريُت‪ ،‬كمن اهم ا‪١‬تنافع البيئية‬
‫اليت تتأتى من خبلؿ ا﵀افظة على الثركة ا‪ٟ‬تيوانية ٖتقيق التوازف البيئي بُت عناصر البيئة كمكوناهتا‪،‬‬
‫من حيواف كنبات كتربة كهواء ك‪٨‬تو ذلك‪ ،‬كما اف ا﵀افظة على الثركة ا‪ٟ‬تيوانية كتنميتها تساهم يف‬
‫استمرارية الدكرة البيئية(ْ)‪ ،‬كال شك يف أف استنزاؼ الثركة ا‪ٟ‬تيوانية يؤدم اُف انقراض بعض االنواع‬
‫كالسبلالت البلزمة لتحقيق التنوع ا‪ٟ‬تيوم الذم ال بد منه للمحافظة على توازف البيئة(ٓ)‪.‬‬
‫كمن هنا جاءت النصوص تنهى ا‪١‬تسلمُت عن قتل ا‪ٟ‬تيوانات ّٓرد التسليه كالتلهي‪ ،‬كتعظم‬
‫النكَت يف ذلك كال شك يف أف هذ التعاليم الشرعية اليت تأمر ا‪١‬تسلمُت بعدـ قتل ا‪ٟ‬تيوانات اال‬
‫‪١‬تنافع ظاهرة ٖتافظ على دٯتومة الثركة ا‪ٟ‬تيوانية كاستمراريتها‪ ،‬ككثَتة هي النصوص اليت كرد فيها‬
‫النهي عن قتل ا‪ٟ‬تيوانات من غَت جلب ا‪١‬تنفعه اك دفع ‪١‬تفسدة‪ ،‬كمنها قوله صلى ا﵁ عليه كسلم‪:‬‬
‫(ٔ)‬
‫رب اف فبلنا قتلٍت عبثا كَف يقتلٍت‬
‫عج اُف ا﵁ يوـ القيامه يقوؿ‪ :‬يا ٌ‬ ‫(من قتل عصفورا عبثا ٌ‬
‫(ٕ)‬
‫منفعة)‬
‫حرـ الشرع ا‪١‬تطهر اإلسراؼ يف‬
‫ْ‪ -‬النهي عن اإلسراؼ يف اإلنتفاع بالثركة ا‪ٟ‬تيوانية‪ :‬لقد ٌ‬
‫كل شيء كٓتاصة يف ‪٣‬تاؿ الطعاـ كالشراب الذم تع ٌد الثركة ا‪ٟ‬تيوانية من أهم مكوناته‪ ،‬فقاؿ‬

‫(ُ) أم حسنه‪.‬‬
‫(ِ) أم جعله سيئا‪.‬‬
‫(ّ) ركا أبو داكد يف سننه‪،‬جْ‪ ،‬صِٓٓ‪ ،‬رقم (َْْٖ)‪ ،‬كأ‪ٛ‬تد يف مسند‪ ،‬جٔ‪ ،‬صُِٓ‪ ،‬رقم (ِِْٖٗ)‪.‬‬
‫بشكل مستم ور دكف إحداث أيٌة تغيَتات خارجية عليه‪.‬‬
‫و‬ ‫(ْ) أف يؤدم كل عنصر من عناصر البيئة عمله‬
‫(ٓ) الشوابكة‪ ،‬مراد‪ ،‬طرؽ ‪ٛ‬تاية ا‪ٟ‬تيوانات‪ ،‬صٔ‬
‫عج‪ :‬رفع صوته صارخا‬
‫(ٔ) ٌ‬
‫(ٕ) قانوف ‪ٛ‬تايه البيئه‪ ،‬ص ِٓٓ ‪ ،‬كا‪ٟ‬تديث اخرجه النسائي يف السنن الكربل‪ ،‬جّ ‪ ّٕ ،‬رقم (ّْٓٓ)‪ ،‬كاف‬
‫حباف‪ ،‬جُّ ‪ ، ُِْ ،‬رقم (ْٖٗٓ)‬

‫‪62‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ً‬ ‫(كيكليواٍ ىكا ٍشىربيواٍ ىكالى تي ٍس ًرفيواٍ إًنَّهي الى يً٭ت ُّ‬
‫ب الٍ يم ٍس ًرف ى‬
‫ُت)(ُ)‪ .‬كقاؿ عليه الصبلة كالسبلـ‪:‬‬ ‫سبحانه كتعاُف‪ :‬ى‬
‫(كل كاشرب كتصدؽ من غَت اسراؼ كال ‪٥‬تيلة)‪.‬‬
‫كال شك يف أف عدـ اإلسراؼ يف اإلنتفاع بالثركة ا‪ٟ‬تيوانية يؤدم إُف إدامة االنتفاع ّٔذ‬
‫الثركة كما يؤدم إُف ا﵀افظة على التوازف البيئي(ِ) الذم يتحقق من خبلؿ عدـ القضاء على أنواع‬
‫من هذ الثركة كهو ما يعرؼ بالتوازف ا‪ٟ‬تيوم‪ ،‬كفقد‪٫‬تا ما زالت تشكوا منه البشرية يف أيامنا هذ‬
‫كتدأب ‪ٚ‬تعيات ا﵀افظة على البيئة يف الدعوة إُف منعه‪.‬‬
‫ٓ‪ -‬تنمية هذ الثركة ا‪ٟ‬تيوانية كتكثَتها(ّ)‪ :‬ال شك يف أف تنمية الثركة ا‪ٟ‬تيوانية كتكثَتها‬
‫الغراء‪ ،‬كذلك ‪١‬تا يف تنمية هذ الثركة‪ ،‬كتكثَتها‪،‬كإدامتها من‬
‫أمر مطلوب يف الشريعة اإلسبلمية ٌ‬
‫منافع ٭تصل عليها ا‪ٞ‬تنس البشرم‪ ،‬كٯتكن أف نتلمس يف بعض النصوص ما يشهد ‪٢‬تذا األصل‬
‫كقوله عليه الصبلة كالسبلـ‪( :‬يف الغنم اهنا بركة)(ْ)ككقوله‪( :‬ا‪٠‬تيل معقود يف نواصيها ا‪٠‬تَت إُف يوـ‬
‫القيامة)(ٓ)‪.‬‬
‫كهذ النصوص كغَتها تدؿ على مدل ما يقيمه اإلسبلـ من أ‪٫‬تية بالغة لتنمية الثركة‬
‫ا‪ٟ‬تيوانية اليت ٭تتاج إليها اإلنساف يف شىت أكجه االنتفاع البشرم‪.‬‬

‫(ُ) األعراؼ‪ُّ :‬‬


‫(ِ) ‪٤‬تمدين‪٤ ،‬تمد ‪٤‬تمود‪ ،‬الفراء‪ ،‬طه عثماف‪ ،‬ا‪١‬تدخل إُف علم ا‪ٞ‬تغرافيا كالبيئة‪ ،‬طْ‪،‬دار ا‪١‬تريخ‪ ،‬صّٖٔ‪.‬‬
‫(ّ) العبادم‪ ،‬كفاية‪ ،‬طرؽ تنمية الثركة ا‪ٟ‬تيوانية‪ ،‬صٓ‬
‫(ْ) أخرجه أبو يعلى يف مسند عن الرباء قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم‪" :‬الغنم بركة"‪ ،‬جّ‪،‬‬
‫صَِٔ‪ ،‬رقم (َُٕٗ)‪ ،‬كالطرباين يف الكبَت‪ ،‬جُٕ‪ ،‬صُٔٓ‪ ،‬رقم (َْْ)‪.‬‬
‫(ٓ) أخرجه البخارم‪ ،‬جّ‪،‬ص َُْٕ‪ ،‬رقم (ِْٗٔ)‪ ،‬كمسلم‪ ،‬جّ‪ ،‬صُِْٗ‪ ،‬رقم (ُُٕٖ)‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫محاٖ‪ ٛ‬التٍٕع احلٕٗ‪:ٙ‬‬


‫يقصد بالتنوع ا‪ٟ‬تيوم‪ :‬تعدد األنواع النباتية كا‪ٟ‬تيوانية ا‪١‬تختلفة ا‪١‬توجودة يف ‪٣‬تتمع حيوم‬
‫معُت‪ ،‬كيرتبط كل نوع ٔتفهوـ ا‪١‬تركز البيئي ا‪١‬تبلئم‪ ،‬كيعٍت هذا ا‪١‬تفهوـ الدكر الوظيفي الذم يلعبه‬
‫(ُ)‬
‫ا‪ٟ‬تي يف إطار آّتمع أك النظاـ البيئي‪.‬‬
‫الكائن ٌ‬
‫فقد خلق ا﵁ سبحانه كتعاُف هذا الكوف كأكدع فيه من النواميس(ِ)ما يدؿ على حكمة‬
‫ا‪٠‬تالق كحسن صنعته كلعل التوازف ا‪ٟ‬تيوم بُت كافة األحياء يف هذا الكوف يعد أحد مظاهر القدرة‬
‫اإل‪٢‬تية العظيمة‪.‬‬
‫كاستمرار ا‪ٟ‬تياة على كجه هذ البسيطة بيسر كسهولة ال يتأتى إال من خبلؿ ا﵀افظة على‬
‫هذا التوازف ا‪ٟ‬تيوم الدقيق‪ .‬كا‪ٟ‬تق أف القرآف يشَت إشارات لطيفة إُف مثل هذا التوازف من خبلؿ‬
‫قوله سبحانه‪( :‬إًنَّا يك َّل ىش ٍي وء ىخلى ٍقنىا ي بًىق ىد ور)(ّ)‪ ،‬كمن خبلؿ اآليات الكثَتة اليت تبُت الزكجية كٖتمل‬
‫مفهوـ التكامل بُت األحياء‪ ،‬كمن هذ اآليات‪:‬‬
‫ُت اثٍػنىػ ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‪ .‬قوله سبحانه كتعاُف‪ً :‬‬
‫ُت يػي ٍغشي اللٍَّي ىل النػ ى‬
‫َّه ىار‬ ‫(كم ٍن يك ّْل الث ىَّمىرات ىج ىع ىل ف ىيها ىزٍك ىج ٍ ً ٍ‬ ‫ى‬
‫(ْ)‬
‫ات لًىق ٍووـ يػىتىػ ىف َّكيرك ىف)‬
‫إً َّف ًيف ذىلًك ىآلي و‬
‫ى ى‬
‫(ٓ)‬ ‫ِ‪ .‬قوله سبحانه كتعاُف‪( :‬كًم ٍن يك ّْل ىشي وء ىخلى ٍقنىا ىزٍك ىج ٍ ً‬
‫ُت لى ىعلَّ يك ٍم تى ىذ َّكيرك ىف)‬ ‫ٍ‬ ‫ى‬
‫(ٔ)‬ ‫ُت َّ‬
‫الذ ىكىر ىك ٍاألينٍػثىى)‬ ‫الزٍك ىج ٍ ً‬
‫ّ‪ .‬قوله سبحانه كتعاُف‪ ( :‬ىكأىنَّهي ىخلى ىق َّ‬

‫(ُ) ‪٤‬تاسنة‪ ،‬احساف‪ ،‬العلوـ النباتية‪ ،‬دار الشركؽ للنشر كالتوزيع‪ ،‬جِ‪ ،‬صََِ‪ ،‬كانظر أيضا‪ :‬زين الدين‪،‬‬
‫حسُت فرج‪ ،‬كرمسيس لطفي‪ ،‬دراسات يف علم ا‪ٟ‬تيواف‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬ص ْٗ‪.‬‬
‫(ِ) أم القوانُت الطبيعية كيعرب عنها يف الفكر اإلسبلمي بالنواميس أك السنن‪.‬‬
‫(ّ) القمر‪.ْٗ :‬‬
‫(ْ) الرعد‪ّ :‬‬
‫(ٓ) الذاريات ْٗ‬
‫(ٔ) النجم ْٓ‬

‫‪64‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كقد أمر ا﵁ سبحانه كتعاُف نبيه نوحا‪١ ،‬تا قضى على قومه با‪٢‬تبلؾ أف ٭تمل يف سفينته من‬
‫كل حيواف زكجُت كي يبدأ ا‪ٟ‬تياة من جديد يف كجهته اليت سيتوجه إليها من خبلؿ التكاثر‬
‫ا‪ٛ‬تل فً ىيها ًم ٍن يكل ىزٍك ىج ٍ ً‬
‫ُت اثٍػنىػ ٍ ً‬
‫ُت‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ُّور قيػ ٍلنىا ٍ ٍ‬
‫كالتناسل‪ ،‬فقاؿ تعاُف‪ " :‬ىح َّىت إذىا ىجاءى أ ٍىميرنىا ىكفى ىار التَّػن ي‬
‫(ُ)‬
‫ك إًَّال ىم ٍن ىسبى ىق ىعلىٍي ًه الٍ ىق ٍو يؿ "‬
‫ىكأ ٍىهلى ى‬
‫كيف هذا إشارة كاضحة إُف أف استمرارية ا‪ٟ‬تياة كدٯتومتها بسبلسة كيسر ال تتأتى إال من‬
‫خبلؿ هذا التوازف ا‪١‬تشار إليه بالزكجية‪ ،‬كإذا كانت استمرارية ا‪ٟ‬تياة كٖتقيق ا‪١‬تقاصد الضركرية‬
‫كا‪ٟ‬تاجية كالتحسينية للشريعة اإلسبلمية ال تتأتى إال من خبلؿ التوازف ا‪ٟ‬تيوم الدقيق فإف ا‪ٟ‬تفاظ‬
‫على هذا التوازف كٕتنب التصرفات اليت ٗتل به يصبح من أكجب الواجبات‪ ،‬كمن هنا فإف إعماؿ‬
‫يسوغاف تقييد األفراد كا‪ٞ‬تماعات كا‪ٟ‬تد من‬
‫القواعد الشرعية كالرجوع إُف مقاصد الشريعة السمحة ٌ‬
‫تصرفاهتم اليت تؤدم إُف استنزاؼ الثركة ا‪ٟ‬تيوانية‪ ،‬كإصدار القوانُت اليت ٘تنع الصيد يف مواسم‬
‫(ِ)‬
‫كتوعية الناس أل‪٫‬تية‬ ‫تكاثر ا‪ٟ‬تيواف كمنع الصيد يف مناطق ‪٤‬تددة تسمى ا﵀ميات الطبيعية‬
‫ا﵀افظة على الثركة ا‪ٟ‬تيوانية كالتحذير من السلوكيات ا‪٠‬تاطئة لدل بعض األفراد كاليت تؤدم إُف‬
‫إهدار الثركة ا‪ٟ‬تيوانية كاإلخبلؿ بالتوازف ا‪ٟ‬تيوم ‪٦‬تا ينايف مقاصد الشرع ا‪١‬تطهر‪.‬‬

‫محاٖ‪ ٛ‬الػالف اجلٕ‪:ٙ‬‬


‫٭تيط الغبلؼ ا‪ٞ‬توم باألرض‪ ،‬كهو ينتهي على ارتفاع َََُ كم تقريبان‪ ،‬كهو مكوف من‬
‫‪٣‬تموعة من الغازات بنسب متفاكتة هي النيًتكجُت‪ ،‬كتشكل ما نسبته ٕٓ‪ ،%‬كغاز األكسجُت‪،‬‬
‫كيشكل نسبته ِّ‪ ،%‬كغاز ثاين أكسيد الكربوف بنسبة ْ‪ ،)ّ( %‬كغاز األرجوف كيشكل‬
‫ّ‪ ،%ُ.‬كبعض الغازات األخرل ضئيلة النسبة‪ ،‬كتتوقف استمرارية ا‪ٟ‬تياة على كجه كوكب‬
‫األرض على سبلمة هذا الغبلؼ كالتوازف الضركرم بُت مكوناته‪ ،‬كقد امتدت يد اإلنساف لتعبث‬

‫(ُ) هود‪َْ:‬‬
‫(ِ) خضَت‪ ،‬عباس عبد ا‪ٟ‬تسُت‪ ،‬ا﵀ميات الطبيعية كأثرها يف ‪ٛ‬تاية التنوع اإلحيائي يف منطقة األهوار‪ ،‬صُُ‬
‫(ّ) قانوف ‪ٛ‬تاية البيئة اإلسبلمي‪ :‬ص ِّٓ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ّٔذا الغبلؼ من خبلؿ ما تنفثه مداخن ا‪١‬تصانع من أدخنة كأٓترة‪ ،‬كما تنفثه الطائرات كالسيارات‬
‫كالشاحنات من عوادـ تسبب بعض اإلختبلالت يف التوازف الدقيق الذم أكدعه ا﵁ يف هذا‬
‫الغبلؼ‪ ،‬كينجم عن ذلك‪ :‬التسخُت الدائم بارتفاع درجة حرارة األرض كإذا كاف للغبلؼ ا‪ٞ‬توم‬
‫هذا القدر من األ‪٫‬تية فإف اإلسبلـ قد أكال جل عنايته من خبلؿ ‪ٚ‬تلة أمور‪:‬‬
‫أ‪ .‬بياف أ‪٫‬تيته‪ ،‬ككظيفته اليت أرادها ا﵁ له‪ ،‬كٖتدث القرآف الكرمي كالسنة النبوية ا‪١‬تطهرة‬
‫عن ‪ٚ‬تلة كظائف للغبلؼ ا‪ٞ‬توم‪ ،‬كالذم كاف يعرب عنه بالسماء أحيانا كبالريح أحيانان أخرل‪.‬‬
‫ُ‪ .‬فقد ذكر القرآف الكرمي أ‪٫‬تية هذا الغبلؼ يف حفظ األرض كالذم جعله ا﵁ كالسقف‬
‫ً‬
‫الس ىماءى ىس ٍق نفا ىٍ‪٤‬ت يفوظنا ىكيه ٍم ىع ٍن آيىاهتىا يم ٍع ًر ي‬
‫ضو ىف)(ُ)‪ .‬كقد أثبت العلم‬ ‫(ك ىج ىعلٍنىا َّ‬
‫‪٢‬تا‪ ،‬قاؿ تعاُف‪ :‬ى‬
‫ا‪ٟ‬تديث أ‪٫‬تية الغبلؼ ا‪ٞ‬توم يف كونه سقفا ٭تفظ األرض من تسرب األشعة الكونية الضارة‪ ،‬كما‬
‫ا‪ٟ‬تديث ا‪١‬تتواصل عن طبقة األكزكف كالفتق الذم ال يزاؿ يتسع فيها‪ ،‬سول أحد األدلة على‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ِ‪ .‬كما ٌبُت القرآف أ‪٫‬تية هذا الغبلؼ يف التوزيع ا‪١‬تتوازف لؤلمطار من خبلؿ ‪ٛ‬تل‬
‫ُت يى ىد ٍم‬
‫اح بي ٍشنرا بػى ٍ ى‬ ‫(كيه ىو الَّ ًذم يػيٍرًس يل ّْ‬
‫الريى ى‬ ‫السحب كتسيَتها إُف حيث يريد ا﵁ سبحانه كتعاُف‪ :‬ى‬
‫ىخىر ٍجنىا بًًه ًم ٍن يك ّْل‬ ‫ً‬ ‫ً و و‬ ‫ً‬ ‫ًً‬
‫ت ىس ىحابنا ث ىق ناال يس ٍقنىا ي لبىػلىد ىميّْت فىأىنٍػىزلٍنىا بًه الٍ ىماءى فىأ ٍ‬
‫ىر ٍ‪ٛ‬تىته ىح َّىت إًذىا أىقىػلَّ ٍ‬
‫ات)(ِ)‪ ،‬كقاؿ أيضا‪( :‬اللَّه الَّ ًذم يػرًسل الرياح فىػتثًَت سحابا فىػيبسطيه ًيف َّ ً‬ ‫الثَّمر ً‬
‫ف يى ىشاءي‬ ‫الس ىماء ىكٍي ى‬ ‫يٍ ي ّْى ى ي ي ى ى ن ىٍ ي ي‬ ‫ي‬ ‫ىى‬
‫اب بًًه ىم ٍن يى ىشاءي ًم ٍن عًبى ًاد ً إً ىذا يه ٍم‬ ‫ىص ى‬
‫كى‪٬‬تعليه كًس نفا فىػتػرل الٍو ٍد ىؽ ىٮتٍر ً ً ًً‬
‫ج م ٍن خ ىبلله فىًإ ىذا أ ى‬ ‫يي‬ ‫ى ٍ ى ي ى ىى ى‬
‫ض ىآلي و‬ ‫اب الٍمس َّخ ًر بػُت َّ ً‬ ‫ص ًر ً‬ ‫ً‬
‫الس ىح ً ي ى ى ٍ ى‬
‫(ّ)‬
‫ات‬ ‫الس ىماء ىك ٍاأل ٍىر ً ى‬ ‫اح ىك َّ‬ ‫الريى ً‬
‫يف ّْ‬ ‫(‪...‬كتى ٍ‬
‫يى ٍستىٍبشيرك ىف) ‪ ،‬كقاؿ أيضان‪ :‬ى‬
‫لًىق ٍووـ يػى ٍع ًقليو ىف)(ْ)‪.‬‬

‫(ُ) األنبياء‪.ِّ :‬‬


‫(ِ) األعراؼ‪.ٕٓ :‬‬
‫(ّ) الركـ‪.ْٖ ،‬‬
‫(ْ) البقرة‪.ُْٔ :‬‬

‫‪66‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ّ‪ .‬كتعمل الرياح على تلقيح بُت السحب من خبلؿ توليد الشرارات الكهربية اليت تؤدم‬
‫إُف اقًتاب السحب بعضها من بعض‪ ،‬األمر الذم يؤدم إُف توليد الربؽ كمن مث األمطار‪ ،‬كما‬
‫تعمل على نقل حبوب اللقاح من األعضاء الذكرية إُف األعضاء األنثوية يف النباتات(ُ)‪،‬كهذا ما‬
‫الس ىم ًاء ىماءن)(ِ)‪ ،‬كهذا ما‬
‫اح لىىواقً ىح فىأىنٍػىزلٍنىا ًم ىن َّ‬
‫الريى ى‬
‫(كأ ٍىر ىس ٍلنىا ّْ‬
‫ذكر القرآف الكرمي يف قوله تعاُف‪ :‬ى‬
‫أكدته السنة النبوية ا‪١‬تطهرة‪ ،‬فقد ركم عن سلمة بن األكوع أنه صلى ا﵁ عليه كسلم كاف إذا‬
‫اشتدت الريح قاؿ‪( :‬اللهم لقحا ال عقيما)(ّ)‪.‬‬
‫إف لفت القرآف األنظار إُف أ‪٫‬تية السماء كالرياح (الغبلؼ ا‪ٞ‬توم)‪ ،‬كتأكيد هذ األ‪٫‬تية‬
‫من خبلؿ آيات القرآف الكرمي مكيٌها كمدنيٌها على السواء‪ ،‬يدؿ على ضركرة ا﵀افظة على سبلمة‬
‫هذا الغبلؼ؛ ألف هذا الغبلؼ ال يقوـ بوظائفه على الوجه األكمل إال يف ضوء التوازف الذم‬
‫أراد ا﵁ سبحانه كتعاُف كإف اإلخبلؿ ّٔذا التوازف ال يًتتب عليه عدـ قدرة هذا الغبلؼ على‬
‫القياـ بوظائفه فحسب بل يًتتب عليه مفاسد كثَتة تعرب عن نفسها من خبلؿ الظواهر ا‪ٞ‬توية غَت‬
‫ا‪١‬تألوفة‪ ،‬كفًتات ا‪ٞ‬تفاؼ الطويلة يف مناطق َف تعهد هذا ا‪ٞ‬تفاؼ‪ ،‬ككظواهر العنف ا‪ٞ‬توم اليت‬
‫تعرب عن نفسها يف هيئة عواصف كأعاصَت كفيضانات‪ ،‬كمن هنا فإف لفت األنظار إُف األ‪٫‬تية اليت‬
‫ٯتثلها الغبلؼ ا‪ٞ‬توم فيه دعوة كاضحة الداللة إُف ا﵀افظة على هذا الغبلؼ من العبث‬
‫كالتدخبلت البشرية الضارة‪.‬‬
‫ب‪ .‬النهي عن الفساد‪ٙ :‬تة آيات قرآنية كثَتة تنهى عن الفساد يف األرض‪ ،‬كال شك أف‬
‫فساد الغبلؼ ا‪ٞ‬توم هو إفساد يف األرض ذاهتا‪ ،‬كما قاؿ تعاُف‪( :‬يا قوـ اعبدكا ا﵁ كارجوا اليوـ‬

‫(ُ) قانوف ‪ٛ‬تاية البيئة‪ ،‬صِّٕ‪.ِّٖ-‬‬


‫(ِ) ا‪ٟ‬تجر‪.ِِ :‬‬
‫(ّ) أخرجه ابن حباف يف صحيحه‪ ،‬جّ‪ ،‬صِٖٖ‪ ،‬رقم ََُٖ‪ ،‬كالطرباين يف ا‪١‬تعجم الكبَت‪ ،‬جٕ‪ ،‬صّّ‪،‬‬
‫رقم (ِٔٗٔ)‪ ،‬كالبخارم يف األدب ا‪١‬تفرد‪ ،‬صَِٓ‪ ،‬رقم (ُٖٕ)‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫اآلخر كال تعثوا يف األرض مفسدين)(ُ)‪ ،‬كقاؿ أيضا‪( :‬كال تفسدكا يف األرض بعد إصبلحها‬
‫كادعو خوفا كطمعان إف ر‪ٛ‬تة ا﵁ قريب من ا﵀سنُت)(ِ)‪ ،‬كقاؿ أيضا‪( :‬كلوا كاشربوا من رزؽ ا﵁‬
‫كال تعثوا يف األرض مفسدين)(ّ)‪.‬‬
‫ج‪ -‬اعماؿ مقاصد الشريعة االسبلمية كخاصة الضركرية منها‪،‬فإعماؿ هذ ا‪١‬تقاصد‬
‫يؤدم إُف ٖترمي أم تعد على الغبلؼ ا‪ٞ‬توم‪١ ،‬تا ينتج عن اإلخبلؿ بتوازف الغبلؼ ا‪ٞ‬توم‪ ،‬أك‬
‫تلويثه من تفويت ‪١‬تصاٌف ضركرية ينجم عن فواهتا اإلضطرابات ا‪ٞ‬توية ا‪١‬تؤدية إُف اإلخبلؿ ببعض‬
‫هذ ا‪١‬تقاصد الضركرية كمنها ا﵀افظة على النفس كا‪١‬تاؿ‬
‫د‪ .-‬إعماؿ القواعد الفقهية‪:‬إف إعماؿ القواعد الفقهية يف هذا ا‪١‬تقاـ يدفعنا إُف القوؿ‬
‫بأف الشريعة اإلسبلمية قد منعت من خبلؿ مبادئها العامة‪ ،‬كقواعدها الكلية أم تعد على‬
‫الغبلؼ ا‪ٞ‬توم أك افساد فيه يسبب أضرارا ‪٢‬تذا الغبلؼ‪ ،‬أك يعوقه عن أداء كظائفه البلزمة إلدامة‬
‫ا‪ٟ‬تياة على كجه األرض‪ ،‬كمن هذ القواعد‪:‬‬
‫ُ‪ .‬الضرر يزاؿ‪ :‬هذ القاعدة تعد من القواعد ا‪٠‬تمس الكربل‪ ،‬كمؤداها أف أم تصرؼ‬
‫يًتتب عليه أضرار‪ ،‬فإف هذا التصرؼ ٯتنع(ْ)‪ ،‬كال ٮتفى أف التصرفات ا‪١‬تخلة بتوازف الغبلؼ ا‪ٞ‬توم‬
‫كسبلمته‪ ،‬هي تصرفات مسببة للضرر‪ ،‬كلذا فإف إعماؿ هذ القاعدة يستوجب منعها‪ ،‬كإذا كاف‬
‫الشرع ا‪١‬تطهر قد أمر بإزالة الضرر ا‪٠‬تاص‪ ،‬فما بالك بالضرر العاـ خصوصا إذا علمنا أف أم‬
‫تصرؼ ضار بالبيئة‪ ،‬ال يقتصر ضرر على صاحب التصرؼ كال حىت على بلد أك اقليمه‪ ،‬فبل‬

‫(ُ) العنكبوت‪.ّٔ :‬‬


‫(ِ) األعراؼ‪.ٓٔ:‬‬
‫(ّ) البقرة‪.َٔ:‬‬
‫(ْ) السبكي‪ ،‬تاج الدين عبد الوهاب بن علي‪ ،‬األشبا كالنظائر‪ ،‬دار الكتب العملية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬جُ‪ ،‬صُْ‪،‬‬
‫كالسيوطي‪ ،‬جبل ؿ الدين عبد الر‪ٛ‬تن‪ ،‬األشبا كالنظائر يف قواعد كفركع الشافعية‪ ،‬دار الباز للنشر كالتوزيع‪،‬‬
‫مكة ا‪١‬تكرمة‪.ٖٔ ،‬‬

‫‪68‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫‪٣‬تاؿ للحدكد عندما يتعلق األمر بالبيئة‪ ،‬كذلك ألف البيئة يف بلد ما‪ ،‬تتأثر بأم تصرؼ أك تعد‬
‫يكوف يف بلد آخر‪.‬‬
‫ِ‪ .‬ال ضرر كال ضرار‪ :‬هذ القاعدة تنفي الضرر كما تنفي مقابلة الضرر بالضرر(ُ)‪ ،‬فإذا‬
‫كانت الشريعة الغراء ال تأذف ٔتقابلة الضرر بضرر مثله‪ ،‬فكيف ٯتكن أف تأذف بإحداث الضرر‬
‫(ِ)‬
‫ابتداءن‪ ،‬كهذ القاعدة هي نص ‪ٟ‬تديث نبوم شريف‪.‬‬
‫ّ‪ .‬درء ا‪١‬تفاسد أكُف من جلب ا‪١‬تصاٌف‪ :‬هذ القاعدة تعٍت أف أم تصرؼ أك فعل يؤدم‬
‫اإلتياف به إُف مفسدة‪ ،‬فإف هذا الفعل أك التصرؼ ال يشرع‪ ،‬فيجب االمتناع عنه حىت لو أدل‬
‫االمتناع إُف تفويت مصلحة(ّ)‪ ،‬فإذا كانت ا‪١‬تفسدة ‪٬‬تب درؤها‪ ،‬حىت كلو أدل الدرء إُف تفويت‬
‫مصاٌف كمنافع فإف درأها عندما تتمحض مفسدة من باب أكُف‪ .‬كال شك أف ا‪١‬تفاسد ا‪١‬تًتتبة على‬
‫اإلخبلؿ بالتوازف يف الغبلؼ ا‪ٞ‬توم‪ ،‬هي من الكثرة ْتيث يصبح منعها أمرا ذا أ‪٫‬تية كبَتة‪ ،‬كإف‬
‫هذ القواعد الشرعية ٯتكن أف تكوف مستندا للدكلة كي تسن من القوانُت كالتشريعات ما ٯتنع كل‬
‫أكجه اإلضرار بالغبلؼ ا‪ٞ‬توم من خبلؿ كضع الضوابط الصارمة لعمل ا‪١‬تصانع‪ ،‬كترتيب العقوبات‬
‫الرادعة على كل أكجه اإلستهتار الضار بالبيئة ا‪ٞ‬توية‪.‬‬

‫(ُ) البورنو‪٤ ،‬تمد صدقي بن أ‪ٛ‬تد‪ ،‬موسوعة القواعد الفقهية‪ ،‬طُ‪ ،‬جُ‪ ،‬صْٖ‪ُُْٔ ،‬هػ‪.‬‬
‫(ِ) أخرجه ابن ماجة يف كتاب األحكاـ‪ ،‬رقم (ُِّّ) من حديث عبادة بن الصامت‪.‬‬
‫(ّ) األشبا كالنظائر‪ ،‬جُ‪ ،‬ص َُٓ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الٕسد‪ ٚ‬الجالج‪ٛ‬‬

‫اإلسالً ٔقضاٖا الظَّباب‬

‫إعداد‬
‫أ‪.‬د‪ .‬عدناى حممود العصاف‬

‫‪71‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الوحدة الثالثة‬
‫اإلشالم وقضايا ال َّشباب‬
‫الظَّباب ٔأِىٗتّي يف التازٖذ اإلسالو٘‪:‬‬
‫الشَّباب لغةن‪ٚ" :‬تىٍع و‬
‫شاب ككذا الشُّباف‪ ،‬كالشَّباب أيضان ا‪ٟ‬تى ىداثة‪ ،‬ككذا الشَّبيبىة؛ كهو‬ ‫ي‬
‫خبلؼ الشٍَّيب"(ُ)‪.‬‬
‫كال ٮتفى على أحد ما للشَّباب من أ‪٫‬تية بالغة يف رقي آّتمع كتقدمه‪ ،‬فالشَّباب قوة(ِ)‪،‬‬
‫كالشباب عطاء‪ ،‬كهم أصحاب ا‪٢‬تمة‪ ،‬كالعزـ‪ ،‬كالصحة‪ ،‬كا‪١‬تنعة‪ ،‬كالدأب‪ ،‬كا‪ٟ‬تمية‪ ،‬كاإلصرار‪،‬‬
‫ف يمثَّ ىج ىع ىل ًمن‬
‫ض ٍع و‬ ‫ً‬
‫كعلى أيديهم تكوف اإل‪٧‬تازات العظاـ‪ .‬قاؿ تعاُف‪" :‬اللَّهي الَّذم ىخلى ىق يكم ّْمن ى‬
‫يم الٍ ىق ًد يير" (ّ) ‪.‬‬‫ً‬
‫ض ٍع نفا ىك ىشٍيبىةن ىٮتٍلي يق ىما يى ىشاءي ىكيه ىو الٍ ىعل ي‬
‫ً ً و‬ ‫ض ٍع و‬
‫ف قيػ َّوةن يمثَّ ىج ىع ىل من بػى ٍعد قيػ َّوة ى‬
‫ً‬
‫بػى ٍعد ى‬
‫كقد اهتم اإلسبلـ بالشَّباب أٯتا اهتماـ؛ فكانوا كمنذ فجر اإلسبلـ ‪٤‬تل الثقة كا‪١‬تسؤكلية‪،‬‬
‫كمصدر االعتزاز‪ ،‬كقد َّقرب رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عيه كسلم إليه ي‪٩‬تبة الشَّباب معتمدان عليهم يف‬
‫أهم ا‪١‬تهاـ كأصعبها‪ ،‬كمنهم عمر بن ا‪٠‬تطاب رضي ا﵁ عنه‪ ،‬كالذم كاف من أهم مستشاريه‬
‫بسنته كحديثه الشريف‪ ،‬ككذلك على بن أيب طالب رضي ا﵁‬
‫كمسانديه‪ ،‬كأبوهريرة الذم عهد إليه ي‬
‫عنه‪ ،‬الذم كالَّ القضاء‪ ،‬كع ًهد إليه‪ ،‬كإُف ي‪٩‬تبة من الصحابة كمنهم الكثَت من الشَّباب كتابة‬
‫الوحي‪ ،‬كمن مث اعتمد عليهم عثماف بن عفاف رضي ا﵁ عنه يف ‪ٚ‬تع ا‪١‬تصحف الشريف‪ .‬كمن‬

‫(ُ) انظر‪ :‬الرازم‪ ،‬اإلماـ ‪٤‬تمد بن أيب بكر بن عبد القادر‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬الطبعة األكُف‪ ،‬ا‪١‬تكتبة األموية‪،‬‬
‫بَتكت ‪ -‬دمشق‪ُّٖٗ ،‬هػ– ُٖٕٗـ‪ .‬ص ِّٕ‪ .‬كانظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬العبلمة أبو الفضل ‪ٚ‬تاؿ الدين‬
‫‪٤‬تمد بن مكرـ‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بَتكت‪ُُْْ ،‬هػ– ُْٗٗـ‪ .‬جػ ُ‪ ،‬ص َْٖ‪.‬‬
‫(ِ) انظر‪ :‬الرازم‪ ،‬اإلماـ ‪٤‬تمد فخر الدين بن العبلمة ضياء الدين عمر؛ ا‪١‬تشتهر ٓتطيب الرم (َْٔهػ)‪،‬‬
‫التفسير الكبير ومفاتيح الغيب‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بَتكت‪ُُْْ ،‬هػ‪ُْٗٗ-‬ـ‪ .‬جػ ِٓ‪ ،‬ص ُّٕ‪.‬‬
‫(ّ) الركـ‪ْٓ :‬‬

‫‪71‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الصحابة الشَّباب الذين عهد إليهم رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم أموران سيادية مهمة؛ زيد بن‬
‫‪.‬‬
‫ثابت‪ ،‬كمعاذ بن جبل‪ ،‬كمصعب بن عمَت‪ ،‬كأسامة بن زيد رضي ا﵁ عنهم أ‪ٚ‬تعُت‬
‫كقد ‪ٝ‬تت ا‪ٟ‬تضارة العربية اإلسبلمية بفضل من ا﵁ تعاُف‪ ،‬مثَّ بدع وم من شباب هذ األمة‬
‫عرب العصور ا‪١‬تتعاقبة‪ ،‬كقد برع شباب أمتنا يف ا‪٠‬تلق كالسلوؾ فكانوا قدكة للغَت‪ ،‬كسببان يف نشر‬
‫اإلسبلـ يف أصقاع ا‪١‬تعمورة‪ ،‬كقد برعوا يف العلوـ ا‪١‬تختلفة؛ فنشأ منهم علماء سطركا يف تاريخ‬

‫اإلنسانية صفحات جلية من نور العلم ا‪١‬تمزكجة بنور الوحي كيقُت اإلٯتاف‪ ،‬ككاف علمهم مفتوحان‬
‫لكل أحد بأرفع قيم اإلنسانية كأنبلها؛ فامتازكا ْتضارهتم ّٔذ ً‬
‫السمات الراقية عن غَتها من‬
‫ا‪ٟ‬تضارات ا‪١‬تادية‪ ،‬كعن تلك اليت قامت على نزعة عرقية ‪٤‬تدكدة اإلطار‪ ،‬كقد استقوا ا‪٢‬تدم من‬
‫عدد ال ييستهاف به من‬
‫علمائهم‪ ،‬كأمرائم ا‪١‬تشهود ‪٢‬تم باإلٯتاف كا‪ٟ‬تكمة‪ ،‬كقد ساس ا‪١‬تسلمُت ه‬
‫ا‪٠‬تلفاء الشَّباب يف ‪٥‬تتلف العصور‪ ،‬كالذين كاف على أيديهم نصر كبَت من ا﵁‪ ،‬كفتوح حضارية‬
‫كعلمية كثقافية‪ ،‬ككفرة اقتصادية‪ ،‬كهنضة اجتماعية كبَتة‪ ،‬كا‪ٟ‬تمد ﵁ رب العا‪١‬تُت‪ ،‬كقد انطلق‬
‫هؤالء من كعيهم للواجب الديٍت كا‪ٟ‬تضارم ‪٢‬تذ األمة اليت شهد ا﵁ ‪٢‬تا با‪٠‬تَتيّْة‪ ،‬كجعلها شاهدة‬
‫ّْ‬ ‫ً‬ ‫(ُ)‬
‫ك ىج ىع ٍلنىا يك ٍم أ َّيمةن ىك ىسطنا لتى يكونيواٍ يش ىه ىداءى‬
‫"كىك ىذل ى‬
‫كأمة كسط ‪ ،‬قاؿ تعاُف‪ :‬ى‬ ‫على غَتها من النَّاس َّ‬

‫وؿ ىعلىٍي يك ٍم ىش ًه ن‬
‫يدا" (ِ)‪.‬‬ ‫الر يس ي‬ ‫ىعلىى النَّ ً‬
‫اس ىكيى يكو ىف َّ‬
‫الظَّباب ٔوشؤٔلٗ‪ ٛ‬االستدالف يف األزض ٔٔادب عباد‪ ٚ‬اهلل‪:‬‬
‫لقد خلق ا﵁ اإلنساف كأسبغ عليه نعمان ظاهرة كباطنة‪ ،‬كفضله على ا‪٠‬تبلئق كلها‪ ،‬كميَّز‬

‫كحسن التقومي كا‪٠‬تًلقة‪َّ ،‬‬


‫(ّ)‬
‫كسخر له الكوف بأسر ‪ ،‬كاستخلفه يف األرض؛ ليقوـ ْتمل لواء‬ ‫بالعقل ‪ ،‬ي‬

‫(ُ) انظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬الشيخ ‪٤‬تمد الطاهر‪ ،‬مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ٖ ،‬تقيق ‪٤‬تمد ا‪١‬تيساكم‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫دار سحنوف النفائس‪ ،‬عماف‪ُُِْ ،‬هػ‪ََُِ-‬ـ‪.‬ص ُّٕ‪.ُّٖ-‬‬
‫(ِ) البقرة‪ُّْ :‬‬
‫الراغب األصفهاين‪ ،‬الشيخ أبو القاسم ا‪ٟ‬تسُت بن ‪٤‬تمد بن ا‪١‬تفضل‪ ،‬الذريعة إلى مكارم الشريعة‪،‬‬
‫(ّ) انظر‪َّ :‬‬
‫ٖتقيق ‪٤‬تمود بيجو‪ ،‬الطبعة األكُف‪ ،‬دار اقرأ‪ ،‬دمشق‪ُِِْ ،‬هػ‪ََُِ-‬ـ‪ .‬صٔٗ‪.ٕٗ-‬‬

‫‪72‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كيسَت أمور هذ ا‪ٟ‬تياة على كفق‬


‫الريادة فيها بالقسط‪ ،‬فيعمر األرض‪ ،‬كيعبد ا﵁ حق العبادة‪ّْ ،‬‬
‫إرادته هو سبحانه كتعاُف كحد ال شريك له‪ .‬فكما َّ‬
‫أف هذا التفضُّل يي ُّ‬
‫عد تكرٯتان عظيمان ‪٢‬تذا‬
‫اإلنساف؛ فهو ‪ -‬يف الوجه ا‪١‬تقابل ‪ -‬يستوجب عليه بالضركرة تكليفان كمسؤكلية كبَتة‪ ،‬عليه أف‬
‫(ُ)‬
‫عز‬
‫يويف ّٔا كفقان للمنهج الذم ارتضا له بارئه ا‪١‬تتفضل عليه؛ فمقتضى النٌعم الشكر ‪ .‬قاؿ َّ‬
‫اإلنٍس إًَّال لًيػعب يد ً‬ ‫كجل‪" :‬كما خلى ٍقت ًٍ‬
‫كف"(ِ)‪ ،‬كالعبادة هي من مظاهر الشكر على النعم؛‬ ‫ا‪ٞ‬ت َّن ىك ًٍ ى ى ٍ ي‬ ‫َّ ى ى ى ي‬
‫فإف الشَّاب ال ىف ًطن هو الذم يعي هذ ا‪ٟ‬تقائق‪ ،‬كينطلق منها كهدؼ أساسي يف حياته؛‬ ‫ك‪٢‬تذا َّ‬
‫كرس عمر ‪٢‬تذا ا‪٢‬تدؼ‪ ،‬فيستغل كقته على أفضل كجه يف ٖتقيقه؛ طاعةن ﵁ ا‪١‬تنعم كا‪١‬تتفضل‬
‫فيي ّْ‬
‫عليه‪ ،‬كشكران له‪ .‬فبل بد له من حسن عبادته‪ ،‬كالتزاـ طاعته حىت يبلغ الصبلح يف الدنيا‪ ،‬كالفبلح‬
‫فمما ‪٬‬تب االلتفات إليه أنَّه ال سبيل للنجاح يف حياتنا ٔتراحلها ا‪١‬تختلفة؛ إالَّ‬
‫كالنَّجاة يف اآلخرة‪َّ .‬‬
‫باعتماد ا‪١‬تنهج الذم ارتضا لنا خالقنا العظيم‪ ،‬كهو منهج الفطرة السليمة‪ ،‬كالشَّرع ا‪ٟ‬تنيف‪ ،‬قاؿ‪:‬‬
‫ً‬ ‫"فىأىقًم كجهك لًلدّْي ًن حنًي نفا فًطٍرت اللَّ ًه الًَّيت فىطىر النَّاس علىيػها ىال تىػب ًد ً‬
‫ّْين الٍ ىقيّْ يم‬ ‫يل ‪٠‬تىٍل ًق اللَّ ًه ذىل ى‬
‫ك الد ي‬ ‫ى ى ى ٍى ٍ ى‬ ‫ىى‬ ‫ى‬ ‫ٍ ى ٍى ى‬
‫ىكلى ًك َّن أى ٍكثىػىر الن ً‬
‫َّاس ىال يػى ٍعلى يمو ىف"(ّ) ‪.‬‬
‫كخص الشَّباب‬
‫َّ‬ ‫كقد نبَّه رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم على ضركرة اغتناـ فرصة ا‪ٟ‬تياة‪،‬‬
‫بالذكر‪ ،‬فقد ركم عن ابن عباس رضي ا﵁ عنهما أنه قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم‬
‫قمك‪ً ،‬‬
‫كغناؾ‬ ‫كصحتك قبل س ً‬
‫"شبابك قبل هرمك‪ً ،‬‬
‫ى‬ ‫ىى‬ ‫لرجل كهو يعظه‪" :‬اغتنم ‪ٜ‬تسان قبل ‪ٜ‬تس؛ ى ى‬
‫قبل فقرؾ‪ ،‬كفىراغك قبل يشغلك‪ ،‬كحياتك قبل موتك"(ْ)‪.‬‬

‫(ُ) انظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬الشيخ ‪٤‬تمد الطاهر‪ ،‬التحرير والتنوير ػ ا‪١‬تطبعة التونسية‪ ،‬دار سحنوف للنشر كالتوزيع‪،‬‬
‫تونس‪ُٕٗٗ ،‬ـ‪ .‬جػ ٖ‪ ،‬ص َِٓ‪ .‬كانظر‪ :‬الدريٍت‪ ،‬فتحي‪ ،‬خصائص التشريع اإلسالمي‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بَتكت‪َُْٕ ،‬هػ‪ُٖٕٗ-‬ـ‪ ،‬ص ِْٕ‪.‬‬
‫(ِ) الذاريات‪ٓٔ :‬‬
‫(ّ) الركـ‪َّ :‬‬
‫(ْ) أخرجه ا‪ٟ‬تاكم يف المستدرك‪ ،‬كرقمه (ْٖٕٔ)‪ ،‬جػ ْ‪ ،‬ص ُّْ‪ ،‬كقاؿ‪" :‬هذا حديث صحيح على شرط‬
‫الشيخُت‪ ،‬كَف ٮترجا "‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الظَّباب ِٔدف احلٗا‪ ٚ‬األمس‪:ٜ‬‬


‫بناءن على ما تقدـ؛ َّ‬
‫فإف الشَّباب هو يعمر ا‪١‬تسؤكلية كا‪ٞ‬تّْد كاإل‪٧‬تاز؛ فبل َّ‬
‫بد لكل شاب‬
‫كشابة أف يستثمر هذ ا‪١‬ترحلة كيستغلها على أفضل كجه‪ ،‬كبكل ما أكيت من طاقة كقدرة‪ ،‬كمن‬
‫ا‪١‬تشاهد َّ‬
‫أف أهداؼ الشَّباب يف عصرنا ٗتتلف من شخص آلخر؛ من حيث نظرهتم إُف ا‪ٟ‬تياة‬
‫كا‪١‬تستقبل‪ ،‬فقد ابتلي العديد منهم باستهداؼ االنشغاؿ بطلب حظ النَّفس من الدنيا‪ ،‬كتغليب‬
‫السعي كراء كسب ا‪١‬تاؿ‪ ،‬كالشهرة‪ ،‬كا‪١‬تتعة‪ ،‬حىت كلو بالسبل ا﵀رمة‪ ،‬كذلك على حساب السعي‬
‫ي‬
‫كرسوا حياهتم لتحقيقه‪،‬‬
‫كجل‪ ،‬كقد جعلوا هذ األمور هدفان أساسيان ‪٢‬تم َّ‬
‫عز َّ‬
‫إُف رضا ا‪١‬توُف ا‪ٟ‬تكيم َّ‬
‫سوغ الوسيلة‪ ،‬فخالفوا الشرع‪ ،‬كجانبوا األخبلؽ‪ ،‬كارتكبوا‬ ‫كقد كجد العديد منهم َّ‬
‫أف الغاية تي ّْ‬
‫ا﵀رمات‪ ،‬أك لرٔتا كقعوا يف الشبهات‪ ،‬كقد أغفلوا بذلك ما أراد ا﵁ ‪٢‬تم من صبلح يف الدنيا‪،‬‬
‫ًً‬ ‫ً‬
‫يدك ىف عيلي ِّوا ًيف األ ٍىر ً‬
‫ض‬ ‫ين ال ييًر ي‬
‫َّار اآلخىرةي ىٍ‪٧‬ت ىعلي ىها للَّذ ى‬ ‫عز ًمن قىائل‪" :‬تًٍل ى‬
‫ك الد ي‬ ‫كفبلح يف اآلخرة‪ .‬قاؿ َّ‬
‫ُت"(ُ)‪.‬‬ ‫ً ً ً‬
‫ىكال فى ىس نادا ىكالٍ ىعاقبىةي ل ٍل يمتَّق ى‬
‫فالغاية األساسية اليت ينبغي على الشَّاب أف يفٍت شبابه من أجلها هي إظهار صدؽ‬
‫اإلٯتاف با﵁ تعاُف‪ ،‬كالقياـ بطاعته يف األكامر كالنواهي‪ ،‬كعمل الصا‪ٟ‬تات يف أمور الدنيا كاآلخرة‪،‬‬
‫كنبذ ا‪٢‬تول(ِ)؛ ككل ما ٭تمل اإلنساف على ‪٥‬تالفة شرع ا﵁ من الدكافع النَّفسيَّة السلبية‪ ،‬هذا‬
‫باإلضافة إُف استهداؼ القياـ با‪ٟ‬تق كالعدؿ‪ ،‬كنفع آّتمع كاألمة(ّ)‪ ،‬كقد قاؿ تعاُف ‪٥‬تاطبان نبيَّه‬
‫َّاس بً ٍ‬
‫ا‪ٟ‬تى ّْق ىكالى تىػتَّبً ًع ا ٍ‪٢‬تىىول‬ ‫ُت الن ً‬‫اح يكم بػى ٍ ى‬ ‫ك ىخلًي ىفةن ًىف األ ٍىر ً‬
‫ض فى ٍ‬ ‫داكد عليه السبلـ‪" :‬يى ىػد ياكيد إًنَّا ىج ىعلٍنى ى‬
‫اب ىش ًدي هد ًٔتىا نى يسوا يػى ٍوىـ‬ ‫ً‬
‫ين يىضلُّو ىف ىعن ىسبً ًيل ا﵁ ى‪٢‬تي ٍم ىع ىذ ه‬
‫ً‬ ‫ً ً َّ ً‬
‫ك ىعن ىسب ًيل ا﵁ إ َّف الذ ى‬
‫ً‬ ‫فىػي ً‬
‫ضلَّ ى‬ ‫ي‬

‫(ُ) القصص‪ّٖ :‬‬


‫اله َوى هو‪" :‬ميل النَّفس إُف ما يٖت ُّ‬
‫ب من غَت اإلصغاء ‪ٟ‬تكم الشريعة فيه"‪ .‬قلعه جي‪٤ ،‬تمد ركاس‪ ،‬كقنييب‪،‬‬ ‫(ِ) َ‬
‫حامد صادؽ‪ ،‬معجم لغة الفقهاء‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬بَتكت‪َُْٖ ،‬هػ‪ُٖٖٗ-‬ـ‪ .‬ص ْٓٗ‪.‬‬
‫(ّ) انظر‪ :‬ا‪ٞ‬تيىويًٍٍت‪ ،‬إماـ ا‪ٟ‬ترمُت أبو ا‪١‬تعاِف عبد ا‪١‬تلك بن عبد ا﵁ (ت‪ْٕٖ .‬هػ)‪ِ ،‬غياث األُمم في الْتِيَاث‬
‫الظُلَم‪ٖ ،‬تقيق‪ :‬د‪ .‬عبد العظيم الديب‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬ا﵀قق نفسه‪ ،‬قطر‪َُُْ ،‬هػ–ُُٖٗـ‪ .‬ص ُُٖ‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ً‬ ‫َّ ً‬ ‫ً‬


‫ين ىك ىفيركا فىػ ىويٍ هل لّْلَّذ ى‬ ‫ض ىكىما بػىٍيػنىػ يه ىما بػى ًػطبل ىذل ى‬ ‫ا‪ٟ‬تًس ً‬
‫ا‬
‫ين‬ ‫ك ظى ُّن الذ ى‬ ‫الس ىمآءى ىكاأل ٍىر ى‬
‫اب(ِٔ) ىكىما ىخلى ٍقنىا َّ‬ ‫ٍى‬
‫ين ًىف األ ٍىر ً‬
‫ض أ ٍىـ ىٍ‪٧‬ت ىع يل‬ ‫ًً‬ ‫ىك ىفركا ًمن النَّا ًر (ِٕ) أىـ ىٍ‪٧‬تعل الَّ ًذين ءامنيوا كع ًمليوا َّ ً ا ً‬
‫الصػل ىحػ ػت ىكالٍ يم ٍفسد ى‬ ‫ٍ ىي ى ىى ىى‬ ‫ي ى‬
‫ب (ِٗ﴾(ُ) ‪.‬‬ ‫ك مبػارهؾ لّْي َّدبػَّركا ءايػاتًًه كلًيتى ىذ َّكر أيكليوا األىلٍبػا ً‬ ‫بأى ً‬ ‫ًا‬
‫ُت ىكالٍ يف َّجا ًر (ِٖ) كتىػ ه‬
‫ً‬
‫ى‬ ‫ىنزلٍنىػهي إلىٍي ى يى ى ى ي ى ى ى ى ى ٍ‬ ‫الٍ يمتَّق ى‬
‫قاؿ اإلماـ الشاطيب يف تسويغ ما يبعث اإلنساف على اقًتاؼ ا﵀رمات‪ ،‬كاستحقاؽ العقوبات‬
‫الدنيوية‪ ،‬كالعذاب األخركم‪" :‬كأصل ذلك [أم سببه] اتباع ا‪٢‬تول‪ ،‬كاالنقياد إُف طاعة األغراض‬
‫كع َّد قى ًسيمان له"(ِ)‪.‬‬
‫العاجلة‪ ،‬كالشهوات الزائلة‪ ،‬فقد ىجعل ا﵁ اتباع ا‪٢‬تول يمضادان للحق‪ ،‬ى‬
‫كعلى هذا َّ‬
‫فإف ا‪٢‬تدؼ السامي الشموِف الذم تبنَّا اإلسبلـ كارتضا لئلنساف عمومان‪،‬‬

‫يتم ٖتصيله إالَّ بامتثاؿ أحكاـ الشريعة‪ ،‬كتطبيق كتاب ا﵁ ي‬


‫كسنَّة رسوؿ‬ ‫كللشَّباب خصوصان؛ ال ُّ‬
‫ا﵁‪ ،‬فقد بينيت الشريعة كلها على نبذ ا‪٢‬تول‪ ،‬كإدخاؿ اإلنساف يف مسالك طاعة البارم جلَّ‬
‫جبلله يف ‪ٚ‬تيع أمور ا‪ٟ‬تياة‪ .‬قاؿ الشاطيب ر‪ٛ‬ته ا﵁‪" :‬ا‪١‬تقصد الشرعي من كضع الشريعة؛ إخراج‬
‫ا‪١‬تكلف عن ً‬
‫داعية هوا ‪ ،‬حىت يكوف عبدان ﵁ اختياران‪ ،‬كما هو عبد ﵁ اضراران"(ّ)‪.‬‬
‫ي‬
‫فإف على كل شاب كشابة أف يراجع هدفه األساسي يف هذ ا‪ٟ‬تياة كمنطلقه‬ ‫كعلى هذا َّ‬
‫نصبَّان على السعي كراء الشهرة كا‪١‬تاؿ‪ ،‬أك ا‪١‬تتعة ا﵀رمة؛ فعليه أف يتوخى ا‪ٟ‬تذر‪،‬‬
‫كسلوكه؛ فإذا كاف يم ى‬
‫كيرجع إُف الصراط السوم ا‪١‬تستقيم‪ ،‬كيتوب إُف ا﵁ الرحيم؛ فعن أيب هريرة رضي ا﵁ عنه قاؿ‪:‬‬
‫بد الدينار كالدرهم‪ ،‬كال ىق ًطيفة كا‪٠‬تى ًميصة؛ إف أعطي‬
‫س ىع ي‬ ‫ً‬
‫قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم‪ :‬تىع ى‬

‫(ُ) ص‪ِٗ-ِٔ :‬‬


‫(ِ) الشاطيب‪ ،‬اإلماـ ابراهيم بن موسى اللَّخمي الغرناطي (ت‪َٕٗ .‬هػ)‪ ،‬الموافقات في أصول الشريعو‪ ،‬الطبعة‬
‫األكُف‪ ،‬دار ا‪١‬تعرفة‪ ،‬بَتكت‪ُُْٓ ،‬هػ– ُْٗٗـ‪ .‬جػ ِ‪ ،‬ص َْٕ‪.‬‬
‫(ّ) الشاطيب‪ ،‬الموافقات في أصول الشريعو‪ ،‬جػ ِ‪ ،‬ص ْٗٔ‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫رضي‪ ،‬كإف َف يعط َف يىرض"(ُ)‪ .‬كالقطيفة كا‪٠‬تميصة؛ نوع من األلبسة الفاخرة‪ ،‬كهي هنا كناية‬
‫عن السعي كراء ا‪١‬تنصب كالرياسة‪ ،‬كا‪١‬تكانة االجتماعية العالية بأم سبب حىت كإف كاف ‪٤‬تظوران(ِ)‪.‬‬
‫ككل هذا ال يعٍت أف يعتزؿ الشَّاب ا‪ٟ‬تياة؛ فيًتهنب يف ا‪ٞ‬تباؿ‪ ،‬فبل يتزكج‪ ،‬كال يأيت من‬
‫يمتع ا‪ٟ‬تياة ا‪١‬تباحة‪ ،‬إالَّ ما يسد ىرىمقه من طعاـ كشراب‪ ،‬كال أف يكتفي بالعبادة دكف السعي إُف‬
‫ٖتقيق الطموحات ا‪١‬تشركعة(ّ)‪ ،‬كبناء الذات‪ ،‬كاألسرة السعيدة ا‪١‬تيسورة‪ ،‬كالسعي إُف بناء آّتمع‬
‫ا‪١‬تتقدـ‪ ،‬ككذلك ا‪١‬تسا‪٫‬تة يف تطوير ا‪ٟ‬تضارة اإلنسانية يف هذ ا‪١‬تعمورة‪ ،‬بل َّ‬
‫إف اإلسبلـ هو دين‬
‫توحيد كعبادة‪ ،‬كمنهج حياة‪ ،‬يوجه إُف إعطاء حق ا﵁‪ ،‬كإعطاء حق النَّفس‪ ،‬كيتبٌت العبادة‪،‬‬
‫ك‪٬‬تعل جزءان منها العمل كالبناء كا‪٠‬تدمة العامة(ْ)‪ ،‬كيي ُّ‬
‫عد هذا السعي من أهم أهداؼ ىخ ٍلق‬
‫اإلنساف؛ فقد أنشأ ا﵁ تعاُف من هذ األرض ككلفه بعمارهتا‪ ،‬كالذم يقتضي إحداث التنمية‪،‬‬
‫استىػ ٍع ىمىريك ٍم فً ىيها"(ٔ)‪،‬‬ ‫ىنشأى يكم ّْم ىن ٍاأل ٍىر ً‬
‫ض ىك ٍ‬ ‫جل كعبل‪ " :‬يه ىو أ ى‬
‫(ٓ)‬
‫كالنهضة‪ ،‬كإنشاء ا‪ٟ‬تضارة ‪ ،‬قاؿ َّ‬
‫فا‪١‬تهم أف تكوف النيَّة من خطط الشَّباب الذاتية‪ ،‬كالباعث الدافع إُف أعما‪٢‬تم كتصرفاهتم‬
‫متجهة إُف ا‪ٟ‬تصوؿ على رضا ا﵁‪ ،‬كنعيم اآلخرة‪ ،‬كالنجاة من العذاب كالعقاب فيها‪ ،‬كتكوف‬
‫األفعاؿ مبنية على ٖترم طاعة ا﵁‪ ،‬كالصبلح يف طلب أمور الدنيا كمتعها كمنافعها‪ ،‬كاجتناب‬

‫(ُ) ركا البخاري في صحيحو‪.‬‬


‫(ِ) انظر‪ :‬اإلماـ ‪٤‬تمد بن إ‪ٝ‬تاعيل الكحبلين (ت‪ُُِٖ .‬هػ)‪ ،‬سبل السالم شرح بلوغ المرام‪ ،‬دار الفرقاف‪،‬‬
‫بَتكت‪ .‬جػ ْ‪ ،‬ص ِِٖ‪.ِِٗ-‬‬
‫(ّ) انظر‪ :‬عبد ‪ ،‬اإلماـ ‪٤‬تمد‪ ،‬اإلسالم دين العلم والمدنية‪ ،‬الطبعة األكُف‪ ،‬دار مكتبة ا‪ٟ‬تياة‪ ،‬بَتكت‪،‬‬
‫َُْٗهػ– ُٖٗٗـ‪ .‬ص ُِٕ‪.ُِٖ-‬‬
‫الراغب األصفهاين‪ ،‬الذريعة إلى مكارم الشريعة‪ ،‬صَِٕ‪.ُِٕ-‬‬
‫(ْ) انظر‪َّ :‬‬
‫(ٓ) انظر‪ :‬الثعاليب‪ ،‬اإلماـ عبد الر‪ٛ‬تن بن ‪٤‬تمد بن ‪٥‬تلوؼ‪ ،‬الجواىر الحسان في تفسير القرآن‪ ،‬مؤسسة‬
‫األعلمي للمطبوعات – بَتكت‪ ،‬د‪ .‬ت‪ .‬جػ ِ‪ ،‬ص َُِ‪ .‬أبو حياف‪ ،‬اإلماـ ‪٤‬تمد بن يوسف األندلسي‪،‬‬
‫البحر المحيط‪ ،‬الطبعة األكُف‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪ُِِْ ،‬هػ‪ََُِ-‬ـ‪ .‬جػ ُ‪ ،‬ص ِٖٗ‪.‬‬
‫(ٔ) هود‪.ُٔ :‬‬

‫‪76‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ا﵀رمات ككل ما يؤدم إُف الفساد يف األرض(ُ)؛ سواءن كاف على مستول الفرد‪ ،‬أك على مستول‬
‫ىح ًس ٍن ىك ىما‬ ‫ك ًم ىن ُّ‬ ‫ً‬
‫اآلخرةى كال تىػٍنس نى ً‬ ‫ً‬
‫الدنٍػيىا ىكأ ٍ‬ ‫صيبى ى‬ ‫ى‬ ‫َّار ى ى‬ ‫اؾ اللَّهي الد ى‬
‫يما آتى ى‬
‫"كابٍػتى ًغ ف ى‬
‫ا‪ٞ‬تماعة‪ ،‬قاؿ تعاُف‪ :‬ى‬
‫ًً‬ ‫ض إً َّف اللَّهى ال يً٭ت ُّ‬
‫ين"(ِ)‪.‬‬
‫ب الٍ يم ٍفسد ى‬ ‫ىح ىس ىن اللَّهي إًلىٍي ى‬
‫ك ىكال تىػٍب ًغ الٍ ىف ىس ىاد ًيف األ ٍىر ً‬ ‫أٍ‬
‫الصش‪ ٛ‬السُّٔسَّٗ‪ ٛ‬لمظَّباب‪:‬‬
‫يتسم ّٔا اإلسبلـ ا‪ٟ‬تنيف‪ ،‬كتفتقدها كثَت من األطركحات الفكرية‬ ‫َّ‬
‫إف من أهم ا‪١‬تيزات اليت ي‬
‫الركحي لئلنساف كيعتٍت به‪ ،‬كيرتقي به ‪١‬تر و‬
‫تبة يظهر أثرها يف سلوكه‬ ‫ا‪١‬تعاصرة أنَّه يليب ا‪ٞ‬تانب ُّ‬
‫الركحي يليب حاجة فطرية يفتقدها الكثَت من الشَّباب ا‪١‬تعاصر إلنغماسهم‬
‫كأخبلقه‪ .‬فتعزيز ا‪ٞ‬تانب ُّ‬
‫يف سياؽ ا‪ٟ‬تياة ا‪١‬تادية‪ ،‬اليت فرضتها طبيعة هذا العصر كسياقه ا‪١‬تادم‪ .‬فاإلسبلـ ا‪ٟ‬تنيف يقدـ‬
‫للشَّباب هذا التعزيز الركحي الذم ٭تقق ‪٢‬تم حياة ملؤها السكينة كالطمأنينة‪ .‬فهو دين الفطرة‬
‫ً‬
‫كجسد مادم ال يليب‬ ‫كركح كعقل‪ ،‬كليس‬ ‫و‬
‫كالواقعية يتعامل معهم بتوازف كتكامل؛ كجسد‪ ،‬ي‬
‫حاجاته إالَّ ا‪١‬تادة(ّ)‪ .‬فقد كجه ديننا ا‪ٟ‬تنيف الشَّباب إُف تعمق اإلٯتاف با﵁‪ ،‬كتوثيق صلتهم به‬
‫تبارؾ كتعاُف‪ ،‬كعظم أجر من ينشأ يف طاعته كعبادته؛ فعن أيب هريرة رضي ا﵁ عنه‪ ،‬عن رسوؿ‬
‫ً‬
‫نشأ يف‬
‫كشاب ى‬
‫ّّ‬ ‫عادؿ‪،‬‬ ‫ظل َّإال ظلُّه‪ :‬ه‬
‫إماـ ه‬ ‫ا﵁ عليه السبلـ قاؿ‪" :‬سبعةه ييظلُّهم ا﵁ي يف ظلّْه ى‬
‫يوـ ال َّ‬
‫ً‬
‫ا‪١‬تسجد‪ ،‬كرج ً‬
‫بلف ٖتابَّا‬ ‫كرجل قلبيه معلَّ هق يف‬ ‫ً ً‬
‫ي‬ ‫كرجل ذ ىكر ا﵁ى خالينا ففاضت عينا ‪ ،‬ه‬
‫عبادة ا﵁ تعاُف‪ ،‬ه‬
‫أخاؼ‬ ‫إين‬ ‫ك‪ٚ‬تاؿ إُف ً‬
‫نفسها فقاؿ‪ّْ :‬‬ ‫منصب و‬ ‫و‬ ‫ذات‬ ‫ً‬
‫ي‬ ‫دعته امرأةه ي‬ ‫كرجل ٍ‬
‫كتفرقا‪ ،‬ه‬
‫اجتمعا عليه َّ‬
‫يف ا﵁‪ :‬ى‬
‫حىت ال تعلى ىم ًمشاليه ما تي ًنف يق ٯتينيه"(ْ)‪.‬‬ ‫ا﵁‪ ،‬كرجل تصدَّؽ ب و‬
‫صدقة فأخفاها َّ‬ ‫ه‬ ‫ى‬

‫(ُ) انظر‪ :‬ابن قدامة‪ ،‬مختصر منهاج القاصدين‪ ،‬ص ّْٓ‪.ّْٔ-‬‬


‫(ِ) ال ىقصص‪ّٕ :‬‬
‫(ّ) عقلة‪ ،‬د‪٤ .‬تمد اإلبراهيم‪ ،‬اإلسالم مقاصده وخصائصو‪ ،‬الطبعة األكُف‪ ،‬مكتبة الرسالة ا‪ٟ‬تديثة‪ ،‬عماف‪،‬‬
‫َُْٕهػ‪ُٖٕٗ-‬ـ‪ ،‬ص ْٗ‪.‬‬
‫(ْ) ابن حياف يف صحيحو‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الركحي للشَّباب يوافق فطرهتم األصلية‪ ،‬فاإلنساف يمتديّْن بطبعه‪ ،‬كاإلسبلـ‬


‫كهذا التوجيه ُّ‬
‫كدين كمنهج حياة كعمل‪ ،‬يليب حاجاهتم ا‪ٟ‬تقيقية‪ ،‬كهو يتفوؽ بذلك على األطركحات األحادية‬
‫الركحي‪ ،‬خالف‬ ‫ذات النزعة ا‪١‬تادية؛ َّ‬
‫ألف الشَّاب إذا سعى يف حياته ‪٨‬تو ا‪١‬تادية؛ كأغفل ا‪ٞ‬تانب ُّ‬
‫أصل خلقه كعبد ﵁‪ ،‬كهو يف الغالب ٮتالف مكارـ األخبلؽ لوقوعه يف ا‪٢‬تول كالشهوات من‬
‫متبلزمات ا‪١‬تادية‪ ،‬ك‪٢‬تذا أثر كبَت عليه من الناحية األخبلقية كاألمنية‪ ،‬كالنَّفسيَّة‪ ،‬كحىت الصحية‬
‫ا‪ٞ‬تسدية‪ .‬ك‪٢‬تذا َّ‬
‫فإف اإلسبلـ يرتقي بالشَّباب إُف أرفع درجات السمو اإلنساين بدعوهتم لتهذيب‬
‫الذات بالعبادة‪ ،‬كالتزاـ أحكاـ الشريعة للوصوؿ إُف ٘تاـ مكارـ األخبلؽ‪ ،‬قاؿ عليه الصبلة‬
‫فإف أحكاـ الشريعة يبرَّمتًها‬ ‫كالسبلـ‪َّ :‬‬
‫"إ‪٪‬تا بعثت ألي٘تّْم مكارـ األخبلؽ"(ُ)‪ ،‬كبناءن على ذلك؛ َّ‬
‫هتدؼ إُف إيصاؿ الشَّباب ك‪ٚ‬تيع ا‪١‬تكلفُت إُف التحلي باآلداب الرفيعة كاألخبلؽ ا‪ٟ‬تسنة‪،‬‬
‫فمضموف القضايا الشرعية كمقصدها الكلي هو الدعوة إُف مكارـ األخبلؽ‪ ،‬كما ذكر اإلماـ‬
‫(ِ)‬
‫الركحي كالسلوكي يف حياة اإلنساف‪.‬‬
‫ا‪ٞ‬تويٍت ر‪ٛ‬ته ا﵁ ‪ ،‬كهو أ‪ٝ‬تى صور االرتقاء ُّ‬
‫العبادات ٔأِىٗتّا لمظَّباب‪:‬‬
‫لقد أنعم ا﵁ على ا‪١‬تسلمُت كشبأّم بنظاـ ركحي تعبدم متكامل يهدم إُف الرشد‪ ،‬فيه‬
‫الركحي‪ ،‬كتلبية‬
‫من الشموؿ‪ ،‬كالوسطية‪ ،‬كالتوازف‪ ،‬كرفع ا‪ٟ‬ترج ما ‪٬‬تعله قادران على إركاء ظمأهم ُّ‬
‫حاجاهتم‪ ،‬كتفريج كركّٔم‪ ،‬كرفع درجاهتم‪ .‬فالعبادة توصل العابد إُف مرتبة التقول‪ ،‬قاؿ تعاُف‪ " :‬يىا‬
‫ين ًم ٍن قىػٍبلً يك ٍم لى ىعلَّ يك ٍم تىػتَّػ يقو ىف(ّ)"‪ .‬كالت ًَّق ٌي هو ا‪١‬تسلم‬ ‫َّ ً‬ ‫َّ ً‬
‫َّاس ٍاعبي يدكا ىربَّ يك يم الذم ىخلى ىق يك ٍم ىكالذ ى‬
‫أىيػُّ ىها الن ي‬
‫الذم يأيت بكل ما ‪٬‬تب عليه من أكامر الشرع‪ ،‬ك‪٬‬تتنب ما يحّْرـ عليه(ْ)‪ ،‬كمن كصل بالعبادة إُف‬

‫(ُ) أخرجه البزار يف مسنده‪ ،‬عن أيب هريرة‪ ،‬كاإلماـ أ‪ٛ‬تد يف مسنده عنه أيضان‪ ،‬بركاية‪َّ :‬‬
‫"إ‪٪‬تا بعثت أل٘تم صاٌف‬
‫األخبلؽ"‪.‬‬
‫(ِ) ا‪ٞ‬تويٍت‪ ،‬غياث األمم في التياث الظُلَم‪ ،‬ص ُُٖ‪.‬‬
‫(ّ)البقرة‪ُِ :‬‬
‫(ْ) الصنعاين‪ ،‬سبل السالم‪ ،‬جػ ْ‪ ،‬ص ِّْ‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫صفة التقول؛ فقد حاز خَتان كثَتان؛ ففيها ا‪١‬تخرج من ا‪١‬تشكبلت‪ ،‬كا‪١‬تصائب‪ ،‬كا‪٢‬تموـ‪ ،‬كالكركب‪،‬‬
‫السعة يف الرزؽ‪ ،‬قاؿ تعاُف‪ " :‬ىكىمن يػىت ًَّق اللَّهى ىٍ‪٬‬ت ىعل لَّهي ‪٥‬تىٍىر نجا )ِ( ىكيػىٍريزقٍهي ًم ٍن‬ ‫كبسببها أيضان ٖتصل َّ‬
‫ب ىكىمن يػىتىػ ىوَّك ٍل ىعلىى اللَّ ًه فىػ يه ىو ىح ٍسبيهي إً َّف اللَّهى بىالً يغ أ ٍىم ًرً قى ٍد ىج ىع ىل اللَّهي لً يك ّْل ىش ٍي وء‬ ‫ً‬
‫ث ىال ىٍ٭تتىس ي‬
‫ىحٍي ي‬
‫(ُ)‬
‫"كىم ٍن‬ ‫قى ٍد نرا " []‪ ،‬كقد جعل ا﵁ التقول أيضان سببان لتيسَت أمور ا‪ٟ‬تياة كتسهيلها‪ ،‬قاؿ َّ‬
‫جل كعبل‪ :‬ى‬
‫يػىت ًَّق اللَّهى ىٍ‪٬‬ت ىع ٍل لىهي ًم ٍن أ ٍىم ًرً يي ٍسران" ‪ ،‬كبالتقول أيضان ٭تصل تكفَت الذنوب‪ ،‬كتعظيم األجر؛ قاؿ َّ‬
‫(ِ)‬
‫عز‬
‫ًً ً‬
‫القائل‪ " :‬ىكىمن يػىت ًَّق اللَّهى يي ىكف ٍّْر ىعٍنهي ىسيّْئىاته ىكيػي ٍعظ ٍم لىهي أ ٍ‬
‫ىجنرا"(ّ)‪ ،‬كعبلكنة على ذلك؛ َّ‬
‫فإف التقول‬
‫كسبيلها ‪-‬العبادة‪ ،-‬سبب يف ٖتصيل العلم‪ ،‬فمن أراد من شبابنا االرتقاء يف العلم‪ ،‬كالنجاح يف‬
‫و ً‬ ‫ً‬
‫كجل‪ " :‬ىكاتػَّ يقوا اللَّهى ىكيػي ىعلّْ يم يك يم اللَّهي ىكاللَّهي ب يك ّْل ىش ٍيء ىعل ه‬
‫يم"(ْ)‪.‬‬ ‫التحصيل الدراسي؛ فعليه ّٔا‪ ،‬قاؿ عز َّ‬
‫بل َّ‬
‫إف ا﵁ تعاُف أنعم على من يتقيه من ا‪١‬تؤمنُت بفضله ككرمه بأف ‪٬‬تعل ‪٢‬تم فرقانان ٯتيزكف به بُت‬
‫ين ىآمنيوا إً ٍف تػىتَّػ يقوا اللَّهى ىٍ‪٬‬ت ىع ٍل لى يك ٍم فيػ ٍرقىا نا ىكيي ىكف ٍّْر عىٍن يك ٍم ىسيّْئىاتً يك ٍم‬ ‫َّ ً‬
‫ا‪ٟ‬تق كالباطل‪ ،‬قاؿ تعاُف"يىا أىيػُّ ىها الذ ى‬
‫ض ًل الٍ ىع ًظي ًم"(ٓ)‪.‬‬ ‫ً‬
‫ىكيػى ٍغف ٍر لى يك ٍم ىكاللَّهي ذيك الٍ ىف ٍ‬
‫أم‬
‫فأم نعمة ‪٬‬تنيها الشَّاب أعظم من السعي إُف تقول ا﵁ بطاعته كحسن عبادته‪ ،‬ك ٌ‬ ‫ٌ‬
‫خسارة يقع فيها إذا قصر يف جانب العبادة كٖتصيل التقول؛ خاصةن كأنَّه يف سن ون ٖتيفُّه فيه الفنت‬
‫الكثَتة‪ ،‬كٗتتلج يف نفسه أهواء عديدة كشهوات ليست باليسَتة‪ ،‬فالشَّاب أكثر الناس حاجةن إُف‬
‫ا‪ٟ‬ترص على العبادات كعلى الوصوؿ ّٔا إُف مرتبة التقول ا‪١‬تباركة‪ ،‬فحرم بالشباب ا‪١‬تسلم الفيت‬
‫ا‪ٞ‬تاد صاحب اإل‪٧‬تازات ا‪١‬تشهودة أف ال ينسى ما افًتضه ا﵁ عليه من العبادات‪ ،‬كما أمر به من‬
‫التقول‪ ،‬كاليت تستلزـ أيضان فعل األكامر الشرعيةػ كاجتناب ا‪١‬تناهي كلها‪ ،‬فذلك هو سبيل كصو‪٢‬تم‬

‫(ُ) الطبلؽ‪ّ-ِ :‬‬


‫(ِ) الطبلؽ‪ْ :‬‬
‫(ّ) الطبلؽ‪ٓ :‬‬
‫(ْ) البقرة‪ِِٖ :‬‬
‫(ٓ) األنفاؿ‪ِٗ :‬‬

‫‪79‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫َّار ٍاآل ًخىرةي ىٍ‪٧‬ت ىعلي ىها‬ ‫لتحقيق ا‪١‬تراـ‪ ،‬كا‪ٟ‬تصوؿ على النجاح كالنجاة يف الدارين‪ ،‬قاؿ تعاُف‪" :‬تًٍل ى‬
‫ك الد ي‬
‫ً ً ً‬ ‫يدك ىف يعلي ِّوا ًيف ٍاأل ٍىر ً‬ ‫ًً‬
‫ُت"(ُ)‪.‬‬
‫ض ىكىال فى ىس ناداۚ‌ ىكالٍ ىعاقبىةي ل ٍل يمتَّق ى‬ ‫ين ىال ييًر ي‬
‫للَّذ ى‬
‫خصٕصٗ‪ ٛ‬الصال‪ٔ ٚ‬الصًٕ لتٍىٗ‪ ٛ‬اجلاٌب السُّٔس٘ لمظَّباب‪:‬‬
‫الروح‪ ،‬كهي ًعماد الدين‪ ،‬كالصبلة من كسائل صلة العبد بربه‪ ،‬كهي‬
‫الصالة غذاء ُّ‬
‫َّ‬
‫بأمس ا‪ٟ‬تاجة إُف إقامة الصبلة كا﵀افظة‬
‫السبيل الركحي كالوجداين إُف ا﵁ تعاُف‪ ،‬كالشَّباب هم ّْ‬
‫عليها يف سن ون ٖتييفه ا‪١‬تخاطر‪ ،‬فهي كسيلة البلوغ إُف التقول بكل ميزاهتا سابقة الذكر‪ ،‬كهي أيضان‬
‫الركحيَّة‪ ،‬كاالستقرار النَّفسي البلزـ ‪٢‬تم يف هذ ا‪١‬ترحلة العمرية اليت ٗتتلج‬
‫طريق ٖتصيل الراحة ُّ‬
‫الركح فيها كثَت من الوساكس‪ ،‬كاألكهاـ‪ ،‬كا‪٢‬تموـ‪ ،‬خاصةن إذا أدكها ْتضور ركحي‪ ،‬مع تركيز‬
‫ُّ‬
‫الذهن‪ ،‬كخشوع القلب(ِ)‪ ،‬فعن ساَف بن أيب ا‪ٞ‬تعد رضي ا﵁ عنه قاؿ‪ :‬قاؿ رجل من خزاعة‪:‬‬
‫فاسًت ٍحت‪َّ ،‬‬
‫فكأهنم عابيوا ذلك عليه‪ ،‬فقاؿ‪ٝ :‬تعت رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم‬ ‫ليتٍت صلَّيت ى‬
‫يقوؿ‪" :‬أقًم الصبلةى يا ببلؿ‪ ،‬أ ًر ٍحنىا ّٔا "(ّ)‪ .‬فمن أقاـ الصبلة يف كقتها‪ ،‬كٓتشوعها‪ ،‬مع إ٘تاـ‬
‫أركاهنا كشركطها كاف من ا‪١‬تفلحُت الناجحُت‪ ،‬بإذف ا﵁ تعاُف‪ ،‬كهو القائل‪" :‬قى ٍد أىفٍػلى ىح الٍ يم ٍؤًمنيو ىف‬
‫ك ًم ىن‬ ‫يكح ىي إًلىٍي ى‬‫عز كجل أيضان‪" :‬اتٍل ما أ ً‬ ‫(ْ)‬
‫اش يعو ىف{ِ{ ‪ ،‬كقاؿ َّ‬ ‫{ُ} الَّ ًذين هم ًيف ص ىبلهتًًم خ ً‬
‫يى‬ ‫ى ٍ ى‬ ‫ى يٍ‬
‫الص ىبلةى تىػٍنػ ىهى ىع ًن الٍ ىف ٍح ىش ًاء ىكالٍ يمٍن ىك ًر ىكلى ًذ ٍكير اللَّ ًه أى ٍكبىػير ىكاللَّهي يػى ٍعلى يم ىما‬ ‫اب ىكأىقً ًم َّ‬
‫الص ىبلةى إً َّف َّ‬ ‫الٍ ًكتى ً‬

‫صنىػعيو ىف" (ٓ)‪.‬‬


‫تى ٍ‬
‫ككذلك َّ‬
‫فإف للصوم أثران كبَتان يف صبلح الشَّباب كبلوغهم إُف أ‪ٝ‬تى درجات االتقاء‬
‫الركحي‪ ،‬كهو نوعاف؛ فرض كنافلة‪َّ .‬أما الفرض؛ فصوـ رمضاف كهو ركن من أركاف اإلسبلـ‪ ،‬كفيه‬
‫ُّ‬

‫(ُ) القصص‪ّٖ :‬‬


‫(ِ) ابن قدامة‪ ،‬اإلماـ أ‪ٛ‬تد بن عبد الر‪ٛ‬تن ا‪١‬تقدسي (ت‪ِٖٔ .‬هػ)‪ ،‬مختصر منهاج القاصدين‪ٖ ،‬تقيق أ‪ٛ‬تد‬
‫كنعاف‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بَتكت‪ُُْٓ ،‬هػ– ُٓٗٗـ‪.‬ص ِٖ‪.َّ-‬‬
‫(ّ) ركا أبو داكد يف سننو‪.‬‬
‫(ْ) ا‪١‬تؤمنوف‪ِ-ُ :‬‬
‫(ٓ) العنكبوت‪ْٓ :‬‬

‫‪81‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫فرص للشَّباب ال ٯتكن أف ‪٬‬تدكها يف غَت ؛ فهو يعطيهم ‪٣‬تاالن كاسعان ‪١‬تدة شهر كامل ‪١‬تراجعة‬
‫أنفسهم كاالرتقاء بأركاحهم‪ ،‬كهتذيبها‪ ،‬كمراجعة الذات‪ ،‬كٕتديد النيَّة‪ ،‬كاإلخبلص فيها يف األمور‬
‫كلها‪ ،‬فهو كسيلة حثيثة مستمرة تدكر سنويان لتوصل اإلنساف إُف تقول ا﵁ كرضا ‪ ،‬كهو ىمبلؾ‬
‫ب ىعلىى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ ً‬ ‫(ُ )‬
‫الصيى ياـ ىك ىما يكت ى‬ ‫ب ىعلىٍي يك يم ّْ‬‫ين ىآمنيوا يكت ى‬ ‫ا‪٠‬تَت كله ‪ .‬قاؿ تعاُف‪" :‬يىا أىيػُّ ىها الذ ى‬
‫صلَّى اللَّهي ىعلىٍي ًه ىك ىسلَّ ىم‪:‬‬ ‫الَّ ًذين ًمن قىػبلً يكم لىعلَّ يكم تىػتَّػ يقو ىف"(ِ)‪ .‬كعن أىيب هريرةى قاؿ‪ :‬قىاؿ رس ي ً‬
‫وؿ اللَّه ى‬ ‫ىي‬ ‫يى ى‬ ‫ٍ ٍ ى ٍ‬ ‫ى‬
‫َّـ ًم ٍن ىذنٍبً ًه"(ّ)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫"من صاـ رمضا ىف إًٯتىانا ك ً‬
‫احت ىسابنا غيفىر لىهي ىما تىػ ىقد ى‬
‫ى ٍ‬ ‫ى ٍ ى ى ىى ى‬
‫كجه رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم الشَّباب‬
‫كأما صوـ النافلة كالتطوع؛ ففيه ميزة عظيمة َّ‬
‫إُف اإلفادة منها على كجه ا‪٠‬تصوص؛ كهي كوف الصوـ كجاءن حافظان ‪٢‬تم من الوقوع يف الفنت‪،‬‬
‫كا﵀رمات‪ ،‬كمشاكل النَّفس كأهوائها‪ ،‬فقاؿ عليه أفضل الصبلة كأمتٌ التسليم ‪٥‬تاطبان ‪٢‬تم‪" :‬يىا ىم ٍع ىشىر‬
‫ً‬ ‫ض لًٍلبص ًر‪ ،‬كأىح ً‬ ‫ً‬
‫يع‬ ‫استىطىاعى مٍن يك يم البىاءىةى فىػ ٍليىتىػىزَّك ٍج‪ ،‬فىًإنَّهي أى ىغ ُّ ى ى ى ٍ ى‬
‫ص ين للٍ ىفرًج‪ ،‬ىكىم ٍن ىَفٍ يى ٍستىط ٍ‬ ‫الشَّباب ىم ًن ٍ‬
‫الص ٍوًـ‪ ،‬فىإًنَّهي لىهي ىك ىجاءه"(ْ)‪ .‬كقد َّبُت بذلك أف مشاكل الشَّباب يٖتل بتوجيههم إُف الزكاج‬
‫فىػ ىعلىٍي ًه بً َّ‬
‫أكالن لًما له من أثر يف سكينة النَّفس‪ ،‬كاالستقرار األسرم‪ ،‬كحصوؿ ا‪١‬تودة كالر‪ٛ‬تة‪ ،‬كيف حاؿ‬
‫فإف على الشَّباب اإلكثار من صوـ النافلة بقدر الطاقة كاالستطاعة(ٓ)‪ ،‬كأمثل الصوـ صوـ‬
‫تعذر ؛ َّ‬
‫داكد عليه السبلـ‪ ،‬كاف يصوـ يومان كيفطر يومان(ٔ)‪ ،‬كمن يسنن النَّيب صلى ا﵁ عليه كسلم أنَّه كاف‬
‫السنن كلها ىمندكحة‬
‫يواظب على صوـ التطوع يف يومي االثنُت كا‪٠‬تميس من كل أسبوع‪ .‬كيف هذ ُّ‬
‫الركحيَّة ا‪١‬تتميَّزة على‬
‫كسعة لبلرتقاء بأركاحهم‪ ،‬كالقرب من بارئهم‪ ،‬كاالستعانة ّٔذ العبادة ُّ‬
‫لشبابنا ى‬
‫ككساكس الشيطاف الرجيم‪ ،‬كما قد يىعًتم ىمسَتة بعضهم من يميوؿ إُف أمور‬ ‫ً‬
‫كبح ‪ٚ‬تاىح شهواهتم‪ ،‬ى‬
‫ٍ‬

‫(ُ) انظر‪ :‬ابن قدامة‪ ،‬مختصر منهاج القاصدين‪ ،‬ص ْْ‪.ْٔ-‬‬


‫(ِ) البقرة‪ُّٖ :‬‬
‫(ّ) متفق عليه‪ .‬أخرجه البخارم كمسلم يف الصحيحين‪.‬‬
‫(ْ) متفق عليه‪ .‬أخرجه البخارم كمسلم يف الصحيحين عن ابن مسعود رضي ا﵁ عنه‪.‬‬
‫(ٓ) انظر‪ :‬الصنعاين‪ ،‬سبل السالم‪ ،‬جػ ّ‪ ،‬ص ُِْ‪.ُّْ-‬‬
‫(ٔ) انظر‪ :‬ابن القيم‪ ،‬زاد المعاد‪ ،‬جػ ُ‪ ،‬ص َُٕ‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫فاسدة ك‪٤‬تظورة؛ كذلك لًما يف الصوـ من تعطيل ‪١‬تغذيات الغرائز؛ من شهويت الفرج كالبطن‬
‫ا‪١‬تاديتُت‪ ،‬كالذم يفتح فرصةن أكرب للشاب لتهذيب ركحه‪ ،‬كتصفيتها‪ ،‬كالتحلّْى بكل و‬
‫خلق كرمي(ُ)‪.‬‬

‫الظَّباب ٔوزاٖا العُىس‪ٔ ٚ‬احلرّ السُّٔسَّٗ‪:ٛ‬‬


‫إف العًرب كا‪١‬تعاين ا‪١‬تستقاة من رحليت ا‪ٟ‬تج أك العمرة ال تكاد ٖتصر‪ ،‬لًما ‪٢‬تا من أثر‬
‫َّ‬
‫ي‬
‫عظيم يف ٕتديد العهد مع ا﵁ تعاُف على طاعته كلزكـ مرضاته‪ ،‬كلكن الشَّباب ‪٢‬تم فيهما فرصة‬
‫الركحيَّة كالسلوكية‪ ،‬فمن ينعم ا﵁‬
‫أكرب ‪١‬تا هو مشاهد من أثر إصبلحي عجيب ‪٢‬تم من الناحية ُّ‬
‫عليه بعمرة أك حج من شباب ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬فإنه يعود ككأنَّه شخص جديد مفعم بالنشاط كا‪ٟ‬تيوية‬
‫كاإلنابة إُف ا﵁‪ ،‬كقد أعلن توبةن نصوحةن ﵁ يف أطهر بقاع األرض كأقدسها‪ ،‬عاهد بارئه كنفسه‬
‫كتغَت ا‪ٟ‬تاؿ يف أمر الدنيا كاآلخرة على خَت كجه(ِ)‪ .‬كمن أهم العًرب ا‪١‬تستفادة من‬
‫على االستقامة ٌ‬
‫ي‬
‫هاتُت العبادتُت تدبُّر قصة النَّيب الشاب؛ نيب ا﵁ ا‪ٝ‬تاعيل‪ ،‬رمز التضحية كالفداء‪ ،‬كاإلنابة إُف ا﵁‪،‬‬
‫ب إً ىُف ىرّْيب‬ ‫كطاعة الوالدين‪ ،‬كقصته مع أبيه ابراهيم‪ ،‬عليهما السبلـ؛ قاؿ تعاُف‪ " :‬كقى ى ً ً‬
‫اؿ إ ّْين ىذاه ه‬ ‫ى‬
‫و ً‬ ‫ب هب ًِف ًمن َّ ًً‬ ‫ً‬
‫ُت (ََُ) فىػبىش ٍَّرنىا ي بًغي ىبلـ ىحلي وم (َُُ) فىػلى َّما بػىلى ىغ ىم ىعهي‬ ‫الصا‪ٟ‬ت ى‬ ‫ى‬ ‫ىسيىػ ٍهدي ًن (ٗٗ) ىر ّْ ى ٍ‬
‫ت افٍػ ىع ٍل ىما تػي ٍؤىمير ىستى ًج يدًين‬ ‫اؿ ياأىب ً‬
‫ك فىانٍظيٍر ىماذىا تػىىرل قى ى ى ى‬ ‫ٍت إً ّْين أ ىىرل ًيف الٍ ىمنى ًاـ أ ّْ‬
‫ىين أى ٍذ ىْتي ى‬ ‫اؿ يىابػي ىَّ‬
‫الس ٍع ىي قى ى‬
‫َّ‬
‫إً ٍف ىشاء اللَّهي ًمن َّ ً‬
‫ين(َُِ)" (ّ)‪ .‬فهناؾ أطاع ا‪ٝ‬تاعيل كالد ابراهيم عليهما السبلـ؛ بيسكٌت‬ ‫الصاب ًر ى‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫و‬
‫مكاف غَت ذم زرع‪ ،‬كأطاعه بأف ‪٬‬تعله ذبيحان لوجه ا﵁‪ ،‬كلكن ا﵁ فرج عنه ذلك الكرب الكبَت‪،‬‬
‫بح عظيم‪ ،‬كهنالك نبذ إبراهيم عليه السبلـ الشيطاف ككساكسه كر‪ٚ‬ته‪ ،‬طاعة ﵁ يف‬ ‫كفدا ً‬
‫بذ و‬
‫امتحانه بذبح ابنه‪ ،‬كفلذة كبد تقربان إُف خالقه العظيم‪ ،‬كالذم ييعلّْم الشَّاب ا‪١‬تعتمر قًيمان يركحية‬
‫ي‬

‫(ُ) انظر‪ :‬الصنعاين‪ ،‬سبل السالم‪ ،‬جػ ّ‪ ،‬ص ُّْ‪.‬‬


‫(ِ) انظر‪ :‬ابن قدامة‪ ،‬مختصر منهاج القاصدين‪ ،‬ص ْٖ‪.ْٗ-‬‬
‫(ّ) الصافات‪َُِ-ٗٗ :‬‬

‫‪82‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫سامية كعظيمة النَّفع كالفائدة؛ كمنها عمق اإلٯتاف‪ ،‬كاإلخبلص‪ ،‬كعظم التضحية‪ ،‬كالصرب ا‪ٞ‬تميل‪،‬‬
‫كطاعة الوالدين‪ ،‬كتسخَت ا‪ٟ‬تياة كلها ﵁ تعاُف(ُ)‪.‬‬

‫الزنا‪ٔ ٚ‬تزنٗ‪ ٛ‬الٍَّفص بالصدق‪:ٛ‬‬


‫إف من أهم أسباب الفبلح التخلُّص من ً‪ٝ‬تة الشُّح اليت تشوب نفس اإلنساف ّْ‬
‫كتعكر‬ ‫َّ‬
‫ك يه يم الٍ يم ٍفلً يحو ىف"(ِ)‪ .][ .‬كالزكاة ركن من‬
‫وؽ يش َّح نػى ٍف ًس ًه فىأيكلىئً ى‬
‫صفو يركحه‪ ،‬قاؿ تعاُف‪ " :‬ىكىم ٍن يي ى‬
‫صر ‪٢‬تا‪ ،‬ك‪٦‬تَّا ينبغي‬
‫أركاف اإلسبلـ‪ ،‬كالصبلة كالصوـ‪ ،‬ك‪٢‬تا آثار اجتماعية‪ ،‬كاقتصادية ال ىح ٍ‬
‫االلتفات إليه من شبابنا خصوصان؛ َّأهنا سبب أساسي يف ترقية ُّ‬
‫الركح كتزكية النَّفس‪ ،‬كتطهَتها من‬
‫الشح كالدكافع السلبية(ّ)‪ ،‬كالذم له أثر عظيم على الشخصية الشَّبابية ذات الطاقة اإل‪٬‬تابية‪،‬‬
‫فهي تساعد الشَّاب على بناء شخصية متوازنة متكاملة ال تتصف با‪ٟ‬ترص أك األنانية‪ ،‬ك‪٫‬تا من‬
‫كجل‪:‬‬
‫َّ‬ ‫عز‬
‫فسدة الرتكاب ا﵀ظورات‪ ،‬كاالعتداء على ا‪ٟ‬تقوؽ‪ ،‬قاؿ َّ‬ ‫أسوأ الدكافع ا‪١‬ت ً‬
‫ي‬
‫ً ً (ْ)‬ ‫ً‬
‫ره ٍم ىكتيػىزّْكيه ٍم ّٔىا" ‪ .‬كقد شجع عليه الصبلة كالسبلـ الشَّباب على‬ ‫ص ىدقىة تيطى ّْه ي‬ ‫ا‪٢‬تم ى‬
‫" يخ ٍذ م ٍن أ ٍىم ىو ٍ‬
‫صلَّى اللَّهي ىعلىٍي ًه ىك ىسلَّ ىم‬ ‫البذؿ كالصدقة‪ .‬فعن أىيب يهىريٍػىرةى ىر ًض ىي اللَّهي ىعٍنهي قى ى‬
‫اؿ‪ :‬ىجاءى ىر يج هل إً ىُف النً ّْ‬
‫َّيب ى‬
‫يح ىٗتٍ ىشى‬ ‫ً‬ ‫َّؽ كأىنٍت ً‬ ‫ىم َّ ً‬ ‫وؿ اللَّ ًه أ ُّ‬
‫يح ىشح ه‬ ‫صح ه‬ ‫صد ى ى ى ى‬ ‫اؿ‪" :‬أى ٍف تى ى‬
‫ىجنرا‪ .‬قى ى‬ ‫الص ىدقىة أ ٍىعظى يم أ ٍ‬ ‫اؿ‪ :‬يىا ىر يس ى‬ ‫فىػ ىق ى‬
‫بلف ىك ىذا‪ ،‬كلًيف و‬
‫ا‪ٟ‬ت ٍل يقوـ؛ قيػ ٍلت‪ :‬لًيف و‬ ‫ً‬
‫بلف ىك ىذا‪ ،‬ىكقى ٍد ىكا ىف‬ ‫ى‬ ‫ت ٍي ى ى‬ ‫الٍ ىف ٍقىر‪ ،‬ىكتىأٍ يم يل الٍغ ىٌت‪ ،‬ىكال ٘تيٍ ًه يل ىح َّىت إًذىا بػىلىغى ٍ‬
‫بلف"(ٓ)‪.‬‬ ‫لًيف و‬

