Professional Documents
Culture Documents
ً
وتطبيقا) اً
(تأصيل
إعداد
ّ
الحطاب أ.د .عبدالرحمن بن علي
كلية الشريعة باجلامعة اإلسالمية باملدينة املنورة
ّ
الحطاب أ.د .عبدالرحمن بن علي
ملخص البحث
المقدمــــة
إن مقاصد الش���ريعة هي احلِ ك ُم واملعاني التي قصد الشار ُع حتقيقها من
وراء تش���ريعاته وأحكامه( ،)1وأحكام اإلس�ل�ام كلها مبني ٌة على جلب املصالح
للعباد ،ودرء املفاسد عنهم يف العاجل واآلجل م ًعا ،فما شرع اهللُ شي ًئا لعباده
إال ملصلحتهم( ،)2ومن ذلك الوقف.
أهمية املوضوع:
وجلها ثبت بغير ِ
البح���ث يف أن أحكام الوقف أكثره���ا ُ تكم���ن أهمي��� ُة هذا
الس���معي ،وكثير من أحكامه ت���دور حول املصالح ،وه���ي التي جاءت
ّ الن���ص
الشريع ُة بتحصيلها وتكميلها ،كما جاءت بتعطيل املفاسد وتقليلها.
يقول الطاه ُر بن عاشور مبينًا حجية هذه املصالح« :وال ينبغي الترد ُد يف صحة
ٍ
حادث ال جزئي
ٍّ االس���تناد إليها؛ ألنا إذا كنا نقول بحجية القياس الذي هو إحلاق
يُعرف له حك ٌم يف الش���رع بجزئي ثابت حكمه يف الشريعة ،للماثلة بينهما يف العلة
املس���تنبطة ،وهي مصلحة جزئي���ة ظني ٌة غال ًبا لقلة ص���ور العلة املنصوصة ،فألن
نقول بحجية قياس مصلحة كلية حادثة يف األمة ال يُعرف لها حك ٌم على ٍ
كلية ٍ
ثابت
ظني قريب من
قطعي ،أو ّ
ّ اعتبا ُرها يف الشريعة باستقراء أدلة الشريعة الذي هو
الشرعي»(.)3
ّ القطعي أولى بنا وأجدر بالقياس ،وأدخل يف االحتجاج
ّ
الدراسات السابقة:
رغم أهمية املصالح (املقاصد الشرعية) يف أحكام الوقف خاصة باعتبار
((( انظر :مقاصد الشريعة اإلسالمية للشيخ محمد الطاهر بن عاشور (.)171
((( انظر :املوافقات للشاطبي (.)9/2
((( مقاصد الشريعة اإلسالمية للشيخ محمد الطاهر بن عاشور (.)309
أعرضت عن األبحاث التي حتدثت عن أثر الوقف يف احلفاظ على مقاصد الشريعة (الضرورية واحلاجية
ُ (((
والتحسينية)؛ إذ املقصود هنا إظها ُر املقاصد الشرعية للوقف ،وقواعد تلك املقاصد ،وأثرها يف أحكام الوقف.
((( انظر :بحوث ندوة املكتبات الوقفية يف اململكة العربية السعودية (.)705-655
((( انظر :بحوث ندوة املكتبات الوقفية يف اململكة العربية السعودية (.)255-213
((( انظر :مقاصد الشريعة اإلسالمية دراسات يف قضايا املنهج ومجاالت التطبيق (مجموعة بحوث) (.)484-425
((( بحث ُقدم ألكثر من جهة منها للمجمع الفقه اإلس�ل�امي يف الدورة الثانية عش���رة ،ونش���ر يف مجلة اجملمع،
الع���دد الثان���ي عش���ر ( .)207/1ومنش���ور يف مجلة البحوث الفقهي���ة املعاصرة ،العدد ( ،)47الس���نة ()12
1421هـ .ومنشور ضمن بحوث ندوة الوقف يف الشريعة اإلسالمية ومجاالته (. .)105-59/1
خطة البحث:
قسمت البحثَ إلى مقدمة ،ومتهيد ،ومبحثني ،وخامتــة.
التمهيد يف :تعريف الوقف ،وأدلة مشروعيته ،وأنواعه.
اإلسالمي.
ّ املبحث األول يف :مقاصد الشريعة للوقف
اإلسالمي.
ّ املبحث الثاني يف :أهم القواعد املقاصدية املؤثرة يف أحكام الوقف
والتوصيات
ُ ث���م اخلامتة ،وفيها أه���م النتائج الت���ي توصل إليها البح���ثُ ،
املقترحة.
منهجي يف البحث:
الوصفي يف دراس���ة مسائل البحث ،مع استقراء
ِّ 1.1اعتمدت على املنهج
النص���وص واآلثار الواردة يف الوقف ،والوقوف على أقوال العلماء يف
مسائله وأحكامه الستنباط املعاني واحلِ َكم من شرعة الوقف.
جمع���ت امل���ادةَ العلمية املتعلق���ة يف البحث ،وأدرجتُه���ا حتت املباحث
ُ 2.2
السابقة ،مع العزو والتوثيق.
3.3ذكرت اس َم السورة ورق َم اآلية يف الصلب؛ من ًعا من إثقال احلاشية.
4.4خ ّرجت األحاديث النبوية واآلثار من مصادرها ،مع بيان درجتها.
وضعت فهرسني :األول :للمصادر واملراجع .والثاني :للموضوعات.
ُ 5.5
التمهيد
تعريف الوقف:
وقفت الدا َر للمساكني
ُ معنى الوقف لغة :احلبس ،مصدر وقف يقف .يقال:
أوقفت ،فهي لغة رديئة(.)1
ُ وق ًفا ،ووقفت الدابة ،أي :حبستها ،وال يقال:
تعريفات الفقهاء نظ ًرا إلى اختالفهم يف
ُ وأما يف االصطالح :فقد اختلفت
أمور؛ من حيث اللزوم أو عدمه ،ومن جهة املال املوقوف( ،)2وسأكتفي بتعريف
ابن قدامة املقدسي؛ حيث ع َّرفه بأنه :حتبيس األصل ،وتسبيل الثمرة (.)3
أدلة مشروعيته:
الكتاب والسن ُة
ُ الوقف مش���روع عند أهل العلم ،وقد َّ
دل على مش���روعيته
واإلجما ُع:
أول :من القرآن الكرمي:
فق���د ورد يف كت���اب اهلل cعمومات تدل على حس���ن اإلنفاق والبذل يف
وج���وه اخلي���ر ،والوقف منها؛ ق���ال اهلل c:ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ
ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﮊ [آل عم���ران ،]92:وقوله :eﮋ ﮓ ﮔ
ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮊ [البق���رة،]٢٦٧:
للجوهري
ّ لألزه���ري ( ،)333/9الصح���اح
ّ ((( انظ���ر :مقايي���س اللغ���ة الب���ن ف���ارس ( ،)135/6تهذيب اللغ���ة
(.)1440/4
اخلرشي على مختصر خليل
ّ للسرخس���ي ( ،)33/11ش���رح فتح القدير ( ،)190/6ش���رح
ّ ((( انظر :املبس���وط
( ،)361/7روض���ة الطالب�ي�ن ( ،)377/4أحكام الوقف يف الش���ريعة اإلس�ل�امية للدكتور محمد الكبيس���ي
( ،)76-51/1وقد أجاد.
