You are on page 1of 125

‫املستخلص يف فقه النوازل املعاصرة‬

‫( دراسة نظرية ومناذج تطبيقية)‬

‫إعداد‬
‫حممد املصطفى عبد اجلبار‬
‫جامعة الرايـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫‪7102-7102‬م‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫م ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّدم ــة‬
‫احلمد هلل الذي أكمل الدين وأمت النعمة ورضي لعباده اإلسالم ديناً‪ .‬سبحانه أرسل رسوله‬
‫باهلدى ودين احلق ليظهره على الدين كله‪ ،‬وبعث يف األميني رسوال منهم يتلو عليهم آياته‬
‫ويزكيهم ويعلمهم الكتاب واحلكمة‪ .‬وأشهد أن سيدنا وموالنا حممداً عبده ورسوله‪ ،‬وصفيه من‬
‫خلقه وحبيبه‪ ،‬بلغ الرسالة‪،‬وأدى األمانة‪ ،‬ونصح األمة‪ ،‬وتركها على احملجة البيضاء ليلها‬
‫كنهارها‪ .‬مل يرتك شيئاً يقربنا إىل هللا اإال وقد أمرنا به‪ ،‬وال شيئاً يبعدنا عن هللا اإال وقد هنانا عنه‪.‬‬
‫اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا حممد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إىل يوم‬
‫الدين‪.‬‬
‫ونسألك اللهم عوناً وتوفيقاً من عندك‪ ،‬وأن جتعل هذا العمل خالصاً لوجهك الكرمي‪ ،‬وأن‬
‫جتنبنا مواطن اخلطأ والزلل‪ ،‬وأن تأخذ بأيدينا إىل طريق احلق واهلدى والرشاد‪ .‬إنك مسيع جميب‪.‬‬
‫فإن من سنن هللا يف هذا الكون تبدل أحواله وظروفه بصورة مستمرة‪ ،‬وبتبدل الظروف واألحوال‬
‫تتبدل كثري من األدوات والوسائل أيضاً‪ ،‬فتظهر وقائع ونوازل جديدة‪ ،‬حيتاج املسلم معها إىل‬
‫اجتهاد ونظر جديد ملعرفة أحكام تلك املستجدات يف ميزان الشرع‪ ،‬ومن مثَّ يتحتم على املسلم‬
‫البحث عن حكمها يف الشريعة من حيث احلِل واحلُرمة‪ ،‬أو الصحة والبطالن‪ ،‬قبل اإلقدام‬
‫عليها والتعامل معها‪ .‬ومن ممثَّ حظيت وال تزال حتظى باهتمام علماء العصر لبيان حكم الشرع‬
‫فيها‪ ،‬ومتشياً مع هذا جاءت هذه الدراسة وهي مستخلص يف فقه النوازل املعاصرة‪ ،‬وقد ضمت‬
‫مقدمة وفصلني وكانت كالتايل‪:‬‬
‫الفصل األول ققيقة فقه النوازل املعاصرة‬
‫الفصل الثاين دراسة عينات من النوازل املعاصرة‬

‫‪2‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫الدراسات السابقة املستفادة‬


‫‪ 0‬منهج استخراج األقكام الفقهية للنوازل مسفر بن علي القحطان ‪7111‬م‬
‫‪ 7‬فقه النوازل حممد بن قسني اجليزاين ‪7112‬م‬
‫‪ 3‬مراقل النظر يف النوازل الفقهية ناصر بن عبد هللا امليمان ‪7112‬م‬

‫وهللا أسأل التوفيق والنجاح‬


‫حممد املصطفى عبداجلبار‬

‫‪3‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫الفصل األول‬
‫ققيقة فقه النوازل املعاصرة‬
‫وفيه املباقث اآلتية‬
‫املبحث األول مفهوم فقه النوازل‬
‫املبحث الثاين أقسام النوازل وأسباب وقوعها‬
‫املبحث الثالث فوائد العلم بفقه النوازل‬
‫املبحث الرابع االجتهاد والنظر يف النوازل‬
‫املبحث اخلامس ضوابط االجتهاد يف النوازل‬
‫املبحث السادس مظان النوازل‬
‫املبحث السابع التعريف ببعض هيئات االجتهاد اجلماعي املعنية بالنوازل‬

‫‪4‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫أهداف الفصل األول‬

‫يف هناية هذا الفصل يتوقع أن يكون الطالب قادراً على أن‬
‫‪ 0‬يوضح مفهوم فقه النوازل‬
‫‪ 7‬يبني أقسام النوازل وأسباب وقوعها‬
‫‪ 3‬يعدد الفوائد من العلم بفقه النوازل‬
‫‪ 4‬يعرف االجتهاد والنظر يف النوازل‬
‫‪ 2‬يعرف ضوابط االجتهاد يف النوازل‬
‫‪ 6‬يعرف مظان النوازل‬
‫‪ 2‬يتعرف على بعض هيئات االجتهاد اجلماعي املعنية بالنوازل‬

‫‪5‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫املبحث األول‬
‫مفهوم فقه النوازل‬

‫املطلب األول تعريف فقه النوازل لغة واصطالقاً‬


‫الفرع األول ققيقة الفقه والنازلة‬
‫الفقه لغة‪ :‬مطلق الفهم‪ ،‬أو الفهم الدقيق‪ ،‬أو فهم غرض املتكلم من كالمه(‪ ،)1‬أما‬
‫اصطالحاً‪ :‬فهو العلم باألحكام الشرعية العملية املكتسبة من أدلتها التفصيلية(‪.)2‬‬

‫ومعلوم أن الفقيه يبحث يف فعل املكلف من حيث ما يثبت لـه من األحكام الشرعية والفقه‬
‫هو املرجع يف معرفة احلكم الشرعي فيما يصدر عن اإلنسان أو ما يعرتضه من مسائل يف‬
‫حياته‪.‬‬

‫وأما النازلة‬

‫فيقول ابن منظور‪ :‬النازلة‪ :‬الشديدة تنزل بالقوم ومجعها نوازل (‪ ،)3‬وقال صاحب كتاب‬
‫الصحاح‪ :‬النازلة‪ :‬الشديدة من شدائد الدهر تنزل بالناس (‪ ،)4‬وقال الفيومي‪ :‬النازلة هي املصيبة‬
‫الشديدة تنزل بالناس (‪ .)5‬فنخلص إىل أن النازلة هي‪ :‬األمر الشديد الذي يقع بالناس‪.‬‬

‫وأما اصطالحاً‪ :‬فقد وردت عدة تعريفات منها‬


‫(‪)6‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪" -‬وقائع حقيقية تنـزل بالناس‪ ،‬فيتجهون إىل الفقهاء حبثا عن الفتوى"‬
‫)‪ (1‬القاموس احمليط‪ :‬الفريوز آبادي‪ ،‬مادة فقه ‪.1114/1‬‬
‫)‪ (2‬اإلهباج‪ :‬السبكي ‪.22/1‬‬
‫(‪ )3‬لسان العرب‪ :‬البن منظور‪ ،‬مادة نزل ‪.652/11‬‬
‫(‪ )4‬الصحاح ‪:‬جلوهري‪ ،‬مادة نزل ‪.1221/5‬‬
‫(‪ )5‬املصباح املنري‪ :‬للفيومي‪ ،‬مادة نزل ‪.261/2‬‬
‫(‪ )6‬صناعة الفتوى‪ ،‬للشيخ عبد هللا بن بياه ص ‪( 11‬دار املنهاج‪ ،‬جدة‪ ،‬ط ‪1422 ،1‬هـ=‪2001‬م)‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪" -‬احلادثة املستجدة اليت تتطلب حكماً شرعياً" (‪. )1‬‬


‫(‪)2‬‬
‫‪" -‬الوقائع اجلديدة اليت مل يسبق فيها نص وال اجتهاد"‪.‬‬

‫الفرع الثاين التعريف االصطالقي لفقه النوازل‬


‫من خالل التعريف جلزئي املركب اإلضايف لفقه النوازل‪ ،‬ميكن تعريف فقه النوازل بأنه‪ ":‬العلم‬
‫باألقكام الشرعية متعلقة بالقضايا الفقهية املعاصرة أو املستجدة"‬

‫بالنظر إىل هذه التعريف ميكن مالحظة التايل‪:‬‬


‫‪ -‬أن هذا العلم يبحث يف املسائل اجلديدة‪ ،‬وهي عبارة عن مشكالت‪ ،‬معاصرة‪ ،‬تتميز‬
‫بالتعقيد والتشابك‪ ،‬تعرتض املسلم يف حياته اليومية‪ ،‬فيتصدى هلا العلماء اجملتهدون ببيان‬
‫حكمها الشرعي‪ ،‬بناء على قواعد وأصول الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫شرح أهم مصطلحات التعريف‬
‫يشتمل التعريف عدة عناصر هي‪:‬‬
‫‪ 0‬قضايا‬
‫‪ 7‬فقهية ( وقد سبق تعريف الفقه)‬
‫‪ 3‬معاصرة‬

‫أوالً تعريف مصطلح " القضايا "‬


‫القضايا‪ :‬مجع قضية‪ :‬وهي مأخوذة من قضى‪ :‬وهي األمر املتنازع عليه اليت تعرض على‬
‫القاضي أو اجملتهد ليحكم أو يفيت فيها(‪.)3‬‬
‫جاء يف املعجم الوسيط القضية‪ :‬احلكم‪ ،‬والقضية مسألة يتنازع فيها وتعرض على‬
‫القاضي أو القضاء للبحث والفصل(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬املنهج يف استنباط أحكام النوازل‪ ،‬لوائل اهلويريين ص ‪( 11‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط ‪1430 ،1‬هـ=‪2001‬م)‪.‬‬
‫(‪ )2‬منهج استخراج األحكام الفقهية للنوازل املعاصرة‪ :‬مسفر القحطاين‪.15/1،‬‬
‫)‪ (3‬املصباح املنري‪ :‬للفيومي ‪.616/2‬‬
‫)‪ (4‬املعجم الوسيط‪ :‬إبراهيم أنيس وآخرون‪ ،‬مادة قضى‪ ،‬ص‪.142‬‬
‫‪1‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫ثانياً املعاصرة‬
‫املعاصرة مأخوذة من العصر وهو لغة‪ :‬الدهر‪ ،‬وهو الزمن الذي نزلت فيه هذه القضية‪،‬‬
‫واملقصود به العصر احلايل أو الوقت احلاضر الذي ظهرت فيه كثري من القضايا واملسائل‬
‫املستجدة اليت حتتاج إىل حكم شرعي واجتهاد العلماء املتخصصني فيها‪.‬‬
‫فمصطلح قضايا فقهية معاصرة يعين ‪ ،‬واإلسالم هو الدين الذي أنزله هللا عز وجل‬
‫لتقومي احلياة اإلنسانية مبا فيها من حركة ونشاط‪ :‬ومما يقطع به أن له أحكاماً وضوابط يف كل‬
‫ما يكتشفه اإلنسان من حيث كيفية االستفادة منه والتعامل معه‪ ،‬وال شك أن علماء الشرع‬
‫مدعوون دائماً إىل استنباط تلك األحكام والبحث عن تلك الضوابط‪ ،‬مستنريين مبقاصد شريعة‬
‫هللا وقواعدها العامة ومناهج السلف الصاحل اليت اختذوها يف مواجهة املستجدات للحكم عليها‬
‫وضبط التعامل معها(‪ ،)1‬وإن حاجة العصر إىل االجتهاد حاجة أكيدة ملا يعرض من قضايا مل‬
‫تعرض ملن تقدم عصرنا‪ ،‬وكذلك ما سيحدث من قضايا جديدة يف املستقبل(‪.)2‬‬

‫شروط ال بد من وجودها يف النازلة‬


‫‪ -‬الوقوع‪ :‬حلوهلا وحصوهلا‪.‬‬
‫‪ -‬اجلدة‪ :‬مل حتدث من قبل‪.‬‬
‫‪ -‬الشدة‪ :‬تكون ملحة من جهة النظر الشرعي‪.‬‬

‫املطلب الثاين املصطلحات املرادفة لفقه النوازل‬


‫لقد أطلق الفقهاء على تلك املسائل اليت استجدت بالناس يف عصورهم املتتالية عدة‬
‫ألفاظ ومصطلحات‪ ،‬كما تعددت تعبرياهتم وتسمياهتم هلذا اللون من التأليف يف الفقه‪ :‬ومن‬
‫التسميات اليت ذكرت ما يلي‪:‬‬
‫‪ -0‬الفتاوى‬

‫)‪ (1‬أحباث فقهية يف قضايا طيبة معاصرة‪ :‬حممد نعيم ياسني‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫)‪ (2‬قرار اجملمع الفقهي يف دورته الثامنة املنعقد عام ‪ 1405‬هـ بشأن موضوع االجتهاد‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫هي مجع فتوى‪ -‬بالواو – بفتح الفاء‪ ،‬وبالياء‪ ،‬فتضم وهي اسم من أفىت العامل إذا بني‬
‫احلكم(‪.)1‬‬
‫ويف االصطالح‪ " :‬هو إظهار األحكام الشرعية باالنتزاع من الكتاب والسنة واإلمجاع‬
‫والقياس" (‪ ،)2‬وقيل‪ :‬هي اإلخبار حبكم هللا تعاىل عن دليل شرعي(‪.)3‬‬
‫ولعل إطالق اسم الفتاوى على " القضايا الفقهية املعاصرة " هو األشهر واألكثر تداوالً‬
‫بني الناس‪ ،‬من أمثلتها‪ :‬الفتاوى اهلندية‪ ،‬وفتاوى ابن قجر اهليثمي‪ ,‬وفتاوى شيخ اإلسالم‬
‫ابن تيمية …‬
‫‪ -7‬الفتاوى املعاصرة‬
‫بعضهم يسميها الفتاوى املعاصرة ألهنا تتعرض ملسائل الوقت احلاضر وقضاياه أو العصر‬
‫احلايل‪ ،‬فقد برزت يف هذا العصر نوازل كثرية حتتاج إىل اجتهاد فقهي وحكم شرعي‪ ،‬لعل أشهر‬
‫من ألف حتت هذا العنوان الشيخ يوسف القرضاوي يف كتابه املشهور يف جزأين إىل اآلن‪ ،‬وهو‬
‫من أنفس الكتب‪.‬‬
‫‪ -3‬القضايا املستجدة‬
‫القضايا مجع قضية وهي األمر املتنازع عليه‪ ،‬وأضيف إليها املستجدة ألهنا مسائل‬
‫مستحدثة جديدة الوقوع‪.‬‬
‫‪ -4‬املسائل ‪ -‬أو األسئلة‬
‫مساها بعض العلماء القدماء باملسائل ألهنا تتناول قضايا مطلوبة تطلب حالً أو تطلب‬
‫فتوى‪ ،‬وبعضهم يسميها باألسئلة ألهنا أسئلة يطرحها الناس ويتكفل العلماء بالرد عليها‪ ،‬ومن‬
‫أشهر من ألف هبذا االسم‪ :‬مسائل القاضي أبو الوليد بن رشد‪.‬‬
‫‪ -2‬األجوبة ‪ -‬أو اجلوابات‬
‫كذلك مساها بعض علماء األندلس باجلوابات ألهنا مسائل أجاب عنها العلماء بطلب‬
‫من الناس‪ ،‬ويف اللغة يقولون‪ :‬ال يسمى جواب إال بعد طلب(‪ ،)4‬ومن أشهر من ألف حتت‬
‫هذا االسم‪ :‬أمحد بن حممد العباسي السماليل يف كتابه "األجوبة العباسية"‬
‫‪ -6‬املشكالت‬

‫)‪ (1‬املصباح املنري باب الفتوى ‪.462/2‬‬


‫)‪ (2‬فتاوى ابن رشد ‪.1416/3‬‬
‫)‪ (3‬مباحث يف أحكام الفتوى‪ :‬د‪ .‬عامر سعيد الزيباري‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫)‪ (4‬رسالتان يف اللغة‪ :‬أبو احلسن الرماين ‪.21/1‬‬
‫‪1‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫كما عرب عنها اإلمام شلتوت يف كتابه الفتاوى حيث قال‪ " :‬مشكالت املسلم املعاصر‬
‫اليت تعرتضه يف حياته اليومية "‪ ،‬وكذلك مساها حممد فاروق النبهان يف كتابه املدخل للتشريع‬
‫اإلسالمي(‪ ،)1‬واملشكالت مجع مشكلة وهي يف اللغة من أشكل‪ ،‬يقال أشكل األمر‪ :‬إذا‬
‫التبس(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬الواقعات‬
‫وقال ابن عابدين‪ :‬الفتاوى أو الواقعات‪ :‬وهي مسائل استنبطها اجملتهدون املتأخرون ملا‬
‫سئلوا عن ذلك(‪ ،)3‬والواقعات مجع واقعة وهي لغة مبعىن نزل‪ ،‬أما يف االصطالح فهي احلادثة‬
‫اليت حتتاج إىل استنباط حكم شرعي هلا‪ ،‬وقيل هي الفتاوى املستنبطة للحوادث املستجدة(‪.)4‬‬

‫‪ -2‬املستجدات‬
‫وهي املسائل احلادثة اليت مل يكن هلا وجود من قبل وهذه املسائل يكثر السؤال عن‬
‫حكمها الشرعي(‪.)5‬‬
‫‪ -2‬احلوادث‬
‫(‪)6‬‬
‫قال الشيخ حممد الربكيت‪ " :‬احلوادث هي النوازل اليت يستفىت فيها " ‪.‬‬

‫النوازل بني االجتهاد والفتيا‬

‫عرف البيضاوي االجتهاد بأنه‪ " :‬استفراغ اجلهد‪ -‬الوسع – يف درك األحكام الشرعية" (‪.)1‬‬
‫ووجه املقاربة بني االجتهاد والنوازل أن االجتهاد‪:‬يعترب وعاء النوازل وبه تبني حكمها‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وأما الفتيا فعرفت بأهنا ‪ ( :‬إخبار عن حكم هللا بدليل شرعي ملن سأل عنه يف أمر نازل) ‪.‬‬
‫فالفتوى اإلخبار بثمرة االجتهاد‪.‬‬

‫)‪ (1‬املدخل للتشريع اإلسالمي‪ :‬حممد فاروق النبهان‪ ،‬ص‪.312‬‬


‫)‪ (2‬لسان العرب‪ :‬ابن منظور‪ ،‬مادة شكل ‪.351/11‬‬
‫)‪ (3‬جمموعة رسائل بن عابدين‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫)‪ (4‬انظر‪ :‬املعامالت املالية املعاصرة‪ :‬د‪ .‬حممد عثمان شبري‪ ،‬ص‪.13 -12‬‬
‫)‪ (5‬مستجدات فقهية يف قضايا الزواج والطالق‪ :‬أسامة عمر سليمان األشقر‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫)‪ (6‬قواعد الفقه‪ :‬حممد الربكيت ‪.261 /1‬‬
‫(‪ )1‬هناية السول‪.524/4:‬‬
‫(‪ )2‬الفتيا ومناهج االفتاء‪ :‬حممد سليمان االشقر‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫‪10‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫والعالقة بينهما ‪ :‬أن النوازل ختتص باحلدوث والوقوع‪ -‬والفتوى تشمل سؤال الناس عن‬
‫األحكام سؤاء حدثت أم مل حتدث‪.‬‬

‫أسئلة تقييم‬
‫‪ .1‬عرف مصطلحي الفقه والنوازل لغة واصطالحاً‪.‬‬
‫‪ .2‬ما التعريف االصطالحي لفقه النوازل؟‪..‬‬
‫‪ .3‬هناك شروط ال بد من وجودها يف النازلة عددها‪.‬‬
‫‪ .4‬هناك مصطلحات مرادفة لفقه النوازل اذكرها‪.‬‬
‫‪ .5‬ما العالقة بني النوازل واالجتهاد والفتيا؟‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫املبحـ ـث الثـ ـ ـاين‬


‫(‪)0‬‬
‫أقسام النوازل وأسباب وقوعها‬

‫املطلب األول أقسام النوازل‬


‫تنقسم النوازل باعتبارات متعددة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ .1‬تنقسم النوازل بالنظر إىل موضوعه إىل‪:‬‬
‫‪ -‬النوازل الفقهية هي ما كان من قبيل األحكام الشرعية العملية‪.‬‬
‫‪ -‬النوازل غري الفقهية فهي مثل النوازل العقدية كظهور بعض الفرق اجلديدة‪.‬‬
‫‪ .2‬تنقسم أيضا باعتبار كثرة وقوعها إىل‪:‬‬
‫‪ -‬نـوازل عامـة ال يسـلم مـن االبـتالأ دـا أقـد غالبـا عـادة كالتعامـل بـاألوراق املاليــة‪،‬‬
‫والتعامل باملعامالت البنكية‪.‬‬
‫‪ -‬نوازل يكثر وقوعها كالصالة يف الطائرة‪.‬‬
‫‪ -‬نوازل يقل وقوعها كاللجوء السياسي‪.‬‬
‫‪ .3‬وتنقسم باعتبار أمهيتها إىل‪:‬‬
‫‪ -‬نوازل كربى هتم كل األمة كاحلروب ضد املسلمني‪.‬‬
‫‪ -‬نوازل دون ذلك هتم بعض املسلمني‪.‬‬
‫‪ .4‬من حيث اجلدة‬
‫‪ -‬نوازل حمضة ( أطفال األنابيب – بنك احلليب‪ -‬استئجار األرحام)‪.‬‬

‫(‪ )1‬فقه النوازل‪ :‬حممد بن حسني اجليزاين‪.22/1 ،‬‬


‫‪12‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪ -‬نسبية جتددت صورهتا ( البيع بالتقسيط‪ -‬العمليات اجلراحية – الزواج بنية‬


‫الطالق)‪.‬‬

‫ومـن املمكــن أن نقسـم النـوازل إىل تقسـيمات أخــرى باعتبـارات شــىت‪ ،‬ولكـن مــا سـلف هــو‬
‫أظهر تقسيماهتا‪.‬‬
‫املطلب الثاين أسباب وقوع النوازل وقكم االجتهاد فيها‬
‫‪ -‬التطور العلمي والتقدم الصناعي ( تطور احلياة)‪.‬‬
‫‪ -‬الفجور‪ :‬تفريط االلتزام بأحكام الدين " حتدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من‬
‫الفجور" عمر بن عبد العزيز‪ -‬منتقى شرح املوطأ‪.‬‬
‫قكم االجتهاد يف النوازل‬
‫واجب على هذه األمة فهو من فروض الكفاية ويتعني على من تصدر هلا‪.‬‬
‫أمهية االجتهاد يف النوازل‬
‫تتلخص أمهية االجتهاد يف النوازل يف النقاط اآلتية‬
‫‪ -‬بيان صالح الشريعة لكل عصر ومكان وخلودها وكفالتها بتقدمي حلول لكل‬
‫مشكلة حادثة‪.‬‬
‫‪ -‬مراعاته حلاجة ومصاحل الناس‪.‬‬
‫‪ -‬إيقاظ هذه األمة والتنبيه خلطورة قضايا ومسائل ابتلي هبا املسلمون‪.‬‬
‫‪ -‬إعطاء هذه النوازل أحكامها الشرعية املناسبة هلا‪.‬‬
‫‪ -‬الداللة علي حيوية وجتديد الدين‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫أسئلة تقييم‬

‫‪ .1‬للنوازل أقسام باعتبارات متعددة اذكرها ومثل هلا‪.‬‬

‫‪ .2‬ما أسباب وقوع النوازل؟‪.‬‬

‫‪ .3‬اذكر حكم االجتهاد يف النوازل‪.‬‬

‫‪ .4‬ما أمهية االجتهاد يف النوازل؟‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫املبحث الثالث‬
‫فوائد العلم بفقه النوازل‬

‫للقضايا الفقهية املعاصرة فوائد تتعلق بصفة املسـائل الواقعيـة الـيت تعـرض صـوراً مـن اجملتمـع‬
‫الذي نزلت فيه النازلة‪ ،‬وله فوائد تتعلق بالفتوى أو احلكـم الشـرعي‪ ،‬ولـه فوائـد تعـود علـى الفقيـه‬
‫اجملتهد الناظر يف الواقعة وفيما يلي ذكر هلذه الفوائد‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه من العلوم املهمة والفنون الضرورية يف حياة الناس اليوم‪ ،‬ألنه يرد وجييب عن مشكالت‬
‫وقضايا مستجدة وعويصة نزلت بالناس وهم يف أمس احلاجة ملعرفة احلكم الشرعي فيها‪ ،‬فلقد‬
‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱁ‬ ‫أمر هللا اجلاهل أن يسأل العامل عن احلكم فيما ينزل به من قضايا وواقعات‪،‬‬
‫ﱈ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱠ النحل‪43 :‬‬
‫ﱉ‬ ‫ﱂﱃﱄﱅﱆﱇ‬

‫إذاً يهــدف فقــه القضــايا املعاصــرة إىل توليــد البــدائل الشــرعية للمشــكالت املطروحــة علــى‬
‫الساحة املعاصرة اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وقانونياً…‬
‫‪ -2‬كما أن للقضايا الفقهية املعاصرة أمهية أخرى تتصل بصفة النوازل الواقعية اليت تعرض‬
‫لنا صـوراً مـن اجملتمـع الـذي وقعـت فيـه تلـك النـوازل مـن الناحيـة الفكريـة واالجتماعيـة والسياسـية‬
‫واالقتصادية والتارخيية واألدبية‪:‬‬
‫أ – فمــن الناحيــة الفكريــة‪ :‬يعرفنــا فقــه القض ــايا املعاصــرة بالعالقــة بــني املــذاهب الفقهي ــة‬
‫والفــرق الكالميــة ويظهــر ذلــك مــن خــالل املنــاظرات واملناقشــات العلميــة الــيت كانــت تــدور بــني‬
‫علماء الفرق واملذاهب يف أثناء التعـرض لنازلـة مـن النـوازل‪ ،‬كمـا يظهـر ذلـك مـن خـالل مواجهـة‬
‫األفكار املنحرفـة مثـل ظـاهرة الـردة والزندقـة وكيـف واجـه العلمـاء هـذه الظـواهر بالقواعـد الشـرعية‬
‫الالزمة يف هذا امليدان مع االجتهاد العادل(‪.)1‬‬
‫ب – ومن الناحية االجتماعية‪ :‬تقدم " النوازل " الكثري من اإلشارات إىل أحـوال اجملتمـع‬
‫اإلسالمي يف منطقة النازلة من عـادات يف األفـراح واألتـراح‪ ،‬كمـا تقـدم لنـا صـورة حيـة عـن حيـاة‬
‫النــاس وعــاداهتم يف الســلم واحلــرب والعمـران وأنـواع امللبوســات واملطعومــات ومــا إىل ذلــك‪ ،‬األمــر‬
‫الذي جيعل منها مصدراً وثيقاً لعامل االجتماع مثلما هو للفقيه والعامل‪.‬‬

‫)‪ (1‬مقدمة حتقيق كتاب املسائل‪ :‬ص‪.103‬‬


‫‪15‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫وكل ذلك سوف يسجله التاريخ‪ ،‬وتتناقله األجيال‪ ،‬وتصبح كتب فقه النوازل من املصادر‬
‫واملراجع اليت يرجع إليها‪ ،‬لذا جنـد كثـرياً مـن املـؤرخني قـد انصـرف إىل مصـنفات النـوازل والفتـاوى‬
‫لدراس ــتها واس ــتنباط ظ ـواهر اجتماعي ــة منه ــا واس ــتنتاج إف ــادات تارخيي ــة‪ ،‬وم ــن ه ــؤالء املستش ــرق‬
‫الفرنســي "جــاك بــارك" الــذي اعتــىن بنـوازل املــازوين – الــذي اســتفاد كثـرياً مــن كتــب فقــه النـوازل‬
‫إلبراز جوانب اجتماعية للمغرب يف عصر هذه النوازل‪.‬‬
‫ج – ومن الناحية األدبية‪ :‬فإن لفقه القضـايا املعاصـرة فوائـد عظيمـة‪ :‬فقـد حتتـوي األسـئلة‬
‫واألجوبة عن تلك النوازل على قطـع أدبيـة بليغـة أو شـعر نـادر استشـهد بـه‪ ،‬كمـا أهنـا حتـاف لنـا‬
‫على لغة الفقه والفقهاء األدبية الرائعة‪.‬‬
‫د – ومــن الناحيــة السياســية‪ :‬تنقــل هــذه النـوازل صــورة واقعيــة حلـوادث تارخييــة متــس ذلــك‬
‫اجملتمع الذي وقعت فيه النازلة يف السـلم واحلـرب ممـا قـد يفيـد السياسـي يف دراسـته وممـا يعينـه يف‬
‫فهم كثري من أحداث الزمان‪.‬‬
‫ه ـ – ومــن الناحيــة االقتصــادية‪ :‬تقــدم النـوازل مجلــة مــن الصــور عــن احلالــة االقتصــادية الــيت‬
‫متر هبـا الـبالد اإلسـالمية‪ ،‬وعـن امللكيـة والتجـارة والبنـوك وهـذا كلـه ميكـن معرفتـه مـن خـالل تلـك‬
‫النوازل واملسـائل املتعلقـة باملواضـيع االقتصـادية‪ :‬كطغيـان البنـوك الربويـة علـى واقـع املسـلمني اليـوم‬
‫وكثرة األسئلة الـيت يطرحهـا املسـلمون ويطرحهـا الواقـع املـر الـذي يتخـبط فيـه اجلانـب االقتصـادي‬
‫يف اجملتمعات املسلمة‪ ،‬ومشكلة الديون الـيت تتعـب كاهـل الـدول اإلسـالمية وغريهـا مـن املواضـيع‬
‫االقتصادية اليت حتتاج إىل فقه واجتهاد يف نوازهلا وواقعاهتا املريرة‪.‬‬
‫و – وم ــن الناحي ــة التارخيي ــة‪ :‬تق ــدم " النـ ـوازل " أح ــداثاً تارخيي ــة وقع ــت ل م ــة اإلس ــالمية‬
‫ونزلــت هبــا ومت اجل ـواب عنهــا‪ ،‬وتقــدم أحيان ـاً أحــداثاً أغفلهــا املؤرخــون الــذين ينصــب اهتمــامهم‬
‫غالباً بالشؤون السياسية وما يتصل باحلكام واألمراء‬
‫‪ -3‬ومن فوائد فقه القضايا املعاصرة ذلك األثر العلمي الـذي ختلفـه هـذه اإلجابـات ألهنـا‬
‫حتف ـ لن ــا مس ــائل واجته ــادات العلم ــاء بنص ــها لتك ــون س ــجالً للفت ــوى والقض ــاء ومرجع ـاً مهم ـاً‬
‫للمهتمني هبا من أهل االختصاص ال ميكن االستغناء عنها حبال‪.‬‬
‫‪ -4‬كمــا أن فق ـه القض ــايا املعاصــرة يعرفن ــا بأمس ــاء المع ــة مــن العلم ــاء اجملته ــدين املفتي ــني‪،‬‬
‫الــذين تصــدوا هلــذه الن ـوازل وأغــاثوا األمــة‪ ،‬وكيــف أهنــم بــذلوا اجلهــد والوســع للوصــول إىل احلكــم‬
‫الشرعي وذلك باتباع أصول االجتهاد دون تعصب أو هوى‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪ -5‬وإض ــافة للفائ ــدة الس ــابقة ف ــإن فق ــه القض ــايا املعاص ــرة يلق ــي األضـ ـواء عل ــى شخص ــية‬
‫صاحب ذلك الفقه‪ ،‬وتدلنا على اجتاهه وموقفه وعلى أصوله الـيت اعتمـد عليهـا يف اجتهـاده ومـا‬
‫إىل ذلك‪..‬‬
‫‪ -6‬كم ــا أن هل ــذا الفق ــه فائ ــدة أخ ــرى‪ :‬وه ــي فيم ــا إذا نوقش ــت ه ــذه املس ــائل يف اجمل ــامع‬
‫الفقهية اليت يتم تشكيلها مـن علمـاء ميثلـون مجيـع الـدول اإلسـالمية‪ ،‬فـإن ذلـك مـن شـأنه تلقـيح‬
‫أفكار العلماء واستفادة بعضهم من علم الـبعض‪ ،‬وكـذلك مـن أجـل التعـاون والتكـاتف للوصـول‬
‫إىل احلكم الشرعي الصحيح‪ ،‬وهذا يعصمهم من اخلطـأ أو االخـتالف‪ ،‬كمـا يسـاعد علـى وضـع‬
‫األصول والضوابط االجتهادية مما يسهل على الفقيه واجملتهد النوازيل عمله يف استنباط األحكـام‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫هلــذا كلــه دونــت أجوبــة العلمــاء وفتــاوى الفقهــاء يف تلــك العصــور الزاهــرة وكانــت مرجع ـاً‬
‫عظيماً ملعرفة األحكام‪ ،‬وثروة فقهية واسعة‪ ،‬وكانت يف الوقت نفسه مصادر يرجع إليها خمتصون‬
‫يف علــم التــاريخ واالجتمــاع واالقتصــاد والسياســة وينهلــون منهــا مــا يفيــدهم ويعيـنهم علــى الفهــم‬
‫الصحيح والعلم الناجح‪.‬‬
‫وتــدوين هــذه الن ـوازل ونشــرها فيــه الفائــدة العظيمــة ويكــون وص ـالً ملــا انقطــع مــن سلســلة‬
‫البحوث الفقهية اليت بدأها سلفنا العلماء األعالم‪.‬‬
‫‪ -1‬كسب األجر واملثوبة من هللا عز وجل‪ ،‬فإن الدارس " للنازلة " املتجرد الذي يريـد أن‬
‫يصــل إىل حكمهــا الشــرعي إذا بــذل جهــده ووصــل إىل حكــم فيهــا فهــو مــأجور‪ ،‬إن أصــاب فلــه‬
‫أجران‪ ،‬وإن أخطأ فله أجر واحد‪.‬‬
‫ـاق علـى العلمـاء‬‫‪ -2‬احلرص على تأدية األمانـة الـيت لالهـا هللاُ العلمـاءم‪ :‬فقـد أخـذ هللاُ امليث م‬
‫ببيــان األحكــام الشــرعية وعــدم كتماهنــا‪ ،‬وقــد حصــر التكليــف هبــم‪ ،‬فكــان لزامـاً علــيهم التصــدي‬
‫للفتوى يف النوازل ما استطاعوا إىل ذلك سبيالً‪ ،‬وذلك إبراء للذمة بالقيام بتكاليف إبـالغ العلـم‬
‫وعدم كتمانه‪.‬‬
‫‪ -1‬كمــا أن هــذه الن ـوازل تثــري الفقيــه بعلــم مــن ســبقه مــن العلمــاء‪ ،‬ومــن مث يســتطيع‬
‫االســتفادة واإلفتــاء بفتــاوى مــن ســبقه إذا كانــت مطابقــة ومتناســبة مــع النازلــة‪ ،‬أو علــى األقــل أن‬
‫يسلك مسالكهم ومناهجهم يف دراسة نوازل عصرهم علـى نازلـة عصـره حـىت يصـل إىل اسـتنباط‬
‫احلكم الشرعي املناسب هلا‪ ،‬والنـاظر بعـني فاحصـة ونظـرة ةوليـة يف هـذا اجلانـب مـن الكتابـة يف‬

‫‪11‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫النوازل والفتاوى الفقهية وما كان فيها للعلماء والفقهاء مـن مؤلفـات جليلـة متكاملـة مـع بعضـها‬
‫واستفادة الالحق من السابق فيها جيد تلك احلقيقة جلية بارزة للفكر والعيان(‪.)1‬‬

‫تقييم‪:‬‬
‫للعلم بفقه النوازل فوائدة‪ .‬اذكرها‪.‬‬

‫)‪ (1‬مقدمة كتاب " النوازل اجلديدة الكربى‪ :‬للـوزاين "‪ :‬حتقيـق األسـتاذ عمـر بـن عبـاد (وزارة األوقـاف والشـؤون اإلسـالمية‬
‫املغرب) ‪.3/1‬‬
‫‪12‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫املبحث الرابع‬
‫االجتهاد والنظر يف النوازل‬

‫املطلب األول شروط املنتصب للفتوى يف النوازل‬


‫من الضرورة أن يكون يف األمة عدد من العلماء اجملتهدين الذين إىل جانب توافر شروط‬
‫االجتهاد فيهم‪ ،‬جيب أن يكون ملماً بأمور أخرى مهمة أصبحت ضرورية خاصة يف هذا‬
‫العصر حبوادثه املعقدة واملتشابكة‪ :‬منها فهمه واقع عصره واستيعابه للتكنولوجيا اليت ما فتأت‬
‫تتطور وترتقي‪.‬‬
‫إذاً البد وأن تتوافر يف اجملتهد الذي يبحـث يف حكـم النـوازل شـروط االجتهـاد املطلوبـة يف‬
‫العلمـاء اجملتهــدين ألنـه ال يتــأتى اجتهــاد بـدون آلتــه‪ ،‬وحـىت ال تتعثــر االجتهــادات وحتيـد عــن أمــر‬
‫هللا تعاىل إذ ال ميكن فهم مقاصد الشـرع يف الكتـاب الكـرمي وسـنة الرسـول صـلى هللا عليـه وسـلم‬
‫إال هبا‪.‬‬
‫وشروط اجملتهد كما نص عليها علماأ األصول(‪ )0‬يف كتبهم هي‬
‫‪ -0‬أن يكون بالغاً‪ :‬ألن غري البالغ مل يكمل عقله حىت يؤخذ بقوله‪.‬‬
‫‪ -7‬أن يكون عاقالً‪ :‬ألن غريه ال متييز لـه يهتدي به إىل ما يريد فال يعتـرب قولـه‪ ،‬واملـراد مـن‬
‫الشرط األول هو الوصول إىل جمرد العقل بالبلوغ‪ ،‬أما الشرط الثاين فاملراد منه كماله‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكــون عامل ـاً بنصــوص الكتــاب والســنة يقــول ابــن النجــار‪ " :‬ولــيس امل ـراد أن يعــرف‬
‫سائر آيات القرآن ومجيع أحاديث السنة وإمنا املراد ما حيتـاج إىل معرفتـه … "‪ ،‬ولـيس‬
‫املراد بعلمه بذلك حفظه‪ ،‬بل املراد أن يكون حبيث ميكن استحضاره لالحتجـاج بـه ال‬
‫حفظه(‪.)2‬‬
‫‪ -4‬يشــرتط يف اجملتهــد أيض ـاً أن يكــون عامل ـاً بالناســخ واملنســو منهــا‪ -‬أي مــن الكت ــاب‬
‫والسنة ‪ -‬حىت ال يستدل بدليل منسو ‪.‬‬
‫‪ -2‬العلم باللغة العربية‪ :‬من حنو وصرف وغريمهـا مـن علـوم اللغـة العربيـة‪ ،‬وأن يكـون عارفـاً‬
‫بعلــوم البالغــة مــن معــان وبيــان وبــديع وبــذا يســتطيع النظــر يف الــدليل نظ ـراً صــحيحاً‬
‫)‪ (1‬انظ ــر املراج ــع التالي ــة يف ش ــروط اجملته ــد‪ :‬الرس ــالة ص‪ ،501‬مج ــع اجلوام ــع ‪ ،322/2‬األحك ــام ل م ــدى ‪،162/4‬‬
‫املستصفى ‪ ،250/2‬شرح تنقيح الفصول ص‪ ،431‬احملصول ‪ ،30/3/2‬تيسري التحريـر ‪ ،120/4‬املوافقـات ‪،61/4‬‬
‫فواتح الرلوت ‪ ،362/2‬إرشاد الفحول ص ‪.250‬‬
‫)‪ (2‬شرح الكوكب املنري ‪.461/4‬‬
‫‪11‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫ويستخرج منـه األحكـام اسـتخراجاً قويـاً‪ ،‬ويكفيـه يف ذلـك الدرجـة الوسـطى ال أن يبلـغ‬
‫مبلغ األئمة يف اللغة العربية كاخلليل وسيبويه واألخفش(‪.)1‬‬
‫‪ -6‬أن يكون عاملاً خبرياً مبواقع اإلمجاع حىت ال يفيت وجيتهد خبالف ما أمجع عليـه فيكـون‬
‫قد خرق اإلمجاع‪ ،‬وخرق اإلمجاع حرام(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬أن يكــون عامل ـاً بأســباب النــزول يف اآليــات واألحاديــث ليعــرف امل ـراد مــن ذلــك‪ ،‬ومــا‬
‫يتعل ــق هبم ــا م ــن ختص ــيص أو تعم ــيم‪ :‬وألن بع ــض النص ــوص ن ــزل عامـ ـاً وق ــد أري ــد ب ــه‬
‫اخلصوص وال يفهم ذلك إال من خالل العلم بسبب نزول النص‪.‬‬
‫‪ -2‬يشــرتط في ــه أن يكــون عامل ـاً بأصــول الفق ــه‪ :‬أي بــأن تك ــون ل ــه ق ــدرة علــى اس ــتخراج‬
‫أحكام الفقه من أدلتها وذلـك مبعرفـة القواعـد األصـولية‪ ،‬وعليـه أن يطـول البـاع يف هـذا‬
‫الشــرط ويضــطلع علــى خمتصـراته ومطوالتــه مبــا تبلــغ بــه طاقتــه فــإن هــذا العلــم هــو عمــاد‬
‫فسطاط االجتهاد وأساسه الذي تقوم عليه أركان بنائه(‪.)3‬‬
‫‪ -2‬أن يكون عاملاً مبقاصـد الشـريعة وعارفـاً مبصـاحل النـاس وعـرفهم حـىت يسـتنبط األحكـام‬
‫اليت توافق مقصد الشارع وحىت ال يوقع الناس يف احلرج والعسر‪ :‬يقول اإلمام السيوطي‬
‫نقـالً عــن الشــافعي‪ " :‬مقاصــد الشــرع قبلــة اجملتهــدين مــن توجــه إىل جهــة منهــا أصــاب‬
‫احلق "(‪.)4‬‬
‫شروط أخرى‬
‫وميكننا أن نضيف إىل تلك الشروط اليت ذكرهـا العلمـاء يف اجملتهـد شـروطاً أخـرى والـيت ال‬
‫بد وأن تتوافر يف اجملتهد النوازيل بصفة خاصة وهي‪:‬‬
‫‪ -0‬امللكة الفقهية‬
‫وذلك بأن يكون ذا ملكة فقهية‪ :‬وقد تكونت لديه من خـالل ممارسـته ألسـاليب الفقهـاء‬
‫واصــطالحاهتم‪ ،‬وأن يكــون شــديد الفهــم بــالطبع ملقاصــد الكــالم ألن مــن دون هــذه املرتبــة لــن‬
‫تتأتى لديه القدرة على االستنباط املقصود باالجتهاد(‪.)5‬‬
‫‪ -7‬سعة األفق‬

