You are on page 1of 14

‫قراءة في علم مقاصد الشريعة السإلمية‬

‫الدكتور علءا الدين زعتري‬

‫الحمد ل الذي شرع فأحكم‪ ،‬والصلةا والسلم على عبده ورسوله العظم‪ ،‬وعلى آله وصحبه‬
‫أولي القدر الكرم‪ ،‬أما بعد ‪:‬‬

‫ففي عالم مغرق بالماديات‪ ،‬وخال من الروحانيات‪ ،‬وفارغ من المعنويات‪ :‬تظهر أهمية القراءاةا‬
‫للنصوص قراءاةا مقاصدية‪ ،‬ويصبح التأمل بالمقاصد والمعاني أمرا ملححاَّ؛ً ليجاد نوع من التوازن‬
‫الفكري‪ ،‬وبسط هذا الفكر على مناحي الحياةا‪.‬‬

‫فالشريعة جاءات لتحقيق مصالح العباد الدنيوية والخروية‪ ،‬كما جاءات إصلحا شؤون الناس في‬
‫العاجل والجل‪ ،‬وشرعت من الحكام ما يناسب المقدمات والنتائج‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وإن علم المقاصد من العلوم الععلَلحية‪ ،‬والمباحث الجليلة‪ ،‬وهو علم دقيق‪ ،‬ل يخوض فيه إل‬
‫من لعططفُ ذهنه‪ ،‬واستقام فهمه‪ ،‬ودق اجتهاده‪ ،‬وهو علم أصيل‪ ،‬راسخ الساس‪ ،‬ثابت الركان‪ ،‬مستقر‬
‫القواعد‪ ،‬مرن الفروع والجزئيات‪.‬‬

‫ومقاصد الشريعة‪ :‬هي أصولها الكبرى‪ ،‬وأسسها العظمى‪ ،‬وأركانها التي ل تبلى‪ ،‬وفروعها‬
‫المتغيرةا حسب الزمان والمكان؛ً مراعاةا لحالة النسان‪.‬‬

‫وفي سبيل التعرفُ على المقاصد ل بحد للباحث من إطالة التأمل‪ ،‬وجودةا التثبت‪ ،‬ودفة النظر‪،‬‬
‫ورحابة الفكر‪ ،‬وسعة الفق‪ ،‬إذا أراد يكون وصوله إلى المقاصد صحيحاَّ‪ ،‬وليحذر من التساهل‬
‫والتسرع في ذلك؛ً لن تعيين مقصد شرعي أمر تتفرع عنه أدلة وأحكام كثيرةا في الستنباط‪ ،‬ففي‬
‫الخطأ فيه‪ :‬زلل كبير‪ ،‬وخطر عظيم؛ً فل طيعيين المجتهد أو الفقيه مقصدا شرعياَّ إل بعد استقراءا أحكام‬
‫الشريعة في النوع الذي يريد معرفة المقصد الشرعي منه‪ ،‬وبعد اقتفاءا آثار أئمة الفقه‪ ،‬وأعلم الجتهاد‪،‬‬
‫والمبرزين في الستنباط؛ً يستضيءا بأفهامهم‪ ،‬ويستنير باستنباطاتهم‪ ،‬ويهتدي بما وصلوا إليه من‬
‫مقاصد‪.‬‬

‫تعريف مقاصد الشريعة‬

‫لم ـ بفتح الهمزةا مع تشديد الميم‬‫صعد‪ :‬العتماد وا ع‬


‫صد‪ ،‬ومن معاني عق ع‬‫كلمة مقاصد‪ ،‬عجقمطع‪ :‬عمق ع‬
‫ع‬
‫ـ‪ ،‬تقول ‪ :‬قصد الحجاطج البيعت الحرام‪ ،‬إذا أمموا تلك الجهة واعتمدوها‪.‬‬

‫وكلمة الشريعة؛ً في الصطلحا‪ :‬ما سإننهَّ ال من الحأكام‪ ،‬وأنزلهَّ على نبي من أنبيائهَّ‪.‬‬

‫ويقصد بالشريعة في هذا البحث‪ :‬الحكام الشرعية التي سمنها ال عحز وجحل‪ ،‬وأنزلها على خاتم‬
‫رسله وأنبيائه محمد ‪.r‬‬
‫وبعد التعريفُ بالمقاصد والشريعة مفردات ينتقل ليعيرفُ التركيب الضافي‪ :‬وهو‪ :‬مقاصد‬
‫الشريعة‪ ،‬ولعل أولى تعريفُ لعلم المقاصد أنه‪ :‬علم طيععنى بالغايات التي رعاها المشرع في التشريع‪.‬‬

‫تاريخ علم مقاصد الشريعة‬

‫كان مصطلح مقاصد الشريعة ظاهرا في بعض نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬وفتاوى وعمل‬
‫الفقهاءا‪ ،‬دون تدوين لذلك في كتاب‪.‬‬

‫صينفت الكتب؛ً طأظهر علم مقاصد الشريعة‪،‬‬


‫لكن لما اقنعقعلعبقت العلوم صناعة‪ ،‬وطديونت المصنفات‪ ،‬و ط‬
‫ويمكن تمييز ثلث مراحل لهذا العلم‪:‬‬

‫المرحألة الولى ‪ :‬وهي مرحلة النشأةا والتكوين‪:‬‬

‫وتتمثل هذه المرحلة بما قام به علماءا الصول من إظهار بعض مباحث ومسائل مقاصد‬
‫الشريعة في تآليفهم وتصانيفهم‪ ،‬ومن أبرز أولئك‪ :‬إمام الحرمين أبو المعالي الجويني في كتابه‪:‬‬
‫البرهان‪ ،‬والمام أبو حامد العغحزالي )ت‪ 505 :‬هـ( في كتابيه‪ :‬المستصفى‪ ،‬وشفاءا الغليل في بيان الشبه‬
‫والمخيل‪ ،‬ومسالك التعليل)]‪.([1‬‬

‫مزايا هذه المرحلة‪:‬‬

‫إظهار بعض مباحث علم المقاصد ومسائله‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬

‫عدم السهاب في مباحث علم المقاصد بياناَّ وتحقيقاَّ‪.‬‬ ‫ب‪-‬‬

‫المرحألة الثانية ‪ :‬وهي مرحلة العتعحوول والتدوين‪:‬‬

‫وفيها لَإظهاطر أصول مقاصد الشريعة‪ ،‬وقواععد كلية تتعلق بذلك‪ ،‬وتتمثل بما قام به سلطان‬
‫العلماءا العز بن عبد السلم )ت‪660 :‬هـ(‪ ،‬في كتابه‪ :‬قواعد الحكام في مصالح النام‪ ،‬والقواعد‬
‫صقغرى‪.‬‬
‫ال و‬

‫مزايا هذه المرحلة‪:‬‬

‫إظهار أصول المقاصد إظهارا عبيناَّ واضحاَّ‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬

‫المجيءا بمباحث وقواعد في المقاصد لم طتقذعكر من قبل‪.‬‬ ‫ب‪-‬‬

‫ولقد اعتنى المام العقعرافي المالكي بتحرير وتهذيب ما قحرره شيخه العز بن عبد السلم‪ ،‬وذلك‬
‫في منثور كتبه‪ ،‬وبخاصة كتب‪ :‬الفروق‪ ،‬والنفائس‪ ،‬وشرحا تنقيح الفصول‪.‬‬

‫المرحألة الثالثة ‪ :‬وهي مرحلة الكتمال والنضج ‪:‬‬

‫وتتمثل بما قام به المام الشاطبي )ت‪ 790 :‬هـ(‪ ،‬في كتابه‪ :‬الموافقات؛ً حيث جمع مسائل هذا‬
‫صل قواعده‪ ،‬وعححقق مباحثه‪ ،‬حتى قيل‪ :‬هو مخترع علم المقاصد‪.‬‬‫العلم‪ ،‬وأ ح‬
‫مزايا هذه المرحلة‪:‬‬

‫اقكلَتمال علم المقاصد في جملة مسائله مع تأصيل‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬

‫إظهار مقاصد الشريعة كعلم طمقسعتلَقل‪.‬‬ ‫ب‪-‬‬

‫ولعل من السباب التي دفعت المام الشاطبي للعناية بالمقاصد أنه مالكي المذهب‪ ،‬ومعلوم أن من‬
‫أصول المذهب المالكي‪ :‬مراعاةا المصالح‪ ،‬هذا بالضافة إلى وجود العمعلعكة التاحمة للستنباط والتعليل عند‬
‫المام الشاطبي‪ ،‬والقوةا في علم اللسان والعربية‪.‬‬

‫فوائد علم مقاصد الشريعة‬

‫لعلم مقاصد الشريعة فوائد جمة‪ ،‬يمكن إجمالها وجمعها في أربع فوائد كبرى‪:‬‬

‫أولها‪ :‬إن العلم بها يشير إلى الكمال في التشريع والحكام‪.‬‬

‫قال ال تعالى‪ :‬إنا كل شيءا خلقناه بقدر‪ ،‬وتندرج الحكام الشرعية تحت خلق ال المعقحدر بحكمة‪.‬‬

‫قال ابن القيم‪] :‬إنه سبحانه حكيم ل يفعل شيئاَّ عبثاَّ ول لغير معنى ومصلحة وحكمة‪ ،‬هي الغاية‬
‫المقصودةا بالفعل‪ ،‬بل أفعاله سبحانه صادرةا عن حكمة بالغة لجلها فعل‪ ،‬كما هي ناشئة عن أسباب بها‬
‫فعل‪ ،‬وقد دل كلمه وكلم رسوله على هذا[)]‪ ،([2‬وقال‪] :‬إن كل ما خلقه وأمر به‪ :‬فله فيه حكمة بالغة‪،‬‬
‫وآيات باهرةا؛ً لجلها خلقه وأمر به[)]‪.([3‬‬

‫ثانيها ‪ :‬إن العلم بالمقاصد يفيد معرفة مراتب المصالح والمفاسد‪ ،‬ودرجات العمال في الشرع والواقع‪،‬‬
‫وهذا طملَهم عند الموازنة بين الحكام‪.‬‬

‫يقول ابن تيمية‪] :‬والمؤمن ينبغي له أن عيقعرفُ الشرور الواقعة ومراتبها في الكتاب والسنة‪ ،‬كما عيقعرفُ‬
‫الخيرات الواقعة‪ ،‬ومراتبها في الكتاب والسنة‪ ،‬فطيعفيرق )بين( أحكام المور الواقعة الكائنة‪ ،‬والتي طيراد‬
‫إيقاعها في الكتاب والسنة‪ ،‬ليقيدم ما هو أكثر خيرا وأقل شرا على ما هو دونه‪ ،‬وعيقدفع أعظم الشرين‬
‫باحتمال أدناهما‪ ،‬وعيقجتلب أعظم الخيرين بفوات أدناهما‪ ،‬فإمن من لم عيقعرفُ الواقع في الخلق‪ ،‬والواجب‬
‫في الدين‪ :‬لم عيقعرفُ أحكام ال في عباده‪ ،‬وإذا لم عيقعرفُ ذلك كان قوله وعمله بجهل‪ ،‬ومن عبد ال بغير‬
‫علم كان ما طيقفلَسد أكثر مما طي ق‬
‫صلَلح[)]‪.([4‬‬
‫ثالثها ‪ :‬إن العلم بالمقاصد نافع في عتقعدية الحكام‪ ،‬من الصول إلى الفروع‪ ،‬ومن الكليات إلى‬
‫الجزئيات‪ ،‬ومن القواعد إلى التفريعات‪ ،‬يقول الغحزالي‪] :‬الحكم الثابت من جهة الشرع نوعان‪:‬‬
‫ل للحكام‪ ،‬كجعل الزنا طموجباَّ للحد‪ ،‬وجعل الجماع ـ في نهار رمضان ـ‬ ‫صب السباب عل ل‬ ‫أحدهما ‪ :‬عن ق‬
‫موجباَّ للكفارةا‪ ،‬وجعل السرقة موجبة للقطع‪ ،‬إلى غير ذلك من السباب التي طعلَقل من الشرع نصبها‬
‫ل للحكام ‪.‬‬ ‫عل ل‬
‫والنوع الثاني ‪ :‬إثبات الحكام ابتداءا من غير ربط بالسبب ‪.‬‬
‫وكل واحد من النوعين قابل للتعليل والحتقعدية‪ ،‬مهما ظهرقت العلة المتعيدية[)]‪.([5‬‬
‫رابعها ‪ :‬إن العلم بالمقاصد يزيد النفس ططعمأنينة بالشريعة وأحكالَمها‪ ،‬والنفطس عمقجبولة على التسليم للطحكم‬
‫الذي عرفقت لَعحلته)]‪.([6‬‬
‫إثبات كوون الشريعة مبنيةة على مقاصد‬

‫لقد قامت الدلة القاطعة على كون الشريعة ذات مقاصد طبنيقت عليها‪ ،‬ويمكن إثبات ذلك بطريقين‪ :‬الخبر‬
‫والنقل‪ ،‬والنظر والعقل‪.‬‬

‫أوةل‪ً:‬ا الخبر والنقل؛ وهو نوعان‪:‬‬

‫أولهما عام؛ً مثل قول رسول ال ‪" :r‬ل ضرر ول ضرار")]‪ ،([7‬وفيه نفطي الضرر والضرار في أحكام‬
‫الشرع‪ ،‬فدمل على مقصد من مقاصد الشريعة في الحكام)]‪.([8‬‬

‫والقاعدةا الفقهية الكبرى المتفق عليها‪) :‬المور بمقاصدها(‪ ،‬وفيها إثبات الحكام الدينية بنالءا على النية‬
‫والقصد والغاية‪.‬‬