((( انظر :املغني البن قدامة (.)184/8
((( أخرجه البخاري يف الزكاة ،باب الزكاة على األقارب برقم ( ،)1461ويف التفسير تفسير سورة آل عمران
ب���اب :ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﮊ ( ،)4554وأخرجه مس���لم يف الزكاة ،ب���اب فضل النفقة والصدقة على
األقربني ..برقم (.)998
((( انظر :تفسير الرازي ( ،)53/7واللباب يف علوم الكتاب (.)411/4
((( أخرجه البخاري يف كتاب الشروط ،باب الشروط يف الوقف ،برقم ( ،)2532ومسلم -واللفظ له -يف كتاب
الوصية ،باب الوقف ،برقم (.)3085
((( أخرجه مسلم يف كتاب الوصية ،باب ما يلحق اإلنسان من الثواب بعد وفاته ،برقم (.)3084
((( شرح النووي على صحيح مسلم (.)96/6
((( قال الشيخ عبدالعزيز الطريفي يف كتابه التحجيل يف تخريج ما لم يخرج يف إرواء الغليل (« :)181/1ذكره
وقفت عليه ،فقد أخرجه أبو بكر اخلصاف يف أحكام
ُ األلباني يف اإلرواء ( )29/6وأغفله من التخريج ،وقد
األوقاف ( )15وإسناده واهٍ ».
((( املغني البن قدامة (.)186/8
المبحث األول:
مقاصد الش���ريعة -كما س���بق -ه���ي احلِ كم واملعاني التي قصد الش���ارع
حتقيقها من وراء تشريعاته وأحكامه(.)2
أيضا بأنها :الغايات التي يَرمي إليها الش���ار ُع احلكي ُم ،واألس���را ُر
وع ّرفت ً
ُ
(.)3
التي وضعها عند كل ُحكم من األحكام
((( انظ���ر :املغن���ي ( ،)233/8الفقه اإلس�ل�امي وأدلت���ه ( ،)7607/10أحكام الوصايا واألوقاف حملمد ش���لبي
(.)320
((( انظر :مقاصد الشريعة اإلسالمية للشيخ محمد الطاهر بن عاشور (.)171
((( انظر :املقاصد العامة للشريعة اإلسالمية ليوسف العالم (.)83
امل���ال من حيث الوج���ود ،وميكن حتقيق مقاصد أخرى باملال؛ كمقصد حفظ
الدي���ن ،بدع���م اجلهاد أو التعليم ،أو الدعوة بامل���ال ،أو حتقيق مقصد حفظ
النفس باحلصول على املأكل واملش���رب ،وغير ذلك مما ميكن أن يتحقق من
مقاص���د ضروري���ة ،أو حاجية ،أو حتس���ينية من خالل امل���ال .إذا تبني ذلك
وحتقق نشرع بعدها يف املقصود من بيان تلك املقاصد واحلِ كم املتحققة من
شرعة الوقف ،من خالل ما يلي:
املقص�������د األول :حتقيق العبودية هلل :cوذلك بفع���ل الطاعات واجتناب
متعد كانت أعظم أج ًرا ،ال س���يما إن
ٍّ ذات نفع
املعاصي ،وكلما كانت الطاعة َ
كان النفع متعد ًيا إلى ش���رائح كثيرة من اجملتمع ،وإلى جوانب عدة مؤثرة يف
تنميت���ه ،وال أعلم طاعة يجتمع فيها ذل���ك غير الوقف؛ وذلك ألن النفع فيها
ومستمر للموقِ ف يف حياته وبعد مماته ،فأعظم بها من طاعة.
ٌّ دائ ٌم
يقول الش���اطبي« :املفهوم من وضع الشريعة أن الطاعة أو املعصية تعظم
بحسب عظم املصلحة أو املفسدة الناشئة»(.)1
وحتقيق مبدأ العبودية من خالل الوقف يظهر فيما يلي:
1.1اشترط العلماء -كما عند اجلمهور( )2من حنفية ،وشافعية ،وحنابلة-
كون اجلهة املوقوف عليها جه َة قربة وطاعة ،فأخرجوا بذلك الوقف
على طائفة األغنياء وغيرهم كما سيأتي.
كم���ا أن م���ن الزم كونه طاعة أال يك���ون على معصية؛ وذل���ك ألن الطاعة
ض���د املعصي���ة ،والق���ول بعدم صح���ة الوقف عل���ى املعصية مم���ا اتفق عليه
((( املوافقات (.)298/2
((( انظ���ر :املبس���وط ( ،)27،43/12ش���رح فتح القدي���ر ( ،)200/6روضة الطالب�ي�ن ( ،)319/5مغني احملتاج
( ،)379/2املغني ( ،)267/6( ،)644/5الفروع ( ،)586/4كشاف القناع (.)443/2
لئ�ل�ا يكون الفيء متداولًا بني األغنياء فقط ،دون الفقراء ،فعلم أنه cيكره
هذا وينهى عنه ويذمه ،فمن جعل الوقف لألغنياء فقط ،فقد جعل املال ُدول ًة
بني األغنياء فيتداولونه بطنًا بعد بطن دون الفقراء ،وهذا مضا ٌّد هلل يف أمره
ودين���ه ،ف�ل�ا يجوز ذلك .ويف الس�ن�ن عن النبي ﷺ أنه قال( :ال س���بق إال يف
خف ،أو حافر أو نصل) ( .)1فإذا كان نهى عن بذل السبق إال فيما يعني على
الطاع���ة واجلهاد ،مع أنه بذل لذلك يف احلياة وهو منقطع غير مؤبد فكيف
يكون األمر يف الوقف؟! .وهذا بيٌنّ يف أصول الشريعة من وجهني:
أحدهم�������ا :أن ب���ذل املال ال يجوز إال ملنفعة يف الدين أو الدنيا ،وهذا أص ٌل
وحجر عليه عند
متف���ق عليه ب�ي�ن العلماء ،ومن خرج ع���ن ذلك كان س���في ًها ُ
جمهور العلماء ...فاملباحات التي ال يثيب الشار ُع عليها ال يثيب على اإلنفاق
وثواب يف الدين ،وال
ٌ فيه���ا والوقف عليه���ا ،وال يكون يف الوقف عليها منفعة،
خال م���ن انتفاع الواقف
منفع���ة يف الوق���ف عليها يف الدني���ا ،فالوقف عليها ٍ
يف الدي���ن والدني���ا ،فيكون باطلًا ،وهذا ظاه���ر يف األغنياء وإن كان قد يكون
مس���تح ًّبا ،ب���ل واج ًب���ا ،فإمنا ذاك إذا أعطوا بس���بب غير الغن���ى من القرابة
واجلهاد والدين ونحو ذلك.
