You are on page 1of 113

‫الفصل الثالث‬

‫اإلطار النظري للبحث‬


‫‪47‬‬

‫تمهيد ‪:‬‬

‫يف ىذا ا‪١‬تبحث ًبَّ تناكؿ جانبُت مهمُت ‪ :‬ا‪ٞ‬تانب األكؿ ﵀ة حوؿ التقوًن ككتب الفقو ا‪١‬تدرسية كدكرىا يف‬

‫الًتبية ‪ ،‬ا‪ٞ‬تانب الثاين القضايا ا‪١‬تعاصرة ‪.‬‬

‫الشافعي كزميبله تقوًن ا‪١‬تناىج بأ ٌهنا عمليٌة " إصدار حكم على صبلحيٌة ا‪١‬تناىج الدراسيٌة‬
‫ٌ‬ ‫التقويم ‪ٌ :‬‬
‫عرؼ‬

‫صة للحكم عليها ‪ ,‬كٖتليلها ‪ ,‬كتفسَتىا يف ضوء معايَت موضوعيٌة تساعد على‬
‫عن طريق ٕتميع البيانات ا‪٠‬تا ٌ‬
‫ٌاٗتاذ قرارات مناسبة بشأف ا‪١‬تنهج " (الشافعي كزميبله‪،ُٗٗٔ،‬صّٔٔ)‪.‬‬

‫الفقو ‪:‬‬

‫عيب ما نفقوُ كثيراً مما تقول‪ ( ﴾...‬القرآف‬


‫الفقو لغة ‪ :‬الفهم ‪ ،‬قاؿ تعاذل ‪ ﴿:‬قالوا يا ُش ُ‬
‫يكادون يفقهو َن حديثاً ﴾ (القرآف ‪.‬النساء‬ ‫ِ‬ ‫‪.‬ىود‪.)ٔٔ:ٜٔ:‬كقولو تعاذل ‪ِ ﴿ :‬‬
‫فمال ىؤالء القوم ال ُ‬

‫‪ )ٗ:ٚٛ‬كيػي ٌعرؼ اإلماـ الشافعي ر‪ٛ‬تو ا﵁ الفقو بأنو العلم باألحكاـ الشرعية العملية ا‪١‬تكتسب من أدلتها‬

‫التفصيلية ‪ .‬كيقصد باألحكاـ الشرعية أم ا‪١‬تأخوذة من الشرع ‪ ،‬كيقصد بالعملية ‪ :‬أم ا‪١‬تتعلقة بالعمل‬

‫القليب كالنية ‪ ،‬كغَت القليب ‪٦‬تا ٯتارسو اإلنساف مثل القراءة كالصبلة كغَتىا من عمل ا‪ٞ‬توارح ‪ .‬كا‪١‬تكتسب أم‬

‫ا‪١‬تستنبط بالنظر كاالجتهاد ‪ .‬كا‪١‬تراد باألدلة التفصيلية كل ما جاء يف القرآف كالسنة كاإل‪ٚ‬تاع كالقياس‬

‫‪(.‬الزحيلي ‪٦. )ََُِ ،‬تا سبق يتضح أف الفقو مرتبط بعمل اإلنساف كحركتو يف ىذه ا‪ٟ‬تياة ٔتختلف ‪٣‬تاالهتا‬

‫‪ ،‬كأنو أيضان مرتبط بالشريعة الربانية اإل‪٢‬تية كأف الفقو ىو ا‪ٞ‬تانب العملي ا‪١‬تراعي ‪ٟ‬تركة ا‪ٟ‬تياة كتطورىا ‪ ،‬كما‬
‫‪48‬‬

‫يتضح من التعريف بأف الفهم السليم يعتمد على معرفة األدلة كاستيعأّا سواء كاف ذلك يف القرآف أك السنة‬

‫أك غَتىا من األدلة التفصيلية كىذا يعٍت ضركرة بذؿ ا‪ٞ‬تهد للوصوؿ إذل حكم يف القضية الفقهية ‪.‬‬

‫أىمية الفقو ‪:‬‬

‫يناؿ الفقو مكانة رفيعة من بُت العلوـ األخرل من علوـ الشريعة اإلسبلمية لكونو مرتبطان ارتباطان مباشران ْتياة‬

‫ا‪١‬تسلم يف العبادات كا‪١‬تعامبلت كيف ا‪ٞ‬توانب االقتصادية كاالجتماعية كالسياسية ‪ ،‬كيف التعامبلت ا‪٠‬تارجية‬

‫كالداخلية كيف السلم كا‪ٟ‬ترب كيف األسرة كيف القضاء ‪ ،‬كيف كل ا‪ٞ‬توانب العملية لئلنساف ‪.‬فالفرد ْتاجة ماسة‬

‫للفقو كما أف آّتمع بأشد ا‪ٟ‬تاجة إذل الفقو‪ ،‬كالدكلة كا‪ٟ‬تكومة يف تشريعاهتا ال بد أف تأخذ بالفقو لصياغة‬

‫القوانُت ا‪ٟ‬تياتية كا‪١‬تنظمة لئلنساف ‪.‬‬

‫كرغم أف الفقو تطور بشكل ملحوظ أحيانانلكنو عاد للًتاجع أحيانان أخرل‪ ،‬لكنو كعرب الفًتات ا‪١‬تختلفة من‬

‫حياة ا‪١‬تسلمُت حافظ على حيوتو كحركتو ‪.‬كىذا ما أشار إليو الدكتور كىبة الزحيلي (ََُِ) حيث يؤكد‬

‫أف الفقو ‪ -‬كغَته من العلوـ ‪ -‬ينمو كيضمر ْتسب استعمالو أك إ‪٫‬تالو ‪ -‬حيث مرت بو فًتات ‪٪‬تا كترعرع‬

‫حىت تناكؿ ‪ٚ‬تيع مناحي ا‪ٟ‬تياة ٍب عدت عليو عوادم الزمن حىت توقف ‪٪‬توه‪ .‬فرغم انفتاح اإلسبلـ على‬

‫‪٣‬تتمعات ‪٥‬تتلفة كثقافات متنوعة ‪ ،‬كثقافة فارس كالركـ كرغم اختبلؼ الببلد اليت فتحها ا‪١‬تسلموف عن الببلد‬
‫اليت نشأ فيها الفقو إال أف الفقو استطاع أف ً‬
‫يوجد ا‪ٟ‬تلوؿ لكل القضايا ا‪١‬تستجدة كظهر من العلماء كالفقهاء‬

‫يف كل فًتة زمنية من يبعث ا‪ٟ‬تيوية يف أحكامو ‪.‬‬


‫‪49‬‬

‫كقد كاجهت الفقو الكثَت من التحديات أبرزىا ‪ :‬مواجهة ا‪ٟ‬تضارة الفارسية ‪ ،‬كالفلسفات الوافدة ‪،‬كا‪ٟ‬تضارة‬

‫األكركبية إباف الفتوحات اإلسبلمية ‪ .‬كيف عصرنا ا‪ٟ‬تاضر تيعد إفرازات العو‪١‬تة كاالنفتاح الكبَت على ثقافات‬

‫العادل كالتطور ا‪٢‬تائل يف ‪٣‬تاالت ا‪ٟ‬تياة االقتصادية كاالجتماعية كالسياسة ‪ ،‬ككذلك ضعف الوازع الديٍت لدل‬

‫الكثَت من ا‪١‬تنتسبُت لئلسبلـ ف كتسييس الفقو كارتباطو برغبات ا‪ٟ‬تكاـ كأىواء الساسة ‪ .‬كل ىذه تيعد من‬

‫أبرز ما يواجهو الفقو من ٖتديات قدٯتان كحديثان ( ىياـ ‪ . )َُُِ ،‬كيرل كرًن (ََِٔـ) أف ا‪ٟ‬تديث عن‬

‫التجديد كرجالو ىو يف حقيقة األمر حديث عن اإلسبلـ يف أرقى صوره الفكرية‪ ،‬كعلى الرغم من ذلك تقف‬

‫عدد من ا‪١‬تعوقات أماـ ٖتقيق ذلك ‪ ،‬كيأٌب على رأسها ٘تسك حكاـ ا‪١‬تسلمُت با‪ٟ‬تكم االستبدادم الذم ال‬

‫ٯتكن أف ينجح أم إصبلح يف ظل كجوده‪ ،‬كذلك ينظر بعض ا‪ٟ‬تكاـ إذل التجديد كا‪ٟ‬تركات اإلصبلحية يف‬

‫أكطاهنم نظرة خيفة كتوجس‪ ،‬كيسيئوف الظن بالعلماء كيعتربكف اإلصبلح معارضة ‪٢‬تم كدعوة للتمرد كالثورة‪.‬‬

‫كمن جانب آخر يأٌب ‪ٚ‬تود غالبية العلماء ليقف عقبة أماـ التجديد يف اإلسبلـ‪ ،‬أيضان تقسيم األمة‬

‫اإلسبلمية إذل شيع كأحزاب كالسنة كالشيعة كما فعلت الواليات ا‪١‬تتحدة يف السنوات األكذل من القرف‬

‫ا‪ٟ‬تادم كالعشرين يف العراؽ‪ ،‬كمعاداة أكركبا عامة كالواليات ا‪١‬تتحدة بشكل خاص للتجديد الذم يتم على‬

‫أيدم أصحابو من ا‪١‬تسلمُت كل تلك العوامل تقف كحاجز يف كجو التجديد اإلسبلمي‪.‬‬

‫ٖتد يواجهو الفقو اإلسبلمي اليوـ ىو ‪ٚ‬تود بعض فقهاء ا‪١‬تسلمُت على القدًن‬
‫كالباحث يرل أف أكرب ٍّ‬

‫كانكفاؤىم على ا‪١‬تراجع القدٯتة يف األحكاـ ا‪١‬تعاصرة كالتعامل مع ظاىر النصوص دكف الغوص يف أعماقها‬

‫كمعرفة مقاصد الشريعة فيها ‪٦‬تا يػي ىولّْد انطباعان سلبيان بأف الفقو دل يعد قادران على حكم ا‪ٟ‬تياة اليوـ مثلما كاف‬

‫باألمس ‪.‬‬
‫‪50‬‬

‫والمراد بكتب الفقو المدرسية ‪ :‬ا‪١‬تقررات الدراسية اليت يدرسها الطالب يف ا‪١‬تدرسة ‪ ،‬كتشرؼ ا‪ٟ‬تكومة على‬

‫إعدادىا كتعليمها ‪.‬كالكتاب ا‪١‬تدرسي لو قيمتو لدل ا‪١‬تعلم كا‪١‬تتعلم ناىيك عن اإلدارة الًتبوية ‪ .‬كنظران ألف‬

‫العديد من الدكؿ ال تزاؿ تنظر إذل الكتاب على أساس أنو ىو ا‪١‬تنهج يف النظرة التقليدية فإف الكتاب ٭تظى‬

‫باىتماـ كبَت من حيث طباعتو كإعداده كتأليفو كتوزيعو يف بداية كل عاـ ‪ ،‬كىذا االىتماـ ينعكس على ا‪١‬تعلم‬

‫فهو يقتصر على الكتاب ا‪١‬تدرسي يف ٖتضَته كتدريسو ألنو بالضركرة مطالىب بشرح مفردات الكتاب‬

‫كتغطيتها كاملة حيث يكوف تقييمو على أساس ذلك ‪ .‬كعندما نتحدث عن الطالب فإننا ‪٧‬تد أنو ملتزـ‬

‫بالكتاب ا‪١‬تدرسي يف تلقي معارف و كعلومو كال بد عند أدائو االمتحانات أف يلتزـ با‪١‬تعلومات الواردة يف‬

‫الكتاب ا‪١‬تدرسي ‪ ،‬بل إنو ال يقبل يف حاؿ من األحواؿ أف تتضمن كرقة االمتحاف أسئلة ليست ضمن‬

‫الكتاب ا‪١‬تدرسي ‪ .‬كعلى ىذا فالكتاب ا‪١‬تدرسي ييعد مصدران ىامان من مصادر ا‪١‬تعرفة‪ ،‬كأحد مدخبلت‬

‫العملية ال ًتبوية كأداة من أدكات التوجيو الًتبوم‪ ،‬كركيزة أساسية للمنهاج ا‪١‬تدرسي‪ ،‬كاألساس الذم يستعُت بو‬

‫ا‪١‬تعلم يف إعداد دركسو كرٔتا ا‪١‬ترجع الوحيد يف أغلب األحياف للتلميذ للمذاكرة‪.‬ىذا كلو يقودنا إذل أ‪٫‬تية‬

‫الكتاب ا‪١‬تدرسي كضركرة االىتماـ بو شكبلن كمضمونان حىت يؤدم الغرض منو بكفاءة كاقتدار‪.‬‬

‫التعريف بالقضايا المعاصرة ‪:‬‬

‫القضايا ‪ٚ‬تع قضية كىي من قضى أم حكم ‪ ،‬يقاؿ قضى بينهم قضية ‪ ،‬كقضايا ‪ ،‬كالقضايا األحكاـ‬

‫كاحدهتا قضية ‪ (.‬ابن منظور‪ُٓ ،‬صُٖٔ) ‪.‬‬

‫القضية ا‪١‬تعاصرة ‪" :‬ىي ا‪ٟ‬تادثة اليت اشًتؾ يف تكوينها أكثر من صورة نتيجة التطور الطبيعي للحياة‬

‫اإلنسانية" ( قنديل كالسوسي ‪. )َُُِ،‬‬


‫‪51‬‬

‫كا‪١‬تعاصرة من العصر كىو الزمن‪ ،‬كمعٌت معاصرة ‪ :‬أم يف زمننا ‪ ،‬كىو مصطلح يعٍت الشيء ا‪ٞ‬تديد الذم ىو‬

‫من اختصاص ىذا الزمن‪ ،‬كدل يكن موجودان كمعهودان كمعركفان قبل ذلك ‪ ،‬كمصطلح معاصر أصبح علىمان على‬

‫كل ما جاء بعد الثورة الصناعية كاليت تبلىا مباشرة اكتشاؼ النفط ‪ ،‬كيطلق على القضايا ا‪١‬تعاصرة‬

‫أحيانان اسم النوازؿ‪ ،‬أك ا‪١‬تستجدات‪ ،‬أك ا‪١‬تسائل ا‪١‬تعاصرة ‪ (.‬اليحي ‪ُُّْ ،‬ق) ‪.‬‬

‫التعريف اإلجرائي ‪ :‬ىي ا‪١‬تستجدات ا‪ٟ‬تياتية اليت نعيشها ‪ ،‬كاليت ي٘تثل ظاىرة نكوف ْتاجة ماسة ‪١‬تعرفة‬

‫ا‪ٟ‬تكم الشرعي فيها حىت نتعامل معها على بصَتة كفق مقاصد الشريعة اإلسبلمية ‪ .‬كعلى ىذا التعريف‬
‫فليس شرطان للحكم على و‬
‫قضية ما بأهنا معاصرة أف تكوف حديثة كليست معركفة من قبل ‪ .‬كإ‪٪‬تا القضية اليت‬

‫يعيشها الناس يف زماهنم كإف كاف قد عاشها غَتىم كتكوف ذات أ‪٫‬تية كبَتة ك‪٨‬تتاج إذل معرفة حكمها‬

‫كتشكل اىتمامان بالغان للمعاصرين ‪٢‬تا تيعد قضية معاصرة ‪ ،‬كموضوع ا‪ٞ‬تهاد مثبلن ىو قضية قدٯتة كلكن ال‬

‫يزاؿ ٭تظى باىتماـ الناس اليوـ حىت ٭تاكؿ البعض إلصاؽ اإلرىاب با‪١‬تسلمُت على اعتبار أف ا‪ٞ‬تهاد ىو‬

‫اإلرىاب يف نظرىم ‪ ،‬فا‪ٞ‬تهاد بذلك يكوف قضية حاضرة كمعاصرة ‪ .‬ككذلك التجارة تيعد قدٯتة كلكن بعض‬

‫صورىا اليوـ ىي ا‪ٞ‬تديدة ا‪١‬تعاصرة ‪ ،‬كالتجارة اإللكًتكنية كأنواع أخرل‪ .‬كٯتكن ىنا أف نشَت إذل بعض من‬

‫القضايا ا‪١‬تعاصرة يف آّاالت ا‪١‬تختلفة فمثبلن ‪ :‬الصبلة يف كسائل ا‪١‬تواصبلت ا‪ٟ‬تديثة كالطائرات ‪ ،‬فوات‬

‫الصلوات بسبب العمليات ا‪ٞ‬تراحية كاألعماؿ ا‪١‬تتصلة كالدكاـ ‪ ، ،‬اإلضراب ‪،‬اإلرىاب‪ٖ ،‬تديد النسل ‪،‬‬

‫كغَتىا من القضايا ا‪١‬تعاصرة ‪ .‬ك‪٦‬تا ٕتدر اإلشارة إليو أف آّتمعات ٗتتلف من حيث درجة االىتماـ ببعض‬

‫القضايا ا‪١‬تعاصرة ففي حُت تعد قضية زكاج القاصرات ىي ا‪٢‬تم األكرب يف بعض آّتمعات ‪٧‬تد ىذه القضية‬

‫ليست ذات باؿ يف ‪٣‬تتمعات أخرل ‪،‬لذا فإف ا‪١‬تناىج الدراسية كبالذات مقررات الفقو يف كل بلد ‪٬‬تب أف‬
‫‪52‬‬

‫تصاغ ٔتا يبلئم االحتياجات الفعلية لو ‪.‬كىذا ا‪٢‬تدؼ ىو الذم جعل قسم الشريعة كالقضاء ّتامعة العلوـ‬

‫اإلسبلمية ٔتاليزيا ‪ USIM‬اآلف ك‪ KUIM‬سابقان‪ٕ ،‬تعل من مادة الفقو ا‪١‬تعاصر مادة إجبارية على طلبة قسم‬

‫الشريعة كالقضاء‪ ،‬كمادة اختيارية على طلبة باقي التخصصات مثل‪ :‬قسم االقتصاد‪ ،‬كقسم الدعوة كاإلعبلـ‪،‬‬

‫كقسم الدراسات القرآنية كا‪ٟ‬تديثية‪.‬أما كلية العلوـ اإلسبلمية كالعلوـ االجتماعية ّتامعة ا‪ٟ‬تاج ‪٠‬تضر‬

‫با‪ٞ‬تزائرفإف ا‪١‬تقرر ال ييدرس إال لطلبة ا‪١‬تاجستَت ٖتت مسمى القضايا الفقهية ا‪١‬تعاصرة‪ ،‬على اعتبار أف بعض‬

‫مفردات ىذا ا‪١‬تقرر تيدرس ضمنان مع ا‪١‬تقررات الشرعية األخرل مثل‪ :‬فقو العبادات‪ ،‬كاألحواؿ الشخصية ‪،‬‬

‫كا‪١‬تعامبلت (زكزكا‪َُِِ،‬ـ)‪.‬كما أصبحت موضوعات الفقو اإلسبلمي‪،‬ا‪١‬تعامبلت من ا‪١‬تواداألساسية يف‬

‫كلية االقتصادكإداراة العلوـ‪، KENMS‬ا‪ٞ‬تامعة اإلسبلمية الدكلية ٔتاليزيا ‪ IIUM‬كمؤسسة للتعليم العا‪١‬تي منذ‬

‫إنشائها يف عاـ ُّٖٗـ‪ ،‬كأيضان يف كلية إدارة األعماؿ كاالقتصاد كالدراسات السياسية ‪ ،‬جامعة بركنام‬

‫دارالسبلـ ‪.)mat,2008( . UBD‬‬

‫كٯتكن تقسيم القضايا من حيث كجود التكييف الفقهي ‪٢‬تا إذل قسمُت ‪:‬القسم األكؿ ما لو تكييف فقهي‬

‫كذلك حُت تكوف ا‪١‬تسألة قد تناك‪٢‬تا الفقهاء ا‪١‬تعاصركف سواء باجتهاد ‪ٚ‬تاعي أك فردم ‪ .‬فهنا يكوف النظر إذل‬

‫اآلراء الفقهية ا‪١‬تطركحة ْتسب تكييف القضية كاألخذ بأرجح اآلراء‪ ،‬كالقسم الثاين ‪ :‬ما ليس لو تكييف‬

‫فقهي كىنا ‪٬‬تب على آّتهدين اليوـ أف ينظركا إذل التكييف الفقهي للمسألة كأف ‪٬‬تتهدكا للوصوؿ إذل حكم‬

‫فيها ‪ .‬كينبغي العناية بالعلة يف مرحلة ا‪ٟ‬تكم على ا‪١‬تسألة كأف يكوف ا‪١‬تفيت يف القضية ا‪١‬تعاصرة على إ‪١‬تاـ كامل‬

‫ٔتا ًب تناكلو من ْتوث كاجتهادات يف حكم القضية ا‪١‬تعاصرة كينبغي النظر إذل الضركرات كتقديرىا بقدرىا‬

‫حُت ا‪ٟ‬تديث عن بعض القضايا ا‪١‬تعاصرة كا‪١‬تصاحل كا‪١‬تفاسد ‪ ،‬كمعرفة تفاصيل الواقعة كالقضية كالواقع الذم‬
‫‪53‬‬

‫نشأت فيو كالنظر إذل ا‪١‬تسميات ال إذل األ‪ٝ‬تاء ‪ ،‬كما ‪٬‬تب مراعاة أقساـ ا‪١‬تسائل ا‪١‬تعاصرة آّردة مثل الكثَت‬

‫من مسائل الطب كتلك اليت تتغَت بتغَت الواقع كالرب‪١‬تانات كاألقليات كغَتىا ‪ (.‬اليحي‪،‬مرجع سابق‬

‫‪ُُّْ،‬ق)‪ .‬كعند التأليف أك الفتول يف القضايا ا‪١‬تعاصرة ‪٬‬تب أف ينضم إذل الفقيو يف الشريعة متخصصوف‬

‫يف القضية ا‪١‬تطركحة فالفقيو قد ال يكوف عا‪١‬تان بتفاصيل القضية الطبية أك االجتماعية أك السياسية مثبلن ‪،‬‬

‫كلكنو عندما ‪٬‬تتمع بأىل التخصص يف نفس آّاؿ فإنو يستطيع أف يتخذ القرار كا‪ٟ‬تكم ا‪١‬تناسب حيا‪٢‬تا‪،‬ك‪٦‬تا‬

‫يؤكد ىذا الكبلـ ما أكصت بو ندكة انعقدت يف جامعة اإلماـ ‪٤‬تمد بن سعود يف الرياض (ََُِ) ٖتت‬

‫عنواف ‪٨‬تو منهج علمي أصيل لدراسة القضايا الفقهية ا‪١‬تعاصرة حيث كاف من أىم ما أكصت بو اللجنة‬

‫ضركرة مشاركة أىل االختصاص كا‪٠‬ترباء يف فقو النوازؿ‪ ،‬كشدد ا‪١‬تشاركوف على أ‪٫‬تية إعماؿ القواعد الفقهية‬

‫اليت ثبتت باالستقراء الصحيح أك بنصوص شرعية خاصة يف استنباط أحكاـ القضايا ا‪١‬تستجدة مع مراعاة‬

‫شركط إعما‪٢‬تا كضوابطها‪ .‬كما أكصىت الندكة بضركرة تضمُت مناىج الدراسات الشرعية طرؽ البحث‬

‫الفقهي يف القضايا ا‪١‬تعاصرة‪،‬كما شدد ا‪ٟ‬تاضركف على أ‪٫‬تية كظيفة ا‪٠‬تبَت يف ا‪١‬تسائل الطبية كاالقتصادية‬

‫كاالجتماعية كسائر التخصصات ذات العبلقة يف تصوير أسباب الواقعة كمآالهتا‪ ،‬مشَتين إذل أف الغفلة عن‬

‫ىذه تعد خلبلن يف الدراسة الفقهية‪.‬كعلى ذلك فإف األ‪٫‬تية الكربل للمناىج التعليمية كباألخص تلك ا‪١‬تتعلقة‬

‫كٖتىتّْم أف ييوىكل إعدادىا إذل فريق من ا‪٠‬ترباء الذين ‪٬‬تب عليهم يف ا‪١‬تقابل مراعاة‬
‫ّتوانب الفقو تقتضي ي‬

‫ضوابط عرض القضية ا‪١‬تعاصرة كا‪ٟ‬تكم فيها بناءن على تلك الضوابط السالف ذكرىا مع ضركرة إعادة النظر‬

‫يف تلك األحكاـ ْتسب ثباهتا أك تغَتىا ‪ .‬فمراعاة الضوابط يف ا‪ٟ‬تكم على القضية ا‪١‬تعاصرة كإعادة النظر‬

‫فيها بُت ا‪ٟ‬تُت كاآلخر يعطي الفقو حيويتو كفعاليتو يف التعامل مع كل قضية مستجدة‪ .‬كنظران لبلرتباط الوثيق‬

‫بُت القضايا ا‪١‬تعاصرة كمقاصد الشريعة اإلسبلمية فإف الباحث يرل من األ‪٫‬تية ٔتكاف دراسة القضايا‬
‫‪54‬‬

‫كا‪١‬تستجدات ا‪١‬تعاصرة يف ضوء نظرية ا‪١‬تقاصد ‪.‬كعند ا‪ٟ‬تديث عن مقاصد الشريعة اإلسبلمية فهذا يعٍت العودة‬

‫إذل الشريعة اإلسبلمية كالنظر الفاحص كا‪ٞ‬تاد يف أحكامها ‪،‬كمعرفة الغايات كا‪ٟ‬تًكم ‪ ،‬كا‪١‬تعاين كاألسرار كالعلل‬

‫من تشريع األحكاـ‪ .‬كالقرآف الكرًن كالسنة النبوية ا‪١‬تطهرة ‪٫‬تا مصدرا التشريع كال شك أف من أراد معرفة‬

‫مقاصد الشريعة اإلسبلمية فبل بد من النظر يف ىذين ا‪١‬تصدرين ‪ ،‬ككوف شريعة اإلسبلـ ىي الشريعة ا‪٠‬تا٘تة‬

‫فبل بد من معرفة مقاصدىا كمراميها حىت يتم إنزا‪٢‬تا كا‪ٟ‬تكم ّٔا يف كل زماف كمكاف ‪ ،‬ناىيك كالشريعة‬

‫اإلسبلمية جاءت ‪١‬تراعاة مصاحل العباد يف الدنيا كاآلخرة ‪" .‬كمقاصد الشريعة كمعرفتها كمراعاهتا‪ ،‬ليس شيئا‬

‫اكتشفو البلحقوف أك ابتكره ا‪١‬تتأخركف‪ ،‬بل ىو من صميم الدين‪ ،‬بل ىو صميمو‪ .‬فرغم أف أحكاـ الوحي‬

‫‪٢‬تا من القداسة كمن الثقة كالتسليم ّٔا عند ا‪١‬تؤمنُت ما ال ٭توجهم إذل بياف علة كال حكمة كال مقصد كال‬

‫مصلحة‪ ،‬إال أف القرآف الكرًن كالسنة النبوية ‪-‬رغم ذلك‪-‬قد بينا كثَتان من علل األحكاـ كمقاصدىا‪ ،‬يف‬

‫العبادات كا‪١‬تعامبلت كسائر أبواب التشريع" (الريسوين‪ . )ََِٓ،‬كأل‪٫‬تية مقاصد الشريعة اإلسبلمية فقد‬

‫حظيت باىتماـ علماء ا‪١‬تسلمُت قدٯتان كحديثان ‪ ،‬كلذا فقد خلصت دراسة(القرضاكم‪ )َََِ،‬إذل القوؿ بأف‬

‫نظرية ا‪١‬تقاصد قائمة على أف لؤلحكاـ اليت شرعها ا﵁ ًح ىك هم كغايات ‪ ،‬فما شرع ا﵁ شئيان إال ‪ٟ‬تكمة ‪،‬‬

‫كيستحيل العبث يف أفعاؿ ا﵁ كتشريعاتو ‪ ،‬يقوؿ ا﵁ تعاذل ‪ ﴿:‬أَفَ َح ِس ْبتُ ْم أَنَّ َما َخلَ ْقنَا ُك ْم َعبَثَاً َوأَنَّ ُك ْم إِلَْي نَا َال‬

‫ش ال َك ِريم﴾(القرآف‪. ) ُُٔ -ُُٓ : ِّ.‬‬


‫الع ْر ِ‬
‫ب َ‬ ‫الم ِل ُ‬
‫ك الَ َح ُّقر َال إِلَوَ إَِّال ُى َو َر ُّ‬ ‫تُ ْر َجعُو َن‪ .‬فَ تَ َعالَى اهلل َ‬
‫كنظرية ا‪١‬تقاصد القائمة على البحث عن علل األحكاـ كغاياهتا ً‬
‫كحكمها اليت راعاىا الشارع عند تشريع‬

‫األحكاـ كفيلة بأف ٕتعل لبلج تهاد مساحة كبَتة يف إ‪٬‬تاد ا‪ٟ‬تلوؿ ‪١‬تستجدات ا‪ٟ‬تياة كتطوراهتا كفق رؤية الشرع‬

‫ا‪ٟ‬تكيم ‪ .‬كمن ا‪١‬تعركؼ بأف العلماء تعددت آراؤىم يف الكثَت من ا‪١‬تسائل كذلك الختبلؼ اجتهاداهتم‬
‫‪55‬‬

‫كقراءهتم لنصوص الشرع ا‪ٟ‬تكيم ‪ .‬كيف كقتنا ا‪ٟ‬تاضر ال شك توجد الكثَت من القضايا اليت ٖتتاج إذل بياف‬

‫رؤية الشرع فيها كحقوؽ اإلنساف عمومان كا‪١‬ترأة على كجو ا‪٠‬تصوص ‪ ،‬كالتعامبلت االقتصادية كا‪١‬تالية ‪،‬‬

‫كقضايا اإلرىاب ‪ ،‬كالقضايا الطبية كقضايا األسرة كقضايا السلم كا‪ٟ‬ترب ‪ ،‬كغَتىا ‪٦‬تا ي٭تتم على علماء‬

‫ا‪١‬تسلمُت االجتهاد كفق مقاصد الشرع لبياف األحكاـ اليت ٖتقق أىداؼ الشريعة اإلسبلمية كتزيد ثقة الناس‬

‫بالدين ‪ .‬كمن ىذا ا‪١‬تنطلق فقد حاكلت دراسة (الزحيلي‪ )ََِِ،‬الربط بُت مقاصد الشريعة كرعاية مصاحل‬

‫اإلنساف‪ .‬كقد حاكلت دراسة (الضوم ‪ )ََِٔ ،‬تقدًن تصور ‪١‬توضوعات مبنية على مراعاة مقاصد الشريعة‬

‫اإلسبلمية‪.‬كيف ىذا الصدد فإننا ‪٧‬تد دراسة (سينجي‪ )ََِٖ،‬ىدفت إذل ٖتديد التطبيقات الًتبوية ‪١‬تقاصد‬

‫الشريعة اإلسبلمية كحاكؿ الباحث توزيع بعض القضايا ا‪١‬تعاصرة كتطبيقات على مقاصد الشريعة اإلسبلمية‬

‫ا‪١‬تتمثلة ْتفظ الدين كالنفس كالعرض كالعقل كا‪١‬تاؿ ‪.‬كإ‪٫‬تاؿ ا‪١‬تقاصد يؤدم إذل عدـ معرفة دالالت النصوص‬

‫كاستنباط األحكاـ ( كورنيانتو‪ . ) َُِِ،‬كما ‪٬‬تب مراعاة خصائص ا‪١‬تتعلمُت يف ىذه ا‪١‬ترحلة كدراسة‬

‫خصائص ا‪١‬تتعلمُت يساعد على بناء منهج متكامل يراعي تلك ا‪٠‬تصائص‪ .‬كٯتكن أف نشَت ىنا إذل أف أىم‬

‫خصائص ا‪١‬تتعلمُت اليت ‪٬‬تب على ا‪١‬تناىج مراعاهتا ‪،‬كىي ‪ :‬ا‪٠‬تصائص ا‪ٞ‬تسمية ‪ ،‬كا‪٠‬تصائص العقلية ‪،‬‬

‫كا‪٠‬تصائص االنفعالية‪ ،‬كا‪٠‬تصائص االجتماعية ‪ ،‬كا‪٠‬تصائص ا‪ٞ‬تنسية ‪ .‬فالتغَتات ا‪١‬تفاجئة اليت ٖتدث للجسم‬

‫سواء بالزيادة يف الطوؿ أك بتغَت نربات الصوت أك ٔتا يدؿ على البلوغ كل ذلك تصحبو تغَتات يف ا‪١‬تزاج‬

‫العاـ لدل ا‪١‬تراىق كتزداد لديو ا‪ٟ‬تاجة للتقدير كيسعى بكل ما أكٌب من قدرة إذل إثبات ذاتو لكي يتعامل معو‬

‫آّتمع تعامبلن ‪٥‬تتلفان عن تعاملهم معو فًتة الطفولة السابقة ‪ .‬كصف أريكسوف مرحلة ا‪١‬تراىقة بأهنا مرحلة‬

‫التوتر كىي مرحلة بطبيعتها مواتية للسلوؾ ا‪ٞ‬تانح ‪١‬تا فيها من فورة الغرائز من جنس كعدكاف ك‪١‬تا تبديو من‬

‫رغ بة يف التحرر من سلطة الكبار كالتمرد عليها ‪ ،‬ك‪١‬تا فيها من عدـ استقرار عاطفي كمن صعوبة يف التكيف‬
‫‪56‬‬

‫مع ا‪١‬تتغَتات ا‪ٞ‬تسمية كالنفسية مع اآلخرين ( الديدم ‪ . )ُِٔ ، ُٗٗٓ،‬كيف ىذا البحث يركز الباحث‬

‫على القضايا ا‪١‬تعاصرة اليت ىي ‪٤‬تل اىتماـ آّتمع اليمٍت ْتيث يكوف الطالب بأمس ا‪ٟ‬تاجة ‪١‬تعرفة ا‪ٟ‬تكم‬

‫الشرعي حيا‪٢‬تا ‪ .‬كفيما يلي عرض ألىم تلك القضايا ‪ ،‬حيث سيتم تناكؿ القضية بشكل مقتضب كٔتا ٭تقق‬

‫ا‪٢‬تدؼ من البحث دكف ا‪٠‬توض يف نقاشات فقهية كتفاصيل ‪ ،‬فتناكؿ القضية سيتضمن التعريف ّٔا كبالنظرة‬

‫الفقهية حيا‪٢‬تا مستقاة من اجتهادات الفقهاء كبالذات ا‪١‬تعاصرين منهم ‪ ،‬كاإلشارة إذل نتائج أم دراسات يف‬

‫نفس القضية ‪،‬ككيفية التطرؽ إليها يف كتاب الفقو ا‪١‬تدرسية‪ .‬كقبل ا‪ٟ‬تديث عن بعض القضايا الفقهية‬

‫ا‪١‬تعاصرة ٭تسن يب أف أنقل بعض شهادات علماء غربيُت على صبلحية ىذه الشريعة إل‪٬‬تاد ا‪ٟ‬تلوؿ لكل‬

‫ا‪١‬تستجدات ا‪١‬تعاصرة ‪ ،‬من مظاىر الر‪ٛ‬تة يف شخصية النيب صلى ا﵁ عليو ك سلم يف ميداف التشريع‪ ،‬أف‬

‫أحكامو الشرعية تتسم با‪١‬تركنة‪ ،‬كقابلية تشريعاتو للتجديد ‪ ،‬كالتمشي مع مقتضيات العصر كا‪ٟ‬تاجات‬

‫كا‪١‬تسائل ا‪١‬تستجدة‪ ،‬ر‪ٛ‬تة بالناس ‪ .‬كما يقوؿ توماس آرنولد‪" ،‬كإف بساطة ىذه التعاليم ككضوحها ‪٢‬تي على‬

‫كجو التحقيق؛ من أظهر القول الفعالة يف الدين كيف نشاط الدعوة إذل اإلسبلـ ا‪٠‬تصب ‪ .‬كيقوؿ الدكتور‬

‫"إيزيكو انسابا توحُت" أحد علماء القانوف "إف اإلسبلـ يتمشى مع مقتضيات ا‪ٟ‬تاجات الظاىرة فهو‬

‫يستطيع أف يتطور دكف أف يتضاءؿ خبلؿ القركف ‪ ،‬كيبقى ‪٤‬تتفظان بكل ما لديو من قوة ا‪ٟ‬تياة كا‪١‬تركنة ‪ .‬فهو‬

‫كثَتا الشرائع األكربية ‪ .‬كيقولدافيد دم سانتيبلنا ‪١ " :‬تا‬


‫الذم أعطا العادل أرسخ الشرائع ثباتان‪ ،‬كشريعتهتفوؽ ن‬
‫كاف الشرع اإلسبلمي يستهدؼ منفعة آّموع‪ ،‬فهو ّتوىره شريعة تطورية غَت جامدة خبلفنا لشريعاتنا من‬

‫بعض الوجوه‪ٍ .‬ب إهنا علم ما دامت تعتمد على ا‪١‬تنطق ا‪ٞ‬تدرل‪ ..‬كتستند إذل اللغة‪ ..‬إهنا ليست جامدة‪ ،‬كال‬

‫تستند إذل ‪٣‬ترد العرؼ كالعادة‪ ،‬كمدارسها الفقهية العظيمة تتفق كلها على ىذا الرأم‪ .‬فيقوؿ أتباع ا‪١‬تذىب‬

‫ا‪ٟ‬تنفي أف القاعدة القانونية ليست بالشيء ا‪ٞ‬تامد الذم ال يقبل التغيَت‪ .‬إهنا ال تشبو قواعد النحو كا‪١‬تنطق‪.‬‬
‫‪57‬‬

‫ففيها يتمثل كل ما ٭تدث يف آّتمع بصورة عامة" ( منتديات ستار تاٯتز‪ََِٗ،‬ـ )‪ .‬ككوننا ننقل بعضان من‬

‫ىذه االنطباعات لعلماء غربيُت فهذا فقط من باب التأكيد على أ‪٫‬تية شريعتنا اإلسبلمية كمنقذ لتخبط‬

‫البشرية يف ‪٣‬تاؿ التشريع ‪ .‬فشريعتنا فيها سعادة اإلنساف ك‪٦‬تن خبل‪٢‬تا ‪٬‬تد اإلنساف نفسو متماشيان مع فطرة‬

‫ا﵁ اليت فطره عليها كغَت متناقض معها ‪ .‬كيف اإلطار النظرم للبحث رأل الباحث بالتشاكر مع ا‪١‬تشرؼ‬

‫كٖتقيقان ألىداؼ البحث فإف الباحث يف ىذا الفصل سيتناكؿ القضايا اليت خلص إليها من خبلؿ التحكيم‬

‫من حيث ‪ :‬م فهومها ‪ ،‬أ‪٫‬تيتها ‪ ،‬نظرة الشريعة ‪٢‬تا ‪ ،‬كيفية تضمينها كتب الفقو ا‪١‬تدرسية يف ا‪١‬ترحلة الثانوية ‪.‬‬

‫كىذه القضايا عددىا بعد التحكيم تسع عشرة قضية موزعة على ثبلث ‪٣‬تاالت ‪ ،‬كالتارل ‪ :‬آّاؿ األكؿ ‪:‬‬

‫‪٣‬تاؿ العبادات كا‪١‬تعامبلت ا‪١‬تالية كتندرج ٖتتو القضايا التالية ‪( : :‬الصبلة يف كسائل ا‪١‬تواصبلت ا‪ٟ‬تديثة‬

‫كالطائرة ‪ -‬فوات الصلوات بسبب العمليات ا‪ٞ‬تراحية كاألعماؿ ا‪١‬تتصلة كالدكاـ – التعامبلت البنكية‬

‫كالتجارة اإللكًتكنية – بيع التقسيط – الضرائب – الزكاة على األسهم كالسندات ) ‪ .‬آّاؿ الثاين ‪٣ :‬تاؿ‬

‫السياسة كالسلوؾ كيتضمن الفقرات التالية ‪ ( :‬الغلو كالتطرؼ – العصبية – الثأر – التقطعات (قطع‬

‫الطريق ) – قتل اإلنساف نفسو (االنتحار) – االختطافات كاالغتياالت – اإلرىاب – الثورات كالتغيَت‬

‫السلمي ) أما آّاؿ الثالث فهو ‪٣‬تاؿ األحواؿ الشخصية كتنضوم ٖتتو الفقرات التالية ‪ (:‬الفحص قبل الزكاج‬

‫– ٖتديد كتنظيم النسل – الطبلؽ اإللكًتكين – زكاج الصغَتات – زكاج ا‪١‬تسيار) ‪ٕ.‬تدر اإلشارة إذل أف‬

‫الباحث لن يتعمق يف ا‪ٞ‬تانب الفقهي بقدر ما سيعمل على طرؽ ا‪١‬توضوع من ا‪ٞ‬توانب ا‪١‬تشار إليها سابقان‬

‫كا‪١‬تفهوـ كاأل‪٫‬تية كنظرة الشريعة ككيفية تضميينها يف الكتاب ا‪١‬تدرسي ‪ ،‬كقد ٯتيل الباحث إذل رأم شرعي‬

‫معُت فيما يتطرؽ إليو من قضايا كىذا ا‪١‬تيل بناء على ترجيح اجتهاد معُت ّٓمع فقهي أك ‪١‬تدرسة فقهية معينة‬

‫أك باحث توصل إذل نتائج علمية يف القضية ا‪١‬تطركحة ‪.‬كتناكؿ الباحث ‪٢‬تذه القضايا اليت ًب ٖتكيمها كيرل‬
‫‪58‬‬

‫الباحث تضمينها الكتاب ا‪١‬تدرسي يف ا‪١‬ترحلة القادمة ‪ٟ‬ترصو الشديد تقدًن مقًتحات تفيد من ناحية عملية‬

‫يف إعادة صياغة ا‪١‬تناىج الدراسية ٔتا يتناسب مع ا‪١‬ترحلة كا‪١‬تستجدات ا‪١‬تعاصرة ‪.‬‬

‫أوالً ‪ :‬مجال العبادات والمعامالت المالية‪:‬‬

‫ٔ‪-‬الصالة في وسائل المواصالت الحديثة كالطائرة ‪:‬‬

‫التعريف بالقضية ‪:‬‬

‫المفهوم‪ :‬كيفية الصبلة يف الطائرة كالقطار كا‪ٟ‬تافلة كغَتىا من كسائل النقل ا‪ٟ‬تديثة‬

‫األىمية ‪ :‬تناكؿ الفقهاء األكلوف الصبلة ككيفية إقامتها كشركطها كأركاهنا كسننها كىيئتها‪ ،‬كال يكاد كتاب‬

‫مؤلف يف الفقو أك ا‪ٟ‬تديث إال كتطرؽ ‪١‬توضوع الصبلة‪ .‬كما تناكلوا بالدراسة األكضاع ا‪١‬تختلفة للصبلة أثناء‬

‫الصحة كا‪١‬ترض كاإلقامة كالسفر كأثناء ا‪٠‬توؼ كاألمن ‪ .‬كال ‪٧‬تد صعوبة يف معرفة أحكاـ الصلوات ا‪١‬تفركضة‬

‫كصلوات النافلة كغَتىا ‪ .‬كلكن قضيتنا اليوـ ىي يف ىيئة الصبلة ككيفيتها عند السفر على إحدل كسائل‬

‫النقل ا‪ٟ‬تديثة كالطائرة كالباخرة كالسيارة ‪ ،‬حيث كأف ا‪١‬تسافر قد يستغرؽ كقتان طويبلن يف رحلتو حىت يصل إذل‬

‫مقصوده كقد يتعذر التوقف الداء الصبلة كما ىو ا‪ٟ‬تاؿ يف الطائرة أك الباخرة ‪ ،‬أك قد ٮتاؼ ا‪١‬تسافر من‬

‫التوقف يف الطريق الربم بالسيارة أك بغَتىا خوفان على حياتو كمالو من قطاع الطريق كغَتىم ‪.‬كا‪١‬تسلم حريص‬

‫على معرفة كيفية الصبلة حىت يطمئن قلبو كيؤدم ما افًتضو ا﵁ عليو ‪ ،‬ناىيك كىذه الوسائل ىي ا‪١‬تستخدمة‬

‫اليوـ فلم يعد للجمل أك ا‪ٟ‬تصاف أك ا‪ٟ‬تمار كغَتىا من الوسائل القدٯتة اعتبار يف زمن التكنولوجيا ‪ :‬زمن‬
‫‪59‬‬

‫السيارة كالباخرة كالطائرة كمركبات الفضاء األخرل ؛ لذا أصبح من األ‪٫‬تية ٔتكاف أف يكوف الطالب على‬

‫كعي كإدراؾ لكيفيات الصبلة يف ىذه الوسائل ؛ إلف ديننا اإلسبلمي صا‪ٟ‬تة أحكامو يف كل زماف كمكاف ‪.‬‬

‫نظرة الشريعة ‪:‬‬

‫كللفقهاء شواىد على كسائل قدٯتة كانت موجودة على عهد النيب صلى ا﵁ عليو كسلم كالسفينة ‪ .‬كىنا ال‬

‫تكوف ا‪١‬تشكلة يف قصر الصلوات للمسافر فهذا ليس موضوعنا إ‪٪‬تا موضوعنا ىو الصبلة يف كسائل النقل‬

‫تلك حيث ال مكاف يتسع ألداء الصبلة ّٔيئتها كال ‪٣‬تاؿ أحيانان ‪١‬تعرفة القبلة كالوقت الذم ٮتتلف من منظقة‬

‫إذل أخرل يف العادل كبالذات عندما يستمر السفر ‪١‬تدة طويلة ‪ .‬كىنا ننقل حديثان للًتمذم ر‪ٛ‬تو ا﵁ تعاذل‬

‫اح الٍبىػ ٍل ًخ ُّي ىع ٍن ىكثً ًَت بٍ ًن ًزيى واد‬ ‫وسى ىح َّدثػىنىا ىشبىابىةي بٍ ين ىس َّوا ور ىح َّدثػىنىا عي ىم ير بٍ ين َّ‬
‫الرَّم ً‬ ‫حيث يقوؿ ‪ ":‬ىح َّدثػىنىا ىٍ٭ت ىِت بٍ ين يم ى‬
‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم ًيف ىم ًس وَت‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ىع ٍن ىع ٍم ًرك بٍ ًن عيثٍ ىما ىف بٍ ًن يىػ ٍعلىى بٍ ًن يمَّرةى ىع ٍن أىبًيو ىع ٍن ىجدّْه أىنػ يَّه ٍم ىكانيوا ىم ىع النً ّْ‬
‫َّيب ى‬
‫السماء ًمن فىػوقً ًهم كالٍبًلَّةي ًمن أىس ىفل ًمٍنػهم فىأىذَّ ىف رس ي ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫صلَّى‬
‫وؿ اللَّو ى‬ ‫ىي‬ ‫ٍ ٍ ى يٍ‬ ‫الصبلةي فى يمط يركا َّ ى ي ٍ ٍ ٍ ى‬
‫ت َّ‬ ‫فىانٍػتىػ ىه ٍوا إً ىذل ىمض ويق ىك ىح ى‬
‫ضىر ٍ‬

‫ود‬ ‫احلىتً ًو فىصلَّى ًًّٔم ي ً‬


‫وم يئ إًٯتىاءن ىٍ‪٬‬ت ىع يل ُّ‬ ‫احلىتً ًو كأىقىاـ أىك أىقىاـ فىػتىػ ىقدَّـ علىى ر ً‬
‫اللَّو علىي ًو كسلَّم كىو علىى ر ً‬
‫الس يج ى‬ ‫ٍ ي‬ ‫ى‬ ‫ى ى ى‬ ‫ى ى ٍ ى‬ ‫ي ى ٍ ى ى ى ىيى ى ى‬
‫ؼ إًال ًم ٍن‬
‫اح الٍبىػ ٍل ًخ ُّي ال يػي ٍعىر ي‬ ‫يب تىػ ىفَّرىد بًًو عي ىم ير بٍ ين َّ‬
‫الرَّم ً‬ ‫"ى ىذا ىح ًد ه‬
‫يث ىغ ًر ه‬ ‫يسى‪ :‬ى‬
‫ً‬
‫اؿ أىبيو ع ى‬
‫وع‪.‬قى ى‬ ‫ض ًم ٍن ُّ‬
‫الريك ً‬ ‫ىخ ىف ى‬
‫أٍ‬
‫صلَّى ًيف ىم واء ك ًط و‬ ‫ًو‬ ‫ً‬ ‫ح ًديثً ًو كقى ٍد ركل عٍنو ىغيػر ك ً و‬
‫احد ًم ٍن أ ٍىى ًل الٍعًٍل ًم‪ .‬ىكىك ىذل ى‬
‫ُت ىعلىى‬ ‫ى‬ ‫ك يرًك ى‬
‫م ىع ٍن أىنى ً‬
‫س بٍ ًن ىمالك أىنَّوي ى‬ ‫ى ى ىى ى ي ٍ ي ى‬
‫ُ‪# :‬‬ ‫ى‪ٛ‬تى يد ىكإً ٍس ىح يق"(ا‪ٟ‬تديث ‪.‬الًتمذم ‪.‬كتاب الصبلة ‪:‬ج‬ ‫ىدابَّتً ًو ىكالٍ ىع ىم يل ىعلىى ىى ىذا ًعٍن ىد أ ٍىى ًل الٍعًٍل ًم ىكبًًو يػى يق ي‬
‫وؿ أ ٍ‬

‫ُُْ)‪.‬يقوؿ السيد سابقر‪ٛ‬تو ا﵁ (ُُٕٗ ‪،‬جُصِْٕ) ‪ " :‬تصح الصبلة يف السفينة كالقاطرة كالطائرة‬

‫بدكف كراىة حسبما تيسر للمصلي ‪ ،‬فعن ابن عمر قاؿ يسئل رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم عن الصبلة يف‬

‫"صل فيها قائمان إال أف ٗتاؼ الغرؽ " ركاه الدارقطٍت كا‪ٟ‬تاكم على شرط الشيخُت ‪ .‬كعن‬
‫السفينة ؟ قاؿ ‪ّْ :‬‬
‫‪60‬‬

‫عبدا﵁ بن عتبة بن أيب عتبة قاؿ‪:‬صحبت جابر بن عبدا﵁ كأبا سعيد ا‪٠‬تدرم كأبا ىريرة يف سفينة فصلوا قيامان‬

‫يف ‪ٚ‬تاعة ‪ ،‬أ َّمهم بعضهم كىم يقدركف على ا‪ٞ‬تد‪ ،‬كا‪ٞ‬تد معناه ‪ :‬الشاطئ‪.‬ركاه سعيد بن منصور‪.‬‬

‫كمنو نستفيد جواز الصبلة جالسان يف كسائل النقل ا‪ٟ‬تديثة إذا تعسر القياـ كخيف ذىاب الوقت‪ .‬كيكوف‬

