Professional Documents
Culture Documents
تمهيد :
يف ىذا ا١تبحث ًبَّ تناكؿ جانبُت مهمُت :اٞتانب األكؿ ﵀ة حوؿ التقوًن ككتب الفقو ا١تدرسية كدكرىا يف
الشافعي كزميبله تقوًن ا١تناىج بأ ٌهنا عمليٌة " إصدار حكم على صبلحيٌة ا١تناىج الدراسيٌة
ٌ التقويم ٌ :
عرؼ
صة للحكم عليها ,كٖتليلها ,كتفسَتىا يف ضوء معايَت موضوعيٌة تساعد على
عن طريق ٕتميع البيانات ا٠تا ٌ
ٌاٗتاذ قرارات مناسبة بشأف ا١تنهج " (الشافعي كزميبله،ُٗٗٔ،صّٔٔ).
الفقو :
)ٗ:ٚٛكيػي ٌعرؼ اإلماـ الشافعي رٛتو ا﵁ الفقو بأنو العلم باألحكاـ الشرعية العملية ا١تكتسب من أدلتها
التفصيلية .كيقصد باألحكاـ الشرعية أم ا١تأخوذة من الشرع ،كيقصد بالعملية :أم ا١تتعلقة بالعمل
القليب كالنية ،كغَت القليب ٦تا ٯتارسو اإلنساف مثل القراءة كالصبلة كغَتىا من عمل اٞتوارح .كا١تكتسب أم
ا١تستنبط بالنظر كاالجتهاد .كا١تراد باألدلة التفصيلية كل ما جاء يف القرآف كالسنة كاإلٚتاع كالقياس
(.الزحيلي ٦. )ََُِ ،تا سبق يتضح أف الفقو مرتبط بعمل اإلنساف كحركتو يف ىذه اٟتياة ٔتختلف ٣تاالهتا
،كأنو أيضان مرتبط بالشريعة الربانية اإل٢تية كأف الفقو ىو اٞتانب العملي ا١تراعي ٟتركة اٟتياة كتطورىا ،كما
48
يتضح من التعريف بأف الفهم السليم يعتمد على معرفة األدلة كاستيعأّا سواء كاف ذلك يف القرآف أك السنة
أك غَتىا من األدلة التفصيلية كىذا يعٍت ضركرة بذؿ اٞتهد للوصوؿ إذل حكم يف القضية الفقهية .
يناؿ الفقو مكانة رفيعة من بُت العلوـ األخرل من علوـ الشريعة اإلسبلمية لكونو مرتبطان ارتباطان مباشران ْتياة
ا١تسلم يف العبادات كا١تعامبلت كيف اٞتوانب االقتصادية كاالجتماعية كالسياسية ،كيف التعامبلت ا٠تارجية
كالداخلية كيف السلم كاٟترب كيف األسرة كيف القضاء ،كيف كل اٞتوانب العملية لئلنساف .فالفرد ْتاجة ماسة
للفقو كما أف آّتمع بأشد اٟتاجة إذل الفقو ،كالدكلة كاٟتكومة يف تشريعاهتا ال بد أف تأخذ بالفقو لصياغة
كرغم أف الفقو تطور بشكل ملحوظ أحيانانلكنو عاد للًتاجع أحيانان أخرل ،لكنو كعرب الفًتات ا١تختلفة من
حياة ا١تسلمُت حافظ على حيوتو كحركتو .كىذا ما أشار إليو الدكتور كىبة الزحيلي (ََُِ) حيث يؤكد
أف الفقو -كغَته من العلوـ -ينمو كيضمر ْتسب استعمالو أك إ٫تالو -حيث مرت بو فًتات ٪تا كترعرع
حىت تناكؿ ٚتيع مناحي اٟتياة ٍب عدت عليو عوادم الزمن حىت توقف ٪توه .فرغم انفتاح اإلسبلـ على
٣تتمعات ٥تتلفة كثقافات متنوعة ،كثقافة فارس كالركـ كرغم اختبلؼ الببلد اليت فتحها ا١تسلموف عن الببلد
اليت نشأ فيها الفقو إال أف الفقو استطاع أف ً
يوجد اٟتلوؿ لكل القضايا ا١تستجدة كظهر من العلماء كالفقهاء
كقد كاجهت الفقو الكثَت من التحديات أبرزىا :مواجهة اٟتضارة الفارسية ،كالفلسفات الوافدة ،كاٟتضارة
األكركبية إباف الفتوحات اإلسبلمية .كيف عصرنا اٟتاضر تيعد إفرازات العو١تة كاالنفتاح الكبَت على ثقافات
العادل كالتطور ا٢تائل يف ٣تاالت اٟتياة االقتصادية كاالجتماعية كالسياسة ،ككذلك ضعف الوازع الديٍت لدل
الكثَت من ا١تنتسبُت لئلسبلـ ف كتسييس الفقو كارتباطو برغبات اٟتكاـ كأىواء الساسة .كل ىذه تيعد من
أبرز ما يواجهو الفقو من ٖتديات قدٯتان كحديثان ( ىياـ . )َُُِ ،كيرل كرًن (ََِٔـ) أف اٟتديث عن
التجديد كرجالو ىو يف حقيقة األمر حديث عن اإلسبلـ يف أرقى صوره الفكرية ،كعلى الرغم من ذلك تقف
عدد من ا١تعوقات أماـ ٖتقيق ذلك ،كيأٌب على رأسها ٘تسك حكاـ ا١تسلمُت باٟتكم االستبدادم الذم ال
ٯتكن أف ينجح أم إصبلح يف ظل كجوده ،كذلك ينظر بعض اٟتكاـ إذل التجديد كاٟتركات اإلصبلحية يف
أكطاهنم نظرة خيفة كتوجس ،كيسيئوف الظن بالعلماء كيعتربكف اإلصبلح معارضة ٢تم كدعوة للتمرد كالثورة.
كمن جانب آخر يأٌب ٚتود غالبية العلماء ليقف عقبة أماـ التجديد يف اإلسبلـ ،أيضان تقسيم األمة
اإلسبلمية إذل شيع كأحزاب كالسنة كالشيعة كما فعلت الواليات ا١تتحدة يف السنوات األكذل من القرف
اٟتادم كالعشرين يف العراؽ ،كمعاداة أكركبا عامة كالواليات ا١تتحدة بشكل خاص للتجديد الذم يتم على
أيدم أصحابو من ا١تسلمُت كل تلك العوامل تقف كحاجز يف كجو التجديد اإلسبلمي.
ٖتد يواجهو الفقو اإلسبلمي اليوـ ىو ٚتود بعض فقهاء ا١تسلمُت على القدًن
كالباحث يرل أف أكرب ٍّ
كانكفاؤىم على ا١تراجع القدٯتة يف األحكاـ ا١تعاصرة كالتعامل مع ظاىر النصوص دكف الغوص يف أعماقها
كمعرفة مقاصد الشريعة فيها ٦تا يػي ىولّْد انطباعان سلبيان بأف الفقو دل يعد قادران على حكم اٟتياة اليوـ مثلما كاف
باألمس .
50
والمراد بكتب الفقو المدرسية :ا١تقررات الدراسية اليت يدرسها الطالب يف ا١تدرسة ،كتشرؼ اٟتكومة على
إعدادىا كتعليمها .كالكتاب ا١تدرسي لو قيمتو لدل ا١تعلم كا١تتعلم ناىيك عن اإلدارة الًتبوية .كنظران ألف
العديد من الدكؿ ال تزاؿ تنظر إذل الكتاب على أساس أنو ىو ا١تنهج يف النظرة التقليدية فإف الكتاب ٭تظى
باىتماـ كبَت من حيث طباعتو كإعداده كتأليفو كتوزيعو يف بداية كل عاـ ،كىذا االىتماـ ينعكس على ا١تعلم
فهو يقتصر على الكتاب ا١تدرسي يف ٖتضَته كتدريسو ألنو بالضركرة مطالىب بشرح مفردات الكتاب
كتغطيتها كاملة حيث يكوف تقييمو على أساس ذلك .كعندما نتحدث عن الطالب فإننا ٧تد أنو ملتزـ
بالكتاب ا١تدرسي يف تلقي معارف و كعلومو كال بد عند أدائو االمتحانات أف يلتزـ با١تعلومات الواردة يف
الكتاب ا١تدرسي ،بل إنو ال يقبل يف حاؿ من األحواؿ أف تتضمن كرقة االمتحاف أسئلة ليست ضمن
الكتاب ا١تدرسي .كعلى ىذا فالكتاب ا١تدرسي ييعد مصدران ىامان من مصادر ا١تعرفة ،كأحد مدخبلت
العملية ال ًتبوية كأداة من أدكات التوجيو الًتبوم ،كركيزة أساسية للمنهاج ا١تدرسي ،كاألساس الذم يستعُت بو
ا١تعلم يف إعداد دركسو كرٔتا ا١ترجع الوحيد يف أغلب األحياف للتلميذ للمذاكرة.ىذا كلو يقودنا إذل أ٫تية
الكتاب ا١تدرسي كضركرة االىتماـ بو شكبلن كمضمونان حىت يؤدم الغرض منو بكفاءة كاقتدار.
القضايا ٚتع قضية كىي من قضى أم حكم ،يقاؿ قضى بينهم قضية ،كقضايا ،كالقضايا األحكاـ
القضية ا١تعاصرة " :ىي اٟتادثة اليت اشًتؾ يف تكوينها أكثر من صورة نتيجة التطور الطبيعي للحياة
كا١تعاصرة من العصر كىو الزمن ،كمعٌت معاصرة :أم يف زمننا ،كىو مصطلح يعٍت الشيء اٞتديد الذم ىو
من اختصاص ىذا الزمن ،كدل يكن موجودان كمعهودان كمعركفان قبل ذلك ،كمصطلح معاصر أصبح علىمان على
كل ما جاء بعد الثورة الصناعية كاليت تبلىا مباشرة اكتشاؼ النفط ،كيطلق على القضايا ا١تعاصرة
أحيانان اسم النوازؿ ،أك ا١تستجدات ،أك ا١تسائل ا١تعاصرة (.اليحي ُُّْ ،ق) .
التعريف اإلجرائي :ىي ا١تستجدات اٟتياتية اليت نعيشها ،كاليت ي٘تثل ظاىرة نكوف ْتاجة ماسة ١تعرفة
اٟتكم الشرعي فيها حىت نتعامل معها على بصَتة كفق مقاصد الشريعة اإلسبلمية .كعلى ىذا التعريف
فليس شرطان للحكم على و
قضية ما بأهنا معاصرة أف تكوف حديثة كليست معركفة من قبل .كإ٪تا القضية اليت
يعيشها الناس يف زماهنم كإف كاف قد عاشها غَتىم كتكوف ذات أ٫تية كبَتة ك٨تتاج إذل معرفة حكمها
كتشكل اىتمامان بالغان للمعاصرين ٢تا تيعد قضية معاصرة ،كموضوع اٞتهاد مثبلن ىو قضية قدٯتة كلكن ال
يزاؿ ٭تظى باىتماـ الناس اليوـ حىت ٭تاكؿ البعض إلصاؽ اإلرىاب با١تسلمُت على اعتبار أف اٞتهاد ىو
اإلرىاب يف نظرىم ،فاٞتهاد بذلك يكوف قضية حاضرة كمعاصرة .ككذلك التجارة تيعد قدٯتة كلكن بعض
صورىا اليوـ ىي اٞتديدة ا١تعاصرة ،كالتجارة اإللكًتكنية كأنواع أخرل .كٯتكن ىنا أف نشَت إذل بعض من
القضايا ا١تعاصرة يف آّاالت ا١تختلفة فمثبلن :الصبلة يف كسائل ا١تواصبلت اٟتديثة كالطائرات ،فوات
الصلوات بسبب العمليات اٞتراحية كاألعماؿ ا١تتصلة كالدكاـ ، ،اإلضراب ،اإلرىابٖ ،تديد النسل ،
كغَتىا من القضايا ا١تعاصرة .ك٦تا ٕتدر اإلشارة إليو أف آّتمعات ٗتتلف من حيث درجة االىتماـ ببعض
القضايا ا١تعاصرة ففي حُت تعد قضية زكاج القاصرات ىي ا٢تم األكرب يف بعض آّتمعات ٧تد ىذه القضية
ليست ذات باؿ يف ٣تتمعات أخرل ،لذا فإف ا١تناىج الدراسية كبالذات مقررات الفقو يف كل بلد ٬تب أف
52
تصاغ ٔتا يبلئم االحتياجات الفعلية لو .كىذا ا٢تدؼ ىو الذم جعل قسم الشريعة كالقضاء ّتامعة العلوـ
اإلسبلمية ٔتاليزيا USIMاآلف ك KUIMسابقانٕ ،تعل من مادة الفقو ا١تعاصر مادة إجبارية على طلبة قسم
الشريعة كالقضاء ،كمادة اختيارية على طلبة باقي التخصصات مثل :قسم االقتصاد ،كقسم الدعوة كاإلعبلـ،
كقسم الدراسات القرآنية كاٟتديثية.أما كلية العلوـ اإلسبلمية كالعلوـ االجتماعية ّتامعة اٟتاج ٠تضر
باٞتزائرفإف ا١تقرر ال ييدرس إال لطلبة ا١تاجستَت ٖتت مسمى القضايا الفقهية ا١تعاصرة ،على اعتبار أف بعض
مفردات ىذا ا١تقرر تيدرس ضمنان مع ا١تقررات الشرعية األخرل مثل :فقو العبادات ،كاألحواؿ الشخصية ،
كلية االقتصادكإداراة العلوـ، KENMSاٞتامعة اإلسبلمية الدكلية ٔتاليزيا IIUMكمؤسسة للتعليم العا١تي منذ
إنشائها يف عاـ ُّٖٗـ ،كأيضان يف كلية إدارة األعماؿ كاالقتصاد كالدراسات السياسية ،جامعة بركنام
كٯتكن تقسيم القضايا من حيث كجود التكييف الفقهي ٢تا إذل قسمُت :القسم األكؿ ما لو تكييف فقهي
كذلك حُت تكوف ا١تسألة قد تناك٢تا الفقهاء ا١تعاصركف سواء باجتهاد ٚتاعي أك فردم .فهنا يكوف النظر إذل
اآلراء الفقهية ا١تطركحة ْتسب تكييف القضية كاألخذ بأرجح اآلراء ،كالقسم الثاين :ما ليس لو تكييف
فقهي كىنا ٬تب على آّتهدين اليوـ أف ينظركا إذل التكييف الفقهي للمسألة كأف ٬تتهدكا للوصوؿ إذل حكم
فيها .كينبغي العناية بالعلة يف مرحلة اٟتكم على ا١تسألة كأف يكوف ا١تفيت يف القضية ا١تعاصرة على إ١تاـ كامل
ٔتا ًب تناكلو من ْتوث كاجتهادات يف حكم القضية ا١تعاصرة كينبغي النظر إذل الضركرات كتقديرىا بقدرىا
حُت اٟتديث عن بعض القضايا ا١تعاصرة كا١تصاحل كا١تفاسد ،كمعرفة تفاصيل الواقعة كالقضية كالواقع الذم
53
نشأت فيو كالنظر إذل ا١تسميات ال إذل األٝتاء ،كما ٬تب مراعاة أقساـ ا١تسائل ا١تعاصرة آّردة مثل الكثَت
من مسائل الطب كتلك اليت تتغَت بتغَت الواقع كالرب١تانات كاألقليات كغَتىا (.اليحي،مرجع سابق
ُُّْ،ق) .كعند التأليف أك الفتول يف القضايا ا١تعاصرة ٬تب أف ينضم إذل الفقيو يف الشريعة متخصصوف
يف القضية ا١تطركحة فالفقيو قد ال يكوف عا١تان بتفاصيل القضية الطبية أك االجتماعية أك السياسية مثبلن ،
كلكنو عندما ٬تتمع بأىل التخصص يف نفس آّاؿ فإنو يستطيع أف يتخذ القرار كاٟتكم ا١تناسب حيا٢تا،ك٦تا
يؤكد ىذا الكبلـ ما أكصت بو ندكة انعقدت يف جامعة اإلماـ ٤تمد بن سعود يف الرياض (ََُِ) ٖتت
عنواف ٨تو منهج علمي أصيل لدراسة القضايا الفقهية ا١تعاصرة حيث كاف من أىم ما أكصت بو اللجنة
ضركرة مشاركة أىل االختصاص كا٠ترباء يف فقو النوازؿ ،كشدد ا١تشاركوف على أ٫تية إعماؿ القواعد الفقهية
اليت ثبتت باالستقراء الصحيح أك بنصوص شرعية خاصة يف استنباط أحكاـ القضايا ا١تستجدة مع مراعاة
شركط إعما٢تا كضوابطها .كما أكصىت الندكة بضركرة تضمُت مناىج الدراسات الشرعية طرؽ البحث
الفقهي يف القضايا ا١تعاصرة،كما شدد اٟتاضركف على أ٫تية كظيفة ا٠تبَت يف ا١تسائل الطبية كاالقتصادية
كاالجتماعية كسائر التخصصات ذات العبلقة يف تصوير أسباب الواقعة كمآالهتا ،مشَتين إذل أف الغفلة عن
ىذه تعد خلبلن يف الدراسة الفقهية.كعلى ذلك فإف األ٫تية الكربل للمناىج التعليمية كباألخص تلك ا١تتعلقة
كٖتىتّْم أف ييوىكل إعدادىا إذل فريق من ا٠ترباء الذين ٬تب عليهم يف ا١تقابل مراعاة
ّتوانب الفقو تقتضي ي
ضوابط عرض القضية ا١تعاصرة كاٟتكم فيها بناءن على تلك الضوابط السالف ذكرىا مع ضركرة إعادة النظر
يف تلك األحكاـ ْتسب ثباهتا أك تغَتىا .فمراعاة الضوابط يف اٟتكم على القضية ا١تعاصرة كإعادة النظر
فيها بُت اٟتُت كاآلخر يعطي الفقو حيويتو كفعاليتو يف التعامل مع كل قضية مستجدة .كنظران لبلرتباط الوثيق
بُت القضايا ا١تعاصرة كمقاصد الشريعة اإلسبلمية فإف الباحث يرل من األ٫تية ٔتكاف دراسة القضايا
54
كا١تستجدات ا١تعاصرة يف ضوء نظرية ا١تقاصد .كعند اٟتديث عن مقاصد الشريعة اإلسبلمية فهذا يعٍت العودة
إذل الشريعة اإلسبلمية كالنظر الفاحص كاٞتاد يف أحكامها ،كمعرفة الغايات كاٟتًكم ،كا١تعاين كاألسرار كالعلل
من تشريع األحكاـ .كالقرآف الكرًن كالسنة النبوية ا١تطهرة ٫تا مصدرا التشريع كال شك أف من أراد معرفة
مقاصد الشريعة اإلسبلمية فبل بد من النظر يف ىذين ا١تصدرين ،ككوف شريعة اإلسبلـ ىي الشريعة ا٠تا٘تة
فبل بد من معرفة مقاصدىا كمراميها حىت يتم إنزا٢تا كاٟتكم ّٔا يف كل زماف كمكاف ،ناىيك كالشريعة
اإلسبلمية جاءت ١تراعاة مصاحل العباد يف الدنيا كاآلخرة " .كمقاصد الشريعة كمعرفتها كمراعاهتا ،ليس شيئا
اكتشفو البلحقوف أك ابتكره ا١تتأخركف ،بل ىو من صميم الدين ،بل ىو صميمو .فرغم أف أحكاـ الوحي
٢تا من القداسة كمن الثقة كالتسليم ّٔا عند ا١تؤمنُت ما ال ٭توجهم إذل بياف علة كال حكمة كال مقصد كال
مصلحة ،إال أف القرآف الكرًن كالسنة النبوية -رغم ذلك-قد بينا كثَتان من علل األحكاـ كمقاصدىا ،يف
العبادات كا١تعامبلت كسائر أبواب التشريع" (الريسوين . )ََِٓ،كأل٫تية مقاصد الشريعة اإلسبلمية فقد
حظيت باىتماـ علماء ا١تسلمُت قدٯتان كحديثان ،كلذا فقد خلصت دراسة(القرضاكم )َََِ،إذل القوؿ بأف
نظرية ا١تقاصد قائمة على أف لؤلحكاـ اليت شرعها ا﵁ ًح ىك هم كغايات ،فما شرع ا﵁ شئيان إال ٟتكمة ،
كيستحيل العبث يف أفعاؿ ا﵁ كتشريعاتو ،يقوؿ ا﵁ تعاذل ﴿:أَفَ َح ِس ْبتُ ْم أَنَّ َما َخلَ ْقنَا ُك ْم َعبَثَاً َوأَنَّ ُك ْم إِلَْي نَا َال
األحكاـ كفيلة بأف ٕتعل لبلج تهاد مساحة كبَتة يف إ٬تاد اٟتلوؿ ١تستجدات اٟتياة كتطوراهتا كفق رؤية الشرع
اٟتكيم .كمن ا١تعركؼ بأف العلماء تعددت آراؤىم يف الكثَت من ا١تسائل كذلك الختبلؼ اجتهاداهتم
55
كقراءهتم لنصوص الشرع اٟتكيم .كيف كقتنا اٟتاضر ال شك توجد الكثَت من القضايا اليت ٖتتاج إذل بياف
رؤية الشرع فيها كحقوؽ اإلنساف عمومان كا١ترأة على كجو ا٠تصوص ،كالتعامبلت االقتصادية كا١تالية ،
كقضايا اإلرىاب ،كالقضايا الطبية كقضايا األسرة كقضايا السلم كاٟترب ،كغَتىا ٦تا ي٭تتم على علماء
ا١تسلمُت االجتهاد كفق مقاصد الشرع لبياف األحكاـ اليت ٖتقق أىداؼ الشريعة اإلسبلمية كتزيد ثقة الناس
بالدين .كمن ىذا ا١تنطلق فقد حاكلت دراسة (الزحيلي )ََِِ،الربط بُت مقاصد الشريعة كرعاية مصاحل
اإلنساف .كقد حاكلت دراسة (الضوم )ََِٔ ،تقدًن تصور ١توضوعات مبنية على مراعاة مقاصد الشريعة
اإلسبلمية.كيف ىذا الصدد فإننا ٧تد دراسة (سينجي )ََِٖ،ىدفت إذل ٖتديد التطبيقات الًتبوية ١تقاصد
الشريعة اإلسبلمية كحاكؿ الباحث توزيع بعض القضايا ا١تعاصرة كتطبيقات على مقاصد الشريعة اإلسبلمية
ا١تتمثلة ْتفظ الدين كالنفس كالعرض كالعقل كا١تاؿ .كإ٫تاؿ ا١تقاصد يؤدم إذل عدـ معرفة دالالت النصوص
كاستنباط األحكاـ ( كورنيانتو . ) َُِِ،كما ٬تب مراعاة خصائص ا١تتعلمُت يف ىذه ا١ترحلة كدراسة
خصائص ا١تتعلمُت يساعد على بناء منهج متكامل يراعي تلك ا٠تصائص .كٯتكن أف نشَت ىنا إذل أف أىم
خصائص ا١تتعلمُت اليت ٬تب على ا١تناىج مراعاهتا ،كىي :ا٠تصائص اٞتسمية ،كا٠تصائص العقلية ،
كا٠تصائص االنفعالية ،كا٠تصائص االجتماعية ،كا٠تصائص اٞتنسية .فالتغَتات ا١تفاجئة اليت ٖتدث للجسم
سواء بالزيادة يف الطوؿ أك بتغَت نربات الصوت أك ٔتا يدؿ على البلوغ كل ذلك تصحبو تغَتات يف ا١تزاج
العاـ لدل ا١تراىق كتزداد لديو اٟتاجة للتقدير كيسعى بكل ما أكٌب من قدرة إذل إثبات ذاتو لكي يتعامل معو
آّتمع تعامبلن ٥تتلفان عن تعاملهم معو فًتة الطفولة السابقة .كصف أريكسوف مرحلة ا١تراىقة بأهنا مرحلة
التوتر كىي مرحلة بطبيعتها مواتية للسلوؾ اٞتانح ١تا فيها من فورة الغرائز من جنس كعدكاف ك١تا تبديو من
رغ بة يف التحرر من سلطة الكبار كالتمرد عليها ،ك١تا فيها من عدـ استقرار عاطفي كمن صعوبة يف التكيف
56
مع ا١تتغَتات اٞتسمية كالنفسية مع اآلخرين ( الديدم . )ُِٔ ، ُٗٗٓ،كيف ىذا البحث يركز الباحث
على القضايا ا١تعاصرة اليت ىي ٤تل اىتماـ آّتمع اليمٍت ْتيث يكوف الطالب بأمس اٟتاجة ١تعرفة اٟتكم
الشرعي حيا٢تا .كفيما يلي عرض ألىم تلك القضايا ،حيث سيتم تناكؿ القضية بشكل مقتضب كٔتا ٭تقق
ا٢تدؼ من البحث دكف ا٠توض يف نقاشات فقهية كتفاصيل ،فتناكؿ القضية سيتضمن التعريف ّٔا كبالنظرة
الفقهية حيا٢تا مستقاة من اجتهادات الفقهاء كبالذات ا١تعاصرين منهم ،كاإلشارة إذل نتائج أم دراسات يف
نفس القضية ،ككيفية التطرؽ إليها يف كتاب الفقو ا١تدرسية .كقبل اٟتديث عن بعض القضايا الفقهية
ا١تعاصرة ٭تسن يب أف أنقل بعض شهادات علماء غربيُت على صبلحية ىذه الشريعة إل٬تاد اٟتلوؿ لكل
ا١تستجدات ا١تعاصرة ،من مظاىر الرٛتة يف شخصية النيب صلى ا﵁ عليو ك سلم يف ميداف التشريع ،أف
أحكامو الشرعية تتسم با١تركنة ،كقابلية تشريعاتو للتجديد ،كالتمشي مع مقتضيات العصر كاٟتاجات
كا١تسائل ا١تستجدة ،رٛتة بالناس .كما يقوؿ توماس آرنولد" ،كإف بساطة ىذه التعاليم ككضوحها ٢تي على
كجو التحقيق؛ من أظهر القول الفعالة يف الدين كيف نشاط الدعوة إذل اإلسبلـ ا٠تصب .كيقوؿ الدكتور
"إيزيكو انسابا توحُت" أحد علماء القانوف "إف اإلسبلـ يتمشى مع مقتضيات اٟتاجات الظاىرة فهو
يستطيع أف يتطور دكف أف يتضاءؿ خبلؿ القركف ،كيبقى ٤تتفظان بكل ما لديو من قوة اٟتياة كا١تركنة .فهو
بعض الوجوهٍ .ب إهنا علم ما دامت تعتمد على ا١تنطق اٞتدرل ..كتستند إذل اللغة ..إهنا ليست جامدة ،كال
تستند إذل ٣ترد العرؼ كالعادة ،كمدارسها الفقهية العظيمة تتفق كلها على ىذا الرأم .فيقوؿ أتباع ا١تذىب
اٟتنفي أف القاعدة القانونية ليست بالشيء اٞتامد الذم ال يقبل التغيَت .إهنا ال تشبو قواعد النحو كا١تنطق.
57
ففيها يتمثل كل ما ٭تدث يف آّتمع بصورة عامة" ( منتديات ستار تاٯتزََِٗ،ـ ) .ككوننا ننقل بعضان من
ىذه االنطباعات لعلماء غربيُت فهذا فقط من باب التأكيد على أ٫تية شريعتنا اإلسبلمية كمنقذ لتخبط
البشرية يف ٣تاؿ التشريع .فشريعتنا فيها سعادة اإلنساف ك٦تن خبل٢تا ٬تد اإلنساف نفسو متماشيان مع فطرة
ا﵁ اليت فطره عليها كغَت متناقض معها .كيف اإلطار النظرم للبحث رأل الباحث بالتشاكر مع ا١تشرؼ
كٖتقيقان ألىداؼ البحث فإف الباحث يف ىذا الفصل سيتناكؿ القضايا اليت خلص إليها من خبلؿ التحكيم
من حيث :م فهومها ،أ٫تيتها ،نظرة الشريعة ٢تا ،كيفية تضمينها كتب الفقو ا١تدرسية يف ا١ترحلة الثانوية .
كىذه القضايا عددىا بعد التحكيم تسع عشرة قضية موزعة على ثبلث ٣تاالت ،كالتارل :آّاؿ األكؿ :
٣تاؿ العبادات كا١تعامبلت ا١تالية كتندرج ٖتتو القضايا التالية ( : :الصبلة يف كسائل ا١تواصبلت اٟتديثة
كالطائرة -فوات الصلوات بسبب العمليات اٞتراحية كاألعماؿ ا١تتصلة كالدكاـ – التعامبلت البنكية
كالتجارة اإللكًتكنية – بيع التقسيط – الضرائب – الزكاة على األسهم كالسندات ) .آّاؿ الثاين ٣ :تاؿ
السياسة كالسلوؾ كيتضمن الفقرات التالية ( :الغلو كالتطرؼ – العصبية – الثأر – التقطعات (قطع
الطريق ) – قتل اإلنساف نفسو (االنتحار) – االختطافات كاالغتياالت – اإلرىاب – الثورات كالتغيَت
السلمي ) أما آّاؿ الثالث فهو ٣تاؿ األحواؿ الشخصية كتنضوم ٖتتو الفقرات التالية (:الفحص قبل الزكاج
– ٖتديد كتنظيم النسل – الطبلؽ اإللكًتكين – زكاج الصغَتات – زكاج ا١تسيار) ٕ.تدر اإلشارة إذل أف
الباحث لن يتعمق يف اٞتانب الفقهي بقدر ما سيعمل على طرؽ ا١توضوع من اٞتوانب ا١تشار إليها سابقان
كا١تفهوـ كاأل٫تية كنظرة الشريعة ككيفية تضميينها يف الكتاب ا١تدرسي ،كقد ٯتيل الباحث إذل رأم شرعي
معُت فيما يتطرؽ إليو من قضايا كىذا ا١تيل بناء على ترجيح اجتهاد معُت ّٓمع فقهي أك ١تدرسة فقهية معينة
أك باحث توصل إذل نتائج علمية يف القضية ا١تطركحة .كتناكؿ الباحث ٢تذه القضايا اليت ًب ٖتكيمها كيرل
58
الباحث تضمينها الكتاب ا١تدرسي يف ا١ترحلة القادمة ٟترصو الشديد تقدًن مقًتحات تفيد من ناحية عملية
يف إعادة صياغة ا١تناىج الدراسية ٔتا يتناسب مع ا١ترحلة كا١تستجدات ا١تعاصرة .
المفهوم :كيفية الصبلة يف الطائرة كالقطار كاٟتافلة كغَتىا من كسائل النقل اٟتديثة
األىمية :تناكؿ الفقهاء األكلوف الصبلة ككيفية إقامتها كشركطها كأركاهنا كسننها كىيئتها ،كال يكاد كتاب
مؤلف يف الفقو أك اٟتديث إال كتطرؽ ١توضوع الصبلة .كما تناكلوا بالدراسة األكضاع ا١تختلفة للصبلة أثناء
الصحة كا١ترض كاإلقامة كالسفر كأثناء ا٠توؼ كاألمن .كال ٧تد صعوبة يف معرفة أحكاـ الصلوات ا١تفركضة
كصلوات النافلة كغَتىا .كلكن قضيتنا اليوـ ىي يف ىيئة الصبلة ككيفيتها عند السفر على إحدل كسائل
النقل اٟتديثة كالطائرة كالباخرة كالسيارة ،حيث كأف ا١تسافر قد يستغرؽ كقتان طويبلن يف رحلتو حىت يصل إذل
مقصوده كقد يتعذر التوقف الداء الصبلة كما ىو اٟتاؿ يف الطائرة أك الباخرة ،أك قد ٮتاؼ ا١تسافر من
التوقف يف الطريق الربم بالسيارة أك بغَتىا خوفان على حياتو كمالو من قطاع الطريق كغَتىم .كا١تسلم حريص
على معرفة كيفية الصبلة حىت يطمئن قلبو كيؤدم ما افًتضو ا﵁ عليو ،ناىيك كىذه الوسائل ىي ا١تستخدمة
اليوـ فلم يعد للجمل أك اٟتصاف أك اٟتمار كغَتىا من الوسائل القدٯتة اعتبار يف زمن التكنولوجيا :زمن
59
السيارة كالباخرة كالطائرة كمركبات الفضاء األخرل ؛ لذا أصبح من األ٫تية ٔتكاف أف يكوف الطالب على
كعي كإدراؾ لكيفيات الصبلة يف ىذه الوسائل ؛ إلف ديننا اإلسبلمي صاٟتة أحكامو يف كل زماف كمكاف .
كللفقهاء شواىد على كسائل قدٯتة كانت موجودة على عهد النيب صلى ا﵁ عليو كسلم كالسفينة .كىنا ال
تكوف ا١تشكلة يف قصر الصلوات للمسافر فهذا ليس موضوعنا إ٪تا موضوعنا ىو الصبلة يف كسائل النقل
تلك حيث ال مكاف يتسع ألداء الصبلة ّٔيئتها كال ٣تاؿ أحيانان ١تعرفة القبلة كالوقت الذم ٮتتلف من منظقة
إذل أخرل يف العادل كبالذات عندما يستمر السفر ١تدة طويلة .كىنا ننقل حديثان للًتمذم رٛتو ا﵁ تعاذل
اح الٍبىػ ٍل ًخ ُّي ىع ٍن ىكثً ًَت بٍ ًن ًزيى واد وسى ىح َّدثػىنىا ىشبىابىةي بٍ ين ىس َّوا ور ىح َّدثػىنىا عي ىم ير بٍ ين َّ
الرَّم ً حيث يقوؿ ":ىح َّدثػىنىا ىٍ٭ت ىِت بٍ ين يم ى
صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم ًيف ىم ًس وَت ً ً
ىع ٍن ىع ٍم ًرك بٍ ًن عيثٍ ىما ىف بٍ ًن يىػ ٍعلىى بٍ ًن يمَّرةى ىع ٍن أىبًيو ىع ٍن ىجدّْه أىنػ يَّه ٍم ىكانيوا ىم ىع النً ّْ
َّيب ى
السماء ًمن فىػوقً ًهم كالٍبًلَّةي ًمن أىس ىفل ًمٍنػهم فىأىذَّ ىف رس ي ً ً ً
صلَّى
وؿ اللَّو ى ىي ٍ ٍ ى يٍ الصبلةي فى يمط يركا َّ ى ي ٍ ٍ ٍ ى
ت َّ فىانٍػتىػ ىه ٍوا إً ىذل ىمض ويق ىك ىح ى
ضىر ٍ
ُُْ).يقوؿ السيد سابقرٛتو ا﵁ (ُُٕٗ ،جُصِْٕ) " :تصح الصبلة يف السفينة كالقاطرة كالطائرة
بدكف كراىة حسبما تيسر للمصلي ،فعن ابن عمر قاؿ يسئل رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم عن الصبلة يف
"صل فيها قائمان إال أف ٗتاؼ الغرؽ " ركاه الدارقطٍت كاٟتاكم على شرط الشيخُت .كعن
السفينة ؟ قاؿ ّْ :
60
عبدا﵁ بن عتبة بن أيب عتبة قاؿ:صحبت جابر بن عبدا﵁ كأبا سعيد ا٠تدرم كأبا ىريرة يف سفينة فصلوا قيامان
يف ٚتاعة ،أ َّمهم بعضهم كىم يقدركف على اٞتد ،كاٞتد معناه :الشاطئ.ركاه سعيد بن منصور.