‫)‪ (1‬انظر ضوابط االجتهاد والفتوى ألستاذنا د‪ .‬ألد طه ريان‪ ،‬ص‪.44‬‬


‫)‪ (2‬هناية السول ‪ ،244/3‬إرشاد الفحول ص‪.251‬‬
‫)‪ (3‬إرشاد الفحول ص‪ ،252‬شرح الكوكب املنري ‪.451/4‬‬
‫)‪ (4‬االجته ــاد (ال ــرد عل ــى م ــن أخل ــد إىل األرض وجه ــل أن االجته ــاد يف ك ــل عص ــر ف ــرض)‪ :‬ج ــالل ال ــدين الس ــيوطي‪،‬‬
‫ص‪.122‬‬
‫)‪ (5‬انظر ضوابط االجتهاد والفتوى ص ‪ ،44‬وانظر الكتاب الذي أصدرته وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية بقطر بعنوان‬
‫" امللكة الفقهية " فهو كتاب نفيس‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫وجيــب أن تتــوفر يف اجملتهــد الن ـوازيل ســعة األفــق‪ ،‬وتتحقــق ســعة األفــق بعــدم اجلمــود علــى‬
‫ظواهر ألفاظ النص‪ ،‬وبالقدرة على تقليب وجوه النظر يف املشكلة‪ ،‬وإدراك تعـدد وجـوه القيـاس‪،‬‬
‫وانتقاء األقوى أثراً واألكثر حتقيقاً للمصلحة وإن خفي مأخذه ودق خترجيه(‪.)1‬‬
‫‪ -3‬الدربة على الفتوى واالستنباط والتخريج‬
‫ال ب ــد م ــن الت ــدريب عل ــى خت ـريج األحك ــام ألن الت ــدريب يكس ــب الفقي ــه املرون ــة الفقهي ــة‬
‫الالزمة يف معاجلـة املشـكالت احلديثـة‪ ،‬وضـرورة التـدريب علـى ختـريج األحكـام كضـرورة التـدريب‬
‫عل ــى ح ــل مس ــائل الرياض ــيات‪ :‬فكم ــا ال يكف ــي العل ــم ب ــالقوانني الرياض ــية دون الت ــدرب عليه ــا‬
‫فكـ ــذلك ال يكفـ ــي العلـ ــم بالقواعـ ــد األص ـ ـولية دون التـ ــدرب علـ ــى تطبيقهـ ــا واسـ ــتنباط وخت ـ ـريج‬
‫األحكام منها‪.‬‬
‫وقــد تنبــه اإلمــام أبــو حنيفــة – رلــه هللا ‪ -‬قــدمياً إىل أمهيــة التــدريب علــى خت ـريج األحكــام‬
‫فكـان يــدرب خـواص تالميــذه علــى ذلــك‪ :‬بطـرح املشــكلة علــيهم مث يتلقــى األحكــام واإلجابــات‬
‫منهم مث يناقش هـذه األجوبـة معهـم فيصـحح منهـا مـا يصـحح ويـرد مـا يـرد وال يكـره أحـداً علـى‬
‫قول(‪ ،)2‬واهلدف من ذلك هو الدربة على الفتوى واالستنباط…‬

‫‪ -4‬الفطنة والذكاأ‬
‫البــد وأن يكــون اجملتهــد الن ـوازيل ذا فطنــة وذكــاء حــادين يســتطيع هبمــا فهــم املســائل مــن‬
‫مجيــع جوانبهــا ليتوصــل بــذلك إىل احلكــم الصــحيح‪ ،‬ومــن عُــدم الفطنــة والــذكاء فقــد يغيــب عليــه‬
‫فهم النازلة وقد يغيب عليه فهم الدليل فهماً صحيحاً فيكون حكمه جمانباً للصواب‪.‬‬
‫‪ -2‬معرفة الناس‬
‫وهذا أصل عظيم حيتاج إليه الفقيه النوازيل‪ ،‬فإن مل يكن فقيهاً فيه‪ ،‬فقيهاً يف األمر والنهي‬
‫يطبق أحدمها على اآلخر‪ ،‬كان ما يفسد أكثر مما يصلح‪.‬‬
‫فإنه إذا مل يكن فقيهـاً مبعرفـة النـاس فقـد يتصـور لــه الظـامل بصـورة املظلـوم وعكسـه‪ ،‬واحملـق‬
‫بص ــورة املبط ــل وعكس ــه‪ ،‬وراج علي ــه املك ــر واخل ــداع واالحتي ــال‪ ،‬وتص ــور لـ ــه الزن ــديق يف ص ــورة‬
‫الصـ ــديق‪ ،‬والكـ ــاذب يف صـ ــورة الصـ ــادق‪ ،‬ولـ ــبس كـ ــل مبطـ ــل ثـ ــوب زور حتتهـ ــا اإلمث والكـ ــذب‬
‫والفجــور‪ ،‬وه ــو جلهلــه بالن ــاس وأح ـواهلم وعوائ ــدهم وعرفي ــاهتم‪ ،‬فــإن الفت ــوى تتغــري بتغ ــري الزم ــان‬
‫واملكان والعوائد واألحوال وذلك كله من دين هللا كما تقدم بيانه(‪.)3‬‬
‫)‪ (1‬انظر حبث " منهج معاجلة القضايا املعاصرة "‪ :‬د‪ .‬حممد راوس قلعجي‪ ،‬ص‪.61‬‬
‫)‪ (2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫)‪ (3‬إعالم املوقعني ‪.412/3‬‬
‫‪21‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫فرع وجوب ضبط املتصدين للفتوى واالجتهاد يف القضايا املعاصرة‬


‫يقول الراغب األصفهاين‪ " :‬الشيء أوجب على السلطان من مراعاة املتصدين للرياسة‬
‫بالعلم فمن اإلخالل هبا ينتشر الشر ويكثر األشرار‪ ،‬ويقع بني الناس التباغض والتنافر وذلك‬
‫أن السواس أربعة‪ :‬األنبياء وحكمهم على اخلاصة والعامة ظاهرهم وباطنهم‪ ،‬والوالة وحكمهم‬
‫على ظاهر اخلاصة والعامة دون باطنهم‪ ،‬واحلكماء وحكمهم على بواطن اخلاصة‪ ،‬والوعاظ‬
‫وحكمهم على بواطن العامة‪.‬‬
‫وص ــالح العام ــة مبراع ــاة أم ــر ه ــذه السياس ــات لتخ ــدم العام ــة اخلاص ــة‪ ،‬وتس ــوس اخلاص ــة‬
‫العام ــة‪ ،‬وفس ــاده يف عك ــس ذل ــك ومل ــا ترك ــت مراع ــاة املتص ــدي للحكم ــة وال ــوع ‪ ،‬وترش ــح ق ــوم‬
‫للزعامة يف العلم من غري استحقاق منهم هلا فأحدثوا جبهلهم بدعاً استغروا هبا العامـة واسـتجلبوا‬
‫هبا منفعة ورياسة‪ ،‬ووجدوا من العامة مساعدة ملشاكلتهم هلم وقـرب جـوهرهم مـنهم‪ ،‬فكـل قـرين‬
‫إىل شـكله كـأنس اخلنـافس بــالعقرب وفتحـوا بـذلك طرقـاً منسـدة ورفعـوا هبــا سـتوراً مسـبلة وطلبـوا‬
‫منزلــة اخلاصــة فوصــلوا إليهــا بالوقاحــة ومبــا فــيهم مــن الشــرة‪ ،‬فب ـ ادعوا العلمــاء وك افــروهم اغتصــاباً‬
‫لسلطاهنم ومنازعة يف مكاهنم‪ ،‬فاغروا هبـم أتبـاعهم حـىت وطـؤهم بأخفـافهم وأظالفهـم فتولـد مـن‬
‫ذلك البوار واجلور العام…"(‪.)1‬‬
‫إن أمر الدين عظيم وخطري‪ ،‬ومن أجل هذا حرم هللا القول فيه بغري علم‪ ،‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱰ ﱱ‬
‫ا‬
‫ﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸ ﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄ ﲅﲆ‬

‫ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍﱠ األعراف‪.33 :‬‬
‫حتصـل علـى آلـة االجتهـاد وتـوفرت فيـه شـروط‬ ‫لذا جيب أن يتوىل النظر يف فقه النوازل من ا‬
‫االجتهاد املعروفة واملذكورة يف كتب أصـول الفقـه والـيت أشـرنا إليهـا قريبـاً‪ " ،‬أمـا أدعيـاء االجتهـاد‬
‫الذين ال ميلكون إال اجلراءة على النصوص باألصول وإتيان البيوت من غري أبواهبـا فهـؤالء ينبغـي‬
‫أن يُرفضوا حفاظاً على قداسة الدين وحرمة الشريعة " (‪.)2‬‬
‫وينبغي ألولياء األمور القيام بواجبهم يف هذا فال يسمحوا بالفتوى واالجتهاد إال ملن كـان‬
‫أه ـالً لــذلك‪ ،‬وأمــا مــن كــان بعيــداً عــن االجتهــاد وال حيمــل آلتــه فينبغــي منعــه بقــوة الســلطان‪:‬‬
‫حفاظاً على الدين وعلى أنفس وأرواح الناس…‬
‫فرع ضرورة اإلملام بعلم مقاصد الشريعة للمجتهدين يف القضايا املعاصرة‬

‫)‪ (1‬الذريعة إىل مكارم الشريعة‪ :‬أبو القاسم احلسني بن حممد الراغب األصفهاين‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫)‪ (2‬مدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬ص‪.221‬‬
‫‪22‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫أمـ ــر املقاصـ ــد الشـ ــرعية أمـ ــر يف غايـ ــة األمهيـ ــة بالنسـ ــبة حلملـ ــة العلـ ــم الشـ ــرعي واملتفقهـ ــني‬
‫واجملتهدين يف النوازل والوقائع املستجدة ‪:‬‬
‫إذ إهنا كالبوصلة اليت حتدد للمسافر صحة اجتاهه مـن عدمـه فهـي باإلضـافة – إىل شـروط‬
‫االجتهـاد الــيت جيــب توافرهــا يف اجملتهــد – تســاعد الباحـث عــن أحكــام الشـريعة يف حتديــد صــحة‬
‫ســريه‪ ،‬وســالمة طريقــه يف التعامــل مــع نصــوص الكتــاب والســنة وعباراهتــا واســتخراج واســتنباط‬
‫مدلوالهتا ومعانيها ومراميها‪.‬‬
‫إن االلتفات إىل فقه املقاصد يسـاعد علـى جتـاوز كثـري مـن املزالـق الـيت قـد يقـع فيهـا بعـض‬
‫الفقهــاء واجملتهــدين أو طلبــة العلــم حــني يقصــرون نظــرهم علــى دليــل جزئــي شــرعي‪ ،‬غــري ملتفتــني‬
‫إىل موقعــه يف ســياقه العــام مــن كليــات الشـريعة ومقاصــدها العامــة‪ ،‬ومــا قــد يرتتــب علــى تنزيلــه يف‬
‫الواقع بالكيفية اليت ارتأوها غري عابئني باملوازنة بني املصاحل واملفاسد الذي هو مثرة لفقـه املقاصـد‬
‫والذي هو يف احلقيقة لب السياسة الشرعية وروحها وحقيقتها يف التعامل مع األحداث والوقـائع‬
‫واملستجدات يف احلياة ببصرية وهدى وفقه وعقل وما أقل من مجع ذلك يف زماننا…‬
‫وإن مثل من يتصدى للفتوى واالجتهاد يف النوازل من غـري إملـام مبقاصـد الشـرع وال معرفـة‬
‫حقيقيـة بــالواقع مثــل مــن يبحــث عــن الثمـرة يف غــري شــجرهتا‪ ،‬أو كمــن حيــاول اســتنبات البــذرة يف‬
‫غــري بيئتهــا ومكاهنــا املناســب الــذي ال تنمــو وتنــتج إال فيــه‪ ،‬وأ هلــذا أو لــذاك أن يبلــغ امل ـراد أو‬
‫(‪)1‬‬
‫يصل للغاية واهلدف‪...‬‬
‫وإذا عرضــت علــى الفقيــه واقعــة لــيس فيهــا نــص حكــم للشــارع فإنــه يعطــي هــذه الواقعــة‬
‫حكماً يتفق مع مقاصد الشارع‪ ،‬وذلك بأن يكون احلكم حمققاً ملصلحة من جنس املصـاحل الـيت‬
‫دلــت النصــوص علــى اعتبارهــا‪ ،‬ومــن ذلــك أن الصــحابة حكم ـوا بتضــمني الصــناع الســلع الــيت‬
‫تتلف بأيديهم‪ ،‬حمافظة على األموال‪ ،‬وحكموا بقتل اجلماعة إذا اشـرتكوا يف قتـل الواحـد‪ ،‬حفظـاً‬
‫ل رواح‪ ،‬وحف املال والنفس من املصاحل اليت الحظها الشارع يف تشريعه‪ ،‬وسار على وفقهـا يف‬
‫تشريع األحكام‪.‬‬
‫وأخرياً فإن الفقيه يزن األدلة اجلزئية الظنية مبقاصد الشارع اليت قامت أدلته على اعتبارها‪ ،‬فما‬
‫كان منها خمالفاً هلذه املقاصد رده ومل يعتمد عليه يف االستنباط‪ ،‬فقد ردت عائشة ‪ -‬رضي هللا‬

‫)‪ (1‬املختصر الوجيز يف مقاصد التشريع‪ :‬د‪ .‬عوض بن حممد القرين‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪23‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫عنها ‪ -‬حديث " إن امليت ليعذب ببكاء أهله عليه " (‪ )1‬ألنه خيالف مقصداً شرعياً دل عليه‬
‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﱠ النجم‪31 :‬‬
‫وأمهل "مالـك" اعتبـار حـديث " مـن مـات وعليـه صـوم صـام وليـه عنـه " (‪ )2‬ملخالفتـه هلـذا‬
‫املقصد أيضا(‪.)3‬‬
‫إن اجملتهــد يف حاجــة إىل معرفــة مقاصــد الشــارع وإىل الطــرق الــيت هبــا تعــرف املقاصــد حــىت‬
‫تكــون مقاصــده تابعــة ملقاصــد الشــارع وحمكومــة هبــا‪ ،‬وذلــك ألن اجتهــاده يف األمــور الــيت ليســت‬
‫داللتها واضحة إمنا يقـع موقعـه علـى فـرض أن يكـون مـا ظهـر لــه هـو األقـرب إىل قصـد الشـارع‪،‬‬
‫واألوىل بأدلـة الشـريعة دون مــا ظهــر لغـريه مــن اجملتهــدين فيجــب عليــه اتبـاع مــا هــو األقــرب‪ ،‬وأمــا‬
‫غري اجملتهد فهو حباجة لعلم املقاصد للتعرف على أسرار التشريع وحكمه‪.‬‬
‫وكــذلك لتنشــيط العقــل املســلم وختليصــه مــن األم ـراض والعلــل النامجــة عــن النظــر اجلزئــي‪،‬‬
‫وتناسي الغايات وجتاهل املقاصد والتشبث باألمور الشكلية واللفظية واإلحالة على التعبد ألد‬
‫مالبسة وجتاهل احلكم أو الكسل عن طلبها والتفتيش عنها‪.‬‬
‫وإن العلــم مبقاصــد الشـريعة وأهــدافها وغاياهتــا يســاعد كثـرياً علــى إخـراج العقــل املســلم مــن‬
‫تلــك الوهــدة ويعاجلــه مــن تلــك األم ـراض ويعيــد إليــه نقــاءه وصــفاءه وتألقــه وقدرتــه علــى العطــاء‬
‫واالجتهاد وتوخي املقاصد والغايات‪.‬‬
‫املطلب الثاين املناهج املعاصرة يف النظر يف النوازل‬

‫يف عص ـرنا احلاضــر ظهــرت من ـاهج يف النظــر يف الن ـوازل اجلديــدة‪ ،‬وهــذه املنــاهج ليســت يف‬
‫األصــل وليــدة هــذا العصــر بــل هــي امتــداد لوجهــات نظــر قدميــة واجتهــادات علمــاء ســلكوا تلــك‬
‫املناهج‪ ،‬وميكن تصنيف هذه املناهج كاآليت‪:‬‬

‫)‪ (1‬البخــاري يف اجلنــائز بــاب قــول النـ صــلى هللا عليــه وســلم يعــذب امليــت (‪ ،432/1 )1226‬ومســلم يف اجلنــائز بــاب‬
‫امليت يعذب ببكاء أهله عليه (‪ 631/2 )126‬من حديث عبدهللا بن عمر وقـول عائشـة أخرجـه البخـاري (‪)3151‬‬
‫ومسلم (‪.)132‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه البخاري يف الصوم باب من مات وعليه صوم (‪ ،610/2 )1251‬ومسلم يف الصيام باب قضـاء الصـيام عـن‬
‫امليت (‪ 203/2 )1141‬من حديث عائشة ‪ -‬رضي هللا عنها ‪.-‬‬
‫)‪ (3‬انظــر أصــول الفقــه‪ :‬د‪ .‬حســني حامــد ص‪ 14‬و‪ ،15‬ومقدمــة لدراســة الفقــه اإلســالمي‪ :‬د‪ .‬حممــد كمــال الــدين إمــام‬
‫ص‪ 20‬و‪.21‬‬
‫‪24‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫أوالً منهج التشديد والتضييق‬


‫إن منهج التشديد والتضييق منهج ال يتالءم مع مبادئ اإلسالم‪ ،‬حيث إنه جاء لرفع‬
‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱠ املائدة‪6 :‬‬ ‫احلرج‪:‬‬
‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱠ النساء‪:‬‬ ‫والتخفيف على الناس‬
‫وحتث على عدم لل‬
‫‪ ،22‬وهناك نصوص كثرية من الكتاب والسنة النبوية تدل على التيسري ا‬
‫الناس على الشدة والضيق يف كل األمور‪.‬‬
‫ونستطيع القول بأن هذا املنهج وجد ل سباب التالية‪:‬‬
‫‪ ‬التعصــب ملــذهب‪ ،‬أو لـرأي‪ ،‬أو ألحــد مــن العلمــاء حيــث يعتقــد املتعصــب أنــه وصــل إىل‬
‫الـرأي الصـحيح النهــائي ويشـنع علـى املخــالف‪ ،‬ويلـزم النـاس برأيــه‪ ،‬وهـذا الصـنيع ال شــك‬
‫أنه يوقع الناس يف ضيق وحرج‪ ،‬مع أن العلماء األوائل حذروا من مثل هذه التصرفات‪.‬‬
‫‪ ‬التمسـ ــك بظ ـ ـواهر النصـ ــوص دون مراعـ ــاة فقههـ ــا ومقصـ ــد الشـ ــرع منهـ ــا‪ .‬وال خيـ ــص أن‬
‫النصوص سواء كانت من القرآن الكرمي أو من السنة النبوية هلا مكانة عظيمـة‪ ،‬وال يصـح‬
‫للفقيــه رأي إذا مل يأخــذ وأعمــل بالنصــوص‪ ،‬ولكــن املشــكلة تكمــن يف التمســك بظ ـواهر‬
‫النصــوص بــدون فقههــا ومقاصــدها‪ .‬وغالبــا مــا حيصــل هــذا مــن الــذين مل يتمرس ـوا الفقــه‬
‫وأصوله‪ ،‬و مل يعرفوا إمدادك مبدارك استنباط الفقهاء حق املعرفة ‪...‬‬
‫‪ ‬الغلــو يف ســد الــذرائع‪ ،‬واملبالغــة يف األخــذ باالحتيــاط‪ .‬ال شــك أن الش ـريعة قامــت علــى‬
‫حرم هللا تعاىل شيئا وله طـرق ووسـائل تفضـي إليـه فإنـه‬ ‫جلب املصـاحل ودرء املفاسد‪ ،‬وإذا ا‬
‫حيرمهــا أيضــا‪ ،‬ولكــن عنــدما يصــل األمــر إىل حــد املبالغــة يف اعتبــار هــذه القاعــدة – أي‬
‫قاعدة سد الذرائع – مثل تعطيل مصلحة راجحة يف مقابلة مفسـدة متومهـة يظنهـا الفقيـه‬
‫ويسد باهبا فإنه بذلك ‪ -‬أومن حيث ال يشعر ‪ -‬يسيء إىل الشرع‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫ثانياً منهج املبالغة يف التيسري والتساهل‬


‫إن التيســري هــو مطلــب مــن مطالــب الش ـريعة اإلســالمية‪ ،‬ولكــن الغلــو فيــه يــؤدي إىل نتــائج‬
‫غري ليدة بل رمبا إىل االنسـال عـن أحكـام الشـرع‪ .‬والسـبب يف غلـو أصـحاب هـذا املـنهج قـد‬
‫تكون اهلزمية النفس ــية أمام تقدم الغرب يف نـواحي عـدة مـن تكنولوجيـا واقتصـاد وصـناعة‪ ...‬وقـد‬
‫يكـون حــب الظهــور والشــهرة يف وســائل اإلعــالم‪ ،‬وقـد تكــون رغبــة يف الــدنيا‪ ،‬إىل غــري ذلــك مــن‬
‫األسباب‪ ،‬ولكن ال خيفى على أحد اآلثار السلبية هلذه األحكام الصادرة من هؤالء علـى الـدين‬
‫وعلى املسلمني‪.‬‬
‫وميكن ذكر أهم مالمح هذا االجتاه فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬اإلفراط يف العمل باملصلحة ولو عارضت النصوص‪ .‬فاملصلحة إذا كانت ال تعارض نصــا‬
‫أو إمجاعــا معتــربة عنــد العلمــاء‪ ،‬ولكــن بعــض املفتــني يف وقتنــا احلاضــر أخــذوا باملصـ ــلحة‬
‫على وجه املبالغة فأصدروا فتاوى ختالف نصوصا صرحية‪.‬‬
‫‪ ‬تتبــع الــرخص‪ .‬الــرخص الشــرعية ثابتــة بــالقرآن والســنة‪ ،‬فــال بــأس بالعمــل هبــا مــع مراعــاة‬
‫شروطها‪ .‬ولكن التنقل بني املذاهب و انتقاء األقوال يف مسألة واحدة بغية الـرتخص فقـد‬
‫كرهه العلماء واعتربوا فاعله فاسقاً‪.‬‬
‫‪ ‬تتبع احليل الفقهية الباطلة – بغية التنصل عن األحكام الشرعية ‪.‬‬

‫ثالثاً منهج االعتدال والوسطية‬


‫جيــب علــى النــاظر يف أحكــام الن ـوازل أن يســلك طريــق االعتــدال والوســطية‪ .‬يقــول اإلمــام‬
‫الشــاط ‪" :‬املفــيت البــالغ ذروة الدرجــة هــو الــذي حيمــل النــاس علــى املعهــود الوســط فيمــا يليــق‬
‫باجلمهور‪ ،‬فال يذهب هبم مذهب الشدة وال مييل هبم إىل طـرف االحنـالل‪ .‬والـدليل علـى صـحة‬
‫هــذا أنــه الصـراط املســتقيم الــذي جــاءت بــه الشـريعة فإنــه قــد مــر أن مقصــد الشــارع مــن املكلــف‬

‫‪26‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫احلم ــل علــى التوســط مــن غــري إف ـراط وال تف ـريط‪ ،‬فــإذا خــرج عــن ذلــك يف املســتفتني‪ ،‬خــرج عــن‬
‫قصــد الشــارع‪ ،‬ولــذلك كــان مــا خــرج عــن املــذهب الوســط مــذموما عنــد العلمــاء الراســخني‪...،‬‬
‫وأيض ـاً ف فــإن اخلــروج إىل األط ـراف خــروج عــن العــدل‪ ،‬وال تقــوم بــه مصــلحة اخللــق‪ ،‬أمــا طــرف‬
‫التشــديد فإنــه مهــلكة‪ ،‬وأمــا طــرف االحنــالل فكــذلك أيضــاف ألن املســتفيت إذا ذُ ِهــب بــه مــذهب‬
‫العنت واحلرج بـُغِاض إليه الدين وأدى إىل االنقطاع عن سلوك طريـق اآلخـرة‪ ،‬وهـو مشـاهد‪ ،‬وأمـا‬
‫إذا ذُهــب بــه مــذهب االحنــالل كــان مظنــة للمشــي مــع اهلــوى والشــهوة‪ ،‬والشــرع إمنــا جــاء بــالنهي‬
‫عن اهلوى‪ ،‬واتباع اهلوى مهلك‪ ،‬واألدلة كثرية" (‪. )1‬‬
‫"وال شك أن هذا االجتاه هو اجتاه أهل العلم والورع واالعتدال‪ ،‬وهي الصـفات الالزمـة ملـن‬
‫يتعرض للفتوى والتحدث باسم الشرع‪ ،‬وخصوصا يف هذا العصر‪. )2( " .‬‬

‫املطلب الثالث مراقل النظر يف النوازل الفقهية‬

‫إن النــاظر يف النازلــة جيــب عليــه أن يســلك اخلطـوات التاليــة حــىت يصــل إىل احلكــم الشــرعي‬
‫للنازلة – حمل البحث والدراسة ‪:‬‬

‫أوال تصور النازلة‬


‫ولتصور النازلة تصورا صحيحاً ال بد من أن نراعي أو ننتبه إىل أمرين اثنني‪:‬‬
‫‪ 1‬تصور النازلة يف ذاهتا‬
‫إن تصــور النازلــة يف ذاهتــا هــو أهــم املراحــل ملــن أراد أن حيكــم ف ألن احلكــم علــى الشـ فــرع عــن‬
‫تصوره ‪ ،‬فمن تصورها تصورا جيدا يف البداية فقد يصل إىل حكمها الصحيح ‪ -‬بإذن هللا تعاىل‬

‫(‪ )1‬املوافقات ‪. 212-216/5‬‬


‫(‪ )2‬منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية املعاصرة‪ ،‬د‪ .‬مسفر القحطاين ص ‪. 305‬‬
‫‪21‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫وللتصور املوفق ال بد للناظر يف النازلـة مـن حتديـد أو حتريـر حمـل الن ـزاع‪ ،‬أي حيـدد املشـكلة املـرادة‬
‫دراستها‪.‬‬
‫‪ 2‬تصور الواقع احمليط بالنازلة‬
‫كــذلك النــاظر يف نازلــة مــا قــد حيتــاج إىل مقــابالت شخصــية‪ ،‬أو جــوالت ميدانيــة لتصــورها‬
‫تصورا صحيحا‪.‬‬
‫وإذا كانــت النازلــة يف ختصــص معــني فعليــه س ـؤال أهــل هــذا التخصــص‪ ،‬كــأن تكــون النازلــة‬
‫طبيــة أو اقتصــادية أو جتاريــة‪ ...‬حــىت يصــورها لــه الطبيــب إذا كانــت النازلــة طبيــة‪ ،‬ويصــورها لــه‬
‫االقتصادي إذا كانت اقتصادية‪ ...‬وهكذا‪.‬‬
‫مث على الناظر يف النازلة إتباع اخلطوات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أن يتأكد من وقوع النازلة‪ ،‬فقد يُسأل العلم أهل أحيانا عن مسألة مل تقع‪ ،‬ورويت آثار‬
‫عن الصحابة رضي هللا عنهم ومن بعدهم يف ذم ذلك األمر‪.‬‬
‫‪ -‬أن تكون النازلة من املسائل اليت يسوغ النظر واالجتهاد فيها ف حيث تقرر شرعاً أنه "ال‬
‫مساغ لالجتهاد يف مورد النص" (‪. )1‬‬
‫‪ -‬أن يبحـ ــث عـ ــن الدراسـ ــات السـ ــابقة حـ ــول هـ ــذه النازلـ ــة ‪ -‬إن وجـ ــدت ‪ ،-‬وأن ينظ ـ ـر‬
‫إىل نقاط االتفاق بينها لالستفادة منها‪.‬‬
‫‪ -‬وأن ينظر إىل جذور النازلة ونشأهتا ‪ -‬اجلانب التارخيي ‪.-‬‬
‫‪ -‬وأن ينظر أيضا األحوال احمليطة بالنازلة ‪ -‬اجلانب املكاين أو اجلغرايف ‪" .-‬إن املالبسات‬
‫الــيت حتــيط بالنازلــة ال بــد مــن مراعاهتــا‪ ،‬فكمــا يقــول األصـوليون يف بــاب القيــاس‪":‬احلكم‬

‫(‪ )1‬شرح القواعد الفقهية‪ ،‬للشيخ ألد الزقاء ص ‪( 141‬دار القلم‪ ،‬ط ‪1401 ،2‬هـ)‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫يــدور مــع علتــه وجــودا و عــدما"‪ ،‬ميكننــا أن نقول‪":‬النازلــة الفقهيــة تــدور مــع مالبســاهتا‬
‫وظروفها وأحواهلا وجودا و عدما" (‪. )1‬‬
‫‪ -‬وأن يسأل ويستوضح أهل االختصاص عن كل ما يتعلق بالنازلة مما ال علـم لـه بـه والبـد‬
‫له من معرفته ‪ ،‬حىت يصورها تصوراً دقيقاً ال يعترب به أىب لبس وغموض ‪.‬‬
‫ثانيا التكييف الفقهي‬
‫املراد بالتكييف هنا هو‪" :‬التصور الكامل للواقعة وحترير األصل الذي تنتمي إليه" (‪. )2‬‬
‫وهذا ال يقدر عليه إال من تكون له املعرفة التامة بأحكام الشريعة‪ ،‬استجمع شروط‬
‫االجتهاد ‪ ،‬من معرفة النصوص‪ ،‬ومواقع اإلمجاع واخلالف‪ ،‬وطرق االستنباط‪...‬إخل ‪.‬‬
‫قال ابن القيم (‪152‬هـ)‪" :‬وال يتمكن املفيت وال احلاكم من الفتوى واحلكم باحلـ ــق إال‬
‫بنوعني من الفهم‪:‬‬
‫أقدمها‪ :‬فهم الواقع‪ ،‬والفقه فيه‪ ،‬واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن واألمارات والعـالمات‬
‫حىت حييط به علما‪.‬‬
‫والنوع الثاين‪ :‬فهم الواجب يف الواقع‪ ،‬وهو فهم حكم هللا الذي حكم به يف كتابه‪ ،‬أو على‬
‫لسان رسوله يف هذا الواقع‪ ،‬مث يطبق أحدمها على اآلخر‪.‬‬
‫فمن بذل جهده واستفرغ وسعه يف ذلك مل يعدم أجرين أو أجرا‪ .‬فالعامل من يتوصل مبعرفة‬
‫الواقع والتفقه فيه إىل معرفة حكم هللا ورسوله" (‪. )3‬‬

‫=‪http://www.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫(‪ )2‬منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية املعاصرة‪ ،‬د‪ .‬مسفر القحطاين ص ‪. 354‬‬
‫(‪ )3‬إعالم املوقعني ‪( 61/1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط ‪1402 ،1‬هـ)‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫والناظر الفقيه احمليط بكليات الشـريعة وجزئياهتـا يستحضـر أبـواب الفقـه ‪ ،‬فمـىت عرضـت لـه نازلـة‬
‫جدي ــدة ‪ ،‬بع ــد أن يتص ــورها ‪ ،‬يس ــتطيع أن ي ــرد ه ــذه النازل ــة إىل أص ــلها الش ــرعي وأن يلحقه ــا بباهب ــا‬
‫الفقهي‪.‬‬
‫وعلى ضوء ما يقع من النوازل املعاصرة نستطيع أن نقسم التكييف إىل نوعني‪:‬‬
‫األول التكييــف البســيط‪ :‬وهــو اجللــي‪ ،‬حيــث ميكــن رد النازلــة إىل أصــل مــن أصــول الش ـريعة‬
‫بسهولة‪ ،‬وال تكون ‪ -‬أي النازلة ‪ -‬مركبة من عدة أمور متداخلةف مثل فتح احلس ــاب اجلـاري يف‬
‫البنوك‪ ،‬حيث إن العميل يسلم للبنك شـيئا مـن املـال بشـرط أن يعيـد البنـك هـذا املـال أو بعضـه‬
‫للعميل مىت طلبه‪ ،‬وحيق للبنك يف مقابل ذلـك أن يسـتثمر هـذا املـال بوجـه مـن وجـوه االسـتثمار‬
‫والشرعية‪.‬‬
‫هذه الصورة كيف تكيف فقهياً؟‬
‫‪ .1‬هل هذه العملية من باب القرضف فيكون العميل مقرضاً‪ ،‬والبنك مقرتضا؟‪.‬‬
‫‪ .2‬هل هي من باب الوديعةف فيكون العميل مودعاً‪ ،‬والبنك مؤمتنا على هذه الوديعة؟‬
‫ولإلجاب ــة عل ــى ه ــذا السـ ـؤال ال ب ــد م ــن اس ــتجماع م ــا ذك ــره الفقه ــاء يف حقيق ــة الق ــرض‬
‫وشـروطه‪ ،‬ويف حقيقـة الوديعـة وشـروطها‪ ،‬وباإلجابـة علــى هـذا السـؤال يـتم تكييـف ودائـع البنــوك‬
‫أهي من قبيل القرض أو من قبيل الوديعة؟ (‪. )1‬‬

‫طرق تكييف النازلة‬


‫‪ .1‬النص واإلمجاع‪.‬‬
‫‪ .2‬التخريج على نازلة مقدمة‪.‬‬
‫‪ .3‬التخريج على قاعدة فقهية‪ -‬أو أصل‪ -‬أو فتوى‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬فقه النوازل‪ ،‬للدكتور حممد اجليزاين ‪. 42/1‬‬


‫‪30‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪ .4‬االستنباط‪.‬‬
‫أمثلة للتوضيح‬

‫‪ .1‬احليوان إذا زهقت روحه بالصعق الكهربائي قبل الذبح فهو ميتة‬ ‫النص واإلمجاع‬
‫‪ .2‬الشعر الصناعي( الباروكة) حترم للحديث ( لعن هللا الواصلة‪)...‬‬

‫‪ .1‬البوفيه املفتوح أو الطعام حىت اإلشباع يلحق باحلمامات (‬ ‫التخريج على نازلة‬
‫استحساناً)‪.‬‬
‫‪ .2‬استخدام أجهزة املكربات ل ذان يف حكم ال( لتبليغ) الذي‬
‫اتفق على جوازه للحاجة‪.‬‬
‫‪ .3‬تسجيل القرآن يف سي دي يلحق (بكتابة املصاحف)‪.‬‬

‫مشروعية السعي فوق سطح املسعى ( اهلاء يأخذ حكم القرار)‪.‬‬ ‫التخريج على‬
‫جواز رمي اجلمرات قبل الزوال ملنع الضرر ورفع احلرج‪.‬‬ ‫قاعدة فقهية أو‬
‫أصل أو فتوى‬

‫زراعة األعضاء ملصلحة املريض ( حف النفس)‪.‬‬ ‫االستنباط‬


‫الفحص الط قبل الزواج ندبا ووجوباً لدرء مفاسد األمراض‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫ثالثاً التطبيق‬
‫وهو تنزيل احلكم الشرعي على املسألة وال بد فيه من احملافظة على مقاصد الشريعة ويكون‬
‫ذلك مبراعاة ثالث قواعد‪:‬‬
‫‪ .1‬املوازنة بني املصاحل واملفاسد يف احلال واملآل‪ ،‬مثل‪ :‬نقل األعضاء للمريض حفظاً‬
‫للنفس‪.‬‬
‫‪ .2‬تقدير حاالت األضطرار وعموم البلوى‪ ،‬مثال‪ :‬الفوائد الربوية يف البنوك يف حالة وجود‬
‫مسلمني يف بالدها الكافرة فلة أخذ الفوائد لصرفها يف املصاحل العامة‪.‬‬
‫وبيع الطعام املعلب فيه غرر لكن جيوز لعموم البلوى‪.‬‬
‫‪ .3‬اعتبار األعراف والعادات واختالف األحوال‪ ،‬مثل‪ :‬حق التأليف حيث جرت العادة‬
‫والعرف على هذا وفيه اعتبار هذه احلقوق ألصحاهبا‪ ،‬وحفظها هلم‪.‬‬
‫لبس البنطال للرجال بالنظر العام ليس تشبه بالكفار ف ألنه ليس مما يتميز به الكفار‬
‫وليس من خصائصهم الدينية‪.‬‬

‫رابـعاً التوقف‬
‫ويكون يف حالة العجز عن تصور الواقعة وتكييفها أو عدم ترجيح األدلة فيصار إىل هذا‬
‫املدرك‪.‬‬
‫آداب املفيت‬
‫هناك آداب ينبغي مراعاهتا عند إصدار احلكم أو قبله‪:‬‬
‫‪ 0‬صدق اللجوء إىل هللا وسؤاله الصواب والتوفيق‪.‬‬
‫‪ 7‬الرتيث وعدم االستعجال‪ .‬يف إصدار احلكم‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪ 3‬ذكر الدليل والتعليل‪.‬‬


‫‪ 4‬تقدمي البديل املناسب للنازلة‪.‬‬
‫‪ 2‬إبانة اجلواب بياناً مزيالً لإلشكال‪.‬‬

‫تقييم‬
‫‪ .1‬ما الشروط اليت جيب توفرها يف اجملتهد؟‬
‫‪ .2‬هناك شروط أخرى جيب توفرها للمجتهد اذكرها‪.‬‬
‫‪ .3‬هل هناك ضرورة للمجتهد بإن يلم بعلم املقاصد؟ وضح ذلك‪.‬‬
‫‪ .4‬هناك ثالثة مناهج معاصرة يف النظر يف النوازل‪ .‬ماهي؟‪.‬‬
‫‪ .5‬ما مراحل النظر يف النازل الفقهية؟‪.‬‬
‫‪ .6‬ما طرق تكييف النازلة؟‬
‫‪ .1‬اذكر آداب املفيت‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫املبح ــث اخلـ ــامس‬


‫ض ـ ـ ـ ـ ــوابط االجتهـ ـ ـ ـ ـ ــاد يف النوازل‬
‫(‪)0‬‬

‫إن االجتهاد ضروري يف هذا العصر‪ ،‬وأمهيته واضحة حلياتنا اإلسالمية املعاصرة‪ ،‬وحىت يستطيع‬
‫الفقه اإلسالمي مواكبة العصر ويكون قادراً على عالج املشكالت والنوازل املتجددة وفقاً‬
‫ألصول الشريعة اإلسالمية ومقاصدها ال بد من وضع املنهج القومي الذي حيكمه‪ ،‬وتوضح‬
‫املعامل والضوابط اليت تنظم سريه وحتدد غايته وتضبط طريقه‪ ،‬وفيما يلي أهم املعامل والضوابط‬
‫لالجتهاد والنظر يف النوازل املعاصرة‪:‬‬

‫‪ -1‬مجع كل ما يتصل بالنازلة من أدلة وقرائن‬


‫إذا وقعت حادثة أو نازلة جديدة‪ :‬فعلى اجملتهد إذا أراد النظر فيها أن يستجمع كل ما‬
‫يتعلق هبا من‪ :‬آيات قرآنية وأحاديث نبوية وآثار السلف‪ ،‬وأوجه القياس املمكنة‪ ،‬ونواح لغوية‪،‬‬
‫ويبحث عن حكم القضية املستجدة يف اجتهادات األئمة وكتب الفقه القدمية‪.‬‬
‫يقول اإلمام الشافعي‪" :‬وال يكون ألحد أن يقيس حىت يكون عاملا مبا مضى قبله من‬
‫السنن وأقاويل السلف وإمجاع الناس واختالف العلماء ولسان العرب ويكون صحيح العقل‬
‫ليفرق بني املشتبهات‪ ،‬وال يعجل‪ ،‬وال ميتنع من االستماع ممن خالفه ليتنبه بذلك على غفلة إن‬
‫كانت‪ ،‬وأن يبلغ غاية جهده‪ ،‬وينصف من نفسه حىت يعرف من أين قال ما قال‪"...‬‬
‫وقال علي بن احلسن بن شقيق مسعت عبد هللا بن املبارك يُسأل‪ :‬مىت يسع الرجال أن‬
‫يفيت؟‪ ،‬قال‪ :‬إذا كان عامل باألثر بصرياً بالرأي"‬
‫قال ابن عبد الرب‪" :‬ال يكون فقيهاً يف احلادث ما مل يكن عاملاً باملاضي"‪..‬وكم من املسائل‬
‫والقضايا يظنها الباحث جديدة حادثة فتبني بعد البحث والتنقيب أهنا ليست كذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬فقه النوازل‪ :‬د‪ .‬حممد بن حسني اجليزاين‪.60/1 ،‬‬


‫‪34‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪ -2‬استفراغ الوسع‬
‫فال اجتهاد يف أي قضية من القضايا إال بعد استفراغ الوسع‪ :‬وذلك بأن يبذل اجملتهد‬
‫مظاهنا وبيان منزلتها‪ ،‬واملوازنة بينها إذا‬
‫أقصى ما يف وسعه يف تتبع األدلة والبحث عنها يف ا‬
‫تعارضت باالستفادة مما وضعه علماء األصول من قواعد التعادل والرتجيح‬
‫والتسرع يف إبداء احلكم وعدم التثبت والرتوي يف النازلة مما يوقع اجملتهد يف اخلطأ‪ ،‬وإذا كانت‬
‫النازلة غامضة أو غري مفهومة أومل يعلم الفقيه حكمها فإنه ال حيل له التسرع يف إبداء الرأي‬
‫فيها‪ ،‬بل البد من سؤال أقرانه وطلب مساعدهتم للوصول إىل احلق‪ ،‬ومىت أقدم على الفتوى‬
‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ‬ ‫وهو غري عامل فقد تعرض لعقوبة هللا‬
‫ﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﱠ‬ ‫ﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄ‬
‫األعراف‪33 :‬‬
‫إن الفتاوى ختتلف يف وزهنا فمنها ما ال حيتاج إال قليل من التدبر‪ ،‬وهي الفتاوى املطروقة‬
‫املمهدة السبيل‪ ،‬اليت أدلتها واضحة جلية يقع عليها النظر مبجرد البحث عنها‪ ،‬ومنها ما حيتاج‬
‫إىل تدقيق نظر وعمق حبث‪ :‬ألهنا تتطلب وقتاً‪ ،‬كما عرض لإلمام مالك ‪-‬رله هللا‪ -‬فإنه روي‬
‫أنه قال‪ :‬إين ألفكر يف مسألة بضع عشرة سنة فما اتفق يل رأي إىل اآلن‬
‫واملال مح إذا توقف اإلمام مالك وهو من هو يف علمه وبعد نظره وسعة مداركه‪ ،‬قال عبد‬
‫الرلن بن مهدي‪ :‬جاء رجل إىل مالك‪ :‬فسأله عن شيء فمكث أياماً ما جييبه‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا‬
‫عبد هللا إين أريد اخلروج‪ ،‬فأطرق طويالً ورفع رأسه فقال‪ :‬ما شاء هللا!‪ ،‬يا هذا إين أتكلم فيما‬
‫أحتسب فيه اخلري ولست أحسن مسألتك هذه‪ ،‬وقال ابن وهب‪ :‬مسعت مالكاً يقول‪ :‬العجلة‬
‫‪.‬‬
‫يف الفتوى نوع من اجلهل واخلرق‬