‫السجود أخفض من الركوع ‪.‬‬

‫كيرل ابن باز ر‪ٛ‬تو ا﵁ أف الواجب على ا‪١‬تسلم أف يصلي يف كقت الصبلة ْتسب حالتو يف الطائرة‪ ،‬فإف‬

‫استطاع أف يصليها بركوعها كسجودىا ككجد مكانان مناسبان يف الطائرة كجب عليو ذلك كإف دل يستطع صلى‬

‫جالسان كأكمأ بالركوع‪ ،‬كالسجود‪ ،‬لقوؿ ا﵁ سبحانو كتعاذل ‪ ﴿:‬فىاتػَّ يقوا اللَّوى ىما ٍ‬
‫استىطى ٍعتي ٍم ﴾ (القرآف‪ .‬التغابن‬

‫ْٔ‪ ، )ُٔ:‬كقوؿ النيب صلى ا﵁ عليو كسلم لعمراف بن حصُت رضي ا﵁ عنهما ككاف مريضان‪" :‬صل قائمان‬

‫فإف دل تستطع فقاعدان فإف دل تستطع فعلى جنب" (ا‪ٟ‬تديث ‪.‬البخارم ‪.‬كتاب ا‪ٞ‬تمعة ‪:‬جُ ‪،)ََُٓ #:‬‬

‫كاألفضل لو أف يصلي يف أكؿ الوقت فإف أخرىا إذل آخر الوقت ليصليها يف األرض فبل بأس‪ ،‬لعموـ األدلة‪.‬‬

‫كحكم السيارة كالقطار كالسفينة حكم الطائرة‪(.‬موقع ابن باز‪َُِْ،‬م)‪.‬‬

‫ٕ‪ -‬فوات الصلوات بسبب العمليات الجراحية أو األعمال المتصلة ‪:‬‬

‫المفهوم ‪ :‬خركج كقت الصبلة أثناء أداء عمل يستغرؽ كقت أداء الصبلة كدخوؿ كقت صبلة أخرل ‪٦ ،‬تا‬

‫يًتتب على قطع العمل ضرر ‪٤‬تقق على العامل أك العمل ‪.‬‬

‫أىمية القضية ‪ :‬للصبلة أ‪٫‬تية كبَتة فهي الركن الثاين من أركاف اإلسبلـ‪،‬فعن أيب عبد الر‪ٛ‬تن عبد ا﵁ بن عمر‬

‫بن ا‪٠‬تطاب رضي ا﵁ عنهما قاؿ ‪ٝ :‬تعت رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم يقوؿ‪" :‬بٍت اإلسبلـ على ‪ٜ‬تس ‪:‬‬
‫‪61‬‬

‫شهادة أف ال إلو إال ا﵁ ‪ ،‬كأف ‪٤‬تمدا رسوؿ ا﵁ ‪ ،‬كإقاـ الصبلة ‪ ،‬كإيتاء الزكاة ‪ ،‬كحج البيت ‪ ،‬كصوـ‬

‫رمضاف(ا‪ٟ‬تديث ‪.‬البخارم ‪.‬كتاب اإلٯتاف ‪:‬ج ُ‪ ،)ٖ #:‬كىي عمود الدين ففي حديث معاذ بن جبل رضي‬
‫ًً ً ً ً ً‬ ‫ً‬
‫يخًربي ىؾ بًىرأٍ ًس ٍاأل ٍىم ًر يكلّْو ىك ىع يموده ىكذ ٍرىكة ىسنىامو قػي ٍل ي‬
‫ت‬ ‫اؿ‪: :‬أف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم قاؿ لو ‪ ":‬أىىال أ ٍ‬
‫ا﵁ عنو قى ى‬

‫اد"‪(.‬ا‪ٟ‬تديث ‪.‬سنن الًتمذم‬ ‫الص ىبلةي كًذركةي سنى ًام ًو ًٍ‬ ‫اؿ ىرأٍس ٍاأل ٍىم ًر ًٍ‬ ‫بػلىى يا رس ى َّ ً‬
‫ا‪ٞ‬ت ىه ي‬ ‫ودهي َّ ى ٍ ى ى‬ ‫اإل ٍس ىبل يـ ىك ىع يم ي‬ ‫وؿ اللو قى ى ي‬ ‫ى ى ىي‬
‫‪.‬كتاب اإلٯتاف ‪:‬ج ُ) كالقرآف جعل للصلوات أكقاتان ‪٤‬تددة ‪،‬قاؿ تعاذل ‪ ﴿:‬إن الصالة كانت على‬

‫المؤمنين كتاباً موقوتاً ‪ ( ﴾..‬القرآف ‪ ،‬النساء ْ‪ .)َُّ:‬كال شك أف ا‪١‬تسلم حريص على أداء الصبلة بكل‬

‫أركاهنا كشرائطها كيف أكقاهتا كلكن طبيعة بعض األعماؿ اليوـ تفرض االجتهاد ٔتا يتناسب مع ركح الشريعة‬

‫اإلسبلمية كمقاصدىا العليا ‪ .‬حيث ال يستطيع ا‪١‬تسلم يف بعض ا‪ٟ‬تاالت أف يؤدم الصبلة يف كقتها كبنفس‬

‫ىيئتها كالطبيب الذم يبدأ بعملية جراحية ‪١‬تريضو كال يستطيع ترؾ ا‪١‬تريض إال بعد الفراغ من العملية ‪،‬‬

‫كعماؿ ا‪١‬تناجم ‪ ،‬كغَتىم من ا‪ٟ‬تراس يف ا‪١‬تنشئات العامة كا‪٠‬تاصة كأصحاب ا‪١‬تهاـ اليت يعود نفعها على‬

‫آّتمع ‪ .‬أك قد يتضرر آّتمع أك اإلنساف عمومان عند فواهتا ‪ .‬كمن ىنا تكمن أ‪٫‬تية إ‪٬‬تاد الرأم الفقهي‬

‫الشريعي كتعليمو للناس من خبلؿ ا‪١‬تناىج التعليمية كغَتىا من الوسائل ‪.‬‬

‫نظرة الشريعة ‪:‬‬

‫ا‪ٟ‬تفاظ على الصبلة كيف أكقاهتا ا﵀ددة ىي كاجب على كل يمكلف‪ .‬كمع ذلك فقد رخص الشرع للمسافر‬
‫الص ىبلةي رٍكعتػ ً ً‬
‫ت‬
‫ُت فىأيقَّر ٍ‬
‫ت َّ ى ىى ٍ‬ ‫القصر كا‪ٞ‬تمع بُت الصبلتُت ‪ٟ ،‬تديث عائشة رضي ا﵁ عنها قالت ‪َّ ":‬أك ىؿ ىما في ًر ى‬
‫ضٍ‬

‫ض ًر " (ا‪ٟ‬تديث ‪.‬النسائي ‪.‬كتاب الصبلة ‪:‬جُ‪. )ّْٓ #:‬‬ ‫ً‬


‫ا‪ٟ‬تى ى‬
‫ص ىبلةي ٍ‬ ‫الس ىف ًر ىكأي٘تَّ ٍ‬
‫ت ى‬ ‫ص ىبلةي َّ‬
‫ى‬
‫‪62‬‬

‫كخفف عن ا‪١‬تريض فعن عمراف بن حصُت رضي ا﵁ عنو قاؿ ‪ :‬كانت يب بواسَت فسألت النيب صلى ا﵁‬
‫ً‬ ‫ُت ىر ًض ىي اللَّوي ىعٍنوي قى ى‬
‫صٍ و‬ ‫ً‬
‫ت ًيب بػى ىواسَتي فى ىسأىلٍ ي‬
‫ت النً َّ‬
‫َّيب‬ ‫اؿ ‪ :‬ىكانى ٍ‬ ‫عليو كسلم عن الصبلة فقاؿ ‪ ":‬ىع ٍن ع ٍمىرا ىف بٍ ًن يح ى‬
‫اؿ ‪" :‬ص ّْل قَائِما فَِإ ْن لَم تَست ِطع فَ َق ِ‬
‫اع ًدا فَِإ ْن لَ ْم تَ ْستَ ِط ْع فَ َعلَى‬ ‫الص ىبلةً فىػ ىق ى‬
‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم ىع ٍن َّ‬
‫ْ َْ ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ى‬
‫َج ْن ٍ‬
‫ب " ‪( .‬ا‪ٟ‬تديث ‪.‬البخارم‪.‬كتاب تقصَت الصبلة ‪:‬ج ُ‪ )َُٔٔ #:‬ككذلك أعذر ا‪١‬ترأة ا‪ٟ‬تائض‬

‫‪":‬أليس إذا‬
‫كالنفساء‪ ،‬فعن أيب سعيد ا‪٠‬تدرم رضي ا﵁ عنو قاؿ ‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم ٍ‬
‫صل كدلٍ تصم " (ا‪ٟ‬تديث ‪.‬البخارم‪.‬كتاب العلم ‪:‬ج ُ‪.)َّْ #:‬‬
‫حاضت ا‪١‬ترأة دل تي ّْ‬

‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم‬ ‫كبسبب ا‪١‬تطر ٯتكن ا‪ٞ‬تمع بُت الصبلتُت‪ٟ ،‬تديث ابٍ ًن ىعبَّ و‬
‫اس أ َّ‬
‫ىف النً َّ‬
‫َّيب ى‬
‫وب لى ىعلَّوي ًيف لىٍيػلى وة ىم ًط ىَتةو"(ا‪ٟ‬تديث‬ ‫ب ىكالٍعً ىشاءى فىػ ىق ى‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬
‫اؿ أىيُّ ي‬ ‫صلَّى بًالٍ ىمدينىة ىسٍبػ نعا ىكى‪ٙ‬تىانينا الظُّ ٍهىر ىكالٍ ىع ٍ‬
‫صىر ىكالٍ ىم ٍغ ًر ى‬ ‫ى‬
‫‪.‬البخارم‪.‬مواقيت الصبلة ‪:‬ج ُ‪ )ُٖٓ #:‬كما ٯتكن بسبب ا‪١‬تطر الصبلة يف الرحاؿ كعدـ شهود ا‪ٞ‬تماعة‬

‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو‬ ‫م النً ّْ‬


‫ً ً‬ ‫ً ً و‬ ‫يف ا‪١‬تسجد ففي حديث ىع ٍم ًرك بٍ ًن أ ٍىك وس يػى يق ي‬
‫َّيب ى‬ ‫وؿ ‪ ":‬أىنٍػبىأىنىا ىر يج هل م ٍن ثىقيف أىنَّوي ى‪ٝ‬ت ىع يمنىاد ى‬
‫صلُّوا ًيف ًر ىحالً يك ٍم " (ا‪ٟ‬تديث‬ ‫وؿ حي علىى َّ ً‬
‫الص ىبلة ىح َّي ىعلىى الٍ ىف ىبل ًح ى‬ ‫ىك ىسلَّ ىم يػى ٍع ًٍت ًيف لىٍيػلى وة ىم ًط ىَتةو ًيف َّ‬
‫الس ىف ًر يػى يق ي ى َّ ى‬
‫‪.‬سنن النسائي ‪.‬كتاب األذاف ‪:‬ج ُ‪ )ّٔٓ #:‬كللحاجة كا‪١‬تشقة أجاز بعض الفقهاء ا‪ٞ‬تمع بُت صبلٌب‬

‫الظهر كالعصر أك ا‪١‬تغرب كالعشاء كابن عثيمُت ر‪ٛ‬تو ا﵁ ‪ ،‬حيث يقوؿ ‪٬ ":‬توز ا‪ٞ‬تمع بُت الظهرين ‪٢‬تذه‬

‫األعذار ‪ ،‬كما ‪٬‬توز ا‪ٞ‬تمع بُت العشاءين ‪ ،‬كالعلة ىي ا‪١‬تشقة "‪ ،‬فإذا كجدت ا‪١‬تشقة يف ليل أك هنار جاز‬

‫ا‪ٞ‬تمع ‪ ( .‬ابن عثيمُت ‪ُِّْ ،‬ق ج ْ ص ّّٗ) ‪.‬‬

‫كمن القضايا اليت تثار يف عصرنا اليوـ قضية فوات الصلوات بسبب العمليات ا‪ٞ‬تراحية ‪ ،‬أك بسبب األعماؿ‬

‫ا‪١‬تتصلة ‪.‬حيث أف بعض العمليات تستغرؽ كقتان قد يتسبب يف فوات صبلة أك أكثر ‪ ،‬كقد يكوف تأثَت‬
‫‪63‬‬

‫التخدير أيضان سببان يف عدـ معرفة كقت الصبلة كفواهتا قبل أف يفيق ا‪١‬تريض ‪ .‬كمثل ىذه ا‪ٟ‬تالة حالة األطباء‬

‫أك ا‪١‬تمرضُت الذين يقوموف بالعمليات كقد تستغرؽ العملية كقتان تفوت صبلة أك أكثر بسببو كال يستطيعوف‬

‫مغادرة غرفة العمليات ‪١‬تا قد يًتتب عليو من ضرر بالغ قد يؤدم إذل كفاة ا‪١‬تريض أك الضرر البالغ ‪ .‬كتلحق‬

‫ٔتثل ىذه ا‪ٟ‬تالة حالة بعض العماؿ الذين ‪٬‬تدكف أنفسهم ملزمُت ْتسب طبيعة العمل أف يقضوا ساعات‬

‫متصلة قد تتسبب بفوات كقت الصبلة كا‪ٟ‬تيراس يف ا‪١‬تنشئات ك عماؿ ا‪١‬تناجم كقائد الطائرة ‪ ،‬كغَتىم ‪ .‬فما‬

‫الذم ‪٬‬تب على ا‪١‬تسلم يف مثل ىذه ا‪ٟ‬تاالت ؟ كيف ا‪ٟ‬تديث ‪":‬من سمع النداء فلم يجبو فال صالة لو إال‬

‫من عذر‪ ،‬قالوا يا رسول اهلل وما العذر؟ قاؿ ‪ :‬خوؼ أك مرض " كا‪٠‬توؼ يشمل ا‪٠‬توؼ على النفس أك‬

‫ا‪١‬تاؿ ك‪٨‬تو‪٫‬تا (الزحيلي ‪،‬جُِ ‪ )ْٕٔ،‬قاؿ ابن تيمية ‪ :‬كأكسع ا‪١‬تذاىب يف ا‪ٞ‬تمع مذىب اإلماـ أ‪ٛ‬تد فإنو‬

‫ىج َّوز ا‪ٞ‬تمع إذا كاف شغل كما ركل النسائي ذلك مرفوعان إذل النيب صلى ا﵁ عليو كسلم إذل أف قاؿ ‪٬ :‬توز‬

‫ا‪ٞ‬تمع أيضان للطباخ كا‪٠‬تباز ك‪٨‬تو‪٫‬تا ‪٦‬تن ٮتشى فساد مالو (السيد سابق‪، ُٖٗ،‬جُ ‪،‬صِْٔ )‪.‬‬

‫ّ ‪ -‬التجارة اإللكترونية ‪:‬‬

‫ا‪١‬تفهوـ ‪:‬‬

‫ا‪ٟ‬ترة‪ -‬كزارة التجارة ‪ -‬قاؿ تعاذل " ًر ىج ه‬


‫اؿ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ٕتارة مفرد ‪:‬مصدر ٕتىىر‪ .‬كتعٍت أيضان حرفة التاجر ‪ ،‬اتفاقيَّة التجارة ٌ‬
‫الصبلىةً(القرآف ‪.‬النورِْ‪ٖ )". )ّٕ:‬تريك ا‪١‬تاؿ بالبيع كالشراء‬ ‫الى تػيٍل ًهي ًهم ًٕتارةه كالى بػيع عن ًذ ٍك ًر ً‬
‫ا﵁ ىكإًقى ًاـ َّ‬ ‫ٍ ى ى ى ىٍ ه ى ٍ‬
‫ّْج َارِة﴾ ‪( .‬القرآف ‪.‬ا‪ٞ‬تمعة ِٔ‪.)ُُ:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الربح ﴿قُل ما ِع ْن َد ِ‬
‫الله ِو َوم َن الت َ‬
‫اهلل َخ ْي ٌر م َن ْ‬ ‫َْ‬ ‫لغرض ّْ‬

‫كالتّْجارة البينيَّة‪ٕ :‬تارة تقوـ على تبادؿ الصادرات كالواردات بُت الدكؿ ‪ٖ،‬ترص َّ‬
‫الدكلة على‬

‫دعم التجارة البينيٌة مع الدكؿ العربيٌة كاألجنبيٌة‪(.‬معجم اللغة العربية ا‪١‬تعاصرة ‪.)ََِٖ ،‬‬
‫‪64‬‬

‫للتجارة اإللكًتكنية ‪ :‬تعٍت الوظيفة اإللكًتكنية للعمليات التجارية ‪٢‬تدؼ الربح‪(.‬الدمياطي‪ .)ََُِ،‬كيعرؼ‬

‫عمر (َََِ) التجارة االلكًتكنية بأهنا األساليب كاالجراءات الىت تتم من خبلؿ االنًتنت لبلتصاؿ بُت‬

‫البائعُت كا‪١‬تشًتين كتنفيذ الصفقات التجارية مع بعضهم‪.‬‬

‫أىمية القضية ‪:‬‬

‫حياة اإلنساف يف تقدـ مستمر‪ ،‬كالبيع كالشراء من آّاالت اليت شهدت ثورة بكل ما ٖتملو الكلمة من‬

‫معٌت ‪ ،‬كترافقت ىذه الثورة مع تطور كسائل االتصاالت اليت ألقت بظبل‪٢‬تا على كل مناحي ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬كيف‬

‫عصرنا ا‪ٟ‬تاضر حيث أصبح العادل كالقرية الواحدة أصبح بإمكاف اإلنساف أف يعقد الكثَت من الصفقات‬

‫داع للسفر كٕتشم الصعاب ‪ .‬كأصبحت البضائع تينقل شرقان‪،‬‬


‫التجارية عرب كسائل االتصاؿ ا‪ٟ‬تديثة دكف و‬

‫كغربان ‪،‬مشاالن كجنوبان يف أ‪٨‬تاء العادل متجاكزة كل ا‪ٟ‬تدكد ا‪ٞ‬تغرافية كالثقافية كالدينية ‪.‬كالشك أف ىناؾ رابطة‬

‫قوية بُت استخداـ شبكة االنًتنت العا‪١‬تية كالعو‪١‬تة‪ ،‬إذ تقوـ ىذه ا‪٠‬تدمات بتسهيل التجارة يف السلع‬

‫كا‪٠‬تدمات‪ ،‬كتوصيل ا‪١‬تعلومات كنقل التكنولوجيا‪ ،‬كسرعة إجراء ا‪١‬تعامبلت ا‪١‬تالية كزيادة تدفقات رأس ا‪١‬تاؿ‪.‬‬

‫كما ساعدت االنًتنت ‪ -‬باإلضافة ارل التخفيضات يف التعريفة ا‪ٞ‬تمركية كرفع القيود التجارية الكمية كغَتىا‬

‫من التسهيبلت التجارية‪ -‬على االندماج االقتصادم العا‪١‬تي كزيادة ‪٪‬تو التجارة العا‪١‬تية حيت بلغ ‪٪‬توىا أكثر‬

‫من ضعف ‪٪‬تو الناتج ا﵀لي اإل‪ٚ‬تارل‪ ،‬كأصبحت التجارة العا‪١‬تية تشكل عنصران أساسيان من عناصر النمو‬

‫العا‪١‬تي (األىراـ‪ . )ََِٓ،‬إف العادل الذم يتجو إذل إحبلؿ التقنية يف كل ميداف من ميادين النشاط‬

‫اإلنساين‪ -‬كبشكل رئيس‪ -‬ا‪٠‬تدمات ا‪ٟ‬تيوية‪ ،‬كا‪٠‬تدمات اليت تقدمها الدكلة‪ ،‬سيضع التجارة اإللكًتكنية على‬

‫رأس موضوعات قائمة التطور كالتنمية؛ ‪٢‬تذا كلو‪ ،‬يعد ٕتاىل التجارة اإللكًتكنية أمران غَت متناسب مع رغبتنا‬

‫يف التعامل مع اإلفرازات اإل‪٬‬تابية لعصر تقنية ا‪١‬تعلومات كامتبلؾ كسائل مواجهة اآلثار السلبية كإفرازات عصر‬
‫‪65‬‬

‫العو‪١‬تة‪ . .‬كىناؾ دراسات كْتوث تشَت إذل أف ّ‪ ُ.‬مليار دكالر حجم التجارة اإللكًتكنية لدكؿ ا‪٠‬تليج‬

‫العريب‪ ،‬كبينما تصدرت دكؿ ‪٣‬تلس التعاكف ا‪٠‬تليجي قائمة الدكؿ العربية من حيث حجم التجارة اإللكًتكنية‬

‫بقيمة ّ‪ ُ.‬مليار دكالر كأتت مصر بعدىا بنحو ََٓ مليوف دكالر‪ ،‬فيما توزعت ِ‪ ُ.‬مليار دكالر أخرل‬

‫على بقية الدكؿ العربية‪ .‬كذكرت الدراسات أف التجارة اإللكًتكنية أفضل السبل للوصوؿ إذل األسواؽ العا‪١‬تية‬

‫بأقل تكاليف ‪٦‬تكنة ‪ (.‬ا‪١‬ترجع السابق‪. )ََُِ،‬‬

‫نظرة الشريعة ‪:‬‬

‫حفظ ا‪١‬تاؿ ىو مقصد من مقاصد الشريعة اإلسبلمية ‪ ،‬كحب التملك كاقع إنساين يتماشى مع فطرة‬

‫اإلنساف ؛ لذا فإف الشريعة اإلسبلمية نظرت بواقعية حينما أباحت التملك ‪ ،‬فلئلنساف ا‪ٟ‬تق يف التملك‬

‫كالربح ‪ ،‬كلكنها نظَّمت ذلك ككضعت من التشريعات ما تسمح لصاحب الطموح أف ينطلق لتحقيق‬

‫طموحو مع مراعاة الطرؽ الشرعيىة اليت تضمن عدـ التعدم على حقوؽ اآلخرين أك الكسب عن طريق‬

‫ا‪ٟ‬تراـ ‪ ،‬فأحل ا﵁ البيع كحرـ الربا كما يف قوؿ ا﵁ تعاذل‪ ﴿:‬وأحل اهلل البيع وحرم الربا ﴾ ( القرآف ‪ .‬البقرة‬

‫ِ‪ . )ِٕٓ:‬كما أف الشريعة اإلسبلمية تنظر إذل ا‪١‬تاؿ بأنو كديعة عند اإلنساف سييسأؿ عنها يوـ القيامة‬

‫فينبغي أف يكوف حكيمان يف استخداـ ا‪١‬تاؿ االستخداـ السليم ‪ ،‬ففي ا‪ٟ‬تديث ىع ٍن أًىيب بػى ٍرىزةى‬
‫كؿ قى ىد ىما ىعٍب ود يػى ٍوىـ الٍ ًقيى ىام ًة ىح َّىت ييسأ ىىؿ ىع ٍن يعم ًرهً‬
‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم ‪" :‬ىال تىػ يز ي‬ ‫اؿ رس ي ً‬
‫وؿ اللَّو ى‬ ‫ىسلى ًم ّْي قى ى‬
‫اؿ ‪ :‬قى ى ى ي‬ ‫ٍاأل ٍ‬
‫ي‬ ‫ٍ‬
‫ً ًً ً‬ ‫ً‬ ‫ًً ً‬ ‫ً ًً ً‬ ‫ً‬
‫يم أىنٍػ ىف ىقوي ىك ىع ٍن ج ٍسمو ف ى‬
‫يم أىبٍ ىبلهي" (ا‪ٟ‬تديث ‪ٖ ،‬تفة‬ ‫يما أىفٍػنىاهي ىك ىع ٍن ع ٍلمو ف ى‬
‫يم فىػ ىع ىل ىك ىع ٍن ىمالو م ٍن أىيٍ ىن ا ٍكتى ىسبىوي ىكف ى‬ ‫فى‬
‫األحوذم شرح سنن الًتمذم ‪،‬كتاب صفة القيامة‪.)ُِْٕ :‬‬
‫‪66‬‬

‫كللتجارة مكانتها كأ‪٫‬تيتها يف اإلسبلـ فهي من أكسع أبواب الرزؽ كقد ذ ىكر ا﵁ تعاذل ٕتارة قريش يف معرض‬

‫االمتناف بقولو تعاذل ‪ ﴿:‬إليالف قريش ‪ .‬إيالفهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب ىذا البيت الذي‬

‫أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ﴾(القرآف ‪.‬قريش َُٔ‪ . )ِ:‬كدعا اإلسبلـ يف نصوص القرآف الكرًن‪،‬‬

‫كيف سنة الرسوؿ صلى ا﵁ عليو كسلم دعوة قوية إذل التجارة‪ ،‬كالعناية ّٔا‪ ،‬كأغرل بالرحلة كالسفر من أجلها‪،‬‬

‫ك‪ٝ‬تاه (ابتغاء من فضل ا﵁)‪ ،‬كقرف ا﵁ تعاذل ذكر الضاربُت يف األرض للتجارة بآّاىدين يف سبيل ا﵁‪،‬‬

‫فقاؿ تعاذل ‪﴿ :‬وآخرون يضربون في األرض يبتغون من فضل اهلل وآخرون يقاتلون في سبيل اهلل﴾‬

‫(القرآف ‪ .‬ا‪١‬تزمل ّٕ‪ )َِ:‬كقد امنت ا﵁ على أىل مكة ٔتا ىيأ ‪٢‬تم من أسباب جعلت بلدىم مركزان ٕتاريان‬

‫‪٦‬تتازان يف جزيرة العرب‪ ،‬قاؿ تعاذل ‪﴿:‬أولم نمكن لهم حرما آمناً يجبى إليو ثمرات كل شيء رزقاً من‬

‫لدنا﴾(القرآف ‪.‬القصص ِٖ‪ . )ٕٓ:‬كّٔذا ٖتققت دعوة إبراىيم عليو السبلـ‪﴿ :‬ربنا إني أسكنت من ذريتي‬

‫بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم‪ ،‬ربنا ليقيموا الصالة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم‬

‫من الثمرات لعلهم يشكرون﴾( القرآف ‪ .‬إبراىيم ُْ‪ . )ّٕ:‬كقد ىيأ اإلسبلـ للمسلمُت فرصة التبادؿ‬

‫التجارم فيما بُت أقطارىم كشعؤّم على نطاؽ عا‪١‬تي كاسع يف كل عاـ‪ ،‬كذلك يف ا‪١‬توسم السنوم اإلسبلمي‬

‫العا‪١‬تي؛ موسم ا‪ٟ‬تج حُت يأتوف ‪ ﴿:‬رجاالً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم‬

‫﴾ (القرآف‪.‬ا‪ٟ‬تج ِِ‪ . )ِٕ:‬كيف ا‪ٟ‬تديث ‪":‬التاجر الصدكؽ األمُت مع النبيُت كالصديقُت كالشهداء يوـ‬

‫القيامة "(ا‪ٟ‬تديث ‪ ،‬سنن الًتمذم ‪،‬كتاب البيوع َُِٗ) كال نعجب إذا جعل النيب التاجر الصدكؽ ٔتنزلة‬

‫آّاىد‪ ،‬كالشهيد يف سبيل ا﵁؛ فقد أثبتت لنا ٕتارب ا‪ٟ‬تياة أف ا‪ٞ‬تهاد ليس يف ميداف القتاؿ كحده‪ ،‬بل يف‬

‫ميداف االقتصاد أيضان ‪ ،‬كإ‪٪‬تا كعد التجار ّٔذه ا‪١‬تنزلة الرفيعة عند ا﵁‪ ،‬كىذه ا‪١‬تثوبة ا‪ٞ‬تزيلة يف اآلخرة؛ ألف‬
‫‪67‬‬

‫التجا رة يف الغالب تغرم بالطمع‪ ،‬كاكتساب الربح من أم طريق‪ ،‬كا‪١‬تاؿ يلد ا‪١‬تاؿ‪ ،‬كالربح يغرم بربح أكثر‪.‬‬

‫فمن كقف عند حدكد الصدؽ كاألمانة‪ ،‬فهو ‪٣‬تاىد انتصر يف معركة ا‪٢‬تول‪ ،‬كحق لو منزلة آّاىدين ‪.‬كما أف‬

‫من شأف التجارة أف تغرؽ أىلها يف دكامة من األرقاـ‪ ،‬كحساب رأس ا‪١‬تاؿ كاألرباح‪ ،‬حىت إننا ‪٧‬تد يف عهد‬

‫الرسوؿ صلى ا﵁ عليو كسلم قافلة ٖتضر بتجارة كالنيب ٮتطب‪ ،‬فما إف ‪ٝ‬تع القوـ ّٔا حىت شغلوا عنو‬

‫كانصرفوا إليها‪ ،‬فنزؿ قولو تعاذل يعاتبهم‪﴿ :‬وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائما‪ ،‬قل ما عند‬

‫اهلل خير من اللهو ومن التجارة‪ ،‬واهلل خير الرازقين﴾(القرآف‪.‬ا‪ٞ‬تمعة ِٔ‪ )ُُ:‬كيكفينا من فعلو عليو‬

‫السبلـ يف شأف التجارة أنو كما عٍت با‪ٞ‬تانب الركحي فأقاـ مسجده با‪١‬تدينة على تقول من ا﵁ كرضواف‪،‬‬

‫ليكوف جامعان للعبادة‪ ،‬كجامعة للعلم‪ ،‬كداران للدعوة‪ ،‬كمركزان للدكلة عٍت با‪ٞ‬تانب االقتصادم فأقاـ سوقان‬

‫إسبلمية صرفان‪ ،‬ال سلطاف لليهود عليها‪ ،‬كما كانت سوؽ بٍت قينقاع من قبل‪.‬‬

‫كقد رتب النيب صلى ا﵁ عليو كسلم بنفسو أكضاعها‪ ،‬كظل يرعاىا بتعاليمو كتوجيهاتو‪ ،‬فبل غش‪ ،‬كال‬

‫تطفيف‪ ،‬كال احتكار‪ ،‬كال تناجش‪ .‬إذل غَت ذلك ‪ ،‬كاشتغل كبار الصحابة يف التجارة كأيب بكر كعمر‬

‫كعثماف كعبدالر‪ٛ‬تن بن عوؼ رضي ا﵁ عنهم ( القرضاكم‪. )َُِْ،‬‬

‫يف دراسة للباحث أبو مصطفى ( ََِٓ ) بعنواف التجارة اإللكًتكنية يف الفقو اإلسبلمي خلص إذل أف‬

‫الشرع اإلسبلمي ال ٯتانع من التجارة اإللكًتكنية إذا اكتملت الشركط كاألركاف ‪ ،‬فلو ًب التعاقد بُت شخصُت‬

‫على صفقة شراء مواد كهربائية عرب التجارة اإللكًتكنية كًب كصف ىذه األدكات كصفان نافيان للجهالة كًب‬

‫االتفاؽ على سعرىا كشحنها كمكاف تسليمها ترتب على العقد كل اآلثار الشرعية ‪ .‬فالتعاقد عرب كسائل‬

‫نقل ا‪١‬تكتوب من الربؽ كاإلنًتنت كغَت‪٫‬تا حيث ال فرؽ بينها كبُت الكتابة بل إف ىذه الوسائل تتميز عن‬
‫‪68‬‬

‫الوسائل القدٯتة بالدقة كالسرعة‪ .‬كيقوؿ الزىراين (ََِٗ) يف خا٘تة دراستو بعنواف أحكاـ التجارة اإللكًتكنية‬

‫يف الفقو اإلسبلمي ‪ ":‬ظهرت من الدراسة نتيجة كلية كاحدة استفيدت من مقدمات متعددة ذلك أف جواز‬

‫‪٦‬تارسة التجارة عرب اإلنًتنت إ‪ٚ‬تاالن نتيجة كلية التأمت من معرفة حكم ما تًتكب منو تلك التجارة‪ ،‬ك‪٫‬تا‬

‫أمراف ‪ :‬األكؿ اآللية باعتبارىا السبيل ا‪١‬توصلة إذل ‪٦‬تارسة تلك التجارة ‪ ،‬كالثاين العقد باعتباره موضوعها حيث‬

‫تقرر من دراسة األمرين عدـ كجود حائل شرعي دكف ا‪ٟ‬تكم ّتواز التعاقد عرب اإلنًتنت ‪ ،‬ال من حيث اآللية‬

‫كال من حيث التعاقد " ‪ .‬كعند استعراض الزحيلي ( َُِِ ) للعقد أكد أف ‪٣‬تلس العقد يف ا‪١‬تكا‪١‬تة ا‪٢‬تاتفية‬

‫أك البلسلكية ىو زمن االتصاؿ‪ ،‬ك‪٣‬تلس التعاقد سواء بإرساؿ رسوؿ أك توجيو خطاب أك بالربقية اك التلكس‬

‫أك الفاكس ىو ‪٣‬تلس تبليغ الرسالة ‪ ،‬كنقل اإل‪ٚ‬تاع على أف العقد ينعقد بُت الغائبُت كما لو كاف ا‪١‬تتعاقداف‬

‫يتحدثاف با‪٢‬ت اتف أك البلسلكي ‪ ،‬كينعقد البيع بعد كصوؿ الربقية أك التلكس أك الفاكس من أحد ا‪١‬تتعاقدين‬

‫بإ‪٬‬تاب البيع كقبل بو اآلخر دكف ا‪ٟ‬تاجة إذل علم ا‪١‬توجب أك ‪ٝ‬تاعو بالقبوؿ ‪ .‬ك أشار الشيخ عصاـ الشعار‬

‫عضو االٖتاد العا‪١‬تي لعلماء ا‪١‬تسلمُت كأحد كبار ا‪١‬تتخصصُت يف قضايا االقتصاد اإلسبلمي إذل أف ‪٣‬تمع‬

‫اإلسبلمي التابع ‪١‬تنظمة ا‪١‬تؤ٘تر اإلسبلمي ناقش مسألة إبراـ العقود عرب كسائل االتصاؿ ا‪ٟ‬تديثة كمنها شبكة‬

‫اإلنًتنت‪ ،‬كانتهى اذل أنو "إذا ًب التعاقد بُت غائبُت ال ‪٬‬تمعهما مكاف كاحد كال يرل أحد‪٫‬تا اآلخر معاينة‪،‬‬

‫كال يسمع كبلمو ككانت كسيلة االتصاؿ بينهما الكتابة أك الرسالة أك السفارة (الرسوؿ)‪ ،‬كينطبق ذلك على‬

‫الربؽ كالتلكس كالفاكس كشاشات ا‪ٟ‬تاسب اآلرل (ا‪ٟ‬تاسوب)‪ ،‬ففي ىذه ا‪ٟ‬تالة ينعقد العقد عند كصوؿ‬

‫اإل‪٬‬تاب إرل ا‪١‬توجو إليو كقبولو‪.‬أما إذا ًب التعاقد بُت طرفُت يف كقت كاحد ك‪٫‬تا يف مكانُت متباعدين‪ ،‬كينطبق‬

‫ىذا على ا‪٢‬تاتف كالبلسلكي‪ ،‬فإف التعاقد بينهما يعترب تعاقدان بُت حاضرين‪ ،‬كتطبق على ىذه ا‪ٟ‬تالة األحكاـ‬

‫األصلية ا‪١‬تقررة لدل الفقهاء ا‪١‬تشار إليها يف الديباجة‪ .‬كإذا أصدر العارض‪ّٔ ،‬ذه الوسائل‪ ،‬إ‪٬‬تابان ‪٤‬تدد ا‪١‬تدة‬
‫‪69‬‬

‫يكوف ملزمان بالبقاء على إ‪٬‬تابو خبلؿ تلك ا‪١‬تدة‪ ،‬كليس لو الرجوع عنو" كقد توجد ‪٥‬تالفات يف التجارة‬

‫اإللكًتكنية لكن الفقو اإلسبلمي يستطيع كضع الضوابط الشرعية للتجارة اإللكًتكنية كغَتىا كىذه ا‪١‬تخالفات‬

‫ال تقتصر على التجارة اإللكًتكنية لكنها قد تكتنف أم عمل يقوـ بو اإلنساف يف التجارة كغَتىا ‪ .‬يقوؿ‬

‫الدكتور عمر (مرجع سابق ‪َََِ ،‬ـ) ا‪ٞ‬تدير بالذكر ىنا ىو أنو إف كانت توجد ‪٥‬تالفات يف التجارة‬

‫االلكًتكنية لبعض القواعد الشرعية‪ ،‬فهى ‪٥‬تالفة يف ا‪١‬تماراسات كالىت ٯتكن أف ٖتدث يف التجارة العادية‬

‫كٯتكن العمل على تبلفيها باألساليب الفنية كالقانونية فهذه ا‪١‬تخالفات ليست من طبيعة األنًتنت ذاهتا كلكن‬

‫من ا‪١‬تمارسة‪.‬‬

‫ْ‪ -‬بيع التقسيط ‪:‬‬

‫المفهوم ‪ :‬معٌت تقسيط يف معجم اللغة العربية ا‪١‬تعاصرة (ََِٖ) تقسيط مفرد‪ :‬مصدر َّ‬
‫قس ىط ‪.‬حساب‬

‫البضائع أك ا‪٠‬تدمات قبل الدَّفع‪.‬كقسط يقسط ‪ ،‬تقسيطان ‪،‬‬


‫ى‬ ‫الزبوف‬
‫ٍت ْتيث يأخذ َّ‬
‫بالتَّقسيط‪ :‬ترتيب ىديٍ ٌ‬
‫قسط ‪ٙ‬تن‬
‫فهو مقسط ‪ ،‬كا‪١‬تفعوؿ مقسط‪ ،‬كقسط الدين ‪ :‬أرجعو أقساطان شيئان فشيئان يف أكقات معينة‪ ،‬ك َّ‬

‫السيارة ‪،‬كاشًتل جهازان بالتقسيط‪.‬‬

‫اصطبلحان‪ - :‬ىناؾ تعريفات كثَتة لبيع التقسيط كالباحث يتبٌت التعريف التارل ‪ :‬البيع بالتقسيط يعٍت أف‬

‫يعرض البائع على ا‪١‬تشًتم سلعة بثمن يدفعو يف كقت الحق إل٘تاـ العقد ‪ ،‬كبصورة دفعات متفرقة ‪ ،‬يف أزماف‬

‫يتفق ا‪١‬تتعاقداف عليها ‪ ،‬مع مبلحظة كجود زيادة يف ‪ٙ‬تن السلعة عن ذلك الذم تباع بو لو كاف الدفع للثمن‬

‫حاضران عند العقد (اإلبراىيم ‪. )ُٖٕٗ ،‬‬


‫‪70‬‬

‫أىمية القضية ‪:‬‬

‫التقسيط من القضايا ا‪١‬تعاصرة اليت فرضت نفسها على تعامبلت الناس اليوـ ‪ ،‬فالتطور ا‪١‬تستمر للحياة‬

‫كسع من قائمة الطلبات ‪ ،‬أصبح اإلنساف‬


‫كتعقيداهتا ا‪١‬ترافقة لذلك التغَت فرض كاقعان جديدان على اإلنساف ‪٦‬تا َّ‬

‫ْتاجة إذل بيت الئق يسكنو كسيارة ينتقل ّٔا كأثاثان مشرفان كحاجات ضركرية كأخرل ٖتسينية ‪ ،‬كىذا التزايد‬

‫يف الطلبات تقابلو القدرة الشرائية الضعيفة إلنساف اليوـ ‪ ،‬فغالبان ما يعتمد اإلنساف على راتب شهرم يسد‬

‫حاجاتو االساسي ة كبالكاد يليب بعض طموحو يف حياة كرٯتة ؛ لذا ظهرت تعامبلت جديدة ٖترؾ سوؽ‬

‫التجارة كٗتفف جزءان من ا‪١‬تعاناة كمن تلك ا‪١‬تعامبلت بيع التقسيط ‪ ،‬حيث أصبح ٔتقدكر اإلنساف أف يشًتم‬

‫ما ٭تتاج بأجل فيدفع الثمن أقساطان على مدة معينة كيف الغالب يزيد البائع يف الثمن مقابل األجل كّٔذه‬

‫الطريقة ٭تقق البائع رْتان كتتحرؾ التجارة كيستفيد ا‪١‬تشًتم السلعة كٮتف عليو اإليفاء بالتزاماتو كتسديد ما‬

‫عليو ‪ .‬كأل‪٫‬تية السوؽ فقد انتشر عقد البيع كشاع التعامل بالتقسيط يف ‪ٚ‬تيع قطاعات آّتمع كشاع أيضان‬

‫بُت الناس كأسلوب اقتصادم من أساليب تنشيط السوؽ كدل يعد البيع بالتقسيط مقصوران على قطاع دكف‬

‫آخر‪،‬بل انتقل إذل النقابات ا‪١‬تهنية كمشل البيع بالتقسيط األجهزة ا‪١‬تنزلية‪ ،‬كالعقارات‪ ،‬كالسيارات‪ ،‬كا‪٠‬تدمات‬

‫الصحية كالعلمية ‪٤ ( .‬تمود‪ََِٔ،‬ـ)‪.‬‬


‫‪71‬‬

‫نظرة الشريعة‪:‬‬

‫أشار بعض فقهاء ا‪١‬تسلمُت القدامى إذل ىذا النوع من البيوع‪ ،‬كاإلماـ النوكم يف كتابو ركضة الطالبُت‬

‫( ََِِـ ‪ ،‬ص ِٓٓ‪ ،) ِٓٔ-‬حيث يقوؿ‪ ":‬فأما الشرط الصحيح يف البيع فمن أنواعو شرط األجل‬

‫ا‪١‬تعلوـ يف الثمن ‪ ،‬فإف كاف الثمن ‪٣‬تهوالن بطل "‪ ،‬كيقوؿ ‪" :‬لو قاؿ – أم البائع – بعتك نقدان بالف كبألفُت‬

‫نسيئة أك قاؿ بعتك نصفو ب الف ‪ ،‬كنصفو بألفُت فيصح العقد "‪ .‬كيف الوقت ا‪ٟ‬تاضر تناكلت العديد من‬

‫الدراسات كالبحوث كالفتاكل مثل ىذا النوع من البيوع ‪.‬ففي دراسة ا‪ٟ‬تسٍت (ُٗٗٗ) بعنواف بيع التقسيط‬

‫بُت االقتصاد الوضعي كاالقتصاد اإلسبلمي خلص الباحث إذل أف بيع التقسيط يعد من البيوع االئتمانية‬

‫حيث يتم دفع سعر العملة ا‪١‬تباعة على أقساط يف ا‪١‬تستقبل‪ ،‬كىذا ما ‪٬‬تعل البائعُت يقوموف بتحويل‬

‫مدفوعات األقساط ا‪١‬تستقبلية إذل قيم حالية ‪ ،‬كحيث إف عملية ا‪٠‬تصم ستخفض القيمة ا‪ٟ‬تالية لؤلقساط‬

‫اليت ستدفع يف ا‪١‬تستقبل يقوـ البائعوف بإضافة مقابل معدؿ الفائدة ا‪١‬تتوقع إذل سعر السعة ا‪١‬تباعة بالتقسيط‬

‫مع مراعاهتم أيضان ‪١‬تعدؿ التضخم يف ا‪١‬تستقبل كنقص حجم السيولة كخطر عدـ السداد كغَتىا ‪ .‬كالبيع‬

‫بالتقسيط يؤثر على حجم الطلب بالشراء بالتسهيبلت ا‪١‬تقدمة سواء بالدفعة ا‪١‬تقدمة أك فًتة السماح كطوؿ‬

‫الفًتة الزمنية الكلية اليت ستوزع عليها األقساط ‪ .‬كالباحث يؤكد أف البيع بثمن مؤجل كىو ما يعٍت (بيع‬

‫التقسيط ) ال خبلؼ فيو ‪ ،‬كا‪٠‬تبلؼ يف الزيادة يف الثمن بسبب التأجيل كقد أجاز ا‪ٞ‬تمهور بيع التقسيط‬

‫بشركط ‪،‬فيما يرل بعض القهاء ْترمة بيع التقسيط ‪ .‬كرجح الباحث رأم ا‪ٞ‬تمهور ‪ ،‬كجواز البيع إذا توفرت‬

‫الشركط اآلتية ‪:‬‬

‫ُ‪ -‬أف يتم ٖتديد األجل عند ابتداء العقد ؛ألف ا‪ٞ‬تهالة مانعة من التسليم مؤدية إذل النزاع‪.‬‬
‫‪72‬‬

‫ِ‪ -‬عدـ ‪ٚ‬تع البدلُت علة الربا بأف كاف البدالف من السلع اليت ‪٬‬تمعها قدر الوزف أك الكيل أك الثمنية أك‬

‫القوت أك الطعم ‪.‬‬

‫ّ‪ -‬بياف قيمة كل قسط كموعد سداده ‪.‬‬

‫كيقوؿ اإلبراىيم (ََِٕـ) "ك‪١‬تا كاف بيع التقسيط يتضمن اختيار ا‪١‬تشًتم برضاه كإرادتو للثمن اآلجل مع‬

‫الزيادة قبل التفرؽ من آّلس ‪ ،‬كبناء على ما أقامو ‪ٚ‬تهور الفقهاء من أدلة تنفي التشابو بُت الزيادة يف الثمن‬

‫عند البيع بالتقسيط كبُت الزيادة يف الربا‪ ،‬كىو ا‪١‬تستند الرئيس للمانعُت من القوؿ بصحة بيع التقسيط ‪،‬‬

‫باإلضافة إذل أدلتهم القوية األخرل ‪ ،‬كمناقشتهم الدقيقة ألدلة القائلُت بالبطبلف ‪٦‬تا جعلها ال تنتهض ّٔا‬

‫حجة ‪ ،‬كل ذلك كاف مرجحان كمعززان للقوؿ بصحة التعامل ببيع التقسيط ‪ ،‬كأنو ال إٍب كال حرمة فيو ‪ ،‬كال‬

‫شبهة" ‪ .‬كقد ذىب آّمع الفقهي اإلسبلمي يف ا‪١‬تؤ٘تر السادس ا‪١‬تنعقد ّتدة ‪ -‬ا‪١‬تملكة العربية السعودية من‬

‫ُٕ ‪ ِّ -‬شعباف َُُْق ا‪١‬توافق ُْ – َِ آذار ( مارس ) َُٗٗ ـ إذل جواز بيع التقسيط ‪ .‬كقد‬

‫أجاب بن باز ّتواز التقسيط يف معرض رده عن السؤاؿ التارل‪ :‬ما حكم الزيادة يف البيع باألجل كالتقسيط ؟‬

‫البيع إذل أجل معلوـ جائز إذا اشتمل على الشركط ا‪١‬تعتربة ‪ ،‬كىكذا التقسيط يف الثمن ال حرج فيو إذا كانت‬

‫َّ ِ‬
‫آمنُوا إِ َذا تَ َدايَ ْنتُ ْم بِ َديْ ٍن إِلَى أ َ‬
‫َج ٍل‬ ‫ين َ‬
‫األقساط معركفة كاآلجاؿ معلومة؛ لقوؿ ا﵁ سبحانو ‪﴿ :‬يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫س ِّمى فَا ْكتُبُوهُ﴾ (القرآف‪.‬القرآف ِ‪ )ِِٖ:‬كلقوؿ النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ‪" :‬من أسلف يف شيء‬
‫ُم َ‬
‫(السلىم) باب السلم يف كزف معلوـ برقم‬
‫فليسلف يف كيل معلوـ ككزف معلوـ إذل أجل معلوـ" ركاه البخارم يف َّ‬

‫(ُِِْ) كمسلم يف (ا‪١‬تساقاة) باب السلم برقم (َُْٔ)‪ ، .‬كلقصة بريرة الثابتة يف الصحيحُت فإهنا‬

‫اشًتت نفسها من سادهتا بتسع أكراؽ يف كل عاـ أكقية ‪ ،‬كىذا ىو بيع التقسيط ‪ ،‬كدل ينكر ذلك النيب صلى‬
‫‪73‬‬

‫ا﵁ عليو كسلم ‪ ،‬بل أقره كدل ينو عنو ‪ ،‬كال فرؽ يف ذلك بُت كوف الثمن ‪٦‬تاثبلن ‪١‬تا تباع بو السلعة نقدان أك زائدان‬

‫على ذلك بسبب األجل ‪( .‬ا‪١‬توقع الر‪ٝ‬تي البن باز‪ ،)َُِْ،‬كما ذىب إذل ا‪ٞ‬تواز الشيخ األلباين ر‪ٛ‬تو ا﵁ (‬

‫موقع األلباين‪.)َُِْ،‬يقوؿ الدكتور القرضاكم ( َُِْ) ‪ " :‬ك‪٦‬تا ٭تسن ذكره ىنا أنو ‪٬‬توز للمسلم أف‬

‫يشًتم كيدفع ‪ٙ‬تن الشراء نقدان‪ ،‬كما ‪٬‬توز لو أف يؤخره إذل أجل بالًتاضي‪ .‬كقد اشًتل النيب صلى ا﵁ عليو‬

‫كسلم طعاما من يهودم لنفقة أىلو إذل أجل‪ ،‬كرىنو درعان من حديد‪.‬فإذا زاد البائع يف الثمن من أجل‬

‫التأجيل كما يفعلو معظم التجار الذين يبيعوف بالتقسيط ‪ -‬فمن الفقهاء من حرـ ىذا النوع من البيع مستندان‬

‫إذل أنو زيادة يف ا‪١‬تاؿ يف مقابل الزمن فأشبو الربا ‪ .‬كأجازه ‪ٚ‬تهور العلماء ألف األصل اإلباحة ‪ ،‬كدل يرد نص‬

‫بتحرًن ‪ ،‬كليس مشأّان للربا من ‪ٚ‬تيع الوجوه ‪ ،‬كللبائع أف يزيد يف الثمن العتبارات يراىا ‪ ،‬ما دل تصل إذل‬

‫البُت ‪ ،‬كإال صارت حرامان " ‪ .‬كلو تأخر ا‪١‬تشًتم يف سداد األقساط عن ا‪١‬تدة‬
‫حد االستغبلؿ الفاحش كالظلم ّْ‬

‫ا‪١‬تتفق عليها فبل ‪٬‬توز للبائع أف ٭تملو أم زيادة ‪ ،‬بل يينظره إف كاف معسران إذل حُت ميسرة ‪ ،‬أك يقاضيو إف‬

‫كاف قادران على السداد لكنو ‪٦‬تاطبلن ‪ .‬كيؤكد ىذا األمر العثماين (َُُِـ) حيث يرل أف ا‪١‬تدين ا‪١‬تعسر‬

‫‪٬‬تب إنظاره إذل ميسرة ‪ ،‬كال ‪٬‬توز للدائن أف يضيف شيئان إذل دينو فإنو ربا ‪ ،‬كاعترب أف ضعف الوازع الديٍت‬

‫أحد أىم األسباب اليت تؤدم إذل ا‪١‬تماطلة كعدـ شعور ا‪١‬تشًتم با‪١‬تسئولية ‪ ،‬كيرل بأف ا‪١‬تماطل ‪٬‬تب أف تنزؿ‬

