You are on page 1of 94

‫الأ�سرة بني العدل والف�ضل‬

‫�إ�شارات و�إثارات‬

‫د‪ .‬فريد �شكري‬

‫( �إبريل ‪2012‬م ‪ /‬جمادى الأولى ‪1433‬هـ )‬ ‫الإ�صدار‪52 :‬‬


‫الإخراج الفني‪ :‬حممود حممد �أبو الف�ضل‬

‫‪2‬‬
‫د‪ .‬فريد �شكري‬
‫من مواليد املغرب‪ ،‬حا�صل على دكتوراه الدولة يف الدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬يعمل‬
‫�أ�ستاذا لأ�صول الفقه ومقا�صد ال�شريعة بكلية الآداب والعلوم الإن�سانية‪،‬‬
‫املحمدية باملغرب‪.‬‬
‫وهو ع�ضو االحت��اد العاملي لعلماء امل�سلمني‪ ،‬وع�ضو املجل�س العلمي املحلي‬
‫باملحمدية ‪ -‬املغرب‪ ،‬وخبري باملجمع الفقهي بجدة‪.‬‬
‫له درا�سات وبحوث من�شورة باملجالت والدوريات املحكمة‪.‬‬

‫نهـ ــر مت ـعـ ـ ــدد ‪ ...‬مت ـجـ ـ ـ ــدد‬


‫م�شروع فكري وثقايف و�أدبي يهدف �إلى الإ�سهام النوعي يف �إثراء املحيط الفكري والأدبي‬
‫والثقايف ب�إ�صدارات دورية وبرامج تدريبية وفق ر�ؤية و�سطية تدرك الواقع وت�ست�شرف امل�ستقبل‪.‬‬

‫وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية‬


‫قطاع ال�ش�ؤون الثقافية‬
‫�إدارة الثقافة الإ�سالمية‬

‫�ص‪.‬ب‪ 13 :‬ال�صفاة ‪ -‬رمز بريدي‪ 13001 :‬دولة الكويت‬


‫الهاتف‪ - )+965( 22487310 :‬فاك�س‪)+965( 22445465 :‬‬
‫نقال‪)+965( 99255322 :‬‬
‫الربيد الإلكرتوين‪rawafed@islam.gov.kw :‬‬
‫موقع «روافد»‪www.islam.gov.kw/rawafed :‬‬

‫‪33‬‬
‫مت طبع هذا الكتاب يف هذه ال�سل�سلة للمرة الأوىل‪،‬‬

‫وال يجوز �إعادة طبعه �أو طبع �أجزاء منه ب�أية و�سيلة �إلكرتونية �أو غري‬

‫ذلك �إال بعد احل�صول على موافقة خطية من النا�شر‬

‫الطبعة الأوىل ‪ -‬دولة الكويت‬

‫�إبريل ‪ 2012‬م ‪ /‬جمادى الأوىل ‪1433‬هــ‬

‫الآراء املن�شورة يف هذه ال�سل�سلة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي الوزارة‬

‫كافة احلقوق حمفوظـة للنا�شر‬

‫وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية‬


‫املوقع الإلكرتوين‪www.islam.gov.kw :‬‬

‫رقم الإيداع مبركز املعلومات‪2012 / 16 :‬‬

‫مت احلفظ والت�سجيل مبكتبة الكويت الوطنية‬

‫رقم الإيداع‪083 / 2012 :‬‬


‫ردمك‪978-99966-50-36-9 :‬‬

‫‪44‬‬
‫فهر�س املحتويات‬

‫‪9‬‬ ‫ت�صدير‬
‫‪11‬‬ ‫متهيد‬
‫‪13‬‬ ‫املبحث الأول‪:‬العدل والف�ضل‪ :‬مفاهيم وظالل‬
‫‪15‬‬
‫مفهوم العدل والف�ضل‪:‬‬
‫‪17‬‬ ‫‪� -‬ص َيغ الف�ضل‪: ‬‬
‫‪31‬‬ ‫‪ -‬جمال العدل والف�ضل‪:‬‬
‫‪35‬‬ ‫‪ -‬العدل والف�ضل يف القر�آن الكرمي‪ :‬مناذج‬
‫‪47‬‬ ‫املبحث الثاين‪� :‬إطار العدل والف�ضل يف العالقة الزوجية‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اجتاهات العدل والف�ضل يف القر�آن الكرمي‪:‬‬
‫‪63‬‬ ‫يف جمال الأ�سرة‬
‫‪84‬‬ ‫خامتة‬

‫‪55‬‬
‫ت�صدير‬

‫احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على �سيد املر�سلني وعلى �آله‬
‫و�صحبه �أجمعني‪.‬‬
‫يزخر ال��ق��ر�آن الكرمي بالعديد من املبادئ والقواعد التي تنظم حياة‬
‫الإن�سان يف خمتلف املجاالت الفردية واجلماعية ‪ ،‬وهي مبادئ حمتاجة من‬
‫العقل امل�سلم �إلى �أن يح�سن تدبرها ومتثلها وتنزيلها يف واقع احلياة ‪ ،‬ويعيد‬
‫�صياغة م�ألوفاته الفكرية وال�سلوكية على وزان هدايات القيم القر�آنية‪.‬‬
‫وقد �سعى الباحث فريد �شكري �إلى �أن يجمع عنا�صر �إحدى تلك القواعد ‪،‬‬
‫ويعيد �سلكها يف منظومة متوازنة تك�شف عن جوهر التوجيهات القر�آنية يف‬
‫مو�ضوع الأ�سرة ت�أ�سي�سا وع�شرة وتفاعال‪ ،‬وقد دلل على �أن تلك التوجيهات‬
‫تقدم «نظرية» ت�ضبط العالقة بني مكونات الأ�سرة يف ظل التعاليم ال�سمحة‬
‫للقر�آن الكرمي‪.‬‬
‫وي�سر �إدارة الثقافة الإ�سالمية بوزارة الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية بدولة‬
‫الكويت �أن تقدم هذا الكتاب �إل��ى جمهور القراء الكرام‪� ،‬إ�سهاما منها‬
‫يف تقوية روح الفهم ال�سديد لهدايات القر�آن التي جتعل من العالقة بني‬
‫مكونات الأ�سرة امل�سلمة رابطة تتجاوز �إطار العدل لرتتقي يف �آفاق الف�ضل‬
‫والإح�سان‪.‬‬
‫والأمل معقود على �أن يحقق الكتاب الغاية من ن�شره‪ ،‬مع الدعاء مل�ؤلفه‬
‫بالتوفيق وال�سداد‪.‬‬

‫ �إنه �سميع جميب‪.‬‬

‫‪7‬‬ ‫‪7‬‬
‫متهيد‪:‬‬
‫تتميز ال�شريعة الإ�سالمية مبنظومة ت�شريعية متما�سكة‬
‫مع َّززة مبجموعة من القيم ت�ش ِّكل �سداها ومت ِّثل حلمتها‪،‬‬
‫غري مقت�صرة على اجلانب الإجرائي والقانوين‪.‬‬
‫ومن �أب��رز القيم و�أه ِّمها قيمة العدل وقيمة الف�ضل‪،‬‬
‫فالعدل مي ِّثل �أر�ضية �صلبة يقوم عليها بناء املنظومة‬
‫الت�شريعية‪ ،‬والف�ضل ميثل الف�ضاء ال��ذي ميتد فيه هذا‬
‫البناء ويتطاول وي�شمخ بنيانا مر�صو�صا بالقيم ي�شد بع�ضه‬
‫بع�ضا‪.‬‬
‫وبالت�أمل الأويل يف القر�آن الكرمي‪ ،‬نخرج مبالحظة‬
‫�أول��ي��ة‪ ،‬وه��ي ا�شتمال ال��ق��ر�آن الكرمي على نظرية كاملة‬
‫للعدل والف�ضل يف كافة الأحكام ال�شرعية وخا�صة �أحكام‬
‫الأ�سرة‪.‬‬
‫وت��روم ه��ذه الدرا�سة التعريف الأويل بهذه النظرية‬
‫وتتبع خيوطها‪ ،‬ور�سم مالحمها العامة ومعاملها الكربى‬
‫يف �أفق متديد ف�صولها بعد حتديد �أ�صولها‪.‬‬
‫�إن العدل والف�ضل قيمتان مت ِّثالن دم ًا ي�سري يف �شرايني‬
‫الأحكام ِمت ّدانها بطاقة اال�ستقرار وروح اال�ستمرار‪ ،‬وكما‬
‫‪9‬‬
‫�صفتي ال�صدق وال��ع��دل ف�إن‬
‫ْ‬ ‫�أن كلمات اهلل ت��دور ح��ول‬
‫�أحكام اهلل تدور حول �صفتي العدل والف�ضل‪ .‬ولو جاز �أن‬
‫نحاكي قول اهلل ع َّز وجل }ﮪﮫﮬﮭ ﮮ{‬ ‫َ‬
‫(االنعام‪ )115:‬ونن�سج على منواله جلاز لنا �أن نقول‪« :‬ومتت‬
‫�أحكام ر ِّبك عد ًال وف�ض ًال»‪.‬‬
‫ومبا �أن الأ�سرة مت ِّثل وحدة قيا�سية للمجتمع وت�ش ِّكل‬
‫ي�صدرها عرب و�سائط‬ ‫حم�ضن القيم الذي ينتج القيم و ِّ‬
‫تربوية‪ ،‬فاملنا�سب �أن ت�سبح الأ�سرة �أي�ضا يف ف�ضاء قيمي‬
‫يحقق لها التما�سك الأ�سري ال�سليم واالمتداد االجتماعي‬
‫القومي‪.‬‬
‫�أما الف�ضل فهو ف�ضاء رحب قابل للتفا�ضل والرتقي يف‬
‫مدارجه وال�سمو يف معارجه‪.‬‬
‫ومي ِّثل العدل احلد الأدن��ى ال��ذي تنطلق منه الأحكام‬
‫ال�شرعية وتُبنى عليه‪ ،‬وما دونه دركات الظلم التي ميكن‬
‫�أن ن�صطلح عليها بالع�ضل(((‪.‬‬
‫‪ -1‬ا�ستعملت « الع�ضل» لأن معناه ي�ؤول �إلى الظلم الذي هو «و�ضع ال�شيء يف غري مو�ضعه‪،‬‬
‫والت�صرف يف حق الغري‪ ،‬وجم��اوزة حد ال�شارع»‪( .‬الكليات‪ :‬معجم يف امل�صطلحات‬
‫والفروق اللغوية‪� ،‬ص ‪� 594‬أبو البقاء الكفوي‪ ،‬مقابلة‪ :‬عدنان دروي�ش ‪ ،‬حممد امل�صري‪،‬‬
‫الطبعة الأولى‪ ،1992 ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪� ،‬سوريا)‪.‬‬
‫وكذلك مراعاة للجنا�س ومل �أق�صد املعنى الوارد يف قوله تعالى } ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ{ الذي يعني امتناع الويل من تزويج موليته من الكفء حيث يجب‬
‫عليه هذا التزويج‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫و�إذا كان العدل قيمة مجُ معا عليه ومطلبا متفقا عليه‬
‫من ِق َبل الت�شريعات الو�ضعية يف كافة احل�ضارات ويف كافة‬
‫املجاالت‪ ،‬ف� َّإن الإ�ضافة النوعية التي يتميز بها الت�شريع‬
‫الإ���س�لام��ي ه��ي زاوي���ة النظر �إل���ى ه��ذه القيمة ووجهة‬
‫اعتبارها‪.‬‬
‫ذلك � َّأن العدل مي ِّثل لنا مع�شر امل�سلمني �أر�ضية ننطلق‬
‫منها ونقف عليها ابتدا ًء بينما هو ميث ُّل لغري امل�سلمني �سقف ًا‬
‫يرومون الو�صول �إليه انتها ًء‪.‬‬
‫بالإ�ضافة �إلى �أن ال�شريعة الإ�سالمية مل تكتف بتحقيق‬
‫العدل و�إقامته واملطالبة به فح�سب كما تطمح �إليه عامة‬
‫الأحكام القانونية الو�ضعية‪ ،‬و�إمنا ندبت �إلى حتقيقه بنفَ�س‬
‫وح�س الإح�سان وذلك حلكمتني‪:‬‬ ‫الف�ضل ِّ‬
‫احلكمة الأولى‪� :‬إن الف�ضل مبثابة املاء الذي ت�سبح فيه‬
‫قيمة العدل والهواء الذي ت�ستن�شقه والف�ضاء الذي ترفرف‬
‫فيه‪ ،‬وهذا يك�سبها املرونة واالمتداد‪.‬‬
‫احلكمة الثانية‪ :‬وهي �أنَّ��ه يف حالة اخلط�أ يف حتقيق‬
‫�أحكام ال�شرع القائمة على الف�ضل ف���إن امل�سلم لن يقع‬

‫‪11‬‬
‫مبا�شرة يف الع�ضل (((‪ ،‬بل «�أ�سو�أ» ما ي�سقط فيه هو مرتبة‬
‫العدل‪.‬‬
‫فالعدل ال مي ِّثل الأر�ضية ال�صلبة التي ينبني عليها البناء‬
‫الأ�سري ل�ضمان �سالمته عند تطاوله يف �آماد الزمن يف‬
‫حالة الوفاق فح�سب‪ ،‬ولكنَّه مي ِّثل �أي�ضا الطبقة الإِ�سفنجية‬
‫ال�صدام وت�شنّجات اخلالف يف حالة‬ ‫التي مت َّت�ص رعونات ِّ‬
‫ال�شقاق ‪.‬‬

‫‪ -1‬رغم خطاب الف�ضل ال��وارد يف القر�آن الكرمي وخا�صة يف مو�ضوع الأ�سرة‪ ،‬فقد‬
‫املحذرة من الوقوع يف الع�ضل كما يف قوله تعالى }ﭖ‬ ‫وردت الآيات القر�آنية ِّ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ{‬
‫البقرة(‪)231‬‬
‫} ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ{ البقرة(‪.)233‬‬
‫}ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ{ البقرة(‪.)282‬‬
‫} ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ{ الن�ساء(‪.)12‬‬
‫}ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ{ الطالق(‪)6‬‬
‫}ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ{ البقرة(‪.)190‬‬
‫} ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ { البقرة (‪.)178‬‬
‫َت بِهِ ِت ْل َك ُحدُو ُد ِﰏ َف اَل تَ ْعتَدُوهَا َو َم ْن يَتَ َع َّد ُحدُو َد ﰏﯭ ﯮ‬
‫}ﯹﯺﯻ فِي َما ا ْفتَد ْ‬
‫ﯯ{ البقرة (‪.)231‬‬

‫‪12‬‬
‫املبحث الأول‬
‫العدل والف�ضل‪ :‬مفاهيم وظالل‬

‫‪1313‬‬
‫مفهوم العدل والف�ضل‪:‬‬
‫يق�صد بالعدل يف معناه ال��ل��غ��وي‪ :‬امل�����س��اواة(((‪� ،‬أما‬
‫مفهوميا((( ف�إين �أق�صد بالعدل القيام باحلد الأدنى يف‬
‫الت�صرفات و�إيفاء احلقوق‪ ،‬و�أق�صد بالف�ضل القيام باحلد‬
‫الأق�صى يف الت�صرفات و�إيفاء احلقوق‪ ،‬فالعدل «�أن ت�أخذ‬
‫مالك و تعطي ما عليك»(((‪.‬‬
‫وعليه ف�إن الإح�سان �أو الف�ضل((( لي�س �أن ت�أخذ ما هو‬
‫مما هو لك و �أ َّال تعطي ما‬
‫لك فح�سب‪ ،‬بل �أن ت�أخذ �أقل ّ‬
‫مما عليك‪.‬‬
‫عليك فح�سب‪ ،‬بل �أن تعطي �أكرث ّ‬
‫ويقول الإم���ام اب��ن ح��زم يف ن�ص نفي�س حم ِّ��ددا هذه‬
‫املعاين‪«:‬ح ُّد العدل �أن تعطي من نف�سك الواجب وت�أخذه‪،‬‬
‫وح ُّد اجلور �أن ت�أخذه وال تعطيه‪ ،‬وح ُّد الكرم‪� ،‬أن تعطي من‬

‫‪ 1‬الذريعة �إلى مكارم ال�شريعة‪��� ،‬ص‪ ،253-252‬الراغب الأ�صفهاين‪ ،‬حت‪� :‬أبو اليزيد‬
‫�أبو زيد العجمي‪ ،‬ط‪ ،1،2007‬دار ال�سالم‪.‬‬
‫‪ - 2‬ف�إين لن �أطيل يف التحديدات مبعناها املنطقي‪ ،‬لكن غر�ضي هنا بيان ما �أرومه من‬
‫�إطالقي مل�صطلحي «العدل والف�ضل»‪.‬‬
‫‪ - 3‬الكليات‪� ،‬ص‪. 639‬‬
‫‪ - 4‬ن�ستعمل الإح�سان والف�ضل مبعنى واحد دون الوقوف عند التفريق بينهما كما ذهب‬
‫�إليه اجلرجاين بقوله «الف�ضل ابتداء �إح�سان بال علة» معجم التعريفات‪� ،‬ص ‪،141‬‬
‫ال�شريف اجلرجاين‪ ،‬حتقيق ودرا�سة‪ :‬حممد �صديق املن�شاوي‪ ،‬دار الف�ضيلة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫نف�سك احلق طائعا وتتجافى عن حقِّك لغريك قادرا‪ ،‬وهو‬
‫ف�ضل �أي�ضا‪...‬والف�ضل فر�ض زادت عليه نافلة»(((‪.‬‬
‫ويعترب الإمام الغزايل الإح�سان «فعل ما ينتفع به املعامل‬
‫تف�ضل منه ف�إن الواجب يدخل‬‫وهو غري واجب عليه‪ ،‬ولكنه ُّ‬
‫يف باب العدل وترك الظلم»(((‪.‬‬
‫وبعبارة موجزة ومر َّكزة‪ ،‬ف���إن العدل هو عمل اخلري‬
‫والف�ضل هو خري العمل‪ ،‬والعدل هو �أر�ضية القيم والف�ضل‬
‫قمة القيم‪.‬‬
‫وعلى الرغم من � َّأن هناك اتفاقا على قيمة العدل‬
‫وو�ضوح ف�ضيلته‪ ،‬ف�إن العدل ملتب�س مب�ستويات من اخلفاء‬
‫يف تفا�صيله و�أ�شكاله و�صوره مما يرتتب عليه اختالف‬
‫يف اعتباره‪ ،‬وه��ذا ما الحظه الإم���ام اب��ن تيمية وعبرّ‬
‫عنه بقوله «فمن العدل فيها ما هو ظاهر يعرفه كل �أحد‬
‫بعقله كوجوب ت�سليم الثمن على امل�شرتي‪ ،‬وت�سليم املبيع‬
‫على البائع للم�شرتي‪ ،‬وحترمي تطفيف املكيال وامليزان‪،‬‬