‫‪35‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪ -3‬التزام النصوص وعدم االجتهاد يف املسائل القطعية‬


‫فعلى اجملتهد يف القضايا املستجدة االلتزام مبا تدل عليه النصوص الشرعية حبسب داللتها‬
‫مباشرة أو حبسب ظواهرها العامة ‪-‬أي بنصها أو ظاهرها‪:-‬‬
‫فإن أول ما جيب البحث فيه عن حكم املسألة هو يف النصوص من كتاب أو سنة‪ ،‬كما‬
‫كان يفعل الصحابة الكرام يف اجتهادهم بعد الن صلى هللا عليه وآله وسلم‪.‬‬
‫فال جيوز فتح باب االجتهاد يف حكم ثبت بداللة القرآن القاطعة‪ ،‬مثل فرضية الصيام‬
‫على األمة‪ ،‬أو حترمي اخلمر‪ ،‬أو حلم اخلنزير‪ ،‬أو أكل الربا‪ ،‬أو إجياب قطع يد السارق إذا انتفت‬
‫الشبهات واستوفيت الشروط‪ ،‬ومثل توزيع تركة األب امليت بني أوالده للذكر مثل ح‬
‫األنثيني‪ ،‬وحنو ذلك من أحكام القرآن والسنة اليقينية‪ ،‬اليت أمجعت عليها األمة‪ ،‬وأصبحت‬
‫معلومة من الدين بالضرورة‪ ،‬وصارت هي عماد الوحدة الفكرية والسلوكية ل مة‪.‬‬
‫ومقتضى هذا أال ننساق وراء املتالعبني الذين يريدون حتويل حمكمات النصوص إىل‬
‫متشاهبات‪ ،‬وقطعيات األحكام إىل ظنيات‪ ،‬قابلة ل خذ والرد‪ ،‬واإلرخاء والشد‪.‬‬
‫جيب أن نذكر أن جمال االجتهاد هو األحكام الظنية الدليل‪ ،‬أما ما كان دليله قطعاً فال‬
‫سبيل إىل االجتهاد فيه‪ ،‬وجيب تطبيق احلكم الوارد فيه دون تردد‪.‬‬

‫‪ -4‬مراعاة الواقع واألعراف والعادات‬


‫العرف‪ :‬هو ما اعتاده الناس‪ ،‬وساروا عليه‪ ،‬من كل فعل شاع بينهم‪ ،‬أو لف تعارفوا‬
‫إطالقه على معىن خاص ال تألفه اللغة‪ ،‬وال يتبادر غريه عند مساعه‪ ،‬وهذا يشمل العرف العملي‬
‫والعرف القويل‪.‬‬
‫والشارع احلكيم راعى الصحيح من عرف العرب يف التشريع ففرض الدية على العاقلة‪،‬‬
‫وشرط الكفاءة يف الزواج‪ ،‬واعترب العصبية يف الوالية واإلرث‪ ،‬والعرف حجة يف الشريعة‪ ،‬فتفهم‬

‫‪36‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫النصوص الشرعية من القرآن والسنة بداللة العرف القائم حني ورود النص‪ ،‬وال يلتفت لتبدل‬
‫األعراف‪.‬‬
‫وهلذا قال العلماء‪ :‬العادة حمكمة‪ ،‬والثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي‪ ،‬وقالوا أيضاً‪ :‬كل‬
‫ما ورد به الشرع مطلقاً وال ضابط له فيه وال يف اللغة يرجع فيه إىل العرف يقول ابن القيم‬
‫اجلوزية‪" :‬تتغري الفتوى لتغري العرف والعادة"‪.‬‬

‫‪ -5‬مراعاة الضرورة أو احلاجة‬


‫ولقد عرف العلماء الضرورة‪" :‬ما يرتتب على عدم مراعاهتا خطر أو ضرر شديد حمقق‬
‫كاملوت جوعاً"‪ ،‬أما احلاجة‪" :‬فهي ما يرتتب على تركها مشقة وحرج أو عسر وصعوبة"‪.‬‬
‫من أهم املبادئ اليت تقوم عليها الشريعة اإلسالمية واليت ينبغي للمجتهد يف النوازل‬
‫مراعاهتا واالهتمام هبا‪ ،‬موضوع الضرورات واحلاجة والظروف االستثنائية اليت قد تعرتض الناس‬
‫يف حياهتم اليومية‪ ،‬وقد شرعت الشريعة اإلسالمية أحكاماً استثنائية مناسبة لتلك احلاالت وفقاً‬
‫الجتاه الشريعة العام يف التيسري على الناس ورفع احلرج عنهم‪ ،‬ولكوهنا شريعة هتتم بالواقع‬
‫البشري‪.‬‬
‫ولقد استثنت حاالت الضرورة يف كثري من تشريعاهتا‪ ،‬حىت يبقى املكلف دائماً داخل‬
‫إطار الشريعة يف كل أعماله‪.‬‬
‫ﲒ‬ ‫ﲑ‬ ‫ومن األدلة على مراعاة الشريعة للضرورة ﭧﭐﭨﭐﱡ ﲇﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ‬

‫ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﱠ البقرة‪ .113 :‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ‬

‫ﱓﱠ األنعام‪111 :‬‬


‫ﱔ‬

‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية‪" :‬ومن استقرأ الشريعة يف مواردها ومصادرها وجدها مبنية على‬
‫ﲕ ﲖ ﲗ ﱠ البقرة‪ ،113 :‬وقوله‪:‬‬ ‫ﲑﲓﲔ‬
‫ﲒ‬ ‫تعاىل‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ‬ ‫قوله‬
‫‪31‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫ﭐﱡﭐ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﱠ املائدة‪ ،3 :‬فكل ما احتاج الناس‬


‫إليه يف معاشهم ومل يكن سببه معصية وهي ترك واجب أو فعل حمرم ‪ -‬مل حيرم عليهم ألهنم يف‬
‫معىن املضطر الذي ليس بباغ وال عاد"‪.‬القاعدة الفقهية املقررة تقول‪" :‬الضرورات تبيح‬
‫احملظورات"‪.‬‬
‫وتطبيقات الضرورة أو احلاجة من النوازل والفتاوى كثرية فيما يلي بعض األمثلة عنها‪:‬‬
‫‪ -‬تناول بعض املآكل أو املشارب احملظورة إلنقاذ النفس من اهلالك أو املوت جوعاً‪،‬‬
‫فيباح تناول شيء من امليتة أو اخلنزير أو اخلمر‪ ،‬أو أخذ مال شخص آخر غري‬
‫مضطر مثله‪ ،‬لدفع خطر اهلالك‪ ،‬إما حمققاً‪ ،‬أو بظن غالب‪ ،‬أو الوقوع يف وهن ال‬
‫حيتمل‪.‬‬
‫‪ -‬كشف العورات أمام الطبيب للعالج واملداواة‪.‬‬
‫‪ -‬كما يباح النظر لوجه املرأة للمعاملة واإلشهاد واخلطبة والتعليم وحنوها‪ ،‬للحاجة‬
‫لذلك‪ ،‬ولكن بقدر احلاجة يف كل ما ذكر‪ ،‬ألن (الضرورة أو احلاجة تقدر‬
‫بقدرها)‪.‬‬

‫‪ -6‬مراعاة حتقيق مصاحل الناس‬


‫الشريعة اإلسالمية اليت خصها هللا بالعموم جلميع الناس يف كل زمان ومكان وجعلها‬
‫خامتة الشرائع السماوية يرى الباحث يف أحكامها أهنا تساير وتراعي مصاحل الناس وهتدف إىل‬
‫حتقيق هذه املصاحل‪ :‬ومن مظاهر هذا األمر تدرجها يف تشريع األحكام‪ ،‬ووجود النسخ يف‬
‫عصر الرسالة‪ ،‬فقد يشرع الشارع حكماً ملالءمته للناس وقت التشريع أو ملقصد خاص مث تزول‬
‫مالءمته أو ينتهي الغرض املقصود منه‪ ،‬فينسخ ذلك احلكم حبكم آخر‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ ﱠ البقرة‪ 106 :‬ومعىن هذا أن هللا‬


‫سبحانه وتعاىل قد شرع بعض األحكام مث أبطلها ونسخها ملا اقتضت املصلحة ذلك‪.‬‬
‫أما بعد عصر النبوة فإن التشريع جاء لرياعي مصاحل الناس ألن أحكامه شرعت لعلل‬
‫وحكم صرحت النصوص ببعضها وهذا التعليل يفيد أن احلكم يدور مع علته وجوداً وعدماً‪،‬‬
‫فإذا كانت املصلحة اليت شرع هلا احلكم دائمة ال تتغري فال يتغري احلكم أبداً لعدم وجود ما‬
‫يقضي التغيري‪ ،‬وإذا ثبت أهنا تتغري تبعاً لتغري الظروف واألحوال تغري احلكم معها وإال مل تكن‬
‫فائدة من شرعيته‪.‬‬
‫ومن هنا منع عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه سهم املؤلفة قلوهبم بعد أن كان رسول هللا‬
‫عليه وسلم يعطيهم ملا زال السبب‪.‬‬
‫ولتحقيق مصاحل الناس اختلف أسلوب التشريع ففي األشياء اليت ال تتغري مصاحلها‬
‫فصلها وبينها أجلى بيان كالعبادات وبعض األنظمة املتعلقة باألسرة من زواج وطالق ومرياث‬
‫كما حدد عقوبات لبعض اجلنايات اليت ال تتغري مفسدهتا على مر األيام‪ :‬كالقتل والزنا والسرقة‬
‫وقطع الطريق والقذف‪.‬‬
‫أما األشياء اليت تتغري مصاحلها أو ختتلف باختالف األزمان كاملعامالت‪ ،‬وما يتعلق‬
‫بالنظام االجتماعي أتى التشريع على صفة قواعد عامة صاحلة للتطبيق ليطبقها اجملتهدون وأولو‬
‫األمر حسبما تقتضيه مصلحة الناس‬
‫لذا البد على الفقيه أن يراعي مصلحة الناس يف اجتهاده يف النوازل لكن شرط أن ال‬
‫تتعارض مصلحتهم مع أصل شرعي أو قاعدة حمكمة‪.‬‬
‫يقول ابن القيم‪" :‬إن الشريعة مبناها وأساسها على احلكم ومصاحل العباد يف املعاش‬
‫واملعاد وهي عدل كلها‪ ،‬ورلة كلها ومصاحل كلها وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل‬
‫إىل اجلور‪ ،‬وعن الرلة إىل ضررها وعن املصلحة إىل املفسدة‪ ،‬وعن احلكمة إىل العبث فهي‬
‫‪31‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬
‫‪.‬‬
‫ليست من الشريعة"‬

‫‪ -2‬مراعاة أقوال التطور يف روح العصر‬


‫"جيب أال ننسى أننا يف القرن اخلامس عشر اهلجري‪ ،‬ال يف القرن العاشر‪ ،‬وال ما قبله‪،‬‬
‫وأن لنا حاجتنا ومشكالتنا اليت مل تعرض ملن قبلنا من سلف األمة وخلفها‪ ،‬وأننا مطالبون بأن‬
‫جن تهد ألنفسنا‪ ،‬ال أن جيتهد لنا قوم ماتوا قبلنا بعدة قرون‪ ،‬ولو أهنم عاشوا عصرنا اليوم‪ ،‬وعانوا‬
‫ما عانينا‪ ،‬لرجعوا عن كثري من أقواهلم‪ ،‬وغريوا كثرياً من اجتهاداهتم‪ ،‬ألهنا قيلت لزماهنم‪ ،‬وليس‬
‫لزماننا"‬
‫فال جيوز للمجتهد أن يتغافل عن روح العصر وحاجاته الذي تغري فيه كل شيء‪ ،‬بعد‬
‫عصر االنقالب الصناعي‪ ،‬مث عصر التقدم التكنولوجي‪ ،‬عصر غزو الكواكب و"الكمبيوتر"‬
‫وثورة البيولوجيا اليت تكاد تغري مستقبل اإلنسان؟!‪.‬‬
‫وملسايرة هذا التطور فال مانع من أن نقتبس من أنظمة الشرق أو الغرب‪ ،‬ما ال خيالف‬
‫عقيدتنا وشريعتنا‪ ،‬مما حيقق املصلحة جملتمعنا‪ ،‬على أن نصبغه بصبغتنا‪ ،‬ونضفي عليه من روحنا‪،‬‬
‫حىت يغدو جزءاً من نظامنا‪ ،‬ويفقد جنسيته األوىل‪ ،‬كما رأينا ذلك فيهما اقتبسه املسلمون يف‬
‫العصور الذهبية من األمم األخرى‬

‫‪ -2‬احلذر من الوقوع حتت ضغط الواقع ومزالق النازلة‬


‫ينبغي أن حنذر من الوقوع حتت ضغط الواقع القائم يف جمتمعاتنا املعاصرة وهو واقع مل‬
‫يصنعه اإلسالم بعقيدته وشريعته وأخالقه‪ ،‬ومل يصنعه املسلمون بإرادهتم وعقوهلم وأيديهم‪ ،‬إمنا‬
‫هو واقع صنع هلم‪ ،‬وفرض عليهم‪ ،‬يف زمن غفلة وضعف وتفكك منهم‪ ،‬وزمن قوة ويقظة‬
‫ومتكن من عدوهم املستعمر‪ ،‬فلم ميلكوا أيامها أن يغريوه أو يتخلصوا منه‪ ،‬مث ورثه األبناء من‬
‫اآلباء‪ ،‬واألحفاد من األجداد‪ ،‬وبقي األمر كما كان‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫فليس معىن االجتهاد أن حناول تربير هذا الواقع على ما به‪ ،‬وجر النصوص من تالبيبها‬
‫لتأييده‪ ،‬وافتعال الفتاوى إلضفاء الشرعية على وجوده‪.‬‬
‫وكذلك جيب احلذر من املداخل واألخطاء الدقيقة يف الفتوى يف النازلة مثل‪:‬‬
‫‪ ‬التعضية‪ :‬وهي تقسيم النازلة إىل أجزائها اليت ترتكب منها مع إعطاء كل جزء‬
‫حكمه اخلاص دون اعتبار الكل‪.‬‬
‫احليدة عن الواقع‪ :‬وهو مكان وزمان النازلة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫املصطلحات واأللفاظ اجململة‪ :‬واملقصود النظر إىل احلقائق واملعاين وليس‬ ‫‪‬‬

‫الوقوف عل األلفاظ فقط‪.‬‬

‫تقييم‬
‫‪ .1‬للنوازل مثاين ضوابط‪ .‬عددها‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫املبح ـ ــث الس ـ ــادس‬

‫مظان فقه النوازل‬

‫(مصادرها)‬
‫أهم الكتب اليت تعرضت لفقه النوازل‬
‫فيما يلي ثبت شامل ألهم الكتب واملصنفات القدمية واحلديثة اليت احتوت على ما ميكن‬
‫أن نطلق عليه فقه النوازل‪ ،‬وال ندعي أهنا احتوت فقط نوازل ومشكالت حديثة بل لقد‬
‫ةلت إجابات عن أسئلة متكررة احلدوث وأخرى تقع ألول مرة فاجتهد العلماء أصحاب هذه‬
‫الكتب يف الرد عليها‪.‬‬
‫ونبدأ بعرض جمموعة كبرية من الكتب اليت عنونت هبذا االسم وهي كلها ملؤلفني ينتسبون‬
‫للمذاهب‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬كتب املذاهب الفقهية القدمية‪:‬‬


‫النوازل‪ :‬أليب الليث السمرقندي (‪316‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫خمتارات النوازل‪ :‬لصاحب اهلداية املرغيناين احلنفي (‪513‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫الواقعات‪ :‬اإلمام الصدر الشهيد احلنفي‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫الفتاوى اهلندية وتسمى أيضا بالفتاوى العاملكريية‪ .‬للعالمة نظام ومجاعة من‬ ‫‪-4‬‬
‫علماء اهلند (دار إحياء الرتاث العريب‪ :‬بريوت)‪.‬‬
‫فتاوى قاضيخان‪ :‬لإلمام فخر الدين حسن بن منصور األوزجندي الفرغاين‬ ‫‪-5‬‬
‫(‪215‬هـ) وجاء يف مقدمة الكتاب‪" :‬ذكر يف هذا الكتاب مجلة من املسائل‬
‫اليت يغلب وقوعها ومتس احلاجة إليها وتدور عليها واقعات األمة"‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫العقود الدرية يف تنقيح الفتاوى احلامدية‪ :‬للشيخ العالمة حممد أمني أفندي‬ ‫‪-6‬‬
‫(دار املعرفة‪ -‬بريوت)‪.‬‬
‫الفتاوى اخلريية لنفع الربية على مذهب اإلمام أيب حنيفة إبراهيم بن سليمان‬ ‫‪-1‬‬
‫ابن حممد بن عبد العزيز‪.‬‬
‫اإلعالم بنوازل األحكام‪ .‬عيسى بن سهل أيب األصبغ اجلياين قاضي طنجة‬ ‫‪-2‬‬
‫ومكناس وغرناطة (ت‪426‬هـ)‪.‬‬
‫نوازل األحكام‪( :‬فتاوى أيب مطرف)‪ :‬عبد الرلن بن قاسم (‪411‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫معني احلكام يف نوازل القضايا واألحكام‪ .‬إلبراهيم بن حسن املكىن بابن‬ ‫‪-10‬‬
‫عبد الرفيع (‪513‬هـ)‪.‬‬
‫فتاوى ابن رشد (‪520‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-11‬‬
‫نوازل ابن احلاج‪ :‬حممد بن ألد بن خلف (‪521‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-12‬‬
‫مذاهب احلكام يف نوازل األحكام‪ :‬القاضي عياض (‪544‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-13‬‬
‫فتاوى النووي (املسمى باملسائل املنثورة)‪ :‬اإلمام النووي‪.‬‬ ‫‪-14‬‬
‫الفتاوى الكربى‪ :‬ابن حجر اهليثمي‪ ،‬هبامشه فتاوى العالمة ةس الدين‬ ‫‪-15‬‬
‫الرملي‪..‬‬
‫النتف يف الفتاوى‪ :‬أليب احلسن علي بن حممد املسعودي (‪461‬هـ) حتقيق‬ ‫‪-16‬‬
‫صالح الدين الناهي (مؤسسة الرسالة‪ :‬بريوت)‪.‬‬
‫فتاوى ومسائل ابن الصالح‪ :‬حتقيق عبد املعطي أمني قلعه جي (دار املعرفة‪:‬‬ ‫‪-11‬‬
‫بريوت)‪.‬‬
‫فتاوى السبكي‪ :‬أبو احلسني تقي الدين علي بن عبد الكايف السبكي‪( :‬دار‬ ‫‪-12‬‬
‫املعرفة‪ :‬بريوت)‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫احلاوي للفتاوى‪ :‬احلاف جالل الدين عبد الرلن بن أيب بكر السيوطي‬ ‫‪-11‬‬
‫(طبعت طبعات كثرية متنوعة)‪.‬‬
‫مطلع األنوار البهية ومنبع األسرار الفقهية‪ :‬الشيخ حممد صاحل بن حممد‬ ‫‪-20‬‬
‫اخلزرجي الشافعي (‪1363‬هـ)‪ - .‬جلنة الرتاث والتاريخ بدولة اإلمارات‪.‬‬
‫الفتاوى الكربى‪ :‬اإلمام العالمة تقي الدين بن تيميه (طبعت طبعات كثرية)‪.‬‬ ‫‪-21‬‬
‫القواعد النورانية الفقهية‪ :‬شيخ اإلسالم ألد بن عبد احلليم بن عبد السالم‬ ‫‪-22‬‬
‫ابن تيمية (طبعت كثريا)‪.‬‬
‫االختيارات الفقهية من فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬الشيخ عالء الدين‬ ‫‪-23‬‬
‫أبو احلسن علي بن حممد بن عباس البعلي (مكتبة الرياض احلديثة)‪.‬‬

‫ثانياً كتب النوازل احلديثة ‪ -‬املعاصرة‬


‫فتاوى هيئة كبار العلماء‪ :‬باململكة العربية السعودية‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫فتاوى اللجنة الدائمة لإلفتاء بالرياض (‪ 4‬ج) مجعها الشيح ألد بن عبد‬ ‫‪-2‬‬
‫الرزاق الدويش (مكتبة املعارف الرياض)‪.‬‬
‫فتاوى جممع البحوث بالقاهرة‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أحباث هيئة كبار العلماء باململكة العربية السعودية‪ :‬الرئاسة العامة إلدارة‬ ‫‪-4‬‬
‫البحوث العلمية واإلفتاء‪.‬‬
‫األسئلة واألجوبة الفقهية املقرونة باألدلة الشرعية‪ :‬عبد العزيز حممد السلمان‬ ‫‪-5‬‬
‫(مطابع النصر احلديثة‪ :‬الرياض)‪.‬‬
‫جمموعة الرسائل واملسائل النجدية‪ :‬لبعض علماء جند األعالم‪( :‬دار العاصمة‬ ‫‪-6‬‬
‫‪1412‬هـ)‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫جمموعة فتاوى ومقاالت متنوعة‪ :‬عبد العزيز بن عبد هللا بن عبد الرلن بن‬ ‫‪-1‬‬
‫باز (مكتبة املعارف للنشر والتوزيع)‪.‬‬
‫فتاوى شرعية وحبوث إسالمية‪ -‬حسنني حممد خملوف ‪( -‬دار االعتصام ط‬ ‫‪-2‬‬
‫اخلامسة ‪1405‬هـ)‪.‬‬
‫حل املشكالت ‪ -‬العالمة عبد هللا بن حممد بن زريق ‪ -‬وزارة الرتاث القومي‬ ‫‪-1‬‬
‫والثقافة‪ :‬عمان‪.‬‬
‫يسألونك يف الدين واحلياة ‪ -‬د‪ .‬ألد الشرباصي ‪ -‬دار اجليل بريوت ط‬ ‫‪-10‬‬
‫الثالثة ‪.1111‬‬
‫فتاوى شرعية ‪ -‬دائرة األوقاف والشؤون اإلسالمية بديب‪ -‬إعداد قسم اإلفتاء‬ ‫‪-11‬‬
‫ط األوىل ‪.1111/1412‬‬
‫من هدى اإلسالم‪ :‬فتاوى معاصرة ‪ -‬د‪ .‬يوسف القرضاوي ‪ -‬دار القلم‪:‬‬ ‫‪-12‬‬
‫الكويت ط الثالثة‪.‬‬
‫أنت تسأل واإلسالم جييب ‪ -‬د‪ .‬حممد سامل حميسن‪ ،‬دار اجليل بريوت ط‬ ‫‪-13‬‬
‫األوىل ‪.1414‬‬
‫الفتاوى‪ :‬كل ما هم املسلم يف حياته ويومه وغده ‪ -‬الشيخ حممد متويل‬ ‫‪-14‬‬
‫الشعراوي ‪( -‬دار القلم)‪.‬‬
‫فتاوى الشيخ حممد الصاحل العثيمني ‪ -‬إعداد وترتيب‪ :‬أشرف عبد املقصود ‪-‬‬ ‫‪-15‬‬
‫(دار عامل الكتب بالرياض ط األوىل ‪.)1411‬‬
‫جمموعة رسائل‪ :‬الشيخ عبد هللا بن زيد آل لود‪ -‬رئيس احملاكم الشرعية‬ ‫‪-16‬‬
‫بقطر ‪ -‬نشرها زهري الشاويش ‪ -‬املكتب اإلسالمي‪.‬‬
‫من غريب ما سألوين ‪ -‬الشيخ عبد هللا النوري ‪( -‬ذات السالسل‪ :‬الكويت‬ ‫‪-11‬‬

‫‪45‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪.)1124‬‬
‫الفتاوى ‪ -‬اإلمام األكرب حممود شلتوت ‪ -‬الشروق ط السادسة عشرة‬ ‫‪-12‬‬
‫‪.1111/1411‬‬
‫اجملموع املفيد من رسائل وفتاوى الشيخ سعد بن لد بن عتيق ‪ -‬مجع‬ ‫‪-11‬‬
‫وترتيب‪ :‬إمساعيل بن سعد بن عتيق ‪ -‬دار اهلداية الرياض ‪1403‬‬
‫أنت تسال واإلسالم جييب ‪ -‬عبد اللطيف مشتهري ‪ -‬دار االعتصام ط‬ ‫‪-20‬‬
‫الثانية ‪.1122/1402‬‬
‫أسئلة طال حوهلا اجلدل ‪ -‬عبد الرلن عبد الصمد ‪ -‬دار الفتح‪ :‬الشارقة ط‬ ‫‪-21‬‬
‫األوىل ‪ 1414‬هـ‪.‬‬
‫هداية الطريق من رسائل وفتاوى الشيخ لد بن عتيق ‪ -‬تقدمي إمساعيل ابن‬ ‫‪-22‬‬
‫سعد بن عتيق ‪ -‬دار اهلداية الرياض‪.‬‬
‫الفتاوى ‪ -‬اإلمام األكرب حسن مأمون ‪ -‬اجمللس األعلى للشؤون اإلسالمية‬ ‫‪-23‬‬
‫القاهرة ‪.1321‬‬
‫حبوث فقهية يف قضايا عصرية‪ :‬صاحل بن فوزان بن عبد هللا الفوزان ‪ -‬دار‬ ‫‪-24‬‬
‫العاصمة ‪ -‬النشرة األوىل ‪1415‬هـ ‪ -‬الرياض‪.‬‬
‫فقه النوازل‪ -‬بكر أبو زيد‪( :‬مكتبة الرسالة‪ :‬بريوت)‪.‬‬ ‫‪-25‬‬
‫فتاوى إسالمية‪ :‬الشيخ حممد بن عبد العزيز املسند‪( :‬دار الوطن الرياض)‪.‬‬ ‫‪-26‬‬
‫جمموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ حممد بن صاحل العثيمني (دار الثريا‬ ‫‪-21‬‬
‫الرياض)‪.‬‬
‫رأي الدين بني السائل واجمليب‪ :‬د‪ .‬حممد البهي (دار الفكر)‪.‬‬ ‫‪-22‬‬
‫فتاوى نور على الدرب‪ :‬الشيخ صاحل بن فوزان الفوزان (مكتبة ابن تيميه ‪-‬‬ ‫‪-21‬‬

‫‪46‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫الكويت)‪.‬‬
‫فتاوى وأحكام‪ :‬د‪ .‬حممد إبراهيم احلفناوي (دار احلديث‪ :‬مصر)‪.‬‬ ‫‪-30‬‬
‫اإلسالم واملشكالت السياسية املعاصرة‪ :‬مجال الدين حممد حممود (دار‬ ‫‪-31‬‬
‫الكتاب املصري‪ :‬القاهرة)‪.‬‬
‫االقتصاد اإلسالمي والقضايا الفقهية املعاصرة‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬علي ألد السالوس (دار‬ ‫‪-32‬‬
‫الثقافة‪ :‬الدوحة)‪.‬‬
‫جمموعة حبوث فقهية معاصرة‪ :‬د‪ .‬عبد الكرمي زيدان (مؤسسة الرسالة)‪.‬‬ ‫‪-33‬‬
‫قرارات اجملمع الفقهي التابع لرابطة العامل اإلسالمي مبكة املكرمة‪.‬‬ ‫‪-34‬‬
‫أحباث فقهية يف قضايا الزكاة املعاصرة‪ :‬د‪ .‬حممد سليمان األشقر‪ :‬دار‬ ‫‪-35‬‬
‫النفائس ط األوىل‪.‬‬
‫حبوث يف الفقه الط ‪ :‬د‪ .‬عبد الستار أبوغدة‪ :‬نشر دار األقصى ط األوىل‬ ‫‪-36‬‬
‫‪1411‬هـ‪.‬‬
‫فتاوى شرعية‪ :‬إدارة األوقاف والبحوث‪ :‬ديب‪ :‬مطبعة البيان ط األوىل‬ ‫‪-31‬‬
‫‪1412‬هـ‪.‬‬
‫قرارات وتوصيات جممع الفقه اإلسالمي‪( :‬منظمة املؤمتر اإلسالمي) دار القلم‬ ‫‪-32‬‬
‫ط الثانية ‪1412‬هـ‪.‬‬
‫الفتاوى الشرعية يف املسائل الطبية‪ :‬الشيخ الدكتور عبد هللا بن عبد الرلن‬ ‫‪-31‬‬
‫اجلربين‪ :‬دار الصميعي ط األوىل ‪1412‬هـ‪.‬‬
‫الطبيب أدبه وفقهه‪ :‬د‪ .‬زهري السباعي ود‪ .‬حممد علي البار دار القلم ط‬ ‫‪-40‬‬
‫الثانية ‪1412‬هـ‪.‬‬
‫قضايا فقهية معاصرة‪ :‬د‪ .‬حممد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬ط اخلامسة ‪- 1414‬‬ ‫‪-41‬‬

‫‪41‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫مكتبة الفارايب‪.‬‬
‫مسائل فكرية وفقهية‪ :‬هشام البدراين‪ ،‬دار البيارق ط األوىل ‪1412‬هـ‪.‬‬ ‫‪-42‬‬
‫أحباث فقهية يف قضايا طبية معاصرة‪ :‬د حممد نعيم ياسني‪ ،‬دار النفائس ط‬ ‫‪-43‬‬
‫الثانية ‪1410‬هـ‪.‬‬
‫حبوث فقهية يف قضايا اقتصادية معاصرة‪ :‬د‪ .‬حممد سليمان األشقر وآخرون‪:‬‬ ‫‪-44‬‬
‫دار النفائس ط األوىل ‪1412‬هـ‪.‬‬
‫املعامالت املالية املعاصرة‪ :‬د‪ .‬حممد عثمان شبري‪ :‬دار النفائس ط األوىل‬ ‫‪-45‬‬
‫‪1416‬هـ‪.‬‬
‫حبوث فقهية هامة‪ :‬د‪ .‬عبد العزيز اخلياط دار السالم ط األوىل ‪ 1406‬هـ‪.‬‬ ‫‪-46‬‬
‫األحكام السياسية ل قليات املسلمة يف الفقه اإلسالمي‪ :‬سليمان توبولياك ‪-‬‬ ‫‪-41‬‬
‫دار النفائس ط األوىل ‪1412‬هـ‪.‬‬
‫مستجدات فقهية يف قضايا الزواج والطالق‪ :‬أسامة عمر سليمان األشقر ‪-‬‬ ‫‪-42‬‬
‫دار النفائس ‪ -‬األردن ‪1420‬هـ ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫قضايا فقهية معاصرة‪ :‬حممد برهان الدين السنبهلي دار القلم‪.‬‬ ‫‪-41‬‬
‫إحتاف السائل مبا ورد من املسائل‪ :‬حممد أديب كلكل ط األوىل‪.‬‬ ‫‪-50‬‬
‫حبوث يف قضايا فقهية معاصرة‪ :‬حممد تقي العثماين‪ :‬دار القلم‪.‬‬ ‫‪-51‬‬
‫حبوث فقهية معاصرة‪ :‬د‪ .‬إبراهيم فاضل الدبو دار عمار‪.‬‬ ‫‪-52‬‬
‫مع الناس‪ :‬مشورات وفتاوى‪ :‬د‪ .‬حممد سعيد رمضان البوطي ‪ -‬دار الفكر ‪-‬‬ ‫‪-53‬‬
‫دمشق ‪ -‬سورية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1111‬م‪.‬‬
‫حكم إجراء العقود بوسائط االتصال احلديثة‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬دار املكت‬ ‫‪-54‬‬
‫‪ -‬دمشق ‪ -‬الطبعة األوىل ‪1420‬هـ‪2000/‬م‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪ -55‬العمليات االستشهادية يف امليزان الفقهي‪ :‬نواف هايل تكروري‪ ،‬الطبعة الثانية‬


‫‪1412‬هـ‪1111/‬م‪.‬‬
‫‪ -56‬البطاقات البنكية‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان‪ ،‬دار القلم ‪ -‬دمشق‬
‫‪ -‬الطبعة األوىل ‪1411‬هـ‪1112/‬م‪.‬‬
‫اجملالت املتخصصة يف الدراسات اإلسالمية وأحباث الفقه واالجتهاد‬
‫ومن اجملالت اإلسالمية واليت هتتم بالدراسات الفقهية واألصولية والشرعية وجتمع عندي‬
‫هذا العدد‪ ،‬وذكرت مع كل جملة عنواهنا بالتفصيل ملن أراد املراسلة واالشرتاك أو حىت الكتابة‪.‬‬
‫‪ -1‬البحوث اإلسالمي إدارة األزهر‪ -‬القاهرة ‪.‬‬
‫اجمللة اإلسالمية جملة تعىن بالدراسات والبحوث اإلسالمية‪ ،‬تصدرها رابطة‬ ‫‪-2‬‬
‫اجلامعات اإلسالمية‪ ،‬ص‪.‬ب‪ -242 :‬الرباط‪ ،‬امللكة املغربية‪.‬‬
‫جملة البحوث اإلسالمية جملة دورية تصدر عن رئاسة إدارة البحوث العلمية‬ ‫‪-3‬‬
‫واإلفتاء‪ :‬الرياض‪ ،‬ص‪.‬ب‪ -22511 :‬الرياض‪ -‬الرمز الربيدي ‪.11416‬‬
‫جملة البحوث الفقهية املعاصرة جملة علمية حمكمة متخصصة يف الفقه‬ ‫‪-4‬‬
‫اإلسالمي‪ -‬اململكة العربية السعودية الرياض‪ 11441 :‬هاتف‪4351212 :‬‬
‫جملة جامعة أم القرى للبحوث العلمية احملكمة ص‪.‬ب‪ 115 :‬مكة‬ ‫‪-5‬‬
‫املكرمة‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪.‬‬
‫جملة جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية جملة علمية حمكمة الرياض‪،‬‬ ‫‪-6‬‬
‫ص‪.‬ب‪ 11432/5101 :‬اهلاتف‪.01/2522230 :‬‬
‫جملة الشريعة والقانون حولية حمكمة تصدرها كلية الشريعة والقانون جبامعة‬ ‫‪-1‬‬
‫اإلمارات العربية املتحدة‪ -‬العني‪ -‬ص‪.‬ب‪ 15551 :‬هاتف‪.643112 :‬‬
‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية إسالمية فكرية ثقافية حمكمة‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪41‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫تصدر عن كلية الدراسات اإلسالمية والعربة بديب ص‪.‬ب‪ -50106‬ديب‪،‬‬


‫اإلمارات العربية املتحدة‪.‬‬
‫جملة كلية الدعوة اإلسالمية جملة إسالمية ثقافية جامعة حمكمة‪ ،‬تصدر عن‬ ‫‪-1‬‬
‫كلية الدعوة اإلسالمية باجلماهريية الليبية ص‪.‬ب‪ ،11111 :‬طرابلس‪.‬‬
‫‪ -10‬جملة الشريعة والدراسات اإلسالمية جملة علمية حمكمة تعىن بالبحوث‬
‫والدراسات اإلسالمية تصدر عن جملس النشر العلمي يف جامعة الكويت كل‬
‫أربعة أشهر‪ .‬ص‪.‬ب‪ 11433 :‬الرمز الربيدي ‪ 12455‬اخلالدية الكويت‬
‫هاتف‪ 421250 :‬فاكس‪ 4212504 :‬العنوان االلكرتوين‪:‬‬
‫‪Josais@kuco1.kuniv.edu.kw‬‬
‫‪ -11‬جملة اجملمع الفقهي جملة دورية تصدرها أمانة جممع الفقه اإلسالمي برابطة‬
‫العامل اإلسالمي‪ -‬مكة املكرمة ص‪.‬ب‪ ،532 -531 :‬مكة املكرمة‪،‬‬
‫اململكة العربية السعودية ت‪ 5445335 :‬فاكس‪.5431116 :‬‬
‫‪ -12‬املسلم املعاصر جملة فصلية فكرية ثقافية حمكمة‪ ،‬تعاجل قضايا االجتهاد‬
‫املعاصر يف ضوء األصالة اإلسالمية‪ -‬تصدر عن مؤسسة املسلم املعاصر‪،‬‬
‫املراسالت على عنوان‪ 3 :‬ش وزارة الزراعة‪ -‬الدقي‪ -‬القاهرة‪.‬‬
‫املواقع اإللكرتونية املهتمة بفقه النوازل‬
‫لقد أصبح اإلنرتنت الوسيلة األكثر استخداما اليوم يف مجيع جوانب احلياة‪ ،‬وذلك‬
‫للسرعة يف احلصول أو الوصول إىل أي معلومة ويف مجيع التخصصات‪.‬‬
‫و من املواقع اإلسالمية املهتمة مبوضوع النوازل والفتاوى املتوفرة على شبكة اإلنرتنت‪:‬‬
‫موقع الشيخ ابن باز‪ -‬رمحه هللا‪http://www.binbaz.org.sa -‬‬
‫وحيتوي املوقع على‪ :‬جامع لفتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رله هللا تعاىل‪ ،‬وعلى كتبه‬
‫‪50‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫ورسائله‪ ،‬ومشاركاته يف برنامج الفتاوى الشهري‪" :‬نور على الدرب"‪.‬‬


‫موقع الشيخ ابن عثيمني‪ -‬رمحه هللا‪-‬‬
‫‪/ hrrp://www.binothaimeen.co‬‬
‫حيتوي الوقع على جمموع فتاوى الشيخ حممد بن صاحل بن عثيمني رله هللا اليت وصلت إىل‬
‫عشرين جملدا ميكن حتميلها وتنزيلها من املوقع‪ ،‬إضافة إىل حلقات برنامج "نور على الدرب"‪.‬‬
‫موسوعة فتاوى األزهر ‪http://www.elazhar.com/ftawa.htm‬‬
‫تشمل أوال‪ :‬الفتاوى اإلسالمية من دار اإلفتاء املصرية منذ السابع من مجادى اآلخرة‬
‫‪1313‬هجرية املوافق‪ 21‬نوفمرب عام ‪1225‬ميالدية‪ ،‬ثانيا‪ :‬الفتاوى األحكام لفضيلة الشيخ‬
‫عطية صقر رئيس جلنة الفتوى باألزهر الشريف‪ ،‬ثالثا‪ :‬اجلامع للفتاوى لفضيلة الشيخ حممد‬
‫متويل الشعراوي ميكن البحث يف نصوص الفتاوى كما ميكن تصفح حمتوى موسوعة الفتاوى‬
‫برتتيب األحكام واملوضوعات‪.‬‬
‫موقع إسالم أون الين ‪http://islamonline.ne‬‬
‫تشرف عليه هيئة علمية من كبار العلماء من خمتلف أحناء العامل اإلسالمي باإلضافة إىل خنبة‬
‫من اخلرباء واملختصني يف السياسة واالقتصاد واإلعالم واالجتماع والتكنولوجيا والفنون وغريها‬
‫من اجملاالت‪.‬مهمتها ضمان عدم خمالفة ما ينشر يف هذا املوقع لثوابت الشريعة اإلسالمية‪،‬‬
‫حيتوي املوقع على‪ :‬فتاوى مباشرة‪ ،‬اسألوا أهل الذكر‪ ،‬وبنك الفتوى‪.‬‬
‫موقع الشؤون اإلسالمية بديب‬
‫‪http://www.godubai.com/awqaaf/fatawa.asp‬‬
‫موقع اإلسالم ‪www.al-islam.com‬‬
‫حيوي املوقع القاموس اإلسالمي والفقه وأصول الفقه والفتاوى االقتصادية والزكاة ل فراد‬
‫وخدمات أخرى نافعة‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫موقع وزارة الشؤون اإلسالمية واألوقات والدعوة واإلرشاد بامللكة العربية السعودية‬
‫‪www.islam.org.sa‬‬
‫وزارة األوقات والشؤون اإلسالمية بقطر ‪www.islam.gov.qa‬‬
‫موقع جيد ومرجع يف الفتاوى وفقه النوازل‪.‬‬
‫موقع وزارة األوقات والشؤون اإلسالمية‪ -‬دولة الكويت ‪www.awkaf.net‬‬
‫يقدم خدمة الفتوى اهلاتفية وخدمة املواطن‪.‬‬
‫موقع املوسوعة اإلسالمية املعاصرة ‪http://www.islampedia.com‬‬
‫حيتوي هذا املوقع على مكان للقضايا الفقهية املعاصرة‪ :‬جتمع قرارات اجملامع الفقهية يف اململكة‬
‫العربية والسعودية وغريها‪.‬‬
‫موقع املنرب ‪http://www.fatwanet.net‬‬
‫شبكة الفتوى الشرعية ‪http://www.islamic-fatwa.net‬‬
‫جييب على األسئلة فضيلة الشيخ‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬ألد احلجي الكردي‪ ،‬خبري يف املوسوعة الفقهية‪،‬‬
‫وعضو هيئة اإلفتاء يف دولة الكويت‪.‬‬
‫تقييم‬
‫مثل مبثال واحد ألهم الكتب اليت تعرضت لفقه النوازل‪:‬‬
‫‪ .1‬املذاهب الفقهية القدمية‪.‬‬
‫‪ .2‬النوازل احلديثة‪.‬‬
‫‪ .3‬جمالت متخصصة يف النوازل‪.‬‬
‫‪ .4‬مواقع إلكرتونية‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫املبحث السـ ـ ـ ـ ـ ــابع‬


