You are on page 1of 44

‫مقاصد الوقف في الشريعة‬

‫ً‬
‫وتطبيقا)‬ ‫اً‬
‫(تأصيل‬

‫إعداد‬
‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬
‫كلية الشريعة باجلامعة اإلسالمية باملدينة املنورة‬
‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬

‫ملخص البحث‬

‫الوقف مما اختصت به الش���ريع ُة اإلسالمي ُة عن جميع الشرائع السابقة؛‬


‫ولها يف ش���رعه مقاصدُ مرع ِّية‪ ،‬يحس���ن وض ُعها يف عني االعتبار عند النظر‬
‫يف أحكامه‪ ،‬والترجيح بني مسائله اخملتلف فيها‪ ،‬وقد كشف البحثُ عن شيء‬
‫ذكر ألهم القواعد املقاصدية يف هذا الباب‪.‬‬
‫من تلك املقاصد‪ ،‬مع ٍ‬
‫متهيد ومبحثان‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫وخالصة ما ورد يف البحث‬
‫ويف التمهيد تع َّرض البحثُ إلى‪ :‬تعريف الوقف‪ ،‬وأدلة مشروعيته‪ ،‬وأنواعه‬
‫باختصار‪ ،‬ث َّم كان احلديث عن املقاصد العامة للوقف يف مبحثه األول‪ :‬وتلك‬
‫املقاصد باختصار هي‪:‬‬
‫حتقيق العبودية‪ ،‬والدوام واالستمرار على العمل الصالح‪ ،‬وتيسير األموال‬
‫ودورانها‪ ،‬والوضوح‪ ،‬والعدل‪ ،‬واحلرية‪ ،‬وأخي ًرا التعاون والتكافل االجتماعي‪.‬‬
‫ُ‬
‫املبحث الثان�������ي لذكر أهم القواعد املقاصدية املؤثرة يف أحكام‬ ‫ُ‬
‫وخ ِّصص‬
‫الوقف‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪1 .1‬قصد الشارع من املكلف أن يكون قصده مواف ًقا لقصده يف التشريع‪.‬‬
‫‪2 .2‬القواعد املقاصدية املتعلقة باملصالح واملفاسد‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن مقصود الشارع يف األعمال دوا ُم املكلف عليها‪.‬‬
‫‪4 .4‬رفع احلرج‪.‬‬
‫وصلى اهلل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعني‪.‬‬

‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬ ‫‪16‬‬


‫ً‬
‫وتطبيقا)‬ ‫ً‬
‫(تأصيلا‬ ‫مقاصد الوقف في الشريعة‬

‫المقدمــــة‬
‫إن مقاصد الش���ريعة هي احلِ ك ُم واملعاني التي قصد الشار ُع حتقيقها من‬
‫وراء تش���ريعاته وأحكامه(‪ ،)1‬وأحكام اإلس�ل�ام كلها مبني ٌة على جلب املصالح‬
‫للعباد‪ ،‬ودرء املفاسد عنهم يف العاجل واآلجل م ًعا‪ ،‬فما شرع اهللُ شي ًئا لعباده‬
‫إال ملصلحتهم(‪ ،)2‬ومن ذلك الوقف‪.‬‬
‫أهمية املوضوع‪:‬‬
‫وجلها ثبت بغير‬ ‫ِ‬
‫البح���ث يف أن أحكام الوقف أكثره���ا ُ‬ ‫تكم���ن أهمي��� ُة هذا‬
‫الس���معي‪ ،‬وكثير من أحكامه ت���دور حول املصالح‪ ،‬وه���ي التي جاءت‬
‫ّ‬ ‫الن���ص‬
‫الشريع ُة بتحصيلها وتكميلها‪ ،‬كما جاءت بتعطيل املفاسد وتقليلها‪.‬‬
‫يقول الطاه ُر بن عاشور مبينًا حجية هذه املصالح‪« :‬وال ينبغي الترد ُد يف صحة‬
‫ٍ‬
‫حادث ال‬ ‫جزئي‬
‫ٍّ‬ ‫االس���تناد إليها؛ ألنا إذا كنا نقول بحجية القياس الذي هو إحلاق‬
‫يُعرف له حك ٌم يف الش���رع بجزئي ثابت حكمه يف الشريعة‪ ،‬للماثلة بينهما يف العلة‬
‫املس���تنبطة‪ ،‬وهي مصلحة جزئي���ة ظني ٌة غال ًبا لقلة ص���ور العلة املنصوصة‪ ،‬فألن‬
‫نقول بحجية قياس مصلحة كلية حادثة يف األمة ال يُعرف لها حك ٌم على ٍ‬
‫كلية ٍ‬
‫ثابت‬
‫ظني قريب من‬
‫قطعي‪ ،‬أو ّ‬
‫ّ‬ ‫اعتبا ُرها يف الشريعة باستقراء أدلة الشريعة الذي هو‬
‫الشرعي»(‪.)3‬‬
‫ّ‬ ‫القطعي أولى بنا وأجدر بالقياس‪ ،‬وأدخل يف االحتجاج‬
‫ّ‬
‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫رغم أهمية املصالح (املقاصد الشرعية) يف أحكام الوقف خاصة باعتبار‬

‫((( انظر‪ :‬مقاصد الشريعة اإلسالمية للشيخ محمد الطاهر بن عاشور (‪.)171‬‬
‫((( انظر‪ :‬املوافقات للشاطبي (‪.)9/2‬‬
‫((( مقاصد الشريعة اإلسالمية للشيخ محمد الطاهر بن عاشور (‪.)309‬‬

‫‪17‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬


‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬

‫مصلحي الغرض‪ ،‬ورغم كثرت الندوات واملؤمترات املقامة‬


‫ُّ‬ ‫أنه معقو ُل املعنى‪،‬‬
‫حوله‪ ،‬إال أنني لم أقف إال على أربعة أبحاث حول هذا املوضوع‪ ،‬وهي(‪:)1‬‬
‫‪1.1‬الوق���ف مفهوم���ه ومقاص���ده للدكت���ور عبدالوه���اب ب���ن إبراهي���م أبو‬
‫سليمان(‪.)2‬‬
‫(‪.)3‬‬
‫‪2.2‬الوقف مفهومه ومقاصده للدكتور أحمد بن عبداجلبار الشعبي‬
‫‪3.3‬مقاصد الشريعة يف مجال الوقف للدكتور إبراهيم البيومي غامن(‪.)4‬‬
‫‪4.4‬أثر املصلحة يف الوقف للشيخ عبداهلل بن الشيخ احملفوظ بن ب َّية(‪. )5‬‬
‫األبح���اث الثالث���ة األ َول تكلم���ت عن احلكم واألس���رار واملقاص���د العامة‬
‫واخلاص���ة للوقف‪ ،‬ولم تؤص���ل لقواعده املقاصدية وبناء الف���روع عليها‪ ،‬أما‬
‫البح���ث الراب���ع فقد ُعن َِي مؤلفُه ببيان أن الوقف ليس من األمور التعبدية بل‬
‫املصلحي أث��� ُره يف أحكامه‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬ ‫مصلحي الغ���رض‪ ،‬ومن ث َّم يكون للنظر‬
‫ُّ‬ ‫ه���و‬
‫أشرت إلى مقصوده ومراده يف قاعدة من قواعد البحث‪.‬‬
‫ُ‬
‫وإ ِّن���ي م���ن خالل هذا البحث أحاول إظها َر مقاص���د الوقف‪ ،‬وبناء الفروع‬
‫على قواعده املقاصدية‪ ،‬وأرجو أن يكون نوا ًة ملسائل الوقف‪ ،‬واهلل املعني‪.‬‬

‫أعرضت عن األبحاث التي حتدثت عن أثر الوقف يف احلفاظ على مقاصد الشريعة (الضرورية واحلاجية‬
‫ُ‬ ‫(((‬
‫والتحسينية)؛ إذ املقصود هنا إظها ُر املقاصد الشرعية للوقف‪ ،‬وقواعد تلك املقاصد‪ ،‬وأثرها يف أحكام الوقف‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬بحوث ندوة املكتبات الوقفية يف اململكة العربية السعودية (‪.)705-655‬‬
‫((( انظر‪ :‬بحوث ندوة املكتبات الوقفية يف اململكة العربية السعودية (‪.)255-213‬‬
‫((( انظر‪ :‬مقاصد الشريعة اإلسالمية دراسات يف قضايا املنهج ومجاالت التطبيق (مجموعة بحوث) (‪.)484-425‬‬
‫((( بحث ُقدم ألكثر من جهة منها للمجمع الفقه اإلس�ل�امي يف الدورة الثانية عش���رة‪ ،‬ونش���ر يف مجلة اجملمع‪،‬‬
‫الع���دد الثان���ي عش���ر (‪ .)207/1‬ومنش���ور يف مجلة البحوث الفقهي���ة املعاصرة‪ ،‬العدد (‪ ،)47‬الس���نة (‪)12‬‬
‫‪1421‬هـ‪ .‬ومنشور ضمن بحوث ندوة الوقف يف الشريعة اإلسالمية ومجاالته (‪. .)105-59/1‬‬

‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬ ‫‪18‬‬


‫ً‬
‫وتطبيقا)‬ ‫ً‬
‫(تأصيلا‬ ‫مقاصد الوقف في الشريعة‬

‫خطة البحث‪:‬‬
‫قسمت البحثَ إلى مقدمة‪ ،‬ومتهيد‪ ،‬ومبحثني‪ ،‬وخامتــة‪.‬‬
‫التمهيد يف‪ :‬تعريف الوقف‪ ،‬وأدلة مشروعيته‪ ،‬وأنواعه‪.‬‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املبحث األول يف‪ :‬مقاصد الشريعة للوقف‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املبحث الثاني يف‪ :‬أهم القواعد املقاصدية املؤثرة يف أحكام الوقف‬
‫والتوصيات‬
‫ُ‬ ‫ث���م اخلامتة‪ ،‬وفيها أه���م النتائج الت���ي توصل إليها البح���ثُ ‪،‬‬
‫املقترحة‪.‬‬
‫منهجي يف البحث‪:‬‬
‫الوصفي يف دراس���ة مسائل البحث‪ ،‬مع استقراء‬
‫ِّ‬ ‫‪1.1‬اعتمدت على املنهج‬
‫النص���وص واآلثار الواردة يف الوقف‪ ،‬والوقوف على أقوال العلماء يف‬
‫مسائله وأحكامه الستنباط املعاني واحلِ َكم من شرعة الوقف‪.‬‬
‫جمع���ت امل���ادةَ العلمية املتعلق���ة يف البحث‪ ،‬وأدرجتُه���ا حتت املباحث‬
‫ُ‬ ‫‪2.2‬‬
‫السابقة‪ ،‬مع العزو والتوثيق‪.‬‬
‫‪3.3‬ذكرت اس َم السورة ورق َم اآلية يف الصلب؛ من ًعا من إثقال احلاشية‪.‬‬
‫‪4.4‬خ ّرجت األحاديث النبوية واآلثار من مصادرها‪ ،‬مع بيان درجتها‪.‬‬
‫وضعت فهرسني‪ :‬األول‪ :‬للمصادر واملراجع‪ .‬والثاني‪ :‬للموضوعات‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪5.5‬‬

‫‪19‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬


‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬

‫التمهيد‬

‫تعريف الوقف وأدلة مشروعيته وأنواعه‬

‫تعريف الوقف‪:‬‬
‫وقفت الدا َر للمساكني‬
‫ُ‬ ‫معنى الوقف لغة‪ :‬احلبس‪ ،‬مصدر وقف يقف‪ .‬يقال‪:‬‬
‫أوقفت‪ ،‬فهي لغة رديئة(‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫وق ًفا‪ ،‬ووقفت الدابة‪ ،‬أي‪ :‬حبستها‪ ،‬وال يقال‪:‬‬
‫تعريفات الفقهاء نظ ًرا إلى اختالفهم يف‬
‫ُ‬ ‫وأما يف االصطالح‪ :‬فقد اختلفت‬
‫أمور؛ من حيث اللزوم أو عدمه‪ ،‬ومن جهة املال املوقوف(‪ ،)2‬وسأكتفي بتعريف‬
‫ابن قدامة املقدسي؛ حيث ع َّرفه بأنه‪ :‬حتبيس األصل‪ ،‬وتسبيل الثمرة (‪.)3‬‬
‫أدلة مشروعيته‪:‬‬
‫الكتاب والسن ُة‬
‫ُ‬ ‫الوقف مش���روع عند أهل العلم‪ ،‬وقد َّ‬
‫دل على مش���روعيته‬
‫واإلجما ُع‪:‬‬
‫أول‪ :‬من القرآن الكرمي‪:‬‬
‫فق���د ورد يف كت���اب اهلل ‪ c‬عمومات تدل على حس���ن اإلنفاق والبذل يف‬
‫وج���وه اخلي���ر‪ ،‬والوقف منها؛ ق���ال اهلل ‪c:‬ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﮊ [آل عم���ران‪ ،]92:‬وقوله ‪ :e‬ﮋ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮊ [البق���رة‪،]٢٦٧:‬‬
‫للجوهري‬
‫ّ‬ ‫لألزه���ري (‪ ،)333/9‬الصح���اح‬
‫ّ‬ ‫((( انظ���ر‪ :‬مقايي���س اللغ���ة الب���ن ف���ارس (‪ ،)135/6‬تهذيب اللغ���ة‬
‫(‪.)1440/4‬‬
‫اخلرشي على مختصر خليل‬
‫ّ‬ ‫للسرخس���ي (‪ ،)33/11‬ش���رح فتح القدير (‪ ،)190/6‬ش���رح‬
‫ّ‬ ‫((( انظر‪ :‬املبس���وط‬
‫(‪ ،)361/7‬روض���ة الطالب�ي�ن (‪ ،)377/4‬أحكام الوقف يف الش���ريعة اإلس�ل�امية للدكتور محمد الكبيس���ي‬
‫(‪ ،)76-51/1‬وقد أجاد‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغني البن قدامة (‪.)184/8‬‬

‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬ ‫‪20‬‬


‫ً‬
‫وتطبيقا)‬ ‫ً‬
‫(تأصيلا‬ ‫مقاصد الوقف في الشريعة‬

‫وغير ذلك من اآليات‪.‬‬


‫الصحابي أبي طلحة‬
‫ّ‬ ‫ويؤيد دالل َة دخول الوقف يف عموم اآلية األولى فع ُل‬
‫األنصاري أكث َر أنصاري باملدينة‬
‫ّ‬ ‫‪h‬؛ قال أنس بن مالك ‪" :h‬كان أبو طلحة‬
‫مالًا‪ ،‬وكان أحب أمواله إليه بيرحاء‪ ،‬وكانت مس���تقبل َة املس���جد‪ ،‬وكان رسول‬
‫اهلل يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب‪ ،‬قال أنس‪ :‬فلما نزلت هذه اآلية‪ :‬ﮋﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﮊ ق���ام أب���و طلحة إلى رس���ول اهلل ﷺ فقال‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إن اهلل تعالى يقول يف كتابه‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﮊ‪،‬‬
‫إلي بيرحاء‪ ،‬وإنها صدقة هلل أرجو برها وذخرها عند اهلل‪،‬‬
‫وإن أحب أموالي ّ‬
‫فضعها يا رس���ول اهلل حيث ش���ئت‪ ،‬فقال رس���ول اهلل ﷺ‪ :‬بخ بخ‪ ،‬ذلك مال‬
‫قلت فيها‪ ،‬وإني أرى أن جتعلها‬
‫سمعت ما َ‬
‫ُ‬ ‫رابح‪ .‬أو قال‪ :‬ذلك مال رابح‪ ،‬وقد‬
‫يف األقرب�ي�ن‪ ،‬فق���ال أبو طلحة‪ :‬أفعل يا رس���ول اهلل‪ ،‬فقس���مها أبو طلحة يف‬
‫أقاربه وبني عمه"(‪.)1‬‬
‫الوق���ف قط ًع���ا يف عم���وم قول���ه ‪ :e‬ﮋ ﮙ ﮚ ﮊ ؛ إذ املراد‬
‫ُ‬ ‫ويدخ���ل‬
‫بالطيبات األش���ياء النفيسة التي يستطاب ملكها‪ ،‬ال األشياء اخلسيسة التي‬
‫وإخراجها عن بيته(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫يجب على كل أحد دف ُعها عن نفسه‬
‫ثانيا‪ :‬من السنة‪:‬‬
‫ً‬
‫‪1.1‬ما رواه البخاري ومس���لم يف صحيحيهما ع���ن ابن عمر ‪ k‬قال‪ :‬أصاب‬
‫أرضا بخيبر‪ ،‬فأتى النبي ﷺ يس���تأ ُم ُره فيها‪ ،‬فقال‪ :‬يا رس���ول‬
‫عمر ‪ً h‬‬

