Professional Documents
Culture Documents
شكر وعرفان
الحمد هللا الذي بشكره تدوم النعم ،الحمد هللا كما ينبغي لجالل وجهك وعظيم
سلطانك
الحمد هللا الذي أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة ،فأنت يا رب املنعم بنعم ال تعد
.وال تحصى ،سبحانك أنت أحق من يشكر ويذكر ويحمد
:أتقدم بالشكر بعد ذلك إلى من تكرم باإلشراف على بحثنا هذا ،األستاذ الفاضل
حمادي عبد الفتاح ،الذي ما تواتى علينا في اإلرشاد والتصحيح ،وما بخل علين
.بوقت أو جهد ،فجزاه هللا خير الجزاء
كما نتقدم بالشكر والعرفان إلى أعضاء الهيئة التدريسية في قسم الشريعة اإلسالمية
بجامعة :محمد بوضياف الذين لهم الفضل علينا -بعد هللا عز وجل -بإرشادهم
وتعليمهم لنا
كما نتقدم بالشكر إلى كل من قدم لنا يد العون واملساعدة وشجعنا على إتمام هذا
" البحث " أحكام اليتيم في الفقه اإلسالمي
سائلين املولى جلت قدرته أن يجزيهم علينا خير الجزاء ،ويجعل ذلك في ميزان
.حسناتهم ،فبارك هللا لهم جميعا
2
مقدمة
نستفتح بالذي هو خير ،حمدا هلل ،وصالة وسالما على رسوله صلى هللا عليه
.وسلم -وعلى آله وصحبه وعباده الذين اصطفى صالة وسالما إلى يوم الدين
فالحمد هلل رب العاملين حمد الشاكرين ،نحمده على عظيم نعمائه ،ونبرأ إليه من
الحول والقوة ونخلص القول بأنه ال إله إال هللا ،وتشهد أن سيدنا محمدا عبده األمين
على
وحيه ،ورسوله الصادع بأمره ونهيه املؤيد بجوامع الكلم املبين للناس ما نزل إليهم
بلسان عربي مبين ،فصلي اللهم عليه وعلى آله املتبعين لسنته وأصحابه املنيبين لشريعته
.وسلم تسليما كثيرا
:وبعد
فإن من نعم هللا تعالى على عباده أن وفقهم لطريق العلم وبصرهم فيه ولقاهم من
العلوم ما ينفعهم في الدارين ،وكما قال في محكم تنزيله " وما يلقاها إال ذو حظ عظيم"(
)1
ووفقهم للدين ،ومن أفضل العلوم وأعظمها التي ال ينضب معينها ،وال يفنى كنزها هو
العلم الشرعي الذي أرسى له هللا سبحانه وتعالى مرساة ال تنفك إال أن تأخذ بيد البشر
.نحو بر األمان والنهج القويم ،فال يترك املسلم حائرا في أمور دينه ودنياه
أساس الشريعة اإلسالمية املحمدية إنما يقوم على العلم ورفع الجهل والحرج عن
الناس ،وهذا ما جاءت مشتملة عليه في جل أحكامها ،التي سعت لتنظيم حياة اإلنسان
.واملجتمع وما تعلق بمختلف املعامالت السائرة في الحياة الدنيا
هذا إن دل على شيء فإنه يدل على عظيم فضل هذه الشريعة ،التي لم تترك شيئا
خاصا متعلقا باملجتمع اإلسالمي مساهما في تربيته وتنشأته إال وأشارت إليه ووضحته
لألمة بمختلف الصيغ الدالة عليه ،فلم تترك اإلنسان يسير حسبهواه ،يخوض فيما ال
يدري
3
فيه مصلحته فيفسد عليه الحياة في الدارين ،بل أخذت بيده لكل ما من شأنه أن يرفع
من
.مقامه في الدنيا واآلخرة
وهي عبارة عن بحث مقارن بين املذاهب األربعة بغية الوصول إلى أصح األقوال
:وأقربها للدليل ،ومن نتائجها
أن الشريعة اإلسالمية ترمي إلى إنشاء مجتمع متضامن
الحرص الشديد الذي أولته الشريعة اإلسالمية األموال اليتامى
يجوز للولي استثمار اليتيم في مختلف عقود املعاوضات
ومذكرة لنيل شهادة املاجستير بعنوان حقوق اليتيم في الفقه اإلسالمي من إعداد
تسنيم محمد الجمال حسن. .