كمنو نستفيد جواز الصبلة جالسان يف كسائل النقل اٟتديثة إذا تعسر القياـ كخيف ذىاب الوقت .كيكوف
كيرل ابن باز رٛتو ا﵁ أف الواجب على ا١تسلم أف يصلي يف كقت الصبلة ْتسب حالتو يف الطائرة ،فإف
استطاع أف يصليها بركوعها كسجودىا ككجد مكانان مناسبان يف الطائرة كجب عليو ذلك كإف دل يستطع صلى
جالسان كأكمأ بالركوع ،كالسجود ،لقوؿ ا﵁ سبحانو كتعاذل ﴿:فىاتػَّ يقوا اللَّوى ىما ٍ
استىطى ٍعتي ٍم ﴾ (القرآف .التغابن
ْٔ ، )ُٔ:كقوؿ النيب صلى ا﵁ عليو كسلم لعمراف بن حصُت رضي ا﵁ عنهما ككاف مريضان" :صل قائمان
فإف دل تستطع فقاعدان فإف دل تستطع فعلى جنب" (اٟتديث .البخارم .كتاب اٞتمعة :جُ ،)ََُٓ #:
كاألفضل لو أف يصلي يف أكؿ الوقت فإف أخرىا إذل آخر الوقت ليصليها يف األرض فبل بأس ،لعموـ األدلة.
المفهوم :خركج كقت الصبلة أثناء أداء عمل يستغرؽ كقت أداء الصبلة كدخوؿ كقت صبلة أخرل ٦ ،تا
يًتتب على قطع العمل ضرر ٤تقق على العامل أك العمل .
أىمية القضية :للصبلة أ٫تية كبَتة فهي الركن الثاين من أركاف اإلسبلـ،فعن أيب عبد الرٛتن عبد ا﵁ بن عمر
بن ا٠تطاب رضي ا﵁ عنهما قاؿ ٝ :تعت رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم يقوؿ" :بٍت اإلسبلـ على ٜتس :
61
شهادة أف ال إلو إال ا﵁ ،كأف ٤تمدا رسوؿ ا﵁ ،كإقاـ الصبلة ،كإيتاء الزكاة ،كحج البيت ،كصوـ
رمضاف(اٟتديث .البخارم .كتاب اإلٯتاف :ج ُ ،)ٖ #:كىي عمود الدين ففي حديث معاذ بن جبل رضي
ًً ً ً ً ً ً
يخًربي ىؾ بًىرأٍ ًس ٍاأل ٍىم ًر يكلّْو ىك ىع يموده ىكذ ٍرىكة ىسنىامو قػي ٍل ي
ت اؿ: :أف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم قاؿ لو ":أىىال أ ٍ
ا﵁ عنو قى ى
اد"(.اٟتديث .سنن الًتمذم الص ىبلةي كًذركةي سنى ًام ًو ًٍ اؿ ىرأٍس ٍاأل ٍىم ًر ًٍ بػلىى يا رس ى َّ ً
اٞت ىه ي ودهي َّ ى ٍ ى ى اإل ٍس ىبل يـ ىك ىع يم ي وؿ اللو قى ى ي ى ى ىي
.كتاب اإلٯتاف :ج ُ) كالقرآف جعل للصلوات أكقاتان ٤تددة ،قاؿ تعاذل ﴿:إن الصالة كانت على
المؤمنين كتاباً موقوتاً ( ﴾..القرآف ،النساء ْ .)َُّ:كال شك أف ا١تسلم حريص على أداء الصبلة بكل
أركاهنا كشرائطها كيف أكقاهتا كلكن طبيعة بعض األعماؿ اليوـ تفرض االجتهاد ٔتا يتناسب مع ركح الشريعة
اإلسبلمية كمقاصدىا العليا .حيث ال يستطيع ا١تسلم يف بعض اٟتاالت أف يؤدم الصبلة يف كقتها كبنفس
ىيئتها كالطبيب الذم يبدأ بعملية جراحية ١تريضو كال يستطيع ترؾ ا١تريض إال بعد الفراغ من العملية ،
كعماؿ ا١تناجم ،كغَتىم من اٟتراس يف ا١تنشئات العامة كا٠تاصة كأصحاب ا١تهاـ اليت يعود نفعها على
آّتمع .أك قد يتضرر آّتمع أك اإلنساف عمومان عند فواهتا .كمن ىنا تكمن أ٫تية إ٬تاد الرأم الفقهي
اٟتفاظ على الصبلة كيف أكقاهتا ا﵀ددة ىي كاجب على كل يمكلف .كمع ذلك فقد رخص الشرع للمسافر
الص ىبلةي رٍكعتػ ً ً
ت
ُت فىأيقَّر ٍ
ت َّ ى ىى ٍ القصر كاٞتمع بُت الصبلتُت ٟ ،تديث عائشة رضي ا﵁ عنها قالت َّ ":أك ىؿ ىما في ًر ى
ضٍ
كخفف عن ا١تريض فعن عمراف بن حصُت رضي ا﵁ عنو قاؿ :كانت يب بواسَت فسألت النيب صلى ا﵁
ً ُت ىر ًض ىي اللَّوي ىعٍنوي قى ى
صٍ و ً
ت ًيب بػى ىواسَتي فى ىسأىلٍ ي
ت النً َّ
َّيب اؿ :ىكانى ٍ عليو كسلم عن الصبلة فقاؿ ":ىع ٍن ع ٍمىرا ىف بٍ ًن يح ى
اؿ " :ص ّْل قَائِما فَِإ ْن لَم تَست ِطع فَ َق ِ
اع ًدا فَِإ ْن لَ ْم تَ ْستَ ِط ْع فَ َعلَى الص ىبلةً فىػ ىق ى
صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم ىع ٍن َّ
ْ َْ ْ ً َ ى
َج ْن ٍ
ب " ( .اٟتديث .البخارم.كتاب تقصَت الصبلة :ج ُ )َُٔٔ #:ككذلك أعذر ا١ترأة اٟتائض
":أليس إذا
كالنفساء ،فعن أيب سعيد ا٠تدرم رضي ا﵁ عنو قاؿ :قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم ٍ
صل كدلٍ تصم " (اٟتديث .البخارم.كتاب العلم :ج ُ.)َّْ #:
حاضت ا١ترأة دل تي ّْ
صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم كبسبب ا١تطر ٯتكن اٞتمع بُت الصبلتُتٟ ،تديث ابٍ ًن ىعبَّ و
اس أ َّ
ىف النً َّ
َّيب ى
وب لى ىعلَّوي ًيف لىٍيػلى وة ىم ًط ىَتةو"(اٟتديث ب ىكالٍعً ىشاءى فىػ ىق ى ً ً ً
اؿ أىيُّ ي صلَّى بًالٍ ىمدينىة ىسٍبػ نعا ىكىٙتىانينا الظُّ ٍهىر ىكالٍ ىع ٍ
صىر ىكالٍ ىم ٍغ ًر ى ى
.البخارم.مواقيت الصبلة :ج ُ )ُٖٓ #:كما ٯتكن بسبب ا١تطر الصبلة يف الرحاؿ كعدـ شهود اٞتماعة
الظهر كالعصر أك ا١تغرب كالعشاء كابن عثيمُت رٛتو ا﵁ ،حيث يقوؿ ٬ ":توز اٞتمع بُت الظهرين ٢تذه
األعذار ،كما ٬توز اٞتمع بُت العشاءين ،كالعلة ىي ا١تشقة " ،فإذا كجدت ا١تشقة يف ليل أك هنار جاز
كمن القضايا اليت تثار يف عصرنا اليوـ قضية فوات الصلوات بسبب العمليات اٞتراحية ،أك بسبب األعماؿ
ا١تتصلة .حيث أف بعض العمليات تستغرؽ كقتان قد يتسبب يف فوات صبلة أك أكثر ،كقد يكوف تأثَت
63
التخدير أيضان سببان يف عدـ معرفة كقت الصبلة كفواهتا قبل أف يفيق ا١تريض .كمثل ىذه اٟتالة حالة األطباء
أك ا١تمرضُت الذين يقوموف بالعمليات كقد تستغرؽ العملية كقتان تفوت صبلة أك أكثر بسببو كال يستطيعوف
مغادرة غرفة العمليات ١تا قد يًتتب عليو من ضرر بالغ قد يؤدم إذل كفاة ا١تريض أك الضرر البالغ .كتلحق
ٔتثل ىذه اٟتالة حالة بعض العماؿ الذين ٬تدكف أنفسهم ملزمُت ْتسب طبيعة العمل أف يقضوا ساعات
متصلة قد تتسبب بفوات كقت الصبلة كاٟتيراس يف ا١تنشئات ك عماؿ ا١تناجم كقائد الطائرة ،كغَتىم .فما
الذم ٬تب على ا١تسلم يف مثل ىذه اٟتاالت ؟ كيف اٟتديث ":من سمع النداء فلم يجبو فال صالة لو إال
من عذر ،قالوا يا رسول اهلل وما العذر؟ قاؿ :خوؼ أك مرض " كا٠توؼ يشمل ا٠توؼ على النفس أك
ا١تاؿ ك٨تو٫تا (الزحيلي ،جُِ )ْٕٔ،قاؿ ابن تيمية :كأكسع ا١تذاىب يف اٞتمع مذىب اإلماـ أٛتد فإنو
ىج َّوز اٞتمع إذا كاف شغل كما ركل النسائي ذلك مرفوعان إذل النيب صلى ا﵁ عليو كسلم إذل أف قاؿ ٬ :توز
اٞتمع أيضان للطباخ كا٠تباز ك٨تو٫تا ٦تن ٮتشى فساد مالو (السيد سابق، ُٖٗ،جُ ،صِْٔ ).
ا١تفهوـ :
كالتّْجارة البينيَّةٕ :تارة تقوـ على تبادؿ الصادرات كالواردات بُت الدكؿ ٖ،ترص َّ
الدكلة على
دعم التجارة البينيٌة مع الدكؿ العربيٌة كاألجنبيٌة(.معجم اللغة العربية ا١تعاصرة .)ََِٖ ،
64
للتجارة اإللكًتكنية :تعٍت الوظيفة اإللكًتكنية للعمليات التجارية ٢تدؼ الربح(.الدمياطي .)ََُِ،كيعرؼ
عمر (َََِ) التجارة االلكًتكنية بأهنا األساليب كاالجراءات الىت تتم من خبلؿ االنًتنت لبلتصاؿ بُت
حياة اإلنساف يف تقدـ مستمر ،كالبيع كالشراء من آّاالت اليت شهدت ثورة بكل ما ٖتملو الكلمة من
معٌت ،كترافقت ىذه الثورة مع تطور كسائل االتصاالت اليت ألقت بظبل٢تا على كل مناحي اٟتياة .كيف
عصرنا اٟتاضر حيث أصبح العادل كالقرية الواحدة أصبح بإمكاف اإلنساف أف يعقد الكثَت من الصفقات
كغربان ،مشاالن كجنوبان يف أ٨تاء العادل متجاكزة كل اٟتدكد اٞتغرافية كالثقافية كالدينية .كالشك أف ىناؾ رابطة
قوية بُت استخداـ شبكة االنًتنت العا١تية كالعو١تة ،إذ تقوـ ىذه ا٠تدمات بتسهيل التجارة يف السلع
كا٠تدمات ،كتوصيل ا١تعلومات كنقل التكنولوجيا ،كسرعة إجراء ا١تعامبلت ا١تالية كزيادة تدفقات رأس ا١تاؿ.
كما ساعدت االنًتنت -باإلضافة ارل التخفيضات يف التعريفة اٞتمركية كرفع القيود التجارية الكمية كغَتىا
من التسهيبلت التجارية -على االندماج االقتصادم العا١تي كزيادة ٪تو التجارة العا١تية حيت بلغ ٪توىا أكثر
من ضعف ٪تو الناتج ا﵀لي اإلٚتارل ،كأصبحت التجارة العا١تية تشكل عنصران أساسيان من عناصر النمو
العا١تي (األىراـ . )ََِٓ،إف العادل الذم يتجو إذل إحبلؿ التقنية يف كل ميداف من ميادين النشاط
اإلنساين -كبشكل رئيس -ا٠تدمات اٟتيوية ،كا٠تدمات اليت تقدمها الدكلة ،سيضع التجارة اإللكًتكنية على
رأس موضوعات قائمة التطور كالتنمية؛ ٢تذا كلو ،يعد ٕتاىل التجارة اإللكًتكنية أمران غَت متناسب مع رغبتنا
يف التعامل مع اإلفرازات اإل٬تابية لعصر تقنية ا١تعلومات كامتبلؾ كسائل مواجهة اآلثار السلبية كإفرازات عصر
65
العو١تة . .كىناؾ دراسات كْتوث تشَت إذل أف ّ ُ.مليار دكالر حجم التجارة اإللكًتكنية لدكؿ ا٠تليج
العريب ،كبينما تصدرت دكؿ ٣تلس التعاكف ا٠تليجي قائمة الدكؿ العربية من حيث حجم التجارة اإللكًتكنية
بقيمة ّ ُ.مليار دكالر كأتت مصر بعدىا بنحو ََٓ مليوف دكالر ،فيما توزعت ِ ُ.مليار دكالر أخرل
على بقية الدكؿ العربية .كذكرت الدراسات أف التجارة اإللكًتكنية أفضل السبل للوصوؿ إذل األسواؽ العا١تية
حفظ ا١تاؿ ىو مقصد من مقاصد الشريعة اإلسبلمية ،كحب التملك كاقع إنساين يتماشى مع فطرة
اإلنساف ؛ لذا فإف الشريعة اإلسبلمية نظرت بواقعية حينما أباحت التملك ،فلئلنساف اٟتق يف التملك
كالربح ،كلكنها نظَّمت ذلك ككضعت من التشريعات ما تسمح لصاحب الطموح أف ينطلق لتحقيق
طموحو مع مراعاة الطرؽ الشرعيىة اليت تضمن عدـ التعدم على حقوؽ اآلخرين أك الكسب عن طريق
اٟتراـ ،فأحل ا﵁ البيع كحرـ الربا كما يف قوؿ ا﵁ تعاذل ﴿:وأحل اهلل البيع وحرم الربا ﴾ ( القرآف .البقرة
ِ . )ِٕٓ:كما أف الشريعة اإلسبلمية تنظر إذل ا١تاؿ بأنو كديعة عند اإلنساف سييسأؿ عنها يوـ القيامة
فينبغي أف يكوف حكيمان يف استخداـ ا١تاؿ االستخداـ السليم ،ففي اٟتديث ىع ٍن أًىيب بػى ٍرىزةى
كؿ قى ىد ىما ىعٍب ود يػى ٍوىـ الٍ ًقيى ىام ًة ىح َّىت ييسأ ىىؿ ىع ٍن يعم ًرهً
صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم " :ىال تىػ يز ي اؿ رس ي ً
وؿ اللَّو ى ىسلى ًم ّْي قى ى
اؿ :قى ى ى ي ٍاأل ٍ
ي ٍ
ً ًً ً ً ًً ً ً ًً ً ً
يم أىنٍػ ىف ىقوي ىك ىع ٍن ج ٍسمو ف ى
يم أىبٍ ىبلهي" (اٟتديث ٖ ،تفة يما أىفٍػنىاهي ىك ىع ٍن ع ٍلمو ف ى
يم فىػ ىع ىل ىك ىع ٍن ىمالو م ٍن أىيٍ ىن ا ٍكتى ىسبىوي ىكف ى فى
األحوذم شرح سنن الًتمذم ،كتاب صفة القيامة.)ُِْٕ :
66
كللتجارة مكانتها كأ٫تيتها يف اإلسبلـ فهي من أكسع أبواب الرزؽ كقد ذ ىكر ا﵁ تعاذل ٕتارة قريش يف معرض
االمتناف بقولو تعاذل ﴿:إليالف قريش .إيالفهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب ىذا البيت الذي
أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ﴾(القرآف .قريش َُٔ . )ِ:كدعا اإلسبلـ يف نصوص القرآف الكرًن،
كيف سنة الرسوؿ صلى ا﵁ عليو كسلم دعوة قوية إذل التجارة ،كالعناية ّٔا ،كأغرل بالرحلة كالسفر من أجلها،
كٝتاه (ابتغاء من فضل ا﵁) ،كقرف ا﵁ تعاذل ذكر الضاربُت يف األرض للتجارة بآّاىدين يف سبيل ا﵁،
فقاؿ تعاذل ﴿ :وآخرون يضربون في األرض يبتغون من فضل اهلل وآخرون يقاتلون في سبيل اهلل﴾
(القرآف .ا١تزمل ّٕ )َِ:كقد امنت ا﵁ على أىل مكة ٔتا ىيأ ٢تم من أسباب جعلت بلدىم مركزان ٕتاريان
٦تتازان يف جزيرة العرب ،قاؿ تعاذل ﴿:أولم نمكن لهم حرما آمناً يجبى إليو ثمرات كل شيء رزقاً من
لدنا﴾(القرآف .القصص ِٖ . )ٕٓ:كّٔذا ٖتققت دعوة إبراىيم عليو السبلـ﴿ :ربنا إني أسكنت من ذريتي
بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ،ربنا ليقيموا الصالة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم
من الثمرات لعلهم يشكرون﴾( القرآف .إبراىيم ُْ . )ّٕ:كقد ىيأ اإلسبلـ للمسلمُت فرصة التبادؿ
التجارم فيما بُت أقطارىم كشعؤّم على نطاؽ عا١تي كاسع يف كل عاـ ،كذلك يف ا١توسم السنوم اإلسبلمي
العا١تي؛ موسم اٟتج حُت يأتوف ﴿:رجاالً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم
﴾ (القرآف.اٟتج ِِ . )ِٕ:كيف اٟتديث ":التاجر الصدكؽ األمُت مع النبيُت كالصديقُت كالشهداء يوـ
القيامة "(اٟتديث ،سنن الًتمذم ،كتاب البيوع َُِٗ) كال نعجب إذا جعل النيب التاجر الصدكؽ ٔتنزلة
آّاىد ،كالشهيد يف سبيل ا﵁؛ فقد أثبتت لنا ٕتارب اٟتياة أف اٞتهاد ليس يف ميداف القتاؿ كحده ،بل يف
ميداف االقتصاد أيضان ،كإ٪تا كعد التجار ّٔذه ا١تنزلة الرفيعة عند ا﵁ ،كىذه ا١تثوبة اٞتزيلة يف اآلخرة؛ ألف
67
التجا رة يف الغالب تغرم بالطمع ،كاكتساب الربح من أم طريق ،كا١تاؿ يلد ا١تاؿ ،كالربح يغرم بربح أكثر.
فمن كقف عند حدكد الصدؽ كاألمانة ،فهو ٣تاىد انتصر يف معركة ا٢تول ،كحق لو منزلة آّاىدين .كما أف
من شأف التجارة أف تغرؽ أىلها يف دكامة من األرقاـ ،كحساب رأس ا١تاؿ كاألرباح ،حىت إننا ٧تد يف عهد
الرسوؿ صلى ا﵁ عليو كسلم قافلة ٖتضر بتجارة كالنيب ٮتطب ،فما إف ٝتع القوـ ّٔا حىت شغلوا عنو
كانصرفوا إليها ،فنزؿ قولو تعاذل يعاتبهم﴿ :وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائما ،قل ما عند
اهلل خير من اللهو ومن التجارة ،واهلل خير الرازقين﴾(القرآف.اٞتمعة ِٔ )ُُ:كيكفينا من فعلو عليو
السبلـ يف شأف التجارة أنو كما عٍت باٞتانب الركحي فأقاـ مسجده با١تدينة على تقول من ا﵁ كرضواف،
ليكوف جامعان للعبادة ،كجامعة للعلم ،كداران للدعوة ،كمركزان للدكلة عٍت باٞتانب االقتصادم فأقاـ سوقان
إسبلمية صرفان ،ال سلطاف لليهود عليها ،كما كانت سوؽ بٍت قينقاع من قبل.
كقد رتب النيب صلى ا﵁ عليو كسلم بنفسو أكضاعها ،كظل يرعاىا بتعاليمو كتوجيهاتو ،فبل غش ،كال
تطفيف ،كال احتكار ،كال تناجش .إذل غَت ذلك ،كاشتغل كبار الصحابة يف التجارة كأيب بكر كعمر
يف دراسة للباحث أبو مصطفى ( ََِٓ ) بعنواف التجارة اإللكًتكنية يف الفقو اإلسبلمي خلص إذل أف
الشرع اإلسبلمي ال ٯتانع من التجارة اإللكًتكنية إذا اكتملت الشركط كاألركاف ،فلو ًب التعاقد بُت شخصُت
على صفقة شراء مواد كهربائية عرب التجارة اإللكًتكنية كًب كصف ىذه األدكات كصفان نافيان للجهالة كًب
االتفاؽ على سعرىا كشحنها كمكاف تسليمها ترتب على العقد كل اآلثار الشرعية .فالتعاقد عرب كسائل
نقل ا١تكتوب من الربؽ كاإلنًتنت كغَت٫تا حيث ال فرؽ بينها كبُت الكتابة بل إف ىذه الوسائل تتميز عن
68
الوسائل القدٯتة بالدقة كالسرعة .كيقوؿ الزىراين (ََِٗ) يف خا٘تة دراستو بعنواف أحكاـ التجارة اإللكًتكنية
يف الفقو اإلسبلمي ":ظهرت من الدراسة نتيجة كلية كاحدة استفيدت من مقدمات متعددة ذلك أف جواز
٦تارسة التجارة عرب اإلنًتنت إٚتاالن نتيجة كلية التأمت من معرفة حكم ما تًتكب منو تلك التجارة ،ك٫تا
أمراف :األكؿ اآللية باعتبارىا السبيل ا١توصلة إذل ٦تارسة تلك التجارة ،كالثاين العقد باعتباره موضوعها حيث
تقرر من دراسة األمرين عدـ كجود حائل شرعي دكف اٟتكم ّتواز التعاقد عرب اإلنًتنت ،ال من حيث اآللية
كال من حيث التعاقد " .كعند استعراض الزحيلي ( َُِِ ) للعقد أكد أف ٣تلس العقد يف ا١تكا١تة ا٢تاتفية
أك البلسلكية ىو زمن االتصاؿ ،ك٣تلس التعاقد سواء بإرساؿ رسوؿ أك توجيو خطاب أك بالربقية اك التلكس
أك الفاكس ىو ٣تلس تبليغ الرسالة ،كنقل اإلٚتاع على أف العقد ينعقد بُت الغائبُت كما لو كاف ا١تتعاقداف
يتحدثاف با٢ت اتف أك البلسلكي ،كينعقد البيع بعد كصوؿ الربقية أك التلكس أك الفاكس من أحد ا١تتعاقدين
بإ٬تاب البيع كقبل بو اآلخر دكف اٟتاجة إذل علم ا١توجب أك ٝتاعو بالقبوؿ .ك أشار الشيخ عصاـ الشعار
عضو االٖتاد العا١تي لعلماء ا١تسلمُت كأحد كبار ا١تتخصصُت يف قضايا االقتصاد اإلسبلمي إذل أف ٣تمع
اإلسبلمي التابع ١تنظمة ا١تؤ٘تر اإلسبلمي ناقش مسألة إبراـ العقود عرب كسائل االتصاؿ اٟتديثة كمنها شبكة
اإلنًتنت ،كانتهى اذل أنو "إذا ًب التعاقد بُت غائبُت ال ٬تمعهما مكاف كاحد كال يرل أحد٫تا اآلخر معاينة،
كال يسمع كبلمو ككانت كسيلة االتصاؿ بينهما الكتابة أك الرسالة أك السفارة (الرسوؿ) ،كينطبق ذلك على
الربؽ كالتلكس كالفاكس كشاشات اٟتاسب اآلرل (اٟتاسوب) ،ففي ىذه اٟتالة ينعقد العقد عند كصوؿ
اإل٬تاب إرل ا١توجو إليو كقبولو.أما إذا ًب التعاقد بُت طرفُت يف كقت كاحد ك٫تا يف مكانُت متباعدين ،كينطبق
ىذا على ا٢تاتف كالبلسلكي ،فإف التعاقد بينهما يعترب تعاقدان بُت حاضرين ،كتطبق على ىذه اٟتالة األحكاـ
األصلية ا١تقررة لدل الفقهاء ا١تشار إليها يف الديباجة .كإذا أصدر العارضّٔ ،ذه الوسائل ،إ٬تابان ٤تدد ا١تدة
69
يكوف ملزمان بالبقاء على إ٬تابو خبلؿ تلك ا١تدة ،كليس لو الرجوع عنو" كقد توجد ٥تالفات يف التجارة
اإللكًتكنية لكن الفقو اإلسبلمي يستطيع كضع الضوابط الشرعية للتجارة اإللكًتكنية كغَتىا كىذه ا١تخالفات
ال تقتصر على التجارة اإللكًتكنية لكنها قد تكتنف أم عمل يقوـ بو اإلنساف يف التجارة كغَتىا .يقوؿ
الدكتور عمر (مرجع سابق َََِ ،ـ) اٞتدير بالذكر ىنا ىو أنو إف كانت توجد ٥تالفات يف التجارة
االلكًتكنية لبعض القواعد الشرعية ،فهى ٥تالفة يف ا١تماراسات كالىت ٯتكن أف ٖتدث يف التجارة العادية
كٯتكن العمل على تبلفيها باألساليب الفنية كالقانونية فهذه ا١تخالفات ليست من طبيعة األنًتنت ذاهتا كلكن
من ا١تمارسة.
المفهوم :معٌت تقسيط يف معجم اللغة العربية ا١تعاصرة (ََِٖ) تقسيط مفرد :مصدر َّ
قس ىط .حساب
اصطبلحان - :ىناؾ تعريفات كثَتة لبيع التقسيط كالباحث يتبٌت التعريف التارل :البيع بالتقسيط يعٍت أف
يعرض البائع على ا١تشًتم سلعة بثمن يدفعو يف كقت الحق إل٘تاـ العقد ،كبصورة دفعات متفرقة ،يف أزماف
يتفق ا١تتعاقداف عليها ،مع مبلحظة كجود زيادة يف ٙتن السلعة عن ذلك الذم تباع بو لو كاف الدفع للثمن
التقسيط من القضايا ا١تعاصرة اليت فرضت نفسها على تعامبلت الناس اليوـ ،فالتطور ا١تستمر للحياة
ْتاجة إذل بيت الئق يسكنو كسيارة ينتقل ّٔا كأثاثان مشرفان كحاجات ضركرية كأخرل ٖتسينية ،كىذا التزايد
يف الطلبات تقابلو القدرة الشرائية الضعيفة إلنساف اليوـ ،فغالبان ما يعتمد اإلنساف على راتب شهرم يسد
حاجاتو االساسي ة كبالكاد يليب بعض طموحو يف حياة كرٯتة ؛ لذا ظهرت تعامبلت جديدة ٖترؾ سوؽ
التجارة كٗتفف جزءان من ا١تعاناة كمن تلك ا١تعامبلت بيع التقسيط ،حيث أصبح ٔتقدكر اإلنساف أف يشًتم
ما ٭تتاج بأجل فيدفع الثمن أقساطان على مدة معينة كيف الغالب يزيد البائع يف الثمن مقابل األجل كّٔذه
الطريقة ٭تقق البائع رْتان كتتحرؾ التجارة كيستفيد ا١تشًتم السلعة كٮتف عليو اإليفاء بالتزاماتو كتسديد ما
عليو .كأل٫تية السوؽ فقد انتشر عقد البيع كشاع التعامل بالتقسيط يف ٚتيع قطاعات آّتمع كشاع أيضان
بُت الناس كأسلوب اقتصادم من أساليب تنشيط السوؽ كدل يعد البيع بالتقسيط مقصوران على قطاع دكف
آخر،بل انتقل إذل النقابات ا١تهنية كمشل البيع بالتقسيط األجهزة ا١تنزلية ،كالعقارات ،كالسيارات ،كا٠تدمات
نظرة الشريعة:
أشار بعض فقهاء ا١تسلمُت القدامى إذل ىذا النوع من البيوع ،كاإلماـ النوكم يف كتابو ركضة الطالبُت
( ََِِـ ،ص ِٓٓ ،) ِٓٔ-حيث يقوؿ ":فأما الشرط الصحيح يف البيع فمن أنواعو شرط األجل
ا١تعلوـ يف الثمن ،فإف كاف الثمن ٣تهوالن بطل " ،كيقوؿ " :لو قاؿ – أم البائع – بعتك نقدان بالف كبألفُت
نسيئة أك قاؿ بعتك نصفو ب الف ،كنصفو بألفُت فيصح العقد " .كيف الوقت اٟتاضر تناكلت العديد من
الدراسات كالبحوث كالفتاكل مثل ىذا النوع من البيوع .ففي دراسة اٟتسٍت (ُٗٗٗ) بعنواف بيع التقسيط
بُت االقتصاد الوضعي كاالقتصاد اإلسبلمي خلص الباحث إذل أف بيع التقسيط يعد من البيوع االئتمانية
حيث يتم دفع سعر العملة ا١تباعة على أقساط يف ا١تستقبل ،كىذا ما ٬تعل البائعُت يقوموف بتحويل
مدفوعات األقساط ا١تستقبلية إذل قيم حالية ،كحيث إف عملية ا٠تصم ستخفض القيمة اٟتالية لؤلقساط
اليت ستدفع يف ا١تستقبل يقوـ البائعوف بإضافة مقابل معدؿ الفائدة ا١تتوقع إذل سعر السعة ا١تباعة بالتقسيط
مع مراعاهتم أيضان ١تعدؿ التضخم يف ا١تستقبل كنقص حجم السيولة كخطر عدـ السداد كغَتىا .كالبيع
بالتقسيط يؤثر على حجم الطلب بالشراء بالتسهيبلت ا١تقدمة سواء بالدفعة ا١تقدمة أك فًتة السماح كطوؿ
الفًتة الزمنية الكلية اليت ستوزع عليها األقساط .كالباحث يؤكد أف البيع بثمن مؤجل كىو ما يعٍت (بيع
التقسيط ) ال خبلؼ فيو ،كا٠تبلؼ يف الزيادة يف الثمن بسبب التأجيل كقد أجاز اٞتمهور بيع التقسيط
بشركط ،فيما يرل بعض القهاء ْترمة بيع التقسيط .كرجح الباحث رأم اٞتمهور ،كجواز البيع إذا توفرت
ُ -أف يتم ٖتديد األجل عند ابتداء العقد ؛ألف اٞتهالة مانعة من التسليم مؤدية إذل النزاع.
72
ِ -عدـ ٚتع البدلُت علة الربا بأف كاف البدالف من السلع اليت ٬تمعها قدر الوزف أك الكيل أك الثمنية أك
كيقوؿ اإلبراىيم (ََِٕـ) "ك١تا كاف بيع التقسيط يتضمن اختيار ا١تشًتم برضاه كإرادتو للثمن اآلجل مع
الزيادة قبل التفرؽ من آّلس ،كبناء على ما أقامو ٚتهور الفقهاء من أدلة تنفي التشابو بُت الزيادة يف الثمن
عند البيع بالتقسيط كبُت الزيادة يف الربا ،كىو ا١تستند الرئيس للمانعُت من القوؿ بصحة بيع التقسيط ،
باإلضافة إذل أدلتهم القوية األخرل ،كمناقشتهم الدقيقة ألدلة القائلُت بالبطبلف ٦تا جعلها ال تنتهض ّٔا
حجة ،كل ذلك كاف مرجحان كمعززان للقوؿ بصحة التعامل ببيع التقسيط ،كأنو ال إٍب كال حرمة فيو ،كال
شبهة" .كقد ذىب آّمع الفقهي اإلسبلمي يف ا١تؤ٘تر السادس ا١تنعقد ّتدة -ا١تملكة العربية السعودية من
ُٕ ِّ -شعباف َُُْق ا١توافق ُْ – َِ آذار ( مارس ) َُٗٗ ـ إذل جواز بيع التقسيط .كقد
أجاب بن باز ّتواز التقسيط يف معرض رده عن السؤاؿ التارل :ما حكم الزيادة يف البيع باألجل كالتقسيط ؟
البيع إذل أجل معلوـ جائز إذا اشتمل على الشركط ا١تعتربة ،كىكذا التقسيط يف الثمن ال حرج فيو إذا كانت
َّ ِ
آمنُوا إِ َذا تَ َدايَ ْنتُ ْم بِ َديْ ٍن إِلَى أ َ
َج ٍل ين َ
األقساط معركفة كاآلجاؿ معلومة؛ لقوؿ ا﵁ سبحانو ﴿ :يَا أَيُّ َها الذ َ
س ِّمى فَا ْكتُبُوهُ﴾ (القرآف.القرآف ِ )ِِٖ:كلقوؿ النيب صلى ا﵁ عليو كسلم " :من أسلف يف شيء
ُم َ
(السلىم) باب السلم يف كزف معلوـ برقم
فليسلف يف كيل معلوـ ككزف معلوـ إذل أجل معلوـ" ركاه البخارم يف َّ
(ُِِْ) كمسلم يف (ا١تساقاة) باب السلم برقم (َُْٔ) ، .كلقصة بريرة الثابتة يف الصحيحُت فإهنا
اشًتت نفسها من سادهتا بتسع أكراؽ يف كل عاـ أكقية ،كىذا ىو بيع التقسيط ،كدل ينكر ذلك النيب صلى
73
ا﵁ عليو كسلم ،بل أقره كدل ينو عنو ،كال فرؽ يف ذلك بُت كوف الثمن ٦تاثبلن ١تا تباع بو السلعة نقدان أك زائدان
على ذلك بسبب األجل ( .ا١توقع الرٝتي البن باز ،)َُِْ،كما ذىب إذل اٞتواز الشيخ األلباين رٛتو ا﵁ (
موقع األلباين.)َُِْ،يقوؿ الدكتور القرضاكم ( َُِْ) " :ك٦تا ٭تسن ذكره ىنا أنو ٬توز للمسلم أف
يشًتم كيدفع ٙتن الشراء نقدان ،كما ٬توز لو أف يؤخره إذل أجل بالًتاضي .كقد اشًتل النيب صلى ا﵁ عليو
كسلم طعاما من يهودم لنفقة أىلو إذل أجل ،كرىنو درعان من حديد.فإذا زاد البائع يف الثمن من أجل
التأجيل كما يفعلو معظم التجار الذين يبيعوف بالتقسيط -فمن الفقهاء من حرـ ىذا النوع من البيع مستندان
إذل أنو زيادة يف ا١تاؿ يف مقابل الزمن فأشبو الربا .كأجازه ٚتهور العلماء ألف األصل اإلباحة ،كدل يرد نص
بتحرًن ،كليس مشأّان للربا من ٚتيع الوجوه ،كللبائع أف يزيد يف الثمن العتبارات يراىا ،ما دل تصل إذل
البُت ،كإال صارت حرامان " .كلو تأخر ا١تشًتم يف سداد األقساط عن ا١تدة
حد االستغبلؿ الفاحش كالظلم ّْ
ا١تتفق عليها فبل ٬توز للبائع أف ٭تملو أم زيادة ،بل يينظره إف كاف معسران إذل حُت ميسرة ،أك يقاضيو إف
كاف قادران على السداد لكنو ٦تاطبلن .كيؤكد ىذا األمر العثماين (َُُِـ) حيث يرل أف ا١تدين ا١تعسر
٬تب إنظاره إذل ميسرة ،كال ٬توز للدائن أف يضيف شيئان إذل دينو فإنو ربا ،كاعترب أف ضعف الوازع الديٍت
أحد أىم األسباب اليت تؤدم إذل ا١تماطلة كعدـ شعور ا١تشًتم با١تسئولية ،كيرل بأف ا١تماطل ٬تب أف تنزؿ
عليو العقوبات الشرعية ،كما ٯتكن كضعو يف قائمة البائع السوداء كتعميم اٝتو حىت يتم اٟتذر من التعامل
من خبلؿ ما سبق ٧تد أف الشرع اٟتكيم يف الراجح من كبلـ الفقهاء ٬تيز التعامل ببيع التقسيط ،كيضع
ٓ-الضرائب :
ا١تفهوـ :جاء يف معجم ا١تعاين :الضرائب ٚتع ضريبة ،كالضريبة ما يفرض على ا١تًلك كالعمل كالدخل
نظاـ اإلسبلـ شامل لكل جوانب اٟتياة اإلنسانية العبادية كالسياسية كاالقتصادية .كيف جانب ا١تاؿ ٧تد
تعاليم اإلسبلـ كاضحة يف تشريع ا١تلكية كاحًتاـ حق الشخص يف التملك كاالستثمار كٚتع ا١تاؿ ،كلكنو
يضع الضوابط اليت تساعد اإلنساف على أف يتحرؾ يف اٟتياة ٔتا ٭تقق منافعو كال يضر بغَته ،بل ٕتعل من
ا١تستثمر ا١تسلم عنصر خَت ّٓتمعو ٔتا يفرض عليو اإلسبلـ من زكاة كحق معلوـ تؤخذ من مالو حاؿ بلوغو
النصاب كيصرؼ يف مصارفو الشرعية ،كٔتا ٭تثو اإلسبلـ من اإلنفاؽ زيادة على الزكاة الواجبة زيادة يف األجر
كابتغاء رضواف ا﵁ تعاذل.فالزكاة يف اإلسبلـ من أىم ما يؤدم إذل التكافل االجتماعي كىو مصدر مارل يف
غاية األ٫تية للدكلة ا١تسلمة .غَت أف الزكاة قد ال تكوف كافية عن تغطية اٟتاجات األساسية ١تا شرعت لو
فتلجأ الدكلة ا١تسلمة إلضافة مبالغ إضافية على ا١تكلفُت أك فرض ما يسمى بالضريبة على أنواع ا١تاؿ
ا١تختلفة .كمن ىنا تأٌب أ٫تية دراسة موضوع الضرائب إذل جانب دراسة موضوع الزكاة حىت ال يتم ا٠تلط
بينهما .فبل بد أف يعرؼ ا١تسلم الفرؽ بُت الزكاة كالضريبة حىت ال ٮتلط بُت ا١تفهومُت فيلتبس عليو األمر.