‫التعريف ديئات االجتهاد اجلماعي‬
‫املعنية بالنوازل‬
‫‪ 0‬هيئة كبار العلماأ السعودية‬

‫هي هيئة دينية إسالمية حكومية يف السعودية تأسست عام ‪ 1111‬وتضم جلنة حمدودة من‬
‫الشخصيات الدينية يف البالد مجيعهم فقهاء جمتهدون من مدارس فقهية متعددة‪ ،‬ورئيسها هو‬
‫مفيت الديار السعودية‪ ،‬وهي خمولة باصدار الفتاوى وابداء آرائها يف عدة أمور‪ .‬يرأسها حاليا‬
‫الشيخ عبد العزيز بن عبد هللا آل الشيخ‪ .‬ويتفرع عن اهليئة جلنة دائمة متفرغة‪ ،‬اختري أعضاؤها‬
‫من بني أعضاء اهليئة بأمر ملكي‪ ،‬وتكون مهمتها إعداد البحوث وهتيئتها للمناقشة من قبل‬
‫اهليئة‪ ،‬وإصدار الفتاوى يف الشؤون الفردية‪ ،‬وذلك باإلجابة عن أسئلة املستفتني يف شؤون‬
‫العقائد والعبادات واملعامالت الشخصية‪ ،‬وتسمى (اللجنة الدائمة للبحوث والفتوى)‪،‬‬
‫تشرف على األحباث املعدة هلا من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء وعلى ضوئها تصدر‬
‫القرارات املناسبة يف هناية كل حبث‪ .‬واليت تقوم بتهيئتها وعرضها على هيئة كبار العلماء‬
‫(األمانة العامة هليئة العلماء) ممثلة يف األمني العام للهيئة‪.‬‬
‫تعقد اجتماعات هيئة كبار العلماء مرة واحدة كل ستة أشهر يف مقر الرئاسة يف الرياض‪ ،‬ويف‬
‫احلاالت االستثنائية ميكن عقدها يف مكان آخر‪ ،‬وجيوز انعقاد اهليئة يف جلسات استثنائية‬
‫لبحث أمور ضرورية ال تقبل التأخري‪ .‬يف عام ‪ 2001‬مت حتديد على أن عدد أعضاء اهليئة جيب‬
‫أال يقل عن ‪ 11‬عضوا‪ ،‬وال يزيد عن ‪ ،21‬وكذلك أال تزيد فرتة العضوية على أربع سنوات يف‬
‫حال مل يتم صدور أمر ملكي بالتجديد للعضو‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪ 7‬جممع الفقه اإلسالمي الدويل‬


‫تأسس جممع الفقه اإلسالمي الدويل تنفيذا للقرار الصادر عن مؤمتر القمة اإلسالمي الثالث‬
‫"دورة فلسطني والقدس" املنعقد يف مكة املكرمة باململكة العربية السعودية يف الفرتة من ‪– 11‬‬
‫‪ 22‬ربيع األول ‪1401‬هـ (‪ 22 – 25‬يناير ‪1121‬م)‪.‬‬
‫جممع الفقه اإلسالمي الدويل‪ ،‬يكون أعضاؤه من الفقهاء والعلماء واملفكرين يف شىت جماالت‬
‫املعرفة الفقهية والثقافية والعلمية واالقتصادية من خمتلف أحناء العامل اإلسالمي لدراسة‬
‫مشكالت احلياة املعاصرة واالجتهاد فيها اجتهادا أصيال فاعال هبدف تقدمي احللول النابعة من‬
‫الرتاث اإلسالمي واملنفتحة على تطور الفكر اإلسالمي‪ .‬وانطالقا من روح بالغ مكة املكرمة‬
‫اختذت منظمة املؤمتر اإلسالمي مجلة من اإلجراءات القانونية والتنفيذية هبدف وضع اإلطار‬
‫القانوين واإلداري لتحقيق إرادة القادة املسلمني بإنشاء جممع للفقه اإلسالمي تلتقي فيه‬
‫اجتهادات فقهاء املسلمني وحكمائهم لكي تقدم هلذه األمة اإلجابة اإلسالمية األصلية عن‬
‫كل سؤال تطرحه مستجدات احلياة املعاصرة‪.‬‬
‫ومقره يف مدينة جدة (اململكة العربية السعودية)‪ ،‬ويتم اختيار أعضائه وخربائه من بني أفضل‬
‫العلماء واملفكرين يف العامل اإلسالمي واألقليات املسلمة يف الدول غري اإلسالمية يف مجيع فروع‬
‫املعرفة (الفقه اإلسالمي‪ ،‬العلوم‪ ،‬الطب‪ ،‬االقتصاد‪ ،‬الثقافة‪... ،‬إخل)‪ .‬وقد انعقد املؤمتر‬
‫التأسيسي جملمع الفقه اإلسالمي الدويل يف مكة املكرمة فيما بني ‪ 22-26‬من شعبان‬
‫‪1403‬هـ (‪ 1-1‬من يونيو ‪1123‬م)‪ ،‬وبانعقاد املؤمتر التأسيسي أصبح اجملمع حقيقة واقعة‬
‫باعتباره إحدى اهليئات املنبثقة عن منظمة املؤمتر اإلسالمي‪.‬‬
‫ويبلغ عدد الدول املشاركة باجملمع ثالث وأربعون دولة من بني سبع ومخسني دولة ممثلة بواحد‬
‫أو أكثر من خرية علماء الفقه اإلسالمي من أبنائها‪ ،‬ومل يفت أن يستعني اجملمع بالعديد من‬
‫اخلرباء املميزين يف جماالت املعرفة اإلسالمية وشىت املعارف والعلوم األخرى‪ ،‬وذلك من أجل‬
‫‪54‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫حتقيق إرادة األمة اإلسالمية يف الوحدة نظرياً وعملياً وفقاً ألحكام الشريعة السمحة‪ ،‬ولتستعيد‬
‫األمة بالتايل دورها احلضاري الذي اضطلعت به على مدى قرون عدة للت فيها نرباس التقدم‬
‫وقادت فيها حركة التاريخ اإلنساين على كافة املستويات‪.‬‬
‫‪ 3‬اجملمع الفقهي اإلسالمي‬
‫وهو عبارة عن هيئة علمية إسالمية ذات شخصية اعتبارية مستقلة‪ ،‬داخل إطار رابطة العامل‬
‫اإلسالمي‪ ،‬مكونة من جمموعة خمتارة من فقهاء األمة اإلسالمية وعلمائها‪.‬‬
‫أهداف اجملمع الفقهي اإلسالمي فتتمثل يف اآليت‬
‫‪ .1‬بيان األحكام الشرعية فيما يواجه املسلمني يف أحناء العامل من مشكالت ونوازل‬
‫وقضايا مستجدة من مصادر التشريع اإلسالمي املعتربة‪.‬‬

‫‪ .2‬إبراز تفوق الفقه اإلسالمي على القوانني الوضعية وإثبات ةول الشريعة واستجابتها‬
‫حلل كل القضايا اليت تواجه األمة اإلسالمية يف كل زمان ومكان‪.‬‬

‫‪ .3‬نشر الرتاث الفقهي اإلسالمي وإعادة صياغته‪ ،‬وتوضيح مصطلحاته وتقدميه بلغة‬
‫العصر ومفاهيمه‪.‬‬

‫‪ .4‬تشجيع البحث العلمي يف جماالت الفقه اإلسالمي‪.‬‬

‫‪ .5‬مجع الفتاوى واآلراء الفقهية املعتربة للعلماء احملققني‪ ،‬واجملامع الفقهية املوثوقة يف القضايا‬
‫املستجدة‪ ،‬ونشرها بني عامة املسلمني‬

‫‪ .6‬التصدي ملا يثار من شبهات وما يرد من إشكاالت على أحكام الشريعة اإلسالمية‬

‫‪55‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫وسائل اجملمع‬
‫يستخدم اجملمع الفقهي اإلسالمي مجيع الوسائل املشروعة املتاحة املناسبة لتحقيق أهدافه‪،‬‬
‫ومنها‬
‫‪ .1‬إنشاء مركز للمعلومات لتتبع ما يواجه العامل اإلسالمي من قضايا تستدعي الدراسة‬

‫‪ .2‬وضع معاجم للفقه وعلومه توضح املصطلحات الفقهية‪ ،‬وتيسرها للمشتغلني بالفقه‬
‫دراسة وعمالً‪.‬‬

‫‪ .3‬إصدار جملة علمية حمكمة تعىن بالدراسات الفقهية‪ ،‬وتنقل أهم حبوث اجملمع ومناقشاته‬
‫وقراراته وترمجتها إىل عدة لغات‪.‬‬

‫‪ .4‬التعاون بني اجملمع واهليئات واملراكز العلمية املشاهبة القائمة يف أحناء العامل اإلسالمي‪،‬‬
‫والتبادل العلمي والفكري معها‪.‬‬

‫‪ .5‬عقد الندوات العلمية عن قضايا العصر ومستجداته‪ ،‬واستكتاب املتخصصني عنها‪.‬‬

‫‪ .6‬العمل على ترمجة قرارات اجملمع وتوصياته وحبوثه‪ ،‬ونشرها جبميع الوسائل املمكنة‪ ،‬مبا‬
‫فيها شبكة اإلنرتنت‪ ،‬والقنوات الفضائية‪ ،‬والصحف أنشطة وخدمات‪.‬‬

‫أهداف اجملمع الفقهي اإلسالمي فتتمثل يف اآليت‪:‬‬


‫‪ .1‬الرعاية واالهتمام باملسلمني اجلدد‪.‬‬

‫‪ .2‬بيان األحكام الشرعية فيما يواجه املسلمني يف أحناء العامل من مشكالت ونوازل‬
‫وقضايا مستجدة من مصادر التشريع اإلسالمي املعتربة‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪ .3‬إبراز تفوق الفقه اإلسالمي على القوانني الوضعية وإثبات ةول الشريعة واستجابتها‬
‫حلل كل القضايا اليت تواجه األمة اإلسالمية يف كل زمان ومكان‪.‬‬

‫‪ .4‬نشر الرتاث الفقهي اإلسالمي وإعادة صياغته‪ ،‬وتوضيح مصطلحاته وتقدميه بلغة‬
‫العصر ومفاهيمه‪.‬‬

‫‪ .5‬تشجيع البحث العلمي يف جماالت الفقه اإلسالمي‪.‬‬

‫‪ .6‬مجع الفتاوى واآلراء الفقهية املعتربة للعلماء احملققني‪ ،‬واجملامع الفقهية املوثوقة يف القضايا‬
‫املستجدة‪ ،‬ونشرها بني عامة املسلمني‪.‬‬

‫‪ .1‬التصدي ملا يثار من شبهات وما يرد من إشكاالت على أحكام الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ 4‬هيئة احملاسبة واملراجعة للمؤسسات املالية اإلسالمية‬

‫هي منظمة دولية غري هادفة للربح تضطلع بإعداد وإصدار معايري احملاسبة املالية واملراجعة‬
‫والضبط وأخالقيات العمل واملعايري الشرعية للمؤسسات املالية اإلسالمية خاصة والصناعة‬
‫املصرفية واملالية اإلسالمية على وجه العموم‪ .‬كما تنظم اهليئة عدداً من برامج التطوير املهين‬
‫(وخاصة برنامج احملاسب القانوين اإلسالمي وبرنامج املراقب واملدقق الشرعي) يف سعيها الرامي‬
‫إىل رفع سوية املوارد البشرية العاملة يف هذه الصناعة وتطوير هياكل الضوابط احلوكمة لدى‬
‫مؤسساهتا‪.‬‬
‫تأسست اهليئة مبوجب اتفاقية التأسيس اليت وقعها عدد من املؤسسات املالية اإلسالمية بتاريخ‬
‫‪ 1‬صفر ‪ 1410‬هـ املوافق ‪ 26‬فرباير (شباط) ‪1110‬م يف اجلزائر‪ .‬وقد مت تسجيل اهليئة يف‬
‫‪51‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪ 11‬رمضان ‪ 1411‬هـ املوافق ‪ 21‬مارس (آذار) ‪1111‬م يف البحرين‪ .‬وبصفتها منظمة دولية‬
‫مستقلة‪ ،‬حتظى اهليئة بدعم عدد كبري من املؤسسات ذات الصفة االعتبارية حول العامل (‪200‬‬
‫عضو من أكثر من ‪ 45‬بلداً‪ ،‬حىت اآلن) ومنها املصارف املركزية واملؤسسات املالية اإلسالمية‬
‫وغريها من األطراف العاملة يف الصناعة املالية واملصرفية اإلسالمية الدولية‪.‬‬
‫وقد حصلت اهليئة على الدعم الكبري لتطبيق املعايري الصادرة عنها‪ ،‬حيث تعتمد هذه املعايري‬
‫اليوم يف مملكة البحرين ومركز ديب املايل العاملي وسلطنة عمان واألردن ولبنان وقطر والسودان‬
‫وسوريا‪ .‬كما أن اجلهات املختصة يف أسرتاليا وأندونيسيا وماليزيا وباكستان واململكة العربية‬
‫السعودية وجنوب أفريقيا أصدرت أدلة إرشادية مستمدة من معايري اهليئة وإصداراته‪.‬‬
‫تتكون اجلمعية العمومية هليئة احملاسبة واملراجعة للمؤسسات املالية اإلسالمية من مجيع األعضاء‬
‫املؤسسني واألعضاء املشاركني واألعضاء املؤازرين واألعضاء املراقبني واألعضاء املمثلني جلهات‬
‫إشرافية ورقابية‪ .‬وحيق ل عضاء املراقبني واملؤازرين حضور اجتماعاهتا دون حق التصويت‪ .‬وتعترب‬
‫اجلمعية العمومية السلطة العليا يف اهليئة وجتتمع مرة يف السنة على األقل‪.‬‬
‫وينبثق عن اجلمعية العمومية جملس األمناأ الذي ينقسم بدوره إىل ثالث أقسام‪:‬‬
‫جملس معايري احملاسبة واملراجعة‪ :‬الذي يقسم بدوره إىل جلنة معايري احملاسبة وجلنة‬ ‫‪‬‬

‫معايري املراجعة والضوابط‬

‫اجمللس الشرعي الذي يتكون من أعضاء جلنة املراجعة والصياغة إضافة إىل جلان‬ ‫‪‬‬

‫املعايري الشرعية الثالث‬

‫األمانة العامة‬ ‫‪‬‬

‫‪52‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫هتدف هيئة احملاسبة واملراجعة للمؤسسات املالية اإلسالمية يف إطار أحكام الشريعة اإلسالمية‬
‫إىل ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬تطوير فكر احملاسبة واملراجعة واجملاالت املصرفية ذات العالقة بأنشطة املؤسسات املالية‬
‫اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ .2‬نشر فكر احملاسبة واملراجعة املتعلقة بأنشطة املؤسسات املالية اإلسالمية وتطبيقاته عن‬
‫طريق التدريب وعقد الندوات وإصدار النشرات الدورية وإعداد األحباث والتقارير وغري‬
‫ذلك من الوسائل‪.‬‬

‫‪ .3‬إعداد وإصدار معايري احملاسبة واملراجعة للمؤسسات املالية اإلسالمية وتفسريها للتوفيق‬
‫ما بني املمارسات احملاسبية اليت تتبعها املؤسسات املالية اإلسالمية يف إعداد قوائمها‬
‫املالية وكذلك التوفيق بني إجراءات املراجعة اليت تتبع يف مراجعة القوائم املالية اليت‬
‫تعدها املؤسسات املالية اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ .4‬مراجعة وتعديل معايري احملاسبة واملراجعة للمؤسسات املالية اإلسالمية لتواكب التطور‬
‫يف أنشطة املؤسسات املالية اإلسالمية والتطور يف فكر وتطبيقات احملاسبة واملراجعة‪.‬‬

‫‪ .5‬إعداد وإصدار ومراجعة وتعديل البيانات واإلرشادات اخلاصة بأنشطة املؤسسات املالية‬
‫اإلسالمية فيما يتعلق باملمارسات املصرفية واالستثمارية وأعمال التأمني‪.‬‬

‫‪ .6‬السعي الستخدام وتطبيق معايري احملاسبة واملراجعة والبيانات واإلرشادات املتعلقة‬


‫باملمارسات املصرفية واالستثمارية وأعمال التأمني‪ ،‬اليت تصدرها اهليئة‪ ،‬من قبل كل مـن‬

‫‪51‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫اجلهات الرقابية ذات الصلة واملؤسسات املالية اإلسالمية وغريها ممن يباشر نشاطا ماليا‬
‫إسالميا ومكاتب احملاسبة واملراجعة‪.‬‬

‫تقوم هيئة احملاسبة واملراجعة يف املؤسسات املالية اإلسالمية حالياً مبنح شهادتني مهنيتني األوىل‬
‫هي حماسب قانوين إسالمي وهي تعىن بالقسم احملاس للعمل يف الشركات املالية اليت ختضع‬
‫للشريعة اإلسالمية‪ .‬أما الشهادة الثانية فهي مراقب ومدقق شرعي وهي تعىن بضمان مطابقة‬
‫عمل الشركة مع املبادئ واملعايري والفتاوى الشرعية‪.‬‬

‫تقييم‬
‫اذكر بعض هيئات االجتهاد اجلماعي املعنية بالنوازل‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫الفصـل الثانـي‬
‫دراسة عينات لبعض النوازل املعاصرة‬

‫املبحث األول اعتماد احلساب الفلكي يف حتديد الشهور القمرية‬


‫املبحث الثاين مصرف يف سبيل هللا‬
‫املبحث الثالث زواج املسيار‬
‫املبحث الرابع إجهاض اجلنني‬
‫املبجث اخلامس قتل الرمحة‬

‫‪61‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫أه ـ ـ ـ ـ ــداف الفصل الثاين‬

‫يف هناية هذا الفصل يتوقع من الطالب أن يكون قادراً على أن‬
‫‪ 0‬يعرف كيفية تصور النازلة‬
‫‪ 7‬يعرف كيف يكييف النازلة وحيكم عليها‬
‫‪ 3‬يعرف قكم اعتماد احلساب الفلكي يف حتديد الشهور القمرية‬
‫‪ 4‬يعرف قكم مصرف يف سبيل هللا‬
‫‪ 2‬يعرف قكم زواج املسيار‬
‫‪ 6‬يعرف قكم اجهاض اجلنني‬
‫‪ 2‬يعرف قكم قتل الرمحة‬

‫‪62‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫املبحث األول‬

‫اعتماد احلساب الفلكي يف حتديد أوائل الشهور القمرية‬

‫يف كل عام وكلما قرب دخول شهر رمضان‪ ،‬يكثر اجلدل واخلالف بني املسلمني يف‬
‫قضية كان الواجب االتفاق حوهلا‪ ،‬لكن ل سف غدت تلك املسألة سبب من أسباب الفرقة‬
‫واخلالف بينهم‪:‬‬
‫والقضية هي‪:‬‬

‫هل جيوز اعتماد احلسابات الفلكية يف إثبات دخول شهر رمضان وغريه من الشهور‬
‫القمرية أم ال ؟ أم جيب االكتفاأ برؤية اهلالل كما أمر هللا تعارو ورسوله الكر صلى هللا عليه‬
‫وسلم‬

‫ومن املعلوم أن قضية رؤية اهلالل ليست جمرد قضية علمية فلكية للمسلمني‪ ،‬بل احلقيقة‬
‫أن تعلق أحكام شرعية متعددة هبا جعلها مناسبة دينية شرعية‪ :‬ومن املفروض الرجوع إىل‬
‫الشريعة اإلسالمية فيما يتعلق مبسألة رؤية اهلالل شأهنا يف ذلك كشأن سائر أحكام العبادات‪:‬‬
‫كالصالة والزكاة والصيام واحلج‪ ،...‬كما ال جيوز إمهال علم الفلك الذي له عالقة وثيقة‬
‫باملوضوع‪.‬‬
‫لذلك كان لدراسة حركة القمر أمهية كبرية لتحديد ميالد األهلة اليت تساعد كثرياً يف‬
‫حتديد بدايات األشهر القمرية‪ ،‬وذلك ألن أمر اهلالل يثري اهتمام الكثري من الناس وخاصة‬
‫املسلمني الذين دأبوا يف أقطارهم املختلفة للتطلع إىل األفق لرؤيته بعد غروب الشمس للتثبت‬
‫من بعض مناسباهتم الدينية‪ :‬فبعضهم قد يوفق يف رؤية اهلالل‪ ،‬بينما يشتبه اآلخرون فيتومهون‬
‫رؤيته‪ ،‬ومنهم من ال يتمكن من رؤيته البتة‪ ،‬وبذلك قد حيصل االختالف بني األقطار العربية‬
‫واإلسالمية يف تعيني موعد إقامة الشعائر الدينية‪.‬‬
‫والبد من اإلشارة هنا إىل أن اعتماد بداية الشهور القمرية على رؤية اهلالل هو أمر‬
‫استقر عليه العرب قبل اإلسالم‪ ،‬وكانت القبائل العربية تعىن بالرؤية من أجل حتديد األشهر‬
‫احلرم يف أوقات اخلصومات واحلروب املستعمرة بينهم‪ ،‬ومن أجل مواسم احلج‪ ،‬ومل نقرأ وكذلك‬

‫‪63‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫مل نسمع بوسيلة أخرى أو معيار آخر لتحديد بداية الشهر العريب‪ ،‬وال يعقل أن تكون هلم غري‬
‫هذه الوسيلة الواضحة‪.‬‬
‫ولقد برز من الفلكيني املسلمني الذين تطرقوا إىل موضوع استخدام احلساب الفلكي‬
‫لتحديد أوائل الشهور اهلجرية العديد من العلماء‪ ،‬أشهرهم "البتاين" ‪121 – 250‬م‪،‬‬
‫و"البريوين" ‪1042 – 113‬م‪ ،‬و"نصري الدين الطوسي" ‪1214 – 1252‬م‪ ،‬ويف القرن‬
‫املاضي قام اللواء املصري "حممد خمتار باشا" ‪1211 – 1246‬م بتأليف كتابه القيِام "‬
‫التوفيقات اإلهلامية يف مقارنة التواريخ اهلجرية بالسنني اإلفرجنية والقبطية من سنة ‪ 1‬إىل سنة‬
‫‪ 1500‬هجرية "‪.‬‬
‫وقد قام الدكتور" حممد عمارة " بدراسة وحتقيق وتكملة هذا الكتاب‪ ،‬ومت نشر الطبعة‬
‫األوىل منه عام ‪1400‬هـ ‪1120 -‬م‪ ،‬عن طريق املؤسسة العربية للدراسات والنشر يف جملدين‪.‬‬
‫أما يف السنوات األخرية‪ ،‬فقد برز اهتمام املسلمني باملوضوع‪ ،‬ولعل السبب هو تطور‬
‫طرق املواصالت واالتصاالت بني أرجاء العامل اإلسالمي املختلفة‪ ،‬يف حني ال زال املسلمون‬
‫خيتلفون يف أوقات أعيادهم وحىت يف الدول املتجاورة مما ال ميكن تفسريه !‬
‫لكن اليوم مع التقدم العلمي الكبري احلاصل‪ ،‬وخباصة يف جمال علوم احلساب والفلك‬
‫ولشدة دقتها‪ :‬فهل جيوز االعتماد واألخذ باحلساب الفلكي لتحديد أوائل الشهور القمرية‪...‬؟‬
‫أم ال!‬
‫قدمياً نكاد نقول إن فقهاء اإلسالم األوائل يف املذاهب املختلفة متفقون على عدم اعتبار‬
‫الطرق احلسابية الفلكية يف إثبات بداية األشهر اهلجرية خاصة وأن احلساب الفلكي يف أزمنتهم‬
‫كان مقروناً بالتنجيم وفيما يلي بعض األمثلة ألقواهلم‪:‬‬
‫قال السرخسي‪ ..." :‬ومنهم من قال يرجع إىل أهل احلساب عند االشتباه وهذا بعيد‬
‫فإن الن صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬من أتى كاهناً أو عرافاً وصدقه مبا يقول فقد كفر مبا أنزل‬
‫على حممد صلى هللا عليه وسلم " (‪.)1‬‬
‫قال ابن عابدين‪ " :‬مطلب‪ :‬ال عربة بقول املؤقتني يف الصوم‪ ،‬بل يف املعراج‪ :‬ال يعترب‬
‫قوهلم باإلمجاع " (‪.)2‬‬
‫قال القرايف املالكي‪ ..." :‬وقاعدة رؤية األهلة يف الرمضانات ال جيوز إثباهتا باحلساب "‬
‫(‪.)3‬‬
‫)‪ (1‬املبسوط ‪ 12/3‬وسيأيت ختريج احلديث‪.‬‬
‫)‪ (2‬حاشية ابن عابدين ‪.321/2‬‬
‫)‪ (3‬مواهب اجلليل ‪.322/2‬‬
‫‪64‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫قال اإلمام سند املالكي‪ " :‬إن كان اإلمام يرى احلساب فأثبت اهلالل مل يتبع إلمجاع‬
‫السلف على خالفه " (‪.)1‬‬
‫قال النووي‪ ..." :‬ألن النجوم واحلساب ال مدخل هلما يف العبادات " (‪.)2‬‬
‫ويف حواشي الشرواين‪ ..." :‬أن الشارع مل يعتمد احلساب بل ألغاه بالكلية‪.)3( "...‬‬
‫وقال اخلطيب الشربيين‪ " :‬واملعتمد قبوهلا إذ ال عربة بقول احلساب كما مر " (‪.)4‬‬
‫قال ابن مفلح احلنبلي‪ ..." :‬ومن صام بنجوم أو حساب مل جيزئه وإن أصاب وال حيكم‬
‫بطلوع اهلالل هبما ولو كثرت إصاباهتما " (‪.)5‬‬

‫اختالف العلماأ املعاصرين يف هذه القضية‬


‫أما يف هذا العصر فلقد اختلف العلماء يف هذه املسألة اختالفاً كبرياً ولقد انقسم الفقهاء‬
‫يف جواز إثبات الشهور القمرية باحلساب الفلكي إىل فريقني‪:‬‬
‫الفريق األول وهو جلمهور العلماء ويقول بعدم جواز اعتماد احلساب الفلكي يف إثبات‬
‫دخول الشهور القمرية‪.‬‬
‫الفريق الثاين وهو للعالمة احملدث ألد حممد شاكر – رله هللا – والفقيه الشيخ‬
‫مصطفى الزرقا – رله هللا – ومفيت تونس األسبق املختار السالمي‪ :‬ويقولون جبواز اعتماد‬
‫احلساب الفلكي يف إثبات الشهور القمرية‪.‬‬

‫أدلة الفريقني يف املسألة‬


‫‪ -0‬أدلة الفريق األول‬
‫استدل املانعون اعتماد احلساب ووجوب االكتفاء بالرؤية بنوعني من األدلة‪ :‬أمر وهني‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬أدلة تعلق ثبوت األشهر بالرؤية فقط تعليق املشروط بشرطه‪ ،‬فيها أمر بتعليق‬
‫أحكام املواقيت برؤية اهلالل‪.‬‬
‫واألخرى حترمي األخذ باحلساب يف هذه القضية متييزاً هلذه األمة والستغنائها مبا هو خري‬
‫وأكمل‪ :‬وفيها هني عن تعليقها بالكتابة واحلساب‪.‬‬

‫)‪ (1‬مواهب اجلليل ‪ ،322/2‬التاج واإلكليل ‪.311/2‬‬


‫)‪ (2‬اجملموع‪ :‬للنووي ‪.222/6‬‬
‫)‪ (3‬حواشي الشرواين ‪.313/3‬‬
‫)‪ (4‬مغين احملتاج ‪.421/1‬‬
‫)‪ (5‬الفروع‪ :‬البن مفلح ‪.2/3‬‬
‫‪65‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫الطائفة األورو‬
‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ‬ ‫ﲦ ﱠ البقرة‪121 :‬ومنها‬
‫ﲧ‬ ‫ﲠﲢﲣﲤﲥ‬
‫ﲡ‬ ‫ﲟ‬ ‫فمنها ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲝ ﲞ‬

‫ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ‬

‫ﲸ ﲹﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﱠ يونس‪5 :‬‬
‫دلت هاتني اآليتني على أن األهلة هي املرجع يف الصوم واإلفطار واحلج وغريها من األحكام‬
‫املتعلقة هبا‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ما ثبت عن عبد الرلن بن زيد بن اخلطاب " أنه خطب يف اليوم الذي شك‬
‫فيه‪ ،‬فقال‪ :‬إين جالست أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وساءلتهم وأهنم حدثوين أن‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته‪ ،‬وانسكوا هلا‪ ،‬فإن غم‬
‫عليكم فأمتوا ثالثني يوماً‪ ،‬فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا " (‪.)1‬‬
‫ومنها‪ :‬ما ثبت عن أمري مكة احلرث بن حاطب قال‪ " :‬عهد إلينا رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم أن ننسك للرؤية‪ ،‬فإن مل نره وشهد شاهدا عدل‪ ،‬نسكنا بشهادهتما " (‪.)2‬‬
‫واحلديث يدل على أن املرجع يف إثبات دخول الشهر هو الرؤية‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ما ورد يف الصحيح عن ابن عمر عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬إذا‬
‫رأيتموه فصوموا‪ ،‬وإذا رأيتموه فأفطروا‪ ،‬فإن غم عليكم فأقدروا " (‪.)3‬‬
‫ويف لف ‪ " :‬الشهر تسع وعشرون ليلة‪ ،‬فال تصوموا حىت تروه‪ ،‬فإن غُم عليكم فأكملوا‬
‫العدة ثالثني " (‪.)4‬‬
‫ويف لف ‪ " :‬أنه ذكر رمضان‪ ،‬فضرب بيديه فقال‪ :‬الشهر هكذا وهكذا وهكذا‪ ،‬مث عقد‬
‫إهبامه يف الثالثة‪ ،‬صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن غم عليكم فأقدروا ثالثني " (‪.)5‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه اإلمام ألد (‪ ،321/4 )12115‬والنسائي يف الصيام باب قبول شهادة الرجـل الواحـد (‪،132/4 )2116‬‬
‫وذكــره احلــاف يف التلخــيص ومل يــذكر فيــه قــدحاً وإســناده ال بــأس بــه علــى اخــتالف فيــه‪ ،‬كمــا أفــاده الشــوكاين (نيــل‬
‫األوطار ‪.)261/4‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه أبو داود يف الصوم باب شهادة رجلني على رؤية هالل شـوال (‪ 301/2 )2332‬وسـكت عنـه‪ ،‬والـدار قطـين‬
‫يف الصـيام بـاب الشــهادة علـى رؤيــة اهلـالل ‪ ،161/2‬وقــال إسـناد متصــل صـحيح وســكت عنـه املنــذري ورجالـه رجــال‬
‫الصحيح ( نيل األوطار ‪.)261/4‬‬
‫)‪ (3‬أخرجــه البخــاري يف الصــوم بــاب هــل يقــال رمضــان أو شــهر رمضــان (‪ ،612/2 )1201‬ومســلم يف الصــيام بــاب‬
‫وجوب صوم رمضان لرؤية (‪.160/2 )1020‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه البخاري يف الصوم باب قول الن ‪.614/2 )1202( ‬‬
‫)‪ (5‬أخرجه مسلم يف الصيام باب وجوب صوم رمضان ( ‪.151/2 )1011‬‬
‫‪66‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫ووجه االستدالل من هذه األحاديث‪ :‬أنه ليس من املطلوب االستعانة باألجهزة الفلكية‬
‫والقواعد الرياضية‪ ،‬كما أنه ليس من املطلوب حتمل املشقة وتكلف رؤية اهلالل بل املطلوب أن‬
‫يصوم املسلمون إذا رئي اهلالل بالعني اجملردة يف اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان‪،‬‬
‫ويفطروا إذا رئي اهلالل يف اليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان‪ ،‬وأما إذا مل ير اهلالل بالعني‬
‫اجملردة فليكملوا العدة ثالثني (‪.)1‬‬
‫وأما الطائفة األخرى‬
‫فقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬إنا أمة أمية ال حنسب وال نكتب‪ ،‬الشهر هكذا‬
‫وهكذا‪ ،‬تارة تسعاً وعشرين‪ ،‬وتارة ثالثني‪ ،‬فال تصوموا حىت تروا اهلالل‪ ،‬وال تفطروا حىت تروه‪،‬‬
‫فإن غم عليكم فأقدروا لـه " (‪ ،)2‬وملسلم‪ " :‬فأقدروا لـه ثالثني " (‪.)3‬‬
‫وقال اإلمام النووي‪ ..." :‬ومن قال حبساب املنازل فقوله مردود بقوله صلى هللا عليه‬
‫وسلم يف الصحيحني‪ :‬إنا أمة أمية ال حنسب وال نكتب‪.)4( "...‬‬
‫وقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬إنه من يعش منكم فسيجد اختالفاً كثرياً‪،‬‬
‫فعليكم بسنيت وسنة اخللفاء الراشدين املهديني من بعدي متسكوا هبا وعضوا عليها بالنواجذ‪،‬‬
‫وإياكم وحمدثات األمور‪ ،‬فإن كل بدعة ضاللة " (‪.)5‬‬
‫فهذه النصوص هي رؤوس أصول املسألة‪ ،‬وعليها العمل عند سلفنا الصاحل‪ ،‬واستقر‬
‫ذلك حىت املائة الثالثة‪ ،‬بل واستمر العمل به عند املذاهب األربعة املعروفة عند األمة‪ ،‬ال يعرف‬
‫هلم خمالف يعتد خبالفه‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ " :‬فإنا نعلم باالضطرار من دين اإلسالم أن العمل يف رؤية‬
‫هالل الصوم أو احلج أو العدة أو اإليالء أو غري ذلك من األحكام املتعلقة باهلالل خبرب‬
‫احلاسب أنه يرى أو ال يرى‪ :‬ال جيوز‪ ،‬والنصوص املستفيضة عن الن صلى هللا عليه وسلم‬
‫خالف قدمي أصالً‪ ،‬وال خالف حديث‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫بذلك كثرية‪ ،‬وقد أمجع املسلون عليه‪ ،‬وال يُعرف فيه‬
‫إال أن بعض املتأخرين من املتفقهة احلادثني بعد املائة الثالثة‪ ،‬زعم أنه إذا غُم اهلالل‪ ،‬جاز‬

‫)‪ (1‬قضايا فقهية معاصرة‪ :‬السنبهنلي‪ ،‬ص‪.23‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري يف الصوم باب قول النـ صـلى هللا عليـه وسـلم ال نكتـب وال حنسـب (‪ ،615/2 )1214‬مسـلم يف‬
‫الصيام باب وجوب صوم رمضان (‪.161/2 )1020‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه مسلم يف الصيام باب وجوب صوم رمضان (‪.162/2 )1021‬‬
‫)‪ (4‬اجملموع ‪.211/6‬‬
‫)‪ (5‬أخرجه أبو داود يف السنة باب يف لزوم السنة (‪ ،200/4 )4601‬والرتمذي يف العلم عن رسول هللا ‪ ‬بـاب مـا جـاء‬
‫يف األخــذ بالســنة (‪ ،44/5 )2616‬وابــن ماجــة يف اتبــاع ســنة اخللفــاء الراشــدين (‪ ،16/1 )43‬وألــد (‪)11124‬‬
‫‪ ،126/4‬وابن حبان يف صحيحه (‪.)111/1‬‬
‫‪61‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫للحاسب أن يعمل يف حق نفسه باحلساب‪ ،‬فإن كان احلساب دل على الرؤية صام وإال فال‪،‬‬
‫وهذا القول وإن كان مقيداً باإلغمام‪ ،‬وخمتصاً باحلاسب‪ :‬فهو قول شاذ‪ ،‬مسبوق باإلمجاع على‬
‫خالفه‪ ،‬فأما اتباع ذلك يف الصحو‪ ،‬أو تعليق عموم احلكم العام به‪ :‬فما قال به مسلم‪.)1( "...‬‬
‫واستدلوا بدليل عقلي ‪:‬‬
‫قال اإلمام النووي‪ ..." :‬وألن الناس لو كلفوا بذلك – يعين باحلساب – ضاق عليهم‬
‫ألنه ال يعرف احلساب إال أفراد من الناس يف البلدان الكبار " (‪.)2‬‬

‫‪ -7‬أدلة الفريق الثاين‬


‫قال العالمة الدكتور " مصطفى ألد الزرقا "‪ " :‬ال أجد يف اختالف علماء الشريعة‬
‫املعاصرين اختالفاً يدعو إىل االستغراب بل إىل الدهشة أكثر من اختالفهم من جواز االعتماد‬
‫شرعاً على احلساب الفلكي يف حتديد أوائل الشهور القمرية يف عصر ارتاد علماؤه أجزاء من‬
‫الفضاء الكوين وأصبح من أصغر إجنازاهتم النزول على القمر‪ ،‬وإذا كان الرصد الفلكي‬
‫وحساباته من الزمن املاضي مل يكن له من الدقة والصدق ما يكفي للثقة به والتعويل عليه‪،‬‬
‫فهل يصح أن ينسحب ذلك احلكم إىل يومنا هذا؟ "‪.‬‬
‫وقال أيضاً‪ " :‬إن النظر إىل مجيع األحاديث النبوية الصحيحة الواردة يف هذا املوضوع‬
‫يربز العلة السببية يف أمر الرسول صلى هللا عليه وسلم بأن يعتمد املسلمون يف بداية الشهر‬
‫وهنايته رؤية اهلالل بالبصر لبداية شهر الصوم وهنايته‪ ،‬ويبني أن العلة هي كوهنم أمة أمية ال‬
‫تكتب وال حتسب‪ ،‬وهذا يدل مبفهومه أنه لو توافر العلم بالنظام الفلكي احملكم الذي أقامه هللا‬
‫تعاىل بصورة ال ختتلف وال تتخلف‪ ،‬وأصبح هذا العلم يوصلنا إىل معرفة يقينية مبواعيد ميالد‬
‫اهلالل يف كل شهر‪ ،‬ويف أي وقت متكن رؤيته بالعني الباصرة إذا انتفت العوارض اجلوية اليت قد‬
‫حتجب الرؤية‪ ،‬فحينئذ ال يوجد مانع شرعي من اعتماد هذا احلساب واخلروج باملسلمني من‬
‫مشكلة إثبات اهلالل‪ ،‬ومن احلاالت اليت أصبحت خمجلة بل مذهلة حيث يبلغ فرق اإلثبات‬
‫للصوم واإلفطار بني خمتلف األقطار اإلسالمية ثالثة أيام "‪.‬‬
‫ويضيف‪ " :‬أن الفقهاء األوائل مل يعتمدوا احلساب املبين على احلدس والتخمني‪ ،‬ومل‬
‫يكن يف وقتهم علم للفلك قائماً على رصد دقيق بوسائل حمكمة " (‪.)3‬‬

‫)‪ (1‬جمموع فتاوي شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪.132/25‬‬


‫)‪ (2‬اجملموع ‪.211/6‬‬
‫)‪ (3‬نقالً عن الدكتور مسلم شلتوت‪ :‬احلساب الفلكي لتحديد أوائل الشهور العربية‪ :‬إسالم أون الين‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫وقد خلص العالمة الشيخ األستاذ " املختار السالمي " رأيه يف أن يعترب احلساب وسيلة‬
‫يقينية لثبوت دخول الشهور القمرية وهنايتها‪ ،‬وأن العربة بوضع القمر وضعاً متكن رؤيته‪ ،‬وأن‬
‫كل دعوى رؤية ختالف احلساب هي دعوى مرفوضة يكذب صاحبها شأن الشهادة مبا خيالف‬
‫الواقع‪ ،‬وأن القصد هو العمل على توحيد املسلمني يف أعيادهم ويف صومهم ونسكهم‪.‬‬
‫هذا ولقد استدلوا على مذهبهم مبا نقله ابن رشد من قول مطرف بن عبدهللا بن الشخري‬
‫وهو من كبار التابعني‪ ،‬وابن قتيبة من اللغويني‪:‬‬
‫" يعترب اهلالل إذا غم بالنجوم ومنازل القمر وطريق احلساب "‪ :‬يريد استدلوا عليه مبنازله‪،‬‬
‫وقدروا إمتام الشهر حبسابه(‪ )1‬أخذاً من احلديث "‪ ...‬فإن غم عليكم فأقدروا له " يعين‬
‫باحلساب‪.‬‬
‫دل احلساب على أن اهلالل قد طلع من األفق على وجه يرى لوال‬ ‫وبقول من قال‪ :‬إذا َّ‬
‫وجود املانع كالغيم مثالً‪ :‬فهذا يقتضي الوجوب لوجود السبب الشرعي " (‪ ،)2‬ولإلمام‬
‫السبكي الشافعي تأليف مال فيه إىل االعتماد على احلساب (‪.)3‬‬
‫واستدلوا أيضاً بقوهلم‪ " :‬أن اآلليات واألدوات اليت يعرف هبا احلساب قد تطورت حىت‬
‫كادت نتيجته تكون قطعية‪ ،‬وهذا خبالف ما كان عليه األمر يف عصر السلف‪ ،‬وهم إمنا ردوا‬
‫األخذ باحلساب يف زمنهم لظنيته‪ ،‬قالوا‪ :‬وما دامت احلسابات قد صارت قطعية‪ ،‬فإن األخذ‬
‫هبا مقدم على الشهادة برؤية اهلالل‪ ،‬وهي ظنية‪.‬‬
‫وقالوا أيضاً‪ :‬إن األجهزة والقواعد احلسابية يؤخذ هبا لتحديد دخول أوقات الصالة‬
‫والصوم وخروجها فلم ال تؤخذ هبا يف رؤية اهلالل (‪.)4‬‬