‫والثاني خاص؛ً يتعلق بمسائل طذلَكر لها مقاصد‪ ،‬ومنها‪ :‬تحريم الخمرةا؛ً لَ‬
‫لفسادها للعقل؛ً ومن أدلة ذلك‬
‫قوله ‪" : r‬كل مسإكر خمر‪ ،‬وكلل مسإكر حأرام")]‪.([9‬‬

‫قال ابن القيم‪] :‬القرآن وسنة رسول ال ‪ r‬مملوءاان من تعليل الحكام باللَحعكم والمصالح وتعليل الخلق‬
‫بهما‪ ،‬والتنبيه على وجوه اللَحعكم التي لجلها شرع تلك الحكام‪ ،‬ولجلها خلق تلك العيان‪ ،‬ولو كان هذا‬
‫في القرآن والسنة في نحو مائة موضع أو مائتين لسقناها‪ ،‬ولكنه يزيد على ألفُ موضع بطرق متنوعة[‬
‫)]‪.([10‬‬

‫والثاني‪ً:‬ا النظر والعقل؛ وله وجهان‪:‬‬

‫الولى‪ً:‬ا السإتقراء؛ قال البيضاوي‪ً:‬ا ]إن الستقراءا عدمل على أن ال سبحانه شرع أحكامه لمصالح‬
‫العباد[)]‪ ،([11‬وقال ابن القيم‪] :‬إن الشريعة مبناها على ‪[....‬‬

‫الثانية‪ً:‬ا الدللة العقلية‪ ،‬ومنها أن يقال)]‪ :([12‬الشارطع في تشريعه؛ً إما أن يكون قد راعى مقاصد عند‬
‫التشريع أعقو ل‪ .‬والثاني باطل؛ً لنه إما لعدم العلم السابق للتشريع‪ ،‬أو لعدم الحكمة عند التشريع‪ ،‬أو‬
‫لمانع منع الشارع من مراعاةا المقاصد‪ ،‬وكلها باطلة فاسدةا بالجماع؛ً فتعحين الول ـ وهو أن الشارع‬
‫قد راعى المقاصد عند التشريع ـ ول بد‪.‬‬

‫طرق معرفة المقاصد‬

‫عثعبت أن عثحمة مقاصد للشريعة؛ً لكن اخطتلفُ في الوطرق الطمو لَ‬


‫صلة إليها‪ ،‬والطمقولَقفة على مفرداتها‪ ،‬إل أن‬
‫لَجعماع ذلك طريقان‪ :‬الستقراءا‪ ،‬والدلة الشرعية‪.‬‬

‫وفيما يأتي بيان موجز لكل منهما‪:‬‬

‫أوةل‪ً:‬ا السإتقراء‬

‫تعريف السإتقراء‪ً:‬ا وهو عتعتوبع طجزئيات الشيءا لثبات طحقكم طكملي‪.‬‬

‫أقسإام السإتقراء؛ً طيعقحسم إلى قسمين‪:‬‬


‫‪ -‬الول ‪ :‬استقراءا تام‪ ،‬وهو ‪ :‬تتبع جميع جزئيات الشيءا لثبات حكم طكملي‪ ،‬وهذا حجة عند‬
‫جماهير العلماءا وأكثرهم‪ ،‬وإن كان يندر حدوث الستقراءا التام إل ما كان في النصوص الشرعية‬
‫المحددةا )القرآن الكريم(‪.‬‬

‫‪ -‬والثاني ‪ :‬استقراءا ناقص‪ ،‬وهو‪ :‬تتبع طجقمعلةَة من جزئيات الشيءا لثبات حكم طكيلي‪ ،‬وهذا‬
‫مختلفُ في طحمجيته‪ ،‬ولكنه من الناحية الكاديمية العلمية البحثية هو المطلوب؛ً لتعذر الستقراءا التام‬
‫وإمكانية الستقراءا الناقص‪.‬‬

‫أنواع السإتقراء في علم المقاصد؛ً للستقراءا نوعان‪:‬‬

‫‪ -‬الول ‪ :‬استقراءا الحكام التي طعرفقت لَععللها‪ ،‬لن هفي استقراءا العلل الكثيرةا المتماثلة يمكن‬
‫أن نستخلص حكمة واحدةا فنجزم بأنها مقصد شرعي‪ ،‬كما يقول علماءا المنطق أنه يمكن تحصيل مفهوم‬
‫كلي من خلل استقراءا الجزئيات )]‪.([13‬‬

‫مثال ذلك‪ :‬قول رسول ال ‪" : r‬المؤمن أخو المؤمن‪ ،‬فل يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه‪،‬‬
‫ول يخطب على خطبة أخيه حتى عيعذر")]‪.([14‬‬

‫واللَعحلة في هذا النهي‪ :‬هو ما في ذلك من الوحشة التي تنشأ عن السعي في حرمان الخر من‬
‫منفعة مبتغاةا‪ ،‬فطيستخلص من ذلك مقصد شرعي‪ :‬هو دوام الخوةا بين المسلمين‪.‬‬

‫وكذلك نهي رسول ال ‪ r‬عن الغرر‪ ،‬ومن معاني الغرر‪ :‬الجهالة‪ ،‬والجهالة قد تفضي إلى‬
‫نزاع‪ ،‬والقاعدةا الفقهية تقول‪) :‬كل جهالة تفضي إلى نزاع؛ً مفسددةا للعقد(‪ ،‬ومقصد التشريع في‬
‫المعاملت المالية‪ :‬سلمة صدور المسلمين على بعضهم؛ً خالية من الحقد أو الكراهية‪ ،‬ولذا تم بناءا‬
‫أحكام المعاملت المالية على البيان والوضوحا‪ ،‬ل على التدليس والغش والغموض‪.‬‬

‫‪ -‬والثاني ‪ :‬استقراطءا أدللَة أحكام اشتركت في علةَة‪ .‬ومثاله‪ :‬أحاديث النهي عن‪) :‬الحتكار(‬
‫و)عتلمقي الركبان( و)بيع الطعام قبل قبضه(‪ ،‬حيث تشترك في علة واحدةا لمستقرئها‪.‬‬

‫فبهذا الستقراءا يحصل العلم بأن رواج الطعام‪ ،‬وتيسير تناوله وتداوه‪ ،‬وعدم ارتفاع سعره؛ً‬
‫بتقليل حلقات السلسلة بين المنلَتج والمستهلك‪ :‬مقصد من مقاصد الشريعة‪.‬‬

‫ثانيا‪ً:‬ا الدلة الشرعية‪ً:‬ا‬

‫تعريف الدلة‪ ،‬هي جمع دليل‪ ،‬وهو ما يمكن المتو م‬


‫صل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري‪.‬‬

‫أقسإام الدلة‪ً:‬ا من حيث الحتجاج بها كطريق لمعرفة المقاصد‪ ،‬تقسم إلى قسمين‪:‬‬

‫الول ‪ :‬أدلة نصية متفق عليها‪ ،‬كـ)الكتاب( و)السنة(‪.‬‬

‫ومن أمثلة الدلة النصية من الكتاب قوله تعالى‪ :‬وأحل ال البيع‪ ،‬وقد شرعه ال لتحقيق مصالح‬
‫العباد بالتبادل‪.‬‬