وهي عبارة عن دراسة تهدف إلى تبين مدى حقوق اليتيم الشخصية واملدنية.
:ومن نتائجها
أن لإلسالم دور عظيم في الحفاظ على اليتامى
أن اإلسالم قد أمر باإلخالص في رعاية اليتيم
من خالل هذا فإن إشكالية املوضوع تتمحور حول أحكام اليتيم في الفقه اإلسالمي
أو بمفهوم آخر ،ما هو أثر اليتم أو فقدان األب على األحكام الشرعية في حق اليتيم؟
وما املقصود باليتيم ؟
وما حكم النفقة على اليتيم ؟ وما هي أهم حقوقه ؟
وما أحكام الوالية على اليتيم في الفقه اإلسالمي ؟
:ومن الصعوبات التي صادفتنا في موضوعنا هذا
ندرة بعض املصادر واملراجع املهمة في بحثنا.
كما وأننا وجدنا صعوبة الحصول على املعلومات الخاصة باليتيم في الكتب الفقهية
ويرجع سببها إلى تفرقتها في كتب الفقه ،وعدم اختصاص باب من أبوابها.
وتشعب املادة العلمية .
قد اعتمدنا في ذلك على املنهج الوصفي االستكشافي والتحليلي ،فالوصفي ألن طبيعة
الدراسة تتطلب ذلك ،باعتبار أن هذا املنهج هو األكثر استخداما ،أما التحليلي فهو
الذي يساعد على تحليل النتائج والتحقق من أحكامها باإلعتماد على الجانب النظري
وواقع
5
.املجتمع
أما ما يخص االقتباس وجمع املعلومات
فقمنا بتوثيقها وتهميشها بذكر الكاتب الكتاب التحقيق والتصنيف إن وجد ،الجزء
.والصفحة ،هذا عند ذكرها ألول مرة
أما إذا كان في نفس الصفحة نذكر الكاتب املرجع نفسه
.وعن الرواية املعتمدة في اآليات املستدل بها في البحث رواية حفص عن عاصم
وفي تخريج األحاديث انتهجنا طريقة ذكر إسم املرجع ثم الكتاب ثم الباب ورقم
الحديث إن وجد ثم الجزء والصفحة
:واعتمدنا في ذلك على الخطة التالية
املبحث األول :مفهوم اليتيم وحاالته
املطلب 1تعريف اليتيم
املطلب 2اليتيم قبل اإلسالم وفي اإلسالم
املطلب 3:منزلة اليتيم في اإلسالم والحث على رعايته في القرآن والسنة
املطلب 4الوالية على اليتيم أقسامها وشروطها
املبحث الثاني :أحكام مال اليتيم في عقود املعاوضات والتبرعات
املطلب : 1املضاربة بمال اليتيم ومشروعيته
املطلب : 2البيع والشراء بغبن فاحش
املطلب : 3بيع مال اليتيم نسيئة ومعاوضة
املطلب : 4قرض وإعارة مال اليتيم
املبحث الثالث :حقوق مال اليتيم املدنية واحكامها
املطلب 1الحق في الكفالة تعريفها
املطلب 2:مظاهر عناية وكفالة اليتيم في اإلسالم
املطلب 3حكم كفالة اليتيم والفرق بينها وبين التبني
املطلب 4حق اليتيم في الرعاية الصحية والعالج والتعليم
املبحث الرابع :حقوق اليتيم املالية واحكامها
املطلب 1حق اليتيم في امتالك املال ،ومصادره
6
،أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم األفريقي املصري ،لسان العرب املحيط إعداد وتصنيف يوسف خياط
طبعة بوالق دار صادر -بيروت سنة ، 1968ص 1004