‫عليو العقوبات الشرعية ‪،‬كما ٯتكن كضعو يف قائمة البائع السوداء كتعميم ا‪ٝ‬تو حىت يتم ا‪ٟ‬تذر من التعامل‬

‫معو كحرمانو من تسهيبلت يف ا‪١‬تستقبل‪.‬‬

‫من خبلؿ ما سبق ‪٧‬تد أف الشرع ا‪ٟ‬تكيم يف الراجح من كبلـ الفقهاء ‪٬‬تيز التعامل ببيع التقسيط ‪ ،‬كيضع‬

‫الضوابط اليت تضمن ‪ٛ‬تاية حق البائع كا‪١‬تشًتم على حد سواء ‪.‬‬


‫‪74‬‬

‫ٓ‪-‬الضرائب ‪:‬‬

‫ا‪١‬تفهوـ ‪ :‬جاء يف معجم ا‪١‬تعاين ‪ :‬الضرائب ‪ٚ‬تع ضريبة ‪ ،‬كالضريبة ما يفرض على ا‪١‬تًلك كالعمل كالدخل‬

‫للدكلة كا‪١‬تشًتيات كا‪٠‬تدمات ‪.‬‬

‫أىمية القضية ‪:‬‬

‫نظاـ اإلسبلـ شامل لكل جوانب ا‪ٟ‬تياة اإلنسانية العبادية كالسياسية كاالقتصادية ‪ .‬كيف جانب ا‪١‬تاؿ ‪٧‬تد‬

‫تعاليم اإلسبلـ كاضحة يف تشريع ا‪١‬تلكية كاحًتاـ حق الشخص يف التملك كاالستثمار ك‪ٚ‬تع ا‪١‬تاؿ ‪ ،‬كلكنو‬

‫يضع الضوابط اليت تساعد اإلنساف على أف يتحرؾ يف ا‪ٟ‬تياة ٔتا ٭تقق منافعو كال يضر بغَته ‪ ،‬بل ٕتعل من‬

‫ا‪١‬تستثمر ا‪١‬تسلم عنصر خَت ّٓتمعو ٔتا يفرض عليو اإلسبلـ من زكاة كحق معلوـ تؤخذ من مالو حاؿ بلوغو‬

‫النصاب كيصرؼ يف مصارفو الشرعية ‪ ،‬كٔتا ٭تثو اإلسبلـ من اإلنفاؽ زيادة على الزكاة الواجبة زيادة يف األجر‬

‫كابتغاء رضواف ا﵁ تعاذل‪.‬فالزكاة يف اإلسبلـ من أىم ما يؤدم إذل التكافل االجتماعي كىو مصدر مارل يف‬

‫غاية األ‪٫‬تية للدكلة ا‪١‬تسلمة ‪.‬غَت أف الزكاة قد ال تكوف كافية عن تغطية ا‪ٟ‬تاجات األساسية ‪١‬تا شرعت لو‬

‫فتلجأ الدكلة ا‪١‬تسلمة إلضافة مبالغ إضافية على ا‪١‬تكلفُت أك فرض ما يسمى بالضريبة على أنواع ا‪١‬تاؿ‬

‫ا‪١‬تختلفة ‪ .‬كمن ىنا تأٌب أ‪٫‬تية دراسة موضوع الضرائب إذل جانب دراسة موضوع الزكاة حىت ال يتم ا‪٠‬تلط‬

‫بينهما ‪ .‬فبل بد أف يعرؼ ا‪١‬تسلم الفرؽ بُت الزكاة كالضريبة حىت ال ٮتلط بُت ا‪١‬تفهومُت فيلتبس عليو األمر‪.‬‬
‫‪75‬‬

‫نظرة الشريعة ‪:‬‬

‫ا‪ٟ‬تديث عن الضريبة ال ٯتكن فصلو عن ا‪ٟ‬تديث عن الزكاة ؛ لذلك نشَت أكالن إذل جوانب من اختبلؼ الزكاة‬

‫مع الضريبة ٍب نتحدث عن الضريبة ‪ .‬فبل شك أف الضريبة كالزكاة فيهما اقتطاع جزء من ماؿ دافع الزكاة أك‬

‫الضريبة بدكف مقابل ‪ ،‬لكن الزكاة فيها تقرب إذل ا﵁ تعاذل كىي عبادة من العبادات كركن من أركاف اإلسبلـ‬

‫ك‪٢‬تا نظاـ خاص يف األمواؿ اليت ٕتب فيها الزكاة كمىت ٕتب ‪ ،‬كمقدارىا ٮتتلف ْتسب التوصيف الشرعي من‬

‫الزكاة على عركض التجارة أ ك ما ٮترج من األرض أك األنعاـ كغَتىا ‪ ،‬بينما الضريبة أخذت بنظاـ األكعية‬

‫ا‪١‬تالية فتنقسم إذل ‪ :‬الضرائب على رأس ا‪١‬تاؿ ‪ ،‬الضرائب على الدخل ‪ ،‬كالضرائب على األشخاص (ضريبة‬

‫الرؤكس) ‪ ،‬كالضرائب على االستهبلؾ ‪ .‬كقد عرؼ اإلسبلـ الزكاة على رأس ا‪١‬تاؿ كما يف السائمة من ّٔيمة‬

‫األنعاـ ‪ ،‬كالزكاة على الدخل كما يف ا‪٠‬تارج من األرض ‪ ،‬كالزكاة على الرؤكس كما يف زكاة الفطر ‪ ،‬كالزكاة‬

‫تلتقي مع الضريبة يف ٖتديدىا بدقة كمراعاهتا للعدالة االجتماعية كمراعاهتا للجهد ا‪١‬تبذكؿ ‪..‬اخل ‪ .‬بينما‬

‫ٗتتلف الضريبة عن الزكاة بأف الزكاة عبادة لدافعها أجر عند ا﵁ تعاذل كموعود ٔتضاعفة مالو عند دفعو ‪٢‬تا ‪:‬‬

‫قاؿ تعاذل ‪ ﴿:‬وما أنفقتم من شيء فهو يخلفو وىو خير الرازقين ﴾( القرآف ‪ .‬سبأ ّْ‪ ) ّٗ:‬بينما‬

‫الضريبة ال ٖتمل معاين العبودية كالنماء‪ ،‬كالزكاة ثابتة بينما تتغَت الضريبة ْتسب اجتهاد النظاـ ا‪ٟ‬تاكم بُت‬

‫ا‪ٟ‬تُت كاآلخر ‪ ،‬كمصارؼ الزكاة ‪٤‬تددة بينما الضريبة على خبلؼ ذلك ‪.‬‬

‫كبعد أف أشرنا إذل جوانب من االتفاؽ كاالختبلؼ بُت الزكاة كالضريبة ‪ ،‬ٯتكن أف يتبادر إذل الذىن سؤاؿ‬

‫ا‪١‬تسلم عن دكافع فرض الضريبة ‪ .‬كقد ذكر العديد من الفقهاء ضوابط لفرض أمواؿ إضافية على ا‪١‬تستهدفُت‬

‫ا‪١‬تلحة كاليت تفرض على ا‪١‬تسلمُت التكافل بينهم ‪ ،‬كحاالت‬


‫كمن أ‪٫‬تها ‪ :‬حاالت القحط كا‪ٞ‬تدب‪ ،‬كالضركرة َّ‬
‫‪76‬‬

‫ا‪ٞ‬تهاد كٕتهيز ا‪ٞ‬تند ال سيما صدان للعدكاف ‪ ،‬ك‪٬‬تب أف تتوزع األعباء على الرعية بالعدؿ كفقان للقدرة ا‪١‬تالية‪،‬‬

‫كال بد عند فرض أم أعباء إضافية على ا‪١‬تسلم أف يكوف ذلك باجتماع أىل الشورل‪ ،‬كعدـ جواز انفراد‬

‫ا‪ٟ‬تاكم بفرض استقطاعات مالية إضافية على أمواؿ ا‪١‬تسلمُت ‪ ،‬ك‪٬‬تب أف يكوف االستقطاع على قدر ا‪ٟ‬تاجة‬

‫( باسوداف ‪. ) َُِِ،‬ككل ما سبق يقودنا إذل أف الضريبة مستقلة عن الزكاة كال تقوـ مقامها ‪ ،‬كال ٖتتسب‬

‫من ضمن الزكاة ْتاؿ‪ ،‬فالزكاة عبادة مالية أما الضريبة شيء زائد يفرضو ا‪ٟ‬تاكم ألسباب كمربرات ‪٥‬تتلفة‪.‬كىذا‬

‫ما ذكره الدكتور القرضاكم عند حديثو عن الزكاة كىل الضريبة تغٍت عن الزكاة ‪ ،‬ك‪٦‬تا أشار إليو أيضان أف غلبة‬

‫الضرائب على الزكاة يف آّتمعات اإلسبلمية ىو أحد آثار االحتبلؿ األجنيب الذم حرص على طمس معادل‬

‫الدين كاستبدا‪٢‬تا بالقوانُت الوضعية ‪ ،‬كأف الواجب على ا‪ٟ‬تكومات ا‪١‬تسلمة أف تعيد االعتبار للزكاة كتنظم‬

‫ٖتصيلها كصرفها يف مصارفها ‪ .‬كبعد مناقشة القرضاكم آلراء الفقهاء ا‪١‬تؤيدة كا‪١‬تعارضة الحتساب ما يدفع يف‬

‫الضرائب كجزء من الزكاة أك بديبلن عنها أـ ال يقوؿ ‪ ":‬إف فتول الشيخ شلتوت ر‪ٛ‬تو ا﵁ كمن سبقو من‬

‫العلماء‪" :‬أف الضرائب ال تغٍت عن الزكاة" ىي اليت يطمئن إليها قلب ا‪١‬تفيت كا‪١‬تستفىت‪١ ،‬تا استندت إليو من‬

‫اعتبارات شرعية صحيحة‪ ،‬كىي على كل حاؿ أسلم لدين ا‪١‬ترء ا‪١‬تسلم‪ ،‬كأضمن لبقاء ىذه الفريضة‪ ،‬كبقاء‬

‫صلة ا‪١‬تسلمُت ّٔا‪ ،‬حىت ال يعفى عليها النسياف باسم الضرائب‪ ،‬كتذركىا الرياح‪.‬صحيح أف ا‪١‬تسلم يي ىرىق من‬

‫أمره عسران‪ ،‬كيتحمل ما ال يتحملو غَته من األعباء ا‪١‬تالية‪ ،‬كلكن ىذه ضريبة اإلٯتاف‪ ،‬كمقتضى اإلسبلـ‪،‬‬

‫ا‪ٟ‬تليم حَتاف‪ ،‬كاليت يصبح القابض فيها على دينو كالقابض على ا‪ٞ‬تمر‪،‬‬
‫ى‬ ‫كخاصة يف أياـ الفنت اليت تى ىذ ير‬

‫ككاجب ا‪١‬تسلم ‪ -‬على كل حاؿ‪ -‬أف يعمل ك‪٬‬تاىد لتصحيح األكضاع ا‪١‬تنحرفة‪ ،‬كتقوًن األنظمة ا‪١‬تعوجة‪،‬‬

‫بى ّْردىا إذل منهج اإلسبلـ‪ ،‬كنظاـ اإلسبلـ‪ ،‬كحكم اإلسبلـ‪ ،‬كبدكف ىذا سيظل الفرد ا‪١‬تسلم مرى نقا ماليان‬

‫كنفسيان كاجتماعيان؛ ألنو يعيش يف ‪٣‬تتمع يعوقو بدؿ أف يعاكنو‪ ،‬كيقف يف سبيلو‪ ،‬بدؿ أف يأخذ بيده‪ ،‬كىذا‬
‫‪77‬‬

‫ببلء عاـ يف كل شئوف ا‪ٟ‬تياة اليت يطالب اإلسبلـ فيها أبناءه بالتزاـ شرعي خاص‪ ،‬ال يف الزكاة كحدىا‪.‬كإذا‬

‫رأل ا‪١‬تسلم الدكلة تقوـ بضماف العيش للفقراء كا‪١‬تعوزين‪ ،‬كدل ‪٬‬تد حولو مسلمان ‪٤‬تتاجان يستحق الزكاة ‪-‬‬

‫كا‪١‬تسلمُت يف أمريكا مثبلن‪ -‬فبل يظن أف الزكاة حينئذ فقدت صفتها كقيمتها‪ ،‬فإف ىناؾ مصارؼ أخرل ‪-‬‬

‫بيَّناىا من قبل‪ -‬كالدعوة إذل اإلسبلـ‪ ،‬كتأليف القلوب كتثبيتها عليو‪ ،‬كإعداد الدعاة كا‪١‬تراكز اليت تقوـ بذلك‪،‬‬

‫كا‪ٞ‬تهاد العملي ا‪١‬تنظم لتكوف كلمة ا﵁ ىي العليا‪ ،‬كىذا ما يشملو مصرؼ ﴿المؤلَّفة قلوبهم﴾ كمصرؼ‬

‫﴿في سبيل اهلل﴾‪ .‬فإذا دل يكن يف بلده يستطيع ذلك فليبعث بزكاتو إذل أقرب الببلد إليو‪٦ ،‬تا تتوافر فيو‬

‫ا‪١‬تصارؼ الشرعية للزكاة ‪ .‬أما ما نيًقل عن ابن تيمية كمن قبلو ما ذكره النوكم‪ ،‬كمن قبلهما ما ركم عن‬

‫اإلماـ أ‪ٛ‬تد‪ ،‬فذلك يف كاقع غَت كاقعنا‪ ،‬كيف زمن غَت زمننا‪ ،‬يف زمن كانت فريضة الزكاة فيو قائمة‪٬ ،‬تبيها كرل‬

‫لغَتكا الفتول لتغَت العصر كا‪ٟ‬تاؿ‬


‫األمر يف دار اإلسبلـ‪ ،‬كيؤديها الشعب على كجو عاـ‪ ،‬كلو كانوا يف زمننا َّ‬

‫ككافقوا ا‪ٞ‬تمهور فيما ذىبوا إليو‪.‬أما إننا لو أجزنا لؤلفراد احتساب ما يؤخذ منهم من الزكاة‪ ،‬لكاف ذلك‬

‫حكممان باإلعداـ على ىذه الفريضة الدينية‪ ،‬فتذىب البقية الباقية منها من حياة األفراد‪ ،‬كما ذىبت من‬

‫قوانُت ا‪ٟ‬تكومات‪ ،‬كىذا ما ال يوافق عليو عادل من علماء اإلسبلـ يف أم زماف أك مكاف" ‪ .‬كقد ذىب‬

‫لتحرًن الضرائب كاعتبارىا مكوسان العديد من علماء العصر كابن باز كابن عثيمُت كالفوزاف كالزحيلي ‪،‬‬

‫كللدكتور عبدالكرًن زيداف رأم ‪٥‬تالف نورده بتصرؼ حيث يقوؿ ‪٬ :‬توز لورل األمر فرض ضرائب مالية كىي‬

‫ما يسمى (كعاء الضريبة) ك٭تدد مقدارىا للنفقة على متطلبات الدكلة ك مصاحل الرعية مع مراعاة قواعد‬

‫العدالة ْتيث ال ترىق ا‪١‬تواطن ‪ ،‬كأف يكوف مقدارىا معركفان ك٭تدد ا‪١‬تاؿ الذم تيؤخذ منو ‪.‬كأف تؤخذ يف كقت‬

‫يستطيع فيو ا‪١‬تكلف أف يدفع الضريبة كالزكاة ‪ ،‬كإذا كانت الدكلة غنية فبل حاجة للضرائب ‪.‬كأكصى أف تكوف‬

‫الدكلة حريصة على تعيُت ا‪١‬توظفُت األمناء األكفاء ‪ ،‬كتكوين ىيئة مراقبة ‪٢‬تذه ا‪ٞ‬تبايات ‪ ،‬كما فعل النيب‬
‫‪78‬‬

‫إرل فقاؿ صلى ا﵁ عليو كسلم ‪":‬‬


‫صلى ا﵁ عليو كسلم عندما ‪ٝ‬تع أحد عمالو يقوؿ‪ :‬ىذا لكم كىذا أىدم ٌ‬
‫أفال جلس في بيت أبيو وأمو فينظر ىل تأتيو ىديتو"(ا‪ٟ‬تديث ‪ ،‬مسلم‪،‬كتاب اإلمارة ‪ :‬جّ‪ )ُِّٖ#‬فبل‬

‫ينزلق ا‪ٞ‬تايب يف ىذه الشبهة كقد كذل عمر رجبلن على البحرين فتاجر فقاؿ لو عمر ‪ :‬إ‪٪‬تا حصلت ذلك بسبب‬

‫الوالية فقا‪ٝ‬تو يف ا‪١‬تاؿ ‪ .‬كمن الوسائل النافعة لتحديد الضرائب عند ا‪ٟ‬تاجة إذل ا‪١‬تاؿ أف يغرس ا‪ٟ‬تاكم يف‬

‫ا‪١‬تواطنُت معاين اإلٯتاف كيبصرىم بواجبهم ‪٨‬تو دكلتهم بإمداد ا‪١‬تاؿ حىت تبقى؛ لتقوـ ٔتا فرضو ا﵁ تعاذل كأمر‬

‫بو‪ ،‬كعليو أف يرشدىم إذل حقيقة أف ا‪١‬تسلم مستخلىف يف ا‪١‬تاؿ كعليو أف ينفقو كما أراد ا﵁ تعاذل ‪ ،‬قاؿ‬

‫ُت فً ًيو﴾ (القرآف‪ .‬ا‪ٟ‬تديدٕٓ‪ ، )ٕ:‬قاؿ القرطيب ‪ :‬اآلية تشَت كتبُت‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬
‫﴿كأىنٍف يقوا ‪٦‬تَّا ىج ىعلى يك ٍم يم ٍستى ٍخلىف ى‬
‫تعاذل‪ :‬ى‬
‫للمسلمُت أف ىذا ا‪١‬تاؿ الذم بأيديكم جعلكم ا﵁ خلفاء أم خلفان كعقبان لغَتكم يف ٘تلُّك ىذا ا‪١‬تاؿ ‪ ،‬كأنتم‬

‫وى ٍم ًم ٍن ىم ًاؿ اللَّو﴾(القرآف‪ .‬النورِْ‪، )ّّ:‬‬


‫يف ا‪ٟ‬تقيقة لستم ٔتبلؾ ‪ ،‬كا‪١‬تاؿ ماؿ ا﵁ ‪ ،‬قاؿ تعاذل‪ ﴿ :‬ىكآتي ي‬
‫فأنتم أيها ا ‪١‬تسلموف ككبلء عن موكليكم ‪ ،‬كالوكيل يتصرؼ يف ا‪١‬تاؿ ا‪١‬توكل فيو كفق ما يأذف ا‪١‬توكل كقولو‬

‫تعاذل‪﴿ :‬ى ف يه ٍم ى‪٢‬تىا ىمالً يكو ىف ﴾ (القرآف‪ .‬يسّٔ‪ )ُٕ:‬على سبيل آّاز كقاؿ تعاذل‪ ﴿ :‬ىكال تػي ٍؤتيوا ُّ‬
‫الس ىف ىهاءى‬
‫أ ٍىم ىوالى يكم﴾ (القرآف‪.‬النساء ْ‪ ، )ٓ:‬فهي إضافة غَت حقيقية بل ‪٣‬تازية ‪ ،‬كا‪١‬تالك ا‪ٟ‬تقيقي ىو ا﵁ تعاذل ‪،‬‬

‫كا‪١‬تلك ‪ :‬االختصاص بالشيء على جهة االنفراد ‪ ،‬ككرل األمر يبُت عبلقة الناس با‪١‬تاؿ كعليهم أف ينفقوه فيما‬

‫٭تب ا﵁‪(.‬زيداف‪. )َُِّ،‬‬


‫‪79‬‬

‫ٔ‪-‬الزكاة على األسهم والسندات ‪:‬‬

‫المفهوم ‪:‬‬

‫الس ٍه يم النصيب ا﵀كم ‪ ،‬كيف ىذا األىمر يس ٍهمة‪ :‬أىم‬


‫السهاـ‪ ،‬ك َّ‬
‫الس ٍه يم كاحد ّْ‬
‫يف اللغة ‪ :‬جاء يف لساف العرب‪َّ :‬‬

‫ظ‪ .‬كالسند كما جاء يف معجم ا‪١‬تعاين‪ :‬كرقةه ماليَّةه مثبتةه لقرض حاصل ‪ ،‬كلو فائدةه ثابتةه‪ ،‬كالسهم‪:‬‬
‫نصيب كح ٌ‬

‫صك ٯتثّْل جزءان من رأس ماؿ الشركة يزيد كينقص تبع ركاجها ‪.‬جاء يف كتاب ا‪١‬تعامبلت ا‪ٟ‬تديثة كأحكامها‬
‫ّّ‬

‫لعبدالر‪ٛ‬تن عيسى ‪ :‬األسهم حقوؽ ملكية جزئية لرأس ماؿ كبَت للشركات ا‪١‬تسا‪٫‬تة أك التوصية باألسهم‪.،‬ككل‬

‫سهم جزء من أجزاء متساكية لرأس ا‪١‬تاؿ‪.‬كالسند تعهد مكتوب من البنك‪،‬أك الشركة‪ ،‬أك ا‪ٟ‬تكومة ‪ٟ‬تاملو‬

‫بسداد مبلغ مقدر من قرض يف تاريخ معُت‪ ،‬نظَت فائدة مقدرة‪.‬كبُت السهم كالسند فركؽ‪ :‬فالسهم ٯتثل جزءان‬

‫من رأس ماؿ الشركة أك البنك‪ ،‬كالسند ٯتثل جزءان من قرض على الشركة‪ ،‬أك البنك‪ ،‬أك ا‪ٟ‬تكومة‪.‬كالسهم ينتج‬

‫جزءان من ربح الشركة أك البنك‪ ،‬يزيد أك ينقص تبعان لنجاح الشركة أك البنك‪ ،‬كزيادة رْتهما أك نقصو‪،‬‬

‫كيتحمل قسطو من ا‪٠‬تسارة‪ ،‬أما السند فينتج فائدة ‪٤‬تدكدة عن القرض الذم ٯتثلو ال تزيد كال تنقص‪.‬كحامل‬

‫السند يعترب مقرضان أك دائنان للشركة أك البنك أك ا‪ٟ‬تكومة‪ ،‬أما حامل السهم فيعترب مالكان ‪ٞ‬تزء من الشركة أك‬

‫البنك بقيمة السهم‪.‬كللسند كقت ‪٤‬تدد لسداده‪ ،‬أما السهم فبل يسدد إال عند تصفية الشركة‪.‬كلكل من‬

‫السهم كالسند قيمة ا‪ٝ‬تية كىى قيمتو ا‪١‬تقدرة عند إصداره‪ ،‬كقيمة سوقية تتحدد يف سوؽ األكراؽ ا‪١‬تالية‪ ،‬ككل‬

‫منهما قابل للتعامل كالتداكؿ بُت األفراد كسائر السلع‪٦ ،‬تا ‪٬‬تعل بعض الناس يتخذ منهما كسيلة لبلٕتار‬

‫بالبيع كالشراء ابتغاء الربح من كرائهما‪ ،‬كتتأثر األسعار يف السوؽ ا‪١‬تذكورة تبعان لزيادة العرض كالطلب‪ ،‬كما‬

‫تتأثر باألحواؿ السياسية للبلد كمركزه ا‪١‬تارل ك‪٧‬تاح الشركة كمقدار الربح ا‪ٟ‬تقيقي لؤلسهم كالفائدة ا‪ٟ‬تقيقية‬

‫للسندات‪ ،‬بل تتأثر باألحواؿ العا‪١‬تية من حرب كسبلـ (عيسى‪ ،‬ص ٖٔ – ٗٔ)‪.‬‬
‫‪80‬‬

‫أىمية القضية ‪ :‬للزكاة أ‪٫‬تية كربل يف اإلسبلـ فهي ركن من أركاف اإلسبلـ ‪ ،‬كىي مورد مارل مهم للدكلة‬

‫‪.‬كشن الصديق حربان على‬


‫ا‪١‬تسلمة ‪ ،‬كأل‪٫‬تيتها فقد قرهنا ا﵁ تعاذل بالصبلة يف معظم آيات القرآف الكرًن َّ‬

‫ا‪١‬ترتدين ‪١‬تنعهم أداء الزكاة بعد موت النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ‪ .‬كقد ارتبطت الزكاة بطهارة النفس من حيث‬

‫اللفظ كا‪١‬تعٌت ‪ ،‬فالزكاة ٖتمل معٌت التطهَت كالنماء‪ ،‬كىي عمليان تطهر صاحبها من البخل‪ ،‬كالشح‪ ،‬كاألنانية‪،‬‬

‫كاألثرة كالذنوب‪ ،‬يقوؿ ا﵁ تعاذل ‪ ﴿:‬خذ من أموالهم صدقة تطهرىم وتزكيهم بها ‪(﴾..‬القرآف‪.‬التوبة‬

‫ٗ‪ ، )َُّ:‬كقد جاء يف تفسَت ا‪١‬تنار ﵀مد رشيد رضا (ُْٕٗ) أف اآلية فيها األمر باألخذ من أمواؿ‬

‫ا‪١‬تسلمُت على اختبلؼ أنواعها ‪ -‬كاليت منها التجارة‪ -‬صدقة ‪ ،‬كالزكاة ا‪١‬تفركضة‪ ،‬أك تطوعان تطهرىم ّٔا من‬

‫دنس البخل كالطمع كالدناءة كالقسوة على الفقراء كما يتصل بو من الرذائل‪ ،‬كتزكي أنفسهم برفعها كتنميتها‬

‫با‪٠‬تَتات ‪.‬كالزكاة كاجبة إذا بلغ ماؿ ا‪١‬تسلم نصابان كحاؿ عليو ا‪ٟ‬توؿ ‪ ،‬كتيصرؼ يف مصارفها ا‪١‬تنصوص عليها‬

‫بقولو تعاذل ‪ ﴿:‬إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب‬

‫والغارمين وفي سبيل اهلل وابن السبيل فريضة من اهلل واهلل عليم حكيم ﴾ (القرآف ‪ .‬التوبة ٗ‪. )َٔ:‬‬

‫كقد انتشرت شركات ا‪١‬تسا‪٫‬تة اليوـ بشكل كبَت كأخذت مكاهنا يف التجارة كاالستثمار يف ‪٥‬تتلف ا‪ٞ‬توانب‬

‫الصناعية كالزراعية كغَتىا ؛لذلك كجب على الناس أف يتعرفوا على أحكاـ الزكاة يف األمواؿ كاألرباح اليت‬

‫تأٌب نتيجة لتلك األسهم يف الشركات ‪.‬‬


‫‪81‬‬

‫نظرة الشريعة ‪:‬‬

‫ناقش كثَت من العلماء كالباحثُت قضية األسهم كالسندات يف شركات ا‪١‬تسا‪٫‬تة ‪ ،‬كمن ىؤالء الدكتور عبدا﵁‬

‫ا‪١‬تنيع يف كتابو ْتوث يف االقتصاد اإلسبلمي (ُُْٔق) حيث يرل أف شركات ا‪١‬تسا‪٫‬تة ٕتب فيها الزكاة إذا‬

‫كانت ‪٤‬تبلن لبلستثمار ا‪ٟ‬تبلؿ يف الزراعة أك الصناعة أك االستَتاد أك التصدير كغَتىا ‪ ،‬كاألسهم يف ىذه‬

‫الشركات عبارة عن حصص ي٘تلك شائعة يف عمومها ‪،‬كلوجوب الزكاة يف عمومها فهي كاجبة يف ىذه األسهم‬

‫ا‪١‬تمثلة ألجزاء ىذه الشركات ‪ .‬كشركات ا‪١‬تسا‪٫‬تة ٗتتلف يف ‪٣‬تاؿ استثمارىا ألمواؿ ا‪١‬تسا‪٫‬تُت فيها ‪،‬‬

‫فاالستثمار يف الزراعة ٗتضع ألحكاـ الزكاة فيما ٗترجو األرض ماالن كمقداران كزمانان ‪ ،‬ك‪٬‬تب فيها نصف‬

‫العشر‪ .‬كإف كانت شركات ا‪١‬تسا‪٫‬تة تعمل يف ‪٣‬تاؿ الصناعة كصناعة األ‪ٝ‬تنت أك األدكات الكهربائية ‪..‬اخل‬

‫فإهنا يٗترج الزكاة من صايف أرباحها قياسان على زكاة العقارات ا‪١‬تعدة للكراء ‪.‬كإف كانت شركة ا‪١‬تسا‪٫‬تة شركة‬

‫ٕتارية تعتمد على استبداؿ السلع كاالستَتاد كالتصدير كغَتىا من التعامبلت التجارية اليت يراعى فيها قواعد‬

‫كمقتضيات الشريعة فهذا النوع من الشركات ٕتب يف أموالو الزكاة يف عرض ٕتارة‪ ،‬كال تدخل يف الزكاة‬

‫التجهيزات اإلدارية ‪ .‬كٕتب الزكاة على اعتبار قيمة األسهم السوقية على من يتداك‪٢‬تا بيعان كشراءن على سبيل‬

‫ا‪١‬تتاجرة فيها ‪ .‬كىذا ما يؤكد عليو ابن عثيمُت ر‪ٛ‬تو ا﵁ حيث يقوؿ‪ ":‬الزكاة على األسهم كغَتىا من عركض‬

‫التجارة تكوف على القيمة السوقية ‪ ،‬فإذا كانت حُت الشراء بألف ٍب صارت بألفُت عند كجوب الزكاة فإهنا‬

‫تقدر بألفُت ‪ ،‬ألف العربة بقيمة الشيء عند كجوب الزكاة ال بشرائو " (ابن عثيمُت ‪ ،‬مرجع سابق) كإذا‬

‫أخرجت الشركة زكاهتا فبل يلزـ أصحاب األسهم أف ٮترجوىا مرة ثانية باعتبار القائمُت على الشركة ككبلء‬

‫عن ا‪١‬تسا‪٫‬تُت فيها ‪ .‬كيرل الدكتور القرضاكم أف تعامل الشركات أيان كاف نوعها معاملة األفراد فإف كانت‬

‫ٕتارية فتعامل كالفرد التاجر ‪ ،‬كإف كانت صناعية فتعامل كمن ٯتلك مصنعان ‪ .‬كىكذا ‪ ،‬فالشركات التجارية‬
‫‪82‬‬

‫كىي اليت جل رأس ما‪٢‬تا يف منقوالت تتاجر فيها كال تبقى عينها‪ ،‬فهذه تؤخذ الزكاة ٔتقدار ربع العشر (ٓ‪ِ.‬‬

‫يف ا‪١‬تائة ) بعد طرح قيمة األصوؿ الثابتة من األسهم‪ ،‬كما ذكرنا يف عركض التجارة‪ :‬أف الزكاة يف رأس ا‪١‬تاؿ‬

‫ا‪١‬تتداكؿ ا‪١‬تتحرؾ‪ ،‬كىذه ا‪١‬تعاملة للشركات التجارية ىي نفس ا‪١‬تعاملة اليت تعامل ّٔا ا﵀بلت التجارية إذا‬

‫كانت ملكان لؤلفراد كال فرؽ‪.‬أما السندات فيقوؿ الشيخ‪" :‬السند صك ٔتديونية البنك أك الشركة أك ا‪ٟ‬تكومة‬

‫‪ٟ‬تاملو ٔتبلغ ‪٤‬تدد بفائدة معينة‪ ،‬فمالك السند مالك دين مؤجل‪ ،‬كلكنو يصَت حاالن عند هناية األجل فتجب‬

‫زكاتو حينئذ ‪١‬تدة عاـ إف مضى على ملكيتو عاـ أك أكثر‪ ،‬كىذا مذىب مالك كأىب يوسف‪.‬أما إذا دل ٭تل‬

‫أجلو‪ :‬فبل ‪٬‬تب إخراج زكاتو‪ ،‬ألنو دين مؤجل‪ ،‬ككذلك إذا دل ٯتض على ملكيتو عاـ‪ ،‬الشًتاط مركر ا‪ٟ‬توؿ يف‬

‫كجوب الزكاة"‪(.‬القرضاكم‪،‬مرجع سابق‪.)ََُِ،‬‬


‫‪83‬‬

‫ثانياً ‪ :‬مجال السياسة والسلوك‬

‫ٔ‪-‬الغلو والتطرف‬

‫المفهوم‪:‬‬

‫الغلو يف اللغ ة ‪ :‬الغلو يف األمر ‪٣ :‬تاكزة ا‪ٟ‬تد ‪ ،‬جاء يف ‪٥‬تتار الصحاح ‪:‬غبل يف األمر جاكز فيو ا‪ٟ‬تد ‪ ،‬كغاذل‬

‫يف اللحم اشًتاه بثمن و‬


‫غاؿ ‪ ،‬كالغلو كالغلواء سرعة الشباب كأكلو (الرازم‪ .)ُٖٗٔ،‬قاؿ ا﵁ تعاذل ‪﴿:‬يا أىل‬

‫الكتاب ال تغلوا في دينكم وال تقولوا إال الحق ‪( ﴾..‬القرآف ‪.‬النساء ْ‪ . )ُُٕ:‬كقاؿ تعاذل‪﴿:‬قل يا‬

‫أىل الكتاب ال تغلوا في دينكم غير الحق ﴾(القرآف ‪.‬ا‪١‬تائدة ٓ‪ .)ٕٕ:‬يقوؿ الشوكاين يف فتح القدير ‪:‬‬

‫الغلو ىو التجاكز يف ا‪ٟ‬تد كمنو غبل الشيء يغلو غبلءن ‪ ،‬كغبل الرجل يف األمر غلوان ‪ ،‬كغبل با‪ٞ‬تارية ‪ٟ‬تمها‬

‫كعظمها إذا أسرعت الشباب فجاكزت لداهتا‪ ،‬كا‪١‬تراد باآلية النهي ‪٢‬تم عن اإلفراط تارة كالتفريط تارة أخرل ‪،‬‬

‫كما أحسن قوؿ الشاعر ‪:‬‬

‫تغل يف شيء من األمر كاقتصد ‪....‬كبل طريف قصد األمور ذميم (الشوكاين‪ .)ََِٕ،‬كمعٌت التطرؼ‬
‫كال ي‬

‫صامان ًيف الشَّا ًرًع فىػتىطىَّر ى‬


‫ؼ‬ ‫ً‬
‫تطرؼ ‪ ،‬ىرأىل خ ى‬
‫تطرفنا ‪ ،‬فهو يم ّْ‬
‫تطرؼ ُّ‬
‫ؼ ٌ‬ ‫يف اللغة ‪،‬كما جاء يف معجم ا‪١‬تعاين طىَّر ى‬

‫ت‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ىً‬ ‫جانًبان ‪ :‬اًبػتػع ىد إً ىذل الطَّر ً‬


‫ؼ كىو ا‪ٞ‬تىانً ً‬
‫ص ىار ٍ‬
‫ب الٍ ىم ٍر ىعى ى‬
‫اآلخر‪ ،‬كتىطىَّرفىت الٍ ىماشيىةي ىج ىوان ى‬ ‫ب‬ ‫ى‬ ‫ٍى ى‬ ‫ى‬
‫ؼ ًيف أىفٍ ىكا ًرهً ‪ :‬يػتجاكز ح َّد االعتً ىد ًاؿ كا‪ٟ‬ت يد ً‬
‫كد الٍ ىم ٍع يقولىًة‬ ‫ت إً ىذل الغير ً‬
‫كب‪ ،‬كيػىتىطىَّر ي‬ ‫بًأىطٍرافً ًو‪ ،‬كتىطىَّرفى ً‬
‫ى ي‬ ‫ٍ‬ ‫ىى ى ى ي ى‬ ‫ي‬ ‫س‪ :‬ىدنى ٍ‬
‫الش ٍم ي‬
‫ت َّ‬ ‫ى‬
‫‪،‬كا‪١‬تتطرؼ كل من ٕتاكز حد االعتداؿ ‪ ،‬كقد كرد يف ا‪ٟ‬تديث ‪":‬ىلك ا‪١‬تتنطعوف ‪ ،‬قا‪٢‬تا ثبلثان " (ا‪ٟ‬تديث‬

‫‪.‬مسلم‪.‬كتاب العلم ‪:‬جْ ‪ ،)ِّْٖ #:‬كالتنطع ‪ :‬ا‪١‬تغاالة يف الدين كالتشدد فيو ‪ ،‬كا‪١‬تتنطعوف ‪ :‬ا‪١‬تتجاكزكف‬

‫ا‪ٟ‬تدكد يف أقوا‪٢‬تم كأفعا‪٢‬تم ‪ ( .‬الزحيلي ‪ . )َُِِ،‬كالغلو كالتطرؼ نقيض الوسطية كاالعتداؿ ‪ ،‬كقد جعل‬
‫‪84‬‬

‫ا﵁ تعاذل أمة اإلسبلـ أمة كسطان فقاؿ ‪﴿:‬وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ﴾( القرآف ‪.‬البقرة ِ‪،)ُّْ:‬‬

‫تغل غلو‬
‫كالوسط ‪ :‬ا‪٠‬تيار أكالعدؿ ‪ ،‬ك‪١‬تا كاف الوسط ‪٣‬تانبان للغلو كالتطرؼ كاف ‪٤‬تمودان‪ ،‬فهذه األمة دل ي‬
‫قصركا تقصَت اليهود يف أنبيائهم ‪ ،‬كيقاؿ فبلف أكسط قومو ككاسطتهم أم خيارىم ‪.‬‬
‫النصارل يف عيسى كال َّ‬

‫( الشوكاين ‪.)ََِٕ ،‬‬

‫أىمية القضية ‪ :‬التطرؼ كالغلو ليست من القضايا ا‪١‬تعاصرة ا‪ٟ‬تديثة ٔتفهومها العاـ ‪ ،‬كإ‪٪‬تا بأساليبها ككسائلها‬

‫ا‪ٟ‬تديثة ؛ كلذا فإننا لن نكوف ْتاجة كبَتة للبحث عن األدلة اليت ٖتذر من التطرؼ كتشن ىجومان شديدان‬

‫على كل متطرؼ كمغا وؿ يف أم جانب من جوانب ا‪ٟ‬تياة كالدين يف مقدمتها ‪ .‬كا‪١‬تتطرؼ بسلوكو يكوف قد‬

‫اختار الطرؼ عن الوسط ا‪١‬تأمور بو شرعان ‪ .‬كالتطرؼ كالغلو ليس ‪٤‬تصوران يف الدين‪ ،‬فقد يكوف يف السلوؾ‬

‫كالتمسك بالرأم كيف السياسة كاالقتصاد كيف تقييم األمور كيف عبلجها ‪ ،‬كقد يكوف على مستول الفرد أك‬

‫‪٣‬تموعة من األفراد ‪ .‬كالتطرؼ كالغلو فيو إفراط يف تقدير األمور كقد يكوف من أسبابو الفراغ النفسي كالشعور‬

‫بالنقص أك النظرة ا‪١‬تتعمقة كالتفصيلية يف الشيء أك ا‪ٟ‬تماس الزائد كىذه كلها – من كجهة نظر الباحث –‬

‫سببها الرئيس ا‪ٞ‬تهل أك ضعف ا‪ٞ‬تانب التعليمي ‪.‬‬

‫نظرة الشريعة ‪:‬‬

‫الٕتوز يف ديننا اإلسبلمي ا‪١‬تبالغة يف أم شيء من األشياء حىت كإف كاف ذلك يف مدح النيب صلى ا﵁ عليو‬

‫كسلم كالثناء عليو كإطرائو ‪ ،‬قاؿ عليو الصبلة كالسبلـ ‪":‬ال تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما‬

‫أنا عبده فقولوا عبد اهلل ورسولو" (ا‪ٟ‬تديث ‪ ،‬البخارم‪ ،‬كتاب أحاديث األنبياء‪:‬جّ ‪. )ُِّٔ# :‬بل إف‬

‫ا‪١‬تبالغة يف العبادة كٕتاكز ا‪ٟ‬تد فيها ييعد خركجان عن سنة النيب صلى ا﵁ عليو كسلم كمنهج اإلسبلـ‪ ،‬كرد يف‬
‫‪85‬‬

‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫صلَّى اللَّوي‬ ‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍيو ىك ىسلَّ ىم يى ٍسأىليو ىف ىع ٍن عبى ىادة النً ّْ‬
‫َّيب ى‬ ‫البخارم أف ثبلثة رىط جاءكا إً ىذل بػيييوت أ ٍىزىك ًاج النً ّْ‬
‫َّيب ى‬
‫َّـ ًم ٍن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍيو ىك ىسلَّ ىم قى ٍد غيفىر لىوي ىما تىػ ىقد ى‬ ‫يخًربيكا ىكأىنػ يَّه ٍم تىػ ىقالُّ ى‬
‫وىا فىػ ىقاليوا ىكأىيٍ ىن ىٍ‪٨‬ت ين م ٍن النً ّْ‬
‫َّيب ى‬ ‫ىعلىٍيو ىك ىسلَّ ىم فىػلى َّما أ ٍ‬
‫آخ ير أىنىا‬ ‫َّىىر ىكىال أيفٍ ًط ير ىكقى ى‬
‫اؿ ى‬ ‫وـ الد ٍ‬ ‫آخ ير أىنىا أ ي‬
‫ىص ي‬ ‫اؿ ى‬ ‫ىح يد يى ٍم أ َّىما أىنىا فىًإ ّْين أ ى‬
‫يصلّْي اللٍَّي ىل أىبى ندا ىكقى ى‬ ‫اؿ أ ى‬ ‫ذىنٍبً ًو ىكىما تىأ َّ‬
‫ىخىر قى ى‬
‫َّ ً‬ ‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم إًلىٍي ًه ٍم فىػ ىق ى‬ ‫أ ٍىعتى ًزيؿ النّْساء فى ىبل أىتىػزَّكج أىب ندا فىجاء رس ي ً‬
‫اؿ أىنٍػتي ٍم الذ ى‬
‫ين قػي ٍلتي ٍم ىك ىذا ىكىك ىذا أ ىىما‬ ‫وؿ اللَّو ى‬ ‫ى ي ى ى ى ىي‬ ‫ىى‬
‫ً‬ ‫وـ ىكأيفٍ ًطر ىكأ ى ّْ‬ ‫ً‬ ‫ًً‬ ‫ً‬
‫ب ىع ٍن‬ ‫يصلي ىكأ ٍىرقي يد ىكأىتىػىزَّك يج الن ى‬
‫ّْساءى فى ىم ٍن ىرغ ى‬ ‫ي‬ ‫ىص ي‬ ‫ىكاللَّو إً ّْين ىأل ٍ‬
‫ىخ ىشا يك ٍم للَّو ىكأىتٍػ ىقا يك ٍم لىوي لىك ٍّْت أ ي‬
‫س ًم ٍّْت "‪( .‬ا‪ٟ‬تديث ‪ ،‬البخارم‪ ،‬كتاب النكاح‪:‬جّ ‪ .)ُْٗٗ# :‬كقد ركل أبوداكد كغَته عن‬ ‫ً‬
‫يسنَّيت فىػلىٍي ى‬
‫رسوؿ ا﵁ قاؿ ‪:‬أحبب حبيبك ىونان ما عسى أف يكوف بغيضك يومان مان‪ ،‬كأبغض بغيضك ىونان ما عسى أف‬

‫يكوف حبيبك يومان مان " (ا‪ٟ‬تديث‪ ،‬سنن الًتمذم‪ ،‬كتاب الرب كالصلة ‪:‬ج ْ‪ )ُٕٗٗ# :‬أم حبان مقتصدان ال‬

‫إفراط فيو ‪ ،‬كلفظ ما للتقليل (عسى أف يكوف بغيضك يومان ما ) قاؿ ا‪١‬تناكم يف شرح ا‪ٞ‬تامع الصغَت‪:‬إذ رٔتا‬

‫انقلب ذلك بتغى َُّت الزماف كاألىحواؿ بيغضان فبل تكوف قد أسرفت يف حبو فتندـ عليو إ ٍذ أبغضتو ‪،‬أك يحبان فبل‬

‫تكوف قد أسرفت يف بيغضو فتتستحيي منو إذ أحببتو ‪ ،‬كلذلك قاؿ الشاعر ‪:‬‬

‫فىهونك يف حب كبغيض فرٔتا ‪...‬بدا صاحب من جانب دكف جانب ‪( .‬ا‪ٟ‬تديث‪ٖ ،‬تفة األحوذم شرح سنن‬

‫الًتمذم‪ ،‬كتاب الرب كالصلة ‪:‬ج ٔ ‪ .)ُٕٗٗ# :‬كالفهم ا‪١‬تتطرؼ للدين جعل الكثَت من ا‪١‬تتحمسُت‬

‫ا‪١‬تسلمُت ‪٬‬تنحوف للعنف يف التعبَت عن فهمهم ‪ .‬كيف ا‪١‬تقابل التطرؼ يف مواجهة ىؤالء ا‪١‬تتحمسُت تسبَّب‬

‫يف زيادة ا‪١‬تشكلة كتفاقمها حىت أصبحت آّتمعات اإلسبلمية تعيش مرحلة من أخطر مراحلها كتواجو‬

‫التطرؼ كالتطرؼ ا‪١‬تضاد يف بلداهنا ‪ .‬كالتطرؼ الذم ٖتوؿ إذل منهج عنيف ٘تثَّل بعدـ قبوؿ اآلخر كا‪ٞ‬تنوح‬

‫لبلنتقاـ كالقتل كالتفجَتات كاالغتياالت‪ ،‬ككل ذلك ناتج عن فهم خاطئ لطبيعة أحكاـ اإلسبلـ ‪ .‬ك٭تسن‬
‫‪86‬‬

‫اإلشارة ىنا إذل منهج اإلسبلـ الوسطي حيث أف الصورة ا‪١‬تتطرفة اليت انطبعت يف أذىاف البعض عن اإلسبلـ‬

‫إ‪٪‬تا تكوف نتيجة ا‪ٞ‬تهل بالصورة ا‪١‬تشرقة ‪١‬تنهج الوسطية يف اإلسبلـ ‪.‬‬

‫من مظاىر الوسطية في اإلسالم ‪:‬‬

‫ا‪ٟ‬تديث عن الوسطية ليس ‪٣‬ترد كبلـ ال يستند إذل أدلة كال ‪٦‬تارسات ‪ ،‬بل ىو حديث عن قضية تيعد أساسية‬

‫يف اإلسبلـ كإحدل ‪٦‬تيزات ىذا الدين العظ يم كىذه األمة الراشدة ‪ ،‬فلن يكوف لؤلمة دكر يف توجيو البشرية‬

‫ما دل يكن ا‪١‬تنهج الوسطي يف حياهتا قوالن ك‪٦‬تارسة ‪ ،‬قاؿ تعاذل ‪ ﴿:‬وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا‬

‫شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ﴾( القرآف ‪ .‬البقرة ِ‪ .)ُّْ:‬كلن تكوف ىذه األمة‬

‫شاىدة على غَتىا من األمم ما دل تقم بنشر قيم الوسطية كالتسامح بُت الناس كاستيعاب الناس بكل‬

‫تنوعاهتم كمشارّٔم كلغاهتم كثقافاهتم ‪ .‬يقوؿ سيد قطب ر‪ٛ‬تو ا﵁ كىو يفسر اآلية السابقة ‪ ﴿:‬وكذلك‬

‫جعلناكم أمة وسطاً﴾ ‪ :‬إهنا األمة الوسط بكل معاين الوسط ‪ ،‬سواء من الوساطة ٔتعٌت ا‪ٟ‬تيسن كالفضل‪ ،‬أك‬

‫من الوسط ٔتعناه ا‪١‬تادم ا‪ٟ‬تسي ‪ ،‬أمة كسطان يف التصور كاالعتقاد ‪ ...‬ال تغلو يف التجرد الركحي كال يف‬

‫االرتكاس ا‪١‬تادم ‪...‬إ‪٪‬تا تتبع الفطرة ا‪١‬تتمثلة بركح متلبس ّتسد ‪ .‬أمة كسطان يف التفكَت كالشعور ‪ ...‬ال ٕتمد‬

‫على ما عملت كتغلق منافذ التجربة كا‪١‬تعرفة كال تتبع كذلك كل ناعق ‪ .‬أمة كسطان يف التنظيم كالتنسيق فبل‬

‫تدع ا‪ٟ‬تياة كلها للمشاعر كالضمائر كال تدعها أيضان للتشريع أك التأديب ‪ ،‬فبل تكل الناس إذل كحي الوجداف‬

‫كال سوط السلطاف كلكن مزاج من ىذا كذاؾ ‪ .‬أمة كسطان يف ا‪١‬تكاف ‪ ..‬يف سرة األرض كيف أكسط بقاعها‬

‫‪.‬أمة كسطان يف الزماف تنهي عهد طفولة البشرية من قبلها كٖترس عهد الرشد العقلي من بعدىا كتقف يف‬

‫الوسط تنفض عن البشرية ما علق ّٔا من أكىاـ كخرافات من عهد طفولتها ‪ ،‬كتصدىا عن الفتنة بالعقل‬
‫‪87‬‬

‫كا‪٢‬تول ‪ ،‬كتزكاج بُت تراثها الركحي من عهود الرساالت ‪ ،‬كرصيدىا العقلي ا‪١‬تستمر يف النماء كتسَت ّٔا على‬

‫الصراط السوم بُت ىذا كذاؾ ‪ (.‬سيد قطب ‪.)ََِّ ،‬كللوسطية يف اإلسبلـ حسب القرضاكم(ََِٕ)‬

‫مظاىر متعددة ‪:‬يف العقيدة كالعبادات كالشعائر كالتشريع‪ ،‬ففي العقيدة ‪٧‬تد اإلسبلـ كسطان بُت ا‪٠‬ترافيُت‬

‫الذين يصدقوف بكل شيء كيؤمنوف بغَت برىاف كبُت ا‪١‬تبلحدة الذين ال يؤمنوف بإلو قط كالذين يعددكف اآل‪٢‬تة‬

‫حىت عبدكا األبقار كاألكثاف كاألحجار ! كىو كسط بُت الذين يقدسوف األنبياء كيرفعوهنم إذل درجة األلوىية‬

‫كبُت الذين كذبوىم كاهتموىم كصبوا عليهم كؤكس العذاب‪ ،‬قاؿ تعاذل ‪﴿:‬وقالت اليهود عُزير بن اهلل‬

‫وقالت النصارى المسيح بن اهلل ذلك قولهم بأفواىهم يضاىئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم اهلل‬

‫أنى يؤفكون﴾ (القرآف‪.‬التوبة ٗ‪ ، )َّ:‬قاؿ تعاذل ‪ ﴿ :‬وقالت اليهود عزير بن اهلل وقالت النصارى‬

‫المسيح بن اهلل يضاىئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم اهلل أنَّى يؤفكون ﴾ (القرآف ‪ .‬التوبة‬

