You are on page 1of 19

‫‪1‬‬

‫شكر وعرفان‬
‫الحمد هللا الذي بشكره تدوم النعم ‪ ،‬الحمد هللا كما ينبغي لجالل وجهك وعظيم‬
‫سلطانك‬
‫الحمد هللا الذي أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة‪ ،‬فأنت يا رب املنعم بنعم ال تعد‬
‫‪.‬وال تحصى‪ ،‬سبحانك أنت أحق من يشكر ويذكر ويحمد‬
‫‪ :‬أتقدم بالشكر بعد ذلك إلى من تكرم باإلشراف على بحثنا هذا‪ ،‬األستاذ الفاضل‬
‫حمادي عبد الفتاح‪ ،‬الذي ما تواتى علينا في اإلرشاد والتصحيح‪ ،‬وما بخل علين‬
‫‪ .‬بوقت أو جهد ‪ ،‬فجزاه هللا خير الجزاء‬
‫كما نتقدم بالشكر والعرفان إلى أعضاء الهيئة التدريسية في قسم الشريعة اإلسالمية‬
‫بجامعة ‪ :‬محمد بوضياف الذين لهم الفضل علينا ‪ -‬بعد هللا عز وجل ‪ -‬بإرشادهم‬
‫وتعليمهم لنا‬
‫كما نتقدم بالشكر إلى كل من قدم لنا يد العون واملساعدة وشجعنا على إتمام هذا‬
‫" البحث " أحكام اليتيم في الفقه اإلسالمي‬
‫سائلين املولى جلت قدرته أن يجزيهم علينا خير الجزاء‪ ،‬ويجعل ذلك في ميزان‬
‫‪.‬حسناتهم‪ ،‬فبارك هللا لهم جميعا‬
‫‪2‬‬

‫مقدمة‬
‫نستفتح بالذي هو خير‪ ،‬حمدا هلل‪ ،‬وصالة وسالما على رسوله صلى هللا عليه‬
‫‪.‬وسلم ‪ -‬وعلى آله وصحبه وعباده الذين اصطفى صالة وسالما إلى يوم الدين‬
‫فالحمد هلل رب العاملين حمد الشاكرين‪ ،‬نحمده على عظيم نعمائه‪ ،‬ونبرأ إليه من‬
‫الحول والقوة ونخلص القول بأنه ال إله إال هللا‪ ،‬وتشهد أن سيدنا محمدا عبده األمين‬
‫على‬
‫وحيه‪ ،‬ورسوله الصادع بأمره ونهيه املؤيد بجوامع الكلم املبين للناس ما نزل إليهم‬
‫بلسان عربي مبين‪ ،‬فصلي اللهم عليه وعلى آله املتبعين لسنته وأصحابه املنيبين لشريعته‬
‫‪.‬وسلم تسليما كثيرا‬
‫‪:‬وبعد‬
‫فإن من نعم هللا تعالى على عباده أن وفقهم لطريق العلم وبصرهم فيه ولقاهم من‬
‫العلوم ما ينفعهم في الدارين‪ ،‬وكما قال في محكم تنزيله " وما يلقاها إال ذو حظ عظيم"(‬
‫‪)1‬‬
‫ووفقهم للدين‪ ،‬ومن أفضل العلوم وأعظمها التي ال ينضب معينها‪ ،‬وال يفنى كنزها هو‬
‫العلم الشرعي الذي أرسى له هللا سبحانه وتعالى مرساة ال تنفك إال أن تأخذ بيد البشر‬
‫‪.‬نحو بر األمان والنهج القويم‪ ،‬فال يترك املسلم حائرا في أمور دينه ودنياه‬
‫أساس الشريعة اإلسالمية املحمدية إنما يقوم على العلم ورفع الجهل والحرج عن‬
‫الناس‪ ،‬وهذا ما جاءت مشتملة عليه في جل أحكامها‪ ،‬التي سعت لتنظيم حياة اإلنسان‬
‫‪.‬واملجتمع وما تعلق بمختلف املعامالت السائرة في الحياة الدنيا‬
‫هذا إن دل على شيء فإنه يدل على عظيم فضل هذه الشريعة‪ ،‬التي لم تترك شيئا‬
‫خاصا متعلقا باملجتمع اإلسالمي مساهما في تربيته وتنشأته إال وأشارت إليه ووضحته‬
‫لألمة بمختلف الصيغ الدالة عليه‪ ،‬فلم تترك اإلنسان يسير حسبهواه‪ ،‬يخوض فيما ال‬
‫يدري‬
‫‪3‬‬

‫فيه مصلحته فيفسد عليه الحياة في الدارين‪ ،‬بل أخذت بيده لكل ما من شأنه أن يرفع‬
‫من‬
‫‪.‬مقامه في الدنيا واآلخرة‬

‫سورة فصلت ‪ /‬اآلية (‪(1) )35‬‬


‫ومن بين ما جاءت به الشريعة اإلسالمية من األحكام املنظمة ملواضيع وتعامالت الناس‬
‫‪.‬اإلجتماعية‪ ،‬موضوع اليتامى وما تعلق بهم من كفالة ورعاية وحماية لهم ولحقوقهم‬
‫‪،‬فعناية الشريعة اإلسالمية لم تقف عند املسلمين من خالل رحمتهم والعطف عليهم‬
‫وإنما سلطت ضوئها أيضا على األحكام الفقهية التي راعت األيتام من أجل حفظ‬
‫‪.‬كرامتهم‬
‫‪ :‬وتتمثل مدى أهمية هذا املوضوع في‬
‫أنه يشمل جانبا واقعيا من حياة الناس‪ ،‬إذ يحمل في محتواه أحكاما تخص اليتيم قد‬ ‫‪‬‬
‫يغفل الكثير عن مثلها‬
‫مدى اعتناء اإلسالم باأليتام منذ اللحظة األولى للرسالة‬ ‫‪‬‬
‫ترسيخ مبادئ الدين اإلسالمي لدى األيتام‬ ‫‪‬‬
‫ومن األسباب التي دفعتنا الختيار هذا املوضوع ‪:‬‬
‫ألهميته البالغة و التي سبقت اإلشارة إليها‬ ‫‪‬‬
‫حاجة املجتمع لهذا املوضوع في ظل الظروف الراهنة التي تشهدها الدول اإلسالمية‬ ‫‪‬‬
‫من أوضاع سياسية راح خاللها مئات الضحايا خلفوا ورائهم أبناء فكان من الواجب‬
‫توعية الناس بأحكام اليتيم‬
‫الرغبة في جمع شتات ما تفرق في بطون كتب الفقه مما يخص هذا املوضوع‬ ‫‪‬‬
‫‪:‬ومن الدراسات السابقة التي تناولت املوضوع تذكر التالي‬
‫مذكرة لنيل شهادة املاجستير بعنوان ‪ :‬استثمار أموال األيتام دراسة فقهية مقاصدية‬ ‫‪‬‬
‫‪.‬معاصرة‬
‫‪4‬‬