محمد بن أبي بكر ،مختار الصحاح ،تحقيق محمود خاطر ،ج ( 2د ) مكتبة لبنان ،بيروت ، 1995 ،ص 745
اصطالح الشرع :لليتيم عدة تعريفات في االصطالح منها :عرفه ابن تيمية :هو الصغير
الذي فقد أباه ..وهو من مات أبوه وهو صغير دون البلوغ ذكرا كان أو أنثى فإذا بلغ زال
عنه اليتم واستقل بنفسه لقوله -صلى هللا عليه وسلم " -ال يتم بعد احتالم ،وال
صمات الى الليل ..قال الزحيلي بأن اليتيم هو :الذي مات أبوه قبل بلوغ الحلم سواء
،أكان غنيا أم فقيرا
ذكرا كان أو أنثى 50
.املطلب الثاني :اليتيم قبل اإلسالم
ُك َل َك َّل َأْل ُل َت َّل
قال هللا سبحانه وتعالى واَّتُق وا َهللا ا ِذ ي َس اء وَن ِب ِه َو ا ْر َح اَم ِإ َّن ال َه اَن َع ْي ْم رقيبا ،
فيتبين لنا من خالل هذه اآلية ويفهم أن هللا سبحانه وتعالى قد وضع لدينه وأقام
لإلسالم قاعدة اإلحسان والبر والتقوى لليتيم ،وفتح أمامه األبواب التي تمكنه من أن
.يستقر في املجتمع بصفة عادية كباقي االفراد
لكن إذا تتبعنا حالة اليتيم في الشرائع األخرى وقبل مجيء اإلسالم فإننا نجد أن اليتيم
قد كان مهمشا في املجتمع
فقبل ولوج وبزوغ فجر اإلسالم وتعاليمه الحنيفة ما كان لليتيم أن يحيا الحياة الكريمة
الالئقة به ،بل وقد يضيع حقه قبل أن يؤتى إياه ،ويستغل وضعه بشتى الطرق
8
.تقي الدين أحمد بن تيمية ،مجموع فتاوى ابن تيمية ت ( )728تخريج عامر الجزار -أنور الباز " ج ،34دط
ص 108 1416-1995،
والعجي من ماتت أمه واللعيم من ماتت أمه وأبوه قبل بلوغه ( املفردات ) عادة يتيم
أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص الحنفي ،أحكام القرآن مت ( )370تحقيق على محمد البجاوي ،ج -1د.ط
.دار الفكر بيروت
أبو داود سليمان بن األشعث األزدي السجستاني ت شعيب األرناؤوط ،سنن أبي داود كتاب الوصايا " برقم
الحديث
ج ،3ص ،73من حديث علي بن أبي طالب رضي هللا عنه عن النبي -صلى هللا عليه وسلم -أنه قال :ال 2873 ،
يتم بعد احتالم .....وصححه األلباني وله شاهد من حديث جابر وأنس رضي هللا عنهما
وهبة الزحيلي ،الفقه اإلسالمي وأدلته ،ج 28دار الفكر ،دمشق 1989 ،ص 79
سورة النساء /اآلية ( ) 1
وما يشير إلى هذا الوضع هو قول حليمة السعدية في روايتها " :من عدم رغبة
املرضعات في إرضاع اليتيم ونفورهن منه بسبب فقده للوالد الذي يعطيهن أجر
الرضاعة فيقول علي بن برهان الدين في كتابه ":إنما نرجوا املعروف من اب الصبي ،
فكنا نقول يتيم!! ما عسى أن تصنع أمه وجده ؟؟ فكنا نكرهه لذلك ..أيضا من مظاهر
ظلم اليتيم وأكل حقه في هذا العصر ،ما جاء به اإلمام القرطبي في تفسيره لقوله تعالى
( للرجال نصيب ) فنزلت هذه اآلية بأوس بن ثابت األنصاري ،فقد توفي وترك امرأة
يقال لها " أم كجة " وثالث بنات له منها ،فقاما ابنا عم امليت