‫املناقشة والرتجيح‬
‫رد أصحاب املذهب األول على أدلة اجمليزون للعمل باحلساب بأن احلديث " فأقدروا "‬
‫يفسر بتفسريين‪:‬‬
‫األول لل التقدير على إمتام الشهر ثالثني‪ ،‬ولقد اتبع اإلمام البخاري حديث ابن عمر‬
‫هنا برواية أخرى عنه جاء فيها أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬الشهر تسع وعشرون‬
‫ليلة فال تصوموا حىت تروه ‪،‬فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثالثني " (‪.)5‬‬
‫)‪ (1‬تفسري القرط ‪ ،213/2‬بداية اجملتهد ‪.201/1‬‬
‫)‪ (2‬إحكام األحكام‪ :‬ابن دقيق العني ‪ ،206/2‬تلخيص احلبري ‪.122/2‬‬
‫)‪ (3‬إعانة الطالبني‪ :‬الدمياطي ‪ ،216/2‬مغين احملتاج ‪ ،421/1‬حاشية ابن عابدين ‪.321/2‬‬
‫)‪ (4‬قضايا فقهية معاصرة‪ :‬حممد برهان الدين السنبهنلي‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫)‪ (5‬سبق ختريج احلديث‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬
‫(‪)1‬‬
‫وأيد ابن رشد‬ ‫قال ابن حجر‪ :‬قصد البخاري بذلك بيان املراد من قوله " فأقدروا له "‬
‫ﭐﱡﭐ ﲣ ﲤ ﲥ‬ ‫تفسري البخاري وعلله بأن التقدير يكون مبعىن التمام ودعم رأيه بقوله تعاىل‪:‬‬
‫ﲦ ﲧ ﲨﱠ الطالق‪ 3 :‬أي متاماً (‪.)2‬‬
‫الثاين لل التقدير على تضييق عدد أيام الشهر مبعىن أن جيعل شعبان تسعة وعشرين يوماً‪،‬‬
‫وأخذوا هذا التفسري من قوله تعاىل‪ :‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱠ الطالق‪ .1 :‬أي ضيق‬
‫عليه‪ ...‬وممن قال هبذا الرأي ألد بن حنبل وغريه ممن جيوز صوم يوم الشك إن كانت السماء‬
‫مغيمة (‪.)3‬‬
‫وقالوا بعدم جواز االعتماد على احلساب كحساب اجلداول وغريها لكون احلساب مبنياً‬
‫على الظن والتخمني ال على العلم واليقني فهم يف إجراء عملية احلساب جيعلون شهراً كامالً‬
‫وشهراً ناقصاً إىل هناية السنة ومن املعلوم أن متام الشهر ثالثني قد يتواىل يف شهرين أو ثالثة‬
‫والنقص يف الشهر وكونه تسعاً وعشرين قد يتواىل يف شهرين أو ثالثة‪.‬‬
‫وأنكروا العمل باحلساب ملا رأوه من أناس يستنطقون النجوم باحلوادث الغيبية ويومهون‬
‫العامة بأهنم يعرفون عن طريقها كل شيء لذلك كانت أقواهلم مردودة ألهنا مبنية على ظنون‬
‫وأوهام‪ ،‬ويؤيد هذا التفسري ما ذكره السرخسي‪ " :‬ومنهم من قال يرجع إىل قول أهل‬
‫احلساب عند االشتباه‪ ،‬وهذا بعيد فإن الن صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬من أتى كاهناً أو‬
‫عرافاً وصدقه مبا يقول فقد كفر مبا أنزل على حممد صلى هللا عليه وسلم " (‪.)4‬‬
‫وقال ابن دقيق العيد‪ :‬إن احلساب ال جيوز أن يعتمد عليه يف الصوم ملقارنة القمر‬
‫للشمس على ما يراه املنجمون فإهنم قد يقدمون الشهر باحلساب على الرؤية بيوم أو يومني‬
‫ويف اعتبار ذلك إحداث شرع مل يأذن به هللا(‪.)5‬‬

‫)‪ (1‬فتح الباري ‪.121/4‬‬


‫)‪ (2‬بداية اجملتهد ‪.202 – 201/1‬‬
‫)‪ (3‬اإلنصاف ‪ ،341/3‬الفروع ‪ ،14 – 13/3‬فتح الباري ‪.122/4‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه ألد يف سنده (‪ ،421/2 )1532‬وأبو داود يف الطب باب يف الكاهن (‪ ،15/4 )3104‬والطرباين يف‬
‫األوسط (‪ ،312/6 )6610‬قال اهليثمي‪ :‬عن شيخه مصعب بن إبراهيم بن لزة الدهري‪ ،‬ومل أعرفه وبقية رجاله‬
‫رجال الصحيح (جممع الزوائد ‪.)111/5‬‬
‫)‪ (5‬إحكام األحكام ‪.206/2‬‬
‫‪10‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫أما االستدالل ببعض ما روي عن بعض التابعني فقد عد ابن العريب ذلك من الزلل قال‪:‬‬
‫"‪ ...‬وقد زل بعض املتقدمني فقال يعول على احلساب بتقدير املنازل حىت يدل ما جيتمع‬
‫حسابه على أنه لو كان صحو لرئي‪ ..‬وقد زل أيضاً بعض أصحابنا فحكي عن الشافعي أنه‬
‫قال‪ :‬يعول على احلساب وهي عثرة ال لعا هلا(‪.)1‬‬
‫وجواباً على قياس االعتماد على األجهزة والقواعد احلسابية يف حتديد دخول أوقات‬
‫الصالة والصوم وخروجها‪:‬‬
‫اجلواب‪ :‬أن هناك فرق بني أوقات الصالة وشهر رمضان فأوقات الصالة إمنا هي ظرف‬
‫هلا‪ ،‬أما شهر رمضان فهو معيار للصوم‪ ،‬ومعىن ذلك أن أوقات الصالة تسعها وتزيد فيتبقى‬
‫وقت زائد إذا صلى اإلنسان على الطريقة املسنونة يف وقتها‪ ،‬فمن املمكن دائماً االحرتاز عن‬
‫اخلطأ الذي حيدث بسبب تعيني وقت الصالة بالطريقة احلسابية بأن يؤخر أداء الصالة قليالً‬
‫عن أول وقتها املعني باحلساب‪ ،‬أما شهر رمضان فال ميكن أن يقدم عليه الصوم أو يؤخر عنه‬
‫يوماً ألنه يستلزم ترك فريضة أو إتيان حرام‪ ،‬ومن مث فال يصح قياس أوقات الصالة على دخول‬
‫رمضان وخروجه‪.‬‬
‫وعالوة على ذلك فإن مراد دخول شهر رمضان شرعاً على رؤية اهلالل وهي أمر عملي‬
‫خالص وليس فكرياً‪ ،‬وذلك ألن القواعد الرياضية أو األدوات الفلكية ال يتجاوز داللتها إمكان‬
‫الرؤية أما وقوع الرؤية عمالً وعدم وقوعها فهذا مما ال يتأتى يف نطاق ما تدل عليه اآلالت‬
‫والقواعد‪ ،‬هذا األمر قد ثبت بتصرحيات خرباء هذا العلم‪ ،‬أما أوقات الصالة فإهنا تقوم على‬
‫حاالت الشمس وتأثرياهتا وهي تظهر يف كل سنة على مواعيدها احملددة بشكل ثابت يقيين وال‬
‫حيدث فيها أي تغيري ولذلك يكفي فيها جتارب سنة واحدة لضبط مواعيد الصالة للعام‬
‫كله(‪.)2‬‬

‫كما نوقشت أدلة الفريق األول مبا يلي‬


‫األصل اعتماد الرؤية يف دخول األشهر القمرية‪ ،‬لكن هل معىن ذلك أننا نرتك احلساب‪،‬‬
‫وما يقوله علم الفلك؟!‪ ،‬مع العلم أن علم الفلك قد أضحى من اليقينيات اليت ال جمال للشك‬
‫أو االرتياب فيه‪ ..‬إن الذي رفضه الفقهاء من علم اهليئة أو الفلك هو ما كان يسمى " التنجيم‬
‫" أو " علم النجوم " وهو ما يدعى فيه معرفة بعض الغيوب املستقبلية عن طريق النجوم‪ ،‬وهذا‬
‫)‪ (1‬أحكام القرآن‪ :‬البن العريب ‪.112/1‬‬
‫)‪ (2‬قضايا فقهية معاصرة‪ :‬حممد السنبهنلي‪ ،‬ص ‪.21 – 26‬‬
‫‪11‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫هو الذي جاء فيه احلديث الذي أخرجه أبو داود وغريه عن ابن عباس مرفوعاً‪ " :‬من اقتبس‬
‫علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر " (‪.)1‬‬
‫واالستدالل باحلديث " حنن أمة أمية ال نكتب وال حنسب " لو صح على نفي العمل‬
‫باحلساب لكان احلديث يدل على نفي الكتابة وإسقاط اعتبارها فقد تضمن احلديث أمرين‬
‫دلل هبما على أمية األمة ومها الكتابة واحلساب‪ :‬ومل يقل أحد بذم الكتابة قدمياً وال حديثاً بل‬
‫دل القرآن والسنة واإلمجاع على أمهية الكتابة وضرورهتا‪.‬‬
‫ومهما قيل يف هذا الصدد أن الرسول مل يشرع لنا العمل باحلساب ومل يأمرنا باعتباره‬
‫وإمنا أمرنا باعتبار " الرؤية " واألخذ هبا يف إثبات الشهر وهذا الكالم فيه شيء من الغلط‬
‫ألمرين‪ " :‬األول – أنه ال يعقل أن يأمر الرسول باالعتداد باحلساب يف وقت كانت األمة ال‬
‫تكتب وال حتسب فشرع هلا الوسيلة زماناً ومكاناً وهي الرؤية املقدورة جلمهور الناس يف عصره‪،‬‬
‫ولكن إذا وجدت وسيلة أدق وأضبط وأبعد عن الغلط والوهم فليس يف السنة ما مينع اعتبارها‪.‬‬
‫– كما عرفنا‬ ‫والثاين – أن السنة أشارت بالفعل إىل اعتبار احلساب يف حالة الغيم‬
‫ذلك سابقاً‪.-‬‬
‫ومن ينكر احلساب وجيعله من التخمني والظن فهو خمط ومردود عليه بنصوص القرآن‬
‫اليت أتت متظافرة ختربنا بأمهية علم احلساب وبأنه ليس من ضروب الظن والتخمني‪.‬‬
‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱲ ﱳ ﱴ ﱠ الرلن‪ .5 :‬أي حبساب له قواعده وأصوله يقف عليها من‬
‫درسها ومتكن منها‪ ،‬قال الشوكاين‪ " :‬أي جيريان حبساب ومنازل ال يعدواهنا وال حييدان عنها "‬
‫(‪ .)2‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﱠ يس‪3 :‬‬
‫قال الشوكاين‪ " :‬أي قدر مسريه يف منازل‪ ،‬منازل القمر هي املسـافة الـيت يقطعهـا يف يـوم‬
‫وليلة حبركته اخلاصة " (‪.)3‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه أبو داود يف الطب باب يف النجوم (‪ ،15/4 )3105‬وابن ماجة يف باب تعلم النجوم (‪،1222/2 )3126‬‬
‫ألد يف سنده (‪ ،311/1 )2242‬قال الشوكاين‪ :‬حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود واملنذري رجال إسناده‬
‫ثقات ( نيل األوطار ‪.) 361/1‬‬
‫)‪ (2‬فتح القدير‪ :‬الشوكاين ‪.131/5‬‬
‫)‪ (3‬فتح القدير‪.425/2 :‬‬
‫‪12‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳ ﲴ‬

‫ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﱠ يونس‪5 :‬‬

‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ‬

‫ﲄ ﲅ ﲆ ﲇﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﱠ اإلسراء‪12 :‬‬
‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱠ األنعام‪16 :‬‬
‫ﱏ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱠ لقمـ ـ ــان‪ .21 :‬فهـ ـ ــذه‬ ‫ﱐ‬ ‫ﭧﭐﭨﭐﱡ ﱍ ﱎ‬
‫اآليات الشريفة دليل على وجوب تعلم احلساب وأصـوله وقواعـده‪ ،‬مث اعتمـاده بعـد إفـادة اليقـني‬
‫يف قضــايا الكــون الشاســعة وأبع ـاده الواســعة‪،‬حىت أصــبحت حركــات األج ـرام الســماوية معلومــة‬
‫بدقة ال يتسرب إليها الشك‪.‬‬

‫الرتجيح‬
‫مجعاً بني األقوال وخاصة إذا كان اجلمع بني النصـوص الشـرعية والعلـم الفلكـي واحلسـايب‪:‬‬
‫فإننا نقول‪ :‬ال جيوز إثبات رؤية اهلالل يف اليوم الذي علم وثبت بصراحة ويقني أنه ال ميكن فيـه‬
‫رؤية اهلالل إطالقاً‪.‬‬
‫إنه من املعروف أن املستحيل عقالً وعادة ال تقبل فيه رواية ثقة وال شهادته وخربه‪ ،‬بل‬
‫يرد ذلك اخلرب والشهادة إذا ثبت أهنما مستحيالن ومتصادمان مع العقل والبداهة‪.‬‬
‫فمن ادعى رؤية اهلالل يف الوقت الذي حتيل القواعد احلسـابية املبنيـة علـى الدقـة العلميـة‬
‫للت دعواه على الوهم إن مل حتمل على الكذب(‪.)1‬‬
‫وكما قال الشيخ يوسف القرضـاوي(‪ " :)2‬وميكننـا علـى األقـل أن نأخـذ باحلسـاب الفلكـي‬
‫القطعي يف النفي ال يف اإلثبات تقليالً لالختالف الشاسع الذي حيدث كل سنة يف بدء الصيام‬
‫ويف عيد الفطر‪ ،‬إىل حد يصل إىل ثالثة أيـام بـني بعـض الـبالد اإلسـالمية وبعـض‪ ،‬ومعـىن األخـذ‬
‫باحلساب يف النفـي أن نظـل علـى إثبـات اهلـالل بالرؤيـة وفقـاً ُ لـرأي األكثـرين مـن أهـل الفقـه يف‬
‫عصرنا‪ ،‬ولكن إذا نفى احلسـاب إمكـان الرؤيـة وقـال‪ :‬إهنـا غـري ممكنـة‪ :‬ألن اهلـالل مل يولـد أصـالً‬
‫يف أي مكان من العامل اإلسالمي كان الواجب أال تقبل شـهادة الشـهود حبـال ألن الواقـع الـذي‬

‫)‪ (1‬قضايا فقهية معاصرة‪ :‬للسنبهنلي ص ‪.10 – 22‬‬


‫)‪ (2‬فتاوي معاصرة ‪.221/2‬‬
‫‪13‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫أثبته العلم احلسايب القطعي يكذهبم ويؤيد هذا ما ذكره السـبكي يف فتاويـه أن احلسـاب إذا نفـى‬
‫إمكان الرؤية البصرية فالواجب على القاضي أن يرد شهادة الشهود حيث قال‪ " :‬ألن احلساب‬
‫قطعي والشهادة واخلرب ظنيان‪ ،‬والظين ال يعارض القطعي‪ ،‬فضالً عن أن يقوم عليه " (‪.)1‬‬

‫قرار جملس اجملمع الفقهي اإلسالمي ةددة‬


‫بسم هللا الرلن الرحيم‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على سيدنا حممد خامت النبيني وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫(‪)7‬‬
‫قرار رقم ‪)3/6( 02‬‬
‫بشأن‬
‫توقيد بدايات الشهور القمرية‬
‫بعمان عاصمة اململكة‬‫إن جملس جممع الفقه اإلسالمي املنعقد يف دورة مؤمتره الثالث ا‬
‫األردنية اهلاةية من ‪ 13 – 2‬صفر ‪1401‬هـ ‪ 16 – 11/‬تشرين األول (أكتوبر) ‪1126‬م ‪:‬‬
‫بعد استعراضه يف قضية توحيد بدايات الشهور القمرية مسألتني‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬مدى تأثري اختالف املطالع على توحيد بداية الشهور‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬حكم إثبات أوائل الشهور القمرية باحلساب الفلكي‪ ،‬وبعد استماعه إىل الدراسات‬
‫املقدمة من األعضاء واخلرباء حول هذه املسألة قرر ما يلي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬إذا ثبتت الرؤية يف بلد وجب على املسـلمني االلتـزام هبـا وال عـربة الخـتالف املطـالع لعمـوم‬
‫اخلطاب باألمر بالصوم واإلفطار‪.‬‬
‫ثاني ـاً‪ :‬جيــب االعتمــاد علــى الرؤيــة‪ ،‬ويســتعان باحلســاب الفلكــي واملراصــد‪ ،‬ومراعــاة ل حاديــث‬
‫النبوية‪ ،‬واحلقائق العلمية‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫)‪ (1‬إعانة الطالبني‪ :‬للدمياطي ‪ ،216/2‬مغين احملتاج‪ :‬للشربيين ‪.421/1‬‬


‫)‪ (2‬جملة اجملمع ( العدد ‪ ،3‬ج ‪ 2‬ص ‪.) 211‬‬
‫‪14‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫املبحث الثاين‬

‫مصرف ‪ ‬يف سبيل هللا ‪‬‬


‫وهل جيوز صرف الزكاة على املساجد‪ ,‬واملراكز اإلسالمية الدعوية؟‬

‫من القضايا املطروحة على الساحة بقوة هذه األيام‪ :‬قضية صرف الزكاة يف بناء املساجد‬
‫أو على املراكز اإلسالمية واملدارس التعليمية وبصفة خاصة بالنسبة للمسلمني الذين يعيشون‬
‫باخلارج‪:‬‬
‫فهذه القضية يسأل عنها الناس كثرياً ألهنا تتعلق بأمر عبادهتم لذا كان من الواجب حبث‬
‫هذه املسألة ضمن القضايا الفقهية املعاصرة وبيان اجلواب الشايف فيها‪.‬‬
‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬

‫ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠﲡ ﲢ ﲣ ﲤﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﱠ التوبة‪60 :‬‬
‫فقد خصها هللا تعاىل بأصناف مثانية بأداة حصر وقصر وهي " إمنا " اليت تثبت املذكور‬
‫وتنفي ما عداه‪.‬‬
‫وإذا صرفت لغري هؤالء كان صرفاً غري شرعي ال يسقط الوجوب كما قال القاضي عبد‬
‫الوهاب(‪ ،)1‬فال جيوز صرف الزكاة إىل غري من ذكر لقوله صلى هللا عليه وسلم للذي جاء‬
‫يسأله الصدقة‪ " :‬إن هللا مل يرض حبكم ن وال غريه يف الصدقات حىت حكم فيها هو فجزأها‬
‫مثانية أجزاء فإن كنت من تلك األجزاء أعطيتك حقك " (‪.)2‬‬
‫فهل بناء املساجد واملراكز اإلسالمية واملدارس التعليمية واملستشفيات وغريها من أعمال‬
‫الرب مثل تكفني املوتى‪ ،‬أو تعليم األيتام ورعايتهم وتدريبهم على مهنة من املهن وحنو ذلك‬
‫يدخل يف عموم قوله تعاىل ‪ ‬يف سبيل هللا ‪ ‬يف اآلية الكرمية اليت حددت مصارف الزكاة‬
‫فتكون األعمال اخلريية ضمن مصارف الزكاة‪ ،‬أم أن ‪ ‬يف سبيل هللا ‪ ‬املراد هبا اجلهاد والغزو‬
‫ليس إال ‪...‬‬

‫‪ -0‬معىن ‪ ‬ويف سبيل هللا ‪‬‬


‫)‪ (1‬املعونة‪ :‬القاضي عبد الوهاب البغدادي ‪.24/1‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه أبو داود يف الزكاة باب من يعطى من الصدقة (‪ ،111/2 )1630‬قال املنذري يف إسناده عبد الرلن بن زياد‬
‫بن أنعم األفريقي وقد تكلم فيه غري واحد (عون املعبود ‪.)21/5‬‬
‫‪15‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪ -‬السبيل‪ :‬لغة الطريق(‪.)1‬‬


‫‪ -‬وسبيل هللا‪ :‬هو الطريق املوصل إىل مرضاته‪ ،‬قال ابن األثري‪ " :‬السبيل يف األصل‬
‫الطريق‪ ،‬و"سبيل هللا" عام يقع على كل عمل خالص سلك به طريق التقرب إىل هللا‬
‫عزوجل بأداء الفرائض والنوافل وأنواع الطاعات‪ ،‬وإذا أطلق فهو يف الغالب واقع على‬
‫اجلهاد حىت صار لكثرة االستعمال كأنه مقصور عليه " (‪.)2‬‬

‫‪ -‬أقوال العلماأ يف املسألة‬


‫‪ -‬القول األول وهو جلمهور العلماء يف املذاهب األربعة‪ ،‬والعلماء السابقني والالحقني‬
‫من عهد الصحابة إىل اليوم‪ :‬أن املراد من سبيل هللا هو الغزو واجلهاد(‪.)3‬‬
‫‪ -‬القول الثاين وهو حملمد بن احلسن الشيباين من احلنفية وألد بن حنبل يف إحدى‬
‫الروايتني عنه وإسحاق ومجع من الصحابة منهم عبدهللا بن عمر وابن عباس – رضي‬
‫هللا عنهما ‪ :-‬أن املراد بـ ‪ ‬سبيل هللا ‪ ‬هم الغزاة واحلجاج والعمار(‪.)4‬‬
‫‪ -‬القول الثالث للكاساين من احلنفية وهو قول بعض املفسرين واحملدثني والفقهاء‬
‫وبعض العلماء املعاصرين منهم صديق خان‪ ،‬املراغي‪ ،‬رشيد رضا‪ ،‬مجال الدين القامسي‪،‬‬
‫الشيخ شلتوت‪ ،‬والشيخ خملوف‪ :‬فسروا ‪ ‬يف سبيل هللا ‪ ‬باملعىن الواسع‪ :‬وقالوا بأن‬
‫املراد به مجيع وجوه الرب(‪.)5‬‬
‫‪ -4‬سبب اختالف العلماأ يف هذه املسألة‬
‫وسبب اختالف العلماء يف هذا‪ :‬هو اختالفهم يف تفسري قوله تعاىل يف مصارف‬
‫الصدقات ‪ ‬ويف سبيل هللا ‪ ،‬وكذلك اختالفهم يف ثبوت األحاديث من عدم ثبوهتا‪،‬‬
‫واختالفهم يف الوضع اللغوي ل ية(‪.)6‬‬

‫)‪ (1‬لسان العرب‪ :‬ابن منظور مادة سبل ‪.311/11‬‬


‫)‪ (2‬النهاية يف غريب احلديث‪ :‬ابن األثري ‪.332/2‬‬
‫)‪ (3‬املبسوط ‪ ،46/2‬تبيني احلقائق ‪ ،212/1‬شرح فتح القدير ‪ ،264/2‬املدونة الكربى ‪ ،11/3‬الكايف ‪ ،326/1‬التاج‬
‫واإلكلي ــل ‪ ،351/2‬ال ــذخرية ‪ ،142/3‬حاش ــية الدس ــوقي ‪ ،411/1‬اجملم ــوع ‪ ،200/6‬روض ــة الط ــالبني ‪،321/2‬‬
‫الوسيط ‪ ،563/4‬مغين احملتاج ‪ ،111/3‬املغين ‪ ،334/6‬الفروع ‪ ،410/2‬كشاف القناع ‪.223/2‬‬
‫)‪ (4‬املبسوط‪ :‬للسرخسي ‪ ،10/3‬تبيني احلقائق ‪ ،212/1‬شرح فتح القدير‪ :‬البن اهلمام ‪ ،11/2‬املغين ‪ ،334/6‬كشاف‬
‫القناع ‪ ،223/2‬اجملموع ‪ ،200/6‬بداية اجملتهد ‪.202/1‬‬
‫)‪ (5‬ب ـ ــدائع الص ـ ــنائع ‪ :‬الكاس ـ ــاين ‪ ،45/2‬روح املع ـ ــاين‪ :‬ل لوس ـ ــي ‪ ،123/1‬تفس ـ ــري الـ ـ ـرازي ‪ ،113/16‬س ـ ــبل الس ـ ــالم‬
‫‪ ،112/2‬تفس ــري املـ ـراغ ‪ ،142/4‬تفس ــري املن ــار ‪ ،525/10‬اإلس ــالم عقي ــدة وشـ ـريعة لش ــلتوت ص ‪،12 – 11‬‬
‫فتاوي شرعية‪ :‬الشيخ خملوف ‪.255/1‬‬
‫)‪ (6‬مصارف الزكاة ومتليكها يف ضوء الكتاب والسنة‪ :‬د‪ .‬خالد عبد الرزاق العاين ص ‪.351‬‬
‫‪16‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪ -‬أدلتهم‬
‫استدل أصحاب القول األول على أن املراد بسبيل هللا الغزو مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن املفهوم املتبادر يف معىن ‪ ‬ويف سبيل هللا ‪ ‬إذا أطلق يف الكتاب والسنة ولسان‬
‫الصحابة‪ :‬الغزو واجلهاد‪.‬‬
‫يقول ابن جرير الطربي‪ " :‬وأما قوله ‪ ‬يف سبيل هللا ‪ ‬فإنه يعين‪ :‬النفقة يف نصرة دين هللا‪،‬‬
‫وطريقه وشريعته اليت شرعها لعباده بقتال أعدائه وذلك هو الغزو " (‪.)1‬‬
‫ويقول ابن األثري‪ " :‬السبيل يف األصل الطريق‪ ،‬ويذكر ويؤنث والتأنيث فيها أغلب‪،‬‬
‫وسبيل هللا عام يقع على كل عمل خالص‪ ،‬سلك به طريق التقرب إىل هللا تعاىل بأداء الفرائض‬
‫والنوافل وأنواع التطوعات‪.‬‬
‫وإذا أطلق سبيل هللا فهو يف الغالب واقع على اجلهاد‪ ،‬حىت صار لكثرة االستعمال كأنه‬
‫مقصور عليه " (‪.)2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫قال اخلطيب الشربيين ‪ ..." :‬وإمنا فسر سبيل هللا بالغزاة ألن استعماله يف اجلهاد أغلب عرفاً‬
‫ﭐﱡﭐ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱧ‬
‫ﱦﱨﱩ ﱪﱫﱬﱭ‬ ‫بدليل قوله تعاىل يف غري موضع‬
‫تعاىل‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ‬ ‫ﱰ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱠ النساء‪ ، 16 :‬ولقوله‬
‫ﱱ‬ ‫ﱮﱯ‬

‫ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﱠ الصف‪ ،4 :‬وغري ذلك من اآليات‪ ...‬ويقول‬


‫ابن اجلوزي‪ " :‬إذا أطلق ذكر ‪ ‬سبيل هللا ‪ ‬فاملراد به اجلهاد " (‪.)4‬‬
‫‪ -2‬واستدلوا باحلديث الذي رواه أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه أنه قال‪ :‬قال رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬ال حتل الصدقة لغين إال خلمسة لغاز يف سبيل هللا‪ ،‬أو لعامل عليها أو‬
‫لغارم أو لرجل اشرتاها مباله أو لرجل له جار مسكني فأهدى املسكني إليه " (‪.)5‬‬
‫ووجه االستدالل من احلديث‪:‬‬

‫)‪ (1‬تفسري الطربي ‪.165/10‬‬


‫)‪ (2‬النهاية يف غريب احلديث ‪.332/2‬‬
‫)‪ (3‬مغين احملتاج ‪.111/3‬‬
‫)‪ (4‬فتح الباري ‪ ،42/6‬حتفة األحوذي ‪.201/5‬‬
‫)‪ (5‬أخرجه أبو داود يف الزكاة باب من جيوز له أخذ الصدقة وهو غين (‪ ،111/2 )1636‬وابن ماجة يف الزكاة باب مـن‬
‫حت ـ ــل ل ـ ــه الص ـ ــدقة (‪ ،510/1 )1241‬ومال ـ ــك يف موطئ ـ ــه (‪ ،262/1 )604‬وأل ـ ــد (‪ ،31/3 )11226‬واحل ـ ــاكم‬
‫(‪ 566/1 )1420‬وقال صحيح على شرط الشيخني‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫فقد ذُكر يف احلديث ممن حتل الصدقة‪ :‬الغازي‪ ،‬وليس يف األصناف الثمانية من يعطى‬
‫باسم الغزاة إال الذين نعطيهم من سبيل هللا‪.‬‬
‫قال العيين‪ :‬هو حديث صريح مفسر لقوله تعاىل ‪ ‬ويف سبيل هللا ‪ ‬فيجب لله عليه ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫قال ابن حزم‪ " :‬وقد روى هذا احلديث عن غري معمر فأوقفه بعضهم ونقص بعضهم مما‬
‫ذكر فيه معمر‪ ،‬وزيادة العدل ال حيل تركها‪ "..‬مث قال‪ ..." :‬فلم جيز أن توضع إال حيث بني‬
‫النص وهو الذي ذكرنا وباهلل تعاىل التوفيق " (‪.)2‬‬
‫مر رجل على الن صلى هللا عليه وسلم‬ ‫‪ -3‬ومما يؤيد رأيهم ما روى كعب بن عجرة ‪ ‬قال‪َّ :‬‬
‫فرأى أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من جلده ونشاطه فقالوا‪ " :‬لو كان هذا يف‬
‫سبيل هللا ‪.)3( " ...‬‬
‫يريدون يف اجلهاد ونصرة اإلسالم(‪.)4‬‬
‫‪ -4‬كما استدلوا ببعض اآلثار الدالة على أن املقصود من " سبيل هللا " يف اآلية هو الغزو‬
‫واجلهاد منها‪:‬‬
‫أ‪ .‬ما ساقه الطربي بسنده يف تفسريه قال‪ :‬حدثين يونس قال‪ :‬أخربنا ابن وهب قال‪ :‬قال‬
‫ابن زيد يف قوله ‪ ‬ويف سبيل هللا ‪ ‬قال‪ :‬الغازي يف سبيل هللا (‪.)5‬‬
‫ب‪ .‬ما ذكره السيوطي يف تفسريه‪ :‬قال‪ :‬أخرج ابن أيب حامت عن مقاتل يف قوله‪  :‬ويف‬
‫سبيل هللا ‪ ‬قال‪ :‬هم اجملاهدون(‪.)6‬‬
‫ج‪ .‬وأخرج ابن أيب حامت وأبو الشيخ عن ابن زيد يف قوله ‪ ‬ويف سبيل هللا ‪ ‬قال‪ :‬الغازي يف‬
‫سبيل هللا(‪.)1‬‬
‫‪ -‬وأدلة أصحاب القول الثاين‬
‫فباإلضافة إىل األدلة اليت استدل هبا اجلمهور على أن املراد بسبيل هللا اجلهاد والغزو‬
‫فلقد استدلوا على أن املراد به احلج والعمرة أيضاً مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -2‬أما تفسريهم باحلجاج والعمار فقد استدلوا على ذلك مبا يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬حديث أم معقل‪ :‬قالت ملا حج رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حجة الوداع وكان لنا‬
‫مجل فجعله أبو معقل يف سبيل هللا وأصابنا مرض وهلك أبو معقل وخرج الن صلى‬
‫)‪ (1‬عمدة القاري ‪.45/1‬‬
‫)‪ (2‬احمللى ‪.151/6‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه الطرباين يف الكبري (‪ ،121/11 )222‬وقال املنذري رجاله رجال الصحيح (الرتغيب والرتهيب ‪.) 335/2‬‬
‫)‪ (4‬فتاوي معاصرة‪ :‬الشيخ يوسف القرضاوي‪ ،‬ص ‪.225‬‬
‫)‪ (5‬تفسري الطربي ‪.320/14‬‬
‫)‪ (6‬الدر املنثور ‪.252/3‬‬
‫)‪ (1‬املرجع السابق ‪.252/3‬‬
‫‪12‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫هللا عليه وسلم فلما فرغ من حجته جئته فقال‪ " :‬يا أم معقل ما منعك أن خترجي "‬
‫قالت‪ :‬لقد هتيأنا فهلك أبو معقل وكان لنا مجل هو الذي حنج عليه فأوصى به أبو‬
‫معقل يف سبيل هللا‪ ،‬قال‪ " :‬فهال خرجت عليه فإن احلج من سبيل هللا " (‪.)1‬‬
‫ب‪ .‬وعن ابن عباس – رضي هللا عنهما – أن امرأة قالت لزوجها‪ :‬احججين مع رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم على مجلك الفالين‪ ،‬قال ذلك حبيس يف سبيل هللا‪ ،‬احلديث‪،‬‬
‫وفيه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬أما أنك لو أحججتها عليه كان يف‬
‫سبيل هللا " (‪.)2‬‬
‫ج‪ .‬واحتجوا كذلك مبا حبديث‪ " :‬للنا الن صلى هللا عليه وسلم على إبل الصدقة للحج‬
‫"(‪ .)3‬قال الشوكاين‪ " :‬حديث أم معقل وحديث أيب الس يدالن على أن احلج من‬
‫سبيل هللا وأن من جعل شيئاً من ماله يف سبيل هللا جاز لـه صرفه يف جتهيز احلجاج وإذا‬
‫كان شيئاً مركوباً جاز لل احلاج عليه ويدالن أيضاً على أنه جيوز صرف شيء من‬
‫سهم سبيل هللا من الزكاة على قاصدين احلج(‪.)4‬‬
‫د‪ .‬ومبا روى أبو عبيد يف األموال عن أيب معاوية‪ ،‬عن أيب جعفر عن األعمش عن حسان‬
‫أيب األشرس عن جماهد عن ابن عباس‪ :‬أنه كان ال يرى بأساً أن يعطي الرجل من زكاة‬
‫ماله يف احلج(‪.)5‬‬
‫هـ‪.‬ومبا روي عن ابن عمر – رضي هللا عنهما – أنه سئل عن امرأة أوصت بثالثني درمهاً يف‬
‫سبيل هللا فقيل لـه‪ :‬أجتعل يف احلج فقال‪ :‬أما أنه يف سبيل هللا (‪.)6‬‬
‫خرج أبو حممد عبد الغين احلاف ‪ :‬حدثنا حممد بن‬ ‫و‪ .‬ومبا روى القرط يف تفسريه قال‪َّ :‬‬
‫حممد اخلياش حدثنا أبو غسان مالك بن حيىي حدثنا يزيد بن هارون أخربنا مهدي بن‬
‫ميمون عن حممد بن أيب يعقوب عن عبد الرلن بن أيب نعم ويكىن أبا احلكم قال‪:‬‬
‫كنت جالساً مع عبدهللا بن عمر فأتته امرأة فقالت لـه‪ :‬يا أبا عبد الرلن أن زوجي‬
‫أوصى مباله يف سبيل هللا‪ ،‬قال ابن عمر‪ :‬فهو كما قال يف سبيل هللا‪ ،‬فقلت أما زدهتا‬
‫)‪ (1‬أخرجه أبو داود يف احلج باب العمرة (‪ ،204/2 )1122‬والرتمذي يف احلج بـاب مـا جـاء يف عمـرة رمضـان (‪)131‬‬
‫‪ ،216/3‬وألــد يف مســنده (‪ ،210/4 )11215‬ويف إســناده رجــل جمهــول‪ ،‬ويف إســناده أيض ـاً إب ـراهيم مــن مهــاجر‬
‫البجلي متكلم فيه (نيل األوطار ‪.)232/4‬‬
‫)‪ (2‬أخرج ــه أب ــو داود يف احل ــج ب ــاب العم ــرة (‪ ،205/2 )1110‬وق ــال الن ــووي‪ :‬إس ــناده ص ــحيح (اجملم ــوع ‪، )213/6‬‬
‫وكذلك قال ابن حجر (الدراية ‪.)266/1‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه ألد (‪ ،221/4 )11162‬وابن خزميـة (‪ ،13/4 )2311‬واحلـاكم (‪ ،612/1 )1625‬وقـال‪ :‬هـذا حـديث‬
‫صحيح على شرط مسلم ومل خيرجاه وله شاهد صحيح‪.‬‬
‫)‪ (4‬نيل األوطار ‪.232/4‬‬
‫)‪ (5‬األموال أليب عبيد ‪.122/1‬‬
‫)‪ (6‬أبو عبيدة يف األموال ‪.123/1‬‬
‫‪11‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫فيما سألت عنه إال غماً‪ ،‬قال‪ :‬فما تأمرين يا ابن أيب نعم آمرها أن تدفعه إىل هؤالء‬
‫اجليوش الذين خيرجون فيعتدون يف األرض ويقطعون السبيل؟ قال‪ :‬قلت فما تأمرها‬
‫قال‪ :‬آمرها أن تدفعه إىل قوم صاحلني إىل حجاج بيت هللا احلرام أولئك وفد الرلن‬
‫أولئك وفد الرلن أولئك وفد الرلن ليسوا كوفد الشيطان ثالثاً يقوهلا قلت‪ :‬يا أبا عبد‬
‫الرلن وما وفد الشيطان؟ قال‪ :‬قوم يدخلون على هؤالء األمراء فيمنون إليهم احلديث‬
‫ويسعون يف املسلمني بالكذب فيجازون اجلوائز ويعطون عليها العطايا(‪.)1‬‬
‫ز‪ .‬ومبا روى البخاري عن احلسن قال‪ :‬إن اشرتى أباه من الزكاة جاز ويعطى يف اجملاهدين‬
‫والذي مل حيج مث تال ‪ ‬إمنا الصدقات للفقراء ‪ ‬اآلية يف أيهما أعطيت أجزأت(‪.)2‬‬
‫‪ -‬أما أصحاب القول الثالث فلقد استدلوا على ما ذهبوا إليه من التوسع يف مصرف " يف‬
‫سبيل هللا " على مجيع أنواع القرب والرب‪:‬‬
‫‪ -1‬أن لف ‪ ‬يف سبيل هللا ‪ ‬عام فال جيوز قصره على بعض أفراده دون سائرها إال بدليل‪،‬‬
‫وال دليل على ذلك‪.‬‬
‫وعندما قيل هلم‪ :‬إن لف ‪ ‬يف سبيل هللا ‪ ‬إذا ذكر يف الكتاب والسنة انصرف إىل‬
‫اجلهاد دون غريه أبوا ذلك‪ ،‬ورفضوا قصره على اجلهاد دون سواه يقول صديق حسن‬
‫خان‪ " :‬وأما ‪ ‬سبيل هللا ‪ ‬فاملراد به هنا الطريق إليه عزوجل‪ ،‬واجلهاد وإن كان أعظم‬
‫الطرق إىل هللا عزوجل‪ ،‬لكن ال دليل على اختصاص هذا السهم به‪ ،‬بل يصح صرف‬
‫ذلك يف كل ما كان طريقاً إىل هللا عزوجل‪ ،‬هذا معىن اآلية لغة‪ ،‬والواجب الوقوف على‬
‫املعاين اللغوية حيث مل يصح النقل هنا شرعاً " (‪.)3‬‬
‫‪ -2‬ويدل على أن املراد بـ ‪ ‬سبيل هللا ‪ ‬يف آية الصدقات العموم نصوص وآثار جاءت‬
‫دالة على جواز صرف الزكاة يف بعض القربات‪.‬‬

‫)‪ (1‬تفسري القرط ‪ ،125/2‬التمهيد‪ :‬البن عبد الرب ‪.102/5‬‬


‫– رضـي هللا‬ ‫)‪ (2‬أخرجه البخاري معلقاً يف الزكاة باب قول هللا تعاىل ويف الرقاب ويف سبيل هللا ويذكر عن ابن عبـاس‬
‫عنهما – يعتق من زكاة ويعطي يف احلج وقال احلسن إن اشرتى أباه‪.534/2 ...‬‬
‫)‪ (3‬الروضة الندية‪ ،‬ص‪.56‬‬
‫‪20‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪ -3‬كما استدلوا مبا ثبت يف صحيح البخاري يف باب القسامة أن الرسول صلى هللا عليه‬
‫وسلم ودى الصحايب الذي قتله اليهود يف خيرب عندما مل يُعرف قاتله من إبل الصدقة‪،‬‬
‫وذلك ألن الرسول صلى هللا عليه وسلم كره أن يبطل دمه(‪.)0‬‬
‫‪ -4‬واستدل صديق حسن خان على صحة دفع الزكاة يف مجيع القرب " بأن الصحابة كانوا‬
‫يأخذون من أموال هللا اليت كان من مجلتها الزكاة يف كل عام‪ ،‬ويسمون ذلك عطاء‪ ،‬وفيهم‬
‫األغنياء والفقراء‪ ،‬وكان عطاء الواحد منهم يبلغ إىل ألوف متعددة " (‪.)2‬‬
‫وقال يف موضع آخر‪ " :‬وقد كان علماء الصحابة يأخذون من العطاء ما يقوم مبا‬
‫حيتاجون إليه مع زيادات كثرية يتفوضون هبا يف قضاء حوائج من يرد عليهم من الفقراء‬
‫وغريهم‪ ،‬واألمر يف ذلك مشهور‪ ،‬ومنهم من كان يأخذ زيادة على مائة ألف درهم‪ ،‬ومن‬
‫مجلة هذه األموال اليت كانت تفرق بني املسلمني على هذه الصفة الزكاة‪ ،‬وقد قال صلى‬
‫هللا عليه وسلم لعمر ملا قال لـه‪ :‬يعطي من هو أحوج منه‪ :‬ما أتاك من هذا املال وأنت غري‬
‫مستشرف وال سائل فخذه‪ ،‬وما ال فال تتبعه نفسك‪ ،‬كما يف الصحيح‪ ،‬واألمر ظاهر(‪.)3‬‬