فأما إن جعل سبب االستحقاق هو الغنى ،وتخصيص الغنى باإلعطاء مع
مش���اركة الفقير له يف أس���باب االستحقاق س���وى الغنى ،مع زيادة استحقاق
الفقي���ر علي���ه ،فه���ذا مم���ا يعلم باالضط���رار يف كل مل���ة أن اهلل ال يحبه وال
الكويتي يف إطار استثمارية وتنمية املوارد الوقفية للدكتورة إقبال عبدالعزيز املطوع.
ّ ((( انظر :مشروع قانون الوقف
((( أخرجه البخاري يف كتاب الرقاق ،باب القصد واملداومة على العمل ،برقم ( .)5985ومسلم يف كتاب صالة
املسافرين وقصرها ،باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره ،برقم (.)1304
((( أخرجه البخاري يف كتاب الرقاق ،باب القصد واملداومة على العمل ،برقم ( .)5984ومسلم يف كتاب صالة
املسافرين وقصرها ،باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره ،برقم (.)1305
ً
-أيضا -بأن الوقف من مصال���ح البر واخلير ،وال ميكن كم���ا يرد عليه���م
مادي فقط؛ ذلك أن غايات األمة ليست مادية
ٍّ قياس كل من األمور مبقياس
بحت���ة؛ إذ إن هن���اك مصالح عامة دينية واجتماعية وثقافية ال ميكن حتققُها
إال بتجميد طائفة من العقارات واألموال عليها لتكون أماك َن للعبادة والتعليم
والثقافة واالستشفاء وغير ذلك(.)1
عموما ،ويف الوقف
ً املقص�������د الرابع :من مقاصد الش�������ريعة يف املعام���ل���ات
ُ
األوقاف بعيد ًة عن مواطن املنازعات خاص�������ة :مقصد الوضوح( :)2حتى تكون
واخلصومات؛ وذلك باإلش���هاد ،والتوثيق عليه���ا ،وترجع أهمية هذا املقصد
يف ش���رعة الوقف ملا ميتاز به الوقف من حتبيس لألصل ،فهو ُش���رع ليبقى
مدة طويلة ،وقد يكون مظنة لطروء النسيان والغفلة ،ورمبا اإلنكار واجلحود،
أو التع���دي علي���ه من اآلخرين ،والواقع يش���هد بأن األوق���اف التي اعتنى بها
أصحابُه���ا بإثباتها وتوثيقها تبقى م���د ًدا طويلة ينتفع بها ،وأما األوقاف التي
قصر أصحابُها يف إثباتها وتوثيقها فإنها سرعان ما تضيع (.)3
ّ
كما تظهر أهمي ُة هذا املقصد يف الوقف يف عدد من الش���روط أو الفروع
املتعلق���ة به ،وم���ن ذلك وجوب كون املوقوف معينًا ،وهو ش���رط من ش���روط
صحة الوقف ،فال يصح وقف املبهم ،بل ال بد من التعيني ،فال يقول :وقفت
أح َد بيتي(. )4
أما قول بعض االقتصاديني القائلني :إ ّن الوقف غي ُر مالئم ومستحسن إلدارة
((( انظر :املصدر السابق.
((( انظر :املقاصد العامة للشريعة اإلسالمية للدكتور يوسف العالم (.)521
((( انظر :بحوث ندوة الوقف والقضاء (.)40/1
((( انظر :الشرح املمتع البن عثيمني ( ،)16/11أحكام الوقف يف الشريعة للكبيسي (.)309/1
األم����وال نظ ًرا النتفاء املصلحة الش����خصية لنظار الوقف مم����ا يؤدي إلى إهمال
العق����ارات املوقوفة وعدم االهتمام بإصالحها( ،)1فيمكن أن يرد عليهم أن اختيار
القائمني على األعمال الوقفية من األ ْكفاء ليس ًّ
خاصا بالوقف وحده بل يش����مل
كل أعم����ال الدول����ة؛ إذا يج����ب اختيا ُر نُظ����ار الوقف املتصفني باألمان����ة والقدرة
واملسؤولية ،والعمل على ما يكفل حتقق ذلك من إشراف ورقابة من قِ بل الدولة.
وهذا األمر كان ومازال يؤرق بعض احلكومات واملؤسس���ات الوقفية ،وقد
الفقهي املعقود بشأن االستثمار يف الوقف-4 ...« :
ّ ورد يف توصيات اجملمع
دعوة الهيئات املتخصصة لوضع معايير شرعية ومحاسبية للتدقيق الشرعي
واإلداري يف أعمال الناظر ،س���واء أكان فر ًدا أم جماع ًة أم مؤسس��� ًة
ّ واملالي
ّ
أم وزار ًة .وينبغي أن تخضع إدارة الوقف لقواعد الرقابة الش���رعية واإلدارية
واملالية واحملاسبية )5 .ضرورة وضع ضوابط معيارية لنفقات الوقف؛ سواء
أكان���ت تس���ويقية أم إعالمية أم إدارية ،أم أج���و ًرا ،أم مكافآت لتكون مرج ًعا
عند الرقابة والتفتيش وتقومي األداء»(.)2
املقصد اخلامس :من مقاصد الشريعة العامة واملتحققة يف الوقف :العدل(.)3
والع���دل إذا ظه���رت أماراتُ���ه وتبني وج ُه���ه بأي طريق كان فثم ش���ر ُع اهلل
بعض العلماء( )5إحدى الضرورات التي
ودينه( )4كما يقول ابن القيم ،وقد جعله ُ
((( انظر :أثر الوقف يف التنمية االقتصادية للدكتور عبداللطيف العبداللطيف (.)104-103
((( مجلة مجمع الفقه اإلسالمي ،العدد اخلامس عشر (.)528/3
((( انظر :املقاصد العامة للشريعة اإلسالمية ليوسف العالم (.)527
((( انظر :أعالم املوقعني ( ،)373/4الطرق احلكمية ( ،)19بدائع الفوائد (.)674/3
((( يقول الدكتور يوس���ف البدوي يف كتابه مقاصد الش���ريعة عند ابن تيمية (« :)250وهذه النظرة قد برزت
عن���د بع���ض املعاصرين فزادوا على املقاصد اخلمس���ة مقاصد أخرى كالعدل ،وحرية التفكير ،واملس���اواة،
والسماحة ،وغير ذلك».