‫‪ - 1‬الأخالق وال�سري‪� ،‬ص ‪ ، 31‬حتقيق‪ :‬ندى تومي�ش‪ ،‬اللجنة الدولية لرتجمة الروائع‪،‬‬
‫بريوت‪.1961،‬‬
‫‪� - 2‬إحياء علوم الدين‪ ،75 / 2،‬دار القلم‪ ،‬بريوت‪ ،‬طبعة ‪. 3‬‬

‫‪16‬‬
‫ووجوب ال�صدق والبيان‪ ،‬وحترمي الكذب واخليانة والغ�ش‪،‬‬
‫و�أن جزاء القر�ض الوفاء واحلمد‪.‬‬
‫ومنه ما هو خفي جاءت به ال�شرائع �أو �شريعتنا ‪�-‬أهل‬
‫الإ���س�لام‪ ،-‬ف���إن عامة ما نهى عنه الكتاب وال�سنة من‬
‫املعامالت يعود �إلى حتقيق العدل والنهي عن الظلم د ّقه‬
‫وجله‪...‬‬
‫من ذلك ما قد ينازع فيه امل�سلمون خلفائه وا�شتباهه‪،‬‬
‫فقد يرى هذا العقد والقب�ض �صحيحا عدال‪ ،‬و�إن كان غريه‬
‫(((‬
‫يرى فيه جورا يوجب ف�ساده‪»....‬‬
‫ولهذا اتفقت ال�شرائع ال�سماوية والت�شريعات الو�ضعية‬
‫يف كثري م��ن القيم كاخلري واحل��ق واجل��م��ال و�إمن���ا نتج‬
‫االخ��ت�لاف بينهما يف ال��ق��ن��وات الت�شريعية التف�صيلية‬
‫املو�صلة �إليها والإجراءات الت�صريفية املحقِّقة لها ‪.‬‬
‫‪� -‬ص َيغ الف�ضل‪: ‬‬
‫وردت يف القر�آن الكرمي عدة �صيغ تفيد معنى الف�ضل‬
‫نورد بع�ضها اخت�صارا على �سبيل املثال‪:‬‬

‫‪ -1‬ال�سيا�سة ال�شرعية �ضمن جمموعة الفتاوى ‪ 213/ 27‬دار الوفاء ط‪� 2‬سنة ‪2001‬‬

‫‪17‬‬
‫�أ‪-‬الإح�سان‪:‬‬
‫هو من امل�صطلحات املركزية املعبرِّ ة عن قيمة الف�ضل‬
‫وق��د ا�ستعمله ال��ق��ر�آن الكرمي ب�شكل كبري‪ ،‬كما يف قوله‬
‫تعالى } ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ{ (النحل‪)90:‬‬
‫وقوله} ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ {(البقرة‪.)195 :‬‬
‫وقوله}ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ{ (البقرة‪.)229 :‬‬
‫واال�ستقراء املفهومي والداليل مل�صطلح الإح�سان يحيلنا‬
‫على معنيني‪: ‬‬
‫«�أحدهما‪ :‬الإنعام على الغري‪ ،‬يقال �أح�سن �إلى فالن‪،‬‬
‫والثاين �إح�سان يف فعله‪ ،‬وذلك �إذا علم علما ح�سنا �أو عمل‬
‫عمال ح�سنا»(((‪.‬‬
‫والإح�����س��ان يحمل يف طياته دالل��ة احل�سن واجلمال‬
‫اللذين ي�صدران عن الإتقان �أي الإح�سان يف الفعل‪.‬‬
‫وجت��در الإ���ش��ارة �إل��ى �أن الإم��ام الع َّز بن عبد ال�سالم‬
‫خ�ص�ص كتابه امل��و���س��وم ب�شجرة امل��ع��ارف لثنائية‬ ‫ق��د َّ‬
‫العدل والإح�سان يف ِّ‬
‫كل تفا�صيل ال�شريعة‪� .‬إ َّال �أنه يطلق‬
‫‪ - 1‬املفردات يف غريب القر�آن‪� ،‬أبو القا�سم احل�سن الراغب الأ�صفهاين‪� ،‬ص ‪،126‬‬
‫مراجعة وتقدمي‪ :‬وائل �أحمد عبد الرحمن‪ ،‬املكتبة التوقيفية‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫الإح�سان ويق�صد به العدل بالنظر �إلى �أثره‪ ،‬ومثال ذلك‬
‫قوله «العدل �إح�سان‪ ،‬يتعدى نفعه �إلى كل من يتعلق به‪،‬‬
‫من ظامل ومظلوم‪ ،‬وغابن ومغبون‪ ،‬وباذل ومبذول له»(((‪.‬‬
‫ويو�ضح ذل��ك بخلفيته املقا�صدية يف مقام �آخ��ر بقوله‬
‫«الإح�سان عبارة عن جلب م�صالح الدارين �أو �إحداهما‪،‬‬
‫ودفع مفا�سدهما �أو مفا�سد �إحداهما‪.(((»...‬‬
‫ولهذا فهو يعترب كل �أوجه اخلري من «الإجمال‪ ،‬والإنعام‪،‬‬
‫والإف�ضال‪ ،‬من جملة �أنواع الإح�سان‪ ،‬ف�إن الإح�سان يعبرَّ‬
‫به عن جلب املنافع كلها‪� ،‬أو دفع امل�ضار ب�أ�سره»(((‪.‬‬
‫و�سبب ا�ستعمال الإم���ام اب��ن عبد ال�سالم الإح�سان‬
‫مبعنى العدل‪ ،‬عو�ض �أن ي�ستعمله يف مقابله كما هو يف‬
‫القر�آن الكرمي «�إن اهلل ي�أمر بالعدل واالح�سان»‪ ،‬راجع‬
‫�إلى �أنه يق�صد بالإح�سان ما يقابل الإ�ساءة وهذا وا�ضح يف‬
‫قوله «ف�إرادة النفع �إح�سان لكونها �سببا فيه‪ .‬و�إرادة ال�ضر‬
‫�إ�ساءة لأنها �سبب فيه»(((‪.‬‬
‫‪� - 1‬شجرة املعارف والأح��وال و�صالح الأقوال والأعمال‪ ،‬عز الدين بن عبد ال�سالم‪،‬‬
‫�ص‪ ،22‬حت‪� :‬إياد خالد الطباع‪ ،‬الطبعة الأولى‪ ،1989 ،‬دار الطباع‪.‬‬
‫‪� - 2‬ص‪.137‬‬
‫‪� - 3‬ص‪.35‬‬
‫‪� - 4‬ص‪.137‬‬

‫‪19‬‬
‫�أ ّما الإح�سان با�صطالحنا فيعبرِّ عنه ب�إح�سان الإح�سان‬
‫ومثال ذلك قوله «�إح�سان الإح�سان‪ .‬وهو �أن يفعل على‬
‫�أعلى مراتبه خليا من ال�شبه‪ ،‬والأذية‪ ،‬والعيوب‪ ،‬والإذالل‪،‬‬
‫واملنة»(((‪.‬‬
‫ب‪� -‬أح�سن‪:‬‬
‫قال اهلل تعالى‪ } :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ { (العنكبوت‪ ،)46:‬وقال‪} :‬ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ{ (النحل ‪.)125 :‬‬
‫ق����ال اهلل ت��ع��ال��ى‪ } :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ{‬
‫(الأع��������������راف‪ ،)145:‬وق������ال‪} :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ{ (ال��زم��ر‪،)18-17 :‬‬
‫وق���ال‪} :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ {‬
‫(الزمر‪.)55:‬‬
‫وق�����������������ال‪}:‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ{‬
‫(الإ��������س�������راء‪ } ،)63:‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄ{الن�ساء ‪.86‬‬
‫‪� - 1‬ص‪.143‬‬

‫‪20‬‬
‫والتخفى داللة �صيغة «�أف َعل» على التف�ضيل والعل ِّو يف‬
‫الف�ضل فكيف لو كان التفا�ضل يف مدارج احل�سن �إلى غاية‬
‫الو�صول �إلى الأح�سن‪. ‬‬
‫ج‪�-‬صيغة املبالغة‪ :‬ق ّوامون‪:‬‬
‫} ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ { (الن�ساء‪)34:‬‬
‫} ﭒﭓﭔﭕﭖﭗ{‬
‫(الن�ساء‪ ،)135:‬فيالحظ �أن اهلل �سبحانه مل يقل‪« :‬كونوا‬
‫قائمني» ‪ ،‬لأن القيام يحقق احلد الأدنى املتمثل يف العدل‪،‬‬
‫ولكنه عبرَّ عنه بلفظ «ق ّوامني» وهو الذي يكون مبالغا يف‬
‫قيامه مبا ُطلب منه و يعطي �أكرث مما هو مفرو�ض عليه‪.‬‬
‫د‪-‬الف�ضل‪:‬‬
‫}ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ{ (البقرة‪.)237 :‬‬
‫والف�ضل كما قال اجلرجاين‪ ،‬هو «ابتداء �إح�سان‬
‫(((‬
‫بال علة»‪.‬‬
‫هـ‪-‬الو�صف باجلمال‪:‬‬
‫} ﮑ ﮒ ﮓ {‪( ،‬املزمل‪ } )10:‬ﮕ‬

‫‪ - 1‬معجم التعريفات‪� ،‬ص ‪.141‬‬

‫‪21‬‬
‫ﮖ ﮗ {‪( ،‬الأح����������زاب‪ } ،)49:‬ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ{‪( ،‬احلجر‪} )85:‬ﮮﮯ{ (يو�سف‪،)83:‬‬
‫وامل�لاح��ظ يف ه��ذه الآي���ات �أن ال�سلوكيات املطلوبة يف‬
‫ال�سلبية ينبغي �إتيانها واالت�صاف بها ب�شكل‬‫ال�سياقات َّ‬
‫جميل‪.‬‬
‫وتعليل ذلك كون املقام َ�سلبيا ي�سوده التو ُّتر والت�شنُّج‬
‫وت�صدر عن الإن�سان انفعاالت غري من�ضبطة وغري م�أمونة‬
‫مما يجعله مظنة الوقوع يف‬ ‫العواقب وهو مقام مغالبة‪َّ ،‬‬
‫الع�ضل‪ .‬ولهذا فامل�سلم ال يطا َلب بالعدل يف هذا املقام‬
‫بقدر ما يطالب بالإح�سان‪ ،‬لأنه �إذا غالب نف�سه و�أخط�أ‬
‫املغالبة ف�إنه ال ينزل عن درجة العدل �إلى درجة الع�ضل‪.‬‬
‫و‪-‬الإيفاء‪:‬‬
‫قال اهلل تعالى‪} :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ{ (الإ���س��ـ��ـ��راء‪ ،)35:‬وق���ال‪} :‬ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ{ (الأنعام ‪.)152‬‬
‫ويجدر التنبيه على � َّأن القر�آن الكرمي يف ِّرق بني العدل‬
‫والق�سط لأن «الق�سط هو العدل البينِّ الظاهر‪ ،‬ومنه‬

‫‪22‬‬
‫�سمي «املكيال» ق�سطا‪ ،‬و«امليزان» ق�سطا لأنه ي�ص ِّور لك‬
‫العدل يف ال��وزن حتى تراه ظاهرا‪ ،‬وقد يكون من العدل‬
‫م��ا يخفى‪ ،‬ول��ه��ذا قلنا‪� :‬إن الق�سط ه��و الن�صيب الذي‬
‫ب ِّينت وجوهه»‪ (((.‬فاحل ُّد الأدنى هو الق�سط يف امليزان ‪،‬‬
‫ولكن احل َّد الأق�صى هو الف�ضل وهو �أن تويف بالكيل لأن‬ ‫َّ‬
‫الإيفاء زيادة على املطلوب وبلوغ التمام(((‪ .‬يقول ابن‬
‫عا�شور «والتوفية �أ�صلها �إعطاء ال�شيء وافي ًا ‪� ،‬أي زائد ًا‬
‫على املقدار املطلوب‪ ،‬وملّا كان حتقّق امل�ساواة يخفَى لق ّلة‬
‫ا َملوازين عندهم‪ ،‬والعتمادهم على الكيل‪ ،‬جعلوا حتقّق‬
‫ف�ضل على املقدار امل�ساوي ‪� ،‬أطلقت‬ ‫امل�ساواة مبقدار فيه ْ‬
‫التوفية على �إعطاء املعادل»(((‪.‬‬
‫ز‪-‬العفو‪:‬‬
‫}ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ{‬
‫(الأعراف‪.)199:‬‬
‫}ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ‬

‫‪ - 1‬الوجوه والنظائر يف القر�آن الكرمي‪� ،‬أبو هالل الع�سكري‪� ،‬ص ‪.247-246‬‬


‫‪- 2‬املفردات‪� ،‬ص‪.543‬‬
‫‪ -3‬التحرير والتنوير‪� ،‬ص‪ 61/6 ‬الطبعة التون�سية دار الن�شر ‪ :‬دار �سحنون للن�شر‬
‫والتوزيع ‪ -‬تون�س‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫ﮢ ﮣ{ (ال���ب���ق���ـ���ـ���رة‪} ،)178:‬ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ{(ال�شورى‪} ،)40:‬ﭥ ﭦ ﭧ{‬
‫(�آل عمران‪ } ،)134:‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ {(الن�ساء‪} ،)149:‬ﮈ‬
‫ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ{ (النور‪.) 22:‬‬
‫يت َّبني من خ�لال ه��ذه الآي��ات القر�آنية � َّأن «العفو � ْأن‬
‫ي�ستحق حقًّا ف ُي�سقطه ويربئ عنه من ق�صا�ص �أو غرامة‪،‬‬
‫(((‬
‫احللم وكظم الغيظ»‪.‬‬‫وهو غري ِ‬
‫كما �أن العفو‪ :‬هو ترك امل�ؤاخذة بالذنب‪ ،‬وال�صفح‪ :‬ترك‬
‫الترثيب‪ ،‬وا�شتقاقه من جتاوز ال�صفحة التي �أثبت فيها‬
‫ذنوبه �أو الإعرا�ض ب�صفحة الوجه عن التلف �إلى ما كان‬
‫منه‪ ،‬وهو حممود �إذا كان على الوجه الذي يجب‪ .‬ولهذا‬
‫ق��ال تعالى‪ } :‬ﯓ ﯔ ﯕ { (احل��ج��ر‪)85:‬‬
‫فخ�ص تنبيها على ما يحمل منه وق��د ن��دب اهلل تعالى‬
‫�إل��ى ذل��ك بقوله‪} :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ{ (�آل عمران‪ )134:‬و�أمر باحللم والعفو وقال‪:‬‬

‫‪ -1‬الإحياء‪ ،125/3 ،‬املطبعة العامرة ال�شرقية م�صر ‪1326‬هـ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫}ﮈ ﮉ{ (ال��ن��ور‪)22:‬وق��ال‪ } :‬ﯣ ﯤ‬
‫ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ { (املائدة‪ )13:‬وقال‪:‬‬
‫}ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ{(ال�شورى‪.)40:‬‬
‫والعفو �إمنا ي�ستحب فيما �إذا كانت الإ�ساءة خم�صو�صة‬
‫بالعايف كمن �أخذ ماله‪� ،‬أو �شتم عر�ضه‪ ،‬ف�أما �إذا كانت‬
‫الإ�ساءة عائدة بال�ضرر على ال�شرع �أو على جماعة النا�س‬
‫ف�إنه �إن كان فيها �أدنى �شبهة فلل�سلطان العفو لقوله عليه‬
‫ال�سالم‪« :‬ادر�ؤوا احل��دود بال�شبهات» و�إن مل يكن �شبهة‬
‫فلي�س له العفو‪ ،‬ولهذا قال تعالى يف الزنا‪}'' :‬ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ{(النور‪.)2:‬‬
‫ح‪-‬ال�صدقة‪:‬‬
‫ترد ال�صدقة مبعنى الف�ضل يف القر�آن يف �سياقني‪:‬‬
‫‪�-‬سياق الإعفاء و�إ�سقاط حق متعلق بالذمة كما هو‬
‫ال�ش�أن يف كفارة القتل اخلط�أ‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥ ﭦ‬
‫ﭧ{ (الن�ساء ‪ )92‬وقال �سبحانه يف �إ�سقاط ال َّدين‪:‬‬
‫‪25‬‬
‫} ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ { ( البقرة‪)280‬‬
‫كما ترد يف �سياق الق�صا�ص مبعنى الف�ضل‪} ،‬ﮮ‬
‫ﮯ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ{ (املائدة ‪)45‬‬
‫‪-‬ويف �سياق الإعطاء‪ } :‬ﯽﯾﯿﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ{ ( احلديد‪.)18‬‬
‫‪ -‬رتبة الإح�سان‪:‬‬
‫ال �شك �أن الإح�سان كما قال الراغب اال�صفهاين «فوق‬
‫العدل… فالإح�سان زائد على العدل»(((‪.‬‬
‫وف�ضيلته تكمن يف �أنه «الزيادة على الواجب» �أي �أنه‬
‫وتف�ضل بالزيادة»‪(((.‬وهو الذي‬
‫«خروج عن احلق بيقني‪ُّ ،‬‬
‫اعتربناه مانعا من الوقوع يف الع�ضل‪.‬‬
‫ول�ل�إم��ام ال��غ��زايل التفاتة لطيفة �إل��ى مكانة العدل‬
‫‪ - 1‬املفردات‪� ،‬ص ‪.126‬‬
‫‪� - 2‬شجرة املعارف‪� ،‬ص‪.222‬‬