‫املناقشة والرتجيح‬
‫ُرَّد على ما استدل به أصحاب القول الثاين والثالث‪:‬‬
‫بأن املتبادر إىل األفهام من كلمة سبيل هللا يف آية املصارف هو الغزو فال يصار إىل ما‬
‫سواه لقوة األدلة يف ذلك‪ :‬قال ابن قدامة يف املقنع‪ " :‬ألن سبيل هللا حيث أطلق ينصرف إىل‬
‫اجلهاد غالباً والزكاة ال تصرف إال حملتاج إليها كالفقري أو من حيتاجه املسلمون كالعامل‪ :‬واحلج‬
‫ال نفع منه للمسلمني وال حاجة هبم إليه والفقري ال فرض يف ذمته فيسقطه‪ ،‬وإن أراد به التطوع‬
‫فتوفري هذا القدر على ذوي احلاجة أو صرفها يف مصاحل املسلمني أوىل " (‪.)4‬‬
‫وقال ابن حزم‪ " :‬فإن قيل قد روي عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أن احلج من‬
‫سبيل هللا وصح عن ابن عباس أن يعطى منها يف احلج‪ ،‬قلنا‪ :‬نعم‪ ،‬وكل فعل خري من سبيل هللا‬
‫إال أنه ال خالف يف أنه تعاىل مل يرد كل وجه من وجوه الرب يف قسمة الصدقات فلم جيز أن‬
‫توضع إال حيث َّبني النص وهو الذي ذكرنا " (‪.)5‬‬
‫)‪ (1‬راجع احلديث يف صحيح البخاري يف الديات باب القسامة (‪ ،2522/6 )6502‬ومسلم يف القسامة باب القسـامة‬
‫(‪ ،1214/3 )1661‬وانظر فتح الباري ‪ ،221/12‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪.151/11‬‬
‫)‪ (2‬الروضة الندية ‪.206/1‬‬
‫)‪ (3‬املرجع السابق ‪.201/1‬‬
‫)‪ (4‬املقنع ‪ ،241/1‬املغين ‪.431/6‬‬
‫)‪ (5‬احمللى ‪.151/6‬‬
‫‪21‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫واألحاديث اليت استدلوا هبا على أن املراد هو احلج والعمرة فمعظمها متكلم فيه(‪.)1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫كما أجاب العالمة املباركفوري عن القول بعموم اللف بأجوبة كثرية منها‪:‬‬
‫‪ -‬أن هذا القول هو أبعد األقوال ألنه ال دليل عليه من كتاب أو سنة‪.‬‬
‫‪ -‬وأنه مل يذهب إىل هذا التعميم أحد من السلف إال ما حكى القفال يف تفسريه عن‬
‫بعض الفقهاء اجملاهيل‪...‬‬
‫‪ -‬وما يذكر لالحتجاج بذلك من رواية البخاري يف دية األنصاري الذي قتل خبيرب مائة‬
‫من إبل الصدقة فهو خمالف ملا روى البخاري أيضاً يف قصته أنه وداه من عنده‪ ،‬ومجع‬
‫بني الروايتني بأنه اشرتاه من أهل الصدقة بعد أن ملكوها مث دفعها تربعاً إىل أهل القتيل‬
‫حكاه النووي عن اجلمهور وعلى هذا فال حجة فيه ملن ذهب إىل التعميم إىل أن قال‪:‬‬
‫" وحديث أي سعيد ينايف التعميم لكونه كالنص يف أن املراد بسبيل هللا املطلق يف اآلية‬
‫هم الغزاة واجملاهدون خاصة فيجب الوقوف عنده " (‪.)3‬‬
‫فهذه القرائن كلها كافية يف ترجيح أن املراد من " سبيل هللا " يف آية املصارف هو اجلهاد‬
‫كما ذهب إىل ذلك مجهور علماء األمة من السلف واخللف‪.‬‬

‫‪ -2‬فتوى فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي يف املوضوع‬


‫لكن هناك رأي أو فتوى لفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي يقول فيها‪ ..." :‬وهلذا أوثر‬
‫عدم التوسع يف مدلول " سبيل هللا " حبيث يشمل كل املصاحل والقربات‪ ،‬ولكين أرجح عدم‬
‫التضييق فيه حبيث ال يقصر على اجلهاد مبعناه العسكري احملض‪.‬‬
‫ألن اجلهاد قد يكون بالقلم واللسان‪ ،‬كما يكون بالسيف والسنان‪ ،‬قد يكون اجلهاد‬
‫فكرياً أو تربوياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً كما يكون عسكرياً‪.‬‬
‫وكل هذه األنواع من اجلهاد حتتاج إىل اإلمداد والتمويل‪ ،‬املهم أن يتحقق الشرط‬
‫األساسي لذلك كله‪ ،‬وهو أن يكون " يف سبيل هللا " أي يف نصرة اإلسالم وإعالء كلمته يف‬
‫األرض‪ ،‬فكل جهاد أريد به أن تكون كلمة هللا هي العليا فهو يف سبيل هللا أياً كان نوع هذا‬
‫اجلهاد وسالحه " (‪.)4‬‬

‫)‪ (1‬انظر اجملموع ‪ ،213/6‬شرح فتح القدير‪ :‬البن اهلمام ‪ ،264/2‬فتح الباري ‪ ،261/6‬نيل األوطار ‪.112/4‬‬
‫)‪ (2‬مراعاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح ‪.111 – 111/3‬‬
‫)‪ (3‬املرجع السابق ‪.111 –112/3‬‬
‫)‪ (4‬فتاوي معاصرة ‪.211 – 226/1‬‬
‫‪22‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫وقال أيضاً‪ " :‬والذي أراه أن مصرف " يف سبيل هللا " يتسع على الرأيني مجيعاً لينفق منه‬
‫على إنشاء مراكز إسالمية للدعوة والتوجيه والتعليم يف البالد اليت يهدد فيها وجود املسلمني‬
‫بالغزو التنصريي أو الشيوعي أو العلماين‪ ،‬أو غري ذلك من امللل والنحل‪ ،‬اليت تعمل على سلخ‬
‫املسلمني من عقيدهتم أو تضليلهم عن حقيقة دينهم‪ ،‬وذلك مثل وضع املسلمني خارج العامل‬
‫اإلسالمي‪ ،‬حيث يكونون أقلية حمدودة اإلمكانات يف مواجهة الكثرة صاحبة النفوذ والسلطان‬
‫واملال‪.‬‬
‫وأما على الرأي اآلخر‪ ،‬فال شك أن إنشاء هذه املراكز هو ضرب من اجلهاد اإلسالمي‬
‫يف عصرنا‪ ،‬وهو اجلهاد باللسان والقلم والدعوة والرتبية‪ ...‬وهو جهاد ال يستغين عنه اليوم‬
‫ملقاومة الغزو املكثف من قبل القوى املعادية لإلسالم‪.‬‬
‫وكما أن من قاتل لتكون كلمة هللا هي العليا فهو يف سبيل هللا‪ ،‬فكذلك من دعا وعلَّم‬
‫ووجه لتكون كلمة هللا هي العليا فهو يف سبيل هللا‪.‬‬
‫َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫إن املركز اإلسالمي اليوم مبثابة قلعة للدفاع عن اإلسالم‪ ،‬وإمنا لكل امرئ ما نوى " ‪.‬‬
‫" إن إنشاء مراكز إسالمية واعية للدعوة إىل اإلسالم الصحيح وتبليغ رسالته إىل غري‬
‫املسلمني يف كافة القارات يف هذا العامل الذي تتصارع فيه األديان واملذاهب جهاد يف سبيل هللا‬
‫وإن الصرف يف هذه اجملاالت هلو أوىل ما ينبغي أن يدفع فيه املسلم زكاته‪ ،‬وفوق زكاته فليس‬
‫لإلسالم – بعد هللا – إال أبناء اإلسالم وخاصة يف عصر غربة اإلسالم " (‪.)2‬‬

‫‪ -6‬فتوى وتوصية للندوة األورو لقضايا الزكاة املعاصرة املنعقدة بالقاهرة‬


‫ومن الفتاوى والتوصيات اليت أصدرهتا الندوة األوىل لقضايا الزكاة املعاصرة املنعقدة‬
‫بالقاهرة يف ‪ 16 – 14‬ربيع األول ‪1401‬هـ املوافق ‪ 21 – 25‬أكتوبر ‪1122‬م‪.‬‬
‫‪ -‬مصرف ‪ ‬يف سبيل هللا ‪‬‬
‫إن مصرف ‪ ‬يف سبيل هللا ‪ ‬يراد به اجلهاد مبعناه الواسع الذي قرره الفقهاء مبا مفاده‬
‫حف الدين وإعالء كلمة هللا ويشمل مع القتال الدعوة إىل اإلسالم والعمل على حتكيم شريعته‬
‫ودفع الشبهات اليت يثريها خصومه عليه وصد التيارات املعادية له‪.‬‬
‫وهبذا ال يقتصر اجلهاد على النشاط العسكري وحده‪.‬‬

‫)‪ (1‬فتاوي معاصرة ‪.234 – 233/2‬‬


‫)‪ (2‬فقه الزكاة‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي ‪.661 – 662/2‬‬
‫‪23‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫ويدخل حتت اجلهاد هبذا املعىن الشامل ما يلي‪- :‬‬


‫أ‪ -‬متويل احلركات العسكرية اجلهادية اليت ترفع راية اإلسالم وتصد العدوان على املسلمني يف‬
‫شىت ديارهم مثل حركات اجلهاد يف فلسطني وأفغانستان والفلبني‪.‬‬
‫ب‪ -‬دعم اجلهود الفردية واجلماعية اهلادفة إلعادة حكم اإلسالم وإقامة شريعة هللا يف ديار‬
‫املسلمني ومقاومة خطط خصوم اإلسالم إلزاحة عقيدته وتنحية شريعته عن احلكم‪.‬‬
‫ج‪ -‬متويل مراكز الدعوة إىل اإلسالم اليت يقوم عليها رجال صادقون يف البالد غري اإلسالمية‬
‫هبدف نشر اإلسالم مبختلف الطرق الصحيحة اليت تالئم العصر وينطبق هذا على كل‬
‫مسجد يقام يف بلد غري إسالمي يكون مقراً للدعوة اإلسالمية‪.‬‬
‫د‪ -‬متويل اجلهود اجلادة اليت تثبت اإلسالم بني األقليات اإلسالمية يف الديار اليت تسلط فيها‬
‫غري املسلمني على رقاب املسلمني‪ ،‬واليت تتعرض خلطط تذويب البقية الباقية من املسلمني‬
‫يف تلك الديار(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬فتوى هيئة كبار العلماأ باململكة العربية السعودية‬
‫احلمد هلل وحده‪ ،‬والصالة والسالم على من ال ن بعده‪ ،‬حممد وأله وصحبه‪ ،‬وبعد‪ :‬فقد‬
‫جرى اطالع هيئة كبار العلماء يف دورهتا اخلامسة‪ ،‬املعقودة مبدينة الطائف من يوم ‪14/2/5‬‬
‫ويوم ‪14/2/22‬هـ على ما أعدته اللجنة للبحوث العلمية واإلفتاء من حبث يف املراد بقول هللا‬
‫تعاىل يف آية مصارف الزكاة ‪ ‬ويف سبيل هللا ‪ ،‬هل املراد بذلك الغزاة يف سبيل هللا وما يلزم‬
‫هلم؟ أم عام يف كل وجه من وجوه اخلري؟‬
‫وبعد دراسة البحث املعد واالطالع على ما تضمنه من أقوال أهل العلم يف هذا الصدد‪،‬‬
‫وأدلة من فسر املراد بسبيل هللا يف اآلية بأهنم الغزاة‪ ،‬وما يلزم هلم وأدلة من توسع يف املراد‬
‫باآلية‪ ،‬ومل حيصرها يف الغزاة فأدخل فيها بناء املساجد‪ ،‬والقناطر‪ ،‬وتعليم العلم وتعلمه‪ ،‬وبث‬
‫الدعاة واملرشدين وغري ذلك من أعمال الرب‪ ،‬رأى أكثرية أعضاء اجمللس األخذ بقول مجهور‬
‫العلماء‪ ،‬من مفسرين وحمدثني‪ ،‬وفقهاء‪ ،‬من أن املراد بقوله يف سبيل هللا الغزاة واملتطوعون‬
‫بغزوهم وما يلزم هلم من استعداد‪.‬‬
‫وإذا مل يوجدوا صرفت الزكاة كلها ل صناف األخرى‪ ،‬وال جيوز صرفها يف شيء من‬
‫املرافق العامة‪ ،‬إال إذا مل يوجد هلا مستحق من الفقراء‪ ،‬واملساكني‪ ،‬وبقية األصناف املنصوص‬
‫عليهم يف اآلية الكرمية(‪.)2‬‬
‫)‪ (1‬أحباث فقهية يف قضايا الزكاة املعاصرة ‪.212 – 211/2‬‬
‫)‪ (2‬جملة البحوث اإلسالمية‪ :‬اجمللد األول العدد الثاين ‪.56‬‬
‫‪24‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫املبحث الثالث‬

‫زواج املسيار‬

‫من املسائل املستجدة يف هذا العصر " زواج املسيار " الذي انتشر يف بعض بالد‬
‫املسلمني‪ ،‬وسأتناول هذه القضية يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬تعريف زواج املسيار لغة واصطالحاً‪.‬‬
‫‪ -2‬نشأة زواج املسيار‪.‬‬
‫‪ -3‬الفرق بينه وبني األنكحة األخرى‪.‬‬
‫‪ -4‬أسباب ظهور زواج املسيار‪.‬‬
‫‪ -5‬موقف الفقه من زواج املسيار (أقوال العلماء يف زواج املسيار)‪.‬‬

‫‪ –0‬تعريف زواج املسيار‬


‫(‪)1‬‬
‫لغــة‪ :‬الســري يف لغــة العــرب‪ :‬املضــي يف األرض ‪ ،‬تقــول العــرب‪ :‬ســار الرجــل يســري س ـرياً‬
‫ومسرياً إذا ذهب‪ ،‬وسار القوم يسريون سرياً ومسرياً إذا امتد هبم السري يف جهة توجهوا إليها(‪.)2‬‬
‫واملسيار‪ :‬صيغة مبالغة يوصف هبا الرجل الكثري السري(‪.)3‬‬
‫اصطالحاً‪ :‬ليس هلذا الزواج أصل يف الفقـه‪ ،‬فهـو مـأخوذ مـن الواقـع‪ ،‬والفقهـاء القـدامى مل‬
‫يتطرقوا إليه‪.‬‬
‫ومــن أش ــهر م ــن عــرف ه ــذا ال ــزواج اصــطالحاً الش ــيخ يوس ــف القرضــاوي حي ــث ق ــال يف‬
‫تعريفــه اصــطالحاً‪ " :‬أنــه زواج شــرعي يتميــز عــن الــزواج العــادي بتنــازل الزوجــة فيــه عــن بعــض‬
‫حقوقها على الزوج‪ :‬مثل أال تطالبه بالنفقة‪ ،‬واملبيت الليلي إن كان متزوجاً‪.)4( "...‬‬
‫فــيالح علــى هــذا الــزواج أنــه نــوع مــن أنـواع تعــدد الزوجــات‪ ،‬وأنــه زواج مســتكمل جلميــع‬
‫األركــان والشــروط‪ ،‬وفيــه اتفــاق بــني الــزوجني علــى أال يكــون للزوجــة حــق املبيــت أو القســم وإمنــا‬
‫األمــر راجــع للــزوج مــىت رغــب زيــارة زوجتــه يف أي وقــت فلــه ذلــك‪ ،‬كمــا أن الزوجــة ال تطالبــه‬
‫بالنفقة لغناها واكتفائها‪.‬‬
‫)‪ (1‬املفردات يف غريب القرآن‪ :‬األصفهاين‪ ،‬ص‪.241‬‬
‫)‪ (2‬لسان العرب‪ :‬ابن منظور مادة سري ‪.252/2‬‬
‫)‪ (3‬مستجدات فقهية يف قضايا الزواج والطالق‪ :‬أسامة عمر سليمان األشقر‪ ،‬ص‪.161‬‬
‫)‪ (4‬حلقة " الشريعة واحلياة "‪1112/5/3 :‬م (‪) http://www.aljazeera.net‬‬
‫‪25‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫العالقة بني التعريف اللغوي والتعريف االصطالقي‬


‫مســي هــذا النــوع مــن الــزواج بــزواج املســيار ألن املتــزوج ال يلتــزم بــاحلقوق الزوجيــة الــيت يلزمــه‬
‫هبا الشرع‪ :‬فكأنه زواج السائر املاشي الـذي يتخفـف يف سـريه مـن األثقـال واملتـاع‪ ،‬ولعـدم التزامـه‬
‫باحلقوق اليت يقتضيها الزواج من النفقة واملبيت ال زواج املقيم الذي يشبه امللتزم بكل مقتضيات‬
‫الزواج(‪.)1‬‬
‫‪ -7‬نشأة زواج املسيار‬
‫مل ميض وقت طويل على نشأة وظهور هذا النوع من الـزواج هبـذه الصـورة فقـد عـرف هـذا‬
‫الــزواج هبــذا االســم من ـذ عــدة ســنوات‪ ،‬وقــد ظهــر ألول مــرة يف منطقــة القصــيم باململكــة العربيــة‬
‫السعودية‪ ،‬مث انتشر هنـاك باملنطقـة الوسـطى ويبـدو أن الـذي ابتـدع الفكـرة وسـيط زواج يـدعى "‬
‫فهد الغنيم " وقد جلأ إليه لتزويج النسوة الاليت فـاهتن قطـار الـزواج الطبيعـي‪ ،‬أو املطلقـات الـاليت‬
‫أخفقن يف زواج سابق‪ ،‬ولكن يبدو أن هذا الزواج كان له صورة مشاهبة منذ عشرات السنني‪.‬‬
‫وقيل بأن زواج املسيار كلمة اخرتعتها جريـدة " املسـلمون " خبصـوص زواج األطبـاء‪ :‬أهنـم‬
‫يتزوجــون بشــرط أن تتنــازل امل ـرأة عــن حقوقهــا فــال يأتيهــا الــزوج إال لــيالً هــذا وقــد أنكــر األطبــاء‬
‫ذلك!!‬
‫يف العصر احلاضر صاحب هذا الزواج إشاعة النـاس لــه وخلطـوه بـبعض األنكحـة األخـرى‬
‫كالنكاح السري والعريف واملتعة والزواج بنية الطالق وما شابه ذلك‪ ،‬بل وضعوا لـه عدة تعريفات‬
‫من عندهم وعلى حسب أهوائهم‪ ،‬وذلك إما جلهلهم به وإما ألخذ السمسرة عليه‪.‬‬
‫وعلى هذا يتضح أن هذا الزواج كان حـديثاً يف االسـم إال أنـه قـدمي بالفعـل‪ ،‬فـإن لـه صـوراً‬
‫قد تكون مشاهبة يف الزمن املاضي‪.‬‬
‫‪ -3‬الفرق بني زواج املسيار وبعض األنكحة األخرى‬
‫الفرق بني زواج املسيار وبني النكاح الشرعي‬
‫بناء على تعريفنا السابق لنكاح املسيار نتبني أن الفرق بينه وبني الزواج الشرعي هو وجود‬
‫شــرط يقتضــي بإســقاط حــق النفقــة والســكن للزوجــة‪ ،‬كمــا أن طبيعتــه تقتضــي بعــدم وجــود قوامــة‬
‫من الزوج على املرأة‪ :‬فهي تتصرف يف حياهتا إقامة يف منزهلا وخروجاً منه وفق رأيها(‪.)2‬‬
‫الفرق بني زواج املسيار ونكاح السر‬

‫)‪ (1‬مستجدات فقهية يف قضايا الزواج والطالق‪ ،‬ص‪.162 – 161‬‬


‫)‪ (2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.165‬‬
‫‪26‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫نكاح السر نوعان‪ :‬نوع باطل بإمجاع األمة‪ ،‬وهـو النكـاح الـذي ال شـهود فيـه وال إعـالن‪،‬‬
‫والنــوع الثــاين هــو الــذي فيــه إجيــاب وقبــول ويشــهد عليــه شــاهدان‪ ،‬وقــد يكــون فيــه ويل‪ ،‬ولكــن‬
‫يتواصى الزوجان والويل والشهود على كتمانه وعدم إعالنه ويثبت يف هذا النوع من الزواج حقي‬
‫النفقة واملبيـت‪ ،‬وال يسـقطا كمـا هـو احلـال يف زواج املسـيار‪ ،‬وهـذا الـزواج خمتلـف فيـه‪ ،‬كمـا سـبق‬
‫بيانه‪.‬‬
‫فــإن كــان زواج املســيار مــن النــوع األول فهــو باطــل جزمـاً‪ ،‬وإن كــان مــن النــوع الثــاين فإنــه‬
‫يض ــاف إىل العي ــوب ال ــيت يتص ــف هب ــا‪ ،‬عي ــب آخ ــر وه ــو الس ـرية والكتم ــان‪ ،‬وه ــذا مم ــا يزي ــد يف‬
‫سلبياته(‪.)1‬‬
‫ـنبني حكــم زواج املســيار الحق ـاً‪ ،‬خاصــة إذا مــا انضــاف لــه عيــب آخــر وهــو الس ـرية‬ ‫وسـ ا‬
‫والكتمان‪.‬‬

‫الفرق بني زواج املسيار ونكاح املتعة‬


‫(‪)2‬‬
‫نكــاح املتعــة هــو‪ :‬أن يتــزوج الرجــل املـرأة إىل مــدة ‪ ،‬مســي بــذلك ألنــه يتزوجهــا ليتمتــع هبــا‬
‫إىل أمد(‪.)3‬‬
‫وهو منهي عنه‪ :‬ملا روى الربيع بن سـربة أنـه قـال أشـهد علـى أيب أنـه حـدث أن رسـول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم هنى عنه يف حجة الوداع(‪.)4‬‬
‫أمــا زواج املســيار فلــيس كــذلك‪ :‬فهــو غــري مؤقــت إىل أمــد‪ ،‬ومل يــرد فيــه نــص بالتحليــل أو‬
‫التحليل‪.‬‬
‫‪ -4‬أسباب ظهور زواج املسيار‬
‫أوالً أسباب تتعلق بالنساأ ومنها‬
‫‪ -1‬عنوسـ ــة امل ـ ـرأة أو طالقهـ ــا أو ترملهـ ــا‪ :‬حبيـ ــث وجـ ــد عـ ــدد كبـ ــري مـ ــن النسـ ــاء يف اجملتمعـ ــات‬
‫اإلســالمية ‪ -‬وخاصــة اخلليجيــة – بلغــن ســن الــزواج ومل يتــزوجن بعــد‪ ،‬أو تــزوجن وفــارقن‬
‫األزواج ملوت أو طالق وحنو ذلك‪ ،‬ولقد أصـبحت العنوسـة ظـاهرة اجتماعيـة مؤرقـة أفرزهتـا‬
‫)‪ (1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.166‬‬
‫)‪ (2‬الفروع ‪.164/5‬‬
‫)‪ (3‬كشاف القناع ‪.16/5‬‬
‫)‪ (4‬أخرجــه أبــو داود يف النكــاح بــاب يف نكــاح املتعــة (‪ ،226/2 )2012‬وابــن ماجــة يف النكــاح بــاب النهــي عــن نكــاح‬
‫املتعة (‪ ،631/1 )1162‬واإلمام ألد يف مسنده ( ‪.404/3 )1531‬‬
‫‪21‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫احليــاة املعاصــرة‪ ،‬والــنفس البش ـرية‪ :‬يســاورها القلــق عنــدما متكــث امل ـرأة مــن دون زواج‪ ،‬ممــا‬
‫يدفع املرأة أو وليها إىل تقدمي تنـازالت مـن أجـل احلصـول علـى زوج يعـف املـرأة ويكـون هلـا‬
‫منه الولد تستأنس به بإذن هللا‪.‬‬
‫‪ -2‬رفــض كثــري مــن النســاء لفكــرة التعــدد‪ :‬حيــث إن كث ـرياً مــن النســاء ال يقــبلن بالتعــدد‪ ،‬مــع‬
‫تسليمهن بأن هذا هـو شـرع هللا – عزوجـل – إال أمـر الغـرية الطبيعيـة لـدى املـرأة جتعلهـا ال‬
‫تقبل به كواقع عملي‪ ،‬وهذا الرفض أدى إىل زيادة نسبة العنوسة‪ ،‬وكذلك أدى هذا الرفض‬
‫إىل جلوء الرجال إىل الزواج عن طريق املسـيار بـدافع احلـرص علـى عـدم علـم الزوجـة األوىل‪،‬‬
‫وكذلك اخلوف على كيان أسرته من االهتزاز‪.‬‬
‫‪ -3‬حاجة بعض النساء إىل املكـث يف بيـت أهلهـا لرعايـة أبويهـا‪ ،‬فرمبـا ال يوجـد عائـل هلمـا إال‬
‫هي أو يكون عندها بعض اإلعاقة اليت متنعهـا مـن حتمـل مسـؤولية البيـت‪ ،‬ويرغـب أولياؤهـا‬
‫يف إعفافها واحلصول على الذرية وال يكلفون الزوج شيئاً‪.‬‬
‫ثانياً أسباب تتعلق بالرجال‬
‫‪ -1‬رغبــة بعــض الرجــال يف املتعــة‪ :‬يرغــب بعــض الرجــال يف التعــدد مــن أجــل املتعــة الــيت رمبــا ال‬
‫جيدها مع زوجته األوىل وهذا حق مشروع ولكن خوفهم من علمها‪ ،‬وحرصاً علـى شـعورها‬
‫وعلى كيان األسرة‪ ،‬أدى إىل ظهور هذا النوع من الزواج‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم رغبة الرجال يف حتمل املزيد من األعباء‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم استقرار الرجل بسبب العمل‪.‬‬
‫ثالثاً أسباب تتعلق باجملتمع‬
‫‪ -1‬غالء املهور وارتفاع تكاليف الزواج‪.‬‬
‫‪ -2‬نظرة اجملتمع بشيء من االزدراء للرجل الذي يرغب يف التعدد‪.‬‬

‫‪ -2‬موقف الفقه اإلسالمي من زواج املسيار‬


‫اختلف العلماء يف حكم هذا النوع من الزواج‪ ،‬وميكن حصر أقواهلم يف ثالثة أراء‪:‬‬
‫الرأي األول‪ :‬القول باإلباحة – أو اإلباحة مع الكراهة‪.‬‬
‫الرأي الثاين‪ :‬القول باملنع وعدم اإلباحة‪.‬‬
‫الرأي الثالث‪ :‬التوقف‪.‬‬
‫وفيما يلي أدلة هذه األقوال مع اإلشارة إىل قائليها‪:‬‬

‫‪22‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫الرأي األول القائلون باإلباحة – أو اإلباحة مع الكراهة ‪ -‬وهم‪ :‬الشيخ ابن باز ‪ -‬رله‬
‫هللا ‪ ،-‬ال ــدكتور يوس ــف القرض ــاوي‪ ،‬الش ــيخ عب ــدهللا ب ــن مني ــع – عض ــو هيئ ــة كب ــار العلم ــاء يف‬
‫اململكــة العربيــة الســعودية ‪ ،-‬الشــيخ عبــدهللا ب ــن عبــد الــرلن‪ ،‬الشــيخ يوســف املطلــق‪ ،‬الش ــيخ‬
‫إبراهيم بن صاحل اخلضريي‪ ،‬شيخ األزهر حممد سيد طنطاوي(‪.)1‬‬
‫وفيما يلي السؤال الذي طرح للشيخ عبد العزيز بن باز وجوابه عليه‪:‬‬
‫الســؤال ق ـرأت يف إحــدى اجلرائــد حتقيق ـاً عمــا يســمى زواج املس ـيار وهــذا الــزواج هــو أن‬
‫يتزوج اإلنسان ثانية أو ثالثة أو رابعة‪ ،‬وهذه الزوجة يكون عندها ظروف جتربها على البقاء عنـد‬
‫والديها أو أحدمها يف بيتهما فيذهب إليهـا زوجهـا يف أوقـات خمتلفـة ختضـع لظـروف كـل منهمـا‪:‬‬
‫فما حكم الشريعة الغراء يف مثل هذا الزواج أفتونا مأجورين؟‬
‫اجلــواب ال حــرج يف ذلــك إذا اســتول العقــد الشــروط املعتــربة شــرعاً وهــي وجــود الــويل‪،‬‬
‫ورضــا الــزوجني‪ ،‬وحضــور شــاهدين عــدلني علــى إجـراء العقــد وســالمة الزوجيــة مــن املوانــع لعمــوم‬
‫قول النـ صـلى هللا عليـه وسـلم‪ " :‬إن أحـق الشـروط أن يـول بـه مـا اسـتحللتم بـه الفـروج " (‪،)2‬‬
‫وقوله صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬املسـلمون علـى شـروطهم " (‪ :)3‬فـإذا اتفـق الزوجـان علـى أن املـرأة‬
‫تبقى عند أهلها أو على أن القسـم يكـون هلـا هنـاراً أو لـيالً أو يف أيـام معينـة أو ليـايل معينـة‪ ،‬فـال‬
‫بأس بذلك بشرط إعالن النكاح وعدم إخفائه‪ ،‬وهللا ويل التوفيق(‪.)4‬‬

‫ولقد استدل هذا الفريق على ما ذهبوا إليه من اإلباحة باألدلة التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه زواج مستكمل جلميع األركان والشروط وما كان كذلك كان صحيحاً ومباحاً‪.‬‬
‫‪ -2‬ثبــت يف الســنة أن أم املــؤمنني ســودة – رضــي هللا عنهــا ‪ -‬وهبــت يومهــا مــن رســول هللا‬
‫صــلى هللا عليــه وســلم إىل ض ـرهتا أم املــؤمنني عائشــة – رضــي هللا عنهــا ‪ ،-‬وحــديث هبــة ســودة‬
‫يومها لعائشة رواه البخاري ومسلم عن عائشة‪ " :‬قالت‪ :‬مـا رأيـت امـرأة أحـب إيل أن أكـون يف‬
‫مسالخها(‪ )5‬من سـودة بنـت زمعـة‪ ،‬مـن امـرأة فيهـا حـدة‪ ،‬قالـت‪ :‬فلمـا كـربت جعلـت يومهـا مـن‬

‫)‪ (1‬مستجدات فقهية يف قضايا الزواج والطالق‪ ،‬ص‪.116 – 114‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري يف كتاب الشروط باب الشروط يف املهر (‪ ،110/2 )2512‬ومسلم يف النكاح باب الوفاء بالشروط‬
‫يف النكاح (‪.1035/2 )1412‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه احلاكم يف مستدركه (‪ ،51/2 )2301‬والطـرباين يف الكبـري (‪ ،215/4 )4404‬قـال اهليثمـي‪ :‬فيـه حكـيم بـن‬
‫جبري وهو مرتوك‪ ،‬وقال أبو زرعه حمله الصدق (جممع الزوائد ‪.)205/4‬‬
‫)‪ (4‬فتاوي علماء البلد احلرام‪ ،‬ص‪.611 – 610‬‬
‫)‪ (5‬مس ــال احلي ــة جل ــدها‪ ،‬وكأهن ــا متن ــت أن تك ــون يف مث ــل ه ــديها وطريقته ــا (النهاي ــة يف غري ــب احل ــديث‪ :‬الب ــن األث ــري‬
‫‪.)223/5‬‬
‫‪21‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫رسـول هللا صـلى هللا عليـه وســلم لعائشـة‪ ،‬قالـت‪ :‬يــا رسـول هللا! قـد جعلــت يـومي منـك لعائشـة‪،‬‬
‫فكان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقسم لعائشة يومني‪ :‬يومها‪ ،‬ويوم سودة " (‪.)1‬‬
‫ووجــه االســتدالل باحلــديث أن ســودة هببتهــا يومهــا لعائشــة وقبــول الرســول صــلى هللا عليــه وســلم‬
‫بــذلك مــا يــدل علــى أن مــن حــق الزوجــة أن تســقط حقهــا الــذي جعلــه الشــارع هلــا‪ ،‬كاملبيــت‬
‫والنفقة‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يف هذا النوع من النكاح مصاحل كثرية‪ ،‬فهو يشبع غريزة الفطرة عنـد املـرأة‪ ،‬وقـد كـف‬
‫من تزوجن عن الفاحشة‪ ،‬وقد ترزق املرأة منه بالولد‪ ،‬وهـو بـدون شـك يقلـل مـن العـوانس الـاليت‬
‫فاهتن قطار الزواج‪.‬‬
‫يقــول األســتاذ وهبــة الزحيلــي‪ " :‬إن إعفــاف امل ـرأة مطلــب فطــري واجتمــاعي وإنســاين‪ ،‬فــإذا‬
‫أمكن لرجل أن يسهم يف ذلك كان مقصده مشروعاً وعمله مأجوراً مربوراً " (‪.)2‬‬
‫‪ -4‬وجود أنواع مـن الـزواج مشـاهبة هلـذا النـوع مـن الـزواج‪ ،‬كـزواج النهاريـات وزواج الليليـات‪،‬‬
‫احتج هبذا الشيخ القرضاوي‪.‬‬
‫يذكر الفقهاء قدمياً نوعـاً مـن الزجيـات مسـوه بـزواج النهاريـات والليليـات‪ ،‬وصـورة هـذا النـوع‬
‫من الزواج أن يتزوج رجل من امرأة تعمل خارج منزهلا يف الليل‪ ،‬وترجع إىل زوجهـا يف النهـار‪ ،‬أو‬
‫تعمل يف النهار وترجع إىل املنزل الـذي فيـه زوجهـا لـيالً‪ ،‬وقـد حبـث الفقهـاء يف حكـم هـذا النـوع‬
‫مـن الـزواج‪ ،‬كمــا حبثـوا يف مــدى اسـتحقاق الزوجــات النفقـة يف هـذا النــوع مـن الــزواج علـى القــول‬
‫بصحته(‪.)3‬‬
‫ويــرى املالكيــة وجــوب فســخ نكــاح الليليــات والنهاريــات قبــل الــدخول ال بعــده‪ ،‬ويف ذلــك‬
‫يقول الفقيه الدردير املالكي‪ " :‬يفسخ النكاح قبل الدخول ال بعده إن تزوجها على شرط أن ال‬
‫تأتيه الزوجة أو ال يأتيها إال هناراً أو ليالً‪ ،‬ألنه مما ينـاقض مقتضـى النكـاح‪ ،‬ملـا فيـه مـن اخللـل يف‬
‫الصــداق‪ ،‬ولــذا كــان يثبــت بعــد الــدخول بصــداق املثــل‪ ،‬ألن الصــداق يزيــد ويــنقص بالنســبة هلــذا‬
‫الشرط " (‪.)4‬‬

‫)‪ (1‬أخرجــه البخــاري يف النكــاح بــاب املـرأة هتــب يومهــا (‪ ،1111/5 )4114‬ومســلم يف الرضــاع بــاب جـواز هبــة نوبتهــا‬
‫لضرهتا (‪.1025/2 )1463‬‬
‫)‪ (2‬مستجدات فقهية يف قضايا الزواج والطالق‪ ،‬ص‪.111 – 112‬‬
‫)‪ (3‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫)‪ (4‬الشرح الصغري‪ :‬للدردير ‪.324/2‬‬
‫‪10‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫ويرى بعـض أهـل العلـم القـول بإباحتـه وإن اختلفـوا يف لـزوم النفقـة فيـه‪ ،‬يقـول عـالء الـدين‬
‫احلصكفي احلنفي‪ " :‬قال يف اجملتىب‪ :‬وبه عرف جواب واقعة يف زماننا أنَّه لـو تـزوج مـن احملرتفـات‬
‫اليت تكون يف النهار يف مصاحلها وبالليل عنده فال نفقة هلا قال يف النهر‪ :‬وفيه نظر " (‪.)1‬‬
‫ويف سنن سعيد بن منصـور قـال‪ :‬حـدثنا سـعيد قـال نـا هشـيم قـال‪ :‬أن يـونس عـن احلسـن‬
‫أنه كان ال يرى بتزويج النهاريات بأساً‪ ،‬وكان ابن سريين يكره ذلك(‪.)2‬‬
‫الـــرأي الثـ ــاين الق ــائلون ب ــاملنع وع ــدم اإلباح ــة‪ :‬وم ــنهم الش ــيخ حمم ــد ب ــن ناص ــر ال ــدين‬
‫األلب ــاين‪ -‬رل ــه هللا ‪ ،-‬واألس ــتاذ ال ــدكتور عل ــي الق ــرة داغ ــي‪ ،‬واألس ــتاذ ال ــدكتور إب ـراهيم فاض ــل‬
‫الــدبو‪ ،‬والــدكتور جــرب الفضــيالت‪ ،‬واألســتاذ الــدكتور عمــر ســليمان األشــقر‪ ،‬واألســتاذ الــدكتور‬
‫حممد الزحيلي واألستاذ الدكتور عبدهللا اجلبوري‪ ،‬والشيخ عبد العزيز املسند(‪.)3‬‬
‫(‪)4‬‬
‫استدل القائلون بالتحرمي باألدلة التالية‬
‫‪ -1‬إن هــذا الــزواج يتنــال ومقاصــد الــزواج فلــيس املقصــود مــن الــزواج يف اإلســالم قضــاء الــوطر‬
‫اجلنسي‪ ،‬بـل الغـرض أمسـى مـن ذلـك‪ ،‬فقـد اعتـرب الرسـول صـلى هللا عليـه وسـلم سـنة اإلسـالم‬
‫فقــال‪ " :‬وإن مــن ســنتنا النكــاح " (‪ ،)5‬وقــد شــرع ملعــان ومقاصــد اجتماعيــة ونفســية ودينيــة‪،‬‬
‫وزواج املسيار ال حيقق شيئاً من مقاصد الزواج الشرعية‪ ،‬من املودة والرلة‪ ،‬والسكن‪ ،‬وحفـ‬
‫النوع اإلنساين‪ ،‬وتعهده على أكمل وجه‪ ،‬ورعاية احلقوق والواجبات اليت يولدها عقد الـزواج‬
‫الصحيح‪ " ،‬والعربة يف العقود للمقاصد واملعاين‪ ،‬ال ل لفاظ واملباين " (‪.)6‬‬
‫‪ -2‬خمالفــة طريقــة هــذا الــزواج لنظــام الــزواج الــذي جــاءت بــه الش ـريعة اإلســالمية‪ ،‬فعنــدما نــدقق‬
‫النظر فيه ال جنده موافقاً للنظام الشرعي يف الزواج‪ ،‬ومل يكن املسلمون يعرفون مثل هذا النـوع‬
‫يف زواجهم‪.‬‬
‫‪ -3‬يقــرتن بــه بعــض الشــروط الــيت ختــالف مقتضــى العقــد‪ ،‬وتنــايف مقاصــد الشـريعة يف الــزواج مــن‬
‫السكن واملودة‪ ،‬ورعاية الزوجة أوالً‪ ،‬واألسرة ثانياً‪ ،‬واإلجنـاب‪ ،‬وتربيـة األوالد‪ ،‬ووجـوب العـدل‬
‫بني الزوجات‪ ،‬كما يتضمن عقد الزواج تنازل املرأة عن حق الوطء واإلنفاق‪ ...‬وغري ذلك‪.‬‬

‫)‪ (1‬حاشية ابن عابدين ‪.511/3‬‬


‫)‪ (2‬سنن سعيد بن منصور ‪ ،216/1‬مصنف ابن أيب شيبه ‪.502/3‬‬
‫)‪ (3‬مستجدات فقهية يف قضايا الزواج والطالق‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫)‪ (4‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.121‬‬
‫)‪ (5‬أخرجــه عبــد الــرزاق (‪ ،111/6 )10321‬والط ـرباين يف الكبــري (‪ ،25/12 )152‬وأبــو يعلــى ‪ ،‬قــال اهليثمــي فيــه أبــو‬
‫معاوية بن حيىي الصديف وهو ضعيف (جممع الزوائد ‪.)251/4‬‬
‫)‪ (3‬قواعد الفقه‪ :‬للربكيت ‪ ،11/1‬جملة األحكـام العدليـة ‪ ،16/1‬املبسـوط ‪ ،23/22‬البحـر الرائـق ‪ ،14/3‬بـدائع الصـنائع‬
‫‪ ،134/4‬مغين احملتاج ‪ ،62/2‬أعالم املوقعني ‪.111/3‬‬
‫‪11‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫وإن الزوج ــة ال ــيت تنازل ــت ع ــن حقه ــا الي ــوم‪ ،‬يف املبي ــت واملعاش ــرة‪ ،‬كثـ ـرياً م ــا تغ ــري رأيه ــا‪،‬‬
‫وخاصة بعد أن تدرك أسرار احلياة الزوجيـة‪ ،‬وتتعـرف مـن الشـرع والواقـع والنـاس علـى احلقـوق‬
‫اليت تتمتع هبا الزوجة عادة‪.‬‬
‫‪ -4‬هذا النـوع مـن الـزواج سـيكون مـدخالً للفسـاد واإلفسـاد‪ ،‬فإنـه يتسـاهل فيـه تقـدير املهـر‪ ،‬وال‬
‫يتحمــل الــزوج مســؤولية األســرة‪ ،‬وإذا ســهل عليــه أن يتــزوج ســهل عليــه أن يطلــق‪ ،‬وقــد يعقــد‬
‫سراً‪ ،‬وقد يكون بغري ويل‪ ،‬وكل هذا جيعل الزواج لعبة يف أيدي أصحاب األهواء‪.‬‬
‫‪ -5‬يف هذا الـزواج اسـتغالل مـن الرجـل للمـرأة‪ ،‬فهـو يلـ رغباتـه اجلنسـية ال هـدف لـه إال ذلـك‪،‬‬
‫من غري أن يتكلف شيئاً يف هذا الزواج‪.‬‬
‫‪ -6‬قــد يقــدر للــزوج أوالد مــن هــذه املـرأة‪ ،‬وبســبب البعــد عنهــا وقلــة جميئــه إليهــا ســينعكس ذلــك‬
‫سلباً على أوالده يف تربيتهم وخلقهم‪.‬‬
‫‪ -1‬اشـرتاط إســقاط النفقــة واملبيــت علــى الزوجــة يبطـل العقــد‪ ،‬ذهــب هــذا املــذهب الــدكتور علـي‬
‫القرة داغي‪ ،‬والقول ببطالن النكاح باشرتاط إسقاط املبيت أحد وجهني عنـد الشـافعية‪ ،‬كمـا‬
‫يقول الدكتور القرة داغي نقالً عن املاوردي يف كتابه احلاوي(‪.)1‬‬
‫القول الثالث املتوقفون يف املسألة ‪:‬‬
‫توقف بعض أهل العلم يف احلكم على هذا النوع مـن الـزواج‪ ،‬وتـوقفهم هـذا يـدل علـى أن‬
‫حكمه مل يظهر هلم‪ ،‬فهم حيتاجون إىل مزيد من النظر والتأمل‪.‬‬
‫مــن هــؤالء فضــيلة الشــيخ حممــد صــاحل بــن عثيمــني(‪ – )2‬رلــه هللا ‪ ،-‬والــدكتور عمــر بــن‬
‫سعود العيـد األسـتاذ بكليـة أصـول الـدين يف جامعـة اإلمـام حممـد بـن سـعود‪ ،‬فإنـه ذكـر شـيئاً مـن‬
‫مســاوئه‪ ،‬وأورد بعــض أدلــة اجملي ـزين باختصــار‪ ،‬كمــا ذكــر أن عــدداً مــن كبــار العلمــاء توقــف يف‬
‫ج ـوازه‪ ،‬ودعــا يف اخلتــام إىل دراســة هــذا الــزواج دراســة تفصــيلية دقيقــة‪ ،‬ألن حمــاذيره كثــرية‪ ،‬وقــد‬
‫يعط حكماً بيِاناً فيه مما يدل على توقفه يف احلكم عليه(‪.)3‬‬ ‫يكون ظاهرة مرضية‪ ،‬ومل ِ‬
‫ويذكر إحسان عايش أن سـبب توقـف بعـض أهـل العلـم بـاجلواز " أن بعـض النـاس جتـاوزا‬
‫فيــه احلــد‪ ،‬واســتغل مــن قبــل بعــض ضــعاف النفــوس‪ ،‬وتبنتــه مكاتــب حــددت أســعاراً هلــذا الــزواج‬
‫(يعين عمولة)‪.‬‬
‫هذا ولقد وقفت على مواقع يف اإلنرتنت عبارة عن مكاتب تزوج بطريـق " زواج املسـيار "‬
‫(‪.)4‬‬
‫)‪ (1‬مستجدات فقهية يف قضايا الزواج والطالق‪ ،‬ص‪.123 – 122‬‬
‫)‪ (2‬نقله عنه إحسان بن حممد بن عايش يف كتابه‪ :‬أحكام التعدد يف ضوء الكتاب والسنة‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫)‪ (3‬جملة األسرة‪ ،‬العدد (‪ ،)46‬ص‪.15‬‬
‫‪(4)http://www.misiar.com‬‬
‫‪12‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫املناقشة والرتجيح‬
‫‪ -1‬أق ــوى م ــا اح ــتج ب ــه الفري ــق اجملي ــز ل ــزواج املس ــيار أن ــه عق ــد ش ــرعي اس ــتكمل ش ــروطه‬
‫وأركانــه‪ ،‬وإن الــذي جيــري يف هــذا الــزواج لــيس اشـرتاط الــزوج علــى زوجتــه إســقاط النفقــة واملبيــت‬
‫وإمنا من باب إسقاط املرأة حقوقها اليت جتب هلا بالعقد‪.‬‬
‫اجلواب أن بعض نكـاح املسـيار تتنـازل املـرأة عـن حقهـا مـن غـري شـرط وبعضـاً منـه يشـرتط‬
‫الزوج هذا الشرط وقد يصر على تدوين هذا الشرط إن مسح له القاضي‪.‬‬
‫يقول ابن قدامة‪ :‬القسم الثاين‪ :‬ما يبطـل الشـرط ويصـح العقـد مثـل أن يشـرتط أن ال مهـر‬
‫هلا أو أن ال ينفق عليها‪ ...‬أو ال يكون عندها يف اجلمعة إال ليلة أو شـرط هلـا النهـار دون الليـل‬
‫أو شرط على املرأة أن تنفق عليه أو تعطيه شيئاً فهذه الشروط كلها باطلة يف نفسـها ألهنـا تنـايف‬
‫مقتضى العقد وألهنا تتضمن إسقاط حقوق جتب بالعقد قبل انعقاده فلم يصح كما لـو أسـقط‬
‫الشفيع شفعته قبل البيع(‪.)1‬‬
‫فحىت على افرتاض أن املرأة هي الـيت تنازلـت فيـه عـن حقهـا فهـذا ال جيعـل تنازهلـا مشـروعاً‬
‫كما قال ابن قدامة‪.‬‬
‫‪ -2‬استدالهلم حبديث هبة سودة يومها لعائشة‪ ،‬وال ُح َّجة هلم فيه‪ ،‬ألن حق املبيت ملكته‬
‫سودة‪ ،‬وكان الرسول صلى هللا عليه وسلم يقسم هلا حقها‪ ،‬ومل يشرتط عليها إسقاطه قبل‬
‫الزواج وال مع العقد‪ ،‬فلما كانت مالكة له جاز هلا هبته‪ ،‬مثله مثل املهر‪ ،‬فإذا ملكته املرأة جاز‬
‫ﲖﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞ‬ ‫ﲗ‬ ‫هلا أن هتبه للزوج أو جزء منه‪ ،‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲓ ﲔ ﲕ‬