ووصياه ،يقال لهما سويد وعروجة ؛ فأخذا كل ماله ولم يعطيا المرأته وابنتاه شيئا ،اذ
أنه لم يكن للنساء وال الصغار ميراث في الجاهلية ،فكانوا يقولون ال يعطى إال من قاتل
على ظهور الخيل وطاعن بالرمح وضارب بالسيف وحاز الغنيمة " فذكرت أم كجة ذلك
لرسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -فدعاهما إليه ،فقاال :يا رسول هللا ،ولدها ال يركب
الفرس وال يحمل كال وال ينكأ عدوا .فقال عليه الصالة والسالم "انصرفا حتى أنظر ما
ُك ُك
.يحدث هللا لي فيهن " فأنزل هللا تعالى قوله ( ُي وِص ي ُم هللا في أوالِد ْم ) حتى قوله
الفوز العظيم 3
وذاك إيطاال لقولهم وتصرفهم من غير علم ،فدعاها النبي وأمرهما أن يعطيا أم كجة
* الثمن مما ترك أوس ولبناته الثلثين ولهما بقية املال
9
وفي كثير من اآليات التي جاءت مشتملة على أحكام اليتامى تجدها مقترنة بذكر املواريث
.إذ أنهم هم األحق بتركة املال من الكبار لقصرهم وعدم تصرفهم أو معرفة
علي بن برهان الدين ،السيرة الحلبية في سيرة األمين املأمون ج ، 1دط ،دار املعرفة ،بيروت / 1440 ،ص 85
سورة النساء اآلية ( )7
) السورة النساء /اآلية (13 )11
أبو عبد هللا بن أحمد األنصاري ،الجامع ألحكام القرآن واملبين ملا تضمنه من السنة وأي الفرقان ( ،ت )671ج
،5ط
دار الشعبي ،القاهرة ) ، 2006 ،ص 1 36
مصالحهم ،لكن أكثر أهل الجاهلية عملوا على عكس الحكم ،فضلوا بأهوائهم
وتصرفاتهم ،وظلموا اليتامى بأكل حقوقهم املشروعة لهم
حاالت اليتيم في اإلسالم :
: .يمكن أن نجمل حالة اليتيم في اإلسالم في حالتين اثنين وهما
أن يموت أبوه ويترك له ماال ،فتتكفل به أمه أو جده أو عمه مثال ،ويرعونه
فيحفظ له ماله ،وال يقربه اال بالحسنى ثم يؤديه إليه حينما يبلغ ويعلم منه أنه
يستطيع
التصرف فيه
وفي هذا يقول الشيخ -عبد العزيز بن باز رحمه هللا -في فتواه " أما إذا خلفا له
ماال يقوم بحاله ،فإنه حينئذ ال يكون محال للصدقة ،وإنما يكون محال للرعاية والعناية
بماله واإلحسان إليه حتى ينموا هذا املال ويحفظ ،وهو كذلك يكون محل العناية من
حيث التربية والتوجيه والتعليم ،فاليتيم في حاجة الى تربيته تربية إسالمية وتوجيهه
ُل َأ اَّل َّل ْل َو اَل َتْق
َر ُب وا َم اَل ا َي ِت يِم ِإ ِب ا ِت ي ِه َي ْح َس ُن َح َّت ى َيْب غ وإرشاده لقوله عز وجل ﴿ :
أشده 1
10
فدلت اآلية هنا على وجوب حفظ أموال اليتامى وصيانتها والعناية بها وتنميتها
والتجارة فيها والقيام بأداء أمانتها ،حتى يبلغ اليتيم أشده ،وتزول عنه الصفات التي
كانت تحول دون تصرفه في هذا املال
كما توضح اآلية عدم جواز الطمع في مال اليتيم أو اإلساءة إليه أو تعريضه للفساد
َك َف ْن َن ُت َذ َل ُغ
والضياع ،لعموم قوله تعالى ﴿ :وابتلوا اليتامى َح َّت ى ِإ ا َب وا الِّن اَح ِإ آ ْس م