‫ومن أمثلة الدلة النصية من السنة قول رسول ال ‪" :r‬تناكحوا تناسلوا‪ ،"...‬وقد شرع النكاحا‬
‫لتحقيق مصلحة العباد ي الستقرار واستمرار النوع البشري‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أدلة اجتهادية‪ ،‬كـ)الجماع( و)القياس(‪.‬‬

‫ومن أمثلة الجماع‪ :‬التفاق على أن تحريم الربا طمعحلل‪ ،‬وإن اختلفت أقوال الفقهاءا في بيان على‬
‫تحريم العلة‪.‬‬

‫فعند فقهاءا الحنفية والحنابلة‪ :‬علة تحريم الربا الكيل والوزن‪ ،‬وبمعنى أن كل ما يدخله القياس‬
‫يجري في الربا‪ ،‬وإذا تمت مبادلته بجنسه وجب شرطان‪ :‬التماثل والتقابض‪ ،‬وإذا تمت مبادلته بغير‬
‫جنسه وجب شرط واحد‪ ،‬وهو‪ :‬التقابض‪.‬‬

‫وعند فقهاءا الشافعية‪ :‬علة تحريم الربا الثمنية والطعم‪ ،‬فكل ما كان ثمناَّ أو طعاماَّ يجب عند‬
‫مبادلته بجنسه شرطان‪ :‬التماثل والتقابض‪ ،‬وعند مبادلته بغير جنسه وجب شرط واحد‪ ،‬وهو‪ :‬التقابض‪.‬‬

‫وعند فقهاءا المالكية‪ :‬على تحريم الربا الثمنية والقوت‪ ،‬فكل ما كان ثمناَّ أو قوتاَّ يحدخر يجب عند‬
‫مبادلته بجنسه شرطان‪ :‬التماثل والتقابض‪ ،‬وعند مبادلته بغير جنسه وجب شرط واحد‪ ،‬وهو‪ :‬التقابض‪.‬‬

‫ومن أمثلة القياس‪ :‬تحريم التدخين لعلة الضرر والضرار المنهي عنه شرعاَّ‪ ،‬والعلة متفق‬
‫عليها‪ ،‬واندارج ضرر التدخين فيها متفق عليه في هذا الزمان بعد أن تحقق الضرر وثبت عن طريق‬
‫العلم‪.‬‬

‫مراتب مقاصد الشريعة‬

‫المقاصد الشرعية تتفاوت مراتبها لعتعباطين آثارها؛ً لذا جعلها العلماءا على مراتب‪ ،‬واستقر‬
‫الصطلحا على أنها مراتب ثلث‪:‬‬

‫أأوولهاا ‪ً:‬ا مرتبة النضررووررنيات‪ .‬والكلم فيها كما يأتي‪:‬‬

‫تعريف الضروريات‪ :‬يقول العمعحيلي‪] :‬هي ما تصل الحاجة إليه إلى عحمد الضرورةا[ )]‪ ،([15‬ويقول‬
‫ابن عاشور‪] :‬هي التي تكون المة بعمقجموعها وآحادها في ضرورةا إلى عتقح لَ‬
‫صقيلها[ )]‪.([16‬‬

‫ومعنى الضرورية‪] :‬أنها ل بحد منها في قيام مصالح الدين والدنيا‪ ،‬بحيث إذا طفلَقدت لم طتقجعر‬
‫مصالح الدنيا على استقامة‪ ،‬بل على فساد وتهارج وفوت حياةا‪ ،‬وفي الخرةا‪ :‬فوت النجاةا والنعيم‪،‬‬
‫والرجوع بالخسران المبين[ )]‪.([17‬‬

‫صعرقت تلك الضروريات عند عامة العلماءا في خمس أو ست‪ ،‬وهي ‪ :‬الدين‪ ،‬والنفس‪،‬‬ ‫وقد طح لَ‬
‫والنسب أو النسل‪ ،‬والعقل‪ ،‬والمال‪ ،‬واللَعقرض‪.‬‬

‫وللمحافظة على هذه الضروريات أقام الشرع حدودا من العقوبات‪:‬‬

‫فعحود الردةا في مقابل حفظ الدين‪.‬‬

‫وعحود القتل قصاصاَّ في مقابل حفظ النفس‪.‬‬

‫وعحود الزنى في مقابل حفظ النسب أو النسل‪.‬‬


‫وعحود شرب الخمر في مقابل حفظ العقل‪.‬‬

‫وعحود السرقة في مقابل حفظ المال‪.‬‬

‫وعحود القذفُ في مقابل حفظ اللَعقرض‪.‬‬

‫دليل الضروريات‪ :‬وعيقرجع إلى الستقراءا التام لدلة الشريعة الطمحتعفق عليها مع اتفاق العقول‬
‫الصحيحة على ذلك‪.‬‬

‫يقول العغحزالي‪] :‬وتحريم عتقفلَوقيت هذه الصول الخمسة عيقستحيل أن ل عتقشتمل عليه لَمحلة ول شريعة‬
‫أطلَرقيد بها إصلحا العخقلق ‪ .‬وقد طعلَلم بالضرورةا كونها مقصودةا للشرع ل بدليل واحد وأصل معين‪ ،‬بل‬
‫بأدلة خارجة عن الحصر[ )]‪.([18‬‬

‫وقال الشاطبي‪] :‬قد احتعفعققت المة بل سائر الملل‪ :‬على أن الشريعة وضعت للمحافظة على‬
‫الضروريات الخمس‪ :‬وهي‪ :‬الدين‪ ،‬والنفس والنسل‪ ،‬والمال‪ ،‬والعقل‪ ،‬ولَعقلطمها عند المة كالضروري‪،‬‬
‫ولم يثبت لنا ذلك بدليل معين‪ ،‬ول شهد لنا أصل معين يمتاز برجوعها إليه‪ ،‬بل علمت ملئمتها للشريعة‬
‫بمجموعة أدلة ل تنحصر في باب واحد[)]‪.([19‬‬

‫وقال‪] :‬وعلم هذه الضروريات صار مقطوعاَّ به‪ ،‬ولم يثبت ذلك بدليل معين‪ ،‬بل علمت‬
‫ملئمتها للشريعة بمجموع أدلة ل تنحصر في باب واحد ‪ .‬فكما ل يتعين في التواتر المعنوي أن يكون‬
‫المفيد للعلم خبرا واحدا من الخبار دون سائر الخبار‪ ،‬كذلك ل يتعين هنا؛ً لستواءا جميع الدلة في‬
‫إفادةا الظن على انفرادها‪.‬‬