‫‪26‬‬
‫والف�ضل بالنظر �إلى تفاوت قيمتهما وم�آالتهما وقد م َّثل‬
‫لهما مبجال التجارة بقوله «والعدل �سبب النجاة فقط‬
‫وهو يجري من التجارة جمرى ر�أ�س املال والإح�سان �سبب‬
‫الفوز ونيل ال�سعادة وهو يجري من التجارة جمرى الربح‬
‫وال ُيع ُّد من العقالء من قنع يف معامالت الدنيا بر�أ�س ماله‬
‫فكذا يف معامالت الآخرة فال ينبغي للمتد ِّين �أن يقت�صر‬
‫على العدل واجتناب الظلم ويدع �أبواب الإح�سان»(((‪.‬‬
‫‪ -‬حكمه‪:‬‬
‫لقد وقفنا �آنف ًا على كثري من الآيات القر�آنية التي ُّ‬
‫حتث‬
‫على الإح�سان بجميع �صيغه من ذلك‪: ‬‬
‫قوله تعالى }ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁﮂﮃﮄﮅ ﮆﮇ {‬
‫(النحل‪.)90:‬‬
‫ورود الأمر بالعدل والإح�سان يف هذه الآية امل ِّكية يعطيه‬
‫�صبغة ت�أ�صيلية و�صيغة ت�شريعية كل َّية بجانب الكليات‬
‫العقدية التي عنيت الآيات املكية برت�سيخها يف النفو�س‬
‫امل�ؤمنة‪ ،‬وذلك لتكون لبنة ت�ؤ�س�س للبناء العقدي والإمياين‪،‬‬
‫‪� -1‬إحياء علوم الدين‪ ،74/2 ،‬دار القلم‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫مما يف�سح املجال ال حقا للآيات املدنية بتف�صيل الأحكام‬
‫و�صياغتها‪.‬‬
‫ولقد اعتُربت هذه الآي��ة قطب القر�آن و�أجمع �آي��ة يف‬
‫كتاب اهلل للخري وال�شر كما روي عن ابن م�سعود ر�ضي‬
‫اهلل عنه‪.‬‬
‫وعن قتادة قوله «لي�س من خلق ح�سن كان يف اجلاهلية‬
‫يعمل وي�ستحب �إال �أمر اهلل تعالى به يف هذه الآية ولي�س من‬
‫خلق �سيء �إال نهى اهلل عنه يف هذه الآية»(((‪.‬‬
‫كما �أُ ِثر عن علي ر�ضي اهلل عنه �أ ّنه م َّر بقوم يتح َّدثون‬
‫فقال فيم �أنتم؟ فقالوا نتذاكر املروءة فقال �أو ما كفاكم‬
‫اهلل عز وجل ذاك يف كتابه «�إن اهلل ي�أمر بالعدل والإح�سان»‬
‫‪1‬مفاتيح الغيب ‪ 263/20‬فخر الدين الرازي دار �إحياء الرتاث العربي‬
‫لقد خ�ص�ص جمموعة من العلماء هذه الآية بت�آليف خم�صو�صة مثل‪:‬‬
‫‪ -‬نهاية الإح�سان يف تف�سري قوله تعالى «�إن اهلل يامر بالعدل والإح�سان» ابن‬
‫املو�صل‪.‬‬
‫‪ -‬قالئد العقيان يف قوله تعالى» �إن اهلل يامر بالعدل و الإح�سان» مرعي بن‬
‫يو�سف الكرمي‬
‫–حتقيق عبد احلكيم الأني�س ن�شرته دار البحوث للدرا�سات اال�سالمية و�إحياء‬
‫الرتاث‪ ،‬دبي‪ ،‬ط‪.2005‬‬
‫‪ -‬فتح الرحيم الرحمن يف تف�سري�آية «�إن اهلل يامر بالعدل و الإح�سان»‪� ،‬أبو احل�سن‬
‫علي ال�شربيني‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫فالعدل الإن�صاف والإح�سان التف�ضل فما بقي بعد هذا‪.‬‬
‫وم���ن ال�صيغ ال��ق��ر�آن��ي��ة امل َ��ح�� ِّب��ب��ة يف الإح�����س��ان وعد‬
‫املح�سنني بجزيل الثواب }ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ{(النحل‪ }.) 30‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ{(الزمر‪.)30 :‬‬
‫ووع����ده����م مب��ع��ي��ة اهلل }ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ{‬
‫(ال��ع��ن��ك��ب��وت‪} )69:‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬
‫ﰆ{(النحل‪ } ،)128:‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢ{ (الأعراف‪.)56:‬‬
‫بحب اهلل �أكرب اجلزاء‬
‫بحب اهلل لهم وكفى ِّ‬‫ووعدهم ِّ‬
‫و�أج��زل��ه } ﯝ ﮧ ﭪ ﭫ{ (البقرة‪)195:‬‬
‫(املائدة‪َ ( )13 :‬وﮧ ﭪ ﭫ) ( املائدة ‪)93‬‬
‫يقول الإمام ابن عا�شور‪}« :‬ﯝ ﮧ ﭪ ﭫ{‬
‫تذييل للرتغيب يف الإح�سان ‪ ،‬لأن حمبة اهلل عبده غاية‬
‫ما يطلبه النا�س �إذ حمبة اهلل العبد �سبب ال�صالح واخلري‬
‫دنيا و�آخرة ‪ ،‬والالم لال�ستغراق العريف واملراد املح�سنون‬
‫من امل�ؤمنني»(((‪.‬‬

‫‪ -1‬التحرير والتنوير‪.405/2 ،‬‬

‫‪29‬‬
‫�إن امل�سلم ينبغي له ‪،‬بل يجب عليه‪� ،‬أن يتح َّرى العدل‬
‫يف جميع الأح��ك��ام املفرو�ضة عليه لأنها املنطلق الأول‬
‫والأر�ضية التي تقف عليها �سائر الأحكام‪ ،‬بينما حت ّري‬
‫امل��ك��ارم كما ذه��ب اليه ال��راغ��ب الأ�صفهاين «م��ن باب‬
‫تف�ضل‬
‫الف�ضل والنفل‪ ،‬وال ُيقبل تنفُّل من �أهمل الفر�ض‪ ،‬وال ُّ‬
‫من ترك العدل‪ ،‬بل ال ي�صح تعاطي الف�ضل �إال بعد العدل‪،‬‬
‫ف�إن العدل فعل ما يجب‪ ،‬والتف�ضل الزيادة على ما يجب‪،‬‬
‫وكيف ي�صح ت�صور الزيادة على �شيء هو غري حا�صل يف‬
‫ذاته‪ ،‬ولهذا قيل‪ :‬ال ي�ستطيع الو�صول من �ضيع الأ�صول‪.‬‬
‫فمن �شغله الفر�ض عن الف�ضل فمعذور‪ ،‬ومن �شغله‬
‫الف�ضل عن الفر�ض فمغرور‪ ،‬وقد �أ�شار تعالى بالعدل �إلى‬
‫الأحكام‪ ،‬وبالإح�سان �إلى املكارم بقوله تعالى‪ } :‬ﭻ ﭼ‬
‫(((‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ { (النحل‪.»)90:‬‬
‫وهو ما �أك��ده الراغب الأ�صفهاين يف املفردات بقوله‬
‫«فتح ّري العدل واجب وحت ّري الإح�سان ندب وتطوع»(((‪.‬‬
‫وقد الحظ الإمام �أبو هالل الع�سكري يف تف�سريه لهذه‬

‫‪ - 1‬الذريعة‪� ،‬ص‪.94‬‬
‫‪� - 2‬ص‪.126‬‬

‫‪30‬‬
‫الآية تداخل العدل والإح�سان فيما بينهما فقال‪« :‬والإح�سان‬
‫داخل يف العدل‪ ،‬والعدل داخل يف الإح�سان‪ ،‬ومع هذا ف�إن‬
‫الفرق بينهما معروف‪ ،‬وقد يعطف ال�شيء على ال�شيء و�إن‬
‫كانا يرجعان �إلى �شيء واحد �إذا كان يف �أحدهما خالف‬
‫للآخر» (((‪.‬‬
‫‪ -‬جمال العدل والف�ضل‪:‬‬
‫يقول الإم��ام ابن عا�شور عن قوله تعالى ‪« :‬و�أح�سنوا‬
‫�إن اهلل يحب املح�سنني» ''ويف حذف متعلق �أح�سنوا تنبيه‬
‫على �أن الإح�سان مطلوب يف كل حال وي�ؤيده قوله ‪--‬‬
‫يف احلديث ال�صحيح ‪�' :‬إن اهلل كتب الإح�سان على كل‬
‫�شيء(((»(((‪ ،‬فهذا احلديث م� ِّؤطر لنظرية الإح�سان‪ ،‬ذلكم‬
‫�أن الإح�سان ال ينبغي �أن يكون انتقائيا �أو يف مواطن دون‬
‫�أخرى‪ ،‬بل ينبغي �أن يكون م�ستغرقا لكافة جوانب احلياة‬
‫الإن�سانية‪ ،‬و«كل �شيء» هنا تفيد اال�ستغراق وتفيد مطلق‬
‫العموم‪ .‬واملثري يف هذا احلديث �أن النبي م َّثل للإح�سان‬
‫يف مقام ُي�ستغرب فيه الت�صرف بالإح�سان ولو �صدر فيه‬
‫‪ -1‬الوجوه والنظائر يف القر�آن الكرمي‪� ،‬ص ‪246‬ـ‪ ،247‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪ - 2‬رواه م�سلم ‪.‬‬
‫‪ -3‬التحرير والتنوير‪. 405/2 ،‬‬

‫‪31‬‬
‫الإن�سان عن غري الإح�سان لكان معذورا‪ ،‬هذا املقام هو‬
‫مقام الذبح‪ ،‬ومقام القتل «ف�إذا ذبحتم ف�أح�سنوا الذبحة‬
‫و �إذا قتلتم ف�أح�سنوا القتلة»‪.‬‬
‫يقول الإمام ابن عبد ال�سالم «� َّإن اهلل كتب الإح�سان يف‬
‫كل �شيء حتى يف قتل ما �أمر بقتله‪ ،‬وذبح ما �أمر بذبحه‪،‬‬
‫(((‬
‫ورجم من �أمر برجمه‪»..‬‬
‫�أي �أن هذا املقام لو �أت��اه الإن�سان بغري �إح�سان لكان‬
‫معذورا لأنه مقام �سلبي‪ ،‬ورغم ذلك �أُمرنا فيه �أن نكون‬
‫حم�سنني‪ ،‬فيكون من باب �أولى �أن نكون �أكرث �إح�سان ًا يف‬
‫خمتلف املجاالت املدنية واحل�ضارية‪..‬‬
‫�إن حتري امل�سلم العدل يف الأحكام عند االت�صاف بها‬
‫وحتقيقها يف حياته والتحقق بها تورثه �صفة العدالة التي‬
‫هي ف�ضيلة للنف�س و«هيئة يختار بها �أبدا الإن�صاف من‬
‫نف�سه على نف�سه �أوال‪ ،‬ثم الإن�صاف واالنت�صاف من غريه‬
‫ول���ه»(((‪ .‬بالإ�ضافة �إل��ى العائد الإيجابي واخل�يري على‬
‫هم بالعدل وحت ّراه‬
‫ال�صادر عنه «والعادل مع النا�س �إذا َّ‬
‫‪� - 1‬شجرة املعارف‪� ،‬ص‪.348‬‬
‫‪ - 2‬تهذيب الأخ�لاق‪ ،‬م�سكويه‪� ،‬ص ‪ ،18‬حت‪ :‬ق�سطنطني زريق‪ ،‬اجلامعة الأمريكية ‪،‬‬
‫بريوت ‪.1996‬‬

‫‪32‬‬
‫(((‬
‫فقد عدل مع نف�سه قبل �أن يعدل مع غريه»‪.‬‬
‫ثم �إن انعدام ف�ضيلة الف�ضل يف حياة املجتمعات والأفراد‬
‫م��ورث ملجموعة من الأم��را���ض االجتماعية والتجاوزات‬
‫ال�سلوكية‪.‬‬
‫والنا�س متى تركوا تعاطي الإح�سان والأف�ضال وحتري‬
‫العدالة فيما بينهم‪ ،‬فال ي�أتونها ال خلقا وال تخلقا‪،‬‬
‫وال رياء وال �سمعة‪ ،‬وال رغبة وال رهبة‪ ،‬ف�صاروا يف تعاطي‬
‫ال�شر �سوا�سية ك�أ�سنان احلمار‪ ،‬عدمت فيهم الف�ضيلة‬
‫(((‬
‫والوفاء‪.‬‬
‫�إذن فالف�ضل درجة فوق العدل كما م َّر بنا �سالفا‪،‬‬
‫�إال �أن جماله كل املعامالت بني النا�س ما عدا املنازعات‬
‫التي يف�صل فيها القا�ضي‪.‬‬
‫لأن احلاكم الميلك حقًّا يعطيه من عنده حتى يعط َيه‬
‫وزيادة ففاقد ال�شيء ال يعطيه‪ ،‬و�إمنا ينزعه من الظامل‬
‫وي��ع��ط��ي��ه ل��ل��م��ظ��ل��وم‪} .‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ{(الن�ساء‪.)58:‬‬
‫‪ - 1‬الذريعة‪.358،357 ،‬‬
‫‪ - 2‬الذريعة‪�،‬ص ‪.161‬‬