‫وهي عبارة عن بحث مقارن بين املذاهب األربعة بغية الوصول إلى أصح األقوال‬
‫‪ :‬وأقربها للدليل ‪ ،‬ومن نتائجها‬
‫أن الشريعة اإلسالمية ترمي إلى إنشاء مجتمع متضامن‬ ‫‪‬‬
‫الحرص الشديد الذي أولته الشريعة اإلسالمية األموال اليتامى‬ ‫‪‬‬
‫يجوز للولي استثمار اليتيم في مختلف عقود املعاوضات‬ ‫‪‬‬

‫ومذكرة لنيل شهادة املاجستير بعنوان حقوق اليتيم في الفقه اإلسالمي من إعداد‬ ‫‪‬‬
‫تسنيم محمد الجمال حسن‪. .‬‬
‫‪ ‬وهي عبارة عن دراسة تهدف إلى تبين مدى حقوق اليتيم الشخصية واملدنية‪.‬‬
‫‪ :‬ومن نتائجها‬
‫أن لإلسالم دور عظيم في الحفاظ على اليتامى‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬أن اإلسالم قد أمر باإلخالص في رعاية اليتيم‬
‫من خالل هذا فإن إشكالية املوضوع تتمحور حول أحكام اليتيم في الفقه اإلسالمي‬
‫أو بمفهوم آخر‪ ،‬ما هو أثر اليتم أو فقدان األب على األحكام الشرعية في حق اليتيم؟‬
‫وما املقصود باليتيم ؟‬
‫وما حكم النفقة على اليتيم ؟ وما هي أهم حقوقه ؟‬
‫وما أحكام الوالية على اليتيم في الفقه اإلسالمي ؟‬
‫‪ :‬ومن الصعوبات التي صادفتنا في موضوعنا هذا‬
‫ندرة بعض املصادر واملراجع املهمة في بحثنا‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬كما وأننا وجدنا صعوبة الحصول على املعلومات الخاصة باليتيم في الكتب الفقهية‬
‫ويرجع سببها إلى تفرقتها في كتب الفقه‪ ،‬وعدم اختصاص باب من أبوابها‪.‬‬
‫‪ ‬وتشعب املادة العلمية ‪.‬‬
‫قد اعتمدنا في ذلك على املنهج الوصفي االستكشافي والتحليلي‪ ،‬فالوصفي ألن طبيعة‬
‫الدراسة تتطلب ذلك‪ ،‬باعتبار أن هذا املنهج هو األكثر استخداما‪ ،‬أما التحليلي فهو‬
‫الذي يساعد على تحليل النتائج والتحقق من أحكامها باإلعتماد على الجانب النظري‬
‫وواقع‬
‫‪5‬‬

‫‪.‬املجتمع‬
‫أما ما يخص االقتباس وجمع املعلومات‬
‫‪ ‬فقمنا بتوثيقها وتهميشها بذكر الكاتب الكتاب التحقيق والتصنيف إن وجد‪ ،‬الجزء‬
‫‪.‬والصفحة‪ ،‬هذا عند ذكرها ألول مرة‬
‫أما إذا كان في نفس الصفحة نذكر الكاتب املرجع نفسه‬
‫‪.‬وعن الرواية املعتمدة في اآليات املستدل بها في البحث رواية حفص عن عاصم‬

‫‪ ‬وفي تخريج األحاديث انتهجنا طريقة ذكر إسم املرجع ثم الكتاب ثم الباب ورقم‬
‫الحديث إن وجد ثم الجزء والصفحة‬
‫‪ :‬واعتمدنا في ذلك على الخطة التالية‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم اليتيم وحاالته‬
‫املطلب ‪ 1‬تعريف اليتيم‬
‫املطلب ‪ 2‬اليتيم قبل اإلسالم وفي اإلسالم‬
‫املطلب ‪ 3:‬منزلة اليتيم في اإلسالم والحث على رعايته في القرآن والسنة‬
‫املطلب ‪ 4‬الوالية على اليتيم أقسامها وشروطها‬
‫املبحث الثاني‪ :‬أحكام مال اليتيم في عقود املعاوضات والتبرعات‬
‫املطلب ‪ : 1‬املضاربة بمال اليتيم ومشروعيته‬
‫املطلب ‪ : 2‬البيع والشراء بغبن فاحش‬
‫املطلب ‪ : 3‬بيع مال اليتيم نسيئة ومعاوضة‬
‫املطلب ‪ : 4‬قرض وإعارة مال اليتيم‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬حقوق مال اليتيم املدنية واحكامها‬
‫املطلب ‪ 1‬الحق في الكفالة تعريفها‬
‫املطلب ‪ 2:‬مظاهر عناية وكفالة اليتيم في اإلسالم‬
‫املطلب ‪ 3‬حكم كفالة اليتيم والفرق بينها وبين التبني‬
‫املطلب ‪ 4‬حق اليتيم في الرعاية الصحية والعالج والتعليم‬
‫املبحث الرابع‪ :‬حقوق اليتيم املالية واحكامها‬
‫املطلب ‪ 1‬حق اليتيم في امتالك املال‪ ،‬ومصادره‬
‫‪6‬‬