‫ٗ‪.)َّ:‬كيف ‪٣‬تاؿ العبادات كالشعائر ‪٧‬تد اإلسبلـ كسطان بُت األدياف اليت ألغت العبادة كاقتصرت على‬

‫ا‪ٞ‬تانب األخبلقي اإلنساين كبُت األدياف اليت تفرض على أتباعها التفرغ للبعادة كاالنقطاع عن ا‪ٟ‬تياة كاإلنتاج‬

‫كالرىبانية ا‪١‬تسيحية ‪ .‬فاإلسبلـ يوازف بُت العبادة كاإلنتاج ‪ .‬كيف ‪٣‬تاؿ األخبلؽ ‪٧‬تد األسبلـ كسطان بُت غبلة‬

‫ا‪١‬تثاليُت الذين ٗتيلوا اإلنساف مبلكان كبُت غبلة الواقعيُت الذين حسبوه حيوانان أك كا‪ٟ‬تيواف ‪ ،‬فاإلنساف يف نظر‬

‫اإلسبلـ ‪٥‬تلوؽ مركب فيو العقل كفيو الشهوة ‪ ،‬فيو غريزة ا‪ٟ‬تيواف كركحانية ا‪١‬تبلؾ ‪.‬كاإلسبلـ كسط يف النظرة‬

‫إذل ا‪ٟ‬تياة بُت الذين أنكركا اآلخرة كاعتربكا ا‪ٟ‬تياة الدنيا ىي البداية كالنهاية‪ ،‬كبُت الذين رفضوا ىذه ا‪ٟ‬تياة‬

‫كألغوا اعتبارىا من كجودىم كاعتربكىا شران ٕتب مقاكمتو كالفرار منو‪ ،‬فحرموا على أنفسهم طيباهتا كزينتها ‪.‬كيف‬

‫‪٣‬تاؿ التشريع ‪٧‬تد اإلسبلـ كسطان يف التحليل كالتحرًن بُت اليهودية اليت أسرفت يف التحرًن كبُت ا‪١‬تسيحية اليت‬
‫‪88‬‬

‫أسرفت يف اإلباحة حىت أحلَّت األشياء ا‪١‬تنصوص على ٖترٯتها يف التوراة ‪ ،‬قاؿ تعاذل ‪ ﴿ :‬يحل لهم‬

‫الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرىم واألغالل التي كانت عليهم ﴾ ( البقرة‪.‬األعراؼ‬

‫ٕ‪ .)ُٕٓ:‬كمن ا‪١‬تظاىر الفريدة يف كسطية اإلسبلـ أنو كازف بُت الفردية كا‪ٞ‬تماعية ‪ ،‬كجعل لكل من الفرد‬

‫كا‪ٞ‬تماعة ‪٣‬تاالن يتحرؾ فيو ٔتا يؤدم إذل التكامل كعدـ ظغياف أحد‪٫‬تا على اآلخر‪.‬كمن مظاىر الوسطية يف‬

‫التشريع اإلسبلمي ا‪١‬تركنة ‪ ،‬فالفقو يف الشريعة يستوعب مقتضيات العصر كا‪ٟ‬تاجات ا‪١‬تستجدة بعيدان عن‬

‫ا‪ٞ‬تمود ‪ .‬كما أف الشريعة اإلسبلمية ىي أ‪٧‬تح الشرائع يف التوازف بُت ما ىو ركحي كما ىو مادم ؛ ‪١‬تعرفتها‬

‫ْتقيقة اإلنساف أنو ركح كجسد ‪ ،‬قاؿ تعاذل ‪ ﴿ :‬فإذا سويتو ونفخت فيو من روحي فقعوا لو ساجدين ﴾‬

‫(القرآف ‪ .‬ا‪ٟ‬تجر ُٓ‪ ) ِٗ:‬فالشريعة اىتمت بالركح اليت ىي سر التكرًن فشرعت العبادات كتبلكة القرآف‬

‫كالتزكية كغَتىا ‪ ،‬قاؿ تعاذل ‪ ﴿ :‬قد أفلح من زكاىا وقد خاب من دساىا ﴾ ( القرآف ‪ .‬الشمس ُٗ‪)َُ:‬‬

‫كاىتمت الشريعة با‪ٞ‬تسد فقاؿ صلى ا﵁ عليو كسلم ‪ ":‬ا‪١‬تؤمن القوم خَت كأحب إذل ا﵁ من ا‪١‬تؤمن الضعيف‬

‫كجو النيب صلى ا﵁ عليو كسلم عبدا﵁ بن عمرك‬


‫" (ا‪ٟ‬تديث ‪ ،‬مسلم ‪ ،‬كتاب القدر‪:‬جْ ‪ ،)ِْٔٔ#‬كقد َّ‬

‫بن العاص رضي ا﵁ عنهما بالتوسط يف العبادة فقاؿ عبدا﵁ بن عمرك بن العاص ‪ :‬قاؿ رل رسوؿ ا﵁ صلى‬

‫ا﵁ عليو كسلم ‪ ":‬ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل فقلت ‪ :‬بلى يا رسول اهلل ‪.‬قال ‪ :‬فال تفعل‬

‫صم وأفطر وقم ونَم فإن لجسدك عليك حقاً ولعينك عليك حقاً وإن لزوجك عليك حقاً وإن لزورك‬
‫ُ‬

‫عليك حقاً " (ا‪ٟ‬تديث ‪.‬البخارم ‪ ،‬كتاب الصوـ ‪ :‬ج ِ‪ . )ُْٖٕ #‬كمن مظاىر كسطية اإلسبلـ الرخص‬

‫ألصحاب االعذار كإباحة ا‪١‬تيتة للمضطر كالفطر يف رمضاف للمسافر‪ ،‬كسائر األحكاـ اليت ترفع ا‪١‬تشقة‬

‫من َح َرج ﴾ ( القرآف ‪ .‬ا‪١‬تائدة‬


‫كٕتلب التيسَت ‪ ،‬قاؿ تعاذل ‪ ﴿ :‬ما يريد اهلل ليجعل عليكم في الدين ْ‬
‫‪89‬‬

‫ٓ‪ )ٔ:‬فبل إعنات يف تكاليف الشرع ‪ .‬كمن التيسَت على ا‪١‬تسافر ‪ -‬إذل جانب الرخصة يف الفطر حاؿ السفر‬

‫‪ -‬قصر الصبلة ‪ ،‬ككذلك شرع ا﵁ التيمم حاؿ انعداـ ا‪١‬تاء أك حاؿ ا‪١‬ترض‪ ،‬قاؿ تعاذل ‪ ﴿ :‬وإن كنتم‬

‫ماء فتيمموا صعيداً‬


‫مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو المستم النساء فلم تجدوا ً‬
‫طيباً فامسحوا بوجوىكم وأيديكم إن اهلل كان عفواً غفوراً ﴾ ( القرآف ‪ .‬النساء ْ‪ ، )ّْ:‬بل إف ا﵁ تعاذل‬

‫٭تب من ا‪١‬تسلم أف يأخذ بالرخص كما يأخذ بالعزٯتة سواء بسواء ‪ ،‬قاؿ عليو الصبلة كالسبلـ ‪ ":‬إف ا﵁‬

‫جُ‪#‬‬ ‫٭تب أف تؤتى يرخصو كما يكره أف تيؤتىى معصيتو" (ا‪ٟ‬تديث‪ ،‬أ‪ٛ‬تد ‪،‬مسند ا‪١‬تكثرين من الصحابة ‪:‬‬

‫ِّٖٓ ) ‪ .‬كل ما سبق يدؿ داللة كاضحة على أف اإلسبلـ ىو دين الوسطية كاالعتداؿ ‪ ،‬دين األخوة‬

‫كالتسامح ‪ ،‬دين ا‪ٟ‬تقوؽ كا‪ٟ‬تريات ‪ ،‬يعيش ا‪١‬تسلموف كغَتىم يف ظلو سعداء ‪ ،‬ال يعكر صفو ىذه ا‪ٟ‬تقيقة إال‬

‫‪٦‬تارسات بعض ا‪١‬تنتسبُت – زكران – إذل اإلسبلـ ‪٦‬تن ينقل صورة مغلوطة عن اإلسبلـ‪ ،‬سواء بأقوالو كخطبو أك‬

‫كأطركحاتو‪ ،‬ينكر كل جديد‪ ،‬كينبذ التعايش مع اآلخرين‪ ،‬كيبٍت حياتو على أساس الصراع كالعنف ‪ .‬أمثاؿ‬

‫ىؤاالء يصوركف اإلسبلـ على أنو دين اإلرىاب كالتخلف ‪ ،‬كبسلوؾ البعض من ا‪١‬تسلمُت ينفر اآلخركف من‬

‫تصور‬
‫اإلسبلـ كتنطبع يف أذىاهنم صورة مشوىة عن أحكامو ‪.‬بسبب ا‪١‬تمارسات ا‪٠‬تاطئة لبعض ا‪١‬تسلمُت َّ‬

‫البعض بأف الدين اإلسبلمي رجعي ال يؤمن إال با‪١‬توت ‪ ،‬كال يؤمن ْتقوؽ كال حريات ‪ ،‬كال يؤمن ٔتدنية كال‬

‫بالرام كالرأم اآلخر ‪ ،‬لذا فهو يف نظر البعض غَت صاحل ‪ٟ‬تكم حياة الناس اليوـ كغَت مؤىل لقيلجة البشرية‬

‫يف ا‪١‬تستقبل ‪ .‬كبالرغم من أف الغالبية العظمى من ا‪١‬تسلمُت تنتهج الوسطية يف حياهتا كتفهم اإلسبلـ‬

‫ببساطتو ك‪ٝ‬تاحتو إال أننا ال ‪٧‬تد الصورة موجهة إال لؤلقلية ا‪١‬تتخلفة اليت تنتهج العنف كتكفر بكل جديد‬

‫‪.‬منهج اإلسبلـ كاضح يف نصوصو كأحكامو أما تصرفات بعض ا‪١‬تسلمُت فهي ال تيعرب يف ا‪ٟ‬تقيقة إالعنهم ‪.‬‬
‫‪90‬‬

‫ِ‪ -‬التعصب (العصبية ) ‪:‬‬

‫صب لًزًميلً ًو أىماـ أ ٍىع ىدائًًو ‪ :‬كقىف ًيف جانًبً ًو منى ً‬


‫اصران لىوي بً ًشدَّةو ‪ ،‬تعصب‬ ‫ى ى ى ي‬ ‫المفهوم ‪ :‬جاء يف معجم ا‪١‬تعاين ‪ ،‬تىػ ىع َّ ى ى ى ى‬
‫للتعصب عبلقة لغوية بػ (العصبيٌة)‪ ،‬كمعناىا أف يدعو الرجل إذل نصرة (عيصبتو) ‪ :‬أم‬
‫القوـ عليهم ٕتمعوا ‪.‬ك ٌ‬
‫يتعصبوف لو كينصركنو‪ ،‬كالتألٌب معهم على من يناكئهم ظا‪١‬تُت كانوا أك مظلومُت‪.‬‬
‫قرابتو من جهة أبيو الذين ٌ‬

‫أىمية القضية ‪:‬‬

‫ا‪ٟ‬تديث عن التعصب ليس جديدان‪ ،‬كإ‪٪‬تا ا‪ٞ‬تديد ىو بعض ا‪١‬تظاىر ا‪١‬تعاصرة اليت ظهرت اليوـ من التعصب‬

‫للجماعات أك األحزاب أك التشكيبلت آّتمعية ا‪١‬تختلفة كالقومية كالعرقية كغَتىا ‪ .‬كلذا فإنو من األ‪٫‬تية‬

‫ٔتكاف أف يتعلم أبناؤنا التسامح كالقبوؿ باآلخر ناىيك عن القبوؿ ببعضهم البعض‪ ،‬كيتعرفوا على موقف‬

‫اإلسبلـ من التعصب بكافة أشكالو كصوره ا‪ٟ‬تديثة كالقدٯتة ‪ .‬كالكتاب ا‪١‬تدرسي ىو خَت الوسائل لتعليم‬

‫األبناء قيم اإلسبلـ العظيمة ك‪٤‬تاربة كل الظواىر السلبية كالغريبة عن ا‪١‬تنهج اإلسبلمي ‪.‬‬

‫نظرة الشريعة ‪:‬‬

‫جادة الصواب بعد ما تعرضت لو من ا‪٨‬تراؼ كبَت ىعصف ٔتعظم‬


‫اإلسبلـ دين عا‪١‬تي جاء ليعيد البشرية إذل ٌ‬

‫القيم اإلنسانية اليت جاء ّٔا األنبياء عرب التاريخ البشرم ‪ .‬كعندما بعث ا﵁ نبيو ‪٤‬تمد صلى ا﵁ عليو كسلم‬

‫كاف العرب أ‪٪‬توذجان يعكس ما ٘تر بو البشرية من كوارث قيمية‪ ،‬كمن أىم تلك الكوارث كارثة التعصب‬

‫كالعصبية ‪ .‬التعصب لؤلشخاص من اآلباء كاألجداد أك األقرباء كالتعصب للقبيلة كالوطن‪ ،‬كالتعصب للعبادة‬

‫كا‪١‬تعتقد كالتعصب للفكرة كالرأم كالتعصب للنوف أك اللغة‪ ،‬كالتعصب للدـ أك النسب ‪ .‬ىذا التعصب الذم‬
‫‪91‬‬

‫أشعل ا‪ٟ‬تركب كمزؽ النسيج االجتماعي للمجتمعات كميَّز بُت الناس كأكجد الطبقات‪ .‬ىذا التعصب الذم‬

‫ىدـ ا‪ٟ‬تضارات كأكقع الظلم كأكقف اإلبداع ىو الذم حاربو اإلسبلـ بكل ما أكٌب من قوة فأعلن ا‪١‬تساكاة بُت‬

‫الناس لينسف بذلك أعىت ‪٦‬تالك الظلم اليت بينيت على أساس العًرؽ أك الدـ أك النسب ‪ ،‬حيث قاؿ تعاذل ‪:‬‬

‫﴿ يا الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عنداهلل أتقاكم ﴾‬

‫(القرآف ‪.‬ا‪ٟ‬تجرات ْٗ‪ . ) ُّ:‬فكل الناس ينتسبوف آلدـ كحواء عليهما السبلـ فبل فضل ألحد على أحد‬

‫تنوع القبائل ىو التعارؼ أما األفضلية فبل تكوف إال بالتقول‬


‫بسبب النسب فالنسب كاحد ‪ ،‬كأساس ُّ‬

‫كالتقول ال ينتج عنها إال التواضع كا‪ٟ‬تب كاإلخاء كالعمل الصاحل‪ .‬كيذكر ا﵁ تعاذل الناس أف يوـ القيامة ال‬

‫ٯتكن أف يشفع لئلنساف ما يزعم من نسب رفيع يتباىى بو يف الدنيا‪ ،‬كال ينفعو إال ما قدـ من عمل صاحل ‪،‬‬

‫قاؿ تعاذل ‪ ﴿ :‬فإذا نفخ في الصور فال أنساب بينهم يومئذ وال يتساءلون ﴾ (القرآف ‪ .‬ا‪١‬تؤمنوف‬

‫ِّ‪ . ) َُُ:‬كقد حرص النيب صلى ا﵁ عليو كسلم من أكؿ أياـ الدعوة أف ‪٬‬تمع كل من آمن على أساس‬

‫التقول‪ ،‬فبل فرؽ بُت أيب بكر القرشي كبُت ببلؿ ا‪ٟ‬تبشي إال بالتقول ‪ ،‬كال تقدًن ‪ٟ‬تمزة ا‪٢‬تامشي على سلماف‬

‫الفارسي إال بالتقول‪ .‬كقد مثلت ‪٦‬تارسات النيب صلى ا﵁ عليو كسلم منهجان عمليان ‪٣‬تسدان ‪١‬تعاين السماحة‬

‫كنبذ التعصب ‪ ،‬فقد قاـ عليو الصبلة كالسبلـ بتزكيج زينب بنت جحش ا‪٢‬تامشية لزيد بن حارثة مواله ‪.‬‬

‫كاختار ببلالن ا‪ٟ‬تبشي مؤذنان لو كأخذ برأم سلماف الفارسي يف كاحدة من أىم ا‪١‬تعارؾ يف اإلسبلـ – غزكة‬

‫األحزاب – كعقد اللواء ألسامة بن زيد لقيادة جيش فيو أبو بكر كعمر ككبار أصحابو رضواف ا﵁ عليهم ‪.‬‬

‫عَت ببلؿ بن رباح بأمو ‪ ":‬إنك امرٌؤ فيك جاىلية ‪( "..‬ا‪ٟ‬تديث‪ ،‬البخارم ‪،‬كتاب‬
‫كقاؿ أليب ذر عندما َّ‬

‫اإلٯتاف‪:‬باب ا‪١‬تعاصي من أمر ا‪ٞ‬تاىلية جُ‪ ، )َّ #‬كيف شعائر اإلسبلـ ما يذيب كل نوازع العصبية‬
‫‪92‬‬

‫كالتفاخر كالتعارل على اآلخرين‪ ،‬فالناس ‪ٚ‬تيعان يقفوف صفوفان يف الصبلة ‪ :‬الفقَت كالغٍت ‪ ،‬القرشي كا‪ٟ‬تبشي ‪،‬‬

‫ا‪١‬تهاجر كاألنصارم ‪.‬كيف ا‪ٟ‬تج ال توجد مشاعر خاصة ببعض الناس دكف اآلخرين كما كاف أياـ قريش حيث‬

‫دل تكن تفيض من عرفات كما يفيض الناس ‪ ،‬فقد كانوا يقفوف يف ا‪١‬تزدلفة ترفعان منهم عن أف يفيضوا مع‬

‫الناس‪ ،‬فقاؿ تعاذل ‪ ﴿ :‬ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ‪( ﴾..‬القرآف ‪ .‬البقرة ِ‪ ( )ُٗٗ:‬ا‪ٞ‬تبللُت ‪،‬‬

‫ُٕٖٗص ُّ ) ‪ .‬كالزكاة يؤديها كل من ملك النصاب كال فرؽ بُت الناس ‪ ،‬كىكذا فكل فرائض اإلسبلـ‬

‫كأركانو ٕتعل ا‪١‬تسلم على مسافة بعيدة من التعصب بسبب النسب أك القبيلة أك غَت ذلك ‪ .‬كعندما شعر‬

‫اليهود يف ا‪١‬تدينة ٓتطورة أف تذكب معاين العصبية يف صف ا‪١‬تسلمُت يف ا‪١‬تدينة كبالتحديد بُت األكس كا‪٠‬تزرج‬

‫الذين كانوا يف حالة عداء كصداـ أرادكا أف يعيدكا معاين التعصب إليهم بتذكَتىم ْترب بعاث ‪ ،‬فقاؿ النيب‬

‫صلى ا﵁ عليو كسلم لؤلكس كا‪٠‬تزرج ‪ " :‬أبدعوى الجاىلية وأنا بين ظهرانيكم ‪ " ...‬كنزؿ قوؿ ا﵁ تعاذل ‪:‬‬

‫﴿واعتصموا بحبل اهلل جميعاً وال تفرقوا ‪ (﴾ ...‬الشوكاين‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬صُّٓ)‪ .‬كبسبب التعصب‬

‫تظل الفجوة كبَتة بُت األفراد كبعضهم البعض كبُت ا‪ٞ‬تماعات كبعضها ببعض ‪ ،‬كيظل التمسك بالرأم ىو‬

‫سيد ا‪١‬توقف ‪ ،‬كيف ظل التعصب تنشأ األحقاد كتتنافر القلوب كييعطَّل العقل كا‪١‬تنطق ‪ ،‬كيستعيد ا‪١‬تتعصب‬

‫الشعار ٔتعناه ا‪ٞ‬تاىلي " انصر أخاؾ ظا‪١‬تان أك مظلومان" قوتو يف دنيا ا‪١‬تتعصبُت‪.‬‬

‫دعوة اإلسبلـ ظهرت يف قوـ كانت العصبية يف أكج قوهتا ‪ ،‬كالعصبية تتخذ صوران متعددة فقد تكوف عصبية‬

‫للنسب أك القبيلة أك الدـ ‪ ،‬كقد تكوف عصبية القرابة أك اللغة أك العرؽ ‪ .‬كيف زماننا ىذا قد تضاؼ إذل ىذه‬

‫الصور صور كثَتة أبرزىا التعصب إذل ا‪ٟ‬تزب أك الطائفة أك ا‪١‬تذىب ‪ .‬كىذا التعصب يقود إذل ا‪١‬تناصرة كبناء‬

‫ا‪١‬تواقف كإعبلف الوالء أك الرباء يف ا‪ٟ‬تق أك الباطل ‪ .‬كعندما بعث ا﵁ نبيو ‪٤‬تمد صلى ا﵁ عليو كسلم با‪٢‬تدل‬
‫‪93‬‬

‫كدين ا‪ٟ‬تق كاف من أكرب ا‪١‬تشكبلت اليت كاجهها عليو السبلـ قضية العصبية ‪ ،‬كٔتنهجو ا‪ٟ‬تكيم بدأ النيب عليو‬

‫الصبلة كالسبلـ بًتسيخ معاين األخوة بُت ا‪١‬تؤمنُت على اختبلؼ أنسأّم كقبائلهم ‪ ،‬فتتنزؿ اآليات ﴿ إنما‬

‫المؤمنون إخوة ﴾ (القرآف ‪ .‬ا‪ٟ‬تجرات َُ‪ .)ْٗ:‬كييآخي النيب عليو الصبلة كالسبلـ بُت ا‪١‬تهاجرين كاألنصار‬

‫من ا﵁ على ا‪١‬تومنُت بنعمة األخوة فقاؿ سبحانو كتعاذل ‪﴿:‬وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في‬
‫‪ .‬كقد َّ‬

‫ولكن اهلل ألَّف بينهم إنو عزيز حكيم﴾( القرآف األنفاؿ ٖ‪، )ّٔ:‬‬
‫األرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم َّ‬

‫كىذه اآلية تصف استحالة اجتماع قلوب العرب بغَت دعوة اإلسبلـ ‪١‬تا كاف يوجد بينها من تنافر كاختبلؼ‬

‫كعصبيات ‪ .‬لقد كقعت ا‪١‬تعجزة اليت ال يقدر عليها إال ا﵁ ‪ ،‬كاليت ال تصنعها إال ىذه العقيدة فاستحالت‬

‫ىذه القلوب النافرة إذل ىذه الكتلة ا‪١‬تًتاصة ا‪١‬تتآخية الذلوؿ بعضها لبعض ‪ ،‬ا﵀ب بعضها لبعض ا‪١‬تتآلف‬

‫بعضها مع بعض ّٔذا ا‪١‬تستول الذم دل يعرفو التاريخ بعد ما كاف بينهم يف ا‪ٞ‬تاىلية من الثأرات كالدماء‬

‫كا‪١‬تنازعات ما يستحيل معو االلتئاـ فضبلن على ىذا اإلخاء الذم دل تعرؼ لو األرض نظَتان كال شبيها ( سيد‬

‫قطب ‪ََِّ ،‬ـ)‪ .‬فكانت تشريعات اإلسبلـ كفيلة بإذابة العبلقات القائمة على العصبية كصهرىا يف‬

‫بوتقة اإلسبلـ ‪ ،‬كعندما كانت تظهر بعض القضايا اليت رٔتا تعمل على إثارة نعرات ا‪ٞ‬تاىلية كاف يتصدل ‪٢‬تا‬

‫كيعا‪ٞ‬تها بشكل سريع ‪ ،‬فعندما استدعى األكس كا‪٠‬تزرج خبلفاهتم القدٯتة كتذكركىا بفعل أحد اليهود‬

‫كتواعدكا على القتاؿ جاءىم النيب صلى ا﵁ عليو كسلم فنزؿ قوؿ ا﵁ تعاذل ‪ ﴿ :‬واعتصموا بحبل اهلل جميعاً‬

‫أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمتو إخواناً ﴾‬


‫ً‬ ‫وال تفرقوا واذكروا نعمة اهلل عليكم إذ كنتم‬

‫( القرآف‪ .‬آؿ عمرافّ‪ (. )َُّ:‬ابن ‪ ،‬كثَت‪ ،‬مرجع سابق ) كقاؿ عليو الصبلة كالسبلـ عن ا‪ٞ‬تاىلية‬

‫جْ‪#‬‬ ‫‪":‬دعوىا فإنها منتنة ‪( " ..‬ا‪ٟ‬تديث‪ ،‬الًتمذم ‪،‬كتاب تفسَت القرآف‪:‬باب كمن سورة ا‪١‬تناافقُت‬
‫‪94‬‬

‫ُّّٓ ) كيف البخارم ‪ ":‬ما باؿ دعول ا‪ٞ‬تاىلية " (ا‪ٟ‬تديث‪ ،‬البخارم ‪،‬كتاب ا‪١‬تناقب‪:‬باب ما ينهى من‬

‫دعول ا‪ٞ‬تاىلية جِ‪ )َّّّ #‬كزكج النيب صلى ا﵁ عليو كسلم زينب بنت جحش بزيد بن حارثة ليكوف‬

‫دليبلن عمليان على نبذ العنصرية كالطائفية القائمة على اعتقاد شرؼ نسب طائفة من الناس على حساب‬

‫غَتىا ‪ ،‬حيث كاف ال ٯتكن أف يقع مثل ىذا الزكاج يف أم حاؿ من األحواؿ ‪،‬جاء يف ابن كثَت عند تفسَته‬

‫لقولو تعاذل ‪ ﴿:‬وما كان لمؤمن وال مؤمنة إذا قضى اهلل ورسولو أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرىم ومن‬

‫يعص اهلل ورسولو فقد ضل ضالالً مبيناً ﴾(القرآف ‪ .‬األحزاب ّّ‪ ..)ّٔ:‬ىع ٍن اًبٍن ىعبَّاس ىر ًض ىي اللَّو ىعٍنػ يه ىما‬

‫صلَّى اللَّو ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم اًنٍطىلى ىق لًيى ٍخطيب‬


‫ىف ىر يسوؿ اللَّو ى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قىػ ٍولو تىػ ىع ىاذل " ىكىما ىكا ىف ل يم ٍؤًم ون ىكىال يم ٍؤًمنىة " ٍاآليىة ىك ىذل ى‬
‫ك أ َّ‬

‫ىس ًديَّة ىر ًض ىي اللَّو ىعٍنػ ىها فى ىخطىبىػ ىها‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫ىعلىى فىػتىاهي ىزيٍد بٍن ىحا ًرثىة ىرض ىي اللَّو ىعٍنوي فى ىد ىخ ىل ىعلىى ىزيٍػنىب بٍنت ىج ٍحش ٍاأل ى‬
‫ت يىا ىر يسوؿ اللَّو أ ىيؤ ىامر ًيف‬ ‫ًً ً‬ ‫ً‬ ‫ت لى ٍست بًنىاكً ىحتً ًو فىػ ىق ى‬
‫صلَّى اللَّو ىعلىٍيو ىك ىسلَّ ىم بػىلىى فىانٍكحيو قىالى ٍ‬
‫اؿ ىر يسوؿ اللَّو ى‬ ‫فىػ ىقالى ٍ‬

‫صلَّى اللَّو ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم " ىكىما ىكا ىف لً يم ٍؤًم ون ىكىال‬ ‫ًً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫نػى ٍفسي ؟ فىػبىػٍيػنى ىما ي‪٫‬تىا يػىتى ىح َّدثىاف أىنٍػىزىؿ اللَّو ىىذه ٍاآليىة ىعلىى ىر يسوؿ اللَّو ى‬
‫صلَّى اللَّو ىعلىٍي ًو‬ ‫ت قى ٍد ىر ًضيتو ًرل يىا ىر يسوؿ اللَّو ىمٍن ىك نحا قى ى‬
‫اؿ ىر يسوؿ اللَّو ى‬
‫ً‬
‫يم ٍؤمنىة إًذىا قى ى‬
‫ضى اللَّو ىكىر يسولو " ٍاآليىة قىالى ٍ‬

‫صلَّى اللَّو ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم قى ٍد أىنٍ ىك ٍحتو نػى ٍف ًسي ‪( "..‬ابن كثَت ‪ ،‬مرجع‬ ‫ً‬
‫ت إًذنا ىال أ ٍىعصي ىر يسوؿ اللَّو ى‬
‫ىك ىسلَّ ىم نػى ىع ٍم قىالى ٍ‬

‫سابق ‪ ،‬ج ٔص ُْٖ) كقاؿ عليو السبلـ ‪٥‬تاطبان قريش ‪":‬يا معشر قريش إن اهلل عزوجل قد أذىب‬

‫عنكم عُيّْ يَّة الجاىلية وفخرىا باآلباء مؤمن تقي وفاجر شقي أنتم بنو آدم وآدم من تراب ‪( "..‬ا‪ٟ‬تديث‪،‬‬

‫أبوداكد ‪،‬ابواب النوـ‪:‬باب يف التفاخر باألنساب جّ‪ )ُُٓٔ #‬كنزؿ قوؿ ا﵁ تعاذل‪﴿ :‬يا أيها الناس إنا‬

‫خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اهلل أتقاكم إن اهلل عليم‬

‫خبير﴾ ( القرآف‪ .‬ا‪ٟ‬تجرات ْٗ‪ )ُّ:‬ككانت ىذه اآلية فيصبلن بُت معايَت البشر القائمة على تفضيل بعض‬
‫‪95‬‬

‫الناس على بعض بناء على ا‪١‬تاؿ أك ا‪١‬تكانة االجتماعية أك غَتىا من االعتبارات البشرية كبُت معايَت اإلسبلـ‬

‫القائمة على أساس التقول ‪ ،‬فاختبلؼ الشعوب كالقبائل كاأللسنة كغَتىا ال تصلح ألف تكوف ىي معيار‬

‫التفاضل بُت الناس كإ‪٪‬تا ا‪١‬تعيار ا‪ٟ‬تقيقي للتفاضل بُت الناس ىو التقول ‪ ،‬كعند التعمق يف األمر ‪٧‬تد أف‬

‫التقول عمبلن قلبيان ال سلطاف ألحد غَت ا﵁ عليو كإ‪٪‬تا للبشر الظاىر فيما يبدك من اجتناب ا﵀رمات كعمل‬

‫الطاعات ‪٦‬تا ينعكس خَته على آّتمع فتسود ا﵀بة كاإلخاء كينتشر السبلـ فيصبح ا‪١‬تتقوف يف ىذه ا‪ٟ‬تالة‬

‫رجاؿ إصبلح كقدكات ح سنة يشَت الناس إليهم بالبناف كال يًتتب على التقول استعباد البشر لبعضهم‬

‫البعض بقدر ما يًتتب عليها خدمة الناس كاحًتاـ بعضهم لبعض كزيادة األلفة كا‪٠‬تَت بينهم‪ ،‬كمن ىنا ندرؾ‬

‫إف تعدد الشعوب كالقبائل إ‪٪‬تا يكوف لغرض التعارؼ كالتآلف كليس لغرض ا‪١‬تفاخرة كالتفريق بُت الناس‬

‫فالناس ‪ٚ‬تيعان أبوىم كاحد كأمهم كاحدة ‪.‬كع ٌدؿ النيب صلى ا﵁ عليو كسلم من مفهوـ انصر أخاؾ ظا‪١‬تان أك‬

‫مظلومان فأصبح نصر األخ الظادل با‪ٟ‬تيلولة بينو كبُت الظلم ‪ ،‬ففي البخارم عن أنس رضي ا﵁ عنو قاؿ‪ :‬قاؿ‬

‫رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم ‪":‬انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً‪ ،‬فقال‪ :‬رجل يا رسول اهلل صلى اهلل عليو‬

‫وسلم أنصره إذا كان مظلوماً‪ ،‬أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟! قال‪ :‬تحجزه أو تمنعو من الظلم‪،‬‬

‫جِ‪#‬‬ ‫فإن ذلك نصره"‪( .‬ا‪ٟ‬تديث‪ ،‬البخارم ‪،‬كتاب ا‪١‬تظادل ‪:‬باب أعن أخاؾ ظا‪١‬تان أك مظلومان‬

‫ُُِّ)‪.‬كّٔذه النصوص ٭تسم اإلسبلـ موقفو من العصبية كالتعصب بنبذ كافة أشكا‪٢‬تا ‪ ،‬سواء كاف منشؤىا‬

‫االعتقاد بأفضلية النسب أك القبيلة أك اللغة أك الدين أك غَتىا من تصورات البشر ‪.‬‬

‫إف اإلسبلـ يعيد الناس إذل أصل كاحد ‪ ،‬كيتخاطب معو دكف تصنيف ‪ ،‬كعبادات اإلسبلـ تؤكد ا‪١‬تساكاة‬

‫فالدخوؿ يف اإلسبلـ بطريقة كاحدة للجميع كأحكاـ الصبلة كالزكاة كا‪ٟ‬تج كغَتىا شاملة للشريف كالوضيع‬
‫‪96‬‬

‫يف نظر الناس كال ٘تييز على أساس اللوف كالعرؽ كغَتىا ‪ .‬ك‪٢‬تذا فقد اعتنق اإلسبلـ أصناؼ من البشر‬

‫ٔتختلف ألواهنم كلغاهتم كأحسأّم كأنسأّم ‪.‬‬

‫ّ‪ -‬الثأر ‪:‬‬

‫آر كيقاؿ تىأ ٍىرتيك بكذا أىم أىدركت بو ثىأٍرم‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫ا‪١‬تفهوـ ‪ :‬لغة ‪ :‬الثَّأٍ ير الطلى ي‬
‫ب بالدَّـ‪ ،‬كقيل الدـ نفسو كا‪ٞ‬تمع أىثٍ ه‬

‫ت بفبلف إًذا قىػتىػ ٍل ى‬


‫ت قاتلو كثىأٍ يرىؾ‬ ‫ت بو إًذا طلبت قاتلو كالثائر ‪ ،‬ثىأ ٍىر ي‬
‫ت فبلنان كثىأ ٍىر ي‬ ‫ت فبلنان كاثَّأ ٍىر ي‬
‫منك‪ ،‬كيقاؿ ثىأ ٍىر ي‬

‫ت بو ثىأٍرم كأ ٍىد ىرٍك ي‬


‫ت ثػي ٍؤىرٌب ‪(.‬ابن منظور‪. ) ََِّ ،‬‬ ‫الرجل الذم أىصاب ‪ٛ‬تيمك كقاؿ الشاعر قىػتىػ ٍل ي‬

‫األىمية ‪:‬‬

‫قضية الثأر من القضايا القدٯتة ا‪ٟ‬تديثة ‪ ،‬فهي ال شك من ‪٥‬تلفات ا‪ٞ‬تاىلية كركاسبها ‪ ،‬كقد كاف الثأر كال‬

‫يزاؿ ٭تصد الكثَت من األركاح كيتسبب يف كثَت من االختبلالت ‪ .‬كالثأر ظاىرة ال تنتهي بقتل القاتل كإ‪٪‬تا‬

‫يتولد عنو ثأر جديد ناىيك كبعض القبائل ال يهتموف باالقتصاص من القاتل فهم يبحثوف عن القاتل أك من‬

‫تربطو بو عبلقة من أسرتو أك أفراد قبيلتو ‪ ،‬كأحيانان يبحث أكلياء ا‪١‬تقتوؿ عن أفضل الشخصيات ا‪١‬تؤثرة من‬

‫أقارب القاتل ليكوف ‪٢‬تم ىدفان حىت كإف دل يكن لو عبلقة بالقاتل كقد يكوف ىذا الشخص يعيش خارج إطار‬

‫القبيلة ‪ ،‬فاستهداؼ مثل ىذا الشخص يكوف لو األثر يف نشوء ثأر جديد ‪ ،‬كىكذا تظل ا‪ٟ‬تلقة متصلة ككل‬

‫ثأر يقود إذل ثأر جديد ‪ .‬كآثار الثأ ر ال تقتصر على األشخاص الذين تنشأ فيهم القضية كإ‪٪‬تا يتعدل ذلك‬

‫إذل إدخاؿ القلق كاالضطراب يف آّتمع ‪،‬كما أف األطفاؿ الذين ينشئوف أيتامان ينزعوف أيضان يف ا‪١‬تستقبل إذل‬

‫الثأر أك ما يسمى غسل العار حيث أف عدـ األخذ بالثأر ييعد يف نظر البعض عار ‪ .‬ك‪٦‬تا يفاقم من آثار ىذه‬

‫الظاىرة ا‪١‬تدمرة تواجد السبلح كإمكانية استخدامو لبلنتقاـ ‪ .‬ك‪٦‬تا يساعد يف انتشار الثأر ضعف القضاء‬

‫كغياب التوعية الدينية كاالجتماعية بأخطار الثأر كموقف الشرع الرافض لو ‪.‬‬
‫‪97‬‬

‫يف اليمن كحدىا تفيد منظمة شركاء اليمن الدكلية أف آالؼ األطفاؿ توقفوا عن الذىاب إذل ا‪١‬تدارس يف‬

‫ثبلث ‪٤‬تافظات خشية أف يتم استهدافهم بالقتل من أجل الثأر ‪ ،‬حيث ( ْٖٗٔ) أربعة آالؼ كستمائة‬

‫ك‪ٙ‬تاف كتسعوف شخصان يف ا‪ٞ‬توؼ كمأرب كشبوة تزىق أركاحهم ثأران حىت تاريخ َُ‪َُِْ/ٗ/‬ـ‪( .‬قائد‬

‫‪. )َُِْ،‬‬

‫نظرة الشريعة‪:‬‬

‫جاء اإلسبلـ ليحارب كثَتان من العادات السيئة اليت انتشرت يف آّتمع العريب خصوصان ‪ ،‬حيث كانت قضية‬

‫الثأر مشكلة معقدة يف آّتمع ا‪ٞ‬تاىلي الذم كاف بسبب ا‪ٟ‬تمية كالتعصب ٯتكن أف ييشعل حربان ٖتصد‬

‫الكثَت من األركاح‪ .‬كحرب اإلسبلـ للثأر ليس إىداران لدـ ا‪١‬تقتوؿ كإ‪٪‬تا لتنظيم القصاص كتنفيذه بشكل عادؿ‬

‫ال يتعدل القاتل ‪ ،‬كلذلك يقوؿ ا﵁ تعاذل ‪ ﴿:‬ولكم في القصاص حياة يا أولي األلباب لعلكم تتقون ﴾‬

‫( القرآف ‪ .‬البقرة ِ‪ )ُٕٗ:‬فالقصاص حياة للناس ‪ ،‬كبالقصاص يتقي الناس القتل فينتهوف عن القتل؛‬

‫كلذلك اختتمت اآلية بقولو تعاذل ‪﴿:‬لعلكم تتقوف﴾ (الطربم‪ . )ُْٗٗ ،‬كىنا ‪٧‬تد أف القصاص يستهدؼ‬

‫القاتل فتنتهي ا‪١‬تشكلة عندما يشعر أكلياء الدـ أف القاتل قد قيتل فتهدأ نفوسهم كترتاح ‪ ،‬بينما الثأر يفاقم‬

‫ا‪١‬تشكلة حيث أف القبيلة يف بعض األحياف تستنكف أف تقتل القاتل بل ال ترل فيو كفؤان لقتلو با‪١‬تقتوؿ‬

‫كتذىب لقتل الربمء من القبيلة األخرل‪ ،‬كىذا األمر ينكره اإلسبلـ ‪ ،‬حيث جاء يف القرآف الكرًن ‪:‬‬

‫﴿ وال تزر وازرةٌ وزر أخرى ﴾ (القرآف ‪.‬األنعاـ ٔ‪َّ )ُْٔ:‬‬


‫كحرـ اإلسبلـ ٖترٯتان قاطعان القتاؿ عصبية ألخذ‬

‫الثأر كغَته كتربأ النيب عليو الصبلة كالسبلـ من كل من قاتل ٖتت راية ا‪ٞ‬تاىلية فقاؿ ‪":‬ليس منَّا من دعا إلى‬

‫عصبية وليس منا من قاتل على عصبية ‪ ،‬وليس منا من مات على عصبية " (ا‪ٟ‬تديث‪ ،‬أبو داكد ‪،‬كتاب‬
‫‪98‬‬

‫األدب ‪:‬باب يف العصبية جّ‪ )ُُِٓ #‬كإف كاف يف ا‪ٟ‬تديث ضعف نص عليو األلباين يف ضعيف ا‪ٞ‬تامع (‬

‫األلباين ‪ .)ُٖٖٗ،‬لكن لو شواىد تعضده كٔتجموعها تفيد حرمة القتاؿ ٖتت راية عصبيىة جاىلية ‪.‬كيف‬

‫دم كا َن في الجاىليَّ ِة‬


‫كل ٍ‬ ‫خطبة حجة الوداع أسقط النيب عليو الصبلة كالسبلـ عادة الثأر فقاؿ ‪َّ ":‬‬
‫وإن َّ‬
‫رضعا في بني ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ليث‪،‬‬ ‫دم ربيعةَ ب ِن الحارث ب ِن عبد المطَّلب‪َ -‬وكا َن مستَ َ ً‬
‫أضع َ‬ ‫موضوعٌ‪َّ ،‬‬
‫وإن َّأو َل دمائكم ُ‬
‫ذيل‪ -‬فَهو َّأو ُل ما أبدأُ بِ ِو من ِ‬
‫دماء الجاىليَّ ِة"(ا‪ٟ‬تديث‪ ،‬الًتمذم‪،‬كتاب تفسَت القرآف ‪:‬باب كمن‬ ‫فقتل ْتوُ ُى ٍ‬
‫َ‬
‫اؿ‪ :‬يسئً ىل‬
‫األشعرم ‪ -‬رضي ا﵁ عنو ‪ -‬قى ى‬
‫ّْ‬ ‫قيس‬ ‫سورة التوبة جْ‪. )َّٖٕ #‬كيف حديث موسى ً‬
‫عبد ا﵁ً ب ًن و‬

‫‪ٛ‬تيَّةن‪ ،‬كيػ ىقاتًل ًرياء‪ ،‬أ ُّ ً‬


‫الرج ًل يقاتل ىشجاعةن‪ ،‬كيػ ىقاتًل ىً‬
‫ك يف‬
‫ىم ذل ى‬ ‫ي ي ىن‬ ‫رسوؿ ا﵁ ‪ -‬صلى ا﵁ عليو كسلم ‪ -‬ىع ًن َّ ي ي ي ى ى ي ي‬
‫ي‬

‫هو في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬


‫سبيل ا﵁؟ فقاؿ ىر يسوؿ ا﵁ ‪ -‬صلى ا﵁ عليو كسلم ‪َ « :-‬م ْن قَاتَ َل لتَكو َن َكل َمةُ اهلل ىي العُلْيَا‪ ،‬فَ َ‬
‫جِ‪#‬‬ ‫سبيل ِ‬
‫اهلل» ‪(.‬ا‪ٟ‬تديث‪ ،‬البخارم‪،‬كتاب ا‪ٞ‬تهاد كالسَت ‪:‬باب من قاتل لتكوف كلمة ا﵁ ىي العليا‬ ‫ِ‬

‫ِٓٓٔ) ‪.‬‬

‫ٗ‪ -‬الحرابة (قطع الطريق )‬

‫المفهوم ‪:‬‬

‫ىناؾ العديد من التعريفات للمصطلح ‪ ،‬كالباحث يضع التعريف اإلجرائي التارل ‪ :‬خركج فرد أك ‪٣‬تموعة‬

‫مسلحة يف ببلد ا‪١‬تسلمُت إلحداث الفوضى ‪ ،‬أك سفك الدماء ‪ ،‬أك سلب األمواؿ ‪ ،‬أك ىتك األعراض ‪،‬‬

‫كإحداث الفساد ‪ ،‬كبث الرعب بُت الناس على سبيل آّاىرة كا‪١‬تكابرة اعتمادان على القوة يف الرب أك البحر أك‬

‫ا‪ٞ‬تو ‪.‬‬
‫‪99‬‬

‫األىمية ‪:‬‬

‫قضية التقطعات من القضايا القدٯتة ‪ ،‬كيف العصر ا‪ٟ‬تديث أخذت ‪٣‬تاالت أخرل غَت اليت كانت مشهورة يف‬

‫القدًن من حيث حصر القضية بقطع الطريق الربم ‪ ،‬فاليوـ أخذت منحى أكرب حيث أصبحت التقطعات ال‬

‫تقتصر على الرب ‪ ،‬بل امتدت لتشمل البحر كا‪ٞ‬تو كحىت شبكة اإلنًتنت فيما يعرؼ بالقرصنة ‪ .‬كالضرر‬

‫متحقق سواء كاف ذلك مرتبطان بالتقطع يف األرض كهتديد حياة الناس كأموا‪٢‬تم كأعراضهم للخطر‪ ،‬أك التقطع‬

‫يف ا‪ٞ‬تو أك البح ر الذم ال ٮتتلف عن التقطع يف الرب إال رٔتا يف الوسائل ا‪١‬تستخدمة لتحقيق األىداؼ ‪.‬‬

‫كحضره‪.‬‬
‫كقضية التقطعات تضفي على حياة الناس ٗتوفات كبَتة فيصبح اإلنساف خائفان يف سفره ى‬
‫يعاين آّتمع اليمٍت أكثر من غَته من ظاىرة التقطعات يف الطريق‪ ،‬فكثَتان ما ‪٬‬تد ا‪١‬تسافركف أمامهم‬

‫‪٣‬تموعات مسلحة ٗتيف الناس كتيعرض حياهتم للخطر‪ ،‬خصوصان يف خطوط السفر الطويلة كا‪١‬تمتدة من‬

‫حدكد ا‪١‬تملكة العربية السعودية يف إتاه ا‪١‬تدف اليمنية ‪.‬‬

‫نظرة الشريعة ‪:‬‬

‫كاف للشريعة اإلسبلمية موقفان صارمان يف ىذه القضية ؛ ألف قطع الطريق فيو إرىاب للناس ‪ ،‬كإ‪ٟ‬تاؽ الضرر‬

‫بالناس جرٯتة كقف أمامها اإلسبلـ بشدة ككضع من ا‪ٟ‬تدكد ما يكفل ترىيب قطاع الطرؽ ككل من يعتدم‬

‫على الناس كٮتيفهم كيقطع مصا‪ٟ‬تهم ال لشيء إال ألف اإلسبلـ جاء ‪ٟ‬تفظ مصاحل الناس ْتفظ أنفسهم‬

‫كأموا‪٢‬تم كأعراضهم كعقو‪٢‬تم ككل ما يتعلق با‪ٟ‬تياة اآلمنة ا‪٢‬تادئة ‪.‬‬


‫‪100‬‬

‫كقيطَّاع الطريق يف نظر شريعة اإلسبلـ ‪٤‬تاربوف ‪ ،‬فهم ‪٤‬تاربوف ﵁ كللرسوؿ ‪ٟ‬ترّٔم ا‪١‬تسلمُت كسعيهم إذل‬

‫الفساد يف األرض ‪ .‬كاألصل يف ىذه القضية ىي قوؿ ا﵁ تعاذل ‪﴿:‬إنما جزاء الذين يحاربون اهلل ورسولو‬

‫ويسعون في األرض فساداً أن يُقتَّلوا أو يُصلبوا أو تُقطع أيديهم وأرجلهم من خالف أو ينفوا من‬

‫األرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في اآلخرة عذاب عظيم ﴾(القرآف ‪.‬ا‪١‬تائدة ٓ‪ . )ّّ:‬كمضموف‬

‫اآلية إباحة قتل ا‪١‬تفسد يف األرض‪ ،‬كمن أعظم الفساد يف األرض قصد قتل النفس ا﵀رمة فثبت بذلك أف‬

‫القاصد لقتل غَته ظلمان مستحق للقتل مبيح لدمو (ا‪ٞ‬تصاص‪ . )ُِٗٗ،‬كيذكر الكثَت من ا‪١‬تفسرين أف‬

‫سبب نزكؿ اآلية ىو قصة العرنيُت ‪ ،‬كمنهم اإلماـ الطربم ر‪ٛ‬تو ا﵁ (الطربم ‪ ،‬مرجع سابق ) فقد ركل األماـ‬

‫س ىر ًضي اللَّوي ىعٍنوي أ َّ‬


‫ىف نىاسان‬ ‫َّد ىح َّدثػىنىا ىٍ٭ت ىِت ىع ٍن يش ٍعبىةى ىح َّدثػىنىا قىػتى ىادةي ىع ٍن أىنى و‬
‫‪٤‬تمد بن إ‪ٝ‬تاعيل البخارم ىح َّدثػىنىا يم ىسد ه‬
‫ى‬
‫الص ىدقىًة فىػيى ٍشىربيوا ًم ٍن أىلٍبى ًاهنىا‬
‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم أى ٍف يىأٍتيوا إًبً ىل َّ‬ ‫ًمن عريػنىةى اجتىػوكا الٍم ًدينىةى فىػر َّخص ى‪٢‬تم رس ي ً‬
‫وؿ اللَّو ى‬ ‫ى ى يٍ ى ي‬ ‫ٍ يى ٍ ٍ ى ٍ ى‬
‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم فىأيًٌبى ًًّٔ ٍم فىػ ىقطَّ ىع أىيٍ ًديػى يه ٍم ىكأ ٍىر يجلى يه ٍم‬ ‫الذكد فىأىرسل رس ي ً‬ ‫كأىبػو ًا‪٢‬تا فىػ ىقتىػليوا َّ ً‬
‫وؿ اللَّو ى‬ ‫استىاقيوا َّ ٍ ى ٍ ى ى ى ي‬
‫الراع ىي ىك ٍ‬ ‫ى ٍى ى‬
‫ً‬ ‫ا‪ٟ‬تَّرًة يػعضُّو ىف ًٍ‬
‫ا‪ٟ‬ت ىج ىارىة تىابػى ىعوي أىبيو ق ىبلبىةى ىك ي‪ٛ‬تىٍي هد ىكثىابً ه‬
‫ت ىع ٍن أىنىس(ا‪ٟ‬تديث‪ ،‬البخارم‪،‬كتاب‬ ‫ً‬
‫ىك ى‪ٝ‬تىىر أ ٍىعييػنىػ يه ٍم ىكتىػىرىك يه ٍم ب ٍى ى ى‬
‫ا‪١‬تغازم جّ‪ )ُِْٗ #‬كيعترب ‪٤‬تاربان إذا ٖتققت فيو إحدل ا‪ٟ‬تاالت األربع التالية ‪ ،‬األكذل‪ :‬إذا خرج ألخذ‬

‫ا‪١‬تاؿ على سبيل ا‪١‬تغالبة فاخاؼ السبيل كدل يأخذ ماالن كدل يقتل أحدان ‪ ،‬كالثانية إذا خرج على سبيل ا‪١‬تغالبة‬

‫فأخذ ا‪١‬تاؿ كدل يقتل أحدان كا‪ٟ‬تالة الثالثة إذا خرج ألخذ ا‪١‬تاؿ فقتل كدل يأخذ ا‪١‬تاؿ كا‪ٟ‬تالة الرابعة إذا خرج على‬