‫((( أخرجه البخاري يف الزكاة‪ ،‬باب الزكاة على األقارب برقم (‪ ،)1461‬ويف التفسير تفسير سورة آل عمران‬
‫ب���اب‪ :‬ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﮊ (‪ ،)4554‬وأخرجه مس���لم يف الزكاة‪ ،‬ب���اب فضل النفقة والصدقة على‬
‫األقربني‪ ..‬برقم (‪.)998‬‬
‫((( انظر‪ :‬تفسير الرازي (‪ ،)53/7‬واللباب يف علوم الكتاب (‪.)411/4‬‬

‫‪21‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬


‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬

‫أرضا بخيبر لم أص���ب مالًا قط هو أنفس عندي منه‪،‬‬


‫اهلل‪ ،‬إن���ي أصبت ً‬
‫ش���ئت حبست أصلها‪ ،‬وتصدقت بها) قال‪:‬‬
‫َ‬ ‫فما تأمرني به؟ قال ﷺ‪( :‬إن‬
‫فتص���دق به���ا عمر؛ أن���ه ال يباع أصلها‪ ،‬وال يبت���اع‪ ،‬وال يورث‪ ،‬وال يوهب‪،‬‬
‫قال‪ :‬فتصدق عمر يف الفقراء‪ ،‬ويف القربى‪ ،‬ويف الرقاب‪ ،‬ويف سبيل اهلل‪،‬‬
‫وابن الس���بيل والضيف‪ ،‬وال جناح على من وليها أن يأكل منها باملعروف‪،‬‬
‫أو يطعم صدي ًقا غير متمول فيه(‪.)1‬‬
‫‪2.2‬ما رواه مس���لم يف صحيحه عن أبي هريرة أن رس���ول اهلل ﷺ قال‪( :‬إذا‬
‫م���ات اإلنس���ا ُن انقطع عملُه إال من ثالثة‪ :‬إال م���ن صدقة جارية‪ ،‬أو علم‬
‫ينتفع به‪ ،‬أو ولد صالح يدعو له)(‪.)2‬‬
‫قال النووي‪« :‬وفيه دلي ٌل لصحة أصل الوقف‪ ،‬وعظيم ثوابه»(‪.)3‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬اإلجماع‪:‬‬
‫يق���ول اب���ن قدامة‪« :‬وقال جاب���ر‪ :‬لم يكن أح ٌد من أصح���اب النبي ﷺ ذو‬
‫مقدرة إال وقف(‪ ،)4‬وهذا إجماع منهم‪ ،‬فإن الذي ق َد َر منهم على الوقف وقف‪،‬‬
‫إجماعا» (‪.)5‬‬
‫ً‬ ‫واشتهر ذلك‪ ،‬فلم ينكره أح ٌد‪ ،‬فكان‬

‫((( أخرجه البخاري يف كتاب الشروط‪ ،‬باب الشروط يف الوقف‪ ،‬برقم (‪ ،)2532‬ومسلم ‪-‬واللفظ له‪ -‬يف كتاب‬
‫الوصية‪ ،‬باب الوقف‪ ،‬برقم (‪.)3085‬‬
‫((( أخرجه مسلم يف كتاب الوصية‪ ،‬باب ما يلحق اإلنسان من الثواب بعد وفاته‪ ،‬برقم (‪.)3084‬‬
‫((( شرح النووي على صحيح مسلم (‪.)96/6‬‬
‫((( قال الشيخ عبدالعزيز الطريفي يف كتابه التحجيل يف تخريج ما لم يخرج يف إرواء الغليل (‪« :)181/1‬ذكره‬
‫وقفت عليه‪ ،‬فقد أخرجه أبو بكر اخلصاف يف أحكام‬
‫ُ‬ ‫األلباني يف اإلرواء (‪ )29/6‬وأغفله من التخريج‪ ،‬وقد‬
‫األوقاف (‪ )15‬وإسناده واهٍ »‪.‬‬
‫((( املغني البن قدامة (‪.)186/8‬‬

‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬ ‫‪22‬‬


‫ً‬
‫وتطبيقا)‬ ‫ً‬
‫(تأصيلا‬ ‫مقاصد الوقف في الشريعة‬

‫أنواع الوقف (‪:)1‬‬


‫تقسيم الوقف إلى ثالثة أنواع أو أقسام‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ميكن‬
‫ُ‬
‫الواقف منه‬ ‫‪1.1‬الوق�������ف اخلي ّ‬
‫�������ري‪ :‬أو الوق���ف العام‪ ،‬وه���و الذي يقص���د‬
‫َ‬
‫صرف ريع الوقف إلى جهات البر التي ال تنقطع‪ ،‬سواء أكانوا معينني‬
‫بالوصف كالفقراء‪ ،‬أم جهات ِب ٍّر عامة‪.‬‬
‫األهلي‪ :‬وهو ما يطلق عليه الوقف ال ُّذري‪ ،‬أو الوقف اخلاص‪ ،‬وهو‬
‫ّ‬ ‫‪2.2‬الوقف‬
‫تخصيص ريع الوقف للواقف أولًا‪ ،‬ثم ألوالده‪ ،‬ثم إلى جهة ب ّر ال تنقطع‪.‬‬
‫‪3.3‬الوقف املشترك‪ :‬وهو ما خصصت منافعه لل ُّذرية وجهة البر م ًعا؛ كأن‬
‫يق���ف داره على جهتني مختلفتني‪ ،‬مث���ل‪ :‬أن يقفها على أوالده‪ ،‬وعلى‬
‫املساكني‪ :‬نصفني‪ ،‬أو أثال ًثا‪ ،‬أو كيفما شاء‪.‬‬

‫المبحث األول‪:‬‬

‫مقاصد الشريعة للوقف اإلسالمي‬

‫مقاصد الش���ريعة ‪-‬كما س���بق‪ -‬ه���ي احلِ كم واملعاني التي قصد الش���ارع‬
‫حتقيقها من وراء تشريعاته وأحكامه(‪.)2‬‬
‫أيضا بأنها‪ :‬الغايات التي يَرمي إليها الش���ار ُع احلكي ُم‪ ،‬واألس���را ُر‬
‫وع ّرفت ً‬
‫ُ‬
‫(‪.)3‬‬
‫التي وضعها عند كل ُحكم من األحكام‬

‫((( انظ���ر‪ :‬املغن���ي (‪ ،)233/8‬الفقه اإلس�ل�امي وأدلت���ه (‪ ،)7607/10‬أحكام الوصايا واألوقاف حملمد ش���لبي‬
‫(‪.)320‬‬
‫((( انظر‪ :‬مقاصد الشريعة اإلسالمية للشيخ محمد الطاهر بن عاشور (‪.)171‬‬
‫((( انظر‪ :‬املقاصد العامة للشريعة اإلسالمية ليوسف العالم (‪.)83‬‬

‫‪23‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬


‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬

‫وهدف الشريعة هو حتقيق مقاصد الشارع املتمثلة يف جلب املصالح التي‬


‫ص َل عن طريق جلب املنافع‬
‫تعود على العباد يف دنياهم وأخراهم‪ ،‬سواء ما ُح ِّ‬
‫أو عن طريق دفع املضار(‪.)1‬‬
‫وقصد الشارع من التشريع ينحصر يف نوعني‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬مقاصد اخلالق من اخللق يف أن يعبدوه وال يش���ركوا به ش���ي ًئا‪،‬‬
‫وثمرة هذا املقصد تعود إلى املكلف‪.‬‬
‫والن�������وع الثاني‪ :‬مقاصد الش���ارع من التش���ريع‪ ،‬وهي حتقي���ق الغاية التي‬
‫يرمي إليها التش���ري ُع‪ ،‬واألس���رار التي وضعها الش���ار ُع احلكيم عند كل حكم‬
‫من األحكام‪ ،‬فمقصد الشريعة هو إسعاد األفراد واجلماعة‪ ،‬وحفظ النظام‪،‬‬
‫وتعمي���ر الدنيا بكل ما يوصل إلى اخلير والكم���ال حتى تصير الدنيا مزرع َة‬
‫اآلخرة(‪.)2‬‬
‫مصلح���ي الغرض(‪)3‬؛ لظهور جل���ب املصلحة من‬
‫ُّ‬ ‫والوق���ف معق���ول املعنى‪،‬‬
‫ش���رعه‪ ،‬ففيه مصلح ٌة ظاهرةٌ يف اآلخ���رة لباذله‪ ،‬ويف الدنيا آلخذه‪ ،‬كما قال‬
‫العز بن عبدالسالم(‪.)4‬‬
‫وقبل أن نقف على ش���يء من مقاصده ِ‬
‫وحكمه وأس���رار تشريعه‪ ،‬يجب أن‬
‫نبينِّ أن الوقف يع ّد وس���يل ًة من الوس���ائل‪ ،‬يتحقق بش���رعه مقاصد ش���رعية‬
‫ُ‬
‫حفظ‬ ‫كثيرة‪ ،‬مثله مثل املعامالت املالية األخرى يف كونها وس���ائل يتحقق بها‬

‫((( انظر‪ :‬شفاء الغليل للغزالي (‪ )103‬حتقيق د‪.‬حمد عبيد الكبيسي‪.‬‬


‫((( انظر‪ :‬املقاصد العامة للشريعة اإلسالمية ليوسف العالم (‪.)83-82‬‬
‫((( انظر‪ :‬قواعد األحكام يف مصالح األنام للعز بن عبدالس�ل�ام (‪ ،)18-17/1‬أثر املصلحة يف الوقف للش���يخ‬
‫ابن ب َّية‪ ،‬بحث منشور يف مجلة البحوث الفقهية املعاصرة‪ ،‬العدد (‪ ،)47‬السنة (‪1421 )12‬هـ‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬قواعد األحكام يف مصالح األنام للعز بن عبدالسالم (‪.)28/1‬‬

‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬ ‫‪24‬‬


‫ً‬
‫وتطبيقا)‬ ‫ً‬
‫(تأصيلا‬ ‫مقاصد الوقف في الشريعة‬

‫امل���ال من حيث الوج���ود‪ ،‬وميكن حتقيق مقاصد أخرى باملال؛ كمقصد حفظ‬
‫الدي���ن‪ ،‬بدع���م اجلهاد أو التعليم‪ ،‬أو الدعوة بامل���ال‪ ،‬أو حتقيق مقصد حفظ‬
‫النفس باحلصول على املأكل واملش���رب‪ ،‬وغير ذلك مما ميكن أن يتحقق من‬
‫مقاص���د ضروري���ة‪ ،‬أو حاجية‪ ،‬أو حتس���ينية من خالل امل���ال‪ .‬إذا تبني ذلك‬
‫وحتقق نشرع بعدها يف املقصود من بيان تلك املقاصد واحلِ كم املتحققة من‬
‫شرعة الوقف‪ ،‬من خالل ما يلي‪:‬‬
‫املقص�������د األول‪ :‬حتقيق العبودية هلل ‪ :c‬وذلك بفع���ل الطاعات واجتناب‬
‫متعد كانت أعظم أج ًرا‪ ،‬ال س���يما إن‬
‫ٍّ‬ ‫ذات نفع‬
‫املعاصي‪ ،‬وكلما كانت الطاعة َ‬
‫كان النفع متعد ًيا إلى ش���رائح كثيرة من اجملتمع‪ ،‬وإلى جوانب عدة مؤثرة يف‬
‫تنميت���ه‪ ،‬وال أعلم طاعة يجتمع فيها ذل���ك غير الوقف؛ وذلك ألن النفع فيها‬
‫ومستمر للموقِ ف يف حياته وبعد مماته‪ ،‬فأعظم بها من طاعة‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫دائ ٌم‬
‫يقول الش���اطبي‪« :‬املفهوم من وضع الشريعة أن الطاعة أو املعصية تعظم‬
‫بحسب عظم املصلحة أو املفسدة الناشئة»(‪.)1‬‬
‫وحتقيق مبدأ العبودية من خالل الوقف يظهر فيما يلي‪:‬‬
‫‪1.1‬اشترط العلماء ‪-‬كما عند اجلمهور(‪ )2‬من حنفية‪ ،‬وشافعية‪ ،‬وحنابلة‪-‬‬
‫كون اجلهة املوقوف عليها جه َة قربة وطاعة‪ ،‬فأخرجوا بذلك الوقف‬
‫على طائفة األغنياء وغيرهم كما سيأتي‪.‬‬
‫كم���ا أن م���ن الزم كونه طاعة أال يك���ون على معصية؛ وذل���ك ألن الطاعة‬
‫ض���د املعصي���ة‪ ،‬والق���ول بعدم صح���ة الوقف عل���ى املعصية مم���ا اتفق عليه‬
‫((( املوافقات (‪.)298/2‬‬
‫((( انظ���ر‪ :‬املبس���وط (‪ ،)27،43/12‬ش���رح فتح القدي���ر (‪ ،)200/6‬روضة الطالب�ي�ن (‪ ،)319/5‬مغني احملتاج‬
‫(‪ ،)379/2‬املغني (‪ ،)267/6( ،)644/5‬الفروع (‪ ،)586/4‬كشاف القناع (‪.)443/2‬‬

‫‪25‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬


‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬

‫أه ُل العلم(‪)1‬؛ لقول���ه ‪ :e‬ﮋ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﮊ‬


‫[املائدة‪ ،]٢:‬واخلالف إمنا حصل يف صحة الوقف على مكروه‪ ،‬أو مباح‪ .‬وقد‬
‫صححه املالكي ُة(‪)2‬؛ وذلك بناء على أصلهم يف عدم اشتراط ظهور القربة يف‬
‫املوق���وف عليهم‪ ،‬فالوقف عندهم يصح س���واء أظهرت القرب ُة أم لم تظهر(‪،)3‬‬
‫بش���رط أال يكون على معصية ‪-‬كما سبق‪ ،-‬وعلَّة ذلك أن الوقف عندهم من‬
‫‪.‬‬
‫باب العطايا والهبات وليس من باب الصدقات‬
‫(ذمي) أي حتت ذمتنا‪ ،‬وإن‬
‫ّ‬ ‫يقول الزرقاني‪(« :‬و) صح ٌ‬
‫وقف من مسلم على‬
‫لم يكن له كتاب ‪( ...‬وإن لم تظهر قربة) كعلى أغنيائهم؛ ألن الوقف من باب‬
‫العطايا والهبات‪ ،‬ال من باب الصدقات ‪.)4(»...‬‬
‫والراج���ح يف هذه املس���ألة عدم صحة الوقف عل���ى مكروه أو مباح؛ وذلك‬
‫ألن الوقف ُش���رع لتحصيل الثواب‪ ،‬فإذا لم يكن على ِب ٍّر لم يحصل مقصوده‬
‫الذي ُشرع ألجله‪.‬‬
‫يقول ش���ي ُخ اإلس�ل�ام ابن تيمية‪ ... « :‬ولكن تنازعوا يف الوقف على جهة‬
‫مباحة‪ ،‬كالوقف على األغنياء على قولني مشهورين‪ ،‬والصحيح الذي دل عليه‬
‫ً‬
‫‪-‬أيضا‪-‬؛ ألن اهلل ‪ c‬قال يف مال الفيء‪:‬‬ ‫الكتاب والسن ُة واألصو ُل‪ :‬أنه باطل‬
‫ُ‬
‫ﮋ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮊ [احلش���ر‪ ،]7:‬فأخبر ‪ c‬أنه ش��� َرع ما ذكره؛‬
‫((( انظر‪ :‬مجموع الفتاوى (‪.)47/31‬‬
‫((( والوق���ف عل���ى مك���روه مث���ل‪ :‬أن يوقف على م���ن صلى ركعتني بع���د العصر‪ ،‬وقالوا يف الوق���ف املتفق على‬
‫كراهيته‪ :‬تصرف الغلة إلى جهة قريبة من اجلهة التي وقف عليها‪ .‬انظر‪ :‬الشرح الكبير للدرديري وحاشية‬
‫الدسوقي عليه (‪.)459/5‬‬
‫العدوي على اخلرشي (‪ ،)82/7‬مواهب‬
‫ّ‬ ‫((( انظر‪ :‬الش���رح الكبير وحاش���ية الدسوقي عليه (‪ ،)78/4‬حاش���ية‬
‫اجلليل لشرح مختصر خليل (‪.)33/6‬‬
‫((( شرح الزرقاني على مختصر خليل (‪.)76/7‬‬

‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬ ‫‪26‬‬


‫ً‬
‫وتطبيقا)‬ ‫ً‬
‫(تأصيلا‬ ‫مقاصد الوقف في الشريعة‬

‫لئ�ل�ا يكون الفيء متداولًا بني األغنياء فقط‪ ،‬دون الفقراء‪ ،‬فعلم أنه ‪ c‬يكره‬
‫هذا وينهى عنه ويذمه‪ ،‬فمن جعل الوقف لألغنياء فقط‪ ،‬فقد جعل املال ُدول ًة‬
‫بني األغنياء فيتداولونه بطنًا بعد بطن دون الفقراء‪ ،‬وهذا مضا ٌّد هلل يف أمره‬
‫ودين���ه‪ ،‬ف�ل�ا يجوز ذلك‪ .‬ويف الس�ن�ن عن النبي ﷺ أنه قال‪( :‬ال س���بق إال يف‬
‫خف‪ ،‬أو حافر أو نصل) (‪ .)1‬فإذا كان نهى عن بذل السبق إال فيما يعني على‬
‫الطاع���ة واجلهاد‪ ،‬مع أنه بذل لذلك يف احلياة وهو منقطع غير مؤبد فكيف‬
‫يكون األمر يف الوقف؟!‪ .‬وهذا بيٌنّ يف أصول الشريعة من وجهني‪:‬‬
‫أحدهم�������ا‪ :‬أن ب���ذل املال ال يجوز إال ملنفعة يف الدين أو الدنيا‪ ،‬وهذا أص ٌل‬
‫وحجر عليه عند‬
‫متف���ق عليه ب�ي�ن العلماء‪ ،‬ومن خرج ع���ن ذلك كان س���في ًها ُ‬
‫جمهور العلماء ‪ ...‬فاملباحات التي ال يثيب الشار ُع عليها ال يثيب على اإلنفاق‬
‫وثواب يف الدين‪ ،‬وال‬
‫ٌ‬ ‫فيه���ا والوقف عليه���ا‪ ،‬وال يكون يف الوقف عليها منفعة‪،‬‬
‫خال م���ن انتفاع الواقف‬
‫منفع���ة يف الوق���ف عليها يف الدني���ا‪ ،‬فالوقف عليها ٍ‬
‫يف الدي���ن والدني���ا‪ ،‬فيكون باطلًا‪ ،‬وهذا ظاه���ر يف األغنياء وإن كان قد يكون‬
‫مس���تح ًّبا‪ ،‬ب���ل واج ًب���ا‪ ،‬فإمنا ذاك إذا أعطوا بس���بب غير الغن���ى من القرابة‬
‫واجلهاد والدين ونحو ذلك‪.‬‬
‫فأما إن جعل سبب االستحقاق هو الغنى‪ ،‬وتخصيص الغنى باإلعطاء مع‬
‫مش���اركة الفقير له يف أس���باب االستحقاق س���وى الغنى‪ ،‬مع زيادة استحقاق‬
‫الفقي���ر علي���ه‪ ،‬فه���ذا مم���ا يعلم باالضط���رار يف كل مل���ة أن اهلل ال يحبه وال‬

‫والترمذي يف كتاب اجلهاد‪ ،‬باب ما جاء‬


‫ّ‬ ‫((( أخرجه أبو داود يف كتاب اجلهاد‪ ،‬باب يف السبق‪ ،‬برقم (‪.)2210‬‬
‫يف الرهان والس���بق‪ ،‬برقم (‪ ،)1622‬والنس���ائي يف كتاب اخليل‪ ،‬باب الس���بق‪ ،‬برقم (‪ ،)3530‬وابن ماجه يف‬
‫األلباني يف صحيح أبي داود يف رقم (‪.)2574‬‬
‫ُّ‬ ‫كتاب اجلهاد باب السبق والرهان‪ ،‬برقم (‪ ،)2869‬وصححه‬

‫‪27‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬


‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬

‫يرضاه‪ ،‬فال يجوز اشتراط ذلك يف الوقف ‪.)1(»...‬‬


‫ً‬
‫‪-‬أيضا‪ -‬من خالل الوقف يف حتقيقه‬ ‫‪2.2‬ويظهر حتقيق مقصد العبودية‬
‫مقص ًدا آخر‪ ،‬وهو خروج املكلف عن داعية هواه حتى يكون عب ًدا هلل‬
‫اختيا ًرا كما هو عبدله اضطرا ًرا(‪.)2‬‬
‫وبي�������ان ذلك‪ :‬أن النفوس ُجبلت على حب امل���ال؛ كما قال ‪ :c‬ﮋ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﮊ [الفج���ر‪ ،]٢٠:‬وقال ‪ :b‬ﮋ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﮊ [آل عمران‪.]١٤ :‬‬
‫والواقف بوقفه قد تغلب على هواه وحبه للتملك بإخراج ذلك املوقوف من‬
‫ملكه إلى ملك اهلل ‪ ،b‬فيتحقق بذلك مقصود الشارع‪.‬‬
‫الرأس���مالي الغربي وما‬
‫ّ‬ ‫وللتنبي�������ه‪ :‬فإن العلة األساس���ية يف ظهور النظام‬
‫فيه من شرور ومفاسد هي اجلشع وشح النفس والبخل بحقوق الفقراء‪ ،‬كما‬
‫قلوب‬
‫َ‬ ‫الشرقي هي ما أصاب‬
‫ّ‬ ‫الش���يوعي‬
‫ّ‬ ‫أن العل َة األساس���ي َة يف ظهور النظام‬
‫الفقراء واألُجراء من أمراض احلسد واحلقد بسبب احلرمان(‪.)3‬‬
‫والوقف مع الزكاة والتبرعات اخليرية يحقق املنه َج الوسط‪ ،‬ويسهم يف حترير‬
‫الفطري‬
‫ّ‬ ‫طوعا من حب سيطرة أصحابها‬
‫رؤوس األموال العينية والنقدية؛ جب ًرا أو ً‬
‫لها‪ ،‬فبينما تتجه أموا ُل الزكاة إلى مصارفها احملدودة ً‬
‫شرعا‪ ،‬يعمل تنظي ُم الوقف‬
‫عل����ى حتويل رؤوس األموال من أحباس عاطلة مكتنزة لدى أصحابها‪ ،‬بعيدة عن‬
‫التنموي‪ ،‬من خالل جوانب محدودة‬
‫ّ‬ ‫اإلسهام يف التنمية إلى أوقاف حتقق اجلانب‬
‫((( مجموع الفتاوى لشيخ اإلسالم ابن تيمية (‪.)36-31/31‬‬
‫((( انظر‪ :‬املوافقات للشاطبي (‪.)168/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬املقاصد العامة للشريعة اإلسالمية للدكتور يوسف العالم (‪.)536‬‬

‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬ ‫‪28‬‬


‫ً‬
‫وتطبيقا)‬ ‫ً‬
‫(تأصيلا‬ ‫مقاصد الوقف في الشريعة‬

‫اجتماعية واقتصادية وبشرية ومادية(‪.)1‬‬


‫ُ‬
‫التفريط فيه‬ ‫كم���ا أن امل���ال ملـّا كان محب ًبا إلى النفوس‪ ،‬ويصعب على املرء‬
‫فقد ش���رع اإلس�ل�ا ُم حب���س عني املال والتص���دق مبنفعت���ه‪ ،‬ويف هذا حتقيق‬
‫لرغب���ة اإلنس���ان وموائم���ة ملا ُجبل عليه من حرص عل���ى املال؛ حيث إن عني‬
‫امل���ال باقي��� ٌة ليس ألحد التصرف فيها‪ ،‬كما أن يف ذلك حتقي ًقا لنفع اآلخرين‬
‫بريع هذا املال ومراعاة حلالهم‪.‬‬
‫املقصد الثاني‪ :‬الدوام واالستمرار على العمل الصالح‪.‬‬
‫ومما يدل على هذا املقصد قوله ﷺ يف احلديث الشريف‪( :‬إن اهلل يحب‬
‫م���ن األعم���ال ما كان دمية) (‪ ،)2‬وقوله ﷺ‪( :‬إن أحب األعمال إلى اهلل أدومها‬
‫وإن قل) (‪.)3‬‬
‫وه���ذا املقصد يتحقق جل ًّيا يف الوقف؛ وذلك بتحبيس األصل مما يضمن‬
‫له البقاءُ مدة طويلة‪ ،‬فتدوم منفعته وتعم فائدته للموقوف عليهم‪ ،‬ويف املقابل‬
‫دوام الث���واب للموقِ ���ف‪ ،‬ويؤكد هذا املقصد ما ذهب إليه الفقهاءُ يف عدد من‬
‫الفروع الفقهية كما سيأتي يف املبحث القادم‪.‬‬
‫ومن أجل بقاء املال املوقوف قام الش���ر ُع بحفظه وصيانته وس���ن الشرائع‬
‫الت���ي حتق���ق مصاحله‪ ،‬وحتفظه من عبث العابثني‪ ،‬وتكليف من يقوم مبتابعة‬
‫أموره وش���ؤونه‪ ،‬واش���ترطت فيه األمانة‪ ،‬وحس���ن التصرف‪ ،‬وبينت العقوبات‬

‫الكويتي يف إطار استثمارية وتنمية املوارد الوقفية للدكتورة إقبال عبدالعزيز املطوع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫((( انظر‪ :‬مشروع قانون الوقف‬
‫((( أخرجه البخاري يف كتاب الرقاق‪ ،‬باب القصد واملداومة على العمل‪ ،‬برقم (‪ .)5985‬ومسلم يف كتاب صالة‬
‫املسافرين وقصرها‪ ،‬باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره‪ ،‬برقم (‪.)1304‬‬
‫((( أخرجه البخاري يف كتاب الرقاق‪ ،‬باب القصد واملداومة على العمل‪ ،‬برقم (‪ .)5984‬ومسلم يف كتاب صالة‬
‫املسافرين وقصرها‪ ،‬باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره‪ ،‬برقم (‪.)1305‬‬

‫‪29‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬


‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬

‫املترتبة على تقصيره‪ ،‬من عزل أو ضمان‪.‬‬


‫املقصد الثالث‪ :‬تيس�������ير تداول األموال بني آحاد األمة(‪ :)1‬بحيث أال تكون‬
‫طائف��� ٌة معين���ة يتلقاها الفر ُع عن أصله؛ ق���ال ‪ :b‬ﮋ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞﮊ [احلشر‪.]٧:‬‬
‫والتداول يف الوقف يتحقق يف أمرين‪:‬‬
‫‪1.1‬ت���داول املنفعة وهي حاصلة بالوقف م���ن املالك إلى املوقوف عليهم؛ ألن‬
‫املقص���ود من ت���داول املال التوصل إل���ى املصالح واملناف���ع‪ ،‬وقد حتققت‬
‫بتداول املنفعة‪.‬‬
‫الفقهي‪-‬‬
‫ّ‬ ‫‪2.2‬اس���تثمار الوقف أو اس���تثمار موارده ‪-‬كما جاء يف قرار اجملمع‬
‫مما يوسع دائرةَ تداول املال واملنفعة للمستثمر واملستثمر لهم(‪. )2‬‬
‫اخليري أو الوقف العام يحصل انتقا ٌل للمال بالتداول املذكور من‬
‫ّ‬ ‫وبالوقف‬
‫األصل إلى غير فرعه؛ رغبة ومحبة للخير‪ ،‬كما أن املوقوف عليهم يتعدد أفرا ُدهم‬
‫ويتغير بتغير ش���رط الواقف يف حقهم‪ ،‬فالوقف يدور مع شرطه حال العدم‪.‬‬
‫وما س���بق من جواز اس���تثمار الوقف فيه ر ٌّد على بع���ض علماء االقتصاد‬
‫الذي���ن ي���رون أن الوق���ف مينع من التص���رف يف األموال‪ ،‬ويخ���رج الثروة من‬
‫التعامل والتداول إلى الركود االقتصادي(‪.)3‬‬
‫((( انظ���ر‪ :‬بح���وث يف مكان���ة الوقف وأثره يف الدعوة (‪ ،)488-487/1‬واملقاصد العامة للش���ريعة اإلس�ل�امية‬
‫للدكتور يوسف العالم (‪.)497‬‬
‫((( انظر‪ :‬قرار رقم‪ )15/6(140‬مجلة مجمع الفقه اإلسالمي العدد اخلامس عشر (‪.)525/3‬‬
‫((( انظ���ر‪ :‬أث���ر الوقف يف التنمية االقتصادية للدكت���ور عبداللطيف العبداللطيف (‪ ،)103‬ضمن بحوث مؤمتر‬
‫األوقاف األول بعنوان‪ :‬أثر الوقف يف تنمية اجملتمع‪ .‬وانظر ألثر الوقف يف دعم االقتصاد‪ ،‬بحث د‪ .‬راش���د‬
‫بن أحمد العليوي بعنوان‪( :‬الصيغ احلديثة الس���تثمار الوقف وأثرها يف دعم االقتصاد)‪ ،‬والبحث منش���ور‬
‫ضمن بحوث ندوة مكانة الوقف وأثره يف الدعوة والتنمية (‪.)1174-1172/2‬‬

‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬ ‫‪30‬‬


‫ً‬
‫وتطبيقا)‬ ‫ً‬
‫(تأصيلا‬ ‫مقاصد الوقف في الشريعة‬

‫ً‬
‫‪-‬أيضا‪ -‬بأن الوقف من مصال���ح البر واخلير‪ ،‬وال ميكن‬ ‫كم���ا يرد عليه���م‬
‫مادي فقط؛ ذلك أن غايات األمة ليست مادية‬
‫ٍّ‬ ‫قياس كل من األمور مبقياس‬
‫بحت���ة؛ إذ إن هن���اك مصالح عامة دينية واجتماعية وثقافية ال ميكن حتققُها‬
‫إال بتجميد طائفة من العقارات واألموال عليها لتكون أماك َن للعبادة والتعليم‬
‫والثقافة واالستشفاء وغير ذلك(‪.)1‬‬
‫عموما‪ ،‬ويف الوقف‬
‫ً‬ ‫املقص�������د الرابع‪ :‬من مقاصد الش�������ريعة يف املعام���ل���ات‬
‫ُ‬
‫األوقاف بعيد ًة عن مواطن املنازعات‬ ‫خاص�������ة‪ :‬مقصد الوضوح(‪ :)2‬حتى تكون‬
‫واخلصومات؛ وذلك باإلش���هاد‪ ،‬والتوثيق عليه���ا‪ ،‬وترجع أهمية هذا املقصد‬
‫يف ش���رعة الوقف ملا ميتاز به الوقف من حتبيس لألصل‪ ،‬فهو ُش���رع ليبقى‬
‫مدة طويلة‪ ،‬وقد يكون مظنة لطروء النسيان والغفلة‪ ،‬ورمبا اإلنكار واجلحود‪،‬‬
‫أو التع���دي علي���ه من اآلخرين‪ ،‬والواقع يش���هد بأن األوق���اف التي اعتنى بها‬
‫أصحابُه���ا بإثباتها وتوثيقها تبقى م���د ًدا طويلة ينتفع بها‪ ،‬وأما األوقاف التي‬
‫قصر أصحابُها يف إثباتها وتوثيقها فإنها سرعان ما تضيع (‪.)3‬‬
‫ّ‬
‫كما تظهر أهمي ُة هذا املقصد يف الوقف يف عدد من الش���روط أو الفروع‬
‫املتعلق���ة به‪ ،‬وم���ن ذلك وجوب كون املوقوف معينًا‪ ،‬وهو ش���رط من ش���روط‬
‫صحة الوقف‪ ،‬فال يصح وقف املبهم‪ ،‬بل ال بد من التعيني‪ ،‬فال يقول‪ :‬وقفت‬
‫أح َد بيتي(‪. )4‬‬
‫أما قول بعض االقتصاديني القائلني‪ :‬إ ّن الوقف غي ُر مالئم ومستحسن إلدارة‬
‫((( انظر‪ :‬املصدر السابق‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬املقاصد العامة للشريعة اإلسالمية للدكتور يوسف العالم (‪.)521‬‬
‫((( انظر‪ :‬بحوث ندوة الوقف والقضاء (‪.)40/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬الشرح املمتع البن عثيمني (‪ ،)16/11‬أحكام الوقف يف الشريعة للكبيسي (‪.)309/1‬‬