75
اٟتديث عن الضريبة ال ٯتكن فصلو عن اٟتديث عن الزكاة ؛ لذلك نشَت أكالن إذل جوانب من اختبلؼ الزكاة
مع الضريبة ٍب نتحدث عن الضريبة .فبل شك أف الضريبة كالزكاة فيهما اقتطاع جزء من ماؿ دافع الزكاة أك
الضريبة بدكف مقابل ،لكن الزكاة فيها تقرب إذل ا﵁ تعاذل كىي عبادة من العبادات كركن من أركاف اإلسبلـ
ك٢تا نظاـ خاص يف األمواؿ اليت ٕتب فيها الزكاة كمىت ٕتب ،كمقدارىا ٮتتلف ْتسب التوصيف الشرعي من
الزكاة على عركض التجارة أ ك ما ٮترج من األرض أك األنعاـ كغَتىا ،بينما الضريبة أخذت بنظاـ األكعية
ا١تالية فتنقسم إذل :الضرائب على رأس ا١تاؿ ،الضرائب على الدخل ،كالضرائب على األشخاص (ضريبة
الرؤكس) ،كالضرائب على االستهبلؾ .كقد عرؼ اإلسبلـ الزكاة على رأس ا١تاؿ كما يف السائمة من ّٔيمة
األنعاـ ،كالزكاة على الدخل كما يف ا٠تارج من األرض ،كالزكاة على الرؤكس كما يف زكاة الفطر ،كالزكاة
تلتقي مع الضريبة يف ٖتديدىا بدقة كمراعاهتا للعدالة االجتماعية كمراعاهتا للجهد ا١تبذكؿ ..اخل .بينما
ٗتتلف الضريبة عن الزكاة بأف الزكاة عبادة لدافعها أجر عند ا﵁ تعاذل كموعود ٔتضاعفة مالو عند دفعو ٢تا :
قاؿ تعاذل ﴿:وما أنفقتم من شيء فهو يخلفو وىو خير الرازقين ﴾( القرآف .سبأ ّْ ) ّٗ:بينما
الضريبة ال ٖتمل معاين العبودية كالنماء ،كالزكاة ثابتة بينما تتغَت الضريبة ْتسب اجتهاد النظاـ اٟتاكم بُت
اٟتُت كاآلخر ،كمصارؼ الزكاة ٤تددة بينما الضريبة على خبلؼ ذلك .
كبعد أف أشرنا إذل جوانب من االتفاؽ كاالختبلؼ بُت الزكاة كالضريبة ،ٯتكن أف يتبادر إذل الذىن سؤاؿ
ا١تسلم عن دكافع فرض الضريبة .كقد ذكر العديد من الفقهاء ضوابط لفرض أمواؿ إضافية على ا١تستهدفُت
اٞتهاد كٕتهيز اٞتند ال سيما صدان للعدكاف ،ك٬تب أف تتوزع األعباء على الرعية بالعدؿ كفقان للقدرة ا١تالية،
كال بد عند فرض أم أعباء إضافية على ا١تسلم أف يكوف ذلك باجتماع أىل الشورل ،كعدـ جواز انفراد
اٟتاكم بفرض استقطاعات مالية إضافية على أمواؿ ا١تسلمُت ،ك٬تب أف يكوف االستقطاع على قدر اٟتاجة
( باسوداف . ) َُِِ،ككل ما سبق يقودنا إذل أف الضريبة مستقلة عن الزكاة كال تقوـ مقامها ،كال ٖتتسب
من ضمن الزكاة ْتاؿ ،فالزكاة عبادة مالية أما الضريبة شيء زائد يفرضو اٟتاكم ألسباب كمربرات ٥تتلفة.كىذا
ما ذكره الدكتور القرضاكم عند حديثو عن الزكاة كىل الضريبة تغٍت عن الزكاة ،ك٦تا أشار إليو أيضان أف غلبة
الضرائب على الزكاة يف آّتمعات اإلسبلمية ىو أحد آثار االحتبلؿ األجنيب الذم حرص على طمس معادل
الدين كاستبدا٢تا بالقوانُت الوضعية ،كأف الواجب على اٟتكومات ا١تسلمة أف تعيد االعتبار للزكاة كتنظم
ٖتصيلها كصرفها يف مصارفها .كبعد مناقشة القرضاكم آلراء الفقهاء ا١تؤيدة كا١تعارضة الحتساب ما يدفع يف
الضرائب كجزء من الزكاة أك بديبلن عنها أـ ال يقوؿ ":إف فتول الشيخ شلتوت رٛتو ا﵁ كمن سبقو من
العلماء" :أف الضرائب ال تغٍت عن الزكاة" ىي اليت يطمئن إليها قلب ا١تفيت كا١تستفىت١ ،تا استندت إليو من
اعتبارات شرعية صحيحة ،كىي على كل حاؿ أسلم لدين ا١ترء ا١تسلم ،كأضمن لبقاء ىذه الفريضة ،كبقاء
صلة ا١تسلمُت ّٔا ،حىت ال يعفى عليها النسياف باسم الضرائب ،كتذركىا الرياح.صحيح أف ا١تسلم يي ىرىق من
أمره عسران ،كيتحمل ما ال يتحملو غَته من األعباء ا١تالية ،كلكن ىذه ضريبة اإلٯتاف ،كمقتضى اإلسبلـ،
اٟتليم حَتاف ،كاليت يصبح القابض فيها على دينو كالقابض على اٞتمر،
ى كخاصة يف أياـ الفنت اليت تى ىذ ير
ككاجب ا١تسلم -على كل حاؿ -أف يعمل ك٬تاىد لتصحيح األكضاع ا١تنحرفة ،كتقوًن األنظمة ا١تعوجة،
بى ّْردىا إذل منهج اإلسبلـ ،كنظاـ اإلسبلـ ،كحكم اإلسبلـ ،كبدكف ىذا سيظل الفرد ا١تسلم مرى نقا ماليان
كنفسيان كاجتماعيان؛ ألنو يعيش يف ٣تتمع يعوقو بدؿ أف يعاكنو ،كيقف يف سبيلو ،بدؿ أف يأخذ بيده ،كىذا
77
ببلء عاـ يف كل شئوف اٟتياة اليت يطالب اإلسبلـ فيها أبناءه بالتزاـ شرعي خاص ،ال يف الزكاة كحدىا.كإذا
رأل ا١تسلم الدكلة تقوـ بضماف العيش للفقراء كا١تعوزين ،كدل ٬تد حولو مسلمان ٤تتاجان يستحق الزكاة -
كا١تسلمُت يف أمريكا مثبلن -فبل يظن أف الزكاة حينئذ فقدت صفتها كقيمتها ،فإف ىناؾ مصارؼ أخرل -
بيَّناىا من قبل -كالدعوة إذل اإلسبلـ ،كتأليف القلوب كتثبيتها عليو ،كإعداد الدعاة كا١تراكز اليت تقوـ بذلك،
كاٞتهاد العملي ا١تنظم لتكوف كلمة ا﵁ ىي العليا ،كىذا ما يشملو مصرؼ ﴿المؤلَّفة قلوبهم﴾ كمصرؼ
﴿في سبيل اهلل﴾ .فإذا دل يكن يف بلده يستطيع ذلك فليبعث بزكاتو إذل أقرب الببلد إليو٦ ،تا تتوافر فيو
ا١تصارؼ الشرعية للزكاة .أما ما نيًقل عن ابن تيمية كمن قبلو ما ذكره النوكم ،كمن قبلهما ما ركم عن
اإلماـ أٛتد ،فذلك يف كاقع غَت كاقعنا ،كيف زمن غَت زمننا ،يف زمن كانت فريضة الزكاة فيو قائمة٬ ،تبيها كرل
ككافقوا اٞتمهور فيما ذىبوا إليو.أما إننا لو أجزنا لؤلفراد احتساب ما يؤخذ منهم من الزكاة ،لكاف ذلك
حكممان باإلعداـ على ىذه الفريضة الدينية ،فتذىب البقية الباقية منها من حياة األفراد ،كما ذىبت من
قوانُت اٟتكومات ،كىذا ما ال يوافق عليو عادل من علماء اإلسبلـ يف أم زماف أك مكاف" .كقد ذىب
لتحرًن الضرائب كاعتبارىا مكوسان العديد من علماء العصر كابن باز كابن عثيمُت كالفوزاف كالزحيلي ،
كللدكتور عبدالكرًن زيداف رأم ٥تالف نورده بتصرؼ حيث يقوؿ ٬ :توز لورل األمر فرض ضرائب مالية كىي
ما يسمى (كعاء الضريبة) ك٭تدد مقدارىا للنفقة على متطلبات الدكلة ك مصاحل الرعية مع مراعاة قواعد
العدالة ْتيث ال ترىق ا١تواطن ،كأف يكوف مقدارىا معركفان ك٭تدد ا١تاؿ الذم تيؤخذ منو .كأف تؤخذ يف كقت
يستطيع فيو ا١تكلف أف يدفع الضريبة كالزكاة ،كإذا كانت الدكلة غنية فبل حاجة للضرائب .كأكصى أف تكوف
الدكلة حريصة على تعيُت ا١توظفُت األمناء األكفاء ،كتكوين ىيئة مراقبة ٢تذه اٞتبايات ،كما فعل النيب
78
ينزلق اٞتايب يف ىذه الشبهة كقد كذل عمر رجبلن على البحرين فتاجر فقاؿ لو عمر :إ٪تا حصلت ذلك بسبب
الوالية فقاٝتو يف ا١تاؿ .كمن الوسائل النافعة لتحديد الضرائب عند اٟتاجة إذل ا١تاؿ أف يغرس اٟتاكم يف
ا١تواطنُت معاين اإلٯتاف كيبصرىم بواجبهم ٨تو دكلتهم بإمداد ا١تاؿ حىت تبقى؛ لتقوـ ٔتا فرضو ا﵁ تعاذل كأمر
بو ،كعليو أف يرشدىم إذل حقيقة أف ا١تسلم مستخلىف يف ا١تاؿ كعليو أف ينفقو كما أراد ا﵁ تعاذل ،قاؿ
ُت فً ًيو﴾ (القرآف .اٟتديدٕٓ ، )ٕ:قاؿ القرطيب :اآلية تشَت كتبُت ً ً ً
﴿كأىنٍف يقوا ٦تَّا ىج ىعلى يك ٍم يم ٍستى ٍخلىف ى
تعاذل :ى
للمسلمُت أف ىذا ا١تاؿ الذم بأيديكم جعلكم ا﵁ خلفاء أم خلفان كعقبان لغَتكم يف ٘تلُّك ىذا ا١تاؿ ،كأنتم
تعاذل﴿ :ى ف يه ٍم ى٢تىا ىمالً يكو ىف ﴾ (القرآف .يسّٔ )ُٕ:على سبيل آّاز كقاؿ تعاذل ﴿ :ىكال تػي ٍؤتيوا ُّ
الس ىف ىهاءى
أ ٍىم ىوالى يكم﴾ (القرآف.النساء ْ ، )ٓ:فهي إضافة غَت حقيقية بل ٣تازية ،كا١تالك اٟتقيقي ىو ا﵁ تعاذل ،
كا١تلك :االختصاص بالشيء على جهة االنفراد ،ككرل األمر يبُت عبلقة الناس با١تاؿ كعليهم أف ينفقوه فيما
المفهوم :
ظ .كالسند كما جاء يف معجم ا١تعاين :كرقةه ماليَّةه مثبتةه لقرض حاصل ،كلو فائدةه ثابتةه ،كالسهم:
نصيب كح ٌ
صك ٯتثّْل جزءان من رأس ماؿ الشركة يزيد كينقص تبع ركاجها .جاء يف كتاب ا١تعامبلت اٟتديثة كأحكامها
ّّ
لعبدالرٛتن عيسى :األسهم حقوؽ ملكية جزئية لرأس ماؿ كبَت للشركات ا١تسا٫تة أك التوصية باألسهم.،ككل
سهم جزء من أجزاء متساكية لرأس ا١تاؿ.كالسند تعهد مكتوب من البنك،أك الشركة ،أك اٟتكومة ٟتاملو
بسداد مبلغ مقدر من قرض يف تاريخ معُت ،نظَت فائدة مقدرة.كبُت السهم كالسند فركؽ :فالسهم ٯتثل جزءان
من رأس ماؿ الشركة أك البنك ،كالسند ٯتثل جزءان من قرض على الشركة ،أك البنك ،أك اٟتكومة.كالسهم ينتج
جزءان من ربح الشركة أك البنك ،يزيد أك ينقص تبعان لنجاح الشركة أك البنك ،كزيادة رْتهما أك نقصو،
كيتحمل قسطو من ا٠تسارة ،أما السند فينتج فائدة ٤تدكدة عن القرض الذم ٯتثلو ال تزيد كال تنقص.كحامل
السند يعترب مقرضان أك دائنان للشركة أك البنك أك اٟتكومة ،أما حامل السهم فيعترب مالكان ٞتزء من الشركة أك
البنك بقيمة السهم.كللسند كقت ٤تدد لسداده ،أما السهم فبل يسدد إال عند تصفية الشركة.كلكل من
السهم كالسند قيمة اٝتية كىى قيمتو ا١تقدرة عند إصداره ،كقيمة سوقية تتحدد يف سوؽ األكراؽ ا١تالية ،ككل
منهما قابل للتعامل كالتداكؿ بُت األفراد كسائر السلع٦ ،تا ٬تعل بعض الناس يتخذ منهما كسيلة لبلٕتار
بالبيع كالشراء ابتغاء الربح من كرائهما ،كتتأثر األسعار يف السوؽ ا١تذكورة تبعان لزيادة العرض كالطلب ،كما
تتأثر باألحواؿ السياسية للبلد كمركزه ا١تارل ك٧تاح الشركة كمقدار الربح اٟتقيقي لؤلسهم كالفائدة اٟتقيقية
للسندات ،بل تتأثر باألحواؿ العا١تية من حرب كسبلـ (عيسى ،ص ٖٔ – ٗٔ).
80
أىمية القضية :للزكاة أ٫تية كربل يف اإلسبلـ فهي ركن من أركاف اإلسبلـ ،كىي مورد مارل مهم للدكلة
ا١ترتدين ١تنعهم أداء الزكاة بعد موت النيب صلى ا﵁ عليو كسلم .كقد ارتبطت الزكاة بطهارة النفس من حيث
اللفظ كا١تعٌت ،فالزكاة ٖتمل معٌت التطهَت كالنماء ،كىي عمليان تطهر صاحبها من البخل ،كالشح ،كاألنانية،
كاألثرة كالذنوب ،يقوؿ ا﵁ تعاذل ﴿:خذ من أموالهم صدقة تطهرىم وتزكيهم بها (﴾..القرآف.التوبة
ٗ ، )َُّ:كقد جاء يف تفسَت ا١تنار ﵀مد رشيد رضا (ُْٕٗ) أف اآلية فيها األمر باألخذ من أمواؿ
ا١تسلمُت على اختبلؼ أنواعها -كاليت منها التجارة -صدقة ،كالزكاة ا١تفركضة ،أك تطوعان تطهرىم ّٔا من
دنس البخل كالطمع كالدناءة كالقسوة على الفقراء كما يتصل بو من الرذائل ،كتزكي أنفسهم برفعها كتنميتها
با٠تَتات .كالزكاة كاجبة إذا بلغ ماؿ ا١تسلم نصابان كحاؿ عليو اٟتوؿ ،كتيصرؼ يف مصارفها ا١تنصوص عليها
بقولو تعاذل ﴿:إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب
والغارمين وفي سبيل اهلل وابن السبيل فريضة من اهلل واهلل عليم حكيم ﴾ (القرآف .التوبة ٗ. )َٔ:
كقد انتشرت شركات ا١تسا٫تة اليوـ بشكل كبَت كأخذت مكاهنا يف التجارة كاالستثمار يف ٥تتلف اٞتوانب
الصناعية كالزراعية كغَتىا ؛لذلك كجب على الناس أف يتعرفوا على أحكاـ الزكاة يف األمواؿ كاألرباح اليت
ناقش كثَت من العلماء كالباحثُت قضية األسهم كالسندات يف شركات ا١تسا٫تة ،كمن ىؤالء الدكتور عبدا﵁
ا١تنيع يف كتابو ْتوث يف االقتصاد اإلسبلمي (ُُْٔق) حيث يرل أف شركات ا١تسا٫تة ٕتب فيها الزكاة إذا
كانت ٤تبلن لبلستثمار اٟتبلؿ يف الزراعة أك الصناعة أك االستَتاد أك التصدير كغَتىا ،كاألسهم يف ىذه
الشركات عبارة عن حصص ي٘تلك شائعة يف عمومها ،كلوجوب الزكاة يف عمومها فهي كاجبة يف ىذه األسهم
ا١تمثلة ألجزاء ىذه الشركات .كشركات ا١تسا٫تة ٗتتلف يف ٣تاؿ استثمارىا ألمواؿ ا١تسا٫تُت فيها ،
فاالستثمار يف الزراعة ٗتضع ألحكاـ الزكاة فيما ٗترجو األرض ماالن كمقداران كزمانان ،ك٬تب فيها نصف
العشر .كإف كانت شركات ا١تسا٫تة تعمل يف ٣تاؿ الصناعة كصناعة األٝتنت أك األدكات الكهربائية ..اخل
فإهنا يٗترج الزكاة من صايف أرباحها قياسان على زكاة العقارات ا١تعدة للكراء .كإف كانت شركة ا١تسا٫تة شركة
ٕتارية تعتمد على استبداؿ السلع كاالستَتاد كالتصدير كغَتىا من التعامبلت التجارية اليت يراعى فيها قواعد
كمقتضيات الشريعة فهذا النوع من الشركات ٕتب يف أموالو الزكاة يف عرض ٕتارة ،كال تدخل يف الزكاة
التجهيزات اإلدارية .كٕتب الزكاة على اعتبار قيمة األسهم السوقية على من يتداك٢تا بيعان كشراءن على سبيل
ا١تتاجرة فيها .كىذا ما يؤكد عليو ابن عثيمُت رٛتو ا﵁ حيث يقوؿ ":الزكاة على األسهم كغَتىا من عركض
التجارة تكوف على القيمة السوقية ،فإذا كانت حُت الشراء بألف ٍب صارت بألفُت عند كجوب الزكاة فإهنا
تقدر بألفُت ،ألف العربة بقيمة الشيء عند كجوب الزكاة ال بشرائو " (ابن عثيمُت ،مرجع سابق) كإذا
أخرجت الشركة زكاهتا فبل يلزـ أصحاب األسهم أف ٮترجوىا مرة ثانية باعتبار القائمُت على الشركة ككبلء
عن ا١تسا٫تُت فيها .كيرل الدكتور القرضاكم أف تعامل الشركات أيان كاف نوعها معاملة األفراد فإف كانت
ٕتارية فتعامل كالفرد التاجر ،كإف كانت صناعية فتعامل كمن ٯتلك مصنعان .كىكذا ،فالشركات التجارية
82
كىي اليت جل رأس ما٢تا يف منقوالت تتاجر فيها كال تبقى عينها ،فهذه تؤخذ الزكاة ٔتقدار ربع العشر (ِٓ.
يف ا١تائة ) بعد طرح قيمة األصوؿ الثابتة من األسهم ،كما ذكرنا يف عركض التجارة :أف الزكاة يف رأس ا١تاؿ
ا١تتداكؿ ا١تتحرؾ ،كىذه ا١تعاملة للشركات التجارية ىي نفس ا١تعاملة اليت تعامل ّٔا ا﵀بلت التجارية إذا
كانت ملكان لؤلفراد كال فرؽ.أما السندات فيقوؿ الشيخ" :السند صك ٔتديونية البنك أك الشركة أك اٟتكومة
ٟتاملو ٔتبلغ ٤تدد بفائدة معينة ،فمالك السند مالك دين مؤجل ،كلكنو يصَت حاالن عند هناية األجل فتجب
زكاتو حينئذ ١تدة عاـ إف مضى على ملكيتو عاـ أك أكثر ،كىذا مذىب مالك كأىب يوسف.أما إذا دل ٭تل
أجلو :فبل ٬تب إخراج زكاتو ،ألنو دين مؤجل ،ككذلك إذا دل ٯتض على ملكيتو عاـ ،الشًتاط مركر اٟتوؿ يف
ٔ-الغلو والتطرف
المفهوم:
الغلو يف اللغ ة :الغلو يف األمر ٣ :تاكزة اٟتد ،جاء يف ٥تتار الصحاح :غبل يف األمر جاكز فيو اٟتد ،كغاذل
الكتاب ال تغلوا في دينكم وال تقولوا إال الحق ( ﴾..القرآف .النساء ْ . )ُُٕ:كقاؿ تعاذل﴿:قل يا
أىل الكتاب ال تغلوا في دينكم غير الحق ﴾(القرآف .ا١تائدة ٓ .)ٕٕ:يقوؿ الشوكاين يف فتح القدير :
الغلو ىو التجاكز يف اٟتد كمنو غبل الشيء يغلو غبلءن ،كغبل الرجل يف األمر غلوان ،كغبل باٞتارية ٟتمها
كعظمها إذا أسرعت الشباب فجاكزت لداهتا ،كا١تراد باآلية النهي ٢تم عن اإلفراط تارة كالتفريط تارة أخرل ،
تغل يف شيء من األمر كاقتصد ....كبل طريف قصد األمور ذميم (الشوكاين .)ََِٕ،كمعٌت التطرؼ
كال ي
.مسلم.كتاب العلم :جْ ،)ِّْٖ #:كالتنطع :ا١تغاالة يف الدين كالتشدد فيو ،كا١تتنطعوف :ا١تتجاكزكف
اٟتدكد يف أقوا٢تم كأفعا٢تم ( .الزحيلي . )َُِِ،كالغلو كالتطرؼ نقيض الوسطية كاالعتداؿ ،كقد جعل
84
ا﵁ تعاذل أمة اإلسبلـ أمة كسطان فقاؿ ﴿:وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ﴾( القرآف .البقرة ِ،)ُّْ:
تغل غلو
كالوسط :ا٠تيار أكالعدؿ ،ك١تا كاف الوسط ٣تانبان للغلو كالتطرؼ كاف ٤تمودان ،فهذه األمة دل ي
قصركا تقصَت اليهود يف أنبيائهم ،كيقاؿ فبلف أكسط قومو ككاسطتهم أم خيارىم .
النصارل يف عيسى كال َّ
أىمية القضية :التطرؼ كالغلو ليست من القضايا ا١تعاصرة اٟتديثة ٔتفهومها العاـ ،كإ٪تا بأساليبها ككسائلها
اٟتديثة ؛ كلذا فإننا لن نكوف ْتاجة كبَتة للبحث عن األدلة اليت ٖتذر من التطرؼ كتشن ىجومان شديدان
على كل متطرؼ كمغا وؿ يف أم جانب من جوانب اٟتياة كالدين يف مقدمتها .كا١تتطرؼ بسلوكو يكوف قد
اختار الطرؼ عن الوسط ا١تأمور بو شرعان .كالتطرؼ كالغلو ليس ٤تصوران يف الدين ،فقد يكوف يف السلوؾ
كالتمسك بالرأم كيف السياسة كاالقتصاد كيف تقييم األمور كيف عبلجها ،كقد يكوف على مستول الفرد أك
٣تموعة من األفراد .كالتطرؼ كالغلو فيو إفراط يف تقدير األمور كقد يكوف من أسبابو الفراغ النفسي كالشعور
بالنقص أك النظرة ا١تتعمقة كالتفصيلية يف الشيء أك اٟتماس الزائد كىذه كلها – من كجهة نظر الباحث –
الٕتوز يف ديننا اإلسبلمي ا١تبالغة يف أم شيء من األشياء حىت كإف كاف ذلك يف مدح النيب صلى ا﵁ عليو
كسلم كالثناء عليو كإطرائو ،قاؿ عليو الصبلة كالسبلـ ":ال تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما
أنا عبده فقولوا عبد اهلل ورسولو" (اٟتديث ،البخارم ،كتاب أحاديث األنبياء:جّ . )ُِّٔ# :بل إف
ا١تبالغة يف العبادة كٕتاكز اٟتد فيها ييعد خركجان عن سنة النيب صلى ا﵁ عليو كسلم كمنهج اإلسبلـ ،كرد يف
85
ً ً ً ً
صلَّى اللَّوي صلَّى اللَّوي ىعلىٍيو ىك ىسلَّ ىم يى ٍسأىليو ىف ىع ٍن عبى ىادة النً ّْ
َّيب ى البخارم أف ثبلثة رىط جاءكا إً ىذل بػيييوت أ ٍىزىك ًاج النً ّْ
َّيب ى
َّـ ًم ٍن ً ً ً ً
صلَّى اللَّوي ىعلىٍيو ىك ىسلَّ ىم قى ٍد غيفىر لىوي ىما تىػ ىقد ى يخًربيكا ىكأىنػ يَّه ٍم تىػ ىقالُّ ى
وىا فىػ ىقاليوا ىكأىيٍ ىن ىٍ٨ت ين م ٍن النً ّْ
َّيب ى ىعلىٍيو ىك ىسلَّ ىم فىػلى َّما أ ٍ
آخ ير أىنىا َّىىر ىكىال أيفٍ ًط ير ىكقى ى
اؿ ى وـ الد ٍ آخ ير أىنىا أ ي
ىص ي اؿ ى ىح يد يى ٍم أ َّىما أىنىا فىًإ ّْين أ ى
يصلّْي اللٍَّي ىل أىبى ندا ىكقى ى اؿ أ ى ذىنٍبً ًو ىكىما تىأ َّ
ىخىر قى ى
َّ ً صلَّى اللَّوي ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم إًلىٍي ًه ٍم فىػ ىق ى أ ٍىعتى ًزيؿ النّْساء فى ىبل أىتىػزَّكج أىب ندا فىجاء رس ي ً
اؿ أىنٍػتي ٍم الذ ى
ين قػي ٍلتي ٍم ىك ىذا ىكىك ىذا أ ىىما وؿ اللَّو ى ى ي ى ى ى ىي ىى
ً وـ ىكأيفٍ ًطر ىكأ ى ّْ ً ًً ً
ب ىع ٍن يصلي ىكأ ٍىرقي يد ىكأىتىػىزَّك يج الن ى
ّْساءى فى ىم ٍن ىرغ ى ي ىص ي ىكاللَّو إً ّْين ىأل ٍ
ىخ ىشا يك ٍم للَّو ىكأىتٍػ ىقا يك ٍم لىوي لىك ٍّْت أ ي
س ًم ٍّْت "( .اٟتديث ،البخارم ،كتاب النكاح:جّ .)ُْٗٗ# :كقد ركل أبوداكد كغَته عن ً
يسنَّيت فىػلىٍي ى
رسوؿ ا﵁ قاؿ :أحبب حبيبك ىونان ما عسى أف يكوف بغيضك يومان مان ،كأبغض بغيضك ىونان ما عسى أف
يكوف حبيبك يومان مان " (اٟتديث ،سنن الًتمذم ،كتاب الرب كالصلة :ج ْ )ُٕٗٗ# :أم حبان مقتصدان ال
إفراط فيو ،كلفظ ما للتقليل (عسى أف يكوف بغيضك يومان ما ) قاؿ ا١تناكم يف شرح اٞتامع الصغَت:إذ رٔتا
انقلب ذلك بتغى َُّت الزماف كاألىحواؿ بيغضان فبل تكوف قد أسرفت يف حبو فتندـ عليو إ ٍذ أبغضتو ،أك يحبان فبل
تكوف قد أسرفت يف بيغضو فتتستحيي منو إذ أحببتو ،كلذلك قاؿ الشاعر :
فىهونك يف حب كبغيض فرٔتا ...بدا صاحب من جانب دكف جانب ( .اٟتديثٖ ،تفة األحوذم شرح سنن
الًتمذم ،كتاب الرب كالصلة :ج ٔ .)ُٕٗٗ# :كالفهم ا١تتطرؼ للدين جعل الكثَت من ا١تتحمسُت
ا١تسلمُت ٬تنحوف للعنف يف التعبَت عن فهمهم .كيف ا١تقابل التطرؼ يف مواجهة ىؤالء ا١تتحمسُت تسبَّب
يف زيادة ا١تشكلة كتفاقمها حىت أصبحت آّتمعات اإلسبلمية تعيش مرحلة من أخطر مراحلها كتواجو
التطرؼ كالتطرؼ ا١تضاد يف بلداهنا .كالتطرؼ الذم ٖتوؿ إذل منهج عنيف ٘تثَّل بعدـ قبوؿ اآلخر كاٞتنوح
لبلنتقاـ كالقتل كالتفجَتات كاالغتياالت ،ككل ذلك ناتج عن فهم خاطئ لطبيعة أحكاـ اإلسبلـ .ك٭تسن
86
اإلشارة ىنا إذل منهج اإلسبلـ الوسطي حيث أف الصورة ا١تتطرفة اليت انطبعت يف أذىاف البعض عن اإلسبلـ
إ٪تا تكوف نتيجة اٞتهل بالصورة ا١تشرقة ١تنهج الوسطية يف اإلسبلـ .