‫سبيل ا‪١‬تغالبة فأخذ ا‪١‬تاؿ كقتل كٖتدث ا‪ٟ‬ترابة من فرد أك ‪ٚ‬تاعة معتمدين على القوة ‪ ،‬كالقوة عند مالك‬

‫كالشافعي كالظاىرية كالشيعة الزيدية ال تقتصر على السبلح فهم ال يشًتطوف السبلح بل ‪٣‬ترد كجود القوة بل‬

‫يكتفي مالك با‪١‬تخادعة دكف استخداـ القوة يف بعض األحواؿ كأف يستخدـ أعضاءه كاللكز كالضرب ّتمع‬
‫‪101‬‬

‫باشر الفعل أك تىسبَّب فيو رجاالن كانوا أك نساءن ‪ ،‬كسواء كقعت يف ا‪١‬تصر ‪،‬يف‬
‫الكف ‪ ،‬كيعترب ‪٤‬تاربان كل من ى‬

‫القرية أك ا‪١‬تدينة أك الصحراء ليبلن أك هناران ‪ ،‬كعقوبة ا﵀اربُت تكوف ْتسب حاالهتم‪ ،‬فإذا أخاؼ ا﵀ارب‬

‫السبيل ال غَت كدل يقتل فعلى رأم بعض العلماء تكوف العقوبة النفي لقولو تعاذل ‪ ﴿:‬أو يُنفوا من األرض﴾‬

‫كالنفي من األرض يكوف با‪ٟ‬تبس حىت تظهر توبة ا﵀ارب كينصلح حالو فيطلق سراحو ‪ .‬كا‪ٟ‬تالة الثانية فيما‬

‫إذا أخذ ا﵀ارب ا‪١‬تاؿ ال غَت كدل يقتل فَتل أبو حنيفة كالشافعي كأ‪ٛ‬تد كالزيدية أف ييقطع ا﵀ارب من خبلؼ‬

‫أم أف تقطع يده اليمٌت كرجلو اليسرل‪ ،‬كيف حالة القتل ال غَت دكف أخذ ماؿ فَتل أبو حنيفة كالشافعي‬

‫زركاية عن أ‪ٛ‬تد أف العقوبة ىي القتل حدان دكف صلب ‪ .‬كيف حالة إذا قتل ا﵀ارب كأخذ ا‪١‬تاؿ كانت العقوبة‬

‫القتل كالصلب عند الشافعي كأ‪ٛ‬تد كالشيعة الزيدية كال قطع عليو ‪ ،‬كتسقط العقوبة بالتوبة لقولو تعاذل‬

‫‪﴿:‬إال الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن اهلل غفور رحيم ﴾ فتوبة ا﵀ارب قبل قدرة اإلماـ‬

‫على الوصوؿ إليو تكوف يف الغالب توبة إخبلص كتوبة ا﵀ارب ال تيسقط عنو ا‪ٟ‬تدكد عن ا‪ٞ‬ترائم اليت ارتكبها‬

‫كالزنا مثبلن‪ ،‬كالقذؼ‪ ،‬كالشرب‪ ،‬كيسقط عنو حد السرقة ال غَتىا عند أيب حنيفة ‪ (.‬عودة ‪" .)َُٖٗ،‬كأما‬

‫كيفية الصلب فقد ركم عن أيب يوسف – ر‪ٛ‬تو ا﵁ – أنو ييصلب حيان ‪ٍ،‬ب ييطعن برمح حىت ٯتوت ‪ ،‬ككذا‬

‫ذكر الكرخي‪.‬كعن أيب عبيد أنو ييقتل ٍب يصلب ككذا ذكر الطحاكم ر‪ٛ‬تو ا﵁ ‪ ،‬ألف الصلب حيان من باب‬

‫ا‪١‬تثلة ‪ ،‬كقد هنى النيب صلى ا﵁ عليو كسلم عن ا‪١‬تثلة ‪ .‬كالصحيح األكؿ ؛ ألف الصلب يف ىذا الباب يشرع‬

‫للزيادة يف العقوبة تغليظان‪ ،‬كا‪١‬تيت ليس من أىل العقوبة ‪،‬كإلنو لو جاز أف ييقاؿ ‪ :‬ييصلب بعد ا‪١‬توت ‪ٞ ،‬تاز‬

‫أف ييقاؿ تيقطع يده كرجلو من خبلؼ بعد ا‪١‬توت كذلك بعيد فكذا ىذا كا‪١‬تراد با‪١‬تثلة يف ا‪ٟ‬تديث قطع بعض‬

‫ا‪ٞ‬توارح" ( الكاساين‪ُٖٗٔ،‬ـ) ‪.‬‬


‫‪102‬‬

‫كقد توصلت دراسة بعنواف "الصور ا‪١‬تعاصرة ‪ٞ‬ترٯتة ا‪ٟ‬ترابة " للباحث اللحيداف(َُُِ) إذل أف الكثَت من‬

‫الصور ا‪ٟ‬تديثة للجرائم تيعد من جرائم اإلفساد يف األرض كتطبق عليها عقوبة ا‪ٟ‬ترابة كمن ذلك القتل بنقل‬

‫األمراض ا‪١‬تستعصية مثل‪ :‬اإليدز‪ ،‬أكا‪ٞ‬تمرة ا‪٠‬تبيثة‪ ،‬أك ما يشأّو من جرائم‪ ،‬كا‪ٟ‬ترب النفسية‪ ،‬كإشاعة الفتنة‬

‫بُت ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬كا‪١‬تضاربة يف أسواؽ ا‪١‬تاؿ إليقاع الضرر بأصحاب ا‪١‬تاؿ‪ ،‬كجرائم السطو على البنوؾ كا﵀بلت‬

‫كا‪٠‬تزائن كا‪١‬تخازف‪ ،‬كتكوين عصابات متخصصة يف ىذا آّاؿ كما ينتج عنها من اإلرىاب كا‪٠‬تسائر اليت‬

‫تلحق باألفراد كآّتمع‪ ،‬كجرٯتة التحريض على الفجور كالبغاء‪،‬كما تيعد جرٯتة اإليقاع باألشخاص عن طريق‬

‫اإلنًتنت ك‪٦‬تارسة التهديد كاالبتزاز كالقرصنة سواء كانت اإللكًتكنية أك البحرية أك ا‪ٞ‬توية أيضان من جرائم‬

‫ا‪ٟ‬ترابة كاإلفساد يف األرض‪.‬‬

‫٘‪ -‬قتل النفس (االنتحار)‬

‫المفهوم‪:‬‬

‫جاء يف معجم اللغة العربية ا‪١‬تعاصر‪ :‬قياـ اإلنساف بقتل نفسو بوعيو أك بدكف كعي‪ ،‬أك ىو الفعل ا‪١‬تقصود‬

‫الركح عن سابق تصميم‪.‬‬


‫لقتل النفس أك زىق ُّ‬

‫األىمية ‪ :‬التغليظ يف اإلسبلـ من خطورة االنتحار من خبلؿ اآليات كاألحاديث اليت كردت يف ىذه القضية‬

‫‪٬‬تعل منها قضية ‪٤‬تل دراسة كٖتظى بأ‪٫‬تية كبَتة ‪ ،‬ناىيك كقد ظهرت صور حديثة إلهناء اإلنساف حياتو‬

‫بنفسو سواء كاف ذلك انتقادان ألكضاع معيشية‪ ،‬أك كاف يهدؼ إذل الضرب يف العدك ‪ .‬كذلك بعض األكضاع‬

‫االجتماعية اليت تلقي بظبل‪٢‬تا على آّتمع نتيجة فساد ا‪ٟ‬تكم أك ظلم ا‪ٟ‬تاكم أك غَتىا قد تدفع البعض إذل‬

‫االنتحار ‪ ،‬ليس ٗتلصان من مشكلة شخصية يعاين منها أك حالة فردية كلكن ليوقظ ‪٫‬تم اآلخرين ‪١‬تقاكمة‬
‫‪103‬‬

‫الفساد كقوؿ كلمة ا‪ٟ‬تق يف كجو ا‪١‬تستبد ٔتفهوـ من يقتل نفسو‪ .‬كمن ىنا تظهر أ‪٫‬تية اإلجابة عن التساؤؿ ‪:‬‬

‫ىل ىذه تدخل يف مفهوـ االنتحار أـ أف ‪٢‬تا أحكامان خاصة ؟‬

‫ك‪٦‬تا يزيد من أ‪٫‬تية دراسة ىذه القضية كضركرة إدراجها كتب الفقو ا‪١‬تدرسية ما نراه اليوـ من انتشار عمليات‬

‫القتل بواسطة عمليات انتحارية داخل آّتمع ا‪١‬تسلم ‪٦‬تا يؤدم إذل سقوط العديد من الضحايا ‪.‬‬

‫نظرة الشريعة ‪:‬‬

‫خلق ا﵁ اإلنساف ككرمو بأف نفخ فيو من ركحو ‪ ،‬فا‪ٟ‬تياة ىي سر التكرًن بدليل قوؿ ا﵁ تعاذل ‪﴿:‬فإذا سويتو‬

‫ونفخت فيو من روحي فقعوا لو ساجدين ﴾ (القرآف‪ .‬ا‪ٟ‬تجر ُٓ‪ ،) ِٗ:‬لذا فقد رفع ا﵁ من شأف النفس‬

‫البشرية كحرـ االعتداء عليها بأم نوع من أنواع االعتداء ‪ ،‬قاؿ تعاذل ‪ ﴿:‬وال تقتلوا النفس التي حرم اهلل‬

‫إال بالحق ‪( ﴾..‬القرآف ‪ .‬األنعاـٔ‪ ، ) ُُٓ:‬ككرد النهي عن أف يقتل اإلنساف نفسو ‪ ،‬فقاؿ تعاذل ‪﴿:‬وال‬

‫تقتلوا أنفسكم إن اهلل كان بكم رحيماً﴾ (القرآف ‪ .‬النساء ْ‪ ، )ِٗ:‬كقد اعتٌت اإلسبلـ بالركح َّأٯتا اعتناء‬

‫فجعل يف قراءة القرآف كاألذكار كالصبلة‪ ،‬كغَتىا من العبادات غذاءن للركح ٮتفف عنو بعض مشكبلتو كما‬

‫يعانيو‪ ،‬ك٭توؿ بينو كبُت أف يقدـ على االعتداء على نفسو تضجران كاستسبلمان لظرؼ معُت مهما كانت‬

‫قسوتو ‪ .‬كقد حرـ اإلسبلـ االنتحار مهما كانت مربراتو ‪ .‬كلنا أف نشَت ىنا إذل بعض من ا‪١‬تربرات اليت‬

‫تتسبب يف قتل اإلنساف لنفسو ‪ ،‬كمن أ‪٫‬تها ‪ :‬الظركؼ الصعبة اليت ٯتر ّٔا اإلنساف ‪ ،‬كفقد عزيز من أب أك‬

‫ابن أك زكج أك زكجة ‪ ،‬كغَتىا ‪ ،‬أك بسبب الفقر كحاالتو‪ ،‬حيث ٯتر اإلنساف ْتاالت من العوز ال ‪٬‬تد شيئان‬

‫يسد رمقو فتضيق عليو الدنيا كال يرل لنفسو ‪٥‬تىلّْصان أفضل من االنتحار ‪ ،‬كمن األمور اليت تتسبب أحيانان يف‬

‫االنتحار الفشل يف بعض مهاـ ا‪ٟ‬تياة اإلدارية أك االجتماعية أك الدراسية ‪،‬كما أف البطالة كقلة فرص العمل ‪،‬‬
‫‪104‬‬

‫كالتورط يف أعماؿ ال أخبل قية كا‪٢‬تركب من يد العدالة كغَتىا من األمور قد تدفع اإلنساف إذل االنتحار‪.‬‬

‫كاإلسبلـ كىو ينظر إذل ىذه القضية ال ينكر ما قد ٯتر بو اإلنساف من ظركؼ قاسية ‪ ،‬لكنو ٮتاطبو بلغة‬

‫اإلٯتاف‪ :‬اللغة اليت تيذكر ا‪١‬تؤمن أف كل شيء بيد ا﵁ تعاذل ‪ ،‬كأنو ‪ -‬أم ا﵁ ‪ -‬القادر سبحانو أف يغَت ا‪ٟ‬تاؿ‬

‫من سيء إذل أحسن ‪ ،‬كأف عليو أف يصرب كأف يواجو األمور بقوة كثبات ‪ ،‬قاؿ تعاذل ‪﴿:‬ولنبلونكم بشيء‬

‫من الخوف والجوع ونقص من األموال واألنفس والثمرات وبشر الصابرين ‪ .‬الذين إذا اصابتهم مصيبة‬

‫قالوا إنا هلل وإنا إليو راجعون ﴾ (القرآف ‪ .‬البقرة ِ‪ ، )ُٓٓ:‬كذلك من القضايا اليت ‪٬‬تب أف ال يغفل عنها‬

‫ا‪١‬تؤمن أف يتذكر يوـ القيامة اليت عذأّا أشد كظرفها أقسى كا‪٠‬توؼ فيها أعمق كال أماف يف ذلك اليوـ إال ‪١‬تن‬

‫آمن كعمل صا‪ٟ‬تان ‪ .‬كاالنتحار من األمور اليت تودم بصاحبها إذل جهنم ‪ ،‬كما ٯتر بو اإلنساف من عذاب‬

‫أىوف بكثَت بل ال يقارف بعذاب جهنم الذم جعلو ا﵁ جزاء للمنتحر ‪.‬إف منهج اإلسبلـ يتجو ‪٨‬تو معا‪ٞ‬تة‬

‫األ سباب اليت تقود إذل االنتحار ‪ ،‬كمن أ‪٫‬تها ‪ :‬تعميق اإلٯتاف با﵁ تعاذل كباليوـ اآلخر كبالقدر خَته كشره ‪،‬‬

‫كذلك التنبيو إذل أف ىذه ا‪ٟ‬تياة الديا دار عمل كليست بدار مقاـ ‪ ،‬لذلك فاإلنساف فيها يأخذ نصيبو‬

‫كيرحل شاء أـ ىأىب ‪ .‬كعلى ا‪١‬تسلم أف يظل دائم الصلة با﵁ تعاذل‪ ،‬كأف يستعُت بالصرب كالصبلة عند النوازؿ ‪،‬‬

‫يقوؿ ا﵁ تعاذل ‪ ﴿:‬واستعينوا بالصبر والصالة وإنها لكبيرة إال على الخاشعين ﴾ (القرآف‪.‬البقرة ِ‪)ْٓ:‬‬

‫‪.‬كما ‪٬‬تب على ا‪١‬تسلم كىو يف ًخضم كمعًتؾ ىذه ا‪ٟ‬تياة أف يعلم بأف الرزؽ بيد ا﵁ كأف األمر كلو ﵁ كأف‬

‫اإلنساف ال يستمر على حاؿ فاليوـ فقر كغدان ثراء ‪ ،‬كما ‪٬‬تب على ا‪١‬تسلم أف ٮتتار األصدقاء الذين يعينونو‬

‫على الطاعة فكلما كاف ا‪١‬تسلم قريبان من ا﵁ كاف بعيدان من الشيطاف ‪.‬كما أف التحذير كالزجر ‪١‬تثل ىذه‬

‫األعماؿ بالعقوبة الشديدة اليت تنتظر ا‪١‬تنتحر مهم جدان ‪ ،‬ففي ا‪ٟ‬تديث الذم ركاه أبو ىريرة رضي ا﵁ عن أف‬
‫‪105‬‬

‫النيب صلى ا﵁ عليو كسلم قاؿ ‪ ":‬من ىترَّدل من جبل ف ىقتل نفسو فهو يف نار جهنم يًتدل فيو خالدان ‪٥‬تلدان‬

‫فسمو يف يده يتحساه يف نار جهنم خالدان ‪٥‬تلدان فيها أبدان كمن قتل‬
‫ٖتسى ي‪ٝ‬تان فقتل نفسو ي‬
‫فيها أبدان كمن َّ‬

‫نفسو ْتديدة فحديدتو يف يده ‪٬‬تأ ّٔا يف بطنو يف نار جهنم خالدان ‪٥‬تلدان فيها أبدان " (ا‪ٟ‬تديث‪،‬‬

‫البخارم‪،‬كتاب الطب جّ)‪ .‬فالتنبيو إذل خطورة االنتحار قد يكوف رادعان لكل من يفكر يف التخلص من‬

‫نفسو ‪ .‬كاإلسبلـ يرفع من شأف ا‪١‬تؤمن القوم ‪ ،‬جاء يف ا‪ٟ‬تديث الشريف‪ ":‬المؤمن القوي خير وأحب إلى‬

‫اهلل من المؤمن الضعيف " (ا‪ٟ‬تديث‪ ،‬مسلم‪،‬كتاب القدر جْ‪.)ِْٔٔ#‬‬

‫كخبلصة الكبلـ ‪ :‬مهما كانت الظركؼ قاسية فبل يتيح اإلسبلـ للمسلم أف يتخلص من ذلك باالنتحار ‪.‬‬

‫كبالنسبة ‪١‬تا ييسمى ٔتوت الر‪ٛ‬تة فقد توصلت دراسة ‪ٛ‬تاد (ََِٕ) بعنواف "قتل الر‪ٛ‬تة رؤية فقهية مقاصدية‬

‫قانونية " إذل أف قتل الر‪ٛ‬تة ليست قضية حديثة ‪ ،‬بل موغلة يف القدـ كلكن آّتمع اإلسبلمي دل يعرؼ مثل‬

‫ىذه القضية نظران ألف اإلسبلـ ٭ترـ االنتحار‪ٍ .‬ب إف حقن ا‪١‬تريض ا‪١‬تيئوس من شفائو حقنة ‪٦‬تيتة تًتتب عليو‬

‫مسئولية الطبيب ا‪ٞ‬تنائية كقتل عمد‪ ،‬كما توصلت الدراسة إذل أف رفع أجهزة اإلنعاش عن ا‪١‬تريض تدر‪٬‬تيان‬

‫ليس من صور قتل الر‪ٛ‬تة‪ .‬كرجحت الدراسة أف تناكؿ الدكاء للمريض ا‪١‬تيئوس من شفائو كاجب شرعي‪.‬‬

‫ككذلك إذا امتنع الطبيب من إعطاء الدكاء للمريض مع علمو بأف عدـ تناكؿ ا‪١‬تريض للدكاء يؤدم إذل كفاتو‬

‫ييعد جرٯتة قتل عمد ‪ .‬كأما بالنسبة للعمليات االستشهادية فللعلماء فيها مواقف ‪٥‬تتلفة ففي حُت يرل‬

‫األلباين كابن باز كابن عثيمُت كبعض العلماء حرمتها كاعتبار القائم ّٔا منتحران ‪ ،‬يرل آخركف كالقرضاكم‬

‫كا‪ٞ‬تربين كالعودة كعبدا﵁ ا‪١‬تنيع كسليماف العلواف كغَتىم بأهنا كسيلة من أىم كسائل ا‪ٞ‬تهاد اليوـ ‪.،‬كىذه‬

‫ا‪١‬تسألة يف غاية ا‪ٟ‬تساسية ‪ ،‬كلذلك فبل بد من توصيفها كدراستها بشكل دقيق كالتحذير من استخدامها‬
‫‪106‬‬

‫كوسيلة لقتل ا‪١‬تسلمُت ْتجج كاىية ‪ ،‬فالذين أجازكىا إ‪٪‬تا أجازكىا عندما تكوف ضد العدك كبالذات العدك‬

‫الصهيوين اليوـ الذم أسرؼ يف الظلم كالقتل كاالغتياالت كالتعدم على ا‪ٟ‬تقوؽ ‪.‬‬

‫ٔ‪ -‬االغتياالت واالختطافات ‪:‬‬

‫ياؿ‪ ،‬يقاؿ قتلو ًغيلىةن كىو ‪ :‬أف ٮتدعو فيذىب بو إذل موضع‬
‫المفهوم ‪ :‬االغتياالت ‪ :‬الغًيلىةي بالكسر اال ٍغتً ي‬

‫َّخص‪ :‬قتىلو‬
‫تل‪ ،‬اغتياالن‪ ،‬فهو مغتاؿ‪ ،‬كا‪١‬تفعوؿ مغتاؿ كاغتاؿ الش ى‬
‫غتاؿ يغتاؿ‪ ،‬ا ٍغ ٍ‬
‫فيقتلو ‪(.‬الرازم‪ )ُٖٗٔ ،‬ا ى‬

‫االحتبلؿ سياسة ا‪٠‬تطف‬


‫ي‬ ‫على غفلة منو‪ ،‬كيكثر استعمالو يف القتل ألسباب سياسيٌة ‪ .‬يقاؿ ‪ :‬اتٌبع‬

‫كاالغتياؿ‪ .‬كاالختطاؼ‪:‬مصدر اختطف كيعٍت إقداـ شخص أك ع ٌدة أشخاص على خطف أحد األفراد‬

‫ألىداؼ قد تكوف سياسيٌة أك اجتماعيٌة أك ماليٌة‪( .‬عمر‪.)ََِٖ ،‬‬

‫أىمية القضية ‪:‬‬

‫حد سواء ‪ .‬ك‪٦‬تا‬


‫ال شك أف قضية االغتياالت كاالختطافات ىي من القضايا اليت تؤرؽ األفراد كالدكؿ على ٍّ‬

‫يزيد القضية تعقيدان أف ا‪١‬تستهدفُت بالقتل أك االختطاؼ ال يتوقعوف ما سيحدث ‪٢‬تم فيقعوف ٖتت ‪٥‬تطط‬

‫آخرين كيتحقق عنصر ا‪١‬تفاجأة يف حُت أف الفاعلُت يأخذكف كامل احتياطاهتم لتحقيق ا‪٢‬تدؼ‪ ،‬كاإلفبلت‬

‫من ا‪١‬تبلحقة ‪ .‬كىذه القضية ىي قضية عا‪١‬تية كلكن نسبتها ٗتتلف من بلد إذل آخر ْتسب قوة الدكلة أك‬

‫ضعفها ‪ .‬كيف اليمن أصبحث ىذه القضية تي ّْ‬


‫شكل ٖتديان كبَتان كهتديدان خطَتان للبلد كالسياحة كاالقتصاد‬

‫كاألمن إذ إف الكثَت من حاالت االختطاؼ هتدؼ إذل االبتزاز ا‪١‬تارل كبالذات عندما تتجو عملية االختطاؼ‬

‫لؤلجانب ‪ .‬كالصراعات ا‪١‬تستمرة بُت القبائل كبالذات يف مشاؿ اليمن جعل من االختطاؼ أسلوبان متعارفان‬

‫عليو بُت تلك األطراؼ ا‪١‬تتصارعة كىو كسيلة للضغط على الطرؼ الثاين لتحقيق أىداؼ معينة ‪.‬كبرزت‬
‫‪107‬‬

‫قضية االغتياالت بشكل كبَت إذل الواجهة يف الفًتة األخَتة من بعد الوحدة اليمنية يف العاـ َُٗٗ ـ‬

‫كارتبطت غالبيتها بالصراعات السياسية‪ ،‬فمنذ مطلع العاـ ُُٗٗ كحىت اآلف شهدت اليمن سلسلة حوادث‬

‫اختطافات َّ‬
‫شكل تكرارىا كاستمرارىا حىت اآلف ظاىرة تستحق الدراسة كالبحث؛ ألهنا أصبحت ػ بآثارىا‬

‫كأضرارىا ػ تطاؿ العديد من ا‪ٞ‬توانب اليت تشكل مقومات الدكلة ‪،‬كمسألة األمن‪ ،‬كاالستثمار‪ ،‬كالسياحة‬

‫كحىت ‪ٝ‬تعة اليمن‪ .‬ففي ندكة موسعة نظمها يف العاصمة اليمنية مركز ا‪١‬تعلومات كالدراسات كالبحوث التابع لػ‬

‫(البياف) بالتنسيق مع مركز دراسات ا‪١‬تستقبل اليمٍت يف صنعاء ًب استضافة العديد من الشخصيات السياسية‬

‫كا‪ٟ‬تزبية للحديث حوؿ الدكافع كاألسباب ‪١‬تشكلة االختطافات كاآلثار ا‪١‬تًتتبة عليها كناقشت بإسهاب‬

‫ا‪ٟ‬تلوؿ الطموحة لذلك‪ ،‬كتطرقت الندكة إذل أف االختطافات يف اليمن بدأت يف العاـ ُُٗٗ كقد تصاعد‬

‫عدد ا‪١‬تخطوفُت منذ ظهور ىذه الظاىرة كحىت هناية ابريل ٕٗـ حىت كصل عددىم اذل ُُٔ ‪٥‬تطوفان‪ ،‬ككانت‬

‫ا‪ٟ‬توادث تتطور كتزداد من عاـ إذل آخر بشكل ملحوظ كشهدت األعواـ الثبلثة األخَتة ٔٗ‪ ،ٕٗ ،‬كالثلث‬

‫األكؿ من عاـ ُٖٗٗ أ كرب نسبة حوادث اختطاؼ سواء لؤلجانب من السياح كالعاملُت يف اليمن أك‬

‫لليمنيُت أنفسهم ‪ ،‬ففي ُٔٗٗ ًب اختطاؼ حوارل ِٔ شخصان كيف ُٕٗٗ ًب اختطاؼ أكثر من أربعُت‬

‫شخصان‪ .‬كينتمي ا‪١‬تخطوفوف عمومان إذل ‪ٜ‬تس عشرة جنسية منهم فرنسيوف‪،‬إيطاليوف‪ ،‬أ‪١‬تاف‪ ،‬ىولنديوف‪،‬‬

‫بولنديوف‪ ،‬أمريكاف‪ ،‬بريطانيوف‪ ،‬كنديوف‪ ،‬ركس‪ ،‬بلجيكيوف‪ ،‬صينيوف‪ ،‬شرؽ آسيويُت‪،‬كعرب‪ ،‬كٯتنيوف‪ ،‬كمعظم‬

‫ا‪١‬تخطوفُت سياح أك عاملوف يف الشركات أك السفارات األجنبية‪ .‬كأكدت الندكة أف دكافع ظاىرة‬

‫االختطافات يف البداية كانت دكافع سياسية داخلية كخارجية ٍب استمرأىا اآلخركف كقاموا باختطافات‬

‫لؤلجانب كلغَت األجانب لدكافع غَت سياسية‪ .‬كيف حقيقة األمر بدأت االختطافات لدكافع سياسية‬

‫كاستمرت أيضان لدكافع سياسية كإف ٗتللتها دكافع أخرل‪ ،‬كالذين قاموا ّتميع االختطافات لدكافع أخرل‬
‫‪108‬‬

‫ٕترأكا على ذلك لعدـ كجود إجراءات حازمة‪..‬ككل عمليات االختطافات تنتهي بسبلـ كعدـ إيذاء‬

‫ا‪١‬تخطوفُت‪ ،‬بل ييعامل ا‪١‬تخطوفوف معاملة حسنة أثناء عملية اختطافهم كىذا يؤكد أف عمليات االختطافات‬

‫ليس كراءىا أىداؼ إرىابية كما ىو ا‪ٟ‬تاؿ يف بعض البلداف العربية كإ‪٪‬تا تتعلق يف الغالب بأمور مطلبية‪.‬‬

‫كعمليات االختطافات دل تطل األجانب فحسب كلكنها طالت حىت اليمنيُت‪ .‬كإذل جانب اآلثار األمنية‬

‫لبلختطافات فهناؾ آثار سلبية لبلختطافات ٘تثلت يف تأثَتىا السليب على حركة التنمية يف الببلد‪ ،‬كذلك‬

‫بإحجاـ رأس ا‪١‬تاؿ ا‪٠‬تارجي من االستثمار كىركب رأس ا‪١‬تاؿ الداخلي (البياف ‪ُٖٗٗ،‬ـ) ‪ .‬كىذه الظاىرة‬

‫تزايدت يف الفًتات البلحقة للعاـ ٖٗـ رغم كجود العديد من ا‪١‬تنظمات اليت تكافح ىذه الظاىرة كاللجنة‬

‫العليا ‪١‬تكافحة االختطافات يف اليمن كصدكر قانوف ي‪٬‬تىّْرـ ىذه الظاىرة ‪ .‬كىذا ما يؤكده علي ناجي الرعوم‬

‫أحد أبرز الكتاب اليمنيُت (َُِّ) حيث يقوؿ ‪":‬عادت ظاىرة اختطاؼ األجانب يف اليمن إذل كاجهة‬

‫األحداث اليت يشهدىا ىذا البلد بعد أف ظن البعض من أف صدكر قانوف ‪٬‬ترـ ىذه الظاىرة كيتوعد كل من‬

‫يقوـ بارتكأّا بعقوبات قاسية من شأنو ا‪ٟ‬تد من تنامي ىذا الفعل اإلجرامي كالقضاء على دكافعو كالبواعث‬

‫ا‪١‬تؤدية إليو‪ ،‬غَت أف تصاعد حوادث االختطاؼ خبلؿ األشهر األخَتة قد كضع ا‪ٟ‬تكومة اليمنية يف موقف ال‬

‫ٖتسد عليو أماـ الداخل كا‪٠‬تارج " ‪ .‬كيف ندكة حوؿ االختطاؼ نظمتها منظمة صحفيات ببل قيود يقوؿ‬

‫الكاتب الصحفي عبدالبارم طاىر "إف اإلرىاب ىو ا‪١‬تعٌت ا‪ٞ‬تامع كالشامل ‪١‬تفردات عديدة منها االختطاؼ‬

‫كاالختفاء القسرم كاالغتياؿ كقطع الطريق كتدمَت أنابيب النفط كا‪١‬تاء كالكهرباء كبث الرعب كالذعر ٔتختلف‬

‫الصور كاألشكاؿ ‪(.‬أخبار اليوـ‪ .)َُِّ،‬كبالنسبة لبلغتياالت فوضعها ‪٥‬تيف حيث كشف تقرير موقع‬

‫نشواف نيوز (َُِّ) عن االغتياالت اليت نيفذت يف عاـ كاحد فقط منذ بداية العاـ َُِّـ كحىت هناية‬

‫أكتوبر ا‪١‬تاضي أسفرت عن اغتياؿ (َّٖ) من منتسيب ا‪ٞ‬تيش كاألمن كمسؤكلُت حكوميُت كسياسيُت بينهم‬
‫‪109‬‬

‫(ٕٓ) ضابطان برتب رفيعة بينهم (ُٕ) ضابطان برتبة عميد ك(ِّ) ضابطان برتبة عقيد ك(ٖ) برتبة مقدـ ك(ٗ)‬

‫صف ضابط ك(ٖ) مسؤكلُت حكوميُت كسياسيُت إضافة إذل (ُّٔ) جنديان استشهدكا يف عمليات إرىابية‬

‫استهدفتهم يف ‪٥‬تتلف ا﵀افظات بواسطة الدراجات النارية بنسبة (ِِ‪ ..)%‬كقد نيفذت تلك ا‪ٞ‬ترائم يف‬

‫(ُُ) ‪٤‬تافظة تصدرهتا ‪٤‬تافظة حضرموت اليت سقط فيها (ََُ) من منتسيب األمن كا‪ٞ‬تيش ك(ٗٓ) شهيدان‬

‫يف ‪٤‬تافظة شبوة كيف البيضاء (ّٖ) شهيدان كالعاصمة صنعاء (ُْ) شهيدان ك‪٤‬تافظة أبُت (ِٔ) شهيدان‪ ،‬فيما‬

‫فشلت كزارتا الداخلية كالدفاع كاألجهزة االستخباراتية يف إلقاء القبض على ا‪١‬تتورطُت يف تنفيذ تلك‬

‫العمليات‪.‬‬

‫من خبلؿ ما سبق يتضح لنا حجم الكارثة يف اليمن بتوسع عمليات االختطافات كاالغتياالت كعدـ كجود‬

‫ٖتد‬
‫حد رادع ‪١‬تثل ىذه القضية ‪ .‬كتنامي ىذه الظاىرة ٕتعل ‪ٚ‬تيع ا‪١‬تؤسسات الر‪ٝ‬تية كاألىلية يف اليمن أماـ ٍّ‬

‫حقيقي إل‪٬‬تاد ا‪ٟ‬تلوؿ العملية اليت ٖتد من الظاىرة ‪.‬‬

‫نظرة الشريعة ‪:‬‬

‫يقف اإلسبلـ موقفان شديدان ضد كل ‪٦‬تن يعتدم على اإلنساف إذ إف أىم ا‪١‬تقاصد اليت جاء الشرع لتحقيقها‬

‫ىي حفظ النفس ‪ ،‬كيكفي يف ىذا السياؽ أف يعترب القرآف أف قتل نفس عمدان بغَت نفس أك فساد يف األرض‬

‫كقتل البشرية كلها‪ ،‬قاؿ تعاذل ‪ ﴿:‬أنو من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في األرض فكأنما قتل الناس‬

‫جميعا ﴾ ( القرآف ‪ .‬ا‪١‬تائدة ٓ‪" . )ِّ:‬إف قتل نفس كاحدة ‪ -‬يف غَت قصاص القتل ‪ ،‬كيف غَت دفع فساد‬

‫يف األرض ‪ -‬يعدؿ قتل الناس ‪ٚ‬تيعان ‪.‬ألف كل نفس ككل نفس ‪ ،‬كحق ا‪ٟ‬تياة كاحد ثابت لكل نفس ‪ ،‬فقتل‬
‫‪110‬‬

‫كاحدة من ىذه النفوس ىو اعتداء على حق ا‪ٟ‬تياة ذاتو ‪ :‬ا‪ٟ‬تق الذم تشًتؾ فيو كل النفوس" ‪( .‬سيد قطب‬

‫‪ . )ََِّ ،‬كاستبعد أف يقتل مؤمن أخاه إال خطئان ‪ ،‬قاؿ تعاذل ‪ ﴿:‬وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إال‬

‫خطأً﴾ (القرآف ‪ .‬النساء ْ‪ ، )ِٗ:‬يقوؿ الز‪٥‬تشرم يف الكشاؼ(ََِٗ) "كما صح لو كما استقاـ كما الؽ‬

‫ْتالو" ‪ .‬أما من يتعمد القتل فقد توعَّده ا﵁ بالعذاب يف جهنم كالغضب كاللعنة ‪ ،‬قاؿ تعاذل‪﴿:‬ومن يقتل‬

‫مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب اهلل عليو ولعنو وأعد لو عذاباً عظيماً ﴾ (القرآف‪ .‬النساء‬

‫ْ‪ . )ّٗ:‬ككصف ا﵁ عباد الر‪ٛ‬تن بأكصاؼ منها ‪ ﴿:‬وال يقتلون النفس التي حرم اهلل إال بالحق ‪﴾..‬‬

‫حرـ ا﵁ قتل النفس إال با‪ٟ‬تق ‪ ،‬قاؿ تعاذل ‪ ﴿:‬وال تقتلوا النفس التي حرم‬
‫(القرآف‪.‬الفرقاف ِٓ‪ . )ٖٔ:‬كقد َّ‬

‫اهلل إال بالحق ومن قُتل مظلوماً فقد جعلنا لوليو سلطاناً فال يسرف في القتل إنو كان منصوراً﴾‬

‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم ‪:‬‬ ‫اؿ رس ي ً‬ ‫و‬ ‫ً ً‬


‫وؿ اللَّو ى‬ ‫(القرآف‪.‬اإلسراءُٕ‪ )ّّ:‬كيف ا‪ٟ‬تديث ىع ٍن ىعٍبد اللَّو بٍ ًن ىم ٍسعيود قىاؿ ‪ :‬قى ى ى ي‬
‫س‬ ‫وؿ اللَّ ًو إًَّال بًًإ ٍح ىدل ثىىبل وث الثَّػيّْب َّ ً‬
‫الزاين ىكالنَّػ ٍف ي‬ ‫ي‬ ‫" ىال ىً٭ت ُّل ىد يـ ٍام ًر وئ يم ٍسلً وم يى ٍش ىه يد أى ٍف ىال إًلى ىو إًَّال اللَّوي ىكأ ّْ‬
‫ىين ىر يس ي‬

‫اع ًة " (ا‪ٟ‬تديث ‪ ،‬الًتمذم ‪،‬كتاب الديات‪ )َُِْ :‬كع ٌد النيب صلى‬ ‫ً‬ ‫ً ً ًً‬ ‫بًالنَّػ ٍف ً‬
‫س ىكالتَّا ًريؾ لدينو الٍ يم ىفا ًر يؽ ل ٍل ىج ىم ى‬

‫اجتَنِبُوا‬ ‫صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم قى ى‬


‫اؿ‪ْ " :‬‬
‫ىف رس ى ً‬
‫وؿ اللَّو ى‬ ‫ا﵁ عليو كسلم قتل النفس من ا‪١‬توبقات ‪ ،‬ف ىع ٍن أًىيب يىىريٍػىرىة أ َّ ى ي‬
‫س الَّتِي َح َّرَم اللَّوُ إَِّال‬ ‫الش ْر ُك بِاللَّ ِو َو ّْ‬
‫الس ْح ُر َوقَ ْت ُل النَّ ْف ِ‬ ‫ول اللَّ ِو َوَما ُى َّن قَ َ‬
‫ال ّْ‬ ‫يل يَا َر ُس َ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الس ْب َع ال ُْموب َقات ق َ‬
‫َّ‬
‫ات الْغَافِ َال ِ‬
‫صنَ ِ‬
‫ف الْم ْح ِ‬ ‫الربا والتَّولّْي ي و َم َّ ِ‬ ‫بِالْح ّْق وأَ ْكل م ِ ِ‬
‫ت‬ ‫الز ْحف َوقَ ْذ ُ ُ‬ ‫ال الْيَت ِيم َوأَ ْك ُل ّْ َ َ َ َ ْ‬ ‫َ َ ُ َ‬
‫الْم ْؤِمنَ ِ‬
‫ات"(ا‪ٟ‬تديث ‪،‬مسلم بشرح النوكم ‪،‬كتاب اإلٯتاف‪:‬ج ُ‪ .)ٖٗ#:‬كقد اختلف فقهاء ا‪١‬تسلمُت‬ ‫ُ‬
‫اختبلفان كبَتان يف تكييف فعل االغتياؿ كيف األثر ا‪١‬تًتتب عليو ‪ ،‬كيكتفي الباحث بنقل ما توصل إليو إ‪ٝ‬تاعيل‬
‫‪111‬‬

‫شندم‪ .‬أستاذ الفقو ا‪١‬تقارف ّتامعة القدس (ََِٗ) يف دراستو قتل الغيلة (االغتياؿ ) كموقف الفقو‬

‫اإلسبلمي منو ‪ ،‬حيث ناقش ‪ٚ‬تيع اآلراء الفقهيو يف ا‪١‬تسألة كتوصل إذل اآلٌب ‪:‬‬

‫ُ‪ -‬قتل الغيلة من حيث معناه االصطبلحي ‪٤‬تل خبلؼ بُت الفقهاء فهو عند ا‪١‬تالكية يف القوؿ ا‪١‬تعتمد كعند‬

‫ا‪ٟ‬تنابلة ‪ :‬القتل يخفية ألخذ ا‪١‬تاؿ ‪ ،‬كىو عندا‪ٟ‬تنفية كا‪١‬تالكية يف قو‪٢‬تم الثاين كالشافعية كالظاىر من قوؿ ابن‬

‫حزـ الظاىرم ‪ :‬القتل على كجو التحيُّل كا‪٠‬تديعة ‪ ،‬كىو ما اختاره الباحث كىو يف قوؿ ا‪١‬تالكية الثالث ‪:‬‬

‫القتل على كجو القصد الذم ال ‪٬‬توز عليو ا‪٠‬تطأ‪.‬‬

‫ِ‪-‬اختلف ا لفقهاء يف التكييف الفقهي لقتل الغيلة ‪ :‬فهو عند ا‪١‬تالكية كابن تيمية من ا‪ٟ‬تنابلة كأيب الزناد من‬

‫ا‪ٟ‬تًرابة كىو ما اختاره الباحث ‪ .‬كىو عند ا‪ٟ‬تنفية ‪ ،‬كالشافعية ‪ ،‬كا‪ٟ‬تنابلة ‪ ،‬كالظاىرية من قبيل القتل العمد‬

‫كليس من ا‪ٟ‬ترابة ‪.‬‬

‫ّ‪-‬اختلف الفقهاء يف األثر ا‪١‬تًتتب على التكييف الفقهي لقتل الغيلة ‪ ،‬فمن اعتربه من الفقهاء حرابة جعل‬

‫عقوبتو كعقوبة ا‪ٟ‬ترابة نفسها ‪ ،‬كبالتارل فيكوف األمر فيو للسلطاف كليس لو العفو ‪ .‬كمن اعتربه من قبيل القتل‬

‫العمد كليس من ا‪ٟ‬ترابة جعل عقوبتو كعقوبة القتل عمدان كيكوناألمر فيو إذل الورل كىو با‪٠‬تيار بُت القصاص‬

‫كأخذ الدية ‪ .‬يتضح لنا ‪٦‬تا سبق بأف اإلسبلـ يشدد يف موضوع القتل كيعترب كل اعتداء على إنساف خارج‬

‫القانوف كا‪ٟ‬تق اعتداء على اإلنسانية كييرتب عليو العقوبة الشديدة يف الدنيا حاؿ التمكن من ا‪١‬تعتدين كالعقوبة‬

‫الشديدة يوـ القيامة إذا أفلت آّرـ من عقوبة الدنيا كدل يتب ‪.‬‬
‫‪112‬‬

‫كأما االختطافات كتركيع اآلمنُت فيكتفي الباجث بنقل بياف االٖتاد العا‪١‬تي لعلماء ا‪١‬تسلمُت حوؿ األحكاـ‬

‫الشرعية ا‪١‬تتعلٌقة باالختطاؼ كاٗتاذ الرىائن الصادر يف شعباف ُِْٓ ىػ ‪ -‬سبتمرب ََِْـ‪( .‬إسبلـ أكف‬

‫الين ِٔسبتمرب ‪ )ََِْ،‬كفيو‪:‬‬

‫ُ‪ :‬ا‪٠‬تطف ىو اعتداء على الغَت‪ ،‬سواء كاف مسلمان أـ غَت مسلم‪ ،‬كىو نوعه من أنواع البىػ ٍغي الذم هنى ا﵁‬

‫كحرمو بقولو‪﴿ :‬إ ّن اهلل يأمر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القربى‪ ،‬وينهى عن الفحشاء والمنكر‬
‫عنو َّ‬

‫والبغي﴾(القرآف ‪.‬النحل ُٔ‪ ، )َٗ:‬كمن ا‪١‬تعلوـ أ ٌف األمر بالعدؿ كاإلحساف كإيتاء ذم القرىب ليس ‪٤‬تصوران‬

‫رد‬
‫يف ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬فيكوف النهي عن البغي أيضان عامان ‪ٞ‬تميع ا‪٠‬تلق‪ .‬كإذا كانت فطرة اإلنساف تدعوه إذل ٌ‬

‫رد االعتداء ٔتثلو فقط‪﴿ :‬فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليو‬


‫العدكاف حُت يقع عليو‪ ،‬إالٌ أ ٌف ا﵁ تعاذل أباح ٌ‬

‫بمثل ما اعتدى عليكم‪ ،‬واتقوا هلل‪ ،‬واعلموا أ ّن اهلل مع المتّقين﴾(القرآف ‪.‬البقرةِ‪﴿)ُْٗ:‬وقاتلوا في‬

‫سبيل اهلل الذين يقاتلونكم وال تعتدوا﴾( القرآف ‪.‬البقرةِ‪ )َُٗ:‬كأ ٌكد ا﵁ تعاذل أ ٌف ٌ‬
‫‪٣‬ترد االختبلؼ الديٍت‬

‫يسوغ االعتداء على اآلخرين‪ .‬قاؿ تعاذل‪..﴿ :‬وال يجرمنّكم َشنَآ ُن قوم أن‬
‫حىت لو دخل مرحلة الصراع ال ّْ‬

‫ص ّدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا‪ (﴾..‬القرآف ‪.‬ا‪١‬تائدةٓ‪٬ . )ِ:‬ت ًرىمنَّكم ‪ :‬أم ال ٭تملنكم ‪ ،‬شنآف ‪:‬‬

‫أم بيغض‪.‬‬
‫ٍ‬

‫ِ‪ :‬ا‪٠‬تطف يعترب من األعماؿ ا‪ٟ‬تربية‪ .‬فهو إذا جاز استثناءن أثناء قياـ حرب فعليٌة‪ ،‬فإنو ال ‪٬‬توز إطبلقان خارج‬

‫نطاؽ ا‪ٟ‬ترب ‪ ،‬ركل الطربم يف تفسَته (ِٔ‪ )ٓٗ/‬عن ‪٣‬تاىد قاؿ‪" :‬أقبل معتمران نيب ا﵁ صلى ا﵁ عليو كآلو‬

‫كسلٌم فأخذ أصحابو ناسان من أىل ا‪ٟ‬ترـ غافلُت‪ ،‬فأرسلهم النيب صلى ا﵁ عليو كآلو كسلٌم" كذلك ألنو خرج‬

‫يقر الرسوؿ صلى ا﵁ عليو كآلو كسلٌم اختطاؼ‬


‫معتمران فلم يعترب نفسو يف حالة حرب مع ا‪١‬تشركُت‪،‬كما دل ٌ‬
‫‪113‬‬

‫سلمة بن األكوع ألربعة من ا‪١‬تشركُت بعد صلح ا‪ٟ‬تديبية ظنان منو أ ٌف ا‪١‬تشركُت نقضوا الصلح‪ ،‬كقاؿ صلوات‬

‫ا﵁ كسبلمو عليو‪" :‬دعوىم يكن لهم بدء الفجور وثُنَاه" (ا‪ٟ‬تديث ‪ ،‬مسلم ‪،‬كتاب ا‪ٞ‬تهاد‪:‬ج‬

‫ّ‪.)َُٖٕ#:‬فاالبتداء بالفجور من أخبلؽ ا‪١‬تشركُت كليس من أخبلؽ ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬كإذا أبيح للمسلم ٌ‬
‫الرد‬

‫ّٓرد الرغبة يف االنتقاـ‪ ،‬كإ‪٪‬تا ىي ‪٤‬تاكلة ‪١‬تنع تكرار الفجور‪ ،‬كإلزالتو من ميداف‬
‫على الفجور ٔتثلو‪ ،‬فليس ذلك ٌ‬
‫كبُت لنا أ ٌف العفو كالصفح ىو‬
‫العبلقات اإلنسانية‪ ،‬كقد أرشدنا القرآف إذل كسيلة أمثل ‪١‬تنع تكرار الفجور‪ٌ ،‬‬

‫ولي‬ ‫ِ‬
‫الذم يدرأ السيئة أم ٯتنع تكرارىا‪﴿:‬ادفع بالتي ىي أحسن فإذا الذي بينك وبينو عداوة كأنو ّّ‬

‫فصلتُْ‪﴿ ،)ّْ:‬اِدفع بالتي ىي أحسن السيئة﴾ (القرآف ‪.‬ا‪١‬تؤمنوفِّ‪)ٗٔ:‬‬


‫حميم‪( ﴾..‬القرآف ‪ٌ .‬‬

‫ككصف ا‪١‬تسلمُت بأهنم‪﴿ :‬يدرأون بالحسنة السيئة﴾ (القرآف ‪.‬الرعدُّ‪.)ِِ:‬‬

‫بناءن على ذلك ف إنو ال ‪٬‬توز خطف أم إنساف يف غَت حالة ا‪ٟ‬ترب الفعلية‪ ،‬كىو عندئذ يكوف أسَت حرب ال‬

‫فداء﴾(القرآف ‪٤.‬تمدْٕ‪ )ْ:‬كمن باب‬


‫‪٬‬توز قتلو بل مصَته إذل إطبلؽ سراحو قطعان‪﴿ :‬فإما منّاً بعد وإما ً‬
‫ُت ﵀اربتنا كمتعاطفُت معنا كالصحفيُت ‪.‬‬ ‫ً‬
‫أكذل ال ‪٬‬توز خطف أشخاص إذا كانوا معارض ى‬

‫ّ ‪ -‬يف حالة قياـ حرب فعلية‪ ،‬ال ‪٬‬توز اختطاؼ األبرياء أك ا‪١‬تدنيُت من األعداء الذين ال ‪٬‬توز توجيو‬

‫األعماؿ ا‪ٟ‬تربية ض ٌدىم‪ .‬كا‪١‬تدنيوف يف نظر اإلسبلـ ىم‪ ،‬غَت ا‪١‬تقاتلُت من النساء كاألطفاؿ كالشيوخ العاجزين‬

‫الذين ال رأم ‪٢‬تم يف القتاؿ ككذلك الرىباف‪ .‬كقد هنى رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كآلو كسلٌم عن قتل النساء‬

‫كالصبياف(متٌفق عليو)‪ ،‬كقاؿ‪" :‬ال تقتلوا وليداً"(ا‪ٟ‬تديث ‪ ،‬مسلم ‪،‬كتاب ا‪ٞ‬تهاد ‪:‬ج ّ‪.)ُُّٕ#:‬كأمر‬

‫تقتلن ذرية كال عسيفان" (ا‪ٟ‬تديث ‪ ،‬ابن ماجو ‪،‬كتاب ا‪ٞ‬تهاد ‪:‬ج‬
‫ٌ‬ ‫خالد بن الوليد فقاؿ لو‪" :‬ال‬

‫كالعماؿ‬ ‫ِ‪)ِِْٖ#:‬كالعسيف ىو األجَت‪ .‬كىو يشمل ٌ‬


‫كل من يستأجر ألداء خدمات ال تتٌصل بالقتاؿ ٌ‬
‫‪114‬‬

‫يف ا‪١‬تصانع‪ ،‬كاألطباء كالعاملُت يف ا‪١‬تستشفيات‪ ،‬كأمثا‪٢‬تم‪ .‬كما هنى النيب صلى ا﵁ عليو كآلو كسلٌم عن قتل‬

‫الشيخ الفاين ‪،‬كعن قتل الرىباف كأصحاب الصوامع الذين ٭تبسوف أنفسهم ﵁ ‪،‬كثبت منع قتل الرىباف كقاس‬

‫‪ٚ‬تهور الفقهاء من األحناؼ كا‪١‬تالكية كا‪ٟ‬تنابلة على ىذه النصوص أنواعان أخرل من غَت ا‪١‬تقاتلُت كا‪١‬تقعد‬

‫يجىر ًاء كا‪ٟ‬تراثُت كأرباب الصنائع‪ ،‬ككضع‬


‫كاألعمى كا‪١‬تعتوه كقوـ يف دار أك كنيسة ترىبوا كطبق عليهم الباب كاأل ى‬
‫اإلماـ الشوكاين ضابطان كاضحان للقياس على النصوص يف ىذه ا‪١‬تسألة كىو عدـ جواز قتل من ال يرجى نفعو‬