َل َأ َل ْش َف َف
ِّم ْن ُه ْم ُر ًد ا اْد ُع وا ِإ ْي ِه ْم ْم َو ا ُه ْم ) 2
ففي قوله تعالى " وابتلوا اليتامى " الخطاب هنا موجه ملن عهد إليهم أمر اليتامى من
األوصياء وملن تولى كفالتهم من األولياء بأمر الوالي الشرعي أو من أقاربهم أو من عامة
الناس ،بأن يختبروهم عند البلوغ أو قبله بيسير وعند مقاربتهم للرشد ،وذلك
ليستطيع الولي من التعرف على حسن تصرف اليتيم في ماله وحفظه وصيانته 2وكما
تمت اإلشارة إليه من عدم جواز الطمع في مال اليتيم أو أخذه من غير وجه حق في
ذلك ،إذ أن هذا من أعظم أسباب العقوبات وكبائر الذنوب لقوله تعالى َّن اَّل يَن
ِإ ِذ
ًر َس َي ْأ ُك ُل َن َأ ْم َو َل ْل َي َت َم ٰى ُظْل ًم َّن َم َي ْأ ُك ُل َن ُب ُط ْم َن ًر َو َس َي ُل َن
ا ِإ ا و ِف ي وِن ِه ا ا ص و ِع ي ا ا ا ا ) و
ويؤكد معناها ما جاء من حديث النبي -صلى هللا عليه وسلم -أنه قال " :اجتنبوا السبع
املوبقات فلن ما من يارسول هللا ؟ قال :الشرك باهلل والسحر ،وقتل النفس التي حرم
هللا اال بالحق ،وأكل الربا ،وأكل مال اليتيم ،والتولي يوم الزحف ،وقذف
املحصنات املومنات الغافالت 4
-فكان من بين هذه املوبقات السبع التي أشار إليها النبي -صلى هللا عليه وسلم
أكل مال اليتيم
الحالة الثانية :
11
أن يموت أبوه ويترك له من املال شيئا ،فهذا تكون نفقته على أمه أو أقاربه بالحسنى
َش ْيًئ َو ْع ُب ُد َهللا َو اَل ُت ْش ُك
ا ِر وا ِب ِه وذاك من باب اإلحسان والبر به لقوله تعالى ﴿ ا وا
وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى
أبي بكر محمد بن عبد اللهين العربي املعافري اإلشبيلي ( ،ت ( ، )543أحكام القرآن تحقيق على محمد البجاوي ،
) 1دار الفكر ،بيروت ) 1972،1392
إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي أبو الفداء ،تفسير ابن كثير ،دار الفكر ،بيروت ) 1401سورة النساء /اآلية
()10
البخاري -أبو عبد هللا محمد بن إسماعيل -الجامع الصحيح ( ،صحيح البخاري ( كتاب " الوصايا " باب قول هللا
تعالى " إن الذين ياكلون أموال الربا حديث رقم ،2767ج ، 4ص 10
سورة النساء /اآلية () 36
فاليتيم في هذه اآلية اعتبر من الفقراء واملساكين ،والزكاة له جائزة ،يقول تعالى أيضا "
َمْل ْل َت ُق
ْل ما أنفقتم من خير فللوالدين واألقربين وا َي اَم ى َو ا َس اِك يِن َو اْب ِن الَّس ِب يل
َّل َه َخ َف َتْف ُل
وما َع وا ِم ْن ْي ٍر ِإ َّن ال ِب ِه َع ِل يٌم " من السنة ما جاء من حديث رسول هللا -صلى
هللا عليه وسلم -فيما يرويه عنه أبو هريرة رضي هللا عنه أنه قال " :الساعي على
األرملة واملسكين كاملجاهد في سبيل
هللا أو كالقائم ال يفتر والصائم ال يفطر 2
املطلب الثالث :منزلة اليتيم في اإلسالم.