‫املطلب ‪ 2‬حكم مخالطة اليتيم في ماله‬


‫املطلب ‪ 3‬حكم زكاة مال اليتيم‬
‫‪.‬املطلب ‪ 4‬حكم االتجار في أموال اليتامى‬

‫‪.‬املبحث األول ‪ :‬مفهوم اليتيم وحاالته‬


‫اَل َل َخ‬ ‫ْل َت ُق‬ ‫َأ ُل َن‬
‫وَي ْس و َك َع ِن ا َي اَم ى ْل ِإ ْص َح ُه ْم ْي ٌر "إن هذه اآلية وما شاكلها من آيات كثيرة"‬
‫وفي مواضع عدة في القرآن الكريم ما جاءت إال لتوضح لنا عناية الشريعة اإلسالمية‬
‫باليتيم‪ ،‬وإلرساء دعامة متينة في املجتمع اإلسالمي تقوم على العدل واإلحسان والبر له‪،‬‬
‫والعطف عليه ‪ .‬لفقدان هذا األخير لسنده ومعيله في هذه الحياة‪ ،‬فتناولت كل ما من‬
‫شأنه أن يقيم له الحياة الكريمة واهتمت بكافة حقوقه التي يجب أن تؤدى إليه من غير‬
‫إجحاف وهذا ما أكدت عليه سنة النبي املصطفى صلى هللا عليه وسلم أيضا‪ ،‬وما‬
‫‪.‬سنحاول أن نشير إليه ونتناوله في هذا املبحث‬
‫املطلب األول ‪ :‬تعريف اليتيم‬
‫لغة ‪ :‬جذر الكلمة يتم واليتم هو االنفراد واليتيم الفرد وكل شيء مفرد واليتيمة من‬
‫الرمل املنقطعة املنفردة‪ ،‬وأصل اليتيم الغفلة ‪ ،‬وبه سمى اليتيم يتيما ‪ ،‬ألنه يتغافل عن‬
‫بره ! ‪ 1‬ويقول ابن منظور في لسان العرب اليتم واليتم فقدان االب وكل شيء منفرد‬
‫يعز نظيره‬
‫فهو يتيم ‪ ،‬ويقال "درة يتيمة ‪22 2 -‬‬
‫ويقول ابن السكيب ‪ :‬اليتم في الناس من قبل األب وفي البهائم من قبل األم اليتيم‬
‫‪7‬‬

‫‪ ،‬أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم األفريقي املصري ‪ ،‬لسان العرب املحيط إعداد وتصنيف يوسف خياط‬
‫طبعة بوالق دار صادر ‪ -‬بيروت سنة ‪ ، 1968‬ص ‪1004‬‬
‫محمد بن أبي بكر ‪ ،‬مختار الصحاح ‪ ،‬تحقيق محمود خاطر ‪ ،‬ج ‪ ( 2‬د ) مكتبة لبنان‪ ،‬بيروت‪ ، 1995 ،‬ص ‪745‬‬
‫اصطالح الشرع ‪ :‬لليتيم عدة تعريفات في االصطالح منها ‪ :‬عرفه ابن تيمية ‪ :‬هو الصغير‬
‫الذي فقد أباه ‪ ..‬وهو من مات أبوه وهو صغير دون البلوغ ذكرا كان أو أنثى فإذا بلغ زال‬
‫عنه اليتم واستقل بنفسه لقوله ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ " -‬ال يتم بعد احتالم ‪ ،‬وال‬
‫صمات الى الليل ‪ ..‬قال الزحيلي بأن اليتيم هو ‪ :‬الذي مات أبوه قبل بلوغ الحلم سواء‬
‫‪ ،‬أكان غنيا أم فقيرا‬
‫ذكرا كان أو أنثى ‪50‬‬
‫‪ .‬املطلب الثاني ‪ :‬اليتيم قبل اإلسالم‬
‫ُك‬ ‫َل‬ ‫َك‬ ‫َّل‬ ‫َأْل‬ ‫ُل‬ ‫َت‬ ‫َّل‬
‫قال هللا سبحانه وتعالى واَّتُق وا َهللا ا ِذ ي َس اء وَن ِب ِه َو ا ْر َح اَم ِإ َّن ال َه اَن َع ْي ْم رقيبا ‪،‬‬
‫فيتبين لنا من خالل هذه اآلية ويفهم أن هللا سبحانه وتعالى قد وضع لدينه وأقام‬
‫لإلسالم قاعدة اإلحسان والبر والتقوى لليتيم ‪ ،‬وفتح أمامه األبواب التي تمكنه من أن‬
‫‪.‬يستقر في املجتمع بصفة عادية كباقي االفراد‬
‫لكن إذا تتبعنا حالة اليتيم في الشرائع األخرى وقبل مجيء اإلسالم فإننا نجد أن اليتيم‬
‫قد كان مهمشا في املجتمع‬
‫فقبل ولوج وبزوغ فجر اإلسالم وتعاليمه الحنيفة ما كان لليتيم أن يحيا الحياة الكريمة‬
‫الالئقة به‪ ،‬بل وقد يضيع حقه قبل أن يؤتى إياه ‪ ،‬ويستغل وضعه بشتى الطرق‬
‫‪8‬‬

‫‪ .‬تقي الدين أحمد بن تيمية‪ ،‬مجموع فتاوى ابن تيمية ت (‪ )728‬تخريج عامر الجزار ‪ -‬أنور الباز " ج ‪ ،34‬دط‬
‫ص ‪108 1416-1995،‬‬
‫والعجي من ماتت أمه واللعيم من ماتت أمه وأبوه قبل بلوغه ( املفردات ) عادة يتيم‬
‫أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص الحنفي‪ ،‬أحكام القرآن مت (‪ )370‬تحقيق على محمد البجاوي ‪ ،‬ج ‪ -1‬د‪.‬ط‬
‫‪ .‬دار الفكر بيروت‬
‫أبو داود سليمان بن األشعث األزدي السجستاني ت شعيب األرناؤوط‪ ،‬سنن أبي داود كتاب الوصايا " برقم‬
‫الحديث‬
‫ج ‪ ،3‬ص ‪ ،73‬من حديث علي بن أبي طالب رضي هللا عنه عن النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أنه قال ‪ :‬ال ‪2873 ،‬‬
‫يتم بعد احتالم ‪ .....‬وصححه األلباني وله شاهد من حديث جابر وأنس رضي هللا عنهما‬
‫وهبة الزحيلي ‪ ،‬الفقه اإلسالمي وأدلته ‪ ،‬ج ‪ 28‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ 1989 ،‬ص ‪79‬‬
‫سورة النساء ‪ /‬اآلية ( ‪) 1‬‬
‫وما يشير إلى هذا الوضع هو قول حليمة السعدية في روايتها ‪ " :‬من عدم رغبة‬
‫املرضعات في إرضاع اليتيم ونفورهن منه بسبب فقده للوالد الذي يعطيهن أجر‬
‫الرضاعة فيقول علي بن برهان الدين في كتابه ‪ ":‬إنما نرجوا املعروف من اب الصبي ‪،‬‬
‫فكنا نقول يتيم!! ما عسى أن تصنع أمه وجده ؟؟ فكنا نكرهه لذلك ‪ ..‬أيضا من مظاهر‬
‫ظلم اليتيم وأكل حقه في هذا العصر‪ ،‬ما جاء به اإلمام القرطبي في تفسيره لقوله تعالى‬
‫( للرجال نصيب ) فنزلت هذه اآلية بأوس بن ثابت األنصاري ‪ ،‬فقد توفي وترك امرأة‬
‫يقال لها " أم كجة " وثالث بنات له منها‪ ،‬فقاما ابنا عم امليت‬
‫ووصياه‪ ،‬يقال لهما سويد وعروجة ؛ فأخذا كل ماله ولم يعطيا المرأته وابنتاه شيئا ‪ ،‬اذ‬
‫أنه لم يكن للنساء وال الصغار ميراث في الجاهلية‪ ،‬فكانوا يقولون ال يعطى إال من قاتل‬
‫على ظهور الخيل وطاعن بالرمح وضارب بالسيف وحاز الغنيمة " فذكرت أم كجة ذلك‬
‫لرسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬فدعاهما إليه‪ ،‬فقاال ‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬ولدها ال يركب‬
‫الفرس وال يحمل كال وال ينكأ عدوا‪ .‬فقال عليه الصالة والسالم "انصرفا حتى أنظر ما‬
‫ُك‬ ‫ُك‬
‫‪ .‬يحدث هللا لي فيهن " فأنزل هللا تعالى قوله ( ُي وِص ي ُم هللا في أوالِد ْم ) حتى قوله‬
‫الفوز العظيم ‪3‬‬
‫وذاك إيطاال لقولهم وتصرفهم من غير علم ‪ ،‬فدعاها النبي وأمرهما أن يعطيا أم كجة‬
‫* الثمن مما ترك أوس ولبناته الثلثين ولهما بقية املال‬
‫‪9‬‬