ٍ
اس���تقامة، يج���ب احملافظ ُة عليها؛ بحيث لو ُفقد لم جتر مصالح الدنيا على
ٍ
فساد وتهارج وفوت حياة ،ويف األخرى فوت النجاة والنعيم ،والرجوع بل على
باخلسران املبني(. )1
وحتقيق مقصد العدل يف األموال يكون يف مسلكني(:)2
األول :طلب اإلنفاق احملمود.
الثاني :طلب الكف عن اإلمساك املذموم ،والنهي عن اإلسراف والتبذير،
يتب�ي�ن ذلك من خ�ل�ال قول���ه :bﮋ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ
ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﮊ [اإلسراء ،]٢٩:وقوله ﷺ( :ألن تذر ورثتك أغنياء
خي ٌر من أن تذرهم عال ًة يتكففون الناس)(. )3
أم���ا بي���ان وأهمية هذا املقص���د يف الوقف خاصة فيظه���ر يف أحد أنواع
الوق���ف ،وه���و الوقف ال ُّذري؛ إذ إن اجملوزين له ش���رطوا لصحته :أال يقصد
ُ
الواق���ف ب���ه حرما َن بعض الورثة من حقه يف التركة كله أو بعضه؛ ملا يف ذلك
من اإليذاء والظلم(.)4
كم���ا تظه���ر أهمي ُة مراعاة هذا املقصد من خالل م���ا ذكره أه ُل العلم من
وج���وب احملافظ���ة عل���ى األموال املوقوف���ة ،ممن يريد أن يتع���رض إلتالفها،
ضرورات البقاء كاملأكل واملش���رب واملس���كن ،وهذا وإن كان مقص ًدا ضرور ًّيا
فإنه قد يكون مقص ًدا حاج ًّيا ،إن لم يكن الهدف منه إال تخفيف عبء احلياة
ومش���قتها عن تلك الفئات .أما أثره يف حفظ النس���ل والنس���ب من التعطيل
فيظه���ر بالوقف عل���ى راغبي الزواج إما باملس���اعدات املالي���ة النقدية ،وإ ّما
بالعيني���ة ،م���ن أثاث أو مس���كن .أما أثره يف حفظ العق���ل ،فيظهر يف الوقف
عل���ى ُدور التعليم التي ه���ي كذلك تهذب العقول ،وتوس���ع مداركها وتصونها
م���ن الوق���وع يف الزلل( ،)1وك���ذا األوق���اف اخلاصة مبعاجل���ة مدمني اخلمر
واخملدرات .أما أثره يف حفظ املال فقد ال تكون ظاهر ًة يف الزمن األول ،بكون
مقصود الواقفني يف الوقف غال ًبا هو استغالله بأفضل وسيلة ،وليس تنميته
واستثماره ،وزيادة أصوله ،وكانت األوقاف يف الغالب عبار ًة عن بيوت قدمية،
ممتلكات الوقف ممثل ًة
ُ وأموال يس���يرة ،أما بعد ظهور النفط ،فقد أصبحت
يف اجملمعات التجارية والبنايات االستثمارية ،مما أتاح الفرص االستثمارية،
التي يحسن استثمارها ،وهذا األمر أصبح موط َن اهتمام العلماء الشرعيني،
واالقتصاديني ،وقد قامت املؤسس���ات اخليرية املعاصرة بواجباتها وشاركت
يف النهضة االقتصادية بالتفنن يف طرح املش���اريع الوقفية ،متجاوزة يف ذلك
عقبة ش���روط الواقف ،بطرح ش���روطها املنطلقة من جلانها الش���رعية ،ومن
تفه���م العصر وحاجاته ،واش���ترطت هي ملن يرغ���ب بالوقف عن طريقها حق
االستثمار مبا يعود للوقف باملنفعة ،وإن آخر ما وقفت عليه من تلك املشاريع
الوقفي)،
ّ ما تطرحه مؤسسة مكة املكرمة اخليرية يف مشروعها (سهم النور
وقفي بقيمة 450ريال للس���هم ،تس���تثمر
ٌّ وق���د ج���اء يف بيانه أنه« :مش���روع
((( انظر :مقاصد الشريعة يف مجال الوقف للدكتور إبراهيم البيومي غامن (.)458
بحرفية وأمانة وحتت رقابة ش���رعية وفنية يف مشاريع متنوعة حتقق عوائد
مجزي���ة ،وحتافظ على قيمة الس���هم ،وتؤ ّمن ري ًعا مس���تم ًّرا يخصص لتمويل
(. )1
إنتاج وطباعة املصحف الشريف لك ولوالديك »...
وأخي��� ًرا فإن الوق���ف كما أنه يحق���ق املصالح الضروري���ة واحلاجية فإنه
يحقق املقاص َد التحسينية؛ كالوقف على املرافق العامة ،أو صيانتها للحفاظ
عليها ،أو إيجاد وسائل تُظهر األُم َة باملظهر الالئق بها أمام األمم األخرى(.)2
المبحث الثاني
اإلسالمي
ّ أهم القواعد المقاصدية المؤثرة في أحكام الوقف
تع���د املقاص ُد الش���رعية من أهم العل���وم التي يجب على الفقي���ه إدرا ُكها
صحيحا يتوافق مع
ً واإلملام بها ،فهي تعينه على فهم األحكام الشرعية فه ًما
روح الش���ريعة ،فاجملته���د ال ميكن أن يفرغ النصوص الش���رعية من فحواها
املقاصدي���ة الت���ي أرادها الش���ار ُع م���ن تش���ريع احلِ كم ،وإال وق���ع يف الضيق
والقصور.
يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية « :rولتكن همته فه َم مقاصد الرسول ﷺ
يف أمره ونهيه وسائر كالمه ،فإذا اطمأن قلبُه أن هذا هو مراد الرسول فال
يعدل عنه فيما بينه وبني اهلل تعالى ،وال مع الناس إذا أمكنه ذلك»
(.)3
ومم���ا س���بق تتبني لنا أهمي��� ُة العلم بتلك القواع���د املقاصدية ،وأثرها يف
ألفاظهم ،وقد اش���تهر عند العلماء قولهم( :نص الواقف كنص الش���ارع) ،أو
قولهم( :ش���رط الواقف كنص الش���ارع) ،أي :يف الداللة على مراد الواقف ال
يف وجوب العمل بها(.)1
فاملقص���ود م���ن األلفاظ داللتُها على مراد الناطقني بها ،والعمل بها ما لم
تخالف مقاص َد الشرع يف ذلك.
قال الشاطبي« :كل من ابتغى يف تكاليف الشريعة غير ما ُشرعت له ،فقد
ناقض الش���ريعة ،وكل من ناقضها فعمل���ه يف املناقضة باطل ،فمن ابتغى يف
التكاليف ما لم تشرع له فعمله باطل»(.)2
وقال ً
أيضا« :وضع الش���ريعة وإن كان ملصالح العباد فإمنا هو حس���ب أمر
الشارع ،وعلى احل ّد الذي ح ّده ال على مقتضى أهوائهم وشهواتهم»(.)3
فهذه القاعدة تضبط قصد املكلف حتى جتعله متواف ًقا مع قصد الشارع،
فه���ي صيغت حلماية مقاصد الش���ارع من مقاصد املكلفني غير املش���روعة،
وقد تفرع عن هذه القاعدة مسائ ُل كثيرةٌ منها:
1.1ما له صلة بشروط الواقفني اخملالفة ملقصود الشارع.
يقول ش���يخ اإلسالم ابن تيمية« :الش���روط املشروطة ...إمنا يلزم الوفاء
الشرعي ...فأما احملافظة على
ّ بها إذا لم يفض ذلك إلى اإلخالل باملقصود
بعض الشروط مع فوات املقصود بالشروط فال يجوز»(.)4
وق���د قس���م اإلما ُم اب ُن القيم ش���روط الواقفني إلى أربعة ش���روط ،فقال:
«وباجلمل���ة فش���روط الواقف�ي�ن أربعة أقس���ام :ش���روط محرم ٌة يف الش���رع،
وش���روط مكروه ٌة هلل تعالى ورس���وله ﷺ ،وشروط تتضمن َ
ترك ما هو أحب
إلى اهلل ورس���وله ،وشروط تتضمن فعل ما هو أحب إلى اهلل تعالى ورسوله؛
فاألقس���ام الثالثة األول ال حرمة لها وال اعتبار ،والقس���م الرابع هو الشرط
املتبع الواجب االعتبار وباهلل التوفيق»(.)1
ويقول ش���يخ اإلس�ل�ام ابن تيمية مبينًا املستند الشرعي لرد تلك الشروط
التي قصد أصحابُها إمضاءها وهي غير موافقة لقصد الش���ارع ،قال« :ومن
أصول���ه -أي اإلمام أحمد -ما أخرجه البخاري ومس���لم يف الصحيحني عن
-أيضا أن رسول اهلل ﷺ خطب على املنبر ملا أراد أهل بريرة أن ً عائشة i
ً
شروطا ليست يش���ترطوا الوالء لغير املعتق -فقال( :ما بال أقوام يش���ترطون
ً
شرطا ليس يف كتاب اهلل فهو باطل ،وإن كان مائ َة يف كتاب اهلل؟ من اشترط
ش���رط ،كتاب اهلل أحق ،وش���رط اهلل أوثق)( ،)2وهذا احلديث الشريف الذي
اتفق العلماءُ على تلقيه بالقبول ،اتفقوا على أنه عا ٌّم يف الش���روط يف جميع
مخصوصا عند أح���د منهم بالش���روط يف البيع ،بل من
ً العق���ود ،لي���س ذلك
اش���ترط يف الوق���ف أو العتق أو الهبة أو البيع أو الن���كاح أو اإلجارة أو النذر
ش���روطا تخالف م���ا كتبه اهللُ على عب���اده؛ بحيث تتضمن تلك
ً أو غي���ر ذلك
ُ
الش���روط األم َر مبا نهى اهلل عنه ،أو النهي عما أمر به ،أو حتليل ما حرمه،
أو حترمي ما حلله ،فهذه الش���روط باطل ٌة باتفاق املس���لمني يف جميع العقود،
((( أعالم املوقعني (.)97/3
((( أخرجه البخاري يف كتاب الش���روط ،باب الش���روط يف الوالء ،برقم ( .)2527ومس���لم يف كتاب العتق ،باب
إمنا الوالء ملن أعتق ،برقم (.)2763
على نفسه إلسقاط حق الغرماء ،مثل أن يكون رجلًا مدينًا ،فوقف بيته
على نفسه لئال يُباع يف َدينه.
يقول الش���يخ محمد العثيمني« :فالوقف هنا غير صحيح ،حتى لو فرض
الدين ،فإنه ال يصح الوقف»(.)1
أنه وقفه على غير نفسه حيلة أال يباع يف َّ
القاعدة الثانية :القواعد املقاصدية املتعلقة باملصالح واملفاسد.
ترج���ع التكاليف كلها إلى مصالح العباد يف دنياهم وآخرتهم( ،)2واملصلحة
«إذا كان���ت ه���ي الغالب���ة عند مناظرتها مع املفس���دة يف حك���م االعتبار فهي
شرعا ،ولتحقيقها وقع الطلب على العباد»(.)3
ً املقصود
وق���د وردت قواع ُد فقهية مقاصدية تضبط للمجتهد عمله عند النظر يف
تلك املصالح واملفاسد.
يقول ش���ي ُخ اإلس�ل�ام ابن تيمية« :إن الش���ريعة ج���اءت بتحصيل املصالح
وتكميلها وتعطيل املفاسد وتقليلها ،وأنها ترجيح خي َر اخليرين وش َّر الشرين،
وحتصيل أعظم املصلحتني بتفويت أدناهما ،وتدفع أعظ َم املفسدتني باحتمال
أدناهما»(.)4
وملا كان العم ُل باملصلحة هو مقصد الشريعة األعم ،ملا سبق من أن الشرع
ج���اء لتحصيل املصالح وتكميلها ،ودرء املفاس���د وتقليله���ا ،فقد جعل العلماءُ
لفقه املصالح واملفاسد قواع َد عامة ،روعي فيها فق ُه املوازنة بينهما ،أو بني
املصالح ذاتها ،أو املفاسد ،وخالصة ما ذكره أهل العلم يف ذلك:
((( الشرح املمتع للشيخ محمد العثيمني (.)27/11
((( انظر :قواعد األحكام يف مصالح األنام (.)62/2
((( انظر :املوافقات للشاطبي (.)25/2
((( مجموع الفتاوى البن تيمية (.)48/20
واهلل أعلم»(.)1
والذي يجب أن يعلم أن التشدد يف بعض مسائل الوقف يف الزمن املاضي
ملصلحة الوقف كانت له أس���باب مقنعة من تس���لط بعض النظار عليه ،وعدم
وج���ود الرقاب���ة الكافي���ة حلمايته ،أما األمر يف وقتنا ه���ذا فقد تغير أو على
تش���ريعات وقوانني
ٌ أقل تقدير يجب أن يت ّغير فقد أضحت األوقاف حتكمها
مؤسسات تخضع لإلشراف املباشر من الهيئات اخملتصة.