اٟتديث عن الوسطية ليس ٣ترد كبلـ ال يستند إذل أدلة كال ٦تارسات ،بل ىو حديث عن قضية تيعد أساسية
يف اإلسبلـ كإحدل ٦تيزات ىذا الدين العظ يم كىذه األمة الراشدة ،فلن يكوف لؤلمة دكر يف توجيو البشرية
ما دل يكن ا١تنهج الوسطي يف حياهتا قوالن ك٦تارسة ،قاؿ تعاذل ﴿:وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا
شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ﴾( القرآف .البقرة ِ .)ُّْ:كلن تكوف ىذه األمة
شاىدة على غَتىا من األمم ما دل تقم بنشر قيم الوسطية كالتسامح بُت الناس كاستيعاب الناس بكل
تنوعاهتم كمشارّٔم كلغاهتم كثقافاهتم .يقوؿ سيد قطب رٛتو ا﵁ كىو يفسر اآلية السابقة ﴿:وكذلك
جعلناكم أمة وسطاً﴾ :إهنا األمة الوسط بكل معاين الوسط ،سواء من الوساطة ٔتعٌت اٟتيسن كالفضل ،أك
من الوسط ٔتعناه ا١تادم اٟتسي ،أمة كسطان يف التصور كاالعتقاد ...ال تغلو يف التجرد الركحي كال يف
االرتكاس ا١تادم ...إ٪تا تتبع الفطرة ا١تتمثلة بركح متلبس ّتسد .أمة كسطان يف التفكَت كالشعور ...ال ٕتمد
على ما عملت كتغلق منافذ التجربة كا١تعرفة كال تتبع كذلك كل ناعق .أمة كسطان يف التنظيم كالتنسيق فبل
تدع اٟتياة كلها للمشاعر كالضمائر كال تدعها أيضان للتشريع أك التأديب ،فبل تكل الناس إذل كحي الوجداف
كال سوط السلطاف كلكن مزاج من ىذا كذاؾ .أمة كسطان يف ا١تكاف ..يف سرة األرض كيف أكسط بقاعها
.أمة كسطان يف الزماف تنهي عهد طفولة البشرية من قبلها كٖترس عهد الرشد العقلي من بعدىا كتقف يف
الوسط تنفض عن البشرية ما علق ّٔا من أكىاـ كخرافات من عهد طفولتها ،كتصدىا عن الفتنة بالعقل
87
كا٢تول ،كتزكاج بُت تراثها الركحي من عهود الرساالت ،كرصيدىا العقلي ا١تستمر يف النماء كتسَت ّٔا على
الصراط السوم بُت ىذا كذاؾ (.سيد قطب .)ََِّ ،كللوسطية يف اإلسبلـ حسب القرضاكم(ََِٕ)
مظاىر متعددة :يف العقيدة كالعبادات كالشعائر كالتشريع ،ففي العقيدة ٧تد اإلسبلـ كسطان بُت ا٠ترافيُت
الذين يصدقوف بكل شيء كيؤمنوف بغَت برىاف كبُت ا١تبلحدة الذين ال يؤمنوف بإلو قط كالذين يعددكف اآل٢تة
حىت عبدكا األبقار كاألكثاف كاألحجار ! كىو كسط بُت الذين يقدسوف األنبياء كيرفعوهنم إذل درجة األلوىية
كبُت الذين كذبوىم كاهتموىم كصبوا عليهم كؤكس العذاب ،قاؿ تعاذل ﴿:وقالت اليهود عُزير بن اهلل
وقالت النصارى المسيح بن اهلل ذلك قولهم بأفواىهم يضاىئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم اهلل
أنى يؤفكون﴾ (القرآف.التوبة ٗ ، )َّ:قاؿ تعاذل ﴿ :وقالت اليهود عزير بن اهلل وقالت النصارى
المسيح بن اهلل يضاىئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم اهلل أنَّى يؤفكون ﴾ (القرآف .التوبة
ٗ.)َّ:كيف ٣تاؿ العبادات كالشعائر ٧تد اإلسبلـ كسطان بُت األدياف اليت ألغت العبادة كاقتصرت على
اٞتانب األخبلقي اإلنساين كبُت األدياف اليت تفرض على أتباعها التفرغ للبعادة كاالنقطاع عن اٟتياة كاإلنتاج
كالرىبانية ا١تسيحية .فاإلسبلـ يوازف بُت العبادة كاإلنتاج .كيف ٣تاؿ األخبلؽ ٧تد األسبلـ كسطان بُت غبلة
ا١تثاليُت الذين ٗتيلوا اإلنساف مبلكان كبُت غبلة الواقعيُت الذين حسبوه حيوانان أك كاٟتيواف ،فاإلنساف يف نظر
اإلسبلـ ٥تلوؽ مركب فيو العقل كفيو الشهوة ،فيو غريزة اٟتيواف كركحانية ا١تبلؾ .كاإلسبلـ كسط يف النظرة
إذل اٟتياة بُت الذين أنكركا اآلخرة كاعتربكا اٟتياة الدنيا ىي البداية كالنهاية ،كبُت الذين رفضوا ىذه اٟتياة
كألغوا اعتبارىا من كجودىم كاعتربكىا شران ٕتب مقاكمتو كالفرار منو ،فحرموا على أنفسهم طيباهتا كزينتها .كيف
٣تاؿ التشريع ٧تد اإلسبلـ كسطان يف التحليل كالتحرًن بُت اليهودية اليت أسرفت يف التحرًن كبُت ا١تسيحية اليت
88
أسرفت يف اإلباحة حىت أحلَّت األشياء ا١تنصوص على ٖترٯتها يف التوراة ،قاؿ تعاذل ﴿ :يحل لهم
الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرىم واألغالل التي كانت عليهم ﴾ ( البقرة.األعراؼ
ٕ .)ُٕٓ:كمن ا١تظاىر الفريدة يف كسطية اإلسبلـ أنو كازف بُت الفردية كاٞتماعية ،كجعل لكل من الفرد
كاٞتماعة ٣تاالن يتحرؾ فيو ٔتا يؤدم إذل التكامل كعدـ ظغياف أحد٫تا على اآلخر.كمن مظاىر الوسطية يف
التشريع اإلسبلمي ا١تركنة ،فالفقو يف الشريعة يستوعب مقتضيات العصر كاٟتاجات ا١تستجدة بعيدان عن
اٞتمود .كما أف الشريعة اإلسبلمية ىي أ٧تح الشرائع يف التوازف بُت ما ىو ركحي كما ىو مادم ؛ ١تعرفتها
ْتقيقة اإلنساف أنو ركح كجسد ،قاؿ تعاذل ﴿ :فإذا سويتو ونفخت فيو من روحي فقعوا لو ساجدين ﴾
(القرآف .اٟتجر ُٓ ) ِٗ:فالشريعة اىتمت بالركح اليت ىي سر التكرًن فشرعت العبادات كتبلكة القرآف
كالتزكية كغَتىا ،قاؿ تعاذل ﴿ :قد أفلح من زكاىا وقد خاب من دساىا ﴾ ( القرآف .الشمس ُٗ)َُ:
كاىتمت الشريعة باٞتسد فقاؿ صلى ا﵁ عليو كسلم ":ا١تؤمن القوم خَت كأحب إذل ا﵁ من ا١تؤمن الضعيف
بن العاص رضي ا﵁ عنهما بالتوسط يف العبادة فقاؿ عبدا﵁ بن عمرك بن العاص :قاؿ رل رسوؿ ا﵁ صلى
ا﵁ عليو كسلم ":ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل فقلت :بلى يا رسول اهلل .قال :فال تفعل
صم وأفطر وقم ونَم فإن لجسدك عليك حقاً ولعينك عليك حقاً وإن لزوجك عليك حقاً وإن لزورك
ُ
عليك حقاً " (اٟتديث .البخارم ،كتاب الصوـ :ج ِ . )ُْٖٕ #كمن مظاىر كسطية اإلسبلـ الرخص
ألصحاب االعذار كإباحة ا١تيتة للمضطر كالفطر يف رمضاف للمسافر ،كسائر األحكاـ اليت ترفع ا١تشقة
ٓ )ٔ:فبل إعنات يف تكاليف الشرع .كمن التيسَت على ا١تسافر -إذل جانب الرخصة يف الفطر حاؿ السفر
-قصر الصبلة ،ككذلك شرع ا﵁ التيمم حاؿ انعداـ ا١تاء أك حاؿ ا١ترض ،قاؿ تعاذل ﴿ :وإن كنتم
٭تب من ا١تسلم أف يأخذ بالرخص كما يأخذ بالعزٯتة سواء بسواء ،قاؿ عليو الصبلة كالسبلـ ":إف ا﵁
جُ# ٭تب أف تؤتى يرخصو كما يكره أف تيؤتىى معصيتو" (اٟتديث ،أٛتد ،مسند ا١تكثرين من الصحابة :
ِّٖٓ ) .كل ما سبق يدؿ داللة كاضحة على أف اإلسبلـ ىو دين الوسطية كاالعتداؿ ،دين األخوة
كالتسامح ،دين اٟتقوؽ كاٟتريات ،يعيش ا١تسلموف كغَتىم يف ظلو سعداء ،ال يعكر صفو ىذه اٟتقيقة إال
٦تارسات بعض ا١تنتسبُت – زكران – إذل اإلسبلـ ٦تن ينقل صورة مغلوطة عن اإلسبلـ ،سواء بأقوالو كخطبو أك
كأطركحاتو ،ينكر كل جديد ،كينبذ التعايش مع اآلخرين ،كيبٍت حياتو على أساس الصراع كالعنف .أمثاؿ
ىؤاالء يصوركف اإلسبلـ على أنو دين اإلرىاب كالتخلف ،كبسلوؾ البعض من ا١تسلمُت ينفر اآلخركف من
تصور
اإلسبلـ كتنطبع يف أذىاهنم صورة مشوىة عن أحكامو .بسبب ا١تمارسات ا٠تاطئة لبعض ا١تسلمُت َّ
البعض بأف الدين اإلسبلمي رجعي ال يؤمن إال با١توت ،كال يؤمن ْتقوؽ كال حريات ،كال يؤمن ٔتدنية كال
بالرام كالرأم اآلخر ،لذا فهو يف نظر البعض غَت صاحل ٟتكم حياة الناس اليوـ كغَت مؤىل لقيلجة البشرية
يف ا١تستقبل .كبالرغم من أف الغالبية العظمى من ا١تسلمُت تنتهج الوسطية يف حياهتا كتفهم اإلسبلـ
ببساطتو كٝتاحتو إال أننا ال ٧تد الصورة موجهة إال لؤلقلية ا١تتخلفة اليت تنتهج العنف كتكفر بكل جديد
.منهج اإلسبلـ كاضح يف نصوصو كأحكامو أما تصرفات بعض ا١تسلمُت فهي ال تيعرب يف اٟتقيقة إالعنهم .
90
اٟتديث عن التعصب ليس جديدان ،كإ٪تا اٞتديد ىو بعض ا١تظاىر ا١تعاصرة اليت ظهرت اليوـ من التعصب
للجماعات أك األحزاب أك التشكيبلت آّتمعية ا١تختلفة كالقومية كالعرقية كغَتىا .كلذا فإنو من األ٫تية
ٔتكاف أف يتعلم أبناؤنا التسامح كالقبوؿ باآلخر ناىيك عن القبوؿ ببعضهم البعض ،كيتعرفوا على موقف
اإلسبلـ من التعصب بكافة أشكالو كصوره اٟتديثة كالقدٯتة .كالكتاب ا١تدرسي ىو خَت الوسائل لتعليم
األبناء قيم اإلسبلـ العظيمة ك٤تاربة كل الظواىر السلبية كالغريبة عن ا١تنهج اإلسبلمي .
القيم اإلنسانية اليت جاء ّٔا األنبياء عرب التاريخ البشرم .كعندما بعث ا﵁ نبيو ٤تمد صلى ا﵁ عليو كسلم
كاف العرب أ٪توذجان يعكس ما ٘تر بو البشرية من كوارث قيمية ،كمن أىم تلك الكوارث كارثة التعصب
كالعصبية .التعصب لؤلشخاص من اآلباء كاألجداد أك األقرباء كالتعصب للقبيلة كالوطن ،كالتعصب للعبادة
كا١تعتقد كالتعصب للفكرة كالرأم كالتعصب للنوف أك اللغة ،كالتعصب للدـ أك النسب .ىذا التعصب الذم
91
أشعل اٟتركب كمزؽ النسيج االجتماعي للمجتمعات كميَّز بُت الناس كأكجد الطبقات .ىذا التعصب الذم
ىدـ اٟتضارات كأكقع الظلم كأكقف اإلبداع ىو الذم حاربو اإلسبلـ بكل ما أكٌب من قوة فأعلن ا١تساكاة بُت
الناس لينسف بذلك أعىت ٦تالك الظلم اليت بينيت على أساس العًرؽ أك الدـ أك النسب ،حيث قاؿ تعاذل :
﴿ يا الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عنداهلل أتقاكم ﴾
(القرآف .اٟتجرات ْٗ . ) ُّ:فكل الناس ينتسبوف آلدـ كحواء عليهما السبلـ فبل فضل ألحد على أحد
كالتقول ال ينتج عنها إال التواضع كاٟتب كاإلخاء كالعمل الصاحل .كيذكر ا﵁ تعاذل الناس أف يوـ القيامة ال
ٯتكن أف يشفع لئلنساف ما يزعم من نسب رفيع يتباىى بو يف الدنيا ،كال ينفعو إال ما قدـ من عمل صاحل ،
قاؿ تعاذل ﴿ :فإذا نفخ في الصور فال أنساب بينهم يومئذ وال يتساءلون ﴾ (القرآف .ا١تؤمنوف
ِّ . ) َُُ:كقد حرص النيب صلى ا﵁ عليو كسلم من أكؿ أياـ الدعوة أف ٬تمع كل من آمن على أساس
التقول ،فبل فرؽ بُت أيب بكر القرشي كبُت ببلؿ اٟتبشي إال بالتقول ،كال تقدًن ٟتمزة ا٢تامشي على سلماف
الفارسي إال بالتقول .كقد مثلت ٦تارسات النيب صلى ا﵁ عليو كسلم منهجان عمليان ٣تسدان ١تعاين السماحة
كنبذ التعصب ،فقد قاـ عليو الصبلة كالسبلـ بتزكيج زينب بنت جحش ا٢تامشية لزيد بن حارثة مواله .
كاختار ببلالن اٟتبشي مؤذنان لو كأخذ برأم سلماف الفارسي يف كاحدة من أىم ا١تعارؾ يف اإلسبلـ – غزكة
األحزاب – كعقد اللواء ألسامة بن زيد لقيادة جيش فيو أبو بكر كعمر ككبار أصحابو رضواف ا﵁ عليهم .
عَت ببلؿ بن رباح بأمو ":إنك امرٌؤ فيك جاىلية ( "..اٟتديث ،البخارم ،كتاب
كقاؿ أليب ذر عندما َّ
اإلٯتاف:باب ا١تعاصي من أمر اٞتاىلية جُ ، )َّ #كيف شعائر اإلسبلـ ما يذيب كل نوازع العصبية
92
كالتفاخر كالتعارل على اآلخرين ،فالناس ٚتيعان يقفوف صفوفان يف الصبلة :الفقَت كالغٍت ،القرشي كاٟتبشي ،
ا١تهاجر كاألنصارم .كيف اٟتج ال توجد مشاعر خاصة ببعض الناس دكف اآلخرين كما كاف أياـ قريش حيث
دل تكن تفيض من عرفات كما يفيض الناس ،فقد كانوا يقفوف يف ا١تزدلفة ترفعان منهم عن أف يفيضوا مع
الناس ،فقاؿ تعاذل ﴿ :ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ( ﴾..القرآف .البقرة ِ ( )ُٗٗ:اٞتبللُت ،
ُٕٖٗص ُّ ) .كالزكاة يؤديها كل من ملك النصاب كال فرؽ بُت الناس ،كىكذا فكل فرائض اإلسبلـ
كأركانو ٕتعل ا١تسلم على مسافة بعيدة من التعصب بسبب النسب أك القبيلة أك غَت ذلك .كعندما شعر
اليهود يف ا١تدينة ٓتطورة أف تذكب معاين العصبية يف صف ا١تسلمُت يف ا١تدينة كبالتحديد بُت األكس كا٠تزرج
الذين كانوا يف حالة عداء كصداـ أرادكا أف يعيدكا معاين التعصب إليهم بتذكَتىم ْترب بعاث ،فقاؿ النيب
صلى ا﵁ عليو كسلم لؤلكس كا٠تزرج " :أبدعوى الجاىلية وأنا بين ظهرانيكم " ...كنزؿ قوؿ ا﵁ تعاذل :
﴿واعتصموا بحبل اهلل جميعاً وال تفرقوا (﴾ ...الشوكاين ،مرجع سابق ،صُّٓ) .كبسبب التعصب
تظل الفجوة كبَتة بُت األفراد كبعضهم البعض كبُت اٞتماعات كبعضها ببعض ،كيظل التمسك بالرأم ىو
سيد ا١توقف ،كيف ظل التعصب تنشأ األحقاد كتتنافر القلوب كييعطَّل العقل كا١تنطق ،كيستعيد ا١تتعصب
الشعار ٔتعناه اٞتاىلي " انصر أخاؾ ظا١تان أك مظلومان" قوتو يف دنيا ا١تتعصبُت.
دعوة اإلسبلـ ظهرت يف قوـ كانت العصبية يف أكج قوهتا ،كالعصبية تتخذ صوران متعددة فقد تكوف عصبية
للنسب أك القبيلة أك الدـ ،كقد تكوف عصبية القرابة أك اللغة أك العرؽ .كيف زماننا ىذا قد تضاؼ إذل ىذه
الصور صور كثَتة أبرزىا التعصب إذل اٟتزب أك الطائفة أك ا١تذىب .كىذا التعصب يقود إذل ا١تناصرة كبناء
ا١تواقف كإعبلف الوالء أك الرباء يف اٟتق أك الباطل .كعندما بعث ا﵁ نبيو ٤تمد صلى ا﵁ عليو كسلم با٢تدل
93
كدين اٟتق كاف من أكرب ا١تشكبلت اليت كاجهها عليو السبلـ قضية العصبية ،كٔتنهجو اٟتكيم بدأ النيب عليو
الصبلة كالسبلـ بًتسيخ معاين األخوة بُت ا١تؤمنُت على اختبلؼ أنسأّم كقبائلهم ،فتتنزؿ اآليات ﴿ إنما
المؤمنون إخوة ﴾ (القرآف .اٟتجرات َُ .)ْٗ:كييآخي النيب عليو الصبلة كالسبلـ بُت ا١تهاجرين كاألنصار
من ا﵁ على ا١تومنُت بنعمة األخوة فقاؿ سبحانو كتعاذل ﴿:وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في
.كقد َّ
ولكن اهلل ألَّف بينهم إنو عزيز حكيم﴾( القرآف األنفاؿ ٖ، )ّٔ:
األرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم َّ
كىذه اآلية تصف استحالة اجتماع قلوب العرب بغَت دعوة اإلسبلـ ١تا كاف يوجد بينها من تنافر كاختبلؼ
كعصبيات .لقد كقعت ا١تعجزة اليت ال يقدر عليها إال ا﵁ ،كاليت ال تصنعها إال ىذه العقيدة فاستحالت
ىذه القلوب النافرة إذل ىذه الكتلة ا١تًتاصة ا١تتآخية الذلوؿ بعضها لبعض ،ا﵀ب بعضها لبعض ا١تتآلف
بعضها مع بعض ّٔذا ا١تستول الذم دل يعرفو التاريخ بعد ما كاف بينهم يف اٞتاىلية من الثأرات كالدماء
كا١تنازعات ما يستحيل معو االلتئاـ فضبلن على ىذا اإلخاء الذم دل تعرؼ لو األرض نظَتان كال شبيها ( سيد
قطب ََِّ ،ـ) .فكانت تشريعات اإلسبلـ كفيلة بإذابة العبلقات القائمة على العصبية كصهرىا يف
بوتقة اإلسبلـ ،كعندما كانت تظهر بعض القضايا اليت رٔتا تعمل على إثارة نعرات اٞتاىلية كاف يتصدل ٢تا
كيعاٞتها بشكل سريع ،فعندما استدعى األكس كا٠تزرج خبلفاهتم القدٯتة كتذكركىا بفعل أحد اليهود
كتواعدكا على القتاؿ جاءىم النيب صلى ا﵁ عليو كسلم فنزؿ قوؿ ا﵁ تعاذل ﴿ :واعتصموا بحبل اهلل جميعاً
( القرآف .آؿ عمرافّ (. )َُّ:ابن ،كثَت ،مرجع سابق ) كقاؿ عليو الصبلة كالسبلـ عن اٞتاىلية
جْ# ":دعوىا فإنها منتنة ( " ..اٟتديث ،الًتمذم ،كتاب تفسَت القرآف:باب كمن سورة ا١تناافقُت
94
ُّّٓ ) كيف البخارم ":ما باؿ دعول اٞتاىلية " (اٟتديث ،البخارم ،كتاب ا١تناقب:باب ما ينهى من
دعول اٞتاىلية جِ )َّّّ #كزكج النيب صلى ا﵁ عليو كسلم زينب بنت جحش بزيد بن حارثة ليكوف
دليبلن عمليان على نبذ العنصرية كالطائفية القائمة على اعتقاد شرؼ نسب طائفة من الناس على حساب
غَتىا ،حيث كاف ال ٯتكن أف يقع مثل ىذا الزكاج يف أم حاؿ من األحواؿ ،جاء يف ابن كثَت عند تفسَته
لقولو تعاذل ﴿:وما كان لمؤمن وال مؤمنة إذا قضى اهلل ورسولو أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرىم ومن
يعص اهلل ورسولو فقد ضل ضالالً مبيناً ﴾(القرآف .األحزاب ّّ ..)ّٔ:ىع ٍن اًبٍن ىعبَّاس ىر ًض ىي اللَّو ىعٍنػ يه ىما
صلَّى اللَّو ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم " ىكىما ىكا ىف لً يم ٍؤًم ون ىكىال ًً ً ً
نػى ٍفسي ؟ فىػبىػٍيػنى ىما ي٫تىا يػىتى ىح َّدثىاف أىنٍػىزىؿ اللَّو ىىذه ٍاآليىة ىعلىى ىر يسوؿ اللَّو ى
صلَّى اللَّو ىعلىٍي ًو ت قى ٍد ىر ًضيتو ًرل يىا ىر يسوؿ اللَّو ىمٍن ىك نحا قى ى
اؿ ىر يسوؿ اللَّو ى
ً
يم ٍؤمنىة إًذىا قى ى
ضى اللَّو ىكىر يسولو " ٍاآليىة قىالى ٍ
صلَّى اللَّو ىعلىٍي ًو ىك ىسلَّ ىم قى ٍد أىنٍ ىك ٍحتو نػى ٍف ًسي ( "..ابن كثَت ،مرجع ً
ت إًذنا ىال أ ٍىعصي ىر يسوؿ اللَّو ى
ىك ىسلَّ ىم نػى ىع ٍم قىالى ٍ
سابق ،ج ٔص ُْٖ) كقاؿ عليو السبلـ ٥تاطبان قريش ":يا معشر قريش إن اهلل عزوجل قد أذىب
عنكم عُيّْ يَّة الجاىلية وفخرىا باآلباء مؤمن تقي وفاجر شقي أنتم بنو آدم وآدم من تراب ( "..اٟتديث،
أبوداكد ،ابواب النوـ:باب يف التفاخر باألنساب جّ )ُُٓٔ #كنزؿ قوؿ ا﵁ تعاذل﴿ :يا أيها الناس إنا
خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اهلل أتقاكم إن اهلل عليم
خبير﴾ ( القرآف .اٟتجرات ْٗ )ُّ:ككانت ىذه اآلية فيصبلن بُت معايَت البشر القائمة على تفضيل بعض
95
الناس على بعض بناء على ا١تاؿ أك ا١تكانة االجتماعية أك غَتىا من االعتبارات البشرية كبُت معايَت اإلسبلـ
القائمة على أساس التقول ،فاختبلؼ الشعوب كالقبائل كاأللسنة كغَتىا ال تصلح ألف تكوف ىي معيار
التفاضل بُت الناس كإ٪تا ا١تعيار اٟتقيقي للتفاضل بُت الناس ىو التقول ،كعند التعمق يف األمر ٧تد أف
التقول عمبلن قلبيان ال سلطاف ألحد غَت ا﵁ عليو كإ٪تا للبشر الظاىر فيما يبدك من اجتناب ا﵀رمات كعمل
الطاعات ٦تا ينعكس خَته على آّتمع فتسود ا﵀بة كاإلخاء كينتشر السبلـ فيصبح ا١تتقوف يف ىذه اٟتالة
رجاؿ إصبلح كقدكات ح سنة يشَت الناس إليهم بالبناف كال يًتتب على التقول استعباد البشر لبعضهم
البعض بقدر ما يًتتب عليها خدمة الناس كاحًتاـ بعضهم لبعض كزيادة األلفة كا٠تَت بينهم ،كمن ىنا ندرؾ
إف تعدد الشعوب كالقبائل إ٪تا يكوف لغرض التعارؼ كالتآلف كليس لغرض ا١تفاخرة كالتفريق بُت الناس
فالناس ٚتيعان أبوىم كاحد كأمهم كاحدة .كع ٌدؿ النيب صلى ا﵁ عليو كسلم من مفهوـ انصر أخاؾ ظا١تان أك
مظلومان فأصبح نصر األخ الظادل باٟتيلولة بينو كبُت الظلم ،ففي البخارم عن أنس رضي ا﵁ عنو قاؿ :قاؿ
رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم ":انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ،فقال :رجل يا رسول اهلل صلى اهلل عليو
وسلم أنصره إذا كان مظلوماً ،أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟! قال :تحجزه أو تمنعو من الظلم،
جِ# فإن ذلك نصره"( .اٟتديث ،البخارم ،كتاب ا١تظادل :باب أعن أخاؾ ظا١تان أك مظلومان
ُُِّ).كّٔذه النصوص ٭تسم اإلسبلـ موقفو من العصبية كالتعصب بنبذ كافة أشكا٢تا ،سواء كاف منشؤىا
االعتقاد بأفضلية النسب أك القبيلة أك اللغة أك الدين أك غَتىا من تصورات البشر .
إف اإلسبلـ يعيد الناس إذل أصل كاحد ،كيتخاطب معو دكف تصنيف ،كعبادات اإلسبلـ تؤكد ا١تساكاة
فالدخوؿ يف اإلسبلـ بطريقة كاحدة للجميع كأحكاـ الصبلة كالزكاة كاٟتج كغَتىا شاملة للشريف كالوضيع
96
يف نظر الناس كال ٘تييز على أساس اللوف كالعرؽ كغَتىا .ك٢تذا فقد اعتنق اإلسبلـ أصناؼ من البشر
آر كيقاؿ تىأ ٍىرتيك بكذا أىم أىدركت بو ثىأٍرم ً َّ
ا١تفهوـ :لغة :الثَّأٍ ير الطلى ي
ب بالدَّـ ،كقيل الدـ نفسو كاٞتمع أىثٍ ه
األىمية :
قضية الثأر من القضايا القدٯتة اٟتديثة ،فهي ال شك من ٥تلفات اٞتاىلية كركاسبها ،كقد كاف الثأر كال
يزاؿ ٭تصد الكثَت من األركاح كيتسبب يف كثَت من االختبلالت .كالثأر ظاىرة ال تنتهي بقتل القاتل كإ٪تا
يتولد عنو ثأر جديد ناىيك كبعض القبائل ال يهتموف باالقتصاص من القاتل فهم يبحثوف عن القاتل أك من
تربطو بو عبلقة من أسرتو أك أفراد قبيلتو ،كأحيانان يبحث أكلياء ا١تقتوؿ عن أفضل الشخصيات ا١تؤثرة من
أقارب القاتل ليكوف ٢تم ىدفان حىت كإف دل يكن لو عبلقة بالقاتل كقد يكوف ىذا الشخص يعيش خارج إطار
القبيلة ،فاستهداؼ مثل ىذا الشخص يكوف لو األثر يف نشوء ثأر جديد ،كىكذا تظل اٟتلقة متصلة ككل
ثأر يقود إذل ثأر جديد .كآثار الثأ ر ال تقتصر على األشخاص الذين تنشأ فيهم القضية كإ٪تا يتعدل ذلك
إذل إدخاؿ القلق كاالضطراب يف آّتمع ،كما أف األطفاؿ الذين ينشئوف أيتامان ينزعوف أيضان يف ا١تستقبل إذل
الثأر أك ما يسمى غسل العار حيث أف عدـ األخذ بالثأر ييعد يف نظر البعض عار .ك٦تا يفاقم من آثار ىذه
الظاىرة ا١تدمرة تواجد السبلح كإمكانية استخدامو لبلنتقاـ .ك٦تا يساعد يف انتشار الثأر ضعف القضاء
كغياب التوعية الدينية كاالجتماعية بأخطار الثأر كموقف الشرع الرافض لو .
97
يف اليمن كحدىا تفيد منظمة شركاء اليمن الدكلية أف آالؼ األطفاؿ توقفوا عن الذىاب إذل ا١تدارس يف
ثبلث ٤تافظات خشية أف يتم استهدافهم بالقتل من أجل الثأر ،حيث ( ْٖٗٔ) أربعة آالؼ كستمائة
كٙتاف كتسعوف شخصان يف اٞتوؼ كمأرب كشبوة تزىق أركاحهم ثأران حىت تاريخ ََُُِْ/ٗ/ـ( .قائد
. )َُِْ،
نظرة الشريعة:
جاء اإلسبلـ ليحارب كثَتان من العادات السيئة اليت انتشرت يف آّتمع العريب خصوصان ،حيث كانت قضية
الثأر مشكلة معقدة يف آّتمع اٞتاىلي الذم كاف بسبب اٟتمية كالتعصب ٯتكن أف ييشعل حربان ٖتصد
الكثَت من األركاح .كحرب اإلسبلـ للثأر ليس إىداران لدـ ا١تقتوؿ كإ٪تا لتنظيم القصاص كتنفيذه بشكل عادؿ
ال يتعدل القاتل ،كلذلك يقوؿ ا﵁ تعاذل ﴿:ولكم في القصاص حياة يا أولي األلباب لعلكم تتقون ﴾
( القرآف .البقرة ِ )ُٕٗ:فالقصاص حياة للناس ،كبالقصاص يتقي الناس القتل فينتهوف عن القتل؛
كلذلك اختتمت اآلية بقولو تعاذل ﴿:لعلكم تتقوف﴾ (الطربم . )ُْٗٗ ،كىنا ٧تد أف القصاص يستهدؼ
القاتل فتنتهي ا١تشكلة عندما يشعر أكلياء الدـ أف القاتل قد قيتل فتهدأ نفوسهم كترتاح ،بينما الثأر يفاقم
ا١تشكلة حيث أف القبيلة يف بعض األحياف تستنكف أف تقتل القاتل بل ال ترل فيو كفؤان لقتلو با١تقتوؿ
كتذىب لقتل الربمء من القبيلة األخرل ،كىذا األمر ينكره اإلسبلـ ،حيث جاء يف القرآف الكرًن :
الثأر كغَته كتربأ النيب عليو الصبلة كالسبلـ من كل من قاتل ٖتت راية اٞتاىلية فقاؿ ":ليس منَّا من دعا إلى
عصبية وليس منا من قاتل على عصبية ،وليس منا من مات على عصبية " (اٟتديث ،أبو داكد ،كتاب
98
األدب :باب يف العصبية جّ )ُُِٓ #كإف كاف يف اٟتديث ضعف نص عليو األلباين يف ضعيف اٞتامع (
األلباين .)ُٖٖٗ،لكن لو شواىد تعضده كٔتجموعها تفيد حرمة القتاؿ ٖتت راية عصبيىة جاىلية .كيف
ِٓٓٔ) .
المفهوم :
ىناؾ العديد من التعريفات للمصطلح ،كالباحث يضع التعريف اإلجرائي التارل :خركج فرد أك ٣تموعة
مسلحة يف ببلد ا١تسلمُت إلحداث الفوضى ،أك سفك الدماء ،أك سلب األمواؿ ،أك ىتك األعراض ،
كإحداث الفساد ،كبث الرعب بُت الناس على سبيل آّاىرة كا١تكابرة اعتمادان على القوة يف الرب أك البحر أك
اٞتو .
99
األىمية :
قضية التقطعات من القضايا القدٯتة ،كيف العصر اٟتديث أخذت ٣تاالت أخرل غَت اليت كانت مشهورة يف
القدًن من حيث حصر القضية بقطع الطريق الربم ،فاليوـ أخذت منحى أكرب حيث أصبحت التقطعات ال
تقتصر على الرب ،بل امتدت لتشمل البحر كاٞتو كحىت شبكة اإلنًتنت فيما يعرؼ بالقرصنة .كالضرر
متحقق سواء كاف ذلك مرتبطان بالتقطع يف األرض كهتديد حياة الناس كأموا٢تم كأعراضهم للخطر ،أك التقطع
يف اٞتو أك البح ر الذم ال ٮتتلف عن التقطع يف الرب إال رٔتا يف الوسائل ا١تستخدمة لتحقيق األىداؼ .
كحضره.