‫(ُ) انظر‪ :‬الرازم‪ ،‬التفسير الكبير‪ ،‬جػ ِٔ‪ ،‬ص ُّٓ كما بعدها‪ .‬الدهلوم‪ ،‬اإلماـ أ‪ٛ‬تد بن عبد الرحيم (ت‪.‬‬
‫ُُٕٔهػ)‪ ،‬حجة اهلل البالغة‪ٖ ،‬تقيق د‪ .‬عثماف ضمَتية‪ ،‬مكتبة الكوثر‪ ،‬الرياض‪َُِْ ،‬هػ‪ُٗٗٗ-‬ـ‪ .‬جػ‬
‫ِ‪ ،‬ص ٕٕٗ‪.‬‬
‫(ِ) ا‪ٟ‬تشر‪ٗ :‬‬
‫(ّ) انظر‪ :‬ابن القيم‪ ،‬زاد المعاد‪ ،‬جػ ُ‪ ،‬ص ُْٕ‪ .‬الدهلوم‪ ،‬حجة اهلل البالغة‪ ،‬جػ ِ‪ ،‬ص َْٖ‪.‬‬
‫(ْ) التوبة‪َُّ :‬‬
‫(ٓ) متفق عليه‪ .‬أخرجه البخارم كمسلم يف الصحيحين‪ .‬البخارم (َُّّ) مسلم (ُُّٕ)‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الرنس ٔتالٔ‪ ٚ‬الكسآُ الهسٖي ٔتدبسٓ‪:‬‬


‫َّ‬
‫إف ذكر ا﵁ تعاُف؛ عبادة قولية ٕترم لفظيان على ألسنة العباد‪ ،‬ك‪٢‬تا أثر كبَت يف ترقيق‬
‫القلوب‪ ،‬كضبط األعماؿ‪ ،‬كاستشعار مراقبة البارم تبارؾ كتعاُف‪ ،‬كقد أنعم ا﵁ علينا بأف جعل‬
‫أنواع الذكر يف ديننا متعددة‪ ،‬كغَت ‪٤‬تصورة اإلطار؛ فمنها البسملة‪ ،‬كا‪ٟ‬تمد‪ ،‬كالتكبَت‪ ،‬كالتسبيح‪،‬‬
‫(ُ)‬
‫بأمس ا‪ٟ‬تاجة‬
‫َّضُّرع ‪ .‬كشبابنا يف ضوء حياة ا‪١‬تلهيّْات الكثَتة ا‪١‬تعاصرة ّْ‬
‫كالتهليل‪ ،‬كالدعاء‪ ،‬كالت ى‬
‫ي‬
‫الركح كسكينتها اليت ٭تتاجوف إليها كثَتان يف ًسن ا‪ٞ‬تد‪ ،‬كالكد‪،‬‬
‫‪١‬تداكمة الذكر؛ ففيه اطمئناف ُّ‬
‫ين آى ىمنيوا ىكتىطٍ ىمئً ُّن قيػليوبػي يه ٍم بً ًذ ٍك ًر اللَّ ًه أىىال بً ًذ ٍك ًر اللَّ ًه تىطٍ ىمئً ُّن‬ ‫َّ ً‬
‫كالصرب‪ ،‬كالبناء‪ ،‬قاؿ تعاُف‪" :‬الذ ى‬
‫(ِ)‬
‫الركح‪ ،‬كلُت‬ ‫وب) ‪ ،‬كمن أهم أنواع الذكر تبلكة القرآف الكرمي‪ ،‬كتدبر معانيه‪ ،‬ففيه شفاء ُّ‬ ‫الٍ يقلي ي‬
‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫جل جبلله‪" :‬اللَّه نػىَّزىؿ أىحسن ٍ ً ً ً‬
‫ا‪ٟ‬تىديث كتىابنا يمتى ىشأّنا ىمثى ًاينى تىػ ٍق ىشعُّر منٍهي يجلي ي‬
‫ود‬ ‫ٍ ىى‬ ‫ي‬ ‫القلب كهدا ‪ .‬قاؿ َّ‬
‫َّ ً ً ًً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ود يه ٍم ىكقيػليوبػي يه ٍم إً ىُف ذ ٍك ًر اللَّ ًه ىذل ى‬
‫ً‬ ‫َّ ً‬
‫ك يه ىدل الله يػى ٍهدم به ىم ٍن يى ىشاءي‬ ‫ُت يجلي ي‬
‫ين ىٮتٍ ىش ٍو ىف ىربػَّ يه ٍم يمثَّ تىل ي‬
‫الذ ى‬
‫ضلً ًل اللَّهي فى ىما لىهي ًم ٍن ىه واد"(ّ)‪.‬‬ ‫ىكىم ٍن يي ٍ‬
‫الظَّباب ٔالصش‪ ٛ‬ال َبدٌََّٗ‪:ٛ‬‬
‫إف من مقاصد اإلسبلـ ككلياته الضركرية ا‪٠‬تمس؛ حفظ النَّفس‪ ،‬كهي ال تكوف إالَّ‬
‫َّ‬
‫با﵀افظة على سبلمة بدف اإلنساف كصحته‪ ،‬فعن ابن عباس رضي ا﵁ عنه قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁‬
‫عمتاف ىم ٍغبيوف فيهما كثَت من الناس الصحةي‪ ،‬كالفراغ"(ْ)‪ .‬كمعٌت ذلك َّ‬
‫أف‬ ‫ً‬
‫صلى ا﵁ عليه كسلم‪" :‬ن ى‬
‫كثَتان من الناس ظلم نفسه إذا َف ينتبه إُف ا‪١‬تسؤكلية الشرعية ا‪١‬تلقاة على عاتقه يف حفظ نعميت‬

‫(ُ) انظر‪ :‬ابن القيم‪ ،‬زاد المعاد‪ ،‬جػ ّ‪ ،‬ص َُُ‪.ُُُ-‬‬


‫(ِ) الرعد‪ِٖ:‬‬
‫(ّ) الزمر‪ِّ :‬‬
‫(ْ) ركا البخارم‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الصحة‪ ،‬كالوقت‪ ،‬كأنَّه ي‪٤‬تاسب عليهما فهما عماد العمر كا‪ٟ‬تياة‪ ،‬كٔتراعاهتما‪ ،‬كاستخدامهما يف‬
‫العمل الصاٌف تتحصل أهداؼ خلق اإلنساف‪ ،‬ككجود يف هذ ا‪ٟ‬تياة(ُ)‪.‬‬
‫كمن هنا جاءت أ‪٫‬تية التنبيه على أ‪٫‬تية ا﵀افظة على الصحة البدنيَّة للشَّباب؛ فكثَت منهم‬
‫يفرط يف صحته يف شبابه‪ ،‬كيظن َّأهنا سوؼ تبقى سليمة لؤلبد‪ ،‬مث يقع فريسة األمراض ا‪١‬تختلفة‪،‬‬
‫ّْ‬
‫الوٍهن كالشيخوخة ا‪١‬تبكرة؛ نتيجةن لتفريطه يف هذا ا‪ٞ‬تانب ا‪١‬تهم من مرحلة الشَّباب اغًتاران بقوته‬
‫كى‬
‫أف ا﵁ تعاُف سوؼ يسأ‪٢‬تم عن ذلك ك٭تاسبهم عليه؛ فعن اب ًن‬
‫كعنفوانه‪ ،‬كقد ال يذكر بعضهم َّ‬
‫كؿ قى ىد ىما الٍ ىعٍب ًد يػى ٍوىـ الٍ ًقيى ىام ًة‬ ‫صلَّى اللَّهي ىعلىٍي ًه ىك ىسلَّ ىم‪ ،‬قى ى‬
‫اؿ‪" :‬ال تىػيز ي‬ ‫ىم ٍس يعود رضي ا﵁ عنه‪ ،‬ىع ًن النً ّْ‬
‫َّيب ى‬
‫و‬

‫يما أىبٍبل ي‪ ،‬ىك ىع ٍن ًع ٍل ًم ًه ىماذىا ىع ًم ىل فً ًيه‪،‬‬ ‫ً‬


‫يما أىفٍػنىا ي‪ ،‬ىك ىع ٍن جسد ف ى‬
‫ًً‬
‫ىح َّىت يي ٍسأ ىىؿ ىع ٍن أ ٍىربى وع‪ :‬ىع ٍن يع ٍم ًر ف ى‬
‫يما أىنٍػ ىف ىقهي"‪ .‬كيف ركاية ذكر‪" :‬كعن ىشبىابًًه فيما أببل "؛ بدالن من‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ًً ً‬
‫ىك ىع ٍن ىماله م ٍن أىيٍ ىن ا ٍكتى ىسبىهي‪ ،‬ىكف ى‬
‫"جسد "(ِ)‪.‬‬
‫حرـ اإلسبلـ كل ما يضر با‪ٞ‬تسد‪ ،‬فبل ‪٬‬توز التفريط يف الصحة عن‬
‫كبناءن على ذلك فقد َّ‬
‫قصد‪ ،‬كال إلقاء النَّفس إُف التهلكة‪ ،‬قاؿ تعاُف‪":‬كىال تيػ ٍل يقوا بًأىيٍ ًدي يكم إً ىُف التػ ٍَّهلي ىك ًة كأ ٍ ً ً‬
‫ىحسنيوا إ َّف ا﵁ى‬ ‫ى‬ ‫ٍ‬ ‫ى‬
‫ُت"(ّ)‪.‬‬ ‫ًً‬ ‫يً٭ت ُّ‬
‫ب الٍ يم ٍحسن ى‬
‫االعتداه يف إطباع سادات اجلشد‪:‬‬
‫جاء يف كتاب زاد ا‪١‬تعاد‪" :‬كمن تأمل هدم النيب صلى ا﵁ عليه كسلم كجد أفضل هدم‬
‫فإف حفظها موقوؼ على حسن تى ٍدبًَت ا‪١‬تطعم‪ ،‬كا‪١‬تشرب‪ ،‬كا‪١‬تلٍبىس‪،‬‬ ‫ٯتكن حفظ الصحة به‪َّ ،‬‬
‫ى‬ ‫ى‬
‫السكوف‪ ،‬ا‪١‬تٍن ىكح‪ ،‬كاالستفراغ‪ ،‬كاالحتباس‪ ،‬فإذا‬
‫كا‪١‬تسكن‪ ،‬كا‪٢‬تواء‪ ،‬كالنَّوـ‪ ،‬كاليىقظة‪ ،‬كا‪ٟ‬تركة‪ ،‬ك ي‬
‫ى‬
‫السن‪ ،‬كالعادة‪ ،‬كاف أقرب إُف‬‫حصلت هذ على الوجه ا‪١‬تعتدؿ ا‪١‬توافق ا‪١‬تبلئم‪ ،‬للبدف‪ ،‬كالبلد‪ ،‬ك َّ‬
‫ي‬

‫(ُ) انظر‪ :‬ابن قدامة‪ ،‬مختصر منهاج القاصدين‪ ،‬ص ّٔٔ‪.‬‬


‫(ِ) ركا البخارم‪.‬‬
‫(ّ) البقرة‪ُٗٓ :‬‬

‫‪85‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫دكاـ الصحة‪ ،‬أك غلبتها إُف انقضاء األجل"(ُ)‪ .‬كعلى ذلك ‪٬‬تب على الشَّاب االعتداؿ يف نومه؛‬
‫السن‪ ،‬ككذلك عليه أف يعتدؿ يف تناكله للطعاـ‬
‫فبل يزيد فيه كال ينقص عن حاجته يف هذا ّْ‬
‫كالشراب‪ ،‬كالذم ‪٬‬تعلنا نتنبه إُف موضوع زيادة الوزف كمؤشر مهم‪ ،‬فكثَتان ما ٭تدث ذلك يف فًتة‬
‫الشَّباب نتيجةن لئلفراط يف تناكؿ ا‪١‬تلَّذات‪ ،‬كاليت تشكل خطران ملموسان على مستقبل الشَّباب من‬
‫الناحية الصحية(ِ)‪ ،‬فمعظم األمراض البدنيَّة ‪٢‬تا عبلقة كثيقة بزيادة الوزف؛ ك‪٢‬تذا نبهنا رسوؿ ا﵁‬
‫ب‬‫آد ًم ّّي ًك ىعاء ىشِّرا ًم ٍن بىطٍ ون ًْتىس ً‬ ‫"ما ىم ىؤلى ى‬ ‫صلَّى ا﵁ عليه كسلم على االعتداؿ يف ذلك؛ فقاؿ‪ :‬ى‬
‫ٍ‬ ‫ن‬
‫ث لًنىػ ىف ًس ًه"(ّ)‪.‬‬‫ث لً ىشىرابًًه‪ ،‬ىكثػيلي ه‬ ‫ث لًطى ىع ًام ًه‪ ،‬ىكثػيلي ه‬
‫ص ٍلبىهي‪ ،‬فىًإ ٍف ىكا ىف ىال ى‪٤‬تىالىةى؛ فىػثيػلي ه‬ ‫اب ًن آدـ أي يك ىبل ً‬
‫ت ييق ٍم ىن ي‬
‫ه‬ ‫ٍ ىى‬
‫ف اللَّهي نػى ٍف نسا إًَّال يك ٍس ىع ىها‬
‫عدم إرىاق الجسم بتحميلو فوق طاقتو‪ :‬قاؿ تعاُف‪" :‬ىال يي ىكلّْ ي‬
‫ت"(ْ)‪ .‬فقد كجههنا ديننا إُف االعتداؿ يف استخداـ البدف كالرفق‬
‫ت ىك ىعلىٍيػ ىها ىما ا ٍكتى ىسبى ٍ‬
‫ى‪٢‬تىا ىما ىك ىسبى ٍ‬
‫به؛ حىت يف العبادات‪ ،‬فبل ‪٬‬توز إرهاقه فيها‪ ،‬كال يف أم عمل آخر‪ ،‬كإف كاف صا‪ٟ‬تان‪ ،‬ككجهنا‬
‫أيضان إُف مراعاة الفركؽ الفردية فكل يتحمل من الطاعة ما يطيق ال أكثر؛ فقد ركم عن النيب‬

‫صلى ا﵁ عليه كسلم أنَّه قاؿ‪" :‬عليكم ٔتا تيطي يقوف‪ ،‬فوا﵁ ال ىٯتل ا﵁ حىت ٘تلُّوا"‪ ،‬ككاف َّ‬
‫أحب الدين‬
‫إليه ما داـ عليه صاحبه"(ٓ)‪ .‬كقد قاؿ الرسوؿ صلى ا﵁ عليه كسلم للرهط الذين سألوا عن‬
‫لكٍت أصوـ كأ ً‬
‫يفطر‪ ،‬كأيصلّْي كأرقيد‪،‬‬ ‫إين ألخشاكم ﵁ كأتقاكم له‪ّْ ،‬‬
‫"أما كا﵁ ٌ‬
‫عبادته فكأهنم تقالٌوها‪ :‬ى‬
‫أتزكج النساء؛ فمن ىر ًغب عن يسنَّيت فليس مٍت"(ٔ)‪ .‬كهذا درس مهم للشَّباب بالذات أف ال‬‫ك َّ‬

‫(ُ) ابن قيم ا‪ٞ‬توزية‪ ،‬اإلماـ مشس الدين أبو عبد ا﵁ ‪٤‬تمد بن أيب بكر (ت‪ُٕٓ .‬هػ)‪ ،‬زاد المعاد في ىدي خير‬
‫العباد‪ ،‬دار الفرقاف‪ ،‬عماف‪ .‬جػ ّ‪ ،‬ص ُّْ‪.‬‬
‫(ِ) انظر‪ :‬الغزاِف‪ ،‬اإلماـ أبو حامد ‪٤‬تمد بن ‪٤‬تمد (ت‪َٓٓ .‬هػ)‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬بَتكت‪ :‬مؤسسة ا‪١‬تعرفة‪.‬‬
‫جػ‪ ّ،‬ص َُٓ‪ .‬كانظر أيضان‪ :‬الصنعاين‪ ،‬سبل السالم‪ ،‬جػ ْ‪ ،‬ص ِّٓ‪.ِّٔ-‬‬
‫(ّ) ركا الًتمذم يف سننو‪.‬‬
‫(ْ) البقرة‪ِٖٔ :‬‬
‫(ٓ) متفق عليو؛ ركا البخارم كمسلم عن عائشة رضي ا﵁ عنها‪.‬‬
‫(ٔ) متفق عليو؛ ركا البخارم كمسلم عن عائشة رضي ا﵁ عنها‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫تدفعهم ا‪ٟ‬تماسة ألف يتكلفوا من األعماؿ فوؽ طاقتهم‪ ،‬كال يف القرب كالعبادات‪ ،‬فالبدف له‬
‫عليهم حق(ُ)‪.‬‬
‫٭ترـ ا﵁ شيئان إالَّ‬ ‫حرمات للمحافظة على الصحة‪:‬‬
‫والم َّ‬ ‫البُعد عن ِ‬
‫َف ّْ‬ ‫الموبقات ُ‬
‫ُ‬
‫‪ٟ‬تفظ اإلنساف ك‪١‬تصلحته يف ا‪ٟ‬تاؿ كا‪١‬تآؿ‪ ،‬كإف كاف ا‪١‬تمنوع مرغوبان إالَّ أنَّه سبب لئلمث‪ ،‬ككباؿ‬
‫اجتىنًبيوي‪ ،‬ىكىما‬‫للصحة كالعافية‪ ،‬ك‪٢‬تذا قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم‪ " :‬ىما نػى ىهٍيتي يك ٍم ىعنٍهي فى ٍ‬
‫اختًبلىفيػ يه ٍم ىعلىى‬ ‫ًً‬ ‫أىمرتي يكم بًًه فىأٍتيوا ًمٍنه ما استطىعتم‪ ،‬فىًإَّ‪٪‬تىا أىهلىك الَّ ًذ ً ً‬
‫ين م ٍن قىػٍبل يك ٍم ىكثٍػىرةي ىم ىسائل ًه ٍم ك ٍ‬
‫ى‬ ‫ٍ ى‬ ‫ي ى ٍ ى ٍي ٍ‬ ‫ىٍ ٍ‬
‫مقدكر على اجتنابه كاالقبلع عنه‪،‬‬ ‫‪٤‬ترـ ي‬‫أف كل َّ‬ ‫أىنٍبًيىائً ًه ٍم"(ِ)‪ .‬كهذا ا‪ٟ‬تديث الشريف يدؿ على َّ‬
‫كجوبان‪ ،‬فهو يف مقدكرنا‪ ،‬كلكن ما أمرنا به من أكامر شرعية‪ٗ ،‬تتلف بُت مقدكور‬ ‫فعلينا اجتنابه ي‬
‫عليها‪ ،‬كما يكوف فوؽ قدرتنا‪ ،‬فعلينا أف نأيت من ا‪١‬تأمورات قدر االستطاعة‪.‬‬

‫ٔادب الظَّباب يف احلرز وَ آفات العصس نالتدخني ٔاخلىٕز ٔاملددزات ٔاملٕبكات‪:‬‬


‫لعل التقليد األعمى الذم يسود العديد من األكساط الشَّبابية هو السبب األكؿ يف‬
‫ابتبلئهم بتعلم عادات سيئة تضر بصحتهم كعافيتهم‪ ،‬كعادة التدخُت اليت باتت شائعة بينهم‬
‫يعد ‪٤‬تظوران يف شرعنا ا‪ٟ‬تنيف‪ ،‬كال‬
‫بشكل ملحوظ‪ ،‬كقد ذكرنا أف كل ما يضر با‪ٞ‬تسم كصحته ي‬
‫ٮتفى ما للتدخُت من ضرر صحي كبَت على الفرد كا‪ٞ‬تماعة‪ ،‬فهو سبب أكيد يف أمراض فتاكة‪،‬‬
‫ً ً‬ ‫ً‬
‫تورث األَف‪ ،‬كتزهق األركاح‪ ،‬قاؿ تعاُف‪ " :‬ىكىال تىػ ٍقتيػليوا أىن يف ىس يك ٍم إ َّف اللَّهى ىكا ىف ب يك ٍم ىرح ن‬
‫(ّ)‬
‫يما" ‪ ،‬ككثَتان‬
‫ما يكوف التدخُت مفتاحان لغَت من ا﵀ظورات كا‪١‬توبقات‪ ،‬فا‪ٟ‬تراـ ال يقف عادة عند حد بل‬
‫يتعدل إُف غَت ‪ ،‬فقد كاف التدخُت كسيلة لدخوؿ الشَّباب يف تعاطي آفة ا‪١‬تخدرات ا‪١‬تدمرة‪ ،‬كاليت‬
‫ٖتوؿ ذا اللُّب الرشيد ا‪ٟ‬تير منهم إُف عبد أك أمة‬
‫بدأت تنتشر يف صفوفهم‪ ،‬مع األسف الشديد؛ ّْ‬

‫(ُ) انظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ص ِٖٔ كما بعدها‪ .‬كانظر‪ :‬عقلة‪ ،‬اإلسالم مقاصده‬
‫وخصائصو‪ ،‬ص ْٗ‪.‬‬
‫(ِ) متفق عليو؛ ركا البخارم كمسلم عن أيب هريرة رضي ا﵁ عنه‪.‬‬
‫(ّ) النّْساء‪ِٗ :‬‬

‫‪87‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫أسر أخطر أنواع اإلدماف‪ ،‬كأدنأ أنواع اآلفات‪ ،‬كمركجيها ا‪١‬تنحرفُت‬ ‫يقع فريسة سهلة ٖتت ٍ‬
‫ي‬
‫أف ديننا السمح ىحظر كل ما يضر بالصحة‪،‬‬ ‫ا‪١‬تفسدين يف األرض‪ ،‬كالعياذ با﵁‪ ،‬كليس خفيان َّ‬
‫ي‬
‫(ُ)‬ ‫ً‬
‫كييودم بالعقل ‪ ،‬كيورث الضَّغينة كالعداكة بُت النَّاس‪ ،‬كا‪١‬تخدرات تيقاس على ا‪٠‬تمر يف ا‪ٟ‬تكم‪،‬‬
‫فهي ‪٤‬ترمة مثله‪ ،‬كتعاطيها أك ترك‪٬‬تها بيعان كشراءن يي ُّ‬
‫عد من كبائر الذنوب كا‪١‬تعاصي‪ ،‬كهي كا‪٠‬تمر أـ‬
‫ا‪٠‬تبائث ذريعة ‪-‬كسيلتها‪ -‬لكل ا‪١‬توبقات كا‪١‬تفسدات‪ ،‬ككباؿ على صحة اإلنساف فهي ‪ٝ‬توـ‬
‫تودم بصحته‪ ،‬كهي سبب رئيس يف أمراض السرطاف‪ ،‬كغَتها من عضاؿ الداء‪ .‬قاؿ تعاُف‪" :‬يىا‬
‫اجتىنًبيوي لى ىعلَّ يك ٍم‬ ‫ً‬ ‫ا‪٠‬تمر كالٍمي ًسر كاألىنٍصاب كاأل ٍىزالـ ًرج ً‬ ‫ًَّ‬ ‫َّ ً‬
‫س م ٍن ىع ىم ًل الشٍَّيطىاف فى ٍ‬ ‫ين ىآمنيوا إ‪٪‬تىا ٍى ٍ ي ى ى ٍ ي ى ى ي ى ي ٍ ه‬ ‫أىيػُّ ىها الذ ى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ص َّد يك ٍم ىعن‬ ‫ضاءى ًيف ٍ‬
‫ا‪٠‬تى ٍم ًر ىكالٍ ىمٍيس ًر ىكيى ي‬ ‫تيػ ٍفل يحو ىف(َٗ) إًَّ‪٪‬تىا ييًر ي‬
‫يد الشٍَّيطىا يف أىف ييوق ىع بػىٍيػنى يك يم الٍ ىع ىد ىاكةى ىكالٍبىػ ٍغ ى‬
‫الص ىبلةً فىػ ىه ٍل أىنتيم ُّمنتىػ يهو ىف (ُٗ)" (ِ)‪.‬‬ ‫ًذ ٍك ًر اللَّ ًه ىك ىع ًن َّ‬
‫ككذلك فعلى شباب األمة كأمل تقدمها كهنضتها‪ ،‬أف ٭تذركا ا‪١‬توبقات من فواحش‬
‫الزنا كالشذكذ كما يدكر يف فلكها من ا‪١‬تهالك ا﵀فوفة بالشهوات ا‪١‬تهلكة؛ فقد باتت هتدد البشرية‬
‫بالفتك عن طريق ظهور األمراض ا‪ٞ‬تنسية سريعة العدكل كاالنتشار كمرض "اإليدز"‪ ،‬الذم‬
‫شاءت حكمة ا﵁ أف ال يظهر إالَّ بعد شيوع ‪٦‬تارسة هذ الفواحش‪ ،‬كاالستمراء عليها‪ ،‬فهو يزداد‬
‫يف آّتمعات كفقان لقدر ٖتررها من الثوابت الفطرية كأخبلقياهتا‪ ،‬يف حُت ينحسر يف ‪٣‬تتمعات‬
‫اح ىشةن ىك ىساءى ىسبً نيبل"‪ .)ّ(.‬كقاؿ‬ ‫الزنىا إًنَّه ىكا ىف فى ً‬
‫التقول كالعفة كاالستقامة‪ .‬قاؿ تعاُف‪ " :‬ىكىال تىػ ٍقىربيوا ّْ ي‬
‫ّْس ًاء بى ٍل‬ ‫ً‬
‫اؿ ىش ٍه ىونة ّْمن يدكف الن ى‬ ‫تعاُف كاصفان مدل قبح فعل الشواذ باإلسراؼ‪ ":‬إًنَّ يك ٍم لىتىأٍتيو ىف ّْ‬
‫الر ىج ى‬

‫(ُ) انظر‪ :‬الدهلوم‪ ،‬حجة اهلل البالغة‪ ،‬جػ ِ‪ ،‬ص َُُْ‪.ُُِْ-‬‬


‫(ِ) ا‪١‬تائدة‪ُٗ-َٗ :‬‬
‫(ّ) اإلسراء‪ِّ :‬‬

‫‪88‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫أىنتي ٍم قىػ ٍوهـ ُّم ٍس ًرفيو ىف"(ُ)؛ كذلك لًما يف هذ ا‪ٞ‬ترٯتة من ‪٥‬تالفة للفطرة‪ ،‬كطغياف يف السلوؾ‪ ،‬كدناءة يف‬
‫ا‪٠‬تيلق‪ ،‬كإضرار بالصحة بتعريض الذات ألبشع أنواع األمراض(ِ)‪.‬‬
‫الرياضة البدنيَّة وأىميتها َّ‬
‫للشباب‪ :‬من الثابت علميان َّ‬
‫أف الرياضة كما تستتبعه من حركة‬
‫للجسم ‪٢‬تا فائدة صحية عظيمة يف حفظ صحة اإلنساف‪ ،‬كتفريغ طاقاته الزائدة‪ ،‬كحفظ توازنه‬
‫باعتداؿ(ّ)‪ ،‬كلذلك فإنَّه على الشَّباب االعتناء ّٔا‪ ،‬فهي األكفق لسنهم‪ ،‬كا‪١‬تساند ‪٢‬تم يف حفظ‬
‫ي‬
‫ً‬
‫ا‪٠‬تي ًل تيػرهبو ىف بًهً‬ ‫ً‬ ‫ً و ً‬ ‫ً‬
‫استىطى ٍعتي ٍم م ٍن قيػ َّوة ىكم ٍن ًربىاط ٍىٍ ٍ ي‬
‫عافيتهم‪ ،‬كبناء قوهتم‪ ،‬قاؿ تعاُف‪ " :‬ىكأىع ُّدكا ى‪٢‬تي ٍم ىما ٍ‬
‫ىع يد َّك اللَّ ًه"(ْ)‪.‬‬
‫التطبب والمعالجة من األمراض البدنيَّة‪ :‬لقد رغب فيه ديننا ا‪ٟ‬تنيف التطبب كالعبلج‪،‬‬
‫كاألخذ بأسباب الشفاء‪ ،‬ففي الصحيحُت(ٓ)؛ عن أيب هريرة رضي ا﵁ عنه قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁‬

‫صلى ا﵁ عليه كسلم‪" :‬ما أنزؿ ا﵁ من داء إالَّ أنزؿ له شفاء"‪ .‬فبل ٌ‬
‫يصح من ا‪١‬تسلم أف ييهمل‬
‫كركد النَّهي عن ذلك‪.‬‬ ‫(ٔ) ً‬
‫ّتسد كصحته ؛ لما ذكرنا من ي‬
‫الظَّباب ٔالصش‪ ٛ‬الٍَّفشَّٗ‪:ٛ‬‬
‫َّ‬
‫إف الصحة النَّفسيَّة للشباب من أهم ما ‪٬‬تب السعي إليه بيغية ا﵀افظة عليهم يف ا‪ٟ‬تاؿ‬
‫خَتة‪ ،‬كأخرل سيئة‪ ،‬كهي َّأمارة‬
‫الركح‪ ،‬ك‪٢‬تا غرائز إ‪٬‬تابية ّْ‬
‫كا‪١‬تآؿ‪ ،‬كالنَّفس يف ديننا هي ذات ُّ‬
‫(ٕ)‬
‫‪٥‬تَت فيما ٮتتار من الغرائز كاألفعاؿ‪،‬‬
‫بالسوء ‪ ،‬كا‪ٟ‬تاكم على غرائزها اإلرادة‪ ،‬كالعقل‪ ،‬كاإلنساف َّ‬
‫ُّ‬
‫سَتان‪ ،‬كقد ابتبل ا﵁ تعاُف يف هذ ا‪ٟ‬تياة بامتحانه فيما ٮتتار بُت هتذيب للنَّفس كتقوية‬
‫كليس يم َّ‬

‫(ُ) األعراؼ‪ُٖ :‬‬


‫الراغب األصفهاين‪ ،‬الذريعة إلى مكارم الشريعة‪ ،‬ص ُِٔ‪.‬‬
‫(ِ) انظر‪َّ :‬‬
‫(ّ) انظر‪ :‬ابن قيم ا‪ٞ‬توزية‪ ،‬زاد المعاد‪ ،‬ص ُّْ‪.‬‬
‫(ْ) األنفاؿ‪َٔ :‬‬
‫(ٓ) متفق عليو‪.‬‬
‫(ٔ) انظر‪ :‬ابن قيم ا‪ٞ‬توزية‪ ،‬زاد المعاد‪ ،‬ص ُّْ‪.‬‬
‫(ٕ) انظر‪ :‬الغزاِف‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬جػ ّ‪ ،‬ص ُُّ‪.ُُٕ-‬‬

‫‪89‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الشر(ُ)‪،‬‬
‫لغرائزها اإل‪٬‬تابية الدافعة إُف ا‪٠‬تَت‪ ،‬كبُت تدسية للنَّفس باتباع غرائزها السلبية ا‪١‬تؤدية إُف ٌ‬
‫س ىكىما ىس َّو ىاها )ٕ( فىأى ٍ‪٢‬تىىم ىها في يج ىورىها ىكتىػ ٍق ىو ىاها (ٖ) قى ٍد أىفٍػلى ىح ىمن ىزَّك ى‬
‫اها (ٗ) ىكقى ٍد‬ ‫قاؿ تعاُف‪ " :‬ىكنػى ٍف و‬
‫(ّ)‬ ‫(ِ)‬
‫يسر ا﵁ لئلنساف طريقي ا‪٠‬تَت‬ ‫َّج ىديٍ ًن" ‪ .‬أم‪َّ :‬‬ ‫اها" ‪ .‬كقاؿ تعاُف‪ " :‬ىكىه ىديٍػنىا ي الن ٍ‬ ‫اب ىمن ىد َّس ى‬ ‫ىخ ى‬
‫كالشر‪ ،‬كأعطا القدرة على االختيار بينهما كفقان إلرادته‪ ،‬كهو ‪٤‬تاسب على اختيار كفعله‪.‬‬
‫فالصحة النَّفسيَّة للشاب أمر يرجع إُف كعيه‪ ،‬كعلمه بدينه‪ ،‬كْتقيقة خلقه‪ ،‬كنواميس‬
‫ا‪ٟ‬تياة الدنيا اليت يعيشها كارتباطها بطاعة ا‪٠‬تالق العظيم‪ ،‬كٔتدل إٯتانه بعقيدة ا‪ٞ‬تزاء؛ بالثواب أك‬
‫بالعقاب يف اآلخرة‪ .‬فمن أخذ بأسباب التزكية كاالستقامة؛ كاف صحيح النَّفس‪ ،‬هادئ الباؿ‪،‬‬
‫مستقيم ا‪ٟ‬تاؿ‪ ،‬كمن أخل يف أمر من ذلك‪ ،‬أك سلك مسلكان خاطئان من مسالك ا‪٢‬تول‪ ،‬كاتبع‬
‫الغرائز اليت تدفع الجًتاح ا‪١‬تنكرات‪ ،‬فحمله ذلك على ‪٥‬تالفة الشرع يف فعله كسلوكه؛ كقع يف‬
‫و‬
‫بشيء من أمراض النَّفس من التوتر‪ ،‬كالقلق‪ ،‬كاإلحباط‪ ،‬كمن‬ ‫اإلمث‪ ،‬كاال‪٨‬تراؼ‪ ،‬ككذلك ابتلي‬
‫أف العديد من الشَّباب ا‪١‬تعاصر ييعاين من هذ ا‪٢‬تموـ كا‪١‬تشاكل النَّفسيَّة‪ ،‬بل َّ‬
‫إف‬ ‫شاهد َّ‬
‫الواقع ا‪١‬تي ى‬
‫بعضهم كقع يف األفعاؿ ا﵀ظورة كرد و‬
‫فعل سليب؛ نتيجةن لذلك أيضان‪ ،‬كاتبع طريقان منحرفان ضيَّع ‪ٙ‬ترة‬
‫شبابه كفرصة عمر يف ٖتقيق األمثل له‪ ،‬كفقان ألصل خلقه‪ .‬كلذلك فقد َّ‬
‫أكد علماؤنا ا‪١‬تسلموف‬
‫على العناية بالصحة النَّفسيَّة‪ ،‬كد‪٣‬تها يف ا‪١‬تعا‪ٞ‬تة مع الصحة البدنبة؛ بل َّإهنم أكدكا َّ‬
‫أف صحة‬

‫الراغب األصفهاين‪ ،‬الذريعة إلى مكارم الشريعة‪ ،‬ص ٖٗ‪ .َُُ-‬كانظر‪ :‬ابن قيم ا‪ٞ‬توزية‪ ،‬اإلماـ‬‫(ُ) انظر‪َّ :‬‬
‫مشس الدين أبو عبد ا﵁ ‪٤‬تمد بن أيب بكر (ت‪ُٕٓ .‬هػ)‪ ،‬الفـوائـد‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بَتكت‪َُِْ ،‬هػ‪-‬‬
‫ُٗٗٗـ‪ .‬ص ِِٓ‪.ِِٔ-‬‬
‫(ِ) الشمس‪َُ-ٕ :‬‬
‫(ّ) البلد‪َُ :‬‬

‫‪91‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫النَّفس ال تقل أ‪٫‬تيةن عن صحة البدف‪ ،‬كأف صحة البدف هي أثر لصحة النَّفس يف كثَت من‬
‫األحواؿ(ُ)‪ ،‬كهذ ا‪ٟ‬تقيقة أثبتها العلم ا‪ٟ‬تديث‪ ،‬فمعظم األمراض البدنيَّة ‪٢‬تا تعلُّق بأسباب نفسية‪.‬‬

‫الظَّباب ٔاالستكساز الٍَّفش٘‪:‬‬


‫ال شك َّ‬
‫أف االستقرار النَّفسي أساس يف فبلح الشَّباب كإبداعهم‪ ،‬كهو ‪ٙ‬ترة الصحة‬
‫النَّفسيَّة‪ ،‬كسبيله الوحيد هو التزاـ شرع ا﵁ ا‪ٟ‬تكيم العليم(ِ)‪ .‬قاؿ نبيُّنا الكرمي صلَّى ا﵁ عليه‬
‫كسلَّم‪ :‬البن عباس‪ ،‬رضي ا﵁ عنهما‪" :‬يا يغ ىبلـ‪ ،‬إً ّْين أيعلّْم ً و‬
‫اح ىف ٍظ‬ ‫اح ىف ٍظ اللَّهى ىٍ٭ت ىفظٍ ى‬
‫ك‪ٍ ،‬‬ ‫ك ىكل ىمات؛ ٍ‬
‫ىي ى‬ ‫ى ي‬
‫استىعً ٍن بًاللَّ ًه‪ ،‬ىك ٍاعلى ٍم أ َّ‬
‫ىف ٍاأل َّيمةى لى ٍو‬ ‫ت فى ٍ‬ ‫اسأ ٍىؿ اللَّهى‪ ،‬ىكإًذىا ٍ‬
‫استىػ ىعٍن ى‬ ‫ت فى ٍ‬ ‫ك‪ ،‬إًذىا ىسأىلٍ ى‬ ‫اه ى‬ ‫ً‬
‫اللَّهى ىٕت ٍد ي يٕتى ى‬
‫و‬ ‫وؾ بً ىش ٍي وء ىَفٍ يػىٍنػ ىف يع ى‬
‫اجتى ىم يعوا ىعلىى أى ٍف‬‫ك‪ ،‬ىكلى ٍو ٍ‬ ‫وؾ إًَّال بً ىش ٍيء قى ٍد ىكتىبىهي اللَّهي لى ى‬ ‫ت ىعلىى أى ٍف يػىٍنػ ىف يع ى‬ ‫اجتى ىم ىع ٍ‬
‫ٍ‬
‫كؾ إًَّال بًشي وء قى ٍد ىكتبه اللَّه علىي ً‬ ‫و‬
‫ف"(ّ)‪.‬‬ ‫الص يح ي‬
‫َّت ُّ‬ ‫ت ٍاألىقٍ ىبل يـ ىك ىجف ٍ‬ ‫ك‪ ،‬يرف ىع ٍ‬ ‫ىى ي ي ى ٍ ى‬ ‫ىٍ‬ ‫ضُّر ى‬ ‫كؾ بً ىش ٍيء ىَفٍ يى ي‬ ‫ضُّر ى‬‫يى ي‬
‫كمن ت ٍلبيس الشيطاف على الشَّباب ادخا‪٢‬تم يف أمنيات ك‪٫‬تية‪ ،‬كاقناعهم َّ‬
‫بأف ا‪١‬تتع‬
‫تسكن النَّفس‪ ،‬كهتدئ ا‪٠‬تاطر‪ ،‬كا‪ٟ‬تقيقة َّأهنا تلهي عن ا‪ٟ‬تق‪ ،‬كتردم بالنَّفس‬
‫كا‪١‬تلهيات هي اليت ّْ‬

‫يف هاكية ا‪١‬تعاناة كاألمراض ا‪١‬تتتالية‪ ،‬فاستقرار النَّفس َّإ‪٪‬تا يكوف بالتزاـ الشريعة؛ لكوهنا كما قاؿ‬
‫"تزجر عن الفواحش كما ٮتالف ا‪١‬تعاِف‪ ...،‬كتعضد أسباب القوة كاالستطاعة"(ْ)‪.‬‬
‫الشاطيب‪ :‬ي‬
‫من أ‪ٚ‬تل ما ذكر يف تراثنا يف طرؽ العبلج النَّفسي كعبلقته بالعبلج البدين أيضان‪ ،‬كتطبيب‬
‫ا‪١‬تريض كصبلح حاله‪ ..." :‬ككل طبيب ال يداكم العليل يتفقد قلبه كصبلحه كتقوية أركاحه كقوا‬

‫(ُ) انظر‪ :‬ابن القيم‪ ،‬زاد المعاد‪ ،‬جػ ّ‪ ،‬ص َٕ‪ .‬كمن أقواله ‪-‬ر‪ٛ‬ته ا﵁‪ -‬عن عبلقة طبيب األبداف بالصحة‬
‫النفسية‪ " :‬أف يكوف له خربة باعتبلؿ القلوب كاألركاح كأدكيتها‪ ،‬كذلك أصل عظيم يف عبلج األبداف؛ فإف‬
‫الركح‪،‬‬
‫انفعاؿ البدف كطبيعته عن النفس كالقلب أمر مشهود‪ ،‬كالطبيب إذا كاف عارفان بأمراض القلب ك ُّ‬
‫كعبلجهما؛ كاف هو الطبيب الكامل‪ ،‬كالذم ال خربة له بذلك – كإف كاف حاذقان يف عبلج الطبيعة كأحواؿ‬
‫البدف؛ نصف طبيب‪ ." ،‬ذات المصدر السابق‪ ،‬جػ ّ‪ ،‬ص َُُ‪.ُُُ-‬‬
‫(ِ) انظر‪ :‬الصنعاين‪ ،‬سبل السالم‪ ،‬جػ ْ‪ ،‬ص َِّ‪.ُِّ-‬‬
‫(ّ) أخرجه الًتمذم يف سننو‪.‬‬
‫(ْ) انظر‪ :‬ا‪ٞ‬تويٍت‪ ،‬غياث األمم في التياث الظُلَم‪ ،‬ص ُُٖ‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫بالصدقة كفعل ا‪٠‬تَت كاإلحساف‪ ،‬كاإلقباؿ على ا﵁ كالدار اآلخرة‪ ،‬فليس بطبيب‪ ،‬بل يمتىطبب‬
‫ضُّرع‪ ،‬كاالبتهاؿ‬
‫قاصر‪ ،‬كمن أعظم عبلجات ا‪١‬ترض؛ فعل ا‪٠‬تَت‪ ،‬كاإلحساف‪ ،‬كالذكر‪ ،‬كالدعاء‪ ،‬كالتى ى‬
‫إُف ا﵁‪ ،‬كالتوبة‪ ،‬ك‪٢‬تذ األمور تأثَت يف دفع العًلىل‪ ،‬كحصوؿ الشفاء أعظم من األدكية الطبيعية‪،‬‬
‫كلكن ْتسب استعداد النَّفس كقبو‪٢‬تا‪ ،‬كعقيدهتا يف ذلك‪ ،‬كنفعه"(ُ)‪.‬‬
‫كبناءن على ذلك فعلى شبابنا التزاـ هذ القواعد ا‪١‬تنىجية من مشاكل النَّفس ك‪٫‬تومها‪ ،‬ففيها‬
‫ي‬
‫تزكيتها كٖتليتها‪ ،‬كهنيها عن ا‪٢‬تول‪ ،‬كعليهم أف ال يركنوا إُف التسويف فيها‪ ،‬أك االستهانة من‬
‫فاعلية بعضها‪ ،‬فهي ‪٣‬تربة‪ ،‬كمستنبطة من كحي الكتاب كالسنة‪ ،‬كٕتارب الصا‪ٟ‬تُت كا‪ٟ‬تكماء‪.‬‬
‫ك‪٦‬تَّا يعُت الشَّاب على هدكء النَّفس كاستقرارها اإلٯتاف بقضاء ا﵁ كقدر ‪ ،‬كالتوكل عليه‪،‬‬
‫كسلَّم‪:‬‬
‫رس يوؿ ا﵁ صلَّى اللَّهي علىيى ٍه ى‬
‫(ِ)‬
‫كالرضا ٔتا قسمه لئلنساف من رزؽ كظركؼ كأحواؿ ‪ .‬قاىؿ ى‬
‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫"من أصبح منًك ً‬
‫ُّنياى"(ّ)‪.‬‬ ‫جس ىد ‪ ،‬عن ٍد ى يقوت ىيوٍمه‪ ،‬ف ىكأَّى‪٪‬تاى حيً ى‬
‫زت لهى الد ٍ‬ ‫ىف ًيف ى‬ ‫ٍم آمنان ًيف س ًربٍه‪ ،‬ي‬
‫معاى ن‬ ‫ى ىٍ ى ي‬
‫ككذلك ترؾ عادة الكثَت من شبابنا يف التنافس مع اآلخرين كاألقراف على حطاـ الدنيا‪،‬‬
‫كطموحاهتا ا‪١‬تادية الزائلة‪ ،‬كخَت ‪٢‬تم من ذلك؛ النَّظر إُف من هو دكهنم يف النعمة؛ فإنَّه باعث على‬
‫رضاهم بنعمة ا﵁ عليهم‪ ،‬كتقديرهم ‪٢‬تا كشكر ا﵁ عليها‪ ،‬فعن أيب هريرة رضي ا﵁ عنه قاؿ‪ :‬قاؿ‬
‫رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم‪ :‬انظركا إُف من هو أسفل منكم‪ ،‬كال تنظركا إُف من هو فوقكم‪،‬‬
‫فإنَّه أجدر أف ال تزدركا نعمة ا﵁ عليكم"(ْ)‪ .‬كعليه أيضان أف ‪٬‬تتنب ثبلثة أخبلؽ عدَّها العلماء‬
‫أساس الذنوب كا‪٢‬تموـ كلها كهي؛ ا‪ٟ‬تًرص‪ ،‬كا‪ٟ‬تسد‪ ،‬ك ً‬
‫الك ٍرب(ٓ)؛ فاألكؿ يبعث على األنانية‪،‬‬ ‫ى‬ ‫ٍ‬
‫كالطمع الزائد‪ ،‬كالتحسر على ما يفوت اإلنساف من أمور‪ ،‬كالثاين يقتل النَّفس كيورث الضغينة‬

‫(ُ) انظر‪ :‬ابن القيم‪ ،‬زاد المعاد‪ ،‬جػ ّ‪ ،‬ص َُُ‪.ُُُ-‬‬


‫(ِ) انظر‪ :‬ابن قدامة‪ ،‬مختصر منهاج القاصدين‪ ،‬ص ّٔٔ‪ .‬كانظر‪ :‬الدهلوم‪ ،‬حجة اهلل البالغة‪ ،‬جػ ِ‪ ،‬ص‬
‫ِّٖ‪.‬‬
‫(ّ) أخرجه البخارم يف األدب المفرد‪ ،‬كالًتمذم يف سننو‪ ،‬كقاؿ‪ :‬حسن غريب‪.‬‬
‫(ْ) أخرجه مسلم يف صحيحو‪.‬‬
‫(ٓ) ابن قيم ا‪ٞ‬توزية‪ ،‬الفـوائـد‪ ،‬ص ٖٗ‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كأمراضان عميقة؛ كا‪٢‬تم كا‪ٟ‬تزف‪ ،‬كهو سبب للثالث؛ فالكرب كهو كما يف ا‪ٟ‬تديث الشريف‪" :‬بطر‬
‫ا‪ٟ‬تق‪ ،‬كغمط الناس"(ُ)‪ ،‬غالبان ما ينشأ عن ا‪ٟ‬تسد‪ ،‬كالكرب سبب يف الشعور بالنَّقص‪ ،‬كاإلساءة‬
‫ك‪٥‬تالفة ا‪ٟ‬تق‪ .‬فيجدر بكل شاب أف يتوقف مع الذات يف مراجعة حثيثة ‪٢‬تذ‬
‫لآلخرين‪ ،‬ي‬
‫األخبلؽ‪ ،‬كالعمل على تنقية النفس منها‪ ،‬كمن أسبأّا‪ ،‬إف كانت مبتبلة بشيء منها؛ فإف فعل‬
‫ذلك شعر بسركر كبَت‪ ،‬كسكينة‪ ،‬كطمأنينة تدفع به كبسلوكه إُف كل خَت‪.‬‬
‫أما سبيل هتذيب النَّفس كاالرتقاء ّٔا يف معاِف ا‪١‬تكارـ كاألخبلؽ(ِ)؛ فيكوف ٔتا يلي‪:‬‬
‫ُ‪ .‬التعلم؛ كخَت علم علم الكتاب كالسنة؛ فهو سبيل ا‪ٟ‬تكمة؛ كهي االعتداؿ يف‬
‫استخداـ القوة العقلية لئلنساف ٔتا ينفع نفسه كيزكيها‪.‬‬
‫ِ‪ .‬االتساـ بالعًفة كهي التوسط بُت اإلفراط كالتفريط يف التعامل مع القوة الشهوانية‬
‫ا‪١‬توجودة يف اإلنساف كهي سبيل النزاهة‪ ،‬كا‪ٞ‬تود‪ ،‬كسكينة النَّفس‪.‬‬
‫ّ‪ .‬استعماؿ الصرب؛ كهو حبس النَّفس عن ردكد الفعل السلبية؛ كهو طريق الشجاعة‬
‫تستقر النَّفس‪ ،‬كتثق‬
‫ُّ‬ ‫كاليت تع ٌد الوسط بُت اإلفراط كالتفريط يف االستخداـ القوة الغضبية‪ ،‬كّٔا‬
‫با﵁‪ ،‬مثَّ بذاهتا‪ ،‬كتتسم با‪ٟ‬تلم‪.‬‬
‫ْ‪ .‬االتساـ بالعدالة كٖتريها‪ ،‬كهي الوسط يف األخبلؽ كلها كا‪ٟ‬تاكم عليها‪ ،‬كمن ضبط‬
‫نفسه عليها اتسم سلوكه ‪ٚ‬تيعه بالتوازف كالسداد(ّ)‪.‬‬

‫(ُ) أخرجه مسلم يف صحيحو‪.‬‬


‫ُت رًذيلىتىػ ٍ ً‬
‫ُت‪.‬‬ ‫ا‪٠‬تىًٍَت تىػتىػ ىو َّس ي‬ ‫صتىػ ٍ ً‬ ‫(ِ) قاؿ ا‪١‬تاكردم‪ ..." :‬الٍ ىفضائًل هيئات متػو ّْسطىةه بػُت خلَّتػ ً ً‬
‫ط بػى ٍ ى ى‬ ‫اؿ ٍ‬ ‫ُت‪ ،‬ىكأىفٍػ ىع ي‬ ‫ُت نىاق ى‬ ‫ىٍى ى ى ٍ‬ ‫ى ي ى ٍى ه ي ى ى‬
‫ف‬‫ض ٍع ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فىا ٍ‪ٟ‬تًك ً‬
‫ُت الشَّّْر ىكا ٍ‪ٞ‬تى ىهالىة‪ .‬ىكالش ى ى ي ى ى ه ى ٍ ى ى ُّ ى ٍي ٍ ى ٍ ي ى ى ه ى ٍ ى ى ى ى‬
‫ك‬ ‫َّر‬
‫الش‬ ‫ُت‬ ‫ػ‬‫ب‬ ‫ة‬ ‫ط‬ ‫اس‬ ‫ك‬ ‫ة‬ ‫ف‬ ‫ع‬ ‫ل‬‫ا‬‫ك‬ ‫‪.‬‬ ‫نب‬ ‫‪ٞ‬ت‬ ‫ا‬
‫ك‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ق‬ ‫ػ‬‫ت‬
‫َّ‬ ‫ال‬ ‫ُت‬ ‫ػ‬‫ب‬ ‫ة‬ ‫ط‬‫اس‬ ‫ك‬ ‫ة‬ ‫اع‬ ‫ُّج‬ ‫ٍمةي ىكاسطىةه بػى ٍ ى‬
‫ى‬
‫َّه ىوةً"‪ .‬أدب الدنيا والدين‪ ،‬ص ُُْ‪ .‬كانظر‪ :‬األ‪ٛ‬تد نكرم‪ ،‬جامع العلوم في اصطالحات الفنون‪،‬‬ ‫الش ٍ‬
‫جػ ِ‪ ،‬ص ِِِ‪.‬‬
‫(ّ) انظر‪ :‬الدهلوم‪ ،‬حجة اهلل البالغة‪ ،‬جػ ِ‪ ،‬ص َْٖ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫التدرج‪ ،‬كالتّْكرار يف رياضة النَّفس‪ ،‬كهتذيبها ‪٦‬تَّا‬


‫كقد َّبُت اإلماـ الغزاِف ر‪ٛ‬ته ا﵁ أ‪٫‬تية ُّ‬
‫صيبها من شوائب ً‬
‫كعلل؛ بيغية الوصوؿ إُف اكتساب األخبلؽ ا‪ٟ‬تىسنة(ُ)‪ ،‬كاليت يأمهاهتا األخبلؽ‬ ‫يً‬
‫ي‬
‫األربعة سابقة الذكر(ِ)‪ .‬كما كنبَّه إُف أ‪٫‬تية دكاـ التفكر يف عظمة ا‪٠‬تالق‪ ،‬كيف الكوف‪ ،‬كيف‬
‫نجيات‪ ،‬كدكاـ مراقبة النَّفس كأخبلقها‪ ،‬ك‪٤‬تاسبتها على سيئات أعما‪٢‬تا‬
‫الطاعات‪ ،‬كا‪١‬تعاصي‪ ،‬كا‪١‬ت ّْ‬
‫ي‬
‫(ّ)‬
‫كأخطائها؛ كل ذلك سعيان إُف تزكيتها كهتذيبها ‪.‬‬
‫الراغب األصفهاين ذلك بقوله‪" :‬أما مكارـ الشريعة؛ فمبدؤها طهارة النَّفس‬ ‫كقد ‪٠‬تَّص َّ‬
‫التخصص با‪ٟ‬تًكمة كا‪ٞ‬تيود كا‪ٟ‬تًلم‬
‫ُّ‬ ‫باستعماؿ التَّعلم‪ ،‬كاستعماؿ العًفة ك َّ‬
‫الصرب كالعدالة‪ ،‬كهنايتها‬

‫كاإلحساف‪ .‬فبالتَّعلم يتوصل إُف ا‪ٟ‬تًكمة‪ ،‬كباستعماؿ العًفة يتوصل إُف ا‪ٞ‬تيود‪ ،‬كباستعماؿ َّ‬
‫الصرب‬
‫كرمة‬ ‫يدرؾ الشجاعة كا‪ٟ‬تًلم‪ ،‬كباستعماؿ العدالة يصحح األفعاؿ‪[ ،‬فمن فعل ذلك] فقد َّ‬
‫تدرع ا‪١‬تى ي‬
‫كصليح ‪٠‬تًبلفة ا﵁ تعاُف‪ ،‬كصار من َّ‬
‫الربانيُت‬ ‫ً‬ ‫ا‪١‬تعيَّنة بقوله تعاُف‪َّ :‬‬
‫"إف أى ٍكىرىم يكم عٍن ىد ا﵁ أتٍػ ىقا يكم"‪ ،‬ى‬
‫كالشُّهداء كالصديقُت"(ْ)‪.‬‬

‫تدابري زعاٖ‪ ٛ‬الصش‪ ٛ‬السُّٔسَّٗ‪ٔ ٛ‬البدٌَّٗ‪ٔ ٛ‬الٍَّفشَّٗ‪ ٛ‬لمظَّباب يف ضٕ‪ ٞ‬التشدٖات‬

‫املعاصس‪:ٚ‬‬
‫فيما يلي بياف مرتكزات أساسية يف الفكر كالسلوؾ‪٬ ،‬تدر بشبابنا العزيز أف يقف عندها‬
‫بتأمل كعناية؛ فيجعلها جزءن من خطته اليومية ‪ٟ‬تياة صحيحة طيبة‪ ،‬يرضا ا﵁ تعاُف عنها‪ ،‬كرسوله‪،‬‬
‫كصاٌف ا‪١‬تؤمنُت‪:‬‬

‫(ُ) انظر‪ :‬الغزاِف‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬جػ ّ‪ ،‬ص ُٖٔ‪.ُٖٖ-‬‬


‫ً‬
‫(ِ) أم‪ :‬االعتداؿ يف األخبلؽ كلها‪ ،‬كا‪ٟ‬تكمة يف استخداـ القوة العقلية‪ ،‬كالعفة‪ ،‬يف استخداـ القوة الشهوانية‪،‬‬
‫كالشجاعة يف استخداـ القوة الغضبية‪ .‬ككلها كسط معتدؿ بُت اإلفراط كالتفريط‪ .‬انظر‪ :‬المصدر ذاتو‪ ،‬جػ‬
‫ّ‪ ،‬ص ّٓ‪.ْٓ-‬‬
‫(ّ) انظر‪ :‬المصدر ذاتو‪ ،‬جػ ٔ‪ ،‬ص ٓ كما بعدها‪ .‬كانظر أيضان‪ :‬ابن قدامة‪ ،‬مختصر منهاج القاصدين‪ ،‬ص‬
‫ُّٓ‪ .ّّٓ-‬الدهلوم‪ ،‬حجة اهلل البالغة‪ ،‬جػ ِ‪ ،‬ص ْٖٓ‪.ْٖٕ-‬‬
‫الراغب األصفهاين‪ ،‬الذريعة إلى مكارم الشريعة‪ ،‬ص ّٖ‪.‬‬
‫(ْ) انظر‪َّ :‬‬

‫‪94‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫‪ -‬اإلخالص هلل باإليمان والنيَّة الصالحة‪ ،‬والتوكل عليو في كل األعمال واألقوال‪:‬‬


‫فقبوؿ األعماؿ عند ا﵁ تعاُف َّإ‪٪‬تا يكوف ْتسب النيَّة من فعلها‪ ،‬قاؿ صلى ا﵁ عليه كسلم َّإ‪٪‬تا‬
‫الرياء كالشّْرؾ‬ ‫(ُ)‬
‫األعماؿ بالنيَّات‪َّ ،‬‬
‫كإ‪٪‬تا لكل امرئ ما نول‪ ، "...‬كال تقبل النيَّة إال باإلخبلص من ّْ‬
‫كغَتها من الشوائب‪ ،‬فبل بد من أف تكوف خالصةن ﵁ تعاُف(ِ)‪ ،‬كهو القائل‪ " :‬ىكىما أ ًيميركا إًَّال لًيىػ ٍعبي يدكا‬
‫ين الٍ ىقيّْ ىم ًة"(ّ)‪.‬‬ ‫الزىكاةى كذىلً ً‬ ‫ً‬ ‫ًً‬
‫كد ي‬‫الص ىبلةى ىكيػي ٍؤتيوا َّ ى ى‬
‫يموا َّ‬
‫ّْين يحنىػ ىفاءى ىكييق ي‬ ‫اللَّهى ‪٥‬تيٍلص ى‬
‫ُت لىهي الد ى‬
‫كٮتطئ من قد يظن من شبابنا َّ‬
‫أف التوفيق قد يكوف حليفه بعمله فقط‪ ،‬كما بدر منه من‬
‫ً‪٫‬تَّة عالية‪ ،‬كأخذ باألسباب‪ ،‬من غَت اإلخبلص إليه‪ ،‬كحسن التوكل على ا﵁؛ كمن َّمث ا‪ٟ‬تصوؿ‬
‫كرمه كحفظه كتوفيقه(ْ)؛ فليوقن أنَّه‪ :‬إذا َف يكن من ا﵁ عوف للفىت؛ فأكؿ ما يقضي عليه‬
‫على ى‬
‫ت ىكىما تىػ ٍوفً ًيقي إًالَّ‬
‫استىطى ٍع ي‬ ‫يد إًالَّ ا ًإل ٍ‬
‫صبلى ىح ىما ٍ‬ ‫اجتهاد ‪ .‬قاؿ تعاُف على لساف سيدنا يشعيب‪" :‬إً ٍف أي ًر ي‬
‫يب"(ٓ)‪.‬‬‫بًاللٌ ًه علىي ًه تىػوَّك ٍل ً ً ً‬
‫ت ىكإلىٍيه أين ي‬
‫ىٍ ى ي‬
‫والتأسي بهم‪ ،‬كاإلفادة من عمقهم العلمي‬
‫ِّ‬ ‫ممن نثق بدينهم وعلمهم‬
‫سؤال أىل العلم َّ‬
‫جل كعبل‪:‬‬ ‫(ٕ)‬
‫خبَتا" ‪ ،‬كقاؿ َّ‬ ‫ًً‬ ‫(ٔ)‬
‫اسأؿ به ن‬ ‫كاختصاصهم يف الشرع كخربهتم بعلومه ‪ ،‬قاؿ تعاُف‪" :‬فى ٍ‬
‫الذ ٍك ًر إًف يكنتي ٍم ىال تىػ ٍعلى يمو ىف"(ٖ)‪َّ .‬أما ما يفعله بعض الشَّباب من االرٕتاؿ يف ال ىفتول‪،‬‬
‫اسأىليوا أ ٍىهل ّْ‬
‫ى‬ ‫"فى ٍ‬

‫(ُ) متفق عليه‪ .‬أخرجه البخارم كمسلم يف الصحيحين‪.‬‬


‫(ِ) انظر‪ :‬ابن قيم ا‪ٞ‬توزية‪ ،‬الفـوائـد‪ ،‬ص ُِٖ‪ .ِِِ-‬ابن قدامة‪ ،‬مختصر منهاج القاصدين‪ ،‬ص ِّْ‪-‬‬
‫ّْٓ‪ .‬الدهلوم‪ ،‬حجة اهلل البالغة‪ ،‬جػ ِ‪ ،‬ص َٖٓ‪.ُٖٓ-‬‬
‫(ّ) البيّْنة‪ٓ :‬‬
‫(ْ) انظر‪ :‬النجار‪ ،‬الدكتور زغلوؿ راغب‪ ،‬أزمة التعليم المعاصر وحلولها اإلسالمية‪ ،‬الطبعة األكُف‪ ،‬الدار‬
‫العا‪١‬تية للكتاب اإلسبلمي‪ ،‬كا‪١‬تعهد العا‪١‬تي للفكر اإلسبلمي‪َُُْ ،‬هػ‪َُٗٗ-‬ـ‪ .‬إعادة الطبع ُُْٔهػ‪-‬‬
‫ُٓٗٗـ‪ .‬صُِٔ‪.ُِٕ-‬‬
‫(ٓ) يهود‪ٖٖ :‬‬
‫(ٔ) انظر‪ :‬القرضاكم‪ ،‬الدكتور يوسف‪ ،‬حول قضايا اإلسالم والعصر‪ ،‬الطبعة األكُف‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بَتكت‪،‬‬
‫ُِِْهػ– ََُِـ‪ .‬ص ُْْ‪.ُْٓ-‬‬
‫(ٕ) الفرقاف‪ٓٗ :‬‬
‫(ٖ) النحل‪ّْ :‬‬

‫‪95‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كا‪ٟ‬تكم على األفعاؿ ا‪١‬تختلفة‪ ،‬كالقضايا‪ ،‬كاألحداث ا‪١‬تستجدة كفقان لرأيهم آّرد‪ ،‬كلرٔتا ْتسب‬
‫أهوائهم‪ ،‬فبل ‪٬‬توز‪ .‬فكم من شاب دفعه هتور للمناقشة يف ثوابت اإلسبلـ من غَت علم كال‬
‫الربا‪ ،‬كتعاطي‬
‫سلطاف منَت‪ ،‬فدخلوا بذلك بالتكفَت‪ ،‬كالضبلؿ‪ ،‬كأباح بعضهم لنفسه اقًتاؼ ّْ‬
‫ا﵀رمة‪ ،‬كمنع الزكاة ككثَت من حقوؽ ا﵁‪ ،‬بل ك‪ٛ‬تلهم‬
‫ا‪١‬تعامبلت ا‪١‬تالية ا﵀ظورة‪ ،‬ككسب األمواؿ َّ‬
‫ذلك على أداء العبادات على غَت كفق ما كردت به يف الشرع؛ َّ‬
‫كإ‪٪‬تا كقعوا يف ذلك إما الجًتائهم‬
‫كتسرعهم يف ا‪ٟ‬تكم على األمور‪ ،‬أك نتيجةن ‪ٞ‬تهلهم بإلزامية اتباع أحكاـ الدين‪ ،‬كالسؤاؿ عنها يف‬

‫كل األمور‪ ،‬فاتبعوا الظن‪ ،‬كا‪٢‬تول ‪ .‬قاؿ تعاُف‪" :‬إ ٍف يػىتَّبًعيو ىف إًَّال الظَّ َّن ىكإً ٍف يه ٍم إًَّال ىٮتٍير ي‬
‫صو ىف"(ِ) ‪.‬‬ ‫(ُ)‬

‫كقوله تعاُف‪" :‬ٮترصوف" يعٍت‪ :‬يظنوف فيأخذكف بالظن كليس باليقُت كالدليل(ّ)‪َّ .‬أما من يسأؿ‬
‫أهل العلم الشرعي؛ فقد رىكن إُف رك ون ً‬
‫شديد كمرج وع و‬
‫أصيل‪ ،‬فهم أصحاب االجتهاد كالدليل‪ ،‬كهم‬ ‫ى‬
‫كٖترم‬
‫األقدر على ا‪١‬توازنة بُت ا‪١‬تصاٌف كا‪١‬تفاسد يف اجتهادهم يف ا‪ٟ‬تكم على األمور ا‪١‬تلتبسة‪ّْ ،‬‬
‫ي‬
‫العدؿ كالصواب‪ ،‬كالذم يكوف بالنظر ا‪١‬تتوازف بُت النصوص الشرعية‪ ،‬كبُت مقاصدها كمعانيها يف‬
‫(ْ)‬
‫الصور كمفرداهتا‪ ،‬كفقان‬
‫الناحية التطبيقية ‪ ،‬فكثَتان ما ٮتتلف ا‪ٟ‬تكم من شخص إُف آخر يف آحاد ُّ‬
‫الختبلؼ الظركؼ كا‪١‬تبلبسات كاألعراؼ‪ ،‬كهذا ‪٤‬تل نظر العلماء ا﵀ققُت‪ ،‬ال العامة من الناس‪.‬‬
‫كمنطلق للفكر كالسلوؾ‪ ،‬كاجتناب كل ما تطرؼ عن‬
‫اإلنطبلؽ من الوسطية كاالعتداؿ ي‬
‫ذلك‪ ،‬من تشدد أك تساهل؛ كقد عيّْرفت الوسطية ٔتعٌت العدالة ذاته؛ كما َّبُت التفتازاين ذلك‬
‫اؿ أ ٍىك ىسطي يه ٍم}‪ ،‬ككل الفضائل منحصرة يف التوسط‬
‫بقوله‪" :‬كالوساطة العدالة‪ ،‬كمنه قوله تعاُف‪{ :‬قى ى‬

‫(ُ) انظر‪ :‬صندكؽ دعم البحث العلمي‪ ،‬الشباب في مواجهة الفكر المتطرف – المحور الديني‪ ،‬عماف‪،‬‬
‫كانوف األكؿ‪ .َُِٓ ،‬صُٕ‪.ُٗ-‬‬
‫(ِ) يونس‪ٔٔ :‬‬
‫(ّ) انظر‪ :‬الصنعاين‪ ،‬سبل السالم‪ ،‬جػ ْ‪ ،‬ص ِْٖ‪.ِْٗ-‬‬
‫(ْ) انظر‪ :‬الدريٍت‪ ،‬الدكتور فتحي‪ ،‬دراسات وبحوث في الفكر اإلسالمي المعاصر‪ ،‬الطبعة األكُف‪ ،‬دار قتيبة‪،‬‬
‫دمشق‪َُْٖ ،‬هػ– ُٖٖٗـ‪ .‬حػ ِ‪ ،‬ص ّٖٔ‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ك ىج ىع ٍلنىا يك ٍم أ َّيمةن ىك ىسطنا لّْتى يكونيوا يش ىه ىداءى ىعلىى الن ً‬


‫َّاس‬ ‫ً‬ ‫(ُ)‬
‫بُت اإلفراط كالتفريط" ‪ .‬قاؿ تعاُف‪ " :‬ىكىك ىذل ى‬
‫وؿ ىعلىٍي يك ٍم ىش ًه ن‬
‫يدا"(ِ)"‪.‬‬ ‫الر يس ي‬
‫ىكيى يكو ىف َّ‬
‫فيجب على شبابنا أف ينطلقوا يف فكرهم كسلوكهم من استحضار معاين العدؿ‪،‬‬
‫كالوسطية‪ ،‬كاالعتداؿ‪ ،‬كا‪ٟ‬تق‪ ،‬كالتوازف‪ ،‬كا‪٠‬تَتية‪ ،‬كاألفضلية‪ ،‬كاالستقامة‪ ،‬كالسماحة‪ ،‬كا‪ٟ‬تياء‪،‬‬
‫كبناء قراراهتم كاختيار أكلوياهتم بناءن عليها(ّ)‪ .‬هذا باإلضافة إُف استحضار قواعد األخبلؽ الكلية‬
‫–سابقة الذكر‪-‬؛ ًمن عدالة‪ ،‬كحكمة‪ ،‬كشجاعة‪ً ،‬‬
‫كعفة يف ا‪ٟ‬تكم على األمور ا‪١‬تختلفة‪ ،‬فما اتَّسم‬
‫ي‬
‫(ْ)‬
‫ّٔا‪ ،‬أك َف ٮترج عن إطارها فهو مقبوؿ‪ ،‬كما ىجانبها فهو مرفوض؛ فقد جانىب ا‪ٟ‬تق كتعدا ‪.‬‬
‫البُعد عن المناىج المخالفة لسبيل اهلل وصراطو المستقيم‪ :‬فقد شاعت أفكار كمناهج‬
‫معاصرة متعددة األلواف كاأل‪٪‬تاط‪ ،‬كهي ‪٥‬تالفة لوحي رب العا‪١‬تُت‪ ،‬كهدم ديننا ا‪ٟ‬تنيف‪ ،‬كمن أهم‬
‫السمات السلبيَّة اليت ٮتشى منها يف هذ ا‪١‬تذاهب؛ َّأهنا تبعد الشَّباب عن ا﵁‪ ،‬بل َّ‬
‫إف العديد منها‬
‫يقوـ على الكفر كاإل‪ٟ‬تاد كأساس‪ ،‬كهذا ينايف ا‪ٟ‬تقيقة الكونيَّة‪ ،‬كطبيعة ا‪٠‬تلق‪ ،‬كالفطرة‪ ،‬كما أهنا‬
‫الركحي كالنَّفسي‪ ،‬ما يؤدم ّٔم الجًتاح‬
‫سَت الشَّباب يف طريق ا‪١‬تادية على حساب ا‪ٞ‬تانب ُّ‬
‫تي ّْ‬
‫السيئات‪ ،‬كالدخوؿ يف الكبائر‪ ،‬ك‪٥‬تالفة األخبلؽ السليمة‪ ،‬كالذم يؤدم إُف شيوع ا‪ٞ‬ترائم‬
‫كفظاعتها‪ ،‬كتدين مستول السلوؾ من الناحية األخبلقية‪ ،‬إُف و‬
‫حد قد يوصل إُف ما ال يليق ٔتقاـ‬

‫(ُ) التفتازاين‪ ،‬التلويح إلى كشف حقائق التنقيح‪ ،‬الطبعة األكُف‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪ُُْٔ ،‬هػ‪-‬‬
‫النص ذاته‪َّ ..." :‬‬
‫فإف رؤكس الفضائل؛ ا‪ٟ‬تكمة‪ ،‬كالعفة‪،‬‬ ‫ُٔٗٗـ‪ .‬جػ ِ‪ ،‬ص َُْ‪ .‬كقاؿ أيضان يف ٘تاـ ّْ‬
‫كالشجاعة‪ ،‬كالعدالة‪ ...‬مثَّ التوسط يف هذا آّموع أم‪ :‬ا‪ٟ‬تكمة‪ ،‬كالعفة‪ ،‬كالشجاعة؛ هي العدالة؛ فلهذا فسر‬
‫الوساطة بالعدالة؛ فالعدالة تقتضي الرسوخ على الصراط ا‪١‬تستقيم‪ ،‬كتنفي الزيغ عن سواء السبيل"‪.‬‬
‫(ِ) البقرة‪ُّْ :‬‬
‫(ّ) انظر‪ :‬العساؼ‪ ،‬الدكتور عدناف ‪٤‬تمود‪" ،‬دكر كليات الشريعة كا‪١‬تعاهد العلمية يف تعزيز الوسطية كمواجهة‬
‫التطرؼ كاإلرهاب"‪ :‬صندكؽ دعم البحث العلمي‪ ،‬الشباب في مواجهة الفكر المتطرف – المحور‬
‫الديني‪ ،‬ا‪١‬تلحق (ّ)‪ ،‬ص َٕ‪.ُٕ-‬‬
‫(ْ) الغزاِف‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ .،‬جػ ّ‪ ،‬ص ّٓ‪ .ْٓ-‬كانظر‪ :‬األ‪ٛ‬تد نكرم‪ ،‬جامع العلوم في اصطالحات‬
‫الفنون‪ ،‬جػ ِ‪ ،‬ص ِِِ‪ .‬كانظر‪ :‬العساؼ‪ ،‬المرجع السابق ذاتو‪ ،‬ا‪١‬تلحق (ّ)‪ ،‬صُٕ‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫السبي ىل فىػتىػ ىفَّر ىؽ بً يك ٍم‬


‫يما فىاتَّبًعيوي ىكىال تىػتَّبً يعوا ُّ‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫كرـ(ُ)‪ ،‬قاؿ تعاُف‪ " :‬ىكأ َّ‬
‫ىف ىه ىذا صىراطي يم ٍستىق ن‬ ‫اإلنساف ا‪١‬ت َّ‬
‫ي‬
‫صا يكم به لى ىعلَّ يك ٍم تىػتَّػ يقو ىف" ‪ .‬كقد حذرنا ربنا الكرمي من عبادة الشيطاف‪ ،‬كاتباع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ىعن ىسبًيلً ًه ىذل يك ٍم ىك َّ‬
‫ً‬
‫(ِ)‬

‫آد ىـ أىف َّال تىػ ٍعبي يدكا الشٍَّيطىا ىف إًنَّهي لى يك ٍم‬


‫جل كعبل‪" :‬أى ىَفٍ أ ٍىع ىه ٍد إًلىٍي يك ٍم يىا بىًٍت ى‬
‫خطواته‪ ،‬كضبلله‪ .‬فقاؿ َّ‬
‫ىض َّل ًمن يك ٍم ًجبً ِّبل ىكثً نَتا أىفىػلى ٍم‬‫يم (ُٔ) ىكلى ىق ٍد أ ى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ُت (َٔ) ىكأىف ٍاعبي يدكين ىه ىذا صىرا هط ُّم ٍستىق ه‬ ‫ىع يد ّّك ُّمبً ه‬
‫تى يكونيوا تىػ ٍع ًقليو ىف (ِٔ)" (ّ)‪ .‬فعلى شبابنا ا‪ٟ‬تذر من ذلك كله‪ ،‬فالشيطاف يػلىبّْس عليهم بربيق ز و‬
‫ائف‬ ‫ي‬
‫يزين ‪٢‬تم السيئات‪ ،‬فليس كل ما يلمع ذهبان‪ ،‬كعليهم دكاـ ‪٣‬تاهدة كساكسه‪ ،‬كاالستعانة با﵁‬
‫اف نػىزغه فى ً ً‬ ‫ً‬ ‫العظيم عليه‪ ،‬كاالستعاذة با﵁ منه‪ .‬قاؿ تعاُف‪" :‬كإً َّما ينز ىغن ى ً‬
‫استىع ٍذ بًاللَّه إًنَّهي‬
‫َّك م ىن الشٍَّيطى ٍ ٍ‬ ‫ى ىى‬
‫يم"(ْ)‪.‬‬‫الس ًم ً‬
‫يع الٍ ىعل ي‬
‫يه ىو َّ ي‬
‫شاب كفتاة‪،‬‬ ‫كما ك‪٬‬تدر بشباب األمة أف ‪٬‬تتنبوا الشبهات‪ ،‬كمنها ا‪٠‬تلوة ا﵀ظورة بُت و‬

‫كآّالس اليت ٖتتوم على ي‪٤‬تَّرـ‪ ،‬كال يفضوؿ الدَّافع إُف ٕتربة أم شيء ‪٤‬تظور شرعان(ٓ)؛ فكل هذ‬
‫األمور أسباب للوقوع يف ا﵀رمات‪ ،‬كاليت قد ترتقي إُف اجًتاح الكبائر من الذنوب‪ ،‬بل قد تودم‬
‫ٔتسَتة ا‪ٟ‬تياة بأسرها‪.‬‬
‫السوء؛ فمعظم خطوات‬
‫كمن ا‪١‬تنطلق ذاته يأيت دكر األصحاب كاألصدقاء من رفقاء ُّ‬
‫الشيطاف يف التىػلٍبًيس على الشَّاب ا‪١‬تستقيم ا‪١‬تنضبط تأيت من صديق يم َّ‬
‫قرب إليه يزين له عمل‬
‫ا‪ٟ‬تراـ‪ ،‬كغالبان ما يدعو إُف ذلك؛ إما بإغرائه بتجربته‪ ،‬أك بإيقاعه فيه باستخداـ سيف التخجيل‬

‫(ُ) كقد جاء يف قرارات مجمع الفقو اإلسالمي ّٔذا الصدد‪٬" :‬تب التصدم للمذاهب كاالٕتاهات الفكرية‬
‫كل دعوة‬
‫السنة‪ ،‬فكما ال يسوغ اإلفراط ال ‪٬‬توز التفريط بقبوؿ ٌ‬
‫ا‪١‬تعاصرة اليت تتعارض مع مقتضيات الكتاب ك ي‬
‫كلو كانت مريبة‪ ،‬كال بد من إبراز الضوابط للحفاظ على استحقاؽ اسم اإلسبلـ"‪.‬قرار رقم ُِٓ‬
‫(ُ‪" :)ُٕ/‬بشأف اإلسبلـ كاألمة الواحدة‪ ،‬كا‪١‬تذاهب العقدية كالفقهية كالًتبوية"‪ .‬انظر صندكؽ دعم البحث‬
‫العلمي‪ ،‬الشباب في مواجهة الفكر المتطرف – المحور الديني‪ ،‬ا‪١‬تلحق (ِ)‪ ،‬ص ٔٓ‪.‬‬
‫(ِ) األنعاـ‪ُّٓ:‬‬
‫(ّ) يس‪ِٔ-َٔ :‬‬
‫(ْ) فصلت‪ّٔ :‬‬
‫(ٓ) انظر‪ :‬الصنعاين‪ ،‬سبل السالم‪ ،‬جػ ْ‪ ،‬ص ِِٓ كما بعدها‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كا‪١‬تزاح كالسخرية؛ فينبغي على الشَّاب الواعي أف يكوف على قد ور كبَت من الثقة با﵁ أكالن‪ ،‬مثَّ‬
‫بنفسه ثانيان‪ ،‬فيتسم با‪ٟ‬تزـ يف مواجهة السلوؾ ا‪٠‬تاطئ‪ ،‬فبل يقع فريسةن لفضوؿ التجربة‪ ،‬كال‬
‫سن الشَّباب ‪-‬خصوصان‪-‬؛ القدكة ا‪ٟ‬تسنة‪ ،‬كالرفقة‬
‫لضغوط التخجيل؛ كلذلك فعلينا أف نتحرل يف ّْ‬
‫السوء من طريقنا البتَّة‪ ،‬فال ىق ًرين با‪١‬تقارف يقتدم(ُ)‪.‬‬ ‫الطيبة‪ ،‬كاألصدقاء الصا‪ٟ‬تُت‪ ،‬كأف نيبعد يرفقاء ُّ‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ض يه ٍم لًبىػ ٍع و‬ ‫ًو‬ ‫ً‬
‫ض ىع يد ّّك إًَّال الٍ يمتَّق ى‬
‫ُت"(ِ)‪.‬‬ ‫قاؿ تعاُف‪ٍ " :‬األىخ َّبلءي يػى ٍوىمئذ بػى ٍع ي‬
‫الملَ ِّهيات‪ :‬فعلى‬
‫العمل الدؤوب والجدية في الحياة وحسن استثمار الوقت بعيداً عن ُ‬
‫شباب األمة كأمل مستقبلها أف يراجعوا موقفهم‪ ،‬كمسلكهم فيما يتصل بالوقت‪ ،‬كالفراغ؛ فهم‬
‫‪٤‬تاسبوف عليه كهو عماد ا‪ٟ‬تياة‪ ،‬كبه ترتبط األسئلة األربعة اليت ييسألوا عنها يف اآلخرة؛ كا‪١‬تتصلة‬
‫بالعمر‪ ،‬كا‪ٞ‬تسد‪ ،‬كا‪١‬تاؿ كالعلم‪ ،‬ككلها من متعلقات الوقت كالزمن‪ .‬فعليهم استثمار بأحسن‬
‫حاؿ‪ ،‬كالبعد عن تضييعه كالتفريط فيه‪ ،‬كخَت منهج ‪٥‬تتصر يوضح سبيل التوفيق يف ذلك هو تدَّبير‬
‫اإلنٍ ىسا ىف لى ًفي يخ ٍس ور *‬
‫ص ًر * إً َّف ًٍ‬
‫الشَّاب معاين سورة العصر‪ ،‬كاألخذ ٔتقتضاها؛ قاؿ تعاُف‪ " :‬ىكالٍ ىع ٍ‬
‫الص ًٍرب"(ّ)‪ .‬فاإلنساف يف يخسراف دائم‬ ‫اص ٍوا بً َّ‬ ‫ات كتىػو ً‬ ‫إًَّال الَّ ًذين آىمنيوا كع ًمليوا َّ ً ً‬
‫اص ٍوا با ٍ‪ٟ‬تى ّْق ىكتىػ ىو ى‬
‫الصا‪ٟ‬تى ى ى ى‬ ‫ى ى ىى‬
‫‪١‬تضي عمر يومان بعد يوـ‪ ،‬كاستهبلؾ بدنه‪ ،‬كفناء شبابه‪ ،‬كقربه من ا‪١‬توت‪ ،‬كغَت ذلك‪ ،‬إالَّ أنَّه‬
‫يستثٌت من ذلك من اتصف بصفات الفبلح كالنجاح؛ فهو رابح يف الدنيا كاآلخرة‪ ،‬كليس ٓتاسر‪،‬‬
‫كهذ الصفات هي؛ اإلٯتاف‪ ،‬كعمل الصا‪ٟ‬تات‪ ،‬كالتواصي با‪ٟ‬تق بعموـ مفهومه كمشوله للعدالة‪،‬‬
‫مر أساس يف هتذيب النَّفس‪ ،‬ك‪ٛ‬تلها على اتباع‬
‫كا‪١‬تكارـ‪ ،‬كاالستقامة‪ ،‬كالتواصي بالصرب؛ فهو كما َّ‬
‫ٯتر به يف هذ ا‪ٟ‬تياة من ابتبلءات‪ ،‬كمشقات‪.‬‬
‫شرع ا﵁ كٖتقيق أهداؼ خلق اإلنساف‪ ،‬كٖتمل ما ُّ‬

‫(ُ) انظر‪ :‬بيومي‪ ،‬الشيخ ‪٤‬تمد‪ ،‬الحلول اإلسالمية لمشكالت الشباب المعاصرة‪ ،‬الطبعة األكُف‪ ،‬دار مكة‬
‫ا‪١‬تكرمة‪ُِْٔ ،‬هػ– ََِٓـ‪ .‬ص ٕٓ‪.‬‬
‫(ِ) الزخرؼ‪ٕٔ :‬‬
‫(ّ) العصر‪ّ-ُ :‬‬

‫‪99‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ك‪٦‬تَّا ‪٬‬تدر التحذير من إساءة استخدامه؛ كسائل اإلعبلـ‪ ،‬كا‪١‬تواقع االلكًتكنية ا‪١‬تختلفة‪،‬‬
‫ككسائل التواصل االجتماعية؛ فهي سبلح ذك حدين فيها؛ خَت كثَت‪ ،‬ككذلك شر كاضح عريض‪.‬‬
‫فليحذر شبابنا من الوقوع يف إضاعة الوقت فيها‪ ،‬أك إرهاؽ ا‪ٞ‬تسم‪ ،‬كتشتيت الفكر‪ ،‬أك الوقوع يف‬
‫حرـ إُف العورات‪ ،‬كالوقوع يف الغيبة كالنَّ ًميمة‪ ،‬كاللَّهو ا﵀ظور‪ ،‬كااللتًهاء‬
‫األفعاؿ ا﵀رمة‪ ،‬كالنَّظر ا‪١‬ت َّ‬
‫ي‬
‫عن ًذكر ا﵁‪ ،‬كعن الصبلة كالواجبات‪.‬‬
‫استثمار َّ‬
‫الشباب في طلب العلم‪َّ :‬‬
‫إف من أنفس ما يقضي به ا‪١‬ترء شبابه طلب العلم؛‬
‫فهو أساس الصبلح كالفبلح؛ فإذا اجتمع مع اإلٯتاف ‪٧‬تم عنه العمل الصاٌف يف كل األمور(ُ)‪ ،‬فبل‬
‫َّ‬
‫بد للشباب من الًتكيز على الدراسة األكادٯتية‪ ،‬كتعبد ا﵁ بذلك من حيث النيَّة‪ ،‬كعليهم ‪٤‬تاكلة‬
‫ك‪٬‬تدر بطلبة ا‪ٞ‬تامعات بالذات استغبلؿ‬
‫تطوير قدراهتم الذاتية كاستغبلؿ الوقت يف طلب العلم‪ ،‬ي‬
‫الفرصة ا‪ٞ‬تامعية‪ ،‬فكل مستقبلهم ا‪١‬تهٍت‪ ،‬أك العلمي مبٍت على ا‪١‬ترحلة ا‪ٞ‬تامعية األكُف‪ ،‬كاليت يفرط‬
‫فيها مع األسف عدد ملحوظ منهم‪ ،‬كالذين يقضوف أكقاتان عزيزةن من شبأّم يف السعي إُف ما ال‬
‫طائل منه من األكهاـ العاطفية‪ ،‬كا‪١‬تمارسات ا‪٠‬تاطئة‪ ،‬كالعبلقات ا‪١‬تشبوهة أك ا﵀ظورة‪ ،‬كاليت ال‬
‫الغم‪ ،‬كتفوت فرصة العمر بالتسلح ْتظ كافر من العلم العميق يف مرحلة هي األهم‬ ‫تورث إالَّ َّ‬
‫ا‪٢‬تم ك ٌ‬
‫من مراحل ا‪ٟ‬تياة؛ فخَت ما يقضي الشاب ا‪ٞ‬تامعي كقته به بعد عبادة ا﵁‪ ،‬كإقامة فرائضة؛ الدراسة‬
‫كالبحث كا‪١‬تتابعة ‪١‬تا يطلب منه أكادٯتيان‪ ،‬هذا باإلضافة إُف توسيع مداركه بالقياـ با‪١‬تزيد من‬
‫ا‪١‬تطالعة كالقراءة‪ ،‬بيغية تشكيل قاعدة ثقافية رصينة‪.‬‬
‫تحري صالح العمل واإلحسان للمجتمع واألمة(‪ :)2‬فيجب على الشباب تكريس ‪ٙ‬ترة‬
‫ِّ‬

‫ىح ىس ىن اللَّهي إًلىٍي ى‬


‫ك‬ ‫شبأّم فيما أمر ا﵁ به من اإلحساف يف كل شيء‪ ،‬قاؿ تعاُف‪ " :‬كأ ً‬
‫ىحس ٍن ىك ىما أ ٍ‬
‫ى ٍ‬

‫(ُ) انظر‪ :‬ابن قيم ا‪ٞ‬توزية‪ ،‬الفـوائـد‪ ،‬ص ِِٖ‪.‬‬


‫(ِ) انظر‪ :‬النجار‪ ،‬أزمة التعليم المعاصر وحلولها اإلسالمية‪ ،‬صُِٔ‪.ُِٕ-‬‬

‫‪111‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ين"(ُ)‪ ،‬كيتبع ‪٢‬تذا قيامهم ٓتدمات جليلة‬ ‫ًً‬ ‫ض إً َّف اللَّهى ال يً٭ت ُّ‬
‫ىكال تىػٍب ًغ الٍ ىف ىس ىاد ًيف األ ٍىر ً‬
‫ب الٍ يم ٍفسد ى‬
‫تطوعية‪ ،‬كاهتمامهم بأسرهم ك‪٣‬تتمعهم‪ ،‬كمن مظاهر ذلك ما يأيت‪:‬‬
‫‪-‬اىتمام َّ‬
‫الشباب باألسرة‪ :‬فهنالك عدة كاجبات تقع على كل شاب ‪٨‬تو أسرته ينبغي له‬
‫جعلها جزءن رئيسيان من التزاماته؛ األكؿ منها معنوم‪ ،‬كيتمثل برضى الوالدين(ِ)‪ ،‬كصلة الرحم‪،‬‬
‫كبا﵀افظة على ‪ٝ‬تعة أسرته كمكانتها االجتماعية‪ ،‬كاآلخر كاجب ماِف يتمثل بوجوب النَّفقة على‬
‫القريب الفقَت‪ ،‬كمساعدة األقارب قدر االستطاعة‪ ،‬كما كعليهم دكر دعوم يف نصح أفراد األسرة‬
‫كتوعيتهم لفعل ما يرضي ا﵁‪ ،‬كخاصة إخوهتم ‪٦‬تَّن هم أصغر سنان‪ ،‬كأقل خربة يف ا‪ٟ‬تياة ككعيان يف‬
‫أمورها‪.‬‬
‫‪َّ -‬‬
‫الشباب والمجتمع واألمة‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم‪ُّ :‬‬
‫"الرب يحسن ا‪٠‬تيلق"‪،‬‬
‫كحسن ا‪٠‬تلق كضد ‪ ،‬من األمور اإلرادية ا‪١‬تكتسبة فهو يعود إُف اختيار العبد ذاته(ّ)؛ كلذلك فإنَّه‬
‫على الشَّباب أف يكونوا على بيّْنة من أ‪٫‬تية دكرهم يف بناء ‪٣‬تتمعهم كالنهوض به‪ ،‬كهذا ال يكوف‬
‫إالَّ باالنتماء العميق له‪ ،‬مث باإلحساف يف التعامل مع عموـ الناس؛ كمن كاجب الشَّباب إجبلؿ‬
‫العلماء‪ ،‬كتوقَت الكبار‪ ،‬كالر‪ٛ‬تة بالصغار‪ .‬فمن هدم نبيهم صلى ا﵁ عليه كسلم‪ ،‬كهو القائل‪:‬‬
‫"ليس منَّا من َف ييوقّْر كبَتنا‪ ،‬كيًرحم صغَتنا‪ ،‬كيعرؼ ىلعالً ًمنىا ىح ٍقه"(ْ)‪.‬‬
‫بالسماىحة يف الفكر كالسلوؾ يف معاملة الناس؛ كهي كما كضح‬
‫ّْساـ َّ‬
‫ك‪٦‬تَّا يتبع لذلك االت ى‬
‫"سهولة ا‪١‬تعاملة يف اعتداؿ؛ فهي كسط بُت التضييق كالتساهل‪ ،‬كهي راجعة إُف معٌت‬
‫ابن عاشور‪ :‬ي‬
‫االعتداؿ كالعدؿ كالتوسط‪ ...‬فالسماحة‪ :‬السهولة ا﵀مودة فيما يظن النَّاس الت ً‬
‫َّشديد فيه‪ ،‬كمعٌت‬ ‫ٌ‬

‫(ُ) ال ىقصص‪ّٕ:‬‬
‫(ِ) انظر‪ :‬الغزاِف‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬جػ ّ‪ ،‬ص َّٗ كما بعدها‪ .‬الصنعاين‪ ،‬سبل السالم‪ ،‬جػ ْ‪ ،‬ص ُِٔ‬
‫كما بعدها‪.‬‬
‫(ّ) الصنعاين‪ ،‬سبل السالم‪ ،‬جػ ْ‪ ،‬ص ِْٔ‪.‬‬
‫(ْ) أخرجه الًتمذم يف سننو‪ ،‬عن عبد ا﵁ بن عمرك مرفوعان‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ً‬
‫كوهنا ‪٤‬تمودة َّأهنا ال تيفضي إُف ضر أك فساد"(ُ)‪ .‬كلذلك فإنَّه ينبغي على الشَّباب كبح ‪ٚ‬تاح‬
‫اندفاع القوة الغضبية‪ ،‬كاألخذ بالعفو يف معاشرته ألفراد آّتمع‪ ،‬ذكم ا‪١‬تيوؿ كاألخبلؽ ا‪١‬تتباينة‪،‬‬
‫كعليهم أيضان التعامل با‪١‬تعركؼ كاإلعراض عن ا‪ٞ‬تاهلُت؛ فليس البطش‪ ،‬كالعينف‪ ،‬كال القتل ‪-‬‬
‫كالعياذ با﵁‪٦ -‬تَّا يقبله اإلسبلـ ا‪ٟ‬تنيف(ِ)‪ ،‬بل ينبغي أف يكوف يخلق الشَّاب ا‪١‬تسلم؛ التعامل مع‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً (ّ )‬
‫الناس بالعفو‪ ،‬كالتسامح‪ ،‬كا‪ٟ‬تلم ‪ ،‬قاؿ تعاُف ‪ ":‬يخذ الٍ ىع ٍف ىو ىكأ يٍم ٍر بًالٍ يع ٍرؼ ىكأ ٍىع ًر ٍ‬
‫ض ىع ًن‬
‫ُت"(ْ)‪.‬‬ ‫ٍ ًً‬
‫ا‪ٞ‬تىاهل ى‬
‫ككذلك األمر َّ‬
‫فإف من خَت الوسائل العمل التطوعي العاـ يف خدمة آّتمع بعمومه‪،‬‬
‫با‪١‬تسا‪٫‬تة يف أعماؿ اإلعمار‪ ،‬كالصيانة التطوعية‪ ،‬كالتحديث‪ ،‬كخدمة البيئة ك‪ٛ‬تايتها‪ ،‬كالزراعة‪،‬‬
‫ككذلك العناية بكبار السن‪ ،‬كتقدمي العوف ‪٢‬تم‪.‬‬
‫كباإلضافة إُف ذلك؛ فينبغي على كل شاب أف ال ينسى دكر اإلصبلحي يف ‪٣‬تتمعه‪،‬‬
‫كا‪١‬تتمثل باألمر با‪١‬تعركؼ كالنهي عن ا‪١‬تنكر؛ كفقان لدرجة علمه‪ ،‬كقدرته‪ ،‬فينبغي عليه أف ينصح من‬
‫ي‬
‫و‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫حوله‪ ،‬كيوجههم لطريق ا‪٠‬تَت كالنجاة‪ ،‬قاؿ تعاُف‪" :‬قي ٍل ىهذ ىسبًيلي أ ٍىد يعو إً ىُف اللَّه ىعلىى بىص ىَتة أىنىا‬
‫ىكىم ًن اتػَّبىػ ىع ًٍت"(ٓ)‪.‬‬
‫المدوامة على مراجعة النفس ومحاسبتها(‪ )6‬والتوبة إلى اهلل تعالى؛ َّ‬
‫إف من أهم األمور‬ ‫ُ‬
‫اليت ‪٬‬تدر على شبابنا معاكدهتا؛ التوبة إُف ا﵁ باستمرار‪ .‬فقد جاء يف ا‪ٟ‬تديث الشريف‪" :‬كل ابن‬

‫آدـ خطاء‪ ،‬كخَت ا‪٠‬تطَّائُت ٌ‬


‫التوابوف"‪ .‬كينبغي التنويه على َّ‬
‫أف فرصة التوبة يف عمر الشباب قد ال‬

‫(ُ) ابن عاشور‪ ،‬التحريـر والتنويـر‪ ،‬ص ِٗٔ‪.ِٖٔ-‬‬


‫(ِ) انظر‪ :‬عبد ‪ ،‬اإلسالم دين العلم والمدنية‪ ،‬ص ُُٖ‪.‬‬
‫الراغب األصفهاين معٌت ِ‬
‫الحلم بأنَّه‪" :‬إمساؾ النَّفس عن هيجاف الغضب"‪ ،‬والعفو‪ :‬بأنَّه صورة ا‪ٟ‬تلم‬ ‫(ّ) كضح َّ‬
‫اخ ىذة َّ‬
‫بالذنب"‪ .‬الذريعة إلى مكارم الشريعة‪ ،‬ص ِّٗ‪.‬‬ ‫كأثر ؛ فهو "ترؾ ا‪١‬تيؤ ى‬
‫(ْ) األعراؼ‪ُٗٗ :‬‬
‫(ٓ) يوسف‪َُٖ :‬‬
‫(ٔ) انظر‪ :‬ابن قدامة‪ ،‬مختصر منهاج القاصدين‪ ،‬ص ُّٓ‪.ّّٓ-‬‬

‫‪112‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫تؤخر إُف‬
‫تعوض‪ ،‬فقد جعل ا﵁ التوبة ا‪١‬تقبولة للذنوب اليت تكوف قريبة لوقت ا‪١‬تعصية‪ ،‬أما اليت َّ‬
‫ًًً‬ ‫ًَّ‬
‫آخر عمر ؛ فقد ال تقبل منه‪ ،‬فلنحذر من ذلك‪ ،‬قاؿ تعاُف‪" :‬إ‪٪‬تىا التػ ٍَّوبىةي ىعلىى اللَّه للَّذ ى‬
‫ين‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يما‪.‬‬
‫يما ىحك ن‬
‫ً‬
‫وب اللَّهي ىعلىٍيه ٍم ىكىكا ىف اللَّهي ىعل ن‬ ‫ك يػىتي ي‬ ‫يب فىأيكلىئً ى‬‫السوء ًّتى ىهالى وة يمثَّ يػىتيوبيو ىف ًم ٍن قى ًر و‬
‫يػى ٍع ىمليو ىف ُّ ى‬
‫ت التػَّوبةي لًلَّ ًذين يػعمليو ىف َّ ً‬ ‫كلىيس ً‬
‫ت اآلف‬ ‫اؿ إً ّْين تػيٍب ي‬ ‫ت قى ى‬ ‫ىح ىد يه يم الٍ ىم ٍو ي‬ ‫السيّْئىات ىح َّىت إًذىا ىح ى‬
‫ضىر أ ى‬ ‫ى ىٍ ى‬ ‫ٍى‬ ‫ىٍى‬
‫ً‬ ‫َّ ً‬
‫يما"(ُ)‪.‬‬ ‫َّار أيكلىئً ى‬
‫ك أ ٍىعتى ٍدنىا ى‪٢‬تي ٍم ىع ىذابنا أىل ن‬ ‫ين ٯتىيوتيو ىف ىكيه ٍم يكف ه‬
‫ىكالالذ ى‬