‫وفي كثير من اآليات التي جاءت مشتملة على أحكام اليتامى تجدها مقترنة بذكر املواريث‬
‫‪.‬إذ أنهم هم األحق بتركة املال من الكبار لقصرهم وعدم تصرفهم أو معرفة‬

‫علي بن برهان الدين‪ ،‬السيرة الحلبية في سيرة األمين املأمون ج‪ ، 1‬دط ‪ ،‬دار املعرفة ‪ ،‬بيروت ‪ / 1440 ،‬ص ‪85‬‬
‫سورة النساء اآلية ( ‪)7‬‬
‫) السورة النساء ‪ /‬اآلية (‪13 )11‬‬
‫أبو عبد هللا بن أحمد األنصاري ‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن واملبين ملا تضمنه من السنة وأي الفرقان ‪( ،‬ت ‪ )671‬ج‬
‫‪ ،5‬ط‬
‫دار الشعبي ‪ ،‬القاهرة )‪ ، 2006 ،‬ص ‪1 36‬‬

‫مصالحهم‪ ،‬لكن أكثر أهل الجاهلية عملوا على عكس الحكم‪ ،‬فضلوا بأهوائهم‬
‫وتصرفاتهم‪ ،‬وظلموا اليتامى بأكل حقوقهم املشروعة لهم‬
‫‪ ‬حاالت اليتيم في اإلسالم ‪:‬‬
‫‪ : .‬يمكن أن نجمل حالة اليتيم في اإلسالم في حالتين اثنين وهما‬
‫‪ ‬أن يموت أبوه ويترك له ماال ‪ ،‬فتتكفل به أمه أو جده أو عمه مثال ‪ ،‬ويرعونه‬
‫فيحفظ له ماله ‪ ،‬وال يقربه اال بالحسنى ثم يؤديه إليه حينما يبلغ ويعلم منه أنه‬
‫يستطيع‬
‫التصرف فيه‬
‫‪ ‬وفي هذا يقول الشيخ ‪ -‬عبد العزيز بن باز رحمه هللا ‪ -‬في فتواه " أما إذا خلفا له‬
‫ماال يقوم بحاله ‪ ،‬فإنه حينئذ ال يكون محال للصدقة‪ ،‬وإنما يكون محال للرعاية والعناية‬
‫بماله واإلحسان إليه حتى ينموا هذا املال ويحفظ ‪ ،‬وهو كذلك يكون محل العناية من‬
‫حيث التربية والتوجيه والتعليم ‪ ،‬فاليتيم في حاجة الى تربيته تربية إسالمية وتوجيهه‬
‫ُل‬ ‫َأ‬ ‫اَّل َّل‬ ‫ْل‬ ‫َو اَل َتْق‬
‫َر ُب وا َم اَل ا َي ِت يِم ِإ ِب ا ِت ي ِه َي ْح َس ُن َح َّت ى َيْب غ‬ ‫وإرشاده لقوله عز وجل ‪﴿ :‬‬
‫أشده ‪1‬‬
‫‪10‬‬

‫‪ ‬فدلت اآلية هنا على وجوب حفظ أموال اليتامى وصيانتها والعناية بها وتنميتها‬
‫والتجارة فيها والقيام بأداء أمانتها ‪ ،‬حتى يبلغ اليتيم أشده ‪ ،‬وتزول عنه الصفات التي‬
‫كانت تحول دون تصرفه في هذا املال‬
‫كما توضح اآلية عدم جواز الطمع في مال اليتيم أو اإلساءة إليه أو تعريضه للفساد‬
‫َك َف ْن َن ُت‬ ‫َذ َل ُغ‬
‫والضياع ‪ ،‬لعموم قوله تعالى ‪ ﴿ :‬وابتلوا اليتامى َح َّت ى ِإ ا َب وا الِّن اَح ِإ آ ْس م‬
‫َل َأ َل‬ ‫ْش َف َف‬
‫ِّم ْن ُه ْم ُر ًد ا اْد ُع وا ِإ ْي ِه ْم ْم َو ا ُه ْم ) ‪2‬‬