‫وسأطلق على هذه الضروريات الخمس أو الست‪ :‬أهاداف المجتمع السإلمي‪ ،‬وبالتالي فإني‬
‫أدعو إلى تعميم ونشر هذه الهدافُ في كل المجتمعات؛ً بعيدا عن الهدافُ البشرية التي تطلق هنا أو‬
‫هناك‪ ،‬وبتحقيق هذه الهدافُ وإقامة حدودها للمحافظة عليها‪ :‬يتحقق بناءا النسان والمجتمع فكرياَّ‪.‬‬

‫بيان الضروريات الخمس أو الست‪:‬‬

‫‪ - 1‬الدين؛ في الصطلحا‪ :‬عو ق‬


‫ضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم إياه إلى الصلحا في‬
‫الحال والفلحا في المآل)]‪.([20‬‬

‫والمقصود بـ)الدين( هنا ‪ :‬الدين السلمي المـنزل على خاتم الرسل محمد ‪ .r‬قال تعالى‪( :‬‬
‫إن الدين عند ال السإلم) ‪.‬‬

‫‪ - 2‬والنفس؛ طيقصد بها‪ :‬النفس المعصومة من القتل والمحمية من الزهاق‪ ،‬وهي ثلثة أنفس‪ :‬نفس‬
‫معصومة بالسلم وتكون للمسليمن‪ ،‬ونفس معصومة بالجزية وتكون لهل الكتاب المقيمين مع‬
‫المسلمين في بلد واحد‪ ،‬ونفس معصومة بالمان وتكون للحربي الذي يطلب من المسلمين الدخول إلى‬
‫أرضهم لغراض مدنية)]‪.([21‬‬

‫والعقل؛ هو‪ :‬الحابس عن ذميم القول والفعل)]‪.([22‬‬

‫يقول ابن تيمية‪] :‬فهنا أمور‪:‬‬


‫أحدها‪ :‬علوم ضرورية يفرق بها بين المجنون الذي طرفع القلم عنه‪ ،‬وبين العاقل الذي جرى‬
‫عليه العقل‪ ،‬فهو مناط التكليفُ‪.‬‬

‫والثاني ‪ :‬علوم مكتسبة تدعو النسان إلى فعل ما ينفعه وترك ما يضره‪ ،‬فهذا أيضاَّ ل نزاع‬
‫في وجوده‪ ،‬وهو داخل فيما يحمد بها عند ال من العقل …‬

‫والثالث‪ :‬العمل بالعلم‪ ،‬يدخل في مسمى العقل أيضاَّ‪ ،‬بل هو من أخص ما يدخل في اسم العقل‬
‫الممدوحا‪.‬‬

‫والرابع ‪ :‬الغريزةا التي بها يعقل النسان‪ ،‬فهذه مما طتنولَزع في وجودها[ )]‪.([23‬‬

‫ل‪ :‬إذا عكطثر عنقسطله‪ ،‬أي‪ :‬ولده وطذيريته‪.‬‬


‫والنسإب أو النسإل؛ النسإل في اللغة‪ :‬الولد‪ ،‬يقال‪ :‬عنعسل عنقس ل‬

‫والمال؛ اصطلحاَّ هو‪ :‬اسم لغير الدمي‪ ،‬طخلَلق لمصالح الدمي وأمكن إحرازه والتصمرفُ فيه‬
‫على وجه الختيار‪ ،‬ومن ذلك ‪ :‬الثمان‪ ،‬والبضائع‪ ،‬والعقارات‪ ،‬والحيوانات)]‪.([24‬‬

‫صونه من نفسه‬
‫والرعورضْ؛ ويأتي على أكثر من معنى‪ ،‬منها‪ :‬العجعسد‪ ،‬وجانب الرجل الذي عي ط‬
‫ول طيقبل أن طيقنعتعقص وطيقثعلب‪.‬‬

‫ترتيب الضروريات‪ :‬في ترتيبها اتفق الفقهاءا على أمرين‪:‬‬

‫أولهما ‪ :‬تقديم اليدقين على باقي الضروريات ومنها‪ :‬النفس‪ ،‬وإن قال بعض العلماءا بتقديم النفس‬
‫على الدين‪ ،‬وأجازوا لَلعمن طأكره على الكفر وقلبه مطمئن باليمان أن ينطق بلسانه بما يخيلصه من القتل‪،‬‬
‫حتى إذا زال الكراه عنه أعلن ما في قلبه من اليمان‪.‬‬

‫والثاني ‪ :‬تقديم النفس على باقي الضروريات سوى اليدقين‪.‬‬

‫واختلفُ الفقهاءا في شيئين‪:‬‬

‫أولهما‪ :‬النسل والعقل أيهما طيعقحدم‪ ،‬فالمدي في كتابه )الحكام( عجعزم بتقديم النسل على العقل‪،‬‬
‫وذهب ابن السبكي في )جمع الجوامع( إلى تقديم العقل على النسب‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬العرض والمال أيهما طيعقحدم‪ ،‬فعمن ألحق العرض بالنسب والنسل عقحدمه على المال‪ ،‬وعمن‬
‫ل مستق ل‬
‫ل عقحدم المال عليه‪.‬‬ ‫جعله منفص ل‬

‫وثانيها ‪ً:‬ا مرتبة الرحأارجنيات‪ .‬والكلم فيها كما يأتي‪:‬‬

‫تعريف الحأاجيات‪ :‬يقول إمام الحرمين‪] :‬هي ما عيعتععحلق بالحاجة العامة ول عيقنعتهي إلى حمد‬
‫الضرورةا‪ ،‬وهذا مثل تصحيح الجارةا‪ ،‬فإنها عمقبلَنمية على عملَسقيس الحاجة إلى المساكن مع القصور ـ أي‬
‫ضن في إعطاءا الشياءا ـ على‬ ‫لكها بها ـ فالمالك عي ي‬ ‫العجز حقيقة أو حكماَّ ـ عن عتعمولكها ور م‬
‫ضة طم م‬
‫سبيل العارمية‪ ،‬فهذه حاجة ظاهرةا غير بالغة عمقبعلغَ الضرورةا المفروضة في البيع وغيره[ ‪.‬‬
‫)]‪([25‬‬
‫وقال الشاطبي‪] :‬العحالَجمي ‪ :‬هو ما طيقفتقر إليه من حيث الحتقولَسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب‬
‫إلى الحرج والمشقة اللحقة بفوت المطلوب‪ ،‬فإذالم تراعع دخل على المكحلفين ـ على الجملة ـ العحعرطج‬
‫والمشقطة؛ً ولكنه ل يبلغَ عمقبلغَ الفساد العادي الطمعتعوحقع في المصالح العامة[ )]‪.([26‬‬

‫ص المخيفعفة؛ً كالفطر زمن وجوب الصيام بسبب المرض أو السفر‪ ،‬ومثل‪:‬‬


‫ومن أمثلتها‪ :‬الورعخ ط‬
‫إباحة الصيد والتمتع بالطيبات مما هو حلل‪.‬‬

‫الحأكمة من الحأاجيات‪ :‬عتقرجع إلى شيئين‪:‬‬

‫أولهما‪ :‬عرقفع الحرج والمشقة عن المكلفين‪ ،‬إذ عدعوعران الحاجميات على‪ :‬الحتقولَسعة والتيسير‪،‬‬
‫والرفق وعرقفع الضيق والحرج )]‪.([27‬‬