‫(ُ) النساء‪ُٖ-ُٕ :‬‬

‫‪113‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الٕسد‪ ٚ‬السابع‪ٛ‬‬

‫اإلسالً ٔقضاٖا األسس‪ٚ‬‬


‫إعداد‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬ذياب عكل‪.‬‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬مجيلة الرفاعي‪.‬‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬إمساعيل الربيشي‪.‬‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬رديها الرفاعي‪.‬‬
‫د‪ .‬آمهة العكيلي‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الوحدة الرابعة‬
‫اإلشالم وقضايا األشرة‬
‫األسس‪ ٚ‬أِىٗتّا ٔأسص تهٍّٕٖا يف اإلسالً‪.‬‬

‫متّٗد‪:‬‬
‫الفطرة البشرية ٘تيل إُف تكوين حياة زكجية‪،‬تعود باالثر الطيب على حياة الفرد النفسية‬
‫كاالجتماعية‪،‬فمن سعادة الفرد ذكرا كاف أك أنثى أف يكوف له أسرة فيها االكالد كالبنات فتسكن‬
‫النفس كتستأنس ّٔذ األسرة قاؿ تعاُف‪(:‬كمن آياته أف خلق لكم من انفسكم أزكاجا لتسكنوا‬
‫إليها كجعل بينكم مودة كر‪ٛ‬تة) (ُ) كقاؿ تعاُف (كجعل منها زكجها ليسكن إليها) (ِ) الرجل كا‪١‬ترأة‬
‫إف اخذا باألسباب اليت تعينهم على أف تكوف ا‪ٟ‬تياة الزكجية سعيدة دافعة ‪٢‬تم لبلستقرار‬
‫كالطمأنينة‪.‬‬

‫الزٔاز لػ‪ٔ ٛ‬اصطالسًا‪:‬‬


‫الزكاج لغة االقًتاف كاالرتباط‪ ،‬قاؿ تعاُف ‪٥‬تاطبا ادـ عليه السبلـ‪(:‬اسكن أنت كزكجك‬
‫ا‪ٞ‬تنة) (ّ)‪.‬‬
‫كيف االصطبلح‪ :‬هو عقد بُت رجل كامراة ٖتل له شرعا لتكوين أسرة‪.‬‬
‫مشروعية الزواج‪ :‬جاءت نصوص كثَتة تشجع على الزكاج كترغب به قاؿ‬
‫تعاُف‪(:‬كأنكحوا االيامى منكم كالصا‪ٟ‬تُت من عبادكم كامائكم) (ْ )‪ ،‬كقاؿ عليه الصبلة‬

‫(ُ) الركـ‪ُِ:‬‬
‫(ِ) األعراؼ ُٖٗ‬
‫(ّ) البقرة ّٓ‬
‫(ْ) النور‪ِّ :‬‬

‫‪115‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ص ين لًٍل ىف ٍرًج‪،‬‬ ‫ص ًر‪ ،‬ىكأ ٍ‬


‫ىح ى‬
‫اب‪ ،‬م ًن استطىاع ًمٍن يكم الٍباءةى فىػ ٍليتػزَّكج‪ ،‬فىإًنَّه أى ىغ ُّ ً‬
‫ض ل ٍلبى ى‬ ‫كالسبلـ‪(:‬يىا ىم ٍع ىشىر الشَّبى ً ى ٍ ى ى ي ى ى ىى ى ٍ ي‬
‫الص ٍوًـ؛ فىإًنَّهي لىهي ًك ىجاء)(ُ)‪.‬‬
‫ىكىم ٍن ىَفٍ يى ٍستى ًط ٍع فىػ ىعلىٍي ًه بً َّ‬
‫طسٔط عكد الزٔاز‪.‬‬

‫األٔىل‪ :‬أُ تهُٕ وشمى‪ ٛ‬أٔ نتابٗ‪:ٛ‬‬


‫بادئ ذم بدء أقوؿ بأف اإلسبلـ ال ٭ترـ الزكاج من الكتابيات قاؿ تعاُف (ك ا﵀صنات‬
‫من الذين أيكتوا الكتاب)(ِ)‪ .‬فالزكاج من الكتابية مسيحية كانت أك يهودية جائز‪ ،‬إال أف علماء‬
‫ا‪١‬تسلمُت كرهوا ذلك‪ ،‬كالسبب ألف الكتابية ‪٢‬تا عقيدهتا ا‪١‬تختلفة عن عقيدة ا‪١‬تسلمة فهي تعتقد‬
‫بأف ا﵁ ثالث ثبلثة كزكجها يعتقد بوحدانية ا﵁‪ ،‬كهذا االختبلؼ يشكل خطران على عقيدة الطفل‬
‫ا‪١‬تسلم كعلى تربيته يف ا‪١‬تستقبل‪ ،‬فهي األكثر تأثَتان كتوجيهان للطفل ْتكم ا‪١‬تبلزمة‪ ،‬فسدان لذريعة‬
‫الفساد‪ ،‬كٕتنبان للصراع بُت عقيدة زكجها ا‪١‬تسلم كعقيدهتا‪ ،‬٭تسن با‪١‬تسلم أال يتزكج الكتابية‪.‬‬
‫كأما الزكاج بغَت الكتابية‪ ،‬الوثنية‪ ،‬أك البوذية أك اليت ال تدين بدين ‪ٝ‬تاكم فالزكاج منها‬
‫حراـ لقوله تعاُف‪ :‬كال تنكحوا ا‪١‬تشركات حىت يؤمن كألمة مؤمنة خَت من مشركة كلو أعجبتكم كال‬
‫تنكحوا ا‪١‬تشركُت حىت يؤمنوا كلعبد مؤمن خَت من مشرؾ كلو أعجبكم أكلئك يدعوف إُف النار‬
‫كاللخ يدعوا إُف ا‪ٞ‬تنة كا‪١‬تغفرة بإذنه كيبُت آياته للناس لعلهم يتذكركف(ّ)‪.‬‬

‫الجاٌٗ‪ :ٛ‬أال تهُٕ خمطٕب‪ ٛ‬لمػري‪:‬‬


‫حرص اإلسبلـ على تأسيس بيت الزكجية على أسس متينة كمن ذلك أف ال ٮتطب‬
‫‪٥‬تطوبة الغَت‪ٕ ،‬تنبان لوقوع البغضاء بُت أفراد آّتمع ا‪١‬تسلم‪ ،‬منع الشارع ا‪ٟ‬تكيم من خطبة ا‪١‬تسلم‬

‫فليصم ٓ‪.َُٗٓ /‬‬


‫(ُ) ركا البخارم يف كتاب النكاح‪ ،‬باب من َف يستطع الباءة ي‬
‫(ِ) ا‪١‬تائدة‪.ٓ :‬‬
‫(ّ) البقرة‪.ُِِ :‬‬

‫‪116‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫على خطبة أخيه‪ ،‬قاؿ صلى ا﵁ عليه كسلم "ال ٮتطب أحدكم على خطبة أخيه حىت ينكح أك‬
‫يًتؾ"(ُ)‪.‬‬
‫كحرصان على األخوة بُت أبناء آّتمع ا‪١‬تسلم منع الشارع من خطبة ا‪١‬تعتدة من خبلؼ‬
‫رجعي أك بائن أك من كفاة‪ ،‬لتعلق حق الغَت با‪١‬تخطوبة‪ ،‬كبقاء بعض آثار الزكاج أثناء العدة‬
‫بالنسبة لزكجها‪.‬‬
‫ككذلك ال ‪٬‬توز خطبة من كانت ‪٤‬ترمة على ا‪٠‬تاطب مؤبدان كمؤقتان‪ ،‬ك٭ترـ خطبة امرأة‬
‫متزكجة من زكج آخر كهي ال تزاؿ يف عصمته‪ ،‬كل ذلك حفاظان على حق الغَت كعمبلن بقوله‬
‫صلى ا﵁ عليه كسلم "كل ا‪١‬تسلم على ا‪١‬تسلم حراـ دمه كماله كعرضه"(ِ)‪.‬‬

‫الجالج‪ :ٛ‬الظّٕد‪:‬‬
‫قاؿ رسوؿ ا﵁ ال نكاح إال بوِف كشاهدم عدؿ(ّ) ألف يف الشهادة حفظا ‪ٟ‬تقوؽ الزكجة‬
‫كالوِف كيدرأ التهمة عن الزكجُت ك٭تفظ نسب الولد‪.‬‬

‫السابع‪ :ٛ‬الٕل٘‪:‬‬
‫يتوُف عقد الزكاج األب أك ا‪ٞ‬تد كهو كِف ا‪١‬ترأة‪ ،‬كجود الوِف ال ٯتنع من أف ٗتتار ا‪١‬ترأة‬
‫زكجها بنفسها ككجد الوِف ‪ٟ‬تماية ا‪١‬ترأة كونه يعلم بطبيعة الرجاؿ‪.‬‬
‫هنالك عوامل ال بد من توفرها لنجاح الزكاج كحىت ٭تققأغراضه كمن أبرزها‪:‬‬
‫أ‪ .‬من حسن اإلختيار أف ٮتتار الرجل كا‪١‬ترأة شريكه على أساس الدين كا‪٠‬تلق‪.‬‬
‫ُ‪ .‬حسن االختيار(ْ)‪.‬‬

‫(ُ) صحيح البخارم (ْ‪ )ِْ/‬كصحيح مسلم (ِ‪.)َُِّ/‬‬


‫(ِ) صحيح مسلم‪)ُٖٗٔ/ْ( :‬‬
‫(ّ) ركا الًتمذم رقم ا‪ٟ‬تديث َُُُ‪.‬‬
‫(ْ) ‪٤‬تمد رشيد رضا‪ ،‬ا‪ٟ‬تياة الزكجية‪ ،‬صفحة ُّ ‪.)ُٓ -‬‬

‫‪117‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫االختيار حق للرجل كا‪١‬ترأة على السواء‪ ،‬فعليهما أف ٮتتارا من يريدا أف يقضيا حياهتما‬
‫معه‪ ،‬كأرشد إف اإلسبلـ إُف حسن االختيار حيث قاؿ عليه الصبلة كالسبلـ‪(:‬تيػٍن ىك يح الٍ ىم ٍرأىةي ًأل ٍىربى وع‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً ً ًً ً‬ ‫ً ً ً‬
‫ل ىما‪٢‬تىا‪ ،‬ىك‪ٟ‬تى ىسبً ىها‪ ،‬ىك‪ٞ‬تى ىما‪٢‬تىا‪ ،‬ىكلدين ىها‪ ،‬فىاظٍ ىف ٍر بً ىذات الدّْي ًن تى ًربى ٍ‬
‫(ُ)‬
‫(كقاؿ عليه الصبلة‬ ‫ت يى ىد ىاؾ)‬
‫كالسبلـ‪ ( :‬إذا خطب إليكم من ترضوف دينه كخلقه فزكجو إال تفعلوا تكن فتنة يف األرض كفساد‬
‫عريض)(ِ) فاختيار الزكج كالزكجة على أساس الدين كا‪٠‬تلق من العوامل اليت تساعد على ا‪٧‬تاح‬
‫هذا الزكاج‪ ،‬كال مانع أف ٮتتار مع الدين كا‪٠‬تلق الطيب ا‪١‬تاؿ كا‪ٞ‬تماؿ كالصحه كالسبلمة البدف ألف‬
‫هذ االمور تتفق مع الفطرة اإلنسانية‪.‬‬
‫جاءت توجيهات الشارع ا‪ٟ‬تكيم يف كتاب ا﵁ عز كجل كسنة رسوله صلى ا﵁ عليه كسلم‬
‫بدعوة كل من الرجل كا‪١‬ترأة إُف االجتهاد كالتحرم كبذؿ ا‪ٞ‬تهد يف حسن اختيار الطرؼ اآلخر‬
‫ففي القرآف الكرمي قاؿ تعاُف‪:‬فالصا‪ٟ‬تات قانتات حافظات للغيب ٔتا حفظ ا﵁(ّ) كقاؿ تعاُف‪:‬‬
‫عسى ربه إف طلقكن أف يبدله أزكاجان خَتان منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات‬
‫سائحات ثيبات كأبكاراو(ْ) كجاء يف سورة األحزاب عشر صفات يف كل من الرجاؿ كالنساء لو‬
‫ركعيت يف حسن االختيار قبل الزكاج كعند الزكاج لظفر اإلنساف ٓتَتم الدنيا كاآلخرة قاؿ تعاُف‪:‬‬
‫(إف ا‪١‬تسلمُت كا‪١‬تسلمات كا‪١‬تؤمنُت كا‪١‬تؤمنات كالقانتُت كالقانتات كالصادقُت كالصادقات كالصابرين‬
‫كالصابرات كا‪٠‬تاشعُت كا‪٠‬تاشعات كا‪١‬تتصدقُت كا‪١‬تتصدقات كالصائمُت كالصائمات كا‪ٟ‬تافظُت‬
‫فركجهم كا‪ٟ‬تافظات كالذاكرين ا﵁ كثران كالذاكرات أعد ا﵁ ‪٢‬تم مغفرة كأجرا عظيما)(ٓ)‪.‬‬

‫(ُ) البخارم‪ ،‬الصحيح‪،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب األكفاء يف الدين‪،‬حديث رقم ََٗٓ‪.‬‬


‫(ِ) ركا الًتمذم‪ ،‬السنن‪ ،‬رقم ا‪ٟ‬تديث َُْٖ‪.‬‬
‫(ّ) النساء‪ :‬منّْ‪.‬‬
‫(ْ) التحرمي‪.ٓ:‬‬
‫(ٓ) األحزاب‪.ّٓ :‬‬

‫‪118‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كيف السنة ا‪١‬تطهرة قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم "ما كسب ا‪١‬ترء بعد إسبلمه خَت له‬
‫من إمرأة صا‪ٟ‬تة تسر إذا نظر كتطيعه إذا أمر‪ ،‬كال ٗتالفه يف نفسها كماله ٔتا يكر "(ُ)‪ .‬كقاؿ صلى‬
‫ا﵁ عليه كسلم يف ‪٥‬تاطبة كتوجيه ا‪١‬ترأة كأكليائها "إذا جاءكم من ترضوف دينه كخلقه‪ ،‬كيف ركاية‬
‫كأمانته‪ ،‬فزكجو إال تفعلوا تكن فتنة يف األرض كفساد كبَت"(ِ)‪.‬‬
‫كا‪١‬ترأة تتأثر بأسرهتا فتنتقل إليها الصفات الطيبة من خبلؿ أصلها كأمهاهتا كخاالهتا‬
‫كعماهتا‪ ،‬باعتبار أف األصل كالنسب ‪٢‬تما أثر كبَت يف نسيج ا‪ٟ‬تياة الزكجية قاؿ صلى ا﵁ عليه‬
‫كسلم‪" :‬الناس معادف كمعادف الذهب كالفضة خياركم يف ا‪ٞ‬تاهلية خياركم يف اإلسبلـ إذا‬
‫(ّ)‬
‫كقاؿ ا‪ٟ‬تبيب ‪٤‬تمد صلى ا﵁ عليه كسلم "ٗتَتكا لنطفكم‪ ،‬كانكحوا األكفاء كانكحوا‬ ‫فقهوا"‬
‫إليهم" كقاؿ أيضان "ٗتَتكا لنطفكم فإف العرؽ دساس"(ْ) كقاؿ الفاركؽ عمر بن ا‪٠‬تطاب رضي ا﵁‬
‫عنه "إياكم كخضراء الدمن فإهنا تلد مثل أبيها كأخيها كعمها كعليكم بذكات األعراؽ فإهنا تلد‬
‫مثل أبيها كأخيها كعمها"(ٓ)‪.‬‬
‫كقد يسأؿ سائل ‪١‬تاذا ا‪ٟ‬ترص على حسن االختيار من قبل الزكج كمن قبل الزكجة نقوؿ‬
‫إجابة على هذا السؤاؿ‪" :‬كالباعث على حسن االختيار عند إرادة الزكاج هو ٖتصُت الفرج‪،‬‬
‫كالتمتع بالنعمة‪ ،‬كالتماس الذرية‪ ،‬ألف النسل امتداد لئلنساف فذكر الفىت عمر الثاين‪ ،‬كمن مث فإف‬
‫أهم مقومات االختيار الدين كا‪٠‬تلق ا‪ٟ‬تسن‪ ،‬فيحسن بالرجل أال ‪٬‬تعل جل اهتمامه كغاية منا‬
‫هو إف ظ فر بامرأة ‪ٚ‬تيلة أك امرأة غنية أك امرأة حسيبة نسيبة على حُت أنه دكهنا يف كل ذلك‪،‬‬

‫(ُ) سنن النسائي‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب أم النساء خَت يف حديث (ُّٕٗ) كأ‪ٛ‬تد يف مسند حديث‬
‫(ُُْٕ)‪.‬‬
‫(ِ) أخرجه الًتمذم‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب إذا جاءكم من ترضوف دينه حديث (ََُْ)‪.‬‬
‫(ّ) أخرجه مسلم يف صحيحه حديث (ِّٖٔ)‪.‬‬
‫(ْ) أخرجه ابن ماجة‪ ،‬كا‪ٞ‬تامع الصغَت للسيوطي (َّٓ‪)ُ/‬‬
‫(ٓ) أخرجه الدار قطي‪ ،‬كاإلفصاح (ٖٔ‪.)ُ/‬‬

‫‪119‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كالعاقل الذكي الفطن هو الذم ٭ترص على االقًتاف بإمرأة ذات دين قومي كخلق ‪ٛ‬تيد‪ ،‬فهذ هي‬
‫اليت يكوف الزكاج ّٔا أجل‪ ،‬كأكمل‪ ،‬كتستقر ّٔا ا‪ٟ‬تياة الزكجية‪ ،‬دكف نكد أك تنفيص‪.‬‬
‫فحسن االختيار يعترب عنصران كأساسان هامان من أسس ‪٧‬تاح الزكاج كيشهد لذلك سجبلت‬
‫ا﵀اكم الشرعية يف عا‪١‬تنا العريب كاإلسبلمي عامة كا﵀اكم الشرعية يف أردننا ا‪ٟ‬تبيب بشكل خاص‬
‫كمن ذلك أف الزكاج كالطبلؽ يقعاف يف األسبوع‪ :‬الزكاج يف أكؿ األسبوع كالطبلؽ يف هنايته كهذا‬
‫دليل عدـ حسن االختيار‪ ،‬فمطلوب من الشاب أف يتحرل عن الفتاة من خبلؿ أسرهتا‪ ،‬جَتاهنا‪،‬‬
‫زميبلهتا يف الدراسة‪ ،‬زميبلهتا يف العمل عن دينها كخلقها‪ ،‬كسَتهتا الذاتية‪ ،‬ككذلك ا‪ٟ‬تاؿ بالنسبة‬
‫للفتاة أف تتحرل عن شريك حياهتا من خبلؿ أسرته ك‪٣‬تتمع رفاقه‪ ،‬كزمبلئه يف الدراسة كالعمل كيف‬
‫كبل ا‪ٟ‬تالتُت يستشار أصحاب الدين كا‪٠‬تلق كا‪١‬تستشار مؤ٘تن كأقوؿ ألبنائي الطبلب كبنايت‬
‫الطالبات يف عاَف البناء إذا أراد اإلنساف أف يبٍت بيتا فإنه يسعى للحصوؿ على أعبل ا‪١‬تواصفات‬
‫ا‪٢‬تندسية فبيت ا‪ٟ‬تياة الزكجية أكُف بالتحرم كالسؤاؿ من أجل بناء أسرة قوية كيف النهاية ‪٣‬تتمع‬
‫صاٌف متماسك‪ ،‬كسأذكر بعض صفات الزكج الصاٌف كالزكجة الصا‪ٟ‬تة‪.‬‬
‫فإف ا‪١‬ترأة إنساف كأ‪ٚ‬تل ما فيه دينه كخلقه‪ ،‬فإف أكيت اإلنساف حظه من ذلك فقد أكيت‬
‫نصيبه من ا‪ٞ‬تماؿ ا‪ٟ‬تق قاؿ تعاُف‪( :‬فالصا‪ٟ‬تات قانتات حافظات للغيب ٔتا حفظ ا﵁) (ُ)‪.‬‬
‫كالتدين هو ا‪١‬تعيار األكؿ الذم ينبغي على الزكج أف يضعه نصب عينيه قاؿ صلى ا﵁‬
‫عليه كسلم "تنكح ا‪١‬ترأة ألربع‪١ :‬تا‪٢‬تا‪ ،‬ك‪ٟ‬تسبها ك‪ٞ‬تما‪٢‬تا كلدينها فاظفر بذات الدين تربت‬
‫يداؾ"(ِ)‪.‬‬
‫كٮتطئ من يفهم من هذا ا‪ٟ‬تديث أف اإلسبلـ ال يعًتؼ بطبيعة اإلحساس اإلنساين كميله‬
‫‪٨‬تو ا‪ٞ‬تماؿ كا‪ٟ‬تسب كا‪١‬تاؿ‪ ،‬فهي من األمور ا‪١‬ترغوبة‪ ،‬فجماؿ ا‪١‬ترأة يساهم يف إحصاف الزكج‬

‫(ُ) النساء‪)ّْ( :‬‬


‫(ِ) صحيح البخارم (ٕ‪ )ٗ/‬كصحيح مسلم (ِ‪)َُِٖ/‬‬

‫‪111‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كغض بصر عن غَتها قاؿ صلى ا﵁ عليه كسلم‪" :‬ما استفاد ا‪١‬تؤمن بعد تقول ا﵁ خَتان له من‬
‫زكجة صا‪ٟ‬تة‪ :‬من إف أمرها أطاعته‪ ،‬كإف نظر إليها سرته‪ ،‬كإف أقسم عليها أبرته‪ ،‬كإف غاب عنها‬
‫نصحته يف نفسها كماله) (ُ)‪.‬‬
‫ككذلك ا‪١‬تاؿ له أ‪٫‬تية يف استقرار البيت كاقتصاد ‪ ،‬فاإلنساف ‪٬‬تب أف يكوف أكالد أغنياء‪،‬‬
‫كما ‪٬‬تب تساعد زكجته يف نفقه البيت‪ ،‬كما أف اإلحساس بالشرؼ كا‪ٟ‬تسب يدفع إُف التزاـ‬
‫الشرؼ‪ ،‬كقد حذر رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم من تقدمي عنصر ا‪ٞ‬تماؿ كا‪١‬تاؿ على حساب‬
‫الدين قاؿ صلى ا﵁ عليه كسلم "ال تزكجوا النساء ‪ٟ‬تسنهن ففي حسنهن أف يرديهن‪ ،‬كال تزكجهن‬
‫ألموا‪٢‬تن فعسى أموا‪٢‬تن أف تطغيهن‪ ،‬كلكن تزكجهن على الدين كألمة خرماء سوداء ذات دين‬
‫أفضل"(ِ)‪.‬‬
‫كحىت يتحقق النجاح للزكاج ٭تسن بالزكجة أف ٖتسن اختيار زكج صاٌف فإذا مت ذلك من‬
‫قبل الطرفُت كانت النتيجة بناء بيوت سليمة قوية‪ ،‬عمادها ا‪ٟ‬تب ال الكر ‪ ،‬كالرضا ال اإلجبار‬
‫٭تفظ كل منهما حق اآلخر رضي ا﵁ عن ا‪ٟ‬تسن بن علي حُت قاؿ‪" :‬زكج ابنتك ذا دين إذا‬
‫أحبها أكرمها‪ ،‬كإف بغضها َف يظلمها"(ّ)‪.‬‬
‫فالزكجة العاقلة هي اليت تتطلع إُف االرتباط بزكج ذا خلق كدين كأف تقدـ ذلك على ا‪ٞ‬تا‬
‫كا‪١‬تاؿ‪ ،‬ألف الفقَت صاحب ا‪٠‬تلق غٍت بأخبلقه‪ ،‬كالفاسد الغٍت فقَت بسوء خلقه كإُف ذلك أشار‬
‫القرآف الكرمي قاؿ تعاُف‪( :‬إف يكونوا فقراء يغنهم ا﵁ من فضله) (ْ)‪.‬‬
‫كألف صاحب ا‪١‬تاؿ إذا َف يكن صا‪ٟ‬تان يضيع ماله بُت عشية كضحاها يف لعب القمار‪،‬‬
‫كصحبته يف السهرات‪ ،‬كعقله بشرب ا‪٠‬تمر كا‪١‬تخدرات كمن خبلؿ ذلك تضيع كافة حقوؽ‬

‫(ُ) سنن ابن ماجه (ُ‪)ٓٗٔ/‬‬


‫(ِ) سنن ابن ماجة (ُ‪)ٕٓٗ/‬‬
‫(ّ) إحياء علوـ الدين (ِ‪)ُْ/‬‬
‫(ْ) النور‪)ِّ( :‬‬

‫‪111‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الزكجة‪ ،‬كأما صاحب ا‪٠‬تلق كالدين يعلم علم اليقُت قوؿ الرسوؿ صلى ا﵁ عليه كسلم "ال تزكؿ‬
‫قدما عبد يوـ القيامة حىت يسأؿ عن أربع‪ :‬عن عمر فيما أفنا ‪ ،‬كعن شبابه فيما أببل ‪ ،‬كعن ماله‬
‫من أين اكتسبه كفيما أنفقه‪ ،‬كعن علمه ماذا فعل فيه"(ُ)‪.‬‬
‫كال يفوتنا أف نذ ٌكر بدكر األب كاألـ يف مساعدة الفتاة على حسن االختيار خاصة يف‬
‫هذا العصر الذم نعيش فيه‪ ،‬فليس كل ما يلمع ذهبان‪ ،‬كينبغي أف يكوف ميزاف االختيار‪ ،‬هو ميزاف‬
‫التقول‪ ،‬قاؿ تعاُف (إف أكرمكم عند ا﵁ أتقاكم)‪.‬‬
‫كهذا ٖتذير من النيب صلى ا﵁ عليه كسلم لكل من ترفض صاحب ا‪٠‬تلق كالدين‪.‬‬
‫كعمبلن ّٔذ التوجيهات القرآنية كالنبوية‪ ،‬تقدـ الوليد بن عبدا‪١‬تلك بن مركاف ‪٠‬تطبة ابنه‬
‫سعيد بن ا‪١‬تسيب أحد علماء التابعُت كعرض عليه كزهنا بالذهب فرفض تزك‪٬‬تها منه‪ ،‬مث سجنه‪،‬‬

‫كرفض‪ ،‬كزكجها على أربعة دراهم ألحد طبلب علمه الفقراء كهو عبدا﵁ بن أيب كداعه عمبلن‬
‫بقوؿ تعاُف "إف أكرمكم عند ا﵁ أتقاكم"(ِ)‪.‬‬
‫كمسألة الزكاج كحسن االختيار مسألة مهمة يف حياة ا‪١‬ترأة‪ ،‬ألهنا مسألة حياة أك موت‪،‬‬
‫فشل أك سعادة‪ ،‬فعليها أف تستشَت كتستخَت‪ ،‬كأف تسدد كتقارب كقاؿ أحد علماء ا‪١‬تسلمُت‬
‫عامر الشعيب "من زكج ابنته من فاسق فقد قطع ر‪ٛ‬ته"(ّ)‪.‬‬
‫ب‪ .‬القوة كاألمانة‪ :‬كهذا ما جاء على لساف ابنه شعيب عليه السبلـ حُت قالت ألبيها‪:‬‬
‫قاؿ تعاُف (يا أبت استأجر إف خَت من استأجرت القوم األمُت) (ْ)‪.‬‬
‫فالقوة كاألمانة صفتاف تتطلع كل امرأة عاقلة كاعية إُف كجود‪٫‬تا يف شريك حياهتا‪ ،‬ككل‬
‫كاحدة منهما مكملة لؤلخرل‪ ،‬فإذا انفصلت إحدا‪٫‬تا عن األخرل أدل ذلك إُف خلل كبَت‪ ،‬كقد‬

‫(ُ) ركا الًتمذم (ْ‪)ِٓٗ/‬‬


‫(ِ) ا‪ٟ‬تجرات‪)ُّ( :‬‬
‫(ّ) الغزاِف‪ ،‬إحياء علوـ الدين (ِ‪)ُْ/‬‬
‫(ْ) القصص‪)ِٔ( :‬‬

‫‪112‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫امتدح الرسوؿ عليه الصبلة كالسبلـ ا‪١‬تسلم القوم بقوله "ا‪١‬تؤمن القوم خَت كأحب إُف ا﵁ من‬
‫ا‪١‬تؤمن الضعيف"(ُ)‪.‬‬
‫كمفهوـ القوة‪ :‬ال تعٍت قوة ا‪ٞ‬تسم كالعضبلت‪ ،‬كإ‪٪‬تا تعٍت قوة ا‪١‬تبدأ كقوة ا‪١‬توقف‪ ،‬كقوة‬
‫الشخصية‪ ،‬قوة اإلرادة‪ ،‬قوة ا‪ٟ‬تجة‪ ،‬قوة ا‪١‬تنطق‪ .‬كما أف األمانة صفة مكملة للقوة كهي تعٍت أف‬
‫يكوف أمينان على عرضها أمينان على شرفها ٭تافظ عليه‪ ،‬غيوران عليها ال يسمح ألحد باالعتداء‬
‫(ِ)‬
‫عليها قاؿ صلى ا﵁ عليه كسلم "أتعجبوف من غَتة سعد‪ ،‬فو ا﵁ ألنا أغَت منه‪ ،‬كا﵁ أغَت مٍت"‬
‫كقاؿ صلى ا﵁ عليه كسلم "ال يدخل ا‪ٞ‬تنة ديوث‪ ،‬قالوا من الديوث يا رسوؿ ا﵁؟ قاؿ‪ :‬الذم‬
‫يرل العيب يف أهله كيسكت"(ّ)‪.‬‬

‫كمن معاين هذ األمانة أف يلبسها لباس التقول‪ ،‬كأف ال تبد زينتها ك‪ٚ‬تا‪٢‬تا لغَت امتثاالن‬
‫(ْ)‬
‫كقوله تعاُف (كال يبدين زينتهن إال‬ ‫لقوله تعاُف (كال يبدين زينتهن إال ما ظهر منها)‬
‫لبعولتهن)(ٓ)‪.‬‬
‫فإذا ما مت حسن االختيار بناء على هذ ا‪١‬تعايَت‪ ،‬فإف ذلك من شأنه أف يساهم يف ‪٧‬تاح‬
‫ا‪ٟ‬تياة الزكجية كٕتنب الفشل الذم يشكل خطران كبَتان على الزكجُت كاألسرة كآّتمع‪ ،‬كما أكثر‬
‫كقوعه يف زماننا كسببه عدـ مراعاة ما ذكرنا من الصفات السابقة كاألخذ ّٔا‪.‬‬
‫ِ‪-‬القدرة على النفقة(ٔ)‪ :‬من الواجبات اليت ألقيت على كاهل الزكج أف ينفق على أهل‬
‫بيته من الزكجة كاألكالد‪ ،‬كهذ النفقة تكوف مضبوطة بقدر حاؿ صاحبها كالعرؼ ما يعد من‬
‫النفقه اليت ٭تب اف تقدـ لبلسرة‪ ،‬كهذ النفقه كإف كانت كاجبة على الزكج فبل بأس اف كاف فقَتا‬

‫(ُ) صحيح مسلم (ْ‪)َِِٓ/‬‬


‫(ِ) صحيح البخارم‪ )ُُٓ/ٗ( :‬كصحيح مسلم (ِ‪.)ُّٔ/‬‬
‫(ّ) ركا أ‪ٛ‬تد (ِ‪)ُِْ/‬‬
‫(ْ) النور‪.)ُّ( :‬‬
‫(ٓ) النور‪.)ُّ( :‬‬
‫(ٔ) األشقر‪ ،‬عمر األشقر‪ ،‬أحكاـ الزكاج يف ضوء الكتاب كالسنة‪ ،‬دار النفائس (ُٕٗٗ)‪.ِٕٗ ،‬‬

‫‪113‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫اف تساعد زكجته اف كانت غنيه كنفقتها من قبيل الصدقه تؤجر عليها‪ ،‬كال بد من اإلشارة إُف‬
‫أنه نفقة الرجل على أهلي بيتيه ‪٬‬تب أف تكوف من حبلؿ لتنعم األسرة بالسعادة‪.‬‬
‫ّ‪ -‬الكفاءة من العوامل ا‪١‬تهمة جدا يف ٖتقيق الزكاج الناجح‪ ،‬كا‪١‬تقصود يف الكفاءة النظَت‬
‫كا‪١‬تساكاة كتكافأ الشيئاف أم ٘تاثبل‪ )ُ(.‬كالكفاءة عند الفقهاء ا‪١‬تماثلة بُت الزكجُت دفع للعار يف‬
‫(ِ)‬
‫امور ‪٥‬تصوصة‬
‫كعرفها ا‪ٞ‬ترجاين‪":‬أف يكوف الرجل مساكيان ا‪١‬ترأة كنظَتها يف خصاؿ ‪٤‬تدكدة كالدين‬
‫كالنسب كا‪ٟ‬ترية كالصنعة ك‪٨‬تو ذلك) (ّ)‪.‬‬
‫كتتمثل الكفاءة يف الدين كالنسب كا‪ٟ‬ترية كيسر ا‪ٟ‬تاؿ الغٌت كالفقر كالعلم‪ .‬فإذا كاف‬
‫هنالك ٘تاثل تساكم بُت االزكاج كلما كانت ا‪ٟ‬تياة الزكجية أ‪٧‬تح كأبعد عن ا‪١‬تنازعات اليت تبٌت‬
‫على ادعاء كبل منهما أنه هو االفضل‪.‬‬
‫كقد أشار ا‪١‬تصطفى على فاطمة بنت قيس بقبوؿ الزكاج من أسامة بن زيد رضي ا﵁‬
‫عنهما(ْ)‪ ،‬كما أف الرسوؿ زكج زيد بن حارثة ابنة عمته زينت بنت جحش األسدية(ٓ) كفوؽ ذلك‬
‫قوؿ ا﵁ تعاُف‪( :‬يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر كأنثى كجعلناكم شعوبان كقبائل لتعارفوا إف‬
‫أكرمكم عند ا﵁ أتقاكم (ٔ)‪.‬‬

‫(ُ) (ابن منظور‪ ،‬لساف العرب‪ ،‬طبعة دار صادر‪ ،‬بَتكت‪ ،‬طبعة الثالثة‪ُُْْ(،‬ق)‪ ،‬حُ‪ ،‬صُّٗ)‬
‫(ِ) الزحيلي‪ ،‬الفقه اإلسبلمي كأدلته‪ ،‬طبعة دار الفكر دمشق‪ ،‬ج ٗ‪،‬ص ُّٓ‪.‬‬
‫(ّ) التعريفات للجرجاين ص ُْٗ‪.‬‬
‫(ْ) صحيح مسلم (ُُُْ‪.)ِ/‬‬
‫(ٓ) الدار قطٍت (َُّ‪ )ّ/‬كالبيهقي يف السنن الكربل (ُّٕ‪)ٕ/‬‬
‫(ٔ) ا‪ٟ‬تجرات‪)ُّ( :‬‬

‫‪114‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫املطمب األٔه‪ :‬الهفا‪ ٚٞ‬يف الكإٌُ‬


‫حدد قانوف األحواؿ الشخصية األردين الكفاءة يف أمرين‪ :‬التدين كا‪١‬تاؿ‪ ،‬كجعل كفاءة‬
‫ا‪١‬تاؿ‪ ،‬قدرة الزكج على ا‪١‬تهر ا‪١‬تعجل كالنفقة على الزكجة‪.‬‬
‫كا‪ٞ‬تانب الذم تعترب فيه الكفاءة لدل الفقهاء كيف قانوف األحواؿ الشخصية هو النساء‬
‫كأكلياؤهن ال األزكاج‪ ،‬جاء يف الفقرة (ب) من ا‪١‬تادة ا‪ٟ‬تادية كالعشرين "الكفاءة حق خاص با‪١‬ترأة‬
‫كالوِف"(ُ)‪.‬‬
‫يقوؿ الكاساين‪" :‬الكفاءة تعترب للنساء ال للرجاؿ على معٌت أنه تعترب الكفاءة يف جانب‬
‫الرجاؿ للنساء‪ ،‬كال تعترب يف جانب النساء للرجاؿ"(ِ)‪.‬‬
‫كالسبب يف أف الكفاءة معتربة يف الرجاؿ للنساء كما يقوؿ أبو زهرة‪" :‬إف العار ال يلحق‬
‫الرجل كأسرته إذا تزكج من خسيسة‪ ،‬كهو يلحق با‪١‬ترأة كأسرهتا إذا تزكجت من خسيس‪ ،‬ألف‬
‫الرجل الرفيع يف نظر الناس يرفع امرأته‪ ،‬كا‪١‬ترأة ال ترفع خسيسة زكجها إف كانت رفيعة‪ ،‬كالرجل‬
‫ٯتلك الطبلؽ يف كل كقت فيستطيع دفع ا‪١‬تغبة عن نفسه‪ٓ ،‬تبلؼ ا‪١‬ترأة فبل تستطيع ذلك إال يف‬
‫أحواؿ استثنائية كبطلب من القاضي"(ّ)‪.‬‬
‫أما حكم الكفاءة يف الزكاج‪ :‬الكفاءة يف الزكاج يف قانوف األحواؿ الشخصية األردين‬
‫شرط الزـ جاء يف ا‪١‬تادة ا‪ٟ‬تادية كالعشرين "يشًتط يف لزكـ الزكاج أف يكوف الرجل كفوءان للمرأة"‬
‫كمعٌت كونه شرط لزكـ‪ ،‬أف عقد الزكاج يكوف الزما إذا كاف الزكج كفئان‪.‬‬
‫فإف َف يكن كفئان‪ ،‬فإف العقد ليس ببلزـ إف َف ٖتمل من زكجها‪ ،‬ك‪٬‬توز ‪١‬تن َف يرض من‬
‫األكلياء‪ ،‬ككذلك ا‪١‬ترأة فسخ العقد بطلب من القاضي كقوؿ األئمة األربعة كالفقهاء األربعة كهذا‬
‫القوؿ يقضي بأف الكفاء حق للمرأة كأكليائها‪ ،‬كليس حقان خالصان ﵁‪ ،‬فإذا رضيت ا‪١‬ترأة كأكليائها‬

‫(ُ) األشقر‪ :‬الواضح يف شرح قانوف األحواؿ الشخصية األردين ص َُٖ‪.‬‬


‫(ِ) الكاساين‪ ،‬بدائع الصنائع (ِ‪.)َِّ/‬‬
‫(ّ) األحواؿ الشخصية أليب زهرة ص ُِْ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫بغَت الكفء صح النكاح‪ ،‬ألف الكفاءة حقهم‪ ،‬كقد اسقطو جاء يف الفقرة (ب) من ا‪١‬تادة‬
‫ا‪ٟ‬تادية كالعشرين من هذا القانوف "الكفاءة حق خاص با‪١‬ترأة كالواِف"(ُ)‪.‬‬
‫فإف زكجت ا‪١‬ترأة نفسها من غَت رضا الوِف فيجوز للوِف على مذهب ا‪ٟ‬تنفية االعًتاض‬
‫كأف يطالب بفسخ العقد‪.‬‬
‫كبعد هذا العرض عن الكفاءة فإهنا قد تكوف سببان يف فشل ا لزكاج إذا َف تراع بُت‬
‫الزكجُت كمن ذلك التباين بُت الزكجُت يف ا‪١‬تستويات ا‪١‬تادية كاالجتماعية‪ ،‬كاختبلؼ البيئات‬
‫كالطباع‪ ،‬فمن يعيش يف األرياؼ ٗتتلف طباعه عمن يعيش يف ا‪١‬تدينة بفعل ا‪١‬تؤثرات‪ ،‬كمن مث فإف‬
‫نبينا ‪٤‬تمد صلى ا﵁ عليه كسلم حث على مراعاة الطباع ا‪١‬تكتسبة يف الزكج كالزكجة عند إرادة‬
‫الزكاج‪ ،‬باعتبار أف ‪٥‬تالفة الطباع كالصفات ا‪١‬تكتسبة ‪١‬تا شرطه الشارع ا‪ٟ‬تكيم تؤدم إُف عدـ‬
‫التفاهم بُت الزكجُت‪ ،‬كٕتعل كبل منهما فكريان يف منأل عن اآلخر ‪٦‬تا تكثر معه ا‪١‬تشكبلت اليت‬
‫تنتهي غالبان بالطبلؽ كهذ هناية غَت سعيدة للزكاج فلنحرص على مراعاة الكفاءة‪.‬‬
‫ْ‪ -‬ا‪١‬تشاركة يف ا‪١‬تسؤكلية من قبل الزكجُت من عوامل السعادة بينهما‪ ،‬فمعرفة ا‪ٟ‬تقوؽ‬
‫كالواجبات لكبل الطرفُت أمر مهم يف غاية اال‪٫‬تية ليعرؼ كل منهما ما يطلب منه كهذا ٭تقق‬
‫السعادة يف األسرة بأكملها قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم‪(:‬كلكم راع ككلكم مسؤكؿ عن‬
‫رعيته كالرجل راع على أهل بيته‪ ،‬كا‪١‬ترأة راعية على بيتزكجها ككلد ‪ ،‬فكلكم راع ككلكم مسؤكؿ‬
‫عن راعيته)(ِ) كقد جعل ا﵁ عز كجل القوامة للرجل على زكجته لقوله تعاُف الرجاؿ قواموف على‬
‫النساء ٔتا فضل ا﵁ بعضهم على بعض كٔتا أنفقوا) (النساء‪ )ّْ :‬كالقوامة اليت أسندها ا﵁ للرجل‬
‫تتمثل بقياـ الرجل بتدبَت كرعاية ك‪ٛ‬تاية أفراد األسرة كهذ القوامة مضبوطة بأمرين كما ذكرهتا‬
‫االيات ٔتافضل ا﵁ بعضهم على بعض ام تكوين الرجل ٮتتلف عن تكوين ا‪١‬تراة فهي أميل‬

‫(ُ) األشقر‪ :‬الواضح يف قانوف األحواؿ الشخصية األردين‪ ،‬ص َُُ‪.‬‬


‫(ِ) البخارم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب العتق‪،‬باب العبد راع يف ماؿ سيد ‪ ،‬رقم ا‪ٟ‬تديث ِٖٓٓ‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫للعاطفة كالرقة يف اٗتاذ القرارات‪ ،‬كاالمر الثاين ٔتا أنفقوا على زكجاهتم فإف َف يتحقق األمراف فبل‬
‫قوامة للزكج على زكجته‪ ،‬كقوامة الرجل يف شؤؤف االسرة ليس معناها استبداد الرجل يف شؤؤف ا‪١‬ترأة‬
‫كظلمها كعدـ استشارهتا كاعتبار رأيها خطأ كرأيه هو الصواب كا‪٪‬تا معنا اف يتم التشاكر بينهما‬
‫يف أم أمر من االمور ا‪١‬تشًتكة بينهما كقرار ٮتص البيت كاالسرة كيقنعا بعضهما البعض يف الرام‬
‫ا‪١‬تطركح لكل منهما فإف َف يتوصبل اُف قرار مشًتؾ فإف الذم ‪٬‬تزـ االمر صاحب القوامة هنا كهو‬
‫(ُ)‬
‫الرجل‬
‫ٓ‪ -‬العدؿ‪ :‬من عوامل ‪٧‬تاح ا‪ٟ‬تياة الزكجية العدالة يف ا‪١‬تعاملة بُت الزكجُت‪ْ،‬تيث ‪٬‬تب أف‬
‫يوازف الطرفُت بُت اإل‪٬‬تابيات كالسلبيات يف السلوكيات اليت تصدر منهما فبل يغضبا التفه‬
‫االسباب كيرتبا على ذلك طبلقا اك مشكلة كبَتة‪،‬فبل يظلم الرجل زكجته كيكلفها فوؽ طاقتها كال‬
‫يؤذيها ابدا بالقوؿ اك الفعل‪ ،‬ككذؿ ا‪١‬ترأة ال تظلم زكجها كتكلفه فوؽ طاقته كال تؤذيه بأمه‬
‫كأخواته كغَت ذلك من اعماؿ الظلم ا‪١‬تختلفة‪ ،‬قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى كسلم‪(:‬ال يفرؾ مؤمن مؤمنة‬
‫(ِ)‬
‫إف كر منها خلقا راضيه منها آخر)‪.‬‬
‫ٔ ‪-‬ا‪١‬تعاملة الطيبة كالعشرة ا‪ٟ‬تسنة من عوامل ‪٧‬تاح العبلقة الزكجية اليت قاؿ ا﵁ عزكجل‬
‫فيها الستمرار هذ العبلقة‪(:‬كعاشركهن با‪١‬تعركؼ)(ّ) العبلقة الزكجية تبٌت على االخبلؽ ا‪ٟ‬تميدة‬
‫كا‪١‬تعاملة ا‪ٟ‬تسنة كالبعد عن األذل كالشح كاألنانية كغَتها من األخبلؽ كالسلوكيات اليت تعمل‬
‫شرخا كبَتا يف العبلقة بُت الزكجُت(ْ)‪.‬‬

‫(ُ) الرفاعي كالعزيزم‪ ،‬حقوؽ ا‪١‬ترأة‪.ِِّ-ُِٔ ،‬‬


‫(ِ) مسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب الرضاع‪ ،‬باب الوصية بالنساء‪ ،‬رقم ا‪ٟ‬تديث ُْٗٔ‬
‫(ّ) (النساء‪)ُٗ:‬‬
‫(ْ) (عتيلي‪،‬ليث عفيف ‪٤‬تمد عتيلي‪ ،‬ا‪ٟ‬تقوؽ الزكجية يف السنة النبوية‪ ،‬رسالة ماجستَتإشراؼ الدكتور حسُت‬
‫عبد ا‪ٟ‬تميد النقيب‪ ،‬جامعة النجاح‪)ََِٗ،‬‬

‫‪117‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ٕ ‪-‬ا﵀افظة على األسرار الزكجية كعدـ نشرها بُت الناس من العوامل اليت تسعد الزكجُت‬
‫كتبعد عنهم ا‪١‬تشاكل كا‪٠‬تبلفات قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم‪(:‬أف من شر الناس عند ا﵁‬
‫ُ)‬
‫منزلة يوـ القيامة‪ ،‬الرجل يفضي إُف امرأته كتفضي إليه مث ينشر سرها)(‬
‫كال بد من اف االهتماـ باالزكاج الذين يف بدايه حياهتما ا‪ٞ‬تديد كذلك من خبلؿ عمل‬
‫دكرات تدريبية تأهيلية ليفهم كبل منهما طباع االخر كالتهيئة للحياة الزكجية‪،‬كال ننسى اف ننشر‬
‫ثقافه ا﵀افظة على ا‪ٟ‬تياة الزكجية من خبلؿ ا‪١‬تناهج التعليمية يف ا‪١‬ترحلة الثانوية لنخفف من‬
‫الطبلؽ الذم يرتفع يف ا﵀اكم الشرعية يف الببلد االسبلمية‪.‬‬
‫كقبل عقد الزكاج هنالك ا‪٠‬تطبة كهذ ا‪١‬ترحلة مهمة جدا‪ ،‬فا‪٠‬تطبةيف اإلسبلـ من العقود‬
‫ا‪٢‬تامة اليت ٖتتاج إُف مقدمات من ا‪١‬تتعاقدين‪ ،‬كعقد الزكاج من أهم العقود اليت يسبقها خطبة‪،‬‬
‫كيقصد با‪٠‬تطبة طلب الزكاج من فتاة معينة‪ ،‬ساء طلب من الفتاة أك من أحد اهلها (ِ)‪.‬إف‬
‫ا‪٠‬تطبة باألصل تكوف عندما يطلب الرجل الفتاة للزكاج كهو ال يعدها كال يعد اهلها بذلك كإ‪٪‬تا‬
‫ٮتطبها ام يستكمل التعرؼ عليها ككذلك هي تتعرؼ عليه مث ٮتتاراف ا٘تاـ عقد الزكاج الذم بدا‬
‫با‪٠‬تطبة اـ ال حسب ما يتوصبلف اليه كليس هنالك ما ٯتنع شرعا أف تقًتف ا‪٠‬تطبة بوعد من قبل‬
‫ّ)‬
‫الطرفُت بالزكاج(‬
‫كقد شرع ا﵁ ا‪٠‬تطبة بأدلة كثَتة من القرآف كالسنة كاإل‪ٚ‬تاع حيث قاؿ سبحانه كتعاُف كال‬
‫جناح عليكم فيما عرفت به من خطبة النساء اك اكننتم يف انفسكم علم ا﵁ انكم ستذكركهنن‬
‫كلكن ال تواعدكهن سرا إال أف تقولوا قوال معركفا كال تعزموا عقدة النكاح حىت يبلغ الكتاب أجله)‬

‫(ُ) مسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬طبعة السعودية‪ ،‬نشر كتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية ك اإلفتاء‪ََُْ،‬هجرم‪،‬‬
‫كتاب النكاح‪ ،‬باب ٖترمي إفشاء سر ا‪١‬ترأة‪ ،‬حديثُّْٕ‪.‬‬
‫(ِ) القرطيب‪،‬التفسَت‪ ،‬جّ‪ ،‬ص ُٖٗ‪،‬طبعة دار الكتاب العريبُٕٔٗ‬
‫(ّ) الرفاعي كالعزيزم‪ ،‬ا‪١‬ترأة يف اإلسبلـ‪،‬صفحة َُٓ‬

‫‪118‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫(البقرة ِّٓ)قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم‪(:‬ا‪١‬تؤمن اخو ا‪١‬تؤمن فبل ٭تل للمؤمن أف يبتاع‬
‫(ُ)‬
‫على بيع أخيه كال ٮتطب على خطبته حىت يذر)‬
‫كيستحب للخاطب أف يرل من ‪٥‬تطوبته ما يدعو إُف الزكاج منها كقد طلب النيب صلى‬
‫ا﵁ عليه كسلم من ا‪١‬تغَتة بن شعبة عندما إراد خطبة امرأة أف ينظر إليها‪(:‬انظر اليها فإنه أحرل أف‬
‫يؤدـ بينكما)(ِ)(كيسنن للخاطب اف يستخَت ا﵁ يف ‪٥‬تطوبته ككذلك ا‪١‬تخطوبه تستخَت ا﵁ فيه‬
‫ايضا مع االخذ باالسباب من السواؿ كاالستفسار عن هذا الذم يود كتود االرتباط به كيكوف‬
‫ّ)‬
‫الًتكيز على الدين كاالخبلؽ كالكفاءة كالقدرة ا‪١‬تالية للنفقه على زكجته (‬
‫ك‪٬‬تب أف نبلحظ أف يف هذا الزمن قد كثرت أنواع الزكاج‪ ،‬كيف غالب هذ األنواع‬
‫‪٥‬تالفات شرعية منها‪ :‬زكاج الدـ كزكاج الوشم كزكاج ا‪١‬تسيار حيث تتنازؿ ا‪١‬ترأة يف زكاج ا‪١‬تسيار‬
‫عن النفقة‪ ،‬كغَت ذلك من األنكحة ا‪١‬تختلفة‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫الزٔاز املدٌ٘‬
‫ظهرت فكرة الزكاج ا‪١‬تدين يف أكركبا‪ ،‬ككاف ا‪٢‬تدؼ من هذ الفكرة إبعاد الزكاج عن ا‪١‬تظلة‬
‫الدينية‪ ،‬حيث بقي الزكاج خاضعان للكنيسة يف إبرامه كتنظيمه كانتهائه‪.‬‬
‫كيعد الزكاج ا‪١‬تدين امتدادان طبيعيان لفكرة فصل الدين عن الدكلة‪ ،‬أك فصله عن الدنيا‪ ،‬فهو‬
‫نتيجة طبيعية ‪١‬تبدأ العلمانية اليت تبنته الشعوب األكركبية فراران من سطوة الكنيسة كسلطاهنا‬
‫الكهنويت‪.‬‬

‫(ُ) مسلم‪ ،‬صحيح كتاب النكاح‪ ،‬باب ٖترمي ا‪٠‬تطبة على خطبة أخيه‪ ،‬رقم ا‪ٟ‬تديث ُْ ُْ‬
‫(ِ) الًتمذم‪،‬السنن‪،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب ما جاء يف النظر إُف اؿ ‪٥‬تطوبة رقم ا‪ٟ‬تديثَُٕٖ‬
‫(ّ) الرفاعي كالعزيزم‪ ،‬ا‪١‬ترأة يف اإلسبلـ‪،‬صفحة َُٔ‪َُٕ-‬‬
‫(ْ) كبارة‪ ،‬عبد الفتاح‪ ،‬الزكاج ا‪١‬تدين‪ ،‬طبعة أكُف‪ ،‬دار الندكة‪ ،ُْٗٗ ،‬القوا‪ٝ‬تي‪ ،‬الزكاج ا‪١‬تدين‪ ،‬ا‪١‬تشرفة ‪ٚ‬تيلة‬
‫الرفاعي‪،‬رسالة ماجستَت –االردنية‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كتقوـ فكرة الزكاج ا‪١‬تدين على اعتبار الزكاج عقدان من العقود ا‪١‬تدنية اليت ال ٮتتلف فيها‬
‫عن أم عقد مدين آخر من حيث مقوماته كأركانه كشركطه كابتناؤ على اإلرادة التعاقدية لدل‬
‫طريف هذا العقد‪.‬‬
‫فهو أشبه ما يكوف باتفاقية شركة يتضمن عقدها الشركط كالواجبات كا‪ٟ‬تقوؽ لطريف‬
‫العقد بصورة توافقيه بينهما‪.‬‬
‫كيعرؼ الزكاج ا‪١‬تدين بأنه‪ " :‬الشركة اليت ٕتمع بُت الرجل كا‪١‬ترأة إلستمرار بقاء النسل‪،‬‬
‫(ُ)‬
‫كليساعد كل منهما اآلخر با‪١‬تعونة ا‪١‬تتبادلة‪ٟ ،‬تمل أعباء ا‪ٟ‬تياة‪ ،‬كليتقا‪ٝ‬تا أقدار‪٫‬تا ا‪١‬تشًتكة "‬
‫كمن خبلؿ التعريف السابق يتضح ما يلي‪:‬‬

‫ُ‪-‬إف فكرة الزكاج ا‪١‬تدين تعترب الزكاج شركة با‪١‬تعٌت القانوين للكلمة كليس رباطان مقدسان‬
‫كميثاقاي غليظان كما ينظر إليه اإلسبلـ‪ ،‬ككما دؿ عليه قوله تعاُف‪ " :‬ككيف تأخذكنه كقد أفضى‬
‫بعضكم إُف بعض كأخذف منكم ميثاقان غليظان " (ِ)‬
‫ُ‪ -‬إف النفقة ال تكوف على الزكج سواء يف ذلك منفعة الزكجة أك األكالد‪ ،‬كالذم ٭تدد‬
‫النفقة ككيفيتها هو ما يتوصل إليه الزكجاف من توافق عقد وم ‪٬‬تب بيانه يف عقد الزكاج‪ ،‬كمن‬
‫خبلؿ هذا التوافق يتم تقاسم اإلنفاؽ على بيت الزكجية بالقدر كالكيفية اليت يتفق عليها‬
‫الزكجاف‪.‬‬
‫٭تملها بالتشارؾ مع الزكج‬
‫ال يعًتؼ الزكاج ا‪١‬تدين بنفقة الزكجة أك أجرة رضاعها‪ ،‬كإ‪٪‬تا ٌ‬
‫نفقة أكالدها منه‪ ،‬باعتبار أف األكالد إ‪٪‬تا هم ‪ٙ‬ترة ذلك االرتباط بُت الزكج كالزكجة‪ ،‬فعلى كل‬
‫كاحد منهما أف يتحمل نصيبه من نفقة األكالد كفق االتفاؽ العقدم الذم يسجل يف الدكائر‬
‫ا‪١‬تختصة‪ ،‬كييرجع إُف ذلك االتفاؽ العقدم عند التنازع‪.‬‬

‫(ُ)تناغو‪ ،‬عبد السيد‪ ،‬أحكاـ األسرة للمصريُت غَت ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬دار بورسعيد‪ ،‬ص ُِٓ‪.‬‬
‫(ِ) النساء‪.ُِ ،‬‬

‫‪121‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كيف ذلك ‪٥‬تالفة كاضحة للشرع ا‪١‬تطهر الذم يعترب الزكجية سبباى لوجوب النفقة على الزكج‬
‫بغض النظر عن يسار الزكجة أك إعسارها‪ ،‬أك يسار الزكج أك إعسار ‪ ،‬كما دؿ على ذلك قوله _‬
‫سبحانه تعاُف _‪ " :‬كعلى ا‪١‬تولود له رزقهن ككسوهتن با‪١‬تعركؼ " (ُ)‪ ،‬كقوله صلى ا﵁ عليه كسلم‬
‫‪٢‬تند بنت عتبة‪ " :‬خذم ما يكفيك ككلدؾ با‪١‬تعركؼ" (ِ)‪.‬‬
‫حيث أكجب اإلسبلـ نفقة الزكجة على زكجها‪ ،‬كجعل ‪٣‬ترد الزكجية سببان لوجوب النفقة‪،‬‬
‫علمان بأف سبب نفقة القريب على قريبه هو ا‪ٟ‬تاجة‪ ،‬بينما سبب نفقة الزكجة على الزكج هو‬
‫الزكجية‪.‬‬
‫كمن خبلؿ دراسة القوانُت ا‪١‬تنظمة للزكاج ا‪١‬تدين يف أكثر البلداف اليت تتبنا نلحظ ‪٥‬تالفته‬
‫للشريعة اإلسبلمية‪ ،‬بل كللديانات السائدة يف تلك البلداف‪ ،‬فباإلضافة إُف التباينات يف ا‪١‬تنطلقات‬
‫الفكرية كالتشريعية اليت ينبثق عنها كل من الزكاج ا‪١‬تدين كالزكاج الديٍت يف ‪٥‬تتلف الديانات إال أف‬
‫هذا العقد ينطوم على ‪٥‬تالفات شرعية يف إبرامه‪ ،‬كآثار ‪ ،‬كانتهائه‪ ،‬األمر الذم ٭تتم القوؿ بأف‬
‫الشرع اإلسبلمي يرفض هذا الزكاج كيعترب باطبلن كأف َف يكن‪ ،‬كفيما يلي رصد ألهم ا‪١‬تخالفات‬
‫الشرعية اليت ينطوم عليها هذا العقد‪:‬‬
‫ُ‪ -‬ال يعًتؼ الزكاج ا‪١‬تدين ٔتبدأ ا﵀رمات من النساء‪ ،‬كما هو يف الشرع اإلسبلمي‪ ،‬كال‬
‫حىت يف الديانات السائدة يف الببلد الذم ينتشر فيها هذا النوع من الزكاج‪ ،‬غَت أف بعض هذا‬
‫النوع من الزكاج يتأثر بأعراؼ سائدة يف تلك الببلد‪٘ ،‬تنع الزكاج من بعض النساء‪ ،‬كهذ األعراؼ‬
‫تستند إُف تقاليد يرجع بعضها إُف أصوؿ كثنية‪ ،‬فعند كثَت من الشعوب األكركبية ال يصلح الزكاج‬
‫من بنت العم أك العمة‪ ،‬كا‪٠‬تاؿ كا‪٠‬تالة‪ ،‬كيصل التحرمي عند بعض شعوب البلداف إُف الدرجة‬

‫(ُ) البقرة‪ِّّ ،‬‬


‫(ِ) البخارم‪ ،‬ص حيح البخارم‪،‬كتاب النفقات‪ ،‬باب اذا َف ينفق الرجل فاللمرأة اف تأخذ بغَت علمه ككلدها‬
‫با‪١‬تعركؼ‪،‬حديث رقم ّْٔٓ‪ ،‬جٕ‪ ،‬صٓٔ‬

‫‪121‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ا‪٠‬تامسة‪ ،‬أم أبناء العمومة‪ ،‬فتحرـ بنت العم كإف عبل كما تولد منها‪ ،‬كبنت ا‪٠‬تاؿ كإف عبل‪،‬‬
‫كبنت العمة كإف علت‪ ،‬كهكذا‪.‬‬
‫ِ‪ -‬ال يعًتؼ الزكاج ا‪١‬تدين ٔتبدأ ا﵀رمات من الرضاع ‪٥‬تالفاي بذلك الشرع ا‪١‬تطهر الذم‬
‫٭ترـ من الرضاع النساء ا﵀رمات من النسب‪ ،‬كما دؿ على ذلك قوله _ صلى ا﵁ عليه كسلم _‬
‫(ُ)‬
‫" ٭ترـ من الرضاع ما ٭ترـ من النسب "‬
‫ّ‪ -‬ال يعترب الزكاج ا‪١‬تدين ٔتبدأ الوِف ا‪١‬تقر يف الفقه اإلسبلمي‪ ،‬كالذم ال يصلح النكاح إال‬
‫(ِ)‬
‫به‪ ،‬كما دؿ على ذلك قوله _ صلى ا﵁ عليه كسلم _‪ " :‬ال نكاح إال بوِف كشاهدم عدؿ "‬
‫ْ‪ -‬ال كجود للمهر يف عقد الزكاج ا‪١‬تدين‪ ،‬كتلك ‪٥‬تالفة كاضحة لصريح القرآف الكرمي‬
‫ص يدقىاهتًً َّن ً ٍ‪٨‬تلىةن) (ّ) كقوله ‪-‬‬
‫َّساء ى‬
‫كالسنة النبوية ا‪١‬تطهرة‪ ،‬كما دؿ على ذلك قوله تعاُف‪ ( :‬ىكآتيواٍ الن ى‬
‫(ْ)‬
‫صلى ا﵁ عليه كسلم ‪١‬تن خطب امرأة كَف ‪٬‬تد مهراى " التمس كلو خا٘تان من حديد "‬
‫كاستبعاد فكرة ا‪١‬تهر من هذا العقد يرجع إُف االعتقاد باف ا‪١‬تهر هو ‪ٙ‬تن للمرأة‪ ،‬كلذا فإهنم‬
‫يعتربكنه نوعان من أنواع اإلهانة ‪٢‬تا‪ ،‬دكف أف ينظركا إُف أف ا‪١‬تهر يف اإلسبلـ هو هبة‪ ،‬حيث ‪ٝ‬تا‬

‫(ُ) البخارم‪ ،‬صحيح البخارم‪،‬كتاب الشهادات‪ ،‬باب الشهادة على االنساب كالرضاع ا‪١‬تستفيض كا‪١‬توت‬
‫القدمي‪،‬حديث ِْٓٔ‪ ،‬جّ‪ ،‬صَُٕ‬
‫(ِ) البيهقي‪ ،‬أ‪ٛ‬تد بن ا‪ٟ‬تسُت بن علي بن موسى ا‪٠‬تي ٍسىرٍكًجردم ا‪٠‬تراساين‪ ،‬سنن البيهقي‪ ،‬مكة ا‪١‬تكرمة‪،‬دار‬
‫الباز‪ ُْٗٗ،‬ـ‪ٖ،‬تقيق‪٤:‬تمد عبد القادر عطا‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب ال نكاح إال بوِف‪ ،‬حديث ُِّْْ‪،‬‬
‫جٕ‪ ،‬صُُُ‪ ،‬قاؿ الزيلعي‪ ،‬عبد ا﵁ بن يوسف‪،‬كتاب نصب الراية ُّٕٓهػ‪،‬مصر‪،‬دار‬
‫ا‪ٟ‬تديث‪ٖ،‬تقيق‪٤:‬تمد يوسف البنورم‪.‬‬
‫يف أنه ضعيف‪ ،‬جّ‪ ،‬صُٖٔ ‪،.‬البيهقي‪،‬أ‪ٛ‬تد بن حسُت بن علي أبو بكر‪ ،‬معرفة السنن كاآلثار‪ٖ ،‬تقيق‪ :‬سيد‬
‫كسركم حسن‪ ،‬بَتكت‪ -‬دار الكتب العلمية ذكر أنته ركم عن عبد ا﵁ بن ‪٤‬ترر كهو مًتكؾ ال تقوـ ا‪ٟ‬تجة‬
‫بركايته‬
‫(ّ) النساء‪ْ ،‬‬
‫(ْ) البخارم‪ ،‬صحيح البخارم‪،‬كتاب فضائل القرآف‪ ،‬باب القراءة عن ظهر قلب‪ ،‬حديثِْْٕ‪ ،‬جْ‪،‬‬
‫صَُِٗ ‪ ،‬مسلم‪ ،‬أبو ا‪ٟ‬تسُت مسلم بن ا‪ٟ‬تجاج بن مسلم القشَتم النيسابورم‪،‬صحيح مسلم‪ ،‬بَتكت‪-‬‬
‫لبناف‪،‬دار إحياء الًتاث‪ٖ،‬تقيق ‪٤‬تمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب الصداؽ‪،‬حديث‬
‫ُِْٓ‪،‬جِ‪،‬صََُْ‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫القرآف الكرمي ‪٨‬تلة‪ ،‬أم هبة‪ ،‬كييقصد منه إكراـ ا‪١‬ترأة ال إهانتها‪ ،‬كتطييب خاطرها‪ ،‬كإشعار الزكج‬
‫با‪١‬تسؤكلية حىت ال يفرط با‪١‬ترأة كيتساهل يف طبلقها‪.‬‬
‫ٓ‪ -‬ال يعًتؼ الزكاج ا‪١‬تدين ٔتبدأ الطبلؽ كما هو مقرر يف الفقه اإلسبلمي‪ ،‬كالسبيل‬
‫الوحيد إلهناء العبلقة الزكجية بُت الزكج كزكجته هو فسخ عقد الزكاج ا‪١‬تدين‪ ،‬كإف الفسخ يف هذا‬
‫العقد هو حق لكبل الزكجُت سواء يف ذلك الزكج أك الزكجة‪ ،‬فمن حق كل كاحد منهما فسخ‬
‫عقد الزكاج ا‪١‬تدين باإلرادة ا‪١‬تنفردة‪ ،‬أك بالتوافق بُت الزكجُت‪ ،‬كال كجود لفكرة الطبلؽ بتاتان يف هذا‬
‫العقد سواء يف ذلك الطبلؽ الكنسي‪ ،‬أك الطبلؽ الشرعي ؛ ألنه ال سلطة للدين يف هذا العقد‪،‬‬
‫ال من حيث إبرامه كال من حيث إهناؤ ‪.‬‬
‫ٔ‪ -‬ال يوجد عدد معُت ‪١‬ترات الفسخ‪ ،‬بل ٯتكن أف ييفسخ عقد الزكاج ا‪١‬تدين مث ييربـ عقد‬
‫حد كال و‬
‫عدد‪ ،‬كيف ذلك ‪٥‬تالفة كاضحة كصر٭تة للشرع ا‪١‬تطهر الذم حدد عدد‬ ‫جديد ببل و‬

‫الطلقات بثبلث كما دؿ على ذلك قوله تعاُف‪( " :‬الطبلؽ مرتاف فإمساؾ ٔتعركؼ أك تسريح‬
‫بإحساف كال ٭تل لكم أف تأخذكا ‪٦‬تا آتيتموهن شيئا إال أف ٮتافا أال يقيما حدكد ا﵁ فإف خفتم‬
‫أال يقيما حدكد ا﵁ فبل جناح عليهما فيما افتدت به‪ ،‬تلك حدكد ا﵁ فبل تعتدكها‪ ،‬كمن يتعد‬
‫حدكد ا﵁ فأكلئك هم الظا‪١‬توف فإف طلقها فبل ٖتل له من بعد حىت تنكح زكجا غَت ‪ ،‬فإف طلقها‬
‫فبل جناح عليهما أف يًتاجعا إف ظنا أف يقيما حدكد ا﵁‪ ،‬كتلك حدكد ا﵁ يبينها لقوـ‬
‫يعلموف"(ُ)‪.‬‬
‫فالشرع ا‪١‬تطهر يقرر عددان ‪١‬ترات الطبلؽ ال ييسمح بتجاكزها‪ ،‬كيوضح كيفية الطبلؽ‬
‫كأحكامه التفصيلية‪ ،‬كألف عدد مرات الطبلؽ ثبلث‪ ،‬ال ٖتل الزكجة لزكجها إذا أكقع الطلقة الثالثة‬
‫إال بعد أف تنكح الزكجة زكجان غَت ‪ ،‬كيدخل ّٔا دخوالن شرعيان‪ ،‬مث يطلقها من غَت تواطؤ مع‬
‫طليقها األكؿ‪.‬‬

‫(ُ) البقرة‪ ،‬اآليتاف‪َِّ - ِِٗ ،‬‬

‫‪123‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ٕ‪٘ -‬تنح بعض القوانُت كبل من الزكجُت نصف ما ٯتلكه الزكج اآلخر‪ ،‬إذا مت فسخ عقد‬
‫الزكاج ألم سبب من األسباب‪ ،‬على اعتبار الشركة اليت كانت بينهما‪ ،‬كأف ما كسبه أحد‪٫‬تا‬
‫ساهم فيه اآلخر‪ ،‬فكاف من العدؿ كفق تلك القوانُت أف يقا‪ٝ‬ته ما ٯتلك إذا مت فسخ عقد‬
‫النكاح‪.‬‬
‫ٖ‪ -‬ال يعًتؼ الزكاج ا‪١‬تدين ٔتبدأ العدة بعد إهناء العبلقة الزكجية بالفسخ‪ ،‬كهي أم العدة‪،‬‬
‫ا‪١‬تدة اليت ال ييسمح للمرأة بالزكاج خبل‪٢‬تا من رجل آخر‪ ،‬بل ٯتكن للمرأة أف تتزكج بعد فسخ عقد‬
‫الزكاج ا‪١‬تدين مباشرة إذا رغبت يف ذلك‪ ،‬كيف هذا ما فيه من اختبلط األنساب‪٥ ،‬تالفه للشرع‬
‫ا‪١‬تطهر الذم أكجب على ا‪١‬ترأة ا‪١‬تدخوؿ ّٔا دخوالن شرعيان أف تنتظر مدة معينة ٗتتلف باختبلؼ‬
‫النساء من حيث كوهنا ذات حيض أك آيسة منه‪ ،‬حيث أكجب على ذكات ا‪ٟ‬تيض انتظار ثبلثة‬
‫ص ىن بًأىن يف ًس ًه َّن ثىبلىثىةى قيػيرىكوء) (ُ)‪،‬‬ ‫قركء قبل أف تتزكج من رجل آخر‪ ،‬لقوله تعاُف‪ ( :‬ىكالٍ يمطىلَّ ىق ي‬
‫ات يػىتىػىربَّ ٍ‬
‫أم حيض‪ ،‬كما أكجب على غَت ذكات ا‪ٟ‬تيض أك اآليسات منه تربص ثبلث أشهر‪ ،‬كما دؿ‬
‫على ذلك قوله تعاُف‪ ":‬كالبلئي يئسن من ا﵀يض من نساءكم إف ارتبتم فعدهتن ثبلثة أشهر‬
‫كالبلئي َف ٭تضن" (ِ)‪.‬‬
‫ى‪ٛ‬تى ًاؿ‬
‫ت ٍاأل ٍ‬
‫كأكجب على ا‪ٟ‬توامل من النساء اإلنتظار حىت كضع ا‪ٟ‬تمل لقوله تعاُف‪ ( :‬ىكأ ٍيكىال ي‬
‫ض ٍع ىن ‪ٛ‬تىٍلى يه َّن) " (ّ)‪.‬‬
‫ىجلي يه َّن أىف يى ى‬
‫أى‬
‫كيف عدـ اعتبار العدة يف الزكاج ا‪١‬تدين باإلضافة إُف ‪٥‬تالفة الشرع‪ ،‬إختبلط األنساب‪،‬‬
‫كإشاعة للفساد‪ ،‬كتفويت ‪١‬تصلحة مراجعة الزكجة أثناء عدة الطبلؽ الرجعي كما هو مقرر يف‬
‫الشرع ا‪١‬تطهر‪.‬‬

‫(ُ) البقرة‪ِِٖ ،‬‬


‫(ِ) الطبلؽ‪.ْ ،‬‬
‫(ّ) الطبلؽ‪.ْ ،‬‬

‫‪124‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ٗ‪ -‬ال يعًتؼ عقد الزكاج ا‪١‬تدين بكثَت من اآلثار ا‪١‬تًتتبة على عقد الزكاج‪ ،‬كمنها ا‪١‬تَتاث‪،‬‬
‫كما هو مقرر يف الفقه اإلسبلمي‪ ،‬بل تي ًرجع الكثَت من األنظمة كالقوانُت أمر ا‪١‬تَتاث إُف رغبة‬
‫ا‪١‬تتوىف من الزكجُت من خبلؿ الوصية‪ ،‬حيث ٯتكن ألحد الزكجُت أف يوصي ٔتا شاء من ماله‪ ،‬أك‬
‫ٔتاله كله إُف الزكج اآلخر دكف ٖتديد ٔتقدار معُت‪ ،‬أك تفرقة بُت ما إذا كاف للزكج ا‪١‬توصي أكالد‪،‬‬
‫أك ليس له أكالد‪.‬‬
‫كيف ذلك ‪٥‬تالفة للشرع ا‪١‬تطهر الذم حدد نصيب كل من الزكجُت من تركة اآلخر يف قوله‬
‫الربي يع ً‪٦‬تَّا تىػىرٍك ىن‬
‫اج يك ٍم إً ٍف ىَفٍ يى يك ٍن ى‪٢‬تي َّن ىكلى هد فىًإ ٍف ىكا ىف ى‪٢‬تي َّن ىكلى هد فىػلى يك يم ُّ‬
‫ف ىما تىػىرىؾ أ ٍىزىك ي‬‫ص ي‬
‫ً‬
‫تعاُف‪ " :‬ىكلى يك ٍم ن ٍ‬
‫الربي يع ً‪٦‬تَّا تىػىرٍكتي ٍم إً ٍف ىَفٍ يى يك ٍن لى يك ٍم ىكلى هد فىإً ٍف ىكا ىف لى يك ٍم ىكلى هد‬ ‫ُت ًّٔىا أ ٍىك ىديٍ ون ىكى‪٢‬تي َّن ُّ‬ ‫ً ًو ً‬
‫م ٍن بػى ٍعد ىكصيَّة ييوص ى‬
‫ً‬
‫ً ً ًو‬ ‫ً‬
‫ث ىك ىبللىةن أى ًك ٍامىرأىةه ىكلىهي‬ ‫وصو ىف ًّٔىا أ ٍىك ىديٍ ون ىكإً ٍف ىكا ىف ىر يج هل يي ىور ي‬ ‫فىػلى يه َّن الث يُّم ين ‪٦‬تَّا تػىىرٍكتي ٍم م ٍن بػى ٍعد ىكصيَّة تي ي‬
‫ث ًم ٍن بػى ٍع ًد‬
‫ك فىػهم يشرىكاء ًيف الثػُّلي ً‬‫ً ً‬ ‫الس يد ً‬
‫س فىإ ٍف ىكانيوا أى ٍكثىػىر م ٍن ذىل ى ي ٍ ى ي‬
‫ًوً‬ ‫أىخ أىك أيخ ً‬
‫ت فىل يك ّْل ىكاحد مٍنػ يه ىما ُّ ي‬
‫ه ٍ ٍ ه‬
‫(ُ)‬
‫يم"‬‫صيَّةن ًمن اللَّ ًه كاللَّه علً ً‬
‫ك ًصيَّ وة يوصى ًّٔا أىك دي ون ىغيػر مضار ك ً‬
‫يم ىحل ه‬
‫ى ى يى ه‬ ‫ى ي ى ى ٍ ىٍ ٍى ي ى ى‬
‫َُ‪ -‬ال يعًتؼ الزكاج ا‪١‬تدين بكوف اختبلؼ الدين بُت الزكجُت مانعان للزكاج‪ ،‬بل يصح‬
‫يف الزكاج ا‪١‬تدين أف يقًتف الزكجاف ا‪١‬تختلفاف يف الدين أيان كاف دين الزكج أك الزكجة بزعم ا﵀افظة‬
‫على الوحدة الوطنية‪ ،‬كٖتقيق مبدأ ا‪١‬تساكاة بُت األدياف‪ ،‬أك الطوائف‪ ،‬كيف ذلك ‪٥‬تالفة للشرع‬
‫ا‪١‬تطهر الذم كضع قيودان كضوابط يف حاؿ اختبلؼ الدين‪ ،‬حيث أباح للمسلم الزكاج من‬
‫اب ًمن‬ ‫ً‬ ‫ات كالٍمحصن ً َّ ً‬ ‫ً ً‬ ‫الكتابيات بقوله تعاُف‪ :‬كالٍمحصنى ً‬
‫ين أيكتيوا الٍكتى ى‬ ‫ات م ىن الذ ى‬ ‫ات م ىن الٍ يم ٍؤمنى ى ي ٍ ى ى ي‬ ‫ى يٍ ى ي‬
‫اإلٯتى ً‬
‫ىخ ىد واف‪ ،‬ىكىمن يى ٍك يف ٍر بً ًٍ‬ ‫ًً‬ ‫ًً‬ ‫ًً‬ ‫ً‬
‫اف‬ ‫ُت ىكىال يمتَّخذم أ ٍ‬
‫ُت ىغٍيػىر يم ىسافح ى‬
‫يج ىوريه َّن يٍ‪٤‬تصن ى‬ ‫قىػٍبل يك ٍم إً ىذا آتىػٍيتي يم ي‬
‫وه َّن أ ي‬
‫ط عمليه كهو ًيف ٍاآل ًخرةً ًمن ٍ ً‬ ‫ً‬
‫ا‪٠‬تىاس ًر ى‬
‫ين(ِ)‪.‬‬ ‫ى ى‬ ‫فىػ ىق ٍد ىحب ى ى ى ي ى ي ى‬

‫(ُ) النساء‪ُِ ،‬‬


‫(ِ) ا‪١‬تائدة‪ٓ ،‬‬

‫‪125‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كمنع زكاج ا‪١‬تسلم من ا‪١‬تشركة الوثنية كغَتها‪ ،‬كما منع زكاج ا‪١‬تسلمة من غَت ا‪١‬تسلم‪ ،‬كما‬
‫ات ىح َّىت يػي ٍؤًم َّن‪ ،‬ىكىأل ىىمةه ُّم ٍؤًمنىةه ىخٍيػهر ّْمن ُّم ٍش ًرىك وة ىكلى ٍو‬ ‫نكحوا الٍم ٍش ًرىك ً‬ ‫ً‬
‫دؿ على ذلك قوله تعاُف‪ " :‬ىكىال تى ي ي‬
‫ك‬‫ُت ىح َّىت يػي ٍؤًمنيوا‪ ،‬ىكلى ىعٍب هد ُّم ٍؤًم هن ىخٍيػهر ّْمن ُّم ٍش ًر وؾ ىكلى ٍو أ ٍىع ىجبى يك ٍم‪ ،‬أيكلىئً ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أ ٍىع ىجبىٍت يك ٍم‪ ،‬ىكىال تينك يحوا الٍ يم ٍش ًرك ى‬
‫(ُ)‬
‫ُت آيىاتًًه لًلنَّا ًس لى ىعلَّ يه ٍم يػىتى ىذ َّكيرك ىف‬ ‫ً ًً‬ ‫ي ٍدعو ىف إً ىُف النَّا ًر‪ ،‬كاللَّه ي ٍدعو إً ىُف ٍ ً‬
‫ا‪ٞ‬تىنَّة ىكالٍ ىم ٍغفىرةً بًًإ ٍذنه‪ ،‬ىكيػيبىػ ّْ ي‬ ‫ى يى ي‬ ‫ى ي‬
‫باإلضافة إُف أف ٖتقيق مقاصد الزكاج من السكينة كا‪١‬تودة كالر‪ٛ‬تة كاأليلفة يستلزـ التوافق‬
‫بُت الزكجُت‪ ،‬كأعظم أكجه التوافق هو التوافق الديٍت كالفكرم‪.‬‬

‫الزٔاز العسيف‬
‫قبل ا‪ٟ‬تديث عن الزكاج العريف ٕتدر اإلشارة إُف أف هذ التسمية غَت صحيحة ؛ ألهنا‬
‫تشعر بأف العرؼ ييقر هذا النوع من الزكاج‪ ،‬أك أنه أمر متعارؼ عليه‪.‬‬
‫كللزكاج الذم يسمى بالعرؼ عدة صور ٮتتلف انتشارها من بلد إُف آخر‪ ،‬كهي‪:‬‬
‫الصورة األكُف‪ :‬أف يتم الزكاج مستكمبلن لشركطه الشرعية من كِف كشهود عدكؿ كمهر‬
‫مسمى كإشهار‪ ،‬كلكن ال يتم تسجيله كتوثيقه يف ا﵀اكم الشرعية أك لدل أم جهة مسئولة عن‬
‫توثيق الزكاج‪.‬‬
‫كهذا النوع من الزكاج صحيح كلكن اإلقداـ عليه من قبل الزكج أك كِف الزكجة يعترب‬
‫‪٥‬تالفة شرعية ترتب على صاحبها اإلمث فهو صحيح مع ا‪ٟ‬ترمة‪.‬‬
‫كباإلضافة إُف ا‪١‬تخالفة الشرعية فإف فيه ‪٥‬تالفة قانونية لقانوف األحواؿ الشخصية الذم‬
‫يوجب تسجيل هذا الزكاج كتوثيقه‪ ،‬كيرتب عقوبة على عدـ توثيقه‪ ،‬كيوجب على الزكجُت‬
‫تصويب ا‪٠‬تلل الذم حصل من جراء عدـ تسجيله من خبلؿ توثيقه با﵀اكم الشرعية التابعة‬
‫لدائرة قاضي القضاة‪.‬‬

‫(ُ) البقرة‪ُِِ ،‬‬

‫‪126‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كمن ا‪ٞ‬تدير بالذكر أف عدـ توثيق عقد الزكاج ال يشكل ‪٥‬تالفة قانونية فحسب‪ ،‬بل هو‬
‫‪٥‬تالفة شرعية بناءن على أف كِف األمر إذا سن تشريعا فيه مصلحة عامة كليس فيه ‪٥‬تالفة شرعية‪،‬‬
‫فإف طاعته تصبح كاجبة شرعان‪ ،‬يستحق ا‪١‬تخالف ‪٢‬تا التشريع العقوبة األخركية فضبلن عن الدنيوية‪.‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬أف يتم الزكاج من خبلؿ اتفاؽ مكتوب بُت الرجل كا‪١‬ترأة‪،‬‬
‫ييقر فيه الرجل أنه تزكج هذ ا‪١‬ترأة دكف إذف الوِف أك موافقته‪ ،‬أك حىت علمه‪ ،‬كييشهد على‬
‫ذلك شاهداف‪ ،‬٭تتفظ الرجل بنسخة من هذ االتفاقية‪ ،‬بينما ٖتتفظ ا‪١‬ترأة باألخرل‪.‬‬
‫كغالبان ما يكوف هذا الزكاج سريان ال يعرفه إال الرجل كا‪١‬ترأة كالشهود‪ ،‬دكف أف يكوف فيه‬
‫إشهار‪ ،‬كغالبان ما يكوف فيه ا‪١‬تهر قليبلن‪ ،‬بل كحىت رمزيان‪.‬‬
‫ه‬
‫كهذا النوع من الزكاج يقع باطبلن لفقداف أهم أركاف العقد الصحيح كهو الوِف الشرعي‪،‬‬
‫باإلضافة إُف عدـ تسجيله كتوثيقه‪ ،‬كعدـ إشهار ‪ ،‬كأما الشهود فغالبان ما ال تتحقق فيهم شركط‬
‫الشهادة الشرعية من العدالة كغَتها‪ ،‬كغالبان ما يكوف الشهود من زمبلء الرجل أك ا‪١‬ترأة يف الدراسة‬
‫أك يف العمل‪.‬‬
‫كلعل ضعف الوازع الديٍت لدل بعض الشباب من ا‪ٞ‬تنسُت‪ ،‬باإلضافة إُف ا‪ٞ‬تهل‬
‫باألحكاـ الشرعية كالتأثر با‪١‬تسلسبلت اليت تبث من خبلؿ كسائل اإلعبلـ‪ ،‬باإلضافة إُف ما ‪٬‬ترم‬
‫يف مواقع التواصل االجتماعي من ا‪ٟ‬تديث بُت الشباب كالشابات‪ ،‬كقياـ الشباب باستدراج‬
‫الساذجات من النساء‪ ،‬يعترب من بُت األسباب ا‪١‬تؤدية إُف انتشار هذا النوع من الزكاج‪.‬‬
‫كٯتكن ا‪ٟ‬تد من انتشار ما يسمى بالزكاج العريف من خبلؿ بث الوعي بُت الشباب‬
‫ٔتخاطر هذا الزكاج كمفاسد االجتماعية كاألخبلقية‪ ،‬كمدل ما ينطوم عليه من ‪٥‬تالفات قانونية‬
‫أيضا تسبب ا‪١‬تسائلة كا‪١‬تبلحقة القانونية لكل من أقدـ على الزكاج ّٔذ الطريقة‪ ،‬ككل من أعاف‬
‫عليه من شهود كغَتهم‪ ،‬باإلضافة إُف الًتكيز على كوف هذا الزكاج ال يضفي الشرعية على العبلقة‬
‫اليت تنشأ بُت الرجل كا‪١‬ترأة من خبلؿ هذا الزكاج‪ ،‬فضبلن عن اإلشارة إُف ا‪١‬تتاعب اليت سيلقاها‬

‫‪127‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫األكالد لدل ا‪ٞ‬تهات ا‪١‬تختصة كإ‪ٟ‬تاقهم با‪١‬تدارس‪ ،‬كغَت ذلك من ا‪١‬تتاعب القانونية كاالجتماعية‬
‫الكثَتة اليت ال حصر ‪٢‬تا‪ ،‬فضبلن على أف هذا النوع من الزكاج ال ٭تقق ا‪١‬تقاصد الشرعية كاألهداؼ‬
‫اليت توخاها الشرع ا‪١‬تطهر من الزكاج‪ ،‬كأ‪٫‬تها السكينة كا‪١‬تودة كالر‪ٛ‬تة كالواردة يف قوله تعاُف‪ " :‬ىكًم ٍن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًً‬
‫ك‬‫اجا لّْتى ٍس يكنيوا إًلىٍيػ ىها ىك ىج ىع ىل بػىٍيػنى يكم َّم ىوَّدةن ىكىر ٍ‪ٛ‬تىةن إً َّف ًيف ذىل ى‬
‫آيىاته أى ٍف ىخلى ىق لى يكم ّْم ٍن أىن يفس يك ٍم أ ٍىزىك ن‬
‫(ُ)‪.‬‬
‫ات لّْ ىق ٍووـ يػىتىػ ىف َّكيرك ىف‬
‫ىآلي و‬
‫ى‬
‫فما ييعرؼ بالزكاج العريف ال ٭تقق هذ ا‪١‬تقاصد‪ ،‬كال غَتها من تكوين األسر ا‪١‬تستقرة‪،‬‬
‫كتربية النشئ الصاٌف ؛ ألف ما بيٍت على فاسد فهو فاسد‪.‬‬
‫كال شك أف تيسَت سبل الزكاج الشرعي أماـ الشباب من خبلؿ عدـ ا‪١‬تغاالة يف ا‪١‬تهر‪ ،‬أك‬
‫التشدد يف الشركط‪ ،‬أك التوسع يف ال يكلف كا‪١‬تتطلبات اليت يطلبها أهل الفتاة‪ ،‬يعترب من أهم‬
‫األسباب ا‪١‬تعينة على حصار هذ الظاهرة كالتقليل منها‪ ،‬كمن آثارها السلبية على األسرة ا‪١‬تسلمة‪،‬‬
‫(ِ)‪.‬‬
‫بل كعلى آّتمع ا‪١‬تسلم عمومان امتثاالن لقوله تعاُف‪« " :‬أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة "‬

‫املسأ‪ٔ ٚ‬االسس‪ٚ‬‬
‫رفع اإلسبلـ مكانة ا‪١‬ترأة كبُت منزلتها الطبيعية يف آّتمع‪ ،‬كقرر ‪٢‬تا حقوقا تتناسب مع‬
‫طبيعتها‪ ،‬كتوفر ‪٢‬تا االستػقػرار كالسػعػادة يف الدنيا كاآلخرة‪،‬قرر ‪٢‬تا ا‪ٟ‬تقوؽ ابتداءن دكف أية مؤ٘ترات‬
‫عا‪١‬تية للمرأة‪ ،‬كدكف خركج النساء يف ا‪١‬تظاهرات بالنداءات ا‪١‬تتعالية يف كسائل اإلعبلـ ا‪١‬تختلفة‬
‫للمطالبة با‪ٟ‬تقوؽ‪ -‬كما هو ا‪ٟ‬تاؿ يف هذا الزماف ػ بل ‪٧‬تد ا‪٠‬تالق عز كجل العاَف ٔتا خلق يقرر ‪٢‬تا‬
‫حقوقا ترفع من مكانتها عرب العصور كيشرع من التشريعات ما َف ترتق ‪٢‬تا أية تشريعات يف‬
‫ا‪ٟ‬تضارات الوضعية القدٯتة كا‪١‬تعاصرة‪ ،‬كمن ذلك‪:‬‬

‫(ُ) الركـ‪ُِ ،‬‬


‫(ِ) ايب شيبة‪ ،‬أبو بكر بن أيب شيبة‪ ،‬عبد ا﵁ بن ‪٤‬تمد بن إبراهيم بن عثماف بن خواسيت العبسي (ا‪١‬تتوىف‪:‬‬
‫ِّٓهػ)‪،‬ا﵀قق‪ :‬كماؿ يوسف ا‪ٟ‬توت‪ ،‬مكتبة الرشد – الرياض‪،‬طُ‪ ،‬مصنف أيب شيبةَُْٗق‪ ،‬حديث‬
‫ُّْٖٔ‪ ،‬جّ‪ ،‬صّْٗ‬

‫‪128‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫َّاس اتػَّ يقواٍ‬


‫ُ‪ .‬اإلسبلـ أنصف ا‪١‬ترأة كأعطاها حقها يف اإلنسانية‪ ،‬فقاؿ تعاُف‪:‬ػ " يىا أىيػُّ ىها الن ي‬
‫اح ىدةو ىك ىخلى ىق ًمٍنػ ىها ىزٍك ىج ىها ىكبى َّ‬
‫ث ًمٍنػ يه ىما ًر ىجاالن ىكثًَتان ىكنً ىساء‬ ‫س كً‬ ‫َّ ً‬
‫ىربَّ يك يم الذم ىخلى ىق يكم ّْمن نػَّ ٍف و ى‬
‫"(ُ‪:‬النساء)‪.‬‬
‫ِ‪ .‬ككذا حقها يف ا‪١‬تساكاة بُت الرجل كا‪١‬ترأة يف التكليف فقاؿ تعاُف‪:‬ػ كقاؿ تعاُف‪":‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬
‫لّْ ّْلر ىجاؿ نىص ه‬
‫(ُ)‬
‫"كقي ًل ٍاع ىمليواٍ فى ىسيىػىرل اللٌهي‬ ‫نب " ‪ ،‬كقاؿ تعاُف‪ :‬ى‬ ‫يب ّْ‪٦‬تَّا ا ٍكتى ىس ٍ ى‬ ‫يب ّْ‪٦‬تَّا ا ٍكتى ىسبيواٍ ىكللن ى‬
‫ّْساء نىص ه‬
‫ً‬ ‫عملى يكم كرسوليه كالٍمؤًمنيو ىف "(ِ)‪ .‬قاؿ تعاُف‪":‬من ع ًمل ً ً‬
‫صا‪ٟ‬تان م ٍن ذى ىك ور أ ٍىك أينثىى ىكيه ىو يم ٍؤم هن فىػلىني ٍحيًيىػنَّهي‬
‫ىٍ ى ى ى‬ ‫ى ى ٍ ىى ي ي ى ي ٍ‬
‫ىحيىا نة طىيّْبىةن(ّ) ‪.‬‬
‫ّ‪-‬كللمرأة البالغة العاقلة أهلية كجوب كاملة‪ ،‬فلها ا‪ٟ‬تق يف التصرؼ يف ما‪٢‬تا كملكها‬
‫كفق األحكاـ الشرعية‪ ،‬كتصرفاهتا صحيحة كنافذة‪.‬‬
‫كعمل ا‪١‬ترأة من ا‪ٟ‬تقوؽ العامة اليت منحها اإلسبلـ للمرأة‪ ،‬بدليل النصوص السابقة كاليت‬
‫جاءت عامة‪،‬كا‪٠‬تطاب فيها للرجاؿ كللنساء على السواء‪،‬كيلقى موضوع عمل ا‪١‬ترأة اهتمامات‬
‫بالغة‪ ،‬فهو موضوع حيوم البد من اإلهتماـ به يف ظل التغَتات اليت يشهدها عا‪١‬تنا‬
‫ا‪١‬تعاصر‪،‬خاصة ك‪٨‬تن نلحظ أف نسبة مشاركة ا‪١‬ترأة يف العمل يف تزايد مستمر يف الدكؿ اإلسبلمية‬
‫كغَتها كذلك نظران إلرتفاع نسبة تعلمها كتأهيلها كالختبلؼ الظركؼ االجتماعية‪،‬كاالقتصادية اليت‬
‫نعيش‪.‬‬
‫واألصل يف عمل ا‪١‬ترأة ا‪١‬تسلمة هو اإلباحة‪ ،‬ماداـ ذلك مقيدان ّتملة من الضوابط‬
‫كالشركط‪ ،‬كقد يتنقل حكم عمل ا‪١‬ترأة إُف الكراهية أك التحرمي تبعان لتمسكها بتلك الضوابط‬
‫كالشركط‪.‬‬
‫ومن ىذه الضوابط أن تلتزم ىي بأحكام اإلسالم في سلوكها والتي منها‪:‬‬

‫(ُ) ِّ‪ :‬النساء‬


‫(ِ) َُٓ‪ :‬التوبة‬
‫(ّ) ٕٗ‪:‬النحل‬

‫‪129‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫أػ االلتزاـ باللباس الشرعي‪:‬ػ ففي لباسها تلتزـ باللباس الشرعي الذم أمر به الشارع‬
‫ًً (ُ)‬ ‫ً ً‬
‫َّيب قيل‬ ‫ا‪ٟ‬تكيم بقوله تعاُف‪ ":‬كليضربن ٓتي يم ًره َّن ىعلىى يجييؤّ َّن" "ك قاؿ تعاُف‪:‬ػ " يىا أىيػُّ ىها النً ُّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ُت ىعلىٍي ًه َّن ًمن ىج ىبلبًيبً ًه َّن ذىل ى‬
‫ك أ ٍىد ىَن أىف يػي ٍعىرفٍ ىن فى ىبل يػي ٍؤذىيٍ ىن‬ ‫ً‬
‫ُت يي ٍدن ى‬
‫ًً‬ ‫ك كبػنىاتً ى ً‬
‫ك ىكن ىساء الٍ يم ٍؤمن ى‬ ‫ّْأل ٍىزىكاج ى ى ى‬
‫ً‬
‫يما(ِ) كاللباس الشرعي يكوف بسًت العورة كيكوف ذلك با‪ٞ‬تلباب كا‪٠‬تمار‪.‬‬ ‫ىكىكا ىف اللَّهي ىغ يف نورا َّرح ن‬
‫ا‪ٞ‬تلباب‪:‬ػ ما تغطي به ا‪١‬ترأة جسمها أك هو الذم يسًت ‪ٚ‬تيع البدف‪.‬‬
‫كا‪٠‬تمار‪ :‬كهو ما تغطي به ا‪١‬ترأة رأسها ك‪٨‬ترها كصدرها‪،‬ك حجاب ا‪١‬ترأة ٯتنع السفور‬
‫كاالبتذاؿ ك٭توم معاين العفة كا‪ٟ‬تياء كا﵀افظة على ا‪ٟ‬ترمات‪.‬‬

‫طسٔط المباض الظسع٘‬


‫‪ .1‬ستر العورة‪:‬ـ‬
‫العورة‪:‬ػ هي كل مكمن للسًت كعورة الرجل كا‪١‬ترأة سوءاهتما‪.‬‬
‫ك‪ٝ‬تيت العورة بذلك لقبح ظهورها كلوجوب غض األبصار عنها‪ ،‬فهي مأخوذة من العور‬

‫كهو النقص كالعيب كالقبح‪.‬كسًت العورة كاجب على الرجاؿ كالنساء‪ .‬لقوله تعاُف‪:‬ػ " يىا بىًٍت ى‬
‫آد ىـ‬
‫ك ىخٍيػهر (ّ)" كهذا يدؿ على‬ ‫قى ٍد أىنزلٍنا علىي يكم لًباسا يػوا ًرم سوءاتً يكم كًريشا كلًباس التَّػ ٍقو ً‬
‫ل ذىل ى‬
‫ىٍى ٍ ى ن ى ى ي ى ى‬ ‫ى ى ى ٍ ٍ ى ن يى‬
‫كجوب سًت العورة‪.‬كقاؿ عليه السبلـ‪:‬ػ "ال تربز فخذؾ كال تنظر فخذ حي كال ميت" (ْ)كحدكد‬
‫ين ًزينىتىػ يه َّن إًَّال ىما‬ ‫ً‬
‫عورة ا‪١‬ترأة على األجانب ‪ٚ‬تيع بدهنا إال الوجه كالكفُت لقوله تعاُف‪ " :‬ىكىال يػيٍبد ى‬