‫للعدك‪ ،‬كال ضرره على ا‪١‬تسلمُت" ‪.‬‬

‫ْ‪ :‬إذا ًب ا‪٠‬تطف‪ ،‬يف أثناء القتاؿ الفعلي‪ ،‬فقد أصبح ا‪١‬تخطوفوف أسرل‪ ،‬ك‪٬‬تب أف يعاملوا ضمن حدكد‬

‫كرل األمر ليقضي فيو ما يرل كمن حيث‬


‫األحكاـ الشرعية ا‪١‬تتعلٌقة باألسرل‪ ،‬من حيث سليم األسَت إذل ٌ‬
‫الرفق باألسرل‪ ،‬كاإلحساف إليهم‪ ،‬كإكرامهم‪ ،‬كتوفَت الطعاـ كالكساء ‪٢‬تم‪ ،‬كعدـ تعذيبهم‪ .‬قاؿ تعاذل‪:‬‬

‫﴿ويطعمون الطعام على حبو مسكيناً ويتيماً وأسيراً﴾( القرآف ‪.‬اإلنسافٕٔ‪ ،)ٖ:‬كقد أمر رسوؿ ا﵁ صلى‬

‫ا﵁ عليو كآلو كسلٌم أصحابو يوـ بدر أف يكرموا األسارل فكانوا يق ٌدموهنم على انفسهم عند الغداء (ابن‬

‫كثَت‪،‬مرجع سابق )‪.‬كما أف مصَت األسرل يف اإلسبلـ إطبلؽ سراحهم‪ ،‬إما منٌان عليهم دكف مقابل‪ ،‬أك‬

‫ٔتقابل فدية يقدموهنا للمسلمُت‪ .‬كالفدية قد تكوف ماالن‪ ،‬كقد تكوف مبادلة مع أسرل ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬كقد تكوف‬

‫خدمة يقدموهنا للمسلمُت‪ ،‬كما طلب رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كآلو كسلٌم من بعض أسرل بدر تعليم ‪ٚ‬تاعة‬

‫من ا‪١‬تسلمُت الكتابة مقابل إطبلؽ سراحهم "زاد ا‪١‬تعاد البن قيم ا‪ٞ‬توزية"‪ .‬لقوؿ ا﵁ تعاذل‪ ..﴿ :‬فإذا لقيتم‬

‫الذين كفروا فضرب الرقاب‪ ،‬حتى إذا أثخنتموىم فش ّدوا الوثاق‪ ،‬فإما منّا بعد وإما فداء حتى تضع‬
‫‪115‬‬

‫الحرب أوزارىا‪ ( ﴾..‬القرآف ‪ٌ .‬‬


‫‪٤‬تمدْٕ‪ )ْ:‬كقد عمل رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كآلو كسلٌم ّٔذه اآلية إذل أف‬

‫قبضو ا﵁ إليو‪.‬‬

‫ٓ‪ :‬ال ‪٬‬توز احتجاز ا‪١‬تدنيُت من األعداء كرىائن كهتديدىم بالقتل‪ ،‬بسبب عمل يرتكبو أك ٯتتنع عنو غَتىم‪،‬‬

‫أىم قواعد العدؿ بُت الناس أف ال ٭تاسب على جرٯتة اقًتفها‬


‫كليسوا مسؤكلُت عنو‪ ،‬كال ٯتكنهم منعو ‪ ،‬فمن ٌ‬
‫كل نفس إالّ عليها﴾ (القرآف ‪.‬األنعاـٔ‪ ،)ُْٔ:‬كقاؿ تعاذل ‪﴿ :‬وال تزر‬
‫غَته‪ ،‬قاؿ تعاذل‪﴿ :‬وال تكسب ّ‬
‫وازرة وزر أخرى﴾ (القرآف‪.‬اإلسراء ُٕ‪﴿ ،)ُٓ:‬من عمل صالحاً فلنفسو‪ ،‬ومن أساء فعليها﴾‬

‫(القرآف‪.‬فصلتُْ‪..﴿،)ْٔ:‬من يعمل سوءاً يجز بو‪( ﴾..‬القرآف ‪.‬النساءْ‪.)ُِّ:‬كقد أ ٌكد رسوؿ ا﵁‬

‫صلى ا﵁ عليو كآلو كسلٌم ىذه القاعدة يف كثَت من أحاديثو منها قولو‪" :‬ال يجني جان إالّ على نفسو"‬

‫(ا‪ٟ‬تديث ‪ ،‬ابن ماجة ‪،‬كتاب الديات ‪،‬باب ال ‪٬‬تٍت أحد على أحد‪:‬ج ُ‪ ،)ُِٔٔ#:‬كحىت يف حالة ا‪ٟ‬ترب‬

‫صد ا‪١‬تدنيُت من األعداء بالقتل غَت‬


‫صد قتل ا‪١‬تدنيُت الذين منع اإلسبلـ قتلهم ال ‪٬‬توز فإذا كاف تىػ ىق ُّ‬
‫الفعلية فتىػ ىق ُّ‬

‫جائز يف أثناء ا‪١‬تعركة‪ ،‬فكيف ‪٬‬توز قتلهم كىم أسرل؟‬

‫كقد توصل الباحث الربيعاف ( ََِٔ ) إذل أف االختطافات كاحتجاز الرىائن كغَتىا من جرائم اإلفساد يف‬

‫األرض ا‪١‬تعاصرة تدخل ضمن عقوبة ا‪ٟ‬ترابة ْتيث ٮتتار اإلماـ العقوبة ا‪١‬تناسبة لكل جرٯتة ‪.‬‬
‫‪116‬‬

‫ٕ – اإلرىاب‬

‫ا‪١‬تفهوـ ‪:‬‬

‫مفهوـ اإلرىاب ‪ :‬اإلرىاب من أكثر ا‪١‬تصطلحات اليت دل ٖتظ بتعريف كاضح ‪٤‬تدد ‪ ،‬فمن منظور غَت‬

‫إسبلمي ٯتكن استعراض عدة إتاىات لتعرم اإلرىاب ‪ ،‬االٕتاه اإلكؿ ‪:‬يستبعد أصحاب ىذا االٕتاه إ‪٬‬تاد‬

‫تعريف ‪٤‬تدد لئلرىاب إذ أف األرىاب ٭تٌددمن خبلؿ رؤيتو كالبحث عن تعريف ‪٤‬تدد قضية غَت ‪٣‬تدية كال‬

‫تغَت كثَتان من صورة اإلرىاب ا‪١‬ترتسمة يف األذىاف‪ .‬كاالٕتاه الثاين يرل أصحابو أف األفعاؿ كا‪١‬تارسات ىي‬

‫اليت ٖتدد معٌت اإلرىاب بغض النظر عن الفاعلُت كاألىداؼ ‪ ،‬فا‪٠‬تطف كاالغتياالت كاحتجاز الرىائن كلها‬

‫تعد من األعماؿ اإلرىابية كحىت الكفاح ا‪١‬تسلح لتحرير الشعوب كغَتىا تيعد كفق ىذا االٕتاه أعماالن إرىابية‬

‫كىذا ما تتبناه بعض الدكؿ الكربل ا‪١‬تهيمنة كيتماشى مع مزاجها ‪ .‬أما االٕتاه الثالث فهو ا‪١‬تعتمد على‬

‫ا‪١‬توضوعية يف إ‪٬‬تاد تعريف لئلرىاب مع األخذ بعُت االعتبار الدكافع بعيدان عن األخذ باألشكاؿ كاألساليب‬

‫‪.‬كمن تلك التعريفات تعريف مؤ٘تر فرسوفيا لتوحيد القانوف ا‪ٞ‬تزائي عاـ َُّٗـ للجرٯتة اإلرىابية بأهنا‬

‫‪":‬االستعماؿ العمدم لكل كسيلة قادرة على إحداث خطر ‪ٚ‬تاعي كيعترب الرعب عنصران أساسيان يف تكوين‬

‫ىذه ا‪ٞ‬ترٯتة " ‪ ،‬كما أف اإلرىاب يف نظر االتفاقية العربية ‪١‬تكافحة اإلرىاب كا‪ٞ‬ترٯتة ىو ‪" :‬كل فعل من أفعاؿ‬

‫العنف أك التهديد بو أيان كاف بواعثو أك أغراضو ‪ ،‬يقع تنفيذان ‪١‬تشركع فردم أك ‪ٚ‬تاعي‪ ،‬كيهدؼ إذل إلقاء‬

‫الرعب بُت الناس أك تركيعهم بإيذائهم أك تعريض حياهتم أك حريتهم أك أمنهم للخطر‪ ،‬أك إ‪ٟ‬تاؽ الضرر‬

‫بالبيئة أك بأحد ا‪١‬ترافق أك األمبلؾ العامة أك ا‪٠‬تاصة ‪ ،‬أك احتبل‪٢‬تا أك االستيبلء عليها ‪ ،‬أك تعريض أحد ا‪١‬توارد‬

‫الوطنية للخطر" (‪٤‬تمد ‪.)ََِٓ ،‬‬


‫‪117‬‬

‫أىمية القضية ‪ :‬تعد قضية اإلرىاب من القضايا اليت تشغل العادل ا‪١‬تعاصر ‪ ،‬ككما أشرنا من قبل فليس‬

‫لئلرىاب مفهومان كاضحان ‪٤‬تددان ؛كلذلك لزـ على آّتمعات أف تيبُت ألبنائها مفهوـ اإلرىاب كما ىي‬

‫األعماؿ اليت ٯتكن أف تيوصف باإلرىابية كما ىي األعماؿ اليت تدخل يف ا‪١‬تقاكمة ا‪١‬تشركعة أك ا‪١‬تعارضة‬

‫ا‪١‬تسموح ّٔا ‪ .‬كما يكوف من األ‪٫‬تية ٔتكاف أف ٖترص آّتمعات اإلنسانية اليوـ على ٖتديد دقيق ‪١‬تعٌت‬

‫اإلرىاب حىت ال يتحوؿ إذل ابتزاز سياسي أك ديٍت أك ٖتقيق أطماع شخصية أك قمع اآلخرين كاضطهادىم‬

‫باسم االرىاب ‪.‬‬

‫نظرة الشريعة ‪:‬‬

‫أكد آّمع الفقهي اإلسبلمي يف اجتماعو الذم يعقد ٔتكة ا‪١‬تكرمة يف ِٔ شواؿ ُِِْق ا‪١‬توافق َُ‬

‫ينايرََِِ يف رابطة العادل اإلسبلمي ٔتكة ا‪١‬تكرمة أف التطرؼ كالعنف كاإلرىاب ليس من اإلسبلـ يف شيء‬

‫كأهنا أعماؿ خطَتة ‪٢‬تا آثار فاحشة كفيها اعتداء على اإلنساف كظلم لو ‪ ،‬كمن تأمل مصدرم الشريعة‬

‫اإلسبلمية كتاب ا﵁ الكرًن كسنة نبيو فلن ‪٬‬تد فيها شيئان من معاين التطرؼ كالعنف كاإلرىاب‪،‬الذم يعٍت‬

‫االعتداء على اآلخرين دكف كجو حق ‪.‬‬

‫موضوع اإلرىاب من ا‪١‬توضوعات ا‪١‬تثَتة ىذه األياـ فبل تكاد دكلة يف العادل إال يٖتذر منو ‪ .‬كاإلرىاب مرتبط‬

‫بالدمار كالقتل كالعنف ‪ ،‬كقد كانت أكؿ قضية إرىاب أفضت إذل قتل يف تاريخ البشرية عندما قتل ابن آدـ‬

‫قربا قرباناً فتُقبل من أحدىما ولم‬


‫األكرب أخاه األصغر ‪ ،‬قاؿ تعاذل‪﴿:‬واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ َّ‬

‫يُتقبل من اآل خر قال ألقتلنك قال إنما يتقبل اهلل من المتقين ‪ .‬لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا‬

‫بباسط يدي إليك ألقتلك إني أخاف اهلل رب العالمين ﴾(القرآف‪.‬ا‪١‬تائدة ٓ‪ . )ِٕ:‬كقد أخذ مفهوـ‬
‫‪118‬‬

‫اإلرىاب بيعدان سياسيان بعد أحداث سبتمرب ََُِ ـ يف أمريكا فبدأت االهتامات تيوجو إذل فئات ك‪ٚ‬تاعات‬

‫كدكؿ كديانات بتبٍت اإلرىاب أك توفَت بيئة حاضنة لو ف كمن كجهة نظر الباحث أف ىذا ا‪١‬تنحى كىو توجيو‬

‫التهم بشكل عشوائي باإلرىاب دكف ٖتديد معناه يػي ىع ُّد يف حد ذاتو إرىابان ‪ .‬فاألرىاب ال يرتبط بدين كال فئة‬

‫كال دكلة دكف غَتىا بل إنو يرتبط باإلنساف كنوازعو ا‪١‬تختلفة اليت تؤدم إذل أف يتجو ‪٨‬تو العنف كٖتقيق مآربو‬

‫بالعنف كالقتل ‪ .‬كالتوسع يف مفهوـ اإلرىاب كتوجيو أصابع االهتاـ ‪٨‬تو دين يمعُت – اإلسبلـ مثبلن – ال‬

‫يعاجل ا‪١‬تشكلة بل إنو يفاقم منها ‪ .‬فا‪٠‬تطوة األكذل للتقليل من اإلرىاب أك ٖتجيمو ىو االتفاؽ على ا‪١‬تفهوـ‬

‫ٍب العمل على ‪٤‬تاربتو فرديان‪ ،‬ك‪ٚ‬تاعيان‪ ،‬كدكليان ‪ ،‬كبدكف ٖتديد ا‪١‬تصطلح فسيظل اإلرىاب كسيلة لبلبتزاز‬

‫السياسي كإرىاب األفراد كالدكؿ با‪ٝ‬تو ‪ٕ .‬تدر اإلشارة إذل أف العادل فشل يف التوصل إذل ٖتديد دقيق ‪١‬تفهوـ‬

‫اإلرىاب كىذا ما بدا كاضحان يف فشل ا‪١‬تؤ٘تر ا‪١‬تنعقد القاىرة كباريس يف العاـ ُّٕٗـ من ٖتديد مفهوـ‬

‫كاضح لئلرىاب (عز الدين‪ . )ُْٗٗ،‬كيف ببلدنا اإلسبلمية عمومان كالبلداف العربية على كجو ا‪٠‬تصوص يعد‬

‫اختبلط مفهوـ ا‪ٞ‬تهاد باإلرىاب من ا‪١‬تشكبلت الكربل اليت تثَت جدالن كبَتان ‪.‬‬

‫ٖ‪ -‬الثورات والتغيير السلمي ‪:‬‬

‫ثار‬
‫يج ما يكو يف ‪ :‬قد ى‬
‫ضباف أ ٍىى ى‬ ‫المفهوم ‪ :‬جاء يف تاج العركس لثػ ٍَّور ‪ :‬ا‪٢‬تيىجا يف ‪ .‬ثار الشَّيءي ى‬
‫ىاج كيقاؿ للغى ٍ‬

‫ضبيو ‪ .‬الثػ ٍَّور(الزبيدم‪. )ََُِ،‬جاء يف قاموس ا‪١‬تعاين ‪:‬ثورات ‪ٚ‬تع ثورة‪ ،‬كالثورة ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كفار فائ يره إذا ىاج ىغ ى‬
‫ثائ يره ى‬
‫تغيَت أساسي يف األكضاع السياسية كاالجتماعية يقوـ بو الشعب يف دكلة ما ‪ .‬ثورة سلمية ‪ :‬يقوـ ّٔا ا‪١‬تدنيوف‬

‫لتحقيق أغراضها بدكف سبلح أك إراقة دماء ‪.‬أما اثورة ا‪١‬تسلحة فهي اليت تعتمد على السبلح كسيلة للتغيَت‪.‬‬
‫‪119‬‬

‫أىمية القضية ‪:‬‬

‫ٖتتل قضية الثورات كالتغيَت السلمي أ‪٫‬تية كربل كوهنا تأٌب يف فًتة شهدت ا‪١‬تنطقة العربية فيها ثورات ما أطلق‬

‫عليو "الربيع العريب" كقد اختلفت ىذه الثورات يف كسائلها عن الثورات اليت كاف الناس يعرفوهنا يف السابق‬

‫‪،‬فقد كاف الطابع ألم ثورة ىو طابع العنف كاالعتماد على السبلح يف التغيَت ‪ ،‬بينما ما شهده العادل العريب‬

‫من ثورات منذ العاـ ََُِ ـ ٘تيز ٓتركج ‪٣‬تموعات ىائلة من ‪٥‬تتلف قطاعات الشعب إذل الشوارع الرئيسية‬

‫كطالبوا برحيل األنظمة ‪ ،‬كاستمركا ألسابيع أك أشهران لتحقيق أىدافهم‪ ،‬ك٭تتاج ىذا ا‪ٞ‬تيل إذل دراسة التغيَت‬

‫بالطرؽ السلمية‪ ،‬كالتعبَت عن اآلراء كذلك بالطرؽ السلمية‪ ،‬كترسيخ معاين التغيَت السلمي كا‪ٟ‬تفاظ على‬

‫مكتسبات الببلد‪ ،‬كعدـ استباحة دماء ا‪١‬تسلمُت ‪ .‬كلذلك تأٌب أ‪٫‬تية تضمُت كتب الفقو ا‪١‬تدرسية مثل ىذه‬

‫القضايا ا‪ٟ‬تديثة ‪ .‬كالثورة الشعبية السلمية قضية معاصرة فرضت نفسها على كاقع ا‪ٟ‬تياة يف الوقت ا‪ٟ‬تاضر ‪،‬‬

‫كىي كإف كانت كسيلة للتعبَت عن الرأم ‪ ،‬لكن ليس من البساطة تكييفها كإ‪ٟ‬تاقها بصورة من صور التعبَت‬

‫عن الرأم ‪ .‬لذا ٯتكن ابتداءن أف نضع بعض ا‪١‬تبلمح اليت تعرب عن الثورة الشعبية السلمية من خبلؿ معايشة‬

‫الباحث للحدث حيث كاليمن ىي إحدل دكؿ الربيع العريب فإف من أىم ما ٯتيز الثورة الشعبية اآلٌب ‪:‬‬

‫ُ‪-‬أهنا عفوية تأٌب كنتيجة ك‪٤‬تصلة طبيعية لًتدم األكضاع االقتصادية كالسياسية كغَتىا ‪.‬‬

‫ِ‪-‬أف غياب العدالة كشحة فرص العمل كالظلم كالتضييق على ا‪ٟ‬ترية كغَتىا من األسباب ىي أىم أسباب‬

‫الثورة‪.‬‬

‫ّ‪-‬تتميز الثورة بأف الشباب ىم كقودىا ك‪٤‬تركها الرئيس ‪.‬‬


‫‪120‬‬

‫ْ‪ٕ-‬تمع يف طياهتا ‪٥‬تتلف التوجهات السياسية كا‪ٟ‬تزبية كتتميز باال‪٩‬تراط الشعيب يف صفوفها ‪.‬‬

‫ٓ‪-‬ترفع شعار السلم كتتحاشى اللجوء إذل القوة ‪.‬‬

‫ٔ‪ -‬ال تطالب بإسقاط حاكم كتنصيب بديل عنو ‪ ،‬بل تدعو إذل ترسيخ نظاـ يكوف ألم فرد يف آّتمع‬

‫تتحقق فيو الشركط أف يتوذل ا‪ٟ‬تكم يف الببلد ك٭تاسب فًتة توليو ‪.‬‬

‫ٕ‪-‬ال تدعو الثورات السلمية إذل الفوضى كتدمَت مكتسبات الشعوب كاالنتقاـ كإ‪٪‬تا تدعو إذل التغيَت اإل‪٬‬تايب‬

‫كتطمح الشعوب الثائرة إذل ٖتسُت كاقع ا‪ٟ‬تياة كا‪ٟ‬تقوؽ كا‪ٟ‬تريات ‪.‬‬

‫كنظران ألف الثورات السلمية الشعبية قضية عصرية فقد اختلف فيها علماء ا‪١‬تسلمُت بُت متحمس ي‪٣‬تيز ‪٢‬تا‬

‫كبُت ي‪٤‬تىّْرـ ‪٢‬تا كمانع ‪ .‬فمن ا‪١‬تمتحمسيىن ‪٢‬تا من علماء العصر الدكتور القرضاكم رئيس االٖتاد العا‪١‬تي لعلماء‬

‫ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬كال ٗتفى مواقف الدكتور القرضاكم من ثورات الربيع العريب حيث اعتربىا نوعان من أنواع ا‪ٞ‬تهاد ‪،‬‬

‫كاستدؿ بعدد من األحاديث‪ ،‬كمن أ‪٫‬تها ‪":‬أعظم ا‪ٞ‬تهاد كلمة عدؿ عند سلطاف جائر " كاعترب إف جور‬

‫ا‪ٟ‬تكاـ كفسادىم ىو الذم جعل الشعوب تثور ضدىم كأقسم بأف ثورات الربيع العريب ستنتصر كاعترب من‬

‫ييقتل من ا‪١‬تتظاىرين السلميُت من الشهداء ‪ .‬كمن ا‪١‬تعارضُت للحراؾ الشعيب كثورات الربيع العريب الدكتور‬

‫‪٤‬تمد سعيد رمضاف البوطي الذم يرل أنو ال جهاد إال يف فلسطُت كال ‪٬‬توز ا‪٠‬تركج على ا‪ٟ‬تاكم إال حاؿ‬

‫الكفر البواح ‪(.‬الوطن ‪ . )َُِّ ،‬كقد تناكؿ الدكتور بوزياف (َُِّ) يف دراسة بعنواف "ا‪١‬توازنة بُت مصاحل‬

‫التعبَت عن اإلرادة العامة كمفاسدىا" تناكؿ الثورة السلمية بالتأصيل ‪ ،‬كال يسع الباحث ىنا إال أف ينقل بعضان‬
‫‪121‬‬

‫‪٦‬تا جاء يف الدراسة ‪ ،‬فقد أشارت إذل ضركرة مراجعة يف ا‪١‬توركث السياسي اإلسبلمي كضركرة أف تستعيد‬

‫األمة دكرىا يف القرار ‪ ،‬كعدـ استصغار األمة أك كصفها بالعامة أك الغوغاء كالد‪٫‬تاء ‪.‬‬

‫كمن ٍب فإف قضية الشرعية السياسية تعترب مدخل مقاصدم مهم غاب عن باؿ فقهاء الدكلة السلطانية‪،‬‬

‫فنسوا أف الشرعية ىي الطريق كالضمانة إذل تطبيق الشريعة‪ٔ ،‬تعٌت أف إقامة حكم دٯتقراطي ٭تًتـ إرادة األمة‬

‫كحرية الفرد ىو السبيل إذل تطبيق أحكاـ الشريعة اإلسبلمية‪ ،‬كّٔذا يكوف لؤلمة يف الفكر السياسي اإلسبلمي‬

‫العامة‪ .‬كمن خرب الصحابة يف ‪٦‬تارستهم للشورل يف‬


‫فعاالن يف ا‪ٟ‬تياة السياسية كفق مبادئها كمصا‪ٟ‬تها ٌ‬
‫دكران ٌ‬
‫اختيار ا‪ٟ‬تاكم‪ ،‬أ ٌف عبد الر‪ٛ‬تن بن عوؼ رضي ا﵁ عنو بقي يشاكر ثبلثة أياـ‪ ،‬كأنو شاكر حىت العذارل يف‬

‫خدكرىن ‪.‬كرغم عيوب الدٯتقراطية إال أف رفضها يصب يف مصلحة االستبداد ‪ ،‬كنظاـ الشورل يف اإلسبلـ‬

‫كقاية من د اء االستبداد ك٭تتاج إذل دراسات تأصيلية كليس ‪٣‬ترد بعض اإلشارات يف ثنايا تفسَت بعض اآليات‬

‫فالشورل ٖتمي الشعوب من استبداد حكامها كما أهنا ٖتمي ا‪ٟ‬تاكم من نزعة االستبداد ‪.‬‬

‫كرغم أ‪٫‬تية ىذه ا‪١‬تقاصد إال أف الفقو السياسي اإلسبلمي غَت جازـ حوؿ مسألة مدل إلزامية الشورل كىل‬

‫ىي لئلعبلـ أـ لئللزاـ؛ كىي ا‪١‬تسألة اليت يًتتب على الفصل فيها معرفة منػزلة قاعدة حكم األغلبية‪ ،‬ألف‬

‫القوؿ بإلزامية الشورل ىو قوؿ مآلو إذل األخذ ٔتبدأ األغلبية يف التعبَت عن اإلرادة العامة‪.‬كأماـ ىذا دل نعدـ‬

‫من كبار العلماء من قرر بصراحة ككضوح أف إخبلؿ اإلماـ كالسلطة بالشورل يعد مربرا كافيا لعزلو‪ ،‬كىو رأم‬

‫اإلماـ القرطيب‪ ،‬حيث يعترب رائدا بالنسبة ‪١‬تا ساد يف ىذا الشأف يف الفقو السياسي الشرعي؛ فلم يكن صلٌى‬

‫يتصرؼ ٔتقتضى‬
‫ا﵁ عليو كسلم يقطع برأم يف الشأف السياسي إالٌ عن مشورة من أصحابو‪ ،‬ككثَتا ما كاف ٌ‬
‫تصرفاهتم‪ْ ،‬تيث يتقرر معو أف الزمن الذم‬
‫رأيهم ا‪١‬تخالف لرأيو‪ ،‬كالتزـ ذلك النهج ا‪٠‬تلفاء الراشدكف يف عموـ ٌ‬
‫‪122‬‬

‫منح فيو الفقو السياسي ‪١‬تنصب رئيس الدكلة صبلحيات كاسعة ىو بداية االستبداد كا‪١‬تلك العضوض حيث‬

‫األمة‪ .‬كبعد تأصيلو ‪١‬تبدأ الشورل كأف إخبلؿ ا‪ٟ‬تاكم ّٔا ييعد سببان‬
‫نتج ذلك ا‪١‬تستبد يف ا‪ٟ‬تكم دكف مشورة ٌ‬
‫كافيان لعزلو من األمة فقد أشار إذل االختبلؼ الكبَت يف توصيف ما حدث من ثورات سلمية فيقوؿ يف ىذا‬

‫ا‪ٞ‬تانب ‪ ،‬لقد تشعبت األمور كاختلط ا‪ٟ‬تابل بالنابل على كثَت من أبناء األمة اإلسبلمية كعلى بعض فقهائها‬

‫كأصبح ا‪ٞ‬تميع يتطلع إلنقاذ األمة من كاقعها السيئ؛ سعيان للحصوؿ على التغيَت اإل‪٬‬تايب الذم ٭تقق ‪٢‬تا‬

‫ا‪١‬تصاحل كيدرأ عنها ا‪١‬تفاسد‪ ،‬كفق معتقداهتا كأخبلقها؛ لذا فقد اختلفت مدارس التغيَت كانقسمت رؤل‬

‫اإلصبلح كالتغيَت السياسي كفق منهجُت‪ :‬منهج التغيَت عن طريق الًتبية كالتزكية ا‪١‬ترحلية امتثاالن لقولو تعاذل‪:‬‬

‫﴿ إن اهلل ال يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ﴾(القرآف ‪ .‬الرعدُّ‪ )ُُ:‬كا‪١‬تنهج الثاين ‪ :‬منهج التغيَت‬

‫عن طريق تغيَت النظاـ القائم سلميان حىت كإف تطلب األمر اللجوء للقوة ا‪١‬تسلحة حىت كصل البعض إذل جواز‬

‫كبُت ا‪١‬تنهجُت موافقات كفركؽ يف مدل مشركعية اعتماد كسائل االحتجاج كالتظاىر‬
‫االستعانة بالكفار‪ٍ .‬‬
‫على السلطة النظامية؛ كنطاؽ حاكمية اإلرادة العامة يف إطار حاكمية الشريعة؛ كما ىي ا‪١‬تصاحل كا‪١‬تفاسد‬

‫ا﵀تملة إذا ًب االحتكاـ إذل منهج فقو ا‪١‬توازنات حيث يظهر االختبلؼ حوؿ تكييف الثورة الشعبية السلمية‪،‬‬

‫ىل ىي خركج على ا‪ٟ‬تاكم؟ أك ىي مظاىرات سلمية؟ أك مظاىرات عنف؟ أك اعتصامات احتجاج؟ كّٔذا‬

‫يظهر َّ‬
‫أف إشكالية التكييف‪ ،‬أحد أىم أسباب ا‪٠‬تبلؼ الفقهي بُت بعض العلماء يف ىذه النازلة‪.‬‬

‫كتعترب فكرة ا‪١‬تقاكمة ا‪١‬تسلحة لعزؿ اإلماـ الطاغية كا‪٠‬تركج على السلطة عند جنوحها إذل ىاكية االستبداد‬

‫كالطغياف كاحدة من ا‪١‬تسائل الفقهية اليت دار حو‪٢‬تا جدؿ كبَت يف موركثنا السياسي كالدستورم‪ ،‬بعػد أف‬

‫ٖتولت السلطة من خبلفة راشدة إذل ملك عضوض ‪ ،‬كبرز منهجاف ‪ :‬ا‪١‬تنهج األكؿ كأصحابو القائلوف‬
‫‪123‬‬

‫بوجوب ا‪٠‬تركج كا‪١‬تقاكمة اإل‪٬‬تابية ‪ ،‬كعلى رأس ىؤالء ا‪٠‬توارج كا‪١‬تعتزلة كالزيدية كالكثَت من ا‪١‬ترجئة كبعض أىل‬

‫السنة فعندىم أف اإلماـ الفاسق أك ا‪ٞ‬تائر الذم ال يرضخ للعزؿ يتعُت عزلو بالقوة كبالثورة عليو إذا اقتضى‬

‫األمر ذلػك‪ ،‬كىو ما يسمى با‪٠‬تركج نسبة إذل فرقة ا‪٠‬توارج يف التاريخ ‪ .‬كىذا ىو قوؿ علي بن أيب طالب‬

‫كقوؿ عائشة كطلحة ككل من كاف معهم من الصحابة ‪،‬كالزبَت ككل من كاف معهم من الصحابة‪ ،‬كقوؿ‬

‫معاكية كعمرك بن العاص كالنعماف بن بشَت ككل من كاف معهم من الصحابة‪ ،‬ككذلك ىو قوؿ ‪ٚ‬تيع الذين‬

‫خرجوا على ا‪٠‬تلفاء األمويُت كالعباسيُت مثل اإلماـ ا‪ٟ‬تسُت كعبد ا﵁ بن الزبَت ‪-‬رضي ا﵁ عنهم‪.‬كاالٕتاه‬

‫الثاين ىو الذم يدعو إذل الصرب كاالكتفاء با‪١‬تعارضة السلبية ‪ ،‬كىذا االٕتاه ٯتثلو أكثر أىل ا‪ٟ‬تديث كالكثَت‬

‫من أىل السنة فبل ‪٬‬توز عندىم ا‪٠‬تركج على السلطة الظا‪١‬تة ْتد السيف كال تعدت على حقوؽ الناس‬

‫كارتكبت فسقان صر٭تان كمن أبرز ركاد ىذا االٕتاه اإلماـ أ‪ٛ‬تد‪ .‬كتبعو يف ذلك شيخ اإلسبلـ ابن تيمية فقاؿ‪:‬‬

‫"إف ا‪١‬تشهور من أىل السنة أهنم ال يركف ا‪٠‬تركج على األئمة كقتا‪٢‬تم بالسيف؛ كإف كاف فيهم ظلم‪ ،‬ألف‬

‫الفساد يف القتاؿ كالفتنة أعظم من الفساد ا‪ٟ‬تاصل بظلمهم بدكف قتاؿ كال فتنة؛ فيدفع أعظم الفسادين‬

‫بالتزاـ األدىن ‪ .‬كيرل الباحث أف ظركؼ ىذا الرأم كانت ‪٥‬تتلفة فقد كانت أياـ ا‪٠‬تطر التًتم ‪ ،‬كدفع خطر‬

‫الصليبُت الذم ىو ا‪٠‬تطر األكرب أكذل من ا‪٠‬تركج على ا‪ٟ‬تاكم الظادل ‪ ،‬كىو من باب ٖتمل الضرر األخف‬

‫لدفع ا‪٠‬تطر األعظم ‪ .‬ك‪٦‬تا ٕتدر اإلشارة إليو ىو أف ‪ :‬ا‪٠‬تركج على اإلماـ ا‪ٞ‬تائر ال يعد بغيان؛ ألف البغي كما‬

‫عرفو ابن خلدكف كسائر الفقهاء بأنو "ا‪٠‬تركج على اإلماـ ا‪ٟ‬تق (العادؿ) بغَت حق"‪ ،‬كبالتارل فإف ا‪٠‬تركج على‬

‫اإلماـ غَت ا‪ٟ‬تق ال يعد بغيا‪ ،‬فخركج ا‪ٟ‬تسُت ال يعد بغيا‪ ،‬بل إف ابن خلدكف حكم على أنو شهيد‬

‫مثاب‪.‬كما أف الصرب على الطاغية ال يعٍت التخلي عن مبدأ األمر با‪١‬تعركؼ كالنهي عن ا‪١‬تنكر‪ .‬كقد ظهر‬

‫إتاه ثالث يوفق بُت الرأيُت فإذا أمنت الفتنة كٖتققت االستطاعة يف التغيَت فيجوز ا‪٠‬تركج كالعكس ‪ .‬كىذه‬
‫‪124‬‬

‫ىي مدرسة فقو ا‪١‬توازنات‪.‬كيف تناكؿ الباحث للثورات العربية فيقوؿ ‪":‬من يتأمل الثورات العربية ا‪١‬تعاصرة‪،‬‬

‫كيراجع التاريخ السياسي للثورات الشعبية العا‪١‬تية عموما‪٬ ،‬تدىا أكسع شأنان من ا‪١‬تظاىرات كاالحتجاجات‬

‫األخرل‪ ،‬كما يبلحظ بينها كبُت غَتىا فركقا‪ ،‬فهي انتفاضة شعبية عامة ال ٘تثل تياران بعينو؛ كما َّأهنا سلمية ال‬

‫عسكرية‪ ،‬فبل سبلح فيها كال شوكة‪ ،‬كما أهنا عفوية كتلقائية ظهرت مفاجئة يعسر توقعها بدقة إف دل يكن‬

‫غَت ‪٦‬تكن ‪ ،‬كىي كسيلة للضغط على السلطة" ‪ ،‬كللمظلوـ ا‪ٟ‬تق با‪ٞ‬تهر ا‪١‬تشار إليو بقولو تعاذل ‪﴿:‬ال يحب‬

‫اهلل الجهر بالسوء من القول إال من ظُلم ﴾(القرآف ‪.‬النساء ْ‪ )ُْٖ:‬كقولو تعاذل ‪ ﴿:‬ولمن انتصر بعد‬

‫ظلمو فأولئك ما عليهم من سبيل ﴾ (القرآف ‪ .‬الشورل ِْ‪.)ُْ:‬‬

‫يقوؿ الريسوين‪" :‬كمفهوـ اآلية أف من ظيلم جاز لو أف يفعل ما ال ‪٬‬توز لغَت ا‪١‬تظلوـ فعلو‪ ،‬كجاز لو أف يقوؿ‬

‫كأف يرفع صوتو كأف يعرب التعبَت القوم الذم يبلغ كيوصل مظلوميتو‪ ،‬فلو أف يرفع من سقف احتجاجو‪ ،‬كمن‬

‫سقف مقاكمتو للظلم"‪ ،‬كيضيف "فليس ىناؾ حد ‪٢‬تذا االحتجاج‪ ،‬بل ىو االحتجاج على الظلم‪،‬‬

‫كاالحتجاج بدكف شك ىو نوع من إنكار ا‪١‬تنكر‪ ،‬كنوع من تغيَت ا‪١‬تنكر‪ ،‬كتغيَت ا‪١‬تنكر كما يقوؿ العلماء من‬

‫ضوابطو عند العلماء أال يأٌب ٔتنكر أكرب متوقع‪ ،‬يعٍت اإلنساف قد يصل إذل نتائج غَت متوقعة‪ ،‬كىذا ال يبلـ‬

‫عليو أحد‪ ،‬كىذا االحتجاج ‪٬‬توز" فمقصد ا‪ٞ‬تهر بالسوء أماـ كل ظادل حكمتو توضيح عاقبة الظا‪١‬تُت كشناعة‬

‫ظ لىوي فىػ ىه ٌم بًًو‬


‫صلَّى ا﵁ي ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم‪ ،‬فىأى ٍغلى ى‬ ‫ىف رجبلن تىػ ىقاضى رس ى ً‬
‫وؿ اللَّو ى‬ ‫ى ىي‬
‫ً‬
‫كع ٍن أًىيب يىىريٍػىرىة ىرض ىي اللَّوي ىعٍنوي‪ :‬أ َّ ى ي‬
‫الظلم‪ .‬ى‬
‫ض ىل ًم ٍن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اؿ‪" :‬دعوه‪ ،‬فىًإ َّف لًص ً‬
‫ب ا‪ٟ‬تى ّْق ىم ىقاالن‪ ،‬ىكا ٍشتىػ يركا لىوي بىع نَتا فىأ ٍىعطيوهي إًيَّاهي" ىكقىاليوا‪ :‬الى ى‪٧‬ت يد إًالَّ أىفٍ ى‬
‫اح ً‬ ‫ى‬ ‫ىص ىحابيوي‪ ،‬فىػ ىق ى ى ي ي‬
‫أٍ‬
‫ضاءن "(ا‪ٟ‬تديث ‪،‬الًتمذم‪،‬كتاب البيوع‪: :‬‬
‫ىح ىسني يك ٍم قى ى‬ ‫ًسن ًّْو‪ ،‬قى ى‬
‫اؿ‪" :‬ا ٍشتىػ يركهي‪ ،‬فىأ ٍىعطيوهي إًيَّاهي‪ ،‬فىًإ َّف ىخٍيػىريك ٍم أ ٍ‬

‫ُُّٕ)‪.‬‬
‫‪125‬‬

‫إف ىذه الثورات ىي ثورات ضد الظلم كالطغياف كالفساد‪ ،‬كنوع من التعاكف على الرب كالتقول‪ ،‬أسلمت ىذه‬

‫األنظمة األمة كأرضها كحقوقها كمصا‪ٟ‬تها للعدك يتصرؼ فيها كما يشاء‪ ،‬كقد ٕتلى ذلك يف أكضح صوره يف‬

‫حرب غزة‪ ،‬كيف احتبلؿ العراؽ‪ ،‬كاحتبلؿ أفغانستاف‪ ،‬كىذه ا‪٠‬تيانة لؤلمة كلشعؤّا كافية كحدىا يف كجوب‬

‫تغيَت ىذه ا‪ٟ‬تكومات على فرض شرعيتها ‪ .‬كال حجة ‪١‬تن يرل أف الصرب على الظلم خَت من مقاكمتو درءان‬

‫للفتنة استشهادان ْتوادث تارٮتية جزئية دكف إدراؾ خطورة الظلم ذاتو؛ كأف ما يًتتب عليو من نتائج أشد على‬

‫ا‪١‬تدل البعيد من اآلثار السلبية اليت تنتج عن مقاكمتو‪ .‬كما أف الثورات العربية ليس خركجان مسلحان فهو عمل‬

‫غَت مسبوؽ‪ ،‬كإبداع فكرم جديد يف تغيَت نظاـ ا‪ٟ‬تكم السياسي‪ ،‬فهو ٔتثابة ا‪ٞ‬تهاد ا‪١‬تدين كىو ا‪٠‬تركج إذل‬

‫ا‪١‬تيادين العامة ألجل التظاىر كاالعتصاـ سلميا إذل أف يسقط االستبداد أك الفساد‪ ،‬حسب ظركؼ كل دكلة‬

‫عربية ‪ .‬ك‪٢‬تذا عدىا بعض ا‪١‬تقاصديُت ا‪١‬تعاصرين ‪،‬كالريسوين نازلة من النوازؿ الشرعية‪ ،‬حكمها ا‪ٞ‬تواز ماداـ‬

‫حرموا الثورة كاعتربكىا‬


‫ىناؾ سلم كعدـ رفع للسبلح‪ ،‬بل تكوف كاجبا أحيانا‪ ،‬كخبلفا ‪ٞ‬تمهرة العلماء الذين َّ‬

‫خركجا على ا‪ٟ‬تاكم‪ ،‬يرل د‪ .‬الريسوٌب كد‪ .‬عمارة كد‪ .‬ا‪١‬تطَتم ردان على ا‪١‬تعارضُت للثورات السلمية‪ -‬أهنم دل‬

‫يفهموا كلمة (ا‪٠‬تركج) فا‪٠‬تركج ىو ما يكوف مسلحان‪ ،‬أما الثورات السلمية كما حدث يف الدكؿ العربية‪ ،‬فهذه‬

‫ال تعد خركجان على ا‪ٟ‬تاكم حىت كلو كاف حاكمان شرعيان‪ ،‬كذلك ألف أبا بكر الصديق ا‪٠‬تليفة األكؿ قاؿ يف‬

‫خطبتو األكذل‪" :‬أطيعوين ما أطعت ا﵁ كرسولو فإف عصيت ا﵁ كرسولو فبل طاعة رل عليكم "(ابن ىشاـ ‪،‬‬

‫من خبلؿ ما سبق فيمكن أف نستنتج أ‪٫‬تية أف ٘تارس األمة دكرىا يف تعيُت ا‪ٟ‬تاكم ك‪٤‬تاسبتو كعزلو ‪ ،‬كعلى‬

‫ا‪١‬تسلمُت أف يضعوا القواعد العامة اليت تنظم تولية ا‪ٟ‬تاكم كمساءلتو كعزلو ‪ ،‬كما ٯتكن القوؿ بأف الثورة‬

‫السلمية لتغيَت ا‪ٟ‬تاكم كوس يلة حديثة ‪٢‬تا مربراهتا ‪ ،‬فما داـ أهنا ال تؤدم إذل مفاسد كربل كال ٖتمل السبلح‬
‫‪126‬‬

‫كال تستبيح حرمات ا‪١‬تسلمُت كال ٖتمل الطابع الشخصي فبل تنطبق عليها أحكاـ ا‪٠‬تركج على ا‪ٟ‬تاكم العادؿ‬

‫ا‪١‬تقيم للشريعة اإلسبلمية ‪ .‬ك‪٦‬تا ٯتكن التأكيد عليو ىنا ىو النظر إذل أصل ا‪١‬تشكلة كىو الظلم الواقع على‬

‫عامة الشعب ‪ ،‬كلذا فعلى الشعوب أف تتجو لتأسيس نظاـ ال يسمح للحاكم التسلط كٕتتهد ٔتا ٭تقق ا‪ٟ‬تياة‬

‫الكرٯتة للناس كحفظ حقوقهم كٖتقيق األمن كاالستقرار‪ ،‬كالشريعة اإلسبلمية إ‪٪‬تا جاءة لتحقيق مقاصد‬

‫عظيمة ‪ ،‬من أبرزىا ‪ :‬حفظ الدين كالنفس كالعرض كا‪١‬تاؿ كا‪ٟ‬تق ‪ ،‬فالدعوة كالعمل لتحقيق ذلك ىو من‬

‫أفضل األعماؿ ‪ .‬كتوافق األمة على كضع تلك األسس ا‪١‬تنظمة لعمل ا‪ٟ‬تاكم كالتعامل معو تولية كعزالن أمر يف‬

‫غاية األ‪٫‬تية حىت ال تصبح حياة ا‪١‬تسلمُت كلها ثورات كتتحوؿ من مطلب عاـ إذل مطالب حزبية كفئوية‬

‫كشخصية ‪.‬‬
‫‪127‬‬

‫ثالثاً ‪ :‬مجال األحوال الشخصية‬

‫ٔ‪ -‬زواج القاصرات (الصغيرات ) ‪:‬‬

‫تعريف المصطلح ‪ :‬الزكاج يف اللغة ‪ :‬اقًتاف الذكر باألنثى بعقد شرعي‪ ،‬أما القاصر بكسر الصاد ‪ :‬من قصر‬

‫عن الشيء إذا تركو عجزان‪ ،‬أك عجز عنو كدل يستطعو (ابن منظور‪ ،‬مرجع سابق) كالقاصر اصطبلحان‪ :‬ىو من‬

‫دل يستكمل أىلية األداء‪ ،‬سواء كاف فاقدان ‪٢‬تا كغَت ا‪١‬تميز أـ ناقصها كا‪١‬تميز ‪(.‬الزحيلي ‪ ،‬مرجع سابق) ‪.‬‬

‫الزكاج ْتسب قانوف األحواؿ الشخصية اليمٍت ىو ‪ :‬ارتباط بُت زكجُت ٔتيثاؽ شرعي ٖتل بو ا‪١‬تراة للرجل‬

‫شرعان كغايتو إنشاء أسرة قوامها حسن العشرة ‪(.‬العنسي‪.)ََِٗ،‬‬

‫القاصر يف القانوف العراقي ‪ :‬اإلنساف الذم دل يبلغ سن الثامنة عشر من عمره ال يكوف ْتكم البالغ العاقل‬

‫الرشيد كيستثٌت من ذلك القاصر يف حالة ٘تامو ا‪٠‬تامسة عشر من عمره كزكاجو بإذف ا﵀كمة ا‪١‬تختصة ‪ ،‬إذ‬

‫يعترب حينئذ بالغان سن الرشد على كفق أحكاـ ا‪١‬تادة (الثامنة) من قانوف األحواؿ الشخصية رقم (ُٖٖ) لسنة‬

‫(ٗٓ) ا‪١‬تعدؿ (ا‪١‬توسوم‪ . )ََِٓ،‬كيف القانوف اليمٍت ‪ ":‬ال يصح تزكيج الصغَت ذكران كاف أك أينثى دكف‬

‫بلوغو ‪ٜ‬تسة عشرة سنة " (العنسي‪،‬مرجع سابق) كقد أقر ‪٣‬تلس النواب اليمٍت تعديبلن على قانوف األحواؿ‬

‫الشخصية‪ ،‬بعد أف الحظ تفشي ىذه الظاىرة‪ْ ،‬تيث حدد سن الزكاج للفىت أك الفتاة بػعمر( ُٕ) عامان‪.‬‬
‫‪128‬‬

‫أىمية القضية ‪:‬‬

‫قضية زكاج القاصرات ىي من أىم القضايا ا‪ٞ‬تدلية يف الوطن العريب عامة ‪ ،‬كيف اليمن على كجو ا‪٠‬تصوص ‪،‬‬

‫فقد أكضحت دراسة للباحثة سجا عبد الرضى(ََُِ) بأف ىذه القضية أصبحت ظاىرة كبأف زكاج‬

‫القاصرات يف ازدياد مستمر ‪ ،‬حيث بيَّنت الدراسة اف أغلبية أفراد العينة تقع أعمارىن ما بُت اؿُٓ‪ُٕ-‬‬

‫سنة حيث بلغ عددىن تقريبان خبلؿ ‪ٜ‬تسة أشهر( ِْْ ) من أصل( ْٕٔ ) من الز‪٬‬تات ا‪ٟ‬تاصلة يف‬

‫‪٤‬تكمة األحواؿ الشخصية يف الشعب يف العراؽ ‪ ،‬كىذا يوضح ارتفاعان مستمران يف عدد حاالت زكاج‬

‫القاصرات لؤلعمار ا‪١‬تبينة آنفان كاليت ٘تثل ما يقارب ( َّ‪ ) %‬من إ‪ٚ‬تارل عقود الوزكاج ‪ ،‬كما أف الدراسة‬

‫أظهرت أف ا‪١‬تستول العلمي لو تاثَت على أفراد العينة ا‪١‬تذكورة ألنو كلما قى َّل ا‪١‬تستول العلمي كلما ساعد ذلك‬

‫على ازدياد حاالت الزكاج ا‪١‬تبكر خاصة للقاصرات ككلما زاد الوعي العلمي كلما قلَّت حاالتو كذلك ‪١‬تا‬

‫للتعلم من أثر يف توعية ا‪١‬ترأة كرفع مستول تفكَتىا كقدرهتا على اٗتاذ القرارات السليمة اليت ٗتص حياهتا‬

‫االجتماعية ‪ ،‬كيتضح أيضان من الدراسة أف القاصرات اللواٌب يقبلن بالزكاج يف ىذا السن ىن ربات بيوت كدل‬

‫يكملن حىت الدراسة ا‪١‬تتوسطة كىذا ما يؤثر يف مدل النضوج الفكرم لديهن ‪.‬كيتضح من الدراسة أيضان أف‬

‫الزيادة ا‪ٟ‬تاصلة يف حاالت الزكاج بالقاصرات خبلؿ األشهر ا‪٠‬تمسة رافقها زيادة يف حاالت الطبلؽ ا‪ٟ‬تاصلة‬

‫لنفس العينة كذلك الكتشاؼ الزكجُت بعد الزكاج بأهنما غَت مستعدين للزكاج كال ٯتكن حصوؿ أم انسجاـ‬

‫بينهما لصغر سنهما كعدـ كعيهما الكايف يف تكوين أسرة ‪..‬‬

‫يف اليمن ككفقان لتقارير ر‪ٝ‬تية توجد (ٖ) حاالت كفاة يوميان يف اليمن بسبب زكاج الصغَتات كا‪ٟ‬تمل ا‪١‬تبكر‬

‫كالوالدة يف ظل غياب ا‪١‬تتطلبات الصحية البلزمة‪ ،‬كْتسب تقرير أصدره ا‪١‬تركز الدكرل للدراسات العاـ‬
‫‪129‬‬

‫صنفت على أهنا األسوأ يف زكاج القاصرات‪،‬‬


‫ا‪١‬تاضيفقد حلت اليمن يف ا‪١‬ترتبة الػ( ُّ ) من بُت( َِ ) دكلة ي‬
‫حيث تصل نسبة الفتيات اللواٌب يتزكجن دكف سن الثامنة عشرة إذل( ْ‪ ) ْٖ.‬با‪١‬تائة ‪ ( .‬ا‪٢‬تياجم ‪،‬‬

‫َُِِ ) ‪٦‬تا جعل الكثَت من ا‪١‬تنظمات ا﵀لية كالدكلية تثَت القضية‪.‬حىت أثَتت القضية يف ‪٣‬تلس النواب اليمٍت‬

‫كمؤ٘تر ا‪ٟ‬توار الوطٍت كاستغرؽ كقتان طويبلن يف النقاشات فضبلن عن ا‪٠‬تبلفات ‪.‬‬

‫نظرة الشريعة ‪:‬‬

‫القاصرات ‪:‬ا لفتيات البلٌب دل يبلغن‪ ،‬كمعناه‪ :‬العاجزات‪ ،‬كٖتديد القصور من عدمو مرجعو إذل الشرع‪،‬‬

‫كالفقهاء قد اختلفوا يف ٖتديد السن كأحد مناطات التكليف‪ ،‬كمعظم القوانُت الدكلية جرت على ما اتفق‬

‫مع مذىب ا‪ٟ‬تنفية‪ ،‬كىو بلوغ ‪ٙ‬تانية عشر عامان ‪ -‬كىذا عند األحناؼ يف الغبلـ‪ ،‬كأما ا‪ٞ‬تارية عندىم فإذا‬