ٌ واضحة ،وتديرها
وقد وقفت على عدد من الصكوك الش���رعية املتعلقة بأوقاف روعي فيها
مصلحة الوقف ،ومن ذلك :س���ؤال القاضي عن س���بب البيع أو االس���تبدال،
ووسيلته ،واحتياط القاضي للوقف وأهله بالنظر يف صالحية صك التملك،
وصك الوقفية والنظارة عليه ،وس���ريان مفعوله ،ثم عرضه على أهل اخلبرة
يف القيم���ة الت���ي انتهى إليها ،وبع���د اإلذن بالبيع تودع القيمة لدى مؤسس���ة
شرعي ،وهذا فيه احتياط
ّ النقد حلني شراء البدل ،وصدور اإلذن من حاكم
للوق���ف بعدم تس���ليم الثم���ن للناظر خش���ية التصرف فيه ،ث���م جند القضاة
يطلبون حضو َر البائع إلى مجلس القضاة ،وإمتام عملية البيع ،وصرف قيمة
العقار عن طريقهم وليس عن طريق الناظر(.)2
وخالصة القول أن الناظر يف أنظمة الوقف ،ليطمئن قلبه إلى حسن التصرف
يف األموال املوقوفة مبا يحقق قصد الواقف ،وحماية الشريعة حلقوقه ال بد
من مراعاة قاعدة املصالح واملفاس���د؛ ألج���ل مصلحة الوقف ،ودرء اخملاطر
عن���ه ،ومواكبة تغيرات العصر ،بأن تكون حتت ظل هذه القواعد املقاصدية.
((( مجموع الفتاوى (.)261/31
((( انظ���ر بع���ض تلك القرارات والتعميمات القضائية يف كت���اب :الوقف ومبادئ اإلجراءات القضائية للدكتور
واصل بن داود امل ّذن ( )138وما بعدها.
والناظ���ر الي���وم يرى أن األس���واق املالي���ة تطرح قضايا مهم���ة حتتاج إلى
الفقهي الدقيق لإلجابة
ّ النظر والتأمل ،وتطرح أس���ئل ًة حتتاج إلى االجته���اد
(أراض)
ٍ عنها؛ فعلى س���بيل املثال :هل ميكن اس���تبدال أصول وأعيان وقفية
ذات العائد املنخفض واخملاطر القليلة أو املنعدمة ،وحتويلها (أعيان الوقف)
إلى أصول مالية سهلة التسييل والتداول (كاألسهم واألوراق املالية األخرى)
مجز مع مخاطر أعلى؟ وهل ميكن يف هذه احلال اس���تبدال تلك
ذات عائ���د ٍ
األعيان الوقفية جملرد الرغبة يف زيادة العائد والنفع للمستفيدين مع حتمل
تل���ك اخملاط���ر العالية؟ مع أننا نالحظ بأن ما كان يناقش���ه الفقهاءُ يف صور
االستبدال هو استبدال أصل بأصل آخر يتماثل يف الغالب يف درجة مخاطره
االس���تثمارية .وهل ميكن اعتبار صيغة االس���تبدال حلًّا مالئ ًما ملا تعاني منه
كثي��� ٌر من ممتلكات األوقاف من اخلراب ،وبخاصة احلاالت التي يعاني منها
ُ
الوقف من ندرة يف السيولة وشح يف املوارد؟(.)1
كل ذل���ك يج���ب أن يكون محكو ًما بقواعد الش���رع ،ومنه���ا قاعدة مراعاة
املصالح بجلبها ،واملفاسد بدفعها ما أمكن.
القاعدة الثالثة :إن مقصود الشارع يف األعمال دوام املكلف عليها
سبق يف توضيح مقاصد الشريعة يف الوقف بيان طريقة اختصاص الوقف
بني القربات بخاصية االس���تمرارية بدوام املوقوف ،ومن ثم اس���تمرار األجر
والثواب املترتب عليه.
((( انظ���ر :فق���ه الوق���ف -قضاي���ا معاصرة ،إعداد الدكتور العياش���ي ف���داد -باحث يف االقتصاد اإلس�ل�امي
[املصدر :موقع املنارة وال ّرباط].
2.2اش���تراط كون املوقوف عق���ا ًرا أو منقو ًلا يتأتى االنتفاع به مع بقاء عينه،
أما ما ال ميكن االنتفاع به إال بتلف عينه فإنه ال يصح وقفه؛ ألن الوقف
حبس األصل وتسبيل املنفعة( ،)3واخلالف يف وقف النقود سيأتي.
3.3اش���تراط كون املوقوف معلو ًما عل ًما تا ًّما؛ بحيث ال تش���وبه جهال ٌة تفضي
إل���ى ن���زاع ،فاجلهالة املمنوع���ة التي تفضي إل���ى النزاع متن���ع دائ ًما يف
املعاوضات.
4.4جعل الوالية والنظارة لألكفأ على الوقف من أجل ضمان سالمته والقيام
بحفظ���ه ،والنظر مبصاحل���ه كعمارة الوقف ،أو إبداله ،أو اس���تبداله ،أو
حمايته عند غصبه ،أو االعتداء عليه ،واملطالبة بضمانه.
((( إن القول بلزوم الوقف يحقق مصلحة الواقف يف قصده القربة هلل عز وجل ،كما يحقق مصلحة املوقوف
ش���رعا ،وال يحصل ذلك على الوجه األكمل إال
ً عليهم يف االنتفاع املس���تمر ،وهو نوع من البر العام املقصود
باللزوم ..انظر :بحث لزوم الوقف يف الفقه اإلسالمي املقارن للدكتور محمد فتحي الدريني ،ضمن كتابه:
بحوث مقارنة يف الفقه اإلسالمي وأصوله (..)229/2
((( قواعد األحكام يف مصالح األنام (.)125/2
((( انظر :أحكام الوقف يف الشريعة اإلسالمية للدكتور محمد الكبيسي ( )322/1وما بعدها.