‫(ُ) ُّ‪:‬النور‬
‫(ِ) ٗٓ‪ :‬األحزاب‬
‫(ّ) ِٔ‪ :‬األعراؼ‬
‫(ْ) ابن ماجه أبو عبد ا﵁ ‪٤‬تمد بن يزيد القز كيٍت‪ٖ،‬تقيق ‪٤‬تمود ‪٤‬تمد نصار‪ ،‬سنن ابن ماجه‪،‬كتاب ا‪ٞ‬تنائز‪،‬رقم‬
‫ا‪ٟ‬تديث ُْْٗ‪ ،‬أبو داككد سليماف بن األشعث(تِٕٓهػ)‪،‬سنن أبو داككد‪،‬دار الفكر بَتكت‪ ،‬كتاب‬
‫ا‪ٞ‬تنائز رقم ا‪ٟ‬تديث ِِّٕ ‪،‬أ‪ٛ‬تد بن حنبل‪ ،‬ا‪١‬تسند‪،‬دار صادر بَتكت‪،‬باب مسند علي بن أيب طالب‪ ،‬رقم‬
‫ا‪ٟ‬تديثُُْٖ‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫()‪ .‬قاؿ ابن عباس‪:‬ػ الوجه كالكفُت كبه قاؿ ‪ٚ‬تهور الفقهاء‪.‬كأما سًت الوجه‬ ‫(ُ)‬
‫ظى ىهىر ًمٍنػ ىها"‬
‫كالكفُت إ‪٪‬تا هو سنة كمندكب إليه كقد يأخذ حكم الوجوب إذا َف تأمن ا‪١‬ترأة الفتنة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن يكون واسعاً غير ضيق ال يصف البدن‬
‫جاء عن أيب هريرة رضي ا﵁ عنه قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم‪ :‬ػ "صنفاف من أهل‬
‫النار َف أر‪٫‬تا قط‪ ،‬بأيديهم سياط كأذناب البقر‪ ،‬يضربوف ّٔا الناس‪ ،‬كنساء كاسيات عاريات‬
‫‪٦‬تيبلت رؤكسهن كأسنمة البخت ا‪١‬تائلة ال يدخلن ا‪ٞ‬تنة كال ‪٬‬تدف ر٭تها كإف ر٭تها ليوجد من‬
‫(ِ)‬
‫مسَتة كذا ككذا"‬
‫‪ .3‬أن ال يكون شفافا‬
‫ْتيث يكوف ثخينان ال يظهر ما ٖتته فعن عائشة رضي ا﵁ عنها أف أ‪ٝ‬تاء بنت أيب بكر‬
‫دخلت على رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم كعليها ثياب رقاؽ فأعرض عنها كقاؿ‪:‬ػ" يا أ‪ٝ‬تاء إذا‬
‫(ّ)‬
‫(كدخلت‬ ‫بلغت ا‪١‬ترأة ا﵀يض فبل يصلح أف ييرل منها إال هذا كهذا كأشار إُف كجهه ككفيه"‬
‫‪ٜ‬تار رقيق فشقته عائشة‬
‫على عائشة رضي ا﵁ عنها حفصة بنت عبد الر‪ٛ‬تن كعلى حفصة ه‬
‫ككستها ‪ٜ‬تاران كثيفان (ْ)‪.‬‬
‫صا ًرًه ٍم ىكىٍ٭ت ىفظيوا‬ ‫ب‪ -‬غض البصر كعدـ التربج‪:‬ػ قاؿ تعاُف " قيل لٍّْلمؤًمنًُت يػغي ُّ ً‬
‫ضوا م ٍن أىبٍ ى‬ ‫يٍ ى ى‬
‫صا ًرًه َّن‬ ‫ات يػ ٍغض ٍ ً‬
‫ض ىن م ٍن أىبٍ ى‬
‫ً ً‬ ‫ً‬
‫ك أ ٍىزىكى ى‪٢‬تي ٍم إً َّف اللَّهى ىخبً هَت ٔتىا يى ٍ‬
‫صنىػ يعو ىف (َّ) ىكقيل لٍّْل يم ٍؤمنى ى ي‬
‫ً‬
‫كج يه ٍم ذىل ى‬
‫فيػير ى‬
‫رمنها"(ُّ) (ٓ)‪ .‬فاآلية توجب غض البصر ألف‬ ‫ين ًزينىتىػ يه َّن إًَّال ىما ظى ىه ى‬ ‫ً‬
‫كج يه َّن ىكىال يػيٍبد ى‬‫ىكىٍ٭ت ىفظٍ ىن فيػير ى‬

‫(ُ) ُ‪:ّ.‬النور‬
‫(ِ) مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪،‬كتاب ا‪ٞ‬تنة كصفة أهلها‪ ،‬رقم ا‪ٟ‬تديث َٖٗٓ‪ ،‬مالك بن أنس‪(،‬تُٕٗق)‪،‬‬
‫ا‪١‬توطأ‪،‬بيت األفكار الدكلية‪،‬طعاـََِْـ‪ ،‬ما يكر للنساء من الثياب‪،‬رقم ا‪ٟ‬تديث ُُِْ‪.‬‬
‫(ّ) أبو داكد‪،‬السنن‪ ،‬كتاب اللباس رقم ا‪ٟ‬تديث َّٖٓ‪.‬‬
‫(ْ) مالك بن أنس‪ ،‬ا‪١‬توطأ‪ ،‬الكتاب ا‪ٞ‬تامع‪،‬ما يكر للنساء من اللباس رقم ا‪ٟ‬تديث َُِْ‪.‬‬
‫(ٓ) سورة النور َّ‪ُّ-‬‬

‫‪131‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ذلك يؤدم إُف حفظ الفركج كإُف تزكية األنفس‪،‬كاآلية تدؿ كذلك على ٖترمي التربج فعليها أف‬
‫الٗترج متربجة‪.‬‬
‫ج‪ -‬عدـ ا‪٠‬تضوع يف القوؿ‪ :‬لقوله تعاُف‪" :‬فبل ٗتضعن بالقوؿ فيطمع الذم يف قلبه مرض‬
‫كقلن قوالن معركفان "(ِّ‪:‬سورة األحزاب) فعليها أف تكوف جادة يف تعاملها مع اآلخرين كحازمة‬
‫غَت خاضعة يف قو‪٢‬تا كال متكسرة يف مشيتها‪.‬‬

‫ٔعم‪ ٜ‬املسأ‪ ٚ‬اُ تساع٘ االوٕز التالٗ‪:ٛ‬‬


‫ُ‪ .‬إف يكوف خركجها للعمل بدافع إٯتاين لتحقيق معٌت ا‪٠‬تبلفة على األرض‪،‬كعليها أف‬
‫تبحث عن العمل ا‪١‬تناسب لطبيعتها كتبتغي بذلك العمل مرضاة ا﵁ عز كجل‪ ،‬كعليه فستبتعد كل‬
‫البعد عما يغضب ا﵁ عز كجل‪ ،‬كتأ٘تر بكل ما أمر به‪.‬‬
‫ِ‪ .‬على ا‪١‬ترأة أف تتفقه يف أحكاـ دينها ْتيث ٘تييز بُت الواجب كا‪١‬تندكب‪ ،‬كا‪١‬تكرك‬
‫كا﵀رـ‪ ،‬فبل تقدـ مندكبان على كاجب‪ ،‬كال ٗتلط بُت ‪٤‬ترـ كمباح كتتجنب الشبهات‪.‬‬
‫(ُ)‬
‫لقوؿ النيب عليه الصبلة كالسبلـ‪:‬ػ" ا‪ٟ‬تبلؿ بُت كا‪ٟ‬تراـ بُت كبينهما أمور متشأّات "‬
‫كعندها ستقدـ ا‪١‬ترأة كاجب الزكج على كاجب العمل‪،‬كستقدـ مصلحة حفظ النفس على‬
‫مصلحة حفظ ا‪١‬تاؿ‪ ،‬كستقدـ السعادة يف البيت على السعادة خارجه‪،‬فاألمن الداخلي كاالستقرار‬
‫النفسي أهم من األمن ا‪٠‬تارجي‪ ،‬كالف االضطراب كعدـ السعادة كعدـ األمن يف الداخل البد‬
‫كاف يؤدم إُف الفشل يف ا‪٠‬تارج سواء أكاف عمبل أكغَت ذلك‪.‬‬

‫(ُ) مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪،‬ا‪١‬تساقاة أخذ ا‪ٟ‬تبلؿ كترؾ الشبهات‪،‬رقم ا‪ٟ‬تديث ُٔٗٗ)‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫اجلٍدزٖ‪ٛ‬‬
‫أكجد ا﵁ – عز كجل – البشرية‪ ،‬كأنشأ الكوف من أجل عمارته كعبادته سبحانه‪ ،‬كجعل‬
‫هناؾ أسبابان تساعد على عمارة الكوف كمنها خلق اإلنساف فجعل منه الذكر كاألنثى‪ ،‬كأناط كبلن‬
‫منهما ٔتسؤكليات تناسبه كتكوف على قدر استطاعته‪ ،‬كهيأ ‪٢‬تما من الظركؼ كالتكوين ا‪٠‬تلقي ما‬
‫يساعد كل ذلك يف إعمار الكوف‪ ،‬فللمرأة دكر تلعبه يف ا‪ٟ‬تياة حسب ما تطيق كحسب قدرهتا‬
‫فجعلها مسؤكلة عن أكالدها من ناحية الًتبية كا‪١‬تنشأ كالعناية كإعدادهم للحياة‪ ،‬كجعل الرجل‬
‫الذم خلق بطبيعة معينة ككظائف اختصه ا﵁ ّٔا لتكمل ا‪ٟ‬تياة فهو مسؤكؿ عن اإلعالة كاإلعاشة‬
‫‪٢‬تؤالء األكالد كالتوجيه كالًتبية ٔتا يتفق مع شخصية الرجل اليت خلق عليها‪.‬كجعل ا﵁ عز كجل‬
‫خلق ا‪١‬ترأة كالرجل ليحدثوا التكامل متوافقان من السياؽ الكوين‪ ،‬قاؿ تعاُف‪" :‬كهو الذم مد االرض‬
‫كجعل فيها ركاسي كأهناران كمن كل الثمرات جعل فيها زكجُت اثنُت يغشي الليل النهار إف يف ذلك‬
‫آليات لقوـ يتفكركف"(ُ)‪ .‬كقاؿ تعاُف‪" :‬كإنه خلق الزكجُت الذكر كاألنثى"(ِ)‪ .‬كقاؿ تعاُف‪:‬‬
‫"سبحاف الذم خلق األزكاج كلها ‪٦‬تا تنبت األرض كمن أنفسهم ك‪٦‬تا ال يعلموف"(ّ)‪ .‬كقاؿ تعاُف‪:‬‬
‫"كمن كل شيء خلقنا زكجُت لعلكم تذكركف"(ْ)‪ .‬كقاؿ تعاُف‪" :‬كخلق منها زكجها كبث منهما‬
‫رجاالن كثَتان كنساء كاتقوا ا﵁ الذم تساءلوف به كاألرحاـ إف ا﵁ كاف عليكم رقيبا"(ٓ)‪.‬‬

‫الرعد ّ‬ ‫(ُ)‬
‫النجم ْٓ‬ ‫(ِ)‬
‫يس ّٔ‬ ‫(ّ)‬
‫الذاريات ْٗ‬ ‫(ْ)‬
‫(ٓ) النساء‪ُ ،‬‬

‫‪133‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫تعسٖف اجلٍدز ‪ Gender‬أٔ الٍٕع االدتىاع٘‬


‫مصطلح الجندر مصطلح غريب دخيل على اللغة العربية‪ ،‬وكلمة جندر تنحدر من‬
‫(‪)1‬‬
‫أصل التيني‪ ،‬وتعني (‪ )Genus‬أي الجنس من حيث الذكورة واألنوثة‪.‬‬
‫ا‪ٞ‬تندر هي‪" :‬تغيَت األ‪٪‬تاط االجتماعية كالثقافية لدكر كل من ا‪١‬ترأة كالرجل ّٔدؼ ٖتقيق‬
‫القضاء على التجيزات كالعادات العرضية كالصورة النمطيةالدكار‪٫‬تا يف ا‪ٟ‬تياة"‪.‬‬
‫ا‪ٞ‬تندر‪ :‬كلمة تعرب عن االختبلؼ كالتمييز االجتماعي للجنس كتصف األدكار اليت تعزل‬
‫إُف النساء كالرجاؿ يف آّتمع كاليت ال يتم تعيينها بواسطة العوامل البيولوجية كإ‪٪‬تا بواسطة‬
‫ا‪١‬تعطيات االجتماعية كالقواعد الثقافية كمعايَتها ك‪٤‬تظوراهتا‪.‬‬
‫فالفكرة اليت تنادم ّٔا ا‪ٞ‬تندر تتمحور بأف األفكار كالتصورات ا‪١‬تتعلقة بنظر الذكر لنفسه‬
‫كلؤلنثى كنظرة األنثى لنفسها كللذكر كل ذلك من صنع آّتمع‪ ،‬كلذا ال بد من تغيَت هذ‬
‫الفلسفة‪ ،‬كإف ناقضت العقيدة كعادات كأخبلؽ آّتمع(ِ)‪.‬‬
‫ففكرة ا‪ٞ‬تندر يقصد ّٔا تغَت االدكار النمطية للرجل كا‪١‬ترأة‪ ،‬فيحق للرجل أف يتصرؼ كما‬
‫تتصرؼ األنثى‪ ،‬ككذلك ٭تق للمرأة أف تتصرؼ كما يتصرؼ الرجل‪.‬‬
‫ك‪٬‬تدر االشارة إُف أنه ٭تق للرجل كا‪١‬ترأة أف يغَتا جنسهما إُف ما يريدا‪ ،‬ككل ذلك مناقض‬
‫للفطرة كالعلم حيث أثبت العلم أف هناؾ فركقان فسيولوجية كطبيعية بُت ا‪١‬ترأة كالرجل من ناحية‬
‫التفكَت كا‪١‬تيوؿ كالسلوؾ كالبد من االهتماـ إُف هذ الفركؽ كمراعاهتا‪.‬‬

‫(ُ) (ا‪ٞ‬تندر‪ :‬ا‪١‬تفهوـ كا‪ٟ‬تقيقة كالغاية‬


‫حسن حسُت الواِف‪ ،‬شبكة االلوكة‪،ََِٗ.‬‬
‫‪https://www.alukah.net/culture/َ/ْٖٓٓ/#relatedContent‬‬
‫‪ٚ‬تيل ‪ٛ‬تداكم‪ ،‬ما ا‪ٞ‬ت ػنػدر؟ كما ا‪١‬تقػاربة ا‪ٞ‬تندرية؟ الطبعة األوُف َُِٖـ‪ ،‬ص ُِ‪.‬‬
‫(ِ) ا‪١‬تعهد العريب للتخطيط‪،‬النوع اا‪ٞ‬تتماعي مفاهيم أساسية‪،‬‬
‫_ُْٕ ‪http://www.arab-api. org/ images/ training/ programs/ ُ/ َُِٕ/‬‬
‫‪pََُٕٗ -ِ.pdf.‬‬

‫‪134‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫قاؿ تعاُف‪" :‬كال تتمنوا ما فضل ا﵁ به بعضكم على بعض للرجاؿ نصيب ‪٦‬تا اكتسبوا‬
‫ُ)‬
‫كللنساء نصيب ‪٦‬تا اكتسنب كاسألوا ا﵁ من فضله(‬
‫أما كقت ظهور مصطلح ا‪ٞ‬تندر ‪ Gender‬فقد ظهر هذا ا‪١‬تصطلح يف فًتة السبعينات‬
‫من هذا القرف حيث أف الكاتبة (آف أككلي) أدخلت هذا ا‪١‬تصطلح إُف علم االجتماع حيث‬
‫قالت ما يلي‪:‬‬
‫ُ‪ -‬إف األمومة خرافة‪ ،‬كال يوجد هنالك غريزة لؤلمومة‪ ،‬كإ‪٪‬تا ثقافة آّتمع هي اليت تصنع‬
‫هذ الغريزة)‪.‬‬
‫كقد بدأ العمل باستخداـ لفظة ا‪ٞ‬تندر ‪ Gender‬يف مؤ٘تر السكاف كالتنمية كالذم عقد‬
‫يف القاهرة بتاريخ ُْٗٗ‪ ،‬كظهر يف مؤ٘تر بكُت سنة ُٓٗٗ حيث تكرر (ِْٓ) مرة‪ ،‬ك‪٥‬تتلف‬
‫الربامج الدكلية البلحقة كاليت ركزت على ا‪ٞ‬تندر دكف أف ٭تدد ا‪١‬تراد منه بدقة‪.‬‬

‫(ُ) " النساء‪.ِّ :‬‬

‫‪135‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫أِداف اجلٍدز(‪:)1‬‬
‫ُ‪-‬عدـ اعتبار الفركؽ الفسيولوجية كغَتها بُت ا‪١‬ترأة كالرجل من الناحية االجتماعية‬
‫كالثقافية كاالقتصادية‪ ،‬حيث يعتربكا أف البشر هو من صنع هذ الفركؽ‪ ،‬كبأف األدياف هي اليت‬
‫(ِ)‬
‫فرقت بُت ا‪١‬ترأة كالرجل‪ ،‬حيث قاؿ تعاُف على لساف امرأة عمراف‪" ،‬كليس الذكر كاألنثى"‬
‫كلكن هذا الكبلـ مردكد عليهم حيث أف اإلسبلـ جعل ا‪١‬ترأة مشابه للرجل ٘تامان حيث‬
‫(ّ)‬
‫قاؿ عليه السبلـ "إ‪٪‬تا النساء شقائق الرجاؿ"‬

‫ككضح اإلسبلـ أف ا‪١‬ترأة تستقيم كتؤمن كما الرجل كقد تنحرؼ كما ٭تدث للرجل ٘تامان‬
‫(ْ)‬
‫حيث قاؿ تعاُف‪" :‬كنفس كما سواها فأ‪٢‬تما فجورها كتقواها"‬
‫كا‪١‬ترأة مساكية للرجل يف التشريف كالكرامة حيث قاؿ تعاُف‪" :‬كلقد كرمنا بٍت آدـ"(ٓ) كَف‬
‫يفرؽ بُت ا‪١‬ترأة كالرجل‪.‬‬
‫كما أف ا‪١‬ترأة مساكية للرجل يف التكاليف التشريعية فيجب عليها الصبلة كالصوـ كالزكاة‬
‫كالعبادات كما الرجل كتثاب كما يثاب الرجل كتؤمث كذلك قاؿ تعاُف‪" :‬من عمل صا‪ٟ‬تان من ذكر‬
‫(ٔ)‬
‫أك أنثى كهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة كلنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملوف"‬

‫(ُ) ‪ٚ‬تيل ‪ٛ‬تداكم‪ ،‬ما ا‪ٞ‬ت ػنػدر؟ كما ا‪١‬تقػاربة ا‪ٞ‬تندرية؟ الطبعة األوُف َُِٖـ‪ِْ-ُٗ ،‬ص‪ ،‬لتعميم النوع‬
‫االجتماعي االجتماعي " ا‪ٞ‬تندر " يف برنامج الدعم القطاعي للبيئة ‪ ESP‬مارس ََِٓ‪ ،‬مركز خدمات‬
‫التنمية‪ ، ُٕ-ُْ ،‬مدل فاعليةكجدات النوع االجتماعي ا‪ٟ‬تكومية من كجهة نظر ا‪١‬توسسات النسوية يف‬
‫‪٤‬تفاظات مشاؿ الضفة الغربية‪ ،ّْ،‬جامعة النجاح‪.‬‬
‫(ِ) آؿ عمراف‪.ّٔ :‬‬
‫(ّ) ركا أبو داككد يف سننه كتاب الطهارة باب يف الرجل ‪٬‬تد ليلة رقمه (َِْ)‪.‬‬
‫(ْ) الشمس‪.ٖ-ٕ :‬‬
‫(ٓ) اإلسراء‪َٕ :‬‬
‫(ٔ) النحل‪.ٕٗ :‬‬

‫‪136‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كما أف العقوبة تًتتب على ا‪١‬ترأة كما هي على الرجل قاؿ تعاُف "كالسارؽ كالسارقة‬
‫(ُ)‬
‫فاقطعوا أيديهما جزاء ٔتا كسبا نكاالن من ا﵁ كا﵁ عزيز حكيم"‬
‫ا‪١‬تسؤكلية مشًتكة بُت ا‪١‬ترأة كالرجل فهماعليهما مسؤكلية الدعوة ﵁ عز كجل "إال الذين‬
‫آمنوا كعملوا الصا‪ٟ‬تات كتواصوا با‪ٟ‬تق كتواصوا بالصرب"(ِ) كعليهما مسؤكلية تربية أكالد‪٫‬تا قاؿ‬
‫تعاُف‪" :‬يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم كأهليكم ناران كقودها الناس كا‪ٟ‬تجارة"(ّ)‪،‬كتعلم العلوـ‬
‫(ْ)‬
‫ا‪١‬تختلفة مسؤلية مشًتكة بينهما قاؿ تعاُف‪" :‬كقل رب زدين علما"‬
‫ك‪٢‬تما أف ‪٬‬تريا العقود ا‪١‬تختلفة‪ ،‬ك‪٢‬تما أف يرثا كيورثا حيث قاؿ تعاُف‪" :‬كللرجاؿ نصيب ‪٦‬تا‬

‫ترؾ الوالداف كاألقربوف كللنساء نصيب ‪٦‬تا ترؾ الوالداف كاألقربوف ‪٦‬تا قل منه أك كثر نصيبان‬
‫(ٓ)‬
‫مفركضان"‬
‫كخبلصة األمر أف ا‪١‬ترأة مساكية الرجل ٘تامان من ناحية إنسانيتها ككرامتها كلكن هنالك‬
‫فركقات فسيولوجية بُت ا‪١‬ترأة كالرجل‪ ،‬حيث أف ا‪١‬ترأة خلقت بشكل معُت كجعلت فيه غريزة‬
‫األمومة كالعاطفة كقوة ا‪١‬تشاعر كاألحاسيس أقول ‪٦‬تا كجد عند الرجل ‪٦‬تا ‪٬‬تعله مؤهبلن ألعماؿ‬
‫تناسبه أكثر ‪٦‬تا تناسب ا‪١‬ترأة‪.‬‬
‫كهذا االختبلؼ بينهما ما هو إال اختبلؼ تكامل ْتيث يؤدم كبلن منهما كظيفة ْتسب‬
‫طبيعته فما بنيت عليه ا‪١‬ترأة من العاطفة كاألحاسيس ا‪١‬ترهفة يف غالب حا‪٢‬تا يساعدها على إنشاء‬
‫األطفاؿ كتوجيههم كتدريسهم للحياة كهذا ال عيب فيه بل فيه من التكامل بُت الرجل كا‪١‬ترأة‬
‫فا‪١‬ترأة ال تستطيع أف ٖتفر اآلبار أك تسوؽ اآلالت الثقيلة أك تتعامل مع ما ٮتتلف مع فطرهتا‬
‫حيث أف هذا التعامل ما يدمر سعادهتا الذاتية اليت ٕتدها بُت أكالدها كاألعماؿ ا‪ٟ‬تقيقية اليت‬

‫(ُ) ا‪١‬تائدة‪.ّٖ :‬‬


‫(ِ) العصر‪ّ :‬‬
‫(ّ) التحرمي‪ٔ:‬‬
‫(ْ) طه‪.ُُْ :‬‬
‫(ٓ) النساء‪.ٕ،‬‬

‫‪137‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫تستطيع أف تقوـ ّٔا‪ ،‬بينما ‪٧‬تد الرجل يقوـ باألعماؿ الشاقة كاليت قد ترهق ا‪١‬ترأة من النظر إليها‬
‫فقط فكيف ٔتزاكلتها‪.‬‬
‫كال يقوؿ ِف قائبلن إف فبلنة كانت كذا ككذا‪ ...‬نقوؿ ‪٨‬تن نتحدث عن الغالب كاألعم‬
‫كالعربة له ال نتحدث عن نساء قليبلت ال يقاس عليهن‪.‬‬
‫قد نرل الرجل يرل القتل كالدـ فيتأثر ٔتا يناسب خلقته كلكننا ‪٧‬تد أف ا‪١‬ترأة ال تتحمل‬
‫ذلك قد تصاب بأمراض نفسية حيث أف العاطفة عندها غالبة كهكذا خلقت لتكمل ا‪ٟ‬تياة‬
‫حيث غلبت العاطفة عندها لتقوـ بًتبية أكالدها كرعايتهم كغلب عند إذف الفركقات الفسيولوجية‬
‫بُت ا‪١‬ترأة‪ ،‬العقل على العاطفة كالرجل ال ينكرها عاقل‪.‬‬
‫كتطور ا‪ٟ‬تياة اإلنسانية كارتقاؤها ال يرتبط بفكرة ا‪ٞ‬تنس فللذكر دكر كلؤلنثى دكرها‪.‬‬
‫ِ‪ -‬كهتدؼ ا‪ٞ‬تندرة إُف ٘تكُت ا‪١‬ترأة كإعادة الثقة بنفسها كأ‪٫‬تية مشاركتها يف صنع القرار‪.‬‬
‫كمن ضمن التمكُت ا‪١‬تساكاة ا‪٢‬تامة بُت الذكر كاألنثى كهذا الكبلـ نرا ال ٮتالف ديننا بل‬
‫يتفق معه كلكن يقوؿ أنه ال يوجد مساكاة عامة بُت الطرفُت إ‪٪‬تا ينظر اإلسبلـ إُف ا‪١‬ترأة ٔتنظور‬
‫العدالة ال ا‪١‬تساكاة‪.‬‬
‫ّ‪ -‬التخلي عن الدكر التقليدم لؤلسرة أم أهنا تتكوف من أب كأـ كأبناء أم من ا‪١‬تمكن‬
‫أف تقاـ األسر بناء على كجود أـ كأـ كأبناء أك كجود أب كأب كأبناء كهذا يعٍت تشجيع ا‪١‬تثلية‬
‫كاللواط كالشواذ‪.‬‬

‫أثاز الجكاف‪ ٛ‬اجلٍدزٖ‪:ٛ‬‬


‫ُ‪ -‬ال يؤمنوف باألمومة حيث يركف أف األمومة هي ثقافة ‪٣‬تتمعية فهي خرافة أم ال‬
‫يشجعوف ا‪١‬ترأة على أخذ دكرها الطبيعي لؤلمومة‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ِ‪ -‬ال يشجعوف إ‪٧‬تاب ا‪١‬ترأة ألف اإل‪٧‬تاب يكوف سدان كحاجزان ٯتنع ا‪١‬ترأة من مساكاهتا مع‬
‫الرجل حيث هنالك ‪ٛ‬تل كإ‪٧‬تاب كرضاعة لذا أباحوا زكاج ا‪١‬تثليُت كالشواذ كإذا أرادكا طفبلن –‬
‫كهو أمر بالفطرة – شجعوا على التبٍت‪.‬‬
‫ّ‪ -‬إلغاء الفوارؽ البيولوجية أك التارٮتية اليت تعمل على ٘تييز جنسي بُت الذكر كاألنثى‬
‫حيث تقوؿ "سيموف ديبو فواغ"‪" :‬ال يولد اإلنساف امرأة إ‪٪‬تا يصبح كذلك"‪.‬‬
‫كتقوؿ إحداهن‪" :‬إف فكرة الطبيعة ال تعرب عن قيمة إنسانية ذات باؿ‪ ،‬ألف اإلنسانية‬
‫بدأت تتخطى الطبيعة"‪ .‬كهذا يعٍت أف الفوارؽ التشر٭تية كالوظيفية بُت الذكر كاألنثى َف تعد ذات‬
‫قيمة كهذا يعٍت أف تعمل ا‪١‬ترأة أعماؿ الرجل‪ ،‬كاألنثى تعمل أعماؿ الذكر‪.‬‬
‫ْ‪ -‬ينزع تيار ا‪ٞ‬تندرية إُف الفردية حيث يعامل ا‪١‬ترأة على أهنا كائن فردم أم حرة اإلرادة‬
‫أم تتصرؼ ّتسدها بعيدة عن ركابط الزكاج كاألبناء كاألسرة كآّتمع ككل‪.‬‬
‫ٓ‪ -‬تتفق ا‪ٞ‬تندرة مع ا‪١‬تاركسية أم أف كبل ا‪١‬تفهومُت يؤمنوف بوجود صراع بُت ا‪١‬ترأة كالرجل‬
‫مع أف ديننا ا‪ٟ‬تنيف يرل أف العبلقة تكامل بُت ا‪١‬ترأة كالرجل كبل منهما يكمل اآلخر‪.‬‬
‫ٔ‪ -‬تلتقي ا‪ٞ‬تندرية مع ا‪١‬تاركسية بأف كبل‪٫‬تا يهدفاف إُف هدـ األسرة حيث يرل أف األسرة‬
‫من ا‪١‬تعوقات األساسية ‪٢‬تدـ آّتمع‪.‬‬
‫ٕ‪ -‬كتلتقي ا‪ٞ‬تندرية مع ا‪١‬تاركسية بإلغاء الطبقية ا‪ٞ‬تنسية بُت ا‪١‬ترأة كالرجل كبالتاِف ٭تدث‬

‫خلل يف كظائف الطرفُت كعليه فإف للرجل أف يصبح امرأة‪ ،‬كا‪١‬ترأة ٭تق ‪٢‬تا أف تصبح رجبلن شكبلن‬
‫كتصرفات‪.‬‬
‫ٖ‪ -‬إلغاء دكر ا‪١‬ترأة االجتماعي فاألمومة كالًتبية كاالهتماـ باألجياؿ هذا ال معٌت له يف‬
‫مفهوـ ا‪ٞ‬تندر‪.‬‬
‫ٗ‪ -‬يشجعوف عمل ا‪١‬ترأة يف ‪ٚ‬تيع ‪٣‬تاالت ا‪ٟ‬تياة بغض النظر هل يتفق مع طبيعتها أـ ال‬
‫مثل ا‪ٟ‬تدادة كعاملة باطوف عامل مناجم كهكذا‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫َُ‪ -‬كيرل أف من يؤيد ا‪ٞ‬تندرية إف من ٮتالفها يعد ‪٣‬ترما يف حق اإلنسانية حيث كرد يف‬
‫مؤ٘تر ركما إلنشاء ‪٤‬تكمة ا‪ٞ‬تنايات الدكلية ُٖٗٗ‪" :‬كل تفرقة أك عقاب على أساس ا‪ٞ‬تندر‬
‫تشكل جرٯتة ضد اإلنسانية‪.‬‬
‫ُُ‪ -‬تنظر ا‪ٞ‬تندرية إُف أف الرجل يهيمن على ا‪١‬ترأة كٯتارس قوته عليها كأف آّتمع الذم‬
‫تعيش فيه ا‪١‬ترأة أنه ‪٣‬تتمعان ذكوريان كعليه ‪٬‬تب أف ٯتنح ا‪١‬ترأة قوة سياسية كاجتماعية كاقتصادية‬
‫مساكية للرجل يف ‪ٚ‬تيع ‪٣‬تاالت ا‪ٟ‬تياة حىت كلو هدمت األسرة‪.‬‬
‫ك ال يتفق هذا الكبلـ مع ا‪١‬تفهوـ اإلسبلمي حيث جعل ا‪١‬ترأة حرة يف حياهتا سواء كاف‬
‫هذا األمر يف آّاؿ االجتماعي كاالقتصادم كالثقايف كالسياسي‪.‬كال ننسى أف اإلسبلـ ضبط ا‪١‬ترأة‬
‫كالرجل على حد سواء بضوابط شرعية‪.‬‬
‫ما رأينا من أثار مت ذكرها هنا أهنا تتناقض مع توجهات االسبلـ كالدين ا‪ٟ‬تنيف إذ يؤمن‬
‫الشرع أف الرجل كا‪١‬ترأة من ‪٥‬تلوقات ا﵁ اليت مت تكرٯتها‪ ،‬كمنحها حقوقا كثَتة كبُت دكر‪٫‬تا كاهنما‬
‫يكمبلف بعضهما البعض‪ ،‬كالعبلقة عبلقة تكميلية بُت ا‪١‬تراة كالرجل‪ ،‬كعبلقتهما عبلقة تقوـ على‬
‫ا‪١‬تودة كاالحًتاـ‪ ،‬كَف ير االسبلـ اف هنالك فكرة صراع بينهما كعبلقتهما عبلقة طردية كتكميلية‬
‫العمار االرض كالعبادة‪.‬‬

‫دسا‪ٟ‬ي الظسف‬

‫دسا‪ٟ‬ي الظسف‪:‬‬
‫جرائم الشرؼ يقصد ّٔا‪:‬هي عمل إنتقامي بقصد القتل أك ما دكنه‪ ،‬يقًتؼ من قبل أفراد‬
‫األسرة على فرد‪ ،‬أك أكثر من األسرة‪ ،‬أك من خارجها بذريعة ا‪ٟ‬تفاظ على ‪ٝ‬تعة كشرؼ األسرة‬
‫كمكانتها ا‪١‬توركثة(ُ)‪.‬‬

‫(ُ) د‪.‬علي ابو البصل‪ ،‬جرائم الشرؼ دراسة فقهية مقارنة‪ ،‬ص ُِ‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫وٕقف الظسٖع‪ ٛ‬اإلسالوٗ‪ ٛ‬وَ احملافع‪ ٛ‬عم‪ ٜ‬األعساض‬


‫حرصت الشريعة اإلسبلمية على ‪ٛ‬تاية األعراض كجعلتها أحدل مقاصدها الكربل‪،‬‬
‫حيث تعترب من ا‪١‬تصاٌف العامة اليت اهتمت ّٔا كحافظت عليها‪ ،‬كاعتربهتا هدفان من أهدافها‬
‫السامية‪ ،‬ككضعت عقوبات زاجرة لكل من يعتدم على األعراض‪ ،‬كنظرت إُف افعاؿ اإلعتداء‬
‫على أهنا مفاسد ينبغي درؤها بكل أشكاؿ ا‪١‬تنع‪ ،‬كيربز هذا ا‪ٟ‬ترص يف إتاهيُت(ُ)‪:‬‬
‫التشريعات الوقائية‪ :‬إف اإلسبلـ ٔتنهجهه القومي كضع تشريعات كقائية متعددة ترشد‬
‫الناس إُف ا‪٠‬تَت كتغرس القيم السامية كركح الفضيلة؛ حيث حثت على النكاح‪ ،‬كندبت إُف حسن‬
‫إختيار الزكجة كالنظر إليها‪ ،‬حىت يدخل الزكجاف إُف تلك ا‪ٟ‬تياة ك‪٫‬تا يف غاية الرضا‪.‬‬
‫كيف ا‪١‬تقابل حرمت الشريعة كل الوسائل اليت تؤدم إُف الزنا كاللواط كاإلغتصاب مثل‪:‬‬
‫النظر ا﵀رـ‪ ،‬كالتربج كابداء الزينة‪ ،‬ككشف العورات لغَت الزكج‪ ،‬كاإلختبلط ا﵀رـ‪ ،‬كمصافحة غَت‬
‫ا﵀ارـ‪ ،‬كخركج النساء بالطيب كخضوعهن بالقوؿ‪.‬‬
‫التشريعات الزجرية‪ :‬كيقصد ّٔا تلك األحكاـ ا‪ٞ‬تزائية اليت من شأهنا ‪ٛ‬تاية الناس من‬

‫جنايات ضعفاء اإلٯتاف‪ ،‬فرتبت الشريعة اإلسبلمية ألمثاؿ هؤالء أحكامان جزاءن ‪٢‬تم‪ ،‬كردعان‬
‫ألمثا‪٢‬تم‪ ،‬كمن ذلك عقوبات الزنا كاللواط كالقذؼ كغَتها من جرائم اإلعتداء على أعراض الناس‬
‫كاليت هتدد أمن كاستقرار آّتمع‪.‬‬

‫وٕقف الظسٖع‪ ٛ‬االسالوٗ‪ ٛ‬وَ دسا‪ٟ‬ي الدفاع عَ الظسف‬


‫لقد نصت الشريعة اإلسبلمية على حق اإلنساف يف الدفاع عن نفسه كجعلته من ا‪١‬تقاصد‬
‫كالقيم العليا‪ ،‬كما حرمت كجرمت الزنا كاإلغتصاب كالقذؼ كهتك العرض ككضعت عقوبات‬
‫رادعة ‪١‬تن اقًتفها؛ فالشريعة اإلسبلمية كفلت حق اإلنساف يف ا‪ٟ‬تياة‪ ،‬كحرمت االعتداء عليها‪،‬‬
‫كاعتربت القتل بغَت حق من الكبائر‪ ،‬كشرعت القصاص لرد أم شكل من اشكاؿ اإلعتداء على‬

‫(ُ) خالد بن ‪٤‬تمد ا‪ٟ‬تميزم‪ ،‬ا‪ٟ‬تماية ا‪ٞ‬تنائية للعرض دراسة تأصيلية مقارنة‪ ،‬صُّ‪.ُْ-‬‬

‫‪141‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ا‪ٟ‬تياة اإلنسانية‪ ،‬كتوعد ا﵁ تبارؾ كتعاُف فاعله بالغضب كاللعنة يف الدنيا كاآلخرة‪ ،‬كَف يكتف‬
‫َّم‬ ‫ً‬
‫اإلسبلـ بتحرمي القتل كتعدل إُف التجرمي‪ ،‬قاؿ تعاُف‪ ( :‬ىكىم ٍن يػى ٍقتي ٍل يم ٍؤمننا يمتىػ ىع ّْم ندا فى ىجىز ياؤي ىج ىهن ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬
‫يما) (ُ) ‪.‬‬ ‫ب اللَّهي ىعلىٍيه ىكلى ىعنىهي ىكأ ىىع َّد لىهي ىع ىذابنا ىعظ ن‬
‫ىخال ندا ف ىيها ىك ىغض ى‬
‫أما قتل ا‪١‬ترأة باسم الشرؼ فذلك ‪٦‬تا ال يقر الشرع‪ ،‬حيث يعترب اإلسبلـ القتل من جرائم‬
‫القصاص اليت تتعلق باإلعتداء على النفس كهي بذلك من ا‪ٞ‬ترائم اليت قاؿ ا﵁ تعاِف يف شأهنا‪:‬‬
‫س أ ٍىك فى ىس واد‬
‫"كىال تىػ ٍقتيػليوا النَّػ ٍفس الًَّيت ىحَّرىـ اللَّهي إًَّال بًا ٍ‪ٟ‬تى ّْق"(ِ) ‪ ،‬كقوله تعاُف‪ " :‬ىمن قىػتىل نػى ٍف نسا بًغى ًٍَت نػى ٍف و‬
‫ى‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫‪ٚ‬تيعا كمن أىحياها فى ىكأَّى‪٪‬تىا أىحيا النَّاس ىً‬
‫‪ٚ‬ت نيعا"(ّ) ‪.‬‬ ‫ض فى ىكأَّى‪٪‬تىا قىػتىل الن ً‬
‫ًيف ٍاأل ٍىر ً‬
‫ٍى ى‬ ‫َّاس ى ن ى ى ٍ ٍ ى ى‬
‫ى ى‬
‫أدل‪ ٛ‬حتسٖي دسا‪ٟ‬ي الكتن حبذ‪ ٛ‬الدفاع عَ الظسف‬
‫أدلة التحرمي من القرآف الكرمي‪:‬‬
‫ىم ىذ و ً‬
‫ت‪ ،‬بًأ ّْ‬ ‫ً‬
‫ُ‪ .‬قوله تعاُف ( ىكإً ىذا الٍ ىم ٍوءي ى‬
‫(ْ)‬
‫ت)‬
‫نب قيتلى ٍ‬ ‫كدةي يسئلى ٍ‬
‫س الًَّيت ىحَّرىـ اللَّهي إًَّال بً ٍ‬
‫(ٓ)‬
‫ا‪ٟ‬تى ّْق)‬ ‫ِ‪ .‬قوله تعاُف‪ ( :‬ىكىال تىػ ٍقتيػليوا النَّػ ٍف ى‬
‫آخىر ىكال يػى ٍقتيػليو ىف النَّػ ٍفس الًَّيت ىحَّرىـ اللَّهي إًالَّ‬ ‫ً‬ ‫َّ ً‬
‫ى‬ ‫ين ال يى ٍد يعو ىف ىم ىع اللَّه إً‪٢‬تنا ى‬
‫ّ‪ .‬قوله تعاُف‪ ( :‬ىكالذ ى‬
‫(ٔ)‬
‫ىثاما)‬ ‫ً‬ ‫بً ٍ‬
‫ك يػىلٍ ىق أ ن‬
‫ا‪ٟ‬تى ّْق ىكال يػىٍزنيو ىف ىكىم ٍن يػى ٍف ىع ٍل ذل ى‬
‫ب اللَّهي ىعلىٍي ًه‬ ‫ً‬ ‫ْ‪ .‬قوله تعاُف‪( :‬كمن يػ ٍقتل مؤًمنا ُّمتػع ّْمدا فىجزاؤ جهن ً ً‬
‫َّم ىخال ندا ف ىيها ىكغىض ى‬ ‫ى ى ى ي ٍ ي ٍ ن ى ى ن ى ى يي ى ى ي‬
‫(ٕ)‬ ‫ً‬
‫ىكلى ىعنىهي ىكأ ىىع َّد لىهي ىع ىذابنا ىعظ ن‬
‫يما)‬

‫(ُ) النساء‪ّٗ :‬‬


‫(ِ) اإلسراء‪ّّ:‬‬
‫(ّ) ا‪١‬تائدة‪ِّ:‬‬
‫(ْ) (التكوير‪)ٗ-ٖ:‬‬
‫(ٓ) (اإلسراء‪.)ّّ:‬‬
‫(ٔ) (الفرقاف‪.)ٖٔ:‬‬
‫(ٕ) (النساء‪)ّٗ :‬‬

‫‪142‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫فااليات الكرٯتة السالفة الذكر تدؿ داللة قاطعة على حرمة القتل بشىت صور ما َف يكن‬
‫ْتق ثابت كالقصاص‪ ،‬كقد أعد ا﵁ للقاتل بغَت حق عذابان أليما يف األخرة كعقابا يف الدنيا‪ ،‬كقد‬
‫تنوعت أساليب اإليات يف بياف حرمة القتل كالتشنيع على فاعله(ُ)‪.‬‬

‫أدل‪ ٛ‬التشسٖي وَ الشٍ‪ ٛ‬الٍبٕٖ‪:ٛ‬‬

‫صلَّى ا﵁ي ىعلىٍي ًه ىك ىسلَّ ىم‪):‬الى ىً٭تلُّ‬ ‫قاؿ ي ً‬ ‫مسعود ‪ -‬ىر ًضي ا﵁ي ىعٍنهي‪ -‬ى‬ ‫و‬ ‫عن اب ًن‬
‫رسوؿ ا﵁ ى‬ ‫قاؿ‪ :‬ى‬ ‫ُ‪ٍ .‬‬
‫الزًاين‪ ،‬ىكالنَّػ ٍف ً‬ ‫وؿ ا﵁ً إًالَّ بًًإح ىدل ثىبلى و‬
‫ث‪ :‬الثػَّيّْ ً‬ ‫ً ً‬ ‫و ً‬
‫س‬ ‫ب َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ىد يـ ٍام ًرئ يم ٍسل وم يى ٍش ىه يد أىف الى إلىهى إالَّ ا﵁ي كأ ّْىين ي‬
‫رس ي‬
‫اع ًة) (ِ)‪.‬‬ ‫ً ً‬ ‫ً ً ً ًً‬ ‫بًالنَّػ ٍف ً‬
‫س‪ ،‬ىكالتَّا ًرؾ لدينه الٍ يم ىفا ًرؽ ل ٍل ىج ىم ى‬
‫فا‪ٟ‬تديث الشريف يفيد صراحة عصمة دـ ا‪١‬تسلم‪ ،‬كال يستباح إال يف حاالت ‪٤‬تددة‪.‬‬
‫السبع الٍموبًىق ً‬ ‫اؿ‪ً :‬‬ ‫ً‬ ‫ِ‪ .‬عن أًىيب هريػرةى‪ ،‬أى ٌف رس ى ً‬
‫ات‪،‬‬ ‫(اجتىنبيوا َّ ٍ ى ي‬ ‫صلَّى اللَّهي ىعلىٍيه ىك ىسلَّ ىم قى ى ٍ‬
‫وؿ اللَّه ى‬ ‫ىي‬ ‫ى ٍ ي ىٍى‬
‫س الًَّيت ىحَّرىـ اللَّهي إًَّال بً ٍ‬
‫ا‪ٟ‬تى ّْق ىكأى ٍك يل‬ ‫ُّح ىكقىػٍتل النَّػ ٍف ً‬ ‫ً َّ ً‬ ‫وؿ اللَّ ًه ىما ًه ىي؟ قى ى‬
‫اؿ‪ :‬الش ٍّْريؾ بالله ىكالش ُّ ي‬ ‫يل‪ :‬يىا ىر يس ى‬
‫ق ى‬
‫ً‬
‫ً ً (ّ)‪.‬‬
‫ت الٍ يم ٍؤمنىات)‬ ‫ات الٍغىافً ىبل ً‬‫ؼ الٍمحصنى ً‬ ‫الربا كأى ٍكل م ًاؿ الٍيتًي ًم كالتػَّوِّْف يػوـ َّ ً‬
‫الز ٍحف ىكقى ٍذ ي ي ٍ ى‬ ‫ّْى ى ي ى ى ى ى ى ٍ ى‬
‫من خبلؿ هذ النصوص يتبُت لنا أف النيب عليه السبلـ عندما تعامل مع قضايا العرض‬
‫كالشرؼ َف يأمر بالقتل‪ ،‬بل طلب البينة تارة كأمر بالتثبت تارة أخرل(ْ)‪.‬‬

‫أسباب ازتهاب دسا‪ٟ‬ي الدفاع عَ الظسف‬


‫ُ‪ .‬الزنا(ٓ)‪:‬‬
‫الزنا من ا‪ٞ‬ترائم البشعة اليت ٘تثل اعتداءن على األعراض كانتهاكان ‪٢‬تا‪ ،‬كقد حرمته الشريعة‬
‫الزنىا إًنَّه ىكا ىف فى ً‬
‫اح ىشةن ىك ىساءى ىسبً نيبل) (االسراء‪.)ِّ:‬‬ ‫اإلسبلمية ٖترٯتان قاطعان لقوله تعاُف‪ ( :‬ىكىال تػى ٍقىربيوا ّْ ي‬

‫د‪ .‬علي ابو البصل‪ ،‬جرائم الشرؼ‪ ،‬صُْ‪.ُٕ-‬‬ ‫(ُ)‬


‫أخرجه البخارم‪ ،‬كتاب الديات‪ ،‬جٗ‪ ،‬صٔ‪.‬‬ ‫(ِ)‬
‫أخرجه البخارم‪ ،‬باب رمي ا﵀صنات‪ ،‬جٔ‪ ،‬صُِْٓ‪ ،‬حديث رقم ْٓٔٔ‪.‬‬ ‫(ّ)‬
‫د‪ .‬علي ابو البصل‪ ،‬جرائم الشرؼ‪ ،‬صُٕ‪.َِ-‬‬ ‫(ْ)‬
‫(ٓ) عبدالرحيم دراغمة‪ ،‬جﺭﺍئﻡ ﺍلشﺭﻑ في ﺍلشﺭيعة ﺍإلسبلمية مقاﺭنة بقانﻭﻥ ﺍلعقﻭباﺕ ﺍألﺭﺩني‪ ،‬صّّ‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كقد جعلت الشريعة اإلسبلمية عقوبة الزاين الغَت ‪٤‬تصن رجبلن كاف أك امرأة ا‪ٞ‬تلد مئة‬
‫اح ود ّْمٍنػ يه ىما ًمائىةى ىج ٍل ىدةو)‬
‫الزًاين فىاجلً يدكا يك َّل ك ً‬
‫ى‬ ‫ٍ‬ ‫(الزانًيىةي ىك َّ‬
‫جلدة لكل كاحد منهما لقوله تعاُف‪َّ :‬‬
‫(النور‪.)ِ:‬‬
‫كالرجم حىت ا‪١‬توت للزاين ا﵀صن رجبلن كاف أك امرأة كذلك ‪١‬تا ثبت عن الرسوؿ صلى ا﵁‬
‫عليه كسلم أنه رجم ماعز كالغامدية(ُ)‪.‬‬
‫سائِ ُك ْم‬ ‫اح َ ِ‬‫الالتِي يأْتِين الْ َف ِ‬
‫شةَ من نِّ َ‬ ‫كيثبت الزنا بشهادة أربعة من الشهود لقوله تعاُف‪َ ( :‬و َّ َ َ‬
‫استَ ْش ِه ُدوا َعلَْي ِه َّن أ َْربَـ َعةً ِّمن ُك ْم) (النساء‪ ،)ُٓ:‬كيثبت باإلقرار‪ ،‬كالقرائن كأف ٖتمل ا‪١‬ترأة بدكف‬
‫فَ ْ‬
‫زكاج‪،‬‬
‫كاللعاف كأحد كسائل اثبات الزنا كهو خاص بالزكج اذا اهتم زكجته بالزنا كليس له شهود‬
‫إال نفسه‪.‬‬
‫كقد ْتث الفقهاء مسألة قتل الرجل زكجته دفاعان عن الشرؼ‪ ،‬كلبياف ا‪ٟ‬تكم الشرعي‬
‫ينبغي التمييز بياف ا‪ٟ‬تاالت التالية‪:‬‬
‫ُ‪ .‬القتل يف حاؿ التلبس بالزنا‪ :‬ذهب الفقهاء إُف عدـ كجوب القصاص على من قتل‬
‫زكجته‪ ،‬اك أحد ‪٤‬تارمه‪ ،‬أك من يزين ّٔا يف حاؿ التلبس بالزنا إذا أقاـ البينة على ذلك(‪.)2‬‬

‫(ُ) أخرجه البخارم‪ ،‬باب رجم ا﵀صن‪ ،‬حديث رقم ُٖٓٔ‪..‬‬


‫(ِ) ابن ا‪٢‬تماـ‪ ،‬شرح فتح القدير‪ ،‬جٓ‪ ،‬صُّّ‪ ،‬الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ ،‬جٔ‪ ،‬صُٕٗ‪ ،‬النوكم‪ ،‬ركضة‬
‫الطالبُت‪ ،‬جٕ‪ ،‬صّٓٗ‪ ،‬ابن النجار‪ ،‬منتهى اإلرادات‪ ،‬جٓ‪ ،‬صُِٔ‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫(‪)1‬‬
‫إُف‬ ‫كقد اختلف الفقهاء يف حاؿ عدـ كجود البينة لدل الزكج‪ ،‬فذهب ا‪ٞ‬تمهور‬
‫القصاص من القاتل ما َف يأت بالبينة على كقوع جرٯتة الزنا‪ ،‬أك يصدقه كِف ا‪١‬تقتوؿ يف ادعائه‪،‬‬
‫كذهب آخركف(‪ )2‬إُف سقوط القصاص على من قتل زكجته أك أحد ‪٤‬تارمه اثناء تلبسهما يف الزنا‬
‫سواء كجدت البينة أـ ال‪.‬‬
‫ِ‪ .‬القتل يف حاؿ عدـ التلبس بالزنا اك انتهاء فعل الزنا كتكلم الناس به‪ :‬فبل ‪٬‬توز القتل‬
‫دفاعان عن الشرؼ ّٓرد الشبهة أك التهمة أك اإلشاعات اليت تنتشر بُت أفراد آّتمع‪ ،‬كللزكج يف‬
‫هذ ا‪ٟ‬تالة ا‪ٟ‬تق يف مبلعنة زكجته(‪.)3‬‬
‫ِ‪ .‬اإلغتصاب(ْ)‪:‬‬
‫كهو زنا كلكنه يتم باإلكرا من قبل الرجل للمرأة‪ ،‬فهو يقوـ على الوطء غَت ا‪١‬تشركع‬
‫بإجبار ا‪١‬ترأة على هذا الفعل كانعداـ رضاها كتوفر القصد ا‪ٞ‬تنائي‪ ،‬كحكم اإلغتصاب للمعتدم‬
‫هو ذاته حكم الزنا من حيث ا‪ٟ‬ترمة كالعقوبة ككسائل إثباته‪ ،‬كٯتكن اإلستعانة بأهل ا‪٠‬تربة كمعاينة‬
‫آٍّت عليها عن طريق الكشف الطيب يف إثبات ا‪ٞ‬ترٯتة‪.‬‬

‫(ُ) الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ ،‬جٔ‪ ،‬صُٕٗ‪ ،‬النوكم‪ ،‬ركضة الطالبُت‪ ،‬جٕ‪ ،‬صّٓٗ‪ ،‬ابن النجار‪ ،‬منتهى‬
‫اإلرادات‪ ،‬جٓ‪ ،‬صُِٔ‪.‬‬
‫(ِ) ابن عابدين‪ ،‬حاشية ابن عابدين‪ ،‬جٔ‪ ،‬صٖٕ‪ ،‬الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ ،‬جٔ‪ ،‬صُٕٗ‪ ،‬ابن القيم‪،‬‬
‫زاد ا‪١‬تعاد‪ ،‬جٓ‪ ،‬صَْٔ‪.‬‬
‫(ّ) ابن فرحوف‪ ،‬تبصرة ا‪ٟ‬تكاـ‪ ،‬جِ‪ ،‬صُٓٗ‪ ،‬الشربيٍت‪ ،‬مغٍت ا﵀تاج‪ ،‬جٓ‪ ،‬صْٕٓ‪ ،‬البهويت‪ ،‬كشاؼ‬
‫القناع‪ ،‬جٔ‪ ،‬صُِِ‪.‬‬
‫(ْ) عبدالرحيم دراغمة‪ ،‬جﺭﺍئﻡ ﺍلشﺭﻑ في ﺍلشﺭيعة ﺍإلسبلمية مقاﺭنة بقانﻭﻥ ﺍلعقﻭباﺕ ﺍألﺭﺩني‪ ،‬صْْ‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ّ‪ .‬القذؼ(ُ)‪:‬‬
‫القذؼ هو اعتداء على األعراض بالقوؿ كرميها بالزنا‪ ،‬كهو كبَتة من الكبائر حرمتها‬
‫الشريعة االسبلمية بنصوص الكتاب كالسنة كاإل‪ٚ‬تاع‪ ،‬قاؿ تعاُف‪( :‬كالَّ ًذين يػرمو ىف الٍمحصنى ً‬
‫ات يمثَّ‬ ‫ى ى ىٍ ي ي ٍ ى‬
‫ك هم الٍ ىف ً‬
‫اس يقو ىف)‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ىَف يأٍتيوا بًأىربػع ًة شهداء فى ً‬
‫ُت ىج ٍل ىدةن ىكىال تىػ ٍقبىػليوا ى‪٢‬تي ٍم ىش ىه ىادةن أىبى ندا ىكأيكلىئ ى ي ي‬
‫كه ٍم ى‪ٙ‬تىان ى‬
‫اجل يد ي‬
‫ٍ ى ٍى ى ي ى ى ى ٍ‬
‫(النور‪.)ْ :‬‬
‫وؿ اللَّ ًه ىما‬‫يل‪ :‬يىا ىر يس ى‬ ‫ً ً ً‬ ‫(اجتىنًبيوا َّ‬
‫السٍب ىع الٍ يموب ىقات‪ ،‬ق ى‬ ‫كمن السنة حديث النيب عليه السبلـ‪ٍ :‬‬
‫الربىا ىكأى ٍك يل ىم ًاؿ الٍيىتًي ًم‬ ‫س الًَّيت ىحَّرىـ اللَّهي إًَّال بً ٍ‬
‫ا‪ٟ‬تى ّْق ىكأى ٍك يل ّْ‬ ‫ُّح ىكقىػٍتل النَّػ ٍف ً‬ ‫ً َّ ً‬
‫اؿ‪ :‬الش ٍّْريؾ بالله ىكالش ُّ ي‬‫ًه ىي؟ قى ى‬
‫ات) (ِ)‪.‬‬ ‫ت الٍمؤًمنى ً‬ ‫ؼ الٍمح ً ً ً‬ ‫كالتػَّوِّْف يػوـ َّ ً‬
‫صنىات الٍغىاف ىبل ي ٍ‬ ‫الز ٍحف ىكقى ٍذ ي ي ٍ ى‬ ‫ى ى ىٍ ى‬
‫كتثبت جرٯتة القذؼ بإحدل كسائل اإلثبات ا‪١‬تعتربة شرعان من شهادة أك إقرار أك باليمُت‬
‫ا‪١‬تردكدة‪...‬اٍف(ّ)‪.‬‬
‫كقد جعلت الشريعة اإلسبلمية حد عقوبة القاذؼ با‪ٞ‬تلد ‪ٙ‬تانُت جلدة‪ ،‬كعدـ قبوؿ‬
‫شهادته لسقوط عدالته‪ ،‬ككصفه بالفسق‪ ،‬إذا توافرت الشركط الواجب توافرها يف حد القذؼ‪.‬‬
‫ْ‪ .‬هتك العرض(ْ)‪:‬‬
‫كهو اإلعتداء الواقع على مواطن العفة‪ ،‬أك ما يعد عورة لدل اإلنساف‪ ،‬كإ‪ٟ‬تاؽ األذل‬
‫كالعار يف عرضه كشرفه سواء كقع هذا الفعل من ذكر أك أنثى‪.‬‬

‫ا‪١‬ترجع السابق‪ ،‬صٖٔ‪.‬‬ ‫(ُ)‬


‫أخرجه البخارم‪ ،‬باب رمي ا﵀صنات‪ ،‬جٔ‪ ،‬صُِْٓ‪ ،‬حديث رقم ْٓٔٔ‪.‬‬ ‫(ِ)‬
‫ا‪١‬ترجع السابق‪ ،‬صٕٓ‪.‬‬ ‫(ّ)‬
‫جﺭﺍئﻡ ﺍلشﺭﻑ في ﺍلشﺭيعة ﺍإلسبلمية مقاﺭنة بقانﻭﻥ ﺍلعقﻭباﺕ ﺍألﺭﺩني‪ ،‬عبدالرحيم دراغمة‪ ،‬صٖٓ‪-‬‬ ‫(ْ)‬
‫ٗٓ‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫وٕقف قإٌُ العكٕبات األزدٌ٘ وَ دسا‪ٟ‬ي الظسف‬


‫عاًف قانوف العقوبات األردين ا‪ٞ‬ترائم ا‪١‬تتعلقة ّترائم الشرؼ يف ا‪١‬تادة َّْ من القانوف‬
‫كاليت تنص على ما يلي(ُ)‪:‬‬
‫ُ‪ .‬يستفيد من العذر ا‪١‬تخفف من فوجئ بزكجته أك إحدل أصوله أك فركعه أك أخواته‬

‫حاؿ تلبسها ّترٯتة الزنا أك يف فراش غَت مشركع فقتلها يف ا‪ٟ‬تاؿ أك قتل من يزين ّٔا أك قتلهما معان‬
‫أك اعتدل عليهما اعتداء أفضى إُف موت أك جرح أك إيذاء أك عاهة دائمة‪.‬‬
‫ِ‪ .‬كيستفيد من العذر ذاته الزكجة اليت فوجئت بزكجها حاؿ تلبسه ّترٯتة الزنا أك يف‬
‫فراش غَت مشركع يف مسكن الزكجية فقتلته يف ا‪ٟ‬تاؿ أك قتلت من يزين ّٔا أك قتلتهما معا أك‬
‫اعتدت عليه أك عليهما اعتداء أفضى إُف موت أك جرح اك ايذاء أك عاهة دائمة‪.‬‬
‫ّ‪ .‬كال ‪٬‬توز إستعماؿ حق الدفاع الشرعي ْتق من يستفيد من هذا العذر‪.‬‬
‫ْ‪ .‬كال تطبق عليه أحكاـ الظركؼ ا‪١‬تشددة‪.‬‬
‫تسمى هذ ا‪١‬تاد يف القانوف العذر ا‪١‬تخفف يف القتل؛ حيث تقوـ هذ ا‪١‬تادة بتوضيح‬
‫الشركط الواجب توافرها إلعماؿ العذر ا‪١‬تخفف كهي‪:‬‬
‫يف حاؿ الرجل‪ :‬عنصر ا‪١‬تفاجئة‪ ،‬كأف تكوف مرتكبة جرٯتة الزنا الزكجة أك أحد األصوؿ أك‬
‫الفركع األخوات‪ ،‬كأف يكونا يف حالة التلبس ّترـ الزنا‪.‬‬
‫أما يف حاؿ الزكجة‪ :‬عنصر ا‪١‬تفاجئة‪ ،‬كأف يكوف مرتكب جرٯتة الزنا الزكج‪ ،‬كأف تكوف‬
‫جرٯتة الزنا كقعت يف مسكن الزكجية‪ ،‬كأف يكونا يف حاؿ تلبس‪.‬‬
‫كقد مت تعديل هذ ا‪١‬تادة أكثر من مرة حىت كصلت إُف النص ا‪ٟ‬تاِف حيث كانت تعاًف‬
‫هذ ا‪ٞ‬ترائم ٔتوجب قانوف العقوبات بالعذر ا﵀ل بدالن من العذر ا‪١‬تخفف‪ ،‬كالذم كاف يعذر‬
‫األفراد الذكور الذين يقدموف على قتل قريباهتم‪ .‬كبعد ثبوت براءة بعض النساء ا‪١‬تقتوالت ٔتوجب‬

‫(ُ) قانوف العقوبات األردين‪.ََُِ ،‬‬

‫‪147‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫التقارير الطبية الشرعية ا‪١‬تًتتبة على تشريح جثثهن‪ ،‬كخيانة بعض األزكاج لزكجاهتم‪ ،‬فقد عدؿ نص‬
‫ا‪١‬تادة )َّْ( سنة ََُِ على ‪٨‬تو يسمح بالعذر ا‪١‬تخفف لكبل ا‪ٞ‬تنػػسُت(ُ)‪.‬‬

‫سبن وعاجل‪ ٛ‬الظسٖع‪ ٛ‬اإلسالوٗ‪ ٛ‬لكضاٖا الكتن بدافع الظسف‬


‫لقد كضعت الشريعة اإلسبلمية كسائل ‪١‬تعا‪ٞ‬تة قضية القتل دفاعا عن الشرؼ ْتيث إذا ما طبقت‬
‫أدت إُف التقليل من نسبة كقوع هذ ا‪ٞ‬ترائم كمن أ‪٫‬تها(ِ)‪:‬‬
‫ُ‪ .‬التثبت كالتبُت كإقامة البينة‪:‬‬
‫دعت الشريعة اإلسبلمية إُف مبادئ أساسية ‪ٟ‬تفظ النفس كا‪١‬تاؿ كاألعراض‪ ،‬فجعلت‬
‫الرباءة األصلية أساس التعامل بُت األفراد كاشًتطت إقامة البينة على ا‪١‬تتهم حاؿ اإلدعاء احتياطا‬
‫‪ٟ‬تق ا‪١‬تتهم‪ ،‬كحىت ال تكوف الدعوة ذريعة إلستحبلؿ الدماء بغَت حق‪.‬‬
‫كقد شددت الشريعة يف القضايا ا‪١‬تتعلقة باإلهتاـ يف اإلعراض كأمرت بالتبُت من أخبار‬
‫اسق بًنىبأو فىػتىبػيَّػنيوا أى ٍف تي ً‬
‫صيبيوا قىػ ٍونما ًّتى ىهالىوة‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الوشاة ‪١‬تا فيه من ظلم لئلنساف لقوله تعاُف‪( :‬إ ٍف ىجاءى يك ٍم فى ه ى ى‬
‫ًً‬
‫صبً يحوا ىعلىى ىما فىػ ىع ٍلتي ٍم نىادم ى‬
‫ُت) (ّ)‪.‬‬ ‫فىػتي ٍ‬
‫كالتبُت ‪٬‬تب أف يكوف بإحدل كسائل اإلثبات ا‪١‬تعتربة شرعان من إقرار اك شهادة أك‬
‫قرائن‪...،‬اٍف(ْ)‪.‬‬
‫ِ‪ .‬تشريع اللعاف عند إهتاـ الزكجة كالشك يف سلوكها‬
‫لقد قدر اإلسبلـ حالة الرجل الذم شك يف تصرفات زكجته أك رأل منها الوقوع يف‬
‫الفاحشة كَف يستطع إثبات ذلك بالبينة‪ ،‬فوضع اإلسبلـ حبلن ‪٢‬تذ القضية با‪ٟ‬تكم باللعاف بينهما‬
‫ىح ًد ًه ٍم أ ٍىربى يع‬ ‫اج يه ٍم ىكىَفٍ يى يك ٍن ى‪٢‬تي ٍم يش ىهداءي إًالَّ أىنٍػ يف يس يه ٍم فى ىش ى‬
‫هادةي أ ى‬ ‫ين يػىٍريمو ىف أ ٍىزك ى‬
‫َّ ً‬
‫كذلك لقوله تعاُف‪ " :‬ىكالذ ى‬

‫(ُ) عاطف البطوش‪ ،‬جرائم الشرؼ يف قانوف العقوبات‪ ،‬صٓٗ‪.‬‬


‫(ِ) رقيه القرالة‪ ،‬سبل معا‪ٞ‬تة الشريعة لقضايا قتل النساء بدافع الشرؼ‪.َُٓ ،‬‬
‫(ّ) ا‪ٟ‬تجرات‪ٔ:‬‬
‫(ْ) ا‪١‬ترجع السابق‪.َُٔ ،‬‬

‫‪148‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ا‪٠‬ت ًام ىسةي أ َّ‬ ‫هادات بًاللَّ ًه إًنَّه لى ًمن َّ ً ً‬
‫ىش و‬
‫ُت (ٕ)‬ ‫ت اللَّه ىعلىٍيه إً ٍف كا ىف م ىن الٍكاذبً ى‬ ‫ىف لى ٍعنى ى‬ ‫ُت (ٔ) ىك ٍ‬‫الصادق ى‬ ‫ي ى‬
‫ا‪٠‬ت ًام ىسةى أ َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫و ً‬
‫ب‬
‫ضى‬‫ىف ىغ ى‬ ‫ُت (ٖ) ىك ٍ‬ ‫ذاب أى ٍف تى ٍش ىه ىد أ ٍىربى ىع ىشهادات بًاللَّه إًنَّهي لىم ىن الٍكاذبً ى‬
‫ىكيى ٍد ىريؤا ىعٍنػ ىها الٍ ىع ى‬
‫ض يل اللَّ ًه ىعلىٍي يك ٍم ىكىر ٍ‪ٛ‬تىتيهي ىكأ َّ‬ ‫اللَّ ًه علىيها إً ٍف كا ىف ًمن َّ ً ً‬
‫ىف اللَّهى تىػ َّو ه‬
‫اب‬ ‫ُت (ٗ) ىكلى ٍوال فى ٍ‬ ‫الصادق ى‬ ‫ى‬ ‫ىٍ‬
‫يم(َُ)"(ُ)‪.‬‬ ‫ً‬
‫ىحك ه‬
‫ّ‪ .‬تنفيذ العقوبات لئلماـ كليس لؤلفراد‬
‫لقد أككلت الشريعة اإلسبلمية حق إقامة العقوبات لئلماـ أك من ينوب عنه‪ ،‬فبل ‪٬‬توز‬
‫ألم شخص أف يأخذ حقه بنفسه أك يقيم العقوبة على غَت ‪.‬‬
‫كعلى هذا ال ٭تق للرجل أف يقتل إحدل ‪٤‬تارمه ألنه افتآت على حق اإلماـ كسعى لنشر‬
‫الفوضى فليس ألحد ا‪ٟ‬تق يف استيفاء حد أك تعزير أك قصاص يف نفس أك غَتها إال بإذف اإلماـ‬
‫أك نائبه كالقاضي(ِ)‪.‬‬
‫قاؿ الكاساين(ّ)‪" :‬كالية االستيفاء لئلماـ باإل‪ٚ‬تاع‪ ...‬كالية إقامة ا‪ٟ‬تد ثابتة لئلماـ‬
‫‪١‬تصلحة العباد‪ ،‬كهي صيانة أنفسهم‪ ،‬كأموا‪٢‬تم‪ ،‬كأعراضهم‪ ...‬كاإلماـ قادر على اإلقامة لشوكته‬
‫كمنعته‪ ،‬كإنقياد الرعية له قهران‪ ،‬كجربان‪ ،‬كال ٮتاؼ تبعة ا‪ٞ‬تناة‪ ،‬كأتباعهم؛ إلنعداـ ا‪١‬تعارضة بينهم‪،‬‬
‫كبُت اإلماـ‪ ،‬كهتمة ا‪١‬تيل‪ ،‬كا﵀اباة‪ ،‬كالتواين عن اإلقامة منفية يف حقه‪ ،‬فيقيم على كجهها‪ ،‬فيحصل‬
‫الغرض ا‪١‬تشركع له الوالية بيقُت"‪.‬‬
‫ْ‪ .‬هدـ األعراؼ الفاسدة كالتشنيع على اصحأّا‬
‫دعا اإلسبلـ إُف هدـ األعراؼ الفاسدة كالتشنيع على أصحأّا‪ ،‬فأكؿ ما بدأ به اإلسبلـ‬
‫ٖترمي كأد البنات‪ ،‬كأمر بإحًتاـ النساء‪ ،‬كترؾ عادات اآلباء كاألجداد اليت ٗتالف الشرع‪.‬‬

‫(ُ) النور ٔ‪َُ-‬‬


‫(ِ) رقيه القرالة‪ ،‬سبل معا‪ٞ‬تة الشريعة لقضايا قتل النساء بدافع الشرؼ‪.ُُْ ،‬‬
‫(ّ) الكاساين‪ ،‬بدائع الصنائع‪ ،‬جٗ‪ ،‬صِْٗ‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كقد اهتم علماء الشريعة باألعراؼ كقسموها إُف عرؼ صحيح كعرؼ فاسد‪ ،‬كفرقوا بُت‬
‫التقليد األعمى كالتقليد ا‪١‬تستنَت‪ ،‬فعلى اإلنساف أف ينظر يف الفعل قبل اإلقداـ عليه كإعماؿ عقله‬
‫الذم كهبه ا﵁ له كأف يستدؿ باألدلة كاألحكاـ الشرعية ‪ٟ‬تل قضايا من أجل ٖتقيق ا‪١‬تصاٌف كدرء‬
‫ا‪١‬تفاسد‪ ،‬كمن هنا على ا‪١‬تسلم أف ينبذ العادات الفاسدة كمنها قتل النساء بدافع الشرؼ لتحقيق‬
‫(ُ)‪.‬‬
‫مقصد حفظ النفس‬

‫(ُ) رقيه القرالة‪ ،‬سبل معا‪ٞ‬تة الشريعة لقضايا قتل النساء بدافع الشرؼ‪.ُُٕ ،‬‬

‫‪151‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الٕسد‪ ٚ‬اخلاوش‪ٛ‬‬

‫اإلسالً ٔقضاٖا االقتصاد‬

‫إعداد‬
‫أ‪.‬د‪ .‬عباط الباز‬
‫أ‪.‬د‪ .‬عبداهلل الصيفي‬
‫د‪.‬رائد أبو مؤنض‬

‫‪151‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الٕسد‪ ٚ‬اخلاوش‪ٛ‬‬

‫اإلسالً ٔعالدْ لمفكس ٔالبطال‪ٛ‬‬

‫اإلسالً ٔعالدْ لمفكس‬

‫تعسٖف الفكس‪:‬‬
‫الفقر هو عدـ ملك اإلنساف ما يكفيه من ماؿ (ُ)‪.‬‬
‫ك الفقر من ا‪١‬تشكبلت اليت تعاين منها البشرية كقد أكال اإلسبلـ اهتمامان بالغان فقد كردت‬
‫كلمة الفقر كمشتقاهتا يف القرآف الكرمي ثبلثة عشر مرة (ِ)‪ .‬كقد استعاذ النيب صلى ا﵁ عليه كسلم‬
‫(ّ)‬
‫من الفقر يف دعاء حيث كاف يقوؿ يدعو بقوله‪ ":‬كأعوذ بك من الفقر كالكفر "‬

‫وٍّر اإلسالً يف وعاجل‪ ٛ‬الفكس‬


‫تعامل اإلسبلـ مع موضوع الفقر باعتبار مشكلة هتدد آّتمع‪ ،‬اذا أكجد من التشريعات‬
‫ما يعاًف به هذ ا‪١‬تشكلة‪٘ ،‬تثلت باألمور اآلتية‪:‬‬
‫أ‪ -‬العمل‬
‫دعا اإلسبلـ إُف العمل الذم يعود با‪٠‬تَت على العامل كعلى آّتمع‪ ،‬كقد عرؼ الفقهاء‬
‫(ْ)‬
‫ا‪١‬تسلموف العمل بأنه‪ ":‬طلب اإلنساف ٖتصيل ا‪١‬تاؿ ٔتا ٭تل من أسباب‬

‫(ُ) عبلج مشكلة الفقر (دراسة قرآنية موضوعية)‪ ،‬عبد السبلـ ‪ٛ‬تداف اللوح‪٤ -‬تمود هاشم عنرب‪٣ ،‬تلة ا‪ٞ‬تامعة‬
‫اإلسبلميَّة (سلسة الدراسات اإلسبلمية)‪ ،‬آّلد السابع عشر‪ ،‬العدد األكؿ‪ ،‬يناير ََِٗ‪ ،‬ص َِّ‬
‫بتصرؼ‪.‬‬
‫(ِ) بازموؿ‪ ،‬أحكاـ الفقَت ك ا‪١‬تسكُت يف القرآف العظيم ك السنة ا‪١‬تطهرة صُّ‪ ،‬دار البشائر اإلسبلمية‪ ،‬طُ‪،‬‬
‫ُٗٗٗـ‪.‬‬
‫(ّ) ابن حباف‪ ،‬صحيح ابن حباف جّ‪ ،‬صََّ‪ ،‬حديث رقم َُِّ (صححه األلباين)‪ ،‬مؤسسة الرسالة –‬
‫بَتكت‪ ،‬طِ‪ُّٗٗ ،‬ـ‬
‫(ْ) الشيباين‪٤ ،‬تمد بن ا‪ٟ‬تسن‪ ،‬كتاب الكسب‪ ،‬عبدا‪٢‬تادم حرصوين‪ ،‬دمشق – ََُْق‪ ،‬ص ِّ‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫‪ ،‬كقد جاء حث اإلسبلـ على العمل يف أكثر من موضع يف القرآف الكرمي كالسنة النبوية‬
‫ا‪١‬تطهرة‪ ،‬منها‬
‫ُ‪ ، -‬قاؿ تعاُف‪ ":‬هو الذم جعل لكم األرض ذلوالن فامشوا يف مناكبها ككلوا من رزقه‬
‫كإليه النشور " ا‪١‬تلكُٓ‪.‬‬
‫يف اآلية إشارة إُف طلب الرزؽ كالكسب حيث قاؿ تعاُف فامشوا يف مناكبها ككلوا من‬
‫رزقه‪.‬‬
‫ِ‪ -‬قوله صلى ا﵁ عليه كسلم‪ ":‬ما أكل أحد طعاما قط خَتا من أف يأكل من عمل‬
‫(ُ)‪.‬‬
‫يد كإف نيب ا﵁ داكد عليه السبلـ كاف يأكل من عمل يد "‬
‫ّ‪ -‬كقد عمل كثَت من الرسل كقص ا﵁ علينا عملهم‬

‫‪ -‬فموسى عليه السبلـ عمل يف رعي األغناـ قاؿ تعاُف مبينان خطاب الرجل الصاٌف‬

‫ابنيت هاتُت على أف تأجرين ‪ٙ‬تاين حجج فإف أ٘تمت عشران‬


‫‪١‬توسى‪ ":‬إين أريد أف أنكحك إحدل َّ‬
‫فمن عندؾ كما أريد أف أشق عليك ستجدين إف شاء ا﵁ من الصا‪ٟ‬تُت " القصصِٕ‪.‬‬

‫‪ -‬كهذا داكد عليه السبلـ كاف يعمل يف صناعة الدركع‪ ،‬قاؿ تعاُف كاصفان عمل نبيه‬
‫داكد عليه السبلـ‪ ":‬كعلمنا صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكركف "‬
‫األنبياءَٖ‪.‬‬

‫‪ -‬كقاؿ النيب صلى ا﵁ عليه كسلم عن مهنة زكريا عليه السبلـ أنه ‪٧‬تاران‬
‫(ِ)‬

‫‪ -‬كعمل النيب ‪٤‬تمد صلى ا﵁ عليه كسلم برعي األغناـ كالتجارة‪.‬‬


‫ب‪ -‬الزكاة‬

‫(ُ) صحيح البخارم‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب‪ :‬كسب الرجل كعمله بيد ‪ ،‬جّ‪ ،‬ص ٕٓ‪ ،‬حديث رقم َِِٕ‪ ،‬طُ‬
‫‪ُِِْ-‬ق‪.‬‬
‫(ِ) شرح النوكم على صحيح مسلم‪ ،‬جُٓ‪،‬صُّٓ‪ ،‬حديث رقم ِّٕٗ‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كهي مقدار معُت من ا‪١‬تاؿ يؤخذ يف كقت ‪٤‬تدد لطائفة ‪٤‬تددة‪.‬‬


‫كالزكاة هي الركن الثالث من أركاف اإلسبلـ‪ ،‬قاؿ تعاُف‪ ":‬كأقيموا الصبلة كأتوا الزكاة "‬
‫النور آية ٔٓ‪.‬‬
‫كقاؿ النيب صلى ا﵁ عليه كسلم‪ ":‬بٍت اإلسبلـ على ‪ٜ‬تس شهادة أف ال إله إال ا﵁ كأف‬
‫(ُ)‬
‫‪٤‬تمدان عبد كرسوله‪ ،‬كإقاـ الصبلة‪ ،‬كإيتاء الزكاة‪ ،‬كحج البيت‪ ،‬كصوـ رمضاف "‬
‫كالٍمساكً ً‬
‫ُت‬ ‫ى ىى‬ ‫ات لًٍل يف ىقىر ًاء‬ ‫ك ا‪١‬تستحقوف للزكاة بينهم القرآف الكرمي بقوله تعاُف‪ ":‬إًَّ‪٪‬تىا َّ‬
‫الص ىدقى ي‬
‫يضةن ّْم ىن اللَّ ًه‬ ‫ُت ىكًيف ىسبً ًيل اللَّ ًه ىكابٍ ًن َّ‬ ‫ً‬ ‫ُت ىعلىٍيػ ىها ىكالٍ يم ىؤلَّىف ًة قيػليوبػي يه ٍم ىكًيف ّْ‬
‫الرقى ً‬ ‫ًً‬
‫السبً ًيل فى ًر ى‬ ‫اب ىكالٍغىا ًرم ى‬ ‫ىكالٍ ىعامل ى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يم " التوبة اية َٔ‪.‬‬ ‫يم ىحك ه‬ ‫ىكاللَّهي ىعل ه‬
‫فالفقراء هم أكؿ ا‪١‬تستحقُت للزكاة مع تأكيد اإلسبلـ على العمل كأف اإلنساف مطالب اف‬
‫يستغٍت عن غَت ‪ ،‬كلكن هناؾ اناس ال يستطيعوا الكسب كال العمل فهم ‪٤‬تتاجوف للماؿ حىت‬
‫يستغنوا به‪.‬‬
‫ج‪ -‬نفقة األقارب‬
‫كنقصد بنفقة األقارب هي أف ينفق القريب الغٍت على قريبه الفقَت‪.‬‬
‫كهذ النفقة هي من الرب كصلة األرحاـ‪ ،‬قاؿ تعاُف‪ ":‬كأكلوا األرحاـ بعضهم أكُف ببعض‬
‫(ِ)‪:‬‬
‫يف كتاب ا﵁ " األنفاؿ آية ٕٓ‪.‬كنفقة القريب على قريبه ‪٢‬تا شركط هي‬
‫ُ‪ -‬أف يكوف ا‪١‬ت ًنفق كارثان ‪١‬تن ينفق عليه‪.‬‬
‫ي‬
‫ِ‪ -‬غٌت ا‪١‬ت ًنفق‪.‬‬
‫ي‬
‫ّ‪ -‬فقر ا‪١‬تنفق عليه كحاجته‬

‫‪ -‬كقد أكجب اإلسبلـ نفقة الزكجة كاألبناء على الزكج‬

‫(ُ) متفق عليه‪.‬‬


‫(ِ) ابن قدامة‪ ،‬ا‪١‬تغٍت جٕ‘ صُٕٔ – دار الكتب العلمية ُٕٗٗـ‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫د‪ -‬الصدقات التطوعية‬


‫كهي ما يقدمه اإلنساف من صدقات دكف إلزاـ‪ ،‬كالوقف كبذؿ ا‪١‬تاؿ كالطعاـ كقد كعد ا﵁‬
‫هؤالء باألجر العظيم عند كمضاعفة ما قدمو ‪ ،‬قاؿ تعاُف‪ ":‬مثل الذين ينفقوف أموا‪٢‬تم يف سبيل‬
‫ا﵁ كمثل حبة أنبتت سبع سنابل يف كل سنبلة مئة حبة كا﵁ يضاعف ‪١‬تن يشاء كا﵁ كاسع عليم "‬
‫البقرة آية ُِٔ‪.‬‬
‫ق‪ -‬الكفارات‪ :‬كهي أمور أكجبها ا﵁ تعاُف على اإلنساف إذا أتى منهي عنه أك قصر يف‬
‫شيء مأمور به (ُ) كإف الناظر يف الكفارات ‪٬‬تد الشرع أمر يف غالبها بإطعاـ الفقراء كا‪١‬تساكُت‪،‬‬
‫كمن أمثلة الكفارات كفارة اليمُت ‪١‬تن حنث فيه فالشخص ‪٥‬تَت بُت إطعاـ عشرة مساكُت أك‬
‫كسوهتم أـ ٖترير رقبة‪.‬‬
‫ك‪ -‬ما يقدمه ا‪ٞ‬تار ‪ٞ‬تار ‪ ،‬حيث أمر اإلسبلـ باإلحساف إُف ا‪ٞ‬تار قاؿ النيب صلى ا﵁‬
‫(ِ)‬
‫عليه كسلم‪ ":‬ما زاؿ جربيل يوصيٍت با‪ٞ‬تار حىت ظننت أنه سيورثه "‬
‫ز‪ -‬ما يقدمه ا‪١‬تضحي من أضحيته كا‪ٟ‬تاج من هديه الذم يذْته‪.‬‬
‫(ّ)‬ ‫ح‪ -‬كفالة الدكلة إذا َف ً‬
‫تف كل هذ الوسائل‬

‫(ُ) متفق عليه‪.‬‬


‫(ِ) متفق عليه‪.‬‬
‫(ّ) أبو٭تِت‪ ،‬اقتصادنا يف ضوء القراف ك السنة صُِِ – دار عمارُٖٗٗـ‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫إٌٔاع البطال‪ٔ ٛ‬وٕقف اإلسالً وٍّا‬


‫للبطالة نوعاف ‪٫‬تا‪:‬‬
‫(ُ)‬
‫ُ‪-‬إجبارية ِ‪ -‬اختيارية‬
‫ُ‪ -‬البطالة ا‪ٞ‬تربية‪ :‬كهي البطالة اليت ال اختيار لئلنساف ّٔا‪ ،‬حيث تفرض عليه لظركؼ‬
‫خارجة عن إرادته ؛ لذا ‪ٝ‬تيت بالبطالة اإلجبارية‪.‬‬

‫‪ -‬كترجع أسباب البطالة اإلجبارية إُف ‪ٚ‬تلة أمور‪:‬‬


‫أ – كساد ا‪١‬تهنة‪ :‬أم عدـ رغبة الناس ّٔا أك ا‪ٟ‬تاجة إليها لتغَت البيئة أك تطور الزماف‪.‬‬
‫ب‪ -‬عدـ كجود رأس ماؿ للتجارة به مع ا‪١‬تعرفة بالتجارة‪.‬‬
‫ج‪ -‬عدـ كجود اآلت العمل البلزمة للمهنة‪ ،‬كػأدكات الزراعة أك آالت الرم‪.‬‬

‫وٕقف اإلسالً وَ البطال‪ ٛ‬اجلربٖ‪ٛ‬‬


‫عند ٖتقق هذا األمر كعجز اإلنساف عن العمل لظركؼ خارجة عنه كتعذر إ‪٬‬تاد عمل‬
‫آخر ليعمل فيه‪ ،‬تأيت الزكاة كوسيلة لتحويل هؤالء األشحاص ليصبحوا منتجُت فيعطى من الزكاة‬
‫ما ٯتكنه من مزاكلة مهنته أك ٕتارته‪ ،‬فهو كإف كاف اآلف ‪٤‬تتاجان ألخذ الزكاة إال أنه بعدها يصبح‬
‫‪٦‬تن يدفعوف الزكاة ألنه ينتقل من الفقر إُف الغٌت‪ ،‬كهذا نص كاحد من ‪٣‬تموعة نصوص ذكرها‬
‫الفقهاء عن إعطاء صاحب ا‪ٟ‬ترفة من أمواؿ الزكاة‪ ،‬يقوؿ اإلماـ النوكم يف آّموع‪ ":‬فإف كاف‬
‫عادته االحًتاؼ أعطي ما يشًتم به حرفته أك آالت حرفته قلت قيمة ذلك أـ كثرت‪ ،‬كيكوف‬
‫قدر ْتيث ٭تصل له من رْته ما يفي بكفايته غالبان تقريبان كٮتتلف ذلك باختبلؼ ا‪ٟ‬ترؼ كالببلد‬
‫(ِ)‪.‬‬
‫كاألزماف كاألشخاص "‬

‫(ُ) ْتوث ‪٥‬تتارة من ا‪١‬تؤ٘تر العا‪١‬تي لبلقتصاد اإلسبلمي صِِٕ‪.‬ا‪١‬تركز العا‪١‬تي ألْتاث االقتصاد اإلسبلمي طُ‪،‬‬
‫َُٖٗـ‬
‫(ِ) النوكم‪ ،‬آّموع شرح ا‪١‬تهذب جٔ‪ ،‬صُٕٔ‪.‬مكتبة الرشاد جدة‬

‫‪156‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫وٕقف اإلسالً وَ البطال‪ ٛ‬االختٗازٖ‪ٛ‬‬


‫اإلسبلـ يدعو إُف العمل كاالنتاج كالعطاء يقوؿ النيب صلى ا﵁ عليه كسلم‪ ":‬اليد العليا‬
‫خَت من اليد السفلى كاليد العليا هي ا‪١‬تنفقة كاليد السفلى هي السائلة" (ُ) حىت تكوف يد اإلنساف‬
‫عليا عليه أف يكوف منتجان ليعطي غَت كهذا يقتضي اف يكوف لبلنسات عمل يتكسب منه كينفق‬
‫على نفسه كمن يعوؿ‪.‬‬
‫كقد جاء رجل إُف النيب صلى ا﵁ عليه كسلم يطلب من أف يعطيه من أمواؿ الصدقة ككاف‬
‫الرجل قادران على الكسب فأرشد النيب صلى ا﵁ عليه كسلم إُف كسيلة يستطيع أف ‪٬‬تد عمبل‬

‫رجبل من األنصا ًر أتى َّ‬


‫النيب صلى ا﵁ عليه كسلم يسأليه فقاؿ‬ ‫بسببها ؛ فقد جاء يف ا‪ٟ‬تديث أف ن‬
‫ط بعضه كقعب (ّ) نشربي فيه من ً‬ ‫ً‬ ‫ىأما يف بيتً ى‬
‫(ِ)‬
‫ا‪١‬تاء‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫بعضه كنىبس ي ى‬
‫نلبس ى‬
‫ي‬ ‫س‬
‫ك شيءه؟ قاؿ بلى حلٍ ه‬
‫رسوؿ ا﵁ً صلى ا﵁ عليه كسلم بيد كقاؿ من يشًتم‬
‫قاؿ ائتٍت ّٔما قاؿ فأتا ّٔما فأخذ‪٫‬تا ي‬
‫ً‬ ‫و‬ ‫و‬
‫رجل أنا‬
‫رجل أنا آخذ‪٫‬تا بدرهم قاؿ من يزيد على درهم؟ مرتُت أك ثبلثنا قاؿ‪ :‬ه‬ ‫هذي ًن؟ قاؿ ه‬
‫ً‬ ‫ُت فأعطا‪٫‬تا إيا كأخذ الدر‪٫‬ت ً‬ ‫آخ يذ‪٫‬تا بدر‪٫‬ت ً‬
‫األنصارم كقاؿ اش ًًت بأحد‪٫‬تا ن‬
‫طعاما‬ ‫َّ‬ ‫ُت كأعطا‪٫‬تا‬
‫ً‬
‫رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم‬
‫فشد فيه ي‬‫ُّكما(ْ) فأتٍت به فأتا به َّ‬ ‫فانبً ٍذ ي إُف أهل ى‬
‫ك كاش ًًت باآلخر قد ن‬
‫كيبيع‬ ‫ً‬
‫٭تتطب ي‬
‫ي‬ ‫الرجل‬
‫يوما فذهب ي‬ ‫عشر ن‬
‫َّك ‪ٜ‬تسةى ى‬
‫كبع كال أ ىىرين ى‬
‫فاحتطب ٍ‬
‫ٍ‬ ‫اذهب‬
‫عودا بيد مث قاؿ له ٍ‬
‫ن‬
‫طعاما فقاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اهم فاشتىػىرل ببعضها ثوبنا كببعضها ن‬
‫فجاء كقد أصاب عشرةى در ى‬

‫(ُ) متفق عليه‪ ،‬اخرجه البخارم يف صحيحه جِ‘ صُُِ ‘ حديث رقم ُِْٗ – دار طوؽ‬
‫النجاة‪،‬طُِِْ‪ُ،‬ق‪ .‬كاخرجه مسلم يف صحيحه جِ‪ ،‬صُٕٕ‪ ،‬حديث رقم َُّّ‪ ،‬دار إحياء الًتاث‬
‫العريب‪.‬‬
‫(ِ) ا‪ٟ‬تلس‪ :‬بساط يفرش يف البيت ٖتت الثياب‪.‬‬
‫(ّ) القعب‪ :‬هو اإلناء الذم يشرب فيه‪.‬‬
‫(ْ) القدكـ‪ :‬الفاس الذم يقطع به ا‪٠‬تشب‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ً‬
‫القيامة َّ‬
‫إف ا‪١‬تسألةى ال تصلى يح‬ ‫يوـ‬ ‫لك من أف ٕتيءى ا‪١‬تسألةي نكتةن يف كج ًه ى‬
‫(ُ)‬
‫ك ى‬ ‫خَت ى‬ ‫عليه كسلم هذا ه‬
‫لثبلثة لذم فق ور يم ٍدقً وع (ِ) أك لذم يغ ٍروـ(ّ) يم ٍف ًظ وع(ْ) أك لذم ىدوـ يموج وع‬
‫ً (ٓ) " (ٔ)‪.‬‬ ‫إال و‬

‫فانظر كيف عاًف النيب صلى ا﵁ عليه كسلم طلب هذا الرجل‪ ،‬فلم يستجب له يف طلبه‬
‫أف يأخذ من أمواؿ الزكاة كإ‪٪‬تا أرشد للعمل كدله على نوع العمل الذم قد يستفيد منه‪ ،‬كقد‬
‫ٖتقق له ذلك‪ ،‬كبالتاِف فاإلسبلـ يدعو الناس القادرين على العمل إُف العمل كيف ا‪ٟ‬تاالت اليت‬
‫يعجز اإلنساف عن ا‪ٟ‬تصوؿ على العمل مع قدرته كرغبته فيه يصرؼ له من الزكاة حىت ‪٬‬تد عمبل‬
‫أك توجد له الدكلة العمل كلذا من مهاـ الدكلة ا‪٬‬تاد فرص العمل للراغبُت فيه دكف النظر إُف نوع‬
‫العمل الذم يطلبه الناس كا‪٪‬تا الدكلة توجد العمل البلئق براعاياها كالذم يسد حاجتهم ك٭تقق‬
‫النفع للدكلة‪.‬‬

‫التأوني‪ :‬وفّٕوْ‪ ،‬إٌٔاعْ‪ٔ ،‬سهىْ يف الظسٖع‪ ٛ‬اإلسالوٗ‪ٛ‬‬


‫من ا‪١‬تعركؼ أف أساس فكرة التأمُت ا‪١‬تعاصر كاف منشؤها ا‪١‬تخاطر كاألضرار اليت كانت‬
‫تواجه التجار كأصحاب البضائع اليت كانت تنقل عن طريق البحر حيث كانت تتعرض السفن‬
‫اليت تعمل على نقل هذ البضائع اُف ‪٥‬تاطر الغرؽ بسبب االمواج كقوة ا‪١‬تاء اك السرقة بفعل قطاع‬
‫الطرؽ يف البحر فيما يعرؼ بالقرصنة البحرية ‪٦‬تا دفع أصحاب البضائع كالتجار اُف البحث عن‬
‫جهة تقدـ التعويض يف حاؿ تلف البضاعة اك سرقتها فنشأت فكرة التأمُت التجارم‪.‬‬

‫(ُ) النكتة‪ :‬عبلمة قبيحة يف الوجه‪.‬‬


‫(ِ) مدقع‪ :‬أم فقر شديد‪.‬‬
‫(ّ) غرـ‪ :‬أم دين أك غرامة‬
‫(ْ) مفظع‪ :‬أم فظيع كثقيل‬
‫(ٓ) موجع‪ :‬ا‪١‬تراد دـ يوجع القاتل أك أكلياء بأف تلزمه الدية كليس ‪٢‬تم ما يؤدم به الدية‬
‫(ٔ) ركا ابو داكد يف سننه‪ ،‬جِ‪ ،‬ص َُِ حديث رقم ُُْٔ‪.‬ا‪١‬تكتبة العصرية – صيدا – بَتكت‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كقد شاع التعامل بالتأمُت كانتشر بسبب تعدد ا‪١‬تخاطر اليت قد يتعرض ‪٢‬تا الشخص يف‬
‫حياته ‪٦‬تا أدل إُف كقوع ا‪٠‬تسارة يف البدف أك ا‪١‬تاؿ كا‪١‬تمتلكات اليت دفعت بدكرها إُف البحث عن‬
‫الوسائل اليت تعُت على التقليل من آثار هذ ا‪١‬تخاطر اليت تصيب اإلنساف يف بدنه أك ماله‪.‬‬
‫كما أف القوانُت الوضعية اليت تلزـ يف الكثَت من التعامبلت بضركرة التأمُت على‬
‫ا‪١‬تمتلكات كعلى ا‪ٟ‬تياة كانت أحد األسباب ا‪١‬تباشرة يف انتشار التأمُت كشيوعه‪ .‬فكاف ظهور‬
‫شركات التأمُت التجارم‪.‬‬

‫‪ -‬وفًّٕ التأوني‬
‫التأمُت مصطلح معاصر يقابله يف الداللة كا‪١‬تعٌت مصطلح األمن الذم هو مصدر فعله‬
‫الثبلثي أمن –بكسر ا‪١‬تيم‪ -‬يقاؿ‪ :‬أمن أمنان كأمانا إذا اطمأف كَف ٮتف فهو آمن‪ ،‬كأمن البلد‪:‬‬
‫اطمأف فيه أهله‪ ،‬كاألمن كاألمانة كاألماف يف األصل كصف للحالة اليت يكوف عليها اإلنساف إذا‬
‫اطمئن كٕترد من ا‪٠‬توؼ على نفسه أك ماله أك عرضه‪.‬‬
‫كمن ا‪١‬تعٌت اللغوم السابق لؤلمن يظهر ا‪١‬تراد منه عند إطبلقه طلبا ‪١‬تعنا االصطبلحي‬
‫الذم هو شعور اإلنساف بالطمأنينة كعدـ توقع خوؼ أك مكرك ‪ ،‬فاألمن شعور نفساين يبعث‬
‫على الراحة كاالطمئناف يبعد اإلنساف عن أسباب ا‪٠‬توؼ كتوقع ا‪١‬تكرك ‪ .‬كمن مث ٯتكن تعريف‬
‫األمن بأنه كصف للحالة اليت يكوف عليها اإلنساف من الطمأنينة كراحة الباؿ كهدكء النفس‪.‬‬
‫كقد استخدـ الفقهاء مصطلح األمن يف حديثهم عن أحكاـ موضوعات متعددة مثل‬
‫العقوبات كأ‪٫‬تية كجودها يف آّتمع كما ‪٢‬تا من دكر كبَت يف ا‪ٟ‬تفاظ على أركاح الناس ك‪٦‬تتلكاهتم‬
‫كنشر األمن كالطمأنينة كمنع االعتداء الفردم أك ا‪ٞ‬تماعي ؛ ككذلك يف حديثهم عن نظاـ القضاء‬
‫كأثر يف نشر األمن ك‪ٛ‬تاية الناس من ا‪٢‬ترج كالقتل كسفك الدماء كا﵀افظة على ا‪١‬تاؿ كمنع‬
‫االعتداء على األعراض كا‪ٟ‬ترمات‪ .‬إذ لشعور اإلنساف باألمن دكر كبَت يف ٖتقيق سبلمة النفس‬

‫‪159‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كا‪١‬تاؿ كالعرض كالدين كالعقل‪ ،‬كهي الضركريات اليت ال بد من كجودها يف حياة اإلنساف إقامة‬
‫‪١‬تصاٌف الدين كالدنيا‪.‬‬