إن اليتيم في الشريعة اإلسالمية املحمدية قد حظي باهتمام بالغ ومنزلة عظيمة ،وعناية
ورعاية فائقتين ،فإننا وإن تتبعنا آيات القرآن الكريم وأحاديث رسول هللا -صلى هللا
عليه وسلم -التي جاءت مشتملة على أحكام تتعلق باليتيم نجد أن جلها أو كلها قد جاءت
تحث على رعايته ،وتدعوا لإلحسان إليه وتهذيبه وتنشأته على الفطرة السليمة
والنشأة السوية ،وهذا ألن اليتيم يحمل من صفات العوز والحاجة وفقدان الكفيل
واملربي ما يعزو به للحاجة إلى عناية خاصة هذه األحكام التي جاء بها القرآن الكريم لم
12
تبقى في قالبها املعنوي فقط ،بل إنها ترجمت ترجمة عملية وواقعية ،وذلك حرصا من
املسلمين على تطبيق تعاليم الدين الحنيف وحرصا منهم على رعاية اليتيم وكفالته،
ورغبة في األجر وبغية ملرافقة النبي
املصطفى صلى هللا عليه وسلم
ومن جملة التأكيدات التي جاءت بها الشريعة اإلسالمية حرصا منها على العناية باليتيم
.هو ورود هذه الكلمة ومشتقاتها في 23آية من آيات القرآن الكريم
وكذلك بالنسبة للصبيان والغلمان والجواري أن يعطوا حقهن ويقوموا لليتامى بالقسط
أي تعدلوا في مهورهن ومواريثهن وما تفعلوا من خير فإن هللا كان به عليما ويجازيكم ،
".عليه
حقا ،ولو استقرت حقيقة التصديق في قلبه ما كان ليدع اليتيم .وقال أيضا َو اْع ُب ُد وا
ْل ُق ًن ًئ
هللا وال تشركوا به شي ا وبالوالدين إحسا ا وبذي ا ْر َب ى
..واليتامى واملساكين
ففي كثير من اآليات نجد هللا سبحانه وتعالى يوصي بالبر واإلحسان للوالدين إذ أنه
جعلهما السبب لخروج اإلنسان من العدم إلى الوجود ،وكثيرا ما يقرن هللا بين عبادته
واإلحسان إلى الوالدين 5فاليتيم قد فقد كال والديه أو أحدهما ،فكان لزاما أن يتم
اإلحسان اليهم واإلنفاق عليه
الداريني واألول فيه إيثار للنفس ،والثاني قد يفعله االغنياء أكثر 4فمن رحمة هللا تعالى
باليتامى ورأفته بهم أوالدهم اهتماما بالغا في كتابه العزيز
فهذه بعض آيات توضح عناية القرآن باليتامى وأموالهم ،بل وفد جعل الوصية بيهم أول
وصية أوصى بها من حقوق الخلق في سورة النساء بعد أن أجمل سبحانه األمر بتقواه
.وتقوى األرحام
:اليتيم في السنة النبوية 2
عملت السنة النبوية الشريفة على تأكيد وتجسيد ماجاء في القرآن الكريم من العناية
بأمور اليتيم وتقويميها فمنها حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن سهل بن سعد
رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :أنا وكافل اليتيم في الجنة
كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما
قوله أيضا " :عن أبي هريرة رضي هللا عنه عن النبي -صلى هللا عليه وسلم -أنه
قال :الساعي على األرملة واملسكين كاملجاهد في سبيل هللا وأحسبه قال وكالقائم ال
يفتر والصائم ال يفطر 3
يقول ابن بطال في شرحه للحديث " من عجز من الجهاد في سبيل هللا وعن قيام
الليل وصيام النهار فليعمل بهذا الحديث وليسع على األرامل واملساكين ليحشر يوم
القيامة
في زمرة املجاهدين في سبيل هللا دون أن يخطو في ذلك خطوة ،أو ينفق درهما أو يلقى
عدوا يرتاع بلقائه ،أو ليحشر في زمرة الصائمين والقائمين وينال درجتهم ،فينبغي على
كل مؤمن أن يخرص على هذه التجارة التي ال تبور ،ويسعى على أرملة أو مسكين
.لوجه هللا تعالى
أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقالني الشافعي ،فتح الباري في شرح صحيح البخاري ،تحقيق محب
الدين
الخطيب ، 1ج ) 10دار املعرفة ،بيروت ( ،1379ص 537536
أبو عبد هللا محمد بن إسماعيل البخاريت :محمد ناصر األلباني ،صحيح البخاري كتاب " األدب املفرد " باب خير
بيت فيه يتيم يحسن إليه ) دار البشائر اإلسالمية ،بيروت ( ط ،1989 ، 1رقم ،6007ج ،8ص 9