‫‪33‬‬
‫بينما �صاحب احلق يف حالة الوفاق والوئام ولي�س يف‬
‫حالة ال�شقاق و اخل�صام هو ال��ذي ميلك �أن يعطي فوق‬
‫مايجب عليه وي�أخذ �أقل ما ي�ستحقه‪.‬‬
‫وللإمام الراغب الأ�صفهاين كالم نفي�س يف هذا ال�صدد‬
‫يقول فيه‪« :‬الإف�ضال والإح�سان �أ�شرف من العدل �إذا كان‬
‫احلكم بينك وبني غريك‪ ،‬ف�أما �إذا حكمت بني اثنني فلي�س‬
‫�إال العدل‪ ،‬و�إمنا الإح�سان �إلى املتحاكمني‪ ،‬ولهذا قال تعالى‪:‬‬
‫}ﭥﭦﭧﭨﭩ{ (املائدة‪ ،)42:‬وقال‬
‫تعالى‪} :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ{ (الن�ساء‪ ،)58:‬وقال‬
‫ملن له احلق‪} :‬ﯵﯶﯷﯸﯹ ﯺﯻﯼ‬
‫ﯽ{ (البقرة‪ ،»)237 :‬وقال يحيى بن معاذ‪« :‬ا�صحبوا‬
‫النا�س بالف�ضل ال بالعدل فمع العدل‪ ،‬اال�ستق�صاء‪ ،‬ومع‬
‫الف�ضل اال�ستبقاء‪ ،‬و�إين لأرجو �أن يحا�سب اهلل تعالى عباده‬
‫بالف�ضل ال بالعدل‪ ،‬وقد �أمرهم �أن ي�صاحب بع�ضهم بع�ضا‬
‫عظم اهلل تعالى �أمر الإح�سان والإف�ضال‬ ‫بالف�ضل‪ ،‬وقد َّ‬
‫ف��ق��ال‪} :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ{ (ي��ون�����س‪،)26:‬‬
‫وقال‪ :‬وهل ي�أمر احلكيم مبا ال يفعله؟ وكيف يرتك الكرمي‬
‫التف�ضل ويقت�صر على العدالة وقد بني �أن الف�ضل �أكرم‬
‫و�أف�ضل –تعالى ع��ن �أدن���ى املنزلتني‪ -‬وكيف ال ُيرجى‬
‫‪34‬‬
‫تف�ضله و�أفعاله كلها عدل وعدله كله تف�ضل‪ ،‬لأنه مبتدئ‬
‫مبا ال يلزمه واالبتداء مبا ال يلزم تف�ضل‪ ،‬وهل يجوز �أن‬
‫يرتك التف�ضل انتها ًء وقد حت ّراه ابتدا ًء؟(((»‬
‫والعدل يبقى ف�ضيلة من الف�ضائل‪ ،‬بل هو «تارة يقال‬
‫هو الف�ضائل كلها من حيث �إنه ال يخرج �شيء من الف�ضائل‬
‫عنه»((( وينبغي االت�صاف به‪« ،‬فالإن�سان يف حتري فعل‬
‫العدالة يكون تام الف�ضيلة �إذا ح�صل مع فعله هيئة مميزة‬
‫لتعاطيه»(((‪ .‬و�إذا كان العدل «يجري جمرى النقطة من‬
‫الدائرة فتجاوزها من جهة الإفراط عدوان‪ .‬والعدل �أي�ضا‬
‫و�سط واع��ت��دال‪ ،‬و�أي ع��دول عنه فهو خ��روج «م��ن و�سط‬
‫بزيادة �أو نق�صان‪ ،‬ولذلك �صار اجلور واخلط�أ – بالإ�ضافة‬
‫�إلى العدل وال�صواب – من ح ِّيز ما ال نهاية له‪ ،‬والعدل‬
‫وال�صواب من ح ِّيز املتناهي»(((‪.‬‬
‫‪ -‬العدل والف�ضل يف القر�آن الكرمي‪:‬مناذج‬
‫ميكن الوقوف على قيمة العدل والف�ضل يف القر�آن‬
‫الكرمي بدون عناء يف ِّ‬
‫كل �أحكام ال�شريعة الإ�سالمية ويف‬
‫‪ - 1‬الذريعة‪.253-252 ،‬‬
‫‪ - 2‬نف�سه‪.‬‬
‫‪ - 3‬نف�سه‪.‬‬
‫‪ - 4‬نف�سه‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫ٍ‬
‫ومعامالت‬ ‫ٍ‬
‫عادات‬ ‫ٍ‬
‫عبادات و‬ ‫ِّ‬
‫كل جماالت الن�شاط الإن�ساين‬
‫ٍ‬
‫وجنايات ‪.‬‬
‫و�س�أكتفي ب�إيراد بع�ض الآيات القر�آنية ِّ‬
‫املغطية لأغلب‬
‫الن�شاط الإن�ساين انتقا ًء ال ا�ستق�صا ًء �أو ا�ستقرا ًء‪ ،‬و يكفي‬
‫من القالدة ما يحيط بالعنق‪.‬‬
‫‪ -1‬ال َّدين‪:‬‬
‫‪� -‬آي��ة املداينة } ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ{ (البقرة‪.)282 :‬‬
‫والت�سا�ؤل الذي يتبادر �إلى الذهن هو كيف ُيعقل �أن‬
‫تكون �أطول �آية يف القر�آن هي �آية املداينة عك�س ما ينبغي‬
‫�أن تكون عليه الآيات الطوال‪ ،‬كالآيات العقدية �أو الآيات‬
‫العبادية؟‬
‫والذي يعزِّ ز م�شروعية هذا الت�سا�ؤل هو �أن الإن�سان لي�س‬
‫يف حاجة �إلى من ي�أمره �أو يذ ِّكره بتوثيق ديونه نظر ًا �إلى‬
‫حر�صه على ذلك بحكم احلر�ص الفطري ومما ي�ؤكد‬
‫فطرية هذا احلر�ص هو �أن غري امل�سلمني يو ِّثقون الديون‬
‫من تلقاء �أنف�سهم‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫ومن ع��ادة ال�شرع �أن��ه عندما يكون داع��ي الطبع قويا‬
‫ف�إن داعي ال�شرع يكون �ضعيفا‪ ،‬و�أما �إذا كان داعي الطبع‬
‫�ضعيفا ف�إن داعي ال�شرع يكون قويا‪ .‬يقول الإمام ال�شاطبي‪:‬‬
‫«�إذا كان الداعي قويا جدا بحيث يحمله ـ �أي املكلف ـ قهرا‬
‫على ذلك‪ ،‬مل ي�ؤكد عليه ـ �أي ال�شارع ـ الطلب بالن�سبة �إلى‬
‫نف�سه»(((‪.‬‬
‫داع فطري للزواج ولهذا ف�إن‬ ‫فالإن�سان مثال عنده ٍ‬
‫الآي���ات القر�آنية التي حتث على ال���زواج قليلة ال��ى حد‬
‫الندرة واملت�أمل فيها يجدها ذات طابع ت�سديدي اختياري‬
‫}ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ{‬
‫(النور‪} ، )32:‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ{ (البقرة الآي��ة ‪ )221‬وه��ذا بخالف الآيات‬
‫التكليفية وخا�صة العبادية فهي كثرية جدا يف القر�آن‬
‫الكرمي حيث داعي الطبع �ضعيف جدا عند املكلف‪.‬‬
‫وعلى هذا الأ�سا�س ف���إن امل�س�ألة فيها تنا�سب عك�سي‬
‫«كلما كان داعي الطبع �ضعيفا كان داعي ال�شرع قويا»‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ املوافقات‪ ،‬ال�شاطبي‪ ،138/2 ،‬حت‪ :‬عبد اهلل دراز‪ ،‬ط‪ ،2005 ،7‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫�إذن‪ ،‬ف���إن الأ�صل يف الإن�سان �أن يكون داع��ي الطبع‬
‫يدعوه �إلى توثيق الديون‪ ،‬فلماذا �أتت �آية طويلة جدا التي‬
‫هي �أطول من بع�ض ال�سور الق�صرية لتكون فيها تفا�صيل‬
‫لتفا�صيل جميع االح��ت��م��االت «ف����إن مل يكونا – ف���إن مل‬
‫حث القر�آن الكرمي‬
‫يكن‪ »...‬يف �آية متعلقة بال َّدين؟ ثم ملاذا َّ‬
‫على كتابة ال َّدين وندب �إليها؟ وملاذا �أطال يف اجلزئيات‬
‫والتفا�صيل اخلا�صة باملداينة �إلى حد �إعفاء املقرت�ض من‬
‫ر ِّد �أ�صل ال َّدين ودعوة املقر�ض �إلى �إ�سقاطه عنه } ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰﯱﯲﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ{ (البقرة‪)280:‬؟‬
‫لعل الإجابة عن هذه الأ�سئلة تكمن يف �أن �آية املداينة‬
‫حتقق احلد الأدنى الذي هو العدل‪ ،‬ذلك �أن الديون �إذا‬
‫مل تو َّثق ابتدا ًء فقد يقع املتداينون يف الظلم انتها ًء‪ .‬ولهذا‬
‫ال�سبب ف ��إن املقر�ض مطالب باالنخراط يف �إج��راءات‬
‫عفي املقرت�ض من‬ ‫التوثيق والكتابة‪ ،‬و�إن كان يف نيته �أن ُي َ‬
‫رد ال َّدين لأن ذلك هو الذي يحمي املقر�ض من �أن يتجر�أ‬
‫عفى ابتدا ًء‬
‫عليه املقرت�ض فيظلمه خا�صة �إذا علم �أنه ُم ً‬
‫من رد ال َّدين بقرينة عدم كتابته وتوثيقه‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫والف�ضل عموما ‪-‬ويف هذه امل�س�ألة خ�صو�ص ًا‪ -‬درجات‬
‫ترتقي من الأدنى �إلى الأق�صى‪.‬‬
‫فالعدل يف القر�ض هو الوفاء بر ِّده يف املوعد املن�صو�ص‬
‫عليه يف العقد‪.‬‬
‫و�أما الف�ضل يف حده الأدنى فهو �إمهال املقرت�ض مدة‬
‫تتي�سر له الظروف }ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬ ‫�إلى �أن َّ‬
‫ﯬ ﯭ{‪ ،‬و�أما الف�ضل يف حده الأق�صى ف�إنه ي�صل �إلى‬
‫درج��ة �إ�سقاط ال َّدين كليا‪} ،‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ{‬
‫يقول العز بن عبد ال�سالم «ال�صدقة بالإبراء خري من‬
‫الإنظار»(((‪.‬‬
‫‪ – 2‬الق�صا�ص‪:‬‬
‫قال تعالى‪} :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ{ (البقرة‪. )178:‬‬
‫يقت�ص لنف�سه من املعتدي لأنه‬
‫فالإن�سان بطبعه يحب �أن َّ‬
‫ي�شعر بالظلم من ج ّراء اعتداء غريه عليه واالقت�صا�ص‬
‫يتم‬
‫من الظامل حق طبيعي للمظلوم ‪ .‬ومن العدل �أن َّ‬
‫له ذلك }ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ‬
‫‪� - 1‬شجرة املعارف‪�،‬ص ‪.181‬‬

‫‪39‬‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ { (البقرة‪.)178:‬‬
‫ولكنه يف حالة الت�سامي ال��ذات��ي وال�صفاء الروحي‬
‫تف�ض ًال ومكرمة‪ ،‬و�أن ُي�سقط‬
‫يحب �أن يعفو ُّ‬
‫والنقاء اخللقي ُّ‬
‫الق�صا�ص يف حالة املقدرة لأن خ�ير العفو ما ك��ان مع‬
‫املقدرة‪.‬‬
‫والآي�������ات ال���ق���ر�آن���ي���ة امل�����ش��ج��ع��ة ع��ل��ى ال��ع��ف��و كثرية‬
‫م���ن���ه���ا} ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ{ (ا ل�������ب�������ق�������رة‪ })178 :‬ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ {(الن�ساء‪ } ،)92 :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ { (ال�شورى‪ }،)40 :‬ﭥ ﭦ ﭧ {‬
‫( �آل ع����م����ران‪ } ،)134 :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ{(الن�ساء‪،)149:‬‬
‫}ﮈﮉﮋﮌﮍﮎﮏﮐ{ (النور‪.)22:‬‬
‫وبهذا ال�صدد يقول الإم��ام عز الدين بن عبد ال�سالم‬
‫«و�إح�سان املقت�ص‪ :‬بالعفو عن الدية والق�صا�ص‪� ،‬أو عن‬
‫الق�صا�ص �إلى الدية‪ ،‬فيطالب بها باملعروف‪ ،‬وي�ؤدي‬
‫اجلاين الدية �إليه ب�إح�سان‪ .‬والعفو عن كل ق�صا�ص‬

‫‪40‬‬
‫خمتلف فيه �آكد و�أف�ضل»(((‪.‬‬
‫واذا ك��ان‪« .‬العفو �أن ي�ستحق حقا في�سقطه ويربئ‬
‫عنه من ق�صا�ص �أو غرامة»(((‪ ،‬كما قال الإمام الغزايل‪،‬‬
‫ف�إن �إ�سقاط الق�صا�ص ُيعترب «من �أف�ضل ال�صدقات» لأنه‬
‫ت�ص ُّدق باحلياة �أو ببع�ض الأع�ضاء وال�صفات‪ .‬وت�ش ُرف‬
‫ال�صدقات ب�شرف املت�ص َّدق ب��ه‪ ،‬و�أي �شيء �أ�شرف من‬
‫(((‬
‫احلياة بعد �سالمة الأديان!‪.‬‬
‫وطعم خا�ص ولذيذ على نف�سية‬ ‫و للعفو �أث��ر �إيجابي َ‬
‫امل�سلم �إلى درجة «�أن لذة العفو �أطيب من لذة الت�شفي‬
‫لأن لذة العفو يلحقها حمد العاقبة‪ ،‬ولذة العقوبة يلحقها‬
‫ذ ُّم الندم‪ ،‬والعقوبة �أَ ْ ألَ ُم حاالت ذوي القدرة‪ ،‬وهي طرف‬
‫من اجل��زع‪ ،‬ومن ر�ضي �أن ال يكون بينه وبني الظامل له‬
‫�إال �سرت رقيق فلينت�صف‪ ،‬وقد نبه اهلل تعالى على ذلك‬
‫بلطيف م��ن امل��ق��ال‪ ،‬ف��ق��ال تعالى‪} :‬ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ{ (ال�شورى‪ )40:‬ف�سمى جم��ازاة امل�سيء ب�إ�ساءته‬

‫‪� -1‬شجرة املعارف‪� ،‬ص ‪.171‬‬


‫‪� 2‬إحياء علوم الدين‪ ،‬املطبعة العامرة‪.125/ 3 ،‬‬
‫‪� -3‬شجرة املعارف‪� ،‬ص ‪.180‬‬

‫‪41‬‬
‫�إ����س���اءة‪ ،‬وق���ال ت��ع��ال��ى‪} :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ{ (ال��ب��ق��رة‪ )194:‬ف�سمى املجازي‬
‫على االعتداء معتديا تنبيها على �أنه قد كاد يكون �إياه‪،‬‬
‫والعقوبات فيما بني النا�س �أقبحها ما كان فيما مل يظهر‬
‫(((‬
‫بالفعل‪.‬‬
‫والعفو ف�ضيلة مندوبة لقول اهلل تعالى }ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ{‪(.‬الأعراف‪)199:‬‬
‫قال جعفر ال�صادق ‪� :‬أمر اهلل نبيه مبكارم الأخالق يف‬
‫هذه الآية ‪ ،‬ولي�س يف القر�آن �آية �أجمع ملكارم الأخالق من‬
‫هذه الآية‪ .‬وقال �صلى اهلل عليه و�سلم ‪« :‬بعثت لأمتم مكارم‬
‫الأخالق»((( (((‪.‬‬
‫وقد �أمر القر�آن الكرمي بالعفو �أخذ ًا ال �إعطاء‪ ،‬رغم �أنه‬
‫تف�ضل‪ ،‬ولكن احلكمة يف هذا التعبري‬ ‫يف الواقع �إعطاء لأنه ُّ‬
‫القر�آين هي �إ�شاعة هذه القيمة اخللقية التي قد ي�صعب‬
‫على كثري �أن يتخ َّلق بها خا�ص ًة �إذا ا�ست�شعر امل�أمور به ب�أنه‬
‫ال�ضن بهذه الف�ضيلة والبخل‬ ‫ِّ‬ ‫بذل وعطاء ما يدعوه �إلى‬
‫‪ - 1‬الذريعة‪.344-342 :‬‬
‫‪ - 2‬رواه �أحمد عن �أبي هريرة ر�ضي اهلل ‪.‬‬
‫‪ 3‬اجلامع لأحكام القر�آن (‪.)345/7‬‬

‫‪42‬‬
‫عي �إلى الأخذ بدل العطاء‪.‬‬
‫بها‪ .‬بينما قد يت�شجع �إذا ُد َ‬
‫هذا بالإ�ضافة �إلى �أن الإن�سان ي�ستجيب تلقائيا ملا فيه‬
‫�أخذ ويتل َّك�أ و يرت َّدد يف ما فيه عطاء‪.‬ومبالحظة هدا التعبري‬
‫الذي ا�ستعملته الآية ميكن القول ب� َّأن العفو �إذا كان عطا ًء‬
‫وحال ف�إنه �أخذ انتها ًء وم� اًآل‪.‬‬
‫ابتدا ًء اً‬
‫‪ -3‬ر ُّد االعتداء‪:‬‬
‫}ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ{‬
‫(البقرة‪)195 :‬‬
‫يقول الإمام الراغب «ف�سمي اعتداء و�سيئة‪ ،‬وهذا النحو‬
‫هو املعني بقوله‪ } :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ{ �أن‬
‫(((‬
‫يقابل اخلري ب�أكرث منه وال�شر ب�أقل منه»‬
‫ف��رد االع��ت��داء باملثل مي�� ِّث��ل احل��د الأدن����ى ال���ذي هو‬
‫العدل‪ ،‬و�أ ّم��ا احلد الأق�صى ال��ذي هو الإح�سان فيتم َّثل‬
‫يف قوله جل وعال } وﭓ ﯝ ﮧ ﭪ ﭫ{‬
‫(البقرة‪.)195:‬‬
‫وعن حكمة ورود الأمر بالإح�سان يف هذا ال�سياق يقول‬
‫الإم��ام ابن عا�شور «ويف الأمر بالإح�سان بعد ذكر الأمر‬
‫‪ -1‬املفردات‪� ،‬ص‪ .329‬‬

‫‪43‬‬
‫باالعتداء على املعتدي والإنفاق يف �سبيل اهلل والنهي عن‬
‫الإلقاء باليد �إلى التهلكة �إ�شارة �إلى � ّأن ك ّل هاته الأحوال‬
‫يالب�سها الإح�سان ويحفُّ بها ‪ ،‬ففي االعتداء يكون الإح�سان‬
‫بالوقوف عند احلدود واالقت�صاد يف االعتداء واالقتناع‬
‫مبا يح�صل به ال�صالح املطلوب‪ ،‬ويف اجلهاد يف �سبيل اهلل‬
‫يكون الإح�سان بالرفق بالأ�سري واملغلوب وبحفظ �أموال‬
‫املغلوبني وديارهم من التخريب والتحريق ‪ ،‬والعرب تقول‪:‬‬
‫(ملكت ف�أ�سجح ) ‪ ،‬واحلذر من الإلقاء باليد �إلى التهلكة‬
‫(((‬
‫�إح�سان»‪.‬‬
‫‪ -4‬االنت�صار‪:‬‬
‫قال اهلل عز وج��ل‪} :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﯥ ﯦ{ (ال�شورى‪)41:‬‬
‫وقال �سبحانه وتعالى‪} :‬ﮥﮦﮧ ﮨﮩﮪ{‬
‫(ال�شورى‪ ،)39:‬يقول الإم��ام ابن عبد ال�سالم «مدحهم‬
‫باالنت�صار لأنهم مل يزيدوا عليه‪� .‬إذ لو زادوا عليه لكان‬
‫تعديا ومل يكن انت�صارا»(((‪.‬‬

‫‪ - 1‬التحرير والتنوير‪.)405/2( ،‬‬


‫‪� -2‬شجرة املعارف‪� ،‬ص ‪.371‬‬

‫‪44‬‬
‫‪ -5‬الرفق يف رد ال�سائل‪:‬‬
‫ق�����ال اهلل ت���ع���ال���ى‪} :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ{ (ال���ب���ق���رة‪ ،)263:‬وق���ال‪} :‬ﭑ‬
‫ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭛ‬
‫ﭜ{ (الإ���س��راء‪ ،)28:‬وق��ال‪} :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ{‬
‫(ال�ضحى‪.)10:‬‬
‫يقول الإم��ام العز بن عبد ال�سالم «ال�سائل منك�سر‬
‫بالفقر ِّ‬
‫وذل ال�س�ؤال ف���إذا �ضممت �إل��ى ذل��ك �سوء الرد‬
‫ت�ضاعف ك�سره‪ .‬ف�إن مل حت�سن �إليه بالبذل فال �أقل من‬
‫ح�سن الرد»(((‪.‬‬