5.5ومم���ا يحق���ق مقصود دوام املكل���ف على العمل إباحة اس���تثمار األوقاف
أو موارده���ا( ،)1وإال تعط���ل وانقطعت مناف ُعه ،وق���د ورد يف قرار اجملمع
الفقهي رقم )5/6( 140بشأن االستثمار يف الوقف ويف غالته وريعه ما
نصه« :قرر ما يأتي :أولًا :استثمار أموال الوقف -2 ... :يتعني احملافظة
على املوقوف مبا يحقق بقاء عينه ودوام نفعه -3 .يجب استثمار األصول
الوقفي���ة؛ س���واء أكانت عقارات أم منقوالت ما ل���م تكن موقوفة لالنتفاع
املباشر بأعيانها -6 ...يجوز استثمار الفائض من الريع يف تنمية األصل
أو يف تنمية الريع؛ وذلك بعد توزيع الريع على املستحقني وحسم النفقات
واخملصصات ،كما يجوز اس���تثمار األموال املتجمعة من الريع التي تأخر
صرفه���ا -7 .يجوز اس���تثمار اخملصص���ات املتجمعة م���ن الريع للصيانة
وإع���ادة اإلعمار ،ولغيرها من األغراض املش���روعة األخرى -8 .ال مانع
استثماري واحد مبا
ّ شرعا من استثمار أموال األوقاف اخملتلفة يف وعاء
ً
ال يخالف شرط الواقف ،على أن يحافظ على الذمم املستحقة لألوقاف
عليها ،)2(»...ثم ذكروا لذلك ضوابط ،ثم حتدثوا عن مسألة وقف النقود
الشرعي من
ّ ش���رعا؛ ألن املقص َد
ً فقرروا ما يلي -1« :وقف النقود جائز
الوق���ف وهو حبس األصل وتس���بيل املنفعة متحق���ق فيها؛ وألن النقود ال
تتعني بالتعيني ،وإمنا تقوم أبدالها مقامها -2 .يجوز وقف النقود للقرض
((( انظر يف ذلك كتاب االجتاهات املعاصرة يف تطوير االس���تثمار الوقفي حملمد التيجاني .وبحث د .راش���د
ب���ن أحم���د العلي���وي بعنوان (الصيغ احلديثة الس���تثمار الوقف وأثرها يف دعم االقتص���اد) ،وبحث د .مانع
ب���ن حم���اد اجلهن���ي بعنوان (اإلف���ادة من التج���ارب املعاصرة لبعض الدول اإلس�ل�امية يف مج���ال الوقف)،
والبحث���ان منش���وران ضمن بحوث ندوة مكانة الوقف وأثره يف الدع���وة والتنمية ،واملنعقدة يف مكة املكرمة
شوال1420هـ.
((( مجلة مجمع الفقه اإلسالمي ،العدد اخلامس عشر (.)526-525/3
والف���روع املندرج���ة حتت هذه القاعدة أكثر من أن حتصى ،فمن نظر إلى
أحوال العالم اإلسالمي يف حالة ضعفه -كحالتنا اليوم -ويرى تسلط األعداء
على ديارنا وعلى أوقاف املس���لمني ،كما حدث من اليهود يف فلس���طني ،وكما
حدث ألوقاف أهل الس���نة يف العراق يف املناطق التي هجروا منها( ،)1فنُهبت
األوقاف ،واس���تولى الغاصب عليها ،وهم يف حالة ضعف وحرج وضيق ،ويف
قاع���دة رفع احلرج عنهم فس���ح ٌة لهم يف احلفاظ عل���ى أموالهم وممتلكاتهم
الوقفي���ة املتنوع���ة ،من مثل :بي���ع تلك األوقاف؛ لذهاب أصحابها أو مش���قة
االنتف���اع به���ا ،أو بريعها ،أو اس���تبدالها ،أو تأجيرها ألع���وام مديدة ،وتوزيع
ريعها للمستحقني.
يقول ش���يخ اإلس�ل�ام ابن تيمية ...« :واملقصود أنه حيث جاز البد ُل ،هل
يش���ترط أن يكون يف الدرب أو البلد الذي فيه الوقف األول ،أم يجوز بغيره
إذا كان ذلك أصلح ألهل الوقف ،مثل أن يكونوا مقيمني ببلد غير بلد الوقف،
وإذا اش���ترى فيه البدل كان أنفع لهم؛ لكثرة الريع ،ويس���ر التناول؟ .فنقول:
م���ا علمت أح ًدا اش���ترط أن يك���ون البد ُل يف بلد الوق���ف األول ...وليس يف
شرعي ،وال مصلحة ألهل الوقف ،وما
ٌّ تخصيص مكان العقار األول مقصو ٌد
لم يأمر به الشارع وال مصلحة فيه لإلنسان فليس بواجب وال مستحب .فعلم
أن تعيني املكان األول ليس بواجب وال مستحب ملن يشتري بالعوض ما يقوم
مقامه ،بل العدول عن ذلك جائز ،وقد يكون مس���تح ًّبا ،وقد يكون واج ًبا إذا
تعينت املصلحة فيه .واهلل أعلم»(.)2
((( ينظر يف ذلك الكتاب الوثائقي عن مس���اجد العراق (مس���اجد يف وجه النار) ،ط .دار الرش���يد ،كما ينظر
للفيلم الوثائقي ملساجد فلسطني (مآذن يف وجه الدمار).
((( مجموع الفتاوى (.)268-266/31
الخاتمة
خالصا لوجهه
ً وختا ًم���ا أرجو العل���ي القدير مب ِّنه وكرمه أن يجع���ل العمل
الك���رمي ،وأن ينف���ع به ،إنه جواد كرمي ،وصلى اهلل على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعني.
1.1أثر املصلحة يف الوقف :للش���يخ عبداهلل بن الشيخ احملفوظ بن ب َّية ،منشور ضمن
بحوث ندوة الوقف يف الشريعة اإلسالمية ومجاالته ،طبع وزارة الشؤون اإلسالمية
والدعوة واإلرشاد.
2.2أثر الوقف يف التنمية االقتصادية :للدكتور عبداللطيف بن عبداهلل العبداللطيف،
ُق��� ِّدم ملؤمتر األوقاف األول يف اململكة العربية الس���عودية ،والذي نظمته جامع ُة أم
القرى ،بعنوان :أثر الوقف يف تنمية اجملتمع ،طبع دار الثقافة مبكة.