‫سورة األنعام ‪ /‬اآلية (‪)152‬‬


‫) سورة النساء ‪ /‬اآلية ‪6‬‬

‫ففي قوله تعالى " وابتلوا اليتامى " الخطاب هنا موجه ملن عهد إليهم أمر اليتامى من‬
‫األوصياء وملن تولى كفالتهم من األولياء بأمر الوالي الشرعي أو من أقاربهم أو من عامة‬
‫الناس ‪ ،‬بأن يختبروهم عند البلوغ أو قبله بيسير وعند مقاربتهم للرشد ‪ ،‬وذلك‬
‫ليستطيع الولي من التعرف على حسن تصرف اليتيم في ماله وحفظه وصيانته ‪ 2‬وكما‬
‫تمت اإلشارة إليه من عدم جواز الطمع في مال اليتيم أو أخذه من غير وجه حق في‬
‫ذلك ‪ ،‬إذ أن هذا من أعظم أسباب العقوبات وكبائر الذنوب لقوله تعالى َّن اَّل يَن‬
‫ِإ ِذ‬
‫ًر‬ ‫َس‬ ‫َي ْأ ُك ُل َن َأ ْم َو َل ْل َي َت َم ٰى ُظْل ًم َّن َم َي ْأ ُك ُل َن ُب ُط ْم َن ًر َو َس َي ُل َن‬
‫ا ِإ ا و ِف ي وِن ِه ا ا ص و ِع ي ا‬ ‫ا ا ا‬ ‫) و‬
‫ويؤكد معناها ما جاء من حديث النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أنه قال ‪ " :‬اجتنبوا السبع‬
‫املوبقات فلن ما من يارسول هللا ؟ قال ‪ :‬الشرك باهلل والسحر ‪ ،‬وقتل النفس التي حرم‬
‫هللا اال بالحق ‪ ،‬وأكل الربا ‪ ،‬وأكل مال اليتيم ‪ ،‬والتولي يوم الزحف ‪ ،‬وقذف‬
‫املحصنات املومنات الغافالت ‪4‬‬
‫‪ -‬فكان من بين هذه املوبقات السبع التي أشار إليها النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‬
‫أكل مال اليتيم‬
‫الحالة الثانية ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪11‬‬

‫‪ ‬أن يموت أبوه ويترك له من املال شيئا ‪ ،‬فهذا تكون نفقته على أمه أو أقاربه بالحسنى‬
‫َش ْيًئ‬ ‫َو ْع ُب ُد َهللا َو اَل ُت ْش ُك‬
‫ا‬ ‫ِر وا ِب ِه‬ ‫وذاك من باب اإلحسان والبر به لقوله تعالى ﴿ ا وا‬
‫وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى‬

‫أبي بكر محمد بن عبد اللهين العربي املعافري اإلشبيلي ‪ ( ،‬ت (‪ ، )543‬أحكام القرآن تحقيق على محمد البجاوي ‪،‬‬
‫‪ ) 1‬دار الفكر‪ ،‬بيروت ) ‪1972،1392‬‬
‫إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي أبو الفداء ‪ ،‬تفسير ابن كثير ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت ‪ ) 1401‬سورة النساء ‪ /‬اآلية‬
‫(‪)10‬‬
‫البخاري ‪ -‬أبو عبد هللا محمد بن إسماعيل ‪ -‬الجامع الصحيح ‪ ( ،‬صحيح البخاري ( كتاب " الوصايا " باب قول هللا‬
‫تعالى " إن الذين ياكلون أموال الربا حديث رقم ‪ ،2767‬ج ‪ ، 4‬ص ‪10‬‬
‫سورة النساء ‪ /‬اآلية (‪) 36‬‬

‫فاليتيم في هذه اآلية اعتبر من الفقراء واملساكين ‪ ،‬والزكاة له جائزة ‪ ،‬يقول تعالى أيضا "‬
‫َمْل‬ ‫ْل َت‬ ‫ُق‬
‫ْل ما أنفقتم من خير فللوالدين واألقربين وا َي اَم ى َو ا َس اِك يِن َو اْب ِن الَّس ِب يل‬
‫َّل َه‬ ‫َخ َف‬ ‫َتْف ُل‬
‫وما َع وا ِم ْن ْي ٍر ِإ َّن ال ِب ِه َع ِل يٌم " من السنة ما جاء من حديث رسول هللا ‪ -‬صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪ -‬فيما يرويه عنه أبو هريرة رضي هللا عنه أنه قال ‪ " :‬الساعي على‬
‫األرملة واملسكين كاملجاهد في سبيل‬
‫هللا أو كالقائم ال يفتر والصائم ال يفطر ‪2‬‬
‫‪ ‬املطلب الثالث ‪ :‬منزلة اليتيم في اإلسالم‪.‬‬
‫إن اليتيم في الشريعة اإلسالمية املحمدية قد حظي باهتمام بالغ ومنزلة عظيمة ‪ ،‬وعناية‬
‫ورعاية فائقتين‪ ،‬فإننا وإن تتبعنا آيات القرآن الكريم وأحاديث رسول هللا ‪ -‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ -‬التي جاءت مشتملة على أحكام تتعلق باليتيم نجد أن جلها أو كلها قد جاءت‬
‫تحث على رعايته‪ ،‬وتدعوا لإلحسان إليه وتهذيبه وتنشأته على الفطرة السليمة‬
‫والنشأة السوية ‪ ،‬وهذا ألن اليتيم يحمل من صفات العوز والحاجة وفقدان الكفيل‬
‫واملربي ما يعزو به للحاجة إلى عناية خاصة هذه األحكام التي جاء بها القرآن الكريم لم‬
‫‪12‬‬

‫تبقى في قالبها املعنوي فقط ‪ ،‬بل إنها ترجمت ترجمة عملية وواقعية ‪ ،‬وذلك حرصا من‬
‫املسلمين على تطبيق تعاليم الدين الحنيف وحرصا منهم على رعاية اليتيم وكفالته‪،‬‬
‫ورغبة في األجر وبغية ملرافقة النبي‬
‫املصطفى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ومن جملة التأكيدات التي جاءت بها الشريعة اإلسالمية حرصا منها على العناية باليتيم‬
‫‪.‬هو ورود هذه الكلمة ومشتقاتها في ‪ 23‬آية من آيات القرآن الكريم‬

‫سورة البقرة ‪ /‬اآلية ( ‪) 215‬‬


‫البخاري ‪ -‬أبو عبد هللا بن محمد بن إسماعيل ‪ -‬صحيح البخاري كتاب النفقات ‪ :‬باب فضل النفقة على األهل‬
‫حديث ‪ 67 .‬رقم ‪ ،5353‬ج ‪ ،7‬ص‬