‫‪ -‬وفًّٕ التأوني يف االصطالح‬


‫إال أف دخوؿ البعد التجارم إُف ا‪١‬تعاملة أعطى مصطلح التأمُت معٌت خاصا ‪٤‬تددا إذا‬
‫أطلق أريد به هذا ا‪١‬تعٌت ا‪٠‬تاص ْتيث يوصف التعريف السابق بأنه نظاـ تامُت‪ ،‬بينما ا‪١‬تدلوؿ‬
‫الشائع يوصف بأنه عقد تأمُت ذك صفة قانونية‪.‬‬
‫كمن مث يعرؼ التأمُت على أساس أنه عقد ٕتارم يرتب التزامات قانونية ألطرافه ا‪١‬تشاركة‬
‫فيه بأنه" عقد يلتزـ فيه ا‪١‬تؤمن – شركة التأمُت‪ٔ -‬تقتضا أف يؤدم إُف ا‪١‬تؤمن له _ طالب األماف‬
‫_ أك اُف ا‪١‬تستفيد الذم اشًتط التأمُت لصا‪ٟ‬ته مبلغا من ا‪١‬تاؿ أك إيرادا مرتبا أك أم عوض ماِف‬
‫آخر يف حالة كقوع ا‪ٟ‬تادث أك ٖتقق ا‪٠‬تطر ا‪١‬تبُت بالعقد كذلك يف نظَت قسط أك أية دفعة مالية‬
‫يؤديها ا‪١‬تؤمن له للمؤمن كيتحمل ٔتقتضا ا‪١‬تؤمن تبعة ‪٣‬تموعة من ا‪١‬تخاطر بإجراء ا‪١‬تقاصة بينها‬
‫(ُ)‬
‫كفقا لقوانُت اإلحصاء "‬

‫إٌٔاع التأوني التذاز‪ٙ‬‬


‫يتنوع التأمُت التجارم من حيث موضوعه إُف ثبلثة أنواع هي‪:‬‬
‫ُ _ التأمُت على األشياء‬
‫ِ _ التأمُت على األشخاص‬
‫ّ _التأمُت من ا‪١‬تسؤكلية عن الغَت‪.‬‬
‫كهناؾ التأمُت على ا‪ٟ‬تياة كهو من أقساـ التأمُت على األشخاص حيث ينقسم إُف‬
‫التأمُت على ا‪ٟ‬تياة كالتأمُت من اإلصابات كا‪ٟ‬توادث‪.‬‬

‫(ُ) ‪ٚ‬تاؿ ا‪ٟ‬تكيم‪ :‬عقود التأمُت من الناحيتُت التأمينية كالقانونية ُ ‪ّّ /‬‬

‫‪161‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫احلهي الظسع٘ يف وعاوم‪ ٛ‬التأوني‬


‫‪١‬تا كاف عقد التأمُت من العقود ا‪ٞ‬تديدة ا‪١‬تستحدثة‪ ،‬ك‪١‬تا كاف أساس االلتزاـ فيه بتقدير‬
‫العوض ا‪١‬تستحق بوقوع ا‪ٟ‬تادث االحتماِف ا‪١‬تؤمن ضد هو اإلرادة اليت يتفق عليها الطرفاف‪ ،‬كهو‬
‫ّٔذا الوصف عقد من نوع جديد قائم على أساس كنظاـ تسايرت كاند‪٣‬تت فيه فكرتا ا‪١‬تعاكنة‬
‫كا‪١‬تعاكضة‪ .‬فهو من ا‪١‬تعامبلت ا‪ٟ‬تديثة اليت َف يعرؼ ‪٢‬تا حكم يف الزمن ا‪١‬تاضي ‪ٟ‬تداثة عهد‬
‫آّتمعات اإلسبلمية به ؛ كلكي يسهل علينا معرفة ا‪ٟ‬تكم الشرعي يف التأمُت ال بد من التفريق‬
‫بُت التأمُت كعقد من العقود التجارية كبُت نظاـ التأمُت القائم على التعاكف كالتضامن بُت أفراد‬
‫آّموعة ا‪١‬تشًتكة فيه‪.‬‬

‫أٔال‪ :‬احلهي الظسع٘ يف التأوني التذاز‪ٙ‬‬


‫ذهب ‪٣‬تمع الفقه اإلسبلمي بأكثرية أعضائه إُف القوؿ بتحرمي التأمُت التجارم بأشكاله‬
‫كأنواعه كافة سواء ما يتعلق بتأمُت األشياء كا‪١‬تمتلكات أك ما يتعلق بتأمُت األشخاص من‬
‫ا‪١‬توت فيما يعرؼ بالتأمُت على ا‪ٟ‬تياة (ُ)‪.‬‬
‫حيث جاء قي قرار " إف عقد التأمُت التجارم ذم القسط الثابت الذم تتعامل به‬
‫شركات التأمُت التجارم عقد فيه غرر كبَت مفسد للعقد كلذا فهو حراـ شرعان "‬
‫كاألدلة الشرعية الدالة على ٖترمي التأمُت التجارم متعددة منها‪:‬‬
‫_ عقد التأمُت التجارم من عقود ا‪١‬تعاكضة اليت يدخلها الغرر ا﵀رـ يف الشريعة حيث هنى‬
‫النيب – صلى ا﵁ عليه كسلم‪ -‬عن بيع ا‪ٟ‬تصاة كبيع الغرر كالغرر يف ا‪١‬تعاملة ما كاف مستورا من‬
‫حيث مآله كنتائجه عن أطراؼ العقد‪ ،‬كهو من أسباب ا‪ٟ‬تكم على العقد بالفساد‪.‬فقد يقع‬

‫(ُ) قرار ‪٣‬تمع الفقه اإلسبلمي يف دكرته ا‪١‬تنعقدة يف مكة ا‪١‬تكرمة يف الفًتة ِٓ‪ُّٗٗ / ْ/ْ – ّ/‬ق كقرار رقم‬
‫ٗ ‪ ِ /‬يف دكرته اليت انعقدت يف جدة من َُ‪ ُٔ-‬ربيع اآلخر َُْٔ انظر قرارات كتوصيات ‪٣‬تمع الفقه‬
‫اإلسبلمي‪ :‬القرارات ُ‪ٚ ٕٗ -‬تع كتنسيق د عبد الستار أبو غدة‪ ،‬منشورات دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‬

‫‪161‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ا‪ٟ‬تادث ا‪١‬تؤمن منه كقد ال يقع‪ ،‬كقد تستويف شركة التأمُت ‪ٚ‬تيع ما يستحق ‪٢‬تا من أقساط كقد‬
‫تستويف بعضها كقد تدفع أكثر ‪٦‬تا أخذت كقد تدفع أقل أك قد ال تدفع شيئا‪ .‬ككذلك ا‪١‬تؤمن له‬
‫قد يدفع أقل ‪٦‬تا أخذ أك أكثر كقد ال يأخذ شيئا‪.‬‬
‫_ عقد التأمين يشتمل نوعي الربا الفضل والنسيئة ؛ ألن فيه مبادلة النقد بالنقد‬
‫بزيادة أو نقصان وهذا ربا الفضل‪ ،‬وحيث ان المبلغ المستحق ألحد طرفي‬
‫العقد يثبت بعد حين من الزمان لتعلقه بوقوع الحادث او عدم وقوعه يكون‬
‫االجل عنصرا اساسيا في التأمين فيدخله ربا النسيئة من هذا الجانب‪ .‬والربا‬
‫من المعامالت التي تفسد العقود باتفاق الفقهاء‪.‬‬
‫_عقد التأمُت يقوـ على االحتماؿ ا‪١‬تؤدم اُف القمار كالرهاف ؛ ألف ا‪١‬تقامر أك ا‪١‬تراهن ال‬
‫يستطيع أف ٭تدد هل سَتبح بدؿ الرهاف كالقمار اك ال‪ ،‬ككذلك شركة التأمُت كا‪١‬تستأمن – ك‪٫‬تا‬
‫طرفا العقد‪-‬ال يستطيع أحد‪٫‬تا أف يقرر من ا‪١‬تستحق النهائي لقسط التأمُت كمبلغ التأمُت‪،‬‬
‫فا ‪١‬تستأمن ال يعرؼ إف كاف سيحصل على العوض أك ال ٭تصل عليه ؛ألف استحقاؽ العوض أك‬
‫عدـ استحقاقه متوقف على حصوؿ ا‪٠‬تطر‪ ،‬كهذا ا‪٠‬تطر قد يقع كقد ال يقع‪.‬‬
‫_ عقد التأمُت صورة من صور بيع الدين الكاِفء بالدين الكاِفء‪ ،‬كالكاِفء ا‪١‬تؤجل الذم‬
‫يتأخر تسليمه ذلك أف قسط التأمُت كهو ‪٤‬تل التزاـ ا‪١‬تؤمن له ال يدفع يف الغالب مرة كاحدة بل‬
‫على دفعات متفق عليها فما َف يدفع منه يثبت دينا مؤجبل يف الذمة‪ ،‬كمثله مبلغ التأمُت الذم‬
‫يستحقه ا‪١‬تؤمن له عند كقوع ا‪٠‬تطر ا‪١‬تؤمن منه تدفعه شركة التأمُت على هيئة أقساط متتالية فما َف‬
‫يدفع منه يثبت دينا يف ذمة الشركة‪ .‬كهذا الدليل ينطبق على عقود التأمُت على ا‪ٟ‬تياة‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ثاٌٗا‪ٌ :‬عاً التأوني التعأٌ٘‬


‫كمع أف الرأم الشرعي يف التأمُت التجارم حراـ إال أنه قد عم التعامل به كانتشر كأصبح‬
‫من األ‪٫‬تية ٔتكاف ال يستغٍت عنه تاجر أك مقاكؿ أك راكب سيارة أك طائرة‪ ...‬لكثرة األخطار‬
‫ا‪١‬تتوقعة كخوؼ اإلنساف من ا‪١‬تستقبل كما يقع فيه من تقلبات كأحواؿ كأهواؿ قد ال يستطيع‬
‫الشخص ٔتفرد مواجهة آثار هذ التقلبات ا‪١‬تستقبلية ا﵀تملة‪.‬‬
‫ألجل ذلك كاف البديل عن التأمُت التجارم ا‪١‬تمنوع التأمُت اإلسبلمي ا‪١‬تشركع الذم‬
‫يقوـ على أساس التكافل كالتعاكف بُت أفراد آّتمع يف مواجهة األخطار ا‪١‬تتوقعة اليت ينشأ عنها‬
‫ضرر با‪١‬تاؿ أك النفس‪ ،‬حيث تقوـ فكرة التأمُت التعاكين على أساس التشارؾ مع آّموعة‬
‫ا‪١‬تتضامنة فيما بينها ‪١‬تواجهة آثار األخطار اليت قد تقع على الفرد عند ‪٦‬تارسة نشاط معتاد كقيادة‬
‫السيارة أك السفر أك البيع كالشراء‪ ...‬قد ال يستطيع الفرد كحد دفع آثار هذ األخطار‪ ،‬أم أف‬
‫األصل يف فكرة التأمُت تقوـ على إ‪٬‬تاد نظاـ يهدؼ اُف توزيع عبء األضرار النإتة عن ا‪٠‬تطر‬
‫عند كقوعه على ‪٣‬تموع ا‪١‬تشًتكُت يف النظاـ بدال من أف تلقى االضرار كلها على كاهل الفرد الذم‬
‫كقع عليه الضرر ٔتفرد ‪ ،‬كذلك ّٔدؼ ٗتفيض قيمة ا‪٠‬تسائر ا‪١‬تادية ا‪١‬تًتتبة على كقوع ذلك ا‪٠‬تطر‪.‬‬
‫كلذلك يوصف نظاـ التأمُت اإلسبلمي بأنه نظاـ تعاكين تضامٍت يؤدم إُف تفتيت أجزاء‬
‫ا‪١‬تخاطر كا‪١‬تصائب كتوزيعها على ‪٣‬تموع ا‪١‬تستأمنُت عن طريق التعويض الذم يدفع للمصاب من‬
‫ا‪١‬تاؿ آّموع من حصيلة أقساط ا‪١‬تشًتكُت يف النظاـ بدال من أف يبقى الضرر على عاتق ا‪١‬تصاب‬
‫كحد ‪ .‬كاإلسبلـ يف ‪ٚ‬تيع تشريعاته ا‪١‬تتعلقة بتنظيم ا‪ٟ‬تياة االجتماعية كاالقتصادية يهدؼ اُف إقامة‬
‫(ُ)‬
‫‪٣‬تتمع على أساس التعاكف كالتكافل ا‪١‬تطلق يف ا‪ٟ‬تقوؽ كالواجبات "‬

‫(ُ) ـ مصطفى أ‪ٛ‬تد الزرقاء‪ ،‬نظاـ التأمُت‪ :‬حقيقته كالرأم الشرعي فيه‪ ،،‬طبع مؤسسة الرسالة‪ ،‬دمشق‬
‫ص ُِِ‬

‫‪163‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كهذا الوصف لفكرة التأمُت يتفق مع مبادلء االسبلـ كتشريعاته ا‪٢‬تادفة اُف نشر االمن‬
‫كٖتقيق الطمأنينة بُت أفراد آّتمع من خبلؿ تشجيعهم على التعاكف كالتكافل يف مواجهة أم‬
‫خطر ٯتكن أف يلحق ّٔم فرادل أك ‪ٚ‬تاعات‪.‬‬

‫الفسم بني عكد التأوني التذاز‪ٔ ٙ‬بني ٌعاً التأوني اإلسالو٘‬


‫كالفرؽ بُت نظاـ التأمُت اإلسبلمي كبُت عقد التأمُت التجارم أف الغاية من التأمُت‬
‫التجارم هي ٖتقيق الربح ككسب ا‪١‬تاؿ‪ ،‬كأما الغاية من التأمُت اإلسبلمي فهي التعاكف من خبلؿ‬
‫التربع با‪١‬تاؿ ‪١‬تواجهة أثر ا‪٠‬تطر ا‪١‬تتوقع فيكوف مبلغ التأمُت الذم يستحقه ا‪١‬تؤمن له عند كقوع‬
‫ا‪٠‬تطر يف التأمُت اإلسبلمي منحة كعطية من ‪٣‬تموع ا‪١‬تؤمن ‪٢‬تم الذين ٯتثلهم نظاـ التامُت القائم‬
‫على أساس التعاكف مقابل مسا‪٫‬تة ا‪١‬تؤمن له يف التكافل مع باقي ا‪١‬تؤمن ‪٢‬تم‪ ،‬فهو مكافأة له‬
‫كاعًتاؼ بفضله يف معاكنة إخوانه ‪٦‬تن ٭تتمل كقوع الضرر عليهم‪ ،‬كالشريعة من مبادئها ‪٣‬تازاة‬
‫ا﵀سن كمكافأته على ما قدـ من فعل حسن‪ ،‬فا‪١‬تؤمن له عندما أقدـ على ا‪١‬تشاركة يف نظاـ‬
‫التأمُت كاف متربعان كمتكافبلن ٔتا دفع مع أفراد آّموعة يعُت ٔتا دفع من ماؿ من كقع عليه الضرر‪،‬‬
‫فإذا كقع الضرر عليه قابله أفراد آّموعة ا‪١‬تتكافلوف معه بعقد التأمُت برد آثار الضرر البلحق به‬
‫كيف هذا تقابل يف فعل ا‪٠‬تَتات كدفع أذل العاديات‪.‬‬
‫كمن خصائص نظاـ التأمُت اإلسبلمي التعاكين انه تأمُت ليس رْتيا‪ ،‬فليس من غاياته كال‬
‫أهدافه الربح‪ ،‬كال يهدؼ إُف تنمية الثركة كزيادة الدخل‪ ،‬إ‪٪‬تا مقصود جرب الضرر كالتخفيف من‬
‫تبعاته ا‪١‬تالية عن الفرد الذم كقع عليه الضرر (ُ)‪ ،‬كهو على نوعُت‪:‬‬
‫األول‪ :‬التأمُت البسيط كيكوف على هيئة تعاكف كتكافل بُت ‪٣‬تموعة من األشخاص‬
‫معرضُت ‪٠‬تطر كاحد على تعويض ا‪١‬تتضرر منهم من ‪٣‬تموع اشًتاكاهتم (ِ)‪ .‬كقد عرفت البشرية‬

‫(ُ) هيثم ‪٤‬تمد حيدر‪ :‬الفائض التأميٍت كمعايَت احتسابه كأجكامه‪ ،‬ا‪١‬تلتقى الثاين للتأمُت التعاكين ص ّّ‬
‫(ِ) هيثم ‪٤‬تمد حيدر‪ :‬الفائض التأميٍت كمعايَت احتسابه كأجكامه‪ ،‬ا‪١‬تلتقى الثاين للتأمُت التعاكين ص ُّ‬

‫‪164‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫هذا النوع من التعاكف كالتكافل بُت أفراد آّموعة ‪١‬تواجهة التكاليف ا‪١‬تالية اليت تًتتب عند كقوع‬
‫ضرر أك حدكث خطر ما على أحد أفراد هذ آّموعة‪ ،‬فا‪٠‬تسارة تكوف ثقيلة مرهقة بالنسبة للفرد‬
‫الواحد خفيفة مقبولة إذا كزعت على ‪٣‬تموع األفراد (ُ)‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬التأمُت ا‪١‬تركب‪ :‬كهو صورة متقدمة عن التأمُت البسيط كيطلق عليه اسم " التأمُت‬
‫التبادِف ا‪١‬تتطور " ألنه ذات التأمُت البسيط مع تطور أدكاته ككسائله ٔتا يتناسب مع الواقع‬
‫ا‪١‬تعاصر‪ ،‬حيث َف تعد مفردات ا‪ٟ‬تياة القدٯتة ذات النمط البسيط ٖتقق الغاية كا‪٢‬تدؼ ا‪١‬تتوقع من‬
‫كجود التأمُت يف حياة الناس‪ ،‬فكثرة أعداد الراغبُت يف االشًتاؾ بنظاـ التأمُت ككثرة كتنوع‬
‫األخطار اليت يتعرض ‪٢‬تا الفرد استلزـ التماشي مع هذ ا‪١‬تؤثرات بإحداث التطور ا‪١‬تطلوب مع‬
‫االحتفاظ با‪١‬تضموف ا‪١‬توافق ألحكاـ الشريعة السمحاء فكاف أف نشأت شركات خاصة تعٌت‬
‫بالتأمُت التعاكين التكافلي غايتها مواجهة آثار األخطار اليت قد تقع على الفرد أك آّتمع (ِ)‪.‬‬
‫كصورة التأمُت ا‪١‬تركب ا‪١‬تعاصرة أف تقوـ شركة متخصصة بإنشاء كإدارة أعماؿ التأمُت‬
‫التعاكين من خبلؿ كجود فريقُت من األفراد‪:‬‬
‫األكؿ‪ :‬الفريق ا‪١‬تؤسس للشركة كهم ا‪١‬تسا‪٫‬توف أصحاب رأس ا‪١‬تاؿ‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬فريق ا‪١‬تشًتكُت من األفراد الذين يتكافلوف فيما بينهم كيتربعوف بأموا‪٢‬تم ‪١‬تساعدة‬
‫من يقع عليه الضرر من أفراد آّموعة‪.‬‬
‫ككما هو ظاهر من نوعي التأمُت البسيط كا‪١‬تركب أنه بصورتيه من التربعات القائمة على‬
‫اإلعانة كالنصرة كحاؿ الكثَت من ا‪١‬تبادمء اليت أقرها التشريع اإلسبلمي استنادا إُف عموـ اآليات‬
‫كاألحاديث الدالة على مشركعية التكاتف كالتعاكف بُت أفراد آّتمع ا‪١‬تسلم كما يف قوؿ ا﵁ تعاُف‬
‫" كتعاكنوا على الرب كالتقول كال تعاكنوا على االمث كالعدكاف " ككذلك قوؿ الرسوؿ – صلى ا﵁‬

‫(ُ) ا‪١‬ترجع السابق ص ِّ‬


‫(ِ) ا‪١‬ترجع السابق ص ّٓ‬

‫‪165‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫عليه كسلم‪ " -‬ا‪١‬تسلم أخو ا‪١‬تسلم " كقوله " ا‪١‬تؤمن للمؤمن كالبنياف يشد بعضه بعضا " كالشد‬
‫معنا اإلسناد كالتناصر يف ا‪ٟ‬تق كاإلعانة على فعل ا‪٠‬تَت‪.‬‬
‫فاألساس الذم تقوـ عليه فكرة التأمُت اإلسبلمي هي التعاكف كالتكافل بُت ‪٣‬تموع‬
‫ا‪١‬تستأمنُت كاالستعداد ماليا ‪١‬تواجهة آثار األخطار ا﵀تملة اليت ٯتكن أف تقع على بعض‬
‫ا‪١‬تستأمنُت‪ ،‬كفيه تعاكف منظم تنظيما دقيقا بُت عدد كبَت من الناس معرضُت ‪ٚ‬تيعا ‪٠‬تطر كاحد‬
‫حىت إذا ٖتقق ا‪٠‬تطر بالنسبة اُف بعضهم تعاكف ا‪ٞ‬تميع يف مواجهته بتضحية قليلة يبذ‪٢‬تا كل منهم‬
‫يتبلفوف ّٔا أضرارا جسيمة ٖتيق ٔتن نزؿ ا‪٠‬تطر به منهم‪.‬‬
‫كقد اكتسب هذا النوع من التأمُت شرعيته من هذا ا‪١‬تقصد الذم أيد التشريع كأقر ‪،‬‬
‫كعليه فإف التأمُت التعاكين أك التكافلي هو البديل ا‪١‬تشركع للتأمُت التجارم ا﵀رـ‪ ،‬كٯتكن من‬
‫الناحية التشغيلية تطبيق فكرة التأمُت التعاكين على هيئة شركة تأمُت تقوـ على تطبيق نظاـ التأمُت‬
‫التعاكين بتجريدها عن ا‪٢‬تدؼ التجارم ليحل ‪٤‬تله االشًتاؾ على اساس التربع كالتعاكف بُت أفراد‬
‫آّموعة‪.‬‬
‫كحاؿ ا‪١‬تتكافل يشبه حاؿ الفقَت الذم يستحق من ماؿ الزكاة بالفريضة الشرعية ما داـ‬
‫يستحق عليه من ماؿ إُف غَت من‬
‫ن‬ ‫فقَتان حىت إذا ما رزقه ا﵁ ا‪١‬تاؿ كاستغٌت به أصبح دافعا ‪١‬تا‬
‫الفقراء‪.‬‬
‫كهو مشركع ألنه يقوـ على أساس التربع آّرد عن العوض‪ ،‬كال يضر التفاكت كعدـ‬
‫التعادؿ بُت ما يؤخذ كبُت ما يعطى عند االشًتاؾ فيه‪ ،‬أم أف التفاكت ا‪ٟ‬تاصل بُت مبلغ التأمُت‬
‫كقسط التأمُت ‪٦‬تا يغتفر ؛ ألنه قائم على ا‪١‬تعاكنة كالتناصر على فعل ا‪٠‬تَت على خبلؼ التفاكت‬
‫ا‪ٟ‬تاصل يف عقود البيع كا‪١‬تعاكضات فبل يسمح فيها بالتفاكت إذا كاف فاحشا لئبل يؤدم ذلك اُف‬
‫أكل أمواؿ الناس بالباطل لقياـ عقد البيع يف األصل على ا‪١‬تماكسة كا‪١‬تشاحة‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كٗتريج مبلغ التأمُت على أنه منحة كعطية مقابل عمل يقصد منه التكافل كتقدمي العوف‬
‫يقدمه ‪٣‬تموع ا‪١‬تؤمن ‪٢‬تم من حصيلة ا‪١‬تبلغ آّموع كا‪١‬تعد سلفان ‪١‬تواجهة آثار الضرر سائغ ؛ ألنه‬
‫٭تقق مصاٌف متبادلة للمستأمنُت ‪ٚ‬تيعان‪ ،‬كيكوف ما يدفع من مبلغ التأمُت ليس إال جزاء كمكافأة‬
‫على فعل ا‪٠‬تَت الذم قدـ أكالن‪ ،‬فمبلغ التأمُت الذم يستحقه ا‪١‬تؤمن له يعد من باب ا‪١‬تعونة اليت‬
‫تقدمها هذ آّموعة إُف ا‪١‬تؤمن له تنفيذان للتعهد ا‪١‬تتفق عليه الذم تراضى عليه الطرفاف ا‪١‬تؤمن له‬
‫ك‪٣‬تموع ا‪١‬تؤمنُت الذين ٘تثلهم شركة التأمُت‪ ،‬كالغاية من هذ ا‪١‬تعونة هي تعويض ا‪١‬تؤمن له بعض‬
‫الشيء عن مصيبته‪.‬‬
‫كيؤيد هذا النظر القوؿ بأف األساس الذم قاـ عليه التأمُت التعاكين برمته هو التعاكف كمنه‬
‫‪ٝ‬تي تعاكنيان‪ ،‬فينبغي أف يبقى هذا األساس حاضران يف أذهاف ا‪١‬تؤمن ‪٢‬تم ‪ٚ‬تيعان كاستبعاد الكسب‬
‫ا‪١‬تاِف عند ا‪١‬تشاركة يف التأمُت التعاكين كاستحضار نية الصدقة ٔتبلغ التأمُت ‪١‬تن يقع عليه الضرر‬
‫مشاركان ّٓموع ا‪١‬تؤمن ‪٢‬تم بالتعاكف‪ ،‬كما داـ األمر كذلك فينبغي أف يبقى أصل التعاكف ماثبلن يف‬
‫التطبيق ابتداء كحاضران يف األذهاف مآالن كانتهاء‪ .‬كهذا يستلزـ القصد كالنية من ا‪١‬تؤمن له عند‬
‫مشاركته يف عقد التأمُت أف يكوف القصد كالغاية هو التعاكف على ا‪٠‬تَت كدفع الضرر عن اآلخرين‬
‫ال ٖتصيل مبلغ التأمُت مقابل األقساط اليت يلزمه دفعها ٔتقتضى العقد‪.‬‬

‫املصازف اإلسالوٗ‪ٛ‬‬
‫تعد ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية أحد أهم تطبيقات ا‪١‬تصرفية اإلسبلمية‪ ،‬كأكثرها ‪٪‬توا‪ ،‬كرغم قصر‬
‫ٕتربة ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية مقارنة ٔتثيبلهتا التقليدية فقد خطت خطوات هامة‪ ،‬كيف مسارات‬
‫متعددة ‪٦‬تا أفرز تنوعا يف التجربة الواقعية‪ ،‬كا‪١‬تتمثل بقياـ ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية بدكرها التجارم‬
‫كاالقتصادم كاالجتماعي كالتنموم يف خدمة اإلنساف الذم هو األساس الذم تدكر حوله ا‪ٟ‬تياة‪،‬‬
‫ات لَّىق ٍووـ‬
‫‪ٚ‬تيعا ّْمٍنه إً َّف ًيف ذىلًك ىآلي و‬
‫ى ى‬ ‫ض ى ن ي‬ ‫ٍ‬
‫يقوؿ سبحانه‪ :‬كس َّخر لى يكم َّما ًيف َّ ً‬
‫ات كما ًيف ٍاألىر ً ً‬
‫الس ىم ىاك ى ى‬ ‫ىى ى‬

‫‪167‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫يػىتىػ ىف َّكيرك ىف‪ ،)ُ(‬كيقوؿ سبحانه‪  :‬ىكلىىق ٍد ىكَّرٍمنىا بىًٍت آ ىد ىـ‪ ،)ِ(‬كذلك من خبلؿ قياـ ا‪١‬تصارؼ بتلبية‬
‫رغبات كحاجات اإلنساف اليت تقرها الشريعة بشكل ٭تقق كرامة اإلنساف‪ ،‬كيسمو به ‪٨‬تو رسالة‬
‫اإلسبلـ‪.‬‬
‫كمن جهة أخرل‪ ،‬فليس من الضركرم تسمية ا‪١‬تؤسسة ا‪١‬تالية بالصفة اإلسبلمية حىت تكوف‬
‫مندرجة يف اطار ا‪١‬تؤسسات ا‪١‬تالية اإلسبلمية ؛ كإ‪٪‬تا ينبغي أف ٖتقق ا‪١‬تؤسسة ا‪١‬تالية ا‪١‬تنتمية‬
‫للمصرفية اإلسبلمية ‪٣‬تموعة من ا‪١‬تعايَت اليت إذا ما توفرت يف أم مؤسسة مالية ٯتكن اعتبارها من‬
‫مؤسسات ا‪١‬تصرفية اإلسبلمية ؛ كفيما يلي بياف ‪٢‬تذ ا‪١‬تعايَت‪:‬‬

‫املعٗاز األٔه‪ :‬املصازف اإلسالوٗ‪ ٛ‬وؤسشات تظازنٗ‪ ٛ‬ادخازٖ‪ ٛ‬ادتىاعٗ‪ ٛ‬تٍىٕٖ‪ٛ‬‬


‫هذا ما قرر الدكتور أ‪ٛ‬تد النجار‪ -‬ر‪ٛ‬ته ا﵁ – رائد فكرة البنوؾ اإلسبلمية (يف كتابه‬
‫منهج الصحوة اإلسبلمية‪ :‬بنوؾ ببل فوائد‪ :‬البنوؾ اإلسبلمية هي أجهزة مالية تستهدؼ التنمية‬
‫كتعمل يف إطار الشريعة اإلسبلمية كتلتزـ بكل القيم األخبلقية اليت جاءت ّٔا الشرائع السماكية‬
‫كتسعى إُف تصحيح كظيفة رأس ا‪١‬تاؿ يف آّتمع‪ ،‬كهي أجهزة تنموية اجتماعية مالية‪ ،‬حيث أهنا‬
‫تقوـ ٔتا تقوـ به البنوؾ من كظائف يف تيسَت ا‪١‬تعامبلت التنموية‪ ،‬كما أهنا تضع نفسها يف خدمة‬
‫آّتمع‪ ،‬كتستهدؼ ٖتقيق التنمية فيه‪ ،‬كتقوـ بتوظيف أموا‪٢‬تا بأرشد السبل ٔتا ٭تقق النفع‬
‫للمجتمع أكالن كقبل كل شئ‪ ،‬كاجتماعية من حيث إهنا تقصد يف عملها ك‪٦‬تارستها تدريب األفراد‬
‫على ترشيد اإلنفاؽ كتدريبهم على االدخار كمعاكنتهم يف تنمية أموا‪٢‬تم ٔتا يعود عليهم كعلى‬
‫آّتمع بالنفع كا‪١‬تصلحة‪ ،‬فضبل عن اإلسهاـ يف ٖتقيق التكافل بُت أفراد آّتمع بالدعوة إُف أداء‬
‫الزكاة ك‪ٚ‬تعها كإنفاقها يف مصارفها الشرعية (ّ)‪.‬‬

‫(ُ) ا‪ٞ‬تاثية‪.ُّ :‬‬


‫(ِ) االسراء‪َٕ :‬‬
‫(ّ) النجار‪ ،‬أ‪ٛ‬تد (ُٕٔٗ)‪ ،‬منهج الصحوة اإلسبلمية بنوؾ ببل فوائد‪ ،‬جدة‪ ُِ ،‬كما بعدها‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫املعٗاز الجاٌ٘‪ :‬وؤسشات والٗ‪ ٛ‬حتكل وبادئ ٔأِداف ٔقٕاعد االقتصاد اإلسالو٘‬
‫من خصائص ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية كوهنا مؤسسات مالية لتجميع األمواؿ كتوظيفها يف‬
‫إطار الشريعة اإلسبلمية كمقاصدها‪ ،‬كرغم تشابه كل من ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية كا‪١‬تصارؼ التقليدية‬
‫يف الطبيعة ا‪١‬تصرفية (تعبئة ا‪١‬تدخرات كتوظيفها يف استثمارات ك٘تويبلت) إال إف ا‪١‬تصارؼ‬
‫اإلسبلمية هي جزء من النظاـ االقتصادم اإلسبلمي‪ ،‬كمن مث ؛ فإهنا تطبيق كاقعي كتفعيل‬
‫لقواعد كمبادئه‪ ،‬كتستلزـ هذ ا‪١‬تيزة للمصارؼ اإلسبلمية ارتفاع دكرها االجتماعي من خبلؿ‬
‫ا‪١‬توازنة بُت مصا‪ٟ‬تها ا‪٠‬تاصة كا‪١‬تصلحة االجتماعية ؛ فينبغي أف تراعي ا‪١‬تصاٌف االجتماعية كلو‬
‫أدل ذلك إُف التضحية ببعض مصا‪ٟ‬تها ا‪٠‬تاصة (ُ)‪.‬‬
‫كيف هذا اإلطار جاء تعريف ا‪١‬تصرؼ اإلسبلمي " مؤسسة مالية مصرفية لتجميع األمواؿ‬
‫كتوظيفها يف نطاؽ الشريعة اإلسبلمية‪ٔ ،‬تا ٮتدـ بناء آّتمع اإلسبلمي كٖتقيق عدالة التوزيع‪،‬‬
‫ككضع ا‪١‬تاؿ يف ا‪١‬تسار اإلسبلمي" (ِ)‪ .‬ككذا تعريفه بأنه " مؤسسة نقدية مالية‪ ،‬تعمل على جذب‬
‫ا‪١‬توارد النقدية من أفراد آّتمع كتوظيفها توظيفا فعاال يكفل تعظيمها ك‪٪‬توها يف إطار القواعد‬
‫ا‪١‬تستقرة للشريعة اإلسبلمية كٔتا ٮتدـ شعوب األمة كيعمل على تنمية اقتصادياهتا" (ّ)‪ .‬يف حُت‬
‫يرل خرباء التنظيم يف البنوؾ اإلسبلمية أف‪ :‬البنوؾ اإلسبلمية‪":‬تلك ا‪١‬تنظمة ا‪١‬تالية ا‪١‬تصرفية اليت‬
‫ٗتتص بتجميع األمواؿ كتوظيفها يف نطاؽ الشريعة اإلسبلمية ٔتا ٮتدـ ‪٣‬تتمع التكافل اإلسبلمي‬
‫بوضع ا‪١‬تاؿ يف ا‪١‬تسار اإلسبلمي" (ْ)‪.‬‬

‫(ُ) العمارم‪ ،‬ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية كدكرها يف تعزيز القطاع ا‪١‬تصريف‪.ِ ،‬‬


‫(ِ) النجار‪ ،‬أ‪ٛ‬تد (ُِٖٗ )‪ ،‬البنوؾ اإلسبلمية‪ ،‬أثرها يف تطوير االقتصاد الوطٍت‪٣ ،‬تلة ا‪١‬تسلم ا‪١‬تعاصر‪ ،‬بَتكت‪،‬ع‬
‫ِْ‪.ُّٔ ،‬‬
‫(ّ) ا‪٠‬تضرم‪٤ ،‬تسن ()‪،‬البنوؾ االسبلمية‪ ،‬ص ُٕ‪.‬‬
‫(ْ) تقرير ا‪ٟ‬تلقة العلمية ‪٠‬ترباء التنظيم ىف البنوؾ اإلسبلمية‪٣ ،‬تلة البنوؾ اإلسبلمية‪ ،‬االٖتاد الدكُف للبنوؾ‬
‫اإلسبلمية ع(ٓ)‪ ،‬مارس ُٕٗٗ‪ ،‬ص ٗ نقبل عن ا‪١‬تغريب‪ ،‬اإلدارة االسًتاتيجية يف البنوؾ اإلسبلمية‪.ٖٓ ،‬‬

‫‪169‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫إف تلبية رغبات اإلنساف كحاجاته يف ضوء ندرة ا‪١‬توارد االقتصادية‪ ،‬عبلكة على ٖتقيق‬
‫توزيع عادؿ للثركة غدا من بدهيات البحث يف االقتصاد اإلسبلمي ػ بتمويله لؤلفراد بصورة ٖتسن‬
‫دخلهم مستقببل ػ أداة مالية فعالة للوصوؿ إُف هذ النتيجة بشكل ٕتارم متوافق مع مبادئ‬
‫الشريعة‪.‬‬

‫املعٗاز الجالح‪ :‬املصازف اإلسالوٗ‪ ٛ‬وؤسشات والٗ‪ ٛ‬تعىن ٔفل أسهاً الظسٖع‪ٛ‬‬
‫معرفها باعتبارها‬
‫كيف هذا السياؽ اندرجت أغلب تعريفات ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية ما بُت ٌ‬
‫شكبلن مطوران لعقد الصرؼ ؛ فا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية هي ا‪١‬تؤسسة ا‪١‬تالية اليت تقوـ بعمليات الصرافة‬
‫كاستثمار ٔتا يتفق كأحكاـ الشريعة اإلسبلمية (ُ)‪.‬‬
‫معرؼ للمصرؼ اإلسبلمي باعتبار مؤسسة ال تتعامل بػ " الربا "‪ ،‬حىت كاف من‬
‫كما بُت ٌ‬
‫الشائع تعريف البنك اإلسبلمي على أنه مؤسسة مصرفية ال تتعامل بالفائدة (الربا) أخذا أك‬
‫عطاء؛ فالبنك اإلسبلمي ينبغي أف يتلقى من العمبلء نقودهم دكف أم التزاـ أك تعهد مباشر أك‬
‫غَت مباشر بإعطاء عائد ثابت على كدائعهم‪ ،‬مع ضماف رد األصل ‪٢‬تم عند الطلب(ِ)‪" ...،‬‬

‫مؤسسة تباشر األعماؿ ا‪١‬تصرفية‪ ،‬مع التزامها باجتناب التعامل بالفوائد الربوية‪ ،‬أخذان كعطاءن‬
‫بوصفه تعامبلن ‪٤‬ترمان شرعا كباجتناب أم عمل آخر ‪٥‬تالف ألحكاـ الشريعة اإلسبلمية"(ّ)‪ .‬بل‬
‫جعل اجتناب الربا أساسان لتعريف ا‪١‬تصرفية اإلسبلمية بأهنا‪ :‬نظاـ مصريف يٕترل فيه ا‪١‬تعامبلت‬
‫كاألنشطة ٔتوجب مبادئ الشريعة اإلسبلمية كالذم ي‪٬‬تيز التمويل على أساس األصوؿ ك٭ترـ‬
‫ا‪١‬تعامبلت على أساس الربا(ْ)‪.‬‬

‫(ُ) الزعًتم‪ ،‬ا‪٠‬تدمات ا‪١‬تصرفية كموقف الشريعة اإلسبلمية منها‪.ِّ،‬‬


‫(ِ) يسرم‪ ،‬دكر البنوؾ اإلسبلمية يف التنمية اإلقتصادية‪.ِ ،‬‬
‫(ّ) ا‪ٞ‬تماؿ‪ ،‬غريب‪،‬ا‪١‬تصارؼ كبيوت التمويل اإلسبلمية‪ ،‬دار الشركؽ‪ ،‬ط(ُ)‪ ،‬جدة‪ ،‬صِْ‪.‬‬
‫(ْ) البنك اإلسبلمي للتنمية‪ ،‬مصطلحات البنك اإلسبلمي للتنمية‪ ،‬مصطلح رقم‪.ٗٗ :‬‬

‫‪171‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كإف كاف اطبلؽ االلتزاـ بالشريعة اإلسبلمية دكف قصر ذلك على الربا هو ا‪١‬تنهج األدؽ‬
‫يف تعريف ا‪١‬تصرؼ اإلسبلمي ؛ إذ ليس الربا ا﵀ظور الوحيد‪ ،‬عبلكة على أف ا‪١‬تطلوب من ا‪١‬تصرؼ‬
‫التزاـ الواجبات كما هو اجتناب ا﵀رمات‪ ،‬كلكي يكتمل تعريف ا‪١‬تصرؼ اإلسبلمي ال بد من‬
‫إضافة إُف شرط ٖترمي الفائدة‪ ،‬االلتزاـ يف نواحي نشاطه كمعامبلته ا‪١‬تختلفة بقواعد الشريعة‬
‫اإلسبلمية‪ ،‬التزاما يتمثل بعدـ االستثمار أك ٘تويل أم أنشطة ‪٥‬تالفة للشريعة‪ ،‬كااللتزاـ ٔتقاصد‬
‫الشريعة يف ابتغاء مصلحة آّتمع اإلسبلمي‪ ،‬كمن مث العمل على توجيه ما لديه من موارد مالية‬
‫إُف أفضل االستخدامات ا‪١‬تمكنة‪ ،‬عبلكة على االلتزاـ بالقيم األخبلقية كالقواعد الشرعية اليت‬
‫تستلزـ تقدمي النصيحة للعمبلء كالتشاكر معهم لتحقيق مصا‪ٟ‬تهم الفردية يف إطار ا‪١‬تصلحة‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫كمن مث؛ كاف تعريف ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية بأهنا "مؤسسات مصرفية تلتزـ يف ‪ٚ‬تيع معامبلهتا‬
‫كنشاطاهتا االستثمارية كإدارهتا ‪ٞ‬تميع أعما‪٢‬تا بالشريعة اإلسبلمية كمقاصدها‪ ،‬ككذلك بأهداؼ‬
‫آّتمع اإلسبلمي داخليا كخارجيا" (ُ)‪ ،‬تعريف أكثر دقة ‪٦‬تا سبقه من تعريفات بالنظر إُف هذا‬
‫ا‪١‬تعيار كهذا ا‪١‬تعيار يستلزـ أف يوجد يف ا‪١‬تصرؼ كي ما يكوف إسبلميا كجود‪ :‬اللجنة الشرعية‪:‬‬
‫كهي كياف مستقل يتألف من علماء متخصصُت يف فقه ا‪١‬تعامبلت يتوُف توجيه كدراسة أنشطة‬
‫ا‪١‬تؤسسة ا‪١‬تالية اإلسبلمية كاإلشراؼ عليها لضماف اتفاقها مع أحكاـ كمبادئ الشريعة‬
‫اإلسبلمية(ِ)‪.‬‬

‫(ُ) يسرم‪ ،‬عبد الر‪ٛ‬تن‪ ،‬دكر ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية يف التنمية‪٣ ،‬تلة االقتصاد اإلسبلمي‪ ،‬ديب‪ ،‬العدد رقم ُٖٔ‪.‬‬
‫(ِ) البنك اإلسبلمي للتنمية‪ ،‬مصطلحات البنك اإلسبلمي للتنمية‪ ،‬مصطلح رقم‪.ُٖٓ :‬‬

‫‪171‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫املعٗاز السابع‪ :‬وؤسشات والٗ‪ ٛ‬ذات أِداف ٔزسال‪ ٛ‬ادتىاعٗ‪ ٛ‬تٍىٕٖ‪ٛ‬‬


‫ركزت ‪٣‬تموعة من تعريفات ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية‪ ،‬ال سيما ما جاء منها يف سياؽ ا‪١‬تقارنة‬
‫مع ا‪١‬تصارؼ الربوية على بياف امتياز اإلسبلمية برسالتها كغاياهتا ا‪١‬تستمدة من رسالة اإلسبلـ‬
‫كغايته (ُ)‪ ،‬فعبلكة على كوف ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية مؤسسات رْتية‪ ،‬فهي مؤسسات ‪٢‬تا أهداؼ‬
‫اجتماعية كتنموية ؛ بل دينية يف نشر اإلسبلـ بتطبيق أحكاـ ا‪١‬تعامبلت‪ ،‬كا‪١‬تساعدة يف إخراج‬
‫الزكاة‪ ،...‬فا‪١‬تصرؼ اإلسبلمي‪ :‬مؤسسة استثمارية مصرفية اجتماعية تتعامل يف إطار الشريعة‬
‫اإلسبلمية‪ ،‬تعمل على تعبئة ا‪١‬توارد اإلسبلمية ا‪١‬تتاحة‪ ،‬كتوجيهها إُف االستثمارات اليت ٗتدـ‬
‫أهداؼ التنمية االقتصادية كاالجتماعية إضافة إُف القياـ باألعماؿ ا‪١‬تصرفية البلزمة ٔتقتضى‬
‫أحكاـ الشريعة اإلسبلمية"(ِ)‪ .‬كمن هنا كاف تعريف ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية بأهنا‪ :‬منظمة مالية تقوـ‬
‫با‪١‬تعامبلت ا‪١‬تصرفية كغَتها يف ضوء أحكاـ الشريعة اإلسبلمية كّٔدؼ ا﵀افظة على القيم‬
‫كاألخبلؽ اإلسبلمية‪ ،‬كلتحقيق أقصى عائد اقتصادم اجتماعي ٭تقق ا‪ٟ‬تياة الكرٯتة لؤلمة‬
‫اإلسبلمية(ّ)‪.‬‬
‫كا‪١‬تصرؼ اإلسبلمي " منظمة إسبلمية تعمل يف ‪٣‬تاؿ األعماؿ ّٔدؼ بناء الفرد ا‪١‬تسلم‬
‫كآّتمع ا‪١‬تسلم‪ ،‬كتنميته كإتاحة الفرص ا‪١‬تواتية ‪٢‬تا‪ ،‬للنهوض على أسس إسبلمية تلتزـ بقاعدة‬
‫ا‪ٟ‬تبلؿ كا‪ٟ‬تراـ" (ْ)‪" ...‬منظمة مالية كمصرفية‪ ،‬اقتصادية كاجتماعية‪ ،‬تسعى إُف جذب ا‪١‬توارد من‬
‫األفراد كا‪١‬تؤسسات كتعمل على استخدامها االستخداـ األفضل‪ ،‬مع أداء ا‪٠‬تدمات ا‪١‬تصرفية‬
‫ا‪١‬تتعددة‪ ،‬كتعمل على ٖتقيق العائد ا‪١‬تناسب ألصحاب رأس ا‪١‬تاؿ كما تسهم يف ٖتقيق التكافل‬

‫(ُ) الزعًتم‪ ،‬ا‪٠‬تدمات ا‪١‬تصرفية كموقف الشريعة اإلسبلمية منها‪.ّْ -ّٕ ،‬‬
‫(ِ) مرطاف‪ ،‬سعد‪ ،‬مدخل الفكر االقتصادم يف االسبلـ‪ ،‬ص ُِٖ‪.‬‬
‫(ّ) شحاته‪ ،‬حسُت‪.،‬‬
‫(ْ) طايل‪ ،‬مصطفى كماؿ (ُٖٖٗ)‪ ،‬البنوؾ اإلسبلمية‪ ،‬ا‪١‬تنهج كالتطبيق‪ ،‬جامعة أـ درماف‪.،‬‬

‫‪172‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫االجتماعي يف آّتمع كتلتزـ ٔتبادئ كمقتضيات الشريعة اإلسبلمية كذلك دؼ ٖتقيق التنمية‬
‫اإل‪٬‬تابية‪ ،‬االقتصادية كاالجتماعية‪ ،‬لؤلفراد كا‪١‬تؤسسات مع مراعاة ظركؼ آّتمع(ُ)‪.‬‬
‫ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية عبارة عن مؤسسات استثمارية مصرفية اجتماعية تتعامل يف إطار‬
‫الشريعة اإلسبلمية‪ ،‬فهي تعمل على تعبئة ا‪١‬توارد اإلسبلمية ا‪١‬تتاحة كتوجيهها إُف االستثمارات اليت‬
‫ٗتدـ أهداؼ التنمية االقتصادية كاالجتماعية إضافة إُف القياـ باألعماؿ ا‪١‬تصرفية البلزمة ٔتقتضى‬
‫أحكاـ الشريعة اإلسبلمية‪ .‬كبشكل ٭تقق التنسيق كالتعاكف كالتكافل بُت ‪٥‬تتلف الوحدات‬
‫االقتصادية يف آّتمع كاليت تسَت كفقان ألحكاـ الشريعة اإلسبلمية‪ .‬كٔتا يؤكد دكر ا‪١‬تصارؼ‬
‫اإلسبلمية يف السوؽ ا‪١‬تصرفية القائمة كٖتقيق االنتشار ا‪ٞ‬تغرايف كالعمل على توسيع قاعدة‬
‫ا‪١‬تتعاملُت معها‪٦ ،‬تا يستوجب على ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية أف يشمل نشاطها كل القطاعات‬
‫اإلنتاجية ككل الفئات كا‪١‬تناطق مع إعطاء األكلوية للسلع الضركرية كا‪٠‬تدمات األساسية (ِ)‪.‬‬
‫كقياـ ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية يف ٘تويل خدمات ا‪١‬تنافع خاصة ما كاف منها يتعلق ٔتصاٌف‬
‫ضركرية كحاجية كالصحة كالتعليم ؛ كتقدمي هذ التمويبلت بكلف ٘تويلية منخفضة‪ ،‬ينبغي أف‬
‫يكوف أحد أهم أسس كأركاف النظاـ ا‪١‬تصريف اإلسبلمي ٖتقيقا ألهداؼ ا‪١‬تصرفية اإلسبلمية ا‪١‬تعلنة‬
‫يف رسالة ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية‪ .‬كيقوم هذا التوجه أف خاصية هذ التمويبلت كوهنا قصَتة األجل‪،‬‬
‫كهو ما ٯتكن أف يشكل حبل ‪١‬تشكلة فائض السيولة اليت تعاين منها ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية‪.‬‬

‫(ُ) ا‪١‬تغريب‪ ،‬اإلدارة االسًتاتيجية يف البنوؾ اإلسبلمية‪.ٖٕ،‬‬


‫(ِ) عوض‪٤ ،‬تمد هاشم‪ ،‬دليل العمل يف البنوؾ اإلسبلمية‪ ،،‬ص ِٓ‪ ،ِٔ-‬بابللي‪٤،‬تمود‪ ،‬ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية‬
‫ضركرة حتمية‪ ،‬ا‪١‬تكتب اإلسبلمي‪ ،‬بَتكت ط(ُ)‪ ،‬ص ُٔٗ‪ ،ُٕٗ-‬ا‪١‬تقريف‪ ،‬سعيد(ََِٓ)‪ ،‬االستثمار‬
‫قصَت األجل يف البنوؾ اإلسبلمية‪ ،‬رسالة ماجستَت‪ ،‬جامعة ا‪١‬تلك عبد العزيز‪.ٕٓ ،‬‬

‫‪173‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫املعٗاز اخلاوص‪ :‬املصازف اإلسالوٗ‪ ٛ‬وؤسشات ٔساط‪ ٛ‬والٗ‪ٛ‬‬


‫فا‪١‬تصرؼ مؤسسة مالية مهمتها األساسية القياـ بدكر الوساطة ا‪١‬تالية بُت الذين ٯتتلكوف‬
‫نقودان تفيض عن حاجتهم‪ ،‬كبُت الذين ٭تتاجوف لتلك النقود(ُ)‪.‬‬

‫املعٗاز الشادض‪ :‬املصازف اإلسالوٗ‪ ٛ‬وؤسشات ٌكدٖ‪ ٛ‬جتازٖ‪ ٛ‬زحبٗ‪ٛ‬‬


‫فا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية‪" :‬مؤسسات مالية مصرفية تتقبل األمواؿ على أساس قاعديت ا‪٠‬تراج‬
‫بالضماف كالغرـ بالغنم لبلٕتار ّٔا كاستثمارها كفق مقاصد الشريعة كأحكامها التفصيلية (ِ)‪.‬‬
‫كيف تعريف آخر ا‪١‬تصرؼ اإلسبلمي مكاف أك هيئة اعتبارية يقوـ فيها أشخاص يؤسسوف‬
‫عمبلن ٕتاريان يف استثمار األمواؿ كصرافة األمواؿ‪ ،‬كخدميا بأجر بتسهيل ا‪١‬تبادالت التجارية كتقريب‬
‫ا‪١‬تتبايعُت بضمانته ككفالته (ّ)‪.‬كا‪١‬تتمثلة بػ "عمل يتضمن التقريب بُت طرفُت بقصد الربح"‪ .‬كفائدهتا‬
‫ككظيفتها االقتصادية‪ٗ :‬تفيض تكلفة التبادؿ أك التعامل بُت الوحدات االقتصادية‪ ،‬كما يًتتب‬
‫(ْ)‬
‫على ذلك من تشجيع العمل كاإلنتاج كالتجارة‬

‫(ُ)موسوعة ا‪١‬تصطلحات االقتصادية كاإلحصائية صٗٔ‪.‬‬


‫(ِ) البعلي‪ ،‬عبد ا‪ٟ‬تميد ‪٤‬تمود(ََُِ )‪،‬تقييم ٕتربة ا‪١‬تؤسسات ا‪١‬تالية اإلسبلمية‪ ،‬ا‪١‬تؤ٘تر األكؿ للمؤسسات ا‪١‬تالية‬
‫اإلسبلميٌة كا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية‪ ،‬ص ُْ‪ ،‬ا‪١‬تصرم‪ ،‬عبد السميع ()‪ ،‬ا‪١‬تصرؼ اإلسبلمي علميا كعمليا‪ ،‬ص‬
‫ٗ‪ ،‬شرفه (ََِٕ)‪ ،‬التوظيف ا‪ٟ‬تديث لعقد القرض يف ا‪٠‬تدمات البنكية‪.ٕٓ ،‬‬
‫(ّ) الزعًتم‪ ،‬ا‪٠‬تدمات ا‪١‬تصرفية كموقف الشريعة اإلسبلمية منها‪.ِْ ،‬‬
‫(ْ) سويلم‪ ،‬سامي‪ ،‬الوساطة ا‪١‬تالية يف االقتصاد اإلسبلمي‪ ،ُٗ،‬القرم‪٤ ،‬تمد علي‪ ،‬مقدمة يف النقود كالبنوؾ‪،‬‬
‫مكتبة دار جدة للنشر‪ ،‬جدة‪ُُْٕ ،‬هػ ص ُِٗ‪ ،‬شحاته‪ ،‬شوقي ا‪ٝ‬تاعيل (ُٕٕٗ)‪ ،‬البنوؾ اإلسبلمية‪،‬‬
‫دار الشركؽ‪ ،‬جدة‪ ،ٓ ،‬عبدا﵁‪ ،‬خالد أمُت‪ ،‬كسعيفاف‪ ،‬حسُت (ََِٖ)‪ ،‬العمليات ا‪١‬تصرفية اإلسبلمية‬
‫الطرؽ ا﵀اسبية ا‪ٟ‬تديثة‪ ،‬دار كائل‪ ،‬ط(ُ) عماف‪.ُّ ،‬‬

‫‪174‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كيف ا﵀صلة ٯتكن تعريف ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية بأهنا‪:‬‬


‫"ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية مؤسسات مالية نقدية ٕتارية رْتية تلتزـ بتطبيق أحكاـ الشريعة‬
‫اإلسبلمية يف ‪ٚ‬تيع معامبلهتا ا‪١‬تصرفية التمويلية كاالستثمارية كا‪٠‬تدمية‪ ،‬كذلك من خبلؿ تطبيق‬
‫مفهوـ الوساطة ا‪١‬تالية القائم على مبدأ ا‪١‬تشاركة يف الربح أك ا‪٠‬تسارة‪ ،‬استنادا على إطار الوكالة‪،‬‬
‫تتلقى األمواؿ كتستثمرها كفقا لقواعد استحقاؽ العوائد يف التشريع اإلسبلمي‪ ،‬هتدؼ إُف ا﵀افظة‬
‫على القيم كاألخبلؽ اإلسبلمية‪ ،‬كٖتقيق أقصى عائد اقتصادم اجتماعي ٭تقق ا‪ٟ‬تياة الكرٯتة‬
‫لؤلمة اإلسبلمية "(ُ) هو التعريف الذم نرا يقدـ رؤية متكاملة األبعاد عن ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية‪،‬‬
‫كمن خبل‪٢‬تا ٯتكن رسم آفاؽ تطوير ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية‪.‬‬

‫(ُ) أبو مؤنس‪ ،‬رائد نصرم (َُِِ ) ٘تويل خدمات ا‪١‬تنافع يف ا‪١‬تصارؼ اإلسبلمية‪ ،‬دار الرضواف‪ ،‬عماف‪،‬‬
‫ط(ُ)‪ ،‬ص ِٖ‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الٕسد‪ ٚ‬الشادس‪ٛ‬‬

‫اإلسالً ٔالكضاٖا الشٗاس‪ٛ‬‬

‫إعداد‬
‫أ‪.‬د‪ .‬عبداهلل إبراييم زيد الكيالني‬
‫د‪.‬رحيل الغرايبة‬

‫‪176‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الوحدة الصادشة‬
‫اإلشالم والكضايا الصياشة‬
‫وفًّٕ الٍعاً الشٗاس٘‪:‬‬
‫السياسة هي تدبَت الشأف العاـ؛ أم ما يتعلق با‪ٞ‬تماعة‪ ،‬كحفظ األمن كإقامة مرفق‬
‫القضاء‪ ،‬كتنظيم استعماؿ ا‪١‬تباحات‪ ،‬كا‪ٟ‬تريات العامة‪ ،‬كيف ا‪ٟ‬تديث النبوم‪" :‬كانت بنو إسرائيل‬
‫تسوسهم األنبياء"(ُ) ؛ أم‪ :‬تدبر شأهنم العاـ‪ ،‬كتنظم أمورهم‪ ،‬كتبُت ‪٢‬تم ا‪ٟ‬تبلؿ كا‪ٟ‬تراـ‪ ،‬كٖتملهم‬
‫على الطريق ا‪ٟ‬تسنة‪ ،‬كينصفوف ا‪١‬تظلوـ‪ ،‬كيف ا‪ٟ‬تديث إشارة إُف أنه ال ب ٌد للرعية كا‪ٞ‬تماعة من قائم‬
‫بأمرها‪.‬‬
‫يطلق النظاـ السياسي على تنظيم الشأف العاـ‪ ،‬ببياف ً‬
‫طرؽ اختيار ا‪ٟ‬تكاـ‪ ،‬كالدستوًر‬
‫الذم ٭تدد العبلقة بُت األمة كا‪ٟ‬تاكم‪ ،‬كالوظائف ا‪١‬تنوطة باألئمة‪ ،‬كا﵀افظة على القيم العقدية‬
‫كالثقافية اليت ٖتفظ كجود ا‪ٞ‬تماعة كٖتقق مصلحتها‪ ،‬كإقامة مؤسسات العدؿ‪ ،‬كالقضاء‪ ،‬كإدارة‬
‫موارد آّتمع‪ ،‬كمنع التناحر بُت القول داخل آّتمع‪ ،‬ك‪٤‬تاربة الدعوات للطائفية كالعنصرية أك‬
‫لبل‪٨‬تبلؿ األخبلقي‪.‬‬
‫كيتم ٖتقيق هذ الوظائف يف النظاـ السياسي اإلسبلمي عرب مؤسسات سيادية ٘تثل األمة‬
‫٘تثيبلن صحيحان‪ ،‬ك٘تتلك القدرة على األمر كالنهي‪ ،‬كتتوزع بينها عملية صنع القرار السياسي‪ ،‬كهي‬
‫ا‪١‬تؤسسات التشريعية كالتنفيذية كالقضائية‪.‬‬
‫كتتناكؿ دراسة النظاـ السياسي يف اإلسبلـ من الناحية األكادٯتية مفهوـ الدكلة‪ ،‬كمفهوـ‬
‫ا‪٠‬تبلفة‪ ،‬كطرؽ تفويض السلطة‪ ،‬كشكل الدكلة‪ :‬ملكي أـ ‪ٚ‬تهورم‪ ،‬اٖتادم فيدراِف أك كونفدراِف‪،‬‬

‫(ُ) صحيح البخارم برقم ِّٖٔ‬

‫‪177‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كا‪١‬تبادئ العليا للنظاـ السياسي‪ ،‬كعبلقة ا‪ٟ‬تاكم باألمة‪ ،‬كطرؽ تقومي ا‪٨‬تراؼ السلطة العامة‪ ،‬كطرؽ‬
‫عزؿ رئيس الدكلة‪.‬‬

‫وفًّٕ الدٔل‪:ٛ‬‬
‫(الدكلة) لغة ًاال ٍستً ىيبلء ىكالٍغىلىبىة‪ ،‬كالتحوؿ من شيء إُف شيء‪ ،‬كما تطلق على الشيء‬
‫ا‪١‬تتداكؿ من ىماؿ أىك ىٍ‪٨‬تو ىذلًك(ُ)‪.‬‬
‫كمن تأمل يف فقه اللغة ‪٬‬تد عبلقة بُت معاين الغلبة كالتحوؿ؛ فمن شأف الغلبة أال تدكـ‪،‬‬
‫كهذ سنة اجتماعية يؤكدها القرآف الكرمي‪" :‬كتلك األياـ نداك‪٢‬تا بُت الناس"‪ ،‬كما تؤكدها ا‪٠‬تربة‬
‫اإلنسانية كما يف قصيدة أيب البقاء الرندم يف رثاء األندلس‪:‬‬
‫إنػسػاف‬ ‫العيش‬ ‫بطيب‬ ‫يغر‬ ‫فبل‬ ‫لكل شيء إذا ما مت نػقػصػاف‬
‫أزمػاف‬ ‫ساءتػه‬ ‫زمن‬ ‫سر‬ ‫من‬ ‫دكؿ‬ ‫شاهدتػهػا‬ ‫كما‬ ‫األمور‬ ‫هي‬

‫تعسٖف الدٔل‪ ٛ‬يف املصطمح احلدٖح‪:‬‬


‫هناؾ عدة تعريفات للدكلة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ُ‪ :‬الدكلة هي كياف سياسي ٯتثل شعبان على إقليم له سلطة سياسية عليا‪ ،‬أركاهنا‪ :‬إقليم‬
‫كسلطة كشعب‪.‬‬

‫ِ‪ :‬الدكلة هي شعب أك أمة من األمم‪ ،‬ينظم أمرهم يحكم‪ ،‬كٮتضعهم هذا ا‪ٟ‬تكم ‪ٚ‬تيعان‬
‫إُف أحكاـ قانونية كاحدة ال ٘تايز فيها(ِ)‪.‬‬
‫ّ‪ :‬الدكلة هي مؤسسة سيادية كقانونية تقوـ حُت يقطن ‪٣‬تموع من الناس بصفة دائمة يف‬
‫إقليم معُت‪ ،‬كٮتضعوف لسلطة عليا ٘تارس سيادهتا عليهم(ّ)‪.‬‬

‫(ُ) ا‪١‬تعجم الوسيط‪٣ ،‬تمع اللغة العربية يف القاهرة‪َّْ :ُ ،‬‬


‫(ِ) الدكالييب‪ ،‬معركؼ (ُِٖٗ)‪ ،‬الدكلة كالسلطة يف اإلسبلـ‪ ،‬الندكة الدكلية يف اليونسكو‪ ،‬ص‪ُْ:‬‬
‫(ّ) شكرم‪٤ ،‬تمد عزيز (ََِٔ)‪ ،‬مدخل إُف القانوف الدكِف العاـ‪ ،‬طَُ‪ ،‬منشورات جامعة دمشق‪ ،‬صٗٔ‬

‫‪178‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ٖتليل التعريفات‪:‬‬
‫ُ‪ .‬يتضح من التعريفات أف الدكلة ال تقوـ إال بوجود عدة عناصر‪( ،‬العنصر البشرم أك‬
‫ا‪١‬تواطنُت‪ ،‬كهم أفراد يقيموف على ‪٨‬تو دائم يف إقليم ‪٤‬تدد‪ ،‬كالعنصر ا‪١‬تادم‪ ،‬كهو اإلقليم‪ ،‬كالعنصر‬
‫التنظيمي كاإلدارم‪ ،‬كهو سلطة قادرة على األمر كالنهي)‪ ،‬كيتفق فقهاء القضاء الدكِف على ضركرة‬
‫توافر هذ العناصر ‪٣‬تتمعة لكي تقوـ الدكلة كييعًتؼ ّٔا دكليان‪.‬‬
‫ِ‪ .‬االستقرار كالدكاـ من أهم الصفات ا‪١‬ترافقة للدكلة‪.‬‬
‫ّ‪ .‬السيادة من أهم الصفات ا‪١‬ترافقة للدكلة‪.‬‬
‫ْ‪ .‬السلطة سياسية ينبسط أمرها على ا‪ٞ‬تميع(ُ)‪.‬‬
‫ٓ‪ .‬كمن خصائص الدكؿ ا‪ٟ‬تديثة اليت ٘تيزها عن نظاـ "اإلقطاع"‪ ،‬الفصل بُت من ٯتارس‬
‫السلطة كبُت أشخاص ا‪ٟ‬تاكمُت‪ ،‬حيث كاف نظاـ اإلقطاع ‪-‬الذم بدأ يف أكركبا يف القرف الثامن‬
‫ا‪١‬تيبلدم كامتد إُف القرف ا‪٠‬تامس عشر للميبلد‪ -‬يقوـ على كجود مالك ‪١‬تزرعة كعند تابع كعماؿ‬

‫أك قن أرضن‪ ،‬هم من طبقة العبيد بالوراثة‪ ،‬أما ا‪١‬تالك فيتصرؼ يف ‪٦‬تلكته باعتبارها ملكان‬
‫شخصيان‪ ،‬كيعطي للتابع أرضان ليعيش منها‪ ،‬كلكن ليس للقن حقوؽ سياسية يف اختيار حاكمه‪،‬‬
‫كال ا‪١‬تشاركة يف ا‪ٟ‬تكم‪ ،‬أما الدكلة ا‪ٟ‬تديثة فإف ا‪ٟ‬تاكم فيها موظف كنائب عن األمة‪ ،‬كلذا فتصرفه‬
‫مقيد با‪١‬تصلحة‪ ،‬كهذا مبدأ إسبلمي مقرر بنص القاعدة ا‪٠‬تامسة من القواعد الفقهية الكربل‪:‬‬
‫كلذا فالدكلة ا‪ٟ‬تديثة اليوـ اقًتبت من ا‪١‬تفهوـ‬ ‫(ِ)‬
‫صلى ىح ًة"‬ ‫الر ًعيَّ ًة ىمنيو ه‬
‫ط بًالٍ ىم ٍ‬ ‫اإل ىم ًاـ ىعلىى َّ‬
‫ؼ ًٍ‬‫صُّر ي‬
‫"تى ى‬
‫اإلسبلمي للحكم باعتبار ا‪ٟ‬تاكم ككيبلن كنائبان عن األمة‪.‬‬

‫(ُ)عبد ا‪١‬توُف‪ ،‬عصاـ (َُِٔ)‪ ،‬الفيدرالية رسالة دكتوراة‪ ،‬ا‪ٞ‬تامعة األردنية إشراؼ د عبدا﵁ الكيبلين‪ ،‬صٗٔ‬
‫(ِ) األشبا كالنظائر البن ‪٧‬تيم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪ ،ُٗٗٗ ،‬ص َُْ‬

‫‪179‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫احلاد‪ ٛ‬لمدٔل‪ ٛ‬وَ الٍاسٗ‪ ٛ‬الدٍٖٗ‪ٔ ٛ‬االدتىاعٗ‪:ٛ‬‬


‫تعد الدكلة إحدل أدكات النهضة كالًتقي يف العمراف‪ ،‬كهو نظر صحيح‪ ،‬يؤكد علم‬
‫االجتماع اإلنساين؛ فالتجمع ضركرة لتلبية ا‪١‬تصاٌف اإلنسانية اليت ال تقوـ إال باالجتماع‪ ،‬كال‬
‫يتحقق مقصود االجتماع إال بوجود سلطة منظمة‪ ،‬كيف هذا يقوؿ ابن تيمية‪" :‬ككل بٍت آدـ ال تتم‬
‫مصلحتهم ال يف الدنيا كال يف اآلخرة إال باالجتماع كالتعاكف كالتناصر‪ ،‬فالتعاكف كالتناصر على‬
‫جلب منافعهم‪ ،‬كالتناصر لدفع مضارهم‪ ،‬ك‪٢‬تذا يقاؿ اإلنساف مدين بالطبع‪ ،‬فإذا اجتمعوا فبل بد‬
‫‪٢‬تم من أمور يفعلوهنا ‪٬‬تتلبوف ّٔا ا‪١‬تصلحة‪ ،‬كأمور ‪٬‬تتنبوهنا ‪١‬تا فيها من ا‪١‬تفسدة‪ ،‬كيكونوف مطيعُت‬
‫لآلمر بتلك ا‪١‬تقاصد كالناهي عن تلك ا‪١‬تفاسد‪ ،‬فجميع بٌت آدـ ال بد ‪٢‬تم من طاعة آمر كنا (ُ)"‪.‬‬

‫أِىٗ‪ ٛ‬الدٔل‪ ٛ‬يف اإلسالً‪:‬‬


‫ييعد كجود قيادة سياسة للمسلمُت ٖتفظ كجودهم ك٘تكن للدعوة استمراران لعمل النيب‬
‫صلى ا﵁ عليه كسلم كلعمل األنبياء‪ ،‬فعمل النيب صلى ا﵁ عليه كسلم األساسي هو التبيلغ عن‬
‫ت‬ ‫ك ًم ٍن ىربّْ ى‬
‫ك ىكإً ٍف ىَفٍ تىػ ٍف ىع ٍل فى ىما بػىلَّ ٍغ ى‬ ‫وؿ بػىلّْ ٍغ ىما أينٍ ًزىؿ إًلىٍي ى‬
‫الر يس ي‬
‫ا﵁ تعاُف لقوله تعاُف‪" :‬يىا أىيػُّ ىها َّ‬
‫ًر ىسالىتىهي"(ِ)‪ ،‬كمن مكمبلت تبيلغ الدعوة ‪ٛ‬تايتها من ا‪١‬تخاطر‪ ،‬كلذا كاف الرسوؿ صلى ا﵁ عليه‬
‫"كقي ٍل‬
‫كسلم يفكر با‪٢‬تجرة من مكة إُف ا‪١‬تدينة ليمتلك السلطاف النصَت‪ ،‬فتوجه إُف ربه عند ا‪٢‬تجرة ى‬
‫ك سلٍطىانا نى ً‬ ‫ً‬ ‫ً و‬ ‫ً و‬ ‫ر ّْ ً‬
‫ص نَتا(ّ)‪.‬‬ ‫ىخ ًر ٍج ًٍت ‪٥‬تيٍىر ىج ص ٍدؽ ىك ٍ‬
‫اج ىع ٍل ًِف م ٍن لى يدنٍ ى ي‬ ‫ب أ ٍىدخ ٍل ًٍت يم ٍد ىخ ىل ص ٍدؽ ىكأ ٍ‬‫ى‬
‫ٖتتاج ‪ٛ‬تاية الدعوة إُف قوة‪ ،‬كٗتطيط كتنسيق ككضع أهداؼ طويلة ا‪١‬تدل كقصَتة ا‪١‬تدل‪،‬‬
‫كمتابعة كقيادة‪ ،‬كمراقبة‪ ،‬كتوجيه‪ ،‬كجهاز سياسي لوضع األهداؼ العليا‪ ،‬كجهاز إدارم لضماف‬
‫الضبط كالسيطرة‪ ،‬ككل ذلك ٯتكن التعبَت عنه بالدكلة كمؤسساهتا‪.‬‬

‫(ُ) ‪٣‬تموع الفتاكل‪ ،‬ابن تيمية‪ ،‬ج‪:ِٖ :‬ص ِٔ‬


‫(ِ) ا‪١‬تائدة‪ٕٔ :‬‬
‫(ّ) اإلسراء‪َٖ :‬‬

‫‪181‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫اإلسالً أدخن وفًّٕ الدٔل‪ ٛ‬لمعسب‪:‬‬


‫حوؿ مكة من العرب َف يكن يعرؼ إمارة‪ ،‬كانت‬
‫"كل من كاف ٍ‬
‫قاؿ الشافعي يف الرسالة‪َّ :‬‬
‫بعضها بعضان طاعةى اإلمارة‪ .‬فلما دانت لرسوؿ ا﵁ بالطاعة‪َ ،‬ف تكن ترل ذلك‬ ‫ً‬
‫تأنىف أف يػي ٍعط ىي ي‬
‫يىصلح لغَت رسوؿ ا﵁ فأ ًيمركا أف يي ًطيعوا أكِف األمر الذين أ َّىمىرهم رسوؿ ا﵁‪ ،‬ال طاعةن مطلقة‪ ،‬بل‬
‫طاعة يم ٍستىثٍناة‪ ،‬فيما ‪٢‬تم كعليهم‪ ،‬فقاؿ‪ " :‬فىًإ ٍف تىػنى ىاز ٍعتي ٍم ًيف ىش ٍي وء فىػيرُّدكي إً ىُف اللَّ ًه (ٗٓ)" (ُ)‪ ،‬يعٍت‪:‬‬
‫إف اختلفتم يف شيء‪.‬‬

‫الكسآُ ٖؤصن لفهس‪ ٚ‬احملهى‪ ٛ‬الدستٕزٖ‪:ٛ‬‬


‫يف اآلية السابقة توجيه لؤلمة حُت ٗتتلف مع الوالة كا‪ٟ‬تكاـ أف ٖتل ا‪٠‬تبلؼ بعمل‬
‫مؤسسي ال بعمل فردم‪ ،‬كذلك برد األمر إُف ا﵁ كرسوله‪ ،‬كمعٌت عمل مؤسسي كجود هيئة من‬
‫العلماء ا‪١‬تعركفُت بالنزاهة كالكفاءة‪ ،‬الذين ينظركف يف الدليل ْتياد كنزاهة كمنهجية علمية‬
‫صحيحة‪ ،‬كيرجحوف ما مصلحة األمة كاألقول دليبلن‪ ،‬كهذا ما ٯتكن أف يتحقق بإ‪٬‬تاد ‪٤‬تكمة‬
‫دستورية عليا تنظر يف ا‪٠‬تبلؼ بُت السلطات التشريعية كالتنفيذية يف الدكلة‪.‬‬

‫اإلواو‪ٔ ٛ‬اخلالف‪ ٛ‬وعٍاِا لػ‪ٔ ًٛ‬اصطالساً‪:‬‬


‫استعمل الفقهاء عدة مصطلحات للتعبَت عن رئيس الدكلة‪ ،‬منها ا‪٠‬تليفة‪ ،‬كاإلماـ‪ ،‬كأمَت‬
‫ا‪١‬تؤمنُت‪ ،‬كفيما يلي عرض لداللة كل منها‪:‬‬
‫ك ي‪ٝ‬تّْ ىي أبو بكر خليفة؛ ألنه قاـ‬ ‫ًً‬
‫األصل اللغوم لكلمة خبلفة بقي بعد ‪ ،‬كقاـ مقامه‪ ،‬ل ىذل ى‬
‫مقاـ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم يف تطبيق األحكاـ الشرعية‪.‬‬
‫ُت‬ ‫الرسوؿ صلَّى اللَّه علىي ًه كسلَّم ًيف إًجر ًاء األٍح ىك ًاـ الشَّر ًعيَّ ًة كًرئى ً ً ً‬
‫اسة الٍ يم ٍسلم ى‬
‫ٍ ى ى‬ ‫ٍ‬ ‫ي ى ٍ ى ى ى ٍى‬ ‫ف َّ ي ى‬ ‫ككل ىم ٍن ىٮتٍلي ي‬
‫ب ًخبلىفىةن ىكإً ىم ىامةن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ًيف أيموًر الدّْي ًن ك ُّ ً‬
‫الدنٍػيىا ىخلي ىفةن‪ ،‬ىكيي ىس َّمى الٍ ىمٍنص ي‬‫ى‬ ‫ي‬

‫(ُ) النساء ٗٓ‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ىم ىجاعً هل ًيف‬ ‫قاؿ ابن عاشور‪ :‬كا‪١‬تراد من قوله تعاُف "إين جاعل يف األرض خليفة" أ ٍ‬
‫اُف‬ ‫استً ىع ىارةه أىٍك ى‪٣‬تى هاز يم ٍر ىس هل ىكلىٍيس ًْتى ًقي ىق وة؛ ًأل َّ‬
‫ىف اللَّهى تىػ ىع ى‬ ‫ض‪ ،‬فىػ يه ىو ٍ‬‫يد ي ًيف ٍاأل ٍىر ً‬
‫ض يم ىدبػّْنرا يػى ٍع ىم يل ىما نيًر ي‬
‫ٍاأل ٍىر ً‬
‫ى‬
‫الس ٍلطىنىةي ىعلىى‬‫اف‪ ،‬ىكيه ىو َّ‬ ‫اإلنٍس ً‬
‫ً ً‬ ‫َّ ً‬ ‫ً ً‬ ‫ىَفٍ يى يك ٍن ىح ِّاال ًيف ٍاأل ٍىر ً‬
‫ض ىكىال ىعام نبل ف ىيها الٍ ىع ىم ىل الذم أ ٍىكىد ىعهي يف ٍ ى‬
‫اإل ٍ‪٢‬تى ًاـ أ ٍىك‬
‫ض بً ًٍ‬ ‫يذ يمىر ًاد اللَّ ًه تىػ ىع ى‬
‫اُف؛ ًم ٍن تىػ ٍع ًم ًَت ٍاأل ٍىر ً‬ ‫ات ٍاألىرض‪ ،‬كمعٌت خبلفة آدـ قًيامه بًتػنٍ ًف ً‬
‫ى يي ى‬ ‫ٍ‬
‫موجود ً‬
‫ىٍ ي ى‬
‫اُف ًم ٍن ىه ىذا الٍ ىعا ًىَف ٍاأل ٍىر ًض ّْي‪.‬‬ ‫بًالٍو ٍح ًي كتىػلٍ ًق ً‬
‫ُت ذيّْريَّتً ًه يمىر ىاد اللَّ ًه تىػ ىع ى‬ ‫ى ى‬
‫اخلالف‪ ٛ‬يف االصطالح الظسع٘‪:‬‬
‫صلَّى اللَّهي ىعلىٍي ًه ىك ىسلَّ ىم يف حراسة الدين‬ ‫ًهي ًرئىاسةه ع َّامةه ًيف الدّْي ًن ك ُّ ً‬
‫الدنٍػيىا نيىابىةن ىع ًن النً ّْ‬
‫َّيب ى‬ ‫ى‬ ‫ى ى ى‬
‫ضا اإلٍ ىم ىامةى الٍ يكٍبػىرل‪.‬‬
‫كسياسة الدنيا‪ ،‬ىكتي ىس َّمى أىيٍ ن‬
‫اإلمامة‪:‬‬
‫األصل اللغوم لكلمة اإلمامة مصدر من الفعل (أـَّ) تقوؿ‪َّ :‬أمهم كأـَّ ّٔم‪ :‬تقدمهم‪ ،‬كهي‬
‫اإلمامة‪.‬‬
‫ُت‪،‬‬‫ً‬
‫كاإلماـ‪ :‬كل من ائتم به من رئيس أك غَت ‪ ،‬كا‪٠‬تليفة‪ ،‬كاإلمامة الٍ يعظٍ ىمى‪ ،‬كإمارة الٍ يمؤمن ى‬
‫‪١‬تصاٌف ال ٌدين ىك ُّ‬
‫الدنٍػيىا‪.‬‬ ‫ثىىبلث ىكلًمات معنىاها ك ً‬
‫ومة اإلسبلمية ا‪ٞ‬تامعة ى‬
‫ا‪ٟ‬تي يك ى‬
‫احد‪ ،‬ىكيه ىو رئاسة ٍ‬ ‫ى ىٍ ى ى‬
‫فالتسمية با‪٠‬تليفة إبراز لنيابته عن النيب‪ ،‬كالتسمية باإلماـ إبراز لرئاسته للجماعة كاقتدائهم به‪.‬‬

‫العالق‪ ٛ‬بني اخلالف‪ٔ ٛ‬الدٔه الكإٌٌٗ‪ ٛ‬املعاصس‪:ٚ‬‬


‫إف كجود دكلة ‪٢‬تا قانوف ٭تقق العدؿ‪ ،‬كينصف ا‪١‬تظلوـ‪ ،‬هو اقًتاب من أهداؼ النبوة‬
‫بتحقيق العدؿ‪ ،‬كمن أهداؼ كجود الدكلة يف اإلسبلـ‪ ،‬كإذا كانت ا‪٠‬تبلفة هي الدكلة اليت تسَت‬
‫على منهاج النبوة فليس بالضركرة أف تتصادـ مع الدكؿ األخرل‪ ،‬فالدكؿ تكوف على منهاج النبوة‬
‫حُت تقوـ بالنيابة عن األمة بتنفيذ أحكاـ الشريعة‪ ،‬كيتقيد ا‪ٟ‬تكاـ فيها بالشريعة‪ ،‬كال ريب أف‬
‫دكلة القانوف خَت من دكلة ا‪٢‬تول كاالستبداد‪ ،‬غَت أف دكلة الشريعة خَت منهما؛ ذلك أف ا‪١‬تبادئ‬
‫العليا للدكلة قد نصت على "العدؿ" بصورته الشاملة ‪٦‬تا ال ‪٧‬تد يف دكلة القانوف‪ ،‬فدكلة القانوف‬

‫‪182‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫٘تنع استبداد ا‪ٟ‬تكاـ إذ تقيدهم بقانوف‪ ،‬لكنها ال ٘تنع استبداد القانوف نفسه‪ ،‬أك تقنُت االستبداد‪،‬‬
‫يف حُت أف اإلسبلـ جعل العدؿ ٔتفهومه اإلسبلمي من ا‪١‬تبادئ العليا للدكلة الذم يرقى على كل‬
‫قرار اجتهادم‪ ،‬كسيتضح األمر عند دراسة "سيادة التشريع"‪.‬‬
‫كبناء على ما سبق فإف التشريع اإلسبلمي ال يهدؼ إُف هدـ دكلة القانوف‪ ،‬ليكوف البديل‬
‫هو الدكلة االستبدادية أك الفوضى‪ ،‬كإ‪٪‬تا يرل يف دكلة القانوف خطوة متقدمة يسعى إلنضاجها‬
‫كاالرتقاء ّٔا‪ْ ،‬تيث يكوف "العدؿ ا‪١‬تطلق" سيد التشريعات كمهيمنان عليها‪ ،‬مصداقان لقوله تعاُف‪:‬‬
‫أم صدقان يف‬ ‫(ُ)‬
‫يم }‬‫ً‬ ‫ّْؿ لً ىكلًماتًًه كهو َّ ً‬ ‫{كى٘تَّت ىكلًمت ربّْ ى ً‬
‫يع الٍ ىعل ي‬
‫السم ي‬ ‫ك ص ٍدقنا ىك ىع ٍدنال ىال يمبىد ى ى ى ي ى‬ ‫ى ٍ ى ي ى‬
‫التبليغ‪ ،‬كعدالن يف التشريع‪.‬‬
‫يدلك على هذا أف الرسوؿ عليه السبلـ مدح النجاشي ككصفه بأنه ملك "ال ييظلم عند‬
‫أحد"‪ ،‬فالوصوؿ إُف دكلة قانونية ٘تنع الظلم ‪٤‬تل ترحيب من النيب عليه الصبلة كالسبلـ‪.‬‬
‫كقد ذـ الرسوؿ على ا‪ٞ‬تاهلية عدـ كجود أمَت ‪٢‬تم‪ ،‬فقاؿ‪ :‬من مات كليس يف عنقه بيعة‬
‫مات ميتة جاهلية‪ .‬قاؿ ابن حجر‪ :‬أم مثل ميتة أهل ا‪ٞ‬تاهلية‪ .‬كمن هنا يعد كجود نظاـ سياسي‬
‫٭تكم ا‪ٞ‬تماعة مقصد شرعي‪.‬‬
‫تساعد يف تطبيق أحكاـ الشريعة؟‬
‫ي‬ ‫كيبقى السؤاؿ‪ :‬ما هي الدكلةي القانونية اليت‬
‫٘تنع السلطةى السياسيةى من اٗتاذ قرارات تتصادـ مع يحريات اإلنساف‬
‫إهنا دكلةه دستورية ي‬
‫األساسية‪ ،‬كهي دكلةه تسمح للمجتمع بتنظيم نفسه عرب مؤسسات آّتمع ا‪١‬تدين ْتيث تشكل‬
‫‪ٛ‬تايةن للفرد من تعسف السلطة‪.‬‬

‫(ُ) األنعاـ‪ُُٓ :‬‬

‫‪183‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫االنتقال تاريخياً من الخالفة للملك للحكم الجبري‬


‫يبُت ابن األزرؽ يف شرحه ‪١‬تقدمة ابن خلدكف أف النظاـ السياسي مر ٔتراحل ثبلث‪،‬‬
‫األكُف من حيث عبلقة ا‪٠‬تبلفة با‪١‬تلك(ُ)‪.‬‬

‫الٍم ىقاـ األكؿ ًعٍند كجود ٍ‬


‫ا‪٠‬ت ىبلفىة‪ -‬على منهاج النبوة‪ -‬بً يد ً‬
‫كف الٍملك؛ أم‪ :‬من غَت احتياج‬
‫إُف مظاهر القوة كالسلطة القاهرة‪ ،‬كخبلفة ا‪٠‬تلفاء الراشدين‪ ،‬كخبلفة ا‪ٟ‬تسن بن علي‪ ،‬كذلك أكؿ‬
‫لبلست ٍغنىاء ىعن مظاهر ا‪١‬تلك بوازع ال ٌدين‪١ ،‬تا ىكانيوا ىعلىٍي ًه من إًيثىار ٍ‬
‫ا‪ٟ‬تق‪،‬‬ ‫األمر‪ ،‬كعلة ذلك ٍ‬
‫كغضاضة البداكة الٍمعينىة على الرجوع للحق‪.‬‬
‫ك ًعٍند تدرج البداكة‬ ‫ً‬ ‫الٍم ىقاـ الث ً‬
‫َّاين بعد اختبلط ا‪١‬تلك با‪٠‬تبلفة‪ ،‬كامتزاج الدكلة ّٔما‪ ،‬ىك ىذل ى‬
‫صوؿ التغلب‪ ،‬مثَّ انٍ ًفىراد بآّد‪ ،‬ىم ىع ٖترم‬ ‫ً‬
‫إً ىُف هنايتها ىٕتيء طبيعة الٍملك ‪١‬ت ٍقتىضى العصبية‪ ،‬ىك يح ي‬
‫ا‪ٟ‬تق‪.‬‬ ‫ىم ىذ ًاهب ال ٌدين‪ ،‬كا‪ٞ‬ترم على هنج ٍ‬
‫اؿ ابٍن خلدكف‪ :‬ىك ىما ىكا ىف ٍاألىمر لعهد يم ىعا ًكيىة ىر ًضي ا﵁ ىعنهي‪ ،‬كمركاف‪ ،‬ىكابٍنه عبد الٍملك‪،‬‬ ‫قى ى‬
‫كالصدر األكؿ من خلفاء بٍت الٍ ىعبَّاس‪ ،‬إً ىُف الرشيد‪ ،‬ىكبىعض ىكلىد ‪.‬‬
‫اؿ ًعيىاض‪ :‬فى ىكانىت‬ ‫(ِ)‬
‫بعدم ثىىبلثيو ىف مثَّ يكوف ملكان" ‪ .‬قى ى‬ ‫"ا‪٠‬ت ىبلفىة ً‬ ‫كي ٍشهد لىهي ىح ًديث‪ٍ :‬‬
‫ا‪ٟ‬تسن ىر ًضي ا﵁ ىعنهي‪.‬‬ ‫ىك ىذلًك يمدَّة ٍ‬
‫ا‪٠‬ت ىبلفىة‬
‫ذهاب ىم ىعاين ٍ‬ ‫الٍم ىقاـ الثَّالًث كهو االنقبلب الٍ يكلّْي إً ىُف الٍملك البحت‪ ،‬كذىلً ى ً‬
‫ك عٍند ى‬ ‫ى‬ ‫ىيى‬
‫استً ٍع ىماؿ أغراضها‪ ،‬من الٍ ىق ٍهر‪ ،‬كالتحكم ًيف‬ ‫ا‪ٝ‬ت ىها‪ ،‬كجرياف طبيعة التغلب إً ىُف غايتها ًيف ٍ‬ ‫ىما عدا ٍ‬
‫َّه ىوات‪ ،‬كا‪١‬تبلذ‪ ،‬قلت‪ :‬يدؿ ىعلىٍي ًه ىح ًديث أىف ىه ىذا األمر بى ىدأى نبوة ىكىر ٍ‪ٛ‬تىة ىك ًخ ىبلفىة‪ ،‬مثَّ يكوف ملكان‬ ‫الش ى‬
‫وضا‪ ،‬مثَّ يكوف عتوان ىك ىج ًٍربيَّة ىكفى ىس نادا ًيف ٍاألمة"‪.‬‬
‫ض ن‬‫ىع ي‬

‫(ُ) بدائع السلك يف طبائع ا‪١‬تلك‪ ،‬ابن األزرؽ‪ٖ ،‬تقيق على سامي النشار‪ٗٓ :ُ ،‬‬
‫(ِ) سنن أيب داكد برقم ْْٔٔ‪ ،‬بلفظ ‪ :‬خبلفة النبوة ثبلثوف سنة مث يؤيت ا﵁ ا‪١‬تلك من يشاء‪ ،‬قاؿ األلباين حسن‬
‫صحيح‬

‫‪184‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫سبل توقي األمة للوصوؿ إُف ا‪ٟ‬تكم ا‪ٞ‬تربم‪:‬‬


‫األخذ ٓتربات األمم يف تداكؿ السلطة على ‪٨‬تو سلمي‪ ،‬كالنظر يف سبل الرقابة‪ ،‬كتقومي‬
‫السلطة السياسية‪.‬‬
‫التمكُت للمجتمع‪ ،‬كبناء مؤسسات آّتمع ا‪١‬تدين‪.‬‬
‫تفعيل كاجب األمر با‪١‬تعركؼ‪ ،‬كالنهي عن ا‪١‬تنكر‪.‬‬

‫قٕاعد الٍعاً الشٗاس٘ اإلسالو٘‬

‫أٔالً‪ :‬سٗاد‪ ٚ‬الظسع‬


‫كقد يعرب عنها ْتاكمية الشرع‪ ،‬أك ا‪ٟ‬تاكمية ﵁‪ ،‬كتعٍت أنه ال ‪٬‬توز ألم سلطة ‪٥‬تالفة‬
‫(ُ)‬
‫ٍم إًَّال لًلَّ ًه }‬ ‫أحكاـ الشرع ا‪ٟ‬تنيف؛ لقوله تعاُف‪ { :‬إً ًف ٍ‬
‫ا‪ٟ‬تيك ي‬
‫كال ينبغي أف ييفهم من هذ اآلية التصادـ مع ا‪ٟ‬تكومات القائمة‪ ،‬كلو كانت غَت‬
‫اإلسبلمية يف بعض جوانبها‪ ،‬فقد كردت هذ اآلية يف قصة يوسف عليه السبلـ كاستشهد ّٔا‬
‫يوسف يف حوار مع صاحيب السجن‪ ،‬كَف يفهم منها يوسف ا‪١‬تصادمة مع الدكلة اليت كاف فيها‪،‬‬

‫ض إً ّْين ىح ًفي ه‬
‫ظ‬ ‫{اج ىع ٍل ًٍت ىعلىى ىخىزائً ًن ٍاأل ٍىر ً‬
‫بل طلب أف يشارؾ يف ا‪ٟ‬تكم كزيران‪ ،‬فقاؿ للملك‪ٍ :‬‬
‫يم} (ِ)‪ ،‬فكل اقًتاب من مفهوـ العدؿ يف الدكؿ القانونية هو اقًتاب من السَت على منهاج‬ ‫ً‬
‫ىعل ه‬
‫النبوة‪ ،‬كٖتكيم شرع ا﵁ تعاُف‪.‬‬
‫كتقسم السيادة إُف سيادة داخلية كسيادة خارجية‪ ،‬كمن مظاهر السيادة الداخلية‪:‬‬
‫ُ‪ :‬إلغاء أعراؼ العرب ا‪١‬تخالفة للعدالة‪ ،‬كالثأر ا‪ٞ‬تاهلي‪ ،‬كتشريع شريعة القصاص العادؿ‬
‫القائم على ا‪١‬تساكاة كاقتصار العقوبة على ا‪ٞ‬تاين‪.‬‬

‫(ُ) يوسف َْ‬


‫(ِ) يوسفٓٓ‬

‫‪185‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ِ‪ :‬إلغاء مظاهر الظلم ضد ا‪١‬ترأة الذم عرفه ا‪ٞ‬تاهليوف‪ ،‬فقد كرد يف مناسبة قوله تعاُف‪:‬‬
‫ا‪ٟ‬تىيىاةً ُّ‬
‫الدنٍػيىا} (ُ) [] أنه كاف لعبد‬ ‫ض ٍ‬ ‫{كىال تي ٍك ًرهوا فىػتػياتً يكم علىى الٍبًغ ًاء إً ٍف أىرد ىف ىٖت ُّ ً‬
‫صننا لتىٍبتىػغيوا ىعىر ى‬‫ىٍ ى‬ ‫ى‬ ‫ي ىى ٍ ى‬ ‫ى‬
‫ا﵁ بن أيب جوار يفرض على كل كاحدة أف تعمل بالبغاء كتدفع له در‪٫‬تا‪ ،‬فأنزؿ ا﵁ هذ اآلية ٘تنع‬
‫هذا الفعل‪ .‬كييعد تصديق الدكؿ على اتفاقيات ٕترـ البغاء اقًتاب من مفهوـ سيادة الشرع‪.‬‬
‫ّ‪ :‬كمن مقتضيات سيادة الشرع الداخلية عدـ جواز تطبيق ا‪ٞ‬تلوة العشائرية على من َف‬
‫يرتكب جرمان؛ ألف ا﵁ تعاُف يقرر أنه ال ‪٬‬توز معاقبة اإلنساف بذنب غَت ‪ ،‬كال ‪٬‬توز التذرع بشدة‬
‫الغضب من أهل القتيل إليقاع ظلم آخر على أبرياء‪.‬‬
‫كهناؾ السيادة ا‪٠‬تارجية‪ ،‬كمن تطبيقات هذا ا‪١‬تبدأ‪:‬‬
‫ُ‪:‬إف االتفاقيات الدكلية اليت تتضمن شرطان ‪٥‬تالفا للشريعة يعد الشرط فيها الغيان‪ ،‬كال‬
‫‪٬‬توز للدكلة تطبيقه‪ ،‬كاالتفاقيات اليت تنطلق من رؤية ليربالية ال تراعي أحكاـ الشرع يف شأف‬
‫ا﵀رمات من النساء‪ ،‬كال يف شأف قواعد اإلرث‪.‬‬
‫ِ‪ :‬ال ‪٬‬توز إقرار اتفاقية تفوت على األمة حقها على ‪٨‬تو دائم يف مقاكمة ا﵀تل‪.‬‬

‫(ُ) النور ّّ‬

‫‪186‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ثاٌٗاً‪ :‬الشمط‪ ٛ‬لألو‪.ٛ‬‬


‫ٔتعٌت أف ا‪ٟ‬تاكم ال يكوف حاكمان إال برضا من األمة؛ ألف هذا األمر حق األمة بدليل‬
‫(ُ)‬
‫تغرة أف ييقتبل"‬
‫قوؿ عمر‪" :‬من بايع رجبلن دكف مشورة ا‪١‬تسلمُت فبل يبايع هو كال الذم بايعه‪َّ ،‬‬
‫أم عرضا أنفسهما ‪٠‬تطر القتل‪ ،‬بل لرضى األمة به‪ ،‬فالدكلة يف اإلسبلـ ليست دكلة ثيوقراطية‪،‬‬
‫كال يطالب ا‪ٟ‬تاكم األمة بطاعته؛ ألف ا﵁ هو الذم اختار ‪ ،‬بل األمة هي اليت ٗتتار حاكمها‬
‫كتقومه كتوجهه‪.‬‬
‫يقوؿ رشيد رضا‪ :‬الدليل أف السلطة لؤلمة أمور منها‪:‬‬
‫ً‬ ‫ُت بً ٍاأل ً‬‫ً‬
‫وها من‬ ‫ىح ىكاـ الًَّيت يشرعها ىح َّىت أ ٍ‬
‫ىح ىكاـ الٍقتىاؿ ىكىٍ‪٨‬ت ى‬ ‫اعة الٍ يمؤمن ى ٍ‬
‫ُ‪:‬الٍ يق ٍرآف يٮتىاطب ‪ٚ‬تى ى‬
‫ٍاأل ييمور الٍ ىع َّامة الًَّيت ىال تتلعق باألفراد‪.‬‬
‫ك أىف كِف ٍاألىمر ك ً‬ ‫ً‬
‫احد‬ ‫ى‬ ‫اعة ‪ -‬ىال كِف ٍاألىمر‪ ،‬ىكذىل ى‬
‫ا‪ٞ‬تى ىم ى‬ ‫ِ‪ :‬ىكقد أىمر بًطى ى‬
‫اعة أكِف ٍاألىمر ‪ -‬كهم ٍ‬
‫ايعوي لىهي كثقتهم بًًه‪ .‬ىكيدؿ على ىه ىذا الٍ ىم ٍعٌت ىما‬ ‫اعة الٍ يمسلمُت الَّذين بى ي‬ ‫مٍنػ يهم‪ ،‬ىكإًَّ‪٪‬تىا يطاع بتأييد ‪ٚ‬تى ى‬
‫ً‬