كقضية التقطعات تضفي على حياة الناس ٗتوفات كبَتة فيصبح اإلنساف خائفان يف سفره ى
يعاين آّتمع اليمٍت أكثر من غَته من ظاىرة التقطعات يف الطريق ،فكثَتان ما ٬تد ا١تسافركف أمامهم
٣تموعات مسلحة ٗتيف الناس كتيعرض حياهتم للخطر ،خصوصان يف خطوط السفر الطويلة كا١تمتدة من
كاف للشريعة اإلسبلمية موقفان صارمان يف ىذه القضية ؛ ألف قطع الطريق فيو إرىاب للناس ،كإٟتاؽ الضرر
بالناس جرٯتة كقف أمامها اإلسبلـ بشدة ككضع من اٟتدكد ما يكفل ترىيب قطاع الطرؽ ككل من يعتدم
على الناس كٮتيفهم كيقطع مصاٟتهم ال لشيء إال ألف اإلسبلـ جاء ٟتفظ مصاحل الناس ْتفظ أنفسهم
كقيطَّاع الطريق يف نظر شريعة اإلسبلـ ٤تاربوف ،فهم ٤تاربوف ﵁ كللرسوؿ ٟترّٔم ا١تسلمُت كسعيهم إذل
الفساد يف األرض .كاألصل يف ىذه القضية ىي قوؿ ا﵁ تعاذل ﴿:إنما جزاء الذين يحاربون اهلل ورسولو
ويسعون في األرض فساداً أن يُقتَّلوا أو يُصلبوا أو تُقطع أيديهم وأرجلهم من خالف أو ينفوا من
األرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في اآلخرة عذاب عظيم ﴾(القرآف .ا١تائدة ٓ . )ّّ:كمضموف
اآلية إباحة قتل ا١تفسد يف األرض ،كمن أعظم الفساد يف األرض قصد قتل النفس ا﵀رمة فثبت بذلك أف
القاصد لقتل غَته ظلمان مستحق للقتل مبيح لدمو (اٞتصاص . )ُِٗٗ،كيذكر الكثَت من ا١تفسرين أف
سبب نزكؿ اآلية ىو قصة العرنيُت ،كمنهم اإلماـ الطربم رٛتو ا﵁ (الطربم ،مرجع سابق ) فقد ركل األماـ
ا١تاؿ على سبيل ا١تغالبة فاخاؼ السبيل كدل يأخذ ماالن كدل يقتل أحدان ،كالثانية إذا خرج على سبيل ا١تغالبة
فأخذ ا١تاؿ كدل يقتل أحدان كاٟتالة الثالثة إذا خرج ألخذ ا١تاؿ فقتل كدل يأخذ ا١تاؿ كاٟتالة الرابعة إذا خرج على
سبيل ا١تغالبة فأخذ ا١تاؿ كقتل كٖتدث اٟترابة من فرد أك ٚتاعة معتمدين على القوة ،كالقوة عند مالك
كالشافعي كالظاىرية كالشيعة الزيدية ال تقتصر على السبلح فهم ال يشًتطوف السبلح بل ٣ترد كجود القوة بل
يكتفي مالك با١تخادعة دكف استخداـ القوة يف بعض األحواؿ كأف يستخدـ أعضاءه كاللكز كالضرب ّتمع
101
باشر الفعل أك تىسبَّب فيو رجاالن كانوا أك نساءن ،كسواء كقعت يف ا١تصر ،يف
الكف ،كيعترب ٤تاربان كل من ى
القرية أك ا١تدينة أك الصحراء ليبلن أك هناران ،كعقوبة ا﵀اربُت تكوف ْتسب حاالهتم ،فإذا أخاؼ ا﵀ارب
السبيل ال غَت كدل يقتل فعلى رأم بعض العلماء تكوف العقوبة النفي لقولو تعاذل ﴿:أو يُنفوا من األرض﴾
كالنفي من األرض يكوف باٟتبس حىت تظهر توبة ا﵀ارب كينصلح حالو فيطلق سراحو .كاٟتالة الثانية فيما
إذا أخذ ا﵀ارب ا١تاؿ ال غَت كدل يقتل فَتل أبو حنيفة كالشافعي كأٛتد كالزيدية أف ييقطع ا﵀ارب من خبلؼ
أم أف تقطع يده اليمٌت كرجلو اليسرل ،كيف حالة القتل ال غَت دكف أخذ ماؿ فَتل أبو حنيفة كالشافعي
زركاية عن أٛتد أف العقوبة ىي القتل حدان دكف صلب .كيف حالة إذا قتل ا﵀ارب كأخذ ا١تاؿ كانت العقوبة
القتل كالصلب عند الشافعي كأٛتد كالشيعة الزيدية كال قطع عليو ،كتسقط العقوبة بالتوبة لقولو تعاذل
﴿:إال الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن اهلل غفور رحيم ﴾ فتوبة ا﵀ارب قبل قدرة اإلماـ
على الوصوؿ إليو تكوف يف الغالب توبة إخبلص كتوبة ا﵀ارب ال تيسقط عنو اٟتدكد عن اٞترائم اليت ارتكبها
كالزنا مثبلن ،كالقذؼ ،كالشرب ،كيسقط عنو حد السرقة ال غَتىا عند أيب حنيفة (.عودة " .)َُٖٗ،كأما
كيفية الصلب فقد ركم عن أيب يوسف – رٛتو ا﵁ – أنو ييصلب حيان ٍ،ب ييطعن برمح حىت ٯتوت ،ككذا
ذكر الكرخي.كعن أيب عبيد أنو ييقتل ٍب يصلب ككذا ذكر الطحاكم رٛتو ا﵁ ،ألف الصلب حيان من باب
ا١تثلة ،كقد هنى النيب صلى ا﵁ عليو كسلم عن ا١تثلة .كالصحيح األكؿ ؛ ألف الصلب يف ىذا الباب يشرع
للزيادة يف العقوبة تغليظان ،كا١تيت ليس من أىل العقوبة ،كإلنو لو جاز أف ييقاؿ :ييصلب بعد ا١توت ٞ ،تاز
أف ييقاؿ تيقطع يده كرجلو من خبلؼ بعد ا١توت كذلك بعيد فكذا ىذا كا١تراد با١تثلة يف اٟتديث قطع بعض
كقد توصلت دراسة بعنواف "الصور ا١تعاصرة ٞترٯتة اٟترابة " للباحث اللحيداف(َُُِ) إذل أف الكثَت من
الصور اٟتديثة للجرائم تيعد من جرائم اإلفساد يف األرض كتطبق عليها عقوبة اٟترابة كمن ذلك القتل بنقل
األمراض ا١تستعصية مثل :اإليدز ،أكاٞتمرة ا٠تبيثة ،أك ما يشأّو من جرائم ،كاٟترب النفسية ،كإشاعة الفتنة
بُت ا١تسلمُت ،كا١تضاربة يف أسواؽ ا١تاؿ إليقاع الضرر بأصحاب ا١تاؿ ،كجرائم السطو على البنوؾ كا﵀بلت
كا٠تزائن كا١تخازف ،كتكوين عصابات متخصصة يف ىذا آّاؿ كما ينتج عنها من اإلرىاب كا٠تسائر اليت
تلحق باألفراد كآّتمع ،كجرٯتة التحريض على الفجور كالبغاء،كما تيعد جرٯتة اإليقاع باألشخاص عن طريق
اإلنًتنت ك٦تارسة التهديد كاالبتزاز كالقرصنة سواء كانت اإللكًتكنية أك البحرية أك اٞتوية أيضان من جرائم
المفهوم:
جاء يف معجم اللغة العربية ا١تعاصر :قياـ اإلنساف بقتل نفسو بوعيو أك بدكف كعي ،أك ىو الفعل ا١تقصود
األىمية :التغليظ يف اإلسبلـ من خطورة االنتحار من خبلؿ اآليات كاألحاديث اليت كردت يف ىذه القضية
٬تعل منها قضية ٤تل دراسة كٖتظى بأ٫تية كبَتة ،ناىيك كقد ظهرت صور حديثة إلهناء اإلنساف حياتو
بنفسو سواء كاف ذلك انتقادان ألكضاع معيشية ،أك كاف يهدؼ إذل الضرب يف العدك .كذلك بعض األكضاع
االجتماعية اليت تلقي بظبل٢تا على آّتمع نتيجة فساد اٟتكم أك ظلم اٟتاكم أك غَتىا قد تدفع البعض إذل
االنتحار ،ليس ٗتلصان من مشكلة شخصية يعاين منها أك حالة فردية كلكن ليوقظ ٫تم اآلخرين ١تقاكمة
103
الفساد كقوؿ كلمة اٟتق يف كجو ا١تستبد ٔتفهوـ من يقتل نفسو .كمن ىنا تظهر أ٫تية اإلجابة عن التساؤؿ :
ك٦تا يزيد من أ٫تية دراسة ىذه القضية كضركرة إدراجها كتب الفقو ا١تدرسية ما نراه اليوـ من انتشار عمليات
القتل بواسطة عمليات انتحارية داخل آّتمع ا١تسلم ٦تا يؤدم إذل سقوط العديد من الضحايا .
خلق ا﵁ اإلنساف ككرمو بأف نفخ فيو من ركحو ،فاٟتياة ىي سر التكرًن بدليل قوؿ ا﵁ تعاذل ﴿:فإذا سويتو
ونفخت فيو من روحي فقعوا لو ساجدين ﴾ (القرآف .اٟتجر ُٓ ،) ِٗ:لذا فقد رفع ا﵁ من شأف النفس
البشرية كحرـ االعتداء عليها بأم نوع من أنواع االعتداء ،قاؿ تعاذل ﴿:وال تقتلوا النفس التي حرم اهلل
إال بالحق ( ﴾..القرآف .األنعاـٔ ، ) ُُٓ:ككرد النهي عن أف يقتل اإلنساف نفسو ،فقاؿ تعاذل ﴿:وال
تقتلوا أنفسكم إن اهلل كان بكم رحيماً﴾ (القرآف .النساء ْ ، )ِٗ:كقد اعتٌت اإلسبلـ بالركح َّأٯتا اعتناء
فجعل يف قراءة القرآف كاألذكار كالصبلة ،كغَتىا من العبادات غذاءن للركح ٮتفف عنو بعض مشكبلتو كما
يعانيو ،ك٭توؿ بينو كبُت أف يقدـ على االعتداء على نفسو تضجران كاستسبلمان لظرؼ معُت مهما كانت
قسوتو .كقد حرـ اإلسبلـ االنتحار مهما كانت مربراتو .كلنا أف نشَت ىنا إذل بعض من ا١تربرات اليت
تتسبب يف قتل اإلنساف لنفسو ،كمن أ٫تها :الظركؼ الصعبة اليت ٯتر ّٔا اإلنساف ،كفقد عزيز من أب أك
ابن أك زكج أك زكجة ،كغَتىا ،أك بسبب الفقر كحاالتو ،حيث ٯتر اإلنساف ْتاالت من العوز ال ٬تد شيئان
يسد رمقو فتضيق عليو الدنيا كال يرل لنفسو ٥تىلّْصان أفضل من االنتحار ،كمن األمور اليت تتسبب أحيانان يف
االنتحار الفشل يف بعض مهاـ اٟتياة اإلدارية أك االجتماعية أك الدراسية ،كما أف البطالة كقلة فرص العمل ،
104
كالتورط يف أعماؿ ال أخبل قية كا٢تركب من يد العدالة كغَتىا من األمور قد تدفع اإلنساف إذل االنتحار.
كاإلسبلـ كىو ينظر إذل ىذه القضية ال ينكر ما قد ٯتر بو اإلنساف من ظركؼ قاسية ،لكنو ٮتاطبو بلغة
اإلٯتاف :اللغة اليت تيذكر ا١تؤمن أف كل شيء بيد ا﵁ تعاذل ،كأنو -أم ا﵁ -القادر سبحانو أف يغَت اٟتاؿ
من سيء إذل أحسن ،كأف عليو أف يصرب كأف يواجو األمور بقوة كثبات ،قاؿ تعاذل ﴿:ولنبلونكم بشيء
من الخوف والجوع ونقص من األموال واألنفس والثمرات وبشر الصابرين .الذين إذا اصابتهم مصيبة
قالوا إنا هلل وإنا إليو راجعون ﴾ (القرآف .البقرة ِ ، )ُٓٓ:كذلك من القضايا اليت ٬تب أف ال يغفل عنها
ا١تؤمن أف يتذكر يوـ القيامة اليت عذأّا أشد كظرفها أقسى كا٠توؼ فيها أعمق كال أماف يف ذلك اليوـ إال ١تن
آمن كعمل صاٟتان .كاالنتحار من األمور اليت تودم بصاحبها إذل جهنم ،كما ٯتر بو اإلنساف من عذاب
أىوف بكثَت بل ال يقارف بعذاب جهنم الذم جعلو ا﵁ جزاء للمنتحر .إف منهج اإلسبلـ يتجو ٨تو معاٞتة
األ سباب اليت تقود إذل االنتحار ،كمن أ٫تها :تعميق اإلٯتاف با﵁ تعاذل كباليوـ اآلخر كبالقدر خَته كشره ،
كذلك التنبيو إذل أف ىذه اٟتياة الديا دار عمل كليست بدار مقاـ ،لذلك فاإلنساف فيها يأخذ نصيبو
كيرحل شاء أـ ىأىب .كعلى ا١تسلم أف يظل دائم الصلة با﵁ تعاذل ،كأف يستعُت بالصرب كالصبلة عند النوازؿ ،
يقوؿ ا﵁ تعاذل ﴿:واستعينوا بالصبر والصالة وإنها لكبيرة إال على الخاشعين ﴾ (القرآف.البقرة ِ)ْٓ:
.كما ٬تب على ا١تسلم كىو يف ًخضم كمعًتؾ ىذه اٟتياة أف يعلم بأف الرزؽ بيد ا﵁ كأف األمر كلو ﵁ كأف
اإلنساف ال يستمر على حاؿ فاليوـ فقر كغدان ثراء ،كما ٬تب على ا١تسلم أف ٮتتار األصدقاء الذين يعينونو
على الطاعة فكلما كاف ا١تسلم قريبان من ا﵁ كاف بعيدان من الشيطاف .كما أف التحذير كالزجر ١تثل ىذه
األعماؿ بالعقوبة الشديدة اليت تنتظر ا١تنتحر مهم جدان ،ففي اٟتديث الذم ركاه أبو ىريرة رضي ا﵁ عن أف
105
النيب صلى ا﵁ عليو كسلم قاؿ ":من ىترَّدل من جبل ف ىقتل نفسو فهو يف نار جهنم يًتدل فيو خالدان ٥تلدان
فسمو يف يده يتحساه يف نار جهنم خالدان ٥تلدان فيها أبدان كمن قتل
ٖتسى يٝتان فقتل نفسو ي
فيها أبدان كمن َّ
نفسو ْتديدة فحديدتو يف يده ٬تأ ّٔا يف بطنو يف نار جهنم خالدان ٥تلدان فيها أبدان " (اٟتديث،
البخارم،كتاب الطب جّ) .فالتنبيو إذل خطورة االنتحار قد يكوف رادعان لكل من يفكر يف التخلص من
نفسو .كاإلسبلـ يرفع من شأف ا١تؤمن القوم ،جاء يف اٟتديث الشريف ":المؤمن القوي خير وأحب إلى
كخبلصة الكبلـ :مهما كانت الظركؼ قاسية فبل يتيح اإلسبلـ للمسلم أف يتخلص من ذلك باالنتحار .
كبالنسبة ١تا ييسمى ٔتوت الرٛتة فقد توصلت دراسة ٛتاد (ََِٕ) بعنواف "قتل الرٛتة رؤية فقهية مقاصدية
قانونية " إذل أف قتل الرٛتة ليست قضية حديثة ،بل موغلة يف القدـ كلكن آّتمع اإلسبلمي دل يعرؼ مثل
ىذه القضية نظران ألف اإلسبلـ ٭ترـ االنتحارٍ .ب إف حقن ا١تريض ا١تيئوس من شفائو حقنة ٦تيتة تًتتب عليو
مسئولية الطبيب اٞتنائية كقتل عمد ،كما توصلت الدراسة إذل أف رفع أجهزة اإلنعاش عن ا١تريض تدر٬تيان
ليس من صور قتل الرٛتة .كرجحت الدراسة أف تناكؿ الدكاء للمريض ا١تيئوس من شفائو كاجب شرعي.
ككذلك إذا امتنع الطبيب من إعطاء الدكاء للمريض مع علمو بأف عدـ تناكؿ ا١تريض للدكاء يؤدم إذل كفاتو
ييعد جرٯتة قتل عمد .كأما بالنسبة للعمليات االستشهادية فللعلماء فيها مواقف ٥تتلفة ففي حُت يرل
األلباين كابن باز كابن عثيمُت كبعض العلماء حرمتها كاعتبار القائم ّٔا منتحران ،يرل آخركف كالقرضاكم
كاٞتربين كالعودة كعبدا﵁ ا١تنيع كسليماف العلواف كغَتىم بأهنا كسيلة من أىم كسائل اٞتهاد اليوـ .،كىذه
ا١تسألة يف غاية اٟتساسية ،كلذلك فبل بد من توصيفها كدراستها بشكل دقيق كالتحذير من استخدامها
106
كوسيلة لقتل ا١تسلمُت ْتجج كاىية ،فالذين أجازكىا إ٪تا أجازكىا عندما تكوف ضد العدك كبالذات العدك
الصهيوين اليوـ الذم أسرؼ يف الظلم كالقتل كاالغتياالت كالتعدم على اٟتقوؽ .
ياؿ ،يقاؿ قتلو ًغيلىةن كىو :أف ٮتدعو فيذىب بو إذل موضع
المفهوم :االغتياالت :الغًيلىةي بالكسر اال ٍغتً ي
َّخص :قتىلو
تل ،اغتياالن ،فهو مغتاؿ ،كا١تفعوؿ مغتاؿ كاغتاؿ الش ى
غتاؿ يغتاؿ ،ا ٍغ ٍ
فيقتلو (.الرازم )ُٖٗٔ ،ا ى
كاالغتياؿ .كاالختطاؼ:مصدر اختطف كيعٍت إقداـ شخص أك ع ٌدة أشخاص على خطف أحد األفراد
يزيد القضية تعقيدان أف ا١تستهدفُت بالقتل أك االختطاؼ ال يتوقعوف ما سيحدث ٢تم فيقعوف ٖتت ٥تطط
آخرين كيتحقق عنصر ا١تفاجأة يف حُت أف الفاعلُت يأخذكف كامل احتياطاهتم لتحقيق ا٢تدؼ ،كاإلفبلت
من ا١تبلحقة .كىذه القضية ىي قضية عا١تية كلكن نسبتها ٗتتلف من بلد إذل آخر ْتسب قوة الدكلة أك
كاألمن إذ إف الكثَت من حاالت االختطاؼ هتدؼ إذل االبتزاز ا١تارل كبالذات عندما تتجو عملية االختطاؼ
لؤلجانب .كالصراعات ا١تستمرة بُت القبائل كبالذات يف مشاؿ اليمن جعل من االختطاؼ أسلوبان متعارفان
عليو بُت تلك األطراؼ ا١تتصارعة كىو كسيلة للضغط على الطرؼ الثاين لتحقيق أىداؼ معينة .كبرزت
107
قضية االغتياالت بشكل كبَت إذل الواجهة يف الفًتة األخَتة من بعد الوحدة اليمنية يف العاـ َُٗٗ ـ
كارتبطت غالبيتها بالصراعات السياسية ،فمنذ مطلع العاـ ُُٗٗ كحىت اآلف شهدت اليمن سلسلة حوادث
اختطافات َّ
شكل تكرارىا كاستمرارىا حىت اآلف ظاىرة تستحق الدراسة كالبحث؛ ألهنا أصبحت ػ بآثارىا
كأضرارىا ػ تطاؿ العديد من اٞتوانب اليت تشكل مقومات الدكلة ،كمسألة األمن ،كاالستثمار ،كالسياحة
كحىت ٝتعة اليمن .ففي ندكة موسعة نظمها يف العاصمة اليمنية مركز ا١تعلومات كالدراسات كالبحوث التابع لػ
(البياف) بالتنسيق مع مركز دراسات ا١تستقبل اليمٍت يف صنعاء ًب استضافة العديد من الشخصيات السياسية
كاٟتزبية للحديث حوؿ الدكافع كاألسباب ١تشكلة االختطافات كاآلثار ا١تًتتبة عليها كناقشت بإسهاب
اٟتلوؿ الطموحة لذلك ،كتطرقت الندكة إذل أف االختطافات يف اليمن بدأت يف العاـ ُُٗٗ كقد تصاعد
عدد ا١تخطوفُت منذ ظهور ىذه الظاىرة كحىت هناية ابريل ٕٗـ حىت كصل عددىم اذل ُُٔ ٥تطوفان ،ككانت
اٟتوادث تتطور كتزداد من عاـ إذل آخر بشكل ملحوظ كشهدت األعواـ الثبلثة األخَتة ٔٗ ،ٕٗ ،كالثلث
األكؿ من عاـ ُٖٗٗ أ كرب نسبة حوادث اختطاؼ سواء لؤلجانب من السياح كالعاملُت يف اليمن أك
لليمنيُت أنفسهم ،ففي ُٔٗٗ ًب اختطاؼ حوارل ِٔ شخصان كيف ُٕٗٗ ًب اختطاؼ أكثر من أربعُت
شخصان .كينتمي ا١تخطوفوف عمومان إذل ٜتس عشرة جنسية منهم فرنسيوف،إيطاليوف ،أ١تاف ،ىولنديوف،
بولنديوف ،أمريكاف ،بريطانيوف ،كنديوف ،ركس ،بلجيكيوف ،صينيوف ،شرؽ آسيويُت،كعرب ،كٯتنيوف ،كمعظم
ا١تخطوفُت سياح أك عاملوف يف الشركات أك السفارات األجنبية .كأكدت الندكة أف دكافع ظاىرة
االختطافات يف البداية كانت دكافع سياسية داخلية كخارجية ٍب استمرأىا اآلخركف كقاموا باختطافات
لؤلجانب كلغَت األجانب لدكافع غَت سياسية .كيف حقيقة األمر بدأت االختطافات لدكافع سياسية
كاستمرت أيضان لدكافع سياسية كإف ٗتللتها دكافع أخرل ،كالذين قاموا ّتميع االختطافات لدكافع أخرل
108
ٕترأكا على ذلك لعدـ كجود إجراءات حازمة..ككل عمليات االختطافات تنتهي بسبلـ كعدـ إيذاء
ا١تخطوفُت ،بل ييعامل ا١تخطوفوف معاملة حسنة أثناء عملية اختطافهم كىذا يؤكد أف عمليات االختطافات
ليس كراءىا أىداؼ إرىابية كما ىو اٟتاؿ يف بعض البلداف العربية كإ٪تا تتعلق يف الغالب بأمور مطلبية.
كعمليات االختطافات دل تطل األجانب فحسب كلكنها طالت حىت اليمنيُت .كإذل جانب اآلثار األمنية
لبلختطافات فهناؾ آثار سلبية لبلختطافات ٘تثلت يف تأثَتىا السليب على حركة التنمية يف الببلد ،كذلك
بإحجاـ رأس ا١تاؿ ا٠تارجي من االستثمار كىركب رأس ا١تاؿ الداخلي (البياف ُٖٗٗ،ـ) .كىذه الظاىرة
تزايدت يف الفًتات البلحقة للعاـ ٖٗـ رغم كجود العديد من ا١تنظمات اليت تكافح ىذه الظاىرة كاللجنة
العليا ١تكافحة االختطافات يف اليمن كصدكر قانوف ي٬تىّْرـ ىذه الظاىرة .كىذا ما يؤكده علي ناجي الرعوم
أحد أبرز الكتاب اليمنيُت (َُِّ) حيث يقوؿ ":عادت ظاىرة اختطاؼ األجانب يف اليمن إذل كاجهة
األحداث اليت يشهدىا ىذا البلد بعد أف ظن البعض من أف صدكر قانوف ٬ترـ ىذه الظاىرة كيتوعد كل من
يقوـ بارتكأّا بعقوبات قاسية من شأنو اٟتد من تنامي ىذا الفعل اإلجرامي كالقضاء على دكافعو كالبواعث
ا١تؤدية إليو ،غَت أف تصاعد حوادث االختطاؼ خبلؿ األشهر األخَتة قد كضع اٟتكومة اليمنية يف موقف ال
ٖتسد عليو أماـ الداخل كا٠تارج " .كيف ندكة حوؿ االختطاؼ نظمتها منظمة صحفيات ببل قيود يقوؿ
الكاتب الصحفي عبدالبارم طاىر "إف اإلرىاب ىو ا١تعٌت اٞتامع كالشامل ١تفردات عديدة منها االختطاؼ
كاالختفاء القسرم كاالغتياؿ كقطع الطريق كتدمَت أنابيب النفط كا١تاء كالكهرباء كبث الرعب كالذعر ٔتختلف
الصور كاألشكاؿ (.أخبار اليوـ .)َُِّ،كبالنسبة لبلغتياالت فوضعها ٥تيف حيث كشف تقرير موقع
نشواف نيوز (َُِّ) عن االغتياالت اليت نيفذت يف عاـ كاحد فقط منذ بداية العاـ َُِّـ كحىت هناية
أكتوبر ا١تاضي أسفرت عن اغتياؿ (َّٖ) من منتسيب اٞتيش كاألمن كمسؤكلُت حكوميُت كسياسيُت بينهم
109
(ٕٓ) ضابطان برتب رفيعة بينهم (ُٕ) ضابطان برتبة عميد ك(ِّ) ضابطان برتبة عقيد ك(ٖ) برتبة مقدـ ك(ٗ)
صف ضابط ك(ٖ) مسؤكلُت حكوميُت كسياسيُت إضافة إذل (ُّٔ) جنديان استشهدكا يف عمليات إرىابية
استهدفتهم يف ٥تتلف ا﵀افظات بواسطة الدراجات النارية بنسبة (ِِ ..)%كقد نيفذت تلك اٞترائم يف
(ُُ) ٤تافظة تصدرهتا ٤تافظة حضرموت اليت سقط فيها (ََُ) من منتسيب األمن كاٞتيش ك(ٗٓ) شهيدان
يف ٤تافظة شبوة كيف البيضاء (ّٖ) شهيدان كالعاصمة صنعاء (ُْ) شهيدان ك٤تافظة أبُت (ِٔ) شهيدان ،فيما
فشلت كزارتا الداخلية كالدفاع كاألجهزة االستخباراتية يف إلقاء القبض على ا١تتورطُت يف تنفيذ تلك
العمليات.
من خبلؿ ما سبق يتضح لنا حجم الكارثة يف اليمن بتوسع عمليات االختطافات كاالغتياالت كعدـ كجود
ٖتد
حد رادع ١تثل ىذه القضية .كتنامي ىذه الظاىرة ٕتعل ٚتيع ا١تؤسسات الرٝتية كاألىلية يف اليمن أماـ ٍّ
يقف اإلسبلـ موقفان شديدان ضد كل ٦تن يعتدم على اإلنساف إذ إف أىم ا١تقاصد اليت جاء الشرع لتحقيقها
ىي حفظ النفس ،كيكفي يف ىذا السياؽ أف يعترب القرآف أف قتل نفس عمدان بغَت نفس أك فساد يف األرض
كقتل البشرية كلها ،قاؿ تعاذل ﴿:أنو من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في األرض فكأنما قتل الناس
جميعا ﴾ ( القرآف .ا١تائدة ٓ" . )ِّ:إف قتل نفس كاحدة -يف غَت قصاص القتل ،كيف غَت دفع فساد
يف األرض -يعدؿ قتل الناس ٚتيعان .ألف كل نفس ككل نفس ،كحق اٟتياة كاحد ثابت لكل نفس ،فقتل
110
كاحدة من ىذه النفوس ىو اعتداء على حق اٟتياة ذاتو :اٟتق الذم تشًتؾ فيو كل النفوس" ( .سيد قطب
. )ََِّ ،كاستبعد أف يقتل مؤمن أخاه إال خطئان ،قاؿ تعاذل ﴿:وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إال
خطأً﴾ (القرآف .النساء ْ ، )ِٗ:يقوؿ الز٥تشرم يف الكشاؼ(ََِٗ) "كما صح لو كما استقاـ كما الؽ
ْتالو" .أما من يتعمد القتل فقد توعَّده ا﵁ بالعذاب يف جهنم كالغضب كاللعنة ،قاؿ تعاذل﴿:ومن يقتل
مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب اهلل عليو ولعنو وأعد لو عذاباً عظيماً ﴾ (القرآف .النساء
ْ . )ّٗ:ككصف ا﵁ عباد الرٛتن بأكصاؼ منها ﴿:وال يقتلون النفس التي حرم اهلل إال بالحق ﴾..
حرـ ا﵁ قتل النفس إال باٟتق ،قاؿ تعاذل ﴿:وال تقتلوا النفس التي حرم
(القرآف.الفرقاف ِٓ . )ٖٔ:كقد َّ
اهلل إال بالحق ومن قُتل مظلوماً فقد جعلنا لوليو سلطاناً فال يسرف في القتل إنو كان منصوراً﴾
اع ًة " (اٟتديث ،الًتمذم ،كتاب الديات )َُِْ :كع ٌد النيب صلى ً ً ً ًً بًالنَّػ ٍف ً
س ىكالتَّا ًريؾ لدينو الٍ يم ىفا ًر يؽ ل ٍل ىج ىم ى
شندم .أستاذ الفقو ا١تقارف ّتامعة القدس (ََِٗ) يف دراستو قتل الغيلة (االغتياؿ ) كموقف الفقو
اإلسبلمي منو ،حيث ناقش ٚتيع اآلراء الفقهيو يف ا١تسألة كتوصل إذل اآلٌب :
ُ -قتل الغيلة من حيث معناه االصطبلحي ٤تل خبلؼ بُت الفقهاء فهو عند ا١تالكية يف القوؿ ا١تعتمد كعند
اٟتنابلة :القتل يخفية ألخذ ا١تاؿ ،كىو عنداٟتنفية كا١تالكية يف قو٢تم الثاين كالشافعية كالظاىر من قوؿ ابن
حزـ الظاىرم :القتل على كجو التحيُّل كا٠تديعة ،كىو ما اختاره الباحث كىو يف قوؿ ا١تالكية الثالث :
ِ-اختلف ا لفقهاء يف التكييف الفقهي لقتل الغيلة :فهو عند ا١تالكية كابن تيمية من اٟتنابلة كأيب الزناد من
اٟتًرابة كىو ما اختاره الباحث .كىو عند اٟتنفية ،كالشافعية ،كاٟتنابلة ،كالظاىرية من قبيل القتل العمد
ّ-اختلف الفقهاء يف األثر ا١تًتتب على التكييف الفقهي لقتل الغيلة ،فمن اعتربه من الفقهاء حرابة جعل
عقوبتو كعقوبة اٟترابة نفسها ،كبالتارل فيكوف األمر فيو للسلطاف كليس لو العفو .كمن اعتربه من قبيل القتل
العمد كليس من اٟترابة جعل عقوبتو كعقوبة القتل عمدان كيكوناألمر فيو إذل الورل كىو با٠تيار بُت القصاص
كأخذ الدية .يتضح لنا ٦تا سبق بأف اإلسبلـ يشدد يف موضوع القتل كيعترب كل اعتداء على إنساف خارج
القانوف كاٟتق اعتداء على اإلنسانية كييرتب عليو العقوبة الشديدة يف الدنيا حاؿ التمكن من ا١تعتدين كالعقوبة
الشديدة يوـ القيامة إذا أفلت آّرـ من عقوبة الدنيا كدل يتب .
112
كأما االختطافات كتركيع اآلمنُت فيكتفي الباجث بنقل بياف االٖتاد العا١تي لعلماء ا١تسلمُت حوؿ األحكاـ
الشرعية ا١تتعلٌقة باالختطاؼ كاٗتاذ الرىائن الصادر يف شعباف ُِْٓ ىػ -سبتمرب ََِْـ( .إسبلـ أكف
ُ :ا٠تطف ىو اعتداء على الغَت ،سواء كاف مسلمان أـ غَت مسلم ،كىو نوعه من أنواع البىػ ٍغي الذم هنى ا﵁
كحرمو بقولو﴿ :إ ّن اهلل يأمر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القربى ،وينهى عن الفحشاء والمنكر
عنو َّ
والبغي﴾(القرآف .النحل ُٔ ، )َٗ:كمن ا١تعلوـ أ ٌف األمر بالعدؿ كاإلحساف كإيتاء ذم القرىب ليس ٤تصوران
رد
يف ا١تسلمُت ،فيكوف النهي عن البغي أيضان عامان ٞتميع ا٠تلق .كإذا كانت فطرة اإلنساف تدعوه إذل ٌ
بمثل ما اعتدى عليكم ،واتقوا هلل ،واعلموا أ ّن اهلل مع المتّقين﴾(القرآف .البقرةِ﴿)ُْٗ:وقاتلوا في
سبيل اهلل الذين يقاتلونكم وال تعتدوا﴾( القرآف .البقرةِ )َُٗ:كأ ٌكد ا﵁ تعاذل أ ٌف ٌ
٣ترد االختبلؼ الديٍت
يسوغ االعتداء على اآلخرين .قاؿ تعاذل..﴿ :وال يجرمنّكم َشنَآ ُن قوم أن
حىت لو دخل مرحلة الصراع ال ّْ
ص ّدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا (﴾..القرآف .ا١تائدةٓ٬ . )ِ:ت ًرىمنَّكم :أم ال ٭تملنكم ،شنآف :
أم بيغض.
ٍ
ِ :ا٠تطف يعترب من األعماؿ اٟتربية .فهو إذا جاز استثناءن أثناء قياـ حرب فعليٌة ،فإنو ال ٬توز إطبلقان خارج
نطاؽ اٟترب ،ركل الطربم يف تفسَته (ِٔ )ٓٗ/عن ٣تاىد قاؿ" :أقبل معتمران نيب ا﵁ صلى ا﵁ عليو كآلو
كسلٌم فأخذ أصحابو ناسان من أىل اٟترـ غافلُت ،فأرسلهم النيب صلى ا﵁ عليو كآلو كسلٌم" كذلك ألنو خرج
سلمة بن األكوع ألربعة من ا١تشركُت بعد صلح اٟتديبية ظنان منو أ ٌف ا١تشركُت نقضوا الصلح ،كقاؿ صلوات
ا﵁ كسبلمو عليو" :دعوىم يكن لهم بدء الفجور وثُنَاه" (اٟتديث ،مسلم ،كتاب اٞتهاد:ج
ّ.)َُٖٕ#:فاالبتداء بالفجور من أخبلؽ ا١تشركُت كليس من أخبلؽ ا١تسلمُت ،كإذا أبيح للمسلم ٌ
الرد
ّٓرد الرغبة يف االنتقاـ ،كإ٪تا ىي ٤تاكلة ١تنع تكرار الفجور ،كإلزالتو من ميداف
على الفجور ٔتثلو ،فليس ذلك ٌ
كبُت لنا أ ٌف العفو كالصفح ىو
العبلقات اإلنسانية ،كقد أرشدنا القرآف إذل كسيلة أمثل ١تنع تكرار الفجورٌ ،
ولي ِ
الذم يدرأ السيئة أم ٯتنع تكرارىا﴿:ادفع بالتي ىي أحسن فإذا الذي بينك وبينو عداوة كأنو ّّ
بناءن على ذلك ف إنو ال ٬توز خطف أم إنساف يف غَت حالة اٟترب الفعلية ،كىو عندئذ يكوف أسَت حرب ال
ّ -يف حالة قياـ حرب فعلية ،ال ٬توز اختطاؼ األبرياء أك ا١تدنيُت من األعداء الذين ال ٬توز توجيو
األعماؿ اٟتربية ض ٌدىم .كا١تدنيوف يف نظر اإلسبلـ ىم ،غَت ا١تقاتلُت من النساء كاألطفاؿ كالشيوخ العاجزين
الذين ال رأم ٢تم يف القتاؿ ككذلك الرىباف .كقد هنى رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كآلو كسلٌم عن قتل النساء
كالصبياف(متٌفق عليو) ،كقاؿ" :ال تقتلوا وليداً"(اٟتديث ،مسلم ،كتاب اٞتهاد :ج ّ.)ُُّٕ#:كأمر
تقتلن ذرية كال عسيفان" (اٟتديث ،ابن ماجو ،كتاب اٞتهاد :ج
ٌ خالد بن الوليد فقاؿ لو" :ال
يف ا١تصانع ،كاألطباء كالعاملُت يف ا١تستشفيات ،كأمثا٢تم .كما هنى النيب صلى ا﵁ عليو كآلو كسلٌم عن قتل
الشيخ الفاين ،كعن قتل الرىباف كأصحاب الصوامع الذين ٭تبسوف أنفسهم ﵁ ،كثبت منع قتل الرىباف كقاس
ٚتهور الفقهاء من األحناؼ كا١تالكية كاٟتنابلة على ىذه النصوص أنواعان أخرل من غَت ا١تقاتلُت كا١تقعد
ْ :إذا ًب ا٠تطف ،يف أثناء القتاؿ الفعلي ،فقد أصبح ا١تخطوفوف أسرل ،ك٬تب أف يعاملوا ضمن حدكد
﴿ويطعمون الطعام على حبو مسكيناً ويتيماً وأسيراً﴾( القرآف .اإلنسافٕٔ ،)ٖ:كقد أمر رسوؿ ا﵁ صلى
ا﵁ عليو كآلو كسلٌم أصحابو يوـ بدر أف يكرموا األسارل فكانوا يق ٌدموهنم على انفسهم عند الغداء (ابن
كثَت،مرجع سابق ).كما أف مصَت األسرل يف اإلسبلـ إطبلؽ سراحهم ،إما منٌان عليهم دكف مقابل ،أك
ٔتقابل فدية يقدموهنا للمسلمُت .كالفدية قد تكوف ماالن ،كقد تكوف مبادلة مع أسرل ا١تسلمُت ،كقد تكوف
خدمة يقدموهنا للمسلمُت ،كما طلب رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كآلو كسلٌم من بعض أسرل بدر تعليم ٚتاعة
من ا١تسلمُت الكتابة مقابل إطبلؽ سراحهم "زاد ا١تعاد البن قيم اٞتوزية" .لقوؿ ا﵁ تعاذل ..﴿ :فإذا لقيتم
الذين كفروا فضرب الرقاب ،حتى إذا أثخنتموىم فش ّدوا الوثاق ،فإما منّا بعد وإما فداء حتى تضع
115
قبضو ا﵁ إليو.