‫والثاني‪ :‬تكميل الضروريات ولَحمايتها‪ ،‬يقول الشاطبي‪] :‬المور الحاجمية ‪ :‬إنما هي حائمة حول‬
‫هذه الحمى‪ ،‬إذ هي تتردد على الضروريات طتعكيملها‪ ،‬بحيث ترتفع في القيام بها واكتسابها‪ :‬العمعشمقات‪،‬‬
‫وتميل بهم فيها إلى التوسط والعتدال في المور‪ ،‬حتى تكون جارية على وجه ل يميل إلى إفراط‬
‫وتفريط[ )]‪ ،([28‬ثم قال‪] :‬فإذا فهم هذا لم عيقرعتب – من الحرقيب والشك– العاقل في أن هذه المور الحاجية‪:‬‬
‫فرودع دائردةا حول المور الضرورية[)]‪ ،([29‬وقال أيضاَّ‪] :‬الحاجمي مكيمل للضروري[ )]‪ ،([30‬وقال أيضاَّ‪:‬‬
‫]الحاجمي عيقخدم الضروري[ )]‪.([31‬‬

‫وثالثها ‪ً:‬ا مرتبة النتوحأرسإويرننيات‪ .‬والكلم فيها كما يأتي‪:‬‬

‫تعريف التحأسإينيات‪ :‬يقول الشاطبي‪] :‬هي‪ :‬الخذ بما يليق من عمعحاسن العادات‪ ،‬وعتعجونب الحوال‬
‫المدينسات التي تأنفها العقول الراجحات‪ ،‬وعيقجمع ذلك‪ :‬قسم مكارم الخلق[ )]‪ .([32‬وعذعكعر أمثلة على ذلك‪،‬‬
‫مثل‪ :‬أخذ الزينة ‪ ،‬والتقرب إلى ال بنوافل الخيرات‪ ،‬ومثل آداب الكل والشرب في )العادات(‪ ،‬ومنع‬
‫بيع النجاسات في )المعاملت(‪.‬‬

‫ثم قال‪] :‬وقليل المثلة عيطدمل على ما سواها مما هو في معناها‪ ،‬فهذه المور راجعة إلى محاسن‬
‫زائدةا على أصل المصالح الضرورية والحاجمية؛ً إذ ليس فقدانها بطملَخمل بأمر ضروري ول حاجمي‪ ،‬وإنما‬
‫عجعرقت مجرى الحتحسين والحتزيين[)]‪.([33‬‬

‫الحأكمة من التحأسإينيات‪ :‬وترجع إلى شيئين‪:‬‬

‫أولهما‪ :‬تكميل الضروريات والحاجميات وحمايتها‪ ،‬يقول الشاطبي‪] :‬كل واحدةا من هذه المراتب‪:‬‬
‫لما كانت مختلفة في تأوكد العتبار – فالضروريات آكدها ثم عتلَلقيها الحاجيات والتحسينيات – وكان‬
‫مرتبطاَّ بعضها ببعض‪ ،‬كان في إبطال الخمفُ طجقرأةا على ما هو آكد منه‪ ،‬ومدخل للخلل به‪ ،‬فصار‬
‫الخفُ كأنه لَحملى للكد‪ ،‬والراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه[ )]‪ .([34‬وقال أيضاَّ‪] :‬إن كل حاجمي‬
‫وعتقحسيني إنما هو خادم للصل الضروري وطمقؤنس به‪ ،‬وطمعحيسن لصورته الخاصة‪ :‬إما طمقيدملة له‪ ،‬أو‬
‫مقارناَّ‪ ،‬أو تابعاَّ‪ ،‬وعلى كمل تقدير فهو يدور بالخدمة عحعوالعقيه‪ ،‬فهو أحرى أن يتأمدى به الضروري على‬
‫أحسن حالته[ )]‪.([35‬‬

‫والثاني‪] :‬كمال المة في نظامها حتى تعيش أمة آمنة مطمئنة‪ ،‬ولها بهجة منظر المجتمع في‬
‫مرأى بقية المم حتى تكون المة السلمية مرغوباَّ في الندماج فيها أو في التقمرب منها[ )]‪.([36‬‬
‫أقسام مقاصد الشريعة‬

‫عتعتعوحزع المقاصد الشرعية إلى قسمين‪:‬‬

‫أحأدهاما‪ :‬المقاصد العامة‪ ،‬وهي‪] :‬المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو‬
‫طمعظمها؛ً بحيث ل تختص ملحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة[)]‪.([37‬‬

‫وعمعرمد ذلك إلى قاعدةا الشرع الطكلممية الطمععحبر عنها بـ)عدقرءا المفاسد وعجقلب المصالح (‪ ،‬يقول‬
‫الشاطبي‪] :‬المعلوم من الشريعة أنها طشلَرعت لمصالح العباد؛ً فالتكليفُ كله إما لعدقرءا مفسدةا‪ ،‬وإما لجلب‬
‫مصلحة‪ ،‬أو لهما معاَّ[ )]‪.([38‬‬

‫والثاني‪ :‬المقاصد الخاصة‪ ،‬واختلفُ أهل العلم في لَققسمتها؛ً لختلفُ الجهات والحيثيات‪.‬‬

‫‪ -‬فمن حيث مرتبتها في القصد‪ ،‬عقحسمها الشاطبي إلى قسمين‪:‬‬

‫أولهما‪ :‬المقاصد الصلمية‪ ،‬وهي‪] :‬التي ل عحمظ فيها للطمعكحلفُ‪ ،‬وهي الضروريات الطمقعتبرةا في كل‬
‫لَمملة[ )]‪.([39‬‬

‫وقد تكون‪] :‬ضرورية عينية‪ ،‬وإلى ضرورية كفائية‪ ،‬فأما كونها‪ :‬عينمية فعلى كل مكحلفُ في‬
‫ل‪ ،‬وبحفظ نفسه قياماَّ بضرورية حياته‪ ،‬وبحفظ عقله حفظاَّ‬ ‫نفسه‪ ،‬فهو مأمور بحفظ دينه اعتقادا وعم ل‬
‫لمورد الخطاب من ربه إليه‪ ،‬وبحفظ نسله التفاتاَّ إلى بقاءا عوضه في عمارةا هذه الدار … وبحفظ ماله‬
‫استعانة على إقامة تلك الوجه الربعة …وأما كونها‪ :‬كفائية فمن حيث كانت منوطة بالغير أن يقوم بها‬
‫على العموم في جميع المكلفين؛ً لتستقيم الحوال العامة التي ل تقوم الخاصة إل بها ‪ .‬إل أن هذا القسم‬
‫مكمل للول‪ ،‬فهو لحق به في كونه ضرورياَّ؛ً إذ ل يقوم العيني إل بالكفائي[ )]‪.([40‬‬