‫بلغت سبعة عشر‪ -‬كالكبلـ ىذا يف التكليف‪.‬‬

‫يف تصريح لػ»الشرؽ» ‪ ،‬على ىامش اجتماعات آّمع الفقهي اإلسبلمي يف دكرتو الػحادية كالعشرين يف مكة‬

‫ا‪١‬تكرمة يرل رئيس االٖتاد العا‪١‬تي لعلماء ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬الدكتور يوسف القرضاكم ضركرة ٖتديد سن معينة لتزكيج‬

‫البنات‪ ،‬حىت ال يًتؾ األمر لبعض اآلباء العابثُت الذين ال ينظركف ‪١‬تصاحل البنات‪ ،‬كال ينظركف إال إذل‬

‫مصا‪ٟ‬تهم الشخصية‪ ،‬فبل بد من ٖتديد سن معينة‪ ،‬فما فائدة تزكيج بنت يف سن السادسة كالسابعة‪ ،‬ك‪٬‬تب‬

‫تنظيم األمر حىت ال يًتؾ ألىواء اآلباء ‪ .‬كبَُّت عدد من الباحثُت يف آّمع الفقهي بأف الفقهاء قد اختلفوا يف‬

‫ٖتديد السن اليت ىي مناط التكليف ‪ ،‬كقد أخذت معظم القوانُت الدكلية ٔتا اتفق مع مذىب اإلماـ أيب‬

‫حنيفة كىو بلوغ سن الثامنة عشرة يف الذكر كالسابعة عشرة يف األنثى‪.‬كالشرع يراعي مصلحة الفتاة كيفًتض‬

‫الثقة بورل األمر كبأنو ٭ترص على مصلحة الفتاة ‪( .‬األنصارم‪. )َُِِ،‬‬
‫‪130‬‬

‫ا‪١‬توضوعيةبُت الباحث بأف الًتاث اإلسبلمي‬


‫َّ ٌ‬ ‫كيف دراسة للحذيفي (ََُِ) بعنواف ضوابط الزكاج الفقهية ك‬

‫يضع ضوابط شرعية كموضوعية لصحة زكاج الذكور كاإلناث على حد سواء‪ ،‬كمن تلك الضوابط‪ :‬الكفاءة ‪،‬‬

‫اليت تعٍت القدرة على ‪٦‬تارسة كظيفة الزكاج لكبل الزكجُت‪ ،‬كالتدين كالبنية ا‪ٞ‬تسدية ‪ ،‬كالعمر ‪ ،‬كيرل الباحث‬

‫أف الفارؽ الكبَت يف السن الذم يكوف عند زكاج الصغَتة من رجل كبَت السن يتضمن حتمان التفاكت يف‬

‫البنية كغَتىا من جوانب النمو ‪٦ ،‬تا يتنايف مع السكن ا‪١‬تطلوب يف الزكاج ا‪١‬تشار إليو يف قولو تعاذل ‪َ ﴿:‬وِم ْن‬

‫ك َآلي ٍ‬‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬


‫ات‬‫آيَاتو أَ ْن َخلَ َق لَ ُكم ّْم ْن أَن ُفس ُك ْم أَ ْزَواجاً لّْتَ ْس ُكنُوا إِلَْي َها َو َج َع َل بَ ْي نَ ُكم َّم َو َّد ًة َوَر ْح َمةً إِ َّن في َذل َ َ‬

‫لَّْق ْوٍم يَتَ َف َّك ُرو َن ﴾ ( القرآف ‪.‬الركـ ّ‪ . )ُِ:‬كيرل الباحث أف سن الثامنة عشرة ىو السن اآلمن لتوفر‬

‫النضج البدين كالرشد العقلي‪ .‬كالكفاءة يف أحد كجوىها تعٍت النّْ ّْدية اليت ٕتعل من كل طرؼ قادران على ٖتمل‬

‫الطرؼ اآلخر يف ا‪١‬تعاشرة كا‪ٟ‬تقوؽ كالواجبات‪ .‬كقد يًتتب على زكاج الصغار الطبلؽ ا‪١‬تبكر لعدـ النضج‬

‫كلوقوع الزكجُت أك أحد‪٫‬تا ٖتت سيطرة أكلياء أمور‪٫‬تا ‪ .‬كما أف الباحث يشَت إذل األضرار الصحية على‬

‫‪ٛ‬تل الصغَتة الذم قد يؤدم إذل الوفاة ‪ ،‬كيؤكد على ضركرة أخذ رأم الطب عند ىس ّْن التشريعات ا‪١‬تنظمة‬

‫للعبلقات االجتماعية‪ .‬كاألىلية ا‪١‬تطلوبة تعٍت كصوؿ الزكجُت إذل سن الرشد الذم ٯتكنهما من ٖتمل‬

‫ا‪١‬تسؤكلية ا‪١‬تدنية كا‪ٞ‬تنائية ك‪٦‬تارسة حقوقهم ا دكف تبعية للغَت ٔتا يف ذلك أسرهتما‪ ،‬كالرشد يتجاكز سن البلوغ‬

‫الذم قد ٭تدث مبكران للطفل الذم ال ٮترجو البلوغ من طفولتو (ذكران أك أنثى) ‪ .‬كلؤلىلية متطلباهتا من‬

‫بلوغ سن الرشد‪ ،‬كالعقل‪ ،‬كا‪ٟ‬ترية الكاملة غَت ا‪١‬تنقوصة‪،‬كيف غياب ا‪ٟ‬ترية الكاملة يسود اسًتقاؽ اإلرادة‬

‫كاستبلب الشخصية باستتباع الزكجة للزكج دكف نقاش‪ .‬كالعقل ال يتحدد بعدـ ا‪ٞ‬تنوف أك بكرب السن كإ‪٪‬تا‬

‫بالعلم‪ ،‬إذ ال فرؽ بُت ا‪ٞ‬تاىل كآّنوف إال باختبلؼ نوع الضرر الناجم عن كليهما‪ .‬كلذلك دعا رجاؿ الفكر‬
‫‪131‬‬

‫اإلصبلحي إذل تعليم البنات ‪٦‬تا يزيدىن أدبان كعقبلن ك‪٬‬تعلهن با‪١‬تعارؼ أىبلن كيصلحن بو ‪١‬تشاركة الرجاؿ يف‬

‫الكبلـ كالرأم فيعظمن يف قلؤّم كيعظم مقامهن لزكاؿ ما فيهن من سخافة العقل كالطيش ‪ .‬كالوقوع يف‬

‫جناية زكاج الصغَتات سببو غياب الوعي كعدـ التفريق بُت مفهومي البلوغ كقضية بيلوجية كالرشد‪.‬كقد‬

‫أسهب الباحث ا‪ٟ‬تديث عن الرشد بعد أف ٖتدث عن الكفاءة كاألىلية كمتطلبات للزكاج حيث اعترب الرشد‬

‫ىو قدرة اإلنساف على اٗتاذ القرار الصائب يف حياتو كسلوكو دكف معاناة أك عجز ‪ ،‬كيكوف مسؤكالن عن‬

‫كمساءؿ قانونيان عن أفعالو‪ ،‬كٯتكن أف تسلط عليو العقوبة‪ ،‬كدل تعد دموع األـ‬
‫نفسو ‪ ،‬كيتمتع ْتقوؽ الكبار ‪ ،‬ي‬
‫تشفع لو عند تسليط العقوبة عليو‪ .‬كيف ا‪١‬تواثيق الدكلية كالفكر الديٍت كاإلنساين يصبح اإلنساف راشدان عند‬

‫دخولو سن( ُٖ سنة) ‪ .‬ليتحقق لو بلوغ الرشد بدنيان كعقليان ‪ ،‬كقد قسم الباحث الرشد يف ىذه الدراسة إذل‬

‫ثبلثة مراحل بالتوارل كفقا للنص القرآين كالفكر اإلنساين‪ :‬رشد أىلية ‪ ،‬كرشد كفاءة ‪ ،‬كرشد تاـ ‪ .‬فرشد‬

‫األىلية ىو اكتماؿ النضج البدين كالنفسي كالعقلي لتحمل ا‪١‬تسئولية عن أفعالو كنفسو كاستقبلؿ الشخصية ‪،‬‬

‫كا‪١‬تساءلة القانونية كا‪١‬تشاركة السياسية ‪ ،‬كيتحدد يف القانوف اليمٍت بثماين عشرة سنة ‪.‬‬

‫ىت إًذىا بػىلىغيواٍ‬


‫كالرشد يف القرآف الكرًن دل يتحدد بسن كإ‪٪‬تا ترؾ تقديران كما جاء يف اآلية ﴿ ىكابٍػتىػليواٍ الٍيىتى ىامى ىح َّى‬
‫وىا إً ٍسىرافان ىكبً ىداران أىف يى ٍكبىػ يركاٍ ىكىمن ىكا ىف ىغنًيٌان‬
‫اح فىًإ ٍف آنى ٍستيم ّْمٍنػ يه ٍم ير ٍشدانفى ٍادفىػعيواٍ إًلىٍي ًه ٍم أ ٍىم ىوا ى‪٢‬تي ٍم ىكالى تىأٍ يكلي ى‬
‫النّْ ىك ى‬
‫فىػ ٍليستػع ًفف كمن ىكا ىف فىًقَتان فىػ ٍليأٍ يكل بًالٍمعر ً‬
‫كؼ فىًإذىا ىدفىػ ٍعتي ٍم إًلىٍي ًه ٍم أ ٍىم ىوا ى‪٢‬تي ٍم فىأى ٍش ًه يدكاٍ ىعلىٍي ًه ٍم ىكىك ىفى بًاللٌ ًو ىح ًسيبان‬‫ى ٍ ى ٍي‬ ‫ى ٍى ٍ ٍ ىى‬
‫﴾(القرآف ‪ .‬النساء ْ‪ .)ٔ:‬كيف تراث الفكر اإلسبلمي القدًن كا‪١‬تعاصر كردت كلمة الرشد دكف ٖتديد ثابت‬

‫للسن باستثناء ما ذكره بعض الفقهاء األئمة عند سن ( ُٓ ك ُٖ ك ِٓ) ‪.‬‬


‫‪132‬‬

‫كيف الفكر اإلسبلمي ا‪١‬تعاصر ‪٧‬تد أف ا‪١‬تراحل اليت ‪٬‬تتازىا اإلنساف من يوـ كالدتو حىت بلوغو سن الرشد ثبلث‬

‫مراحل‪ :‬األكذل‪ :‬مرحلة انعداـ اإلدراؾ‪ ،‬كيسمى اإلنساف فيها بالصيب غَت ا‪١‬تميز‪ .‬الثانية‪ :‬مرحلة اإلدراؾ‬

‫الضعيف‪ ،‬كيسمى اإلنساف فيها بالصيب ا‪١‬تميز‪ .‬الثالثة‪ :‬مرحلة اإلدراؾ التاـ‪ ،‬كيسمى اإلنساف فيها بالبالغ‬

‫كالراشد‪ ،‬كقد حدد بعض الفقهاء السن التقديرم لسن الرشد بلوغو العاـ ا‪٠‬تامس عشر من عمره على رأم‬

‫عامة الفقهاء‪ ،‬أك ببلوغو العاـ الثامن عشر على رأم أيب حنيفة كمشهور مذىب مالك كىذا النتاج الفكرم‬

‫أكثر نضجان من توجو بعض الدعاة ا‪١‬تعاصرين الذين يصركف على ثبات سن الزكاج عند (ُٓ عامان أك ما دكف‬

‫ذلك) ‪ .‬كإذا كاف الزكاج يشًتط بلوغ سن الرشد فإف ىذا السن يف تراث الفكر اإلسبلمي ال يتحدد بسن‬

‫معُت بل الغالب فيو االختبلؼ عند سن( ُٓ كسن ُٖ ) كأكثر‪ ،‬كإذا كاف البلوغ معناه البلوغ البيولوجي‬

‫العضوم فإنو ال يصلح معياران لسن الزكاج‪ ،‬كىو قياس كفهم خاطئ‪( .‬ا‪ٟ‬تذيفي‪. )ََُِ،‬‬

‫كيبدك من خبلؿ القراءة ا‪١‬تتأنية آلراء الفقهاء يف اإلسبلـ قدٯتان كحديثان بأف خبلفان كاضحان ٭تيط با‪١‬تسألة كيف‬

‫ا‪١‬تقابل ىناؾ اتفاؽ ‪ ،‬فاالتفاؽ ىو ا‪ٟ‬ترص على مصلحة الفتاة على كجو التحديد عند الزكاج كالتأكيد على‬

‫كرل األمر أف ال يقبل تزكيج من يتوذل أمرىا َّإال من كفؤ متحققة فيو شركط الشرع من ا‪٠‬تلق كالدين كغَتىا ‪,‬‬

‫كا‪٠‬تبلؼ ىو يف ٖتديد سن الزكاج‪ ،‬فالبعض ال يرل التحديد كالبعض اآلخر يرل التحديد ‪ ،‬حىت ‪٦‬تن يرل‬

‫ٖتديد الزكاج عند سن معينة فإهنم ٮتتلفوف يف السن اليت ينبغي أف تكوف ىي سن الزكاج ‪ ،‬فَتل البعض‬

‫ٖتديدىا بسن الثامنة عشرة بينما يرل آخركف أف البلوغ ىو الفيصل يف األمر كبطبيعة ا‪ٟ‬تاؿ ٮتتلف البلوغ من‬

‫شخص آلخركما كٮتتلف يف اإلناث عنو يف الذكور‪.‬‬

‫كٯتيل الباحث يف ىذه الدراسة إذل أف الدكلة ٭تق ‪٢‬تا أف ٖتدد سنان معينان لصحة إجراء عقد الزكاج كتوثيقو‬

‫بناءن على آراء خرباء يف الشريعة كالطب ‪ .‬كيف ا‪١‬تقابل يتم الًتكيز على التوعية بأخطار الزكاج ا‪١‬تبكر كترسيخ‬
‫‪133‬‬

‫القناعة يف آّتمع ٓتطورة ذلك ‪ .‬كما أنو يف حاالت معينة ٯتكن للقانوف أف يضع استثناءات تتيح لبعض‬

‫البالغات كالبالغُت كالذين يتمتعوف بًبينية تؤ‪٢‬تم للزكاج أف يقع ذلك الزكاج ٖتت نظر القضاء ‪.‬‬

‫ِ‪ -‬تحديد وتنظيم النسل ‪:‬‬

‫كتناسل القوـ توالدكا كمنو القوؿ‪ :‬نسبة التناسل‬


‫‪:‬نس ىل ‪ ،‬ينسل نسبلن فهو ناسل ‪ ،‬ى‬
‫ا‪١‬تفهوـ ‪ :‬النسل مأخوذ من ى‬
‫كبَتة يف الببلد العربية ‪( .‬عمر ‪ .)ََِٖ،‬أما ٖتديد يف اللغة فيعٍت‪ :‬تقييد أك كضع حد ‪ ،‬كمن ذلك ‪:‬‬

‫يعارض بعض الناس فكرة ٖتديد النسل ‪ ،‬كتنظيم ‪ ،‬من نظَّم ينظّْم تنظيمان فهو منظم ‪ ،‬كنظم األشياء رتبها‬

‫حد معُت للنسل كاالكتفاء ٔتولود أك أكثر حسب رغبة‬


‫كضم بعضها إذل بعض ‪ .‬كٖتديد النسل يعٌت كضع ٍّ‬

‫ا‪ٞ‬تهة ا﵀دّْدة ‪ ،‬بينما تنظيم النسل يعٍت تنظيم كالدة األطفاؿ كا‪١‬تباعدة بُت الوالدات بوسائل ‪٥‬تتلفة كالعزؿ‬

‫ُّ‬
‫التحكم يف ا‪٠‬تصوبة كغَتىا لتحقيق أىداؼ مرغوبة ‪،‬كإعطاء كل طفل حقو أك ا‪ٟ‬تفاظ على صحة ا‪١‬ترأة‬ ‫أك‬

‫أك غَت ذلك‪.‬‬

‫أىمية القضية ‪:‬‬

‫مع تطور ا‪ٟ‬تياة كازدياد ا‪ٟ‬تاجة إذل الرفاىية كاستجبلب معاين السعادة يتجو الكثَت من الناس – بالذات غَت‬

‫ا‪١‬تسلمُت – إذل ٖتديد النسل لدكاعي اقتصادية كاجتماعية كغَتىا ‪ ،‬كطلبان يف العيش بدكف التزامات كبَتة‬

‫تتولد عن كثرة األكالد ‪ .‬كبغض النظر عن السلبيات كاإل‪٬‬تابيات اليت ترتبط بتحديد النسل فإف ا‪١‬تسلم ٭تتاج‬

‫إذل معرفة حكم الشرع يف ٖتديد النسل حىت يستطيع أف يتعامل مع القضية فَتاعي أحكاـ اإلسبلـ يف ‪ٚ‬تيع‬
‫‪134‬‬

‫تصرفاتو ‪ .‬كمع االختبلؼ بُت ا‪١‬تفهومُت (ٖتديد النسل كتنظيم النسل ) إال أف توضيح رؤية الشرع‬

‫للمفهومُت أمر يف غاية األ‪٫‬تية ‪.‬‬

‫نظرة الشريعة ‪:‬‬

‫قبل ا‪ٟ‬تديث عن ا‪ٟ‬تكم الفقهي للقضية ٭تسن بنا أف نشَت إذل إف اإلسبلـ جعل النسل نعمة من النعم كىبة‬

‫ربانية ‪ ،‬قاؿ تعاذل‪﴿:‬يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور(ٗٗ) أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل‬

‫من يشاء عقيماً إنو عليم قدير﴾ (القرآف ‪.‬الشورل ِْ‪ . )ْٓ،ْْ:‬كامنت ا﵁ على إبراىيم عندما كىبو‬

‫الولد فقاؿ ‪﴿:‬ووىبنا لو إسحاق ويعقوب كالً ىدينا ﴾ ( القرآف ‪.‬األنعاـ ٔ‪ ، ) ْٖ:‬كبشَّر ا﵁ امرأة‬

‫اىا بِِإ ْس َحا َق َوِمن َوَر ِاء إِ ْس َحا َق يَ ْع ُقوب﴾(‬ ‫ض ِح َك ْ‬


‫ت فَ بَ َّ‬
‫ش ْرنَ َ‬ ‫إبراىيم بذلك فقاؿ تعاذل ‪َ ﴿:‬و ْام َرأَتُوُ قَائِ َمة فَ َ‬

‫القرآن ‪. )ُٕ:ُُ.‬كقد ىعنَّف ا﵁ من كاف يقتل أكالده ألسباب ‪٥‬تتلفة ‪ ،‬كخوؼ العار يف البنات فقاؿ‬

‫نب قُتِلَ ْ‬
‫ت ﴾ (القرآف‪.‬التكوير ُٖ‪. )ٖ:‬أك بسبب الفقر ‪ ،‬فقاؿ‬ ‫ي َذ ٍ‬ ‫الم ْوئُو َدةُ ُسئِلَ ْ‬
‫ت بِأَ ّْ‬ ‫تعاذل‪َ ﴿:‬وإذَا َ‬
‫ِ‬
‫تعاذل‪َ ﴿:‬وَال تَ ْقتُ لُوا أَ ْوَال َد ُكم م ْن إِ ْم َال ٍق نَ ْح ُن نَ ْرُزقُ ُك ْم َوإِيَّ ُ‬
‫اى ْم﴾(القرآف ‪.‬األنعاـ ٔ‪ ، )ُُٓ:‬أك خشية الفقر‬

‫عند ازدياد األكالد ‪،‬قاؿ تعاذل ‪َ ﴿:‬وَال تَ ْقتُ لُوا أَ ْوَال َد ُك ْم َخ ْشيَةَ إِ ْمالق نَّ ْح ُن نَ ْرُزقُ ْه ْم َوإِيَّا ُك ْم إِ َّن قَ ْت لَ ُه ْم َكا َن‬

‫ِخطْئَاً َكبِيراً﴾ (القرآن ‪ .‬اإلسراء ٖٔ‪ .)ٔٚ:‬كقد كاف العرب يتفاخركف بكثرة األكالد البنُت ‪ ،‬قاؿ تعاذل‬

‫ال َوبَنِين‪(﴾..‬القرآف ‪.‬القلم ‪ . )ٔٗ:ٙٛ‬كقاؿ تعاذل متحدثان‬


‫متحدثان عن الوليد بن ا‪١‬تغَتة ‪﴿:‬أَن َكا َن ذَا َم ٍ‬

‫جعلنا ذُ ّْريَّتَوُ ُى ُم البَاقِين ﴾(القرآف ‪.‬الصافات ‪ . )ٚٚ:ٖٚ‬كالتزاكج يؤدم إذل التناسل الذم‬
‫عن نوح ‪َ ﴿:‬و َ‬

‫ىو أساس بقاء اإلنساف قاؿ تعاذل ‪ ﴿:‬يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق‬

‫ونساء ‪( ﴾..‬القرآف‪.‬النساء ْ‪ . )ُ:‬ككصف ا﵁ ا‪١‬تؤمنُت الذين يسألونو‬


‫ً‬ ‫منها زوجها وبث منهما رجاالً كثيراً‬
‫‪135‬‬

‫ب لَنَا ِم ْن‬
‫والذين يَ ُقولُو َن َربَّنَا َى ْ‬
‫بأف ‪٬‬تعل ‪٢‬تم من ذريتهم ما تقر بو أعينهم بأهنم عباد الر‪ٛ‬تن ‪،‬قاؿ تعاذل ‪َ ﴿:‬‬
‫ِ ِ‬
‫ين إِ َم َاماً ﴾ (القرآف ‪.‬الفرقاف ِٓ‪. )ْٕ:‬‬ ‫اجنَا َوذُ ّْرياتِنَا قُ َّرةَ أَ ْعيُ ٍن َو ْ‬
‫اج َع ْلنَا ل ْل ُمتَّق َ‬
‫أَ ْزو ِ‬
‫َ‬

‫كقد حث النيب صلى ا﵁ عليو كسلم على زكاج ا‪١‬ترأة الولود بيغية اإلكثار من النسل ففي حديث معقل بن‬

‫ب و َجم ٍ‬
‫ال َوإِنَّ َها‬ ‫سٍ َ َ‬ ‫ت ْام َرأَ ًة َذ َ‬
‫ات َح َ‬ ‫َص ْب ُ‬ ‫صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّ َم فَ َق َ‬
‫ال إِنّْي أ َ‬ ‫اء َر ُج ٌل إِلَى النَّبِ ّْي َ‬
‫يسار قاؿ ‪َ :‬ج َ‬
‫ود فَِإ ّن ُم َكاثٌِر‬
‫ود ال َْولُ َ‬ ‫ال َال ثُ َّم أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَ نَ َهاهُ ثُ َّم أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَ َق َ‬
‫ال ‪ ":‬تَ َزَّو ُجوا ال َْو ُد َ‬ ‫َال تَلِ ُد أَفَأَتَ َزَّو ُج َها قَ َ‬

‫بِ ُك ْم ْاأل َُم َم " (ا‪ٟ‬تديث ‪ ،‬أبوداكد ‪،‬باب النكاح ‪. )ََِٓ :‬‬

‫كل ما سبق يبُت كيف اعتٌت اإلسبلـ بالنسل كحرص على أف تكوف الذرية ىي ا‪١‬تطلب األصلي من الزكاج‬

‫‪،‬فهل ‪٬‬تيز اإلسبلـ تنظيم النسل ؟حيث قد ظهرت يف عصرنا الكثَت من الوسائل اليت ٘تنع ا‪ٟ‬تمل لفًتة زمنية‬

‫‪٤‬تددة أك ‪١‬تنع ا‪ٟ‬تمل بشكل دائم كقد تتسبب بالعديد من األضرار الصحية كاالجتماعية على ا‪١‬ترأة كعلى‬

‫آّتمع ك يكل ‪ .‬كلئلجابة عن السؤاؿ فقد نقل الباحث ىنا رأم القرضاكم من ىذه القضية حيث يقوؿ‪ ":‬ال‬

‫ريب أف بقاء النوع اإلنساين من أكؿ أغراض الزكاج أك ىو أك‪٢‬تا‪ .‬كبقاء النوع إ‪٪‬تا يكوف بدكاـ التناسل‪ .‬كقد‬

‫حبب اإلسبلـ يف كثرة النسل‪ ،‬كبارؾ األكالد ذكوران كإناثان كلكنو رخص للمسلم يف تنظيم النسل إذا دعت إذل‬

‫ذلك دكاع معقولة كضركرات معتربة‪ ،‬كقد كانت الوسيلة الشائعة اليت يلجأ إليها الناس ‪١‬تنع النسل أك تقليلو يف‬

‫عهد الرسوؿ صلى ا﵁ عليو كسلم ىي العزؿ كىو قذؼ النطفة خارج الرحم عند اإلحساس بنزك‪٢‬تا‪ ،‬كقد كاف‬

‫الصحابة يفعلوف ذلك يف عهد النبوة كما ركم يف الصحيحُت عن جابر‪" :‬كنا نعزؿ على عهد رسوؿ ا﵁‬

‫صلى ا﵁ عليو كسلم كالقرآف ينزؿ" ‪ ،‬كيف صحيح مسلم قاؿ‪" :‬كنا نعزؿ على عهد رسوؿ ا﵁ فبلغ ذلك‬

‫رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم فلم ينهنا" ‪.‬كجاء رجل إذل النيب صلى ا﵁ عليو كسلم فقاؿ‪ :‬يا رسوؿ ا﵁! إف‬
‫‪136‬‬

‫رل جارية كأنا أعزؿ منها‪ ،‬كإين أكره أف ٖتمل كأنا أريد ما يريد الرجل‪ ،‬كإف اليهود ٖتدث‪ :‬أف العزؿ ا‪١‬توؤكدة‬

‫الصغرل!! فقاؿ عليو السبلـ‪" :‬كذبت اليهود‪ ،‬كلو أراد ا﵁ أف ٮتلقو ما استطعت أف تصرفو"‪ .‬كمراد النيب‬

‫صلى ا﵁ عليو كسلم أف الزكج ‪ -‬مع العزؿ ‪ -‬قد تفلت منو قطرة تكوف سببان للحمل كىو ال يدرم‪.‬كيف‬

‫‪٣‬تلس عمر تذاكركا العزؿ فقاؿ رجل‪ :‬إهنم يزعموف أنو ا‪١‬توؤكدة الصغرل‪ .‬فقاؿ علي‪ :‬ال تكوف موؤكدة حىت‬

‫٘تر عليها األطوار السبعة؛ حىت تكوف سبللة من طُت‪ٍ ،‬ب تكوف نطفة‪ٍ ،‬ب علقة‪ٍ ،‬ب مضغة ‪ٍ،‬ب عظامان ٍب‬

‫تكسى ‪ٟ‬تما ٍب تكوف خلقان آخر‪ .‬فقاؿ عمر‪ :‬صدقت أطاؿ ا﵁ بقاءؾ ‪.‬‬

‫كذكر القرضاكم عدة مسوغات ‪ٞ‬تواز تنظيم النسل ‪ ،‬كمن ذلك ‪:‬‬

‫ٔ‪ -‬ا‪٠‬تشية على حياة األـ أك صحتها من ا‪ٟ‬تمل أك الوضع‪.‬‬

‫ِ‪ -‬إذا عرؼ بتجربة أك إخبار طبيب ثقة قاؿ تعاذل‪﴿ :‬وال تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ ( القرآف ‪.‬‬

‫البقرةِ‪ ، )ُٗٓ:‬كقاؿ‪﴿ :‬وال تقتلوا أنفسكم إن اهلل كان بكم رحيماً﴾ (القرآف‪ .‬النساءْ‪.) ِٗ:‬‬

‫ّ‪ -‬ا‪٠‬تشية يف كقوع حرج دنيوم قد يفضي بو إذل حرج يف دينو‪ ،‬فيقبل ا‪ٟ‬تراـ‪ ،‬كيرتكب ا﵀ظور من أجل‬

‫األكالد‪ ،‬قاؿ تعاذل‪﴿ :‬يُ ِري ُد اهللُ بِ ُك ُم اليُ ْس َر َوَال يُ ِري ُد بِ ُك ُم ُ‬


‫الع ْسر﴾ ( القرآف ‪ .‬البقرةِ‪ .)ُٖٓ:‬كقاؿ تعاذل ‪:‬‬

‫﴿ما يريد اهلل ليجعل عليكم من حرج﴾ (القرآف ‪ .‬ا‪١‬تائدة ٓ‪.)ٔ:‬‬

‫ْ‪ -‬ا‪٠‬تشية على األكالد أف تسوء صحبتهم أك تضطرب تربيتهم‪ .‬كيف صحيح مسلم عن أسامة بن زيد أف‬

‫رجبلن جاء إذل رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم فقاؿ‪ :‬يا رسوؿ ا﵁‪ ،‬إين أعزؿ عن امرأٌب‪ .‬فقاؿ لو رسوؿ ا﵁‬

‫صلى ا﵁ عليو كسلم‪ :‬دل تفعل ذلك؟ فقاؿ الرجل‪ :‬أشفق على كلدىا ‪ -‬أك قاؿ‪ -‬على أكالدىا‪ .‬فقاؿ رسوؿ‬
‫‪137‬‬

‫ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ":‬لو كان ضاراً لضر فارس والروم" ‪ ،‬ككأنو عليو السبلـ رأل أف ىذه ا‪ٟ‬تاالت‬

‫الفردية ال تضر األمة يف ‪٣‬تموعها بدليل أهنا دل تضر األمة يف ‪٣‬تموعها بدليل أهنا دل تضر فارس كالركـ ك‪٫‬تا‬

‫أقول دكؿ األرض حينذاؾ‪.‬‬

‫ٓ‪ -‬من الضركرات ا‪١‬تعتربة شرعان ا‪٠‬تشية على الرضيع من ‪ٛ‬تل جديد ككليد جديد‪ ،‬كقد ‪ٝ‬تى النيب صلى ا﵁‬

‫عليو كسلم الوطء يف حالة الرضاع كطء الغيلة أك الغيل ‪١‬تا يًتتب عليو من ‪ٛ‬تل يفسد اللنب كيضعف الولد‪،‬‬

‫كإ‪٪‬تا ‪ٝ‬تاه غيلة؛ ألنو جناية خفية على الرضيع فأشبو القتل سران‪.‬‬

‫ككاف عليو الصبلة كالسبلـ ‪٬‬تتهد ألمتو فيأمر ٔتا يصلحها‪ ،‬كينهاىا عما يضرىا‪ .‬ككاف من اجتهاده ألمتو أف‬

‫قاؿ‪" :‬ال تقتلوا أوالدكم سرا فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره" كلكنو عليو السبلـ دل يؤكد النهي إذل درجة‬

‫التحرًن؛ ذلك ألنو نظر إذل األمم القوية يف عصره فوجدىا تصنع ىذا الصنيع كال يضرىم ‪ -‬فالضرر إذان غَت‬

‫مطرد‪ -‬ىذا مع خشيتو العنت على األزكاج لو جزـ بالنهي عن كطء ا‪١‬ترضعات‪ .‬كمدة الرضاع قد ٘تتد إذل‬

‫حولُت كاملُت ‪١‬تن أراد أف يتم الرضاعة‪ .‬لذلك كلو قاؿ‪" :‬لقد ىممت أن أنهى عن الغيلة ثم رأيت فارس‬

‫والروم يفعلونو وال يضر أوالدىم شيئا" ‪ .‬قاؿ ابن القيم ر‪ٛ‬تو ا﵁ يف بياف الصلة بُت ىذا ا‪ٟ‬تديث كا‪ٟ‬تديث‬

‫السابق التقتلوا أكالدكم سران ‪" :‬أخرب النيب صلى ا﵁ عليو كسلم يف أحد ا‪ٞ‬تانبُت أنو ‪ -‬أم الغيل‪ -‬يفعل يف‬

‫الوليد مثل ما يفعل من يصرع الفارس عن فرسو كأنو يدعثره كيصرعو‪ ،‬كذلك يوجب نوع أذل كلكنو ليس‬

‫بقتل للولد كإىبلؾ لو‪ ،‬كإف كاف قد يًتتب عليو نوع أذل للطفل‪ ،‬فأرشدىم إذل تركو كلكنو دل ينو عنو ‪ٍ ،‬ب‬

‫عزـ على النهي سدان لذريعة األذل الذم يناؿ الرضيع‪ ،‬فرأل أف سد ىذه الذريعة ال يقاكـ ا‪١‬تفسدة اليت تًتتب‬

‫على اإلمساؾ عن كطء النساء مدة الرضاع‪ ،‬كال سيما من الشباب كأرباب الشهوة اليت ال يكسرىا إال مواقعة‬
‫‪138‬‬

‫نسائهم‪ ،‬فرأل أف ىذه ا‪١‬تصلحة أرجح من مفسدة سد الذريعة ‪ .‬فنظر كرأل األمتُت ‪ -‬اللتُت ‪٫‬تا من أكثر‬

‫األمم كأشدىا بأسان‪ -‬يفعلونو كال يتقونو مع قوهتم كشدهتم فأمسك عن النهي عنو ‪.‬‬

‫كقد استحدث يف عصرنا من الوسائل اليت ٘تنع ا‪ٟ‬تمل ما ٭تقق ا‪١‬تصلحة اليت ىدؼ إليها الرسوؿ صلى ا﵁‬

‫عليو كسلم كىي ‪ٛ‬تاية الرضيع من الضرر‪ -‬مع ٕتنب ا‪١‬تفسدة األخرل ‪ -‬كىي االمتناع عن النساء مدة‬

‫الرضاع كما يف ذلك من مشقة ‪ .‬كعلى ضوء ىذا نستطيع أف نقرر أف ا‪١‬تدة ا‪١‬تثلى يف نظر اإلسبلـ بُت كل‬

‫كلدين ىي ثبلثوف أك ثبلثة كثبلثوف شهران ‪١‬تن أراد أف يتم الرضاعة‪.‬كقرر اإلماـ أ‪ٛ‬تد كغَته أف ذلك يباح إذا‬

‫أذنت بو الزكجة؛ ألف ‪٢‬تا حقان يف الولد‪ ،‬كحقان يف االستمتاع‪ .‬كركم عن عمر أنو هنى عن العزؿ إال بإذف‬

‫الزكجة‪ .‬كىي لفتة بارعة من لفتات اإلسبلـ إذل حق ا‪١‬ترأة يف عصر دل يكن يعًتؼ ‪٢‬تا ْتقوؽ ‪( .‬ا‪١‬توقع الر‪ٝ‬تي‬

‫للقرضاكم‪. )َُِْ،‬كقد اٗتذ ‪٣‬تلس الفقو اإلسبلمي يف دركرة مؤ٘تره ا‪٠‬تامس بالكويت َُٗٓ ق (اإلسبلـ‬

‫اليوـ ‪ُٓ ،‬سبتمرب َُِِ) القرار بعدـ جواز إصدار قانوف عاـ ٭تد من حرية الزكجُت يف اإل‪٧‬تاب ‪،‬‬

‫كْترمة استئصاؿ القدرة على اإل‪٧‬تاب يف الرجل أك ا‪١‬ترأة ‪ ،‬كىو ما ييعرؼ باإلعقاـ أك التعقيم ‪ ،‬مادل تدع إذل‬

‫ذلك الضركرة ٔتعايَتىا الشرعية ‪ ،‬كما قرر أنو ‪٬‬توز التحكم ا‪١‬تؤقت يف اإل‪٧‬تاب بقصد ا‪١‬تباعدة بُت فًتات‬

‫ا‪ٟ‬تمل أك إيقافو لفًتة من الزمن إذا دعت إليو حاجة معتربة شرعان ْتسب تقدير الزكجُت عن تشاكر بينهما‬

‫كتر و‬
‫اض بشرط أف ال يًتتب على ذلك ضرر ‪ ،‬كأف ال يكوف فيها عدكاف على و‬
‫‪ٛ‬تل قائم‪.‬‬

‫كقد قرر ‪٣‬تلس آّمع الفقهي اإلسبلمي ا‪١‬تنعقد يف مكة يف الفًتة من ( ِّ إذل َّ ) الدكرة الثالثة ربيع‬

‫اآلخر سنة ََُْق يف موضوع ٖتديد النسل فقد جاء فيو‪:‬بعد تبادؿ اآلراء يف ذلك قرر آّلس باإل‪ٚ‬تاع‬

‫باإل‪ٚ‬تاع أنو ال ‪٬‬توز ٖتديد النسل مطلقان ‪ ،‬كال ‪٬‬توز منع ا‪ٟ‬تمل إذا كاف القصد من ذلك خشية اإلمبلؽ ؛‬
‫‪139‬‬

‫ألف ا﵁ تعاذل ىو الرزاؽ ذك القوة ا‪١‬تتُت ‪ ،‬كما من دابة يف األرض إال على ا﵁ رزقها ‪ ،‬أك كاف ذلك ألسباب‬

‫أخرل غَت معتربة شرعان ‪ ،‬أما تعاطي أسباب منع ا‪ٟ‬تمل أك تأخَته يف حاالت فردية لضرر ‪٤‬تقق ككوف ا‪١‬ترأة‬

‫ال تلد كالدة عادية كتضطر معها إذل إجراء عملية جراحية إلخراج ا‪ٞ‬تنُت فإنو ال مانع من ذلك شرعان ‪،‬‬

‫كىكذا إذا كاف تأخَته ألسباب أخرل شرعية أك صحية يقرىا طبيب مسلم ثقة ‪ ،‬بل قد يتعُت منع ا‪ٟ‬تمل يف‬

‫حالة ثبوت الضرر ا﵀قق على أمو إذا كاف ٮتشى على حياهتا منو بتقرير من يوثق بو من األطباء ا‪١‬تسلمُت‬

‫‪.‬أما الدعوة إذل ٖتديد النسل أك منع ا‪ٟ‬تمل بصفة عامة فبل ٕتوز شرعان لؤلسباب ا‪١‬تتقدـ ذكرىا ‪ .‬كأشد من‬

‫ذلك يف اإلٍب كا‪١‬تنع إلزاـ الشعوب بذلك كفرضو عليها يف الوقت الذم تنفق فيو األمواؿ الضخمة على سباؽ‬

‫التسلح العا‪١‬تي للسيطرة كالتدمَت ‪.‬‬

‫كقد توصلت دراسة ا‪١‬تريسى (َََِ ) بعنواف ٖتديد كتنظيم النسل إذل النتائج التالية ‪ :‬ىناؾ فرؽ بُت ٖتديد‬

‫مع َُّت من األطفاؿ ‪ ،‬كبىُت تنظيم النسل الذم يعٍت‪:‬‬


‫النسل الذم يعٍت ‪ :‬قىطٍعيوي كإهناؤه بعد الوصوؿ إذل عدد ى‬
‫اٗتاذ كترتيب كل من الزكجُت كسائل مأمونة لتأجيل ا‪ٟ‬تمل ‪١‬تدة معينة ألسباب صحية أك اجتماعية ‪،‬‬

‫فتحديد النسل غَت جائز إال للضركرة القصول ‪ ،‬أما تنظيم النسل فجائز بشركط ‪ .‬كتناكؿ الباحث أيضان‬

‫كبُت الباحث أف العزؿ ييكره‬


‫قضية العزؿ ‪ ،‬كىو إخراج الرجل آلتو من فرج زكجتو ليقذؼ ماءه خارج الفرج ‪َّ ،‬‬

‫إال للضركرة ‪.‬‬

‫من خبلؿ ما سبق ٯتكن القوؿ بأف الشرع ا‪ٟ‬تكيم يراعي مصلحة اإلنسانية عمومان كاإلنساف على كجو‬

‫ا‪٠‬تصوص ‪ ،‬كأف ىناؾ فرؽ بُت ٖتديد النسل كتنظيمو‪ ،‬فا‪ٟ‬تالة الثانية ‪٬‬تيزىا كبار العلماء كآّامع الفقهية‬

‫بضوابطها اليت ٖتقق السعادة لئلنساف كٖتفظ للحياة حيويتها كال تتعارض مع فطرة ا﵁ تعاذل‪ ،‬أما ا‪ٟ‬تالة‬
‫‪140‬‬

‫األكذل ا‪١‬تتمثلة بتحديد النسل فبل ‪٬‬تيزىا غالبية الفقهاء نظران ‪١‬تا فيها من عبث كاعًتاض على قدر ا﵁ تعاذل‬

‫كتبلعب بالنسل كالذرية ‪.‬‬

‫ّ‪ -‬الفحص قبل الزكاج ‪:‬‬

‫ا‪١‬تفهوـ ‪ :‬يف اللغة ‪ :‬فىحصت القطاة فحصان ‪ :‬اٗتذت أفحوصان تفرخ فيو‪ ،‬ك فحصت عن األمر ‪ :‬استقصى يف‬

‫الكتاب ك‪٨‬توه‪ :‬دقَّق النظر فيو‬


‫ى‬ ‫جسو ليعرؼ ما بو من علة ‪ ،‬كفحص‬
‫ص الطبيب ا‪١‬تريض ‪َّ :‬‬
‫البحث عنو ‪ ،‬كفى ىح ى‬
‫ليعلم يكنهو ‪( .‬إبراىيم كآخركف ‪. )ُِٕٗ،‬‬

‫يف االصطبلح ‪ :‬إجراء الفحص لراغيب الزكاج ‪١‬تعرفة كجود بعض األمراض الوراثية كبعض األمراض ا‪١‬تعدية‬

‫بغرض إعطاء ا‪١‬تشورة الطبية حوؿ إمكانية انتقاؿ تلك األمراض للطرؼ اآلخر أك األبناء يف ا‪١‬تستقبل كإعطاء‬

‫ا‪٠‬تيارات كالبدائل لراغيب الزكاج من أجل التخطيط ألسرة سليمة صحيان ‪(.‬اليافعي‪.)َُِِ،‬‬

‫أىمية القضية ‪:‬‬

‫من القضايا ا‪١‬تهمة اليت ‪٬‬تب على الشباب كبالذات يف ا‪١‬ترحلة الثانوية كما تليها أف يعرفوهنا ىي الفحص‬

‫الطيب قبل الزكاج ‪ ،‬كىذه القضية من القضايا ا‪١‬تعاصرة اليت ٗتتلف ثقافة كقناعة آّتمعات ّٔا ‪.‬‬

‫كىذه القضية مرتبطة ارتباطان كليان با‪ٞ‬تانب الصحي لؤلطفاؿ كبقوة النسل الذم ٭ترص اإلسبلـ عليو فا‪١‬تؤمن‬

‫القوم يف كل آّاالت‪ ،‬كاليت منها ا‪ٞ‬تانب الصحي‪ ،‬ىو يف نظر اإلسبلـ خَت كأحب إذل ا﵁ من ا‪١‬تؤمن‬

‫الضعيف ا‪٢‬تزيل ‪ .‬كىناؾ أمراض كراثية تنتشر يف بعض آّتمعات‪ ،‬كحامل ا‪ٞ‬تُت ا‪١‬تعطوب ال يكوف مريضان‬

‫بالضركرة إ‪٪‬تا ٭تمل ا‪١‬ترض كتعاين ذريتو أك بعض ذريتو إذا تزكج من امرأة ٖتمل ا‪ٞ‬تُت ا‪١‬تعطوب ذاتو ‪ ،‬فهناؾ‬
‫‪141‬‬

‫احتماؿ أف يصاب ربع الذرية ّٔذا ا‪١‬ترض الوراثي حسب قانوف مندؿ ‪ ،‬كٔتا أف عدد حاملي ىذه الصفة‬

‫الوراثية ا‪١‬تعينة كثَتكف يف آّتمع فإف احتماؿ ظهور ا‪١‬ترض كبَت ‪،‬خاصة عند حدكث زكاج األقارب كابن‬

‫العم كابن ا‪٠‬تاؿ كابنة ا‪٠‬تاؿ ( قاسم ‪.)ََِّ،‬‬

‫كىذه القضية مرتبطة بشكل أساسي با‪ٞ‬تانب الطيب كالرأم الشرعي يف مثل ىذه ا‪ٟ‬تاالت ال ٯتكن أف‬

‫يتجاىل التقرير الطيب أل‪٫‬تية الفحص قبل الزكاج ‪ .‬فمن الناحية الطبية ىناؾ العديد من اإل‪٬‬تابيات للفحص‬

‫قبل الزكاج‪ ،‬كاليت من أ‪٫‬تها ‪ :‬أف الفحص قبل الزكاج يي ُّ‬


‫عد من كسائل الوقاية من األمراض الوراثية كا‪١‬تعدية ‪،‬‬

‫كالفحص قبل الزكاج ٮتفف من نسبة ا‪١‬تصابُت باإلعاقة يف آّتمع ‪ ،‬كأيضان تضمن الفحوصات الطبية قبل‬

‫الزكاج إ‪٧‬تاب أطفاؿ أصحاء جسديان كعقليان ‪ .‬كما أف الفحص قبل الزكاج يزكد ا‪ٞ‬تانبُت ا‪١‬ترأة كالرجل‬

‫ٔتعلومات حوؿ إمكانية إ‪٧‬تأّما أك ال ‪٦‬تا يساعدىم يف اٗتاذ قرار االرتباط بكل حرية كاختيار ‪.‬كيساعد‬

‫الفحص الطيب على اكتشاؼ اإلصابة بأمراض مزمنة خطَتة كالسرطاف كغَتىا ‪٦‬تا يعٍت عدـ استمرار العبلقة‬

‫الزكجية لفًتة طويلة كا‪١‬تعاناة ا‪١‬تمكنة يف ا‪١‬تستقبل ‪ ،‬كما أف الفحص قبل الزكاج يضمن عدـ إصابة أحد‬

‫الزكجُت باألمراض ا‪١‬تصاب ّٔا الطرؼ اآلخر ‪( .‬ماريسنيام ‪ ،‬زكلت ‪ُٗٗٗ ،‬ـ)‪.‬‬

‫كمن منافع الفحص قبل الزكاج أنو يكشف عن بعض األمراض الوراثية اليت ال تظهر على ا‪١‬تريض كإ‪٪‬تا تؤثر‬

‫على الذرية يف ا‪١‬تستقبل ‪ .‬كمن األمور اليت ‪٬‬تب أف نفهما إف ‪ٛ‬تل صفة ا‪١‬ترض ال يعٍت بالضركرة كجود خلل‬

‫ٯتنع الزكاج إ‪٪‬تا يعٍت ضركرة االقًتاف بطرؼ سليم من ىذا ا‪١‬ترض الوراثي حىت ال يكوف الزكجاف معان حاملُت‬

‫لنفس ا‪١‬ترض الوراثي فتحدث اإلصابة ‪.‬ككذلك التأكد من سبلمة ا‪١‬تقبلُت على الزكاج من بعض األمراض‬
‫ي‬
‫ا‪١‬تعدية كاليت تنتقل بُت الزكجُت بسهولة‪ ،‬مثل ‪ :‬التهاب الكبد الفَتكسي‪ ،‬كاإليدز ‪ ،‬كبعض األمراض‬
‫‪142‬‬

‫التناسلية‪ ،‬كاٗتاذ التدابَت العبلجية ا‪١‬تناسبة كالوقاية البلزمة منها ‪ .‬كمن فوائد الفحص ا‪١‬تبكر اكتشاؼ حاالت‬

‫أمينيا ا‪ٟ‬تديد مبكران كإعطاء العبلج كاإلرشادات ا‪١‬تناسبة كا‪ٟ‬ترص على تناكؿ حبوب ‪ٛ‬تض الفوليك قبل‬

‫ا‪ٟ‬تمل (اليافعي‪. )َُِِ،‬‬

‫نظرة الشريعة ‪ :‬جاءت الشريعة اإلسبلمية ‪١‬تراعاة مصاحل العباد‪ ،‬فأحلَّت الطيبات كحرمت ا‪٠‬تبائث ‪ ،‬قاؿ‬

‫تعاذل ‪﴿:‬يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ﴾ (القرآف ‪.‬األعراؼ ٕ‪ . )ُٕٓ:‬ككل ما فيو ضرر‬

‫باإلنساف حرمو اإلسبلـ ككل ما فيو خَت لئلنساف أحلَّو ‪.‬كالفحص قبل الزكاج من ا‪١‬تصاحل ا﵀ققة كاليت فيها‬

‫ا‪٠‬تَت الكثَت لئلنساف كمستقبل نسلو كذريتو كصحتو كسعادتو؛ لذا فإف اإلسبلـ ال ٯتانع يف إجرائو كما جاء‬

‫يف نص البياف ا‪٠‬تتامي للدكرة الرابعة عشرة للمجلس األكركيب لئلفتاء كالبحوث قرار رقم ِ‪ُْ/‬يف شأف‬

‫الفحص الطيب قبل الزكاج ‪ :‬استعرض آّلس موضوع "الفحص الطيب" الذم ىو الكشف بالوسائل ا‪١‬تتاحة‬

‫من أشعة كٖتليل ككشف جيٍت ك‪٨‬توه ‪١‬تعرفة ما بأحد ا‪٠‬تاطبُت من أمراض معدية أك مؤثرة يف مقاصد الزكاج‪،‬‬

‫كبعد ا‪١‬تداكلة كا‪١‬تناقشة للبحث ا‪١‬تقدـ يف ذلك قرر آّلس ما يلي‪:‬‬

‫أكالن‪ :‬إف للفحص الطيب قبل الزكاج فوائد من حيث التعرؼ على األمراض ا‪١‬تعدية أك ا‪١‬تؤثرة كبالتارل االمتناع‬

‫عن الزكاج كلكن لو ‪ -‬كباألخص للفحص ا‪ٞ‬تيٍت ‪ -‬سلبيات ك‪٤‬تاذير من حيث كشف ا‪١‬تستور‪ ،‬كما يًتتب‬

‫على ذلك من أضرار بنفسية اآلخر ا‪١‬تصاب كمستقبلو‪.‬‬

‫ثانيان‪ :‬ال مانع شرعان من الفحص الطيب ٔتا فيو الفحص ا‪ٞ‬تيٍت لبلستفادة منو للعبلج مع مراعاة السًت‪.‬‬

‫ثالثان‪ :‬ال مانع من اشًتاط أحد ا‪٠‬تاطبُت على اآلخر إجراء الفحص ا‪ٞ‬تيٍت قبل الزكاج‪.‬‬
‫‪143‬‬

‫رابعان‪ :‬ال مانع من اتفاقهما على إجراء الفحص الطيب (غَت ا‪ٞ‬تيٍت) قبل الزكاج على أف يلتزما بآداب اإلسبلـ‬

‫يف السًت كعدـ اإلضرار باآلخر‪.‬‬

‫خامسان‪ :‬ال ‪٬‬توز ألحد‪٫‬تا أف يكتم عن اآلخر عند الزكاج ما بو من أمراض يمعدية أك مؤثرة إف كجدت‪ ،‬كيف‬

‫حالة كتمانو ذلك كٖتقق إصابة أحد‪٫‬تا أك موتو بسبب ذلك فإف الطرؼ ا‪١‬تتسبب يتحمل كل ما يًتتب‬