‫‪� -1‬شجرة املعارف‪� ،‬ص‪.268‬‬

‫‪45‬‬
‫املبحث الثاين‬
‫�إطار العدل والف�ضل‬
‫يف العالقة الزوجية‬

‫‪4747‬‬
‫�إطار العدل والف�ضل يف العالقة الزوجية‬
‫قبل ا�ستعرا�ض الآيات القر�آنية التف�صيلية التي ت َُد ِّثر‬
‫الأ�سرة امل�سلمة بق َيم الف�ضل‪ ،‬يح�سن بنا �إيراد بع�ض الآيات‬
‫القر�آنية التي ت�ش ِّكل �إطار ال�صورة الوظيفية التي ينبغي �أن‬
‫تكون عليها الأ�سرة امل�سلمة‪.‬‬
‫ونحن نعلم الوظيفة ال َّتجميلية وال َّتحديدية للإطار‪.‬‬
‫فالإطار ير�سم احلدود التي ينبغي �أ َّال تتجاوزها ال�صورة‬
‫بالإ�ضافة �إلى �أنه يزيد ال�صورة جماال‪.‬‬
‫‪-‬الآية الأوىل‪ :‬هي قول اهلل ع َّز وجل} ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ‬
‫ﮮ ﮯ{ (�سورة الفرقان‪.)74 :‬‬
‫ت�ضمنت ه���ذه الآي����ة ال��ك��رمي��ة ال�����واردة دع����ا ًء على‬
‫ل�سان عباد الرحمن وظيفة الأ�سرة اجلامعة بني املتعة‬
‫والر�سالية‪ ،‬فاملتعة تتم َّثل يف � َّأن ال��زواج تَق ُّر به الأعني‬
‫�إجنابا وا�ستمتاعا‪ ،‬والر�سالية يكون فيها امل�ؤمن املتزوج‬
‫ر�ساليا بل �إمام املتقني‪.‬‬
‫وهذه الآية حمورية يف املو�ضوع لأنها جاءت يف �سياق‬
‫«عباد الرحمن» ولي�س يف �سياق «عبيد الرحمن»‪ ،‬يقول‬
‫‪49‬‬
‫احلق ج َّل وع�لا‪ } :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ { (�سـ ـ ــورة‬
‫الفرقان‪ 63:‬ـ ـ‪ ،)64‬فع َّدد احلقُ �سبحانه وتعالى �صفاتهم‬
‫�إلى �أن قال‪ } :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ {(�سورة‬
‫الفرقان‪ )74:‬ذلكم �أن العبادية يف القر�آن الكرمي �صفة‬
‫ا�صطفائية انتقائية مبقت�ضى الألوهية بخالف العبيدية‬
‫التي هي �صفة قهرية يجتمع وي�شرتك فيها النا�س مبقت�ضى‬
‫الربوبية فاهلل ع َّز وجل يقول‪} :‬ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ{‬
‫(�سورة ف�صلت‪ ،)46 :‬فاملق�صود هنا كل العبيد كافرهم‬
‫وم�ؤمنهم‪ ،‬ولكن العباد يف القر�آن تطلق دائما على الذين‬
‫اختاروا �أن يكونوا عبادا هلل اختيارا ال الذين هم عباد‬
‫هلل ا�ضطرارا‪ ،‬ويظهر لنا هذا بجالء �إذا تتبعنا الآيات‬
‫القر�آنية‪} ،‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ{ (الفرقان‪)63 :‬‬
‫}ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ{ (ال��ب��ق��رة‪} )186 :‬ﭣ‬

‫‪50‬‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ{‬
‫(الأعراف‪.)32 :‬‬
‫ومن هنا نخل�ص �إلى �أن «العباد» يف القر�آن �إذا ذكر‬
‫ين�صرف �إلى العبادية اال�صطفائية االنتقائية‪ ،‬ولي�س �إلى‬
‫مطلق العبودية التي ي�شرتك فيها عامة النا�س‪.‬‬
‫خا�صة العباد الذين هم عباد الرحمن مي َّثلون‬ ‫ف�إذا كان َّ‬
‫القمة يف الورع والتد ُّين لأنَّهم يبيتون لر ِّبهم �سجدا وقياما‪،‬‬
‫ف���إن ه��ذا ال ينايف �إطالقا �أن ي��ت��زوج��وا‪،‬وال يتعار�ض �أن‬
‫يتزوجوا بخلفية ا�ستمتاعية مع مقت�ضيات الر�سالية‪ ،‬ولهذا‬
‫فالنبي �صلى اهلل عليه و�سلم يقول عن نف�سه ‪-‬وهو الذي‬
‫يل من دنياكم‬ ‫مي ِّثل القمة العبادية اال�صطفائية‪ُ -‬‬
‫«ح ٍّبب �إ َّ‬
‫الن�ساء و الطيب»(((‪ ،‬ولكن الذي مييزه عن جميع النا�س‬
‫«وجعلت قرة عيني يف ال�صالة» مبعنى ميكنك �أن ت�ستمتع‬
‫ماديا وج�سديا بت�ساوق مع اال�ستمتاع معنويا و روحيا‪.‬‬
‫وميكن �أن ن�ستخل�ص من هذه الآي��ة التي وردت دعا ًء‬
‫على ل�سان عباد الرحمن �إ�شارتني منهجيتني‪:‬‬

‫‪ -1‬عن �أن�س بن مالك رواه احمد‪ ،‬والن�سائي ‪ ،‬واحلاكم يف م�ستدركه وقال‪� :‬صحيح على‬
‫�شرط م�سلم‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫تتمثل الأول��ى يف كون هذه الأدعية ذات حمولة قيمية‬
‫ومن هنا‪ ،‬ينبغي �إعادة االعتبار القيمي للدعاء و �أ َّال ي�صبح‬
‫التعامل معه باعتبار الطلب فح�سب‪.‬‬
‫�أما الثانية فتتجلى يف �أن ه���ؤالء العباد الذي ميثلون‬
‫مثاال للتدين‪ ،‬بل قمة التدين‪ ،‬ال يتنافى �إطالقا عندهم هذا‬
‫املقام مع االلتفات �إلى احلاجيات البيولوجية والغريزية‪،‬‬
‫واال�ستمتاع بها‪ ،‬وعدم االكتفاء بها يف ُبعدها ال�ضروري‪،‬‬
‫بل �إتيانها حتى يف ُبعدها التح�سيني و املكارمي‪.‬‬
‫‪ -‬الآية الثانية‪} :‬ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ{‬
‫(الروم‪.)21 :‬‬
‫وميكن �أن نتعامل مع هذه الآية يف �أربعة م�ستويات‪:‬‬
‫امل�ستوى الأول‪:‬اع��ت�بر القر�آن الكرمي الزوجية وبناء‬
‫الأ�سرة من �آيات اهلل‪ ،‬والآية الكونية مدعاة للت�أمل املتف ِّكر‬
‫و التف ُّكر املت�أمل امتثاال لقوله تعالى } ﮉﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍﮎﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔﮕ‬
‫ﮖﮗﮘﮙ ﮚﮛﮜﮝ ﮞ‬
‫ﮟﮠ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ‬

‫‪52‬‬
‫ﮩ{ ( �آل ع��م��ران‪} )191- 190:‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁﮂﮃﮄ ﮅﮆ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌ‬
‫ﮍﮎﮏ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕ‬
‫ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯓﯔ‬
‫ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠﯡﯢ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ{‬
‫(الروم‪20:‬ـ ـ ـ‪.)24‬‬
‫فالتف ُّكر يف الآي��ة الأ�سرية من�صو�ص عليه �صراحة‬
‫بقوله تعالى «�إن يف ذلك لآيات لقوم يتفكرون»‪ ،‬وهو تف ُّكر‬
‫متجدد للوقوف على املعاين املتعددة والدالالت املتجددة‬
‫التي توحي بها الأ�سرة مفهوم ًا ووظيف ًة بعيدا عن التعامل‬
‫ال�ساذج وال��ب��ارد والبليد مع الأ���س��رة باعتبارها ظاهرة‬
‫اجتماعية م�ألوفة وعادية‪..‬‬
‫امل�ستوى الثاين‪� :‬أن اهلل عز و جل اعترب الإن�سان الذي‬
‫يتزوج امر�أة و�إن كانت غريبة عنه ف�إمنا يتزوج جزءا منه‬
‫ومكمال له لأنها من نف�سه }ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬ ‫ِّ‬
‫‪53‬‬
‫ﮏ ﮐ{‪ ،‬وذل��ك مدعاة لرفع ال�شعور بالنفور‬
‫ب�سبب الغربة والوح�شة‪.‬‬
‫يقول الإمام ابن عا�شور‪« :‬لأن الزوجني يكرث �أال يكونا‬
‫قريبني و�سببه اال�صطحابي‪ ،‬يف �أول عقد التزوج حتى‬
‫تطول املعا�شرة ويكت�سب كل من الآخر خلقه‪� ،‬إال �أن اهلل‬
‫تعالى جعل يف رغبة الرجل يف املر�أة �إلى حد �أن خطبها‪،‬‬
‫ويف ميله �إلى التي يراها‪ ،‬مذ انت�سبت به واقرتنت‪ ،‬ويف نيته‬
‫معا�شرتها معا�شرة طيبة ‪ ،‬ويف مقابلة املر�أة الرجل مبثل‬
‫ذلك ما يغرز يف نف�س الزوجني نوايا وخواطر �شريفة وثقة‬
‫باخلري‪ ،‬تقوم مقام ال�سبب اجلبلي‪ ،‬ثم تعقبها معا�شرة‬
‫و�إلف تكمل ما يقوم مقام ال�سبب اال�صطحابي»(((‪.‬‬
‫والزوجية قانون كوين وخَ لقي كما هو من�صو�ص عليه يف‬
‫الآيات املتلوة ومبثوث يف الآيات املجلوة كما يف قوله تعالى‬
‫} ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ { (ال�شورى‪.)11:‬‬
‫}ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ‬ ‫وقوله‪:‬‬
‫ﰊ ﰋ ﰌ{ (النحل‪.)72 :‬‬
‫‪ -1‬التحرير والتنوير ‪.)460/2( ،‬‬

‫‪54‬‬
‫والزوجية الأ�سرية نعمة عظمى‪�« ،‬إذ جعل قرين الإن�سان‬
‫ُ‬
‫ال�ضط ّر الإن�سان‬ ‫متك ّون ًا من نوعه‪ ،‬ولو مل يجعل له ذلك‬
‫�إل��ى طلب الت�أ ُّن�س بنوع �آخ��ر فلم يح�صل الت�أ ُّن�س بذلك‬
‫للزوجني‪ .‬وهذه احلالة و�إن كانت موجودة يف �أغلب �أنواع‬
‫احليوان فهي نعمة يدركها الإن�سان وال يدركها غريه‬
‫من الأن��واع‪ .‬ولي�س من قوام ماه ّية النّعمة �أن ينفرد بها‬
‫املنعم عليه»(((‪.‬‬
‫وللزوجية الأ�سرية ظالل معنوية ونف�سية وعاطفية تلقي‬
‫بها على احلياة العائلية‪ .‬ذلك � َّأن «الو�صف بالزوج ي�ؤذن‬
‫مبالزمته لآخ��ر‪ ،‬فلذا �س ّمي بالزوج قرين امل��ر�أة وقرين ُة‬
‫اخت�ص بها الإن�سان �إذ �ألهمه اهلل‬
‫ّ‬ ‫الرجل‪ .‬وه��ذه نعمة‬
‫جعل قرين له وجبله على نظام حم ّبة وغرية ال ي�س َمحان‬
‫له ب�إهمال زوجه كما تُهمل العجماوات �إناثها وتن�صرف‬
‫(((‬
‫�إناثها عن ذكورها»‪.‬‬
‫و�إذا ت�أملنا يف الآية‪ ،‬تتبينَّ لنا �إ�شارة تربوية منهجية‬
‫ها ّمة‪ ،‬هي �أن الزوجني �إذا اعترب كل واحد منهما �أن الآخر‬
‫حب �أحد الزوجني لنف�سه ال ب َّد �أن‬
‫جزء منه وامتداد له ف�إن َّ‬
‫ين�صرف �إلى زوجه‪ ،‬بل حتى الأنانيات الفردية و اال�ستئثار‬
‫‪ -1‬التحرير والتنوير‪.218/14 ،‬‬
‫‪ - 2‬نف�سه‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫ال�شخ�صي الذي ي�ست�أثر به الإن�سان عاد ًة لنف�سه �سيكون‬
‫حل�ساب الزوجني ولي�س على ح�ساب �أحدهما‪.‬‬
‫وهذه الزوجية مدعاة لل�سكن كما الحظه الإم��ام ابن‬
‫حزم بقوله‪« :‬فجعل علة ال�سكون �أنها منه‪ ،‬ولو كان علة‬
‫احل��ب ح�سن ال�����ص��ورة اجل�سدية ل��وج��ب �أال ي�ستح�سن‬
‫الأنق�ص يف ال�صورة»(((‪.‬‬
‫‪ -‬امل�ستوى الثالث‪� :‬أن اهلل عز وجل قال‪} :‬ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ{ ومل يقل‬
‫لت�سكنوا معها‪ ،‬و كثري من الأزواج يحققون ال�سكن «مع»‬
‫�أزواجهم وال يحققون ال�سكن «�إل��ى» �أزواج��ه��م‪ ،‬و الفرق‬
‫بني ال�سكن «مع» وال�سكن «�إلى» فرق بني املعيار احلجري‬
‫واملعيار الب�شري‪ ،‬فكل زواج قائم على املعيار املادي هو الذي‬
‫يتحقق فيه ال�سكن مع‪ ،‬وال��زواج الذي يتحقق فيه معيار‬
‫الدين «فاظفر بذات الدين ترِ بت يداك»((( «�إذا جاءكم‬
‫من تر�ضون دينه وخلقه فزوجوه»((( هو الذي يتحقق معه‬
‫ال�سكن «�إلى»‪ ،‬ولهذا انهارت جمموعة من زيجاتنا لأنها‬

‫‪ - 1‬طوق احلمامة‪(، 94/ 1 ،‬ر�سائل ابن ح��زم)‪ ،‬حتقيق‪� :‬إح�سان عبا�س‪ ،‬امل�ؤ�س�سة‬
‫العربية للدرا�سات والن�شر بريوت ‪.1980‬‬
‫‪ 2‬رواه البخاري يف كتاب النكاح‪.‬‬
‫‪ 3‬رواه الرتمذي‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫ر َّكزت على اجلانب املادي فقط حيث حتقق لها ال�سكن‬
‫«مع» ومل يتحقق لها ال�سكن «�إلى»‪.‬‬
‫يقول الإمام ويل اهلل الدهلوي‪« :‬فاملال واجلاه مق�صد‬
‫من غلب عليه حجاب الر�سم‪.‬واجلمال وما ي�شبهه من‬
‫ال�شباب مق�صد من غلب عليه حجاب الطبيعة‪.‬والدين‬
‫مق�صد من تهذَّ ب بالفطرة ف�أحب �أن تعونه امر�أته يف دينه‬
‫ورغب يف �صحبة �أهل اخلري»(((‪.‬‬
‫‪ -‬امل�ستوى الرابع‪ :‬املودة والرحمة}ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ{ والعالقة الزوجية قائمة ابتدا ًء وامتداد ًا‬
‫على احلب‪ ،‬واحلب يف حياة النا�س قائم على عدة اعتبارات‬
‫يقول م�سكويه ‪«:‬املحبة �أنواع و�أ�سبابها تكون بعدد �أنواعها‪،‬‬
‫ف�أحد �أنواعها ما ينعقد �سريعا وينح ُّل �سريعا‪ ،‬والثاين‪:‬‬
‫ما ينعقد �سريعا وينح ُّل بطيئا‪ ،‬والثالث‪ :‬ما ينعقد بطيئا‬
‫وينح ُّل �سريعا‪ ،‬والرابع‪ :‬ما ينعقد بطيئا وينح ُّل بطيئا‪،‬‬
‫و�إمنا انق�سمت �إلى هذه الأنواع فقط لأن مقا�صد النا�س يف‬
‫مطالبهم و�سريهم ثالثة ويرتكب بينها رابع وهي اللذة‪،‬‬
‫واخلري‪ ،‬واملنافع واملرتكب منها»(((‪.‬‬
‫‪ 1‬حجة اهلل البالغة ‪ 190/2‬دار اجليل ط‪. 1‬‬
‫‪ 2‬تهذيب الأخالق �ص ‪.136-135‬‬

‫‪57‬‬
‫و�أ�سباب انعقادها وا�ستمرارها متعددة‪« ،‬ف�أما املحبة‬
‫التي يكون �سببها اللذة فهي التي تنعقد �سريعا وتنحل‬
‫�سريعا‪ ،‬وذلك �أن اللذة �سريعة التغري‪...‬‬
‫و�أما التي ترتكب من هذه الثالثة �إذا كان فيها اخلري‬
‫ف�إنها تنعقد بطيئا وتنح ُّل بطيئا‪.‬‬
‫و�أما املحبة التي �سببها املنافع فهي التي تنعقد بطيئا‬
‫وتنح ُّل �سريعا‪.‬‬
‫و�أما املحبة التي �سببها اخلري فهي التي تنعقد �سريعا‬
‫وتنحل بطيئا‪.‬‬
‫وهذه املحبات كلُّها حتدث بني النا�س خا�صة لأنها تكون‬
‫ب�إرادة ورو َّية ويكون فيها جمازاة ومكاف�أة»(((‪.‬‬
‫‪ -‬الآي�����ة ال��ث��ال��ث��ة‪} :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ{‬
‫(�سورة البقرة‪.)184 :‬‬
‫فهذه الآي��ة الكرمية توحي مبا ينبغي �أن تكون عليه‬
‫العالقة الأ�سرية �أو العالقة الزوجية‪ ،‬فتعبري القر�آن‬
‫الكرمي عن العالقة الأ�سرية بهذا اللفظ «لبا�س» له �أكرث‬