ٓ :ال ٬توز احتجاز ا١تدنيُت من األعداء كرىائن كهتديدىم بالقتل ،بسبب عمل يرتكبو أك ٯتتنع عنو غَتىم،
(القرآف.فصلتُْ..﴿،)ْٔ:من يعمل سوءاً يجز بو( ﴾..القرآف .النساءْ.)ُِّ:كقد أ ٌكد رسوؿ ا﵁
صلى ا﵁ عليو كآلو كسلٌم ىذه القاعدة يف كثَت من أحاديثو منها قولو" :ال يجني جان إالّ على نفسو"
(اٟتديث ،ابن ماجة ،كتاب الديات ،باب ال ٬تٍت أحد على أحد:ج ُ ،)ُِٔٔ#:كحىت يف حالة اٟترب
كقد توصل الباحث الربيعاف ( ََِٔ ) إذل أف االختطافات كاحتجاز الرىائن كغَتىا من جرائم اإلفساد يف
األرض ا١تعاصرة تدخل ضمن عقوبة اٟترابة ْتيث ٮتتار اإلماـ العقوبة ا١تناسبة لكل جرٯتة .
116
ٕ – اإلرىاب
ا١تفهوـ :
مفهوـ اإلرىاب :اإلرىاب من أكثر ا١تصطلحات اليت دل ٖتظ بتعريف كاضح ٤تدد ،فمن منظور غَت
إسبلمي ٯتكن استعراض عدة إتاىات لتعرم اإلرىاب ،االٕتاه اإلكؿ :يستبعد أصحاب ىذا االٕتاه إ٬تاد
تعريف ٤تدد لئلرىاب إذ أف األرىاب ٭تٌددمن خبلؿ رؤيتو كالبحث عن تعريف ٤تدد قضية غَت ٣تدية كال
تغَت كثَتان من صورة اإلرىاب ا١ترتسمة يف األذىاف .كاالٕتاه الثاين يرل أصحابو أف األفعاؿ كا١تارسات ىي
اليت ٖتدد معٌت اإلرىاب بغض النظر عن الفاعلُت كاألىداؼ ،فا٠تطف كاالغتياالت كاحتجاز الرىائن كلها
تعد من األعماؿ اإلرىابية كحىت الكفاح ا١تسلح لتحرير الشعوب كغَتىا تيعد كفق ىذا االٕتاه أعماالن إرىابية
كىذا ما تتبناه بعض الدكؿ الكربل ا١تهيمنة كيتماشى مع مزاجها .أما االٕتاه الثالث فهو ا١تعتمد على
ا١توضوعية يف إ٬تاد تعريف لئلرىاب مع األخذ بعُت االعتبار الدكافع بعيدان عن األخذ باألشكاؿ كاألساليب
.كمن تلك التعريفات تعريف مؤ٘تر فرسوفيا لتوحيد القانوف اٞتزائي عاـ َُّٗـ للجرٯتة اإلرىابية بأهنا
":االستعماؿ العمدم لكل كسيلة قادرة على إحداث خطر ٚتاعي كيعترب الرعب عنصران أساسيان يف تكوين
ىذه اٞترٯتة " ،كما أف اإلرىاب يف نظر االتفاقية العربية ١تكافحة اإلرىاب كاٞترٯتة ىو " :كل فعل من أفعاؿ
العنف أك التهديد بو أيان كاف بواعثو أك أغراضو ،يقع تنفيذان ١تشركع فردم أك ٚتاعي ،كيهدؼ إذل إلقاء
الرعب بُت الناس أك تركيعهم بإيذائهم أك تعريض حياهتم أك حريتهم أك أمنهم للخطر ،أك إٟتاؽ الضرر
بالبيئة أك بأحد ا١ترافق أك األمبلؾ العامة أك ا٠تاصة ،أك احتبل٢تا أك االستيبلء عليها ،أك تعريض أحد ا١توارد
أىمية القضية :تعد قضية اإلرىاب من القضايا اليت تشغل العادل ا١تعاصر ،ككما أشرنا من قبل فليس
لئلرىاب مفهومان كاضحان ٤تددان ؛كلذلك لزـ على آّتمعات أف تيبُت ألبنائها مفهوـ اإلرىاب كما ىي
األعماؿ اليت ٯتكن أف تيوصف باإلرىابية كما ىي األعماؿ اليت تدخل يف ا١تقاكمة ا١تشركعة أك ا١تعارضة
ا١تسموح ّٔا .كما يكوف من األ٫تية ٔتكاف أف ٖترص آّتمعات اإلنسانية اليوـ على ٖتديد دقيق ١تعٌت
اإلرىاب حىت ال يتحوؿ إذل ابتزاز سياسي أك ديٍت أك ٖتقيق أطماع شخصية أك قمع اآلخرين كاضطهادىم
أكد آّمع الفقهي اإلسبلمي يف اجتماعو الذم يعقد ٔتكة ا١تكرمة يف ِٔ شواؿ ُِِْق ا١توافق َُ
ينايرََِِ يف رابطة العادل اإلسبلمي ٔتكة ا١تكرمة أف التطرؼ كالعنف كاإلرىاب ليس من اإلسبلـ يف شيء
كأهنا أعماؿ خطَتة ٢تا آثار فاحشة كفيها اعتداء على اإلنساف كظلم لو ،كمن تأمل مصدرم الشريعة
اإلسبلمية كتاب ا﵁ الكرًن كسنة نبيو فلن ٬تد فيها شيئان من معاين التطرؼ كالعنف كاإلرىاب،الذم يعٍت
موضوع اإلرىاب من ا١توضوعات ا١تثَتة ىذه األياـ فبل تكاد دكلة يف العادل إال يٖتذر منو .كاإلرىاب مرتبط
بالدمار كالقتل كالعنف ،كقد كانت أكؿ قضية إرىاب أفضت إذل قتل يف تاريخ البشرية عندما قتل ابن آدـ
يُتقبل من اآل خر قال ألقتلنك قال إنما يتقبل اهلل من المتقين .لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا
بباسط يدي إليك ألقتلك إني أخاف اهلل رب العالمين ﴾(القرآف.ا١تائدة ٓ . )ِٕ:كقد أخذ مفهوـ
118
اإلرىاب بيعدان سياسيان بعد أحداث سبتمرب ََُِ ـ يف أمريكا فبدأت االهتامات تيوجو إذل فئات كٚتاعات
كدكؿ كديانات بتبٍت اإلرىاب أك توفَت بيئة حاضنة لو ف كمن كجهة نظر الباحث أف ىذا ا١تنحى كىو توجيو
التهم بشكل عشوائي باإلرىاب دكف ٖتديد معناه يػي ىع ُّد يف حد ذاتو إرىابان .فاألرىاب ال يرتبط بدين كال فئة
كال دكلة دكف غَتىا بل إنو يرتبط باإلنساف كنوازعو ا١تختلفة اليت تؤدم إذل أف يتجو ٨تو العنف كٖتقيق مآربو
بالعنف كالقتل .كالتوسع يف مفهوـ اإلرىاب كتوجيو أصابع االهتاـ ٨تو دين يمعُت – اإلسبلـ مثبلن – ال
يعاجل ا١تشكلة بل إنو يفاقم منها .فا٠تطوة األكذل للتقليل من اإلرىاب أك ٖتجيمو ىو االتفاؽ على ا١تفهوـ
ٍب العمل على ٤تاربتو فرديان ،كٚتاعيان ،كدكليان ،كبدكف ٖتديد ا١تصطلح فسيظل اإلرىاب كسيلة لبلبتزاز
السياسي كإرىاب األفراد كالدكؿ باٝتو ٕ .تدر اإلشارة إذل أف العادل فشل يف التوصل إذل ٖتديد دقيق ١تفهوـ
اإلرىاب كىذا ما بدا كاضحان يف فشل ا١تؤ٘تر ا١تنعقد القاىرة كباريس يف العاـ ُّٕٗـ من ٖتديد مفهوـ
كاضح لئلرىاب (عز الدين . )ُْٗٗ،كيف ببلدنا اإلسبلمية عمومان كالبلداف العربية على كجو ا٠تصوص يعد
اختبلط مفهوـ اٞتهاد باإلرىاب من ا١تشكبلت الكربل اليت تثَت جدالن كبَتان .
ثار
يج ما يكو يف :قد ى
ضباف أ ٍىى ى المفهوم :جاء يف تاج العركس لثػ ٍَّور :ا٢تيىجا يف .ثار الشَّيءي ى
ىاج كيقاؿ للغى ٍ
ضبيو .الثػ ٍَّور(الزبيدم. )ََُِ،جاء يف قاموس ا١تعاين :ثورات ٚتع ثورة ،كالثورة : ً ً
كفار فائ يره إذا ىاج ىغ ى
ثائ يره ى
تغيَت أساسي يف األكضاع السياسية كاالجتماعية يقوـ بو الشعب يف دكلة ما .ثورة سلمية :يقوـ ّٔا ا١تدنيوف
لتحقيق أغراضها بدكف سبلح أك إراقة دماء .أما اثورة ا١تسلحة فهي اليت تعتمد على السبلح كسيلة للتغيَت.
119
ٖتتل قضية الثورات كالتغيَت السلمي أ٫تية كربل كوهنا تأٌب يف فًتة شهدت ا١تنطقة العربية فيها ثورات ما أطلق
عليو "الربيع العريب" كقد اختلفت ىذه الثورات يف كسائلها عن الثورات اليت كاف الناس يعرفوهنا يف السابق
،فقد كاف الطابع ألم ثورة ىو طابع العنف كاالعتماد على السبلح يف التغيَت ،بينما ما شهده العادل العريب
من ثورات منذ العاـ ََُِ ـ ٘تيز ٓتركج ٣تموعات ىائلة من ٥تتلف قطاعات الشعب إذل الشوارع الرئيسية
كطالبوا برحيل األنظمة ،كاستمركا ألسابيع أك أشهران لتحقيق أىدافهم ،ك٭تتاج ىذا اٞتيل إذل دراسة التغيَت
بالطرؽ السلمية ،كالتعبَت عن اآلراء كذلك بالطرؽ السلمية ،كترسيخ معاين التغيَت السلمي كاٟتفاظ على
مكتسبات الببلد ،كعدـ استباحة دماء ا١تسلمُت .كلذلك تأٌب أ٫تية تضمُت كتب الفقو ا١تدرسية مثل ىذه
القضايا اٟتديثة .كالثورة الشعبية السلمية قضية معاصرة فرضت نفسها على كاقع اٟتياة يف الوقت اٟتاضر ،
كىي كإف كانت كسيلة للتعبَت عن الرأم ،لكن ليس من البساطة تكييفها كإٟتاقها بصورة من صور التعبَت
عن الرأم .لذا ٯتكن ابتداءن أف نضع بعض ا١تبلمح اليت تعرب عن الثورة الشعبية السلمية من خبلؿ معايشة
الباحث للحدث حيث كاليمن ىي إحدل دكؿ الربيع العريب فإف من أىم ما ٯتيز الثورة الشعبية اآلٌب :
ُ-أهنا عفوية تأٌب كنتيجة ك٤تصلة طبيعية لًتدم األكضاع االقتصادية كالسياسية كغَتىا .
ِ-أف غياب العدالة كشحة فرص العمل كالظلم كالتضييق على اٟترية كغَتىا من األسباب ىي أىم أسباب
الثورة.
ْٕ-تمع يف طياهتا ٥تتلف التوجهات السياسية كاٟتزبية كتتميز باال٩تراط الشعيب يف صفوفها .
ٔ -ال تطالب بإسقاط حاكم كتنصيب بديل عنو ،بل تدعو إذل ترسيخ نظاـ يكوف ألم فرد يف آّتمع
تتحقق فيو الشركط أف يتوذل اٟتكم يف الببلد ك٭تاسب فًتة توليو .
ٕ-ال تدعو الثورات السلمية إذل الفوضى كتدمَت مكتسبات الشعوب كاالنتقاـ كإ٪تا تدعو إذل التغيَت اإل٬تايب
كتطمح الشعوب الثائرة إذل ٖتسُت كاقع اٟتياة كاٟتقوؽ كاٟتريات .
كنظران ألف الثورات السلمية الشعبية قضية عصرية فقد اختلف فيها علماء ا١تسلمُت بُت متحمس ي٣تيز ٢تا
كبُت ي٤تىّْرـ ٢تا كمانع .فمن ا١تمتحمسيىن ٢تا من علماء العصر الدكتور القرضاكم رئيس االٖتاد العا١تي لعلماء
ا١تسلمُت ،كال ٗتفى مواقف الدكتور القرضاكم من ثورات الربيع العريب حيث اعتربىا نوعان من أنواع اٞتهاد ،
كاستدؿ بعدد من األحاديث ،كمن أ٫تها ":أعظم اٞتهاد كلمة عدؿ عند سلطاف جائر " كاعترب إف جور
اٟتكاـ كفسادىم ىو الذم جعل الشعوب تثور ضدىم كأقسم بأف ثورات الربيع العريب ستنتصر كاعترب من
ييقتل من ا١تتظاىرين السلميُت من الشهداء .كمن ا١تعارضُت للحراؾ الشعيب كثورات الربيع العريب الدكتور
٤تمد سعيد رمضاف البوطي الذم يرل أنو ال جهاد إال يف فلسطُت كال ٬توز ا٠تركج على اٟتاكم إال حاؿ
الكفر البواح (.الوطن . )َُِّ ،كقد تناكؿ الدكتور بوزياف (َُِّ) يف دراسة بعنواف "ا١توازنة بُت مصاحل
التعبَت عن اإلرادة العامة كمفاسدىا" تناكؿ الثورة السلمية بالتأصيل ،كال يسع الباحث ىنا إال أف ينقل بعضان
121
٦تا جاء يف الدراسة ،فقد أشارت إذل ضركرة مراجعة يف ا١توركث السياسي اإلسبلمي كضركرة أف تستعيد
األمة دكرىا يف القرار ،كعدـ استصغار األمة أك كصفها بالعامة أك الغوغاء كالد٫تاء .
كمن ٍب فإف قضية الشرعية السياسية تعترب مدخل مقاصدم مهم غاب عن باؿ فقهاء الدكلة السلطانية،
فنسوا أف الشرعية ىي الطريق كالضمانة إذل تطبيق الشريعةٔ ،تعٌت أف إقامة حكم دٯتقراطي ٭تًتـ إرادة األمة
كحرية الفرد ىو السبيل إذل تطبيق أحكاـ الشريعة اإلسبلمية ،كّٔذا يكوف لؤلمة يف الفكر السياسي اإلسبلمي
خدكرىن .كرغم عيوب الدٯتقراطية إال أف رفضها يصب يف مصلحة االستبداد ،كنظاـ الشورل يف اإلسبلـ
كقاية من د اء االستبداد ك٭تتاج إذل دراسات تأصيلية كليس ٣ترد بعض اإلشارات يف ثنايا تفسَت بعض اآليات
فالشورل ٖتمي الشعوب من استبداد حكامها كما أهنا ٖتمي اٟتاكم من نزعة االستبداد .
كرغم أ٫تية ىذه ا١تقاصد إال أف الفقو السياسي اإلسبلمي غَت جازـ حوؿ مسألة مدل إلزامية الشورل كىل
ىي لئلعبلـ أـ لئللزاـ؛ كىي ا١تسألة اليت يًتتب على الفصل فيها معرفة منػزلة قاعدة حكم األغلبية ،ألف
القوؿ بإلزامية الشورل ىو قوؿ مآلو إذل األخذ ٔتبدأ األغلبية يف التعبَت عن اإلرادة العامة.كأماـ ىذا دل نعدـ
من كبار العلماء من قرر بصراحة ككضوح أف إخبلؿ اإلماـ كالسلطة بالشورل يعد مربرا كافيا لعزلو ،كىو رأم
اإلماـ القرطيب ،حيث يعترب رائدا بالنسبة ١تا ساد يف ىذا الشأف يف الفقو السياسي الشرعي؛ فلم يكن صلٌى
يتصرؼ ٔتقتضى
ا﵁ عليو كسلم يقطع برأم يف الشأف السياسي إالٌ عن مشورة من أصحابو ،ككثَتا ما كاف ٌ
تصرفاهتمْ ،تيث يتقرر معو أف الزمن الذم
رأيهم ا١تخالف لرأيو ،كالتزـ ذلك النهج ا٠تلفاء الراشدكف يف عموـ ٌ
122
منح فيو الفقو السياسي ١تنصب رئيس الدكلة صبلحيات كاسعة ىو بداية االستبداد كا١تلك العضوض حيث
األمة .كبعد تأصيلو ١تبدأ الشورل كأف إخبلؿ اٟتاكم ّٔا ييعد سببان
نتج ذلك ا١تستبد يف اٟتكم دكف مشورة ٌ
كافيان لعزلو من األمة فقد أشار إذل االختبلؼ الكبَت يف توصيف ما حدث من ثورات سلمية فيقوؿ يف ىذا
اٞتانب ،لقد تشعبت األمور كاختلط اٟتابل بالنابل على كثَت من أبناء األمة اإلسبلمية كعلى بعض فقهائها
كأصبح اٞتميع يتطلع إلنقاذ األمة من كاقعها السيئ؛ سعيان للحصوؿ على التغيَت اإل٬تايب الذم ٭تقق ٢تا
ا١تصاحل كيدرأ عنها ا١تفاسد ،كفق معتقداهتا كأخبلقها؛ لذا فقد اختلفت مدارس التغيَت كانقسمت رؤل
اإلصبلح كالتغيَت السياسي كفق منهجُت :منهج التغيَت عن طريق الًتبية كالتزكية ا١ترحلية امتثاالن لقولو تعاذل:
﴿ إن اهلل ال يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ﴾(القرآف .الرعدُّ )ُُ:كا١تنهج الثاين :منهج التغيَت
عن طريق تغيَت النظاـ القائم سلميان حىت كإف تطلب األمر اللجوء للقوة ا١تسلحة حىت كصل البعض إذل جواز
كبُت ا١تنهجُت موافقات كفركؽ يف مدل مشركعية اعتماد كسائل االحتجاج كالتظاىر
االستعانة بالكفارٍ .
على السلطة النظامية؛ كنطاؽ حاكمية اإلرادة العامة يف إطار حاكمية الشريعة؛ كما ىي ا١تصاحل كا١تفاسد
ا﵀تملة إذا ًب االحتكاـ إذل منهج فقو ا١توازنات حيث يظهر االختبلؼ حوؿ تكييف الثورة الشعبية السلمية،
ىل ىي خركج على اٟتاكم؟ أك ىي مظاىرات سلمية؟ أك مظاىرات عنف؟ أك اعتصامات احتجاج؟ كّٔذا
يظهر َّ
أف إشكالية التكييف ،أحد أىم أسباب ا٠تبلؼ الفقهي بُت بعض العلماء يف ىذه النازلة.
كتعترب فكرة ا١تقاكمة ا١تسلحة لعزؿ اإلماـ الطاغية كا٠تركج على السلطة عند جنوحها إذل ىاكية االستبداد
كالطغياف كاحدة من ا١تسائل الفقهية اليت دار حو٢تا جدؿ كبَت يف موركثنا السياسي كالدستورم ،بعػد أف
ٖتولت السلطة من خبلفة راشدة إذل ملك عضوض ،كبرز منهجاف :ا١تنهج األكؿ كأصحابو القائلوف
123
بوجوب ا٠تركج كا١تقاكمة اإل٬تابية ،كعلى رأس ىؤالء ا٠توارج كا١تعتزلة كالزيدية كالكثَت من ا١ترجئة كبعض أىل
السنة فعندىم أف اإلماـ الفاسق أك اٞتائر الذم ال يرضخ للعزؿ يتعُت عزلو بالقوة كبالثورة عليو إذا اقتضى
األمر ذلػك ،كىو ما يسمى با٠تركج نسبة إذل فرقة ا٠توارج يف التاريخ .كىذا ىو قوؿ علي بن أيب طالب
كقوؿ عائشة كطلحة ككل من كاف معهم من الصحابة ،كالزبَت ككل من كاف معهم من الصحابة ،كقوؿ
معاكية كعمرك بن العاص كالنعماف بن بشَت ككل من كاف معهم من الصحابة ،ككذلك ىو قوؿ ٚتيع الذين
خرجوا على ا٠تلفاء األمويُت كالعباسيُت مثل اإلماـ اٟتسُت كعبد ا﵁ بن الزبَت -رضي ا﵁ عنهم.كاالٕتاه
الثاين ىو الذم يدعو إذل الصرب كاالكتفاء با١تعارضة السلبية ،كىذا االٕتاه ٯتثلو أكثر أىل اٟتديث كالكثَت
من أىل السنة فبل ٬توز عندىم ا٠تركج على السلطة الظا١تة ْتد السيف كال تعدت على حقوؽ الناس
كارتكبت فسقان صر٭تان كمن أبرز ركاد ىذا االٕتاه اإلماـ أٛتد .كتبعو يف ذلك شيخ اإلسبلـ ابن تيمية فقاؿ:
"إف ا١تشهور من أىل السنة أهنم ال يركف ا٠تركج على األئمة كقتا٢تم بالسيف؛ كإف كاف فيهم ظلم ،ألف
الفساد يف القتاؿ كالفتنة أعظم من الفساد اٟتاصل بظلمهم بدكف قتاؿ كال فتنة؛ فيدفع أعظم الفسادين
بالتزاـ األدىن .كيرل الباحث أف ظركؼ ىذا الرأم كانت ٥تتلفة فقد كانت أياـ ا٠تطر التًتم ،كدفع خطر
الصليبُت الذم ىو ا٠تطر األكرب أكذل من ا٠تركج على اٟتاكم الظادل ،كىو من باب ٖتمل الضرر األخف
لدفع ا٠تطر األعظم .ك٦تا ٕتدر اإلشارة إليو ىو أف :ا٠تركج على اإلماـ اٞتائر ال يعد بغيان؛ ألف البغي كما
عرفو ابن خلدكف كسائر الفقهاء بأنو "ا٠تركج على اإلماـ اٟتق (العادؿ) بغَت حق" ،كبالتارل فإف ا٠تركج على
اإلماـ غَت اٟتق ال يعد بغيا ،فخركج اٟتسُت ال يعد بغيا ،بل إف ابن خلدكف حكم على أنو شهيد
مثاب.كما أف الصرب على الطاغية ال يعٍت التخلي عن مبدأ األمر با١تعركؼ كالنهي عن ا١تنكر .كقد ظهر
إتاه ثالث يوفق بُت الرأيُت فإذا أمنت الفتنة كٖتققت االستطاعة يف التغيَت فيجوز ا٠تركج كالعكس .كىذه
124
ىي مدرسة فقو ا١توازنات.كيف تناكؿ الباحث للثورات العربية فيقوؿ ":من يتأمل الثورات العربية ا١تعاصرة،
كيراجع التاريخ السياسي للثورات الشعبية العا١تية عموما٬ ،تدىا أكسع شأنان من ا١تظاىرات كاالحتجاجات
األخرل ،كما يبلحظ بينها كبُت غَتىا فركقا ،فهي انتفاضة شعبية عامة ال ٘تثل تياران بعينو؛ كما َّأهنا سلمية ال
عسكرية ،فبل سبلح فيها كال شوكة ،كما أهنا عفوية كتلقائية ظهرت مفاجئة يعسر توقعها بدقة إف دل يكن
غَت ٦تكن ،كىي كسيلة للضغط على السلطة" ،كللمظلوـ اٟتق باٞتهر ا١تشار إليو بقولو تعاذل ﴿:ال يحب
اهلل الجهر بالسوء من القول إال من ظُلم ﴾(القرآف .النساء ْ )ُْٖ:كقولو تعاذل ﴿:ولمن انتصر بعد
يقوؿ الريسوين" :كمفهوـ اآلية أف من ظيلم جاز لو أف يفعل ما ال ٬توز لغَت ا١تظلوـ فعلو ،كجاز لو أف يقوؿ
كأف يرفع صوتو كأف يعرب التعبَت القوم الذم يبلغ كيوصل مظلوميتو ،فلو أف يرفع من سقف احتجاجو ،كمن
سقف مقاكمتو للظلم" ،كيضيف "فليس ىناؾ حد ٢تذا االحتجاج ،بل ىو االحتجاج على الظلم،
كاالحتجاج بدكف شك ىو نوع من إنكار ا١تنكر ،كنوع من تغيَت ا١تنكر ،كتغيَت ا١تنكر كما يقوؿ العلماء من
ضوابطو عند العلماء أال يأٌب ٔتنكر أكرب متوقع ،يعٍت اإلنساف قد يصل إذل نتائج غَت متوقعة ،كىذا ال يبلـ
عليو أحد ،كىذا االحتجاج ٬توز" فمقصد اٞتهر بالسوء أماـ كل ظادل حكمتو توضيح عاقبة الظا١تُت كشناعة
ُُّٕ).
125
إف ىذه الثورات ىي ثورات ضد الظلم كالطغياف كالفساد ،كنوع من التعاكف على الرب كالتقول ،أسلمت ىذه
األنظمة األمة كأرضها كحقوقها كمصاٟتها للعدك يتصرؼ فيها كما يشاء ،كقد ٕتلى ذلك يف أكضح صوره يف
حرب غزة ،كيف احتبلؿ العراؽ ،كاحتبلؿ أفغانستاف ،كىذه ا٠تيانة لؤلمة كلشعؤّا كافية كحدىا يف كجوب
تغيَت ىذه اٟتكومات على فرض شرعيتها .كال حجة ١تن يرل أف الصرب على الظلم خَت من مقاكمتو درءان
للفتنة استشهادان ْتوادث تارٮتية جزئية دكف إدراؾ خطورة الظلم ذاتو؛ كأف ما يًتتب عليو من نتائج أشد على
ا١تدل البعيد من اآلثار السلبية اليت تنتج عن مقاكمتو .كما أف الثورات العربية ليس خركجان مسلحان فهو عمل
غَت مسبوؽ ،كإبداع فكرم جديد يف تغيَت نظاـ اٟتكم السياسي ،فهو ٔتثابة اٞتهاد ا١تدين كىو ا٠تركج إذل
ا١تيادين العامة ألجل التظاىر كاالعتصاـ سلميا إذل أف يسقط االستبداد أك الفساد ،حسب ظركؼ كل دكلة
عربية .ك٢تذا عدىا بعض ا١تقاصديُت ا١تعاصرين ،كالريسوين نازلة من النوازؿ الشرعية ،حكمها اٞتواز ماداـ
خركجا على اٟتاكم ،يرل د .الريسوٌب كد .عمارة كد .ا١تطَتم ردان على ا١تعارضُت للثورات السلمية -أهنم دل
يفهموا كلمة (ا٠تركج) فا٠تركج ىو ما يكوف مسلحان ،أما الثورات السلمية كما حدث يف الدكؿ العربية ،فهذه
ال تعد خركجان على اٟتاكم حىت كلو كاف حاكمان شرعيان ،كذلك ألف أبا بكر الصديق ا٠تليفة األكؿ قاؿ يف
خطبتو األكذل" :أطيعوين ما أطعت ا﵁ كرسولو فإف عصيت ا﵁ كرسولو فبل طاعة رل عليكم "(ابن ىشاـ ،
من خبلؿ ما سبق فيمكن أف نستنتج أ٫تية أف ٘تارس األمة دكرىا يف تعيُت اٟتاكم ك٤تاسبتو كعزلو ،كعلى
ا١تسلمُت أف يضعوا القواعد العامة اليت تنظم تولية اٟتاكم كمساءلتو كعزلو ،كما ٯتكن القوؿ بأف الثورة
السلمية لتغيَت اٟتاكم كوس يلة حديثة ٢تا مربراهتا ،فما داـ أهنا ال تؤدم إذل مفاسد كربل كال ٖتمل السبلح
126
كال تستبيح حرمات ا١تسلمُت كال ٖتمل الطابع الشخصي فبل تنطبق عليها أحكاـ ا٠تركج على اٟتاكم العادؿ
ا١تقيم للشريعة اإلسبلمية .ك٦تا ٯتكن التأكيد عليو ىنا ىو النظر إذل أصل ا١تشكلة كىو الظلم الواقع على
عامة الشعب ،كلذا فعلى الشعوب أف تتجو لتأسيس نظاـ ال يسمح للحاكم التسلط كٕتتهد ٔتا ٭تقق اٟتياة
الكرٯتة للناس كحفظ حقوقهم كٖتقيق األمن كاالستقرار ،كالشريعة اإلسبلمية إ٪تا جاءة لتحقيق مقاصد
عظيمة ،من أبرزىا :حفظ الدين كالنفس كالعرض كا١تاؿ كاٟتق ،فالدعوة كالعمل لتحقيق ذلك ىو من
أفضل األعماؿ .كتوافق األمة على كضع تلك األسس ا١تنظمة لعمل اٟتاكم كالتعامل معو تولية كعزالن أمر يف
غاية األ٫تية حىت ال تصبح حياة ا١تسلمُت كلها ثورات كتتحوؿ من مطلب عاـ إذل مطالب حزبية كفئوية
كشخصية .
127
تعريف المصطلح :الزكاج يف اللغة :اقًتاف الذكر باألنثى بعقد شرعي ،أما القاصر بكسر الصاد :من قصر
عن الشيء إذا تركو عجزان ،أك عجز عنو كدل يستطعو (ابن منظور ،مرجع سابق) كالقاصر اصطبلحان :ىو من
دل يستكمل أىلية األداء ،سواء كاف فاقدان ٢تا كغَت ا١تميز أـ ناقصها كا١تميز (.الزحيلي ،مرجع سابق) .
الزكاج ْتسب قانوف األحواؿ الشخصية اليمٍت ىو :ارتباط بُت زكجُت ٔتيثاؽ شرعي ٖتل بو ا١تراة للرجل
القاصر يف القانوف العراقي :اإلنساف الذم دل يبلغ سن الثامنة عشر من عمره ال يكوف ْتكم البالغ العاقل
الرشيد كيستثٌت من ذلك القاصر يف حالة ٘تامو ا٠تامسة عشر من عمره كزكاجو بإذف ا﵀كمة ا١تختصة ،إذ
يعترب حينئذ بالغان سن الرشد على كفق أحكاـ ا١تادة (الثامنة) من قانوف األحواؿ الشخصية رقم (ُٖٖ) لسنة
(ٗٓ) ا١تعدؿ (ا١توسوم . )ََِٓ،كيف القانوف اليمٍت ":ال يصح تزكيج الصغَت ذكران كاف أك أينثى دكف
بلوغو ٜتسة عشرة سنة " (العنسي،مرجع سابق) كقد أقر ٣تلس النواب اليمٍت تعديبلن على قانوف األحواؿ
الشخصية ،بعد أف الحظ تفشي ىذه الظاىرةْ ،تيث حدد سن الزكاج للفىت أك الفتاة بػعمر( ُٕ) عامان.
128
قضية زكاج القاصرات ىي من أىم القضايا اٞتدلية يف الوطن العريب عامة ،كيف اليمن على كجو ا٠تصوص ،
فقد أكضحت دراسة للباحثة سجا عبد الرضى(ََُِ) بأف ىذه القضية أصبحت ظاىرة كبأف زكاج
القاصرات يف ازدياد مستمر ،حيث بيَّنت الدراسة اف أغلبية أفراد العينة تقع أعمارىن ما بُت اؿُُٕٓ-
سنة حيث بلغ عددىن تقريبان خبلؿ ٜتسة أشهر( ِْْ ) من أصل( ْٕٔ ) من الز٬تات اٟتاصلة يف
٤تكمة األحواؿ الشخصية يف الشعب يف العراؽ ،كىذا يوضح ارتفاعان مستمران يف عدد حاالت زكاج
القاصرات لؤلعمار ا١تبينة آنفان كاليت ٘تثل ما يقارب ( َّ ) %من إٚتارل عقود الوزكاج ،كما أف الدراسة
أظهرت أف ا١تستول العلمي لو تاثَت على أفراد العينة ا١تذكورة ألنو كلما قى َّل ا١تستول العلمي كلما ساعد ذلك
على ازدياد حاالت الزكاج ا١تبكر خاصة للقاصرات ككلما زاد الوعي العلمي كلما قلَّت حاالتو كذلك ١تا
للتعلم من أثر يف توعية ا١ترأة كرفع مستول تفكَتىا كقدرهتا على اٗتاذ القرارات السليمة اليت ٗتص حياهتا
االجتماعية ،كيتضح أيضان من الدراسة أف القاصرات اللواٌب يقبلن بالزكاج يف ىذا السن ىن ربات بيوت كدل
يكملن حىت الدراسة ا١تتوسطة كىذا ما يؤثر يف مدل النضوج الفكرم لديهن .كيتضح من الدراسة أيضان أف
الزيادة اٟتاصلة يف حاالت الزكاج بالقاصرات خبلؿ األشهر ا٠تمسة رافقها زيادة يف حاالت الطبلؽ اٟتاصلة
لنفس العينة كذلك الكتشاؼ الزكجُت بعد الزكاج بأهنما غَت مستعدين للزكاج كال ٯتكن حصوؿ أم انسجاـ
يف اليمن ككفقان لتقارير رٝتية توجد (ٖ) حاالت كفاة يوميان يف اليمن بسبب زكاج الصغَتات كاٟتمل ا١تبكر
كالوالدة يف ظل غياب ا١تتطلبات الصحية البلزمة ،كْتسب تقرير أصدره ا١تركز الدكرل للدراسات العاـ
129
َُِِ ) ٦تا جعل الكثَت من ا١تنظمات ا﵀لية كالدكلية تثَت القضية.حىت أثَتت القضية يف ٣تلس النواب اليمٍت
كمؤ٘تر اٟتوار الوطٍت كاستغرؽ كقتان طويبلن يف النقاشات فضبلن عن ا٠تبلفات .