‫عليو من عقوبات كتعويضات حسب أحكاـ الشرع كضوابطو‪.‬‬

‫سادسان‪ :‬٭تق لكليهما ا‪١‬تطالبة بالفسخ بعد عقد النكاح إذا ثبت أف الطرؼ اآلخر مصاب باألمراض ا‪١‬تعدية‬

‫أك ا‪١‬تؤثرة يف مقاصد الزكاج ‪ ( .‬إسبلـ أكف الين ‪ ِٕ،‬فرباير ََِٓ)‪.‬‬

‫كقد شرعت بعض الدكؿ كماليزيا يف إلزاـ األزكاج بالفحص قبل الزكاج (برناما بالعربية ‪ . )ََِٓ،‬كقد‬

‫ذىب رئيس الوزراء السابق مهاتَت ‪٤‬تمد إذل أبعد من ‪٣‬ترد اإللزاـ بالفحص قبل الزكاج فمنذ العاـ ُِٗٗـ‬

‫بدأ بتجريب ما يسمى رخصة الزكاج اإللزامية اليت ٔتوجبها يتم عقد القراف ك٘تنح بعد خضوع األزكاج لدكرات‬

‫تتعلق بالزكاج‪ ،‬كالتدبَت ا‪١‬تنزرل‪ ،‬كا‪١‬تهارات األخرل‪ ،‬كقد أدت ىذه ا‪٠‬تطوة إذل ا‪٩‬تفاض نسبة الطبلؽ من‪:‬‬

‫ِّ‪ %‬إذل ٕ‪ %‬خبلؿ عشر سنوات ‪(.‬نصَت‪. )َُِِ،‬‬

‫كقد توصل األشقر ( َََِـ) إذل جواز الفحص قبل الزكاج يف الشرع ‪ ،‬كاستدؿ بعديد من األدلة على‬

‫النحو التارل ‪:‬‬


‫‪144‬‬

‫ُ‪-‬يف الفحص قبل الزكاج حفظان للنسل ‪ ،‬كالذرية الطيبة‪ ،‬قاؿ تعاذل ‪﴿:‬قال رب ىبي من لدنك ذرية طيبة‬

‫﴾ (القرآف ‪ .‬آؿ عمراف ّ‪ ، )ّٖ:‬كال تكوف الذرية قرة عُت إذا كانت مشوىة ا‪٠‬تلقة ‪ ،‬ناقصة األعضاء‬

‫‪،‬متخلفة العقل ‪ ،‬فالفحص قبل الزكاج ٭تقق لئلنساف ما يتمناه من قرة عُت ‪.‬‬

‫ِ‪-‬ىناؾ أدلة تأمر باجتناب ا‪١‬تصابُت باألمراض ا‪١‬تعدية كالوراثية مثل قولو صلى ا﵁ عليو كسلم ‪":‬ال توردوا‬

‫الممرض على المصح "(ا‪ٟ‬تديث ‪،‬البخارم‪ ،‬فتح البارم ‪،‬كتاب الطب‪:‬ج َُ‪ )ّْٓٗ#:‬كقولو صلى ا﵁‬

‫عليو كسلم ‪ ":‬ال عدوى وال طيرة وال ىامة وفر من المجذوم فراراك من األسد "‪( :‬ا‪ٟ‬تديث ‪ ،‬فتح البارم‬

‫شرح صحيح البخارم ‪،‬كتاب الطب‪:‬ج َُ‪ )ُِِِ#:‬كبالفحص نتجنب الكثَت من األمراض‬

‫ّ‪-‬حث النيب صلى ا﵁ عليو كسلم على النظر إذل ا‪١‬تخطوبة ‪،‬فعن أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو أف رجبلن خطب‬

‫امرأة فقاؿ لو النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ‪":‬انظر إليها فإف يف أعُت األنصار شيئان "(ا‪ٟ‬تديث ‪ ،‬النوكم شرح‬

‫مسلم ‪ ،‬كتاب السبلـ‪ ،‬باب الطب‪:‬ج ْ‪٦ ، )ُِْْ#:‬تا يدؿ على أ‪٫‬تية معرفة العيوب يف ا‪١‬تخطوبة ‪.‬‬

‫كبالفحص نعرؼ بعض العيوب‪.‬‬

‫ْ‪-‬الفحص قبل الزكاج من األخذ باألسباب كقد أيمر ا‪١‬تسلم باألخذ ّٔا ‪.‬‬

‫ْ‪ -‬نص العلماء من ا‪١‬تالكية كالشافعية كا‪ٟ‬تنابلة على أف عقد النكاح يدخلو خيار العيب كغَته من‬

‫العقود ا‪١‬تدنية ‪.‬‬


‫‪145‬‬

‫كا‪٠‬تبلصة أف قضية الفحص قبل الزكاج من القضايا ا‪١‬تعاصرة اليت ‪٬‬تب أف ال تثَت جدالن فقهيان كبَتان فهي‬

‫مرتبطة ارتباطان كليان ٔتصلحة ‪٤‬تققة لئلنساف ‪ ،‬كقد بدأت دكؿ بالفعل بإلزاـ ا‪١‬ت ٍق ًدمُت على الزكاج بالفحص‬

‫الطيب كعلى رأس تلك الدكؿ يف الوطن العريب الكويت‪ ،‬حيث منعت بقانوف إجراء عقود الزكج دكف الوثيقة‬

‫الطبية اليت تثبت قياـ الرجل كا‪١‬ترأة الراغبُت يف االرتباط ببعضهما بالفحص الطيب ‪ ( .‬اليافعي‪. )َُِِ،‬‬

‫ْ‪ -‬الطالق اإللكتروني ‪:‬‬

‫المفهوم ‪ :‬يف اللغة ‪ :‬معٌت طلق يف معجم اللغة العربية ا‪١‬تعاصرة(ََِٖ ) طلَّق يطلق طبلقان فهو طالق‬

‫كطالقة ‪ ،‬كا‪١‬تفعوؿ مطلوؽ منو ‪ ،‬كطلقت ا‪١‬ترأة من زكجها ‪ٖ :‬تللت من قيد الزكاج ‪ ،‬كخرجت من عصمتو‪،‬‬

‫يقاؿ‪ :‬طيلقت ا‪١‬ترأة طبلقان رجعيان‪ ،‬كيقاؿ ‪ :‬ىي طالق ثبلث ‪.‬‬

‫كيف سبل السبلـ الطبلؽ لغة ‪:‬حل الوثاؽ مشتق من اإلطبلؽ كىو اإلرساؿ كالًتؾ ‪ ،‬كفبلف طلق اليدين‬

‫با‪٠‬تَت أم كثَت البذؿ كاإلرساؿ ‪٢‬تما بذلك‪.‬‬

‫كيف االصطبلح الشرعي ‪ ،‬الطبلؽ‪ :‬حل عقدة التزكيج (الصنعاين ‪ُُِْ،‬ق )‪ .‬أك ىو حل رابطة الزكاج‬

‫كإهناء العبلقة الزكجية (سيد سابق‪. )ُّٖٗ ،‬‬

‫الطالق اإللكتروني ‪ :‬ىو الطبلؽ الذم يتم عن طريق إحدل الوسائل اإللكًتكنية ا‪ٟ‬تديثة كا‪٢‬تاتف أك‬

‫اإلنًتنت ٔتختلف أنواعها ‪.‬‬


‫‪146‬‬

‫أىمية القضية ‪:‬‬

‫مع تطور ا‪ٟ‬تياة كالتقدـ ا‪٢‬تائل كا‪١‬تتسارع للبشرية يف ‪٣‬تاؿ االتصاالت تربز إذل الواقع موضوعات كثَتة متعلقة‬

‫باألسرة‪ ،‬من أ‪٫‬تها‪ :‬الطبلؽ اإللكًتكين عرب إحدم كسائل االتصاؿ ‪،‬سواء كاف بالتلفوف أك عن طريق النت ‪،‬‬

‫كح ًر ّّ‬
‫م بكتب الفقو أف توضح ا‪ٟ‬تكم يف ذلك ‪ ،‬كتضع قواعد كاضحة ‪١‬تسألة الطبلؽ‬ ‫أك غَتىا من الوسائل ‪ .‬ى‬
‫اإللكًتكين صحة أك فسادان ‪.‬‬

‫نظرة الشريعة ‪:‬‬

‫ناقش فقهاء ا‪١‬تسلمُت الكثَت من الصيغ اليت تػي ىع ّْرب عن حقيقة نية الرجل على االنفصاؿ عن زكجتو ‪ ،‬كيف نظر‬

‫الفقهاء فالطبلؽ يقع بكل ما يدؿ على إهناء العبلقة الزكجية ‪ ،‬سواء كاف باللفظ ‪ ،‬أـ بالكتابة إذل الزكجة ‪،‬‬

‫أـ باإلشارة من األخرس ‪ ،‬أك بإرساؿ رسوؿ ‪ .‬كيقع من البالغ العاقل ا‪١‬تختار ‪(.‬سيد سابق‪،‬ا‪١‬ترجع السابق)‬

‫بلؽ مَّرتى ً‬
‫اف‬ ‫كيقوؿ الشوكاين ر‪ٛ‬تو ا﵁ (ُُٗٗ) ىو جائز من مكلف ‪٥‬تتار كلو ىازالن بقولو تعاذل ‪ ﴿ :‬الطَّ ي ى‬
‫يح بًًإ ٍح ىساف ﴾ ( القرآف ‪ .‬البقرة ِ‪ )ِِٗ:‬ك‪ٟ‬تديث ابن شهاب قاؿ‪ :‬أخربين سادل‬ ‫فىًإمس ه ً و‬
‫اؾ ٔتىٍع يركؼ أ ٍىك تى ٍس ًر ه‬ ‫ٍى‬
‫أف عبدا﵁ بن عمررضي ا﵁ عنهما أخربه أنو طلق امرأتو كىي حائض فذكر عمر لرسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو‬

‫كسلم فتغيض فيو رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم ٍب قاؿ ‪" :‬ليراجعها ‪ ،‬ثم يمسكها حتى تطهر ‪ ،‬ثم‬

‫تحيض فتطهر ‪ ،‬فإن بدا لو أن يطلقها فليطلقها طاىراً قبل أن يمسها فتلك العدة كما أمره اهلل "‬

‫(ا‪ٟ‬تديث ‪ ،‬البخارم ‪،‬كتاب تفسَت القرآف‪:‬جّ ‪. )ِْٔٓ#:‬‬


‫‪147‬‬

‫كيف ا‪ٟ‬تديث عن أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو ‪ ،‬قاؿ ‪ :‬قاؿ صلى ا﵁ عليو كسلم ‪":‬ثالث جدىن جد وىزلهن‬

‫جد‪ :‬النكاح ‪ ،‬والطالق‪،‬والرجعة " (ا‪ٟ‬تديث ‪ ،‬سنن الًتمذم ‪،‬كتاب الطبلؽ‪:‬ج ‪. )ُُْٖ#:‬‬

‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اك بِ َم ْع ُروف أ َْو تَ ْس ِر ٌ‬
‫يح‬ ‫سٌ‬ ‫َّ‬
‫كالطبلؽ قد يكوف يسنيان كقد يكوف بدعيان ‪ ،‬قاؿ ا﵁ تعاذل‪﴿ :‬الطال ُق َم َّرتَان فَ ْإم َ‬
‫بِِإحس ٍ‬
‫ان ‪ ( ﴾...‬القرآف ‪ .‬البقرة ِ‪ ، )ِِٗ:‬فاآلية انتظمت ‪ٚ‬تيع أنواع الطبلؽ ا‪١‬تسنوف فإذا ما خرج عنو‬ ‫َْ‬
‫فهو خبلؼ السنة فثبت بذلك أف من ‪ٚ‬تع اثنُت أكثبلثان يف كلمة فهو مطلق لغَت السنة ‪ ،‬كما دكف الثبلث‬

‫تثبت معو الرجعة ‪ ،‬كمن حديث ابن عمر رضي ا﵁ عنهما يكوف طبلؽ السنة معقودان بوصفُت ‪ :‬أحد‪٫‬تا‬

‫العدد كاآلخر الوقت ‪ ،‬فأما العدد فبل يزيد يف طهر كاحد على كاحدة ‪ ،‬كأما الوقت فأف يطلقها من غَت‬

‫‪ٚ‬تاع أك حامبلن قد استباف ‪ٛ‬تلها ‪ (.‬ا‪ٞ‬تصاص‪.)ُِٗٗ،‬‬

‫كخبلؼ طبلؽ السنة يكوف طبلؽ البدعة أك الطبلؽ البدعي ‪ ،‬كىو الطبلؽ يف حيض أك نفاس‪ ،‬أك يف طهر‬

‫جامعها فيو كدل يتبُت ‪ٛ‬تلها أك ‪ٚ‬تع يف تطليقها الثبلث بواحدة ‪.‬‬
‫ى‬

‫كيقسم ابن قيم ا‪ٞ‬توزية ( ََِٗ ‪ ،‬ص ُّٖ‪ )ُْٖ-‬الطبلؽ إذل أربعة أكجو ‪ ،‬كجهاف حبلالف‪ ،‬ك‪٫‬تا ‪:‬‬

‫جام ىع ىها‬
‫عندما يطلق الرجل زكجتو يف طهر أك كىي حامل ‪ ،‬كا‪ٟ‬تراماف‪ :‬أف يطلقها كىي حائض أك يف طهر ى‬
‫فيو ‪ ،‬أما غَت ا‪١‬تدخوؿ ّٔا فيجوز أف يطلقها حائضان كطاىران ‪ ،‬كقد نقل ابن قيم ا‪٠‬تبلؼ يف كقوع الطبلؽ‬

‫حاؿ ا‪ٟ‬تيض أك الطهر الذم كقع فيو ‪ٚ‬تاع فقاؿ ر‪ٛ‬تو ا﵁ ‪ " :‬فإف ا‪٠‬تبلؼ يف كقوع الطبلؽ ا﵀رـ دل يزؿ ثابتان‬

‫بُت السلف كا‪٠‬تلف كقد كىم من ادعى اإل‪ٚ‬تاع ‪.‬‬


‫‪148‬‬

‫كىذا يعٍت أنو ال يوجد اتفاؽ حوؿ كقوع الطبلؽ البدعي ‪ ،‬أما من حيث كصفو با‪ٟ‬تراـ فبل يوجد فيو‬

‫خبلؼ ‪ ،‬كاألقرب ىو ما ذىب إليو الكثَت من العلماء كمنهم ابن تيمية كابن قيم ا‪ٞ‬توزية من القدامى كابن‬

‫باز من ا‪١‬تعاصرين كابن عثيمُت كاأللباين ‪ ( .‬ابن قيم‪ ( ، )ََِٗ،‬ا‪١‬توقع الر‪ٝ‬تي للشيخ بن باز‪)َُِْ،‬‬

‫(ا‪١‬توقع الر‪ٝ‬تي البن عثيمُت‪( )َُِْ،‬موسوعة الفتاكل الصوتية ‪ ، )َُِْ،‬كالطبلؽ ىو ا‪ٟ‬تل األخَت الذم‬

‫يكوف بعد استنفاذ كل جهود التوفيق بُت الزكجُت إذ أف األصل ىو السعي لبقاء ا‪ٟ‬تياة الزكجية حىت كإف طرأ‬

‫عليها ما يعكر صفوىا أحيانان ‪ ،‬قاؿ تعاذل ‪ِ ﴿:‬وإِ ْن ِخ ْفتُ ْم ِش َقا َق بَ ْينِ ِه َما فَابْ َعثُوا َح َك َماً ِم ْن أ َْى ِل ِو َو َح َك َماً ِم ْن‬

‫ص َال َحاً يُ َوفّْ ِق اهللُ بَ ْي نَ ُه َماإِ َّن اهللَ َكا َن َع ِليماً َخبِ َيراً﴾ ( القرآف ‪ .‬النساء ْ‪ . )ّْ:‬فإف‬ ‫ِ‬
‫أ َْىل َها إِ ْن يُ ِري َدا إِ ْ‬

‫تعثرت كل ا‪ٞ‬تهود إلعادة ا‪ٟ‬تياة الزكجية إذل قوهتا كطبيعتها فقد شرع ا﵁ الطبلؽ ‪،‬قاؿ تعاذل ‪َ ﴿:‬وإِن يَتَ َف َّرقَا‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬


‫يُغْ ِن اهللُ ُكالِّ من َس َعتو َوَكا َن اهللُ َواسعاً َحك َ‬
‫يماً ﴾ ( القرآف ‪ .‬النساء ْ‪ . )َُّ:‬كقد شرع ا﵁ الطبلؽ‬

‫كوسيلة ‪ٟ‬تل مشكلة حقيقية تتمثل بًتىػ ىع ُّذر ٖتقيق حياة السكن كا‪١‬تودة‪ ،‬قاؿ تعاذل ‪:‬‬

‫اجاً لِتَ ْس ُكنُوا إِلَْي َها َو َج َع َل بَ ْي نَكم َم َو َّدةً َوَر ْح َمةً إِ َّن فِي ذَلِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫﴿ َومن آياتو أَ ْن َخلَ َق لَ ُك ْم م ْن أَن ُفس ُك ْم أَ ْزَو َ‬

‫يات لَِق ْوٍم يَتَ َف َّك ُرون ﴾ (القرآف‪.‬الركـ َّ‪ )ُِ:‬فعندما تفقد ا‪ٟ‬تياة الزكجية ا‪١‬تودة كالر‪ٛ‬تة ألم سبب من‬
‫َآل ٍ‬

‫األسباب فهذا يعٍت أف تتحوؿ إذل كآبة كمعاناة ال تقتتصر آثارىا السلبية على بيت الزكجية فقط ‪ ،‬بل‬

‫تتعدل ذلك إذل آّتمع حيث ال يتمكن من االستفادة من قدرات ا‪١‬تختلفُت كيتحمل ا‪١‬تشكبلت ا‪١‬تًتتبة عن‬

‫ذلك ‪ .‬كتصبح األسرة يف مهب أعاصَت الشقاؽ بسبب ا‪٠‬تبلفات اليت تعصف بكل ركابطها ‪،‬كالطبلؽ أحد‬

‫ا‪ٟ‬تلوؿ لتلك ا‪١‬تشكبلت كاألصل فيو اإلباحة عند قياـ األسباب اليت تدعو إليو ‪(.‬سربيٍت‪ََِٕ،‬ـ)‬
‫‪149‬‬

‫كمع تقدـ العادل يف كل جوانب ا‪ٟ‬تياة فقد شهد أيضان تطوران سريعان يف كسائل االتصاالت فلم يعد من‬

‫الصعوبة ٔتكاف التواصل بُت الناس كإف تباعدت ا‪١‬تسافات ‪ ،‬فالتلفوف كاإلنًتنت كما يتصل ّٔما من كسائل‬

‫اتصاؿ اجتماعي حديثة ِّقربت ا‪١‬تسافات كأصبح العادل كالقرية الواحدة كأصبح ٔتقدكر اإلنساف أف ينجز‬

‫الكثَت من ا‪١‬تعامبلت عرب تلك الوسائل كىو قاعد يف بيتو كبأقل التكاليف ‪ ،‬كأصبح اإلنساف يفي بالتزاماتو‬

‫عرب الوسائل ا‪ٟ‬تديثة كيرسل كيستقبل األمواؿ كالعقود كالبحوث كيوافق كيرفض كغَت ذلك بكل أر٭تية ‪ .‬ككل‬

‫العمليات اليت يقوـ ّٔا اإلنساف موثقة كيستطيع النسخ كعمل ملفات يف ‪٥‬تتلف القضايا كيستطيع استدعاء‬

‫ا‪١‬تعلومات يف الوقت الذم ٭تب ‪ .‬كالقضية اليت نناقشها ىي قضية الطبلؽ اإللكًتكين كال شك أف ىذا‬

‫الطبلؽ رافق التكنولوجيا ا‪ٟ‬تديثة كليس للفقو اإلسبلمي قدٯتان رأم فيو ‪ ،‬كلكن سيتم تناكؿ ا‪ٞ‬تانب الشرعي‬

‫باجتهادات ا‪١‬تسلمُت اليوـ كال شك بأف علماء اليوـ سَتجعوف إذل القدًن من اآلراء الفقهية كا‪١‬تقاربة بُت‬

‫القضية اليوـ كأشباىها باألمس ‪ .‬حيث َّ‬


‫إف الشرع ا‪ٟ‬تكيم يسعى للتحقق من حدكث الطبلؽ كالرغبة ا‪ٟ‬تقيقية‬

‫من الزكج يف إيقاعو ‪ .‬كيف ىذه القضية سينقل الباحث – بتصرؼ ‪ -‬ما توصلت إليو الدكتورة فريدة زكزك‬

‫(َُِِ) يف ْتث بعنواف أثر التكنولوجيا ا‪ٟ‬تديثة يف النظر الفقهي"الطبلؽ با‪٢‬تاتف النقاؿ ‪٪‬توذجا" ‪ ،‬حيث‬

‫تقوؿ ‪ :‬ناقش ا‪١‬تتأخركف مسألة الطبلؽ بالكتابة إذل الغائب‪ ،‬كاتفقوا على كقوع الطبلؽ بالكتابة ا‪١‬تعنونة باسم‬

‫الزكجة كا‪١‬توجهة إليها شخصيان‪ ،‬كجعلوا حكمها حكم الطبلؽ الصريح إذا كاف اللفظ صر٭تان‪ .‬كبظهور صور‬

‫جديدة للوسيلة اليت يقع ّٔا الطبلؽ فهل ٯتكن أف يقع الطبلؽ بالفعل أك الكتابة‪ ،‬أك اإلشارة ا‪١‬تفهومة‪ ،‬أك‬

‫ا‪١‬تفهوـ من القرائن فهناؾ العديد من الوسائل اليت ٯتكن أف تقوـ مقاـ اللفظ ‪ ،‬كمنها ‪:‬الطبلؽ بالكتابة ‪،‬‬

‫كالطبلؽ باإلرساؿ‪ :‬كمعناه أف ‪٬‬تعل الزكج إعبلـ زكجتو بثبوت طبلقها لغَته‪ ،‬كذلك بأف يرسل إليها من‬

‫ٮتربىا أنو طلقها‪ .‬كإذا قاؿ الزكج لشخص ‪ :‬اكتب طبلؽ امرأٌب كابعث بو إليها‪ .‬فإف ذلك يكوف إقراران‬
‫‪150‬‬

‫بالطبلؽ فسواء كتب أك دل يكتب يقع الطبلؽ‪ .‬كللطبلؽ صور حديثة يف الطريقة اليت يتم ّٔا كقوع الطبلؽ‬

‫بُت الزكجُت‪ ،‬فبعد أف كاف يتم مشافهة كيف حضور الزكجة أك كليٌها أك ككيلها‪ ،‬ظهرت لو صورة أخرل يف‬

‫العقود ا‪١‬تتأخرة كىي كتابتو يف كرقة كإرسالو عرب الربيد العادم‪ ،‬أما اآلكنة األخَتة فإهنا تشهد صورا أخرل‬

‫استدعى كجودىا كاستعما‪٢‬تا التطور التكنولوجي ا‪ٟ‬تادث يف كسائل االتصاؿ‪،‬فظهر طبلؽ الرسالة ا‪١‬تسجلة يف‬

‫ا‪٢‬تاتف النقاؿ‪ ،‬كظهر طبلؽ الربيد اإللكًتكين‪ ،‬ففي الوقت الذم يشهد فيو العادل اإلسبلمي تزايدان يف نسبة‬

‫الطبلؽ‪ ،‬خاصة بُت حديثي العهد بالزكاج‪ ،‬فإننا نشهد أيضان حضوران قويان ‪١‬تهمة جديدة للهاتف النقاؿ فيما‬

‫ٮتص ىذا ا‪١‬توضوع؛ إذ أصبح أحد الوسائل اليت يتم ّٔا الطبلؽ‪ ،‬فالرجل ال ‪٬‬تد عناء يف كتابة كلمات‬

‫الطبلؽ لزكجتو بدؿ ‪٥‬تاطبتها بذلك‪ .‬كإذ تبدك أف كسيلة ا‪٢‬تاتف النقاؿ تشبو إذل حد كبَت الوسائل األخرل‬

‫ا‪١‬تتأخرة مثل الرسالة‪ ،‬إال أهنا ٗتتلف عنها يف طريقة كىيئة مباشرة الطبلؽ‪ ،‬ككيفية كصولو للزكجة‪ ،‬فهو طريقة‬

‫غريبة أك باألحرل ساخرة يف إيقاع الطبلؽ‪ ،‬فإنو نوع من أنواع إىانة مشاعر الزكجة مهما كانت ا‪١‬تشاكل‬

‫بينها كبُت مطلقها‪ ،‬كمنو االستهزاء بتعاليم ىذا الدين الذم أباح الطبلؽ‪ ،‬كأمر أف يكوف بإحساف ‪ ،‬قاؿ‬

‫تعاذل ‪ :‬تعاذل ‪﴿:‬فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان﴾ (القرآف ‪ .‬البقرةِ‪)ِٗٗ:‬؟ فأين يكمن اإلحساف‬

‫يف رسالة مسجلة با‪٢‬تاتف تنزؿ كالصاعقة على ا‪١‬ترأة ؟! كىنا سؤاؿ جوىرم ٭تتاج إلجابة كافية‪ :‬ما الداعي‬

‫أصبلن ‪٢‬تذه الوسيلة إذا ما اقتضى األمر استدعاء الزكج لدل القاضي كتأكيد ىذه الواقعة ؟ كما سنرل يف‬

‫الواقعة التالية ؟ يقوؿ د‪٤.‬تمد عقلة‪ ":‬إيقاع الطبلؽ من خبلؿ الوسائل ا‪ٟ‬تديثة‪ ،‬كا‪٢‬تاتف‪ ،‬كالربقية‪ ،‬كالتلكس‬

‫كالكاسيت يعتمد على اللفظ‪ ،‬أك الكتابة‪ ،‬كيقع ّٔا الطبلؽ إذا ‪ٝ‬تعت ا‪١‬ترأة صوت زكجها‪ ،‬كتيقنت من أنو‬

‫ىو ا‪١‬تتحدث‪ ،‬أك قرأت برقيتو كتأكدت أنو ىو ا‪١‬ترسل‪ .‬كلكن يف مثل ىذه ا‪ٟ‬تاالت على الرجل أف يشهد‬

‫على طبلقو‪ ،‬كيسجلو يف ا﵀كمة‪ ،‬كيبلغو ر‪ٝ‬تيان للمطلقة بالربيد ا‪١‬تسجل‪ ،‬أك عن طريق السفارة ليتخذ صفة‬
‫‪151‬‬

‫القطع كعدـ تطرؽ االحتماؿ إليو"‪ .‬كإذا كاف الطبلؽ عادة ٭تدث كالزكجاف يف حالة غضب فإف استخداـ‬

‫ىذه الوسيلة يظهر أف الرجل يستخدـ حقو يف التطليق كىو يف كامل كعيو‪ ،‬كٯتكن بذلك تسمية ىذا‬

‫الطبلؽ بالطبلؽ ا‪٢‬تادئ بدالن من الطبلؽ الصريح‪ ،‬فهو طبلؽ القصد فيو كامل كمتحقق كمتيقن منو‪.‬‬

‫كاللفظ الصريح كأف يقوؿ الرجل لزكجتو‪ :‬أنت طالق‪ ،‬فهو لفظ ال ٭تتمل غَته‪.‬كأما لفظ الكناية‪ :‬فهو اللفظ‬

‫الذم ٭تتمل الطبلؽ كغَته‪ ،‬مثل قولو‪ :‬أنت خلية‪ ،‬أنت حرة‪ ،‬اذىيب إذل بيت أىلك‪ ...‬كما أشبو ذلك فبل‬

‫تقبل إال بنية التطليق‪ .‬أما يف حالة طبلؽ ا‪٢‬تاتف النقاؿ فإف الزكج ال يتلفظ بالطبلؽ كإ‪٪‬تا يكتبو ٍب يقوـ‬

‫بإرسالو إذل زكجتو‪ ،‬كىذه العملية ال ٯتكن أف تتم كالزكج غَت قاصد أك غافل عما يفعل؛ إذف الطبلؽ صريح‬

‫مقصود كالباعث فيو كاضح‪ .‬كقد استعمل فيو كسيلتُت من كسائل إيقاع الطبلؽ‪ ،‬ك‪٫‬تا‪ :‬كسيلة الكتابة‪،‬‬

‫ككسيلة اإلرساؿ‪ .‬كىذه أحد جوانب ا‪١‬توضوع‪ ،‬أما ا‪ٞ‬تانب الثاين فهو مسألة اإلشهاد‪ .‬قاؿ ابن عبد الرب‪:‬‬

‫" اإلشهاد على الطبلؽ ليس بواجب فرضان عند ‪ٚ‬تهور أىل العلم‪ ،‬كلكنو نى ٍدب كإرشاد كاحتياط للمطلق‬

‫كاإلشهاد على البيع"‪ .‬كقد أكدت ا﵀اكم الشرعية ا‪٠‬تاصة با‪١‬تسلمُت يف سنغافورة قبو‪٢‬تا للطبلؽ عرب رسائل‬

‫ا‪٢‬تاتف النقاؿ أيضان‪ ،‬أما مفيت ديب فيقوؿ‪ ":‬الطبلؽ عرب ا‪٢‬تاتف كتابة ٔتا يسمى (ا‪١‬تسج) ىو نوع من أنواع‬

‫الطبلؽ بطريق الكتابة‪ ،‬ألنو يكتب لفظ الطبلؽ سواء بالعربية أك غَتىا‪ ،‬كعندئذ ٕترم عليو أحكاـ كتابة‬

‫الطبلؽ صر٭تان كاف أك كناية‪ ...‬كلكن بشرط أف يكوف الكاتب الزكج أك ككيلو‪ٔ ،‬تعٌت أف ا‪١‬ترأة ال يلزمها‬

‫العدة حىت تعلم أف ىذه الكتابة صادرة من الزكج نفسو أك ككيلو‪ ،‬كذلك ألف احتماؿ التزكير يف ىذا النوع‬

‫كثَتان‪ .‬ك٭تصل التأكيد إما بإقرار الزكج أك البينة العادلة‪ .‬فإذا ثبت ذلك اعتدَّت ا‪١‬ترأة من تاريخ صدكر تلك‬

‫الكتابة من الزكج"‪ .‬كالدكتور ‪٤‬تمود عكاـ أستاذ الشريعة با‪ٞ‬تامعات األردنية يرل أف الطبلؽ عرب رسائل‬

‫ا﵀موؿ أك الربيد اإللكًتكين قد يدخلو كثَت من الغش كا‪٠‬تداع؛ كلذا فإف ترؾ ىذه الوسيلة غَت ا‪١‬تضمونة‬
‫‪152‬‬

‫أكذل‪ .‬كيقوؿ عبد السبلـ دركيش ا‪١‬تختص يف القضايا األسرية يف ‪٤‬تاكم ديب بأف قبوؿ الطبلؽ عرب الرسائل‬

‫القصَتة مرىوف بأربعة شركط كىي‪" :‬أف يكوف الزكج ىو ا‪١‬ترسل‪ ،‬كأف يكوف لديو العزـ كالرغبة على تطليق‬

‫زكجتو‪ ،‬كأف ال تعٍت صياغة الرسالة أكثر من معٌت غَت الطبلؽ‪ ،‬كأف تستقبلها الزكجة"‪ .‬كدل يتخذ رئيس الوزراء‬

‫ا‪١‬تاليزم "‪٤‬تاضَت ‪٤‬تمد" موقفان قاطعان من ا‪ٞ‬تدؿ الواقع‪ ،‬حيث قاؿ‪" :‬إف ‪٣‬تلس الوزراء قرر أنو يف الوقت الذم‬

‫ٯتكن فيو اعتبار الطبلؽ ّٔذه الوسيلة صحيحان‪ ،‬إال أنو يبقى أف ىذه ليست ىي الوسيلة ا‪ٞ‬تيدة"‪ .‬كشدد‬

‫على ضركرة ٕتنب إساءة استخداـ مثل ىذه التكنولوجيا ا‪ٟ‬تديثة‪ .‬كما أف الدكتور عبد الوىاب الديلمي كزير‬

‫العدؿ اليمٍت السابق يرفض استخداـ الربيد اإللكًتكين إلببلغ الزكجة بالطبلؽ‪ ،‬حيث ٯتكن ألم شخص أف‬

‫يوقع الفتنة بُت الزكجُت بإرسالو إٯتيل ٭تمل الطبلؽ لزكجة دكف علم زكجها‪ ( .‬فريدة زكزك‪ . ) َُِِ،‬كيؤكد‬

‫د علي أبو البصل (َُِْ) بضركرة توثيق الطبلؽ عرب الوسائل ا‪ٟ‬تديثة عن طريق التوقيع اإللكًتكين أك طرؽ‬

‫اإلثبات األخرل كاليمُت كالبينة كاإلقرار‪.‬‬

‫من خبلؿ العرض السابق يتبُت لنا بأف الطبلؽ اإللكًتكين ىو إحدل الصور ا‪ٟ‬تديثة للتعبَت عن رغبة الزكج‬

‫يف إهناء العبلقة الزكجية ‪ ،‬كىذه الوسيلة ا‪ٟ‬تديثة خاض فيها العلماء كرجاؿ القانوف اليوـ كبيَّنوا بأهنا تكتنفها‬

‫الكثَت من األخطار كبالذات الطبلؽ عرب ا‪٢‬تاتف ا﵀موؿ ‪ ،‬فإمكانية التزكير كإرساؿ رسالة طبلؽ الزكجة من‬

‫التلفوف عرب الغَت منتحلُت اسم الزكج كمستخدمُت تلفونو الشخصي تيدخل الشك يف اعتماد ىذه الوسيلة‬

‫ضمن الوسائل ا‪١‬تشركعة يف الطبلؽ ‪ ،‬كلكن إذا ًب التأكد من مصدرىا بإقرار الزكج كاكتملت باقي الشركط‬

‫ا‪١‬تتعلقة بنفاذ الطبلؽ كتأكد لدل ا﵀كمة أك القاضي ا‪١‬تنظور لديو القضية من صحة العزـ على الطبلؽ فلو‬

‫أف ينفذ الطبلؽ كٖتسب عدة ا‪١‬ترأة من حُت إرساؿ الرسالة ‪ ،‬كينطبق ىذا ا‪ٟ‬تكم على باقي الرسائل عرب‬
‫‪153‬‬

‫النت أك الفاكسميل كغَتىا من الوسائل ا‪ٟ‬تديثة‪ ،‬فالكتابة على كرقة عادية‪ ،‬أك على النت كالشبكة‬

‫اإللكًتكنية‪ ،‬أك اإلشارة ا‪١‬تفهمة‪ ،‬أك أم كسيلة تعرب عن الطبلؽ ٭تصل ّٔا الطبلؽ‪ ،‬كلكن يف الوسائل ا‪ٟ‬تديثة‬

‫‪٬‬تب التأكد من حدكث الطبلؽ من الزكج نفسو ال غَته ‪ ،‬ك‪٬‬تب ٖترم كل الشركط ا‪١‬تتعلقة بالطبلؽ مع أف‬

‫الباحث ٯتيل إذل أف استخداـ مثل ىذه الوسائل ‪٬‬تب أف يكوف يف أضيق نطاؽ كللضركرة ‪ .‬كيبقى األصل أف‬

‫نتبع السنة يف إجراء الطبلؽ حفظان للحقوؽ ‪ ،‬كحفظان لكرامة ا‪١‬ترأة‪ ،‬كحفاظان على األسرة كاستجابة لقولو‬

‫تعاذل ‪﴿:‬أو تسريح بإحسان ﴾ (القرآف ‪.‬البقرة ِ‪ ، )ِٗٗ:‬فالشبكة العنكبوتية اليوـ دل تعد سران كرٔتا ىذه‬

‫الرسالة اليت تضمنت الطبلؽ كا‪١‬ترسلة من الزكج لزكجتو تتلقاىا بعض ا‪١‬تواقع كتنشرىا فيكوف يف ذلك جرح‬

‫للمرأة كتأثَت على مستقبلها ‪ ،‬كالقاعدة يف اإلسبلـ أف ال ضرر كال ضرار ‪ .‬كما أنو للدكلة أف تصدر قانونان‬

‫يينظم ىذا الطبلؽ ‪ ،‬على أف يتضمن القانوف عقوبات صارمة لكل من يتجاكز كيستهًت بأمر الطبلؽ أك‬

‫ينتحل صفة غَته فيجرل الطبلؽ مازحان أك جادان ‪ ،‬كعقوبات على كل من ينشر األمر أك يكوف سببان يف‬

‫ذلك حىت نصوف حق الزكجة كنضمن للزكج ا‪ٟ‬تق يف إهناء العبلقة الزكجية اليت اكتملت فيها مربرات اإلهناء‬

‫بالطريقة الصحيحة ‪.‬‬


‫‪154‬‬

‫ٓ‪-‬زواج المسيار‪:‬‬

‫المفهوم ‪:‬‬

‫يف اللغة ‪:‬جاء يف لساف العرب ‪ ،‬السَت‪ :‬الذىاب ‪ ،‬سار يسَت سَتان ‪ ،‬كمسَتة كتىسياران كثرة ‪ ،‬يقاؿ سار القوـ‬

‫يسَتكف سَتان كمسَتان إذا امتد ّٔم السَت ‪.‬‬

‫ا‪١‬تسيار يف االصطبلح‪ :‬ىو الزكاج الذم يذىب فيو الرجل إذل بيت ا‪١‬ترأة كال تنتقل ا‪١‬ترأة إذل بيت الرجل؛ كيف‬

‫الغالب تكوف ىذه الزكجة ثانية‪ ،‬كعنده زكجة أخرل ىي اليت تكوف يف بيتو كينفق عليها (ا‪١‬تسلم‪ُِْٕ،‬ق)‪.‬‬

‫أىمية القضية ‪:‬‬

‫زكاج ا‪١‬تسيار من أنواع العقود ا‪١‬تعاصرة كاليت ظهرت يف اآلكنة األخَتة ‪ ،‬كبالتحديد يف دكؿ ا‪٠‬تليج ‪ ،‬حيث‬

‫كاف أكؿ ظهور لزكاج ا‪١‬تسيار يف منظقة القصيم يف السعودية ‪ (.‬األشقر‪ ،‬مرجع سابق صُٕٔ) ككوف اليمن‬

‫تؤثر كتتأثر بالقضايا ا‪١‬تختلفة يف ‪٤‬تيطها العريب كاإلقليمي فإف مثل ىذا الزكاج بدأ ا‪ٟ‬تديث عنو فأصبح من‬

‫األ‪٫‬تية ٔتكاف بياف مفهومو كحكمو الشرعي ‪.‬‬

‫نظرة الشريعة ‪:‬‬

‫اإلسبلـ يشجع على الزكاج ك٭ترـ كل العبلقات ا‪ٞ‬تنسية القائمة على غَت الزكاج ‪ ،‬كمنهج اإلسبلـ قائم على‬

‫أساس احًتاـ طبيعة اإلنساف اليت ٮتتلف فيها عن ا‪ٟ‬تيواف ‪ ،‬فاالرتباط بُت الرجل كا‪١‬ترأة ىو ارتباط كثيق ‪،‬‬

‫ىخ ٍذ ىف ًمن يكم ّْميثىاقان ىغلًيظان﴾ (القرآف‪.‬النساءْ‪. )ُِ:‬‬


‫‪ٝ‬تاه القرآف الكرًن با‪١‬تيثاؽ الغليظ ‪ ،‬فقاؿ تعاذل ‪ ﴿:‬كأ ى‬
‫‪155‬‬

‫كا‪١‬تيثاؽ الغليظ الذم كاف كقت العقد على الزكاج باإلمساؾ ٔتعركؼ أك تفريق بإحساف ‪(.‬الطربم‪ ،‬مرجع‬

‫سابق) ‪ .‬كيقوؿ النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ‪":‬اتقوا اهلل في النساء فإنكم أخذتموىن بأمانة اهلل ‪،‬‬

‫واستحللتم فروجهن بكلمة اهلل ‪ ،‬ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" (ا‪ٟ‬تديث ‪ ،‬مسلم ‪،‬كتاب‬

‫ا‪ٟ‬تج ‪:‬جِ ‪ .)ُُِٖ#:‬كقد ارتبط الزكاج با‪٠‬تلقة األكذل‪ ،‬فقد خلق ا﵁ آدـ كخلق حواء لتكوف لو سكنان ‪،‬‬

‫قاؿ تعاذل ‪ ﴿:‬ىو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ‪( ﴾..‬القرآف‪.‬األعراؼ‬

‫الجنَّة ‪﴾..‬‬
‫ك َ‬ ‫َنت َوَزْو ُج َ‬
‫اس ُك ْن أ َ‬
‫آد ُم ْ‬
‫ٕ‪ . )ُٖٗ:‬كخاطب ا﵁ آدـ عليو السبلـ فقاؿ ‪َ ﴿:‬ويَا َ‬
‫(القرآف‪.‬األعراؼ ٕ‪ . )ُٗ:‬ككصف ا﵁ ا‪١‬تؤمنُت بقولو ‪ ﴿:‬والَّ ِذين ُىم لِ ُفر ِ‬
‫وج ِه ْم َحافِظُو َن ‪ .‬إَِّال َعلَى‬‫َ ْ ُ‬

‫اء ذَلِ َ‬
‫ك فَأُولَئِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أَ ْزو ِ‬
‫اج ِه ْم أ َْو َما َملَ َك ْ‬
‫ادون ﴾‬
‫الع ُ‬
‫ك ُى ُم َ‬ ‫ت أَيْ َمانُ ُه ْم فَإنَّ ُه ْم غَْي ُر َملُومين ‪ .‬فَ َم ِن ابْتَ غَى َوَر َ‬ ‫َ‬
‫(القرآف‪.‬ا‪١‬تؤمنوف ِّ‪. )ٓ:‬‬

‫كقد كضع الفقهاء شركطان لصحة عقد الزكاج حيث اتفقوا يف بعضها‪ ،‬كاإل‪٬‬تاب كالقبوؿ‪ ،‬كاختلفوا يف بعضها‬

‫اآلخر‪ ،‬كالورل كالشهود‪ ،‬كاإلعبلف‪ ،‬كا‪١‬تهر‪ ،‬كالكفاءة‪ ،‬فمنهم من ع ٌدىا شركطان‪ ،‬كمنهم من عدىا أركانان‬

‫(ا‪١‬تطلق‪ُِّْ،‬ق ) ‪ ،‬لكنهم متفقُت على عدـ ًح ٌل استحبلؿ الفركج بغَت العقد الشرعي ا‪١‬تكتمل األركاف‬

‫كالشركط ‪ .‬كزكاج ا‪١‬تسيار ظهر حديثان ‪ ،‬ككلمة ا‪١‬تسيار دارجة ككأف اللفظ يوحي بعدـ االستقرار يف ا‪١‬تكوث‬

‫َّث بو القرضاكم مع‬


‫مع الزكجة بشكل طبيعي كإ‪٪‬تا يكوف ا‪١‬تركر سريعان من الرجل على زكجتو ‪ ،‬كىذا ما ٖتد ى‬

‫ا‪ٞ‬تزيرة يف برنامج الشريعة كا‪ٟ‬تياة (ُٖٗٗ) فقد َّ‬


‫عد زكاج ا‪١‬تسيار زكاجان صحيحان ‪ ،‬كقاؿ العربة با‪١‬تسميات‬

‫كليست باأل‪ٝ‬تاء ‪ ،‬فالعقد متوفر فيو الشركط كا‪١‬ترأة تنازلت بإرادهتا عن بعض حقوقها‪ ،‬كالسكن فلها ذلك ‪،‬‬

‫كزكاج ا‪١‬تسيار ليس ىو الزكاج الذم ٭تبذه أك يدعو إليو كلكن ال يستطيع أف يقوؿ ْترمتو كما جاء ذلك عنو‬
‫‪156‬‬

‫يف الربنامج ‪ ،‬كيف نفس الربنامج يعارض الدكتور علي القرداغي زكاج ا‪١‬تسيار كيقوؿ ‪ ":‬فيو نوع من السرية‪،‬‬

‫كيف نفس الوقت فيو شركط إما مكتوبة أك موثقة‪ ،‬بأف ال يكوف ىناؾ حق ا‪١‬تبيت إال يف النهار إضافة إذل‬

‫التنازؿ عن حقوؽ النفقة كغَت ذلك‪ ،‬كيعترب أف زكاج ا‪١‬تسيار ال يتمتع بتحقق ا‪١‬تقصد الشرعي للزكاج من‬

‫حيث السكن الركحي كتكوين األسرة ‪.‬‬

‫كبا‪١‬تناسبة فقد كجد الباحث يف كتب الًتاث يف ا‪١‬تغٍت البن قدامة أف ىذا النوع من الزكاج كاف موجودان‬

‫ككاف ييسمى بالزكاج النهاريات أك الليليات‪ ،‬كالباحث دل ٮتض يف تفاصيل كال يف مناقشة أدلة آّيزين أك‬

‫ا‪١‬تعارضُت للموضوع ‪،‬كإ‪٪‬تا أشار إذل اجتهادات معاصرين أك دراسات تعمقَّت يف إبراز ا‪١‬توضوع من جوانبو‬

‫ا‪١‬تختلفة فطبيعة البحث تقتضي البعد عن التفصيل كتقوـ على بياف ا‪١‬تفهوـ كنقل صورة كاضحة عن طبيعتو‬

‫كنظرة الشريعة ٕتاىو من خبلؿ نقل أىم اجتهادات العلماء حيالو‪ .‬كمن ذلك فقد توصل الباحث‬

‫ا‪١‬تطلق(ُِّْق ) يف دراسة بعنواف "زكاج ا‪١‬تسيار دراسة فقهية كاجتماعية نقدية " إذل النتائج التالية ‪:‬‬

‫ُ‪ -‬زكاج ا‪١‬تسيار زكاج مستكمل الشركط ا‪١‬تتعارؼ عليها عند ‪ٚ‬تهور العلماء‪ ،‬ففيو تراضي الزكجُت‬

‫متحقق كالشهود كالورل ‪ ،‬كلكنو يتضمن تنازؿ الزكجة عن بعض حقوقها من النفقة كالقسم ‪،‬‬

‫كمع صحتو إال أف ىذا الزكاج ال ينبغي التشجيع عليو ألنو ال يتمثل فيو حقيقة الزكاج ا‪١‬تؤدم‬

‫إذل السكن كاالستقرار‪.‬‬

‫ِ‪ -‬تسمية الزكاج با‪١‬تسيار بناء على اللهجة الدارجة كاليت توحي بعدـ استقرار الرجل كتدؿ على مركره‬

‫يف أكقات معينة على زكجتو‪.‬‬


‫‪157‬‬

‫ّ‪ -‬من أىم أسباب ظهور زكاج ا‪١‬تسيار كثرة العوانس كا‪١‬تطلقات كاألرامل كصو٭تبات األعماؿ ‪ ،‬ىذا‬

‫بالنسبة للمرأة ‪ ،‬أما الرجل فا‪١‬تتعة ا‪ٟ‬تبلؿ اليت تتماشى مع الظركؼ ىي أكرب دافع لو ‪ ،‬كا‪١‬تغاالة‬

‫يف ا‪١‬تهور كعدـ القبوؿ بالزكاج بالثانية ىي أسباب تتعلق بآّتمع تدفع ‪١‬تثل ىذا الزكاج ‪ .‬كىذا‬

‫الزكاج ٭تقق بعض ا‪١‬تنافع‪ ،‬مثل إعفاؼ أعداد كبَتة من الرجاؿ كالنساء كٕتاكز الظركؼ ا‪١‬تانعة‬

‫من الزكاج الطبيعي‪ .‬كمن األمور اليت يٮتشى منها أف يتحوؿ مثل ىذا الزكاج إذل ‪٣‬ترد متعة يتم‬

‫ٖتوؿ ا‪١‬ترأة فيو من رجل إذل آخر ككذلك الرجل ‪ .‬كزكاج ا‪١‬تسيار عند أىل السنة ٮتتلف ٘تامان‬

‫عن ا‪١‬تتعة كزكاج ا﵀لل فالصورتُت األخَتتُت ‪٤‬ترمتُت باتفاؽ بينما ا‪١‬تسيار فا‪٠‬تبلؼ يف ا‪١‬توازنة بُت‬

‫ا‪١‬تصلحة كا‪١‬تفسدة ا‪١‬تًتتبة عليو ‪ .‬كيف دراسة أخرل لؤلشقر (َََِ) تناكؿ فيها زكاج ا‪١‬تسيار‬

‫كخلص إذل عدة نتائج ‪ ،‬من أ‪٫‬تها ‪:‬‬

‫تعارؼ عليها ا‪١‬تسلموف ‪.‬‬


‫ُ‪ -‬يرل الباحث أف عقد زكاج ا‪١‬تسيار معيب كال يشبو الصورة اليت ى‬

‫ِ‪ -‬زكاج ا‪١‬تسيار ال ٭تقق مقصد الشريعة اإلسبلمية من الزكاج ‪.‬‬

‫ّ‪ -‬الشركط ا‪١‬ترتبطة بزكاج ا‪١‬تسيار غَت صحيحة ‪.‬‬

‫من خبلؿ ما سبق نلمح اختبلؼ العلماء كالباحثُت يف مسألة زكاج ا‪١‬تسيار بُت يمبيح كمانع كمتحفظ ‪.‬‬

‫كمثل ىذه القضايا ٖتتاج إذل مزيد ْتث كتعمق ‪ .‬كٯتيل الباحث إذل الرأم القائل ّتواز ىذا العقد كصورة‬

‫حديثة فرضت نفسها على كاقع معاصر يقتضي التعامل معو بنوع من ا‪١‬تركنة ‪ .‬فظركؼ العمل كاالنشغاؿ‬

‫الكامل من ا‪١‬ترأة قد ال ‪٬‬تعل ‪٢‬تا فرصة لبلرتباط بعقد زكاج تتمثل فيو الصورة ا‪١‬تثالية للزكاج كلكنها ترضى‬

‫ٔتا دكهنا حفظان على عفتها كحرصان على عملها ككضعها ‪ .‬فبدالن من أف ٗتوض ٕتارب زكاج فاشلة حيث‬
‫‪158‬‬

‫ال تستطيع أف تقوـ ّتميع حقوؽ زكجها فمن حقها أف تعيش يف كنف زكج تتنازؿ عن بعض حقوقها‬

‫يف سبيل ٖتقيق مصلحة معتربة ‪٢‬تا كلزكجها على حد سواء ‪ .‬كالتحليل كالتحرًن ﵁ تعاذل كالفقيو ليس لو‬

‫عند الفتول أف يفيت إال ٔتا يظهر لو من حقيقة ا‪١‬تسألة دكف النظر إذل قبولو أك رفضو اجتماعيان ‪.‬‬

‫كالباحث ٯتيل إذل عدـ تشجيع مثل ىذه الصورة للزكاج‪.‬‬

You might also like