‫‪ -1‬نف�سه ‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫من معنى((( لأن اللبا�س امل��ادي يحيل على خم�سة �أبعاد‬
‫على الأقل‪ُ :‬بعد الدفء‪ُ ،‬بعد التج ُّمل‪ُ ،‬بعد ال�سرت‪ ،‬و ُبعد‬
‫االلت�صاق‪ ،‬و ُبعد االختيار‪.‬‬
‫كل هذه الإيحاءات والأبعاد احل�سية ِل ِّلبا�س ينبغي �أن‬
‫تن�صرف �إلى �أبعاد معنوية يف العالقة الزوجية‪ ،‬فالعالقة‬
‫الزوجية يجب �أن يتحقق فيها ال��دفء العاطفي‪ ،‬لأنها‬
‫‪ - 1‬وردت عند املف�سرين �إ�شارات بالغية وبيانية يف معنى اللبا�س ال��وارد يف الآية‬
‫قال االمام القرطبي ‪�« :‬أ�صل اللبا�س يف الثياب‪ ،‬ثم �سمي امتزاج كل واحد من الزوجني‬
‫ب�صاحبه لبا�سا‪ ،‬الن�ضمام اجل�سد وامتزاجهما وتالزمهما ت�شبيها بالثوب‪ .‬وقال النابغة‬
‫اجلعدي‪:‬‬
‫�إذا ما ال�ضجيع ثنى جيدها تداعت فكانت عليه لبا�سا‬ ‫ ‬
‫وقال �أي�ضا‪:‬‬
‫و�أفنيت بعد �أنا�س �أنا�سا‬ ‫لب�ست �أنا�سا ف�أفنيتهم‬ ‫ ‬
‫وقال بع�ضهم‪ :‬يقال ملا �سرت ال�شيء وداراه‪ :‬لبا�س‪ .‬فجائز �أن يكون كل واحد منهما �سرتا‬
‫ل�صاحبه عما ال يحل اجلامع» ‪. 315 -314 / 2‬‬
‫�أما االمام فخر الدين الرازي فقد قال «�أنه ملا كان الرجل واملر�أة يعتنقان‪ ،‬في�ضم كل‬
‫واحد منهما ج�سمه �إلى ج�سم �صاحبه حتى ي�صري كل واحد منهما ل�صاحبه كالثوب‬
‫الذي يلب�سه‪� ،‬سمي كل واحد منهما لبا�سا‪� ... ،‬أنه تعالى جعلها لبا�سا للرجل‪ ،‬من حيث‬
‫�إنه يخ�صها بنف�سه‪ ،‬كما يخ�ص لبا�سه بنف�سه‪ ،‬ويراها �أهال لأن يالقي كل بدنه كل بدنها‬
‫كما يعمله يف اللبا�س‪...‬‬
‫يحتمل �أن يكون املراد �سرته بها عن جميع املفا�سد التي تقع يف البيت‪ ،‬لو مل تكن املر�أة‬
‫حا�ضرة‪ ،‬كما ي�سترت الإن�سان بلبا�سه عن احلر والربد وكثري من امل�ضار» مفاتيح الغيب‪،‬‬
‫‪.5/267‬‬
‫�أما الإمام ابن عا�شور فقدعلل ورود هذا اللفظ بكونه «ت�أكيد ًا ل�شدة التلب�س واالت�صال‬
‫من كل جهة»‪...‬التحرير والتنوير(‪.)158/28‬‬

‫‪59‬‬
‫عالقة قائمة على االلت�صاق و احلميمية‪ ،‬والعالقة الزوجية‬
‫قائمة على ال�سرت‪ ،‬لي�س فقط �سرت العالقة احلميمية‪ ،‬بل‬
‫حتى �سرت الأ�سرار الزوجية واحلر�ص �أ َّال تخرج و�أ َّال ت�شيع‪،‬‬
‫باعتبار �أن الأ�سرار الزوجية عبارة عن عورات والإن�سان‬
‫�أُم��ر �أن ي�سرت العورات �سواء املادية �أو املعنوية‪ ،‬ثم �إن‬
‫اللبا�س ع��اد ًة ما نختاره‪ ،‬فمبد�أ ال��زواج ينبغي �أن ينبني‬
‫على االختيار و لي�س على الإجبار‪.‬‬
‫احل�سية اخلم�سة ِل ِّلبا�س‬
‫ومن هذا املنطلق‪ ،‬فهذه الأبعاد ِّ‬
‫تن�صرف �إلى اجلانب املعنوي يف العالقة الزوجية وينبغي‬
‫للمتزوجني �أن يحققوه يف حياتهم الأ�سرية‪.‬‬
‫‪ -‬الآي�����������ة ال������راب������ع������ة‪ } :‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ{‬
‫(البقرة‪.)237:‬‬
‫وهذه الآية فيها �إ�شارة بالغية يجدر التنويه بها‪ ،‬ذلكم �أن‬
‫اهلل ج َّل وعال اعترب الف�ضل موجودا �أ�صال يف فطرة الأزواج‬
‫يتم التذكري به‬
‫ولي�س �أمرا طارئا عليهم‪ ،‬فقط ُيحتاج لأن َّ‬
‫يف حقِّ الأزواج لكي ال ُين�سى‪ ،‬فالف�ضل قيمة �أ�صلية و�أ�صيلة‬
‫يف حياة الزوجني ولي�س قيمة دخيلة عليهما‪.‬‬
‫بالإ�ضافة �إل��ى �أن الأم��ر بعدم ن�سيان الف�ضل«لزيادة‬

‫‪60‬‬
‫التف�ضل ال��دن��ي��وي‪ ،‬ويف‬
‫ُّ‬ ‫الرتغيب يف العفو مب��ا فيه م��ن‬
‫حب الف�ضل ‪ ...‬ف�أُمروا يف هاته الآية ب�أن‬ ‫ِّ‬
‫الطباع ال�سليمة ُّ‬
‫يتعاهدوا الف�ضل وال ين�سوه ؛ لأن ن�سيانه يباعد بينهم وبينه‪،‬‬
‫ِ‬
‫في�ضمح ُّل منهم ‪ ،‬ومو�شك �أن يحتاج �إلى عفو غريه عنه يف‬
‫واقعة �أخرى‪ ،‬ففي تعاهده عون كبري على الإلف والتحابب‪،‬‬
‫وذلك �سبيل وا�ضحة �إلى االحتاد وامل�ؤاخاة واالنتفاع بهذا‬
‫الو�صف عند حلول التجربة»(((‪.‬‬

‫‪ -1‬التحرير والتنوير ‪.465 /2‬‬

‫‪61‬‬
‫املبحث الثالث‬
‫اجتاهات العدل والف�ضل‬
‫يف القر�آن الكرمي‪:‬‬
‫يف جمال الأ�رسة‬

‫‪6363‬‬
‫اجتاهات العدل والف�ضل يف القر�آن الكرمي‪:‬‬
‫يف جمال الأ�سرة‬
‫�إن العالقة الزوجية ال ينبغي �أن تقوم على العدل‬
‫فح�سب‪ ،‬بل ينبغي �أن تقوم على الف�ضل باعتباره م�ؤطرا‬
‫وحا�ضن ًا لتلك العالقة ‪ ،‬بحيث �إذا �أخط�أ الإن�سان الف�ضل‬
‫يف تفا�صيل حياته الزوجية‪ ،‬ف�إنه ي�سقط يف مرتبة العدل‪،‬‬
‫ال عن مرتبة العدل �إلى مرتبة الع�ضل ‪ .‬و�إذا كان القر�آن‬
‫الكرمي قد ن��دب �إل��ى الف�ضل يف العالقات االجتماعية‬
‫والعالقات املالية والعالقات اجلنائية‪ ،‬فمن باب �أولى‬
‫�أن يكون الف�ضل مطلوبا يف العالقة الزوجية‪ ،‬وذلك لعدة‬
‫اعتبارات منها �أن الإن�سان قد ال يحتاج �أو ي�ضط ُّر �إلى تلك‬
‫املجاالت‪ ،‬كاالقرتا�ض‪� ،‬أو الق�صا�ص‪...‬‬
‫بينما العالقة الزوجية �أو الأ�سرية هي عالقة �ضرورية‬
‫ودائمة و دائبة وال ي�ستغني �أي �إن�سان عنها �سوا ًء �أكان �أب ًا‬
‫�أو زوج ًا �أو ابن ًا‪ .‬لأن الأ�سرة هي اخللية االجتماعية التي‬
‫يعي�ش ك ُّل �إن�سان فيها وبها‪ .‬بالإ�ضافة �إلى �أنَّها حميمية‬
‫ما�س‬
‫احل�سية‪ ،‬وال َّت ِّ‬
‫وقائمة على االحتكاك اليومي واملعا�شرة ِّ‬
‫النف�سي‪ ،‬مما ي�ستدعي اخت�ضانا قيمي ًا من الف�ضل ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫ثم �إن العالقة الزوجية ال ميكن �أن حت ِّلق �إ ّال بجناحي‬
‫العدل والف�ضل يف الف�ضاء االجتماعي حتى يتحقق لها‬
‫اال�ستقرار واال�ستمرار واال�ستثمار‪ .‬و االكتفاء بجناح واحد‬
‫ال ي�ضمن يف �أح�سن الأحوال �إ َّال النهو�ض والإقالع و التحليق‬
‫القريب ال البعيد‪.‬‬
‫و ميكن �أن نالحظ �أن العدل والف�ضل يف القر�آن يف‬
‫جمال الأ�سرة يتجهان �إلى كل �أفراد ومكونات الأ�سرة ‪.‬‬
‫‪ -‬النوع الأول‪ :‬الف�ضل من الرجل �إىل املر�أة‬
‫يعترب هذا النوع هو الغالب يف القر�آن الكرمي‪ ،‬ونورد‬
‫بع�ض هذه الأحكام ب�آياتها على �سبيل الإ�شارة والإثارة‪.‬‬
‫}ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ{‬ ‫‪-‬ال������ق������وام������ة‬
‫(الن�ساء‪.)34:‬‬
‫هذه الآية �أ�صل ت�شريعي ُك ِّل ّي تتف ّرع عنه الأحكام التي‬
‫يف الآيات بعده (((‪ ،‬و�إذا ت�أملناها ف�إنها تفيد وحتيل على‬
‫قيمة الف�ضل‪ ،‬لأن الرجل لي�س مطالبا فقط ب���أن يكون‬
‫قائم ًا ب�ش�ؤون الأ�سرة‪ ،‬فالقائمون هم الذين يحققون احلد‬
‫الأدن��ى‪ /‬العدل‪ ،‬ولكنَّه مطا َلب ب���أن يكون ق َّوام ًا (هكذا‬
‫‪ -1‬التحرير والتنوير ‪.402/2‬‬

‫‪66‬‬
‫ب�صيغة املبالغة) التي تفيد التكثري و الت�ش ُّوف �إلى احلد‬
‫الأق�صى من القيام‪.‬يقول الإم��ام القرطبي « َق�� ّوام» ف ّعال‬
‫للمبالغة؛ من القيام على ال�شيء واال�ستبداد بالنظر فيه‬
‫وحفظه باالجتهاد‪ .‬فقيام ال ّرجال على الن�ساء هو على‬
‫هذا احلد»(((‪.‬‬
‫‪-‬ال��ط�لاق }ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﮭ{ (البقرة‪.)229:‬‬
‫«والإم�ساك حقيقته قب�ض اليد على �شيء خمافة �أن‬
‫ي�سقط �أو يتف َّلت ‪ ،‬وهو هنا ا�ستعارة لدوام املعا�شرة»((( ‪.‬‬
‫موجه للرجل ب�أنه �إذا �أراد �أن يطلق‬ ‫فهذا اخلطاب َّ‬
‫املر�أة فليطلقها ب�إح�سان ال بعدل‪ ،‬لأن الطالق مقام �سلبي‬
‫والزوجان يكونان متو ِّت َرين و ميكن �أن ت�صدر عنهما �أخطاء‬
‫وت�شنُّجات‪� ،‬إذن فال بد �أن ُيتح َّرى الإح�سان حتى �إذا �أخط�أ‬
‫الزوجان درجة الف�ضل وقعا يف درجة العدل ومل يقعا عن‬
‫درجة العدل �إلى درك الع�ضل‪.‬‬
‫ثم �إن «يف ح�سن امل�صاحبة واملفارقة حفظ للوداد‪،‬‬
‫حب‬
‫وبعد من البغ�ضاء والعداوة‪� ،‬إذ ُجبلت القلوب على ِّ‬
‫‪ -1‬اجلامع لأحكام القر�آن ‪� 168 /5‬أبو عبد اهلل القرطبي دار الكتب العلمية ‪.‬‬
‫‪ -2‬التحرير والتنوير ج‪.407/2‬‬

‫‪67‬‬
‫(((‬
‫من �أح�سن �إليها وبغ�ض من �أ�ساء �إليها»‪.‬‬
‫وهناك ملحظ �آخر �أ�شار �إليه الإمام ابن عا�شور بقوله‬
‫فالأمر «�إم�ساك مبعروف �أو ت�سريح ب�إح�سان» على طريقة‬
‫«ف�صرب جميل » ‪...‬واملق�صود من هذه اجلملة �إدماج الو�صاية‬
‫بالإح�سان يف حال املراجعة ‪ ،‬ويف حال تركها ‪ ،‬ف�إن اهلل كتب‬
‫الإح�سان على كل �شيء ‪،‬وقد ظهر من هذا �أن املق�صود‬
‫من اجلملة هو الإم�ساك �أو الت�سريح ْ‬
‫املط َلقني و�أما تقييد‬
‫الإم�ساك باملعروف والت�سريح بالإح�سان ‪ ،‬فهو �إدماج لو�صية‬
‫�أخرى يف كلتا احلالتني ‪� ،‬إدماج ًا للإر�شاد يف �أثناء الت�شريع ‪.‬‬
‫وامل��ع��روف هنا ه��و م��ا عرفه النا�س يف معامالتهم من‬
‫احلقوق التي قررها الإ�سالم �أو قررتها العادات التي‬
‫ال تنايف �أحكام الإ�سالم ‪ .‬وهو ينا�سب الإم�ساك لأنه ي�شتمل‬
‫على �أحكام الع�صمة كلها من �إح�سان معا�شرة‪ ،‬وغري ذلك‪،‬‬
‫فهو �أعم من الإح�سان ‪.‬‬
‫و�أما الت�سريح فهو فراق ومعروفه منح�صر يف الإح�سان‬
‫�إلى املفارقة بالقول احل�سن والبذل باملتعة ‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫}ﮔ ﮕﮖ ﮗ{ ( الأحزاب‪ )49:‬وقد‬

‫‪� -1‬شجرة املعارف‪� ,‬ص‪.223 :‬‬

‫‪68‬‬
‫ك��ان الأزواج يظلمون املطلقات ومينعونهن من حليهن‬
‫وريا�شهن‪ ،‬وي��ك�ثرون الطعن فيهن‪ ,‬ق��ال اب��ن عرفة يف‬
‫(تف�سريه)‪« :‬ف���إن قلت هال قيل ف�إم�ساك ب�إح�سان‬
‫�أو ت�سريح مبعروف قلت عادتهم يجيبون ب���أن املعروف‬
‫�أخ��ف من الإح�سان �إذ املعروف ح�سن الع�شرة و�إعطاء‬
‫حقوق الزوجية ‪ ،‬والإح�سان �أال يظلمها من حقها فيقت�ضي‬
‫الإعطاء‪ ،‬وبذل املال �أ�شق على النفو�س من ح�سن املعا�شرة‬
‫فجعل املعروف مع الإم�ساك املقت�ضي دوام الع�صمة‪،‬‬
‫�إذ ال ي�ضر تكرره‪ ،‬وجعل الإح�سان ال�شاق مع الت�سريح‬
‫(((‬
‫الذي ال يتكرر »‪.‬‬
‫وتخ�صي�ص الت�سريح بالإح�سان‪ ،‬بدل الإم�ساك‪ ،‬لأن‬
‫الزواج يكون يف العموم يف حالة الوفاق والرتا�ضي وتكون‬
‫نفو�س الأزواج مفتوحة على املكارمة والبذل والعطاء �إلى‬
‫درجة ن�سيان الذّات �أحيان ًا‪ ،‬بينما يت ُّم الطالق يف �أجواء‬
‫(((‬
‫امل�شاحة‬
‫َّ‬ ‫ال�شقاق والتقا�ضي وتكون النفو�س مفتوحة على‬

‫‪ -1‬التحرير والتنوير ‪.407-405/2‬‬


‫‪ -2‬كما يف قوله تعالى يف حالة الن�شوز التي قد تكون �شرارة للطالق و�إحدى بوادره‬
‫}ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ‬
‫ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ{‬
‫الن�ساء(‪.)128‬‬