‫‪31‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬


‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬

‫األم����وال نظ ًرا النتفاء املصلحة الش����خصية لنظار الوقف مم����ا يؤدي إلى إهمال‬
‫العق����ارات املوقوفة وعدم االهتمام بإصالحها(‪ ،)1‬فيمكن أن يرد عليهم أن اختيار‬
‫القائمني على األعمال الوقفية من األ ْكفاء ليس ًّ‬
‫خاصا بالوقف وحده بل يش����مل‬
‫كل أعم����ال الدول����ة؛ إذا يج����ب اختيا ُر نُظ����ار الوقف املتصفني باألمان����ة والقدرة‬
‫واملسؤولية‪ ،‬والعمل على ما يكفل حتقق ذلك من إشراف ورقابة من قِ بل الدولة‪.‬‬
‫وهذا األمر كان ومازال يؤرق بعض احلكومات واملؤسس���ات الوقفية‪ ،‬وقد‬
‫الفقهي املعقود بشأن االستثمار يف الوقف‪-4 ...« :‬‬
‫ّ‬ ‫ورد يف توصيات اجملمع‬
‫دعوة الهيئات املتخصصة لوضع معايير شرعية ومحاسبية للتدقيق الشرعي‬
‫واإلداري يف أعمال الناظر‪ ،‬س���واء أكان فر ًدا أم جماع ًة أم مؤسس��� ًة‬
‫ّ‬ ‫واملالي‬
‫ّ‬
‫أم وزار ًة‪ .‬وينبغي أن تخضع إدارة الوقف لقواعد الرقابة الش���رعية واإلدارية‬
‫واملالية واحملاسبية‪ )5 .‬ضرورة وضع ضوابط معيارية لنفقات الوقف؛ سواء‬
‫أكان���ت تس���ويقية أم إعالمية أم إدارية‪ ،‬أم أج���و ًرا‪ ،‬أم مكافآت لتكون مرج ًعا‬
‫عند الرقابة والتفتيش وتقومي األداء»(‪.)2‬‬
‫املقصد اخلامس‪ :‬من مقاصد الشريعة العامة واملتحققة يف الوقف‪ :‬العدل(‪.)3‬‬
‫والع���دل إذا ظه���رت أماراتُ���ه وتبني وج ُه���ه بأي طريق كان فثم ش���ر ُع اهلل‬
‫بعض العلماء(‪ )5‬إحدى الضرورات التي‬
‫ودينه(‪ )4‬كما يقول ابن القيم‪ ،‬وقد جعله ُ‬
‫((( انظر‪ :‬أثر الوقف يف التنمية االقتصادية للدكتور عبداللطيف العبداللطيف (‪.)104-103‬‬
‫((( مجلة مجمع الفقه اإلسالمي‪ ،‬العدد اخلامس عشر (‪.)528/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬املقاصد العامة للشريعة اإلسالمية ليوسف العالم (‪.)527‬‬
‫((( انظر‪ :‬أعالم املوقعني (‪ ،)373/4‬الطرق احلكمية (‪ ،)19‬بدائع الفوائد (‪.)674/3‬‬
‫((( يقول الدكتور يوس���ف البدوي يف كتابه مقاصد الش���ريعة عند ابن تيمية (‪« :)250‬وهذه النظرة قد برزت‬
‫عن���د بع���ض املعاصرين فزادوا على املقاصد اخلمس���ة مقاصد أخرى كالعدل‪ ،‬وحرية التفكير‪ ،‬واملس���اواة‪،‬‬
‫والسماحة‪ ،‬وغير ذلك»‪.‬‬

‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬ ‫‪32‬‬


‫ً‬
‫وتطبيقا)‬ ‫ً‬
‫(تأصيلا‬ ‫مقاصد الوقف في الشريعة‬

‫ٍ‬
‫اس���تقامة‪،‬‬ ‫يج���ب احملافظ ُة عليها؛ بحيث لو ُفقد لم جتر مصالح الدنيا على‬
‫ٍ‬
‫فساد وتهارج وفوت حياة‪ ،‬ويف األخرى فوت النجاة والنعيم‪ ،‬والرجوع‬ ‫بل على‬
‫باخلسران املبني(‪. )1‬‬
‫وحتقيق مقصد العدل يف األموال يكون يف مسلكني(‪:)2‬‬
‫األول‪ :‬طلب اإلنفاق احملمود‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬طلب الكف عن اإلمساك املذموم‪ ،‬والنهي عن اإلسراف والتبذير‪،‬‬
‫يتب�ي�ن ذلك من خ�ل�ال قول���ه ‪ :b‬ﮋ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﮊ [اإلسراء‪ ،]٢٩:‬وقوله ﷺ‪( :‬ألن تذر ورثتك أغنياء‬
‫خي ٌر من أن تذرهم عال ًة يتكففون الناس)(‪. )3‬‬
‫أم���ا بي���ان وأهمية هذا املقص���د يف الوقف خاصة فيظه���ر يف أحد أنواع‬
‫الوق���ف‪ ،‬وه���و الوقف ال ُّذري؛ إذ إن اجملوزين له ش���رطوا لصحته‪ :‬أال يقصد‬
‫ُ‬
‫الواق���ف ب���ه حرما َن بعض الورثة من حقه يف التركة كله أو بعضه؛ ملا يف ذلك‬
‫من اإليذاء والظلم(‪.)4‬‬
‫كم���ا تظه���ر أهمي ُة مراعاة هذا املقصد من خالل م���ا ذكره أه ُل العلم من‬
‫وج���وب احملافظ���ة عل���ى األموال املوقوف���ة‪ ،‬ممن يريد أن يتع���رض إلتالفها‪،‬‬

‫((( انظر‪ :‬املوافقات للشاطبي (‪.)8/2‬‬


‫((( انظر‪ :‬املقاصد العامة للشريعة اإلسالمية ليوسف العالم (‪.)548‬‬
‫((( أخرج���ه البخ���اري يف كتاب اجلنائز‪ ،‬باب رثاء النبي ﷺ س���عد بن أبي وقاص‪ ،‬برقم (‪ .)1213‬ومس���لم يف‬
‫كتاب الوصية‪ ،‬باب الوصية بالثلث‪ ،‬برقم (‪.)3076‬‬
‫((( انظر‪ :‬مجلة املنار اجمللد [‪ )729/19( ]6‬مقال بعنوان‪( :‬الوقف من الدين)‪ ،‬وللشيخ محمد بن عبدالوهاب‬
‫رس���ال ٌة مش���هورةٌ يبطل فيها الوقف ال ُّذري‪ ،‬وأسماه «وقف اجلنف»‪ ،‬وهي منشورة ضمن كتاب الدرر السنية‬
‫يف األجوبة النجدية (‪ )256/5‬وما بعدها‪ .‬أما ش���يخ اإلس�ل�ام ابن تيمية كما يف مجموع الفتاوى (‪)11/31‬‬
‫فقد نقل اتفا َق أئمة املسلمني اجملوزين للوقف بجوازه‪ ،‬وأنه أم ٌر قدمي من زمن الصحابة والتابعني‪.‬‬

‫‪33‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬


‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬

‫وبينوا العقوبات املترتبة على تلك االعتداءات(‪.)1‬‬


‫املقصد السادس‪ :‬التعاون والتكافل االجتماعي‪.‬‬
‫واضحا يف اجلوانب الدينية والتعليمية‬
‫ً‬ ‫يب���دو أث ُر هذا املقصد يف الوقف‬
‫واالجتماعي���ة والصحية واالقتصادي���ة والعمرانية والعس���كرية‪ ،‬وغيرها من‬
‫ُ‬
‫الوقف‪ ،‬وهو بقيام���ه على تلك اجلوانب يس���اعد يف‬ ‫األم���ور الت���ي يقوم به���ا‬
‫املال���ي امللقى على عات���ق الدولة يف اإلنفاق الع���ام على تلك‬
‫ّ‬ ‫تخفي���ف الع���بء‬
‫اجلوانب(‪.)2‬‬
‫ثم إن الوقف بتنوع خدماته التي يقدمها‪ ،‬من مصالح ضرورية‪ ،‬أو حاجية‪،‬‬
‫أو حتس���ينية(‪ ،)3‬جعل���ه ميتاز عن غيره م���ن القربات والطاع���ات بقيامه مبا‬
‫يحتاج إليه العبداملكلف يف دينه ودنياه‪.‬‬
‫وأ ّما كون الوقف يحقق املصالح الضرورية فظاهر‪ ،‬وميكن بيا ُن شيء من‬
‫أثره يف حفظ الدين؛ وذلك بوقف املساجد‪ ،‬ودور العلم‪ ،‬والوقف على العبادات‬
‫املتنوع���ة؛ كاجلهاد‪ ،‬واإلفطار للص���وام‪ ،‬وغيرها‪ ،‬ومن آثاره يف حفظ النفس‪:‬‬
‫إنش���اء املستش���فيات‪ ،‬ودور العجزة واألرامل واأليتام بتوفير ما يحتاجونه من‬
‫((( انظر‪ :‬احلماية اجلزائية للتعدي على األوقاف وتطبيقاتها يف اململكة العربية السعودية –بحث ماجستير‪-‬‬
‫د‪ .‬دباس بن محمد الدباسي‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬أثر الوقف يف التنمية االقتصادية للدكتور عبداللطيف العبداللطيف (‪.)108-107‬‬
‫((( الضروريات هي‪ :‬التي ال بد فيها من قيام مصالح الدين والدنيا؛ بحيث إذا فقدت لم جتر مصالح الدنيا‬
‫على اس���تقامة‪ ،‬بل على فس���اد وتهارج وفوت حياة‪ ،‬ويف األخرى فوت النجاة والنعيم‪ ،‬والرجوع باخلس���ران‬
‫املب�ي�ن‪ ،‬أم���ا احلاجيات‪ ،‬أو املقاص���د احلاجية فهي‪ :‬ما افتُقر إليها من حيث التوس���عة ورفع الضيق املؤدي‬
‫يف الغال���ب إل���ى احل���رج واملش���قة الالحقة بفوت املطل���وب‪ ،‬فإذا لم ت���را َع دخل على املكلف�ي�ن على اجلملة‬
‫احلرج واملش���قة‪ ،‬ولكنه ال يبلغ مبلغ الفس���اد العادي املتوقع يف املصالح العامة‪ .‬أما التحسينات أو املقاصد‬
‫التحس���ينية فه���ي‪ :‬األخ���ذ مبا يليق من محاس���ن العادات‪ ،‬وجتنب األحوال املدنس���ات الت���ي تأنفها العقو ُل‬
‫الراجحات‪ ،‬ويجمع ذلك قس ُم مكارم األخالق‪ .‬انظر املوافقات للشاطبي (‪.)8/2‬‬
‫ُ‬

‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬ ‫‪34‬‬


‫ً‬
‫وتطبيقا)‬ ‫ً‬
‫(تأصيلا‬ ‫مقاصد الوقف في الشريعة‬

‫ضرورات البقاء كاملأكل واملش���رب واملس���كن‪ ،‬وهذا وإن كان مقص ًدا ضرور ًّيا‬
‫فإنه قد يكون مقص ًدا حاج ًّيا‪ ،‬إن لم يكن الهدف منه إال تخفيف عبء احلياة‬
‫ومش���قتها عن تلك الفئات‪ .‬أما أثره يف حفظ النس���ل والنس���ب من التعطيل‬
‫فيظه���ر بالوقف عل���ى راغبي الزواج إما باملس���اعدات املالي���ة النقدية‪ ،‬وإ ّما‬
‫بالعيني���ة‪ ،‬م���ن أثاث أو مس���كن‪ .‬أما أثره يف حفظ العق���ل‪ ،‬فيظهر يف الوقف‬
‫عل���ى ُدور التعليم التي ه���ي كذلك تهذب العقول‪ ،‬وتوس���ع مداركها وتصونها‬
‫م���ن الوق���وع يف الزلل(‪ ،)1‬وك���ذا األوق���اف اخلاصة مبعاجل���ة مدمني اخلمر‬
‫واخملدرات‪ .‬أما أثره يف حفظ املال فقد ال تكون ظاهر ًة يف الزمن األول‪ ،‬بكون‬
‫مقصود الواقفني يف الوقف غال ًبا هو استغالله بأفضل وسيلة‪ ،‬وليس تنميته‬
‫واستثماره‪ ،‬وزيادة أصوله‪ ،‬وكانت األوقاف يف الغالب عبار ًة عن بيوت قدمية‪،‬‬
‫ممتلكات الوقف ممثل ًة‬
‫ُ‬ ‫وأموال يس���يرة‪ ،‬أما بعد ظهور النفط‪ ،‬فقد أصبحت‬
‫يف اجملمعات التجارية والبنايات االستثمارية‪ ،‬مما أتاح الفرص االستثمارية‪،‬‬
‫التي يحسن استثمارها‪ ،‬وهذا األمر أصبح موط َن اهتمام العلماء الشرعيني‪،‬‬
‫واالقتصاديني‪ ،‬وقد قامت املؤسس���ات اخليرية املعاصرة بواجباتها وشاركت‬
‫يف النهضة االقتصادية بالتفنن يف طرح املش���اريع الوقفية‪ ،‬متجاوزة يف ذلك‬
‫عقبة ش���روط الواقف‪ ،‬بطرح ش���روطها املنطلقة من جلانها الش���رعية‪ ،‬ومن‬
‫تفه���م العصر وحاجاته‪ ،‬واش���ترطت هي ملن يرغ���ب بالوقف عن طريقها حق‬
‫االستثمار مبا يعود للوقف باملنفعة‪ ،‬وإن آخر ما وقفت عليه من تلك املشاريع‬
‫الوقفي)‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ما تطرحه مؤسسة مكة املكرمة اخليرية يف مشروعها (سهم النور‬
‫وقفي بقيمة ‪ 450‬ريال للس���هم‪ ،‬تس���تثمر‬
‫ٌّ‬ ‫وق���د ج���اء يف بيانه أنه‪« :‬مش���روع‬

‫((( انظر‪ :‬مقاصد الشريعة يف مجال الوقف للدكتور إبراهيم البيومي غامن (‪.)458‬‬

‫‪35‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬


‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬

‫بحرفية وأمانة وحتت رقابة ش���رعية وفنية يف مشاريع متنوعة حتقق عوائد‬
‫مجزي���ة‪ ،‬وحتافظ على قيمة الس���هم‪ ،‬وتؤ ّمن ري ًعا مس���تم ًّرا يخصص لتمويل‬
‫(‪. )1‬‬
‫إنتاج وطباعة املصحف الشريف لك ولوالديك ‪»...‬‬
‫وأخي��� ًرا فإن الوق���ف كما أنه يحق���ق املصالح الضروري���ة واحلاجية فإنه‬
‫يحقق املقاص َد التحسينية؛ كالوقف على املرافق العامة‪ ،‬أو صيانتها للحفاظ‬
‫عليها‪ ،‬أو إيجاد وسائل تُظهر األُم َة باملظهر الالئق بها أمام األمم األخرى(‪.)2‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫اإلسالمي‬
‫ّ‬ ‫أهم القواعد المقاصدية المؤثرة في أحكام الوقف‬

‫تع���د املقاص ُد الش���رعية من أهم العل���وم التي يجب على الفقي���ه إدرا ُكها‬
‫صحيحا يتوافق مع‬
‫ً‬ ‫واإلملام بها‪ ،‬فهي تعينه على فهم األحكام الشرعية فه ًما‬
‫روح الش���ريعة‪ ،‬فاجملته���د ال ميكن أن يفرغ النصوص الش���رعية من فحواها‬
‫املقاصدي���ة الت���ي أرادها الش���ار ُع م���ن تش���ريع احلِ كم‪ ،‬وإال وق���ع يف الضيق‬
‫والقصور‪.‬‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪« :r‬ولتكن همته فه َم مقاصد الرسول ﷺ‬
‫يف أمره ونهيه وسائر كالمه‪ ،‬فإذا اطمأن قلبُه أن هذا هو مراد الرسول فال‬
‫يعدل عنه فيما بينه وبني اهلل تعالى‪ ،‬وال مع الناس إذا أمكنه ذلك»‬
‫(‪.)3‬‬

‫ومم���ا س���بق تتبني لنا أهمي��� ُة العلم بتلك القواع���د املقاصدية‪ ،‬وأثرها يف‬

‫((( انظر‪.www.sahmalnour.org :‬‬


‫((( انظر‪ :‬الوقف مفهومه ومقاصده للدكتور عبدالوهاب أبو سليمان (‪ . )680‬‬
‫((( مجموع الفتاوى (‪.)664/10‬‬

‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬ ‫‪36‬‬


‫ً‬
‫وتطبيقا)‬ ‫ً‬
‫(تأصيلا‬ ‫مقاصد الوقف في الشريعة‬

‫الترجي���ح بني األقوال اخملتلفة‪ ،‬وقبل احلدي���ث عن تلك القواعد املقاصدية‪،‬‬


‫جت���در اإلش���ارة إل���ى التنبيه أن ثم���ة عالقة قوية ب�ي�ن القواع���د املقاصدية‬
‫والقواعد الفقهية‪.‬‬
‫ف���إذا علمنا ‪-‬مثل‪ -‬أن أدل ًة متضافر ًة دلت على رفع احلرج يف الش���ريعة‪،‬‬
‫ول���ذا نعلم أن الش���ارع قاص ٌد قط ًعا إلى رفع احلرج ع���ن املكلفني‪ ،‬وقد تفرع‬
‫عن هذا القصد مجموع ٌة من القواعد الفقهية؛ مثل قاعدة‪« :‬املش���قة جتلب‬
‫التيسير»‪ .‬وقاعدة‪« :‬الضرورات تبيح احملظورات»‪ ،‬وقاعدة‪« :‬األمر إذا ضاق‬
‫اتسع»‪ ،‬وقاعدة‪« :‬احلاجة تنزل منزلة الضرورة»‪ .‬وغيرها من القواعد‪ ،‬وهذه‬
‫القواعد الفقهية ميكن جعلها قواعد مقاصدية ما دام أنها تعبر عن مقاصد‬
‫ش���رعية‪ ،‬عالوة عل���ى كونها قواع َد فقهي ًة‪ ،‬فهي فقهي ٌة من جهة كش���فها عن‬
‫حكم ش���رعي متعلق بأفعال املكلفني‪ ،‬وتكون مقاصدي ًة من جهة تعبيرها عن‬
‫غايات التشريع من وراء أحكامه وتبيينها حلكمه ومقاصده التي توخاها من‬
‫(‪.)1‬‬
‫تشريعه‬
‫بيان ألهم تلك القواعد املقاصدية‬
‫إذا ُعلم ذلك فلنش���رع يف املقصود من ٍ‬
‫يف أحكام الوقف اإلسالمي‪:‬‬
‫قصده موافقً ا لقصد‬
‫ُ‬ ‫القاعدة األولى‪ :‬قصد الش�������ارع م�������ن املكلف أن يكون‬
‫الشارع يف التشريع(‪:)2‬‬
‫اتفق الفقهاءُ على أن أحكام األوقاف منوط ٌة بألفاظ الواقفني دائ ًما إال إذا‬
‫ُعرفت مقاص ُدهم؛ كأن اطردت عادة زمنهم بأشياء مخصوصة فتنزل عليها‬
‫((( انظر‪ :‬القواعد األصولية الفقهية وعالقتها مبقاصد الش���ريعة اإلس�ل�امية للدكتور عبدالرحمن الكيالني‬
‫(‪.)249‬‬
‫((( انظر‪ :‬املوافقات (‪.)331/2‬‬

‫‪37‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬


‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬

‫ألفاظهم‪ ،‬وقد اش���تهر عند العلماء قولهم‪( :‬نص الواقف كنص الش���ارع)‪ ،‬أو‬
‫قولهم‪( :‬ش���رط الواقف كنص الش���ارع)‪ ،‬أي‪ :‬يف الداللة على مراد الواقف ال‬
‫يف وجوب العمل بها(‪.)1‬‬
‫فاملقص���ود م���ن األلفاظ داللتُها على مراد الناطقني بها‪ ،‬والعمل بها ما لم‬
‫تخالف مقاص َد الشرع يف ذلك‪.‬‬
‫قال الشاطبي‪« :‬كل من ابتغى يف تكاليف الشريعة غير ما ُشرعت له‪ ،‬فقد‬
‫ناقض الش���ريعة‪ ،‬وكل من ناقضها فعمل���ه يف املناقضة باطل‪ ،‬فمن ابتغى يف‬
‫التكاليف ما لم تشرع له فعمله باطل»(‪.)2‬‬
‫وقال ً‬
‫أيضا‪« :‬وضع الش���ريعة وإن كان ملصالح العباد فإمنا هو حس���ب أمر‬
‫الشارع‪ ،‬وعلى احل ّد الذي ح ّده ال على مقتضى أهوائهم وشهواتهم»(‪.)3‬‬
‫فهذه القاعدة تضبط قصد املكلف حتى جتعله متواف ًقا مع قصد الشارع‪،‬‬
‫فه���ي صيغت حلماية مقاصد الش���ارع من مقاصد املكلفني غير املش���روعة‪،‬‬
‫وقد تفرع عن هذه القاعدة مسائ ُل كثيرةٌ منها‪:‬‬
‫‪1.1‬ما له صلة بشروط الواقفني اخملالفة ملقصود الشارع‪.‬‬
‫يقول ش���يخ اإلسالم ابن تيمية‪« :‬الش���روط املشروطة ‪ ...‬إمنا يلزم الوفاء‬
‫الشرعي ‪ ...‬فأما احملافظة على‬
‫ّ‬ ‫بها إذا لم يفض ذلك إلى اإلخالل باملقصود‬
‫بعض الشروط مع فوات املقصود بالشروط فال يجوز»(‪.)4‬‬

‫نصوص الواقف أو نصوص غيره من‬


‫َ‬ ‫((( انظر‪ :‬مجموع الفتاوى (‪ ،)47/31‬وقال يف (‪« :)48/31‬وأما أن جتعل‬
‫العاقدين كنصوص الشارع يف وجوب العمل بها‪ ،‬فهذا كفر باتفاق املسلمني»‪.‬‬
‫((( املوافقات (‪.)334-333/2‬‬
‫((( املوافقات (‪.)172/2‬‬
‫((( مجموع الفتاوى (‪.)16/31‬‬

‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬ ‫‪38‬‬


‫ً‬
‫وتطبيقا)‬ ‫ً‬
‫(تأصيلا‬ ‫مقاصد الوقف في الشريعة‬

‫وق���د قس���م اإلما ُم اب ُن القيم ش���روط الواقفني إلى أربعة ش���روط‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫«وباجلمل���ة فش���روط الواقف�ي�ن أربعة أقس���ام‪ :‬ش���روط محرم ٌة يف الش���رع‪،‬‬
‫وش���روط مكروه ٌة هلل تعالى ورس���وله ﷺ‪ ،‬وشروط تتضمن َ‬
‫ترك ما هو أحب‬
‫إلى اهلل ورس���وله‪ ،‬وشروط تتضمن فعل ما هو أحب إلى اهلل تعالى ورسوله؛‬
‫فاألقس���ام الثالثة األول ال حرمة لها وال اعتبار‪ ،‬والقس���م الرابع هو الشرط‬
‫املتبع الواجب االعتبار وباهلل التوفيق»(‪.)1‬‬
‫ويقول ش���يخ اإلس�ل�ام ابن تيمية مبينًا املستند الشرعي لرد تلك الشروط‬
‫التي قصد أصحابُها إمضاءها وهي غير موافقة لقصد الش���ارع‪ ،‬قال‪« :‬ومن‬
‫أصول���ه ‪-‬أي اإلمام أحمد‪ -‬ما أخرجه البخاري ومس���لم يف الصحيحني عن‬
‫‪-‬أيضا أن رسول اهلل ﷺ خطب على املنبر ملا أراد أهل بريرة أن‬ ‫ً‬ ‫عائشة ‪i‬‬
‫ً‬
‫شروطا ليست‬ ‫يش���ترطوا الوالء لغير املعتق‪ -‬فقال‪( :‬ما بال أقوام يش���ترطون‬
‫ً‬
‫شرطا ليس يف كتاب اهلل فهو باطل‪ ،‬وإن كان مائ َة‬ ‫يف كتاب اهلل؟ من اشترط‬
‫ش���رط‪ ،‬كتاب اهلل أحق‪ ،‬وش���رط اهلل أوثق)(‪ ،)2‬وهذا احلديث الشريف الذي‬
‫اتفق العلماءُ على تلقيه بالقبول‪ ،‬اتفقوا على أنه عا ٌّم يف الش���روط يف جميع‬
‫مخصوصا عند أح���د منهم بالش���روط يف البيع‪ ،‬بل من‬
‫ً‬ ‫العق���ود‪ ،‬لي���س ذلك‬
‫اش���ترط يف الوق���ف أو العتق أو الهبة أو البيع أو الن���كاح أو اإلجارة أو النذر‬
‫ش���روطا تخالف م���ا كتبه اهللُ على عب���اده؛ بحيث تتضمن تلك‬
‫ً‬ ‫أو غي���ر ذلك‬
‫ُ‬
‫الش���روط األم َر مبا نهى اهلل عنه‪ ،‬أو النهي عما أمر به‪ ،‬أو حتليل ما حرمه‪،‬‬
‫أو حترمي ما حلله‪ ،‬فهذه الش���روط باطل ٌة باتفاق املس���لمني يف جميع العقود‪،‬‬
‫((( أعالم املوقعني (‪.)97/3‬‬
‫((( أخرجه البخاري يف كتاب الش���روط‪ ،‬باب الش���روط يف الوالء‪ ،‬برقم (‪ .)2527‬ومس���لم يف كتاب العتق‪ ،‬باب‬
‫إمنا الوالء ملن أعتق‪ ،‬برقم (‪.)2763‬‬

‫‪39‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬


‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬

‫الوقف وغيره ‪»...‬‬


‫(‪. )1‬‬

‫وكثير من املؤسس���ات اخليرية أقامت جلا ًنا ش���رعية لدراس���ة ش���روطها‬


‫للمش���اريع الوقفي���ة‪ ،‬إذا م���ا رغبت يف طرحها للمجتمع‪ ،‬وه���ي بذلك تتجاوز‬
‫احملاذير الشرعية إن وجدت‪ ،‬مع كسب ثقة الواقفني واملتبرعني‪.‬‬
‫‪2.2‬ومم���ا قد يحقق قصد املكلف من وقفه‪ ،‬ويكون مواف ًقا لقصد الش���ارع‬
‫وروح الش���ريعة‪ :‬االلتف���ات إل���ى املعاني‪ ،‬وعدم اجلم���ود على األلفاظ‪،‬‬
‫ومثال ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬لو وقف إنسان دا ًرا وجعله معل ًقا على موته‪ ،‬فهل يجوز له الرجوع عنه؟‬
‫فالراج���ح الذي علي���ه اجلمهو ُر(‪ )2‬صحة الرجوع عن���ه؛ ألن ما هو معلق‬
‫باملوت وصية‪ ،‬والوصية عقد جائز يجوز الرجوع عنه(‪.)3‬‬
‫‪ -‬م���ا أفتت ب���ه اللجن ُة الدائم ُة للبح���وث العلمية واإلفتاء م���ن ع ّد الكتب‬
‫بعض احملسنني أو املؤسسات اخليرية‪ ،‬وق ًفا ال‬
‫واألشرطة التي يوزعها ُ‬
‫يجوز بيعه وال التجارة به‪ ،‬وإن لم يكتب عليها وقف هلل‪ ،‬وأن من استغنى‬
‫عنه���ا دفعها إلى من هو محتاج إليها‪ ،‬وهم بذلك جتاوزوا صورة الهدية‬
‫إلى املعنى املقصود منها وهو الوقف(‪.)4‬‬
‫‪3.3‬ومم���ا يضبط قصد املكلف حت���ى يكون مواف ًقا لقصد الش���ارع إبطا َل‬
‫العمل باحليل اخملالفة للش���رع‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪ :‬لو وقف إنس���ان داره‬

‫((( مجموع الفتاوى (‪.)28-27/31‬‬


‫((( انظ���ر‪ :‬ش���رح فت���ح القدير (‪ ،)207/6‬اخلرش���ي (‪ ،)189/8‬روضة الطالب�ي�ن (‪ ،)332/5‬املغني (‪،)199/6‬‬
‫اإلنصاف (‪.)24/7‬‬
‫((( انظر‪ :‬اإلنصاف (‪.)24/7‬‬
‫((( انظر‪ :‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واالفتاء (‪ )24/16‬ف (‪.)19292‬‬

‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬ ‫‪40‬‬


‫ً‬
‫وتطبيقا)‬ ‫ً‬
‫(تأصيلا‬ ‫مقاصد الوقف في الشريعة‬

‫على نفسه إلسقاط حق الغرماء‪ ،‬مثل أن يكون رجلًا مدينًا‪ ،‬فوقف بيته‬
‫على نفسه لئال يُباع يف َدينه‪.‬‬
‫يقول الش���يخ محمد العثيمني‪« :‬فالوقف هنا غير صحيح‪ ،‬حتى لو فرض‬
‫الدين‪ ،‬فإنه ال يصح الوقف»(‪.)1‬‬
‫أنه وقفه على غير نفسه حيلة أال يباع يف َّ‬
‫القاعدة الثانية‪ :‬القواعد املقاصدية املتعلقة باملصالح واملفاسد‪.‬‬
‫ترج���ع التكاليف كلها إلى مصالح العباد يف دنياهم وآخرتهم(‪ ،)2‬واملصلحة‬
‫«إذا كان���ت ه���ي الغالب���ة عند مناظرتها مع املفس���دة يف حك���م االعتبار فهي‬
‫شرعا‪ ،‬ولتحقيقها وقع الطلب على العباد»(‪.)3‬‬
‫ً‬ ‫املقصود‬
‫وق���د وردت قواع ُد فقهية مقاصدية تضبط للمجتهد عمله عند النظر يف‬
‫تلك املصالح واملفاسد‪.‬‬
‫يقول ش���ي ُخ اإلس�ل�ام ابن تيمية‪« :‬إن الش���ريعة ج���اءت بتحصيل املصالح‬
‫وتكميلها وتعطيل املفاسد وتقليلها‪ ،‬وأنها ترجيح خي َر اخليرين وش َّر الشرين‪،‬‬
‫وحتصيل أعظم املصلحتني بتفويت أدناهما‪ ،‬وتدفع أعظ َم املفسدتني باحتمال‬
‫أدناهما»(‪.)4‬‬
‫وملا كان العم ُل باملصلحة هو مقصد الشريعة األعم‪ ،‬ملا سبق من أن الشرع‬
‫ج���اء لتحصيل املصالح وتكميلها‪ ،‬ودرء املفاس���د وتقليله���ا‪ ،‬فقد جعل العلماءُ‬
‫لفقه املصالح واملفاسد قواع َد عامة‪ ،‬روعي فيها فق ُه املوازنة بينهما‪ ،‬أو بني‬
‫املصالح ذاتها‪ ،‬أو املفاسد‪ ،‬وخالصة ما ذكره أهل العلم يف ذلك‪:‬‬
‫((( الشرح املمتع للشيخ محمد العثيمني (‪.)27/11‬‬
‫((( انظر‪ :‬قواعد األحكام يف مصالح األنام (‪.)62/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬املوافقات للشاطبي (‪.)25/2‬‬
‫((( مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)48/20‬‬