‫والثاني‪ :‬المقاصد التابعة‪ ،‬وهي‪] :‬التي روعي فيها حظ المكلفُ‪ ،‬فمن جهتها عيقحصل له مقتضى‬
‫ما طجلَبل عليه؛ً من نيل الشهوات‪ ،‬والستمتاع بالمباحات‪ ،‬وعسمد العخ م‬
‫لت[ )]‪ ،([41‬وهذا القسم طمكيمل لما قبله‪،‬‬
‫يقول الشاطبي‪] :‬المقاصد التابعة ‪ :‬خادمة للمقاصد الصلية ومكملة لها‪ ،‬ولو شاءا ال لكحلفُ بها مع‬
‫العراض عن الحظوظ‪ ،‬أو لكلفُ بها مع سلب الدواعي المجبول عليها؛ً لكنه اقمعتحن على عباده بما جعله‬
‫وسيلة إلى ما أراده من عمارةا الدنيا للخرةا‪ ،‬وجعل الكتساب لهذه الحظوظ مباحاَّ ل ممنوعاَّ‪ ،‬لكن على‬
‫قوانين شرعية هي أبلغَ في المصلحة‪ ،‬وأجرى على الدوام مما عيطعمده العبد مصلحة (وال يعلم وأنتم ل‬
‫تعلمون ) … فبهذا اللحقحظ قيل‪ :‬إن هذه المقاصد توابع‪ ،‬وإن تلك هي الصول‪ ،‬فالقسم الول‪ :‬عيققتضيه‬
‫محض العبودية‪ ،‬والثاني ‪ :‬يقتضيه لطفُ المالك بالعبيد[ )]‪.([42‬‬

‫‪ -‬ومن حيث كونها اعتبارية أو حقيقية‪ ،‬فقد عقمسمها ابن عاشور إلى نوعين‪:‬‬

‫أولهما‪ :‬معان حقيقية‪ ،‬وعحرفها بقوله‪] :‬هي التي لها عتعحوقدق في نفسها بحيث طتقدلَرك العقول الحسلَلقيمة‬
‫ملئمتها للمصلحة أو منافرتها لها … كإدراك عكقون العدل نافعاَّ‪ ،‬وكون العتداءا على النفوس ضارا‪،‬‬
‫وكون الخذ على يلَد الظالم نافعاَّ لصلحا المجتمع[ )]‪.([43‬‬

‫والثاني‪ :‬معان عرفية عامة‪ ،‬قال ابن عاشور عنها‪] :‬هي الطمعجحربات التي أعلَلعفقتها نفوس الجماهير‪،‬‬
‫واستحسنها استحساناَّ ناشئاَّ عن تجربة ملئمتها لصلحا الجمهور‪ ،‬كإدراك عكقون الحسان معنلى ينبغي‬
‫تعامل المة به‪ ،‬وكإدراك عكقون عقوبة الجاني رادعة إياه عن الععقود إلى مثل جنايته‪ ،‬ورداعة غيره عن‬
‫الجرام‪ ،‬وعكقون ضد عذقينك يعؤمثر ضد أععثعرقيهما[ )]‪.([44‬‬

‫خصائص مقاصد الشريعة‬

‫للمقاصد الشرعية خصائص عديدةا‪ ،‬طتقلحظ باستقراءا الحكام وعللها؛ً لن اليشقرعة المحمدية‬
‫قائمة على حفظ المقاصد ورعايتها‪.‬‬

‫يقول الشاطبي‪] :‬الشريعة المباركة المحمدية منـزلة على هذا الوجه‪ ،‬ولذلك كانت محفوظة في‬
‫أصولها وفروعها كما قال تعالى‪ ( :‬إنا نحأن نزلنا الذكر وإنا لهَّ لحأافظون )؛ً لنها ترجع إلى حفظ‬
‫المقاصد‪ ،‬التي بها يكون صلحا الدارين‪ ،‬وهي‪ :‬الضروريات والحاجيات والتحسينيات وما هو مكمل‬
‫ومتمم لطرافها‪ ،‬وهي أصول الشريعة[ )]‪.([45‬‬

‫ومن عثم فإن خصائص أصول الشريعة عتقنسحب على المقاصد الشرعية‪ ،‬وقد عح ع‬
‫صعرها الشاطبي‬
‫في خواص ثلث‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫الولى‪ :‬العموم والطراد‪ ،‬بحيث عتقشمل جميع أنواع التكليفُ والمكحلفين والحوال‪ ،‬وعتمطرد دون‬
‫عتعخولفُ‪ ،‬يقول الشاطبي‪] :‬إذا ثبت أن الشارع قد قصد بالتشريع إقامة المصالح الخروية والدنيوية‪ ،‬وذلك‬
‫على وجه ل يختل لها به نظام‪ ،‬ل بحسب الكل ول بحسب الجزءا‪ ،‬وسواءا في ذلك ما كان من قبيل‬
‫الضروريات أو الحاجيات أو التحسينيات‪ ،‬فإنها لو كانت موضوعة بحيث يمكن أن يختل نظامها أو‬
‫تختل أحكامها‪ :‬لم يكن التشريع موضوعاَّ لها‪ ،‬إذ ليس كونها مصالح إذ ذاك بأولى من كونها مفاسد‪،‬‬
‫لكن الشارع قاصد بها أن تكون تلك مصالح على الطلق‪ ،‬فل بد أن يكون وضعها على ذلك الوجه‬
‫أبدياَّ وكلياَّ‪ ،‬وعاماَّ في جميع أنواع التكليفُ والمكلفين وجميع الحوال‪ ،‬وكذلك عوعجقدنا المر فيها[ ‪.‬‬
‫)]‪([46‬‬

‫الثانية‪ :‬الثبوت من غير زوال‪ ،‬يقول الشاطبي‪] :‬فلذلك ل تجد فيها بعد كمالها نسخاَّ ول‬
‫تخصيصاَّ لعمومها‪ ،‬ول تقييدا لطلقها‪ ،‬ول رفعاَّ لحكم من أحكامها‪ :‬ل بحسب عموم المكلفين‪ ،‬ول‬
‫بحسب خصوص بعضهم‪ ،‬ول بحسب زمان دون زمان ول حال دون حال[ )]‪.([47‬‬

‫ودليطل الثبوت‪ :‬الستقراطءا التام‪ ،‬يقول الشاطبي‪] :‬ويدل على ذلك الستقراءا التام‪ ،‬وأن الشريعة‬
‫مبنية على حفظ الضروريات والحاجيات والتحسينات ‪.‬‬

‫صنها‪ ،‬وإذا كان‬


‫وجميع ذلك لم ينسخ منه شيءا‪ ،‬بل إنما أتى بالمدينة ما طيقمويها وطيقحلَكمها وطيعح ي‬
‫كذلك‪ :‬لم عيقثبت نسخ لكلي البمتة‪ ،‬ومن استقرأ طكتب الناسخ والمنسوخ تحمقق هذا المعنى‪ ،‬فإنما يكون‬
‫النسخ في الجزئيات منها[ )]‪.([48‬‬