‫‪69‬‬
‫وال�ضن �إلى درجة التطاول على احلقوق وه�ضمها‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫وال�شَّ ره‬
‫والأم��ر بالإح�سان �أو الف�ضل يف هذا املقام هو من باب‬
‫قوي‬ ‫املنطق ال�شرعي القائم على«ك َّلما �ض ُعف داعي َّ‬
‫الطبع َ‬
‫داعي ال�شَّ رع»‪.‬‬
‫ومن الآيات القر�آنية �أي�ض ًا قول احلق ج َّل جالله‪:‬‬
‫}ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ{ (البقرة‪،)236:‬‬
‫فهناك احلد الأدنى‪/‬العدل الذي هو‪} :‬ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ{‪ ،‬ولكن‬
‫الف�ضل �أن حت�سن يف هذا املقام مقام الفراق والطالق‬
‫وعدم الوفاق } ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ{»(((‪.‬‬
‫يحدد ال�شرع قيمة املتعة و�إمنا تركها لأريحية الزوج‬
‫مل ِّ‬
‫املح�سن الذي يحتكم �إلى قيم الف�ضل‪ } .‬ﮯﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ {‬
‫(البقرة‪.)236:‬‬
‫‪ -1‬التحرير والتنوير ‪.407-405/2‬‬

‫‪70‬‬
‫ومن الآيات قول اهلل عز و جل‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔﭕﭖﭗ ﭘﭙﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣﭤﭥﭦﭧ ﭨﭩﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ {(الن�ساء‪)21-20:‬‬
‫تفيد هذه الآي��ة �أن��ه ال يحق للمطلق �أن ي�أخذ ما �أعطى‬
‫املر�أة ولو كان قنطارا من الذهب لأنه مبنطق العدل قد‬
‫ا�ستوفاه و�أخذه ا�ستمتاعا‪� ،‬أما مبنطق الف�ضل فال ي�أخذه‬
‫}ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ{ (الن�ساء‪،)21:‬‬
‫فح َّرك يف الإن�سان بعد ًا معنوي ًا و لي�س بعد ًا مادي ًا فح�سب‪.‬‬
‫وعلى الزوج �أن ال ينظر �إلى الع�شرة الزوجية هل تعادل‬
‫ما �أعطاها من املهر �أم ال؟!‪ ،‬فحتى و لو كانت قيمة املال‬
‫يف مقابل اال�ستمتاع فالعالقة الزوجية �أك�بر و�أكرث‪،‬‬
‫فال يليق �أخالقيا‪ ،‬ومكارميا‪� ،‬أن ي�أخذ الزوج مقابال عن‬
‫العالقة الزوجية ملا وقع من الإف�ضاء ومن التداخل و �أخذ‬
‫امليثاق الغليظ‪.‬يقول الإم��ام ال��رازي «قوله‪ } :‬ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ{ كلمة تعجب‪،‬‬
‫�أي لأي وجه ولأي معنى تفعلون هذا؟ فانها بذلت نف�سها‬

‫‪71‬‬
‫لك وجعلت ذاتها لذَّ تك ومتتعك‪ ،‬وح�صلت الألفة التامة‬
‫واملودة الكاملة بينكما‪ ،‬فكيف يليق بالعاقل �أن ي�سرتد منها‬
‫�شيئا بذله لها بطيبة نف�سه؟ �إن هذا ال يليق البتة مبن له‬
‫(((‬
‫طبع �سليم وذوق م�ستقيم»‪.‬‬
‫�أي�ضا يقول اهلل عز و جل يف �سياق الطالق } ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ{ (الطالق‪.)1:‬‬
‫واملثري يف هذه ا لآية �أن اهلل ع َّز وجل مل يقل‪:‬‬
‫«ال تخرجوهن من بيوتكم» ‪ ،‬لأن البيت ع��اد ًة يكون يف‬
‫ملكية الزوج‪ ،‬ولكنه ن�سب البيت �إلى املر�أة ‪،‬رغم �أنها يف‬
‫العادة ال متلكه العتبارين‪:‬‬
‫االعتبار الأول ‪ :‬لأنها مط َّلقة‪ ،‬واالعتبار الثاين‪ :‬لأن‬
‫البيت و� ْإن مل يكن مل َكها وهي متزوجة ‪ ،‬ف�إن اهلل �سبحانه‬
‫�أثبت لها امللكية يف �سياق الطالق‪� ،‬أي �أن املط ِّلق ال يحق له‬
‫�أن يخرجها من البيت لأنه بيتها‪ ،‬ولو �أنها كانت ال متلكه‬
‫وهي متزوجة عين ًا وعد ًال‪�.‬إ ّال �أنها متلكه وهي مط َّلقة ً‬
‫معنى‬
‫‪ -1‬مفاتيح الغيب ‪.1011‬‬

‫‪72‬‬
‫ال�صرف فالبيت‬‫وف�ض ًال ‪ ،‬ف�إذا ما اعتمدنا احل�ساب املادي ِّ‬
‫من حق الرجل‪ ،‬و لكن ح�ساب الف�ضل يعطيها امتالك ذلك‬
‫البناء الذي بنته معنويا وعاطفيا‪ ،‬فالبناء احلجري الذي‬
‫ميلكه الزوج عين ًا �أُ ِّثث مب�شاعر املر�أة وعاطفتها وتفانيها‬
‫وت�ضحياتها فا�ستحقت بذلك ملكية البيت ولو معنى‪.‬‬
‫‪ -‬تعدد الزوجات‪:‬‬
‫�أي�ضا هناك �آية �أخرى ميكن �أن ن�ست�شف منها ثنائية‬
‫العدل و الف�ضل و هي تلكم التي تتعلق بتعدد الزوجات‬
‫فقول اهلل تعالى} ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ{ (الن�ساء‪ ،)129:‬هو العدل الذي ميثل احلد‬
‫الأدن��ى يف حالة التعدد‪ ،‬ولكن قوله عز وجل عقب ذلك‬
‫}ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ{‬
‫املعدد ب�أن يرتقي �إميانيا‬
‫(الن�ساء‪ ،)129:‬يدعو امل�سلم ِّ‬
‫ليحقق التقوى و يحقق الإ���ص�لاح معنويا‪ .‬فيفي�ض على‬
‫زوجاته ف�ضال و�إح�سانا‪.‬‬
‫النوع الثاين‪ :‬الف�ضل من الزوجة �إىل الزوج‬
‫‪-‬املهر}ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ{ (الن�ساء‪.)4:‬‬
‫يعترب ال�صداق �شعار ال��زواج وعنوان املحبة و�صدق‬
‫‪73‬‬
‫االرتباط الذي يعبرِّ به الزوج للمر�أة التي �سريتبط بها يف‬
‫�إطار الزواج‪.‬‬
‫وقد عبرّ القر�آن عن املهر بال�صدقات مبا يلقيه من‬
‫ظالل ال�صدق ونبل االرتباط‪ ،‬كما و�سمها بال ِنحلة «�إبعاد ًا‬
‫لل�صدقات عن �أنواع الأعوا�ض ‪ ،‬وتقريب ًا بها �إلى الهدية‪،‬‬
‫�إذ لي�س ال�صداق عو�ض ًا عن منافع املر�أة عند التحقيق‪،‬‬
‫ف� ّإن النكاح عقد بني الرجل واملر�أة ق�صد منه املعا�شرة‪،‬‬
‫و�إيجاد �آ�صرة عظيمة ‪ ،‬وتبادل حقوق بني الزوجني ‪ ،‬وتلك‬
‫عو�ضها‬
‫�أغلى من �أن يكون لها عو�ض مايل ‪ ،‬ولو جعل لكان ُ‬
‫جزي ًال ومتج ّدد ًا بتج ّدد املنافع‪ ،‬وامتداد �أزمانها‪� ،‬ش�أن‬
‫الأعوا�ض ك ّلها»(((‪.‬‬
‫فمن العدل ا�ستحقاق املر�أة للمهر و �أخذها له كامال‪،‬‬
‫ومن الف�ضل �أن تتنازل عن �شيء منه } ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ{ (الن�ساء‪)4:‬‬
‫وهذا التنازل املن�سوب �إلى قيمة الف�ضل هو ال�صادر‬
‫عن طيب خاطر ولي�س �أي ت��ن��ازل‪ ،‬ولهذا «مل يقل‪:‬‬
‫ف�إن وهنب �أو �سمحن‪� ،‬إعالما ب�أن املراعى هو جتايف‬
‫‪ -1‬التحرير والتنوير ‪.231-230 /40‬‬

‫‪74‬‬
‫نف�سها عن املوهوب طيبة»(((‪.‬‬

‫ولتحقيق هذه القيمة وتعميقها يف هذا ال�سلوك النبيل‬


‫وردت لفظة «نف�س ًا» للداللة على ق ّوة هذا الطيب ‪.‬‬
‫وقد يعر�ض التنازل عن املهر �إعفا ًء وتف�ض ًال حتى يف‬
‫ح��ال��ة ال��ط�لاق‪ ،‬ي��ق��ول اهلل ع��ز وج���ل} ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ{ (ال����ب����ق����رة‪)237:‬‬
‫وهذه الآية تلقي بظالل من الف�ضل بكل مفرداتها و�صيغها‬
‫ب�سطها الإمام ابن عا�شور يف قوله‪ :‬وت�سمية هذا الإ�سقاط‬
‫ع��ف��و ًا ظ��اه��رة‪ ،‬لأن ن�صف املهر ح��ق وج��ب على املطلق‬
‫للمطلقة قبل البناء مبا ا�ستخف بها‪� ،‬أو مبا �أوح�شها‪ ،‬فهو‬
‫حق وجب لغرم �ضر‪ ،‬ف�إ�سقاطه عفو ال حمالة ‪� ،‬أو عند عفو‬
‫الذي بيده عقدة النكاح‪.‬‬
‫ال���ث���اين �أن دف����ع امل��ط��ل��ق امل���ه���ر ك ً‬
‫���ام�ل�ا للمطلقة‬
‫�إح�����س��ان ال ي��ح��ت��اج �إل���ى ت�شريع خم�صو�ص ‪ ،‬بخالف‬
‫ع��ف��و امل�����ر�أة �أو ول��ي��ه��ا ‪ ،‬ف��ق��د ي��ظ��ن �أح����د �أن امل��ه��ر ملا‬
‫ك��ان رك�ن� ًا م��ن العقد ال ي�صح �إ��س�ق��اط ��ش��يء منه ‪....‬‬
‫‪ -1‬مفاتيح الغيب ‪.491/ 9‬‬

‫‪75‬‬
‫ومعنى كون العفو �أقرب للتقوى ‪� :‬أن العفو �أقرب �إلى �صفة‬
‫التقوى من التم�سك باحلق ؛ لأن التم�سك باحلق ال ينايف‬
‫التقوى لكنه ي�ؤذن بت�صلب �صاحبه و�شدته ‪ ،‬والعفو ي�ؤذن‬
‫ب�سماحة �صاحبه ورحمته ‪ ،‬والقلب املطبوع على ال�سماحة‬
‫والرحمة �أقرب �إلى التقوى من القلب ال�صلب ال�شديد‪،‬‬
‫لأن التقوى تقرب مبقدار ق��وة ال��وازع ‪ ،‬وال���وازع �شرعي‬
‫وطبيعي‪ ،‬ويف القلب املفطور على الر�أفة وال�سماحة لني‬
‫يزعه عن املظامل والق�ساوة‪ ،‬فتكون التقوى �أقرب �إليه ‪،‬‬
‫(((‬
‫لكرثة �أ�سبابها فيه ‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬من الأم �إىل الطفل‬
‫‪-‬الإر�ضاع‪:‬‬
‫قال تعالى } ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯦﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ‬
‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ‬
‫ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ { البقرة(‪)233‬‬
‫‪ -1‬التحرير والتنوير ‪.464-463/2‬‬

‫‪76‬‬
‫وال��وال��دات لي�س املق�صود بهن الأمهات املتزوجات‪،‬‬
‫و�إمن����ا الأم���ه���ات امل��ط�� َّل��ق��ات(((‪ ،‬ف��اخل��ط��اب للمط َّلقة‪،‬‬
‫فيمكن من ب��اب امل�ضا َّرة للزوج �أن ال تكمل الإر�ضاع‪،‬‬
‫ف����أم���رت‪ ،‬يف ه���ذا ال�����س��ي��اق وه���و ���س��ي��اق ط�ل�اق باحلد‬
‫الأق�صى يف الإر���ض��اع ال��ذي هو ح��والن كامالن‪ ،‬ولكنها‬
‫مي��ك��ن �أن ت��ر���ض��ع �أق���ل م��ن ذل���ك‪ .‬ي��ق��ول اب���ن عا�شور‪:‬‬
‫«وقد جعل اهلل الر�ضاع حولني رعي ًا لكونهما �أق�صى مدة‬
‫يحتاج فيها الطفل للر�ضاع �إذا عر�ض له ما اقت�ضى زيادة‬
‫�إر�ضاعه ‪ ،‬ف�أما بعد احلولني فلي�س يف منائه ما ي�صلح له‬
‫الر�ضاع بع ُد»(((‪.‬‬
‫النوع الرابع‪ :‬الف�ضل من الأبناء اىل الآباء‪.‬‬
‫‪-‬الإح�سان‪:‬‬
‫}ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ‬

‫‪ -1‬يقول ابن عا�شور «والوالدات معناه ‪ :‬والوالدات منهن ‪� ،‬أي من املطلقات املتقدم‬
‫الإخبار عنهن يف الآي املا�ضية ‪� ،‬أي املطلقات الالئي لهن �أوالد يف �سن الر�ضاعة ‪ ،‬ودليل‬
‫التخ�صي�ص �أن اخلالف يف مدة الإر�ضاع ال يقع بني الأب والأم �إ ّال بعد الفراق ‪ ،‬وال يقع‬
‫يف حالة الع�صمة ؛ �إذ من العادة املعروفة عند العرب ومعظم الأمم �أن الأمهات ير�ضعن‬
‫�أوالدهن يف مدة الع�صمة‪ ،‬و�أنهن ال متتنع منه من متتنع �إ ّال ل�سبب طلب التزوج بزوج‬
‫جديد بعد فراق والد الر�ضيع ؛ ف�إن املر�أة املر�ضع ال يرغب الأزواج منها ؛ لأنها ت�شتغل‬
‫بر�ضيعها عن زوجها يف �أحوال كثرية»‪ .‬التحرير والتنوير‪.429/2‬‬
‫‪ -2‬التحرير والتنوير ‪.431/2‬‬

‫‪77‬‬
‫ﮢﮣﮤﮥ ﮦﮧﮨﮩ ﮪﮫﮬ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ{ (الإ�سراء‪.)23:‬‬
‫�إذا كانت العالقة بني الآباء والأبناء مبنية على الف�ضل‬
‫�شرع ًا رغم فطرية الإح�سان املجبول عليه الآب��اء جتاه‬
‫الأبناء طبع ًا ف�إن �أمر الأبناء بالإح�سان �إلى الآباء �أوكد‬
‫و�أ�شد بداعي ال�شرع لأن �إتيانه من الأبناء �ضعيف بداعي‬
‫الطبع‪.‬‬
‫وال�لاف��ت لالنتباه يف ه��ذا احل��ث ال��ق��ر�آين الإح�ساين‬
‫وروده مبفردات و�سياقات وف�ضاءات تنا�سب املقام‪.‬‬
‫و�أول ما نبد�أ به هو �سياق الأمر بالإح�سان �أو ما ي�صطلح‬
‫عليه �أ�صولي ًا بداللة االق�تران‪.‬ذل��ك �أن الأم��ر بالإح�سان‬
‫بالوالدين ورد مبا�شرة بعد الأم��ر بتوحيد اهلل بالعبادة‬
‫}ﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮝﮞ{ ومل يقت�صر‬
‫مطرد كما يف‬‫هذا االق�تران يف هذه الآية فح�سب بل هو َّ‬
‫قوله تعالى } ﮁﮂ ﮃﮄ{ (لقمان‪ ،)14:‬وقوله‪:‬‬
‫}يا بني ال ت�شرك باهلل �إن ال�شرك لظلم عظيم ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ{ (لقمان‪ ،)13:‬يقول الإم��ام ابن عا�شور‬
‫عن دالالت هذا االق�تران التعبدي و التخلقي‪« :‬وعطف‬
‫‪78‬‬
‫الأمر بالإح�سان �إلى الوالدين على ما هو يف معنى الأمر‬
‫بعبادة اهلل لأن اهلل هو اخلالق فا�ستحق العبادة لأنه‬
‫�أوجد النا�س‪ .‬وملا جعل اهلل الأبوين مظه َر �إيجاد النا�س‬
‫�أمر بالإح�سان �إليهما‪ ،‬فاخلالق م�ستحق العبادة لغناه عن‬
‫و�سبب‬
‫ُ‬ ‫الإح�سان‪ ،‬ولأنها �أعظم ال�شكر على �أعظم منة ‪،‬‬
‫الوجود دون ذلك فهو ي�ستحق الإح�سان ال العبادة لأنه‬
‫حمتاج �إل��ى الإح�سان دون العبادة‪ ،‬ولأن��ه لي�س ُمبوجد‬
‫حقيقي‪ ،‬ولأن اهلل جبل الوالدين على ال�شفقة على ولدهما‪،‬‬
‫ف�أمر الولد مبجازاة ذلك بالإح�سان �إلى �أبويه‪.(((»....‬‬
‫ول�ل�إم��ام ال����رازي تعليل لطيف ل��ه��ذا االق��ت�ران ن��ورده‬
‫رغم طوله لنفا�سته «الوجه الأول‪� :‬أن ال�سبب احلقيقي‬
‫ل���وج���ود الإن�������س���ان ه���و ت��خ��ل��ي��ق اهلل ت��ع��ال��ى و�إي����ج����اده‪،‬‬
‫وال�سبب الظاهري ه��و الأب����وان‪ ،‬ف���أم��ر بتعظيم ال�سبب‬
‫احلقيقي‪ ،‬ثم �أتبعه بالأمر بتعظيم ال�سبب الظاهري‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪� :‬أن املوجود �إما قدمي و�إما حمدث‪ ،‬ويجب‬
‫�أن تكون معاملة الإن�����س��ان م��ع الإل���ه ال��ق��دمي بالتعظيم‬
‫والعبودية‪ ،‬ومع املحدث ب�إظهار ال�شفقة وهو امل��راد من‬
‫قوله عليه ال�سالم‪« :‬التعظيم لأم��ر اهلل وال�شفقة على‬