‫َّل َخ‬ ‫ْل َت ُق‬ ‫َأ ُل َن‬


‫منها قوله تعالى ( َو َي ْس و َك َع ِن ا َي اَم ى ْل ِإ ْص الَح ُه ْم ْي ٌر ﴾ أي مداخلتهم‬
‫ورعايتهم على وجه اإلصالح لهم وألموالهم خير من مجانبتهم ‪ 2‬وحين نزول ( َّن اَّل يَن‬
‫ِإ ِذ‬
‫َن‬ ‫ْل َت ُظْل َّن ْأ ُك ُل َن ُط‬ ‫ْأ ُك ُل َن َأ‬
‫َي و ْم َو اَل ا َي اَم ى ًم ا ِإ َم ا َي و ِف ي ُب وِن ِه ْم اًر ا وسيصلون سعيرا ‪ ،‬هرع‬
‫وأسرع كل منكان تحت واليتهيتيم فعزل طعامه عن طعامه ‪ ،‬وشرابه عن شرابه‪،‬‬
‫ويعطيه األفضل من طعامه ويجلس له حتى يأكل ذاك الطعام أو يفسد فيرمي به ‪،‬‬
‫فاشتد عليهم األمر ‪ ،‬فذكروه للنبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬فأنزل هللا‬
‫َل َخ‬ ‫ُق‬
‫تعالى قوله ويسألونك عن اليتامى ْل ِإ ْص الَح ُه ْم ْي ٌر ‪ ،‬فجاءت بالرخصة فيها ‪ 4‬قال‬
‫تعالى ‪ " :‬وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا‬
‫من خير فإن هللا كان به عليما ‪50‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬فالنساء والصبيان لم يكن لهم ميراث عند العرب في الجاهلية ‪ ،‬فطلبوا الفتوى من‬
‫الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬في توريث النساء‬
‫‪ ‬فقالت عائشة رضي هللا عنها ‪ ،‬أن هذه اآلية نزلت في اليتيمة يرغب وليها عن نكاحها‬
‫‪ .‬وال ينكحها ‪ ،‬فيعضلها وذاك طمعا في ميراثها ‪ ،‬فنهى عن ذلك‬
‫‪13‬‬

‫وكذلك بالنسبة للصبيان والغلمان والجواري أن يعطوا حقهن ويقوموا لليتامى بالقسط‬
‫أي تعدلوا في مهورهن ومواريثهن وما تفعلوا من خير فإن هللا كان به عليما ويجازيكم ‪،‬‬
‫‪ ".‬عليه‬

‫أسورة البقرة ‪ /‬اآلية ( ‪) 220‬‬


‫أبي البركات عبد هللا بن أحمد بن محمود النسفي تفسير النسفي ( ت ‪ ، )1310( 710‬ج‪ ،8‬د ( املكتبة األموية ‪.‬‬
‫بيروت ‪ -‬دمشق ) ص ‪110‬‬
‫سورة النساء ‪ /‬اآلية (‪)10‬‬
‫أبوعبد هللا محمد بن أحمد األنصاري القرطبي الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬صححه أحمد عبد العليم البردوني ‪ /‬ج ‪،5‬‬
‫‪2‬‬
‫دار الشعب‪ ،‬القاهرة ) ص ‪) 14‬‬
‫سورة النساء ‪ /‬اآلية ( ‪) 127‬‬
‫علي بن أحمد أبو الحسن الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ‪ /‬ط‪ ،1‬ج ‪ 2‬دار القلم ‪ ،‬الدار الشامية ‪ ،‬دمشق بيروت)‬
‫‪ ،1415 292‬ص‬
‫‪ .‬علي بن أحمد أبو الحسن ‪ ،‬املرجع نفسه‬
‫ْأ‬
‫‪ ‬وقوله تعالى وآتوا اليتامى أموالهم وال تتبدلوا الخبيث بالطيب وال ت كلوا‬
‫َأ َل َل َأ ُك َّن َك َن‬
‫ْم َو ا ُه ْم ِإ ى ْم َو اِل ْم ِإ ُه ا ُح وًب ا كبيًر ا ‪ .‬بمعنى أعطوهم أموالهم التي تحت أيديكم ‪،‬‬
‫وال تعطوهم الرديء مقابل الجيد ‪ ،‬وال تأكلوا أموالهم بضمها ألموالكم ‪ ،‬فكله يعتبر ذنبا‬
‫كبيرا ‪ ،‬سواء كان يأخذ أموال اليتامى دون مقابل أو بإعطائهم الرديء وأخذ الجيد كما‬
‫تبين‬
‫َو اَل َيْح ُض َع َل‬ ‫ْل‬
‫ى‬ ‫وقوله أيضا أرأيت الذي ُي كذب بالدين (‪ )1‬فذلك الذي َي ْد ُع ا َي ِت يَم (‪( )2‬‬
‫طعام املسكين ‪2‬‬
‫فاإلساءة لليتيم وقهره وزجره هو من عالمات التكذيب بالدين‪ ،‬كما بين هللا عز وجل‪،‬‬
‫‪.‬وذاك مراعاة لحالتهم النفسية ووضعهم الذي هم فيه‬
‫فيقول سيد قطب في تفسيره لهذه اآلية " فالذي يكذب بالدين هو الذي يدفع اليتيم‬
‫دفعا بعنف أي الذي يهين اليتيم ويؤذيه وال يحض على طعام املسكين ‪ ،‬فلو صدق‬
‫بالدين‬
‫‪14‬‬

‫حقا ‪ ،‬ولو استقرت حقيقة التصديق في قلبه ما كان ليدع اليتيم ‪ .‬وقال أيضا َو اْع ُب ُد وا‬
‫ْل ُق‬ ‫ًن‬ ‫ًئ‬
‫هللا وال تشركوا به شي ا وبالوالدين إحسا ا وبذي ا ْر َب ى‬
‫‪ ..‬واليتامى واملساكين‬
‫ففي كثير من اآليات نجد هللا سبحانه وتعالى يوصي بالبر واإلحسان للوالدين إذ أنه‬
‫جعلهما السبب لخروج اإلنسان من العدم إلى الوجود ‪ ،‬وكثيرا ما يقرن هللا بين عبادته‬
‫واإلحسان إلى الوالدين ‪ 5‬فاليتيم قد فقد كال والديه أو أحدهما ‪ ،‬فكان لزاما أن يتم‬
‫اإلحسان اليهم واإلنفاق عليه‬