‫ﲟ ﲠ ﲡ ﱠ النساء‪4 :‬‬
‫‪ -3‬دعـواهم أن هــذا النـوع مــن الــزواج حيقـق مصــاحل كثــرية‪ ،‬وأكثـر مــا يتحــدثون عنـه مــن املصــاحل‬
‫هو تقليل نسبة النساء العوانس‪ ،‬وإشباع الرغبة اجلنسية عند املتزوجـات مـنهن‪ ،‬وهـذا االسـتدالل‬
‫فيه نظر‪ ،‬فكـم نسـبة العـوانس الغنيـات اللـوايت يسـتطعن أن يـنفقن علـى أنفسـهن مـن غـري حاجـة‬
‫نفقـة الـزوج‪ ،‬إن هــذه النسـبة قليلـة‪ ،‬وإذا عاجلنــا مشـكلة العــدد القليـل مـن العـوانس عالجـاً جزئيـاً‬
‫مبتوراً‪ ،‬فمن للعدد األكرب من العوانس الاليت ال جيدن املال!‬

‫)‪ (1‬املغين ‪.12/1‬‬


‫‪13‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫وإذا كان يف هذا النوع من الزواج هذه املصاحل‪ ،‬فما بـال املفاسـد الكثـرية الـيت ترتتـب علـى‬
‫هــذا النــوع مــن الــزواج‪ ،‬ومنهــا فــتح بــاب شـ اـر لفريــق مــن أصــحاب النفــوس الضــعيفة مــن الرجــال‬
‫والنساء الذين يريدون اللعب بالزواج كيف تشاء أهواؤهم بعيداً عن الرقابة الشرعية‪.‬‬
‫‪ -4‬االســتدالل بــزواج النهاريــات والليليــات‪ ،‬وقــد اســتدل هبــذا القــائلون بــاجلواز والقــائلون‬
‫بـ ــاملنع‪ ،‬وكـ ــال االسـ ــتداللني غـ ــري صـ ــحيح‪ ،‬ألن العلمـ ــاء اختلف ـ ـوا يف صـ ــحته اخـ ــتالف الفقهـ ــاء‬
‫املعاصرين يف زواج املسيار(‪.)1‬‬
‫‪ -‬أما األدلة اليت استدل هبا املانعون لزواج املسيار فهي أدلة صحيحة واقعية‪ :‬وقفت على‬
‫املشــاكل واملفاســد الــيت تنــتج عــن هــذا الــزواج‪ ،‬فحــىت وإن تـراءى لنــا بــأن الــزواج مكتمــل األركــان‬
‫والشــروط إال أنــه يف جمملــه ال جيــري علــى النحــو الــذي قــام عليــه الــزواج يف اإلســالم مــن الســكن‬
‫واملودة والتعاون على القيام بأعبائه ومسؤولياته‪.‬‬
‫‪ -‬وأرى أن ما أبداه املانعون من أسباب وخماوف يف حترمي ومنع هذا الزواج وجيهة وتدعو‬
‫للتوقــف والتأمــل‪ :‬لــذا أدعــو إىل مزيــد حبــث واســتقراء ودراســة هلــذه القضــية املســتجدة مــن مجيــع‬
‫جوانبهـا ولعــل هــذا الســبب الــذي أخــر اجملـامع الفقهيــة يف عــدم إصــدارها لفتــوى يف هــذا الشــأن‪،‬‬
‫وهللا أعلم‪.‬‬

‫)‪ (1‬مستجدات فقهية يف قضايا الزواج والطالق‪ ،‬ص‪.115 – 112‬‬


‫‪14‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫املبحث الرابـ ـ ـ ــع‬

‫إجهاض اجلنني‬
‫‪ -0‬تعريف اجلنني‬
‫‪ -‬يف اللغة‪ :‬اجلنني مشتق من جن أي استرت ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫‪ -‬قال ابن منظور‪ :‬كل مستور جنني(‪.)2‬‬


‫‪ -‬واجلنــني‪ :‬الولــد يف الــبطن‪ ،‬مــن األجنــان وهــو الســرت ألنــه أجنــه بطــن أمــه أي ســرته‪ ،‬واجلمــع‬
‫(‪)3‬‬
‫ﲦ ﱠ النجم‪32 :‬‬ ‫ﲧ‬ ‫أجنة وأجنن ‪،‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ‬
‫‪ -‬ويعرف الفقهاء اجلنني بنفس تعريف علماء اللغة‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫قال الشيخ منصور البهويت‪ " :‬اجلنني‪ :‬الولد يف البطن " ‪.‬‬
‫وقــال ابــن عابــدين‪ " :‬اجلنــني‪ :‬فعيــل ملعــىن مفعــول مــن جنــة إذا ســرته وهــو الولــد مــا دام يف‬
‫الرحم " (‪.)5‬‬
‫‪ -‬وجنني اآلدمي‪ :‬هو املخلوق الذي يتكون يف رحم املرأة نتيجـة تالقـح بويضـتها مـع احليـوان‬
‫املنوي الذي حيتوي عليه ماء الرجل‪ ،‬ويطلق اسم اجلنني على هذا املخلوق مـا دام يف رحـم‬
‫أمه لتحقق استتاره فيه‪ ،‬فيشمل مجيع مراحله من حني تكونه إىل وقت والدته(‪.)6‬‬

‫‪ -7‬تعريف اإلجهاض‬
‫(‪)1‬‬
‫لغة‪ :‬قال ابن منظور‪ :‬جهض أجهض الناقة إجهاضاً وهي جمهض‪ :‬ألقت ولدها ‪.‬‬
‫واإلجهاض‪ :‬اإلزالق‪ ،‬ومنه احلديث " فأجهضت جنينها " أي أسـقطت للهـا‪ ،‬والسـقط‬
‫جهيض(‪.)1‬‬

‫)‪ (1‬لسان العرب‪ :‬مادة جنن ‪ ،14/13‬القاموس احمليط‪ :‬مادة جن ‪.1532/1‬‬


‫)‪ (2‬لسان العرب‪ :‬مادة جنني ‪.14/13‬‬
‫)‪ (3‬القاموس احمليط‪ :‬مادة جن ‪.1532/1‬‬
‫)‪ (4‬شرح منتهى اإلرادة ‪ ،304/3‬كشاف القناع ‪.23/6‬‬
‫)‪ (5‬حاشية ابن عابدين ‪.521/6‬‬
‫)‪ (6‬أحباث فقهية يف قضايا طبية معاصرة‪ :‬د‪ .‬حممد نعيم ياسني‪ ،‬ص‪.52‬‬
‫)‪ (1‬لسان العرب‪ :‬مادة جهض ‪.131/1‬‬
‫‪15‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫أما اصطالحاً فقد عرف ابن عابدين اإلجهاض بقوله‪ :‬هو إنزال اجلنـني قبـل أن يسـتكمل‬
‫مدة احلمل‪ ،‬وقال ابن حزم‪ :‬اإلسقاط‪ :‬املرأة تتعمد قتل جنينها(‪.)2‬‬
‫هذا وقد عرب الفقهاء عـن اإلجهـاض بألفـاظ متعـددة منهـا‪ :‬اإلنـزال‪ ،‬االمـالص‪ ،‬اإلخـراج‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫اإلسقاط‪ ،‬اإللقاء‪ ،‬الطرح‪...‬‬
‫‪ -3‬أسباب اإلجهاض‬
‫أسباب اإلجهاض كثرية‪ :‬منها ما يتعلق باحلامل (تشوهات الرحم‪ ،‬االضطرابات‬
‫اهلرمونية‪ ،‬قصور القلب‪ ،‬اآلفات العصبية وغريها)‪.‬‬
‫ومنها أسباب تتعلق باجلنني نفسه كأن يكون مصاباً بتشوهات خلقية‪.‬‬
‫ومعظم حاالت اإلجهـاض حتصـل بصـورة عفويـة دون حتـريض خـارجي وسـببها يف الغالـب‬
‫وجود تشوهات مخلقيَّة يف اجلنني‪ ،‬وهبذا يكون اإلجهاض العفوي رلة كبرية من اخلالق عزوجل‪،‬‬
‫ألن اجلنني املشوه إذا ولد حياً كان عالة على أهله وعلى اجملتمع‪.‬‬
‫وقد حيصل اإلجهاض عمداً بطريقة مصـطنعة باسـتعمال أدويـة أو بعـض املـواد اجملهضـة أو‬
‫بالضرب على البطن‪.‬‬
‫ودوافــع اإلجهــاض املتعمــد قــد تكــون مشــروعة تســتهدف ســالمة األم ودفــع اخلطــر الــذي‬
‫يسببه بقاء احلمل يف بطنها‪ ،‬وقد يكون الدافع لإلجهاض غري شرعي‪ ،‬أو جنائي كأن ينـتج عـن‬
‫االعتداء على احلامل‪ ،‬أو يكون لسرت جرمية الزنا أو غري ذلك من األغراض غري املشروعة‪.‬‬
‫واإلجهاض املتعمد منتشر جداً يف البلدان الصناعية الـيت تبـيح اإلجهـاض أو تتسـاهل بـه‪،‬‬
‫بينم ـ ــا تت ـ ــد نس ـ ــبته يف البيئ ـ ــات ال ـ ــيت حت ـ ــرم اإلجه ـ ــاض ألس ـ ــباب ديني ـ ــة مث ـ ــل معظ ـ ــم البل ـ ــدان‬
‫اإلسالمية(‪.)4‬‬
‫‪ -4‬نفخ الروح يف اجلنني‬
‫تتعاقب على اجلنني مراحل يف تطوره‪ ،‬وكل مرحلة تتميز خبصائص ومؤهالت جديدة‪:‬‬
‫ولقد قسم العلماء املراحل اليت مير اجلنني إىل نوعني من التطور أحدمها‪ :‬تطور مادي حمسوس‪:‬‬
‫وموضوعه العناصر املادية اليت يتكون منها اجلنني وما يتعاقب عليها من منو وختليق وتسوية‬
‫وتعديل وغري ذلك‪.‬‬
‫)‪ (1‬النهاية يف غريب األثر‪ :‬مادة جهض ‪.322/1‬‬
‫)‪ (2‬احمللى ‪ ،21/11‬حاشية ابن عابدين ‪.521/6‬‬
‫)‪ (3‬املوسوعة الطبية الفقهية‪ :‬ألد حممد كنعان ص ‪ ،42‬واملوسوعة الفقهية الكويتية ‪.52/2‬‬
‫)‪ (4‬املوسوعة الطبية الفقهية‪ ،‬ص‪.43 – 42‬‬
‫‪16‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫والثاين‪ :‬تطور غري حمسوس موضوعه خملوق روحاين مجع هللا تعاىل بينه وبني تلـك العناصـر‬
‫املادية من اإلنسان يف حلظة من اللحظات وجعله مصدراً ل نشطة اإلنسانية املتميزة اليت ميز هبا‬
‫اإلنس ــان ع ــن س ــائر األحي ــاء كالتص ــور والتعق ــل والتخي ــل واإلرادة والتفك ــري وق ــد مس ــى هللا تع ــاىل‬
‫ورسوله صلى هللا عليه وسلم هذا املخلوق بالروح(‪.)1‬‬
‫ولقــد وردت اإلشــارة إىل كــال النــوعني مــن التطــور يف كتــاب هللا عزوجــل ويف ســنة رس ـوله‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬

‫ﲕ ﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟ‬
‫ﲖ‬ ‫ﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔ‬
‫ﲤﲦﲧﲨ ﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰ‬
‫ﲥ‬ ‫ﲠ ﲡﲢﲣ‬

‫ﲴ ﱠ احلج‪5 :‬‬
‫ﲵ‬ ‫ﲱ ﲲﲳ‬

‫‪.‬‬
‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ‬

‫ﲥ‬ ‫ﲤ‬ ‫ﲖﲗﲘﲙﲚﲛ ﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣ‬

‫ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﱠ املؤمنون‪14 - 12 :‬‬
‫قال ابن كثري‪ :‬مث أنشأناه خلقاً آخر ‪ ‬أي نفخنا فيه الـروح فتحـرك وصـار خلقـاً آخـر ذا‬
‫مســع وبصــر وإدراك وحركــة واضــطراب فتبــارك هللا أحســن اخلــالقني‪ ،‬وروى ذلــك عــن علــي بــن أيب‬
‫طالــب وعبــدهللا بــن عبــاس وأيب ســعيد اخلــدري – رضــي هللا عــنهم – ورواه عــن التــابعني ومــن‬
‫بعدهم جماهد وعكرمة والشع واحلسن البصـري والضـحاك والربيـع بـن أنـس والسـدي(‪ ..)2‬وقـال‬
‫ابن جرير الطربي‪ :‬وأمجع أهل التفسري على ذلك ال نعلم أحداً شذ منهم عن ذلك(‪.)3‬‬
‫ﲘ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﱠ السجدة‪ .1 :‬وعن عبدهللا‬ ‫ﲙ‬ ‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ‬

‫بن مسعود رضى هللا عنه قال‪ :‬حدثنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وهو الصادق املصدوق‪" :‬‬
‫إن أحدكم جيمع خلقه يف بطن أمه أربعني يوماً‪ ،‬مث يكون علقة مثل ذلك‪ ،‬مث يكون مضغة مثل‬

‫)‪ (1‬أحباث فقهية يف قضايا طبية معاصرة‪ ،‬ص‪.53‬‬


‫)‪ (2‬تفسري ابن كثري‪ :‬البن كثري ‪.242/3‬‬
‫)‪ (3‬جامع البيان‪ :‬للطربي ‪.10 – 1/12‬‬
‫‪11‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫ذلك مث يرسل إليه امللك فينفخ فيه الروح‪ ،‬ويؤمر بأربع كلمات‪ :‬بكتب رزقه‪ ،‬وأجله‪ ،‬وعمله‬
‫وشقي أو سعيد " (‪.)1‬‬
‫‪ -2‬مىت تنفخ الروح ؟‬
‫اتفقــت كلمــة الفقهــاء علــى وقــت حــدوث نفــخ الــروح حلــديث عبــدهللا بــن مســعود الــذي‬
‫ذكرنــاه قريبـاً حيــث حــدد فيــه رســول هللا صــلى هللا عليــه وســلم ذلــك اليــوم وأنــه يكــون بعــد مائــة‬
‫وعشرين يوم من تكون اجلنني‪.‬‬
‫قال ابن عابدين‪ " :‬نقل بعضهم أن اتفق العلماء على أن نفخ الروح ال يكون إال بعد‬
‫أربعة أشهر أي عقبها‪ ..‬وال ينايف ذلك ظهور اخللق قبل ذلك ألن نفخ الروح إمنا يكون بعد‬
‫اخللق " (‪.)2‬‬
‫وقــال القـرايف املــالكي‪ " :‬ال خــالف أن اجلنــني يف بطــن أمــه هــي بعــد األربعــة أشــهر ويــدل‬
‫على ذلك احلديث الصحيح الوارد يف نفخ الروح فيه " (‪.)3‬‬
‫وقال النووي‪ " :‬واتفق العلماء على أن نفخ الروح ال يكون إال بعد أربعة أشهر " (‪.)4‬‬
‫وقــال ابــن رجــب احلنبلــي‪ " :‬فأمــا نفــخ الــروح فقــد روي صــرحياً عــن الصــحابة – رضــي هللا‬
‫دل عليه ظاهر حديث ابن مسعود " (‪.)5‬‬ ‫عنهم ‪ :-‬أنه إمنا ينفخ فيه الروح بعد أربعة أشهر كما َّ‬
‫قال القرط ‪ " :‬مل خيتلف العلماء أن نفخ الروح فيه يكـون بعـد مائـة وعشـرين يومـاً وذلـك‬
‫متام أربعة أشهر ودخوله يف الناس " (‪.)6‬‬
‫‪ -6‬قكم إجهاض اجلنني يف الفقه اإلسالمي‬
‫عندما جاء اإلسالم مل يكن اإلجهاض املتعمد شائعاً يف اجملتمع كما هو شـائع اليـوم‪ :‬بـل‬
‫كانــت عنــدهم يف أيــام اجلاهليــة عــادة قتــل األوالد الصــغار بعــد والدهتــم وهــو يعــرف باســم الـوأد‬
‫فكانوا يئدون أوالدهم للتخفف من نفقاهتم وخشية الفقر‪ ،‬أما البنات فكانوا يئـدوهنن خوفـاً مـن‬
‫الس والفضيحة‪ .‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱠ التكوير‪2 :‬‬
‫‪.‬‬

‫)‪ (1‬أخرجــه البخــاري يف كتــاب بــدء اخللــق بــاب ذكــر املالئكــة (‪ .1114/3 )3036‬ومســلم يف كتــاب القــدر بــاب كيفيــة‬
‫خلق اآلدمي (‪.2036/4 )2643‬‬
‫)‪ (2‬حاشية ابن عابدين ‪.302/1‬‬
‫)‪ (3‬الذخرية ‪.410/2‬‬
‫)‪ (4‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪.111/16‬‬
‫)‪ (5‬جامع العلوم واحلكم‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫)‪ (6‬تفسري القرط ‪.2/12‬‬
‫‪12‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱠ اإلسراء‪31 :‬‬


‫أما يف العصور املتأخرة عادت عادة الوأد بصورة جديدة أال وهي اإلجهاض بعد أن‬
‫ضعف وازع الدين يف القلوب وأصبحت وسائل اإلجهاض املختلفة ميسورة بني أيدي الناس‪.‬‬
‫ونظراً ملا ينطوى عليه اإلجهاض املتعمد من أضرار بالغة على األم واجلنني‪ ،‬وألن اجلنني‬
‫يعد حياً من بداية احلمل وحياته حمرتمة يف كافة أدوارها وخباصة بعد نفخ الروح عند هناية‬
‫الشهر الرابع‪ :‬فقد ذهب معظم الفقهاء إىل حرمة اإلجهاض املتعمد إال لعذر شرعي سواء قبل‬
‫نفخ الروح يف اجلنني أو بعد نفخ الروح‪ ،‬ورأى قلة منهم جواز اإلجهاض قبل نفخ الروح‪،‬‬
‫وأجازه آخرون فقط قبل األربعني يوماً من عمر اجلنني اعتماداً على بعض األحاديث اليت ورد‬
‫فيها أن نفخ الروح يف اجلنني يكون بعد األربعني يوماً(‪.)1‬‬
‫وفيما يلي تفصيل هلذه األقوال حسب املراحل اجلنينية‪:‬‬
‫‪ -1‬مرقلــة األربعــني األورو (النطفــة) يــرى إباحــة إســقاط اجلنــني فيهــا معظــم فقهــاء احلنفيــة‪،‬‬
‫ومعظم فقهاء الشافعية‪ ،‬ومعظم فقهاء احلنابلـة‪ ،‬واللخمـي مـن فقهـاء املالكيـة‪ ،‬ويـرى حترميـه‬
‫معظم فقهاء املالكية‪ ،‬ويعض فقهاء احلنفية‪ ،‬والغزايل من فقهاء الشافعية‪ ،‬وابن اجلـوزي مـن‬
‫فقهاء احلنابلة(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬مرقلة األربعني الثانية (العلقة) يرى إباحة اإلجهاض فيها معظم فقهاء احلنفيـة‪ ،‬ومعظـم‬
‫فقهــاء الشــافعية‪ ،‬وابــن عقيــل مــن فقهــاء احلنابلــة‪ ،‬ويــرى حتــرمي ذلــك مجيــع فقهــاء املالكيــة‪،‬‬
‫وبعض فقهاء احلنفية‪ ،‬ومعظم فقهاء احلنابلة‪ ،‬والغزايل من فقهاء الشافعية(‪.)3‬‬
‫‪ -3‬مرقل ــة األربع ــني الثالث ــة (املض ــغة) ي ــرى إباح ــة اإلجه ــاض فيه ــا معظ ــم فقه ــاء احلنفي ــة‪،‬‬
‫ومجهور فقهاء الشافعية‪ ،‬وابن عقيل من احلنابلة‪ ،‬ويرى حترميه مجيع فقهاء املالكيـة‪ ،‬ومعظـم‬
‫فقهاء احلنابلـة‪ ،‬وبعـض احلنفيـة‪ ،‬والغـزايل مـن فقهـاء الشـافعية‪ ،‬وتابعـه يف ذلـك اثنـان آخـران‬
‫منهم‪ ،‬على اعتبار أن هذه املرحلة تعترب حرمياً لنفخ الروح(‪.)4‬‬

‫)‪ (1‬فتح الباري ‪.424/11‬‬


‫)‪ (2‬الشــرح الكبــري مــع حاشــية الدســوقي ‪ ،261/2‬فــتح العلــي املالــك ‪ ،311/1‬حاشــية ابــن عابــدين ‪،511 – 510/6‬‬
‫إحياء علوم الدين ‪ ،53/2‬اإلنصاف ‪.326/1‬‬
‫)‪ (3‬البحــر الرائــق ‪ ،321/2‬شــرح فــتح القــدير ‪ ،415/2‬حاشــية ابــن عابــدين ‪ ،511/6‬هنايــة احملتــاج ‪ ،416/2‬حاشــية‬
‫قليويب وعمرية ‪ ،160 – 151/3‬اإلنصاف ‪ ،326/1‬الشرح الكبري مع حاشية الدسوقي ‪.261/2‬‬
‫)‪ (4‬شــرح فــتح القــدير ‪ ،415/2‬حاشــية ابــن عابــدين ‪ ،302/1‬شــرح الكبــري مــع حاشــية الدســوقي ‪ ،261/2‬فــتح العلــي‬
‫املالــك ‪ ،400 – 311/1‬بدايــة اجملتهــد ‪ ،416/2‬هنايــة احملتــاج ‪ ،416/2‬حاشــية قليــويب ‪ 160/3‬و‪ ،410/5‬املغــين‬
‫‪ ،531/1 ،312/2‬الفروع ‪ ،111/6‬اإلنصاف ‪.326/1‬‬
‫‪11‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪ -4‬يتفــق مجيــع الفقهــاء علــى أن اإلجهــاض قبــل متــام األشــهر األربعــة األوىل مــن عمــر اجلنــني‬
‫خيتلــف يف حقيقتــه وحكمــه الشــرعي الــدقيق‪ ،‬عــن اإلجهــاض بعــدها‪ ،‬وال يســاويه‪ ،‬فهــم ال‬
‫يعدونه قتالً آلدمي‪ ،‬وال يرتبون عليه إمث القتل‪ ،‬قال ابـن قدامـة‪ " :‬وأمـا قبـل نفـخ الـروح فـال‬
‫يكــون اجلنــني نســمة فــال يصــلى عليــه‪ ،‬كاجلمــادات والــدم " (‪ ،)1‬وأكــد ابــن حــزم علــى هــذه‬
‫احلقيقــة‪ :‬وأن إســقاط اجلنــني قبــل األربعــة األشــهر ال يعــد إزهاقـاً لــروح آدمــي‪ ،‬وال نقـالً مــن‬
‫احليــاة إال املــوت(‪ ،)2‬ومثــل ذلــك نقــل الشــوكاين عــن اإلمــام الشــافعي قولــه‪ " :‬إمنــا يغس ــل‬
‫ألربعة أشهر إذ يكتب يف األربعني الرابعة رزقه وأجله‪ ،‬و إمنا ذلك للحي " (‪.)3‬‬
‫ونقل عن غريه قوله‪ " :‬إمنا يصلى عليه إذا نفخت فيه الروح‪ ،‬وهو أن يستكمل أربعة‬
‫أشهر‪ ،‬فأما إن سقط لدوهنا فال‪ ،‬ألنه ليس مبيت‪ ،‬إذ مل ينفخ فيه روح " (‪.)4‬‬
‫‪ -5‬وإذا كــان األمــر كــذلك‪ ،‬وأن إســقاط اجلنــني قبــل نفــخ الــروح ال يعتــرب قــتالً آلدمــي باتفــاق‬
‫الفقه ــاء‪ ،‬فإن ــا ن ــرى‪ :‬أن جـ ـواز اإلس ــقاط يف ه ــذه املرحل ــة لع ــذر معق ــول ال تأب ــاه خمتل ــف‬
‫املذاهب الفقهية‪.‬‬
‫أمــا علــى مــذهب القــائلني باإلباحــة فــاألمر واضــح‪ ،‬وأمــا علــى مــذهب القــائلني بــالتحرمي‬
‫فأغلـب الظـن أهنـم ال يقصـدون ةــول التحـرمي حلالـة العـذر‪ ،‬حــىت عنـد املالكيـة الـذي تشــددوا يف‬
‫هــذه املســألة وجــد مــن علمــائهم مــن رأى ضــرورة تقييــد التحــرمي الــذي اعتمــده املــذهب بــأن ال‬
‫يكون احلمل نتيجة الز ‪ ،‬فإن كان كذلك فال حترمي‪ ،‬وخباصة إذا خافـت املـرأة علـى نفسـها عنـد‬
‫ظهور احلمل(‪.)5‬‬
‫وإذا ك ــان الفقه ــاء مل ي ــذكروا إال قل ــيالً م ــن األع ــذار‪ ،‬ك ــاخلوف عل ــى الرض ــيع م ــن اهل ــالك‬
‫بانقطاع لنب أمه باحلمل مع تعذر البديل‪ ،‬فإمنا كان ذلك منهم متناسباً مـع معـارفهم الطبيـة‪ ،‬ومل‬
‫يكــن عنــدهم مــن العلــم يف هــذا اجملــال مــا ميكــنهم مــن معرفــة كثــري مــن اآلفــات الــيت قــد تصــيب‬
‫اجلنني‪ ،‬أو تصيب أمه إذا بقي يف بطنها حىت الوالدة‪.‬‬
‫واليوم حيث تقدمت العلوم الطبية‪ ،‬صار يف مقـدور الطبيـب أن يـدرك أنواعـاً مـن املخـاطر‬
‫علــى احلمــل إذا بقــي‪ ،‬وأنواعـاً مــن املخــاطر علــى احلامــل إذا تــرك اجلنــني إىل آخــر أشــهر احلمــل‪،‬‬
‫وهي أعذار ال تقل يف أمهيتها عما ذكر الفقهاء‪ ،‬فينبغي أن حتمل مذاهبهم على اعتبارها(‪.)6‬‬

‫)‪ (1‬املغين ‪.312/2‬‬


‫)‪ (2‬احمللى ‪.33/2‬‬
‫)‪ (3‬نيل األوطار ‪.23/4‬‬
‫)‪ (4‬املرجع السابق‪.‬‬
‫)‪ (5‬فتح العلي املالك ‪.311/1‬‬
‫)‪ (6‬أحباث فقهية يف قضايا طبية معاصرة‪ ،‬ص‪.210‬‬
‫‪100‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫علــى أن األعــذار الشــرعية الــيت يبــاح هلــا اإلجهــاض قبــل نفــخ الــروح ال ينبغــي فــتح البــاب‬
‫فيها على مصراعيه حىت ال حيشر فيها ما ليس منها‪.‬‬
‫واالحتيــاط يف ذلــك ينصــح بــأن ال جتــري عمليــات اإلجهــاض إال يف مستشــفيات حمــددة‪،‬‬
‫وال جيريهــا أي طبيــب بــل تعــرض احلــاالت علــى جلنــة مــن األطبــاء املســلمني العــدول وبعــض أهــل‬
‫االختصاص الشرعي لتقدير األعذار وكفايتها من الناحية الصحية والشريعة(‪.)1‬‬
‫وهل تشوه اجلنني‪ ،‬أو حالة االغتصاب عذر شرعي فهذا ما سنبينه فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -2‬قكم إجهاض اجلنني املشوه‬
‫بناء على ما أوردناه من كالم الفقهاء يف موضوع إجهاض اجلنـني عمومـاً والتفريـق عنـدهم‬
‫بني أن يكون اإلجهاض بعذر أو بغري عـذر‪ ،‬ومـىت يكـون ذلـك قبـل نفـخ الـروح أو بعـده فالـذي‬
‫ذهب إليه كثري من العلماء‪ :‬أن إجهاض اجلنني يف مرحلة قبل نفـخ الـروح – أي قبـل مـرور مائـة‬
‫وعشـرين يومـاً علــى احلمــل – إذا ثبــت وتأكــد بتقريــر جلنــة طبيــة موثوقــة خمتصــة أن اجلنــني مشــوه‬
‫تشويهاً خطرياً غري قابـل للعـالج وأنـه إذا بقـي وولـد يف موعـده سـتكون حياتـه سـيئة وآالمـاً عليـه‬
‫وعلى أهله فعندئذ جيوز إسقاطه بناء على طلب الوالدين(‪.)2‬‬
‫أم ــا بع ــد نف ــخ ال ــروح في ــه ف ــإن إجه ــاض اجلن ــني املش ــوه ال يـ ـزال ب ــاق عل ــى عم ــوم حت ــرمي‬
‫(‪)3‬‬
‫اإلجهاض فال جيوز وال حيل ملا يأيت‪:‬‬
‫أوالً عموم النهي من كتاب هللا وسنة رسول هللا عن قتـل الـنفس الـيت حـرم هللا إال بـاحلق‪،‬‬
‫وهذه نفس قد اكتسبت احلياة وأصبح هلا حكم نفس اآلدميني املعصومني ولذا لو جين عليه يف‬
‫بطن أمه مث سقط حياً ومات ففيه دية كاملة فإن سقط ميتاً ففيه غرة‪.‬‬
‫ثانياً يوجد نصوص تشمل مثل هذه احلالة بالتحرمي وتتناوهلـا بـاحلكم فمـن ذلـك مـا جـاء‬
‫يف الصحيحني عن أنـس بـن مالـك رضـي هللا عنـه قـال‪ :‬قـال رسـول هللا صـلى هللا عليـه وسـلم‪" :‬‬
‫ال يتمنني أحدكم املوت لضـر نـزل بـه فـإن كـان البـد متمنيـاً فليقـل اللهـم أحيـين مـا كانـت احليـاة‬
‫خرياً يل وتوفين ما كانت الوفاة خرياً يل " (‪.)4‬‬

‫)‪ (1‬املرجع السابق‪.223 ،‬‬


‫)‪ (2‬انظر فتوى اجملمع الفقهي اإلسالمي لرابطة العامل اإلسالمي يف دورته الثانية عشرة‪.‬‬
‫)‪ (3‬حبث لفضيلة الشيخ عبدهللا آل عبدالرلن البسام عضواً جمللس اجملمع الفقهي وعضو التمييـز باملنطقـة الغربيـة باململكـة‬
‫العربية السعودية (اجلنني املشوه واألمراض الوراثية‪ :‬د‪ .‬حممد علي البار‪ ،‬ص‪.)411‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه البخاري يف كتاب املرضى باب هني متين املريض املوت (‪ ،2146/5 )5341‬ومسلم يف كتاب الذكر والدعاء‬
‫باب متين كراهة املوت (‪.2064/4 )2620‬‬
‫‪101‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫وقصـة الـذي جـرح نفسـه فعجـل بنفسـه إىل النـار وامتنـع صـلى هللا عليـه وسـلم مـن الصـالة‬
‫على الذي قتل نفسه مبشاقص(‪.)1‬‬
‫مما يدل على أن قتل النفس جرميـة كبـرية‪ ،‬هـذا يف حـق مـن قتـل نفسـه وهـو صـاحب احلـق‬
‫فيها فكيف مبن يعتدي عليه ويقتله غريه استضعافاً له‪.‬‬
‫أمـا كــالم العلمــاء يف ذلــك فقــد قــال فقهاؤنــا واللفـ لشـرح اإلقنــاع (وال جيــوز قتــل البهيمــة‬
‫لإلراح ــة ك ــاآلدمي املت ــأمل ب ــاألمراض الص ــعبة أو املص ــلوب بنح ــو حدي ــد ألن ــه معص ــوم م ــا دام‬
‫حياً)(‪.)2‬‬
‫ثالثاً بعد أن اكتسب اجلنني احلياة وصار إنساناً فإن له احلق يف بقائه حياً على أي حال‬
‫يكون وال حيل ألحد أن ينزع منه هذه احلياة اليت وهبه هللا إياها‪ ،‬وتقـدم أنـه يتعلـق بالقتـل العمـد‬
‫ثالثــة حقــوق‪ :‬حــق هلل وحــق للورثــة وحــق للمقتــول‪ ،‬وإذا كــان هللا تعــاىل حـ اـرم علينــا قــرب أم ـوال‬
‫الضعفاء إال باليت هي أحسن فكيف حيـل لنـا القضـاء علـى حيـاهتم؟! وكـم رأينـا مـن مشـوهني ال‬
‫يستطيع اإلنسان أن يثبت نظره إىل خلقـتهم وهـم راضـون خبلقـتهم بـل لقـد مسعنـا أن كثـرياً مـنهم‬
‫عرض عليهم إزالة هذا التشويه فلم يرضوا بذلك ألهنم وجدوا يف هذه العاهات مصدر ثـروة هلـم‬
‫ملا يالقونه من العطف والشفقة واإلحسان من الناس‪.‬‬
‫رابع ـاً يف والدهتــم علــى هــذه احلالــة عظــة للمعــافني ففــي احلــديث‪ " :‬اللهــم كمــا حســنت‬
‫خلقــي فحســن خلقــي وحــرم وجهــي علــى النــار " (‪ ،)3‬وعــن عمــر رضــي هللا عنــه أن رســول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬من رأى صاحب بالء فقال‪ :‬احلمد هلل الـذي عافـاين ممـا ابـتالك بـه‬
‫وفضلين على كثري ممن خلق تفضيالً مل يصبه ذلك البالء أبداً كائناً ما كان ما عاش " (‪.)4‬‬
‫خامساً فيه معرفة لقدرة هللا تعاىل وحتقيقاً لقوله تعاىلﭐﱡﭐ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾﱿ ﲀ‬

‫ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﱠ آل عمران‪6 :‬‬

‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲙ‬ ‫فاهلل تعاىل يري خلقه مظاهر قدرته وعجائب صنعه وحني ولد عيسى بال أب‬
‫ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﱠ مرمي‪21 :‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه مسلم يف كتاب اجلنائز باب ترك الصالة على القاتل نفسه (‪.612/2 )112‬‬
‫)‪ (2‬كشاف القناع ‪.415/5‬‬
‫)‪ (3‬أخرج ــه أل ــد (‪ ،62/6 )24441‬والبيهق ــي يف ش ــعب اإلمي ــان (‪ ،364/6 )2543‬وص ــححه اب ــن حب ــان (‪)151‬‬
‫‪( ،231/3‬فتح الباري ‪.)456/10‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه ابن ماجة يف كتاب الـدعاء بـاب مـا يـدعو بـه الرجـل إذا نظـر إىل أهـل الـبالء (‪ ،1221/2 )3212‬والرتمـذي‬
‫يف كتاب الدعوات باب ما يقول إذا رأى مبتلى (‪ ،413/5 )3431‬قال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث غريب‪.‬‬
‫‪102‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪ ،‬أي برهاناً على كمال القدرة اإلهلية‪ ،‬فإجهاضه حمادة هلذه اإلرادة‪.‬‬
‫سادساً إن قتلهم مث إجهاضهم نظرة مادية صرفة مل تعر األمور املعنوية أي نظرة‪.‬‬
‫ومن األغـالط واألخطـاء أن الباحـث واحملقـق ال ينظـر إىل الشـيء إال مـن زاويـة واحـدة وال‬
‫يدرسه من مجيع جوانبه ويتحقق عن املقاصد واألمور واألهداف املرادة من هذه األشـياء‪ ،‬فكثـري‬
‫من األمور منوطة بنتائجها ومرهونة بثمراهتا‪.‬‬
‫وحنن إذا تدبرنا املراد من خلق اإلنسان فنجده خلق ملعان سامية ومقامات عالية هي أعز‬
‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱣ‬ ‫وأغلى من هذه احلياة الدنيا وما فيها من ملذات ومتع فقد خلقه هللا لعبادته‬
‫ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩﱠ الذاريات‪56 :‬‬
‫وينتج عن حتقيق عبادته وإنفاذ إرادته الشرعية السـعادة األبديـة يف الـدار اآلخـرة وإجهـاض‬
‫هذا اآلدمي الربيء حرمان له من كمال سعادته األخروية‪.‬‬
‫فإننا إذا أخذنا هـذا املعـىن السـامي يف حـق اخللـق وجـدنا أن هـذا التشـويه ممـا يزيـده حتقيقـاً‬
‫هلذه الغاية املـرادة منـه واإلرادة املتعلقـة بإجيـاده فوجودهـا فيـه أدعـى إىل ذلـه ومسـكنته لربـه وصـربه‬
‫عليها احتساباً منه األجر الكبري‪.‬‬
‫مشوه ويولد سليماً‪ ،‬كما‬ ‫سابعاً مسألة تشوه اجلنني ليست متقنة فقد يظن أن اجلنني ا‬
‫حدث ذلك مرات عديدة‪.‬‬

‫املشوه‬
‫‪ -2‬قرار اجملمع الفقهي بشأن موضوع إسقاط اجلنني ّ‬
‫احلمد هلل وحده والصالة والسالم على من ال ن بعده سيدنا ونبينـا حممـد صـلى هللا عليـه‬
‫وسلم وعلى آله وصحبه وسلم‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فإن جملس اجملمع الفقهي اإلسالمي لرابطة العامل اإلسالمي يف دورته الثانية عشرة املنعقدة‬
‫مبكة املكرمة يف الفرتة مـن يـوم السـبت ‪ 15‬رجـب ‪1410‬ه ـ املوافـق ‪ 10‬فربايـر ‪1110‬م إىل يـوم‬
‫السبت ‪ 22‬رجب ‪1410‬هـ املوافق ‪ 11‬فرباير ‪1110‬م قد نظر يف هذا املوضـوع وبعـد مناقشـته‬
‫مــن قبــل هيئــة اجمللــس املــوقرة ومــن قبــل أصــحاب الســعادة األطبــاء املختصــني الــذي حضــروا هلــذا‬
‫الغرض‪ ،‬قرر باألكثر ما يلي‪:‬‬
‫‪ -0‬بلوغ احلمل مائة وعشرين يوماً‬

‫‪103‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫إذا كان احلمل قد بلغ مائة وعشرين يوماً ال جيوز إسقاطه ولو كان التشخيص الط يفيد‬
‫أنه مشوه اخللقة إال إذا ثبت بتقرير جلنة طبية من األطباء الثقات املختصني أن بقاء احلمل فيه‬
‫خطر مؤكد على حياة األم جيوز إسقاطه سواء كان مشوهاً أو ال دفعاً ألعظم الضررين‪.‬‬
‫‪ -7‬عدم بلوغ احلمل مائة وعشرين يوماً‬
‫قبـل مــرور مائــة وعشـرين يوم ـاً علــى احلمــل إذا ثبــت وتأكــد بتقريــر جلنــة طبيــة مــن األطبــاء‬
‫املختصــني الثق ــات‪ ،‬وبنــاء عل ــى الفح ــوص الفنيــة ب ــاألجهزة والوس ــائل املختــربة أن اجلن ــني مش ـ اـوه‬
‫تشويهاً خطرياً غري قابـل للعـالج وأنـه إذا بقـي وولـد يف موعـده سـتكون حياتـه سـيئة وآالمـاً عليـه‬
‫وعلى أهله فعندئذ جيوز إسقاطه بناءً على طلب الوالدين‪.‬‬
‫واجمللــس إذا يقــرر ذلــك يوصــي األطبــاء والوالــدين بتقــوى هللا والتثبــت يف هــذا األمــر‪ ،‬وهللا‬
‫ويل التوفيق‪.‬‬