ابو الحسن علي بن خلف بن بطال القرطبي ،شرح صحيح البخاري ،ت ياسر بن إبراهيم -إبراهيم الصبيحي ،
كتاب
األدب ،ج ،9ط ،1مكتبة رشد -الرياض ،سنة 2000ص 228
اإلمام أحمد -أحمد ابن حنبل أبو عبد هللا الشيباني ،شرحه أحمد محمد شاكر ،مسند اإلمام أحمد بن حنبل،
دار
الحديث ،القاهرة ( ط ( 1د.ت) رقم ، 20657ج ،9ص 4692
حديث رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -عن مالك بن الحرث رضي هللا عنه قال :
سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول " :من ظم يتيما بين أبوين مسلمين
ًا
إلى طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة البتة ،ومن أعتق امر مسلما
كان
17
فكاكه من النار يجزئ بكل عضو منه عظوا منه في النار .فينبغي أن يتحقق ضم اليتيم
في األسرة ضما حقيقيا بحيث يصبح اليتيم عضوا منها
.وثيقا بها ،حتى تتحقق الجنة لكافل هذا اليتيم
عن أبي يمامة أن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -قال " :من مسح على رأس
يتيم لم يمسحه إال هللا ،كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات ،ومن أحسن إلي
يتيمة أو يتيم عنده ،كنت انا وهو في الجنة كهاتين وفرق بين اصبعيه السبابة
وهذه كانت جملة من مجموع األحاديث النبوية التي أولت عناية خاصة باليتيم
وأحكامه وحملت في ثناياها حرص النبي -صلى هللا عليه وسلم -على إعطاء اليتيم
كما تجدر اإلشارة إلى أن هذه األحكام قد رسخت عند الصحابة رضوان هللا عليهم
والوسطى 2
.حقوقه كاملة ،ومكانته الراقية في املجتمع اإلسالمي
فعملوا على تطبيقها بحذافيرها ،ورعوا اليتيم وأعطوه حقه ومكانته
املطلب الرابع :الوالية على اليتيم ،أقسامها وشروطها
لغة :من مصدر ولي ،أي ملك أمر وكان له حق القيام به ،وهي القرابة والنضرة ،ويقال
ولي الشيء أو عليه والية ،إذ ملك أمره وكان له حق القيام به 3
يقال ولي املرأة :أي من يتولى عقد النكاح عليها ،وال يدعها تستبد بعقد النكاح
..دونه أي صاحب أمرها والحاكم عليها
والشخصية
تعريف الحنفية " :أنها تنفيذ القول على الغير شاء أم أبي "1
ويقول الزحيلي " :الوالية هي تدبير الكبير الراشد شؤون القاصر الشخصية واملالية " 2
:أقسام الوالية :الوالية تقوم على قسمين اثنين وهما
والية قاصرة :وهي سلطة شرعية تمكن صاحبها من انشاء العقد أو التصرف في
،حق نفسه بحيث تترتب اآلثار على ذلك التصرف دون توقف على إجازة أحد
كوالية البالغ العاقل في تزويج نفسه
والية متعدية :وهي ما تعلق بغيره ،أي التي تتعدى املالك الى غيره وهذه االخيرة
والية على النفس :اإلشراف على شؤون القاصر الشخصية من صيانة وتأديب 4
وحفظ وتعليم وتزويج والية على املال :وهي ما تجعل لصاحبها القدرة على إنشاء
العقود والتصرف بما
تنقسم إلى 3أقسام
....يتعلق بمال املولى عليه ،من بيع وشراء وإجارة
وهذه الوالية تثبت على العاجزين عن تدبير شؤونهم املالية 5
محمد أمين بن عمر عابدين ،حاشية رد املحتار على الدر املختار ،ت :عادل أحمد عبد
املوجود -علي محمد
معوض ،ط 2ج 3دار الفكر /بيروت ، 1399ص 55
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي ،الفقه اإلسالمي وأدلته ،ج ،4ط ،2دار الفكر -
بيروت 1999 1419 ،ص
2985
عقلة ،نظام األسرة في اإلسالم ،ط 1ج /2مكتبة الرسالة الحديثة ،عمان -األردن ،
) /ساحة الجامع الحسيني
ص 350 1990 / 1410،
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي -الفقه اإلسالمي وأدلته ،ط ،1ج ، 7دار الفكر -
دمشق) ص 47
19
محمد مصطفى شلبي ،أحكام األسرة في اإلسالم ،ط ، 2بيروت ،دار النهضة العربية
،1977ص 769