‫سورة النساء ‪ /‬اآلية (‪)2‬‬


‫سورة املاعون ‪ /‬اآلية (‪)3-1‬‬
‫سيد قطب ‪ ،‬في ضالل القرآن ‪ ) 8 ،‬دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان) ‪ 1971‬ص ‪680‬‬
‫سورة النساء ‪ /‬اآلية ( ‪) 36‬‬
‫ابن كثير ‪ -‬إسماعيل بن عمر بنكثير الدمشقي أبو الفداء ‪ -‬تفسير ابن كثيرات محمود حسن طبعة جديدة‪ ،‬دار‬
‫الفكر‬
‫َب اَّل ُت ْك َن ْل‬
‫ِر ُم و ا َي ِت يَم ‪ 1‬واستعملت لفظة " كال هنا للردع "‬ ‫‪ ‬ويقول تعالى أيضا كال ل‬
‫فليس اإلكرام بالغنى واإلهانة بالفقر وإنما هو بالطاعة واملعصية‪ ،‬ولقد كان كفار‬
‫مكة ال ينتهون لذلك ‪ ،‬بل ال يحسنون اليه بالرغم من‬
‫غناهم ‪ ،‬أوال يعطونه حقه من امليراث ‪2‬‬
‫ًن‬
‫‪ ‬ويقول تعالى ويطعمون الطعام على حبه مسكي ا ويتيما وأسيًر ا ‪3‬‬
‫فضمير الهاء في قوله تعالى " على حبه يحتمل معنيين اثنين أحدهما أنه يعود على‬
‫الطعام وهو قول ابن عباس ومجاهد ‪ .‬واآلخر أنه يعود على هللا تعالى أي لوجهه وابتغاء‬
‫مرضاته وهو قول سليمان‬
‫‪15‬‬

‫الداريني واألول فيه إيثار للنفس ‪ ،‬والثاني قد يفعله االغنياء أكثر ‪ 4‬فمن رحمة هللا تعالى‬
‫باليتامى ورأفته بهم أوالدهم اهتماما بالغا في كتابه العزيز‬
‫فهذه بعض آيات توضح عناية القرآن باليتامى وأموالهم ‪ ،‬بل وفد جعل الوصية بيهم أول‬
‫وصية أوصى بها من حقوق الخلق في سورة النساء بعد أن أجمل سبحانه األمر بتقواه‬
‫‪ .‬وتقوى األرحام‬
‫‪ :‬اليتيم في السنة النبوية ‪2‬‬
‫عملت السنة النبوية الشريفة على تأكيد وتجسيد ماجاء في القرآن الكريم من العناية‬
‫بأمور اليتيم وتقويميها فمنها حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن سهل بن سعد‬
‫رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬أنا وكافل اليتيم في الجنة‬
‫كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما‬

‫سورة الفجر ‪ /‬اآلية ( ‪) 17‬‬


‫محمد بن أحمد عبد الرحمان بن أبي بكر املحلي ‪ ،‬تفسير الجاللين ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬ج ‪ 1‬ص ‪( / 807‬دار الحديث القاهرة )‬
‫عبد الحق بن طالب بن عطية االندلسي ‪ ،‬املحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬تحيق عبد السالم عبد الشافي‬
‫مجد‬
‫سورة اإلنسان ‪ /‬اآلية (‪)98‬‬
‫ط‪ ،1‬ج ‪ ، 5‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬لبنان ‪ ، 1993/1413‬ص ‪، 41‬‬
‫محمد بن إسماعيل أبو عبد هللا البخاري الجعفي ‪ ،‬تحقيق مصطفى ديب البغا‪ ،‬الجامع الصحيح املختصر‪ ( ،‬دار‬
‫ابن كثير ‪ ،‬اليمامة بيروت ) ‪ 1987 1407 3‬رقم ‪ ، 4998‬ص ‪2032‬‬
‫وفي شرح الحديث يقول الحافظ ابن حجر " قال ابن بطال ‪ :‬حق على من سمع هذا‬
‫الحديث أن يعمل به ليكون رفيقا للنبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬في الجنة وال منزلة في‬
‫اآلخرة أفضل من ذلك‬
‫ويضيف الحافظ ابن حجر الى أنه بين درجة النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬وكافل اليتيم‬
‫قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى‬
‫‪ ‬قوله صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬خير بيت في املسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ‪ ،‬وشر‬
‫بيت في املسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه ‪2‬‬
‫‪16‬‬

‫‪ ‬قوله أيضا ‪ " :‬عن أبي هريرة رضي هللا عنه عن النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أنه‬
‫قال ‪ :‬الساعي على األرملة واملسكين كاملجاهد في سبيل هللا وأحسبه قال وكالقائم ال‬
‫يفتر والصائم ال يفطر ‪3‬‬
‫يقول ابن بطال في شرحه للحديث " من عجز من الجهاد في سبيل هللا وعن قيام‬
‫الليل وصيام النهار فليعمل بهذا الحديث وليسع على األرامل واملساكين ليحشر يوم‬
‫القيامة‬
‫في زمرة املجاهدين في سبيل هللا دون أن يخطو في ذلك خطوة ‪ ،‬أو ينفق درهما أو يلقى‬
‫عدوا يرتاع بلقائه ‪ ،‬أو ليحشر في زمرة الصائمين والقائمين وينال درجتهم ‪ ،‬فينبغي على‬
‫كل مؤمن أن يخرص على هذه التجارة التي ال تبور ‪ ،‬ويسعى على أرملة أو مسكين‬
‫‪.‬لوجه هللا تعالى‬

‫أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقالني الشافعي ‪ ،‬فتح الباري في شرح صحيح البخاري ‪ ،‬تحقيق محب‬
‫الدين‬
‫الخطيب ‪ ، 1‬ج ‪ ) 10‬دار املعرفة ‪ ،‬بيروت (‪ ،1379‬ص ‪537536‬‬
‫أبو عبد هللا محمد بن إسماعيل البخاريت‪ :‬محمد ناصر األلباني ‪ ،‬صحيح البخاري كتاب " األدب املفرد " باب خير‬
‫بيت فيه يتيم يحسن إليه ) دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬بيروت ( ط ‪ ،1989 ، 1‬رقم ‪ ،6007‬ج ‪ ،8‬ص ‪9‬‬
‫ابو الحسن علي بن خلف بن بطال القرطبي‪ ،‬شرح صحيح البخاري‪ ،‬ت ياسر بن إبراهيم ‪ -‬إبراهيم الصبيحي ‪،‬‬
‫كتاب‬
‫األدب ‪ ،‬ج ‪ ،9‬ط‪ ،1‬مكتبة رشد ‪ -‬الرياض ‪ ،‬سنة ‪ 2000‬ص ‪228‬‬

‫اإلمام أحمد ‪ -‬أحمد ابن حنبل أبو عبد هللا الشيباني ‪ ،‬شرحه أحمد محمد شاكر‪ ،‬مسند اإلمام أحمد بن حنبل‪،‬‬
‫دار‬
‫الحديث‪ ،‬القاهرة ( ط ‪ ( 1‬د‪.‬ت) رقم ‪ ، 20657‬ج ‪ ،9‬ص ‪4692‬‬
‫‪ ‬حديث رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬عن مالك بن الحرث رضي هللا عنه قال ‪:‬‬
‫سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول ‪ " :‬من ظم يتيما بين أبوين مسلمين‬
‫ًا‬
‫إلى طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة البتة ‪ ،‬ومن أعتق امر مسلما‬
‫كان‬
‫‪17‬‬