‫اعة ٍاأل ًىمَت تىابً ىعة لطاعتهم‪ ،‬كاجتماع‬ ‫يحة ًيف الٍتًىزاـ ٍ‬ ‫كرد من ٍاألىح ًاديث َّ ً‬
‫اعة‪ ،‬ىكىكوف طى ى‬ ‫ا‪ٞ‬تى ىم ى‬ ‫الصح ى‬ ‫ى‬
‫اؿ‪ ":‬من‬ ‫ُت ىعن النًَّيب [صلى ا﵁ ىعلىٍي ًه ىكسلم] قى ى‬ ‫يح ٍ ً‬ ‫الٍ ىكلًمة بسلطتهم‪ ،‬ىكح ًديث ابن عبَّاس ًيف َّ ً‬
‫الصح ى‬ ‫ٍ ى‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫اهلًيَّة"‪ ،‬ىك‪١‬تا أخرب‬ ‫ا‪ٞ‬تماعة شبػرا فىمات مات ميتة ج ً‬ ‫ً ً‬
‫رأل من أمَت ىشٍيئا فليصرب عىلىٍيه‪ ،‬فىإف من فىارؽ ٍى ى ى ٍ ن ى ى ى ى ى ى‬
‫النًَّيب [صلى ا﵁ ىعلىٍي ًه ىكسلم] يح ىذيٍػ ىفة بن الٍيى ىماف ًٔتىا يكوف ًيف ٍاألمة من الٍ ًف ىنت ًيف ا‪ٟ‬تى ًديث َّ‬
‫الص ًحيح‬
‫اعة الٍ يمسلمُت‪،‬‬ ‫ً‬
‫اؿ [صلى ا﵁ ىعلىٍيه ىكسلم]‪ " :‬ت ٍلزـ ‪ٚ‬تى ى‬ ‫اؿ‪ :‬فى ىما تىأٍ يم ًرين إًف أدركٍت ذىلًك؟ قى ى‬
‫الٍ ىم ٍش يهور قى ى‬
‫كلها " إً ىٍف‪ ..‬ىكًيف‬‫ك الٍفرؽ ى‬ ‫اؿ " فاعتزؿ تًٍل ى‬‫اعة ىكىال إً ىماـ؟ قى ى‬
‫اؿ قلت‪ :‬فىإًف َف يكن ى‪٢‬تيم ‪ٚ‬تى ى‬ ‫كإمامهم " قى ى‬
‫ّْسبى ًة إً ىُف صدر ًٍ‬ ‫ً‬ ‫ىح ًاديث بػىيىاف أىف ٍ‬
‫(ِ)‬
‫اإل ٍس ىبلـ‪.‬‬ ‫السواد ٍاأل ٍىعظىم‪ ،‬أىم بالن ٍ‬
‫اعة‪ ،‬كهم ى‬ ‫ا‪ٞ‬تى ىم ى‬ ‫بعض ٍاأل ى‬

‫(ُ) صحيح البخارم برقم َّٖٔ‬


‫(ِ) ا‪٠‬تبلفة‪٤ ،‬تمد رشيد رضا‪ ،‬الزهراء لئلعبلـ العريب ص ُِ‬

‫‪187‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ْ‪:‬كمن ا‪١‬تعقوؿ كدليل أف السلطة لؤلمة أف ا﵁ خاطب األمة بالتكاليف الشرعية‪ ،‬كال‬
‫تكليف ببل سلطة‪ ،‬فكانت السلطة لؤلمة؛ ألهنا ا‪١‬تخاطبة ابتداء‪.‬‬

‫ٔوَ تطبٗكات وبدأ سمط‪ ٛ‬األو‪:ٛ‬‬


‫ُ‪ :‬إف ا‪ٟ‬تاكم يكوف حاكمان شرعيان بتفويض من األمة كرضا من األمة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ِ‪ :‬لؤلمة خلع ا ًإل ىماـ كعزله بً ىسبىب ييوجبهي‪ ،‬ىكإًف ٌأدل إً ىُف الٍفٍتػنىة ٍ‬
‫احتمل أدَن ا‪١‬تضرتُت‪ ،‬مثل‬
‫ىح ىواؿ الٍ يمسلمُت‪ ،‬كانتكاس أ ييمور ال ٌدين‪ ..‬ىك ىما ىكا ىف ى‪٢‬تيم نىصبه‬ ‫ً‬
‫أىف ييوجد مٍنهي ىما ييوجب اختبلؿ أ ٍ‬
‫كإقامته النتظامها كإعبلئها‪.‬‬
‫ّ‪ :‬إذا عجزت الدكلة عن القياـ ببعض الواجبات تعود ا‪١‬تسوؤلية ألفراد األمة‪ ،‬فلو تويف‬
‫فقَت ال ٯتلك كفنان‪ ،‬كال يوجد جهة ر‪ٝ‬تية تغطي أجور الدفن‪ ،‬على أغنياء ا‪ٟ‬تي أف ينفقوا عليه‪،‬‬
‫كعلى الشركات كا‪١‬تؤسسات أف تقوـ با‪١‬تسؤكلية االجتماعية بدعم التنمية‪ ،‬كا‪ٟ‬تفاظ على البيئة‪،‬‬
‫كتوفَت ا‪١‬تنح للطلبة ا‪١‬تبدعُت‪ ،‬كهذا ليس كاجبان على الدكلة فقط‪.‬‬

‫ثالجا‪ :‬الظٕز‪ ٝ‬أساض احلهي‬


‫الشورل‪ :‬هي استخراج الرأم األصوب‪ٔ ،‬تشاكرة أهل ا‪٠‬تربة كاالختصاص‪ ،‬كهي مأخوذة‬
‫رت األمر‪ ،‬إذا علمت خربة بتجربة أك‬
‫رت العسل‪ ،‬إذا أخذته صافيان من ا‪٠‬تلية‪ ،‬أك من يش ي‬
‫من يش ي‬
‫غَتها(ُ)‪ ،‬ككذا فإف الشورل هي استخبلص الرأم ا‪١‬تربأ من العيوب ا‪١‬تبٍت على ا‪٠‬تربة كالتجربة‪.‬‬
‫ي‬
‫سهي الظٕز‪:ٝ‬‬
‫الشورل كاجبة؛ لقوله تعاُف‪" :‬كشاكرهم يف األمر"‪ ،‬قاؿ القرطيب‪ :‬إنه ال خبلؼ يف كجوب‬
‫عزؿ ىم ٍن ال يستشَت أهل العلم كالدين‪ )ِ( .‬فيجب على ا‪ٟ‬تاكم الرجوع للمؤسسات اليت ٘تثل أهل‬
‫ا‪٠‬تربة قبل اٗتاذ القرارات يف الدكلة‪ ،‬كال ‪٬‬توز التفرد بإدارة الشأف العاـ‪.‬‬

‫(ُ) صفوة البياف ‪١‬تعاين القرآف (ّٔامش القرآف)‪ ،‬ص َُُ‪٤ ،‬تمد حسنُت ‪٥‬تلوؼ‪.‬‬
‫(ِ) زبدة التفسَت من فتح القدير (ّٔامش القرآف الكرمي)‪ ،‬ص ٖٗ‪٤ ،‬تمد سليماف األشقر‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫آلٗ‪ ٛ‬اختٗاز أِن الظٕز‪:ٝ‬‬


‫َف ٭تدد اإلسبلـ نظامان كاحدان للشورل‪ ،‬فلم يلزـ الناس بعدد أعضاء ‪٣‬تلس الشورل‪ ،‬كال‬
‫ىح ىواؿ ٍاألمة ًيف كثرهتا كقلتها كشئوهنا‬ ‫ً‬
‫باخ ىتبلؼ أ ٍ‬
‫ٍمة‪ ،‬كهي أىف النظاـ ٮتٍتىلف ٍ‬
‫بطريقة اختيارهم؛ ٍ‪ٟ‬تك ى‬
‫االجتماعية كمصا‪ٟ‬تها الٍع َّامة ًيف ٍاأل ٍىزًمنىة الٍمختىل ىفة‪ ،‬فى ىبل يٯتكن أىف تكوف لىه أىح ىكاـ معينىة توافق ىً‬
‫‪ٚ‬تيع‬ ‫ي ٍ ي ى‬ ‫يٍ‬ ‫ى‬
‫ضعهي ل ىذلًك‬ ‫ىح ىواؿ ًيف كل ىزماف ىكىم ىكاف‪ ،‬ىكلىو ىك ى‬
‫ضع ى‪٢‬تىا أحكامان يم ىؤقَّػتىة ‪٠‬تشى أىف يتَّخذ النَّاس ىما يى ى‬ ‫ٍاأل ٍ‬
‫صر ىكحد دينان يمتبعان ًيف كل ىحاؿ‬
‫الٍ ىع ٍ‬
‫فٕا‪ٟ‬د الظٕز‪:ٝ‬‬
‫ُ‪ -‬تؤدم إُف تبصَت ا‪ٟ‬تاكم بالرأم الصائب الناضج‪.‬‬
‫ِ‪ -‬تدفع الشعب إُف تنفيذ القرارات؛ ألهنم شاركوا يف صناعتها‪.‬‬
‫ّ‪ -‬تبٌت الثقة بُت القيادة كالشعب‪ ،‬كتفتح أبواب ا‪ٟ‬توار كالرقابة‪.‬‬

‫ٔظٗف‪ ٛ‬دلمص الظٕز‪:ٝ‬‬


‫ُ‪:‬اختيار اإلماـ ابتداء‪ ،‬كقد يسمى أعضاء ‪٣‬تلس الشورل أهل االختيار كأهل ا‪ٟ‬تل‬
‫كالعقد؛ ألهنم ٮتتاركف اإلماـ كيعقدكف له البيعة‪.‬‬
‫ِ‪ :‬كما يقوموف بنصحه كتبصَت بالصواب؛‪ ،‬ك‪٤‬تاسبته إذا أخطأ‪ ،‬أل ٌف هذ كظيفة منوطة‬
‫بكل مسلم قادر على األمر با‪١‬تعركؼ كالنهي عن ا‪١‬تنكر‬
‫ّ‪ :‬كعزله إذا فعل ما يوجب العزؿ‪ ،‬كهذا معٌت أهل ا‪ٟ‬تل؛ أم‪ :‬٭تلوف عقد البيعة‪.‬‬
‫كال بد أف يتوافر بأهل االختيار ثبلثة شركط‪:‬‬
‫ُ‪:‬العدالة‪ ،‬ليكونوا أمناء على مصا‪ٟ‬تة األمة‪ ،،‬فبل ‪٬‬توز أف يكوف منهم أصحاب‬
‫أسبقيات جرمية كال معركفُت بالفساد‪.‬‬
‫ِ‪ :‬العلم الذم يتوصل به إُف معرفة األكفأ ‪١‬توقع الرئاسة‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫صالً ًح أىقٍػ ىويـ‬ ‫ً‬


‫ىصلى يح‪ ،‬ىكبًتى ٍدب ًَت الٍ ىم ى‬
‫ً ً‬
‫ّ‪ :‬الرأم كا‪ٟ‬تكمة ا‪١‬تؤدياف إُف اختيار ىم ٍن يه ىو ل ًٍئل ىم ىامة أ ٍ‬
‫ؼ‪.‬‬
‫ىكأ ٍىعىر ي‬
‫العالق‪ ٛ‬بني ٔظٗف‪ ٛ‬الربملاُ ٔٔظٗف‪ ٛ‬دلمص الظٕز‪:ٝ‬‬
‫تتشابه كظيفة الرب‪١‬تاف يف األنظمة ا‪ٟ‬تديثة مع ‪٣‬تلس الشورل‪ ،‬إال أف الرب‪١‬تاف يف األنظمة‬
‫الدٯتقراطية يقوـ بوظيفة تشريعية‪ ،‬كليس بالضركرة أف يراعي حكم الشرع إال إذا قيد نص‬
‫دستورم‪ ،‬أك قانوين‪ ،‬أما يف اإلسبلـ فإف التشريع عمل يقوـ به الفقهاء‪ ،‬كيأخذ برأم ا‪٠‬ترباء يف‬
‫معرفة مآالت األفعاؿ‪ .‬كبوضع ما يعرؼ بالتدابَت السياسية اليت ٖتقق مصلحة األمة‬

‫عضٕٖ‪ ٛ‬غري املشمىني يف دلمص الظٕز‪:ٝ‬‬


‫تقوـ ‪٣‬تالس الشورل بعدة كظائف‪ ،‬منها‪ :‬الوظيفة التشريعية يف ا‪١‬تسائل الفقهية‪ ،‬كهذ ال‬
‫‪٬‬توز أف يتصدل ‪٢‬تا إال الفقهاء ا‪١‬تسلموف‪ ،‬كمنها الوظائف التشريعية يف أمور فنية كأنظمة البناء أك‬
‫تنظيم ا‪١‬تهن‪ ،‬فهذ مبنية على ا‪٠‬تربة كا‪١‬تصلحة‪.‬‬
‫كهناؾ كظيفة سياسية ٔتراقبة سلوؾ ا‪ٟ‬تكومة‪ ،‬ك‪٤‬تاسبة الظاَف‪ ،‬كهذ ال مانع شرعان من‬
‫مشاركة غَت ا‪١‬تسلمُت فيها لتمكينهم من رفع الظلم عن أنفسهم‪ ،‬كقد نص فقهاء الشافعية على‬
‫جواز أف يكوف عريف ا‪ٞ‬تماعات غَت ا‪١‬تسلمة منهم‪ ،‬كتكوف مهمته أف "يى ٍشتى ًكي ىإُف ًٍ‬
‫اإل ىم ًاـ ىم ٍن‬
‫ك ىكلى ٍو ىكا ىف ىكافًنرا"(ُ) كهذ ا‪١‬تهمة تتشابه مع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يػىتىػ ىعدَّل ىعلىٍي ًه ٍم منَّا أ ٍىك مٍنػ يه ٍم فىػيى يج ي‬
‫وز ىج ٍعليهي ىعّْري نفا ىك ىذل ى‬
‫الوظيفة الرقابية للرب‪١‬تانات‪.‬‬

‫عضٕٖ‪ ٛ‬الٍشا‪ ٞ‬يف دلمص الظٕز‪:ٝ‬‬


‫تدؿ سَتة النيب صلى ا﵁ عليه كسلم أف النيب أخذ ٔتشورة أـ سلمة يف صلح ا‪ٟ‬تديبية‪،‬‬
‫كما استشار عمر ابنته يف كم تطيق ا‪١‬ترأة غياب زكجها عنها‪ ،‬كال مانع أف تقوـ ا‪١‬ترأة با‪١‬تهمة‬
‫الرقابية‪ ،‬كال با‪١‬تهمة التشريعية يف آّالس النيابية‪ ،‬كهي أهل للعمل التشريعي يف ا‪١‬تسائل الفقهية‪،‬‬

‫(ُ) مغٍت ا﵀تاج‪ ،‬الشربيٍت ٔ‪ٖٔ :‬‬

‫‪191‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫فيجوز أف تكوف ا‪١‬ترأة مفتية شرعان‪ ،‬كالتشريع يف ا‪١‬تسائل نوعُت‪ :‬الفقهية يعتمد على معرفة ا‪ٟ‬تكم‬
‫الشرعي‪.‬‬

‫زابعا‪ :‬الدٔل‪ ٛ‬اإلسالوٗ‪ ٛ‬دٔل‪ ٛ‬الفهس ٔالعكٗد‪.ٚ‬‬


‫ٔتعٌت أف مواطٍت الدكلة هم الذين رضوا بأف يكوف اإلسبلـ نظامان ‪ٟ‬تياهتم‪ ،‬كهم صنفاف‪:‬‬
‫إما مسلموف آمنوا باإلسبلـ عقيدة‪ ،‬كالصنف الثاين غَت مسلمُت رضوا بأف تطبق عليهم أحكاـ‬
‫اإلسبلـ‪ ،‬فاستحقوا أف يكونوا مواطنُت على ‪٨‬تو دائم‪.‬‬
‫كعليه فإف أسباب اكتساب الفرد ‪ٟ‬تق ا‪١‬تواطنة يف الدكؿ اإلسبلمية يكوف بأحد سببُت ‪:‬‬
‫ُ‪:‬عقد اإلسبلـ‪ ،.‬فيثبت للمسلم ا‪١‬تقيم كألبنائه تبعا‬

‫ِ‪:‬عقد الذمة‪ ،‬فيثبت للذمي ا‪١‬تقيم كألبنائه تبعان‬


‫كهذا ما نصت عليه ا‪١‬تادة ُٔ من دستور الدكلة اإلسبلمية يف ا‪١‬تدينة ا‪١‬تنورة‪:‬‬
‫"كأف ىم ٍن تبعنا من يهود‪ ،‬فإف له النصرة كاألسوة‪ ،‬غَت مظلومُت كال متناصر عليهم" كييعد‬
‫هذا ا‪١‬تفهوـ ‪٦‬تا تتميز به الدكلة اإلسبلمية عن غَتها من الدكؿ‪ ،‬حيث تقوـ الرابطة على أساس‬
‫الفكر‪ ،‬كا‪١‬تبدأ‪ ،‬بقطع النظر عن رابطة الدـ‪ ،‬أك النسب‪ ،‬أك األرض‪.‬‬

‫خاوشا‪ :‬دٔل‪ ٛ‬نساو‪ ٛ‬اإلٌشاُ ٔاسرتاً سكٕم اآلدوٗ‪ٛ‬‬


‫ٯتكن تلخيص هذا ا‪١‬تبدأ بالنقاط التالية‪:‬‬
‫(ُ)‬
‫ُ‪:‬نص القرآف الكرمي على الكرامة اآلدمية فقاؿ سبحانه‪ { :‬ىكلى ىق ٍد ىكَّرٍمنىا بىًٍت ى‬
‫آد ىـ }‬
‫كهذا التكرمي لئلنساف بوصفه إنسانا‪ ،‬هو جوهر حقوؽ اإلنساف كأساسه‪،‬‬
‫كمقتضى الكرامة اآلدمية اإلقرار ْترية الرأم‪،‬كعدـ إكرا اإلنساف على تغيَت معتقد ‪،‬‬
‫كاحًتاـ ملكية اإلنساف فبل ٖتل العقود بغَت رضا‪.‬‬

‫(ُ) اإلسراء‪َٕ :‬‬

‫‪191‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كقيٌد اإلسبلـ سلطة الدكلة ْتقوؽ اإلنساف قبل اف تعرؼ أكركبا (ا‪١‬تاجنا كارتا) اك العهد‬
‫األعظم (ُُِٓللميبلد)‪ ،‬اليت كصفت بأهنا ا‪١‬تيثاؽ العظيم للحريات يف إ‪٧‬تلًتا‬
‫كمن الوثائق العربية اإلسبلمية ا‪١‬تبكرة ‪ٟ‬تقوؽ اإلنساف‪ :‬رسالة ا‪ٟ‬تقوؽ لزين العابدين لئلماـ‬
‫علي بن ا‪ٟ‬تسُت (ّٖ‪ ٖٗ-‬هػ) كهي تشمل ‪ٜ‬تسُت مادة‪ ،‬تتناكؿ‪ :‬حق ا﵁‪،‬كحق النفس‪ ،‬كحقوؽ‬
‫األمة على ا‪ٟ‬تكاـ‪.‬كجاء فيها‪:‬حق الرعية على اإلماـ‪ :‬الر‪ٛ‬تة‪ ،‬كا‪ٟ‬تياطة‪ ،‬كاألناة‪ ،‬كحق اإلماـ على‬
‫(ُ)‬
‫الرعية‪.‬النصيحة كعدـ ا‪١‬تنازعة‪.‬‬
‫ِ‪:‬إف ما كصلت إليه اإلنسانية من حقوؽ‪،‬كأقرته ٔتواثيق عا‪١‬تية ملزمة‪ ،‬كحق ا‪ٟ‬تياة‪ ،‬كحق‬
‫ا‪١‬تلكية‪ ،‬كحق تكوين أسرة‪ ،‬هو يف النظر الشرعي من الضركريات ا‪١‬تتصلة ْتفظ النفس كا‪١‬تاؿ‪،‬‬
‫كاالعتداء على هذ ا‪ٟ‬تقوؽ جرٯتة كربل‪ ،‬كما العقوبات ا‪ٟ‬تدية يف اإلسبلـ‪ ،‬أك العقوبات‬
‫(ِ)‬
‫ا‪١‬تنصوص عليها‪ ،‬إالٌ ‪ٛ‬تاية ‪٢‬تذ ا‪ٟ‬تقوؽ اإلنسانية األساسية كراجعة إليها‬
‫ّ ‪:‬من خصائص حقوؽ اإلنساف‪ :‬أهنا تثبت لئلنساف بوصفه إنسانا‪ ،‬بقطع النظر عن‬
‫جنسه‪ ،‬كلونه‪ ،‬كدينه‪ ،‬كعرقه‪ ،‬كهذا ما أكد حديث الرسوؿ يف خطبة الوداع‪ :‬يا أيها الناس أال إف‬
‫ربكم كاحد‪ ،‬أال إف أباكم كاحد‪ ،‬أال ال فضل لعريب على عجمي‪ ،‬أال ال فضل ألسود على أ‪ٛ‬تر‬
‫(ّ)‬
‫إال بالتقول‪ ،‬أال قد بلغت؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قاؿ‪ :‬ليبلغ الشاهد الغائب‪.‬‬
‫ْ‪ :‬ال توافق الشريعة على الرؤية الليربالية اليت تتعامل مع اإلنساف بوصفه جسدا كتلغي‬
‫حاجاته الركحية تلغي دكر الدين يف نظاـ األسرة كتدعو إلقرار زكاج ا‪١‬تثليُت أك إلغاء كالية األب‬
‫على ابنته‪.‬‬

‫(ُ ) رسالة ا‪ٟ‬تقوؽ‪ ،‬األثر ا‪٠‬تالد‪ ،‬تأمبلت فکرية معاصرة فی حقوؽ االنساف‪،‬صاٌف‪،‬نبيل علی؛‪٣‬تلة‪:‬‬
‫ا‪١‬تنهاج‪،‬رقم‪ ،ُّ:‬صفحة‪.ََّ:‬‬
‫(ِ) حقوؽ األنساف ‪٤‬تور مقاصد الشريعة‪ ،‬الريسوين‪ ،‬الزحيلي‪ ،‬شبَت‪ ،‬كتاب األمة عدد ٕٖ‪ ،،‬تقدمي عمر حسنة‬
‫ص‪َِ :‬‬
‫(ّ) أخرجه ا‪ٛ‬تد برقم ِّْٖٗ كإسناد صحيح‬

‫‪192‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫وَ تطبٗكات الفكّٗ‪ ٛ‬ملبدأ اسرتاً الهساو‪ ٛ‬اآلدوٗ‪:ٛ‬‬


‫أكال‪:‬األصل تساكم البشر يف نظر الشرع كأماـ القضاء فأحكاـ البيع كالشراء الوكالة‬
‫كاإلجارة اليت تطبق على ا‪١‬تسلم تطبق على غَت ا‪١‬تسلم‪ ،‬ا‪٠‬تبلؼ يف بعض أحكاـ األسرة كاألحكاـ‬
‫ا‪ٞ‬تنائية ‪٤‬تدكد كالعتبارات فقهية مسوغة‬
‫ثانيا‪ :‬حق ا‪ٟ‬تياة مصوف‪ :‬فيحرـ قتل النفس اإلنسانية بغَت مسوغ‪ ،‬كال ‪٬‬توز اجهاض‬
‫األجنة إال لضركرة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬لكل إنساف حرمته‪ ،‬ك‪٬‬تب ا‪ٟ‬تفاظ على ‪ٝ‬تعته يف حياته كبعد موته كعلى الدكؿ‬
‫(ُ)‬
‫كآّتمع ‪ٛ‬تاية جثمانه كمدفنه‬

‫الٍعاً الشٗاس٘ اإلسالو٘ ٔالٍعسٖات الشٗاسٗ‪ ٛ‬الدميكساطٗ‪ٔ ٛ‬الجٕٗقساطٗ‪ٛ‬‬


‫٘تايز النظاـ اإلسبلمي عن النظاـ الدٯتقراطي‪:‬‬
‫ُ‪ :‬يتشابه النظاـ اإلسبلمي كالنظاـ الدٯتقراطي يف إقرار اإلسبلـ ‪ٟ‬تق الشورل كالرقابة‪،‬‬
‫كإقرار الدٯتقراطية ‪ٟ‬تق االقًتاع كا﵀اسبة‪ ،‬لكن هذا ال يعٍت التطابق يف ا‪١‬تفهوـ؛ ألف حق االقًتاع‬
‫مثبلن هو أثر من آثار الدٯتقراطية‪ ،‬كليس هو مضموف الدٯتقراطية‪ ،‬فقد ذهب بعض الباحثُت(ِ) إُف‬

‫اعتبار اإلسبلـ أكؿ من نادل بالدٯتقراطية‪ ،‬كتبٌت مبادئها كسيادة الشعب‪ ،‬كمنهم من كقف موقفان‬
‫ت إُف التشابه ا‪٠‬تارجي يف‬
‫كسطان‪ ،‬فاعترب اإلسبلـ بُت الدٯتقراطية كالثيوقراطية‪ .‬كهذ األْتاث التىفتى ٍ‬
‫بعض اآلثار‪ ،‬كغاب عنها البحث يف ا‪١‬تفاهيم كا‪ٟ‬تقائق‪ ،‬فالدٯتقراطية تصدر عن فكرة أف الشعب‬
‫سيد نفسه‪ ،‬ليحكم نفسه با‪١‬تنهج الذم يرا مناسبان‪ ،‬كهذا مغاير لئلسبلـ رأسان؛ ألنه قائم على‬
‫التسليم ﵁ كحد بسلطة التشريع‪ .‬كالتشريع هو أهم مقومات الدكلة يف كل عصر‪ ،‬فا‪١‬تناقضة‬
‫بينهما جوهرية ال شكلية‪ ،‬كليست يف الوسائل كاألساليب‪ .‬النظاـ الدٯتقراطي يقوـ على أساس‬

‫(ُ ) إإلعبلف اإلسبلمي ‪ٟ‬تقوؽ اإلنساف‪( ،‬إعبلف القاهرة)‪ :‬ا‪١‬تادة ْ‪ ،‬موقع جامعة مينوستا‬
‫‪http://wwwُ.umn.edu/humanrts/arab/aََْ.html‬‬
‫(ِ) انظر رئاسة الدكلة‪٤ ،ّٖٓ :‬تمد رأفت عثماف‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫حرية الشعب يف أف ٭تكم نفسه بالطريقة كالتشريع الذم يرا مناسبان‪ ،‬فاألمة عند مصدر‬
‫التشريع‪ .‬كَف يكن النظاـ الدٯتقراطي ‪٤‬تميان من اٗتاذ قرارات ظا‪١‬تة ْتق األقلية‪ ،‬كا‪ٟ‬تق يف ا‪١‬تفهوـ‬
‫الليرباِف مرتبط بإرادة األغلبية‪ ،‬فهو تقريرم يقر الناس على ما يرغبوف‪.‬‬
‫أما يف النظاـ السياسي اإلسبلمي‪ ،‬فالتشريع ابتداء ﵁ رب العا‪١‬تُت‪ ،‬كهو يأمر بالشورل‬
‫حىت ال يتفرد فرد ٔتصَت األمة‪ ،‬كيقيد إرادة األمة‪ ،‬كأهل الشورل بالعدؿ الرباين؛ حىت ال تهظلم‬
‫األقلية بقرارات اإلغلبية‪ ،‬أك تظلم األجياؿ البلحقة بقرارات َف تراع مصا‪ٟ‬تهم‪ ،‬فشرع ا﵁ ٭تكم‬
‫إرادة األغلبية‪ ،‬كليس للشعب يف اإلسبلـ حرية ‪٦‬تارسة كتطبيق التشريع دكف ضوابط أك قيود‪ ،‬لقوله‬
‫يما ىش ىجىر بػىٍيػنىػ يه ٍم يمثَّ ىال ىً‪٬‬ت يدكا ًيف أىنٍػ يف ًس ًه ٍم ىحىر نجا ً‪٦‬تَّا‬‫تعاُف‪" :‬فى ىبل كربّْك ىال يػؤًمنو ىف ح َّىت ي٭ت ّْكم ى ً‬
‫وؾ ف ى‬ ‫ىى ى يٍ ي ى ى ي‬
‫ً‬
‫ك‪٤‬تكوـ بالشرع‪.‬‬ ‫ه‬ ‫سود‬
‫يما" [ٓٔ النساء] فالشعب يف ا‪١‬تفهوـ اإلسبلمي ىم ه‬ ‫ت ىكيي ىسلّْ يموا تى ٍسل ن‬
‫ضٍي ى‬
‫قى ى‬
‫كالشرع تقوٯتي ال تقريرم؛ أم‪ :‬إنه ييقوـ إرادة األغلبية إذا ا‪٨‬ترفت (ُ)‪.‬‬

‫ِ‪ :‬تطور الفكر اإلنساين الدٯتقراطي ‪١‬تعا‪ٞ‬تة ثغرات يف النظاـ الدٯتقراطي‪ ،‬فوضع قيودان‬
‫على إرادة األغلبية‪ ،‬الدكلة ‪٦‬تثلة ٔتواثيق حقوؽ اإلنساف العا‪١‬تية إذا كقعت عليها الدكلة‪ ،‬كّٔذا‬
‫يكوف الفكر الدٯتقراطي قد اقًتب من الفكر اإلسبلمي يف أ‪٫‬تية تقييد االجتهاد اإلنساين بقيم‬
‫عليا ‪٤‬تايدة ٘تنع األغلبية من ظلم األقلية‪ ،‬غَت أف مشكلة ا‪١‬تواثيق الدكلية أهنا َف تستطع الوصوؿ‬
‫لقيم موضوعية ٘تثل ا‪١‬تصاٌف اإلنسانية ا‪ٟ‬تقيقية‪ ،‬فبل زالت ا‪١‬تواثيق الدكلية تتأثر بقول ضغط كما‬
‫يف مسألة حق األجنة يف ا‪ٟ‬تياة أك إباحة اإلسقاط‪ ،‬فدعاة الفكر الليرباِف يتبنوف حق إسقاط‬
‫األجنة‪ ،‬يف حُت ‪٧‬تد حكم الشرع كاضحان يف ٖترمي اإلجهاض ابتداء‪ ،‬كقد يؤذف به يف حاالت‬
‫‪٤‬تددة إذا كاف يف استمرار ا‪ٟ‬تمل خطر ‪٤‬تقق على حياة األـ‪.‬‬

‫(ُ) الفقه اإلسبلمي ا‪١‬تقارف مع ا‪١‬تذاهب‪ :‬ص ْٖ‪ ،‬د‪ .‬فتحي الدريٍت‪ ،‬ا‪١‬توافقات – جِ‪ :‬ص ُّّ – الشاطيب‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ّ‪ :‬يستوعب النظاـ السياسي اإلسبلمي كل ما نادت به الدٯتقراطية من أساليب ﵀اربة‬


‫االستبداد بكافة صور كأشكاله‪ ،‬كالرقابة‪ ،‬كحرية النقد‪ ،‬كغَتها‪ ،‬كإف اختلف الفكر اإلسبلمي مع‬
‫الدٯتقراطية يف التأصيل‪ ،‬كال سيما يف مصدر التشريع الذم هو ركح الدكلة‪ ،‬كمبلؾ أمرها‪.‬‬
‫ْ‪ :‬تشهد الوقائع التارٮتية لتفوؽ ا‪١‬تفهوـ اإلسبلمي يف ا‪ٟ‬تكم عنه يف النظاـ الدٯتقراطي‪،‬‬
‫حيث إف سيادة الشعب كانت سببان يف إيقاع ا‪١‬تظاَف يف تاريخ البشرية‪ ،‬مثلما أف ا‪ٟ‬تكم الفردم‬
‫االستبدادم كاف سببان يف إيقاع مثل تلك ا‪١‬تظاَف‪ ،‬بينما قاـ الشرع اإلسبلمي على جعل السيادة‬
‫لقيم العدالة كا‪١‬تساكاة غَت ا‪٠‬تاضعة للظركؼ كا‪١‬تؤثرات‪ ،‬كقد هنضت ّٔذا ا‪١‬تعٌت نصوص قاطعة‬
‫ُت بًالٍ ًق ٍس ًط يش ىه ىداءى لًلَّ ًه ىكلى ٍو ىعلىى أىنٍػ يف ًس يك ٍم أى ًك الٍ ىوالً ىديٍ ًن‬ ‫ً‬
‫ين ىآمنيوا يكونيوا قىػ َّوام ى‬
‫َّ ً‬
‫كقوله تعاُف‪" :‬يىا أىيػُّ ىها الذ ى‬
‫ضوا فىًإ َّف‬ ‫ً‬ ‫ًً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ُت إً ٍف يى يك ٍن غىنيِّا أ ٍىك فىق نَتا فىاللَّهي أ ٍىكىُف ّٔ ىما فى ىبل تػىتَّبًعيوا ا ٍ‪٢‬تىىول أى ٍف تػى ٍعدليوا ىكإً ٍف تىػ ٍل يوكا أ ٍىك تػي ٍع ًر ي‬
‫ىك ٍاألىقٍػىربً ى‬
‫اللَّهى ىكا ىف ًٔتىا تىػ ٍع ىمليو ىف ىخبً نَتا" (ُ) كمن ا‪١‬تعلوـ أف النظاـ الدٯتقراطي يف أصل كجود يقوـ على أساس‬
‫حق األغلبية يف ا‪ٟ‬تكم‪ ،‬كحق األقلية يف ا‪١‬تعارضة‪ ،‬كمن ا‪ٞ‬تائز عقبلن أف تتحيز األغلبية ‪١‬تصا‪ٟ‬تها‬
‫كقد حصل أف ارتكبت مظاَف بقرارات دٯتقراطية‪ ،‬فهتلر كصل للسلطة على أساس دٯتقراطي‬
‫كارتكب جرائم حرب‪ ،‬كاالحتبلؿ اإلسرائيلي ارتكب جرائم حرب يف حق الشعب الفلسطيٍت‪ ،‬كَف‬
‫يتمكن نظامه الدٯتقراطي من منعه من الوقوع يف ا‪ٞ‬ترائم‪.‬‬
‫كنعرض لعدد من صور تقييد سلطة الدكلة بقيم العدالة‪:‬‬
‫أ‪:‬عندما دخل رسوؿ ا﵁ مكة فاٖتان طلب العباس أف ‪٬‬تعل مفاتيح الكعبة ألسرة النيب‪،‬‬
‫كأف يأخذها من بٍت شيبة الذين كانت معهم ا‪١‬تفاتيح‪ ،‬ككانوا يؤدكف كاجبهم يف رعاية الكعبة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بشكل جيد‪ ،‬فأنزؿ ا﵁ اآلية‪ {:‬إً َّف اللَّهى يىأٍ يميريك ٍم أى ٍف تيػ ىؤُّدكا ٍاأل ىىمانىات إً ىُف أ ٍىهل ىها ىكإًذىا ىح ىك ٍمتي ٍم بػى ٍ ى‬
‫ُت‬
‫(ِ)‬
‫َّاس أى ٍف ىٍٖت يك يموا بًالٍ ىع ٍدؿ}‬
‫الن ً‬

‫(ُ) النساء‪ُّٓ :‬‬


‫(ِ) النساء‪ٖٓ :‬‬

‫‪195‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ك الٍكًتىاب بًا ٍ‪ٟ‬ت ّْق لًتىح يكم بػُت الن ً ً‬


‫ب‪ :‬مناسبة قوله تعاُف‪ { :‬إًنَّا أىنٍػىزلٍنىا إًلىٍي ى‬
‫َّاس ٔتىا أ ىىر ىاؾ اللَّهي‬ ‫ى ى ٍ ى ىٍ ى‬
‫يما} (ُ) كما يليها‪ ،‬فقد أنزؿ ا﵁ تسع آيات يف سورة النساء يف براءة‬ ‫ً‬ ‫ً ًً‬
‫ُت ىخص ن‬ ‫ىكىال تى يك ٍن للٍ ىخائن ى‬
‫يهودم حيث كرد أف (طعمة بن أبَتؽ) كاف ييظهر اإلسبلـ‪ ،‬سرؽ درعان من جار ‪ ،‬كأكدعه عند‬
‫يهودم‪ ،‬كتبُت بالبحث كالتحقيق أف الدرع عند اليهودم‪ ،‬فقاؿ‪ :‬أكدعه عندم طعمة‪ ،‬كأنكر‬
‫طعمة‪ ،‬كطلب أقارب طعمة من النيب أف يدافع عن صاحبهم‪ ،‬فأنزؿ ا﵁ تعاُف اآلية‪ ،‬تيربلء‬
‫اليهودم‪ ،‬كتعصم النيب أف يدافع عن سارؽ‪ .‬كالقصة كاضحة يف داللتها على أف اختبلؼ الدين‬
‫ال يكوف مانعان من التساكم يف ا‪ٟ‬تقوؽ ا‪١‬تدنية كاإلنسانية بشكل عاـ‪.‬‬
‫(الثيوقراطية) يف منظور ا‪١‬تفهوـ اإلسبلمي هو شرؾ ينقض عقدة التوحيد‪ ،‬بل نوع من‬
‫ا‪٠‬ترافة كالتضليل الذم ال يصح أف يسمى (فكران)؛ الفتقار ‪١‬تقومات الفكر كا‪١‬تنطق اإلنساين‬
‫السليم‪.‬‬
‫تعٍت الثيوقراطية استناد ا‪ٟ‬تكم ألساس ديٍت لتسويغ حق الطاعة‪ ،‬كهناؾ ثيوقراطية‬
‫عرفتها األنظمة السياسية‪ ،‬ككنيسة القركف الوسطى يف أكركبا‪ ،‬كثيوقراطية هندكسية‪ ،‬حيث كاف‬
‫ا‪ٟ‬تكاـ يصوركف أنفسهم أهنم ‪٥‬تتاركف من ا﵁‪ ،‬فبل ٕتوز مساءلتهم‪ ،‬كهذا مفهوـ ال يقر اإلسبلـ‬
‫لؤلسباب التالية‪:‬‬
‫ب‬ ‫ًو ً‬
‫ُ‪ :‬يقرر القرآف الكرمي مسؤكلية كل إنساف عن عمله لقوله‪( :‬تعاُف يك ُّل ٍامرئ ٔتىا ىك ىس ى‬
‫(ِ)‬
‫ُت)‬ ‫ً‬
‫ىره ه‬
‫ِ‪ :‬الوظيفة الدينية لرئيس الدكلة ال ٕتعله ٔتعزؿ من ا‪١‬تساءلة كالنقد كالتوجيه‪ ،‬بل إف‬
‫ا‪١‬تسؤكلية تعظم بعظم ا‪١‬تهمة اليت نشأت عنها (ّ)‪.‬‬

‫(ُ) النساء‪َُٓ:‬‬
‫(ِ) الطور‪ُِ :‬‬
‫(ّ) دراسات كْتوث‪ :‬ص َٗ‪ ،‬د‪ .‬فتحي الدريٍت‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫أحسنت‬
‫ي‬ ‫ّ‪١ :‬تا كقف أبو بكر الصديق خطيبان يف الناس بعد مبايعته با‪٠‬تبلفة قاؿ‪" :‬إف‬
‫(ُ)‬
‫يؤكد حق األمة يف الرقابة كالتقومي‪ ،‬كهذا يتناىف مع ا‪١‬تفهوـ‬ ‫أخطأت فقوموين "‬
‫ي‬ ‫فأعينوين‪ ،‬كإف‬
‫الثيوقراطي الذم ال ‪٬‬تيز مساءلة ا‪ٟ‬تكاـ‪.‬‬

‫ٔسا‪ٟ‬ن تفٕٖض الشمط‪ٔ ٛ‬طسٖك‪ ٛ‬اختٗاز ز‪ٟٗ‬ص الدٔل‪:ٛ‬‬


‫‪ -‬أوالً‪ :‬االختيار من أىل الحل والعقد‪ ،‬حيث يقوموف ٔتبايعة أجدر ا‪١‬ترشحُت للخبلفة‬
‫الذم استكمل الشركط ا‪١‬تطلوبة‪ ،‬كاليت تدكر حوؿ التقول كالعدالة األخبلقية‪ ،‬كالكفاءة اإلدارية‬
‫كالسياسية‪ ،‬كاإلسبلـ‪ ،‬كمن يسرع الناس إُف طاعته‪ ،‬فإذا بايعوا ا‪٠‬تليفة فقد انعقدت ا‪٠‬تبلفة‪،‬‬
‫ككجب للخليفة حق الطاعة على األمة‪.‬‬
‫‪-‬ثانياً‪ :‬والية العهد‪ ،‬كهي كسيلة أخرل من كسائل تفويض السلطة كصورهتا‪ :‬أف يعهد‬
‫رئيس الدكلة ا‪١‬تنتخب لوِف عهد ليكوف رئيسا للدكلة من بعد ‪ ،‬كيراعي رئيس الدكلة أف يكوف‬
‫الشخص ا‪١‬تختار قادران على القياـ بأعباء ا‪١‬تهمة‪ ،‬كأف يكوف مقبوالن لدل األمة؛ ذلك أف الرضا‬
‫الشعيب البد أف يتحقق يف رئيس الدكلة‪ ،‬كيف هذا يقوؿ ابن تيمية‪ :‬إف ا‪١‬تقصود من اإلمامة إ‪٪‬تا‬
‫يصلح بالقدرة كالسلطاف كا‪١‬تلك ال يصَت ملكان ‪١‬توافقة كاحد‪ ،‬كال اثنُت كال أربعة إال أف تكوف‬
‫موافقة هؤالء تقتضي موافقة غَتهم‪ْ ،‬تيث يصَت ملكان بذلك (ِ)‪.‬‬
‫كقد انعقدت اإلمامة لعمر بن ا‪٠‬تطاب بعهد من أيب بكر الصديق‪ ،‬بعد أف استشار أبو‬
‫بكر الناس إذ قاؿ‪" :‬أترضوف من اختار لكم" (ّ)‪ ،‬فلما قبلوا اختار ‪٢‬تم عمر بن ا‪٠‬تطاب‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬القهر واالستيالء‪ ،‬كهي تكوف يف حالة كجود فراغ دستورم كما إذا مات اإلماـ‪،‬‬
‫كال يوجد للمسلمُت إماـ‪ ،‬كتصدل لئلمامة من يستجمع شرائطها من غَت بيعة كاستخبلؼ‪،‬‬

‫(ُ) يف النظاـ السياسي للدكلة اإلسبلمية‪٤ ،‬تمد العوا‪ :‬ص ِّّ‪.‬‬


‫(ِ) منهاج السنة‪ :‬جُ‪.ّٖٔ :‬‬
‫(ّ) األحكاـ السلطانية ص ُُ‪ ،‬ا‪١‬تاكردم‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كقهر الناس بشوكته انعقدت ا‪٠‬تبلفة له إال أنه يعصى ٔتا فعل –كما حصل مع عبد ا‪١‬تلك بن‬
‫مركاف ر‪ٛ‬ته ا﵁ تعاُف – فاألصل الرجوع لؤلمة كأخذ موافقتها‪.‬‬
‫كهذ الطريقة ال تقر بشرعية االنقبلبات على حاكم ‪٥‬تتار برضى األمة؛ ألف للحاكم‬
‫ا‪١‬تختار برضى األمة حق النصرة كالطاعة‪ ،‬كال ‪٬‬توز خلع اإلماـ ببل سبب كلو خلعو َف ينفذ‪ ،‬أما‬
‫ا‪ٟ‬تاكم الذم حكم بالغلبة ليس له يف رقاب األمة حق النصرة‪ .‬كإذا ثبت اإلماـ بالقهر كالغلبة مث‬
‫جاء آخر فقهر انعزؿ كصار القاهر إمامان‪.‬‬

‫ٔظا‪ٟ‬ف الدٔل‪:ٛ‬‬
‫ُ‪:‬حفظ كجود الدكلة ٔتنع االعتداء عليها‪ ،‬كلذا قاؿ ا﵁ تعاُف { فى ىم ًن ٍاعتى ىدل ىعلىٍي يك ٍم‬
‫(ُ)‬
‫اعتى يدكا ىعلىٍي ًه ٔتًًثٍ ًل ىما ٍاعتى ىدل ىعلىٍي يك ٍم }‬
‫فى ٍ‬
‫ِ‪:‬منع الدعوات اإلقليمية كالعنصرية اليت ٘تزؽ آّتمع‪ ،‬قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه‬
‫ات ىعلىى‬ ‫كسلم‪" :‬لىيس ًمنَّا من دعا إً ىُف عصبًيَّ وة‪ ،‬كلىيس ًمنَّا من قىاتىل علىى عصبًيَّ وة‪ ،‬كلىي ً‬
‫س منَّا ىم ٍن ىم ى‬
‫ى ى ىٍ ى ىٍ ى ى ى ى ىٍ ى‬ ‫ٍ ى ىٍ ىى‬
‫صبًيَّ وة"‪.‬‬
‫ىع ى‬
‫َّ ً‬
‫ض أىقى ياموا‬ ‫ين إً ٍف ىم َّكن ي‬
‫َّاه ٍم ًيف ٍاأل ٍىر ً‬ ‫ّ‪:‬األمر با‪١‬تعركؼ كالنهي عن ا‪١‬تنكر‪ ،‬قاؿ تعاُف‪ {:‬الذ ى‬
‫(ِ)‬
‫كؼ ىكنػى ىه ٍوا ىع ًن الٍ يمٍن ىك ًر ىكلًلَّ ًه ىعاقًبىةي ٍاأل ييموًر}‬
‫الزىكاةى كأىمركا بًالٍمعر ً‬
‫ى ىي ى ٍي‬
‫الص ىبلةى ىكآتػى يوا َّ‬
‫َّ‬
‫كيف اآلية بياف لوظيفة الدكلة بإقامة الصبلة كتقوية الوازع الديٍت‪ ،‬كهذا أمر يبدك غريبان على‬
‫العلماين الذم َف ‪٬‬تعل للدكلة كظيفة دينية‪ ،‬كلكن النظر العلمي يؤكد دقة ا‪١‬تنهج‬
‫الفكر ى‬
‫اإلسبلمي؛ فهناؾ مسائل ال تستطيع الدكلة حلها بالوازع ا‪١‬تادم كحد ‪ ،‬فبلبد مثبلن من تقوية‬
‫الوازع الديٍت عند معا‪ٞ‬تة مدمٍت ا‪١‬تخدرات ليتمكنوا من االنتصار على هواهم‪.‬‬

‫(ُ) البقرة‪ُْٗ :‬‬


‫(ِ) ا‪ٟ‬تج‪ُْ :‬‬

‫‪198‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ْ‪ :‬إقامة مؤسسات ٖتقيق العدؿ‪ ،‬كمؤسسة القضاء‪ ،‬كقد بُت ا﵁ تعاُف أف العدؿ شرط‬

‫اؿ ىكًم ٍن ذيّْريًَّيت قى ى‬


‫اؿ ىال‬ ‫ك لًلن ً‬
‫َّاس إً ىم ناما قى ى‬ ‫اؿ إً ّْين ج ً‬
‫اعلي ى‬ ‫ى‬ ‫الستحقاؽ اإلمامة‪ ،‬فقاؿ لنبيه إبراهيم‪{ :‬قى ى‬
‫ًً‬ ‫يػن ي ً‬
‫ُت} (ُ) فبُت أف الظاَف ليس جديران باإلمامة على الناس‪ ،‬كيف اآلية تنبيه أف ال‬ ‫اؿ ىع ٍهدم الظَّالم ى‬‫ىى‬
‫يولوا على الناس ظا‪١‬تا‪.‬‬
‫ٓ‪:‬حفظ الضعفاء كالعجزة‪ ،‬كيكوف عن طريق الوالية على من ال كِف له‪ ،‬أك توفَت الدكلة‬
‫‪١‬تؤسسات رعاية للضعفاء‪.‬‬

‫سل اإلواً عم‪ ٜ‬السعٗ‪:ٛ‬‬


‫حق الطاعة يف غَت معصية‪ ،‬فيجب على ا‪١‬تواطن احًتاـ القوانُت اليت تصدر من الدكلة‪،‬‬
‫فقطع اإلشارة ا‪ٟ‬تمراء فيه مأمث شرعي‪ ،‬فضبلن عن أنه يوجب ا‪١‬تخالفة الدنيوية‪.‬‬
‫كحق النصرة‪ ،‬فإذا تعرض رئيس الدكلة ا‪١‬تختار على ‪٨‬تو شرعي لغاصب للسلطة ‪٬‬تب‬
‫على األمة نصرة اإلماـ الشرعي‪.‬‬
‫حق النصيحة فقد جاء ا‪ٟ‬تديث‪« :‬إف ا﵁ يرضى لكم ثبلثان‪ :‬أى ٍف تىػعب يدك كىال تي ٍش ًريكوا بًهً‬
‫ٍي ي ى‬
‫اص يحوا ىم ٍن ىكَّال ي اللَّهي أ ٍىمىريك ٍم»‬ ‫ً ً‬ ‫ً ً‬
‫ىشٍيئنا‪ ،‬ىكأى ٍف تػى ٍعتىص يموا ْتىٍب ًل اللَّه ى‪ٚ‬ت نيعا ىكىال تىػ ىفَّرقيوا‪ ،‬ىكأى ٍف تىػنى ى‬
‫ى‪ٛ‬تى ىد بٍ ًن ىحنٍبى ول ىك ىغ ًٍَتً‪٫‬تىا‪ -‬يػى يقوليو ىف‪ :‬لى ٍو ىكا ىف لىنىا‬ ‫ضٍي ًل بٍ ًن ًعيى و‬
‫اض ىكأ ٍ‬ ‫ف ‪ -‬ىكالٍ يف ى‬ ‫ىكً‪٢‬تىىذا ىكا ىف َّ‬
‫السلى ي‬
‫ىد ٍع ىوةه ي‪٣‬تىابىةه لى ىد ىع ٍونىا ًّٔىا لً ُّ‬
‫لس ٍلطى ً‬
‫(ِ)‬
‫اف‪.‬‬
‫كمن النصيحة تبصَت الدكلة ٔتخاطر كعيوب بعض التشريعات‪ ،‬كالتدابَت‪ ،‬كٖتذيرهم من‬
‫ا‪١‬تنكرات‪ ،‬على أنه ال ينبغي أف يكوف يف إنكار ا‪١‬تنكر على األئمة منازعة لئلماـ يف إمامته‪ ،‬بل‬

‫(ُ) البقرة‪ُِْ :‬‬


‫(ِ) ا إلسبلـ كالنظريات السياسية‪٤ ،‬تمد تقي العثماين‪،‬تعريب كليم ا﵁ البشيٍت‪ ،‬السلية العربية‪ ،‬األردف َُِْ‪،‬‬
‫ص َّٓ‬

‫‪199‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫نصحه لتثبيت إمامته‪ ،‬أما ا‪١‬تنازعة فهي باب للفساد قاؿ ابن تيمية‪ ":‬ىكإًَّ‪٪‬تىا يػى ٍف يس يد ىح ي‬
‫اؿ أى ٍكثى ًر الن ً‬
‫َّاس‬
‫اس ًة كا‪١‬تنازعة على ا‪ٟ‬تكم"(ُ)‪.‬‬ ‫ً‬
‫ًالبٍتًغىاء ّْ‬
‫الريى ى‬
‫عزه االواً ٔسشب الجك‪ ٛ‬وَ احلهٕو‪ٛ‬‬
‫يتوهم بعض الباحثُت أف النظاـ السياسي يف اإلسبلـ ال يقر لؤلمة ْتق العزؿ ألنه ال يؤيد‬
‫ا ‪٠‬تركج على ا‪ٟ‬تكاـ إال يف حالة الكفر البواح‪ ،‬كهذا خلط بُت العزؿ‪ ،‬الذم يتم بطرؽ دستورية‬
‫آمنة‪ ،‬كبُت ا‪٠‬تركج الذم يؤدم للفنت‪.‬‬
‫ال يؤيد النظاـ السياسي يف اإلسبلـ ا‪٠‬تركج ٔتعٌت التمرد على الدكلة كمنازعة األئمة يف‬
‫كاليتهم؛ كترؾ األمر فوضى ال جامع للناس على ا‪ٟ‬تق‪ ،‬ألف هذا يؤدم لفتنة غالبان‪ ،‬كيعطل التنمية‬
‫يف آّتمع‪ ،‬أما العزؿ إذا كاف عرب مؤسسات الدكلة ْتيث يبقى للدكلة كياهنا كيعزؿ شخص‬
‫ا‪ٟ‬تاكم ك٭تل غَت مكانه فقد نص عليه الفقهاء كله أسباب منها (ِ)‪:‬‬
‫ُ‪ :‬إذا قدـ اسقالته‪ ،‬كأعلن عدـ رغبته باالستمرار‪.‬‬
‫ِ‪:‬أف يطرأ على اإلماـ ما ٯتنعه من أداء كظائفه‪.‬‬
‫ّ‪ :‬إذا ارتكب معصية كأخذ الرشوة‪ ،‬كظلم ا‪١‬تواطنُت‪ ،‬فهو مستحق للعزؿ‪ ،‬لكن ال يسوغ‬
‫ا‪٠‬تركج عليه بالقتاؿ‪ ،‬أما لو أمكن العزؿ بطريق آمن‪ ،‬كسحب الثقة عرب مؤسسة بر‪١‬تانية نيابية‪ ،‬أك‬
‫اؿ الَّ ًذم‬
‫عدـ التجديد له‪ ،‬كما يف األنظمة الرئاسية‪ ،‬فهذا جائز‪ ،‬كنقل ابن حجر عن ابن التُت‪ :‬قى ى‬
‫ب‬ ‫ً‬ ‫ًَّ‬ ‫و‬ ‫ًً ً ً ً و‬ ‫ىعلىٍي ًه الٍ يعلىماء ًيف أيمر ًاء ٍ ً ً‬
‫ب‪ ،‬ىكإال فىالٍ ىواج ي‬
‫ا‪ٞ‬تىٍور أىنَّهي إ ٍف قى ىد ىر ىعلىى ىخلٍعه بغى ٍَت فٍتػنىة ىكىال ظيٍلم ىك ىج ى‬ ‫ى ي ىى‬
‫الصٍبػير(ّ)‪.‬‬
‫َّ‬

‫(ُ ) السياسة الشرعية يف إصبلح الراعي كالرعية‪ ،‬ابن تيمية‪ ،‬كزارة الشؤكف اإلسبلمية كاألكقاؼ‪ ،‬السعودية‪ ،‬ص‬
‫َُّ‬
‫(ِ) اإلسبلـ كالنظريات السياسية‪٤ ،‬تمد تقي العثماين‪،‬تعريب كليم ا﵁ البشيٍت‪ ،‬السلية العربية‪ ،‬األردف َُِْ‪،‬‬
‫ص َّٓ‬
‫(ّ) فتح البارم بشرح صحيح البخارم‪ :‬جُّ‪ :‬ص ٖ‬

‫‪211‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ْ‪٬:‬توز منازعة ا‪ٟ‬تاكم كاليته يف حالة كاحدة‪ ،‬كهي رؤية الكفر البواح من ا‪ٟ‬تاكم؛ أم‪:‬‬
‫اعهي ىكأىظٍ ىهىري ىكأىنٍ ىكىر ثىابًتان ًيف الدىَّالئً ًل"(ُ)‪ ،‬ككل ذلك مقيد با‪١‬توازنة بُت ا‪١‬تصاٌف‪ ،‬فإذا كاف ا‪٠‬تركج‬
‫"أى ىذ ى‬
‫سيؤدم إُف فتنة أكرب‪ ،‬كلن يتمكن ا‪٠‬تارجوف من ٖتقيق أهدافهم‪ ،‬فبل يشرع ‪٢‬تم ا‪٠‬تركج‪ ،‬بل يكوف‬
‫الواجب العمل على اإلصبلح بالوسائل اآلمنة ا‪١‬تتاحة‪.‬‬

‫االسالً ٔاألسزاب الشٗاسٗ‪ٛ‬‬


‫أصبحت األحزاب السياسية أداة مهمة من أدكات العمل السياسي ا‪١‬تعاصر‪ ،‬كأصبحت‬
‫٘تثل الطريقة ا‪١‬تتبعة يف معظم آّتمعات ا‪ٟ‬تديثة يف تشكيل ا‪ٟ‬تكومات اليت تتوُف ادارة شؤكف‬
‫الدكلة‪ ،‬كلذلك أصبح من األ‪٫‬تية ٔتكاف ا‪ٟ‬تديث عن موقف الفقه االسبلمي من هذ القضية‪.‬‬

‫أٔال‪ :‬وعٍ‪ ٜ‬احلزب‬


‫الحزب في اللغة‪ٚ :‬تاعة من الناس‪ ،‬كا‪ٞ‬تمع أحزاب‪ ،‬ككل قوـ تشاكلت قلؤّم كأعما‪٢‬تم‬
‫فهم حزب (ِ)‪ ،‬كحزب الرجل أصحابه (ّ)‪.‬‬

‫ا‪ٟ‬تزب يف االصطبلح‪:‬هناؾ ‪ٚ‬تلة من التعريفات اليت تتفق على معٌت جوهرم متشابه‪،‬‬
‫كمن هذ التعريفات‪:‬‬
‫"‪ٚ‬تاعة متحدة من األفراد الذين يعملوف ٔتختلف الوسائل الدٯتوقراطية للفوز با‪ٟ‬تكم‬
‫بقصد تنفيذ برنامج سياسي معُت" (ْ)‪.‬‬

‫(ُ) فتح البارم بشرح صحيح البخارم‪ :‬جُّ‪ :‬ص ٖ‬


‫(ِ)ابن منظور‪ :‬لساف العرب‪ ،‬حُ‪ ُِٔ :‬مادة طحزب"‪ ،‬الطبعة ا‪ٞ‬تديدة ا‪١‬تعدلة‪ ،‬دار لساف العرب – بَتكت‬
‫ُُٖٗ‪.‬‬
‫(ّ) الرازم‪٤ ،‬تمد بن أيب بكر‪٥ :‬تتار الصحاح – طبعة حديثة ‪ /‬بَتكت – دمشق‪ ،‬دار الفكر‪ ،ُٕٖٗ ،‬ص‬
‫ُّّ‪.‬‬
‫(ْ)الطماكم‪ ،‬سليماف‪ :‬السلطات الثبلث‪ ،‬طٓ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الفكر العريب ُٖٔٗ‪ ،‬ص ُِْ‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫"‪٣‬تموعة من الناس ينتظمهم تنظيم معُت‪ ،‬كٕتمعهم مبادئ ‪٤‬تددة‪ ،‬كمصاٌف مشًتكة‪،‬‬
‫كيهدفوف اُف الوصوؿ اُف السلطة أك ا‪١‬تشاركة فيها" (ُ)‪.‬‬
‫من خبلؿ التعاريف السابقة يتضح أف معٌت ا‪ٟ‬تزب يشمل على ‪٣‬تموعة عناصر‪:‬‬
‫ُ‪٣ -‬تموعة منظمة من األفراد‪.‬‬
‫ِ‪٬ -‬تتمعوف على برنامج سياسي‪.‬‬
‫ّ‪ -‬يهدفوف اُف ٖتقيق ا‪١‬تصاٌف العامة‪.‬‬
‫ْ‪ -‬يسعوف اُف الوصوؿ اُف السلطة أك ا‪١‬تشاركة فيها‪.‬‬
‫ٓ‪ -‬يلتزموف بالوسائل السلمية‪.‬‬
‫هنالك ٕتمعات بشرية منظمة عديدة تعمل بشكل ‪ٚ‬تاعي‪ ،‬كهتدؼ اُف ٖتقيق ‪ٚ‬تلة من‬
‫ا‪١‬تصاٌف اليت تعود على أفرادها كعلى آّتمع مثل النقابات كا‪ٞ‬تمعيات التطوعية كا‪٢‬تيئات ا‪٠‬تَتية‪،‬‬
‫كلكن هذ التجمعات ال تسمى أحزابا سياسية با‪١‬تعٌت االصطبلحي اال اذا كانت تسعى للوصوؿ‬
‫اُف السلطة أك ا‪١‬تشاركة فيها‪ ،‬كتعمل من خبلؿ كجودها يف السلطة كسدة ا‪ٟ‬تكم على تنفيذ‬
‫برا‪٣‬تها كٖتقيق أهدافها ا‪١‬تعلنة‪.‬‬

‫ٌظأ‪ ٚ‬فهس‪ ٚ‬األسزاب‬


‫فكرة ٕتمع الناس على ا‪١‬تبادئ كاألفكار كا‪١‬تصاٌف فكرة قدٯتة‪ ،‬كمصاحبة لنشأة التجمعات‬
‫البشرية على كجه البسيطة‪ ،‬ككانت تشكل أداة من أدكات التنافس كالصراع على السلطة قدٯتا‬
‫كحديثا‪ ،‬كلكن ٯتكننا القوؿ أف فكرة األحزاب أصبحت يف العصر ا‪ٟ‬تاضر أكثر تنظيما كأكسع‬
‫استعماال‪ ،‬حيث أف الشعوب ا‪١‬تتحضرة استطاعت أف تطور هذ الوسيلة كتنظم استعما‪٢‬تا يف‬
‫آّاؿ السياسي ضمن ا‪١‬تبادئ الدستورية كاألطر القانونية ا﵀ددة‪ ،‬كأصبحت تشكل أداة مهمة من‬
‫أدكات ادارة الدكلة ا‪ٟ‬تديثة‪ ،‬بطرؽ سلمية بعيدة عن أساليب القوة كالعنف كالصراع الدموم على‬

‫(ُ)ا‪٠‬تطيب‪ ،‬نعماف‪ :‬األحزاب السياسية ك دكرها يف أنظمة ا‪ٟ‬تكم ا‪١‬تعاصرة‪ ،‬ص ِْ‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫السلطة كا‪ٟ‬تكم‪ ،‬كلذلك ٯتكن القوؿ أف فكرة األحزاب هي تطوير لتجربة عا‪١‬تية أسهمت يف‬
‫انضاجها كل الشعوب كاألمم‪ ،‬كلكن كانت الدكؿ الغربية أكثر تطويرا ‪٢‬تذ التجربة كأكثر استفادة‬
‫منها يف العصر ا‪ٟ‬تاضر‪ ،‬كلقد كانت الشعوب العربية كاالسبلمية جزءا من هذ التجربة‪ ،‬كلكنها ما‬
‫زالت ْتاجة اُف مزيد من التطوير كاالنضاج‪ٔ ،‬تا يتناسب مع ثقافتها كأفكارها كمبادئها‪.‬‬
‫ك ٯتكن القوؿ أف فكرة ا‪ٟ‬تزب ا‪ٞ‬توهرية‪ ،‬القائمة على معٌت ٕتمع ‪٣‬تموعة من األفراد على‬
‫أفكار كمبادئ ك‪٤‬تاكلة تطبيقها من خبلؿ السلطة كا‪ٟ‬تكم هي فكرة قدٯتة يف التاريخ االسبلمي‪،‬‬
‫حيث كجدنا اختبلفا بُت أهل السنة كا‪ٞ‬تماعة‪ ،‬كالشيعة كا‪٠‬توارج بفرقهم ا‪١‬تختلفة على كيفية‬
‫اختيار رئيس الدكلة ككيفية ادارة النظاـ السياسي‪ ،‬لكنها َف تكن ٕتربة منظمة من خبلؿ القانوف‬
‫كالتنافس السلمي على السلطة‪.‬‬

‫وٕقف العمىا‪ٔ ٞ‬املفهسَٖ ٔالهتاب املشمىني املعاصسَٖ وَ وٕضٕع األسزاب الشٗاسٗ‪ٛ‬‬


‫مسألة األحزاب السياسية أثارت اختبلفا كاسعا بُت العلماء ا‪١‬تسلمُت ا‪١‬تعاصرين‪ ،‬كما‬
‫زالت حىت االف ٘تثل موضوعا جدليا حىت هذ اللحظة‪ ،‬مؤيد كمعارض‪ ،‬كٯتكن الوقوؼ على رأم‬
‫الفريقُت باختصار‪:‬‬

‫الفسٖل األٔه‪ :‬املعازضُٕ‬


‫ذهب فريق من الكتاب اُف عدـ جواز قياـ األحزاب السياسية يف الفقه االسبلمي‪،‬‬
‫كاستدلوا ٔتا يلي‪:‬‬
‫أكال‪ :‬األحزاب السياسية تؤدم اُف تفريق األمة االسبلمية الواحدة‪ ،‬كتشيع االنقساـ بُت‬
‫أفرادها‪ ،‬كهذا ٮتالف تعاليم االسبلـ اليت تأمر بالوحدة كاالعتصاـ ا‪ٞ‬تماعي ْتبل ا﵁‪ ،‬بقوؿ ا﵁‬
‫تعاُف يف كتابه الكرمي (اف الذين فرقوا دينهم ككانوا شيعا لست منهم يف شئ) (ُ)‪.‬‬

‫(ُ) األنعاـ‪ُٓٗ :‬‬

‫‪213‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ثانيا‪ :‬األمة االسبلمية كلها تسعى لتحقيق هدؼ كاحد مشًتؾ ك‪٬‬تمعها فكر كاحد‬
‫كتعتصم بعقيدة كاحدة‪ ،‬فكلهم يشكلوف حزبا كاحدا‪ ،‬فبل ‪٣‬تاؿ لتعدد األحزاب اليت تؤدم اُف‬
‫تعدد األهداؼ كالعقائد كاختبلؼ االٕتاهات‪.‬‬
‫قاؿ ا﵁ تعاُف‪( :‬ك اعتصموا ْتبل ا﵁ ‪ٚ‬تيعا كال تفرقوا) (ُ)‪.‬‬
‫ك قاؿ ا﵁ تعاُف‪( :‬ك من يتوُف ا﵁ كرسوله كالذين امنوا‪ ،‬فاف حزب ا﵁ هم الغالبوف) (ِ)‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬ا‪١‬تسلموف ‪ٚ‬تيعا ينبغي أف يكونوا يف حلف كاحد‪ ،‬فقد قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه‬
‫(ّ)‬
‫كسلم‪( :‬انه ال حلف يف االسبلـ كأٯتا حلف كاف يف ا‪ٞ‬تاهلية َف يزر االسبلـ اال شدة)‬
‫ك من أشهر من ذهب اُف تبٍت هذا الرأم أبو األعلى ا‪١‬تودكدم(ْ)‪ ،‬كمصطفى كماؿ‬
‫كصفي(ٓ)‪ ،‬كاخركف‪.‬‬
‫ك يناقش أصحاب هذا الرأم بأف األحزاب ٘تارس دكرها يف االختبلؼ ضمن اطار الدكلة‬
‫الواحدة‪ ،‬كضمن اطار األمة الواحدة ذات األهداؼ ا‪١‬تشًتكة‪ ،‬فهي ٗتتلف فيما يسمح فيه‬
‫االختبلؼ كاالجتهاد‪ ،‬كهو ال ينايف االعتصاـ ْتبل ا﵁‪ ،‬كهي تتنافس يف خدمة األمة كتقدمي ما‬
‫هو أفضل‪.‬‬

‫الفسٖل الجاٌ٘‪ :‬املؤٖدُٔ‬


‫يرل فريق من العلماء أف النظاـ السياسي االسبلمي ال يرفض فكرة األحزاب السياسية‪،‬‬
‫بل يتسع ‪٢‬تذ التجربة ا‪١‬تعاصرة حيث أهنا أصبحت احدل ركائز العمل السياسي يف العصر‬
‫ا‪ٟ‬تاضر اليت يصعب االستغناء عنها‪ ،‬كاستدلوا ّتملة من األدلة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫(ُ) اؿ عمراف‪َُّ :‬‬


‫(ِ) ا‪١‬تائدة ٔٓ‪.‬‬
‫(ّ) صحيح البخارم بشرح فتح البارم َُ‪.َُٓ :‬‬
‫(ْ)ا‪١‬تودكدم‪ ،‬أبو األعلى‪ :‬نظرية االسبلـ السياسية صُٓ‪.‬‬
‫(ٓ) كصفي‪ ،‬مصطفى كماؿ‪ :‬النظم االسبلمية األساسية‪.ّٔ :‬‬

‫‪214‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫أكال‪ :‬األحزاب السياسية تعد الوسيلة ا‪١‬تثلى اليت ٖتقق األمة من خبل‪٢‬تا ‪ٚ‬تلة من الفركض‬
‫الكفائية ا‪ٞ‬تماعية اليت ٖتتاج اُف التعاكف كالتكافل بُت األفراد‪ ،‬قاؿ ا﵁ تعاُف (كلتكن منكم أمة‬
‫يدعوف اُف ا‪٠‬تَت كيأمركف با‪١‬تعركؼ كينهوف عن ا‪١‬تنكر كاكلئك هم ا‪١‬تفلحوف) (ُ)‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬األحزاب السياسية تعد أداة مناسبة للتعامل مع االختبلؼ ا‪ٟ‬تتمي بُت البشر يف‬
‫ا‪١‬تسائل االجتهادية كيف قضايا السياسة كادارة الدكلة ضمن قواعد االسبلـ كمبادئه العامة‪.‬‬
‫قاؿ تعاُف‪( :‬ك لو شاء ربك ‪ٞ‬تعل الناس أمة كاحدة‪ ،‬كال يزالوف ‪٥‬تتلفُت) (ِ)‪.‬‬
‫ك من ا‪١‬تتفق عليه أنه ال حرج يف االختبلؼ يف الفركع الفقهية كا‪١‬تسائل العملية‪ ،‬كلذلك‬
‫كجدت ا‪١‬تذاهب الفقهية ا‪١‬تختلفة كا‪١‬تتعددة اليت اختلفت يف مناهجها الفقهية كيف طريقة استنباط‬
‫األحكاـ الفقهية‪ ،‬مثل‪ :‬أيب حنيفة كمالك كالشافعي كأ‪ٛ‬تد‪ ،‬كاألكزاعي كالليث كزيد‪ ،‬كجعفر‬
‫الصادؽ كالظاهرية كاألباضية (ّ)‪.،‬‬
‫ثالثا‪ :‬األحزاب السياسية ٘تثل أداة شعبية فاعلة يف مسألة الرقابة على السلطة‪ ،‬كيف ‪٦‬تارسة‬
‫حرية الرأم كيف توعية الشعوب كتثقيفها كتأطَتها كتفعيل دكرها السياسي بطريقة سلمية‪ ،‬كتكوف‬
‫كسيطا بُت الشعب كالسلطة‪.‬‬

‫(ُ) اؿ عمراف‪َُْ ،‬‬


‫(ِ) هود‪َُٕ ،‬‬
‫(ّ)العلواين‪ ،‬طه جابر‪ :‬أدب االختبلؼ يف االسبلـ‪.ٖٕ،َُُ :‬‬

‫‪215‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كذهب اُف القوؿ ّٔذا الرأم عدد كبَت من ا‪١‬تفكرين مثل توفيق الشاكم(ُ)‪ ،‬كأ‪ٛ‬تد شليب‬
‫(ِ)‪ ،،‬كقحطاف الدكرم(ّ)‪ ،‬ك‪٤‬تمد سليم العوا(ْ)‪ ،‬ك‪٤‬تمد فتحي عثماف(ٓ)‪،‬ك فهمي شناكم(ٔ)‪،‬‬
‫(ٔ)‪.‬‬
‫ك من ا‪١‬تبلحظ بعد الوقوؼ على كجهة نظر الفريقُت يتضح ّتبلء صوابية رأم من ذهب‬
‫اُف جواز التعددية ا‪ٟ‬تزبية يف النظاـ السياسي االسبلمي ٖتت مظلة الدستور كيف اطار القانوف‬
‫الذم ينظم غاياهتا كأهدافها كأنشطتها‪ ،‬ألهنا أصبحت الوسيلة الفضلى يف ٕتميع الناس على‬
‫الربامج السياسية اليت هتدؼ اُف ادارة شؤكف الدكلة‪ ،‬بدال من أف ‪٬‬تتمع الناس على عصبيات‬
‫نسبية‪ ،‬أك انتماءات جهوية أك اختبلفات عرقية‪.‬‬
‫ك ‪٦‬تا ‪٬‬تدر با‪١‬تبلحظة يف هذا السياؽ أف كثَتا من الدكؿ ا‪١‬تتقدمة يف العصر ا‪ٟ‬تاضر اليت‬
‫تعتمد مبدأ ا‪ٟ‬تزبية يف نظامها السياسي ال تعاين من الفرقة كالشرذمة‪ ،‬كَف تؤدم األحزاب اُف‬
‫ضعفها كتشتيت مشلها‪ ،‬بل ‪٧‬تدها تشكل عماد العمل السياسي ا‪١‬تنظم فيها‪ ،‬كقد ‪٧‬تحت يف‬
‫تطوير التجربة ا‪ٟ‬تزبية لتصبح عامبل من عوامل االستقرار كاالزدهار السياسي‪ ،‬كمن هنا ٯتكن‬
‫القوؿ أف الفقه االسبلمي ال ٯتنع قياـ األحزاب السياسية ذات الربامج السياسية ا‪١‬تختلفة اليت‬
‫تنبثق من دستور الدكلة كأنظمتها التشريعية‪.‬‬

‫(ُ)الشاكم‪ ،‬توفيق فقه الشورل ك االستشارة‪ ،‬ص ّْٗ‪.‬‬


‫(ِ)شليب‪ ،‬أ‪ٛ‬تد‪ :‬السياسة يف الفكر االسبلمي‪ ،‬ص ََُ‪.‬‬
‫(ّ)الدكرم‪ ،‬قحطاف‪ :‬الشورل بُت النظرية ك التطبيق‪ ،‬ص ُِٕ‪.‬‬
‫(ْ)العوا‪٤ ،‬تمد سليم‪ :‬النظاـ السياسي للدكلة االسبلمية‪ ،‬ص ٕٔ‪.‬‬
‫(ٓ)عثماف‪٤ ،‬تمد فتحي‪ :‬أصوؿ الفكر السياسي االسبلمي‪ ،‬ص َِٔ‪.‬‬
‫(ٔ)شناكم‪ ،‬فهمي‪٨ :‬تو اسبلـ سياسي‪ ،‬ص ُِ‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الٕسد‪ ٚ‬الشابع‪ٛ‬‬

‫اإلسالً ٔالعالقات الدٔلٗ‪ٛ‬‬

‫إعداد‬
‫د‪.‬حممد أبوليل‬

‫‪217‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الوحدة الصابعة‬
‫اإلشالم والعالقات الدولية‬
‫متّٗد‬
‫يسمى هذ العلم يف لغة القانونيُت بالقانوف الدكِف العاـ‪ ،‬كالقانوف الدكِف هو ‪٣‬تموعة‬
‫القواعد القانونية اليت ٖتدد حقوؽ األشخاص الدكلية من دكؿ كمنظمات كتعُت التزاماهتا‪ ،‬كتنظم‬
‫العبلقات ا‪١‬تتبادلة بُت هذ الوحدات أثناء ا‪ٟ‬ترب كالسلم(ُ)‪.‬‬
‫كيطلق على هذا العلم يف الًتاث الفقهي اإلسبلمي علم السَت‪ ،‬كالسَت‪ٚ :‬تيع سَتة‪ ،‬كهي‬
‫السنة كالطريقة‪ ،‬كيقصد ّٔا عند الفقهاء سَتة الرسوؿ صلٌى ا﵁ عليه كسلم يف غزكاته‪ ،‬كذلك‬
‫يشمل البحث يف حقيقة ا‪ٞ‬تهاد كا‪١‬تكلفُت بالقتاؿ ككاجبات ا‪١‬تسلمُت قبل بدء ا‪١‬تعركة كيف أثنائها‬
‫كبعد انتهائها‪ ،‬كحكم ا‪١‬تعاهدات من أماف كهدنة كعقد ذمة‪ ،‬كحكم األنفاؿ كالغنائم ككيفية‬
‫تقسيم ‪ٜ‬تس الغنيمة‪ ،‬كحكم أمواؿ ا‪١‬تسلمُت اليت استوُف عليها األعداء‪ ،‬كحكم األسرل‪ ،‬كحكم‬
‫(ِ)‬
‫ا‪١‬ترتدين‪...‬‬
‫السَت الكبَت» لئلماـ ‪٤‬تمد بن ا‪ٟ‬تسن الشٍَّيبىاين ا‪١‬تتوىف سنة ُٖٗ هػ ػ هو‬
‫كقد كاف كتاب « ّْ‬
‫أكؿ من أفرد للعبلقات الدكلية كتابان مستقبلن يوضح فيه أحكاـ العبلقة بُت الدكلة اإلسبلمية‬
‫كغَتها من الدكؿ حيث صدر هذا الكتاب يف عهد هاركف الرشيد‪ ،‬كالذم اعتربته ‪ٚ‬تعية القانوف‬
‫الدكِف فيما بعد أكؿ رائد للقانوف الدكِف يف العاَف ؛ ‪١‬تا جاء يف كتابه ا‪١‬تذكور من توضيح للسياسة‬
‫ا‪٠‬تارجية للدكلة اإلسبلمية كالقانوف الدكِف يف اإلسبلـ‪،‬كتقديرا ‪ٞ‬تهود أنشئت ‪ٚ‬تعية با‪ٝ‬ته كهي‬
‫‪ٚ‬تعية ‪٤‬تمد بن ا‪ٟ‬تسن الشيباين الدكلية‪.‬‬

‫(ُ) القانوف الدكِف العاـ‪٤ ،‬تمد سامي عبد ا‪ٟ‬تميد‪ ،‬صّ‪ -‬عبد العزيز سرحاف‪ ،‬فقه القانوف الدكِف‪ -‬دراسة يف‬
‫الفقه كالتشريع كالقضاء ‪-‬صٖٕ‪.‬‬
‫(ِ) كهبة الزحيلي‪ ،‬الفقه اإلسبلمي كأدلته ٖ‪ُ/‬‬

‫‪218‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كما إف مؤلفات علماء ا‪١‬تسلمُت الكثَتة جاءت كأثرت هذا ا‪ٞ‬تانب‪ ،‬فكانت الشريعة‬
‫اإلسبلمية سباقة يف بياف القواعد كالنظم ا‪ٟ‬تاكمة للعبلقات بُت األمم كالشعوب كالدكؿ يف حالة‬
‫السلم كيف حالة ا‪ٟ‬ترب‪،‬‬
‫يف حُت ‪٧‬تد أف القانوف الدكِف ا‪١‬تعاصر بدأت تظهر مبل‪٤‬تة يف فًتات متأخرة كمعاهػدة‬
‫كستفاليا عاـ ُْٖٔـ‪ ،‬أك مؤ٘تر فيينا سنة ُُٖٓـ‪،‬كمعاهػدة باريس سنة ُٖٔٓـ‪ ،‬أك مؤ٘تر‬
‫الهام سنة َُٕٗـ الذم انتهى إُف قواعػد دكليػة ٖتسم ا‪١‬تنازعات بالطرؽ الودية‪ ،‬كمن مث مت‬
‫إنشاء ‪٤‬تكمة ٖتكيم دكليػة‪ ،‬كغَت ذلك من اإلجراءات ا‪١‬تنظمة للعبلقات بُت الدكؿ كالشعوب‪.‬‬
‫كيذكر هنا بأف أكؿ كتاب غريب ألف فػي القانػوف الػدكِف كاف من قبل الكػاتب ا‪٢‬تولنػدم‬
‫(غركمشيوس) باسم (قانوف ا‪ٟ‬ترب كالسلم) سنة ُِٓٔـ أم بعد أكثر من ‪ٙ‬تانية قركف من ظهور‬
‫كتاب الشيباين(ُ)‪.‬‬

‫ٌظأ‪ ٚ‬الكإٌُ الدٔل٘ يف اإلسالً ٔالٍعي املعاصس‪ٚ‬‬


‫‪٦‬تا ال شك فيه أف العبلقات بُت الدكؿ قد تتصادـ كتتعارض يف كثَت من األحياف‪ ،‬فكاف‬
‫ال بد من كجود قواعد بُت هذ الدكؿ تنظم العبلقات فيما بينها‪ ،‬سواء كاف ذلك يف فًتة السلم‬
‫أك أثناء ا‪ٟ‬ترب كالقتاؿ‪ ،‬كقدٯتا كانت ا‪ٟ‬تركب هي الوسيلة ا‪١‬تثلى ‪ٟ‬تل ا‪١‬تشاكل بُت الدكؿ‪ ،‬حيث‬
‫تكوف الكلمة لؤلقول‪ ،‬كَف تستخدـ الوسائل السلمية بشكل فعاؿ كظاهر يف العبلقات الدكلية إال‬
‫يف أكاخر القرف التاسع عشر بعد مؤ٘تر الهام ُٖٗٗـ‪ ،‬حيث أقرت بعض دكؿ العاَف قواعد‬
‫كأحكامان لفض ا‪١‬تنازعات الدكلية بالطرؽ السلمية‪ ،‬كازدادت هذ األحكاـ عقب قياـ عصبة األمم‬
‫بعد انتهاء ا‪ٟ‬ترب العا‪١‬تية األكُف‪ ،‬كانتهاء بظهور ميثاؽ األمم ا‪١‬تتحدة بعد ا‪ٟ‬ترب العا‪١‬تية الثانية‪،‬‬
‫كما ظهرت يف هذ ا‪١‬ترحلة األحكاـ ا‪١‬تتعلقة با‪ٟ‬تركب كاألسرل كا‪١‬تدنيُت كا‪ٟ‬تقوؽ كالواجبات‬
‫ا‪١‬تتعلقة بالدكؿ أثناء ا‪ٟ‬تركب‪.‬‬

‫(ُ) النظاـ السياسي يف اإلسبلـ‪،‬عبد العزيز عزت ا‪٠‬تياط‪ ،‬ص ِٖٓ ‪ -‬كانظر العبلقات الدكلية يف كقت ا‪ٟ‬ترب‬
‫يف الفكر اإلسبلمي‪ ،‬فائز اللهييب‪ -‬صِ‬

‫‪219‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫يف حُت لو نظرنا إُف القانوف الدكِف اإلسبلمي فسنجد أف أحكامه قد ذكرت بشكل‬
‫كاضح يف كتاب ا﵁ عز كجل‪ ،‬كيف سَتة النيب صلى ا﵁ عليه كسلم‪،‬كظهرت جلية يف فتوحات‬
‫ا‪١‬تسلمُت كيف حركّٔم كيف عبلقاهتم مع غَتهم‪ ،‬كهذا إف دؿ على شيء فيدؿ على أف الشريعة‬
‫جاءت ٔتبادئ التكامل اإلنساين لتوطيد دعائم العبلقات بُت البشر على هذ األرض‪.‬‬
‫كنستعرض فيما يلي أبرز ا﵀طات كا‪١‬تبلمح للعبلقات ا‪٠‬تارجية للدكلة اإلسبلمية مع غَتها‬
‫من الدكؿ‪ ،‬فمنذ عهد النيب صلى ا﵁ عليه كسلم كخاصة بعد أف فرغ النيب صلى ا﵁ عليه كسلم‬
‫من أمر صلح ا‪ٟ‬تديبية أخذ يعمل على نشر دعوة اإلسبلـ من خبلؿ إيفادالسفراء من الصحابة‬
‫إُف ا‪١‬تلوؾ كاألباطرة يدعوهم فيها بدعوة اإلسبلـ‪.‬‬
‫ككاف اختيار النيب صلى ا﵁ عليه كسلم لسفرائه قائما على مواصفات رباهم عليها‪ ،‬فكانوا‬
‫يتحلوف بالعلم كالفصاحة‪ ،‬كالصرب كالشجاعة‪ ،‬كا‪ٟ‬تكمة كحسن التصرؼ‪ ،‬كحسن ا‪١‬تظهر‪.‬‬
‫فاختار النيب صلى ا﵁ عليه كسلم دحية الكليب‪ ،‬كأرسله إُف هرقل عظيم الركـ‪ ،‬يقوؿ ابن‬
‫حجر يف اإلصابة عن دحية‪" :‬كاف ييضرب به ا‪١‬تثل يف حسن الصورة (ُ)"‪ .‬ككاف دحية ػ مع حسن‬
‫مظهر ػ فارسان ماهران‪ ،‬كعليمان بالركـ كأحوا‪٢‬تم‪.‬‬
‫كأرسل النيب ػ صلى ا﵁ عليه كسلم ػ عبد ا﵁ بن حذافة إُف كسرل عظيم الفرس‪ ،‬ككاف له‬
‫دراية ّٔم كلغتهم‪ ،‬ككاف ابن حذافة مضرب األمثاؿ يف الشجاعة كرباطة ا‪ٞ‬تأش‪.‬‬
‫كأرسل ػ صلى ا﵁ عليه كسلم ػ إُف ا‪١‬تقوقس ملك مصر حاطب بن أيب بلتعة‪ ،‬كقد قاؿ فيه‬
‫(ِ)‬
‫"‪ ،‬ككاف له علم‬ ‫ابن حجر يف اإلصابة‪ ":‬كاف أحد فرساف قريش كشعرائها يف ا‪ٞ‬تاهلية‬
‫بالنصرانية‪ ،‬كمقدرة على ا﵀اكرة‪.‬‬
‫كمن خبلؿ هذ الرسائل أظهر الرسوؿ ‪ -‬صلى ا﵁ عليه كسلم – دراية كحكمة يف‬
‫سياسته ا‪٠‬تارجية‪ ،‬كأصبحت مثاالن ‪١‬تن جاء بعد من ا‪٠‬تلفاء‪.‬‬

‫(ُ) اإلصابة –ابن حجر العسقبلين ّ‪ّْٓ/‬‬


‫(ِ)اإلصابة –ابن حجر العسقبلين ّ‪ٓ/‬‬

‫‪211‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كمن حكمة النيب ػ صلى ا﵁ عليه كسلم ػ يف هذ الرسائل‪ :‬أخذ بوسائل عصر ا‪١‬تتاحة‬
‫للدعوة‪ ،‬فقد اٗتذ خا٘تا كتب عليه ‪٤‬تمد رسوؿ ا﵁‪ٗ ،‬تتم به الرسائل‪ ،‬كقبًل ػ صلى ا﵁ عليه كسلم‬
‫ػ ا‪٢‬تدايا من ا‪١‬تلوؾ‪ ،‬كتعامل بأعرافهم‪.‬‬
‫فقد كاف من حكمته‪ ،‬صلى ا﵁ عليه كسلم ػ اعتماد لغة آّاملة يف ‪٥‬تاطبة ا‪١‬تلوؾ‬
‫(ُ)‬
‫كاألمراء‪ ،‬كقد ظهر ذلك يف رسالته إُف هرقل عظيم الركـ‪ ،‬كٔتثلها خاطب كسرل كسائر ا‪١‬تلوؾ‪.‬‬
‫كقد جاء يف كتابه صلى ا﵁ عليه كسلم إُف قيصر الركـ‪( :‬بسم ا﵁ الر‪ٛ‬تن الرحيم‪ ،‬من‬
‫‪٤‬تمد رسوؿ ا﵁ إُف هرقل عظيم الركـ‪ ،‬سبلـ على من اتبع ا‪٢‬تدل‪ ،‬أما بعد‪ ،‬فإين أدعوؾ بدعاية‬
‫(ِ)‬
‫اإلسبلـ‪ ،‬أسلم تسلم‪....‬‬
‫كيتبُت لنا بأف ما جرل يف زمن النيب صلى ا﵁ عليه كسلم يشبه ا‪١‬تراسبلت الدبلوماسية يف‬
‫زماننا هذا إال أف هذ ا‪١‬تراسبلت كانت تقوـ على أساس الدعوة إُف ا﵁ كتبليغ الرسالة بالدرجة‬
‫األكُف‪.‬‬
‫كيف زمن ا‪٠‬تلفاء الراشدين توسعت هذ العبلقات كا‪١‬تراسبلت السلمية كا‪ٟ‬تربية‪ ،‬فقد جرت‬
‫مكاتبات عدة بُت عمر – رضي ا﵁ عنه‪ -‬كهرقل‪ ،‬ككانت تًتدد بينهما الرسل‪ ،‬حىت إف أـ كلثوـ‬
‫بنت علي زكجة عمر – رضي ا﵁ عنه بعثت إُف ملكة الركـ بطيب كمشارب‪ ،‬فجاءت امرأة هرقل‬
‫ك‪ٚ‬تعت نساءها كقالت‪ :‬هذ هدية امرأة ملك العرب كبنت نبيهم‪ .‬ككاتبتها ككافأهتا كأهدت‬
‫(ّ)‬
‫‪٢‬تا‪،‬‬
‫كيف عهد الدكلة األموية زاد اتساع الدكلة اإلسبلمية‪ ،‬كقامت عبلقات كمعاهدات‬
‫كمكاتبات بُت الدكلة األموية كملوؾ ذلك الزماف‪ ،‬كقد ذكر ا‪١‬تؤرخوف العديد من ا‪١‬تراسبلت اليت‬
‫كانت ٖتصل بُت الدكلة األموية كملوؾ القسطنطينية‪.‬‬

‫(ُ)انظر رسائل النيب صلى ا﵁ عليه كسلم إُف ا‪١‬تلوؾ كاألمراء موقع اإلسبلـ كيب بتاريخ ِٗ‪ََُِ/ٖ/‬‬
‫(ِ)سنن البيهقي الكربل ٗ‪ُٕٕ/‬‬
‫(ّ)تاريخ الطربم ِ‪َُٔ/‬‬

‫‪211‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كبلغت هذ العبلقات أكجها يف عصر الدكلة اإلسبلمية كخصوصان يف زمن هاركف الرشيد‪،‬‬
‫حيث دفع مل ك الركـ ا‪ٞ‬تزية كأكفد القناصل إُف بغداد تقربا من ا‪٠‬تليفة كرغبة منه يف توثيق الصلة‬
‫مع ا‪٠‬تبلفة العباسية‪.‬‬
‫كقد كانت عبلقة هاركف الرشيد مع شارماف ملك ا‪ٞ‬ترماف بارزة كظاهرة حيث تبادال‬
‫السفراء كا‪٢‬تدايا‪.‬‬
‫كيف زمن ا‪ٟ‬تركب الصليبية كانت ريتشاد قلب األسد قد اقًتح على صبلح الدين ‪ -‬ر‪ٛ‬ته‬
‫ا﵁ ‪ -‬الصلح بشركط غَت عادلة ساكمه فيها على ببلد ا‪١‬تسلمُت فرفض صبلح الدين تلك‬
‫ا‪١‬تقًتحات حىت حرر فلسطُت كلها من ظلم الصليبيُت‪.‬‬
‫كَف تقتصر العبلقات على ا‪ٞ‬تانب السياسي فقط بل امتدت إُف ا‪ٞ‬توانب األخرل‬
‫كالعبلقات الثقافية بُت علماء قرطبة كبغداد كالقسطنطينية رغم ا‪٠‬تبلفات السياسية اليت كانت‬
‫موجودة يف ذلك الوقت‪.‬‬
‫كما إف العبلقات التجارية دفعت العديد من ا‪١‬تسلمُت إُف ‪٦‬تارسة التجارة كالتبادؿ‬
‫االقتصادم مع شعوب الدكؿ األخرل(ُ)‪.‬‬

‫أِداف العالقات الدٔلٗ‪ ٛ‬يف اإلسالً‪:‬‬


‫ٯتكن بياف أهداؼ العبلقات الدكلية يف اإلسبلـ من خبلؿ تقسيم هذ األهداؼ إُف‬
‫أهداؼ عامة مشًتكة بُت الدكؿ كأهداؼ خاصة بالدكلة اإلسبلمية نذكرها على النحو التاِف‪:‬‬

‫أٔالً‪ :‬أِداف عاو‪ ٛ‬وظرتن‪ٛ‬‬


‫ُ‪ٛ-‬تاية الدكلة‪ :‬كهو ما يعرؼ يف كاقعنا ا‪١‬تعاصر باألمن القومي‪ ،‬كذلك من خبلؿ تدعيم‬
‫سيادة الدكلة على أراضيها‪ ،‬كا﵀افظة على حدكدها كإقامة عبلقات عسكرية كاقتصادية كٕتارية‬
‫كغَت ذلك ‪٦‬تا يسهم يف ٖتقيق هذا ا‪١‬تعٌت‬

‫(ُ)انظر‪ :‬أحكاـ القانوف الدكِف يف الشريعة اإلسبلمية‪ -‬حامد سلطاف‪ -‬ص ُٔٗ‬

‫‪212‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ِ‪ٖ -‬تقيق التكامل كتوفَت ا‪١‬توارد كتعويض النقص كذلك من خبلؿ كجود عبلقات‬
‫خارجية‪ ،‬تتبادؿ ّٔا الدكلة ا‪١‬تنافع مع الدكؿ األخرل‪.‬‬
‫ّ‪ -‬تعزيز السبلـ العا‪١‬تي‪ :‬من خبلؿ تسوية ا‪٠‬تبلفات بُت الدكؿ‪ ،‬كتوفَت آلية ‪ٟ‬تل‬
‫ا‪٠‬تبلفات بينها؛ حفظا لؤلمن كالسبلـ العا‪١‬تيُت‪ ،‬كيف كاقعنا ا‪١‬تعيش تقوـ منظمة األمم ا‪١‬تتحدة‬
‫كركافدها ّٔذا الدكر‪ ،‬كهذا ال يتعارض ْتاؿ مع ا‪١‬تنهج اإلسبلمي‪.‬‬

‫ثاًٌٗا‪ :‬أِداف خاص‪ ٛ‬بالدٔل‪ ٛ‬اإلسالوٗ‪ٛ‬‬


‫ُ‪ -‬نشر الدعوة اإلسبلمية‪ :‬فالدكلة اإلسبلمية هي دكلة دعوة‪ٖ ،‬تمل رسالة اإلسبلـ‬
‫كتدعو إليها‪ ،‬فاألصل يف الدكلة ا‪١‬تسلمة أف تستثمر عبلقاهتا مع الدكؿ األخرل يف نشر رسالة‬
‫اإلسبلـ كأف تبلغ الدعوة اإلسبلمية بكافة الوسائل ا‪١‬تمكنة كا‪١‬تتاحة‪.‬‬
‫ِ‪ٛ -‬تاية األقليٌات ا‪١‬تسلمة‪:‬ففي النظاـ اإلسبلمي ال تقف ا‪ٟ‬تدكد حاجزا بُت الدكلة‬
‫ً‬
‫نصيركيك ٍم ًيف الدّْي ًن فىػ ىعلىٍي يك يم الن ٍ‬
‫َّصير‬ ‫ا‪١‬تسلمة كا‪١‬تسلمُت يف بقاع األرض يقوؿ تعاُف‪ " :‬ىكإًف ٍ‬
‫استى ى‬
‫"(األنفاؿِٕ)‪،‬فمهمة الدكلة اإلسبلمية تقتضي حفظ حقوؽ األقليات ا‪١‬تسلمة دكف النظر إُف‬
‫أصو‪٢‬تا العرقية أك العنصرية أك حىت أماكن تواجدها‪.‬‬
‫ّ‪-‬درء األخطار ا﵀دقة باألمة اإلسبلمية‪ :‬كهذا يكوف من خبلؿ التكامل بُت الدكؿ‬
‫اإلسبلمية كمن خبلؿ العمل البناء كا‪١‬تشًتؾ بُت الدكؿ اإلسبلمية ‪١‬تواجهة ا‪١‬تخططات اليت هتدؼ‬
‫للنيل من األمة اإلسبلمية ككجودها كمستقبلها(ُ)‪.‬‬

‫‪-‬املبادئ العاو‪ ٛ‬لمعالقات الدٔلٗ‪ ٛ‬يف اإلسالً‬


‫إف مبادئ كركائز العبلقات الدكلية من منظور الشريعة اإلسبلمية تقوـ بشكل أساسي‬
‫على مصادر الفقه اإلسبلمي كبالتاِف فهي تتعامل مع الواقع من منطلقات شرعية ربانية ال من‬

‫(ُ)انظر العبلقات الدكلية رؤية إسبلمية – عصاـ البشَت ‪ -‬موقع قصة اإلسبلـ بتاريخ ُّ‪َُِّ/ِ/‬‬

‫‪213‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫منطلقات ا‪١‬تصلحة كا‪٢‬تول‪ ،‬كسنجمل فيما يلي أبرز ا‪١‬تبادئ العليا اليت تقوـ عليها العبلقات‬
‫الدكلية يف اإلسبلـ‪:‬‬

‫‪-1‬التعأُ ٔالتعاٖع اإلٌشاٌ٘‬


‫اإلسبلـ رسالة للبشرية ‪ٚ‬تعاء‪ ،‬كيظهر ذلك من خبلؿ قدرة النظاـ اإلسبلمي على‬
‫التعايش مع كل ا‪ٞ‬تماعات البشرية ا‪١‬تسا‪١‬تة؛ دكف النظر إُف االختبلفات بينهم من دين كلوف كعرؽ‬
‫كأصل‪.‬‬
‫كإٯتاف النظاـ السياسي اإلسبلمي بضركرة التعاكف اإلنساين تنطلق من خبلؿ نظرته إُف‬

‫{كلى ىق ٍد ىكَّرٍمنىا بىًٍت ى‬


‫آد ىـ‬ ‫‪ٞ‬تميع البشر‪ ،‬يقوؿ عز كجل ى‬ ‫كحدة األصل اإلنساين كالكرامة اآلدمية‬
‫ض ٍلنىاهم علىى ىكثً وَت ً‪٦‬تَّن خلى ٍقنىا تىػ ٍف ً‬ ‫ً‬ ‫اه ٍم ًم ىن‬
‫ض نيبل}‬ ‫ٍ ى‬ ‫الطَّيّْبىات ىكفى َّ ي ٍ ى‬ ‫اه ٍم ًيف الٍبىػّْر ىكالٍبى ٍح ًر ىكىرىزقٍػنى ي‬
‫ىك ى‪ٛ‬تىٍلنى ي‬
‫[اإلسراء‪.]َٕ :‬كما أف النصوص الشرعية جاءت ٖتض على التواصل كالتعارؼ بُت البشر‪ ،‬يقوؿ‬
‫َّاس إًنَّا ىخلى ٍقنىا يك ٍم ًم ٍن ذى ىك ور ىكأينٍػثىى ىك ىج ىعلٍنىا يك ٍم يش يعوبنا ىكقىػبىائً ىل لًتىػ ىع ىارفيوا إً َّف أى ٍكىرىم يك ٍم‬
‫تعاُف {يىا أىيػُّ ىها الن ي‬
‫يم ىخبًَته}(ُ)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬
‫عٍن ىد اللَّه أىتٍػ ىقا يك ٍم إ َّف اللَّهى ىعل ه‬
‫كهذ اآلية الكرٯتة تؤكد قضيتُت هامتُت يف اإلطار ا‪ٟ‬تضارم اإلنساين‪:‬‬
‫األكُف‪ :‬أف ا﵁ تعاُف‪ ،‬قد خلق الناس شعوبان كقبائل لكي يتعارفوا‪ ،‬كليس لكي يتخاصموا‪،‬‬
‫كهكذا فإف ا‪ٟ‬تضارة اإلسبلمية يف ‪٤‬تكم اآليات القرآنية تدعو إُف ا‪ٟ‬توار ا‪ٟ‬تضارم كليس إُف‬
‫الصراع ا‪ٟ‬تضارم‪ ،‬كتؤكد أف اإلسبلـ يعًتؼ بالشعوب األخرل كعقائدها كحضاراهتا‪.‬‬
‫كالثانية‪ :‬أف ا﵁ تعاُف يؤكد أف أكرـ الناس عند ا﵁ هو أتقاهم كليس أبيضهم أك أسودهم‬
‫أك أغناهم أك أشرفهم نسبان‪٦ ،‬تا يربز بوضوح الفهم اإلنساين العميق لدل ا‪ٟ‬تضارة اإلسبلمية‬
‫‪ٟ‬تقائق الوجود البشرم‪.‬‬