3.3االجته���اد املقاص���دي – حجيته ،ضوابطه ،مجاالته :للدكتور ن���ور الدين بن مختار
اخلادمي ،كتاب األمة ،ط ،1عدد ( ،)66قطر1998 ،م.
4.4اإلح���كام يف أص���ول األح���كام :لإلمام علي ب���ن محمد اآلمدي ،حتقيق :د /س���يد
اجلميلي ،دار الكتاب العربي ،بيروت ،ط1418 ،3هـ.
5.5أحكام الوقف يف الشريعة اإلسالمية :للدكتور محمد عبيد الكبيسي ،وزارة الشؤون
اإلسالمية والدعوة واإلرشاد ،طبعت بإذن من الناشر مكتبة املعارف.
6.6اإلفادة من التجارب املعاصرة لبعض الدول اإلس�ل�امية يف مجال الوقف :للدكتور
مانع بن حماد اجلهني ،ضمن بحوث ندوة مكانة الوقف وأثره يف الدعوة والتنمية،
املنعقدة يف مكة ،طبع وزارة الشؤون اإلسالمية ،واألوقاف والدعوة واإلرشاد.
7.7اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف :علي بن سليمان املرداوي ،مطبعة السنة
احملمدية ،مصر1377،هـ.
8.8األوق���اف يف اململكة العربية الس���عودية -مش���كالت وحلول :للش���يخ عبدالرحمن
ب���ن عبدالق���ادر فقيه ،ضمن بحوث ندوة مكانة الوقف وأث���ره يف الدعوة والتنمية،
املنعقدة يف مكة ،طبع وزارة الشؤون اإلسالمية والدعوة واإلرشاد.
9.9حاشية الدسوقي على الشرح الكبير :محمد عرفة الدسوقي ،مطبعة محمد علي
صبيح1353 ،هـ.
1010حاش���ية العدوي على شرح اخلرش���ي :علي بن أحمد العدوي ،مطبوع على هامش
اخلرشي.
1111احلماية اجلزائية للتعدي على األوقاف وتطبيقاتها يف اململكة العربية الس���عودية:
للدكت���ور دب���اس ب���ن محمد الدباس���ي ،طبع وزارة الش���ؤون اإلس�ل�امية واألوقاف
والدعوة واإلرشاد ،ط1428 ،1هـ.
1212ال���درر الس���نية يف األجوب���ة النجدي���ة :جم���ع عبدالرحمن بن قاس���م النجدي ،من
مطبوعات دار اإلفتاء باململكة العربية السعودية ،ط1385 ،2هـ.
1313روضة الطالبني :يحيى بن شرف النووي ،املكتب اإلسالمي ،ط.1
1414س�ن�ن اب���ن ماجه :للحافظ أبي عبداهلل محمد بن يزي���د القزويني ،حتقيق :محمد
فؤاد عبدالباقي ،دار إحياء التراث اإلسالمي1395 ،هـ.
1515س�ن�ن أبي داود :لإلمام أبي داود س���ليمان األش���عث ،إعداد :عزت عبيد الدعاس،
ط1388 ،1هـ.
1616سنن الترمذي (اجلامع الصحيح) :ألبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة ،حتقيق
وشرح :أحمد محمد شاكر ،املكتبة التجارية ،مكة.
1717شرح اخلرشي على مختصر خليل :محمد اخلرشي ،املطبعة األميرية1317 ،هـ.
1818الشرح الكبير :أحمد الدردير ،مطبوع بهامش الدسوقي.
1919الشرح املمتع على زاد املستقنع :لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمني ،دار ابن
اجلوزي ،ط1،1426هـ.
2020الصيغ احلديثة الستثمار الوقف وأثره يف دعم االقتصاد :للدكتور راشد بن أحمد
العلي���وي ،ضم���ن بحوث ندوة مكانة الوقف وأثره يف الدع���وة والتنمية ،املنعقدة يف
مكة ،طبع وزارة الشؤون اإلسالمية والدعوة واإلرشاد.
2121طرق الكشف عن مقاصد الشارع :للدكتور نعمان ُجغيم ،دار النفائس األردن ،ط،1
1422هـ.
2222فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء :جمع وترتيب أحمد بن عبدالرزاق
3535مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها :لعلَّال الفاسي ،دار الغرب اإلسالمي ،ط،5
1993م.
3636مقاصد الش���ريعة عند ابن تيمية :للدكتور يوسف بن أحمد البدوي ،دار النفائس،
ط1421 ،1هـ.
3737مقاصد الش���ريعة يف مجال الوقف :للدكتور إبراهيم البيومي غامن ،مطبوع ضمن
كتاب مقاصد الش���ريعة -دراس���ات يف قضايا املنهج ومجاالت التطبيق ،مؤسس���ة
الفرق���ان للتراث اإلس�ل�امي مركز دراس���ات مقاصد الش���ريعة اإلس�ل�امية ،ط،1
2006م.
3838املوافقات :للشاطبي ،نشر دار املعرفة للطباعة والنشر ،بيروت.
3939مواه���ب اجلليل ش���رح مختصر خليل :محمد بن محمد ب���ن عبدالرحمن املعروف
باحلطاب ،مطبعة السعادة ،مصر ،ط1329 ،1هـ.
4040الوصف املناسب لشرع احلكم :للدكتور أحمد بن محمود عبدالوهاب الشنقيطي،
اجمللس العلمي ،اجلامعة اإلسالمية باملدينة املنورة1415 ،هـ .
4141الوقف مفهومه ومقاصده :للدكتور أحمد عبداجلبار الش���عبي ،ضمن بحوث ندوة
املكتب���ات الوقفي���ة يف اململكة العربية الس���عودية ،طبع وزارة الش���ؤون اإلس�ل�امية
واألوقاف والدعوة واإلرشاد باململكة العربية السعودية.
4242الوقف مفهومه ومقاصده :للدكتور عبدالوهاب بن إبراهيم سليمان ،ضمن بحوث
ندوة املكتبات الوقفية يف اململكة العربية السعودية ،طبع وزارة الشؤون اإلسالمية
والدعوة واإلرشاد باململكة العربية السعودية(.)1
((( بحث ُقدم ألكثر من جهة منها اجملمع الفقه اإلس�ل�امي يف الدورة الثانية عش���رة ،ونش���ر يف مجلة اجملمع،
الع���دد الثان���ي عش���ر ( .)207/1ومنش���ور يف مجلة البحوث الفقهي���ة املعاصرة ،العدد ( ،)47الس���نة ()12
1421هـ .ومنشور ضمن بحوث ندوة الوقف يف الشريعة اإلسالمية ومجاالته (.)105-59/1