القاصرات :ا لفتيات البلٌب دل يبلغن ،كمعناه :العاجزات ،كٖتديد القصور من عدمو مرجعو إذل الشرع،
كالفقهاء قد اختلفوا يف ٖتديد السن كأحد مناطات التكليف ،كمعظم القوانُت الدكلية جرت على ما اتفق
مع مذىب اٟتنفية ،كىو بلوغ ٙتانية عشر عامان -كىذا عند األحناؼ يف الغبلـ ،كأما اٞتارية عندىم فإذا
يف تصريح لػ»الشرؽ» ،على ىامش اجتماعات آّمع الفقهي اإلسبلمي يف دكرتو الػحادية كالعشرين يف مكة
ا١تكرمة يرل رئيس االٖتاد العا١تي لعلماء ا١تسلمُت ،الدكتور يوسف القرضاكم ضركرة ٖتديد سن معينة لتزكيج
البنات ،حىت ال يًتؾ األمر لبعض اآلباء العابثُت الذين ال ينظركف ١تصاحل البنات ،كال ينظركف إال إذل
مصاٟتهم الشخصية ،فبل بد من ٖتديد سن معينة ،فما فائدة تزكيج بنت يف سن السادسة كالسابعة ،ك٬تب
تنظيم األمر حىت ال يًتؾ ألىواء اآلباء .كبَُّت عدد من الباحثُت يف آّمع الفقهي بأف الفقهاء قد اختلفوا يف
ٖتديد السن اليت ىي مناط التكليف ،كقد أخذت معظم القوانُت الدكلية ٔتا اتفق مع مذىب اإلماـ أيب
حنيفة كىو بلوغ سن الثامنة عشرة يف الذكر كالسابعة عشرة يف األنثى.كالشرع يراعي مصلحة الفتاة كيفًتض
الثقة بورل األمر كبأنو ٭ترص على مصلحة الفتاة ( .األنصارم. )َُِِ،
130
يضع ضوابط شرعية كموضوعية لصحة زكاج الذكور كاإلناث على حد سواء ،كمن تلك الضوابط :الكفاءة ،
اليت تعٍت القدرة على ٦تارسة كظيفة الزكاج لكبل الزكجُت ،كالتدين كالبنية اٞتسدية ،كالعمر ،كيرل الباحث
أف الفارؽ الكبَت يف السن الذم يكوف عند زكاج الصغَتة من رجل كبَت السن يتضمن حتمان التفاكت يف
البنية كغَتىا من جوانب النمو ٦ ،تا يتنايف مع السكن ا١تطلوب يف الزكاج ا١تشار إليو يف قولو تعاذل َ ﴿:وِم ْن
لَّْق ْوٍم يَتَ َف َّك ُرو َن ﴾ ( القرآف .الركـ ّ . )ُِ:كيرل الباحث أف سن الثامنة عشرة ىو السن اآلمن لتوفر
النضج البدين كالرشد العقلي .كالكفاءة يف أحد كجوىها تعٍت النّْ ّْدية اليت ٕتعل من كل طرؼ قادران على ٖتمل
الطرؼ اآلخر يف ا١تعاشرة كاٟتقوؽ كالواجبات .كقد يًتتب على زكاج الصغار الطبلؽ ا١تبكر لعدـ النضج
كلوقوع الزكجُت أك أحد٫تا ٖتت سيطرة أكلياء أمور٫تا .كما أف الباحث يشَت إذل األضرار الصحية على
ٛتل الصغَتة الذم قد يؤدم إذل الوفاة ،كيؤكد على ضركرة أخذ رأم الطب عند ىس ّْن التشريعات ا١تنظمة
للعبلقات االجتماعية .كاألىلية ا١تطلوبة تعٍت كصوؿ الزكجُت إذل سن الرشد الذم ٯتكنهما من ٖتمل
ا١تسؤكلية ا١تدنية كاٞتنائية ك٦تارسة حقوقهم ا دكف تبعية للغَت ٔتا يف ذلك أسرهتما ،كالرشد يتجاكز سن البلوغ
الذم قد ٭تدث مبكران للطفل الذم ال ٮترجو البلوغ من طفولتو (ذكران أك أنثى) .كلؤلىلية متطلباهتا من
بلوغ سن الرشد ،كالعقل ،كاٟترية الكاملة غَت ا١تنقوصة،كيف غياب اٟترية الكاملة يسود اسًتقاؽ اإلرادة
كاستبلب الشخصية باستتباع الزكجة للزكج دكف نقاش .كالعقل ال يتحدد بعدـ اٞتنوف أك بكرب السن كإ٪تا
بالعلم ،إذ ال فرؽ بُت اٞتاىل كآّنوف إال باختبلؼ نوع الضرر الناجم عن كليهما .كلذلك دعا رجاؿ الفكر
131
اإلصبلحي إذل تعليم البنات ٦تا يزيدىن أدبان كعقبلن ك٬تعلهن با١تعارؼ أىبلن كيصلحن بو ١تشاركة الرجاؿ يف
الكبلـ كالرأم فيعظمن يف قلؤّم كيعظم مقامهن لزكاؿ ما فيهن من سخافة العقل كالطيش .كالوقوع يف
جناية زكاج الصغَتات سببو غياب الوعي كعدـ التفريق بُت مفهومي البلوغ كقضية بيلوجية كالرشد.كقد
أسهب الباحث اٟتديث عن الرشد بعد أف ٖتدث عن الكفاءة كاألىلية كمتطلبات للزكاج حيث اعترب الرشد
ىو قدرة اإلنساف على اٗتاذ القرار الصائب يف حياتو كسلوكو دكف معاناة أك عجز ،كيكوف مسؤكالن عن
كمساءؿ قانونيان عن أفعالو ،كٯتكن أف تسلط عليو العقوبة ،كدل تعد دموع األـ
نفسو ،كيتمتع ْتقوؽ الكبار ،ي
تشفع لو عند تسليط العقوبة عليو .كيف ا١تواثيق الدكلية كالفكر الديٍت كاإلنساين يصبح اإلنساف راشدان عند
دخولو سن( ُٖ سنة) .ليتحقق لو بلوغ الرشد بدنيان كعقليان ،كقد قسم الباحث الرشد يف ىذه الدراسة إذل
ثبلثة مراحل بالتوارل كفقا للنص القرآين كالفكر اإلنساين :رشد أىلية ،كرشد كفاءة ،كرشد تاـ .فرشد
األىلية ىو اكتماؿ النضج البدين كالنفسي كالعقلي لتحمل ا١تسئولية عن أفعالو كنفسو كاستقبلؿ الشخصية ،
كا١تساءلة القانونية كا١تشاركة السياسية ،كيتحدد يف القانوف اليمٍت بثماين عشرة سنة .
كيف الفكر اإلسبلمي ا١تعاصر ٧تد أف ا١تراحل اليت ٬تتازىا اإلنساف من يوـ كالدتو حىت بلوغو سن الرشد ثبلث
مراحل :األكذل :مرحلة انعداـ اإلدراؾ ،كيسمى اإلنساف فيها بالصيب غَت ا١تميز .الثانية :مرحلة اإلدراؾ
الضعيف ،كيسمى اإلنساف فيها بالصيب ا١تميز .الثالثة :مرحلة اإلدراؾ التاـ ،كيسمى اإلنساف فيها بالبالغ
كالراشد ،كقد حدد بعض الفقهاء السن التقديرم لسن الرشد بلوغو العاـ ا٠تامس عشر من عمره على رأم
عامة الفقهاء ،أك ببلوغو العاـ الثامن عشر على رأم أيب حنيفة كمشهور مذىب مالك كىذا النتاج الفكرم
أكثر نضجان من توجو بعض الدعاة ا١تعاصرين الذين يصركف على ثبات سن الزكاج عند (ُٓ عامان أك ما دكف
ذلك) .كإذا كاف الزكاج يشًتط بلوغ سن الرشد فإف ىذا السن يف تراث الفكر اإلسبلمي ال يتحدد بسن
معُت بل الغالب فيو االختبلؼ عند سن( ُٓ كسن ُٖ ) كأكثر ،كإذا كاف البلوغ معناه البلوغ البيولوجي
العضوم فإنو ال يصلح معياران لسن الزكاج ،كىو قياس كفهم خاطئ( .اٟتذيفي. )ََُِ،
كيبدك من خبلؿ القراءة ا١تتأنية آلراء الفقهاء يف اإلسبلـ قدٯتان كحديثان بأف خبلفان كاضحان ٭تيط با١تسألة كيف
ا١تقابل ىناؾ اتفاؽ ،فاالتفاؽ ىو اٟترص على مصلحة الفتاة على كجو التحديد عند الزكاج كالتأكيد على
كرل األمر أف ال يقبل تزكيج من يتوذل أمرىا َّإال من كفؤ متحققة فيو شركط الشرع من ا٠تلق كالدين كغَتىا ,
كا٠تبلؼ ىو يف ٖتديد سن الزكاج ،فالبعض ال يرل التحديد كالبعض اآلخر يرل التحديد ،حىت ٦تن يرل
ٖتديد الزكاج عند سن معينة فإهنم ٮتتلفوف يف السن اليت ينبغي أف تكوف ىي سن الزكاج ،فَتل البعض
ٖتديدىا بسن الثامنة عشرة بينما يرل آخركف أف البلوغ ىو الفيصل يف األمر كبطبيعة اٟتاؿ ٮتتلف البلوغ من
كٯتيل الباحث يف ىذه الدراسة إذل أف الدكلة ٭تق ٢تا أف ٖتدد سنان معينان لصحة إجراء عقد الزكاج كتوثيقو
بناءن على آراء خرباء يف الشريعة كالطب .كيف ا١تقابل يتم الًتكيز على التوعية بأخطار الزكاج ا١تبكر كترسيخ
133
القناعة يف آّتمع ٓتطورة ذلك .كما أنو يف حاالت معينة ٯتكن للقانوف أف يضع استثناءات تتيح لبعض
البالغات كالبالغُت كالذين يتمتعوف بًبينية تؤ٢تم للزكاج أف يقع ذلك الزكاج ٖتت نظر القضاء .
يعارض بعض الناس فكرة ٖتديد النسل ،كتنظيم ،من نظَّم ينظّْم تنظيمان فهو منظم ،كنظم األشياء رتبها
اٞتهة ا﵀دّْدة ،بينما تنظيم النسل يعٍت تنظيم كالدة األطفاؿ كا١تباعدة بُت الوالدات بوسائل ٥تتلفة كالعزؿ
ُّ
التحكم يف ا٠تصوبة كغَتىا لتحقيق أىداؼ مرغوبة ،كإعطاء كل طفل حقو أك اٟتفاظ على صحة ا١ترأة أك
مع تطور اٟتياة كازدياد اٟتاجة إذل الرفاىية كاستجبلب معاين السعادة يتجو الكثَت من الناس – بالذات غَت
ا١تسلمُت – إذل ٖتديد النسل لدكاعي اقتصادية كاجتماعية كغَتىا ،كطلبان يف العيش بدكف التزامات كبَتة
تتولد عن كثرة األكالد .كبغض النظر عن السلبيات كاإل٬تابيات اليت ترتبط بتحديد النسل فإف ا١تسلم ٭تتاج
إذل معرفة حكم الشرع يف ٖتديد النسل حىت يستطيع أف يتعامل مع القضية فَتاعي أحكاـ اإلسبلـ يف ٚتيع
134
تصرفاتو .كمع االختبلؼ بُت ا١تفهومُت (ٖتديد النسل كتنظيم النسل ) إال أف توضيح رؤية الشرع
قبل اٟتديث عن اٟتكم الفقهي للقضية ٭تسن بنا أف نشَت إذل إف اإلسبلـ جعل النسل نعمة من النعم كىبة
ربانية ،قاؿ تعاذل﴿:يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور(ٗٗ) أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل
من يشاء عقيماً إنو عليم قدير﴾ (القرآف .الشورل ِْ . )ْٓ،ْْ:كامنت ا﵁ على إبراىيم عندما كىبو
الولد فقاؿ ﴿:ووىبنا لو إسحاق ويعقوب كالً ىدينا ﴾ ( القرآف .األنعاـ ٔ ، ) ْٖ:كبشَّر ا﵁ امرأة
القرآن . )ُٕ:ُُ.كقد ىعنَّف ا﵁ من كاف يقتل أكالده ألسباب ٥تتلفة ،كخوؼ العار يف البنات فقاؿ
نب قُتِلَ ْ
ت ﴾ (القرآف.التكوير ُٖ. )ٖ:أك بسبب الفقر ،فقاؿ ي َذ ٍ الم ْوئُو َدةُ ُسئِلَ ْ
ت بِأَ ّْ تعاذلَ ﴿:وإذَا َ
ِ
تعاذلَ ﴿:وَال تَ ْقتُ لُوا أَ ْوَال َد ُكم م ْن إِ ْم َال ٍق نَ ْح ُن نَ ْرُزقُ ُك ْم َوإِيَّ ُ
اى ْم﴾(القرآف .األنعاـ ٔ ، )ُُٓ:أك خشية الفقر
عند ازدياد األكالد ،قاؿ تعاذل َ ﴿:وَال تَ ْقتُ لُوا أَ ْوَال َد ُك ْم َخ ْشيَةَ إِ ْمالق نَّ ْح ُن نَ ْرُزقُ ْه ْم َوإِيَّا ُك ْم إِ َّن قَ ْت لَ ُه ْم َكا َن
ِخطْئَاً َكبِيراً﴾ (القرآن .اإلسراء ٖٔ .)ٔٚ:كقد كاف العرب يتفاخركف بكثرة األكالد البنُت ،قاؿ تعاذل
جعلنا ذُ ّْريَّتَوُ ُى ُم البَاقِين ﴾(القرآف .الصافات . )ٚٚ:ٖٚكالتزاكج يؤدم إذل التناسل الذم
عن نوح َ ﴿:و َ
ىو أساس بقاء اإلنساف قاؿ تعاذل ﴿:يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق
ب لَنَا ِم ْن
والذين يَ ُقولُو َن َربَّنَا َى ْ
بأف ٬تعل ٢تم من ذريتهم ما تقر بو أعينهم بأهنم عباد الرٛتن ،قاؿ تعاذل َ ﴿:
ِ ِ
ين إِ َم َاماً ﴾ (القرآف .الفرقاف ِٓ. )ْٕ: اجنَا َوذُ ّْرياتِنَا قُ َّرةَ أَ ْعيُ ٍن َو ْ
اج َع ْلنَا ل ْل ُمتَّق َ
أَ ْزو ِ
َ
كقد حث النيب صلى ا﵁ عليو كسلم على زكاج ا١ترأة الولود بيغية اإلكثار من النسل ففي حديث معقل بن
ب و َجم ٍ
ال َوإِنَّ َها سٍ َ َ ت ْام َرأَ ًة َذ َ
ات َح َ َص ْب ُ صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّ َم فَ َق َ
ال إِنّْي أ َ اء َر ُج ٌل إِلَى النَّبِ ّْي َ
يسار قاؿ َ :ج َ
ود فَِإ ّن ُم َكاثٌِر
ود ال َْولُ َ ال َال ثُ َّم أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَ نَ َهاهُ ثُ َّم أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَ َق َ
ال ":تَ َزَّو ُجوا ال َْو ُد َ َال تَلِ ُد أَفَأَتَ َزَّو ُج َها قَ َ
بِ ُك ْم ْاأل َُم َم " (اٟتديث ،أبوداكد ،باب النكاح . )ََِٓ :
كل ما سبق يبُت كيف اعتٌت اإلسبلـ بالنسل كحرص على أف تكوف الذرية ىي ا١تطلب األصلي من الزكاج
،فهل ٬تيز اإلسبلـ تنظيم النسل ؟حيث قد ظهرت يف عصرنا الكثَت من الوسائل اليت ٘تنع اٟتمل لفًتة زمنية
٤تددة أك ١تنع اٟتمل بشكل دائم كقد تتسبب بالعديد من األضرار الصحية كاالجتماعية على ا١ترأة كعلى
آّتمع ك يكل .كلئلجابة عن السؤاؿ فقد نقل الباحث ىنا رأم القرضاكم من ىذه القضية حيث يقوؿ ":ال
ريب أف بقاء النوع اإلنساين من أكؿ أغراض الزكاج أك ىو أك٢تا .كبقاء النوع إ٪تا يكوف بدكاـ التناسل .كقد
حبب اإلسبلـ يف كثرة النسل ،كبارؾ األكالد ذكوران كإناثان كلكنو رخص للمسلم يف تنظيم النسل إذا دعت إذل
ذلك دكاع معقولة كضركرات معتربة ،كقد كانت الوسيلة الشائعة اليت يلجأ إليها الناس ١تنع النسل أك تقليلو يف
عهد الرسوؿ صلى ا﵁ عليو كسلم ىي العزؿ كىو قذؼ النطفة خارج الرحم عند اإلحساس بنزك٢تا ،كقد كاف
الصحابة يفعلوف ذلك يف عهد النبوة كما ركم يف الصحيحُت عن جابر" :كنا نعزؿ على عهد رسوؿ ا﵁
صلى ا﵁ عليو كسلم كالقرآف ينزؿ" ،كيف صحيح مسلم قاؿ" :كنا نعزؿ على عهد رسوؿ ا﵁ فبلغ ذلك
رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم فلم ينهنا" .كجاء رجل إذل النيب صلى ا﵁ عليو كسلم فقاؿ :يا رسوؿ ا﵁! إف
136
رل جارية كأنا أعزؿ منها ،كإين أكره أف ٖتمل كأنا أريد ما يريد الرجل ،كإف اليهود ٖتدث :أف العزؿ ا١توؤكدة
الصغرل!! فقاؿ عليو السبلـ" :كذبت اليهود ،كلو أراد ا﵁ أف ٮتلقو ما استطعت أف تصرفو" .كمراد النيب
صلى ا﵁ عليو كسلم أف الزكج -مع العزؿ -قد تفلت منو قطرة تكوف سببان للحمل كىو ال يدرم.كيف
٣تلس عمر تذاكركا العزؿ فقاؿ رجل :إهنم يزعموف أنو ا١توؤكدة الصغرل .فقاؿ علي :ال تكوف موؤكدة حىت
٘تر عليها األطوار السبعة؛ حىت تكوف سبللة من طُتٍ ،ب تكوف نطفةٍ ،ب علقةٍ ،ب مضغة ٍ،ب عظامان ٍب
تكسى ٟتما ٍب تكوف خلقان آخر .فقاؿ عمر :صدقت أطاؿ ا﵁ بقاءؾ .
كذكر القرضاكم عدة مسوغات ٞتواز تنظيم النسل ،كمن ذلك :
ِ -إذا عرؼ بتجربة أك إخبار طبيب ثقة قاؿ تعاذل﴿ :وال تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ ( القرآف .
البقرةِ ، )ُٗٓ:كقاؿ﴿ :وال تقتلوا أنفسكم إن اهلل كان بكم رحيماً﴾ (القرآف .النساءْ.) ِٗ:
ّ -ا٠تشية يف كقوع حرج دنيوم قد يفضي بو إذل حرج يف دينو ،فيقبل اٟتراـ ،كيرتكب ا﵀ظور من أجل
ْ -ا٠تشية على األكالد أف تسوء صحبتهم أك تضطرب تربيتهم .كيف صحيح مسلم عن أسامة بن زيد أف
رجبلن جاء إذل رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم فقاؿ :يا رسوؿ ا﵁ ،إين أعزؿ عن امرأٌب .فقاؿ لو رسوؿ ا﵁
صلى ا﵁ عليو كسلم :دل تفعل ذلك؟ فقاؿ الرجل :أشفق على كلدىا -أك قاؿ -على أكالدىا .فقاؿ رسوؿ
137
ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم ":لو كان ضاراً لضر فارس والروم" ،ككأنو عليو السبلـ رأل أف ىذه اٟتاالت
الفردية ال تضر األمة يف ٣تموعها بدليل أهنا دل تضر األمة يف ٣تموعها بدليل أهنا دل تضر فارس كالركـ ك٫تا
ٓ -من الضركرات ا١تعتربة شرعان ا٠تشية على الرضيع من ٛتل جديد ككليد جديد ،كقد ٝتى النيب صلى ا﵁
عليو كسلم الوطء يف حالة الرضاع كطء الغيلة أك الغيل ١تا يًتتب عليو من ٛتل يفسد اللنب كيضعف الولد،
كإ٪تا ٝتاه غيلة؛ ألنو جناية خفية على الرضيع فأشبو القتل سران.
ككاف عليو الصبلة كالسبلـ ٬تتهد ألمتو فيأمر ٔتا يصلحها ،كينهاىا عما يضرىا .ككاف من اجتهاده ألمتو أف
قاؿ" :ال تقتلوا أوالدكم سرا فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره" كلكنو عليو السبلـ دل يؤكد النهي إذل درجة
التحرًن؛ ذلك ألنو نظر إذل األمم القوية يف عصره فوجدىا تصنع ىذا الصنيع كال يضرىم -فالضرر إذان غَت
مطرد -ىذا مع خشيتو العنت على األزكاج لو جزـ بالنهي عن كطء ا١ترضعات .كمدة الرضاع قد ٘تتد إذل
حولُت كاملُت ١تن أراد أف يتم الرضاعة .لذلك كلو قاؿ" :لقد ىممت أن أنهى عن الغيلة ثم رأيت فارس
والروم يفعلونو وال يضر أوالدىم شيئا" .قاؿ ابن القيم رٛتو ا﵁ يف بياف الصلة بُت ىذا اٟتديث كاٟتديث
السابق التقتلوا أكالدكم سران " :أخرب النيب صلى ا﵁ عليو كسلم يف أحد اٞتانبُت أنو -أم الغيل -يفعل يف
الوليد مثل ما يفعل من يصرع الفارس عن فرسو كأنو يدعثره كيصرعو ،كذلك يوجب نوع أذل كلكنو ليس
بقتل للولد كإىبلؾ لو ،كإف كاف قد يًتتب عليو نوع أذل للطفل ،فأرشدىم إذل تركو كلكنو دل ينو عنو ٍ ،ب
عزـ على النهي سدان لذريعة األذل الذم يناؿ الرضيع ،فرأل أف سد ىذه الذريعة ال يقاكـ ا١تفسدة اليت تًتتب
على اإلمساؾ عن كطء النساء مدة الرضاع ،كال سيما من الشباب كأرباب الشهوة اليت ال يكسرىا إال مواقعة
138
نسائهم ،فرأل أف ىذه ا١تصلحة أرجح من مفسدة سد الذريعة .فنظر كرأل األمتُت -اللتُت ٫تا من أكثر
األمم كأشدىا بأسان -يفعلونو كال يتقونو مع قوهتم كشدهتم فأمسك عن النهي عنو .
كقد استحدث يف عصرنا من الوسائل اليت ٘تنع اٟتمل ما ٭تقق ا١تصلحة اليت ىدؼ إليها الرسوؿ صلى ا﵁
عليو كسلم كىي ٛتاية الرضيع من الضرر -مع ٕتنب ا١تفسدة األخرل -كىي االمتناع عن النساء مدة
الرضاع كما يف ذلك من مشقة .كعلى ضوء ىذا نستطيع أف نقرر أف ا١تدة ا١تثلى يف نظر اإلسبلـ بُت كل
كلدين ىي ثبلثوف أك ثبلثة كثبلثوف شهران ١تن أراد أف يتم الرضاعة.كقرر اإلماـ أٛتد كغَته أف ذلك يباح إذا
أذنت بو الزكجة؛ ألف ٢تا حقان يف الولد ،كحقان يف االستمتاع .كركم عن عمر أنو هنى عن العزؿ إال بإذف
الزكجة .كىي لفتة بارعة من لفتات اإلسبلـ إذل حق ا١ترأة يف عصر دل يكن يعًتؼ ٢تا ْتقوؽ ( .ا١توقع الرٝتي
للقرضاكم. )َُِْ،كقد اٗتذ ٣تلس الفقو اإلسبلمي يف دركرة مؤ٘تره ا٠تامس بالكويت َُٗٓ ق (اإلسبلـ
اليوـ ُٓ ،سبتمرب َُِِ) القرار بعدـ جواز إصدار قانوف عاـ ٭تد من حرية الزكجُت يف اإل٧تاب ،
كْترمة استئصاؿ القدرة على اإل٧تاب يف الرجل أك ا١ترأة ،كىو ما ييعرؼ باإلعقاـ أك التعقيم ،مادل تدع إذل
ذلك الضركرة ٔتعايَتىا الشرعية ،كما قرر أنو ٬توز التحكم ا١تؤقت يف اإل٧تاب بقصد ا١تباعدة بُت فًتات
اٟتمل أك إيقافو لفًتة من الزمن إذا دعت إليو حاجة معتربة شرعان ْتسب تقدير الزكجُت عن تشاكر بينهما
كتر و
اض بشرط أف ال يًتتب على ذلك ضرر ،كأف ال يكوف فيها عدكاف على و
ٛتل قائم.
كقد قرر ٣تلس آّمع الفقهي اإلسبلمي ا١تنعقد يف مكة يف الفًتة من ( ِّ إذل َّ ) الدكرة الثالثة ربيع
اآلخر سنة ََُْق يف موضوع ٖتديد النسل فقد جاء فيو:بعد تبادؿ اآلراء يف ذلك قرر آّلس باإلٚتاع
باإلٚتاع أنو ال ٬توز ٖتديد النسل مطلقان ،كال ٬توز منع اٟتمل إذا كاف القصد من ذلك خشية اإلمبلؽ ؛
139
ألف ا﵁ تعاذل ىو الرزاؽ ذك القوة ا١تتُت ،كما من دابة يف األرض إال على ا﵁ رزقها ،أك كاف ذلك ألسباب
أخرل غَت معتربة شرعان ،أما تعاطي أسباب منع اٟتمل أك تأخَته يف حاالت فردية لضرر ٤تقق ككوف ا١ترأة
ال تلد كالدة عادية كتضطر معها إذل إجراء عملية جراحية إلخراج اٞتنُت فإنو ال مانع من ذلك شرعان ،
كىكذا إذا كاف تأخَته ألسباب أخرل شرعية أك صحية يقرىا طبيب مسلم ثقة ،بل قد يتعُت منع اٟتمل يف
حالة ثبوت الضرر ا﵀قق على أمو إذا كاف ٮتشى على حياهتا منو بتقرير من يوثق بو من األطباء ا١تسلمُت
.أما الدعوة إذل ٖتديد النسل أك منع اٟتمل بصفة عامة فبل ٕتوز شرعان لؤلسباب ا١تتقدـ ذكرىا .كأشد من
ذلك يف اإلٍب كا١تنع إلزاـ الشعوب بذلك كفرضو عليها يف الوقت الذم تنفق فيو األمواؿ الضخمة على سباؽ
كقد توصلت دراسة ا١تريسى (َََِ ) بعنواف ٖتديد كتنظيم النسل إذل النتائج التالية :ىناؾ فرؽ بُت ٖتديد
فتحديد النسل غَت جائز إال للضركرة القصول ،أما تنظيم النسل فجائز بشركط .كتناكؿ الباحث أيضان
من خبلؿ ما سبق ٯتكن القوؿ بأف الشرع اٟتكيم يراعي مصلحة اإلنسانية عمومان كاإلنساف على كجو
ا٠تصوص ،كأف ىناؾ فرؽ بُت ٖتديد النسل كتنظيمو ،فاٟتالة الثانية ٬تيزىا كبار العلماء كآّامع الفقهية
بضوابطها اليت ٖتقق السعادة لئلنساف كٖتفظ للحياة حيويتها كال تتعارض مع فطرة ا﵁ تعاذل ،أما اٟتالة
140
األكذل ا١تتمثلة بتحديد النسل فبل ٬تيزىا غالبية الفقهاء نظران ١تا فيها من عبث كاعًتاض على قدر ا﵁ تعاذل
ا١تفهوـ :يف اللغة :فىحصت القطاة فحصان :اٗتذت أفحوصان تفرخ فيو ،ك فحصت عن األمر :استقصى يف
يف االصطبلح :إجراء الفحص لراغيب الزكاج ١تعرفة كجود بعض األمراض الوراثية كبعض األمراض ا١تعدية
بغرض إعطاء ا١تشورة الطبية حوؿ إمكانية انتقاؿ تلك األمراض للطرؼ اآلخر أك األبناء يف ا١تستقبل كإعطاء
ا٠تيارات كالبدائل لراغيب الزكاج من أجل التخطيط ألسرة سليمة صحيان (.اليافعي.)َُِِ،
من القضايا ا١تهمة اليت ٬تب على الشباب كبالذات يف ا١ترحلة الثانوية كما تليها أف يعرفوهنا ىي الفحص
الطيب قبل الزكاج ،كىذه القضية من القضايا ا١تعاصرة اليت ٗتتلف ثقافة كقناعة آّتمعات ّٔا .
كىذه القضية مرتبطة ارتباطان كليان باٞتانب الصحي لؤلطفاؿ كبقوة النسل الذم ٭ترص اإلسبلـ عليو فا١تؤمن
القوم يف كل آّاالت ،كاليت منها اٞتانب الصحي ،ىو يف نظر اإلسبلـ خَت كأحب إذل ا﵁ من ا١تؤمن
الضعيف ا٢تزيل .كىناؾ أمراض كراثية تنتشر يف بعض آّتمعات ،كحامل اٞتُت ا١تعطوب ال يكوف مريضان
بالضركرة إ٪تا ٭تمل ا١ترض كتعاين ذريتو أك بعض ذريتو إذا تزكج من امرأة ٖتمل اٞتُت ا١تعطوب ذاتو ،فهناؾ
141
احتماؿ أف يصاب ربع الذرية ّٔذا ا١ترض الوراثي حسب قانوف مندؿ ،كٔتا أف عدد حاملي ىذه الصفة
الوراثية ا١تعينة كثَتكف يف آّتمع فإف احتماؿ ظهور ا١ترض كبَت ،خاصة عند حدكث زكاج األقارب كابن
كىذه القضية مرتبطة بشكل أساسي باٞتانب الطيب كالرأم الشرعي يف مثل ىذه اٟتاالت ال ٯتكن أف
يتجاىل التقرير الطيب أل٫تية الفحص قبل الزكاج .فمن الناحية الطبية ىناؾ العديد من اإل٬تابيات للفحص
كالفحص قبل الزكاج ٮتفف من نسبة ا١تصابُت باإلعاقة يف آّتمع ،كأيضان تضمن الفحوصات الطبية قبل
الزكاج إ٧تاب أطفاؿ أصحاء جسديان كعقليان .كما أف الفحص قبل الزكاج يزكد اٞتانبُت ا١ترأة كالرجل
ٔتعلومات حوؿ إمكانية إ٧تأّما أك ال ٦تا يساعدىم يف اٗتاذ قرار االرتباط بكل حرية كاختيار .كيساعد
الفحص الطيب على اكتشاؼ اإلصابة بأمراض مزمنة خطَتة كالسرطاف كغَتىا ٦تا يعٍت عدـ استمرار العبلقة
الزكجية لفًتة طويلة كا١تعاناة ا١تمكنة يف ا١تستقبل ،كما أف الفحص قبل الزكاج يضمن عدـ إصابة أحد
الزكجُت باألمراض ا١تصاب ّٔا الطرؼ اآلخر ( .ماريسنيام ،زكلت ُٗٗٗ ،ـ).
كمن منافع الفحص قبل الزكاج أنو يكشف عن بعض األمراض الوراثية اليت ال تظهر على ا١تريض كإ٪تا تؤثر
على الذرية يف ا١تستقبل .كمن األمور اليت ٬تب أف نفهما إف ٛتل صفة ا١ترض ال يعٍت بالضركرة كجود خلل
ٯتنع الزكاج إ٪تا يعٍت ضركرة االقًتاف بطرؼ سليم من ىذا ا١ترض الوراثي حىت ال يكوف الزكجاف معان حاملُت
لنفس ا١ترض الوراثي فتحدث اإلصابة .ككذلك التأكد من سبلمة ا١تقبلُت على الزكاج من بعض األمراض
ي
ا١تعدية كاليت تنتقل بُت الزكجُت بسهولة ،مثل :التهاب الكبد الفَتكسي ،كاإليدز ،كبعض األمراض
142
التناسلية ،كاٗتاذ التدابَت العبلجية ا١تناسبة كالوقاية البلزمة منها .كمن فوائد الفحص ا١تبكر اكتشاؼ حاالت
أمينيا اٟتديد مبكران كإعطاء العبلج كاإلرشادات ا١تناسبة كاٟترص على تناكؿ حبوب ٛتض الفوليك قبل
نظرة الشريعة :جاءت الشريعة اإلسبلمية ١تراعاة مصاحل العباد ،فأحلَّت الطيبات كحرمت ا٠تبائث ،قاؿ
تعاذل ﴿:يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ﴾ (القرآف .األعراؼ ٕ . )ُٕٓ:ككل ما فيو ضرر
باإلنساف حرمو اإلسبلـ ككل ما فيو خَت لئلنساف أحلَّو .كالفحص قبل الزكاج من ا١تصاحل ا﵀ققة كاليت فيها
ا٠تَت الكثَت لئلنساف كمستقبل نسلو كذريتو كصحتو كسعادتو؛ لذا فإف اإلسبلـ ال ٯتانع يف إجرائو كما جاء
يف نص البياف ا٠تتامي للدكرة الرابعة عشرة للمجلس األكركيب لئلفتاء كالبحوث قرار رقم ُِْ/يف شأف
الفحص الطيب قبل الزكاج :استعرض آّلس موضوع "الفحص الطيب" الذم ىو الكشف بالوسائل ا١تتاحة
من أشعة كٖتليل ككشف جيٍت ك٨توه ١تعرفة ما بأحد ا٠تاطبُت من أمراض معدية أك مؤثرة يف مقاصد الزكاج،
أكالن :إف للفحص الطيب قبل الزكاج فوائد من حيث التعرؼ على األمراض ا١تعدية أك ا١تؤثرة كبالتارل االمتناع
عن الزكاج كلكن لو -كباألخص للفحص اٞتيٍت -سلبيات ك٤تاذير من حيث كشف ا١تستور ،كما يًتتب
ثانيان :ال مانع شرعان من الفحص الطيب ٔتا فيو الفحص اٞتيٍت لبلستفادة منو للعبلج مع مراعاة السًت.
ثالثان :ال مانع من اشًتاط أحد ا٠تاطبُت على اآلخر إجراء الفحص اٞتيٍت قبل الزكاج.
143
رابعان :ال مانع من اتفاقهما على إجراء الفحص الطيب (غَت اٞتيٍت) قبل الزكاج على أف يلتزما بآداب اإلسبلـ
خامسان :ال ٬توز ألحد٫تا أف يكتم عن اآلخر عند الزكاج ما بو من أمراض يمعدية أك مؤثرة إف كجدت ،كيف
حالة كتمانو ذلك كٖتقق إصابة أحد٫تا أك موتو بسبب ذلك فإف الطرؼ ا١تتسبب يتحمل كل ما يًتتب
سادسان :٭تق لكليهما ا١تطالبة بالفسخ بعد عقد النكاح إذا ثبت أف الطرؼ اآلخر مصاب باألمراض ا١تعدية
كقد شرعت بعض الدكؿ كماليزيا يف إلزاـ األزكاج بالفحص قبل الزكاج (برناما بالعربية . )ََِٓ،كقد
ذىب رئيس الوزراء السابق مهاتَت ٤تمد إذل أبعد من ٣ترد اإللزاـ بالفحص قبل الزكاج فمنذ العاـ ُِٗٗـ
بدأ بتجريب ما يسمى رخصة الزكاج اإللزامية اليت ٔتوجبها يتم عقد القراف ك٘تنح بعد خضوع األزكاج لدكرات
تتعلق بالزكاج ،كالتدبَت ا١تنزرل ،كا١تهارات األخرل ،كقد أدت ىذه ا٠تطوة إذل ا٩تفاض نسبة الطبلؽ من:
كقد توصل األشقر ( َََِـ) إذل جواز الفحص قبل الزكاج يف الشرع ،كاستدؿ بعديد من األدلة على
ُ-يف الفحص قبل الزكاج حفظان للنسل ،كالذرية الطيبة ،قاؿ تعاذل ﴿:قال رب ىبي من لدنك ذرية طيبة
﴾ (القرآف .آؿ عمراف ّ ، )ّٖ:كال تكوف الذرية قرة عُت إذا كانت مشوىة ا٠تلقة ،ناقصة األعضاء
،متخلفة العقل ،فالفحص قبل الزكاج ٭تقق لئلنساف ما يتمناه من قرة عُت .