‫فكاكه من النار يجزئ بكل عضو منه عظوا منه في النار ‪ .‬فينبغي أن يتحقق ضم اليتيم‬
‫في األسرة ضما حقيقيا بحيث يصبح اليتيم عضوا منها‬
‫‪ .‬وثيقا بها ‪ ،‬حتى تتحقق الجنة لكافل هذا اليتيم‬
‫‪ ‬عن أبي يمامة أن رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ " :‬من مسح على رأس‬
‫يتيم لم يمسحه إال هللا ‪ ،‬كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات‪ ،‬ومن أحسن إلي‬
‫يتيمة أو يتيم عنده ‪ ،‬كنت انا وهو في الجنة كهاتين وفرق بين اصبعيه السبابة‬
‫وهذه كانت جملة من مجموع األحاديث النبوية التي أولت عناية خاصة باليتيم‬ ‫‪‬‬
‫وأحكامه وحملت في ثناياها حرص النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬على إعطاء اليتيم‬
‫‪ ‬كما تجدر اإلشارة إلى أن هذه األحكام قد رسخت عند الصحابة رضوان هللا عليهم‬
‫والوسطى ‪2‬‬
‫‪ .‬حقوقه كاملة ‪ ،‬ومكانته الراقية في املجتمع اإلسالمي‬
‫فعملوا على تطبيقها بحذافيرها‪ ،‬ورعوا اليتيم وأعطوه حقه ومكانته‬
‫املطلب الرابع ‪ :‬الوالية على اليتيم ‪ ،‬أقسامها وشروطها‬
‫لغة ‪ :‬من مصدر ولي‪ ،‬أي ملك أمر وكان له حق القيام به ‪ ،‬وهي القرابة والنضرة ‪ ،‬ويقال‬
‫ولي الشيء أو عليه والية ‪ ،‬إذ ملك أمره وكان له حق القيام به ‪3‬‬
‫يقال ولي املرأة ‪ :‬أي من يتولى عقد النكاح عليها ‪ ،‬وال يدعها تستبد بعقد النكاح‬
‫‪ ..‬دونه أي صاحب أمرها والحاكم عليها‬

‫املرجع نفسه ‪19817 /‬‬


‫املرجع السابق ج ‪ / 5‬ص ‪250‬‬
‫سائر بصمة جي ‪ ،‬معجم مصطلحات ألفاظ الفقه اإلسالمي ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ط ‪ ،2009 - 1430/1‬ص ‪ 618‬أبي فضل جمال‬
‫الدين محمد بن مكرم األفريقي املصري ‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬ط‪ .1‬ج ‪ 15‬دار صادر (بيروت) ص ‪414‬‬
‫اصطالحا‬
‫اختلف الفقهاء في تعريفهم للوالية ‪ ،‬وأوردوا عدة تعريفات لها‪ ،‬إال أن مضمونها واحد‬
‫بالرغم من اختالف الصيغ إال أنها تقوم على إدارة شؤون القاصر ‪ -‬اليتيم املالية‬
‫‪18‬‬

‫والشخصية‬
‫تعريف الحنفية ‪ " :‬أنها تنفيذ القول على الغير شاء أم أبي "‪1‬‬
‫ويقول الزحيلي ‪ " :‬الوالية هي تدبير الكبير الراشد شؤون القاصر الشخصية واملالية " ‪2‬‬
‫‪ :‬أقسام الوالية ‪ :‬الوالية تقوم على قسمين اثنين وهما‬
‫‪ ‬والية قاصرة ‪ :‬وهي سلطة شرعية تمكن صاحبها من انشاء العقد أو التصرف في‬
‫‪ ،‬حق نفسه بحيث تترتب اآلثار على ذلك التصرف دون توقف على إجازة أحد‬
‫كوالية البالغ العاقل في تزويج نفسه‬
‫والية متعدية ‪ :‬وهي ما تعلق بغيره ‪ ،‬أي التي تتعدى املالك الى غيره وهذه االخيرة‬ ‫‪‬‬
‫والية على النفس ‪ :‬اإلشراف على شؤون القاصر الشخصية من صيانة وتأديب ‪4‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬وحفظ وتعليم وتزويج والية على املال ‪ :‬وهي ما تجعل لصاحبها القدرة على إنشاء‬
‫العقود والتصرف بما‬
‫تنقسم إلى ‪ 3‬أقسام‬
‫‪....‬يتعلق بمال املولى عليه ‪ ،‬من بيع وشراء وإجارة‬
‫وهذه الوالية تثبت على العاجزين عن تدبير شؤونهم املالية ‪5‬‬
‫محمد أمين بن عمر عابدين‪ ،‬حاشية رد املحتار على الدر املختار‪ ،‬ت‪ :‬عادل أحمد عبد‬
‫املوجود ‪ -‬علي محمد‬
‫معوض‪ ،‬ط‪ 2‬ج ‪ 3‬دار الفكر ‪ /‬بيروت ‪ ، 1399‬ص ‪55‬‬
‫وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي ‪ ،‬الفقه اإلسالمي وأدلته ‪ ،‬ج ‪ ،4‬ط‪ ،2‬دار الفكر ‪-‬‬
‫بيروت‪ 1999 1419 ،‬ص‬
‫‪2985‬‬
‫عقلة‪ ،‬نظام األسرة في اإلسالم ‪ ،‬ط ‪ 1‬ج‪ /2‬مكتبة الرسالة الحديثة ‪ ،‬عمان ‪ -‬األردن ‪،‬‬
‫‪) /‬ساحة الجامع الحسيني‬
‫ص ‪350 1990 / 1410،‬‬

‫وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي ‪ -‬الفقه اإلسالمي وأدلته ‪ ،‬ط‪ ،1‬ج ‪ ، 7‬دار الفكر ‪-‬‬
‫دمشق) ص ‪47‬‬
‫‪19‬‬

‫محمد مصطفى شلبي ‪ ،‬أحكام األسرة في اإلسالم ‪ ،‬ط‪ ، 2‬بيروت‪ ،‬دار النهضة العربية‬
‫‪ ،1977‬ص ‪769‬‬

You might also like