‫(ُ) ا‪ٟ‬تجرات‪ُّ :‬‬

‫‪214‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫فلقد انطلقت اسًتاتيجية التعامل ا‪ٟ‬تضارم يف التاريخ اإلسبلمي من هذا ا‪١‬تفهوـ‪ ،‬فلم‬
‫يقم ا‪١‬تسلموف بإجبار اآلخرين على تغيَت معتقدهم‪ ،‬كال يذكر التاريخ أف فًتة أك حاكمان أك مرحلة‬
‫من مراحل التاريخ اإلسبلمي شهدت عمليات إرهاب ديٍت أك قمع مذهيب‪ .‬كيؤكد هذا كجود‬
‫عدد من األدياف كالطوائف كا‪١‬تذاهب ٘تتعت ْترياهتا خبلؿ ا‪١‬تراحل ا‪١‬تختلفة ‪ٟ‬تكم اإلسبلـ عرب‬
‫(ُ)‬
‫أربعة عشر قرنا‪.‬‬
‫كقد طبق هذا ا‪١‬تبدأ منذ نشأة الدكلة اإلسبلمية يف زمن النيب‪ -‬صلى ا﵁ عليه كسلم‪ -‬يف‬
‫ا‪١‬تدينة ا‪١‬تنورة‪ ،‬فقد عقد ‪ -‬صلى ا﵁ عليه كسلم‪ -‬معاهدات حسن ا‪ٞ‬توار كالتعاكف مع قبائل‬
‫اليهود اليت كانت تسكن حوؿ ا‪١‬تدينة‪ ،‬كما عقد النيب – صلى ا﵁ عليه كسلم‪ -‬معاهدة صلح‬
‫ا‪ٟ‬تديبية‪ ،‬كاليت ظهر فيها جليا النزكع إُف التسامح كالتعايش كٖتالف بعدها مع خزاعة كَف تكن قد‬
‫أسلمت بعد‪ ،‬كما أف النيب – صلى ا﵁ عليه كسلم‪ -‬قاـ ٔتراسلة القبائل كا‪١‬تلوؾ كالدكؿ آّاكرة‬
‫ككاف هذا ٔتثابة إعبلف حسن جوار كتأسيسان إلقامة عبلقات سلمية مع هذ الدكؿ‪.‬‬

‫طبّات ٔزدٔد‬
‫كيف صدد حديثنا عن التعاكف كالتعايش اإلنساين تربز يف كقتنا ا‪ٟ‬تاضر شبهتاف‪:‬‬

‫الظبّ‪ ٛ‬األٔىل‪ :‬تعازض ِرا املبدأ وع عكٗد‪ ٚ‬الٕال‪ٔ ٞ‬الربا‪ٞ‬‬


‫كا‪١‬تقصود بعقيدة الوالء كالرباء هو أف ٭تب ا‪١‬تسلم ا﵁ كرسوله كا‪١‬تؤمنُت ا‪١‬توحدين كنصرهتم‪.‬‬
‫كأف يبغض من خالف ا﵁ كرسوله من الكافرين كا‪١‬تشركُت كا‪١‬تنافقُت كالفساؽ‪،‬كقد أشرنا فيما سبق‬
‫أف الشريعة اإلسبلمية ال ٘تانع يف التواصل مع غَت ا‪١‬تسلمُت كمودهتم‪ ،‬إال أف العديد من اآليات‬
‫ت‬ ‫ً‬ ‫َّ َّ ً‬ ‫ً‬
‫َّم ٍ‬
‫س ىما قىد ى‬
‫ين ىك ىفيركاٍ لىبٍئ ى‬
‫"ترل ىكثَتان ّْمٍنػ يه ٍم يػىتىػ ىول ٍو ىف الذ ى‬
‫جاءت تنهى عن هذا األمر‪ ،‬كقوله تعاُف‪ :‬ى‬

‫جريدة الوطن‬ ‫(ُ ) انظر مقاؿ‪ :‬البعد اإلنساين ‪ٟ‬تسن العبلقات الدكلية يف اإلسبلـ‪ ،‬مرمي آيت أ‪ٛ‬تد‬
‫ُٓ‪َُِْ/ِ/‬‬

‫‪215‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ط اللٌهي ىعلىٍي ًهم كًيف الٍع ىذ ً‬ ‫ى‪٢‬تي ٍم أىن يف يس يه ٍم أىف ىس ًخ ى‬
‫اب يه ٍم ىخال يدك ىف (َٖ) ىكلى ٍو ىكانيوا يػي ٍؤمنيو ىف بًاللَّه ىكالنً ّْ‬
‫َّيب‬ ‫ٍى ى‬
‫(ُ)‬ ‫كما أين ًزىؿ إًلىي ًه ما َّاٗت يذكهم أىكلًياء كلى ًك َّن ىكثًَتا ّْمٍنػهم فى ً‬
‫اس يقو ىف"‬ ‫ن يٍ‬ ‫ٍ ى ى يٍ ٍى ىى‬ ‫ىى‬
‫س‬ ‫ً‬ ‫َّخ ًذ الٍمؤًمنيو ىف الٍ ىكافً ًر ً ً ً ً ً‬ ‫كقوله تعاُف‪" :‬ال يػت ً‬
‫ك فىػلىٍي ى‬‫ُت ىكىم ٍن يػى ٍف ىع ٍل ذىل ى‬
‫ين أ ٍىكليىاءى م ٍن يدكف الٍ يم ٍؤمن ى‬ ‫ى‬ ‫يٍ‬ ‫ى‬
‫ص يَت ﴾(ِ)‪.‬‬ ‫ًمن اللَّ ًه ًيف ىشي وء إًَّال أى ٍف تىػتَّػ يقوا ًمٍنػهم تػي ىقاةن كي٭ت ّْذريكم اللَّه نػى ٍفسه كإً ىُف اللَّ ًه الٍم ً‬
‫ى‬ ‫ى ى ي ي ي ىي ى‬ ‫يٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ى‬
‫فكيف ٯتكن التوفيق بُت األمرين؟‬
‫كاإلجابة على ذلك تكوف ببياف أف ا‪١‬تواالة ا﵀رمة لغَت ا‪١‬تسلمُت هي ا‪١‬تواالة ‪١‬تن أظهركا‬
‫للمسلمُت العداء كالبغضاء كشكلوا خطرا على اإلسبلـ كا‪١‬تسلمُت‪ ،‬فكاف كاجبا على ا‪١‬تسلمُت‬
‫مقاطعتهم ك‪٤‬تاربتهم كا‪ٟ‬تذر منهم‪.‬‬
‫كما نشَت إُف معٌت مهم آخر كهو أف ا‪١‬تواالة ال تعٍت الرضى بعقائدهم ك‪٣‬تاملتهم يف‬
‫أمور دينهم على حساب العقيدة‪ ،‬إذ إف بغض عقائدهم كأعما‪٢‬تم الزـ من لوازـ اإلٯتاف‪ ،‬أما‬

‫آّاملة كا‪١‬تعاملة ا‪ٟ‬تسنة فهي شكل من أشكاؿ الدعوة إُف ا﵁ سبحانه كتعاُف إذ قاؿ‪ٍ ﴿ " :‬ادعي‬
‫ً‬ ‫ا‪ٟ‬تًكٍم ًة كالٍمو ًعظىًة ٍ ً ً‬
‫ا‪ٟ‬تى ىسنىة ىك ىجاد ٍ‪٢‬تي ٍم بًالًَّيت ه ىي أ ٍ‬
‫ىح ىس ين﴾(ّ)‪.‬‬ ‫إً ىُف سبً ًيل ربّْ ى ً‬
‫ك ب ٍ ى ى ىٍ‬ ‫ى ى‬
‫كما أف هناؾ مظاهر ‪٤‬ترمة للمواالة ال تتعارض مع ما ذكرنا من تعايش كتعاكف معهم‪،‬‬
‫فمن ا‪١‬تواالة ا﵀رمة للكفار التشبه ّٔم لقوله ‪-‬صلى ا﵁ عليه كسلم‪" -‬من تشبه بقوـ فهو‬
‫منهم(ْ)" كالتشبه ا﵀رـ فيما هو التشبه ٔتا تعلق بعقائدهم كدينهم أك خصائصهم كعاداهتم اليت‬
‫تتناىف مع قيم اإلسبلـ كمبادئه‪.‬‬
‫كذلك فإف من ا‪١‬تواالة ا﵀رمة إعانتهم كمناصرهتم على ا‪١‬تسلمُت كتقدٯتهم يف ا‪١‬تناصب‬
‫على غَت ا‪١‬تسلمُت يف غَت ضركرة‪.‬‬

‫(ُ) ا‪١‬تائدة َٖ‪ُٖ/‬‬


‫(ِ) سورة آؿ عمراف‪ِٖ :‬‬
‫(ّ) النحل ُِٓ‬
‫(ْ)سنن أيب داكد رقم ا‪ٟ‬تديث (َُّْ)‬

‫‪216‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الظبّ‪ ٛ‬الجاٌٗ‪ :ٛ‬دعٕ‪ ٝ‬اٌتظاز اإلسالً بالشٗف‬


‫كقد أثار هذ الشبهة أعداء الدين كأربكت بعض ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬فيدعوف أف اإلسبلـ َف يكن‬
‫يوما دين تعايش مع اآلخر‪ ،‬كَف يسلك طريقه إُف قلوب أتباعه إال بالقهر كاإلكرا ‪ ،‬كأف الفتوحات‬
‫اإلسبلمية كانت قائمة على إكرا أهل الببلد على قبوؿ اإلسبلـ كترؾ دينهم‪.‬‬
‫كا‪١‬تتتبع لتاريخ الدكلة اإلسبلمية ‪٬‬تد أف هذ الفكرة هي فكرة باطلة عارية عن الصحة‪،‬‬
‫فاإلسبلـ بادئ ذم بدء َف يقم إال على الدعوة با‪ٟ‬تسٌت كالصرب على ا‪١‬تشركُت كأذاهم‪ ،‬كما أف‬
‫ا‪ٞ‬تهاد قدفرض يف السنة الثانية للهجرة‪ ،‬كقد فرض أساسان لصد اعتداء ا‪١‬تعتدين ك‪ٟ‬تماية الدكلة‬
‫ص ًرًه ٍم‬ ‫ً‬
‫ين يػي ىقاتىػليو ىف بًأىنػ يَّه ٍم ظيل يموا ىكإً َّف اللَّهى ىعلىى نى ٍ‬
‫ً ًً‬
‫اإلسبلمية كهي يف مهدها‪،‬يقوؿ تعاُف‪ " :‬أيذ ىف للَّذ ى‬
‫(ُ)‬
‫لى ىق ًد هير "‬
‫كبعد أف عقد صلح ا‪ٟ‬تديبية يف السنة السادسة للهجرة تفرغ النيب – صلى ا﵁ عليه‬
‫كسلم‪ -‬كأصحابه للدعوة إُف ا﵁ سبحانه كتعاُف‪ ،‬فقد ذهب النيب‪ -‬صلى ا﵁ عليه كسلم‪ -‬إُف‬
‫عاـ ا‪ٟ‬تديبية بألف كأربعمائة مسلم‪ ،‬كبعد سنتُت عاد النيب‪ -‬صلى ا﵁ عليه كسلم‪ -‬إُف مكة‬
‫بعشرة آالؼ صحايب‪ ،‬كهذا يدؿ على أف فًتة ازدهار الدعوة كانت هي فًتة السلم ال ا‪ٟ‬ترب‪.‬‬
‫كإذا نظرنا إُف الفتوحات اإلسبلمية فسنجد أهنا كانت تقوـ على مبدأ أصيل أال كهو‬
‫ٗتيَت األعداء بُت أمور ثبلثة‪ ،‬كهي اإلسبلـ أك ا‪ٞ‬تزية أك ا‪ٟ‬ترب‪.‬‬
‫كينقل لنا التاريخ اإلسبلمي بأنه عندما رأل ا‪٠‬تليفة العثماين أف الشعوب البلقانية‬
‫ا‪١‬تسيحية اليت كانت خاضعة للدكلة العثمانية ال تنفك عن التمرد كإحداث الفنت رأل أف يعرض‬

‫(ُ) ا‪ٟ‬تج ّٗ‬

‫‪217‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫على رعايا ا‪١‬تسيحيُت أحد أمرين ال ثالث ‪٢‬تما‪ ،‬ك‪٫‬تا إما اعتناؽ اإلسبلـ كإما القتل‪ ،‬فاعًتض‬
‫علماء الدكلة العثمانية كرفضوا هذ الفكرة(ُ) كاستدلوا بقوله تعاُف‪ " :‬ال إً ٍكىرا ى ًيف ّْ‬
‫الدي ًن "(ِ)‪.‬‬
‫مع العلم بأف األكركبيُت ‪١‬تا تغلبوا على ا‪١‬تسلمُت يف األندلس أكرهوهم على ترؾ اإلسبلـ‬
‫كعلى تغيَت أ‪ٝ‬تائهم كلغتهم كأقاموا ‪٢‬تم ‪٤‬تاكم التفتيش كقضوا على كل مظاهر اإلسبلـ يف تلك‬
‫البلداف‪ ،‬يف حُت أف األقليات غَت ا‪١‬تسلمة ما زالت تسكن يف ديار ا‪١‬تسلمُت آمنة مطمئنة ‪٢‬تا ما‬
‫لنا كعليها ما علينا إُف يومنا هذا‪.‬‬
‫فهذ الوقائع تدؿ ٔتا ال يدع ‪٣‬تاالن للشك أف ا‪١‬تسلمُت َف يكرهوا أحدا على اعتناؽ‬
‫اإلسبلـ كتغيَت عقيدهتم‪.‬‬
‫كقد شهد العديد من ا‪١‬تستشرقُت ا‪١‬تنصفُت لسماحة اإلسبلـ يف ترؾ حرية االعتقاد لغَت‬
‫ا‪١‬تسلمُت ؛ فيقوؿ «توماس أرنولد» يف كتابه «الدعوة إُف اإلسبلـ‪..:‬ك‪١‬تا بلغ ا‪ٞ‬تيش اإلسبلمي‬
‫كادم األردف‪ ،‬كعسكر أبو عبيدة يف فحل‪ ،‬كتب األهاِف ا‪١‬تسيحيوف يف هذ الببلد إُف العرب‬
‫ا‪١‬تسلمُت يقولوف‪ « :‬يا معشر ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬أنتم أحب إلينا من الركـ‪ ،‬كإف كاف الركـ على ديننا‪ ،‬أنتم‬
‫ف عن ظلمنا‪ ،‬كأحسن كالية علينا‪ ،‬كيعقب بقوله كبذلك ظهر أف الفكرة‬
‫أكىف‪ ،‬كأرأؼ بنا‪ ،‬كأك ٌ‬
‫اليت شاعت بأف السيف كاف العامل يف ٖتويل الناس إُف اإلسبلـ بعيدة عن التصديق‪ ،‬فإف الدعوة‬
‫كاإلقناع كانا ‪٫‬تا الطابعُت الرئيسُت ‪ٟ‬تركة الدعوة هذ ‪ ،‬كليس القوة كالعنف (ّ )»‪.‬‬
‫يقوؿ ا‪١‬تؤرخ الفرنسي غوستاؼ لوبوف يف كتابه «حضارة العرب» كهو يتحدث عن سر انتشار‬
‫اإلسبلـ يف عهد ‪ ،‬كيف عصور الفتوحات ًمن بعد ‪« :‬أثبت التاريخ أف األدياف ال تيػ ٍفىرض بالقوة‪،‬‬
‫كَف ينتشر اإلسبلـ إذف بالسيف‪ ،‬بل انتشر بالدعوة كحدها‪ ،‬كبأخبلؽ ا‪١‬تسلمُت اعتنقته الشعوب‬
‫مؤخرا؛ كالًتؾ كا‪١‬تغوؿ‪ ،‬كبلغ القرآف ًمن االنتشار يف ا‪٢‬تند اليت َف يكن العرب‬
‫اليت قهرت العرب ن‬

‫(ُ)الدكلة العثمانية‪ :‬دكلة اسلمية مفًتل عليها – عبد العزيز الشناكم صَُِ‬
‫(ِ) البقرة ِٔٓ‬
‫(ّ)الدعوة إُف اإلسبلـ‪ ،‬توماس أرنولد يف كتابه‪ -‬صُٔ‬

‫‪218‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫انتشارا‬
‫ن‬ ‫فيها إال عابرم سبيل‪ ،‬ما زاد عدد ا‪١‬تسلمُت أضعاؼ ما كاف عليه‪ ،‬كَف يكن اإلسبلـ أقل‬
‫يف الصُت اليت َف يفتح العرب أم جزء منها قط‪.‬‬
‫كمن مث قاؿ قولته ا‪١‬تشهورة‪« :‬ما عرؼ التاريخ فاٖتنا أعدؿ كال أرحم من العرب»(ُ)‪.‬‬

‫‪-2‬وبدأ السمح‪ٔ ٛ‬التشاوح‬


‫لقد أحاط اإلسبلـ التعامل مع اآلخر بقيم الر‪ٛ‬تة كالتسامح‪ ،‬خصوصان يف زمن ا‪ٟ‬ترب‬
‫كالنزاع‪ ،‬فَتل ‪ٚ‬تهور فقهاء ا‪١‬تسلمُت بأنه ال ‪٬‬توز قتل النساء األطفاؿ كأصحاب األعذار إال إذا‬
‫اشًتكوا بالقتاؿ كاالعتداء على ا‪١‬تسلمُت(ِ)‪ ،‬كما تظهر الر‪ٛ‬تة با‪ٟ‬ترب من خبلؿ ٖترمي إتبلؼ‬
‫ا‪١‬تمتلكات إال ٔتا تقتضيه الضركرة ا‪ٟ‬تربية‪ ،‬كقد برز هذا ا‪١‬تعٌت يف معاملة ا‪١‬تسلمُت ألهل مكة‪،‬‬
‫كذلك بعد أف أخرجوهم من ديارهم كسلبوا أموا‪٢‬تم كحزبوا ألحزاب عليهم‪ ،‬فما كاف من النيب‪-‬‬
‫صلى ا﵁ عليه كسلم‪ -‬إال أف عاملهم بالر‪ٛ‬تة كالعفو‪ ،‬فقاؿ ‪٢‬تم يوـ فتح مكة‪" :‬اذهبوا فأنتم‬
‫الطلقاء"(ّ)‪.‬‬
‫كما أف مبدأ ا‪ٞ‬تزية التذم أقر اإلسبلـ يفيض ر‪ٛ‬تة كتسا‪٤‬تان مع غَت ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬فقد كاف‬
‫الذمي يعفى أحيانا من ا‪ٞ‬تزية إذا قدـ خدمات للدكلة‪ ،‬كما يعفى منها ا‪١‬ترأة كالصغَت كأصحاب‬
‫األعذار كفقان لرأم ا‪ٞ‬تمهور‪ ،‬كقد مر عمر بن ا‪٠‬تطاب – رضي ا﵁ عنه‪ -‬وىو راجع في مسيره‬
‫من الشام على قوم قد أقيموا في الشمس ‪ ،‬يصب على رءوسهم الزيت ‪ ،‬فقال‪ :‬ما بال‬
‫ىؤالء ؟ فقالوا‪ :‬عليهم الجزية لم يؤدوىا‪ ،‬فهم يعذبون حتى يؤدوىا‪ .‬فقال عمر‪ :‬فما يقولون‬
‫ىم وما يعتذرون بو في الجزية ؟ قالوا‪ :‬يقولون‪ :‬ال نجد‪ ،‬قال‪ :‬فدعوىم‪ ،‬ال تكلفوىم ما ال‬

‫(ُ) حضارة العرب‪ ،‬جوستاؼ لوبوف‪ :‬تر‪ٚ‬تة عادؿ زعيًت‪ ،،‬ص ُِٕ‬
‫(ِ)‪ -‬هناية ا﵀تاج‪ -‬الرملي‪ْٔ/ٖ -‬‬
‫(ّ)سَتة ابن هشاـ ِ‪ُِْ/‬‬

‫‪219‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫يطيقون‪ ،‬فإني سمعت رسول اهلل صلى اهلل عليو وسلم ‪ ،‬يقول‪ :‬ال تعذبوا الناس فإن الذين‬
‫(ُ)‬
‫يعذبون الناس في الدنيا يعذبهم اهلل يوم القيامة ‪ ".‬وأمر بهم فخلى سبيلهم‪.‬‬

‫‪-3‬وبدأ األخالم ٔالفضٗم‪ٛ‬‬


‫يتمثل ا‪١‬تبدأ األخبلقي يف النظاـ اإلسبلمي يف كافة ‪٣‬تاالت كصعد ا‪ٟ‬تياة‪ ،‬إال أنه يظهر‬
‫بشكل كاضح كجلي يف العبلقات بُت الدكؿ؛ ألف هذ العبلقات تشؤّا ا‪١‬تطامع كا‪١‬تصاٌف‪.‬‬
‫كيقوـ النظاـ السياسي الوضعي اليوـ على مبدأ الفصل بُت األخبلؽ كالسياسة‪ ،‬كأف‬
‫السياسة هي فن ا‪١‬تمكن دكف النظر إُف دين أك قيم أك أخبلؽ أك مبادئ‪ ،‬كهذ ا‪ٟ‬تضارة ا‪ٟ‬تديثة‬
‫اليت تقوـ على هذ ا‪١‬تبادئ هي حضارة نابعة من ا‪١‬تادية اليت تعتمد على ا‪١‬تصلحة كا‪١‬تنفعة آّردة‬
‫عن الدين القيم كاألخبلؽ‪ ،‬كمن أبرزمن نظر ‪٢‬تذ األفكار اإليطاِف ميكافيلي يف كتابه‪" :‬األمَت"‪،‬‬
‫حيث يرل أف على ا‪ٟ‬تاكم التخلص من األخبلؽ كالقيم الدينية كخاصة التواضع‪ ،‬كعلى ا‪ٟ‬تاكم‬
‫كذلك أف يتخلص من عهود ككعود إف كانت عبئان عليه‪ ،‬كهذا كله يف سبيل ٖتقيق الغاية‬
‫السامية حىت لو أدل األمر إُف استعماؿ القوة كالتعذيب كما إُف ذلك(ِ)‪.‬‬
‫أما ا‪١‬تنهج اإلسبلمي فبل ‪٣‬تاؿ فيه للفصل بُت األخبلؽ كالسياسة بل إف اإلسبلـ قد أمر‬
‫ٔتراعاة األخبلؽ كالفضيلة بالوسيلة كالغاية على حد سواء‪ ،‬فهو يقدـ الر‪ٛ‬تة كالتسامح على القسوة‬
‫كالشدة‪ ،‬كبناء على ذلك فبل ‪٬‬تيز النظاـ اإلسبلمي ‪٣‬تاراة العدك يف انتهاكاته األخبلقية ككسائله‬
‫البلإنسانية‪ ،‬كالتعذيب كهتك األعراض كالتمثيل بالقتلى ك‪٨‬تو ذلك‪.‬‬
‫كقد مثلت هند بنت أيب سفياف قبل أف تسلم ّتثة ‪ٛ‬تزة عم النيب‪ -‬صلى ا﵁ عليه كسلم‪-‬‬
‫يف غزكة أحد‪ ،‬فلما ظفر ا‪١‬تسلموف ّٔم بعد ذلك َف ٯتثلوا بأحد من قتبلهم(ّ)‪ ،‬بل إف النيب –‬
‫صلى ا﵁ عليه كسلم‪ -‬قد هنى عن ا‪١‬تثلة‪ ،‬إذ كاف من كصايا صلى ا﵁ عليه كسلم يف ا‪ٟ‬ترب‪:‬‬

‫(ُ)ا‪٠‬تراج أليب يوسف‪ -‬صُِٓ‬


‫(ِ)انظر‪ :‬الفكر السياسي قبل األمَت كبعد ‪ ،‬مطبوع مع كتاب األمَت‪ ،‬فاركؽ سعد صُْْ‬
‫(ّ)انظر‪:‬سَتة ابن هشاـ ّ‪ - ُّّ/‬فتاكل ابن تيمية ِٖ‪.ُّْ/‬‬

‫‪221‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫"سَتكا باسم ا﵁‪ ،‬كيف سبيل ا﵁‪ ،‬كقاتلوا من كفر با﵁‪ ،‬كال ٘تثلوا كال تغدركا"(ُ)‪ ،‬كينطبق هذا األمر‬
‫على تعذيب األسرل‪ ،‬ك‪٦‬تا هو معلوـ فإف تعذيب األسرل أصبح من األمور ا‪١‬تتبعة عند األنظمة‬
‫السياسية ا‪١‬تختلفة‪ ،‬فبل ‪٬‬توز أف ننجر إُف مثل هذ األفعاؿ‪ ،‬كالنيب‪ -‬صلى ا﵁ عليه كسلم‪ -‬قد‬
‫قاؿ‪ :‬استوصوا باألسارل خَتان(ِ)‪ ،‬فاإلسبلـ جاء ‪ٟ‬تماية الفضيلة ك‪٤‬تاربة الرذيلة‪ ،‬كتعزيز القيم‬
‫الرفيعة‪ ،‬فا‪ٟ‬ترب يف اإلسبلـ ال بد أف تكوف حربان رحيمة عادلةن توجه ‪٨‬تو الطغياف كالظلم‪ ،‬كما ال‬
‫‪٬‬توز القتل بالتحريق بالنار‪ ،‬لقوله صلى ا﵁ عليه كسلم‪" :‬ال يعذب بالنار إال رب النار(ّ)"‪ ،‬كما‬
‫ال ‪٬‬توز هتك األعراض كاغتصاب النساء‪ ،‬إذ إنه يتعارض مع مبادئ اإلسبلـ كقواعد األخبلؽ‬
‫كهو من اإلفساد يف األرض‪ ،‬كا﵁ ال ٭تب ا‪١‬تفسدين‪ ،‬يقوؿ تعاُف‪ :‬ىكإًذىا تىػ ىوَُّف ىس ىعى ًيف ٍاأل ٍىر ً‬
‫ض‬

‫َّس ىل ىكاللَّهي ىال يً٭ت ُّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫ب الٍ ىف ىس ىاد (البقرة – َِٓ)‬ ‫ث ىكالن ٍ‬
‫ا‪ٟ‬تىٍر ى‬
‫ك ٍ‬ ‫لييػ ٍف ًس ىد ف ىيها ىكيػي ٍهل ى‬
‫ك‪٩‬تلص ‪٦‬تا سبق على التأكيد بأف العبلقات الدكليٌة يف اإلسبلـ ليست انفعاليٌة بل مبدئيٌة‬
‫تنطلق من قيم األخبلؽ كالفضيلة كالدعوة با‪ٟ‬تسٌت‪.‬‬
‫كما أف كسائل العبلقات الدكلية يف اإلسبلـ نبيلة سامية‪ ،‬كمبدأ (الغاية تربر الوسيلة) ال‬
‫كجود له يف التصور اإلسبلمي‪.‬‬
‫كنشَت أيضان إُف أف اإلسبلـ ال يعرؼ االزدكاجية يف العبلقات الدكلية‪ ،‬كما ييبلحظ يف‬
‫ا‪١‬تؤسسات الدكلية العا‪١‬تية كاألمم ا‪١‬تتحدة كالقول العا‪١‬تية يف كقتنا ا‪ٟ‬تاضر‪.‬‬
‫كالسبب يف ذلك أف للشريعة اإلسبلمية مكانان كاضحان يف مفهوـ العبلقات الدكلية؛‬
‫فالشريعة ٔتثابة الباعث ا﵀رؾ لركائز هذ العبلقات‪.)ْ(.‬‬

‫(ُ)‪ -‬نيل األكطار ٕ‪ِِٔ/‬‬


‫(ِ)ركا الطرباين يف معجمه(رقم ا‪ٟ‬تديث َُْ)‬
‫(ّ)سنن أيب داكد رقم ا‪ٟ‬تديث (ِّٕٔ)‬
‫(ْ)انظر العبلقات الدكلية رؤية إسبلمية – عصاـ البشَت – موقع قصة اإلسبلـ بتاريخ ُّ‪َُِّ/ِ/‬‬

‫‪221‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫‪-4‬الٕفا‪ ٞ‬بالعّد‬
‫ود "(ا‪١‬تائدة ‪ ،)ُ-‬كالوفاء بالعقود هو من‬ ‫يقوؿ تعاُف‪" :‬يا أىيػُّها الَّ ًذين آمنوا أىكفيوا بًالٍع يق ً‬
‫ي‬ ‫ى ىي ٍ‬ ‫ى ى‬
‫اعو ىف"(ا‪١‬تؤمنوف ٖ‪،)-‬‬ ‫ًً‬ ‫ً ًً‬ ‫َّ ً‬
‫ين يه ٍم أل ىىمانىاهت ٍم ىك ىع ٍهده ٍم ىر ي‬‫صفات ا‪١‬تؤمنُت الصا‪ٟ‬تُت‪ ،‬يقوؿ تعاُف‪ " :‬ىكالذ ى‬
‫كال ٮتفى أف األنظمة السياسة يف القدمي كا‪ٟ‬تديث ال ترعى مثل هذا األمر‪ ،‬إذ إف السياسية يف‬
‫أعرافهم متغَتة كمرتبطة با‪١‬تصاٌف خصوصا يف حالة القوة‪ ،‬كالشواهد على ذلك كثَتة‪ ،‬يف حُت أف‬
‫الشريعة اإلسبلمية جعلت الوفاء بالعهود من قواعد السياسة حىت لو ترتب عليه ضرر أك فوات‬

‫مصلحة‪ ،‬يقوؿ تعاُف‪ " :‬ىكإً َّما ىٗتىافى َّن ًم ٍن قىػ ٍووـ ًخيىانىةن فىانٍبً ٍذ إًلىٍي ًه ٍم ىعلىى ىس ىو واء إً َّف اللَّهى ىال يً٭ت ُّ‬
‫ب‬
‫ًً (ُ)‬
‫ُت‬
‫ا‪٠‬تىائن ى‬
‫ٍ‬
‫فاآلية ٗتاطب الرسوؿ صلى ا﵁ عليه كسلم بأنه إف خاؼ من عدك بينه كبينهم عهد‬
‫ا‪٠‬تيانة كالغدر‪ ،‬أف ينبذ إليهم كيعلمهم بفسخ العهد مث يناجزهم با‪ٟ‬ترب‪ ،‬كذلك ٔتا كاف منهم من‬
‫ظهور أمارة الغدر كا‪٠‬تيانة‪ ،‬حىت يصبح هو كهم على سواء يف العلم بأنه ‪٢‬تم ‪٤‬تارب‪ ،‬فيأخذكا‬
‫للحرب آلتها كيربأ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم من الغدر؛إذ إف ا﵁ ال ٭تب ا‪٠‬تائنُت‬
‫الغادرين(ِ)‪.‬‬
‫كقد بلغ األمر يف النظاـ اإلسبلمي أف جعل حرمة العهود فوؽ حرمة الدين يف بعض‬
‫األحياف‪ ،‬فقد هنى ا﵁ تعاُف عن نصرة ا‪١‬تسلم على من كاف بينه كبُت ا‪١‬تسلمُت ميثاؽ كلو كاف‬
‫َّصير إًَّال ىعلىى قىػ ٍووـ بػىٍيػنى يك ٍم ىكبػىٍيػنىػ يه ٍم‬
‫صيركيك ٍم ًيف الدّْي ًن فىػ ىعلىٍي يك يم الن ٍ‬
‫ً‬
‫غَت مسلم‪ ،‬قاؿ تعاُف‪ " :‬ىكإًف ٍ‬
‫استىػٍن ى‬
‫اؽ كاللَّه ًٔتىا تىػعمليو ىف ب ً‬
‫ص هَت"(ّ)‪.‬‬ ‫ً‬
‫ميثى ه ى ي ٍ ى ى‬

‫(ُ)األنفاؿ ‪ٖٓ-‬‬
‫(ِ)تفسَت الطربم ُُ‪ِّٖ/‬‬
‫(ّ) األنفاؿ‪ِٕ -‬‬

‫‪222‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كقد كانت سَتة النيب‪ -‬صلى ا﵁ عليه كسلم‪ -‬مضربا للمثل يف الوفاء يف العهود(ُ)‪ ،‬كمن‬
‫ذلك أف ا‪١‬تشركُت أخذكا حذيفة بن اليماف كأبا رضي ا﵁ عنهما‪ ،‬كأخذكا عليهما عهدا أف ال‬
‫يقاتبل مع النيب صلى ا﵁ عليه كسلم‪ ،‬فلما قدما ا‪١‬تدينة ذكرا ذلك للنيب صلى ا﵁ عليه كسلم‬
‫فقاؿ‪" :‬نفي ‪٢‬تم بعهدهم كنستعُت ا﵁ عليهم(ِ)"‪.‬‬
‫يف حُت ‪٧‬تد أنه خبلؿ القركف الوسطى كبالذات يف أكركبا كعلى الرغم من توثيق‬
‫ا‪١‬تعاهدات بُت دكؿ أكركبا كٖتت إشراؼ البابا ككهنته إال أف هذ ا‪١‬تعاهدات كانت تنقض بفتول‬
‫من كهنة الكنيسة‪ ،‬كقد حدث بأف البابا أكربا السادس غَت كل ا‪١‬تعاهدات ا‪١‬تربمة مع األمراء الذم‬
‫ليسوا مواليُت للكنيسة كما أهنم أفتوا بإلغاء ا‪١‬تعاهدات ا‪١‬تربمة مع ا‪١‬تسلمُت‪٦ ،‬تا جعلهم يشعلوف‬
‫(ّ)‬
‫نار ا‪ٟ‬تركب الصليبية ٖتت قيادهتم‪.‬‬
‫صلحا‬
‫كال ٮتفى على أحد ما قاـ به فرناندك الثالث عندما استطاع أف يدخل غرناطة ن‬
‫هجركا من فيها من ا‪١‬تسلمُت‪،‬‬
‫ٯتس أحدان من ا‪١‬تسلمُت‪ ،،‬فما إف دخلوا األندلس حىت َّ‬
‫على أف ال َّ‬
‫كنصركا من ظل ّٔا‪ ،‬كأقاموا ‪٤‬تاكم التفتيش للبحث ىع َّمن ٮتفي إسبلمه‪.‬‬
‫َّ‬
‫أسهاً العالقات الدٔلٗ‪ ٛ‬يف اإلسالً ٔقت احلسب‬

‫‪-1‬أصن العالق‪ ٛ‬بني املشمىني ٔغريِي‬


‫تعد هذ ا‪١‬تسألة من القضايا اليت ثار فيها ا‪ٞ‬تداؿ كا‪٠‬تبلؼ بُت الفقهاء ا‪١‬تعاصرين‪ ،‬إذ‬
‫يرل بعضهم أف العبلقة بُت ا‪١‬تسلمُت كغَتهم من الدكؿ كالشعوب هي ا‪ٟ‬ترب‪ ،‬كهذا الرأم يف‬
‫نظرم هو رأم متأثر بآراء القدامى من الفقهاء‪ ،‬إذ كاف ا‪ٞ‬تمهور منهم يرل أف العبلقة مع غَت‬
‫ا‪١‬تسلمُت هي عبلقة حرب باألصل‪ ،‬كمثل هذا التوجه يفهم يف العصور السابقة‪ ،‬إذ كانت‬
‫العبلقات بُت الدكؿ كاألمم كالشعوب يف الغالب هي عبلقة حرب كقتاؿ‪ ،‬كا‪ٟ‬تكم كالسيادة‬

‫(ُ)‪ -‬انظر‪:‬أسس العبلقات الدكلية يف اإلسبلـ‪٤ -‬تمود أبو ليل صُُٕ‪.‬‬


‫(ِ)صحيح مسلم (ّّْٖ)‬
‫(ّ)‪ -‬مقارنات بُت الشريعة اإلسبلمية كالقوانُت الوضعية‪ -‬علي منصور‪ -‬صُٔ‬

‫‪223‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫للقوم‪ ،‬فكاف لزاما على الدكلة اإلسبلمية أف تسعى للدفاع عن نفسها كتثبيت حدكدها كالتوسع‬
‫قدر اإلمكاف انسجاما مع هذ الظركؼ‪ ،‬أما اليوـ كقد انضمت دكؿ العاَف ٖتت مظلة كاحدة‪،‬‬
‫كسادت العبلقات السلمية بُت دكؿ العاَف‪ ،‬كتبادلت الدكؿ فيما بينها السفارات‪ ،‬كأصبح العاَف‬
‫كالقرية الصغَتة كل ‪٤‬تتاج إُف اآلخر يف الغذاء كالدكاء كالتعليم‪ ،‬فبل ‪٣‬تاؿ يف نظرم إُف أف نصدر‬
‫رأيان ال يتناسب مع مصلحة ا‪١‬تسلمُت ككاقعهم‪ ،‬لذلك يرل كثَت من العلماء ا‪١‬تعاصرين أف األصل‬
‫يف العبلقة مع غَت ا‪١‬تسلمُت هي السلم ال ا‪ٟ‬ترب‪ ،‬يقوؿ كهبة الزحيلي ر‪ٛ‬ته ا﵁‪" :‬كالواقع أف‬
‫األصل يف عبلقات ا‪١‬تسلمُت مع غَتهم هو السلم‪ ،‬كا‪ٟ‬ترب أمر طارئ على البشرية‪ ،‬كَف يشرع إال‬
‫لدفع الشر كالعدكاف ك‪ٛ‬تاية الدعوة(ُ)‪.‬‬
‫كما ‪٧‬تد أف النصوص الشرعية قد قيدت قتاؿ ا‪١‬تسلمُت للكفار بالعدكاف من األعداء‪،‬‬

‫ين يػي ىقاتًليونى يك ٍم ىكالى تػى ٍعتى يدكاٍ إً َّف اللٌهى الى يً٭ت ّْ‬ ‫ً ً ً ً َّ ً‬
‫ب‬ ‫كهنت عن االعتداء‪ ،‬قاؿ تعاُف‪ " :‬ىكقىاتليواٍ يف ىسب ًيل اللٌه الذ ى‬
‫ين"(ِ)‪.‬‬ ‫ً‬
‫الٍ يم ٍعتىد ى‬
‫كما أننا نقوؿ أف ا‪ٟ‬ترب كالقتاؿ يف كاقعنا ا‪١‬تعاصر ال تعترب كسيلة ناجعة ‪٢‬تا األكلوية يف‬
‫الدعوة إُف ا﵁ سبحانه كتعاُف‪ ،‬إذ إف ‪٣‬تاالت الدعوة خصبة كمتنوعة كٯتكن للدكلة اإلسبلمية أف‬
‫تستغل الوسائل ا‪١‬تعاصرة يف الدعوة إُف ا﵁ سبحانه كتعاُف كيف الوصوؿ إُف قلوب ا‪١‬تبليُت من‬
‫البشر‪ ،‬كذلك من خبلؿ استثمار القدرات كاإلمكانيات ا‪١‬تختلفة لنشر الدين يف بقاع األرض‪.‬‬
‫فاألمة ا‪١‬تسلمة أمة دعوة تتخطى كل ا‪ٟ‬تدكد ا‪ٞ‬تغرافية كالسياسية كالعرقية كاللغوية يف سبيل‬
‫نشر دعوهتا كتبليغ رسالتها با‪ٟ‬تسٌت كالكلمة الطيبة‪.‬‬

‫(ُ)كهبة الزحيلي‪ ،‬العبلقات الدكلية يف اإلسبلـ‪ ،‬ص ْٗ‬


‫(ِ) البقرة‪َُٗ -‬‬

‫‪224‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬
‫(ُ)‬
‫إذ يركف أف العبلقة مع دكؿ دار ا‪١‬تخالفُت لنا‬ ‫كهنالك رأم كجيه لبعض ا‪١‬تعاصرين‬
‫تتوقف على سياسة تلك الدكؿ إزاء الدكلة اإلسبلمية‪،‬كهذا من قواعد السياسة الدكلية‪،‬فإف هنجت‬
‫تلك الدكؿ منهج ا‪١‬توادعة كا‪١‬تسا‪١‬تة‪ ،‬كفتحت أبوأّا للدعوة كالدعاة كاف حكمها هو ما قررت‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ ً‬
‫ين ىَفٍ يػي ىقاتليويك ٍم ًيف الدّْي ًن ىكىَفٍ يٮتٍ ًر يجويكم ّْمن ديىا ًريك ٍم أىف تىػبىػُّر ي‬
‫كه ٍم‬ ‫اآلية الكرٯتة‪﴿ :‬ال يػىٍنػ ىها يك يم اللَّهي ىع ًن الذ ى‬
‫كعندئذ ال يطلب من ا‪١‬تسلمُت أف يعلنوا ا‪ٟ‬ترب‬ ‫و‬ ‫ُت﴾(ِ)‪.‬‬ ‫ًً‬ ‫إف اللَّهى يً٭ت ُّ‬ ‫ىكتػي ٍق ًسطيوا إلىٍي ًه ٍم َّ‬
‫ب الٍ يػم ٍقسط ى‬
‫على هؤالء؛ ألف اإلقساط يتناىف مع القتاؿ كا‪ٟ‬ترب‬
‫كإف كقفت دار ا‪١‬تخالفُت من الدعوة اإلسبلمية موقف الرفض كالعداء كا‪ٟ‬ترب فإف‬
‫حكمها هو ما قررته اآلية الكرٯتة اليت جاءت تالية لآلية السابقة كهو قوله ػ تعاُف ػ‪َّ :‬‬
‫﴿إ‪٪‬تىا يػىٍنػ ىها يك يم‬
‫إخىر ًاج يك ٍم أىف تىػ ىولٍَّويه ٍم ىكىمن‬ ‫ً‬
‫ىخىر يجويكم ّْمن ديىا ًريك ٍم ىكظى ى‬
‫اهيركا ىعلىى ٍ‬ ‫ين قىاتىػليويك ٍم ًيف الدّْي ًن ىكأ ٍ‬
‫َّ ً‬
‫اللَّهي ىع ًن الذ ى‬
‫ك يه يم الظَّالً يػمو ىف﴾(ّ)‪.‬‬ ‫يػىتىػ ىوَّ‪٢‬تي ٍم فىأ ٍيكلىئً ى‬
‫اجلّاد يف اإلسالً‪ :‬وهاٌتْ‪ ،‬تعسٖفْ‪ ،‬سهىْ‪ ،‬غاٖاتْ‪ ،‬أسهاوْ‬
‫أ‪ -‬تعريف ا‪ٞ‬تهاد‬
‫ا‪ٞ‬تهاد لغة‪ :‬بذؿ ا‪ٞ‬تهد كالوسع كالطاقة‪.‬‬
‫كنستطيع أف نعرؼ ا‪ٞ‬تهاد يف االصطبلح بأنه قتاؿ أعداء الدين كمناجزهتم دفاعا عن‬
‫اإلسبلـ بالنفس كا‪١‬تاؿ كاللساف‪ .‬كهذا التعريف يستفاد من حديث رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم‬
‫الذم ركا أنس بن مالك‪« ::‬جاهدكا ا‪١‬تشركُت بأموالكم كأنفسكم كألسنتكم(ْ)»‪.‬‬
‫فكما يكوف ا‪ٞ‬تهاد بالنفس كهو األصل فكذا يكوف با‪١‬تاؿ كبذله يف سبيل ا﵁‪.‬‬

‫(ُ) انظر مقاؿ‪ :‬أصل العبلقة بُت ا‪١‬تسلمُت كغَت ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬عثماف ‪ٚ‬تعة ضمَتية‪٣ ،‬تلة البياف‪ ،‬العددَُٖ‪-‬‬
‫صّْٖٖ –كانظر‪ :‬أخبلقيات كسلوكيات ا‪ٟ‬ترب عند رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم (دراسة مقارنة مع‬
‫القانوف الدكِف لدحض افًتاءات ا‪١‬تستشرقُت كمن كاالهم)‪ ،‬كليد نور ‪ -‬صّٖ‬
‫(ِ) ا‪١‬تمتحنة‪ٖ :‬‬
‫(ّ) ا‪١‬تمتحنة‪ٗ :‬‬
‫(ْ)سنن الدارمي (ُِّْ)‬

‫‪225‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ُت أىن يف ىس يه ٍم ىكأ ٍىم ىوا ى‪٢‬تيم بًأ َّ‬‫ًً‬ ‫ً‬


‫ىف ى‪٢‬تي يم ا‪ٞ‬تىنَّةى(ُ)‪.‬‬ ‫يقوؿ تعاُف{ إً َّف اللٌهى ا ٍشتىػىرل م ىن الٍ يم ٍؤمن ى‬
‫كيقوؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم قاؿ‪( :‬من جهز غازيان يف سبيل ا﵁ فقد غزا‪ ،‬كمن‬
‫(ِ)‬
‫خلف غازيان يف سبيل ا﵁ ٓتَت فقد غزا)‪.‬‬
‫ب‪ -‬مكانة ا‪ٞ‬تهاد يف اإلسبلـ‬
‫ا‪ٞ‬تهاد يف اإلسبلـ ذركة سناـ اإلسبلـ‪ ،‬كعبلمة على صدؽ األٯتاف كسبيل ‪ٟ‬تفظ األعراض‬
‫كا‪ٟ‬ترمات كنشر الدين كاألمر با‪١‬تعركؼ كالنهي عن ا‪١‬تنكر كيف تركه الذؿ كا‪٢‬تواف كا‪٠‬تذالف‪ ،‬كهذا‬
‫ماأخرب عنه صلى ا﵁ عليه كسلم بقوله‪ ":‬إذا تبايعتم بالعينة كأخذمت أذناب البقر كرضيتم بالزرع‬
‫كتركتم ا‪ٞ‬تهاد سلط ا﵁ عليكم ذال ال ينزعه حىت ترجعوا إُف دينكم (ّ)"‪.‬‬
‫ج‪ -‬حكم ا‪ٞ‬تهاد‪:‬‬
‫األصل يف ا‪ٞ‬تهاد أنه‪" :‬فرض كفاية إذا قاـ به بعض الناس سقط عن الباقُت(ْ)‪ ،‬كإذا َف‬
‫{كىما ىكا ىف الٍ يم ٍؤًمنيو ىف لًيى ًنفيركاٍ ىكآفَّةن فىػلى ٍوالى نػى ىفىر ًمن‬
‫يقوموا به أ‪ٙ‬توا ‪ٚ‬تيعا‪ ،‬كهذا يستفاد من قوله تعاُف ى‬
‫(ٓ)‬ ‫يكل فًرقىوة ّْمٍنػهم طىآئًىفةه لّْيتػ ىفقَّهواٍ ًيف الدّْي ًن كلًي ً‬
‫نذ يركاٍ قىػ ٍوىم يه ٍم إً ىذا ىر ىج يعواٍ إًلىٍي ًه ٍم لى ىعلَّ يه ٍم ىٍ٭ت ىذ يرك ىف}‬‫ىي‬ ‫ىى ي‬ ‫ّْ ٍ ي ٍ‬
‫ًً‬ ‫ًً‬ ‫اه ًد ً ًً‬ ‫ً‬
‫ين ىد ىر ىجةن ىكيك ِّبل ىك ىع ىد اللَّهي‬ ‫َّل اللَّهي الٍ يم ىج ى‬
‫ين بأ ٍىم ىوا‪٢‬ت ٍم ىكأىن يفسه ٍم ىعلىى الٍ ىقاعد ى‬ ‫كقوله تعاُف‪{:‬فىض ى‬
‫ا‪ٟ‬تي ٍس ىٌت(ٔ)" فا﵁ سبحانه كعد ا‪ٟ‬تسٌت كبلِّ من آّاهدين كالقاعدين عن ا‪ٞ‬تهاد‪ ،‬كلو كاف ا‪ٞ‬تهاد‬
‫ٍ‬
‫فرض عُت ‪١‬تا كعد القاعدين ا‪ٟ‬تسٌت؛ ألف القعود يكوف حرامان(ٕ)‪.‬‬

‫(ُ) التوبة‪ُُُ:‬‬
‫(ِ)متفق عليه‬
‫(ّ)أبو داكد (ِّْٔ)‬
‫(ْ)الفقه اإلسبلمي كأدلته ٖ‪ٓ/‬‬
‫(ٓ) التوبة ُِِ‬
‫(ٔ) النساء‪ٗٓ:‬‬
‫(ٕ)ا‪١‬ترجع السابق‬

‫‪226‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬
‫(ُ)‬
‫كيتعُت ا‪ٞ‬تهاد يف حاالت ثبلث‪:‬‬
‫أكالن‪ ::‬إذا تقابل الصفاف‪ ،‬فيتعُت حينئذ ا‪ٞ‬تهاد على كل من حضر من ا‪١‬تكلفُت؛ كيكوف‬

‫ين ىآمنيواٍ إًذىا لى ًقيتي ٍم فًئىةن‬ ‫َّ ً‬


‫تركه كاالنسحاب يف هذ ا‪ٟ‬تالة من الكبائر يقوؿ تعاُف‪{ :-‬يىا أىيػُّ ىها الذ ى‬
‫ً ً َّ ً‬ ‫َّ ً‬ ‫ً َّ‬
‫فىاثٍػبيتيواٍ ىكاذٍ يكيركاٍ اللٌهى ىكث نَتا ل ىعلَّ يك ٍم تػي ٍفلى يحو ىف} ‪ .‬كقاؿ سبحانه‪{ :‬يىا أىيػُّ ىها الذ ى‬
‫(ِ)‬
‫ين‬
‫ين ىآمنيواٍ إذىا لىقيتي يم الذ ى‬
‫وه يم األ ٍىدبى ىار* ىكىمن يػي ىوّْ‪٢‬تً ٍم يػى ٍوىمئً وذ يدبػيىري إًالَّ يمتى ىحّْرفان لًّْقتى واؿ أ ٍىك يمتى ىحيّْزان إً ىُف فًئى وة فىػ ىق ٍد‬
‫ىك ىفيركاٍ ىز ٍحفان فىبلى تػي ىولُّ ي‬
‫ص يَت}(ّ)‪.‬‬ ‫ب ّْمن اللٌ ًه كمأٍكا جهنَّم كبًٍئس الٍم ً‬ ‫بىاء بًغى ى و‬
‫ض ى ىى ى ي ى ى ي ى ى ى‬
‫ثانيان‪ :‬إذا دخل العدك أرضان من ديار ا‪١‬تسلمُت تعُت على أهل البلد قتاله فإف عجزكا‬
‫فيتعُت ا‪ٞ‬تهاد على األقرب فاألقرب بقدر الكفاية؛ كالتقييد بقدر الكفاية داؿ على أنه ال ‪٬‬تب‬
‫على ا‪ٞ‬تميع ا‪٠‬تركج للقتاؿ‪ ،‬بل إذا صار إليه قوـ فيهم كفاية‪ ،‬سقط ا‪ٟ‬ترج عن الباقُت‪ ،‬كدليل‬

‫ين يػىليونى يكم ّْم ىن الٍ يكفَّا ًر ىكلًيى ًج يدكاٍ فًي يك ٍم ًغ ٍلظىةن‬ ‫ً َّ ً‬
‫ين ىآمنيواٍ قىاتليواٍ الذ ى‬
‫َّ ً‬
‫ذلك قوله تعاُف‪{ :‬يىا أىيػُّ ىها الذ ى‬
‫ىف اللَّه مع الٍمت ًَّقُت} (ْ)‪ .‬كقوله تعاُف‪ً :‬‬
‫َّصير}(ٓ)‪.‬‬ ‫نصيركيك ٍم ًيف الدّْي ًن فىػ ىعلىٍي يك يم الن ٍ‬
‫استى ى‬ ‫{كإًف ٍ‬
‫ى‬ ‫ىك ٍاعلى يمواٍ أ َّ ى ى ى ي ى‬
‫ثالثان‪ :‬يف حاؿ النفَت العاـ‪ ،‬بأف أعلن اإلماـ ا‪ٞ‬تهاد كالتعبئة العامة للدفاع عن ديار‬
‫ين‬ ‫َّ ً‬
‫ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬فيتعُت ا‪ٞ‬تهاد على كل من كجه له النداء من ا‪١‬تسلمُت يقوؿ تعاُف‪{ :‬يىا أىيػُّ ىها الذ ى‬
‫ً‬
‫اآلخرةً‬ ‫ض أىر ًضيتم بًا ٍ‪ٟ‬تياةً ُّ ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬
‫الدنٍػيىا م ىن ى‬ ‫يل لى يك يم انفيركاٍ ًيف ىسب ًيل اللَّه اثَّاقىػ ٍلتي ٍم إ ىُف األ ٍىر ً ى ي ىى‬
‫ىآمنيواٍ ىما لى يك ٍم إذىا ق ى‬
‫يل}(ٔ)‪..‬‬ ‫ا‪ٟ‬تياةً ُّ ً ً ً ً ً‬
‫الدنٍػيىا يف اآلخىرة إالَّ قىل ه‬ ‫فى ىما ىمتىاعي ٍىى‬

‫(ُ)ا‪١‬تغٍت‪.ٖ/ّْٖ :‬‬
‫(ِ) سورة األنفاؿ(ْٓ)‬
‫(ّ) سورة األنفاؿ (ُٓ‪)ُٔ-‬‬
‫(ْ) سورة التوبة(ُِّ)‬
‫(ٓ) سورة األنفاؿ(ِٕ)‬
‫(ٔ) سورة التوبة(ّٖ)‬

‫‪227‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫د‪-‬غايات ا‪ٞ‬تهاد يف اإلسبلـ‬


‫ّْين يكلُّهي لًلَّ ًه فىًإ ًف انتىػ ىه ٍواٍ فىًإ َّف اللَّهى ًٔتىا‬ ‫ً‬
‫وه ٍم ىح َّىت الى تى يكو ىف فٍتػنىةه ىكيى يكو ىف الد ي‬
‫يقوؿ تعاُف‪ً :‬‬
‫{كقىاتلي ي‬
‫ى‬
‫يػعمليو ىف ب ً‬
‫ص هَت} (ُ)‪.‬‬ ‫ىٍ ى ى‬
‫فتبُت اآلية الكرٯتة أف القتاؿ َف يشرع من أجل سفك الدماء كاإلفساد يف األرض‪ ،‬أك من‬
‫أجل منافع دنيوية مادية‪ ،‬إ‪٪‬تا ا‪ٞ‬تهاد هو رسالة يف ذاته ٭تمل يف طياته األهداؼ السامية كالغايات‬
‫النبيلة‪ ،‬كمن هنا ٯتكن أف نلخص غايات ا‪ٞ‬تهاد يف اإلسبلـ باألمور التالية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬إعبلء كلمة ا﵁ تعاُف يف األرض؛ ‪ٟ‬تديث أيب موسى األشعرم –رضي ا﵁ عنه–‬
‫قاؿ‪ :‬جاء رجل إُف النيب ‪-‬صلى ا﵁ عليه كسلم‪ -‬فقاؿ‪ :‬يا رسوؿ ا﵁‪ ،‬الرجل يقاتل للمغنم‪،‬‬
‫كالرجل يقاتل لييذكر‪ ،‬كالرجل يقاتل يلَتل مكانه‪ ،‬فمن يف سبيل ا﵁؟ قاؿ‪( :‬من قاتل لتكوف كلمة‬
‫ا﵁ هي العليا فهو يف سبيل ا﵁)(ِ)‪.‬‬
‫ين يػي ىقاتىػليو ىف بًأىنػ يَّه ٍم ظيلً يموا‬ ‫ً ًً‬
‫ثانياً‪ :‬الدفاع عن النفس عند التعدّْم‪ .‬يقوؿ تعاُف‪ ﴿ :‬أيذ ىف للَّذ ى‬
‫يخ ًر يجوا ًم ٍن ًديىا ًرًه ٍم بًغى ًٍَت ىحق إًَّال أى ٍف يػى يقوليوا ىربػُّنىا اللَّهي ىكلى ٍوىال ىدفٍ يع‬ ‫َّ ً‬ ‫كإً َّف اللَّه علىى نى ً ً‬
‫ص ًره ٍم لى ىقد هير * الذ ى‬
‫ين أ ٍ‬ ‫ى ى ى ٍ‬
‫اس يم اللَّ ًه ىكثً نَتا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ض ى‪٢‬تدّْمت ً‬ ‫اللَّ ًه النَّاس بػ ٍع ى ً‬
‫ات ىكىم ىساج يد يي ٍذ ىكير ف ىيها ٍ‬ ‫ص ىوام يع ىكبًيى هع ىك ى‬
‫صلى ىو ه‬ ‫ض يه ٍم ببىػ ٍع و ي ى ٍ ى‬ ‫ى ى‬
‫َّ ً‬
‫الص ىبلةى ىكآتىػ يوا‬
‫ض أىقى ياموا َّ‬ ‫ين إً ٍف ىم َّكن ي‬
‫َّاه ٍم ًيف اٍأل ٍىر ً‬ ‫م ىع ًز هيز * الذ ى‬ ‫صيري إً َّف اللَّهى لىىق ًو ّّ‬
‫صىر َّف اللَّهي ىم ٍن يػىٍن ي‬
‫ىكلىيىػٍن ي‬
‫ًً ً‬ ‫ً‬
‫الزىكاةى ىكأ ىىميركا بًالٍ ىم ٍعيركؼ ىكنػى ىه ٍوا ىع ًن الٍ يمٍن ىك ًر ىكللَّه ىعاقبىةي ٍاأل ييموًر ﴾ ؛ فقد بيَّ ٍ‬
‫(ّ)‬
‫نت هذ اآليةي الكرٯتة أف‬ ‫َّ‬

‫القتاؿ قد أ ًيذف فيه للمسلمُت‪ ،‬مث أعقبتٍه ببياف السبب‪ ،‬كهو أهنم ظيلموا كأيخرجوا من ديارهم بغَت‬ ‫ى‬
‫تفسر لنا قولىه‬
‫حق إال قو‪٢‬تم‪ :‬ربُّنا ا﵁‪ ،‬فلم ييظلىموا من أهل مكة إال بسبب اعتقادهم‪ ،‬كهذ اآلية ّْ‬
‫َّ ً‬ ‫ك ما ىعلىٍي ًهم ًمن سبً ويل * إًَّ‪٪‬تىا َّ ً‬ ‫ًً ً‬
‫ين‬
‫يل ىعلىى الذ ى‬
‫السب ي‬ ‫ٍ ٍ ى‬ ‫﴿كلى ىم ًن انٍػتى ى‬
‫صىر بػى ٍع ىد ظيٍلمه فىأيكلىئ ى ى‬ ‫‪ -‬تعاُف ‪ :-‬ى‬

‫(ُ) سورة األنفاؿ(ّٗ)‬


‫(ِ)متفق عليه‬
‫(ّ) ا‪ٟ‬تج‪ُْ - ّٗ :‬‬

‫‪228‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫بعضهم‬ ‫(ُ)‬
‫ض بًغى ًٍَت ٍ‬
‫َّاس ىكيػىٍبػغيو ىف ًيف ٍاأل ٍىر ً‬ ‫ً‬
‫الناس ى‬
‫دفع ا﵁ ى‬
‫أيضا أنه لوال ي‬
‫بينت ن‬
‫ا‪ٟ‬تى ّْق ﴾ ‪ ،‬مث ٍ‬ ‫يىظٍل يمو ىف الن ى‬
‫ببعض ‪٢‬تدّْمت أمكنةي العبادة على اختبلؼ أشكا‪٢‬تا كنسبها‪ ،‬فبل يكوف ﵁ ًذ ٍكهر يف األرض‪ ،‬مث‬
‫كصفت ا‪١‬تؤمنُت الذين أذف ‪٢‬تم بالقتاؿ بأكصاؼ‪ ،‬هي يف ا‪ٟ‬تقيقة تنبيهه ‪٢‬تم إُف ما ‪٬‬تب عليهم أف‬
‫يفعلو بعد انتصارهم على ىمن ظلموهم؛ كذلك أهنم ييقيموف الصبلة‪ ،‬كيؤتوف الزكاة‪ ،‬كيأمركف‬
‫(ِ)‬
‫كينه ٍوف عن ا‪١‬تنكر‪.‬‬
‫با‪١‬تعركؼ‪ ،‬ى‬
‫ثالثاً‪ :‬الدفاع عن الدعوة إذا كقف أح هد يف سبيلًها ً‬
‫بفتنة ىمن آمن‪ ،‬كتعذيبًه حىت يرجع عما‬
‫بصد ىمن أراد الدخوؿ يف اإلسبلـ‪ ،‬أك ٔتنع الداعي ًمن تبليغ دعوته؛ يقوؿ‬
‫اختار لنفسه ديننا‪ ،‬أك ّْ‬
‫ً‬ ‫ين يػي ىقاتًليونى يك ٍم ىكىال تىػ ٍعتى يدكا إً َّف اللَّهى ىال يً٭ت ُّ‬ ‫ً ً ً ً َّ ً‬
‫وه ٍم‬
‫ين * ىكاقٍػتيػلي ي‬‫ب الٍ يم ٍعتىد ى‬ ‫تعاُف‪ ﴿ :-‬ىكقىاتليوا يف ىسب ًيل اللَّه الذ ى‬
‫وه ٍم ًعٍن ىد‬ ‫ً‬ ‫ث أىخرجويكم كالٍ ًفٍتػنىةي أ ى ً‬ ‫ث ثىًق ٍفتموهم كأىخ ًرج ً‬
‫ىش ُّد م ىن الٍ ىقٍت ًل ىكىال تيػ ىقاتلي ي‬ ‫وه ٍم م ٍن ىحٍي ي ٍ ى ي ٍ ى‬ ‫ىحٍي ي ي ي ي ٍ ى ٍ ي ي‬
‫ين * فىًإ ًف انٍػتىػ ىه ٍوا فىًإ َّف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ًً‬ ‫الٍ ىم ٍس ًج ًد ٍ‬
‫ك ىجىزاءي الٍ ىكاف ًر ى‬ ‫ا‪ٟ‬تىىرًاـ ىح َّىت يػي ىقاتليويك ٍم فيه فىًإ ٍف قىاتىػليويك ٍم فىاقٍػتيػلي ي‬
‫وه ٍم ىك ىذل ى‬
‫ّْين لًلَّ ًه فىإً ًف انٍػتىػ ىه ٍوا فى ىبل عي ٍد ىكا ىف إًَّال ىعلىى‬ ‫ً‬
‫وه ٍم ىح َّىت ىال تى يكو ىف فٍتػنىةه ىكيى يكو ىف الد ي‬
‫ً‬
‫يم * ىكقىاتلي ي‬
‫اللَّه ىغ يف ً‬
‫ور ىرح ه‬ ‫ى ه‬
‫اعتى يدكا ىعلىٍي ًه ٔتًًثٍ ًل‬ ‫ا‪ٟ‬ترم ً‬ ‫ًً‬
‫اص فى ىم ًن ٍاعتى ىدل ىعلىٍي يك ٍم فى ٍ‬ ‫ص ه‬ ‫ات ق ى‬ ‫ا‪ٟ‬تىىرًاـ ىك ٍييى ي‬ ‫ا‪ٟ‬تىىر ياـ بًالش ٍ‬
‫َّه ًر ٍ‬ ‫َّهير ٍ‬ ‫ُت * الش ٍ‬ ‫الظَّالم ى‬
‫ً‬
‫ُت ﴾(ّ)‪.‬‬ ‫ىف اللَّهى ىم ىع الٍ يمتَّق ى‬‫ىما ٍاعتى ىدل ىعلىٍي يك ٍم ىكاتػَّ يقوا اللَّهى ىك ٍاعلى يموا أ َّ‬
‫نت هذ اآليات سبب القتاؿ؛ حيث كصفت الذين أيمر ا‪١‬تسلموف بقتا‪٢‬تم بأهنم‬
‫فقد بيَّ ٍ‬
‫الذين قاتلوهم‪ ،‬كأخرجوهم من ديارهم‪ ،‬كفتنوهم يف دينهم‪ ،‬كجعلت ‪٢‬تذا القتاؿ غاية‪ ،‬كهي انتهاء‬
‫حرا يف دينه‪ ،‬ال يدين به إال ا﵁‪ ،‬ال خوفا‬
‫الفتنة‪ ،‬كأف يكوف الدين ﵁‪ ،‬كذلك بأف يكوف اإلنساف ِّ‬
‫كطمعا‪.‬‬
‫ن‬
‫أيضا أف الفتنة ُّ‬
‫أشد من القتل؛ ألهنا اعتداء على العقيدة كالوجداف‪ ،‬كذلك شر‬ ‫كقد بينت ن‬
‫ما يكوف من بٍت اإلنساف‪ ،‬كأظهرت أف ا﵁ى هنى عن االعتداء‪ ،‬كأعلنت أنه يبغض ا‪١‬تعتدين‪ ،‬كهم‬

‫(ُ) الشورل‪ِْ ،ُْ :‬‬


‫(ِ)السَتة النبوية‪ ،‬عبد الوهاب النجار‪ ،‬صُٕٔ‬
‫(ّ) البقرة‪ُْٗ - َُٗ :‬‬

‫‪229‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الذين يبدؤكف غَتهم بالشر‪ ،‬كأف ا‪ٞ‬تزاء عند االعتداء ال ينبغي أف يتجاكز به ما فعله البادئ‬
‫بالعدكاف‪.‬‬
‫ك‪١‬تا كاف القتاؿ ا‪١‬تشركع موجهان للمعتدين جاءت آية كرٯتة تبُت أف من َف ً‬
‫يعتد أك َّ‬
‫يصد‬
‫فقاؿ ‪ -‬تعاُف ‪ -‬عن و‬
‫قوـ مشركُت‪ ﴿ :‬فىًإ ًف‬ ‫(ُ)‬
‫عن الدعوة‪ ،‬فليس ‪٢‬تم عليه سلطاف كال سبيل‬

‫ٍاعتىػىزليويك ٍم فىػلى ٍم يػي ىقاتًليويك ٍم ىكأىلٍ ىق ٍوا إًلىٍي يك يم َّ‬


‫السلى ىم فى ىما ىج ىع ىل اللَّهي لى يك ٍم ىعلىٍي ًه ٍم ىسبً نيبل ﴾(ِ)‪.‬‬
‫{كىما لى يك ٍم الى تيػ ىقاتًليو ىف ًيف‬
‫رابعاً‪ :‬نصرة للمظلومُت كا‪١‬تضطهدين كا‪١‬تستضعفُت‪ ،‬قاؿ تعاُف‪ :‬ى‬
‫ىخ ًر ٍجنىا ًم ٍن ىه ًػذ ً الٍ ىق ٍريىًة‬ ‫ً َّ ً‬
‫ّْساء ىكالٍ ًولٍ ىداف الذ ى‬
‫ين يػى يقوليو ىف ىربػَّنىا أ ٍ‬ ‫ضع ًفُت ًمن ّْ ً‬
‫الر ىجاؿ ىكالن ى‬
‫ً ً‬
‫ىسب ًيل اللَّه ىكالٍ يم ٍستى ٍ ى ى ى‬
‫اَف أىهليها كاجعل لَّنا ًمن لَّد ً‬ ‫ً‬
‫ص نَتا}(ّ)‪.‬‬ ‫اج ىعل لَّنىا ًمن لَّ يد ى‬
‫نك نى ً‬
‫نك ىكليِّا ىك ٍ‬
‫ي ى‬ ‫الظَّ ٍ ى ى ٍ ى ى‬
‫حىت لو ٌأدل‬
‫فحماية ا‪١‬تظلومُت من عدكاف الظٌا‪١‬تُت هو أصل يف اإلسبلـ ‪٬‬تب مراعاته‪ٌ ،‬‬
‫القوة‪ ،‬فاإلسبلـ ال يرضى للمسلمُت الوقوؼ عاجزين على ما يرد على‬
‫األمر إُف ا‪ٞ‬تهاد كاستخداـ ٌ‬
‫ا‪١‬تهمة يف الشريعة اإلسبلميٌة ا‪١‬تق ٌدسة الٌيت تقرر حقانيٌة‬
‫ا‪١‬تظلومُت يف العاَف‪ ،‬كهذا األمر من األكامر ٌ‬
‫(ْ)‬
‫هذا ال ٌدين كعدالة قضيته‪.‬‬

‫ا‪ٟ‬تىىر ياـ بًالش ٍ‬


‫َّه ًر‬ ‫خامساً‪ :‬رد عدكاف ا‪١‬تعتدين عن ديار ا‪١‬تسلمُت؛ قاؿ ا﵁ ‪-‬تعاُف‪{ :-‬الش ٍ‬
‫َّهير ٍ‬
‫ً ًً‬ ‫ا‪ٟ‬ترم ً‬
‫اعتى يدكاٍ ىعلىٍيه ٔتثٍ ًل ىما ٍاعتى ىدل ىعلىٍي يك ٍم ىكاتػَّ يقواٍ اللَّهى‬
‫اص فى ىم ًن ٍاعتى ىدل ىعلىٍي يك ٍم فى ٍ‬
‫ص ه‬ ‫ات ق ى‬ ‫ا‪ٟ‬تىىرًاـ ىك ٍيي ى ي‬ ‫ٍ‬
‫ً‬
‫ُت} (ٓ)‪.‬‬ ‫ىف اللَّهى ىم ىع الٍ يمتَّق ى‬
‫ىك ٍاعلى يمواٍ أ َّ‬

‫(ُ)ا‪١‬ترجع السابق‬
‫(ِ) النساء‪َٗ :‬‬
‫(ّ) سورة النساء(ٕٓ)‬
‫(ْ)ا‪ٟ‬تاكم يف تفسَت القرآف الكرمي‪ ،‬عبد الر‪ٛ‬تن القماش صُّٗٔ‬
‫(ٓ) سورة البقرة(ُْٗ)‬

‫‪231‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫أسهاً عاو‪ ٛ‬لمذّاد يف اإلسالً‪:‬‬


‫أ‪-‬ضوابط استخداـ السبلح يف القتاؿ كحكم قتل ا‪١‬تدنيُت‬
‫ا‪ٟ‬ترب كالقتاؿ من كجهة نظراإلسبلـ ‪٫‬تا ضركرة يفرضها الواقع يف كثَت من األحياف كمن‬
‫هنا نقوؿ بأنه ‪٬‬تب على الدكلة ا‪١‬تسلمة أف تسعى جاهدة المتبلؾ مقومات القوة العسكرية‪ ،‬كهذا‬
‫ا‪٠‬تىٍي ًل تيػ ٍرًهبيو ىف بًًه ىع يد َّك اللَّ ًه ىك ىع يد َّكيك ٍم‬
‫اط ٍ‬‫امتثاال لقوله تعاُف‪" :‬كأعدكا ى‪٢‬تم ما استطىعتم ًمن قيػ َّوةو كًمن ًرب ً‬
‫يٍ ى ٍ ى ٍي ٍ ٍ ى ٍ ى‬
‫"األنفاؿ َٔ‬
‫كركم أنه صلى ا﵁ عليه كسلم قرأ هذ اآلية على ا‪١‬تنرب كقاؿ‪ " :‬أال إف القوة‬
‫(ُ)‬
‫"قا‪٢‬تا ثبلثا‪.‬‬ ‫الرمي‬
‫كقاؿ بعض ا‪١‬تفسرين‪ :‬القوة هي ا‪ٟ‬تصوف‪.‬‬
‫كاألكُف أف يقاؿ بأف هذا عاـ يف كل ما يتقول به على حرب العدك‪ ،‬ككل ما هو آلة‬
‫للغزك كا‪ٞ‬تهاد فهو من ‪ٚ‬تلة القوة‪ ،‬كقوله عليه الصبلة كالسبلـ‪ " :‬القوة هي الرمي "ال ينفي كوف‬
‫غَت الرمي معتربا‪ ،‬كما أف قوله عليه الصبلة كالسبلـ‪ " :‬ا‪ٟ‬تج عرفة " ك "الندـ توبة "ال ينفي‬
‫اعتبار غَت ‪ ،‬بل يدؿ على أف هذا ا‪١‬تذكور جزء شريف من ا‪١‬تقصود فكذا ههنا(ِ)‪ ،‬كهذ اآلية‬
‫تدؿ على أف االستعداد للجهاد بكل ما توصلت إليه الصناعة العسكرية اآلف فريضة على الدكلة‬
‫ا‪١‬تسلمة‪ ،‬كما ‪٬‬توز استخداـ كل سبلح من شأنه ٖتقيق مصلحة للمسلمُت ما َف ٭تظر الشارع‪.‬‬
‫إال أف هناؾ بعض األسلحة اليت ٘تتلكها الدكؿ الكربل كاليت ال تتفق مع أخبلقيات‬
‫ا‪ٟ‬ترب يف اإلسبلـ كاألسلحة النوكية كالكيميائية كغَتها‪ ،‬فمثل هذ األسلحة ‪٦‬تنوعة من حيث‬

‫(ُ)سنن أيب داكد (ُِْٓ)‪ -‬سنن الًتمذم (ّّٓ)‬


‫(ِ)الرازم‪ ،‬التفسَت الكبَتُٓ‪ْٗٗ/‬‬

‫‪231‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫األصل لكوهنا ‪٦‬تا يؤدم إُف اإلفساد كا‪٠‬تراب يف هذ ا‪ٟ‬تياة‪ ،‬يقوؿ تعاُف‪ ":‬ىكإً ىذا تىػ ىوَُّف‬

‫َّس ىل ىكاللٌهي الى يً٭ت ُّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سعى ًيف األىر ً ً‬
‫ب ال ىف ىس ىاد (ُ)"‪.‬‬ ‫ث ىكالن ٍ‬
‫ا‪ٟ‬تىٍر ى‬
‫ك ٍ‬ ‫ض لييػ ٍف ًس ىد فيً ىها ىكيػي ٍهل ى‬ ‫ٍ‬ ‫ىى‬
‫كلكن ‪٬‬توز امتبلؾ كاستعماؿ مثل هذ األسلحة يف دائرة ضيقة نبينها فيما يلي‪:‬‬
‫ُ‪-‬إف تعُت مثل هذا األمر بأف امتلك العدك هذا السبلح‪ ،‬فبل بد على الدكلة ا‪١‬تسلمة أف‬
‫تسعى المتبلكه إلخافة العدك كزجر كٖتقيق التوازف العسكرم‪.‬‬
‫ِ‪٬-‬توز استخداـ هذا السبلح على سبيل ا‪١‬تعاملة با‪١‬تثل‪ ،‬كما قاؿ تعاُف‪" :‬كجزاءي ىسيّْئى وة‬
‫سيّْئىةه ًمثٍػليها فىمن ع ىفا كأىصلىح فىأىجر علىى اللَّ ًه إًنَّه ىال يً٭ت ُّ ً ً‬
‫ب الظَّالم ى‬
‫ُت ﴾‪.)ِ(.‬‬ ‫ي‬ ‫ى ى ٍ ى ى ٍ ى ٍ يي ى‬ ‫ى‬
‫إال أف ا‪١‬تعاملة با‪١‬تثل مقيدة بالفضيلة كاألخبلؽ كما مر سابقان‪.‬‬
‫كما أنه ال بد من بذؿ ا‪ٞ‬تهد كأخذ ا‪ٟ‬تيطة ‪ٟ‬تماية األبرياء من الناس كا‪١‬تسلمُت كا‪١‬تدنيُت‬
‫كخصوصان األطفاؿ كالنساء ك‪٨‬توهم‪.‬‬
‫ب‪ -‬أحكاـ غَت ا‪١‬تقاتلُت‬
‫ا‪ٟ‬ترب يف اإلسبلـ ليست حربا ‪٫‬تجية ال تفرؽ بُت الصغَت كالكبَت كا﵀ارب كا‪١‬تساَف‪ ،‬إ‪٪‬تا‬
‫هي حرب منضبطة ال يقصد ّٔا سفك الدماء كقطع األعناؽ بقدر ما هي إلعبلء كلمة ا﵁ يف‬
‫األرض كنصر ا‪١‬تظلومُت كردع الظا‪١‬تُت كما بينا‪.‬‬
‫كلذلك ‪٧‬تد أف النظاـ اإلسبلمي كاف سابقان للمواثيق الدكلية ا‪١‬تعاصرة يف ‪ٛ‬تاية ا‪١‬تدنيُت‬
‫كبياف أحكامهم كقت ا‪ٟ‬ترب‪ ،‬فاإلسبلـ ٭ترـ قتل النساء كالصغار كالشيوخ كا‪١‬ترضى ككل من ال‬
‫٭تمل السبلح يف كجه ا‪١‬تسلمُت‪.‬‬
‫كنشَت هنا إُف أف النيب صلى ا﵁ عليه كسلم قد هنى عن قتل النساء كاألطفاؿ كغَت‬
‫ا‪١‬تقاتلُت‪ ،‬كذلك يف حديث أنس رضي ا﵁ عنه { أف رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم قاؿ‪ :‬انطلقوا‬

‫(ُ) البقرَِٓ‬
‫(ِ)سورة الشورل َْ)‬

‫‪232‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫باسم ا﵁ كبا﵁‪ ،‬كعلى ملة رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم ال تقتلوا شيخا فانيا‪ ،‬كال طفبل صغَتا‪،‬‬
‫كال امرأة‪ ،‬كال تغلوا‪ ،‬كضموا غنائمكم كأصلحوا كأحسنوا إف ا﵁ ٭تب ا﵀سنُت(ُ) }‬
‫كقاؿ النوكم ‪-‬ر‪ٛ‬ته ا﵁‪ -‬يف "شرحه على صحيح مسلم"‪:‬‬
‫"أ‪ٚ‬تع العلماء على ٖترمي قتل النساء كالصبياف إذا َف يقاتلوا(ِ)"‪.‬‬
‫‪ ،‬كيستثٌت من هذا ا‪١‬تبدأ حالتاف‪:‬‬
‫ُ‪:-‬اشًتاؾ ا‪١‬تدنيُت يف القتاؿ‪ْ ،‬تمل السبلح‪ ،‬أك التحريض أك الرأم‪ ،‬أك التجسس أك‬
‫(ّ)‬
‫بتكثَت السواد‪ ،‬فهنا ‪٬‬توز قتلهم كقتا‪٢‬تم‪.‬‬
‫(ْ)‬
‫كلذلك أقر النيب صلى ا﵁ عليه كسلم قتل دريد بن الصمة يف حنُت رغم أنه كاف طاعنان‬
‫(ٓ)‬
‫يف السن يزيد عن ا‪١‬تائة إال أنه كاف صاحب رأم يف ا‪ٟ‬ترب‪.‬‬
‫حرض على القتاؿ أك َّ‬
‫دؿ على‬ ‫قاؿ الكاساين –ر‪ٛ‬ته ا﵁‪ -‬يف "بدائع الصنائع"‪ " :‬ككذا لو َّ‬
‫صغَتا‪ ،‬لوجود‬
‫مطاعا‪ ،‬كإف كاف امرأة أك ن‬
‫عورات ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬أك كاف الكفرة ينتفعوف برأيه‪ ،‬أك كاف ن‬
‫القتاؿ من حيث ا‪١‬تعٌت(ٔ)"‪.‬‬

‫(ُ)ا‪١‬تصنف البن أيب شيبة ٕ‪َْٖ/‬‬


‫(ِ)شرح النوكم على مسلم ُِ‪ْٖ/‬‬
‫(ّ)‪ -‬نظاـ اإلسبلـ‪ -‬علي الصوا‪.َِٓ -‬‬
‫(ْ)بدائع الصنائع ٗ‪ - ِٗٔ/‬ا‪١‬تغٍت ٗ‪ – َِٓ/‬نيل األكطار ٖ‪ْٕ-/‬‬
‫(ٓ)ككاف دريد بن الصمة كاجه يف طريقه بعد حنُت رجبلن من بٍت سليم فقاؿ له دريد‪ :‬ماذا تريد يب؟ قاؿ‪:‬‬
‫أقتلك‪ ،‬قاؿ‪ :‬كمن أنت ؟ قاؿ‪ :‬أنا ربيعة بن رفيع السلمي‪ ،‬مث ضربه بسيفه‪ ،‬فلم يغن شيئان‪ ،‬فقاؿ‪ :‬بئس ما‬
‫سلحتك أمك ! خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل‪ ،‬ككاف الرحل يف الشجار‪ ،‬مث أضرب به‪ ،‬كارفع عن العظاـ‪،‬‬
‫كأخفض عن الدماغ‪ ،‬فإين كنت كذلك أضرب الرجاؿ‪ ،‬مث إذا أتيت أمك فأخربها أنك قتلت دريد بن‬
‫الصمة‪ ،‬فرب كا﵁ يوـ قد منعت فيه نساءؾ‪ .‬سَتة ابن هشاـ ِ‪ّْٓ/‬‬
‫(ٔ)بدائع الصنائع للكاساين ٗ‪ِٗٔ/‬‬

‫‪233‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ِ‪ -‬حاؿ الضركرة ا‪ٟ‬تربية كحاؿ كجود ا﵀اربُت من األعداء بُت هذ األصناؼ من غَت‬
‫ا‪١‬تقاتلُت‪ ،‬كهذا ما يطلق عليه الفقهاء اسم التًتس‪،‬كَف يكن ‪٦‬تكنان التمييز بُت ا‪١‬تقاتلُت كغَتهم‪،‬كيف‬
‫هذ ا‪ٟ‬تالة تطبق قاعدة الضركرة تقدر بقدرها‪.‬‬
‫َّامةى‪ ،‬قاؿ‪ :‬سئل رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم عن‬ ‫الص ٍع ً‬
‫ب بن ىجث ى‬ ‫كدليل ذلك حديث َّ‬
‫(ُ)‬
‫الذرارم من ا‪١‬تشركُت يبيتوف فيصيبوف من نسائهم كذراريهم فقاؿ‪ :‬هم منهم‪.‬‬
‫قاؿ ابن رشد –ر‪ٛ‬ته ا﵁‪ -‬يف بداية آّتهد‪ :‬كاتفق عواـ الفقهاء على جواز رمي ا‪ٟ‬تصوف‬
‫با‪١‬تنجنيق يف ا‪ٟ‬ترب‪ ،‬سواء كاف فيها نساء كذرية أك َف يكن ‪١‬تا جاء‪ " :‬أف النيب ‪ -‬عليه الصبلة‬
‫(ِ)‬
‫كالسبلـ ‪ -‬نصب ا‪١‬تنجنيق على أهل الطائف "‪.‬‬
‫ج‪-‬مدل اشًتاط إذف اإلماـ يف ا‪ٞ‬تهاد‬
‫يرل الفقهاء بأف فريضة ا‪ٞ‬تهاد مرتبط بإذف ا‪ٟ‬تاكم من حيث األصل‪ ،‬يقوؿ ابن قدامة‬
‫ر‪ٛ‬ته ا﵁‪":‬كأمر ا‪ٞ‬تهاد موكوؿ إُف اإلماـ كاجتهاد ‪ ،‬كيلزـ الرعية طاعته فيما يرا من ذلك "(ّ)‪.‬‬
‫كيستدؿ على ذلك بنصوص من القرآف الكرمي كالسنة ا‪١‬تطهرة‪ ،‬كمن هذ األدلة‬
‫ؼ أىذى ً‬ ‫ا‪٠‬تو ً‬
‫اعوا بًه ىكلى ٍو ىرُّدكي‬ ‫ي‬ ‫ً‬
‫أكالن‪ :‬قوله سبحانه كتعاُف‪ { :‬كإذىا ىجاءى يه ٍم أ ٍىمهر ّْم ىن ٍاأل ٍىم ًن أى ًك ٍىٍ‬
‫يكِف ٍاألىم ًر ًمٍنػهم لىعلًمه الَّ ًذين يستنبًطيونىه ًمٍنػهم ۚ‌ كلىوىال فى ٍ ً‬ ‫إً ىُف َّ ً ً‬
‫ض يل اللَّه ىعلىٍي يك ٍم ىكىر ٍ‪ٛ‬تىتيهي‬ ‫الر يسوؿ ىكإ ىُف أ ً ٍ ي ٍ ى ى ي ى ى ٍ ى ي ي ٍ ى ٍ‬
‫(ْ)‬
‫ىالتػَّبىػ ٍعتي يم الشٍَّيطىا ىف إًَّال قىلً نيبل }‬

‫(ُ)متفق عليه‬
‫(ِ)بداية آّتهد ُ‪ُّٔ/‬‬
‫(ّ)ا‪١‬تغٍت َُ‪ّٖٔ /‬‬
‫(ْ) النساء ّٖ‬

‫‪234‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ثانيان‪ :‬قوؿ ا﵁ تعاُف‪ { :‬يا أىيػُّها الَّ ًذين آمنواٍ ما لى يكم إً ىذا قًيل لى يكم ً‬
‫انفيركاٍ ًيف ىسبً ًيل‬ ‫ى ي‬ ‫ى ىي ى ٍ‬ ‫ى ى‬
‫الدنٍػيا ًيف ً‬
‫اآلخىرةً إًالَّ‬ ‫اآلخرةً فىما متاع ٍ ً‬ ‫ً‬ ‫ا‪ٟ‬تياةً ُّ ً‬ ‫اللٌ ًه اثَّاقىػ ٍلتيم إً ىُف األىر ً ً ً‬
‫ا‪ٟ‬تىيىاة ُّ ى‬ ‫الدنٍػيىا م ىن ى ى ى ى ي‬ ‫ض أ ىىرضيتيم ب ٍىى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫يل}(ُ) []‬ ‫ً‬
‫قىل ه‬
‫ثالثان‪:‬عن أيب هريرة رضي ا﵁ عنه عن النيب صلى ا﵁ عليه كسلم أنه قاؿ‪ :‬إ‪٪‬تا اإلماـ جنة‬
‫يقاتل من كرائه كيتقى به فإف أمر بتقول ا﵁ عز كجل كعدؿ كاف له بذلك أجر كإف يأمر بغَت‬
‫كاف عليه منه(ِ)‪.‬‬
‫فيتبُت من خبلؿ النصوص السابقة بأف اإلماـ هو الذم يأمر با‪ٞ‬تهاد كالنفَت كعلى‬
‫ا‪١‬تسلمُت السمع كالطاعة ألمر اإلماـ‪.‬‬
‫فا‪ٟ‬تاكم هو ا‪١‬تخوؿ بإيفاد ا‪ٞ‬تيوش كإعبلف ا‪ٞ‬تهاد كهو من يقدر كجه ا‪١‬تصلحة كاآلثار‬
‫ا‪١‬تًتتبة على القتاؿ‪ ،‬كهذا مانع من الفوضى اليت ٯتكن أف تنشأ من إعبلف بعض ا‪١‬تسلمُت ا‪ٟ‬ترب‬
‫(ّ)‬
‫على األعداء دكف تقدير لظركفهم كقوهتم كقوة عدكهم‪.‬‬
‫يقوؿ الشاعر‪:‬‬
‫‪٢‬تم كال يسػراة إذا جها‪٢‬تم سػادكا‬ ‫ال يصلح الناس فوضى ال يسراة‬
‫كعلى العلماء دكر يف هذا ا‪١‬تقاـ أال كهو أف يستنهضوا ا‪ٟ‬تاكم ك٭تثو على ا‪ٞ‬تهاد إف قصر‬
‫يف ذلك أك ٗتاذؿ‪.‬‬
‫كيتجلى هذا األمر كذلك يف سَتة النيب صلى ا﵁ عليه كسلم حيث أنه َف يأذف‬
‫للمسلمُت بالقتاؿ إال حُت قدـ إُف ا‪١‬تدينة حيث ازداد عدد ا‪١‬تؤمنُت كاتسع نطاؽ ال ٌدعوة داخل‬

‫(ُ) التوبة ّٖ‬


‫(ِ)صحيح مسلم (ُُْٖ)‬
‫(ّ)فتاكل اللجنة الدائمة " (ُِ ‪)ُِ /‬‬

‫‪235‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كتأسست ا‪ٟ‬تكومة اإلسبلميٌة الصا‪ٟ‬تة‪ ،‬كهتيٌأت كسائل ا‪ٞ‬تهاد ض ٌد العدك على‬


‫ا‪١‬تدينة كخارجها‪ٌ ،‬‬
‫صعيد الع ٌدة كالعدد‪ ،‬كما توافرت أسباب األمن كالطمأنينة للمسلمُت لتثبيت كجودهم كإعداد‬
‫عدهتم ‪١‬تواجهة العدك كالدفاع عن دينهم كأرضهم‪.‬‬
‫يف حُت لو أف ا‪١‬تسلمُت َف يلتزموا بأكامر القيادة يف مكة ا‪١‬تكرمة قبل أف يشرع القتاؿ‬
‫كأخذهتم ا‪ٟ‬تمية لدينهم كقاتلوا ا‪١‬تشركُت لكاف األمر يف مثل هذ ا‪ٟ‬تاؿ ٔتثابة االنتحار بعينه لقلة‬
‫عدد ا‪١‬تسلمُت من جهة‪ ،‬كمن جهة أخرل كاف العدك يف مكة قويا قادرا على استئصاؿ شأفة‬
‫(ُ)‬
‫ا‪١‬تسلمُت كهزـ هذ الدعوة يف مهدها‬
‫د‪-‬معاملة األسرل‪:‬‬
‫حث القرآف الكرمي على الرفق باألسرل كاإلحساف إليهم‪ ،‬كيظهر هذا يف قوله تعاُف‪:‬‬
‫يما ىكأ ًىس نَتا‪(".‬اإلنساف – ٖ)‪ ،‬كقد كاف صلى ا﵁ عليه‬‫ًً ً ً‬ ‫ً‬
‫" ىكييطٍع يمو ىف الطَّ ىع ىاـ ىعلىى يحبّْه م ٍسكيننا ىكيىت ن‬
‫كسلم يوصي باألسرل يف غزكاته‪ ،‬فقاؿ يوـ بدر للصحابة‪" :‬استوصوا باألسارل خَتان قاؿ أبو‬
‫عزيز بن عمَت ابن أخي مصعب بن عمَت‪ :‬ككنت يف نفر من األنصار‪ ،‬فكانوا إذا قدموا غداءهم‬
‫أك عشاءهم أكلوا التمر كأطعموين ا‪٠‬تبز بوصية رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليه كسلم إياهم(ِ)" فا‪٠‬تبز‬
‫كاف مفضبل على التمر ألف القمح ال يتوفر دائما يف ا‪١‬تدينة ٓتبلؼ التمر ا‪١‬توجود دائمان‪.‬‬
‫كهكذا كانت معاملة ا‪١‬تسلمُت لؤلسرل ال كما الواقع اليوـ عند الدكؿ ا‪١‬تتحضرة اليت‬
‫تدعي ا‪١‬تدنية كاإلنسانية كتنصب نفسها مثاال للقيم كاألخبلؽ‪ ،‬فقد شهد العصر ا‪ٟ‬تديث حاالت‬
‫ال إنسانية يف معاملة األسرل يف غوانتنامو كيف العراؽ كيف كثَت من دكؿ العاَف‪.‬‬

‫(ُ)ا‪ٟ‬تاكم يف تفسَت القرآف الكرمي عبد الر‪ٛ‬تن القماش صُّٗٔ‬


‫(ِ)ا‪١‬تعجم الصغَت للطرباين رقم ا‪ٟ‬تديث َُْ‬

‫‪236‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫أما مصَت األسرل فهو موكل لئلماـ يتوخى به مصلحة الدكلة كا‪١‬تسلمُت أكال‪ ،‬فبل ‪٣‬تاؿ‬
‫للثأر أك لبلنتقاـ أك ا‪١‬تصاٌف الشخصية ك‪٨‬تو ذلك‪ ،‬كقد ذكر الفقهاء بأف اإلماـ ‪٥‬تَت بُت ا‪١‬تن أك‬
‫الفداء أك القتل أك االسًتقاؽ‪.‬‬
‫قاؿ ابن القيم يف زاد ا‪١‬تعاد‪ :‬ثبت عنه صلى ا﵁ عليه كسلم يف األسرل أنه قتل بعضهم‪،‬‬
‫كمن على بعضهم‪ ،‬كفادل بعضهم ٔتاؿ‪ ،‬كبعضهم بأسرل من ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬كاسًتؽ بعضهم‪ ،‬كلكن‬
‫َّ‬
‫ا‪١‬تعركؼ أنه َف يسًتؽ رجبل بالغا‪ ،‬فقتل يوـ بدر من األسرل عقبة بن أيب معيط‪ ،‬كالنضر بن‬
‫ا‪ٟ‬تارث‪ ،‬كقتل من يهود ‪ٚ‬تاعة كثَتين من األسرل‪ ،‬كفادل أسرل بدر با‪١‬تاؿ بأربعة آالؼ إُف‬
‫كمن على أيب عزة الشاعر يوـ‬
‫أربعمائة‪ ،‬كفادل بعضهم على تعليم ‪ٚ‬تاعة من ا‪١‬تسلمُت الكتابة‪َّ ،‬‬
‫بدر‪ ،‬كقاؿ يف أسارل بدر‪ :‬لو كاف ا‪١‬تطعم بن عدم حيا‪ ،‬مث كلمٍت يف هؤالء النتٌت ألطلقتهم له ػ‬
‫كفدل رجلُت من ا‪١‬تسلمُت برجل من ا‪١‬تشركُت‪ ،‬كفدل رجاال من ا‪١‬تسلمُت بامرأة من السيب‪،‬‬
‫كمن على ‪ٙ‬تامة بن أثاؿ‪ ،‬كأطلق يوـ فتح مكة ‪ٚ‬تاعة من قريش‪،‬‬
‫استوهبها من سلمة بن األكوع‪َّ ،‬‬
‫فكاف يقاؿ ‪٢‬تم الطلقاء‪ ،‬كهذ أحكاـ َف ينسخ منها شيء‪ ،‬بل ٮتَت اإلماـ فيها ْتسب‬
‫(ُ)‬
‫ا‪١‬تصلحة‪.‬‬
‫كنشَت هنا إُف أف القانوف الدكِف كاألعراؼ السائدة هي مصدر من مصادر القانوف‬
‫الدكِف اإلسبلمي‪ ،‬فبل بد من أف تلتزـ الدكلة ا‪١‬تسلمة باالتفاقيات كا‪١‬تعاهادات ا‪١‬تتعلقة باألسرل يف‬
‫حدكد ضوابط كقواعد الشرع‪.‬‬

‫(ُ)ابن القيم زاد ا‪١‬تعاد صَٔ‬

‫‪237‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫املعاِدات ٔدٔزِا يف تٍعٗي العالق‪ ٛ‬وع غري املشمىني‬


‫كانت ا‪١‬تعاهدات كما زالت مرجعا كطريقا لتنظيم العبلقات بُت آّتمعات كالدكؿ‪ ،‬كهذ‬
‫ا‪١‬تعاهدات ‪٢‬تا دكر كبَت يف بياف ا‪ٟ‬تقوؽ كااللتزامات بُت األطراؼ ا‪١‬تختلفة ‪٦‬تا ينتج عنه فض‬
‫ا‪١‬تنازعات كحفظ ا‪ٟ‬تقوؽ‪ ،‬كقد جاءت الشريعة اإلسبلمية كأمرت بالوفاء بالعقود كا‪١‬تعاهدات‪ ،‬كما‬
‫مر معنا‪.‬‬
‫كما أف النيب صلى ا﵁ عليه كسلم أثٌت على بعض األحبلؼ اليت حدثت يف ا‪ٞ‬تاهلية‬
‫كحلف الفضوؿ‪ ،‬كمن أبرز ا‪١‬تعاهدات اليت عقدها النيب صلى ا﵁ عليه كسلم معاهدة صلح‬
‫ا‪ٟ‬تديبية‪ ،‬كقد كاف ‪٢‬تذ ا‪١‬تعاهدة أثر كبَت على الدعوة اإلسبلمية إذ تفرغ النيب صلى ا﵁ عليه‬
‫كسلم بعدها ‪١‬تراسلة الدكؿ آّاكرة‪.‬‬
‫أ‪ -‬أقساـ ا‪١‬تعاهدات يف اإلسبلـ كشركطها‬
‫لقد تطرؽ الفقهاء لبياف األحكاـ الشرعية ا‪٠‬تاصة با‪١‬تعاهدات‪ ،‬فقسموها إُف قسمُت‪:‬‬

‫الكشي األٔه‪ :‬املعاِدات الدا‪ٟ‬ى‪ٛ‬‬


‫كهذا النوع من ا‪١‬تعاهدات يعرؼ بالفقه اإلسبلمي بعقد الذمة أك عقد ا‪ٞ‬تزية‪ ،‬كمن خبلؿ‬
‫هذا العقد يعترب الطرؼ اآلخر سواء كاف فردان أك ‪ٚ‬تاعة يف ذمة ا‪١‬تسلمُت كأماهنم على كجه‬
‫التأبيد‪ ،‬كمن مث يكوف ‪٢‬تم ا‪ٟ‬تق يف اإلقامة يف الدكلة اإلسبلمية مع حقهم يف البقاء على دينهم‬
‫بشرط التزاـ أحكاـ الدكلة ا‪١‬تسلمة كالنظاـ العاـ ‪٢‬تا‪ ،‬كما عليهم أف يدفعوا ا‪ٞ‬تزية للدكلة اإلسبلمية‬
‫لقاء ‪ٛ‬تايتهم كمسا‪٫‬تة منهم يف دعم الدكلة اليت يعيشوف على أرضها‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الكشي الجاٌ٘‪ :‬املعاِدات املؤقت‪ٛ‬‬