‫‪41‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬


‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬

‫‪1.1‬التوفيق واجلمع بني املصالح ما أمكن‪ ،‬والدفع والدرء للمفاسد‪.‬‬


‫‪2.2‬التغليب والترجيح بني املصالح إذا تعذر اجلم ُع بينهما‪ ،‬فاملصالح العامة‬
‫مقدم ٌة على املصلحة اخلاصة‪ ،‬واملصلحة املتعلقة بحفظ الدين مقدمة‬
‫عل���ى غيرها؛ كحفظ النفس‪ ،‬والعرض‪ ،‬والعقل‪ ،‬واملال(‪ .)1‬أما املفاس���د‬
‫فيراعى أعظمهما بارتكاب أخفهما‪.‬‬
‫‪3.3‬التخيير أو اإلقراع بني املصالح‪ ،‬أو املفاسد عند التساوي‪.‬‬
‫وقد نص الع ُّز على ذلك يف أكثر من موضع‪ ،‬ومن ذلك قوله‪« :‬إذا تساوت‬
‫املصال ُح مع تعذر اجلمع تخيرنا يف التقدمي والتأخير بني املتساويني»(‪.)2‬‬
‫‪4.4‬أما إن تعارضت املصالح واملفاس���د‪ :‬ف���إن أمكن حتصيل املصالح ودرء‬
‫املفاسد فهو املطلوب‪ ،‬وإن لم ميكن حتصيل املصلحة إال بارتكاب شيء‬
‫من املفاس���د فينظ���ر يف هذه احلالة إلى الراج���ح والغالب منهما؛ فإن‬
‫كان الغال���ب املصلحة لم ينظر إلى املفس���دة الالحقة‪ ،‬وإن كان الغالب‬
‫املفسدة لم يُنظر إلى املصلحة(‪.)3‬‬
‫وم���ا س���بق من قواعد يعن���ي أن االعتماد على حتقي���ق املصلحة يصلح أن‬
‫مرجحا يف‬
‫ً‬ ‫يك���ون دليلً���ا يف املس���ائل التي ال نص فيه���ا‪ ،‬كما يصلح أن يك���ون‬
‫األحكام االجتهادية اخلالفية املتعددة يف القضية الواحدة‪.‬‬
‫والعك���س كذلك يف أن االعتماد على حتقق املفس���دة يصلح أن يكون دليلًا‬
‫على عدم شرعية احلكم‪.‬‬
‫((( انظ���ر‪ :‬قواع���د األحكام (‪ )191/2‬اعتبار املآالت للسنوس���ي (‪ ،)448‬وفقه األولويات للوكيلي (‪ ،)235‬وفقه‬
‫األولويات يف املعامالت املالية للعايدي (‪. )43‬‬
‫((( قواعد األحكام (‪ ،)88/1‬وانظر (‪.)62/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬املوافقات للشاطبي (‪. )25/2‬‬

‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬ ‫‪42‬‬


‫ً‬
‫وتطبيقا)‬ ‫ً‬
‫(تأصيلا‬ ‫مقاصد الوقف في الشريعة‬

‫وهذا ليس باألمر السهل؛ إذ إن مقدارها ال يعرف إال بالتقريب‪ ،‬واملرجع‬


‫يف معرف���ة وجودها الظن الغالب‪ ،‬وهي من موارد االجتهاد التي يختلف فيها‬
‫النظر بني اجملتهدين‪ ،‬وتقديرها لهم وليس آلحاد املسلمني‪.‬‬
‫يقول العز بن عبدالسالم‪« :‬ومن املصالح واملفاسد ما ال يعرفه إال ك ُّل ذي‬
‫وطبع مس���تقيم‪ ،‬يعرف بها دقيق املصالح وجلِّيها‪ ،‬وأرجحهما من‬
‫ٍ‬ ‫فهم س���ليم‪،‬‬
‫مرجوحهما‪ ،‬وتفاوت الناس يف ذلك على قدر تفاوتهم فيما ذكرته‪ ،‬وقد يغفل‬
‫احل���اذق األفضل عن بعض ما َّ‬
‫يطلع عليه األخ���رق املفضول‪ ،‬ولكنه قليل»(‪.)1‬‬
‫و«اعتب���ار مقادي���ر املصالح واملفاس���د هو مبي���زان الش���ريعة»(‪ ،)2‬وهو موكول‬
‫للعلماء اجملتهدين كما سبق‪.‬‬
‫وتبقى اإلش���ارةُ إلى مجموعة قواعد فقهية مقاصدية‪ ،‬لها صلة باملصالح‬
‫واملفاسد‪ ،‬ولها آثار يف أحكام الوقف‪ ،‬ومن تلك القواعد‪:‬‬
‫قاعدة‪« :‬اعتبار املآل»‪ ،‬وقاعدة‪« :‬سد الذرائع أو فتحها»؛ حيث إن املصلحة‬
‫قد تؤول إلى مفس���دة‪ ،‬فتُس ُّد ذريعتها‪ ،‬وقد تؤول املفسدة إلى مصلحة فتفتح‬
‫ذريعتها‪ ،‬وبنا ًء على ما تقدم يتضح لنا أن القواعد الس���ابقة هي يف احلقيقة‬
‫نوع من أنواع املصالح‪.‬‬
‫شرعا»(‪.)3‬‬
‫ً‬ ‫يقول الشاطبي‪« :‬النظر يف املآل معتبر مقصود‬
‫وقال ً‬
‫أيضا‪« :‬كل فعل مأذون فيه يصبح غير مأذون فيه إذا آل إلى مفسدة‬
‫املمارس للفعل ذاك املآل أم لم يقصده»(‪.)4‬‬
‫ُ‬ ‫غالبة أو أكثرية‪ ،‬سواء أقصد‬
‫((( قواعد األحكام يف مصالح األنام (‪)161/2‬‬
‫((( مجموع الفتاوى (‪.)129/‬‬
‫((( املوافقات (‪.)194/4‬‬
‫((( املوافقات (‪.)348/2‬‬

‫‪43‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬


‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬

‫«سد الذرائع لتحقيق املصلحة‪ ،‬ودفع املض َّرة أحد أرباع‬


‫ويقول ابن القيم‪َّ :‬‬
‫التكليف فإنه أمر أو نهي‪ ،‬واألمر نوعان‪ :‬أحدهما مقصود لنفس���ه‪ ،‬والثاني‪:‬‬
‫وسيلة إلى املقصود‪ ،‬والنهي نوعان‪ :‬أحدهما ما يكون املنهي عنه مفسدة يف‬
‫نفسه‪ ،‬والثاني‪ :‬ما يكون وسيل ًة إلى املفسدة‪ ،‬فصار س ّد الذرائع املفضية إلى‬
‫احلرام أحد أرباع الدين»(‪.)1‬‬
‫وبع���د بيان ش���يء من اجلانب النظ���ري التأصيلي له���ذه القواعد‪ ،‬ميكننا‬
‫الوقوف على بعض آثارها الفروعية من خالل األمثلة التالية‪:‬‬
‫‪1.1‬لو وقف إنس���ان مبل ًغا من املال لبناء مس���جد ومدرس���ة‪ ،‬واملبلغ ال يكفي‬
‫إال لبن���اء أحدهم���ا‪ ،‬ويف بناء املس���جد مصلحة‪ ،‬كما أن يف بناء املدرس���ة‬
‫مصلحة‪ ،‬وقد تعارضتا يف املبلغ املذكور‪ ،‬وبالنظر إلى مقاصد الش���ريعة‬
‫يف ذلك ميكن القول بأن املصلحة يف ذلك بحسب االحتياج؛ فإذا وجد يف‬
‫بلد مس���جد إلقامة الشعائر أو أكثر عند احلاجة فبناء املدارس والوقف‬
‫عليها يف ذلك البلد أفضل ال محالة‪ ،‬بل ال فضل يف بناء مسجد ال حاجة‬
‫إليه؛ ألن من أغراض الش���ريعة جع َل املس���اجد على ق���در احلاجة لمِ ا يف‬
‫كثرته���ا من تفرق املس���لمني‪ ،‬وهو مضاد ملقصد الش���ريعة‪ ،‬وإذا وجد يف‬
‫بلد مدارس للتعليم‪ ،‬ولم يوجد فيها مسجد إلقامة اجلمعة‪ ،‬فال شك أن‬
‫بناء املسجد يكون حينئذ أفضل؛ لتوقف إقامة الشعائر عليه‪ .‬وإمنا تأتي‬
‫املفاضل���ة يف بلد ال مس���جد فيه وال مدرس���ة‪ ،‬ويحتاج أهل���ه إليهما م ًعا‪،‬‬
‫وحينئذ يظهر أنه يجب االبتداء باملسجد‪ ،‬وميكن أن يُصلى فيه‪ ،‬ويُعلَّم ما‬

‫((( أعالم املوقعني (‪.)125/3‬‬

‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬ ‫‪44‬‬


‫ً‬
‫وتطبيقا)‬ ‫ً‬
‫(تأصيلا‬ ‫مقاصد الوقف في الشريعة‬

‫مكان للتعليم خاص به(‪.)1‬‬


‫ال بُ َّد منه حتى يتيسر بناءُ ٍ‬
‫‪2.2‬مث���ال آخر لتعارض املصلحتني‪ :‬لو وقف مالًا على الفقهاء واحتاج الناس‬
‫إلى اجلهاد فإنه يصرف عليه(‪.)2‬‬
‫مث���ال لتع���ارض مفس���دتني‪ :‬لو أن ناظ��� ًرا خاف على الوقف من الس���رقة‬
‫أو الغص���ب‪ ،‬وحتق���ق يف أن تعييب���ه للوقف يصرف الضرر عن���ه‪ ،‬فله ارتكاب‬
‫أخ���ف الضررين‪ ،‬وهو التعييب‪ ،‬وال يضمن ذلك(‪)3‬؛ لقوله ‪ :b‬ﮋ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﮊ‬
‫[الكهف‪ ،]٧١:‬وهذا بالطبع إن لم يستطع دفع املفسدتني جمي ًعا‪.‬‬
‫ق���ال القرطب���ي‪« :‬يف خرق الس���فينة دلي��� ٌل على أن للول���ي أن ينقص مال‬
‫صالحا؛ مثل أن يخاف على ريعه ظاملـًا فيخرب بعضه»(‪.)4‬‬
‫ً‬ ‫اليتيم إذا رآه‬
‫‪3.3‬مثال آخر لتعارض املفسدتني‪ ،‬وهو عندما تدور منافع الوقف بني التعطيل‬
‫الكلي أو النقصان‪ ،‬بأن يباع الوقف ويش���ترى به من جنس���ه أنقص منه‪،‬‬
‫فحينئذ فاملصلحة يف بيعه بال شك(‪.)5‬‬
‫‪4.4‬أما تعارض املصالح واملفاسد فهي يف احلقيقة ميدان اجملتهدين‪ ،‬وعليه‬
‫((( انظر‪ :‬مجلة املنار‪ ،‬اجمللد [‪ )278/4( ]11‬ربيع اآلخر‪1326‬هـ‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬الدرر السنية يف األجوبة النجدية (‪.)273/5‬‬
‫((( انظر‪ :‬مجموع الفتاوى (‪.)261/31‬‬
‫((( اجلامع ألحكام القرآن للقرطبي (‪.)15/11‬‬
‫((( انظر‪ :‬الدرر الس���نية يف األجوبة النجدية (‪ .)276/5‬وللش���يخ عبدالرحمن بن عبدالقادر فقيه بحثٌ قدمه‬
‫لندوة مكانة الوقف وأثره يف الدعوة والتنمية‪ ،‬واملنعقد يف مكة بعنوان‪ :‬األوقاف يف اململكة العربية السعودية‬
‫‪-‬مشكالت وحلول (‪ .)1515-1510/2‬حتدث فيه عن جتربة شركة مكة لإلنشاء والتعمير‪ ،‬شركة مساهمة‬
‫عام���ة‪ ،‬كيف قامت باس���تثمار ومتويل املمتل���كات الوقفية املهملة والهالكة وغي���ر املنتجة‪ ،‬ونهضت بها‪ ،‬مما‬
‫أدى إلى زيادة عوائدها بش���كل كبير ج ّدًا لصالح املس���تحقني لها‪ ،‬كل ذلك بجداول وأرقام مفصلة‪ ،‬مرف ًقا‬
‫بها بعض الوثائق‪.‬‬

‫‪45‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬


‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬

‫تدور أكث ُر أحكام الوقف‪ ،‬وال ش���ك يف أن املفس���دة إن كانت هي املتحققة‬


‫أو الغالبة فإن التحرمي يلحقها؛ ولذلك جند جمهو َر أهل العلم يصرحون‬
‫يف عدد من املسائل بالتحرمي من أجل ذلك‪ ،‬ومن تلك املسائل(‪ :)1‬الرجوع‬
‫ع���ن الوقف‪ ،‬أو االس���تدانة علي���ه‪ ،‬أو رهنه‪ ،‬أو إعارته‪ .‬أما املس���ائل التي‬
‫تدور بني املصلحة واملفسدة‪ ،‬وتختلف فيها أنظا ُر الفقهاء من القدمي إلى‬
‫وقتنا احلاضر‪ ،‬فاخلالف ما زال ولن يزال –إال أن يشاء اهلل‪ ،-‬ومن تلك‬
‫املس���ائل(‪ :)2‬بيع الوقف‪ ،‬أو نقله‪ ،‬أو اس���تبداله‪ ،‬أو تغييره إن كان ملصلحة‬
‫الوقف‪ ،‬أو حبس منفعته ملصلحة ما(‪ ،)3‬وغيرها من املسائل‪.‬‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ملا ُسئل عن حكم تغيير صورة الوقف‪ ،‬قال‪:‬‬
‫«‪ ...‬وأم���ا تغيي���ر صورة البناء من غير ع���دوان فينظر يف ذلك إلى املصلحة؛‬
‫ف���إن كانت هذه الصورة أصل َح للوق���ف وأهله أُقرت‪ ،‬وإن كان إعادتها إلى ما‬
‫كان���ت عليه أصل���ح أُعيدت‪ ،‬وإن كان بناء ذلك على صورة ثالثة أصلح للوقف‬
‫بُنيت‪ .‬فيتبع يف صورة البناء مصلحة الوقف‪ ،‬ويدار مع املصلحة حيث كانت‪.‬‬
‫وق���د ثب���ت عن اخللفاء الراش���دين ‪-‬كعم���ر وعثمان‪ -‬أنهما ق���د غيرا صورة‬
‫الوقف للمصلحة‪ ،‬بل فعل عمر بن اخلطاب ما هو أبلغ من ذلك؛ حيث حول‬
‫مسج َد الكوفة القدمي فصار سوق الت ّمارين‪ ،‬وبنى لهم مسج ًدا يف مكان آخر‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬ش���رح فتح القدير (‪ )203/6‬وما بعدها‪ ،‬اخلرش���ي على مختصر خليل (‪ )84/7‬وما بعدها‪ ،‬روضة‬
‫الطالبني (‪ )342/5‬وما بعدها‪ ،‬املغني مع الشرح الكبير (‪ )195/6‬وما بعدها‪ ،‬اإلنصاف (‪ )100/7‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( وذل���ك ألن العلم���اء اختلفوا من القدمي يف بيع الوق���ف أو إبداله حتى لو تعطلت منافعه‪ ،‬ومن باب أولى إن‬
‫لم تتعطل بالكلية‪ .‬انظر‪ :‬املصادر الس���ابقة‪ ،‬وندوة الوقف يف الش���ريعة اإلس�ل�امية ومجاالته بحث بعنوان‪:‬‬
‫استبدال الوقف ونقله بني التأييد واملنع للدكتور عبدالعزيز بن مبروك األحمدي (‪.)439/1‬‬
‫((( كأن تك���ون الع�ي�ن املوقوف���ة دا ًرا‪ ،‬أو نحوها واحتاجت إل���ى العمارة‪ ،‬وكان املوقوف علي���ه منتف ًعا بها‪ ،‬وأبى‬
‫عمارتها‪ ،‬فإنها تؤخذ منه ألجل عمارتها‪ .‬انظر‪ :‬مغني احملتاج (‪.)390-389/2‬‬

‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬ ‫‪46‬‬


‫ً‬
‫وتطبيقا)‬ ‫ً‬
‫(تأصيلا‬ ‫مقاصد الوقف في الشريعة‬

‫واهلل أعلم»(‪.)1‬‬
‫والذي يجب أن يعلم أن التشدد يف بعض مسائل الوقف يف الزمن املاضي‬
‫ملصلحة الوقف كانت له أس���باب مقنعة من تس���لط بعض النظار عليه‪ ،‬وعدم‬
‫وج���ود الرقاب���ة الكافي���ة حلمايته‪ ،‬أما األمر يف وقتنا ه���ذا فقد تغير أو على‬
‫تش���ريعات وقوانني‬
‫ٌ‬ ‫أقل تقدير يجب أن يت ّغير فقد أضحت األوقاف حتكمها‬
‫مؤسسات تخضع لإلشراف املباشر من الهيئات اخملتصة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫واضحة‪ ،‬وتديرها‬
‫وقد وقفت على عدد من الصكوك الش���رعية املتعلقة بأوقاف روعي فيها‬
‫مصلحة الوقف‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬س���ؤال القاضي عن س���بب البيع أو االس���تبدال‪،‬‬
‫ووسيلته‪ ،‬واحتياط القاضي للوقف وأهله بالنظر يف صالحية صك التملك‪،‬‬
‫وصك الوقفية والنظارة عليه‪ ،‬وس���ريان مفعوله‪ ،‬ثم عرضه على أهل اخلبرة‬
‫يف القيم���ة الت���ي انتهى إليها‪ ،‬وبع���د اإلذن بالبيع تودع القيمة لدى مؤسس���ة‬
‫شرعي‪ ،‬وهذا فيه احتياط‬
‫ّ‬ ‫النقد حلني شراء البدل‪ ،‬وصدور اإلذن من حاكم‬
‫للوق���ف بعدم تس���ليم الثم���ن للناظر خش���ية التصرف فيه‪ ،‬ث���م جند القضاة‬
‫يطلبون حضو َر البائع إلى مجلس القضاة‪ ،‬وإمتام عملية البيع‪ ،‬وصرف قيمة‬
‫العقار عن طريقهم وليس عن طريق الناظر(‪.)2‬‬
‫وخالصة القول أن الناظر يف أنظمة الوقف‪ ،‬ليطمئن قلبه إلى حسن التصرف‬
‫يف األموال املوقوفة مبا يحقق قصد الواقف‪ ،‬وحماية الشريعة حلقوقه ال بد‬
‫من مراعاة قاعدة املصالح واملفاس���د؛ ألج���ل مصلحة الوقف‪ ،‬ودرء اخملاطر‬
‫عن���ه‪ ،‬ومواكبة تغيرات العصر‪ ،‬بأن تكون حتت ظل هذه القواعد املقاصدية‪.‬‬
‫((( مجموع الفتاوى (‪.)261/31‬‬
‫((( انظ���ر بع���ض تلك القرارات والتعميمات القضائية يف كت���اب‪ :‬الوقف ومبادئ اإلجراءات القضائية للدكتور‬
‫واصل بن داود امل ّذن (‪ )138‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪47‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬


‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬

‫والناظ���ر الي���وم يرى أن األس���واق املالي���ة تطرح قضايا مهم���ة حتتاج إلى‬
‫الفقهي الدقيق لإلجابة‬
‫ّ‬ ‫النظر والتأمل‪ ،‬وتطرح أس���ئل ًة حتتاج إلى االجته���اد‬
‫(أراض)‬
‫ٍ‬ ‫عنها؛ فعلى س���بيل املثال‪ :‬هل ميكن اس���تبدال أصول وأعيان وقفية‬
‫ذات العائد املنخفض واخملاطر القليلة أو املنعدمة‪ ،‬وحتويلها (أعيان الوقف)‬
‫إلى أصول مالية سهلة التسييل والتداول (كاألسهم واألوراق املالية األخرى)‬
‫مجز مع مخاطر أعلى؟ وهل ميكن يف هذه احلال اس���تبدال تلك‬
‫ذات عائ���د ٍ‬
‫األعيان الوقفية جملرد الرغبة يف زيادة العائد والنفع للمستفيدين مع حتمل‬
‫تل���ك اخملاط���ر العالية؟ مع أننا نالحظ بأن ما كان يناقش���ه الفقهاءُ يف صور‬
‫االستبدال هو استبدال أصل بأصل آخر يتماثل يف الغالب يف درجة مخاطره‬
‫االس���تثمارية‪ .‬وهل ميكن اعتبار صيغة االس���تبدال حلًّا مالئ ًما ملا تعاني منه‬
‫كثي��� ٌر من ممتلكات األوقاف من اخلراب‪ ،‬وبخاصة احلاالت التي يعاني منها‬
‫ُ‬
‫الوقف من ندرة يف السيولة وشح يف املوارد؟(‪.)1‬‬
‫كل ذل���ك يج���ب أن يكون محكو ًما بقواعد الش���رع‪ ،‬ومنه���ا قاعدة مراعاة‬
‫املصالح بجلبها‪ ،‬واملفاسد بدفعها ما أمكن‪.‬‬
‫القاعدة الثالثة‪ :‬إن مقصود الشارع يف األعمال دوام املكلف عليها‬
‫سبق يف توضيح مقاصد الشريعة يف الوقف بيان طريقة اختصاص الوقف‬
‫بني القربات بخاصية االس���تمرارية بدوام املوقوف‪ ،‬ومن ثم اس���تمرار األجر‬
‫والثواب املترتب عليه‪.‬‬

‫((( انظ���ر‪ :‬فق���ه الوق���ف ‪-‬قضاي���ا معاصرة‪ ،‬إعداد الدكتور العياش���ي ف���داد‪ -‬باحث يف االقتصاد اإلس�ل�امي‬
‫[املصدر‪ :‬موقع املنارة وال ّرباط]‪.‬‬

‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬ ‫‪48‬‬


‫ً‬
‫وتطبيقا)‬ ‫ً‬
‫(تأصيلا‬ ‫مقاصد الوقف في الشريعة‬

‫ولهذه القاعدة أثر يف مسائل عدة منها‪:‬‬


‫‪1.1‬إبطال الشروط املنافية للزوم الوقف وتأبيده(‪)1‬؛ كأن يشترط الواقف حق‬
‫التصرف يف الوقف بالبيع‪ ،‬أو الهبة‪ ،‬أو حق الرجوع فيه‪ ،‬أو غير ذلك‪ ،‬أو أن‬
‫ُ‬
‫الوقف إلى ورثته بعد موته‪ ،‬أو تؤول ملكيته إليهم عند احلاجة والعوز‪.‬‬ ‫يعود‬
‫يقول العز بن عبدالسالم‪« :‬التصرفات أنواع‪ :‬أحدها‪ :‬ما ال يتم مصاحله‬
‫ومقاص���ده إال بلزوم���ه من طرفي���ه؛ كالبيع‪ ،‬واإلج���ارة‪ ،‬واألنكحة‪ ،‬واألوقاف‪،‬‬
‫والضمان‪ ،‬والهبات ‪ ...‬وأما األوقاف فال يحصل مقصودها الذي هو جريان‬
‫أجرها يف احلياة وبعد املمات إال بلزومها ‪»...‬‬
‫(‪)2‬‬

‫‪2.2‬اش���تراط كون املوقوف عق���ا ًرا أو منقو ًلا يتأتى االنتفاع به مع بقاء عينه‪،‬‬
‫أما ما ال ميكن االنتفاع به إال بتلف عينه فإنه ال يصح وقفه؛ ألن الوقف‬
‫حبس األصل وتسبيل املنفعة(‪ ،)3‬واخلالف يف وقف النقود سيأتي‪.‬‬
‫‪3.3‬اش���تراط كون املوقوف معلو ًما عل ًما تا ًّما؛ بحيث ال تش���وبه جهال ٌة تفضي‬
‫إل���ى ن���زاع‪ ،‬فاجلهالة املمنوع���ة التي تفضي إل���ى النزاع متن���ع دائ ًما يف‬
‫املعاوضات‪.‬‬
‫‪4.4‬جعل الوالية والنظارة لألكفأ على الوقف من أجل ضمان سالمته والقيام‬
‫بحفظ���ه‪ ،‬والنظر مبصاحل���ه كعمارة الوقف‪ ،‬أو إبداله‪ ،‬أو اس���تبداله‪ ،‬أو‬
‫حمايته عند غصبه‪ ،‬أو االعتداء عليه‪ ،‬واملطالبة بضمانه‪.‬‬
‫((( إن القول بلزوم الوقف يحقق مصلحة الواقف يف قصده القربة هلل عز وجل‪ ،‬كما يحقق مصلحة املوقوف‬
‫ش���رعا‪ ،‬وال يحصل ذلك على الوجه األكمل إال‬
‫ً‬ ‫عليهم يف االنتفاع املس���تمر‪ ،‬وهو نوع من البر العام املقصود‬
‫باللزوم‪ ..‬انظر‪ :‬بحث لزوم الوقف يف الفقه اإلسالمي املقارن للدكتور محمد فتحي الدريني‪ ،‬ضمن كتابه‪:‬‬
‫بحوث مقارنة يف الفقه اإلسالمي وأصوله (‪..)229/2‬‬
‫((( قواعد األحكام يف مصالح األنام (‪.)125/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬أحكام الوقف يف الشريعة اإلسالمية للدكتور محمد الكبيسي (‪ )322/1‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪49‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬


‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬

‫‪5.5‬ومم���ا يحق���ق مقصود دوام املكل���ف على العمل إباحة اس���تثمار األوقاف‬
‫أو موارده���ا(‪ ،)1‬وإال تعط���ل وانقطعت مناف ُعه‪ ،‬وق���د ورد يف قرار اجملمع‬
‫الفقهي رقم ‪ )5/6( 140‬بشأن االستثمار يف الوقف ويف غالته وريعه ما‬
‫نصه‪« :‬قرر ما يأتي‪ :‬أولًا‪ :‬استثمار أموال الوقف‪ -2 ... :‬يتعني احملافظة‬
‫على املوقوف مبا يحقق بقاء عينه ودوام نفعه‪ -3 .‬يجب استثمار األصول‬
‫الوقفي���ة؛ س���واء أكانت عقارات أم منقوالت ما ل���م تكن موقوفة لالنتفاع‬
‫املباشر بأعيانها ‪ -6 ...‬يجوز استثمار الفائض من الريع يف تنمية األصل‬
‫أو يف تنمية الريع؛ وذلك بعد توزيع الريع على املستحقني وحسم النفقات‬
‫واخملصصات‪ ،‬كما يجوز اس���تثمار األموال املتجمعة من الريع التي تأخر‬
‫صرفه���ا‪ -7 .‬يجوز اس���تثمار اخملصص���ات املتجمعة م���ن الريع للصيانة‬
‫وإع���ادة اإلعمار‪ ،‬ولغيرها من األغراض املش���روعة األخرى‪ -8 .‬ال مانع‬
‫استثماري واحد مبا‬
‫ّ‬ ‫شرعا من استثمار أموال األوقاف اخملتلفة يف وعاء‬
‫ً‬
‫ال يخالف شرط الواقف‪ ،‬على أن يحافظ على الذمم املستحقة لألوقاف‬
‫عليها ‪ ،)2(»...‬ثم ذكروا لذلك ضوابط‪ ،‬ثم حتدثوا عن مسألة وقف النقود‬
‫الشرعي من‬
‫ّ‬ ‫ش���رعا؛ ألن املقص َد‬
‫ً‬ ‫فقرروا ما يلي‪ -1« :‬وقف النقود جائز‬
‫الوق���ف وهو حبس األصل وتس���بيل املنفعة متحق���ق فيها؛ وألن النقود ال‬
‫تتعني بالتعيني‪ ،‬وإمنا تقوم أبدالها مقامها‪ -2 .‬يجوز وقف النقود للقرض‬
‫((( انظر يف ذلك كتاب االجتاهات املعاصرة يف تطوير االس���تثمار الوقفي حملمد التيجاني‪ .‬وبحث د‪ .‬راش���د‬
‫ب���ن أحم���د العلي���وي بعنوان (الصيغ احلديثة الس���تثمار الوقف وأثرها يف دعم االقتص���اد)‪ ،‬وبحث د‪ .‬مانع‬
‫ب���ن حم���اد اجلهن���ي بعنوان (اإلف���ادة من التج���ارب املعاصرة لبعض الدول اإلس�ل�امية يف مج���ال الوقف)‪،‬‬
‫والبحث���ان منش���وران ضمن بحوث ندوة مكانة الوقف وأثره يف الدع���وة والتنمية‪ ،‬واملنعقدة يف مكة املكرمة‬
‫شوال‪1420‬هـ‪.‬‬
‫((( مجلة مجمع الفقه اإلسالمي‪ ،‬العدد اخلامس عشر (‪.)526-525/3‬‬

‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬ ‫‪50‬‬


‫ً‬
‫وتطبيقا)‬ ‫ً‬
‫(تأصيلا‬ ‫مقاصد الوقف في الشريعة‬

‫احلس���ن‪ ،‬ولالس���تثمار إما بطريق مباشر‪ ،‬أو مبشاركة عدد من الواقفني‬


‫يف صندوق واحد‪ ،‬أو عن طريق إصدار أسهم نقدية وقفية؛ تشجي ًعا على‬
‫الوقف‪ ،‬وحتقي ًقا للمشاركة اجلماعية فيه ‪.)1(»...‬‬
‫القاعدة الرابعة‪ :‬رفع احلرج‪.‬‬
‫احلرج‪ :‬ما أوقع على العبد مشقة زائدة على املعتاد على بدنه أو نفسه أو‬
‫عليهما م ًعا حالًا أو مآلًا غير معارض مبا هو أش���د منه‪ ،‬أو مبا يتعلق به حق‬
‫مساو له أو أكثر منه(‪. )2‬‬
‫ٍ‬ ‫للغير‬
‫ورف���ع احلرج ذو صلة باملصالح‪ ،‬وقد قس���م العلم���اءُ تلك املصالح باعتبار‬
‫احلاج���ة إليها إلى‪ :‬مصالح ضرورية‪ ،‬وحاجية‪ ،‬وحتس���ينية‪ ،‬وس���بق احلديث‬
‫ع���ن أن الوقف كان وما زال من أفضل الوس���ائل لتحقيق جميع تلك املصالح‬
‫بأنواعها‪ ،‬ومن املعلوم أن من مقاصد الش���ريعة عند احلاجة التيس���ير ورفع‬
‫احلرج‪ ،‬ال س���يما إن كان األمر متعل ًقا بتبرع محض فإنه يتس���امح فيه ما ال‬
‫يتسامح يف غيره‪.‬‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ...« :‬فكل ما احتاج إليه الناس يف معاشهم‬
‫ول���م يكن س���ببه معصية ‪-‬ه���ي ترك واجب أو فعل محرم‪ -‬ل���م يحرم عليهم؛‬
‫ألنهم يف معنى املضطر الذي ليس بباغ وال عاد»(‪.)3‬‬
‫ويق���ول الش���اطبي‪« :‬إذا كانت املش���قة خارج ًة عن املعت���اد؛ بحيث يحصل‬
‫للمكلف فساد ديني أو دنيوي‪ ،‬فمقصود الشارع فيها الرفع باجلملة»(‪.)4‬‬
‫((( مجلة مجمع الفقه اإلسالمي‪ ،‬العدد اخلامس عشر (‪.)527/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬رفع احلرج للباحسني (‪.)32‬‬
‫((( مجموع الفتاوى (‪.)64/29‬‬
‫((( املوافقات (‪.)156/2‬‬

‫‪51‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬


‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬

‫والف���روع املندرج���ة حتت هذه القاعدة أكثر من أن حتصى‪ ،‬فمن نظر إلى‬
‫أحوال العالم اإلسالمي يف حالة ضعفه ‪-‬كحالتنا اليوم‪ -‬ويرى تسلط األعداء‬
‫على ديارنا وعلى أوقاف املس���لمني‪ ،‬كما حدث من اليهود يف فلس���طني‪ ،‬وكما‬
‫حدث ألوقاف أهل الس���نة يف العراق يف املناطق التي هجروا منها(‪ ،)1‬فنُهبت‬
‫األوقاف‪ ،‬واس���تولى الغاصب عليها‪ ،‬وهم يف حالة ضعف وحرج وضيق‪ ،‬ويف‬
‫قاع���دة رفع احلرج عنهم فس���ح ٌة لهم يف احلفاظ عل���ى أموالهم وممتلكاتهم‬
‫الوقفي���ة املتنوع���ة‪ ،‬من مثل‪ :‬بي���ع تلك األوقاف؛ لذهاب أصحابها أو مش���قة‬
‫االنتف���اع به���ا‪ ،‬أو بريعها‪ ،‬أو اس���تبدالها‪ ،‬أو تأجيرها ألع���وام مديدة‪ ،‬وتوزيع‬
‫ريعها للمستحقني‪.‬‬
‫يقول ش���يخ اإلس�ل�ام ابن تيمية‪ ...« :‬واملقصود أنه حيث جاز البد ُل‪ ،‬هل‬
‫يش���ترط أن يكون يف الدرب أو البلد الذي فيه الوقف األول‪ ،‬أم يجوز بغيره‬
‫إذا كان ذلك أصلح ألهل الوقف‪ ،‬مثل أن يكونوا مقيمني ببلد غير بلد الوقف‪،‬‬
‫وإذا اش���ترى فيه البدل كان أنفع لهم؛ لكثرة الريع‪ ،‬ويس���ر التناول؟‪ .‬فنقول‪:‬‬
‫م���ا علمت أح ًدا اش���ترط أن يك���ون البد ُل يف بلد الوق���ف األول ‪ ...‬وليس يف‬
‫شرعي‪ ،‬وال مصلحة ألهل الوقف‪ ،‬وما‬
‫ٌّ‬ ‫تخصيص مكان العقار األول مقصو ٌد‬
‫لم يأمر به الشارع وال مصلحة فيه لإلنسان فليس بواجب وال مستحب‪ .‬فعلم‬
‫أن تعيني املكان األول ليس بواجب وال مستحب ملن يشتري بالعوض ما يقوم‬
‫مقامه‪ ،‬بل العدول عن ذلك جائز‪ ،‬وقد يكون مس���تح ًّبا‪ ،‬وقد يكون واج ًبا إذا‬
‫تعينت املصلحة فيه‪ .‬واهلل أعلم»(‪.)2‬‬
‫((( ينظر يف ذلك الكتاب الوثائقي عن مس���اجد العراق (مس���اجد يف وجه النار)‪ ،‬ط‪ .‬دار الرش���يد‪ ،‬كما ينظر‬
‫للفيلم الوثائقي ملساجد فلسطني (مآذن يف وجه الدمار)‪.‬‬
‫((( مجموع الفتاوى (‪.)268-266/31‬‬

‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬ ‫‪52‬‬


‫ً‬
‫وتطبيقا)‬ ‫ً‬
‫(تأصيلا‬ ‫مقاصد الوقف في الشريعة‬

‫الخاتمة‬

‫الوقف أح ُد الشرائع التي اختصت بها الشريع ُة اإلسالمية‪ ،‬وبه تتحقق‬


‫َ‬ ‫إن‬
‫مقاصد ش���رعية هام���ة يجب وضعها عني االعتبار عن���د النظر يف أحكامه‪،‬‬
‫والترجيح بني املس���ائل اخملتلف فيها‪ ،‬وقد تع���رض البحثُ إلى تلك املقاصد‬
‫املتحقق���ة م���ن ش���رعة الوقف‪ ،‬وه���ي باختصار‪ :‬حتقي���ق العبودي���ة‪ ،‬والدوام‬
‫واالستمرار على العمل الصالح‪ ،‬وتيسير األموال ودورانها‪ ،‬والوضوح‪ ،‬والعدل‪،‬‬
‫وأخي ًرا التعاون والتكافل االجتماعي‪.‬‬
‫ث َّم تعرض البحثُ ألهم القواعد املقاصدية املؤثرة يف أحكام الوقف‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬قصد الشارع من املكلف؛ أن يكون قصده مواف ًقا لقصده يف التشريع‪.‬‬
‫‪ -2‬القواعد املقاصدية املتعلقة باملصالح واملفاسد‪.‬‬
‫‪ -3‬إن مقصود الشارع يف األعمال دوام املكلف عليها‪.‬‬
‫‪ -4‬رفع احلرج‪.‬‬
‫ومما ميكن أن أش���ير إليه يف ختام هذا البحث هو أن البحث يف مس���ائل‬
‫األوق���اف من الناحي���ة الفقهية أو االقتصادي���ة أو التنموية قد أخذ حقه من‬
‫وقف���ت عليه من البح���وث املقدمة للدراس���ات العليا‪ ،‬أو‬
‫ُ‬ ‫العناي���ة بحس���ب ما‬
‫املؤمت���رات‪ ،‬أو الن���دوات‪ ،‬داخ���ل اململكة العربي���ة والس���عودية وخارجها‪ ،‬أما‬
‫اجلانب املقاصدي‪ ،‬أو األصولي‪ ،‬فالبحوث املقدمة فيه شحيح ٌة‪ ،‬بالرغم من‬
‫أهميته؛ إذ إنه العمدة يف االجتهاد واالس���تنباط‪ ،‬فهو قاعدةُ الش���رع واألصل‬
‫الذي يُبنى عليه كل فرع‪ ،‬وهي إش���ارة لوجوب النظر يف ذلك؛ إما بتخصيص‬
‫محاور له يف ندوات قادمة‪ ،‬أو باستكتاب أهل العلم يف ذلك‪.‬‬

‫‪53‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬


‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬

‫خالصا لوجهه‬
‫ً‬ ‫وختا ًم���ا أرجو العل���ي القدير مب ِّنه وكرمه أن يجع���ل العمل‬
‫الك���رمي‪ ،‬وأن ينف���ع به‪ ،‬إنه جواد كرمي‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعني‪.‬‬

‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬ ‫‪54‬‬


‫ً‬
‫وتطبيقا)‬ ‫ً‬
‫(تأصيلا‬ ‫مقاصد الوقف في الشريعة‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪1.1‬أثر املصلحة يف الوقف‪ :‬للش���يخ عبداهلل بن الشيخ احملفوظ بن ب َّية‪ ،‬منشور ضمن‬
‫بحوث ندوة الوقف يف الشريعة اإلسالمية ومجاالته‪ ،‬طبع وزارة الشؤون اإلسالمية‬
‫والدعوة واإلرشاد‪.‬‬
‫‪2.2‬أثر الوقف يف التنمية االقتصادية‪ :‬للدكتور عبداللطيف بن عبداهلل العبداللطيف‪،‬‬
‫ُق��� ِّدم ملؤمتر األوقاف األول يف اململكة العربية الس���عودية‪ ،‬والذي نظمته جامع ُة أم‬
‫القرى‪ ،‬بعنوان‪ :‬أثر الوقف يف تنمية اجملتمع‪ ،‬طبع دار الثقافة مبكة‪.‬‬
‫‪3.3‬االجته���اد املقاص���دي – حجيته‪ ،‬ضوابطه‪ ،‬مجاالته‪ :‬للدكتور ن���ور الدين بن مختار‬
‫اخلادمي‪ ،‬كتاب األمة‪ ،‬ط‪ ،1‬عدد (‪ ،)66‬قطر‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪4.4‬اإلح���كام يف أص���ول األح���كام‪ :‬لإلمام علي ب���ن محمد اآلمدي‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ /‬س���يد‬
‫اجلميلي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1418 ،3‬هـ‪.‬‬
‫‪5.5‬أحكام الوقف يف الشريعة اإلسالمية‪ :‬للدكتور محمد عبيد الكبيسي‪ ،‬وزارة الشؤون‬
‫اإلسالمية والدعوة واإلرشاد‪ ،‬طبعت بإذن من الناشر مكتبة املعارف‪.‬‬
‫‪6.6‬اإلفادة من التجارب املعاصرة لبعض الدول اإلس�ل�امية يف مجال الوقف‪ :‬للدكتور‬
‫مانع بن حماد اجلهني‪ ،‬ضمن بحوث ندوة مكانة الوقف وأثره يف الدعوة والتنمية‪،‬‬
‫املنعقدة يف مكة‪ ،‬طبع وزارة الشؤون اإلسالمية‪ ،‬واألوقاف والدعوة واإلرشاد‪.‬‬
‫‪7.7‬اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف‪ :‬علي بن سليمان املرداوي‪ ،‬مطبعة السنة‬
‫احملمدية‪ ،‬مصر‪1377،‬هـ‪.‬‬
‫‪8.8‬األوق���اف يف اململكة العربية الس���عودية ‪ -‬مش���كالت وحلول‪ :‬للش���يخ عبدالرحمن‬
‫ب���ن عبدالق���ادر فقيه‪ ،‬ضمن بحوث ندوة مكانة الوقف وأث���ره يف الدعوة والتنمية‪،‬‬
‫املنعقدة يف مكة‪ ،‬طبع وزارة الشؤون اإلسالمية والدعوة واإلرشاد‪.‬‬
‫‪9.9‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪ :‬محمد عرفة الدسوقي‪ ،‬مطبعة محمد علي‬
‫صبيح‪1353 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪55‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬


‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬

‫‪1010‬حاش���ية العدوي على شرح اخلرش���ي‪ :‬علي بن أحمد العدوي‪ ،‬مطبوع على هامش‬
‫اخلرشي‪.‬‬
‫‪1111‬احلماية اجلزائية للتعدي على األوقاف وتطبيقاتها يف اململكة العربية الس���عودية‪:‬‬
‫للدكت���ور دب���اس ب���ن محمد الدباس���ي‪ ،‬طبع وزارة الش���ؤون اإلس�ل�امية واألوقاف‬
‫والدعوة واإلرشاد‪ ،‬ط‪1428 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪1212‬ال���درر الس���نية يف األجوب���ة النجدي���ة‪ :‬جم���ع عبدالرحمن بن قاس���م النجدي‪ ،‬من‬
‫مطبوعات دار اإلفتاء باململكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪1385 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪1313‬روضة الطالبني‪ :‬يحيى بن شرف النووي‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪1414‬س�ن�ن اب���ن ماجه‪ :‬للحافظ أبي عبداهلل محمد بن يزي���د القزويني‪ ،‬حتقيق‪ :‬محمد‬
‫فؤاد عبدالباقي‪ ،‬دار إحياء التراث اإلسالمي‪1395 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪1515‬س�ن�ن أبي داود‪ :‬لإلمام أبي داود س���ليمان األش���عث‪ ،‬إعداد‪ :‬عزت عبيد الدعاس‪،‬‬
‫ط‪1388 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪1616‬سنن الترمذي (اجلامع الصحيح)‪ :‬ألبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة‪ ،‬حتقيق‬
‫وشرح‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ ،‬املكتبة التجارية‪ ،‬مكة‪.‬‬
‫‪1717‬شرح اخلرشي على مختصر خليل‪ :‬محمد اخلرشي‪ ،‬املطبعة األميرية‪1317 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪1818‬الشرح الكبير‪ :‬أحمد الدردير‪ ،‬مطبوع بهامش الدسوقي‪.‬‬
‫‪1919‬الشرح املمتع على زاد املستقنع‪ :‬لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمني‪ ،‬دار ابن‬
‫اجلوزي‪ ،‬ط‪1،1426‬هـ‪.‬‬
‫‪2020‬الصيغ احلديثة الستثمار الوقف وأثره يف دعم االقتصاد‪ :‬للدكتور راشد بن أحمد‬
‫العلي���وي‪ ،‬ضم���ن بحوث ندوة مكانة الوقف وأثره يف الدع���وة والتنمية‪ ،‬املنعقدة يف‬
‫مكة‪ ،‬طبع وزارة الشؤون اإلسالمية والدعوة واإلرشاد‪.‬‬
‫‪2121‬طرق الكشف عن مقاصد الشارع‪ :‬للدكتور نعمان ُجغيم‪ ،‬دار النفائس األردن‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1422‬هـ‪.‬‬
‫‪2222‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪ :‬جمع وترتيب أحمد بن عبدالرزاق‬

‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬ ‫‪56‬‬


‫ً‬
‫وتطبيقا)‬ ‫ً‬
‫(تأصيلا‬ ‫مقاصد الوقف في الشريعة‬

‫الدويش‪ ،‬طبع ونشر رئاسة إدارة البحوث العلمية واإلفتاء‪ ،‬ط‪1،1421‬هـ‪.‬‬


‫‪2323‬فتح القدير‪ :‬محمد بن عبدالواحد‪ ،‬املعروف بابن الهمام‪ ،‬مطبعة مصطفى محمد‪،‬‬
‫‪1356‬هـ‪.‬‬
‫‪2424‬قواعد األحكام يف مصالح األنام للعز بن عبدالسالم‪.‬‬
‫‪2525‬ل���زوم الوقف يف الفقه اإلس�ل�امي املقارن‪ :‬للدكتور محم���د فتحي الدريني‪ ،‬ضمن‬
‫كتابه‪ :‬بحوث مقارنة يف الفقه اإلس�ل�امي وأصوله‪ ،‬مؤسسة الرسالة بيروت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪2626‬املبس���وط‪ :‬محمد بن أحمد السرخسي‪ ،‬مطبعة الس���عادة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،1‬وطبعة دار‬
‫الكتب العلمية (ط‪1421)1‬هـ‪.‬‬
‫‪2727‬مجلة مجمع الفقه اإلسالمي‪ :‬التابعة ملؤمتر مجمع الفقه اإلسالمي‪ ،‬الدورة الثانية‬
‫والثالثة عشر‪.‬‬
‫‪2828‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم أحمد بن تيمية‪ :‬جمع وترتيب عبدالرحمن بن قاسم‪،‬‬
‫مطبوع بإشراف الرئاسة العامة لشؤون احلرمني الشريفني‪.‬‬
‫‪2929‬احملص���ول يف عل���م األصول‪ :‬للرازي‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪/‬طه العلواني‪ ،‬مؤسس���ة الرس���الة‪،‬‬
‫(ط‪1412 ،)2‬هـ‪.‬‬
‫‪3030‬املصباح املنير يف غريب الشرح الكبير‪ ،‬ألحمد بن محمد الفيومي‪ ،‬املكتبة العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪3131‬املعجم الوسيط‪ :‬مجمع اللغة العربية مبصر‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية‪( ،‬ط‪.)4‬‬
‫‪3232‬املغني‪ :‬ملوفق الدين ابن قدامة املقدسي‪ ،‬حتقيق د‪.‬عبداهلل التركي‪ ،‬ود‪ .‬عبدالفتاح‬
‫احللو‪ ،‬مطبعة هجر مبصر‪( ،‬ط‪1410)1‬هـ‪.‬‬
‫‪3333‬مغني احملتاج ش���رح املنهاج‪ :‬محمد الش���ربيني اخلطيب‪ ،‬مطبعة مصطفى محمد‬
‫مبصر‪.‬‬
‫‪3434‬مقاصد الش���ريعة اإلس�ل�امية‪ :‬لإلمام محمد الطاهر بن عاش���ور‪ ،‬حتقيق محمد‬
‫الطاهر امليساوي‪ ،‬دار النفائس األردن‪ ،‬ط‪1421 ،1‬هــ ‪2001-‬مـ‪.‬‬

‫‪57‬‬ ‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬


‫ّ‬
‫الحطاب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي‬

‫‪3535‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها‪ :‬لعلَّال الفاسي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪،5‬‬
‫‪1993‬م‪.‬‬
‫‪3636‬مقاصد الش���ريعة عند ابن تيمية‪ :‬للدكتور يوسف بن أحمد البدوي‪ ،‬دار النفائس‪،‬‬
‫ط‪1421 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪3737‬مقاصد الش���ريعة يف مجال الوقف‪ :‬للدكتور إبراهيم البيومي غامن‪ ،‬مطبوع ضمن‬
‫كتاب مقاصد الش���ريعة ‪ -‬دراس���ات يف قضايا املنهج ومجاالت التطبيق‪ ،‬مؤسس���ة‬
‫الفرق���ان للتراث اإلس�ل�امي مركز دراس���ات مقاصد الش���ريعة اإلس�ل�امية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪2006‬م‪.‬‬
‫‪3838‬املوافقات‪ :‬للشاطبي‪ ،‬نشر دار املعرفة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪3939‬مواه���ب اجلليل ش���رح مختصر خليل‪ :‬محمد بن محمد ب���ن عبدالرحمن املعروف‬
‫باحلطاب‪ ،‬مطبعة السعادة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1329 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪4040‬الوصف املناسب لشرع احلكم‪ :‬للدكتور أحمد بن محمود عبدالوهاب الشنقيطي‪،‬‬
‫اجمللس العلمي‪ ،‬اجلامعة اإلسالمية باملدينة املنورة‪1415 ،‬هـ ‪.‬‬
‫‪4141‬الوقف مفهومه ومقاصده‪ :‬للدكتور أحمد عبداجلبار الش���عبي‪ ،‬ضمن بحوث ندوة‬
‫املكتب���ات الوقفي���ة يف اململكة العربية الس���عودية‪ ،‬طبع وزارة الش���ؤون اإلس�ل�امية‬
‫واألوقاف والدعوة واإلرشاد باململكة العربية السعودية‪.‬‬
‫‪4242‬الوقف مفهومه ومقاصده‪ :‬للدكتور عبدالوهاب بن إبراهيم سليمان‪ ،‬ضمن بحوث‬
‫ندوة املكتبات الوقفية يف اململكة العربية السعودية‪ ،‬طبع وزارة الشؤون اإلسالمية‬
‫والدعوة واإلرشاد باململكة العربية السعودية(‪.)1‬‬

‫((( بحث ُقدم ألكثر من جهة منها اجملمع الفقه اإلس�ل�امي يف الدورة الثانية عش���رة‪ ،‬ونش���ر يف مجلة اجملمع‪،‬‬
‫الع���دد الثان���ي عش���ر (‪ .)207/1‬ومنش���ور يف مجلة البحوث الفقهي���ة املعاصرة‪ ،‬العدد (‪ ،)47‬الس���نة (‪)12‬‬
‫‪1421‬هـ‪ .‬ومنشور ضمن بحوث ندوة الوقف يف الشريعة اإلسالمية ومجاالته (‪.)105-59/1‬‬

‫العدد الثالث ‪ -‬جمادى الأوىل ‪1442‬هـ ‪ -‬يناير ‪2021‬م‬ ‫‪58‬‬

You might also like