ِ-ىناؾ أدلة تأمر باجتناب ا١تصابُت باألمراض ا١تعدية كالوراثية مثل قولو صلى ا﵁ عليو كسلم ":ال توردوا
الممرض على المصح "(اٟتديث ،البخارم ،فتح البارم ،كتاب الطب:ج َُ )ّْٓٗ#:كقولو صلى ا﵁
عليو كسلم ":ال عدوى وال طيرة وال ىامة وفر من المجذوم فراراك من األسد "( :اٟتديث ،فتح البارم
شرح صحيح البخارم ،كتاب الطب:ج َُ )ُِِِ#:كبالفحص نتجنب الكثَت من األمراض
ّ-حث النيب صلى ا﵁ عليو كسلم على النظر إذل ا١تخطوبة ،فعن أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو أف رجبلن خطب
امرأة فقاؿ لو النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ":انظر إليها فإف يف أعُت األنصار شيئان "(اٟتديث ،النوكم شرح
مسلم ،كتاب السبلـ ،باب الطب:ج ْ٦ ، )ُِْْ#:تا يدؿ على أ٫تية معرفة العيوب يف ا١تخطوبة .
ْ-الفحص قبل الزكاج من األخذ باألسباب كقد أيمر ا١تسلم باألخذ ّٔا .
ْ -نص العلماء من ا١تالكية كالشافعية كاٟتنابلة على أف عقد النكاح يدخلو خيار العيب كغَته من
كا٠تبلصة أف قضية الفحص قبل الزكاج من القضايا ا١تعاصرة اليت ٬تب أف ال تثَت جدالن فقهيان كبَتان فهي
مرتبطة ارتباطان كليان ٔتصلحة ٤تققة لئلنساف ،كقد بدأت دكؿ بالفعل بإلزاـ ا١ت ٍق ًدمُت على الزكاج بالفحص
الطيب كعلى رأس تلك الدكؿ يف الوطن العريب الكويت ،حيث منعت بقانوف إجراء عقود الزكج دكف الوثيقة
الطبية اليت تثبت قياـ الرجل كا١ترأة الراغبُت يف االرتباط ببعضهما بالفحص الطيب ( .اليافعي. )َُِِ،
المفهوم :يف اللغة :معٌت طلق يف معجم اللغة العربية ا١تعاصرة(ََِٖ ) طلَّق يطلق طبلقان فهو طالق
كطالقة ،كا١تفعوؿ مطلوؽ منو ،كطلقت ا١ترأة من زكجها ٖ :تللت من قيد الزكاج ،كخرجت من عصمتو،
يقاؿ :طيلقت ا١ترأة طبلقان رجعيان ،كيقاؿ :ىي طالق ثبلث .
كيف سبل السبلـ الطبلؽ لغة :حل الوثاؽ مشتق من اإلطبلؽ كىو اإلرساؿ كالًتؾ ،كفبلف طلق اليدين
كيف االصطبلح الشرعي ،الطبلؽ :حل عقدة التزكيج (الصنعاين ُُِْ،ق ) .أك ىو حل رابطة الزكاج
الطالق اإللكتروني :ىو الطبلؽ الذم يتم عن طريق إحدل الوسائل اإللكًتكنية اٟتديثة كا٢تاتف أك
مع تطور اٟتياة كالتقدـ ا٢تائل كا١تتسارع للبشرية يف ٣تاؿ االتصاالت تربز إذل الواقع موضوعات كثَتة متعلقة
باألسرة ،من أ٫تها :الطبلؽ اإللكًتكين عرب إحدم كسائل االتصاؿ ،سواء كاف بالتلفوف أك عن طريق النت ،
كح ًر ّّ
م بكتب الفقو أف توضح اٟتكم يف ذلك ،كتضع قواعد كاضحة ١تسألة الطبلؽ أك غَتىا من الوسائل .ى
اإللكًتكين صحة أك فسادان .
ناقش فقهاء ا١تسلمُت الكثَت من الصيغ اليت تػي ىع ّْرب عن حقيقة نية الرجل على االنفصاؿ عن زكجتو ،كيف نظر
الفقهاء فالطبلؽ يقع بكل ما يدؿ على إهناء العبلقة الزكجية ،سواء كاف باللفظ ،أـ بالكتابة إذل الزكجة ،
أـ باإلشارة من األخرس ،أك بإرساؿ رسوؿ .كيقع من البالغ العاقل ا١تختار (.سيد سابق،ا١ترجع السابق)
بلؽ مَّرتى ً
اف كيقوؿ الشوكاين رٛتو ا﵁ (ُُٗٗ) ىو جائز من مكلف ٥تتار كلو ىازالن بقولو تعاذل ﴿ :الطَّ ي ى
يح بًًإ ٍح ىساف ﴾ ( القرآف .البقرة ِ )ِِٗ:كٟتديث ابن شهاب قاؿ :أخربين سادل فىًإمس ه ً و
اؾ ٔتىٍع يركؼ أ ٍىك تى ٍس ًر ه ٍى
أف عبدا﵁ بن عمررضي ا﵁ عنهما أخربه أنو طلق امرأتو كىي حائض فذكر عمر لرسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو
كسلم فتغيض فيو رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم ٍب قاؿ " :ليراجعها ،ثم يمسكها حتى تطهر ،ثم
تحيض فتطهر ،فإن بدا لو أن يطلقها فليطلقها طاىراً قبل أن يمسها فتلك العدة كما أمره اهلل "
كيف اٟتديث عن أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو ،قاؿ :قاؿ صلى ا﵁ عليو كسلم ":ثالث جدىن جد وىزلهن
جد :النكاح ،والطالق،والرجعة " (اٟتديث ،سنن الًتمذم ،كتاب الطبلؽ:ج . )ُُْٖ#:
ٍ ِ
اك بِ َم ْع ُروف أ َْو تَ ْس ِر ٌ
يح سٌ َّ
كالطبلؽ قد يكوف يسنيان كقد يكوف بدعيان ،قاؿ ا﵁ تعاذل﴿ :الطال ُق َم َّرتَان فَ ْإم َ
بِِإحس ٍ
ان ( ﴾...القرآف .البقرة ِ ، )ِِٗ:فاآلية انتظمت ٚتيع أنواع الطبلؽ ا١تسنوف فإذا ما خرج عنو َْ
فهو خبلؼ السنة فثبت بذلك أف من ٚتع اثنُت أكثبلثان يف كلمة فهو مطلق لغَت السنة ،كما دكف الثبلث
تثبت معو الرجعة ،كمن حديث ابن عمر رضي ا﵁ عنهما يكوف طبلؽ السنة معقودان بوصفُت :أحد٫تا
العدد كاآلخر الوقت ،فأما العدد فبل يزيد يف طهر كاحد على كاحدة ،كأما الوقت فأف يطلقها من غَت
كخبلؼ طبلؽ السنة يكوف طبلؽ البدعة أك الطبلؽ البدعي ،كىو الطبلؽ يف حيض أك نفاس ،أك يف طهر
جامعها فيو كدل يتبُت ٛتلها أك ٚتع يف تطليقها الثبلث بواحدة .
ى
كيقسم ابن قيم اٞتوزية ( ََِٗ ،ص ُّٖ )ُْٖ-الطبلؽ إذل أربعة أكجو ،كجهاف حبلالف ،ك٫تا :
جام ىع ىها
عندما يطلق الرجل زكجتو يف طهر أك كىي حامل ،كاٟتراماف :أف يطلقها كىي حائض أك يف طهر ى
فيو ،أما غَت ا١تدخوؿ ّٔا فيجوز أف يطلقها حائضان كطاىران ،كقد نقل ابن قيم ا٠تبلؼ يف كقوع الطبلؽ
حاؿ اٟتيض أك الطهر الذم كقع فيو ٚتاع فقاؿ رٛتو ا﵁ " :فإف ا٠تبلؼ يف كقوع الطبلؽ ا﵀رـ دل يزؿ ثابتان
كىذا يعٍت أنو ال يوجد اتفاؽ حوؿ كقوع الطبلؽ البدعي ،أما من حيث كصفو باٟتراـ فبل يوجد فيو
خبلؼ ،كاألقرب ىو ما ذىب إليو الكثَت من العلماء كمنهم ابن تيمية كابن قيم اٞتوزية من القدامى كابن
باز من ا١تعاصرين كابن عثيمُت كاأللباين ( .ابن قيم ( ، )ََِٗ،ا١توقع الرٝتي للشيخ بن باز)َُِْ،
(ا١توقع الرٝتي البن عثيمُت( )َُِْ،موسوعة الفتاكل الصوتية ، )َُِْ،كالطبلؽ ىو اٟتل األخَت الذم
يكوف بعد استنفاذ كل جهود التوفيق بُت الزكجُت إذ أف األصل ىو السعي لبقاء اٟتياة الزكجية حىت كإف طرأ
عليها ما يعكر صفوىا أحيانان ،قاؿ تعاذل ِ ﴿:وإِ ْن ِخ ْفتُ ْم ِش َقا َق بَ ْينِ ِه َما فَابْ َعثُوا َح َك َماً ِم ْن أ َْى ِل ِو َو َح َك َماً ِم ْن
ص َال َحاً يُ َوفّْ ِق اهللُ بَ ْي نَ ُه َماإِ َّن اهللَ َكا َن َع ِليماً َخبِ َيراً﴾ ( القرآف .النساء ْ . )ّْ:فإف ِ
أ َْىل َها إِ ْن يُ ِري َدا إِ ْ
تعثرت كل اٞتهود إلعادة اٟتياة الزكجية إذل قوهتا كطبيعتها فقد شرع ا﵁ الطبلؽ ،قاؿ تعاذل َ ﴿:وإِن يَتَ َف َّرقَا
كوسيلة ٟتل مشكلة حقيقية تتمثل بًتىػ ىع ُّذر ٖتقيق حياة السكن كا١تودة ،قاؿ تعاذل :
اجاً لِتَ ْس ُكنُوا إِلَْي َها َو َج َع َل بَ ْي نَكم َم َو َّدةً َوَر ْح َمةً إِ َّن فِي ذَلِ َ ِ ِ ِ ِ
ك ﴿ َومن آياتو أَ ْن َخلَ َق لَ ُك ْم م ْن أَن ُفس ُك ْم أَ ْزَو َ
يات لَِق ْوٍم يَتَ َف َّك ُرون ﴾ (القرآف.الركـ َّ )ُِ:فعندما تفقد اٟتياة الزكجية ا١تودة كالرٛتة ألم سبب من
َآل ٍ
األسباب فهذا يعٍت أف تتحوؿ إذل كآبة كمعاناة ال تقتتصر آثارىا السلبية على بيت الزكجية فقط ،بل
تتعدل ذلك إذل آّتمع حيث ال يتمكن من االستفادة من قدرات ا١تختلفُت كيتحمل ا١تشكبلت ا١تًتتبة عن
ذلك .كتصبح األسرة يف مهب أعاصَت الشقاؽ بسبب ا٠تبلفات اليت تعصف بكل ركابطها ،كالطبلؽ أحد
اٟتلوؿ لتلك ا١تشكبلت كاألصل فيو اإلباحة عند قياـ األسباب اليت تدعو إليو (.سربيٍتََِٕ،ـ)
149
كمع تقدـ العادل يف كل جوانب اٟتياة فقد شهد أيضان تطوران سريعان يف كسائل االتصاالت فلم يعد من
الصعوبة ٔتكاف التواصل بُت الناس كإف تباعدت ا١تسافات ،فالتلفوف كاإلنًتنت كما يتصل ّٔما من كسائل
اتصاؿ اجتماعي حديثة ِّقربت ا١تسافات كأصبح العادل كالقرية الواحدة كأصبح ٔتقدكر اإلنساف أف ينجز
الكثَت من ا١تعامبلت عرب تلك الوسائل كىو قاعد يف بيتو كبأقل التكاليف ،كأصبح اإلنساف يفي بالتزاماتو
عرب الوسائل اٟتديثة كيرسل كيستقبل األمواؿ كالعقود كالبحوث كيوافق كيرفض كغَت ذلك بكل أر٭تية .ككل
العمليات اليت يقوـ ّٔا اإلنساف موثقة كيستطيع النسخ كعمل ملفات يف ٥تتلف القضايا كيستطيع استدعاء
ا١تعلومات يف الوقت الذم ٭تب .كالقضية اليت نناقشها ىي قضية الطبلؽ اإللكًتكين كال شك أف ىذا
الطبلؽ رافق التكنولوجيا اٟتديثة كليس للفقو اإلسبلمي قدٯتان رأم فيو ،كلكن سيتم تناكؿ اٞتانب الشرعي
باجتهادات ا١تسلمُت اليوـ كال شك بأف علماء اليوـ سَتجعوف إذل القدًن من اآلراء الفقهية كا١تقاربة بُت
من الزكج يف إيقاعو .كيف ىذه القضية سينقل الباحث – بتصرؼ -ما توصلت إليو الدكتورة فريدة زكزك
(َُِِ) يف ْتث بعنواف أثر التكنولوجيا اٟتديثة يف النظر الفقهي"الطبلؽ با٢تاتف النقاؿ ٪توذجا" ،حيث
تقوؿ :ناقش ا١تتأخركف مسألة الطبلؽ بالكتابة إذل الغائب ،كاتفقوا على كقوع الطبلؽ بالكتابة ا١تعنونة باسم
الزكجة كا١توجهة إليها شخصيان ،كجعلوا حكمها حكم الطبلؽ الصريح إذا كاف اللفظ صر٭تان .كبظهور صور
جديدة للوسيلة اليت يقع ّٔا الطبلؽ فهل ٯتكن أف يقع الطبلؽ بالفعل أك الكتابة ،أك اإلشارة ا١تفهومة ،أك
ا١تفهوـ من القرائن فهناؾ العديد من الوسائل اليت ٯتكن أف تقوـ مقاـ اللفظ ،كمنها :الطبلؽ بالكتابة ،
كالطبلؽ باإلرساؿ :كمعناه أف ٬تعل الزكج إعبلـ زكجتو بثبوت طبلقها لغَته ،كذلك بأف يرسل إليها من
ٮتربىا أنو طلقها .كإذا قاؿ الزكج لشخص :اكتب طبلؽ امرأٌب كابعث بو إليها .فإف ذلك يكوف إقراران
150
بالطبلؽ فسواء كتب أك دل يكتب يقع الطبلؽ .كللطبلؽ صور حديثة يف الطريقة اليت يتم ّٔا كقوع الطبلؽ
بُت الزكجُت ،فبعد أف كاف يتم مشافهة كيف حضور الزكجة أك كليٌها أك ككيلها ،ظهرت لو صورة أخرل يف
العقود ا١تتأخرة كىي كتابتو يف كرقة كإرسالو عرب الربيد العادم ،أما اآلكنة األخَتة فإهنا تشهد صورا أخرل
استدعى كجودىا كاستعما٢تا التطور التكنولوجي اٟتادث يف كسائل االتصاؿ،فظهر طبلؽ الرسالة ا١تسجلة يف
ا٢تاتف النقاؿ ،كظهر طبلؽ الربيد اإللكًتكين ،ففي الوقت الذم يشهد فيو العادل اإلسبلمي تزايدان يف نسبة
الطبلؽ ،خاصة بُت حديثي العهد بالزكاج ،فإننا نشهد أيضان حضوران قويان ١تهمة جديدة للهاتف النقاؿ فيما
ٮتص ىذا ا١توضوع؛ إذ أصبح أحد الوسائل اليت يتم ّٔا الطبلؽ ،فالرجل ال ٬تد عناء يف كتابة كلمات
الطبلؽ لزكجتو بدؿ ٥تاطبتها بذلك .كإذ تبدك أف كسيلة ا٢تاتف النقاؿ تشبو إذل حد كبَت الوسائل األخرل
ا١تتأخرة مثل الرسالة ،إال أهنا ٗتتلف عنها يف طريقة كىيئة مباشرة الطبلؽ ،ككيفية كصولو للزكجة ،فهو طريقة
غريبة أك باألحرل ساخرة يف إيقاع الطبلؽ ،فإنو نوع من أنواع إىانة مشاعر الزكجة مهما كانت ا١تشاكل
بينها كبُت مطلقها ،كمنو االستهزاء بتعاليم ىذا الدين الذم أباح الطبلؽ ،كأمر أف يكوف بإحساف ،قاؿ
تعاذل :تعاذل ﴿:فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان﴾ (القرآف .البقرةِ)ِٗٗ:؟ فأين يكمن اإلحساف
يف رسالة مسجلة با٢تاتف تنزؿ كالصاعقة على ا١ترأة ؟! كىنا سؤاؿ جوىرم ٭تتاج إلجابة كافية :ما الداعي
أصبلن ٢تذه الوسيلة إذا ما اقتضى األمر استدعاء الزكج لدل القاضي كتأكيد ىذه الواقعة ؟ كما سنرل يف
الواقعة التالية ؟ يقوؿ د٤.تمد عقلة ":إيقاع الطبلؽ من خبلؿ الوسائل اٟتديثة ،كا٢تاتف ،كالربقية ،كالتلكس
كالكاسيت يعتمد على اللفظ ،أك الكتابة ،كيقع ّٔا الطبلؽ إذا ٝتعت ا١ترأة صوت زكجها ،كتيقنت من أنو
ىو ا١تتحدث ،أك قرأت برقيتو كتأكدت أنو ىو ا١ترسل .كلكن يف مثل ىذه اٟتاالت على الرجل أف يشهد
على طبلقو ،كيسجلو يف ا﵀كمة ،كيبلغو رٝتيان للمطلقة بالربيد ا١تسجل ،أك عن طريق السفارة ليتخذ صفة
151
القطع كعدـ تطرؽ االحتماؿ إليو" .كإذا كاف الطبلؽ عادة ٭تدث كالزكجاف يف حالة غضب فإف استخداـ
ىذه الوسيلة يظهر أف الرجل يستخدـ حقو يف التطليق كىو يف كامل كعيو ،كٯتكن بذلك تسمية ىذا
الطبلؽ بالطبلؽ ا٢تادئ بدالن من الطبلؽ الصريح ،فهو طبلؽ القصد فيو كامل كمتحقق كمتيقن منو.
كاللفظ الصريح كأف يقوؿ الرجل لزكجتو :أنت طالق ،فهو لفظ ال ٭تتمل غَته.كأما لفظ الكناية :فهو اللفظ
الذم ٭تتمل الطبلؽ كغَته ،مثل قولو :أنت خلية ،أنت حرة ،اذىيب إذل بيت أىلك ...كما أشبو ذلك فبل
تقبل إال بنية التطليق .أما يف حالة طبلؽ ا٢تاتف النقاؿ فإف الزكج ال يتلفظ بالطبلؽ كإ٪تا يكتبو ٍب يقوـ
بإرسالو إذل زكجتو ،كىذه العملية ال ٯتكن أف تتم كالزكج غَت قاصد أك غافل عما يفعل؛ إذف الطبلؽ صريح
مقصود كالباعث فيو كاضح .كقد استعمل فيو كسيلتُت من كسائل إيقاع الطبلؽ ،ك٫تا :كسيلة الكتابة،
ككسيلة اإلرساؿ .كىذه أحد جوانب ا١توضوع ،أما اٞتانب الثاين فهو مسألة اإلشهاد .قاؿ ابن عبد الرب:
" اإلشهاد على الطبلؽ ليس بواجب فرضان عند ٚتهور أىل العلم ،كلكنو نى ٍدب كإرشاد كاحتياط للمطلق
كاإلشهاد على البيع" .كقد أكدت ا﵀اكم الشرعية ا٠تاصة با١تسلمُت يف سنغافورة قبو٢تا للطبلؽ عرب رسائل
ا٢تاتف النقاؿ أيضان ،أما مفيت ديب فيقوؿ ":الطبلؽ عرب ا٢تاتف كتابة ٔتا يسمى (ا١تسج) ىو نوع من أنواع
الطبلؽ بطريق الكتابة ،ألنو يكتب لفظ الطبلؽ سواء بالعربية أك غَتىا ،كعندئذ ٕترم عليو أحكاـ كتابة
الطبلؽ صر٭تان كاف أك كناية ...كلكن بشرط أف يكوف الكاتب الزكج أك ككيلؤ ،تعٌت أف ا١ترأة ال يلزمها
العدة حىت تعلم أف ىذه الكتابة صادرة من الزكج نفسو أك ككيلو ،كذلك ألف احتماؿ التزكير يف ىذا النوع
كثَتان .ك٭تصل التأكيد إما بإقرار الزكج أك البينة العادلة .فإذا ثبت ذلك اعتدَّت ا١ترأة من تاريخ صدكر تلك
الكتابة من الزكج" .كالدكتور ٤تمود عكاـ أستاذ الشريعة باٞتامعات األردنية يرل أف الطبلؽ عرب رسائل
ا﵀موؿ أك الربيد اإللكًتكين قد يدخلو كثَت من الغش كا٠تداع؛ كلذا فإف ترؾ ىذه الوسيلة غَت ا١تضمونة
152
أكذل .كيقوؿ عبد السبلـ دركيش ا١تختص يف القضايا األسرية يف ٤تاكم ديب بأف قبوؿ الطبلؽ عرب الرسائل
القصَتة مرىوف بأربعة شركط كىي" :أف يكوف الزكج ىو ا١ترسل ،كأف يكوف لديو العزـ كالرغبة على تطليق
زكجتو ،كأف ال تعٍت صياغة الرسالة أكثر من معٌت غَت الطبلؽ ،كأف تستقبلها الزكجة" .كدل يتخذ رئيس الوزراء
ا١تاليزم "٤تاضَت ٤تمد" موقفان قاطعان من اٞتدؿ الواقع ،حيث قاؿ" :إف ٣تلس الوزراء قرر أنو يف الوقت الذم
ٯتكن فيو اعتبار الطبلؽ ّٔذه الوسيلة صحيحان ،إال أنو يبقى أف ىذه ليست ىي الوسيلة اٞتيدة" .كشدد
على ضركرة ٕتنب إساءة استخداـ مثل ىذه التكنولوجيا اٟتديثة .كما أف الدكتور عبد الوىاب الديلمي كزير
العدؿ اليمٍت السابق يرفض استخداـ الربيد اإللكًتكين إلببلغ الزكجة بالطبلؽ ،حيث ٯتكن ألم شخص أف
يوقع الفتنة بُت الزكجُت بإرسالو إٯتيل ٭تمل الطبلؽ لزكجة دكف علم زكجها ( .فريدة زكزك . ) َُِِ،كيؤكد
د علي أبو البصل (َُِْ) بضركرة توثيق الطبلؽ عرب الوسائل اٟتديثة عن طريق التوقيع اإللكًتكين أك طرؽ
من خبلؿ العرض السابق يتبُت لنا بأف الطبلؽ اإللكًتكين ىو إحدل الصور اٟتديثة للتعبَت عن رغبة الزكج
يف إهناء العبلقة الزكجية ،كىذه الوسيلة اٟتديثة خاض فيها العلماء كرجاؿ القانوف اليوـ كبيَّنوا بأهنا تكتنفها
الكثَت من األخطار كبالذات الطبلؽ عرب ا٢تاتف ا﵀موؿ ،فإمكانية التزكير كإرساؿ رسالة طبلؽ الزكجة من
التلفوف عرب الغَت منتحلُت اسم الزكج كمستخدمُت تلفونو الشخصي تيدخل الشك يف اعتماد ىذه الوسيلة
ضمن الوسائل ا١تشركعة يف الطبلؽ ،كلكن إذا ًب التأكد من مصدرىا بإقرار الزكج كاكتملت باقي الشركط
ا١تتعلقة بنفاذ الطبلؽ كتأكد لدل ا﵀كمة أك القاضي ا١تنظور لديو القضية من صحة العزـ على الطبلؽ فلو
أف ينفذ الطبلؽ كٖتسب عدة ا١ترأة من حُت إرساؿ الرسالة ،كينطبق ىذا اٟتكم على باقي الرسائل عرب
153
النت أك الفاكسميل كغَتىا من الوسائل اٟتديثة ،فالكتابة على كرقة عادية ،أك على النت كالشبكة
اإللكًتكنية ،أك اإلشارة ا١تفهمة ،أك أم كسيلة تعرب عن الطبلؽ ٭تصل ّٔا الطبلؽ ،كلكن يف الوسائل اٟتديثة
٬تب التأكد من حدكث الطبلؽ من الزكج نفسو ال غَته ،ك٬تب ٖترم كل الشركط ا١تتعلقة بالطبلؽ مع أف
الباحث ٯتيل إذل أف استخداـ مثل ىذه الوسائل ٬تب أف يكوف يف أضيق نطاؽ كللضركرة .كيبقى األصل أف
نتبع السنة يف إجراء الطبلؽ حفظان للحقوؽ ،كحفظان لكرامة ا١ترأة ،كحفاظان على األسرة كاستجابة لقولو
تعاذل ﴿:أو تسريح بإحسان ﴾ (القرآف .البقرة ِ ، )ِٗٗ:فالشبكة العنكبوتية اليوـ دل تعد سران كرٔتا ىذه
الرسالة اليت تضمنت الطبلؽ كا١ترسلة من الزكج لزكجتو تتلقاىا بعض ا١تواقع كتنشرىا فيكوف يف ذلك جرح
للمرأة كتأثَت على مستقبلها ،كالقاعدة يف اإلسبلـ أف ال ضرر كال ضرار .كما أنو للدكلة أف تصدر قانونان
يينظم ىذا الطبلؽ ،على أف يتضمن القانوف عقوبات صارمة لكل من يتجاكز كيستهًت بأمر الطبلؽ أك
ينتحل صفة غَته فيجرل الطبلؽ مازحان أك جادان ،كعقوبات على كل من ينشر األمر أك يكوف سببان يف
ذلك حىت نصوف حق الزكجة كنضمن للزكج اٟتق يف إهناء العبلقة الزكجية اليت اكتملت فيها مربرات اإلهناء
ٓ-زواج المسيار:
المفهوم :
يف اللغة :جاء يف لساف العرب ،السَت :الذىاب ،سار يسَت سَتان ،كمسَتة كتىسياران كثرة ،يقاؿ سار القوـ
ا١تسيار يف االصطبلح :ىو الزكاج الذم يذىب فيو الرجل إذل بيت ا١ترأة كال تنتقل ا١ترأة إذل بيت الرجل؛ كيف
الغالب تكوف ىذه الزكجة ثانية ،كعنده زكجة أخرل ىي اليت تكوف يف بيتو كينفق عليها (ا١تسلمُِْٕ،ق).
زكاج ا١تسيار من أنواع العقود ا١تعاصرة كاليت ظهرت يف اآلكنة األخَتة ،كبالتحديد يف دكؿ ا٠تليج ،حيث
كاف أكؿ ظهور لزكاج ا١تسيار يف منظقة القصيم يف السعودية (.األشقر ،مرجع سابق صُٕٔ) ككوف اليمن
تؤثر كتتأثر بالقضايا ا١تختلفة يف ٤تيطها العريب كاإلقليمي فإف مثل ىذا الزكاج بدأ اٟتديث عنو فأصبح من
اإلسبلـ يشجع على الزكاج ك٭ترـ كل العبلقات اٞتنسية القائمة على غَت الزكاج ،كمنهج اإلسبلـ قائم على
أساس احًتاـ طبيعة اإلنساف اليت ٮتتلف فيها عن اٟتيواف ،فاالرتباط بُت الرجل كا١ترأة ىو ارتباط كثيق ،
كا١تيثاؽ الغليظ الذم كاف كقت العقد على الزكاج باإلمساؾ ٔتعركؼ أك تفريق بإحساف (.الطربم ،مرجع
سابق) .كيقوؿ النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ":اتقوا اهلل في النساء فإنكم أخذتموىن بأمانة اهلل ،
واستحللتم فروجهن بكلمة اهلل ،ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" (اٟتديث ،مسلم ،كتاب
اٟتج :جِ .)ُُِٖ#:كقد ارتبط الزكاج با٠تلقة األكذل ،فقد خلق ا﵁ آدـ كخلق حواء لتكوف لو سكنان ،
قاؿ تعاذل ﴿:ىو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ( ﴾..القرآف.األعراؼ
الجنَّة ﴾..
ك َ َنت َوَزْو ُج َ
اس ُك ْن أ َ
آد ُم ْ
ٕ . )ُٖٗ:كخاطب ا﵁ آدـ عليو السبلـ فقاؿ َ ﴿:ويَا َ
(القرآف.األعراؼ ٕ . )ُٗ:ككصف ا﵁ ا١تؤمنُت بقولو ﴿:والَّ ِذين ُىم لِ ُفر ِ
وج ِه ْم َحافِظُو َن .إَِّال َعلَىَ ْ ُ
اء ذَلِ َ
ك فَأُولَئِ َ ِ ِ أَ ْزو ِ
اج ِه ْم أ َْو َما َملَ َك ْ
ادون ﴾
الع ُ
ك ُى ُم َ ت أَيْ َمانُ ُه ْم فَإنَّ ُه ْم غَْي ُر َملُومين .فَ َم ِن ابْتَ غَى َوَر َ َ
(القرآف.ا١تؤمنوف ِّ. )ٓ:
كقد كضع الفقهاء شركطان لصحة عقد الزكاج حيث اتفقوا يف بعضها ،كاإل٬تاب كالقبوؿ ،كاختلفوا يف بعضها
اآلخر ،كالورل كالشهود ،كاإلعبلف ،كا١تهر ،كالكفاءة ،فمنهم من ع ٌدىا شركطان ،كمنهم من عدىا أركانان
(ا١تطلقُِّْ،ق ) ،لكنهم متفقُت على عدـ ًح ٌل استحبلؿ الفركج بغَت العقد الشرعي ا١تكتمل األركاف
كالشركط .كزكاج ا١تسيار ظهر حديثان ،ككلمة ا١تسيار دارجة ككأف اللفظ يوحي بعدـ االستقرار يف ا١تكوث
كليست باألٝتاء ،فالعقد متوفر فيو الشركط كا١ترأة تنازلت بإرادهتا عن بعض حقوقها ،كالسكن فلها ذلك ،
كزكاج ا١تسيار ليس ىو الزكاج الذم ٭تبذه أك يدعو إليو كلكن ال يستطيع أف يقوؿ ْترمتو كما جاء ذلك عنو
156
يف الربنامج ،كيف نفس الربنامج يعارض الدكتور علي القرداغي زكاج ا١تسيار كيقوؿ ":فيو نوع من السرية،
كيف نفس الوقت فيو شركط إما مكتوبة أك موثقة ،بأف ال يكوف ىناؾ حق ا١تبيت إال يف النهار إضافة إذل
التنازؿ عن حقوؽ النفقة كغَت ذلك ،كيعترب أف زكاج ا١تسيار ال يتمتع بتحقق ا١تقصد الشرعي للزكاج من
كبا١تناسبة فقد كجد الباحث يف كتب الًتاث يف ا١تغٍت البن قدامة أف ىذا النوع من الزكاج كاف موجودان
ككاف ييسمى بالزكاج النهاريات أك الليليات ،كالباحث دل ٮتض يف تفاصيل كال يف مناقشة أدلة آّيزين أك
ا١تعارضُت للموضوع ،كإ٪تا أشار إذل اجتهادات معاصرين أك دراسات تعمقَّت يف إبراز ا١توضوع من جوانبو
ا١تختلفة فطبيعة البحث تقتضي البعد عن التفصيل كتقوـ على بياف ا١تفهوـ كنقل صورة كاضحة عن طبيعتو
كنظرة الشريعة ٕتاىو من خبلؿ نقل أىم اجتهادات العلماء حيالو .كمن ذلك فقد توصل الباحث
ا١تطلق(ُِّْق ) يف دراسة بعنواف "زكاج ا١تسيار دراسة فقهية كاجتماعية نقدية " إذل النتائج التالية :
ُ -زكاج ا١تسيار زكاج مستكمل الشركط ا١تتعارؼ عليها عند ٚتهور العلماء ،ففيو تراضي الزكجُت
متحقق كالشهود كالورل ،كلكنو يتضمن تنازؿ الزكجة عن بعض حقوقها من النفقة كالقسم ،
كمع صحتو إال أف ىذا الزكاج ال ينبغي التشجيع عليو ألنو ال يتمثل فيو حقيقة الزكاج ا١تؤدم
ِ -تسمية الزكاج با١تسيار بناء على اللهجة الدارجة كاليت توحي بعدـ استقرار الرجل كتدؿ على مركره
ّ -من أىم أسباب ظهور زكاج ا١تسيار كثرة العوانس كا١تطلقات كاألرامل كصو٭تبات األعماؿ ،ىذا
بالنسبة للمرأة ،أما الرجل فا١تتعة اٟتبلؿ اليت تتماشى مع الظركؼ ىي أكرب دافع لو ،كا١تغاالة
يف ا١تهور كعدـ القبوؿ بالزكاج بالثانية ىي أسباب تتعلق بآّتمع تدفع ١تثل ىذا الزكاج .كىذا
الزكاج ٭تقق بعض ا١تنافع ،مثل إعفاؼ أعداد كبَتة من الرجاؿ كالنساء كٕتاكز الظركؼ ا١تانعة
من الزكاج الطبيعي .كمن األمور اليت يٮتشى منها أف يتحوؿ مثل ىذا الزكاج إذل ٣ترد متعة يتم
ٖتوؿ ا١ترأة فيو من رجل إذل آخر ككذلك الرجل .كزكاج ا١تسيار عند أىل السنة ٮتتلف ٘تامان
عن ا١تتعة كزكاج ا﵀لل فالصورتُت األخَتتُت ٤ترمتُت باتفاؽ بينما ا١تسيار فا٠تبلؼ يف ا١توازنة بُت
ا١تصلحة كا١تفسدة ا١تًتتبة عليو .كيف دراسة أخرل لؤلشقر (َََِ) تناكؿ فيها زكاج ا١تسيار
من خبلؿ ما سبق نلمح اختبلؼ العلماء كالباحثُت يف مسألة زكاج ا١تسيار بُت يمبيح كمانع كمتحفظ .
كمثل ىذه القضايا ٖتتاج إذل مزيد ْتث كتعمق .كٯتيل الباحث إذل الرأم القائل ّتواز ىذا العقد كصورة
حديثة فرضت نفسها على كاقع معاصر يقتضي التعامل معو بنوع من ا١تركنة .فظركؼ العمل كاالنشغاؿ
الكامل من ا١ترأة قد ال ٬تعل ٢تا فرصة لبلرتباط بعقد زكاج تتمثل فيو الصورة ا١تثالية للزكاج كلكنها ترضى
ٔتا دكهنا حفظان على عفتها كحرصان على عملها ككضعها .فبدالن من أف ٗتوض ٕتارب زكاج فاشلة حيث
158
ال تستطيع أف تقوـ ّتميع حقوؽ زكجها فمن حقها أف تعيش يف كنف زكج تتنازؿ عن بعض حقوقها
يف سبيل ٖتقيق مصلحة معتربة ٢تا كلزكجها على حد سواء .كالتحليل كالتحرًن ﵁ تعاذل كالفقيو ليس لو
عند الفتول أف يفيت إال ٔتا يظهر لو من حقيقة ا١تسألة دكف النظر إذل قبولو أك رفضو اجتماعيان .