‫كينظم هذا النوع من ا‪١‬تعاهدات العبلقات السلمية مع غَت ا‪١‬تسلمُت سواء كانت هذ ا‪١‬تعاهدات‬
‫أثناء ا‪ٟ‬تركب أك يف حاالت السلم‪ ،‬كهذ ا‪١‬تعاهدات جائزة إذا توافرت ّٔا الشركط اآلتية‪:‬‬
‫ُ‪ -‬أف ال تتعارض هذ ا‪١‬تعاهدات مع النصوص كالقواعد الشرعية‪ ،‬أك مع مبدأ من‬
‫مبادئ اإلسبلـ‪ ،‬كتنازؿ ا‪١‬تسلمُت عن أرضهم كحقوقهم كالتسليم ألعداء الدين‪ ،‬أك االنتقاص من‬

‫عزة ا‪١‬تسلمُت ككرامتهم‪ ،‬يقوؿ تعاُف‪" :‬فى ىبل ىهتًنيوا ىكتى ٍد يعوا إً ىُف َّ‬
‫الس ٍل ًم ىكأىنتي يم ٍاأل ٍىعلى ٍو ىف ىكاللَّهي ىم ىع يك ٍم ىكلىن‬
‫يىً ىًتيك ٍم أ ٍىع ىمالى يك ٍم"(ُ) ‪.‬‬
‫كهنا ينبغي التنبيه إُف أف من أشكاؿ هذ ا‪١‬تعاهدات معاهدات اقتصادية كٕتارية كغَتها‪،‬‬
‫فهذا النوع من ا‪١‬تعاهدات ‪٬‬تب أف يراعى فيها أحكاـ الشريعة يف ا‪ٟ‬تبلؿ كا‪ٟ‬تراـ‪ ،‬فبل تستباح‬
‫ا﵀رمات ٖتت ذريعة ا‪١‬تصلحة كا‪ٟ‬تاجة‪ ،‬ك‪٧‬تد أف كثَتا من الدكؿ اإلسبلمية اليوـ ترضخ لشركط‬
‫غَت ا‪١‬تسلمُت متذرعة بذريعة ا‪ٟ‬تاجة كالضركرة‪ ،‬فعلى الدكلة ا‪١‬تسلمة أف تقدـ شرع ا﵁ سبحانه‬
‫كتعاُف أكالن‪ ،‬كأف تثبت على مبادئها دكف الرضوخ إُف أهواء أعداء الدين‪.‬‬
‫ِ‪ -‬أف يتمتع ‪ٚ‬تيع أطرافها باألهلية‪ ،‬كذلك بأف تكوف الدكلة ذات سيادة ك‪٢‬تا السلطة‬
‫على ما مت االتفاؽ عليه‪.‬‬
‫ّ‪ -‬أف تكوف األطراؼ حرة يف اختيارها سليمة من اإلكرا أك اإلجبار‪ ،‬كهذا يف كقت‬
‫السلم‪ ،‬فاإلسبلـ ال ‪٬‬تعل ا‪١‬تعاهدة صحيحة إذا كانت قائمة على أساس القهر كالغلبة‪ ،‬إذ إف‬
‫اإلكرا مقيد يف كقت السلم ٖترزا عن معاهدة الصلح اليت تعقب ا‪ٟ‬تركب‪ ،‬كاليت يفرض فيها‬
‫الغالب شركطه على ا‪١‬تغلوب‪.‬‬

‫(ُ) ‪٤‬تمد ّٓ‬

‫‪239‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ْ‪ -‬بياف أهداؼ ا‪١‬تعاهدة بطريقة كاضحة ٘تنع التنازع كال تدع ‪٣‬تاالن للتأكيل‪ ،‬كالقرآف‬
‫الكرمي ٭تذر من ا‪١‬تعاهدات الغامضة اليت قد تكوف طريقا للنزاع كا‪٠‬تبلؼ(ُ)‪ ،‬يقوؿ تعاُف‪ " :‬ىكىال‬
‫وهتىا"النحل ْٗ‪ ،‬أم ال تعقدكا األٯتاف باالنطواء‬‫َّخ يذكا أىٍٯتانى يكم دخ نبل بػيػن يكم فىػت ًزَّؿ قىدـ بػعد ثػيب ً‬
‫تىػت ً‬
‫ى ٍ ى ى ىٍ ى ٍ ى ى ه ى ٍ ى ي‬
‫على ا‪٠‬تديعة كالفساد فتزؿ قدـ بعد ثبوهتا‪ ،‬أم عن األٯتاف بعد ا‪١‬تعرفة با﵁(ِ)‪.‬‬
‫ٓ‪ -‬أف ال يًتتب على هذ ا‪١‬تعاهدة ظلم أك عدكاف على طرؼ ثالث‪ ،‬فالشريعة‬
‫اإلسبلمية تقوـ على مبادئ العدؿ كنصرة ا‪١‬تظلوـ ال على البغي كالعدكاف‪ ،‬كا﵁ سبحانه كتعاُف‬
‫(ّ)‬
‫يقوؿ‪" :‬كال تتعاكنوا على اإلمث كالعدكاف"‪.‬‬
‫كالناظر يف حاؿ العاَف اليوـ ‪٬‬تد أف كثَتان من الدكؿ تتحالف كتتماأل ٔتا ٭تقق مصا‪ٟ‬تها‬
‫كأهدافها دكف النظر إُف الظاَف أك ا‪١‬تظلوـ‪.‬‬
‫ٔ‪ -‬أف ٖتقق هذ ا‪١‬تعاهدة ا‪١‬تصلحة الظاهرة للدكلة اإلسبلمية‪ ،‬كمن مث فبل بد على رئيس‬
‫الدكلة أف يشاكر أهل ا‪ٟ‬تل كالعقد كا‪٠‬تربة لبياف مدل ا‪١‬تصاٌف ا‪١‬تًتتبة على هذ ا‪١‬تعاهدات‪ ،‬إذ إف‬
‫إنشاءها يصبح ملزما ‪١‬تن جاء بعد ‪ ،‬كمن هنا كضع الفقهاء قاعدة جليلة يف هذا الباب فقالوا‪ :‬إف‬
‫التصرؼ على الرعية منوط با‪١‬تصلحة‪ ،‬كا‪١‬تصلحة هنا هي ا‪١‬تصلحة اليت ٖتقق ا‪٠‬تَت كاالزدهار لؤلمة‬
‫دكف تعارض مع قواعد الشرع كمبادئه(ْ)‪.‬‬

‫(ُ)العبلقات الدكلية كالنظم القضائية صٖٔ‬


‫(ِ)تفسَت القرطيب َُ‪ُٕٓ/‬‬
‫(ّ)‪ -‬نظاـ اإلسبلـ‪ -‬علي الصوا‪ -‬صُِّ‬
‫(ْ)انظر‪ :‬الدريٍت‪ -‬خصائص التشريع اإلسبلمي صّٔٓ كما بعدها‬

‫‪241‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ب‪-‬آثار المعاىدات‬
‫إذا كقعت ا‪١‬تعاهدة صحيحة مستكملة لشركطها فيلزـ من ذلك على كل طرؼ أف يفي‬
‫ًً‬ ‫ً‬
‫ٔتضموهنا كيقوـ بااللتزامات اليت تعهد ّٔا‪ ،‬يقوؿ تعاُف‪" :‬فىأى٘تُّواٍ إًلىٍي ًه ٍم ىع ٍه ىد يه ٍم إً ىُف يمدَّهت ٍم إً َّف اللٌهى‬
‫ُت" (ُ)‪.‬‬ ‫يً٭ت ُّ ً‬
‫ب الٍ يمتَّق ى‬
‫ج‪-‬انتهاء المعاىدات‬
‫تنتهي ا‪١‬تعاهدات بواحدة من الطرؽ التالية‪:‬‬
‫ً ً‬
‫‪ -‬انتهاء مدهتا ا‪١‬تتفق عليه بُت الطرفُت لقوله تعاُف‪ " :‬ىكأ ٍىكفيوا بً ىع ٍهد اللَّه إً ىذا ىع ى‬
‫اه ٍد يٍمت ىكىال‬
‫يد ىها ىكقى ٍد ىج ىع ٍلتي يم اللَّهى ىعلىٍي يك ٍم ىك ًف نيبل(ِ)"‪ ،‬كيدؿ هذا النص ٔتفهومة على أنه‬
‫تىػٍنػ يقضوا ٍاأل ٍىٯتا ىف بػعد تىػوكً ً‬
‫ي ى ىٍ ى ٍ‬
‫بعد انتهاء مدة ا‪١‬تعاهدة تعود األمور إُف ما كانت عليه من قبل‪.‬‬
‫‪ -‬إذا نقض العدك ا‪١‬تعاهدة مع الدكلة ا‪١‬تسلمة‪ ،‬أك ظهرت بوادر هذا النقض‪ ،‬إال أنه‬
‫و‬
‫يشرع يف مثل هذا ا‪ٟ‬تاؿ إببلغ العدك باألمر كذلك امتثاالن لقوله تعاُف‪ " :‬ىكإً َّما ىٗتىافى َّن ًم ٍن قىػ ٍوـ ًخيىانىةن‬
‫ُت" (ّ)‪.‬‬‫ب ٍ ًً‬
‫ا‪٠‬تىائن ى‬ ‫فىانٍبً ٍذ إًلىٍي ًه ٍم ىعلىى ىس ىو واء إً َّف اللَّهى ال يً٭ت ُّ‬
‫‪ -‬إذا انتهى موضوع ا‪١‬تعاهدة كٖتقق الغرض منها‪.‬‬
‫كمن هنا يظهر لنا أف اإلسبلـ قد كضع نظامان دقيقان منضبطا للعبلقات مع اآلخر‪،‬كقد‬
‫كاف له قدـ السبق يف بياف مثل هذ األنظمة كالقواعد كبطريقة تفصيلية تتقاصر دكهنا القوانُت‬
‫(ْ)‬
‫الدكلية ا‪١‬تعاصرة‪.‬‬

‫(ُ) التوبة ‪ْ-‬‬


‫(ِ) النحل ُٗ‬
‫(ّ) األنفاؿ‪ٖٓ -‬‬
‫انظر‪ :‬علي الصوا‪ -‬نظاـ اإلسبلـ‪-‬ص ُِٔ(ْ)‬

‫‪241‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الٕسد‪ ٚ‬الجاوٍ‪ٛ‬‬

‫اإلسالً ٔسبن وعاجل‪ ٛ‬اإلزِاب‬

‫إعداد‬
‫أ‪.‬د‪ .‬عارف عسالديو حصونه‬

‫‪242‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الوحدة الثامهة‬
‫اإلشالم وشبل معاجلة اإلرياب‬
‫إف اإلسبلـ دين ا‪ٟ‬تق كالعدؿ؛ فإنه دين الر‪ٛ‬تة كالسماحة أيضا‪ ،‬كقد جاء يف مقاصد‬
‫العليا كغاياته الكربل ليحفظ على ا‪٠‬تلق دينهم‪ ،‬كأنفسهم‪،‬كعقو‪٢‬تم‪ ،‬كأعراضهم‪ ،‬كأموا‪٢‬تم‪،‬‬
‫ٮتل به أك ببعضه اليوـ ما انتشر يف هذا‬
‫ككرامتهم‪ ،‬كحقوقهم الشرعية الثابتة من ا﵁ ‪٢‬تم؛ كهو ما َّ‬
‫العاَف من ظاهرة اإلرهاب كالتطرؼ كاالعتداء على الدماء كاألعراض كاألمواؿ بغَت حق كال عدؿ‪،‬‬
‫كهو ما استدعى علماء الشريعة لذلك إُف أف ينبهوا على خطر اإلرهاب كفداحة شر ‪ ،‬كنفي‬
‫نسبته إُف اإلسبلـ زكرا كّٔتانا؛ ك‪٢‬تذا حرصنا يف هذا الكتاب على أف نفرد ‪١‬توضوع اإلرهاب مبحثا‬
‫خاصا يتناكله ببياف تعريفه‪ ،‬كحكمه‪ ،‬كأسبابه‪ ،‬كسبل معا‪ٞ‬تته يف اإلسبلـ؛ ليكوف ذلك حاجزا‬
‫عنه‪ ،‬كعاصما منه‪ ،‬ك‪٤‬تذرا من اغًتار شباب ا‪١‬تسلمُت بدعاته كأربابه‪.‬‬

‫أٔال‪ :‬تعسٖف اإلزِاب لػ‪ٔ ٛ‬اصطالسا‪:‬‬


‫أرهبىه‬
‫ب‪ .‬يقاؿ‪ :‬ى‬
‫اإلرهاب لغة‪ :‬اإلخافة كاإلزعاج‪ .‬كهو مصدر للفعل ا‪١‬تتعدم باأللف‪ٍ :‬أرىه ى‬
‫ب‪ .‬كمصدر ‪ :‬يرٍهبان‪ ،‬ىكرىهبان‪ ،‬ىكرٍهبىة(ُ)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يػيٍرهبيه إرهابا‪ .‬كالفعل البلزـ منه‪ :‬ىره ى‬
‫أما اإلرهاب اصطبلحا‪ :‬فنعرفه يف اصطبلح علماء الشريعة اإلسبلمية‪ ،‬كيف اصطبلح‬
‫القانونيُت‪ .‬كلكن قبل الشركع بتعريفه شرعا كقانونا ال بد من التنبيه أكال إُف أف الباحثُت يرجعوف‬
‫أكؿ إطبلؽ للفظ اإلرهاب ٔتعنا العريف ا‪١‬تتبادر اليوـ إُف أياـ الثورة الفرنسية؛ حيث استخدمت‬
‫كلمة (إرهاب) يف فرنسا لوصف نظاـ حكومي جديد امتد بُت عامي ُّٕٗـ كُْٕٗـ؛ إذ‬
‫يح ًك ىمت فرنسا آنذاؾ حكمان إرهابيان ‪ٝ‬تيت مدته (عهد اإلرهاب)؛ فقد اعتقل خبلؿ ذلك العاـ‬

‫(ُ) انظر‪ :‬الزبيدم‪٤ ،‬تمد بن ‪٤‬تمد مرتضى‪ ،‬تاج العركس‪ٖ ،‬تقيق ‪٣‬تموعة من ا﵀ققُت‪ ،‬دار ا‪٢‬تداية‪ ،‬جِصُْٓ‬
‫كابن فارس‪ ،‬أبو ا‪ٟ‬تسُت أ‪ٛ‬تد معجم مقاييس اللغة‪ٖ ،‬تقيق عبد السبلـ هاركف‪ ،‬دار الفكر‪ُٕٗٗ ،‬ـ‪،‬‬
‫جِصْْٕ‬

‫‪243‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ثبلي‪ٙ‬تائة ألف مشبو على األقل‪ ،‬كأيعدـ على ا‪١‬تقصلة ر‪ٝ‬تيان ‪٨‬تو سبعة عشر ألفا‪ ،‬يف حُت مات‬
‫كثَت يف السجوف‪ ،‬أك من غَت ‪٤‬تاكمة‪ .‬كمع ذلك فإف كلمة اإلرهاب َف تكن مشتهرة جدان حىت‬
‫أكائل القرف التاسع عشر(ُ)‪ .‬كعلى هذا نبدأ تعريف اإلرهاب شرعا كقانونا؛ فنقوؿ‪:‬‬
‫فلما أف لفظ اإلرهاب َف يبدأ‬
‫أما تعريف اإلرهاب يف اصطبلح علماء الشريعة اإلسبلمية‪ٌ :‬‬
‫عشر‪ ،‬فإف استعماؿ علماء‬
‫الثامن ى‬
‫ى‬ ‫استعماله ٔتعنا العريف ا‪١‬تتبادر اليوـ إال بعد القرف ا‪١‬تيبلدم‬
‫الشريعة له قبل ذلك القرف َف ٮترج عن استعماله يف معنا اللغوم الذم هو اإلخافة(ِ)؛ فلم يكن‬
‫‪٢‬تم فيه اصطبلح خاص(ّ)‪ .‬كإذا أضافو إُف العدك – بقو‪٢‬تم يف كتبهم‪( :‬إرهاب العدك) – فإ‪٪‬تا‬
‫‪٣‬ترد ٗتويفه بإعداد مظاهر القوة من السبلح كا‪٠‬تيل كإظهار الشباب ك‪٨‬تو ذلك ‪٦‬تا‬
‫يعنوف بإرهابه ى‬
‫٭تصل به ردعيه كزجر عن االجًتاء على حرب ا‪١‬تسلمُت كأذاهم؛ أخذا من قوؿ ا﵁ تعاُف‪" :‬‬
‫ين ًم ٍن يدكهنًً ٍم‬ ‫ً‬ ‫ً ًً‬
‫ا‪٠‬تىٍي ًل تػي ٍرهبيو ىف به ىع يد َّك اللَّه ىك ىع يد َّكيك ٍم ىكآى ىخ ًر ى‬
‫اط ٍ‬‫كأ ًىع ُّدكا ى‪٢‬تم ما استطىعتم ًمن قيػ َّوةو كًمن ًرب ً‬
‫يٍ ى ٍ ى ٍي ٍ ٍ ى ٍ ى‬ ‫ى‬
‫ىال تىػ ٍعلى يمونػى يه يم اللَّهي يػى ٍعلى يم يه ٍم "(ْ)‪ .‬أما مباشرة قتاؿ العدك فعبل فإ‪٪‬تا يسموهنا جهادا كال يسموهنا‬
‫ؼ منه؛ لئبل يقدـ‬
‫اع من ىمغىبَّة ما يٮتىَّو ي‬
‫إرهابا؛ ألف اإلرهاب لغة اإلخافة‪ ،‬كليست هي إال اإلفز ى‬
‫عليه(ٓ)‪ .‬كال شك أف قتاؿ العدك أزيد من ‪٣‬ترد إفزاعه من مغبة اإلقداـ على حرب ا‪١‬تسلمُت‬

‫(ُ) انظر‪ :‬عبد الر‪ٛ‬تن بن معبل اللو٭تق‪ ،‬اإلرهاب كالغلو كالتطرؼ ‪ /‬دراسة يف ا‪١‬تصطلحات كا‪١‬تفاهيم‪ْ ،‬تث‬
‫منشور ضمن أكراؽ ا‪١‬تؤ٘تر العا‪١‬تي عن موقف اإلسبلـ من اإلرهاب ّتامعة اإلماـ ‪٤‬تمد بن سعود ََِْـ‪،‬‬
‫صُُ‪ُِ-‬‬
‫(ِ) انظر‪ :‬قحطاف الدكرم‪ ،‬اإلسبلـ كاإلرهاب‪ْ ،‬تث نشر ضمن ْتوث بعنواف (الدين كاإلرهاب) من منشورات‬
‫منظمة ا‪١‬تؤ٘تر اإلسبلمي الشعيب‪ ،‬مطبعة الرشاد‪ ،‬بغداد‪ُٖٖٗ ،‬ـ‪ ،‬صَُكعبدا﵁ بن ‪٤‬تمد العمرك‪ ،‬أسباب‬
‫ظاهرة اإلرهاب يف آّتمعات اإلسبلمية – رؤية ثقافية‪ْ ،‬تث منشور ضمن أكراؽ ا‪١‬تؤ٘تر العا‪١‬تي عن موقف‬
‫اإلسبلـ من اإلرهاب‪ ،‬جامعة اإلماـ ‪٤‬تمد بن سعود‪ََِْ ،‬ـ‪ ،‬صٔ‬
‫(ّ) انظر‪ :‬قطب سانو‪ ،‬يف مصطلح اإلرهاب كحكمه ‪ /‬قراءة نقدية يف ا‪١‬تفهوـ كا‪ٟ‬تكم من منظور شرعي‪ْ ،‬تث‬
‫منشور على ا‪١‬توقع االلكًتكين‪http://www.assakina.com/book/ََِٔ.html :‬‬
‫(ْ) االنفاؿ‪َٔ/‬‬
‫(ٓ) انظر‪ :‬ابراهيم مصطفى كآخركف‪ ،‬ا‪١‬تعجم الوسيط‪ٖ ،‬تقيق ‪٣‬تمع اللغة العربية‪ ،‬دار الدعوة‪ ،‬جُصِِٔ‬

‫‪244‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كأذاهم؛ فبل يسمى لذلك إرهابا(ُ) أك إخافة‪ ،‬بل يسمى جهادا‪ ،‬كهو ا‪١‬تسمى يف القانوف الدكِف‬
‫اليوـ بالكفاح ا‪١‬تسلح‪ ،‬كحق ا‪١‬تقاكمة كما يأيت‪.‬‬
‫عشر ا‪١‬تيبلدم فقد بدأ يف العاَف استعماؿ لفظ اإلرهاب يف معٌت‬‫الثامن ى‬
‫بعد القرف ى‬ ‫أما ى‬
‫إخافة ا‪١‬تعصومُت كقتلًهم بغَت حق‪ ،‬مث ىكثر استعماليه يف هذا ا‪١‬تعٌت حىت صار فيه حقيقةن عرفيةن‬
‫متبادرةن؛ ْتيث إذا أطلق لفظ اإلرهاب َف يتبادر منه إُف الذهن إال هذا ا‪١‬تعٌت؛ ك‪٢‬تذا صار علماء‬
‫يعرفوف اإلرهاب ّٔذا ا‪١‬تعٌت ا‪١‬تتبادر‪ ،‬كال يعرفونه ٔتجرد إخافة العدك بإعداد القوة‬
‫ا‪١‬تسلمُت اليوـ ّْ‬
‫الرادعة؛ كمن ذلك فيما ‪٨‬تن بصدد ‪:‬‬

‫تعريف اإلرهاب يف بياف ‪٣‬تمع الفقه اإلسبلمي يف مكة ا‪١‬تكرمة يف دكرته السادسةى عشرةى‬
‫عاـ ََِِـ بأنه‪ " :‬العدكاف الذم ٯتارسه أفراد أك ‪ٚ‬تاعات أك دكؿ؛ بغيان على اإلنساف يف دينه‬
‫كدمه كعقله كماله كعرضه‪ ،‬كيشمل صنوؼ التخويف كاألذل كالتهديد كالقتل بغَت حق‪ ،‬كما‬
‫يتصل بصور ا‪ٟ‬ترابة كإخافة السبيل كقطع الطريق ككل فعل من أفعاؿ العنف أك التهديد‪ ،‬يقع‬
‫تنفيذان ‪١‬تشركع إجرامي فردم أك ‪ٚ‬تاعي‪ ،‬كيهدؼ إُف إلقاء الرعب بُت الناس‪ ،‬أك تركيعهم‬
‫بإيذائهم‪ ،‬أك تعريض حياهتم أك حريتهم أك أمنهم أك أحوا‪٢‬تم للخطر‪ .‬كمن صنوفه إ‪ٟ‬تاؽ الضرر‬
‫بالبيئة أك بأحد ا‪١‬ترافق كاألمبلؾ العامة أك ا‪٠‬تاصة‪ ،‬أك تعريض أحد ا‪١‬توارد الوطنية أك الطبيعية‬
‫للخطر‪ .‬فكل هذا من صور الفساد يف األرض اليت هنى ا﵁ سبحانه كتعاُف ا‪١‬تسلمُت عنها "(ِ)‪.‬‬

‫(ُ) أما تسمية أفعاؿ القتل كالقتاؿ اليوـ إرهابا ؛ فهو داللة عرفية حادثة يف هذا اللفظ كليست من معنا اللغوم‪.‬‬
‫(ِ) انظر‪ :‬قرارات ‪٣‬تمع الفقه اإلسبلمي يف مكة ا‪١‬تكرمة ‪ /‬الدكرات من األكُف إُف السابعة عشرة‪ ،‬نشر رابطة‬
‫العاَف اإلسبلمي‪ ،‬مكة ا‪١‬تكرمة‪ ،‬طِ‪ ،‬صّٓٓ كقد صدر هذا البياف يف دكرة آّمع السادسة عشرة ا‪١‬تنعقدة‬
‫يف ُِ‪ ِٕ-‬شواؿ ُِِْهػ‪ ََِِ/‬ـ بعنواف (بياف مكة ا‪١‬تكرمة بشأف التفجَتات كالتهديدات اإلرهابية ‪/‬‬
‫أسبأّا‪ ،‬آثارها‪ ،‬حكمها الشرعي‪ ،‬كسائل الوقاية منها)‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ككذلك تعريف ‪٣‬تمع البحوث اإلسبلمية باألزهر لئلرهاب بأنه‪ " :‬تركيع اآلمنُت‪ ،‬كتدمَت‬

‫مصا‪ٟ‬تهم كمقومات حياهتم‪ ،‬كاالعتداء على أموا‪٢‬تم كأعراضهم كحرياهتم ككرامتهم اإلنسانية؛ بغيان‬
‫كإفسادان يف األرض "(ُ)‪.‬‬
‫كظاهر من هذين التعريفُت لئلرهاب أنه ثبلثة أنواع‪ :‬فردم‪ ،‬ك‪ٚ‬تاعي‪ ،‬كدكِف(ِ)‪.‬‬
‫فا‪١‬تراد باإلرهاب ا‪ٞ‬تماعي‪ :‬اإلرهاب الذم تركبه ‪ٚ‬تاعات من الناس؛ ٖتقيقا ‪١‬تآرب خاصة‪.‬‬
‫سواء أكانت تلك ا‪ٞ‬تماعات غَت منظمة‪ ،‬أـ كانت منظمة‪ ،‬كا‪ٞ‬تماعات اإلرهابية اليت تديرها‬
‫كتشرؼ عليها دكؿ ظاهرة أك مؤسسات أك هيئات ‪٥‬تتلفة(ّ)‪.‬‬
‫كا‪١‬تراد باإلرهاب الدكِف‪ :‬إرهاب الدكلة‪ ،‬كهو‪ :‬أف تنشر الدكلة الذعر كا‪٠‬توؼ أك تنهج‬
‫كسائل العنف؛ لبسط هيمنتها كنفوذها على أفراد ‪٣‬تتمعها أك على آّتمعات األخرل(ْ)‪ .‬كيدخل‬
‫يف هذا النوع من اإلرهاب أف يقع من دكلة كاحدة‪ ،‬كلكن بدعم من دكؿ أك حلف من الدكؿ‬
‫األخرل؛ فهذا حينئذ إرهاب دكِف ‪ٚ‬تاعي(ٓ)‪.‬‬
‫كما يظهر من هذين التعريفُت لئلرهاب أيضا‪ :‬أنه ‪٦‬تيَّز بوقوعه بغيا كعدكانا على معصوـ‬
‫الدـ كا‪١‬تاؿ كالعرض‪ ،‬كإفسادا يف األرض؛ فبل يقع ْتق‪ .‬كأف من صور ما يسمى يف الشريعة‬
‫اإلسبلمية بالقتل بغَت حق – كهو قتل ا‪١‬تعصوـ عدكانا‪ ،‬أم ببل موجب شرعي ‪ -‬كبالبغي ‪ -‬كهو‬
‫ا‪٠‬تركج على اإلماـ ا‪ٟ‬تق بغَت حق(ٔ)‪ -‬كبا‪ٟ‬ترابة – كهي إخافة السبيل كقطع الطريق على‬

‫(ُ) انظر‪ :‬عادؿ العبد ا‪ٞ‬تبار‪ ،‬اإلرهاب يف ميزاف الشريعة‪ ،‬صَِ‬


‫(ِ) انظر‪ :‬عبدا﵁ بن ‪٤‬تمد العمرك‪ ،‬أسباب ظاهرة اإلرهاب‪ ،‬صٕ كموسى ‪ٚ‬تيل الدكيك‪ ،‬اإلرهاب كالقانوف‬
‫الدكِف‪ ،‬دراسة منشورة ببل ترقيم على ا‪١‬توقع‪:‬‬
‫‪https://groups.google.com/forum/#!topic‬‬
‫(ّ) انظر‪ :‬موسى ‪ٚ‬تيل الدكيك‪ ،‬اإلرهاب كالقانوف الدكِف‪.‬‬
‫(ْ) انظر‪ :‬عبدا﵁ بن ‪٤‬تمد العمرك‪ ،‬أسباب ظاهرة اإلرهاب‪ ،‬صٕ‬
‫(ٓ) انظر‪ :‬موسى ‪ٚ‬تيل الدكيك‪ ،‬اإلرهاب كالقانوف الدكِف‬
‫(ٔ) انظر‪ :‬ابن عابدين‪ ،‬حاشيته‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬جْصْْٖ‬

‫‪246‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ا‪١‬تعصومُت؛ بقصد السرقة أك القتل أك اإلرعاب؛ اعتمادا على الشوكة كالقوة(ُ)– فكل ذلك من‬
‫مشموالت اإلرهاب كمسما يف اصطبلح الفقهاء‪.‬‬
‫كما أف من اإلرهاب يف هذين التعريفُت ما يكوف ٔتجرد األذل‪ ،‬أك ٔتجرد حجز ا‪ٟ‬ترية‪،‬‬
‫أك ٔتجرد التخويف كاإلرعاب‪ ،‬أك ٔتجرد التهديد‪ .‬كما يكوف كاقعا على البيئة أك ا‪١‬ترافق‬
‫كا‪١‬تمتلكات العامة أك ا‪٠‬تاصة‪.‬‬
‫على أف ا‪١‬تعصوـ يف نفسه كماله كعرضه هو‪ :‬ا‪١‬تسلم‪ ،‬كالذمي‪ ،‬كا‪١‬تستأمن‪ ،‬كا‪١‬تعاهد‪ ،‬ككل‬
‫من َف يتعرض للمسلمُت بعدكاف كال أذل من غَت ا‪١‬تسلمُت‪.‬‬
‫فأما الذمي‪ :‬فهو ا‪١‬تواطن غَت ا‪١‬تسلم يف أم من الدكؿ اإلسبلمية‪ .‬كأما ا‪١‬تستأمن‪ :‬فهو‬
‫ا‪ٟ‬تريب الذم بينه كبُت أم من الدكؿ اإلسبلمية حالة حرب‪ ،‬إذا دخل الدكلة بإذف من سلطتها؛‬
‫فيشمل السياح كالسفراء يف الدكؿ اإلسبلمية من ا‪ٟ‬تربيُت‪ .‬كأما ا‪١‬تعاهد‪ :‬فهو مواطن الدكلة اليت‬
‫بينها كبُت أم من الدكؿ اإلسبلمية معاهدة سبلـ أك صلح‪.‬‬
‫كأما تعريف اإلرهاب يف اصطبلح القانونيُت‪ :‬فقد اختلفت تعريفاته جدا؛ تبعا الختبلؼ‬
‫ص ُّورهم ‪ٟ‬تقيقة اإلرهاب كماهيته؛‬ ‫ً‬
‫ا‪١‬تعرفُت يف تى ى‬
‫الختبلؼ ّْ‬ ‫ا‪١‬تصاٌف كا‪١‬تعايَت كالقيم بُت الدكؿ‪ ،‬كتبعا‬
‫ص ُّور آخرين‪ .‬كما أف‬
‫ص ُّور بعضهم‪ ،‬فإنه قد ال يعد كذلك يف تى ى‬
‫ْتيث إف ما يعد إرهابا يف تى ى‬
‫تسييس هذا ا‪١‬تصطلح من جهة كثَت من الدكؿ منى ىع االتفاؽ على تعريف علمي كاضح له(ِ)‪،‬‬
‫استدخ ىل يف مدلوله ما ليس منه؛ بل إف بعض الدكؿ بلغت يف تسييس هذا ا‪١‬تصطلح أ ٍف تركت‬
‫ك ى‬
‫تعريفه رأسا؛ لتتمكن بذلك من إطبلقه على أم تصرؼ أك سلوؾ سياسي تريد ٕترٯتىه‪.‬‬

‫(ُ) انظر‪ :‬زكريا األنصارم‪ ،‬أسٌت ا‪١‬تطالب‪ٖ ،‬تقيق ‪٤‬تمد تامر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بَتكت‪َََِ ،‬ـ‪،‬‬
‫جْصُْٓ‬
‫(ِ) انظر هذ األسباب كغَتها يف‪ :‬هيثم عبد السبلـ ‪٤‬تمد‪ ،‬مفهوـ اإلرهاب يف الشريعة اإلسبلمية‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بَتكت‪ ،‬طُ‪ََِٓ ،‬ـ‪ ،‬صُٗ‪ ُِ -‬ك‪٤‬تمد ا‪ٟ‬تسيٍت ا‪١‬تصيلحي‪ ،‬اإلرهاب‪ ،‬مظاهر كأشكاله كفقا‬
‫لبلتفاقية العربية ‪١‬تكافحة اإلرهاب‪ْ ،‬تث منشور ضمن أكراؽ ا‪١‬تؤ٘تر العا‪١‬تي عن موقف اإلسبلـ من اإلرهاب‪،‬‬
‫جامعة اإلماـ ‪٤‬تمد بن سعود‪ََِْ ،‬ـ‪ ،‬صٖ‬

‫‪247‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كتغَت يف مدلوله كمعنا منذ بدأ‬


‫كعلى أية حاؿ فإف مصطلح اإلرهاب تعرض إُف تطور ُّ‬
‫عشر ا‪١‬تيبلدم؛ حىت إف بعض الباحثُت(ُ)أحصى لئلرهاب أكثر‬
‫الثامن ى‬
‫استعماله يف أكاخر القرف ى‬
‫من مئة تعريف منذ بدأت ‪٤‬تاكالت تعريفه بعد القرف الثامن عشر ا‪١‬تيبلدم إُف بداية الثمانينيات‬
‫عد تعريفه مضيعة للوقت؛‬
‫من القرف ا‪١‬تاضي‪ ،‬كحىت إف كثَتا من فقهاء القانوف الدكِف ذهبوا إُف ّْ‬
‫بسبب عجز آّتمع الدكِف عن كضع تعريف له ٭تظى بقبوؿ ا‪ٞ‬تميع‪ ،‬على الرغم من ا‪ٞ‬تهود‬
‫ا‪١‬تضنية اليت بذ‪٢‬تا أساتذة القانوف كالعلوـ السياسية كاألمنية يف سبيل ذلك(ِ)‪ .‬كلكننا – مع هذا‬
‫عرفته به أعلى ا‪١‬تراجع القانونية كالسياسية يف العاَف كالدكؿ‬
‫– ‪٪‬تشي يف هذا ا‪١‬تبحث على ما َّ‬
‫العربية كاألردف‪ ،‬كذلك على النحو التاِف‪:‬‬
‫عرفت ‪ٞ‬تنة القانوف الدكِف اإلرهاب يف ا‪١‬تشركع الذم قدمته للدكرة األربعُت للجمعية‬
‫العامة لؤلمم ا‪١‬تتحدة عاـ ُٖٓٗـ بأنه‪ " :‬كل نشاط إجرامي موجه إُف دكلة معينة كيستهدؼ‬
‫إنشاء حالة من الرعب يف عقوؿ الدكلة أك أم سلطة من سلطاهتا أك ‪ٚ‬تاعات معينة منها "‪.‬‬
‫كلكن اللجنة َف ٖتدد ا‪١‬تقصود بالنشاط اإلجرامي‪ ،‬إال أف األمثلة اليت ضربتها على جرائم اإلرهاب‬
‫توضح أف ا‪١‬تقصود منه العدكاف على األركاح أك األمواؿ أك عليهما معا‪ .‬كما أدخلت اللجنة ضمن‬
‫ا‪١‬تكونة لئلرهاب صناعةى األسلحة كحيازهتا كإمداد اإلرهابيُت ّٔا ‪١‬تساعدهتم‬
‫األنشطة اإلجرامية ّْ‬
‫على القياـ بأعما‪٢‬تم اإلرهابية(ّ)‪.‬‬

‫(ُ) كهو الدكتور أسامة الغزاِف (انظر‪ :‬أسامة الغزاِف‪ ،‬اإلرهاب كأحد مظاهر استخداـ العنف عربيا كدكليا‪ ،‬ضمن‬
‫ْتوث مؤ٘تر العنف كالسياسة يف آّتمعات العربية‪ ،‬منتدل الفكر العريب‪ ،‬األردف‪ ،‬صِٓ)‪.‬‬
‫(ِ) انظر‪ :‬هيثم عبد السبلـ‪ ،‬مفهوـ اإلرهاب يف الشريعة اإلسبلمية‪ ،‬صِّككرمي مزعل شيب‪ ،‬مفهوـ اإلرهاب ‪/‬‬
‫دراسة يف القانوف الدكِف كالداخلي‪٣ ،‬تلة أهل البيت‪ ،‬جامعة أهل البيت‪ ،‬كرببلء‪،‬العددِ‪ ،‬صّّ كموسى‬
‫الدكيك‪ ،‬اإلرهاب كالقانوف الدكِف‪.‬‬
‫(ّ) انظر‪ :‬كرمي مزعل‪ ،‬مفهوـ اإلرهاب ‪ /‬دراسة يف القانوف الدكِف كالداخلي‪ ،‬صّّ كموسى الدكيك‪ ،‬اإلرهاب‬
‫كالقانوف الدكِف‬

‫‪248‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫أما االتفاقية العربية ‪١‬تكافحة اإلرهاب ا‪١‬تربمة يف العاـ ُٖٗٗـ فقد عرفته بأنه‪ " :‬كل فعل‬
‫من أفعاؿ العنف‪ ،‬أك التهديد به‪ ،‬أيان كانت دكافعه أك أغراضه‪ ،‬يقع تنفيذ ‪١‬تشركع إجرامي فردم‬
‫أك ‪ٚ‬تاعي يهدؼ إُف إلقاء الرعب بُت الناس‪ ،‬أك تركيعهم‪ ،‬أك تعريض حياهتم أك حرياهتم كأمنهم‬
‫للخط‪ ،‬أك إ‪ٟ‬تاؽ الضرر بالبيئة‪ ،‬أك بأحد ا‪١‬ترافق أك األمبلؾ العامة كا‪٠‬تاصة‪ ،‬أك احتبل‪٢‬تا‪ ،‬أك‬
‫االستيبلء عليها‪ ،‬أك تعريض أحد ا‪١‬توارد الوطنية للخطر "(ُ)‪.‬‬
‫كيف األردف جاء تعريف العمل اإلرهايب يف قانوف منع اإلرهاب ا‪١‬تعدؿ لسنة َُِْـ بأنه‪:‬‬
‫اضه أك كسائله‪ ،‬يقع‬ ‫و‬
‫االمتناع عنه‪ ،‬أيٌان كانت بواعثيه كأغر ي‬
‫ي‬ ‫التهديد به‪ ،‬أك‬
‫ي‬ ‫مقصود‪ ،‬أك‬ ‫" كل عمل‬
‫تنفيذا ‪١‬تشركع إجرامي فردم أك ‪ٚ‬تاعي‪ ،‬من شأنه تعريض سبلمة آّتمع كأمنه للخطر‪ ،‬أك إحداث‬
‫اإلخبلؿ بالنظاـ العاـ‪ ،‬أك إلقاء الرعب بُت الناس‪ ،‬أك تركيعهم‪ ،‬أك‬
‫ي‬ ‫فتنة‪ ،‬إذا كاف من شأف ذلك‬
‫تعريض حياهتم للخطر‪ ،‬أك إ‪ٟ‬تاؽ الضرر بالبيئة أك ا‪١‬ترافق الدكلية أك البعثات الدبلوماسية‪ ،‬أك‬
‫احتبلؿ أم منها‪ ،‬أك االستيبلء عليها‪ ،‬أك تعريض ا‪١‬توارد الوطنية أك االقتصادية للخطر‪ ،‬أك إرغاـ‬
‫سلطة شرعية أك منظمة دكلية أك إقليمية على القياـ بأم عمل‪ ،‬أك االمتناع عنه‪ ،‬أك تعطيل تطبيق‬
‫الدستور أك القوانُت أك األنظمة "(ِ)‪.‬‬
‫كهذا التعريف ‪ -‬كما ترل ‪ -‬مأخوذ من تعريف اإلرهاب يف االتفاقية العربية ‪١‬تكافحة‬
‫تعطيل الدستور أك القوانُت أك‬
‫ى‬ ‫اإلرهاب‪ ،‬كلكن مع إضافة يسَتة جعلت من العمل اإلرهايب أيضا‬
‫األنظمة‪.‬‬
‫على أف ‪٦‬تا ينبغي التنبيه عليه هنا أف القانوف الدكِف كا‪١‬تنظمات الدكلية نصوا على أف‬
‫الفعل الذم عدك إرهابا يف تلك التعريفات ال يعد إرهابا كال يعاقب عليه القانوف الدكِف إف كاف‬

‫(ُ) انظر نص االتفاقية على شبكة قانونيي األردف‪:‬‬


‫ِِْٕٗ?‪http://www.lawjo.net/vb/showthread.php‬‬
‫(ِ) انظر نص هذا القانوف على شبكة قانونيي األردف‪:‬‬
‫ِِْٕٗ?‪http://www.lawjo.net/vb/showthread.php‬‬

‫‪249‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الدفاع عن حق الشعوب يف تقرير ا‪١‬تصَت(ُ)‪ ،‬أك ٖترير األرض ا﵀تلة‪ ،‬أك مقاكمة‬
‫ى‬ ‫الباعث عليه‬
‫ا﵀تل؛ ألف هذ األفعاؿ تقابل حقوقا يقررها القانوف الدكِف لؤلفراد كالدكؿ‪ ،‬كيكوف األمر حالئذ‬
‫متعلقا باستعماؿ مشركع للعقوبة طبقا ألحكاـ القانوف الدكِف كاالتفاقية العرفية(ِ)‪ ،‬كهو ما أكدته‬
‫كنصت عليه ا‪ٞ‬تمعية العامة لؤلمم ا‪١‬تتحدة يف دكرهتا األربعُت‪ ،‬حُت نصت على أهنا " إذ تشَت إُف‬
‫االتفاقات الدكلية القائمة ا‪١‬تتعلقة ّتوانب ‪٥‬تتلفة من مشكلة اإلرهاب الدكِف‪ ...‬كإذ تشعر ببالغ‬
‫القلق للتصاعد العا‪١‬تي ألعماؿ اإلرهاب ّتميع أشكا‪٢‬تا‪ ...‬كإذ تؤكد من جديد أيضا ا‪ٟ‬تق غَت‬
‫القابل للتصرؼ يف تقرير ا‪١‬تصَت كاالستقبلؿ ‪ٞ‬تميع الشعوب ا‪٠‬تاضعة لنظم استعمارية كعنصرية‬
‫كلغَتها من أشكاؿ السيطرة األجنبية‪ ،‬كإذ تقر شرعية كفاحها‪ ،‬كال سيما كفاح حركات التحرير‬
‫الوطٍت‪ ...‬تدين إدانة قاطعة ‪ٚ‬تيع أعماؿ كهنج ك‪٦‬تارسات اإلرهاب "(ّ)‪.‬‬
‫كما أكدت ذلك أيضا ا‪١‬تادةي الثانية من االتفاقية العربية ‪١‬تكافحة اإلرهاب لعاـ ُٖٗٗـ‪،‬‬
‫حاالت الكفاح ٔتختلف الوسائل‪ٔ ،‬تا يف ذلك الكفاح‬
‫ي‬ ‫حُت نصت على أنه " ال تعد جرٯتةن‬
‫ا‪١‬تسلح ضد االحتبلؿ األجنيب‪ ،‬كالعدكا يف من أجل التحرر كتقري ًر ا‪١‬تصَت‪ ،‬كفقا ‪١‬تبادلء القانوف‬
‫الدكِف "(ْ)‪.‬‬

‫(ُ) حق تقرير ا‪١‬تصَت‪ " :‬أف يكوف لكل شعب ا‪ٟ‬تق يف تكوين دكلة مستقلة كأف ٮتتار نظامه السياسي ْتريته "‪.‬‬
‫فتقرير ا‪١‬تصَت له جانباف‪ :‬أحد‪٫‬تا داخلي كيتعلق باختيار شكل ا‪ٟ‬تكم ا‪١‬تبلئم‪ ،‬كاآلخر دكِف كيتمثل يف حق‬
‫الشعب يف االستقبلؿ (انظر‪ :‬موسى الدكيك‪ ،‬اإلرهاب كالقانوف الدكِف)‪.‬‬
‫(ِ) انظر‪ :‬موسى الدكيك‪ ،‬اإلرهاب كالقانوف الدكِف ككرمي مزعل‪ ،‬مفهوـ اإلرهاب‪ /‬دراسة يف القانوف الدكِف‬
‫كالداخلي‪ ،‬صِْ‪ّْ-‬‬
‫(ّ) انظر قرارات الدكرة األربعُت للجمعية على ا‪١‬توقع‬
‫‪http://www.un.org/arabic/documents/GARes/َْ/GAResَْall.htm‬‬
‫(ْ) انظر نص اإلتفاقية على شبكة قانونيي األردف‪:‬‬
‫ِِْٕٗ?‪http://www.lawjo.net/vb/showthread.php‬‬

‫‪251‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫سهي اإلزِاب يف الظسٖع‪ ٛ‬اإلسالوٗ‪:ٛ‬‬


‫ال خبلؼ بُت علماء ا‪١‬تسلمُت يف أف اإلرهاب ٔتعنا االصطبلحي الشرعي الذم ذكرنا‬
‫‪٤ -‬ترـ ك‪٦‬تنوع شرعا؛ ألنه عدكاف على ا‪١‬تعصوـ يف نفسه أك ماله أك عرضه‪ ،‬كهو حرابة‪ ،‬أك بغي‪،‬‬
‫أك سعي يف األرض بالفساد‪ .‬كقد قاؿ سبحانه كتعاُف يف ٖترمي القتل بغَت حق‪ " :‬ىكىال تىػ ٍقتيػليوا‬
‫ً ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫س الًَّيت ىحَّرىـ اللَّهي إًَّال بًا ٍ‪ٟ‬تى ّْق "‪ .‬كقاؿ أيضا‪ " :‬م ٍن أ ٍ‬
‫(ُ)‬
‫يل أىنَّهي ىم ٍن‬‫ك ىكتىٍبػنىا ىعلىى بىٍت إ ٍسىرائ ى‬ ‫ىج ًل ىذل ى‬ ‫النَّػ ٍف ى‬
‫‪ٚ‬ت نيعا "(ِ) ‪.‬‬ ‫ض فى ىكأَّى‪٪‬تىا قىػتىل النَّاس ىً‬
‫ى ى‬ ‫س أ ٍىك فى ىس واد ًيف ٍاأل ٍىر ً‬ ‫قىػتىل نػى ٍف نسا بًغى ًٍَت نػى ٍف و‬
‫ى‬
‫ًَّ‬
‫كقاؿ سبحانه يف ٖترمي ا‪ٟ‬ترابة كاإلفساد يف األرض من صور اإلرهاب ا‪١‬تذكور‪ " :‬إ‪٪‬تىا ىجىزاءي‬
‫صلَّبيوا أ ٍىك تػي ىقطَّ ىع أىيٍ ًدي ًه ٍم‬
‫ض فى ىس نادا أى ٍف يػي ىقتَّػليوا أ ٍىك يي ى‬ ‫ين ي٭تىا ًربيو ىف اللَّهى ىكىر يسولىهي ىكيى ٍس ىع ٍو ىف ًيف ٍاأل ٍىر ً‬ ‫َّ ً‬
‫الذ ى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ؼ أىك يػٍنػ ىفوا ًمن ٍاألىر ً ً‬ ‫ً ً و‬
‫يم‬
‫اب ىعظ ه‬ ‫الدنٍػيىا ىكى‪٢‬تي ٍم ًيف ٍاآلخىرةً ىع ىذ ه‬‫م ًيف ُّ‬ ‫ك ى‪٢‬تي ٍم خ ٍز ه‬‫ض ذىل ى‬ ‫ىكأ ٍىر يجلي يه ٍم م ٍن خ ىبل ٍ ي ٍ ى ٍ‬
‫ص ىبل ًح ىها "األعراؼ‪ .ٓٔ/‬كا‪١‬تراد باإلفساد يف هذ‬ ‫"(ّ)‪ .‬كقاؿ أيضا‪ " :‬ىكىال تػي ٍف ًس يدكا ًيف ٍاأل ٍىر ً‬
‫ض بػى ٍع ىد إً ٍ‬
‫اآلية‪ :‬كل إفساد‪ ،‬قل أـ كثر‪ ،‬كمهما كانت صورته(ْ)‪.‬‬
‫ًً‬ ‫ً ًً‬
‫كقاؿ تبارؾ كتعاُف يف ٖترمي البغي كاإلذف بقتاؿ البغاة‪ " :‬ىكإً ٍف طىائ ىفتىاف م ىن الٍ يم ٍؤمن ى‬
‫ُت‬
‫يخىرل فىػ ىقاتًليوا الًَّيت تىػٍبغًي ىح َّىت تىًفيءى إً ىُف أ ٍىم ًر‬
‫ت إً ٍح ىد يا‪٫‬تىا ىعلىى األ ٍ‬
‫اقٍػتتػليوا فىأ ً‬
‫ىصل يحوا بػىٍيػنىػ يه ىما فىًإ ٍف بػىغى ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ىى‬
‫اللَّ ًه"(ٓ)‪.‬‬
‫كقاؿ نيب الر‪ٛ‬تة صلى ا﵁ عليه كسلم يف ٖترمي تركيع ا‪١‬تسلم‪ " :‬ال ٭تل ‪١‬تسلم أف يركع‬
‫مسلما "(ٔ)‪.‬‬

‫(ُ) األنعاـ‪ُُٓ/‬‬
‫(ِ) ا‪١‬تائدة‪ِّ/‬‬
‫(ّ) ا‪١‬تائدة‪ِّ/‬‬
‫(ْ) انظر‪ :‬القرطيب‪ ،‬تفسَت ‪ ،‬جٕصِِٔ‬
‫(ٓ) ا‪ٟ‬تجرات‪ٗ/‬‬
‫(ٔ) أخرجه أبو داكد يف سننه‪ ،‬بتعليق األلباين‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بَتكت‪ ،‬جْصْٖٓ كصححه األلباين‬

‫‪251‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كقد ثبت بنصوص شرعية كثَتة عصمة من ذكرنا أصنافهم من ا‪١‬تعصومُت(ُ) يف أنفسهم‬
‫كأموا‪٢‬تم كأعراضهم من ا‪١‬تسلمُت كغَتهم ؛ كمن ذلك مثبل ال حصرا‪:‬‬
‫قوله صلى ا﵁ عليه كسلم يف عصمة ا‪١‬تسلم‪ " :‬كل ا‪١‬تسلم على ا‪١‬تسلم حراـ‪ :‬دمه‪ ،‬كماله‪،‬‬
‫كعرضه "(ِ)‪.‬‬
‫كقوله صلى ا﵁ عليه كسلم يف عصمة الذمي كا‪١‬تستأمن كا‪١‬تعاهد‪ " :‬من قتل معاهدان َف يىرًح‬
‫رائحة ا‪ٞ‬تنة‪ ،‬كاف ر٭تها توجد من مسَتة أربعُت عامان "(ّ)‪ .‬مع أف لفظ ا‪١‬تعاهد عاـ يف كل من بينه‬
‫كبُت ا‪١‬تسلمُت عهد؛ فيشمل لذلك تلك األصناؼ الثبلثة‪.‬‬
‫كقوله سبحانه كتعاُف فيمن َف يتعرض للمسلمُت بعدكاف كال أذل من غَت ا‪١‬تسلمُت‪ " :‬ىال‬
‫كه ٍم ىكتػي ٍق ًسطيوا إًلىٍي ًه ٍم‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫َّ ً‬
‫ين ىَفٍ يػي ىقاتليويك ٍم ًيف الدّْي ًن ىكىَفٍ يٮتٍ ًر يجويك ٍم م ٍن ديىا ًريك ٍم أى ٍف تػىبىػُّر ي‬
‫يػىٍنػ ىها يك يم اللَّهي ىع ًن الذ ى‬
‫ُت "(ْ)‪.‬‬ ‫ًً‬ ‫إً َّف اللَّهى يً٭ت ُّ‬
‫ب الٍ يم ٍقسط ى‬
‫فهذ النصوص الشرعية الثابتة – كمثلها كثَت‪ -‬ظاهرة الداللة على حرمة االعتداء على‬
‫ا‪١‬تعصومُت من ا‪١‬تسلمُت كغَت ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬سواء أكاف اعتداءن على دمائهم – بالقتل أك ا‪ٞ‬تىٍرح – أـ‬
‫على أموا‪٢‬تم – بالغصب أك السرقة – أـ على أعراضهم – بالسب كاإلهانة كالذـ ‪ -‬كهي مع‬
‫ٖترمي هذا االعتداء فيها‪ ،‬صر٭تة يف تغليظ العقوبة على فاعله يف الدنيا كاآلخرة ؛ كٓتاصة ما كاف‬
‫من ذلك حرابة كإفسادا يف األرض؛ فإف عقوبته الدنيوية قد تبلغ القتل‪ ،‬كما يف نص اآلية الكرٯتة‪.‬‬
‫جاء يف بياف هيئة كبار العلماء يف السعودية لعقوبة من قاـ بأعماؿ إرهابية‪ " :‬من ثبت‬
‫شرعا أنه قاـ بعمل من أعماؿ التخريب كاإلفساد يف األرض اليت تزعزع األمن‪ ،‬باالعتداء على‬
‫األنفس كا‪١‬تمتلكات ا‪٠‬تاصة أك العامة‪ ،‬كنسف ا‪١‬تساكن أك ا‪١‬تساجد أك ا‪١‬تدارس أك ا‪١‬تستشفيات‬

‫(ُ) انظر أدلة عصمة هؤالء من النصوص الشرعية كغَتها يف‪ :‬عارؼ حسونه‪ ،‬صحيفة ا‪١‬تدينة يف العهد النبوم ‪/‬‬
‫دراسة فقهية مقارنة‪ ،‬رسالة ماجستَت غَت منشورة‪ ،‬جامعة آؿ البيت‪ ،‬ا‪١‬تفرؽ‪ََُِ ،‬ـ‪ ،‬صَُِ‪َُّ-‬‬
‫(ِ) أخرجه مسلم يف صحيحه‪ٖ ،‬تقيق ‪٤‬تمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء الًتاث العريب‪ ،‬بَتكت‪ ،‬جْصُٖٔٗ‬
‫(ّ) أخرجه البخارم يف صحيحه‪ٖ ،‬تقيق مصطفى البغا‪ ،‬دار ابن كثَت‪ ،‬بَتكت‪ ،‬طّ‪ُٖٕٗ ،‬ـ‪ ،‬جّصُُٓٓ‬
‫(ْ) ا‪١‬تمتحنة‪ٖ/‬‬

‫‪252‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كا‪١‬تصانع كا‪ٞ‬تسور ك‪٥‬تازف األسلحة كا‪١‬تيا كا‪١‬توارد العامة لبيت ا‪١‬تاؿ كأنابيب البًتكؿ‪ ،‬كنسف‬
‫الطائرات أك خطفها ك‪٨‬تو ذلك؛ فإف عقوبته القتل؛ لداللة اآليات ا‪١‬تتقدمة على أف مثل هذا‬
‫اإلفساد يف األرض يقتضي إهدار دـ ا‪١‬تفسد؛كألف خطر هؤالء الذين يقوموف باألعماؿ التخريبية‬
‫كضررهم أشد من خطر كضرر الذم يقطع الطريق فيعتدم على شخص فيقتله أك يأخذ ماله‪،‬‬
‫كقد حكم ا﵁ عليه ٔتا ذكر يف آية ا‪ٟ‬ترابة "(ُ)‪.‬‬

‫اإلزِاب ظاِس‪ ٚ‬عاملٗ‪ ٛ‬ال صٍاع‪ ٛ‬إسالوٗ‪:ٛ‬‬


‫اإلرهاب ليس صناعة إسبلمية‪ ،‬بل هو ظاهرة عا‪١‬تية ال ينسب لدين كال ٮتتص بقوـ؛‬
‫فاإلرهاب قدمي قدـ آّتمع البشرم‪ ،‬كمنه ما ظهر إباف الثورة الفرنسية عاـُّٕٗـ‪ ،‬كما صنعته‬
‫عشر‪ ،‬كما كقع خبلؿ‬
‫السادس ى‬
‫ى‬ ‫عشر ك‬
‫ا‪٠‬تامس ى‬
‫ى‬ ‫‪٤‬تاكم التفتيش الكاثوليكية يف اسبانيا يف القرنُت‬
‫القرف العشرين حُت قامت ‪ٚ‬تاعة أمريكية عرفت باسم كوكلوكس كبلف باستعماؿ العنف إلرهاب‬
‫ا‪١‬تواطنُت السود كا‪١‬تتعاطفُت معهم‪ .‬كيف ثبلثينيات القرف العشرين دأب ا‪ٟ‬تكاـ ا‪١‬تستبدكف ‪ -‬هتلر‬
‫يف أ‪١‬تانيا‪ ،‬كموسوليٍت يف إيطاليا‪ ،‬كستالُت يف االٖتاد السوفيييت سابقا ‪ -‬على استعماؿ اإلرهاب‬
‫يف مواجهة ا‪١‬تعارضُت ‪ٟ‬تكوماهتم‪ .‬كما بدأت موجة جديدة من اإلرهاب يف ستينيات القرف‬
‫العشرين حُت ظهرت ‪ٚ‬تاعة األلوية ا‪ٟ‬تمراء يف إيطاليا‪ ،‬كزمرة ا‪ٞ‬تيش األ‪ٛ‬تر يف أ‪١‬تانيا الغربية؛‬
‫ّٔدؼ ٗتريب األنظمة السياسية كاالقتصادية يف بلديهما لتطوير نظاـ جديد(ِ)‪.‬‬
‫كقبل قياـ دكلة إسرائيل عاـ ُْٖٗـ استعملت بعض ا‪ٞ‬تماعات اإلرهابية الصهيونية‬
‫اإلرهاب إلهناء االنتداب الربيطاين عن فلسطُت كإنشاء كطن لليهود فيها‪ .‬كمن أهم هذ‬
‫ا‪ٞ‬تماعات أك العصابات اإلرهابية الصهيونية‪ :‬منظمة ا‪٢‬تاغانا كا‪٢‬تاشومَت (فرؽ ا‪ٟ‬ترس) كفرؽ العمل‬
‫كالبا‪١‬تاخ (الصاعقة) كاألرغوف كعصابة شتَتف كمنظمة كاخ‪ .‬كقد قامت ا‪١‬تنظمات اإلرهابية‬

‫(ُ ) انظر‪ :‬الرئاسة العامة إلدارة البحوث العلمية كاإلفتاء كالدعوة كاإلرشاد‪٣ ،‬تلة البحوث اإلسبلمية‪،‬‬
‫جِْصّٖٔ القرار رقم ُْٖ‪ ،‬عاـ َُْٗ‬
‫(ِ) انظر‪ :‬ا‪١‬توسوعة العربية العا‪١‬تية‪ ،‬مادة إرهاب‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫الصهيونية ٔتها‪ٚ‬تة القرل كا‪١‬تدف الفلسطينية كارتكاب آّازر الفظيعة فيها كطرد أهلها إُف خارج‬
‫قراهم كمدهنم‪ .‬ككاف من أهم هذ آّازر ‪٣‬تزرة دير ياسُت قرب القدس كمذْتة بئر السبع ك‪٣‬تازر‬
‫صربا كشاتيبل‪ .‬كبعد قياـ اسرائيل تكونت ‪ٚ‬تاعات اليهود ا‪١‬تتطرفُت اليت تنكر أم حق للعرب‬
‫كا‪١‬تسلمُت يف الوجود يف أرض فلسطُت‪ ،‬بل كتؤمن بأف قتلهم يف مساجدهم ػ كما حدث يف‬
‫مذْتة ا‪ٟ‬ترـ اإلبراهيمي بفلسطُت ػ كاالستيبلء على مساكنهم كمزارعهم كاجب ديٍت على درجة‬
‫عالية من التأكيد(ُ)‪.‬‬
‫كذلك فإف من أكضح صور إرهاب الدكلة كأشدها بشاعة اإلرهاب الذم مارسه الصرب‬
‫يف كل من البوسنة كا‪٢‬ترسك ككوسوفا بغية التطهَت العرقي(ِ)‪ ،‬كقد متَّ ذلك ٔتعونة لوجستية للصرب‬
‫من بعض دكؿ أكربا‪ ،‬كْتجب اإلمداد اللوجسيت عن ا‪١‬تسلمُت من قبل دكؿ غربية أخرل‪ ،‬بل لقد‬
‫متَّ ارتكاب ا‪ٞ‬ترائم ٔتعونة أك تواطؤ عناصر غربية يف قوة حفظ السبلـ(ّ)‪.‬‬
‫كعلى الرغم من كقوع اإلرهاب من بعض ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬إال أف هذا ال يستلزـ أف اإلسبلـ يقر‬
‫اإلرهاب‪ ،‬كال أف اإلرهاب من اإلسبلـ؛ إذ اإلسبلـ دين الر‪ٛ‬تة كالرفق كالسماحة‪،‬ال دين العدكاف‬
‫ك٭ترمه‪ ،‬كيشدد يف‬
‫كالظلم كاالعتساؼ‪ ،‬كقد أكضحنا يف بياف حكم اإلسبلـ يف اإلرهاب أنه ي‪٬‬تّْرمه ي‬
‫عقوبة فاعله حُت يتلبس بأفعاؿ ا‪ٟ‬ترابة أك البغي أك القتل بغَت حق‪ .‬كإذا كاف كقوع اإلرهاب من‬
‫بعض ا‪١‬تسلمُت يستلزـ نسبة اإلسبلـ إُف اإلرهاب‪ ،‬فقد كجب أف كقوع اإلرهاب من بعض‬
‫النصارل كاليهود يستلزـ نسبة النصرانية كاليهودية إُف اإلرهاب أيضا‪.‬‬

‫(ُ) انظر‪ :‬ا‪١‬توسوعة العربية العا‪١‬تية‪ ،‬مادة إرهاب‪.‬‬


‫(ِ) انظر‪٤ :‬تمد ا‪٢‬توارم‪ ،‬اإلرهاب‪ /‬ا‪١‬تفهوـ كاألسباب كسبل العبلج‪ْ ،‬تث منشور ضمن أكراؽ ا‪١‬تؤ٘تر العا‪١‬تي عن‬
‫موقف اإلسبلـ من اإلرهاب‪ ،‬جامعة اإلماـ ‪٤‬تمد بن سعود‪ََِْ ،‬ـ‪ ،‬صُِ‬
‫(ّ) انظر‪ :‬صاٌف عبدالر‪ٛ‬تن ا‪ٟ‬تصُت‪ ،‬العبلقات الدكلية بُت منهج اإلسبلـ كا‪١‬تنهج ا‪ٟ‬تضارم ا‪١‬تعاصر‪ ،‬مكتبة‬
‫العبيكاف‪ ،‬صِٔ‬

‫‪254‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كالواقع أف إلصاؽ هتمة اإلرهاب باإلسبلـ إ‪٪‬تا يقصد من كرائها – على التحقيق ‪ -‬تنفَت‬
‫الناس عنه بعدما ثبت أنه أسرع الديانات انتشارا يف العاَف(ُ)‪ ،‬كٓتاصة يف الدكؿ الغربية‪.‬‬
‫جاء يف بياف ‪٣‬تمع الفقه اإلسبلمي يف مكة ا‪١‬تكرمة‪ " :‬كاتضح ألعضاء آّمع أف لصق‬
‫هتمة اإلرهاب باإلسبلـ عرب ‪ٛ‬تبلت إعبلمية‪ ،‬إ‪٪‬تا هو ‪٤‬تاكلة لتنفَت الناس من اإلسبلـ‪ ،‬حُت‬
‫يقبلوف عليه كيدخلوف يف دين ا﵁ أفواجا "(ِ)‪.‬‬

‫أسباب اإلزِاب‪:‬‬
‫ال ينبغي الكبلـ على سبل معا‪ٞ‬تة اإلرهاب كمكافحته‪ ،‬إال بعد الكبلـ على أسبابه؛ ألف‬
‫ط ‪٧‬تاعته؛ ك‪٢‬تذا فلنوطىء للكبلـ على سبل معا‪ٞ‬تة‬
‫معرفة سبب العلة مقدمة لعبلجها كشر ي‬
‫اإلرهاب يف اإلسبلـ با لكبلـ على أسبابه كدكاعيه أكال‪ ،‬مذكرين بأف اإلرهاب الذم نتكلم يف هذا‬
‫ا‪١‬تقاـ على أسبابه كسبل معا‪ٞ‬تته هو اإلرهاب الذم ال يدخل فيه الكفاح ا‪١‬تسلح ضد االحتبلؿ‬
‫األجنيب أك من أجل حق تقري ًر ا‪١‬تصَت‪ ،‬كفقا ‪١‬تبادلء القانوف الدكِف؛ كعلى هذا نقوؿ‪:‬‬
‫تتعدد أسباب ظاهرة اإلرهاب كتتفرع إُف أسباب كثَتة متداخلة يصعب يف هذ العجالة حصرها‪،‬‬
‫كلكننا نذكر أ‪٫‬تَّها كأكالها بالذكر على النحو اآليت‪:‬‬
‫ُ‪ -‬ا‪ٞ‬تهل بالدين‪ ،‬كالقصور يف العلم الشرعي‪ ،‬كالتباس ا‪ٟ‬تق بالباطل يف أذهاف الغبلة من‬
‫الشباب ا‪١‬تسلم‪ .‬كلعل من أسباب ذلك‪ :‬تتلم ىذ هؤالء على من ال علم عند ‪ ،‬أك على أنفسهم‪،‬‬
‫كأخ ىذهم بظواهر النصوص بدكف اعتبار لقواعد االستدالؿ كقواعد التعارض بُت األدلة‪ ،‬كبدكف‬

‫(ُ) أفادت دراسة ‪١‬تركز أْتاث "بيو" األمريكي بأف اإلسبلـ هو الديانة األسرع انتشارا حاليا يف العاَف‪ ،‬متوقعة أف‬
‫يتجاكز اإلسبلـ ا‪١‬تسيحية ليصبح الديانة األكثر انتشارا ْتلوؿ هناية القرف ‪.‬كقدرت الدراسة أف يزيد عدد‬
‫ا‪١‬تسلمُت بُت عامي ََُِ كََِٓ بنسبة ّٕ‪ ،%‬كيتبعهم ا‪١‬تسيحيوف بزيادة ّٓ‪ ،%‬كا‪٢‬تندكس بنسبة‬
‫ّْ‪ .%‬كأشارت الدراسة إُف أف ذلك يعٍت أف اإلسبلـ ‪ -‬ثاين أكرب ديانة حاليا‪ -‬سوؼ يتخطى ا‪١‬تسيحية‬
‫كأكرب ديانة يف العاَف ْتلوؿ هناية القرف (انظر‪ :‬قناة العربية‪ ،‬على ا‪١‬توقع االلكًتكين‪:‬‬
‫‪.)https://arabic.cnn.com‬‬
‫(ِ) انظر‪ :‬قرارات ‪٣‬تمع الفقه اإلسبلمي يف مكة ا‪١‬تكرمة ‪ /‬الدكرات من األكُف إُف السابعة عشرة‪ ،‬صِّٓ‬

‫‪255‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫اعتبار ألفهاـ العلماء الراسخُت يف العلم؛ مع الغفلة الشديدة عن مقاصد الشريعة‪ ،‬كقواعد تعارض‬
‫ا‪١‬تصاٌف كا‪١‬تفاسد(ُ)‪.‬‬
‫ِ‪ -‬إتباع الفتاكل الشاذة‪ ،‬كاألقواؿ الضعيفة الواهية ا‪١‬تأخوذة عمن ال يوثق بعلمه من‬
‫أدعياء العلم الشرعي(ِ)‪ ،‬كٓتاصة فيما تعلق من تلك الفتاكل بالتكفَت كاستباحة الدماء‪ ،‬كهو ما‬
‫تابعها من الدين كالعلم كالرأم إال ما‬
‫يؤكد كيكرسه التعصب للجماعة أك الطائفة؛ ْتيث ال يقبل ي‬
‫جاء عن طريقها(ّ)‪ ،‬كصدر عن أدعياء العلم الشرعي من مفتيها كمنظريها‪.‬‬
‫التأثر باألقواؿ اليت تصف آّتمع ا‪١‬تعاصر با‪ٞ‬تاهلية على‬
‫كلعل من صور ذلك كمظاهر ‪ :‬ى‬
‫‪٨‬تو يؤسس للفتول بتكفَت كردته‪ ،‬مث اعتزاله كمقاطعته‪ ،‬كالتحوؿ بعد ذلك إُف استعماؿ العنف‬
‫مع أفراد ‪ ،‬كاعتبار هدمه كهدـ مؤسساته نوعا من أنواع التقرب إُف ا﵁ سبحانه؛ أمرا با‪١‬تعركؼ‬
‫كهنيا عن ا‪١‬تنكر(ْ)‪.‬‬
‫ّ‪-‬منع ا‪ٟ‬تريات العامة ا‪١‬تقررة شرعا كقانونا؛ فإذا حرـ الناس من حرية التعبَت عن الرأم‪،‬‬
‫كمن ‪٤‬تاسبة ا‪١‬تسؤكلُت عن أخطائهم كتبديل ا‪١‬تهمل كا‪١‬تسيء منهم‪ ،‬فإهنم يتحولوف إُف العمل‬
‫السرم‪ ،‬ككلما ازداد الكبت من الدكلة ازداد التطرؼ كالعنف من جانب الرعية(ٓ)‪.‬‬
‫ْ‪ -‬الظلم االجتماعي يف بعض آّتمعات اإلسبلمية‪ ،‬كعدـ توافر ا‪٠‬تدمات األساسية من‬
‫كفساد ماِف يستوِف على كثَت‬
‫ه‬ ‫التعليم كالعبلج كالعمل‪ ،‬كٓتاصة إذا صحب هذا سوءي توزيع للثركة‪،‬‬
‫كفساد إدارم يف توزيع الوظائف كا‪١‬تناصب يف الدكلة‪ .‬فإف هذا كله من أسباب‬
‫ه‬ ‫من ا‪١‬تاؿ العاـ‪،‬‬

‫(ُ) انظر‪ :‬عبدا﵁ العمرك‪ ،‬أسباب ظاهرة اإلرهاب يف آّتمعات اإلسبلمية‪ ،‬صُُ‪ُٕ-‬‬
‫(ِ) انظر‪ :‬قرارات ‪٣‬تمع الفقه اإلسبلمي يف مكة ا‪١‬تكرمة ‪ /‬الدكرات من األكُف إُف السابعة عشرة‪ ،‬صّٗٓ‬
‫(ّ) انظر‪ :‬عبدا﵁ العمرك‪ ،‬أسباب ظاهرة اإلرهاب يف آّتمعات اإلسبلمية‪ ،‬صِٕ‬
‫(ْ) انظر‪٤ :‬ت مد القضاة كهايل داكد‪ ،‬كسائل معا‪ٞ‬تة اإلرهاب من منظور شرعي‪٣ ،‬تلة دراسات‪/‬علوـ الشريعة‬
‫كالقانوف‪ ،‬ا‪ٞ‬تامعة األردنية‪ ،‬آّلد ُّ‪ ،‬العددِ‪ ،ََِْ ،‬صَُ‬
‫(ٓ) انظر‪٤ :‬تمد القضاة كهايل داكد‪ ،‬كسائل معا‪ٞ‬تة اإلرهاب من منظور شرعي‪ ،‬صُِك‪٤‬تمد ا‪٢‬توارم‪ ،‬اإلرهاب‬
‫‪ /‬ا‪١‬تفهوـ كاألسباب كسبل العبلج‪ ،‬صُْ ك‪٤‬تمد ا‪٢‬توارم‪ ،‬اإلرهاب ‪ /‬ا‪١‬تفهوـ كاألسباب كسبل العبلج‪،‬‬
‫صُٔ‬

‫‪256‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫التذمر كا‪١‬تعاناة اليت قد تفضي إُف ما ال ٖتمد عقبا (ُ)‪ ،‬كتثَتي يف النفوس مشاعر ا‪ٟ‬تقد كالبغضاء‪،‬‬
‫كٕتعل من الذين يعانوف من ذلك هدفان ألصحاب التوجهات الغالية‪ ،‬ٯتكن استدراجهم باستغبلؿ‬
‫حاجتهم‪ ،‬كتوظيف نقمتهم لبللتحاؽ بركب الغالُت كسلوؾ سبيلهم(ِ)‪ ،‬كٓتاصة إذا كجد هؤالء‬
‫عند الغالُت مكانة متميزة َف ‪٬‬تدكها يف ‪٣‬تتمعهم الذم َف ٭تقق ‪٢‬تم األماف االقتصادم‪ ،‬كَف يتح‬
‫‪٢‬تم الفرصة لتحقيق طموحاهتم(ّ)‪.‬‬
‫ٓ‪-‬معاناة الشباب من الفراغ بأنواعه ا‪١‬تختلفة من الركحي‪ ،‬كالفكرم‪ ،‬كالزمٍت‪ .‬فهذا الفراغ‬
‫يف حياة الشباب ال ‪٬‬تد من ا‪١‬تربُت من ٯتؤل ٔتا يصلحهم كينفعهم‪ ،‬كهو ً‬
‫يوجد لديهم القابلية‬
‫لسائر ا‪١‬تؤثرات‪ ،‬سواء ا‪١‬تتجهة إُف التفريط كاال‪٨‬تبلؿ‪ ،‬أك إُف اإلفراط كالغلو كالعنف(ْ)؛‪.‬فيتلقفهم‬
‫حالئذ منظمو ا‪ٞ‬تماعات اإلرهابية كيعبئوهنم ك‪٬‬تندكهنم‪ ،‬إما مباشرة‪ ،‬كإما عرب كسائل التواصل‬
‫اإللكًتكنية اليت تستغرؽ الكثَت من أكقات هؤالء الشباب‪.‬‬
‫ا‪٠‬تطاب التحريضي من بعض الدعاة با‪ٟ‬تديث ا‪١‬تطرد‬
‫ي‬ ‫ٔ‪-‬الشحن العاطفي غَت ا‪١‬تىرشَّد‪ ،‬ك‬
‫ي‬
‫عن شيوع ا‪١‬تنكرات كا‪١‬تظاَف يف آّتمعات اإلسبلمية‪ ،‬كعن مكائد األعداء كظلمهم للمسلمُت؛‬
‫فإف من شأف هذا – إف َف يصحبه تنبيه من ا‪١‬تربُت كا‪١‬تعلمُت على الر‪ٛ‬تة با‪٠‬تىلٍق‪ ،‬كعصمة النفوس‬
‫شوقها إُف ا‪١‬تدافعة كاإلنكار‪ ،‬كمع قلة العلم‪ ،‬كغياب‬
‫‪ -‬أف يوقد جذكة الغَتة يف النفوس‪ ،‬كيي ّْ‬
‫الضوابط الشرعية‪ ،‬تسهل استجابة الشباب لدعاة الغلو كالعنف كاإلرهاب حينئذ(ٓ)‪.‬‬

‫(ُ) انظر‪ :‬قرارات ‪٣‬تمع الفقه اإلسبلمي يف مكة ا‪١‬تكرمة ‪ /‬الدكرات من األكُف إُف السابعة عشرة‪ ،‬صّٗٓ‬
‫(ِ) انظر‪ :‬عبدا﵁ العمرك‪ ،‬أسباب ظاهرة اإلرهاب يف آّتمعات اإلسبلمية‪ ،‬صّّ‬
‫(ّ) انظر‪٤ :‬تمد ا‪٢‬توارم‪ ،‬اإلرهاب ‪ /‬ا‪١‬تفهوـ كاألسباب كسبل العبلج‪ ،‬صُٓ‬
‫(ْ) انظر‪ :‬عبدا﵁ العمرك‪ ،‬أسباب ظاهرة اإلرهاب يف آّتمعات اإلسبلمية‪ ،‬صَّ ك‪٤‬تمد القضاة كهايل داكد‪،‬‬
‫كسائل معا‪ٞ‬تة اإلرهاب من منظور شرعي‪ ،‬صٕ ك‪٤‬تمد ا‪٢‬توارم‪ ،‬اإلرهاب ‪ /‬ا‪١‬تفهوـ كاألسباب كسبل العبلج‪،‬‬
‫صُٖ‬
‫(ٓ) انظر‪ :‬عبدا﵁ العمرك‪ ،‬أسباب ظاهرة اإلرهاب يف آّتمعات اإلسبلمية‪ ،‬صَّ‬

‫‪257‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫فهذ ‪ٚ‬تلة أسباب اإلرهاب باختصار‪ ،‬نتكلم يف ضوئها على سبل مكافحته كمعا‪ٞ‬تة‬
‫أسبابه؛ اعتبارا بأف مكافحته ال تكوف ناجعة ‪٣‬تدية إال إف تقررت على مقتضى أسبابه كدكاعيه؛‬
‫فنقوؿ‪:‬‬

‫سبن وعاجل‪ ٛ‬اإلزِاب‪:‬‬


‫ٯتكن إ‪ٚ‬تاؿ سبل مكافحة اإلرهاب يف ضوء ما تقدـ من أسبابه – ٔتا يأيت‪:‬‬
‫ُ‪ -‬التأكيد على عصمة النفس كا‪١‬تاؿ كالعرض الثابتة يف الشريعة اإلسبلمية لكل من ثبتت‬
‫له العصمة من ا‪١‬تسلمُت كغَت ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬على النحو الذم فصلنا بيانه يف حكم اإلرهاب يف‬
‫اإلسبلـ‪.‬‬
‫ِ‪ -‬كجوب االعتصاـ بالكتاب كالسنة‪ ،‬كالتحاكم إليهما يف شىت الشؤكف كآّاالت(ُ)؛ ٔتا‬
‫َّ‬
‫أف من شأف ذلك أف يقطع على اإلرهابيُت التمسك بًتؾ ٖتكيم الشرع؛ لتكفَت ا‪ٟ‬تكومات‬
‫كآّتمعات‪ ،‬مث استباحتها‪.‬‬
‫ّ‪ -‬تأصيل منهج الوسطية(ِ)‪ ،‬كفتح ‪ٚ‬تيع قنوات االتصاؿ با‪ٞ‬تماهَت أماـ دعاة اإلسبلـ‬
‫فهما صحيحا دقي نقا؛ ْتيث يتاح ‪٢‬تؤالء كافة كسائل االتصاؿ من‬
‫ا‪١‬تعتدؿ الذين يفهموف اإلسبلـ ن‬
‫تلفاز كمذياع كصحف ك‪٤‬تاضرات عامة كدركس كخطب با‪١‬تساجد كغَتها؛ ألف يف ذلك إشاعة‬
‫للفكر اإلسبلمي الصحيح ا‪١‬تعتدؿ الذم يقلل شيوعه من فرص نشأة التيار ا‪١‬تتطرؼ ا‪ٞ‬تانح إُف‬
‫(ّ)‬
‫العنف يف خطابه‬

‫(ُ) انظر‪ :‬قرارات ‪٣‬تمع الفقه اإلسبلمي يف مكة ا‪١‬تكرمة ‪ /‬الدكرات من األكُف إُف السابعة عشرة‪ ،‬صُّٔ‬
‫ك‪٤‬تمد القضاة كهايل داكد‪ ،‬كسائل معا‪ٞ‬تة اإلرهاب من منظور شرعي‪ ،‬صْْ‬
‫(ِ) انظر‪ :‬قرارات ‪٣‬تمع الفقه اإلسبلمي يف مكة ا‪١‬تكرمة ‪ /‬الدكرات من األكُف إُف السابعة عشرة‪ ،‬صُّٔ‬
‫(ّ) انظر‪ :‬عصاـ بن هاشم ا‪ٞ‬تفرم‪ ،‬اإلرهاب ‪ /‬األسباب كالعبلج‪ْ ،‬تث منشور ضمن أكراؽ ا‪١‬تؤ٘تر العا‪١‬تي عن‬
‫موقف اإلسبلـ من اإلرهاب‪ ،‬جامعة اإلماـ ‪٤‬تمد بن سعود‪ََِْ ،‬ـ‪ ،‬صٗكهيثم عبد السبلـ‪ ،‬مفهوـ‬
‫اإلرهاب يف الشريعة اإلسبلمية‪ ،‬صُِٖك‪٤‬تمد القضاة كهايل داكد‪ ،‬كسائل معا‪ٞ‬تة اإلرهاب من منظور‬
‫شرعي‪ ،‬صُٔكْْ‬

‫‪258‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫ْ‪ -‬تصدم العلماء كا‪١‬تؤسسات الدينية يف الدكؿ اإلسبلمية للفتاكل الشاذة ا‪١‬تضللة اليت‬
‫يصدرها ا‪١‬تتصدكف للفتول يف ا‪ٞ‬تماعات اإلرهابية؛ كببياف ‪٥‬تالفة تلك الفتاكل للحق كالصواب(ُ)‪،‬‬
‫أك لقواعد تعارض ا‪١‬تصاٌف كا‪١‬تفاسد؛ فبل يغًت ّٔا قليلو العلم من الشباب ا‪١‬تسلم‪.‬‬
‫كننو ههنا بأف دائرة اإلفتاء األردنية قد عقدت مؤ٘ترا علميا عا‪١‬تيا بعنواف (نقض شبهات‬
‫التطرؼ كالتكفَت) بتاريخ ُٕ‪/‬أيار‪َُِٔ/‬ـ يخصص ‪١‬تناقشة شبهات اإلرهابيُت كالرد على‬
‫فتاكاهم الشاذة ا‪١‬تضللة‪.‬‬
‫ٓ‪ -‬ا‪١‬تواجهة الفكرية لئلرهاب باعتماد أسلوب ا‪ٟ‬توار مع ا‪١‬تتطرفُت(ِ)؛ من أجل إيضاح‬
‫أكجه ا‪٠‬تطأ يف أفكارهم كآرائهم؛ فأغلب تصرفات اإلنساف إ‪٪‬تا تصدر عن فكر كمعتقد ؛‬
‫كالتصرؼ ا‪٠‬تاطىء لذلك ناتج عن معتقدات خاطئة يف األغلب‪ .‬كمن شواهد هذا األسلوب يف‬
‫معا‪ٞ‬تة التطرؼ يف التاريخ اإلسبلمي أف أمَت ا‪١‬تؤمنُت علي بن أيب طالب رضي ا﵁ عنه ‪ -‬يف‬
‫سعيه لعبلج مشكلة ا‪٠‬توارج قبل أف يقاتلهم ‪ -‬أرسل إليهم عبد ا﵁ بن عباس رضي ا﵁ عنهما؛‬
‫ليحاكرهم يف أفكارهم كآرائهم‪ ،‬كيبُت ‪٢‬تم كجه الفساد كا‪٠‬تطل فيها‪ ،‬كقد ‪٧‬تح ابن عباس يف‬
‫مهمته ‪٧‬تاحا الفتا كخفض عددهم إُف النصف بعدما تاب نصفهم(ّ)‪ .‬ككذلك تكرر هذا األمر‬
‫يف عهد ا‪٠‬تليفة األموم عمر بن عبد العزيز رضي ا﵁ عنه؛ فبا‪ٟ‬توار مع ا‪٠‬تارجُت على الدكلة‬
‫استطاع أف ‪٬‬تعل فًتة حكمه أهدأ فًتات الدكلة األموية(ْ)‪ ،‬كسكن ا‪٠‬توارج عنه حىت مات ر‪ٛ‬ته‬
‫ا﵁‪.‬‬

‫(ُ) انظر‪ :‬هيثم عبد السبلـ‪ ،‬مفهوـ اإلرهاب يف الشريعة اإلسبلمية‪ ،‬صُِٖ‬
‫(ِ) انظر‪ :‬عصاـ ا‪ٞ‬تفرم‪ ،‬اإلرهاب ‪ /‬األسباب كالعبلج‪ ،‬صٗ‪َُ-‬ك‪٤‬تمد القضاة كهايل داكد‪ ،‬كسائل معا‪ٞ‬تة‬
‫اإلرهاب من منظور شرعي‪ ،‬صْٓ ك‪٤‬تمد ا‪٢‬توارم‪ ،‬اإلرهاب ‪ /‬ا‪١‬تفهوـ كاألسباب كسبل العبلج‪ ،‬صِِ‬
‫(ّ) انظر‪ :‬ابن كثَت‪ ،‬البداية كالنهاية‪ ،‬مكتبة ا‪١‬تعارؼ‪ ،‬بَتكت‪،‬جٕصِِٖكابن تيمية‪ ،‬الفتاكل الكربل‪ٖ ،‬تقيق‬
‫أنور الباز كعامر ا‪ٞ‬تزار‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬طّ‪ََِٓ ،‬ـ‪ ،‬جُُصٖٓٔ‬
‫(ْ) انظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح البارم‪ٖ ،‬تقيق عبد العزيز بن باز ك‪٤‬تب الدين ا‪٠‬تطيب‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬جُّصُِ‬

‫‪259‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫كلكن ال بد لينجح ا‪ٟ‬توار مع ا‪١‬تتطرفُت من أف كوف ا﵀اكر ذا علم كاسع‪ ،‬متمكنا من دفع‬
‫الشبهات‪ ،‬كصاحب أسلوب نافذ إُف العقوؿ كالقلوب(ُ)؛ كإال كاف ما ييفسد أكثر ‪٦‬تا ييصلح‪.‬‬
‫كننو ههنا أيضا بأف الدكلة األردنية اعتمدت يف أساليبها ‪١‬تكافحة اإلرهاب أسلوب‬
‫‪٤‬تاكرة ا‪١‬تتطرفُت كاإلرهابيُت هذا بطريق إرساؿ العلماء إليهم يف السجوف؛ ﵀اكرهتم بعلم كإخبلص‬
‫كنصح؛ مع أخذ الدكلة بتوصية ‪ٞ‬تنة العلماء يف حاؿ أفلحت يف إقناع بعضهم‪.‬‬
‫ٔ‪ -‬التزاـ ا‪ٟ‬تكومات بضوابط حرية التعبَت يف اإلسبلـ؛ ْتيث ال تأذف للتطرؼ العلماين يف‬
‫كسائل اإلعبلـ بأف يثَت يس ٍخط ا‪١‬تسلمُت بطعنه على األحكاـ كا‪١‬تبادلء كالقيم الشرعية‪ ،‬أك‬
‫بدعوته إُف ما يصادمها كٮتالفها من ا‪١‬تيوعة كاال‪٨‬تبلؿ ا‪٠‬تلقي(ِ)‪.‬‬
‫ٕ‪ -‬احًتاـ ا‪ٟ‬تكومات ‪ٟ‬ترية اإلنساف يف التفكَت كإبداء الرأم‪ ،‬كعدـ التضييق على الناس‬
‫يف عقيدهتم‪ ،‬كاحًتاـ حقوؽ اإلنساف عامة كفق مبادلء الشريعة اإلسبلمية(ّ)‪.‬‬
‫ٖ‪ -‬ضركرة اعتماد مبدأ تداكؿ السلطة(ْ)‪ ،‬كإتاحة آّاؿ لئلسبلميُت ليشاركوا يف إدارة‬
‫الدكلة كإصبلحها؛ كٓتاصة إذا استحقوا ذلك بواسطة االنتخابات النزيهة‪ ،‬كالطرؽ القانونية‬
‫السلمية‪.‬‬
‫ٗ‪ -‬منع ا‪١‬تنكرات الفاشية يف كثَت من دكؿ ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬ك‪٤‬تاربة الفساد بكافة مستوياته(ٓ)‪.‬‬

‫(ُ) انظر‪ :‬عصاـ ا‪ٞ‬تفرم‪ ،‬اإلرهاب ‪ /‬األسباب كالعبلج‪ ،‬صٗ‪َُ-‬‬


‫(ِ) انظر‪ :‬عصاـ ا‪ٞ‬تفرم‪ ،‬اإلرهاب ‪ /‬األسباب كالعبلج‪ ،‬صٗ ك‪٤‬تمد القضاة كهايل داكد‪ ،‬كسائل معا‪ٞ‬تة‬
‫اإلرهاب من منظور شرعي‪ ،‬صْٓ ك‪٤‬تمد ا‪٢‬توارم‪ ،‬اإلرهاب ‪ /‬ا‪١‬تفهوـ كاألسباب كسبل العبلج‪ ،‬صِّ‬
‫(ّ) انظر‪٤ :‬تمد القضاة كهايل داكد‪ ،‬كسائل معا‪ٞ‬تة اإلرهاب من منظور شرعي‪ ،‬صّْ‪ْْ-‬‬
‫(ْ) انظر‪٤ :‬تمد ا‪٢‬توارم‪ ،‬اإلرهاب ‪ /‬ا‪١‬تفهوـ كاألسباب كسبل العبلج‪ ،‬صُِ‬
‫(ٓ) انظر‪ :‬عصاـ ا‪ٞ‬تفرم‪ ،‬اإلرهاب ‪ /‬األسباب كالعبلج‪ ،‬صٗ‪َُ-‬ك‪٤‬تمد ا‪٢‬توارم‪ ،‬اإلرهاب ‪ /‬ا‪١‬تفهوـ كاألسباب‬
‫كسبل العبلج‪ ،‬صِّ‬

‫‪261‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫َُ‪ -‬إعادة النظر يف فلسفة الًتبية كالتعليم كأهدافها كغاياهتا ٔتا ينسجم مع أهداؼ‬
‫الًتبية اإلسبلمية‪ ،‬كتضمُت ا‪١‬تناهج التعليمية القيم الركحية كاألخبلقية كالًتبوية اإلسبلمية(ُ)‪ ،‬كالتنبُّه‬
‫إُف خطورة تقليص ا‪١‬تناهج الشرعية يف التعليم يف كافة مراحله؛ ٔتا أف ذلك يفضي إُف إشاعة‬
‫ا‪ٞ‬تهل بالدين الذم يعد من أخطر أسباب اإلرهاب(ِ)‪.‬‬
‫ُُ‪ -‬كضع برامج فاعلة ‪ٟ‬تل مشكلة البطالة‪ ،‬كتوجيه طاقات الشباب يف إتاهات نافعة‬
‫كبرامج ٗتدـ آّتمع‪ ،‬كتعزز دكر اإلنساف يف أمته‪ ،‬مع توظيف اإلمكانات ا‪١‬تتاحة ‪٠‬تَت الفرد‬
‫كآّتمع(ّ)‪.‬‬
‫ُِ‪ -‬إتباع األساليب الشرعية يف مواجهة اإلرهابيُت‪ ،‬كالبعد عن الضربات األمنية‬
‫أشخاصا أبرياء أك ٘تثل انتها نكا ‪ٟ‬تقوؽ اإلنساف؛ ألف مثل هذ‬
‫ن‬ ‫االنتقامية الشاملة اليت قد تشمل‬
‫اإلجراءات قد تقمع ا‪١‬تظاهر ا‪٠‬تارجية لظاهرة اإلرهاب بصورة مؤقتة‪ ،‬كلكنها ترحلها بصورة‬
‫تراكمية إُف مستقبل تصبح فيه الظاهرة أشد خطورة كأكثر استعصاء على ا‪ٟ‬تل(ْ)‪.‬‬
‫ُّ‪ -‬مشاركة أفراد آّتمع ا‪١‬تسلم يف صيانة األمن العاـ يف الدكلة(ٓ)؛ ْتيث ال ييؤكف‬
‫اإلرهابيُت كال يتسًتكف عليهم‪ ،‬بل يسارعوف إُف كشفهم كالتبليغ عنهم‪ .‬كهذا يف الواقع ما دؿ‬
‫عليه قوله صلى ا﵁ عليه كسلم يف صحيفة ا‪١‬تدينة‪ " :‬كأف ا‪١‬تؤمنُت ا‪١‬تتقُت أيديهم على كل من‬

‫(ُ) انظر‪ :‬هيثم عبد السبلـ‪ ،‬مفهوـ اإلرهاب يف الشريعة اإلسبلمية‪ ،‬صُُٖك‪٤‬تمد القضاة كهايل داكد‪ ،‬كسائل‬
‫معا‪ٞ‬تة اإلرهاب من منظور شرعي‪ ،‬صْْ ك‪٤‬تمد ا‪٢‬توارم‪ ،‬اإلرهاب ‪ /‬ا‪١‬تفهوـ كاألسباب كسبل العبلج‪،‬‬
‫صُِ‬
‫(ِ) انظر‪ :‬قرارات ‪٣‬تمع الفقه اإلسبلمي يف مكة ا‪١‬تكرمة ‪ /‬الدكرات من األكُف إُف السابعة عشرة‪ ،‬صِّٔ‬
‫(ّ) انظر‪٤ :‬تمد القضاة كهايل داكد‪ ،‬كسائل معا‪ٞ‬تة اإلرهاب من منظور شرعي‪ ،‬صْْك‪٤‬تمد ا‪٢‬توارم‪ ،‬اإلرهاب‬
‫‪ /‬ا‪١‬تفهوـ كاألسباب كسبل العبلج‪ ،‬صِّ‬
‫(ْ) انظر‪٤ :‬تمد ا‪٢‬توارم‪ ،‬اإلرهاب ‪ /‬ا‪١‬تفهوـ كاألسباب كسبل العبلج‪ ،‬صِِ‬
‫(ٓ) انظر‪ :‬عارؼ حسونه‪ ،‬صحيفة ا‪١‬تدينة يف العهد النبوم ‪ /‬دراسة فقهية مقارنة‪ ،‬صُُْكُْٓ‬

‫‪261‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫اإلسالم وقضايا العصر‬

‫بغى(ُ) منهم‪ ،‬أك ابتغى ىدسيعةى ظيػ ٍلػ وم(ِ)‪ ،‬أك إ‪ٙ‬تان‪ ،‬أك عدكانان‪ ،‬أك فسادان بُت ا‪١‬تؤمنُت‪ ،‬كأف أيديهم‬
‫عليه ‪ٚ‬تيعان كلو كاف كلد أحدهم"(ّ)‪ .‬كقوله صلى ا﵁ عليه كسلم يف الصحيفة أيضا‪ " :‬كانه ال ٭تل‬
‫‪١‬تؤمن أقر ٔتا يف هذ الصحيفة كآمن با﵁ كاليوـ اآلخر أف ينصر ‪٤‬تدثان أك يؤكيه‪ ،‬كأف من نصر أك‬
‫آكا فاف عليه لعنة ا﵁ كغضبه يوـ القيامة‪ ،‬كال يؤخذ منه صرؼ كال عدؿ "‪.‬‬
‫فهذ أظهر كسائل معا‪ٞ‬تة اإلرهاب يف اإلسبلـ‪ ،‬تتلخص يف إنفاذ الشريعة اإلسبلمية‬
‫كالعمل بأحكامها يف آّاالت ا‪ٟ‬تياتية ا‪١‬تختلفة من سياسية كاقتصادية كاجتماعية كتربوية؛ فإف أمن‬
‫األكطاف كسبلمة األبداف أعظم مطلب تسعى إليه األمم‪ ،‬كيطمح إليه األفراد كا‪ٞ‬تماعات؛ كقد‬
‫ين ىآمنيوا‬ ‫َّ ً‬
‫أقاـ ا﵁ سبحانه هذ النعمة على سبب من اإلٯتاف به كطاعته؛ فقد قاؿ جل كعبل‪ " :‬الذ ى‬
‫ىكىَفٍ يػىلٍبً يسوا إًٯتىانػى يهم بًظيٍل وم أ ٍيكلىئً ى‬
‫(ْ)‬
‫‪ .‬كقاؿ سبحانه‪ " :‬ىكلى ٍو أ َّ‬
‫ىف أ ٍىه ىل الٍ يقىرل‬ ‫ك ى‪٢‬تي يم األ ٍىم ين ىكيهم ُّم ٍهتى يدك ىف"‬
‫‪ .‬كمن مث فإذا آمنا با﵁ جل كعبل‬ ‫ض"‬ ‫الس ىم ًاء ىكاأل ٍىر ً‬
‫(ٓ)‬ ‫آمنيواٍ كاتػَّ ىقواٍ لىىفتحنىا علىي ًهم بػرىك و‬
‫ات ّْم ىن َّ‬ ‫ى ٍ ى ٍ ىى‬ ‫ى ى‬
‫كأطعنا يف ‪ٚ‬تيع مناحي ا‪ٟ‬تياة فإف األمن كا‪ٟ‬تياة الطيبة ‪٫‬تا أكؿ ‪ٙ‬ترات ذلك اإلٯتاف كتلك الطاعة‪.‬‬

‫مت حبمد اهلل‬

‫(ُ) بغى‪ :‬من البغي‪ ،‬كهو التعدم‪ .‬الرازم‪٥ ،‬تتار الصحاح‪ ،‬صٗٓ‪ ،‬ا‪١‬تعجم الوسيط‪ ،‬جُ صْٔ‬
‫(ِ) الدسيعة‪ :‬العطية‪ .‬كدسيعة ظلم‪ :‬عطية ببل حق‪ .‬ا‪١‬تعجم الوسيط‪ ،‬جُ صِّٖ‬
‫(ّ) انظر ٗتريج بنود الصحيفة كا‪ٟ‬تكم عليها با‪ٟ‬تسن‪ ،‬يف‪ :‬هاركف رشيد ‪٤‬تمد‪ " ،‬صحيفة ا‪١‬تدينة‪ ،‬دراسة حديثيٌة‬
‫كٖتقيق "‪ ،‬رسالة ماجستَت بإشراؼ ‪٤‬تمد مصطفى األعظمي‪ ،‬كلية الًتبية‪ ،‬قسم الدراسات اإلسبلمية‪ ،‬جامعة‬
‫ا‪١‬تلك سعود‪ ،‬الرياض‪ َُْٓ ،‬هػ‪ ،‬صٓٔ فما بعدها‪.‬‬
‫(ْ) األنعاـ‪ِٖ/‬‬
‫(ٓ) األعراؼ ٔٗ‬

‫‪262‬‬
‫‌‬
‫‌‬

You might also like