‫‪ -1‬التحرير والتنوير(‪.)68/15‬‬

‫‪79‬‬
‫خلق اهلل» و�أحق اخللق ب�صرف ال�شفقة �إليه هو الأبوان‬
‫ل��ك�ثرة �إنعامهما على الإن�����س��ان فقوله‪} :‬ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ{ �إ���ش��ارة �إل��ى التعظيم لأم��ر اهلل وقوله‪:‬‬
‫}ﮝ ﮞﮟ{ �إ�شارة �إل��ى ال�شفقة على خلق اهلل‪.‬‬
‫ال��وج��ه ال��ث��ال��ث‪� :‬أن اال�شتغال ب�شكر املنعم واج���ب‪ ،‬ثم‬
‫املنعم احلقيقي هو اخلالق �سبحانه وتعالى‪ .‬وقد يكون‬
‫�أح��د من املخلوقني منعما عليك‪ ،‬و�شكره �أي�ضا واجب‬
‫لقوله عليه ال�����س�لام‪« :‬م��ن مل ي�شكر ال��ن��ا���س مل ي�شكر‬
‫اهلل» ولي�س لأح��د من اخلالئق نعمة على الإن�سان مثل‬
‫ما للوالدين وتقريره من وج��وه‪� :‬أح��ده��ا‪�:‬أن الولد قطعة‬
‫من الوالدين‪ ،‬ق��ال عليه ال�سالم «فاطمة ب�ضعة مني»‪.‬‬
‫وثانيها‪� :‬أن �شفقة الأبوين على الولد عظيمة وجدهما يف‬
‫�إي�صال اخلري �إلى الولد كالأمر الطبيعي واحرتازهما عن‬
‫�إي�صال ال�ضرر �إليه كالأمر الطبيعي‪ ،‬ومتى كانت الدواعي‬
‫�إلى �إي�صال اخلري متوفرة‪ ،‬وال�صوارف عنه زائلة ال جرم‬
‫كرث �إي�صال اخل�ير‪ ،‬فوجب �أن تكون نعم الوالدين على‬
‫الولد كثرية �أكرث من كل نعمة ت�صل من �إن�سان �إلى �إن�سان‪.‬‬
‫وثالثها‪� :‬أن الإن�����س��ان ح��ال م��ا ي��ك��ون يف غ��اي��ة ال�ضعف‬
‫ونهاية العجز‪ ،‬يكون يف �إنعام الأبوين ف�أ�صناف نعمهما‬

‫‪80‬‬
‫يف ذلك الوقت وا�صلة �إليه‪ ،‬و�أ�صناف رحمة ذلك الولد‬
‫وا�صلة �إل��ى الوالدين يف ذل��ك ال��وق��ت‪ ،‬وم��ن املعلوم �أن‬
‫الإنعام �إذا كان واقعا على هذا الوجه كان موقعه عظيما‪.‬‬
‫ورابعها‪� :‬أن �إي�صال اخل�ير �إل��ى الغري قد يكون لداعية‬
‫�إي�����ص��ال اخل�ير �إل��ي��ه وق��د مي��ت��زج ب��ه��ذا ال��غ��ر���ض �سائر‬
‫الأغرا�ض‪ ،‬و�إي�صال اخلري �إلى الولد لي�س لهذا الغر�ض‬
‫فقط‪.‬فكان الإنعام فيه �أمت و�أكمل‪ ،‬فثبت �أنه لي�س لأحد‬
‫من املخلوقني نعمة على غريه مثل ما للوالدين على الولد‪،‬‬
‫فبد�أ اهلل تعالى ب�شكر نعمة اخلالق وه��و قوله‪} :‬ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ{ ثم �أردفه ب�شكر نعمة الوالدين وهو‬
‫قوله‪} :‬ﮝ ﮞﮟ{ وال�سبب فيه ما بينا �أن �أعظم‬
‫النعم بعد �إنعام الإله اخلالق نعمة الوالدين(((‪ ،‬كما �أنه‬
‫عز وجل قدم الإح�سان على الوالدين ‪،‬و مل يقل‪ :‬و�إح�سانا‬
‫بالوالدين‪ ،‬بل قال‪} :‬ﮝ ﮞﮟ{ فتقدمي ذكرهما‬
‫(((‬
‫يدل على �شدة االهتمام‪.‬‬
‫كما �أن الإح�سان ورد نكرة للداللة على التعظيم‬
‫لأن��ه ملا كان �إح�سانهما �إليك قد بلغ الغاية العظيمة‬

‫‪ -1‬مفاتيح الغيب ‪.2/328‬‬


‫‪ -2‬نف�سه‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫وجب �أن يكون �إح�سانك �إليهما كذلك‪ ،‬ثم على جميع‬
‫التقديرات فال حت�صل املكاف�أة‪ ،‬لأن �إنعامهما عليك‬
‫ك��ان على �سبيل االب��ت��داء‪ ،‬ويف الأم��ث��ال امل�شهورة �أن‬
‫(((‬
‫البادي بالرب ال يكاف�أ‪.‬‬
‫ولإ�ضفاء �أج��واء الإح�سان يف العالقة الأب��وي��ة يف كل‬
‫مظاهرها و�أحوالها فقد«�شمل الإح�سان كل ما ي�صدق فيه‬
‫هذا اجلن�س من الأقوال والأفعال والبذل واملوا�ساة»(((‪.‬‬
‫وقد رفع القر�آن �سقف التعامل مع الآباء عاليا بالأمر‬
‫بالإح�سان �إليهما بدل االكتفاء بالتحذير من الإ�ساءة �إليهما‬
‫" لأن اهلل �أراد برهما ‪ ،‬وال ّ‬
‫رب �إح�سان ‪ ،‬والأم ُر به يت�ض ّمن‬
‫النَّهي عن الإ�ساءة �إليهما بطريق فحوى اخلطاب(((‪.‬‬
‫النوع اخلام�س‪ :‬عموم �أفراد الأ�سرة‬
‫و�سنقف عند منوذجني ما ِل َّيني حرجني هما‪:‬‬
‫‪-1‬الإرث‬
‫ي��ق��ول اهلل ع��ز و ج���ل يف �آ ي���ة ا لإرث‪ } :‬ﭑ‬
‫‪ -1‬نف�سه‪.‬‬
‫‪ -2‬التحرير والتنوير(‪.)68/15‬‬
‫‪ -3‬التحرير والتنوير‪.158/8‬‬

‫‪82‬‬
‫ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ ﭙﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ{‬
‫(‏الن�سا ء‏‪:‬‏ ا لآية‏‪ .)7‬هذا هو العدل‪.‬‬
‫}ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ{ (ال��ن�����س��اء‪)8 :‬‬
‫ف�إعطا�ؤهم من الق�سمة و هم ال ي�ستحقون منه ن�صيبا‬
‫وخماطبتهم باملعروف من القول هو من باب الف�ضل‪.‬‬
‫‪-2‬مال اليتيم‪:‬‬
‫}ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ{ (الأنعام‪)152:‬‬
‫}'ﮄﮅﮆﮇﮈﮉ'{(الن�ساء‪)10 :‬‬
‫�إذا احتيج �إلى مال اليتيم فيجوز الأخذ منه مبقت�ضى‬
‫العدل لكن الف�ضل قربانه بالتي هي �أح�سن �أي بالف�ضل ‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫خامتة‬

‫ينبغي للعالقات الزوجية �أن تكون مبنية على املكارمة‬


‫امل�شاحة‪ ،‬و هنا جتدر الإ�شارة �إل��ى �أن قيمة‬
‫َّ‬ ‫ولي�س على‬
‫الف�ضل يف العالقة الزوجية قد ال جند التن�صي�ص عليها‬
‫يف الفقه اال�سالمي لأنه مد َّون بخلفية العدل املتمثل يف‬
‫متكني الزوجني من حقوقهما وحتديد واجباتهما والرجوع‬
‫�إليه واالحتكام �إليه يف حالة النزاع والتقا�ضي‪�.‬أما يف حالة‬
‫الوئام والرتا�ضي ف�إن القيمة املهيمنة‪ ،‬كما قرر القر�آن‬
‫الكرمي‪ ،‬هي قيمة الف�ضل ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫�سل�سل ــة �إ�صـ ــدارات‬

‫‪ -1‬ال�شهود احل�ضاري للأمة الو�سط يف ع�صر العوملة‪.‬‬


‫د‪.‬عبد العزيز برغوث‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ -2‬عينان مطف�أتان وقلب ب�صري( رواية)‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد اهلل الطنطاوي‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ -3‬دور ال�سياق يف الرتجيح بني الأقاويل التف�سريية‪.‬‬
‫د‪ .‬حممد �إقبال عروي‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪� -4‬إ�شكالية املنهج يف ا�ستثمار ال�سنة النبوية‪.‬‬
‫د‪ .‬الطيب برغوث‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ -5‬ظالل وارفة ( جمموعة ق�ص�صية) ‪.‬‬
‫د‪� .‬سعاد النا�صر( �أم �سلمى)‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ -6‬قراءات معرفية يف الفكر الأ�صويل‪.‬‬
‫د‪ .‬م�صطفى قطب �سانو‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ -7‬من ق�ضايا الإ�سالم والإعالم بالغرب‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد الكرمي بوفرة‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ -8‬اخلط العربي وحدود امل�صطلح الفني‪.‬‬
‫د‪� .‬إدهام حممد حن�ش‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ -9‬االختيار الفقهي و�إ�شكالية جتديد الفقه الإ�سالمي‪.‬‬
‫د‪ .‬حممود النجريي‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ -10‬مالمح تطبيقية يف منهج الإ�سالم احل�ضاري‪.‬‬
‫د‪ .‬حممد كمال ح�سن‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ -11‬العمران والبنيان يف منظور الإ�سالم‪.‬‬
‫د‪ .‬يحيى وزيري‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ -12‬ت�أمل واعتبار‪ :‬قراءة يف حكايات �أندل�سية‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد الرحمن احلجي‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ -13‬ومنها تتفجر الأنهار( ديوان �شعر)‪.‬‬
‫ال�شاعرة �أمينة املريني‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ -14‬الطــريــق‪ ...‬مـ ــن هن ـ ـ ـ ـ ــا‪.‬‬
‫ال�شيخ حممد الغزايل‬ ‫ ‬
‫‪ -15‬خطاب احلداثة‪ :‬قراءة نقدية‪.‬‬
‫د‪ .‬حـمـيــد �سـم ـيـ ــر‬ ‫ ‬
‫‪ -16‬العودة �إىل ال�صف�صاف (جمموعة ق�ص�صية لليافعني)‪.‬‬
‫فريد حممد معو�ض‬ ‫ ‬
‫‪ -17‬ارت�سامات يف بناء الذات‪.‬‬
‫د‪ .‬حممد بن �إبراهيم احلمد‬ ‫ ‬
‫‪ -18‬هو وهي‪ :‬ق�صة الرجل واملر�أة يف القر�آن الكرمي‪.‬‬
‫د‪ .‬عودة خليل �أبو عودة‬ ‫ ‬
‫‪ -19‬الت�صرفات املالية للمر�أة يف الفقه الإ�سالمي‪.‬‬
‫د‪ .‬ثــريــة �أقـ�صـ ــري‬ ‫ ‬
‫‪� -20‬إ�شكالية ت�أ�صيل الر�ؤية الإ�سالمة يف النقد والإبداع‪.‬‬
‫د‪ .‬عمر �أحمد بو قرورة‬ ‫ ‬
‫‪ -21‬مالمح الر�ؤية الو�سطية يف املنهج الفقهي‪.‬‬
‫د‪� .‬أبو �أمامة نوار بن ال�شلي‬ ‫ ‬
‫‪� -22‬أ�ضواء على الرواية الإ�سالمية املعا�صرة‪.‬‬
‫د‪ .‬حلمي حممد القاعود‬ ‫ ‬
‫‪ -23‬ج�سور التوا�صل احل�ضاري بني العامل الإ�سالمي واليابان‪.‬‬
‫ �أ‪.‬د‪�.‬سمري عبد احلميد نوح‬
‫‪ -24‬الكليات الأ�سا�سية لل�شريعة الإ�سالمية‪.‬‬
‫د‪� .‬أحمد الري�سوين‬ ‫ ‬
‫‪ -25‬املرتكزات البيانية يف فهم الن�صو�ص ال�شرعية‪.‬‬
‫د‪ .‬جنم الدين قادر كرمي الزنكي‬ ‫ ‬
‫‪ -26‬معامل منهجية يف ت�أ�صيل مفهوم الأدب الإ�سالمي‪.‬‬
‫د‪ .‬ح�سن الأمراين‬ ‫ ‬
‫د‪ .‬حممد �إقبال عروي‬ ‫ ‬
‫‪� -27‬إمام احلكمة (رواية)‪.‬‬
‫الروائي‪ /‬عبد الباقـي يو�سـف‬ ‫ ‬
‫‪ -28‬بناء اقت�صاديات الأ�سرة على قيم االقت�صاد الإ�سالمي‪.‬‬
‫ �أ‪.‬د‪ .‬عبد احلميد حممود البعلي‬
‫‪� -29‬إمنا �أنت‪ ...‬بل�سم ( ديوان �شعر)‪.‬‬
‫ال�شاعر حممود مفلح‬ ‫ ‬
‫‪ -30‬نظرية العقد يف ال�شريعة الإ�سالمية‪.‬‬
‫د‪ .‬حممد احلبيب التجكاين‬ ‫ ‬

‫‪ -31‬حممد [ ملهم ال�شعراء‬


‫�أ‪ .‬طالل العامر‬ ‫ ‬
‫‪ -32‬نحو تربية مالية �أ�سرية را�شدة‪.‬‬
‫د‪� .‬أ�شرف حممد دوابه‬ ‫ ‬
‫‪ -33‬جماليات ت�صوير احلركة يف القر�آن الكرمي ‪.‬‬
‫د‪ .‬حكمت �صالح‬ ‫ ‬
‫‪ -34‬الفكر املقا�صدي وتطبيقاته يف ال�سيا�سة ال�شرعية‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد الرحمن الع�ضراوي‬ ‫ ‬
‫‪ -35‬ال�سنابل‪( ...‬ديوان �شعر)‪.‬‬
‫�أ‪ .‬حميي الدين عطية‬ ‫ ‬
‫‪ -36‬نظرات يف �أ�صول الفقه‪.‬‬
‫د‪� .‬أحمد حممد كنعان‬ ‫ ‬
‫‪ -37‬القراءات املف�سرة ودورها يف توجيه معاين الآيات القر�آنية‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد الهادي دحاين‬ ‫ ‬

‫‪� -38‬شعر �أبي طالب يف ن�صرة النبي [‪.‬‬


‫د‪ .‬حممد عبد احلميد �سامل‬ ‫ ‬
‫‪� -39‬أثر اللغة يف اال�ستنباطات ال�شرعية‪.‬‬
‫د‪ .‬حمدي بخيت عمران‬ ‫ ‬
‫‪ -40‬ر�ؤية نقدية يف �أزمة الأموال غري احلقيقية‪.‬‬
‫ �أ‪.‬د‪ .‬مو�سى العرباين‬
‫د‪.‬نا�صر يو�سف‬ ‫ ‬
‫‪ -41‬مرافىء اليقني (ديوان �شعر)‪.‬‬
‫ال�شاعر ي�س الفيل‬ ‫ ‬
‫‪ -42‬م�سائل يف علوم القر�آن‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد الغفور م�صطفى جعفر‬ ‫ ‬
‫‪ -43‬الت�أ�صيل ال�شرعي للتعامل مع غري امل�سلمني‪.‬‬
‫د‪ .‬م�صطفى بن حمزة‬ ‫ ‬
‫‪ -44‬يف مدارج احلكة (ديوان �شعر)‪.‬‬
‫ال�شاعر وحيد الده�شان‬ ‫ ‬
‫‪� -45‬أحاديث ف�ضائل �سور القر�آن‪ :‬درا�سة نقدية حديثية‪.‬‬
‫د‪ .‬فاطمة خديد‬ ‫ ‬
‫‪ -46‬يف ميـ ـ ـ ــزان الإ�س ــالم‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد احلليم عوي�س‬ ‫ ‬
‫‪ -47‬النظر امل�صلحي عند الأ�صوليني‪.‬‬
‫د‪ .‬م�صطفى قرطاح‬ ‫ ‬
‫‪ -48‬درا�سات يف الأدب الإ�سالمي‪.‬‬
‫د‪ .‬جابر قميحة‬ ‫ ‬
‫‪ -49‬القيمُ الروحيّة يف الإ�سالم‪.‬‬
‫د‪ .‬حممّ د حلمي عبد ّ‬
‫الوهاب‬ ‫ ‬
‫‪ -50‬ت ــالمي ــذ النب ـ ــوة‪.‬‬
‫ال�شاعر عبد الرحمن الع�شماوي‬ ‫ ‬
‫‪� -51‬أ�سماء ال�سور ودورها يف �صناعة النه�ضة اجلامعة‪.‬‬
‫د‪ /‬فــــــ�ؤاد البنــــا‬ ‫ ‬
‫‪ -52‬الأ�سرة بني العدل والف�ضل‪.‬‬
‫د‪ .‬فريد �شكري‬ ‫ ‬

You might also like