‫الثالثة‪ :‬كونها حاكمة غير محكوم عليها؛ً لنها كالروحا للعمال‪ ،‬يقول الشاطبي‪] :‬فإن المقاصد‬
‫أرواحا العمال؛ً فقد صار العمل ذا روحا على الجملة[ )]‪.([49‬‬

‫ولما كانت حاكمة للنسان جاءات‪:‬‬

‫‪ -‬مراعية لفطرته‪ ،‬يقول ابن عاشور‪] :‬ونحن إذا أجلنا النظر في المقصد العام من التشريع …‬
‫نجده ل يعدو أن يساير حفظ الفطرةا‪ ،‬والحذر من خرقها واختللها[ )]‪.([50‬‬
‫‪ -‬حاملة على التووسط‪ ،‬يقول الشاطبي‪] :‬مقصد الشارع من المكملفُ العحقمل على التووسط من غير إفراط‬
‫ول تفريط … والوسط هو معظم الشريعة وأم الكتاب‪ ،‬ومن تأمل موارد الحكام بالستقراءا التام عرفُ‬
‫ذلك[ )]‪.([51‬‬

‫هذه جولة في بيان مقاصد الشريعة من حيث تعريفها‪ ،‬وتاريخها‪ ،‬وفوائدها‪ ،‬ودليلها‪ ،‬وطرق معرفتها‪،‬‬
‫ومراتبها‪ ،‬وأقسامها‪ ،‬وخصائصها؛ً عسى أن تكون نبراساَّ للسائرين في درب الفقه والجتهاد‪.‬‬

‫)]‪ ([1‬طبع بتحقيق حمد الكبيسي‪ ،‬طبع وزراةا الوقافُ العراقية‪ ،‬عام ‪1971‬م‪.‬‬

‫)]‪ ([2‬شفاءا العليل‪ ،‬طبعة مكتبة الرياض الحديثة ص ‪.190‬‬

‫)]‪ ([3‬مفتاحا دار السعادةا‪ ،‬طبعة ابن عفان‪.3/16 ،‬‬

‫)]‪ ([4‬جامع الرسائل‪.305/ 2 ،‬‬

‫)]‪ ([5‬شفاءا الغليل‪ ،‬ص ‪.603‬‬

‫)]‪ ([6‬ينظر‪ :‬شفاءا العليل‪ ،‬لبن القيم‪ ،‬طبعة السنة المحمدية‪ ،‬ص ‪.437 :‬‬

‫)]‪ ([7‬أخرجه أحمد في‪ :‬المسند‪ ،5/326 ،‬وابن ماجه في‪ :‬السنن‪ ،2/784 ،‬برقم‪.2340 :‬‬

‫)]‪ ([8‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوي‪. 20/53 ،‬‬

‫)]‪ ([9‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،3/1587 ،‬برقم‪. (2003) :‬‬

‫)]‪ ([10‬مفتاحا دار السعادةا‪ ،‬طبعة دار الفكر ‪ ،‬ص‪.408 :‬‬

‫)]‪ ([11‬المنهاج‪ ،‬ص‪ 233 :‬طبعة عالم الكتب‪ ،‬وينظر‪ :‬قواعد الحكام‪ ،‬للعز بن عبد السلم‪،‬‬
‫‪ ،2/160‬و الموافقات‪ ،‬للشاطبي‪.2/6 ،‬‬

‫)]‪ ([12‬شفاءا العليل‪ ،‬ابن القيم‪ ،‬ص ‪. 429‬‬

‫)]‪ ([13‬طينظر‪ :‬ابن عاشور ‪.‬‬

‫)]‪ ([14‬أخرجه مسلم ‪.‬‬

‫)]‪ ([15‬شرحا جمع الجوامع‪.‬‬

‫)]‪ ([16‬شرحا جمع الجوامع‪.‬‬

‫)]‪ ([17‬الموافقات‪ ،‬الشاطبي‪ ،‬دار الفكر‪.2/4 ،‬‬


‫)]‪ ([18‬شرحا جمع الجوامع‪.‬‬

‫)]‪ ([19‬شرحا جمع الجوامع‪.‬‬

‫)]‪ ([20‬التوقيفُ على مهمات التعاريفُ‪ ،‬المناوي‪.‬‬

‫)]‪ ([21‬الروضة‪ ،‬النووي‪. ،‬‬

‫)]‪ ([22‬مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس‪. ،‬‬

‫)]‪ ([23‬بغية المرتاد ‪.‬‬

‫)]‪ ([24‬الحاوي‪ ،‬السيوطي ‪.‬‬

‫)]‪ ([25‬البرهان ‪.‬‬

‫)]‪ ([26‬الموافقات‪ ،‬الشاطبي ‪.5-2/4 ،‬‬

‫)]‪ ([27‬طيقنعظر‪ :‬الموافقات‪ ،‬الشاطبي ‪.5-2/4 ،‬‬

‫)]‪ ([28‬الموافقات‪ ،‬الشاطبي ‪.2/9 ،‬‬

‫)]‪ ([29‬الموافقات ‪.‬‬

‫)]‪ ([30‬طيقنعظر‪ :‬الموافقات‪ ،‬الشاطبي ‪.2/5 ،‬‬

‫)]‪ ([31‬الموافقات‪ ،‬الشاطبي ‪.2/8 ،‬‬

‫)]‪ ([32‬الموافقات‪ ،‬الشاطبي ‪.2/5 ،‬‬

‫)]‪ ([33‬الموافقات‪ ،‬الشاطبي ‪.2/5 ،‬‬

‫)]‪ ([34‬الموافقات‪ ،‬الشاطبي ‪.13 -2/12 ،‬‬

‫)]‪ ([35‬الموافقات‪ ،‬الشاطبي ‪.2/14 ،‬‬

‫)]‪ ([36‬الموافقات ‪.‬‬

‫)]‪ ([37‬الموافقات ‪.‬‬

‫)]‪ ([38‬الموافقات ‪.‬‬

‫)]‪ ([39‬الموافقات ‪.‬‬

‫)]‪ ([40‬الموافقات ‪.‬‬


‫)]‪ ([41‬الموافقات ‪.‬‬

‫)]‪ ([42‬الموافقات ‪.‬‬

‫)]‪ ([43‬الموافقات ‪.‬‬

‫)]‪ ([44‬الموافقات ‪.‬‬

‫)]‪ ([45‬الموافقات ‪.‬‬

‫)]‪ ([46‬الموافقات ‪.‬‬

‫)]‪ ([47‬الموافقات ‪.‬‬

‫)]‪ ([48‬الموافقات ‪.‬‬

‫)]‪ ([49‬الموافقات ‪.‬‬

‫)]‪ ([50‬الموافقات ‪.‬‬

‫)]‪ ([51‬الموافقات ‪.‬‬

You might also like