‫‪ -2‬قكم إجهاض اجلنني الناتج عن اغتصاب‬


‫(‪)1‬‬
‫لت‬
‫يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي جميباً عن هذا السؤال‪ " :‬لقد ُسئ ُ‬
‫مثل هذا السؤال من قبل من أخوة يف أرترييا فعل ببناهتم وأخواهتم اجلنود النصارى يف جيش ما‬
‫يسمى اجلبهة الشعبية لتحرير أرترييا‪ ،‬ما يفعل جنود الصرب اليوم بشعب البوسنا احلرائر‪.‬‬
‫وقبــل ذلــك بســنوات أرســلت مجاعــة مــن النســاء املؤمنــات املعــتقالت ظلم ـاً‪ ،‬مــن داخــل‬
‫سجون الظلمة الطغاة يف بعض البالد بنفس السؤال إىل عدد من العلماء يف البالد العربية‪ :‬مـاذا‬
‫يصنعن فيما حتمله أرحامهن من لل حرام ال ذنب هلن فيه‪ ،‬وال اختيار هلن فيه؟‬
‫وأحــب أن أؤكــد أوالً‪ :‬أن هــؤالء النســوة مــن أخواتنــا وبناتنــا‪ ،‬لــيس علــيهن أي ذنــب فيمــا‬
‫ح ــدث هل ــن‪ ،‬م ــا دم ــن ق ــد رفض ــن وق ـاومن يف أوىل األم ــر‪ ،‬مث أك ــرهن علي ــه حت ــت أس ــنة الرم ــاح‪،‬‬
‫وض ــغط الق ــوة الباطش ــة‪ ،‬وم ــاذا تص ــنع أس ــرية أو س ــجينة مهيض ــة اجلن ــاح‪ ،‬أم ــام آس ــر أو س ــجان‬
‫مدجج بالسالح؟ ال خيشى خالقاً‪ ،‬وال يرحم خملوقاً؟!‬
‫وهللا تعاىل قد رفع اإلمث عن املكره فيما هو أشد من الز ‪ ،‬وهو الكفر‪ ،‬والنطق به‪ ،‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ‬

‫ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱠ النحل‪.106 :‬‬

‫)‪ (1‬فتاوي معاصرة‪ :‬الدكتور يوسف القرضاوي ‪.612 – 610/2‬‬


‫‪104‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫بل رفع القرآن اإلمث عن اإلنسان يف حالة الضرورة القاهرة‪ ،‬وإن بقي لـه شيء من االختيار‬
‫الظاهري‪ ،‬وما ذاك إال ألن ضغط الضرورة أقوى منه‪ ،‬قال تعاىل بعد أن ذكر األطعمة‬
‫ﲑ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﱠ البقرة‪113 :‬‬
‫ﲒ‬ ‫احملرمةﭧﭐﭨﭐﱡﭐﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ‬

‫والنـ صـلى هللا عليــه وسـلم قـال‪ " :‬إن هللا وضــع عـن أمـيت اخلطــأ والنسـيان ومـا اســتكرهوا‬
‫علي ــه " (‪ ،)1‬ب ــل إن ه ــؤالء البن ــات واألخـ ـوات ي ــؤجرن عل ــى م ــا أص ــاهبن م ــن ب ــالء‪ ،‬إذا متس ــكن‬
‫بإسالمهن الذي ابتلني وامتحن من أجلـه‪ ،‬واحتسـنب مـا نـاهلن مـن األذى عنـد هللا عزوجـل‪ ،‬وقـد‬
‫قــال رســول هللا صــلى هللا عليــه وســلم‪ " :‬مــا يصــيب املســلم مــن نصــب وال وصــب‪ ،‬وال هــم وال‬
‫حزن‪ ،‬وال أذى وال غم – حىت الشوكة يشاكها – إىل ك افر هللا هبا من خطاياه " (‪.)2‬‬
‫فإذا كان املسلم يثاب يف الشوكة يشاكها‪ ،‬فكيف إذا انتهك عرضه أو لوث شرفه؟!‬
‫ومن أجـل هـذا أنصـح للشـباب املسـلم أن يتقـرب إىل هللا تعـاىل بـالزواج مـن إحـدى هـؤالء‬
‫الفتيات‪ ،‬رفقاً حباهلن‪ ،‬ومداواة جلرحهن‪ ،‬وهو جرح نفسي قبل كل شيء‪ ،‬ناش عن إحساسـهن‬
‫بأهنن فقدن أعز ما متلكه فتاة شريفة طاهرة‪ ،‬وهو عذريتها‪.‬‬
‫أما إجهاض احلمل‪ ،‬فقد بينا يف فتوى سابقة أن األصل يف اإلجهاض هو املنـع‪ ،‬منـذ يـتم‬
‫العل ــوق‪ ،‬أي من ــذ يلتق ــي احلي ـوان املن ــوي ال ــذكر بالبويض ــة األنثوي ــة‪ ،‬وينش ــأ منهم ــا ذل ــك الك ــائن‬
‫اجلديد‪ ،‬ويستقر يف قراره املكني يف الرحم‪.‬‬
‫فه ــذا الك ــائن ل ــه احرتام ــه وإن ج ــاء نتيج ــة اتص ــال حم ــرم ك ــالز ‪ ،‬وق ــد أم ــر الرس ــول املـ ـرأة‬
‫الغامدية اليت أقرت بالز واستوجبت الرجم‪ ،‬أن تذهب جبنينها حىت تلد‪ ،‬مث بعد الوالدة تـذهب‬
‫به حىت يفطم‪.‬‬
‫وه ــذا م ــا أخت ــاره للفت ــوى يف احل ــاالت العادي ــة‪ ،‬وإن ك ــان هن ــاك م ــن الفقه ــاء م ــن جيي ــز‬
‫اإلجهاض إذا كان قبل مضي أربعني يوماً على احلمـل‪ ،‬عمـالً بـبعض الروايـات الـيت صـحت بـأن‬
‫نفخ الروح يف اجلنني يتم بعد أربعني أو اثنني وأربعني يوماً‪.‬‬
‫بل من الفقهاء من يرى اجلواز إذا كان قبل مضـي ثـالث أربعينـات أي قبـل مائـة وعشـرين‬
‫يوماً‪ ،‬عمالً بالرواية األشهر بأن نفخ الروح يتم بعد ذلك‪.‬‬

‫)‪ (1‬ابن ماجة يف الطالق باب طالق املكره (‪ ،651/1 )2045‬وصـححه احلـاكم ‪ ،112/2‬ووافقـه الـذه والبيهقـي يف‬
‫سننه ‪.356/1‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه البخاري يف املرضى باب ما جاء يف كفارة املرض (‪.2131/5 )5312‬‬
‫‪105‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫وال ــذي نرجح ــه ه ــو م ــا ذكرن ــاه أوالً‪ ،‬ولك ــن يف ح ــاالت األع ــذار ال ب ــأس باألخ ــذ بأح ــد‬
‫القولني اآلخـرين‪ ،‬وكلمـا كـان العـذر أقـوى كانـت الرخصـة أظهـر‪ ،‬وكلمـا كـان ذلـك قبـل األربعـني‬
‫األوىل كان أقرب إىل الرخصة‪.‬‬
‫وال ريــب أن االغتصــاب مــن عــدو كــافر فــاجر‪ ،‬معتــد أثــيم‪ ،‬ملســلمة عــذراء طــاهرة‪ ،‬عــذر‬
‫قــوي‪ ،‬لــدى املســلمة ولــدى أهلهــا‪ ،‬وهــي تك ــره هــذا اجلنــني – مثــرة االعتــداء الغشــوم – وتري ــد‬
‫التخلص منه‪ ،‬فهذه رخصة يفىت هبا للضرورة‪ ،‬اليت تقدر بقدرها‪.‬‬
‫وحنن نعلم أن هناك من الفقهاء من شددوا يف األمر‪ ،‬ومنعوا اإلسقاط ولو بعد يـوم واحـد‬
‫مــن احلمــل‪ ،‬بــل هنــاك مــن حرم ـوا جمــرد االمتنــاع االختيــاري عــن اإلجنــاب‪ ،‬مبنــع احلمــل مــن قبــل‬
‫الرجــل أو املـرأة أو كليهمــا‪ ،‬مســتدلني مبــا جــاء يف بعــض األحاديــث مــن تســمية (العــزل) ب ـ (الـوأد‬
‫اخلفي)‪ ،‬فال غرو أن حيرم اإلجهاض بعد احلمل‪.‬‬
‫واألرجـ ــح هـ ــو التوسـ ــط بـ ــني املتوسـ ــعني يف اإلجـ ــازة‪ ،‬واملتشـ ــددين يف املنـ ــع‪ ،‬والقـ ــول بـ ــأن‬
‫(البيضة) منذ يلقحها املنوي أصبحت (إنساناً) إمنـا هـو لـون مـن (اجملـاز) يف التعبـري‪ ،‬فـالواقع أهنـا‬
‫(مشروع إنسان)‪.‬‬
‫صحيح أن هذا الكائن حيمل احلياة‪ ،‬ولكن احلياة درجات ومراتب‪ ،‬واحليوان املنوي نفسـه‬
‫حيمــل احليــاة‪ ،‬والبيضــة قبــل تلقيحهــا أيض ـاً حتمــل احليــاة‪ ،‬ولكــن هــذه وتلــك ليســت هــي احليــاة‬
‫اإلنسانية اليت ترتتب عليها األحكام‪.‬‬
‫ومــن مث تكــون الرخصــة مقيــدة حبالــة العــذر املعتــرب‪ ،‬الــذي يقــدره أهــل الـرأي مــن الشـرعيني‬
‫واألطباء والعقالء من الناس‪ ،‬وما عدا ذلك يبقى على أصل املنع‪.‬‬
‫وخاصــة إذا علمنــا أن الن ـ صــلى هللا عليــه وســلم مل يــأمر الغامديــة الــيت زنــت بإســقاط‬
‫للها بل قال هلا صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬ارجعي حىت تضعي ما يف بطنك " (‪.)1‬‬
‫على أن من حق املسلمة اليت ابتليت هبذه املصيبة يف نفسها‪ ،‬أن حتتف هبذا اجلنني‪ ،‬وال‬
‫حــرج عليهــا شــرعاً‪ ،‬كمــا ذكــرت‪ ،‬وال جتــرب علــى إســقاطه‪ ،‬وإذا قــدر ل ــه أن يبقــى يف بطنهــا املــدة‬
‫املعتــادة للحمــل ووضــعته‪ ،‬فهــو طفــل مســلم‪ ،‬كمــا قــال النـ صــلى هللا عليــه وســلم‪ " :‬كــل مولــود‬
‫يولد على الفطرة " (‪ )2‬والفطرة هي التوحيد وهي اإلسالم‪.‬‬
‫ومن املقرر فقهـاً‪ :‬أن الولـد إذا اختلـف ديـن أبويـه‪ ،‬يتبـع خـري األبـوين دينـاً‪ ،‬وهـذا فـيمن لـه‬
‫أب يعرف‪ ،‬فكيف مبن ال أب له؟ إنه طفل مسلم بال ريب‪.‬‬
‫)‪ (1‬أخرجه البزار ورجاله ثقات إال أن األعمش مل يسمع من أنس (جممع الزوائد ‪.)252/6‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه البخاري يف اجلنائز باب ما قيل يف أوالد املشركني (‪.465/1 )1311‬‬
‫‪106‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫وعلى اجملتمع املسلم أن يتوىل رعايته واإلنفـاق عليـه‪ ،‬وحسـن تربيتـه‪ ،‬وال يـدع العـبء علـى‬
‫األم املســكينة املبــتالة‪ ،‬والدولــة يف اإلســالم مســئولة عــن هــذه الرعايــة بواســطة الــوزارة أو املؤسســة‬
‫املختصة‪ ،‬ويف احلديث املتفق عليه‪ ":‬كلكم راع‪ ،‬وكلكم مسئول عن رعيته " (‪.)1‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري يف االستقراض باب العبد راع يف مال سيده (‪.242/2 )2212‬‬
‫‪101‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫املبحث اخلـ ـ ـ ــامس‬

‫قتل الرمحة‬
‫تيسري املوت للمرضى امليؤوس من شفائهم‬

‫‪ -0‬احملافظة على النفس اإلنسانية يف اإلسالم‬


‫حق احلياة مقدس يف نظر الشريعة‪ :‬فلقد خلق هللا اإلنسان وألبسه ثوب الكرامة وفضله‬
‫على كثري ممن خلق بالعقل والعلم والبيان والنطق والصورة احلسنة واهليئة الشريفة والقامة املعتدلة‬
‫وةله بالرعاية والعناية وهو نطفة يف داخل الرحم ويف مجيع أطواره إىل أن صار خلقاً آخر‬
‫فتبارك هللا أحسن اخلالقني‪.‬‬

‫‪ -7‬حترمي االعتداأ على األنفس‬


‫حرمت الشريعة اإلسالمية االعتداء على األنفس بغري حق واعتربت هذا الفعل من أعظم‬
‫املفاسد على ظهر األرض ومن أكرب الكبائر وأنكر املنكرات بعد الكفر باهلل‪.‬‬
‫وجاء ذلك التحرمي يف آيات كثرية وأحاديث متنوعة نذكر منها‪ :‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲄ ﲅ ﲆ‬

‫ﲋ ﱠ اإلسراء‪33 :‬‬
‫ﲌ‬ ‫ﲇﲈﲉﲊ‬

‫ﲸﲺﲻﲼﲽ ﲾﲿ‬
‫ﲹ‬ ‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ‬

‫ﳊ ﱠ األنعام‪151 :‬‬
‫ﳋ‬ ‫ﳁﳃﳄﳅﳆﳇ ﳈﳉ‬
‫ﳂ‬ ‫ﳀ‬

‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ‬

‫ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﱠ النساء‪13 :‬‬
‫وقــال عليــه الصــالة والســالم‪ " :‬ال حيــل دم امــرئ مســلم إىل بإحــدى ثــالث‪ :‬الثيــب ال ـزاين‬
‫والنفس بالنفس والتارك لدينه املفارق للجماعة " (‪.)1‬‬

‫)‪ (1‬أخرجــه البخــاري يف كتــاب الــديات بــاب إذا قتــل حبجــر أو بعصــا (‪ ،2521/6 )6424‬ومســلم يف القســامة بــاب مــا‬
‫يباح به دم املسلم (‪.1302/3 )1616‬‬
‫‪102‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪ -3‬تشريع القصاص‬
‫وبعد أن أوضحت الشريعة اإلسالمية جرمية االعتداء على النفس وحرمتها حترمياً قاطعـاً –‬
‫حىت صار ذلك معلوماً بالضـرورة للجميـع – وثبتـت بعـد ذلـك العقوبـات املناسـبة لكـل فعـل مـع‬
‫مالحظة الدوافع واآلثار‪:‬‬
‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀﲁ ﱠ البقرة‪.112 :‬ﭐﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲣ ﲤ ﲥ‬

‫ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﱠ البقرة‪111 :‬‬

‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ‬

‫ﲭ ﱠ املائدة‪45 :‬‬
‫ﲮ‬ ‫ﲪﲫﲬ‬

‫فهــذه اآليــات بينــت حكــم القصــاص يف الــنفس واألطـراف واجلــروح فكــان القصــاص دفعـاً‬
‫ملفسدة التعدي على الدماء باجلناية‪.‬‬
‫‪ -4‬حترمي االنتحار‬
‫ال خيف ــى أن ح ــق احلي ــاة ح ــق خ ــالص هلل تع ــاىل‪ ،‬وم ــن هن ــا ح ــرم اإلس ــالم عل ــى الف ــرد أن‬
‫يعرض نفسه للتهلكة‪ ،‬كمـا حـرم االنتحـار ألن حيـاة اإلنسـان ليسـت ملكـاً خالصـاً لـه وإمنـا هـي‬
‫حق لباريها وخالقها‪.‬‬
‫ولق ــد ج ــاءت اآلي ــات واألحادي ــث بتح ــرمي مجي ــع وس ــائل االنتح ــار م ـع التهدي ــد والوعي ــد‬
‫الشديد ملن يلجأ إليه‪.‬‬
‫ﱫ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱠ النساء‪ 21 :‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲓ ﲔ‬
‫ﱬ‬ ‫ﭧﭐﭨﭐﱡ ﱩ ﱪ‬

‫ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﱠ البقرة‪.11 :‬‬
‫وقوله صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬من ترد من جبل فقتل نفسه فهو يف نار جهنم يرتدى فيهـا‬
‫خملد فيها أبداً‪ ،‬ومن وجأ بطنه حبديدة فحديدته يف يده جيأ به بطنـه يف نـار جهـنم خالـداً‬
‫خالداً ً‬
‫خملداً فيها أبداً‪ ،‬ومن حتس مساً فسمه بيده يتحساه يف نار جهنم خالداً خملداً فيها أبداً " (‪.)1‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري يف الطب باب شرب السم والدواء به (‪ ،2111/5 )5442‬ومسلم يف اإلميان باب غل حتـرمي قتـل‬
‫اإلنسان (‪.103/1 )101‬‬
‫‪101‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫فهــذا احلــديث يــدل علــى حرمــة قتــل اإلنســان نفســه‪ ،‬ويــدل علــى الوعيــد الشــديد املرتتــب‬
‫عل ــى قت ــل ال ــنفس‪ ،‬ق ــال اإلم ــام الش ــاط ‪ " :‬ونف ــس املكل ــف داخل ــة يف ه ــذا احل ـق أي ح ــق هللا‬
‫اخلالص إذ ليس لـه التسليط على نفسه وال على عضو من أعضائه باإلتالف " (‪.)1‬‬

‫‪ -2‬أدب اإلسالم يف املرض والطب‬


‫إن تعــاليم اإلســالم يف املــرض والطــب‪ ،‬تشــكل جانبـاً مــن الرتبيــة الروحيــة والســلوكية‪ ،‬والــيت‬
‫من شأهنا أن تقوي معنوية املريض وحتسن رعايته داخل األسرة واجملتمع‪.‬‬
‫فاإلسالم يرشد من يدخل على املريض ولو كان مرضه ال أمل من شفائه أن يـنفس لــه يف‬
‫األجل‪ ،‬أي أن يبعـث يف نفسـه األمـل بالشـفاء‪ :‬يقـول صـلى هللا عليـه وسـلم‪ " :‬إذا دخلـتم علـى‬
‫املريض فنفسوا لـه يف األجل فإن ذلك ال يرد شيئاً وهو يطيب نفس املريض " (‪.)2‬‬
‫وأن يدعوا العائد للمريض بالشفاء والعافية وأن يوصـيه بالصـرب واالحتمـال‪ ،‬كمـا يسـتحب‬
‫(‪)3‬‬
‫تسلية املرض مبا حيب من حالل يف القول أو الفعل‪.‬‬
‫أما كتب السنة فتزخر باألحاديث حول املرض ومفهومه وبعده الروحي والفلسفي‪ ،‬وكيف‬
‫ميكن التعامل معه‪ ،‬فقد جاءت األحاديث مصرحة بأن املرض يكفر السيئات و ميحو الذنوب‪:‬‬
‫فقد روي عن الن صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪ " :‬ما يصيب املسلم مـن نصـب وال وصـب وال‬
‫هم وال حزن وال أذى‪ ،‬حىت الشوكة يشاكها إال كفر هللا هبا من خطاياه " (‪.)4‬‬
‫ينبغي للمريض أن يصرب على ما ينزل به من ضر‪ ،‬فما أعطي العبد عطاء خـرياً وأوسـع لــه‬
‫من الصرب‪ :‬روى مسلم عن صهيب بن سنان رضي هللا عنه أن الن صـلى هللا عليـه وسـلم قـال‪:‬‬
‫" عجباً ألمر املؤمن إن أمره كله خري – وليس ذلك ألحد إال للمؤمن – إن أصابته سراء شكر‬
‫فكان خرياً لــه وإن أصـابته ضـراء صـرب فكـان خـرياً لــه " (‪ ،)5‬وروى البخـاري عـن أنـس رضـي هللا‬
‫عنه قال‪ :‬مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪ " :‬إن هللا تعـاىل قـال " إذا ابتليـت عبـدي‬
‫حببيبتيه فصرب عوضته منهما اجلنة " (‪ )6‬يريد عينيه‪.‬‬

‫)‪ (1‬املوافقات‪ :‬للشاط ‪.322/2‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه الرتمذي يف كتاب الطب (‪ ،413/4 )2021‬وابن ماجة يف اجلنائز باب ما جاء يف عيادة املريض (‪)1432‬‬
‫‪ ،462/1‬ويف سنده لني (فتح الباري‪)121/10‬‬
‫)‪ (3‬املرشد اإلسالمي يف الفقه الط ‪ :‬توفيق الواعد وآخرون‪ ،‬ص‪.112‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه البخاري يف كتاب املرضى باب ما جاء يف كفارة املرض (‪.2121/5 )5312‬‬
‫)‪ (5‬أخرجه مسلم يف كتاب الزهد والرقائق باب املؤمن أمره كله خري (‪.2215/4 )2111‬‬
‫)‪ (6‬أخرجه البخاري يف كتاب املرضى باب فضل من ذهب بصره (‪.2140/5 )5321‬‬
‫‪110‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪ -6‬كراهة متين املوت‬


‫يكــره للمــرء أن يتمــىن املــوت أو يــدعو بــه‪ ،‬لفقــر أو مــرض أو حمنــة أو حنــو ذلــك‪ ،‬ملــا رواه‬
‫اجلماعة عن أنس رضي هللا عنه أن النـ صـلى هللا عليـه وسـلم قـال‪ " :‬ال يتمنـني أحـدكم املـوت‬
‫لضر نزل به‪ ،‬فإن كان البد متمنياً للموت فليقل‪ :‬اللهم أحيين ما كانـت احليـاة خـرياً يل‪ ،‬وتـوفين‬
‫إذا كانت الوفاة خرياً يل " (‪ ،)1‬وحكمة النهي عن متين املوت ما جاء مـن حـديث أم الفضـل أن‬
‫الن صلى هللا عليه وسلم دخل على العبـاس رضـي هللا عنـه وهـو يشـتكي فتمـىن املـوت فقـال‪" :‬‬
‫يا عباس يا عم رسول هللا ال تتمن املوت إن كنت حمسناً تـزداد إحسـاناً إىل إحسـانك خـري لـك‪،‬‬
‫وإن كنــت مســيئاً فــإن تــؤخر تســتعتب خـرياً لــك ال تــتمن املــوت " (‪( ،)2‬تســتعتب‪ :‬تسرتضــي هللا‬
‫باإلقالع عن اإلساءة واالستغفار منها‪ ،‬واالستعتاب‪ :‬طلب إزالة العتاب)‪.‬‬

‫‪ -2‬تعريف قتل الرمحة‬


‫ويس ـ ــمى القت ـ ــل ش ـ ــفقة‪ ،‬ويس ـ ــمى تيس ـ ــري امل ـ ــوت ومص ـ ــطلحه العلم ـ ــي باللغ ـ ــة األجنبي ـ ــة‬
‫(‪ )Euthanasia‬وهــي كلمــة يونانيــة تعــين يف األصــل املــوت اجليــد (‪ )Good Death‬أو املــوت‬
‫اليسري (‪ )Easy Death‬أو املوت الكرمي (‪ )With Dignity Death‬مث استعملت يف هذا الزمـان‬
‫على ما يعرف بقتل الرلة أو القتل الرحيم(‪.)3‬‬
‫وي ـراد بــه تســهيل مــوت الشــخص بــدون أمل بســبب الرلــة لتخفيــف معانــاة امل ـريض س ـواء‬
‫بطرق فعالة أو منفعلة‪.‬‬
‫‪ -2‬صور قتل الرمحة‬
‫لقتل الرلة ثالث صور‪ ،‬هي‪:‬‬
‫ـوي مضــاد لـ مل لتضــع هــذه اجلرعــة املفرطــة حــداً‬ ‫‪ -‬إعطــاء املـريض جرعــة كبــرية مــن دواء قـ ا‬
‫حلياته‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكـون املـريض غــري قـادر علــى التـنفس إال بواسـطة املنفــا (‪ )Respirator‬فــإذا فصــل‬
‫عنه اجلهاز توقف تنفسه ومات‪.‬‬
‫)‪ (1‬أخرجه البخاري يف كتاب املرضى باب هني متين املريض املـوت (‪ ،2146/5 )5341‬ومسـلم يف الـذكر والـدعاء بـاب‬
‫متين كراهة املوت لضر نزل به (‪.2064/4 )2611‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه اإلمام ألد (‪ ،331/6 )26116‬واحلاكم يف مستدركه (‪ 421/1 )1254‬وقال حديث صحيح على شرط‬
‫الشيخني ومل خيرجاه‪.‬‬
‫)‪ (3‬قالوا‪ :‬القتل رله‪ :‬د‪ .‬عبد اجلبار دية‬
‫( ‪) http://www.islam-online.net/iol-arabic/dowalia/scince-26/scince3.asp‬‬
‫‪111‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪ -‬أن يكــون عــالج امل ـريض ســبباً يف اســتمرار حياتــه دون شــفائه‪ ،‬فــإذا أوقــف عنــه العــالج‬
‫مات‪.‬‬
‫تدخالً إجيابياً من الطبيب‪ ،‬أما احلالة الثالثة‬ ‫ومن الواضح أن احلالتني األوليني تقتضيان ُّ‬
‫فال تقتضي إال موقفاً سلبياً يتمثل بامتناع الطبيب عن عالج املريض‪ ،‬غري أن موت املريض هو‬
‫النتيجة العملية يف احلاالت الثالث(‪.)1‬‬

‫‪ -2‬تاريخ قتل الرمحة‬


‫تعود فكـرة (القتـل شـفقة) أو القتـل رلـة إىل فالسـفة اليونـان القـدماء‪ ،‬فقـد ذكـر أفالطـون‬
‫يف كتاب ــه الش ــهري (اجلمهوري ــة) أن ال ــذين تنقص ــهم س ــالمة األجس ــام جي ــب أن يرتكـ ـوا للم ــوت!‬
‫وســقراط الــذي أطلــق علــى هــذا الشــكل مــن املــوت اســم (التــدبري الــذايت للمــوت بشــرف) وكــان‬
‫ســقراط قــد تنــاول الســم عــن طواعيــة عنــدما حكم ـوا علي ـه بــاملوت‪ ،‬ورفــض اهلــروب مــن الســجن‬
‫الذي دبره تالميذه! وينسب اصطالح القتل بدافع الشفقة للفيلسوف اإلجنليـزي (روجيـه بيكـون‬
‫‪ )1214 – 1214‬الــذي كــان يــرى (أن علــى األطبــاء أن يعملـوا علــى إعــادة الصــحة للمرضــى‬
‫وخيفف ـوا آالمهــم‪ ،‬ولكــن إذا وجــدوا أن شــفاءهم ال أمــل فيــه فيجــب علــيهم أن يهيئ ـوا هلــم موت ـاً‬
‫هادئاً وسهالً) ويف عام ‪ 1223‬عرضت على القضاء األمريكي أول قضية يف قتل الرلة‪ ،‬حيـث‬
‫أقدم أب على إغراق أطفاله الثالثة ليذهبوا – حسب اعتقاده – إىل اجلنة مباشرة!‬
‫ويف أوائــل القــرن العش ـرين املــيالدي قامــت يف أملانيــا حركــة تنــادي بإباحــة قتــل الرلــة‪ ،‬ويف‬
‫ع ـام ‪ 1130‬أنش ــئت اجلمعي ــة األمريكي ــة لقت ــل الرل ــة‪ ،‬وق ــد ع ــدلت امسه ــا يف ع ــام ‪ 1110‬إىل‬
‫مجعي ــة ح ــق اإلنس ــان يف امل ــوت‪ ،‬ويف ع ــام ‪ 1136‬أب ــاح بع ــض أس ــاقفة الكنيس ــة يف الوالي ــات‬
‫املتحــدة قتــل الرلــة يف حــدود معقولــة ومقبولــة! ويف العــام نفســه عقــدت اجلمعيــة الربيطانيــة لقتــل‬
‫الرل ــة أول اجتم ــاع هل ــا‪ ،‬وق ــدمت مش ــروعاً إىل جمل ــس الل ــوردات جيع ــل قت ــل الرل ــة أمـ ـراً يبيح ــه‬
‫القانون‪ ،‬ولكن اجمللس رفضه‪.‬‬
‫ويف عــام ‪ 1131‬أصــدر الــزعيم األملــاين النــازي (هتلــر) أمـراً أبــاح فيــه قتــل املرضــى العقليــني‬
‫واملعتــوهني والشــيو الــذين أصــيبوا بــاخلرف! ويف عــام ‪ 1166‬وضــعت إحــدى احملــاكم األمريكيــة‬
‫قانونـاً جيـ اِـرم الطبيــب الــذي ميــارس قتــل الرلــة (ألن التعجيــل مبــوت املـريض ختليصـاً لــه مــن آالمــه‬

‫)‪ (1‬انظر املوسوعة الطبية الفقهية‪ :‬د‪ .‬ألد حممد كنعان‪ ،‬ص‪.120‬‬
‫‪112‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫يعد فعالً معاقبـاً عليـه قانونـاً) ويف عـام ‪ 1110‬ظهـرت يف بريطانيـا حركـة نشـطة تنـادي بالسـماح‬
‫بقتل الرلة‪.‬‬
‫ويف عــام ‪ 1111‬أعطــى القــانون يف واليــة كاليفورنيــا احلــق لكــل شــخص أن حيــدد موعــد‬
‫موتـه بــأن يكــون ســهالً وبــال معانــاة‪ ،‬ويف عـام ‪ 1122‬تأسســت يف بريطانيــا مجعيــة لتيســري املــوت‬
‫وتسهيله(‪.)1‬‬

‫‪ -01‬املوقف الشرعي من قتل الرمحة‬


‫لقد ثارت مناقشات طويلة بني أهل الشريعة وأهل القانون حول مسألة القتل شفقة الذي‬
‫يبــدو أن الــدافع الظــاهر فيــه هــو دافــع إنســاين يســتهدف ختلــيص املـريض مــن آالمــه الــيت ال أمــل‬
‫بــاخلالص منهــا إال بــاملوت! ومــا زالــت جــل الق ـوانني الوضــعية حــىت اآلن ال تبــيح قتــل الش ــفقة‬
‫خشية اختـاذه ذريعـة جلرميـة القتـل العمـد‪ ،‬مـع العلـم بـأن كثـرياً مـن الـبالد األوروبيـة باتـت تف اِـرق يف‬
‫قوانينها اجلنائية بني القتل اجلنائي وقتل الرلة وجتعل من هذا األخري جمرد ُجْنحة‪.‬‬
‫وفيما يلي أهم احلجج اليت يستدل هبا املؤيدون لقتل الرلة (اليوثنيزيا)‪:‬‬
‫أ‪ -‬يف مصلحة املريض‬
‫ويقدم املؤيدون املنطلقون من هذه النقطة تلك األسباب لتدعيهم موقفهم‪.‬‬
‫‪ -0‬احلرية االستقاللية ‪Autonomy‬‬
‫يقول ــون‪ :‬اإلنس ــان يف رأي ــه ح ــر يف تقري ــر مص ــريه‪ ،‬ويقول ــون‪ :‬لإلنس ــان ح ــق التص ــرف يف‬
‫جسده كما يشاء‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬إن اليوثنيزيا مبثابة مساعدة على االنتحار املشروع ‪.Assisted Suicide‬‬
‫ويقولون‪ :‬ال بأس من أن يكتب املريض وصية احلياة قبـل دخولـه املستشـفى‪ ،‬وقبـل تعرضـه‬
‫ألي داء عضـال‪ ،‬فيقــر أنــه إذا كــان يف وضـع يعــاين منــه معانــاة شـديدة‪ ،‬علــى الطبيــب املعــاجل أن‬
‫يرفع يديه عنه‪ ،‬وأن ال حياول اإلبقاء على احلياة بأي مثن‪.‬‬
‫‪ -7‬احلقوق ‪Rights‬‬
‫ويقولون‪ :‬لإلنسان حق املوت!‬
‫ويقولون‪ :‬للمريض حق أن يُقتل إن هو طلب ذلك‪.‬‬

‫)‪ (1‬انظـر جملــة البحــوث الفقهيــة املعاصــرة العــدد ‪ 42‬عــام ‪1420‬هــ‪ ،1111/‬مقالــة د‪ .‬بلحــاج العــريب بــن الــد‪ :‬األحكــام‬
‫الشــرعية والطبيــة للمتــول يف الفقــه اإلســالمي ص‪ ،61 – 62‬وانظــر أيضـاً املنظمــة اإلســالمية للعلــوم الطبيــة‪ :‬السياســة‬
‫الصحية األخالقيات والقيم اإلنسانية من منظور إسالمي‪ ،‬مقالة د‪ .‬عصام الشربيين‪ :‬قتل الرلة ص‪ 111‬وما بعـدها‪،‬‬
‫الكويت ‪.1111‬‬
‫‪113‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫ويقولون‪ :‬لإلنسان حق احلياة وحق املوت‪.‬‬


‫‪ -3‬الرمحة ‪Compassion‬‬
‫يقولون‪ :‬اليوثنيزيا من شأهنا أن تريح املريض من معاناته وآالمه‪!..‬‬
‫‪ -4‬نوعية احلياة ‪Quality Of Life‬‬
‫يقولون‪ :‬إن حياة بعض املرضى ال تساوي عدمها‪ ،‬وخري هلم أن ميوتوا‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬إن قيمة احلياة تقاس مبقدار مسامهة اإلنسان إبداعاً وإنتاجاً‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬ما قيمة احلياة عندما يصبح اإلنسان يعتمد على غريه يف قضاء حوائجه‪.‬‬
‫ب‪ -‬ملصلحة اآلخرين (األقارب‪/‬األصدقاأ‪/‬اجملتمع العام)‬
‫‪ -0‬الرمحة ‪Compassion‬‬
‫يقولون‪ :‬إن أقارب املريض وأصدقائه يعانون نتيجة معاناة املريض‪ ،‬ويف اليوثنيزيا وضع حد‬
‫هلذه املعاناة رلة هبم‪.‬‬
‫‪ -7‬العامل االقتصادي (املادي) ‪Economics‬‬
‫يقولون‪ :‬إن التخلص من بعض املرضى فيه توفري مادي على اجملتمع والدولة‪.‬‬
‫‪ -3‬منطق العقوبة ‪Punishment‬‬
‫يقولـون‪ :‬مـن الواجــب ختلـيص اجملتمـع مــن احلشـائش الضـارة‪ ،‬ويســتدلون علـى ذلـك مبــرض‬
‫اإليدز (‪.)1‬‬
‫أمـا مــن الوجهــة الشــرعية فقــد أمجــع أهــل العلـم ممــن تعرضـوا هلــذه املســألة علــى حرمــة القتــل‬
‫شــفقةً ألنــه اعتــداءٌ علــى حـ ِاـق هللا تعــاىل يف احليــاة الــيت وهبهــا لإلنســان‪ ،‬وألن الصــرب علــى األمل‬
‫مطلوب شرعاً‪ ،‬وهو تعبريٌ عن رضى العبد بقضاء هللا وقدره‪ ،‬وقد ضرب القرآن الكرمي مثالً على‬ ‫ٌ‬
‫هــذا مــن صــرب نـ هللا أيــوب عليــه الســالم الــذي ابــتاله هللا عزوجــل بــاملرض واآلالم املربحــة لفــرتة‬
‫طويلــة مــن الــزمن فصــرب علــى مرضــه وآالمــه حــىت جــاءه الفــرج مــن عنــد هللا عزوجــل وقــد حبــث‬
‫الســلبية‪ ،‬وذلــك عنــد حبــثهم احلالــة الــيت‬
‫الفقهــاء القــدامى مــا يســمى يف الق ـوانني احلديثــة باجلرميــة َّ‬
‫بعضـهم هـذا‬ ‫ـخص عـن إرشـاد شـخص أعمـى‪ ،‬ويرتكـه ليقـع يف بئـر فيمـوت‪ ،‬واعتـرب ُ‬ ‫ميتنع فيهـا ش ٌ‬
‫الشخص قاتالً بالرغم من عدم قيامـه بـأي دور إجيـايب‪ ،‬وكـذلك فعلـوا جتـاه الشـخص الـذي يـرتك‬
‫ط فيموت‪.‬‬ ‫اللقي م‬
‫ويف العصـر احلاضـر فــإن اجملمـع الفقهـي اإلســالمي يف دورتـه السـابعة املنعقــدة يف جـدة مــن‬
‫‪ 14 – 1‬أيار‪/‬مــايو ‪1112‬م يف ق ـراره (رقــم‪ )11/5/61‬قــد قــرر رفضــه بشــدة ملــا يســمى قتــل‬
‫(‪http://www.islam-online.net/iol-arabic/dowalia/scince-26/scince3.asp )1‬‬
‫‪114‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫الرلـة‪ ،‬بـأي حـال مـن األحـوال‪ ،‬وأن العــالج يف احلـاالت امليئـوس منهـا خيضـع للتـداوي والعــالج‬
‫واألخــذ باألســباب الــيت أودعهــا هللا عزوجــل يف الكــون‪ ،‬وال جيــوز شــرعاً اليــأس مــن روح هللا أو‬
‫القنـوط مـن رلتــه‪ ،‬بـل ينبغـي بقــاء األمـل بالشــفاء بـإذن هللا تعـاىل‪ ،‬وعلــى األطبـاء وذوي املرضــى‬
‫تقوية معنويات املريض ورعايته وختفيف آالمـه النفسـية والبدنيـة‪ ،‬بصـرف النظـر عـن توقـع الشـفاء‬
‫أو عدمه‪.‬‬
‫وعلى هذا فال جيوز للمريض إهناء حياتـه بنفسـه ألنـه يـُ مع ُّـد منتحـراً‪ ،‬وال جيـوز لــه أن يطلـب‬
‫ذلــك مــن الطبيــب كمــا أن الطبيــب الــذي يســاعد املـريض علــى إهنـاء حياتــه يكــون آمثـاً‪ ،‬وتطبَّــق‬
‫حب ِاقه أحكـام القتـل العمـد كمـا ذكرنـا آنفـاً‪ ..‬هـذا مـع تـذكري األطبـاء بضـرورة االجتهـاد يف خدمـة‬
‫املـ ـريض وف ــق القواع ــد الطبي ــة املتع ــارف عليه ــا‪ ،‬م ــع تق ــوى هللا يف ذل ــك كل ــه‪ ،‬واستحض ــار الني ــة‬
‫اخلالصـة مبنفعـة املـريض وختفيـف آالمــه حـىت آخـر رمـق مـن حياتــه‪ ،‬وإذا غلـب علـى ظـن الطبيــب‬
‫أن حجب الدواء أو العالج عن املريض ال يقدم له نفعاً وال يدفع عنه ضراً جاز له ذلك‪ ،‬وأمـره‬
‫إىل هللا‪ ،‬وأما من الوجهة القانونية فعليه أن يدون يف ملف املريض حيثيات اجتهاده‪..‬‬

‫الرد على من يقول ةدواز قتل الرمحة‬ ‫َّ‬


‫وللرد على األدلة اليت استدل هبا اجمليزون لقتل الرلة‪ ،‬نقول بأن هناك آثار سيئة يف تقنني‬
‫القتل الرحيم على مهنيت الطب والتمريض منها‪:‬‬
‫‪ -1‬فقــدان املصــداقية (الثقــة) بــني املـريض مــن جهــة وأســرة الطــب والتمـريض مــن جهــة أخــرى‪،‬‬
‫فمثالً‪ :‬قد ميانع املريض يف دخول املستشفى‪ ،‬وقد يشك يف ما يقدم إليه من عالج‪.‬‬
‫‪ -2‬حتول دور الطبيب من اإلبقاء (احلفاظ) على احلياة إىل التحكم يف الوفاة‪.‬‬
‫‪ -3‬تق ــويض فلس ــفة التعل ــيم الط ـ م ــن األس ــاس‪ ،‬فتفق ــد مهن ــة الط ــب قيمته ــا إذا أص ــبح قت ــل‬
‫املريض هو احلل األمثل‪.‬‬
‫‪ -4‬التقليل واإلضعاف من قيمة احلياة‪.‬‬
‫ويكون البديل لقتل الرمحة بـ‬
‫‪ -1‬التوســع يف إنشــاء أمكنــة االستضــياف ‪ Hospics‬وإحيــاء دورهــا وحتويلهــا مبــان مــن الطــوب‬
‫إىل أمــاكن حتــوي كفــاءات ومهــارات ختصصــية تقصــد إىل رفــع األذى عــن أصــحاب العلــل‬
‫املستعصية والتخفيف عنهم ما أمكن‪.‬‬
‫وكذلك دورها من أماكن يقصدها الناس قبيل موهتم‪ ،‬إىل أماكن يكتشف فيها‬
‫اإلنسان كوامن نفسه وطاقاته وعالقاته مع اخللق واخلالق‪.‬‬
‫‪115‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪ Multidisciplinary‬لإلشـ ـراف‬ ‫اجمل ــاالت‪Approach‬‬ ‫‪ -2‬إع ــداد فري ــق م ــن املتخصص ــني يف ش ــىت‬
‫والقيام بأعباء العناية يف أماكن االستضافة هذه‪.‬‬
‫‪ -3‬تطــوير العــالج التســكيين ‪ :Palliative Care‬كاألدويــة والعــالج الطبيعــي واإلبــر الصــينية‪...‬‬
‫اخل‪.‬‬
‫‪ -4‬التعامــل مــع األمل بشــمولية ‪ Holistic Approach‬ول ـ مل أبعــاد جســدية ونفســية واجتماعيــة‬
‫وروحية‪.‬‬
‫‪ -5‬مراعــاة أن يكــون العــالج املقــدم ممــا ال يشــكل عبئـاً فيزيقيمــا طبيعيمــا أو ماليمــا علــى امل ـريض‪..‬‬
‫‪.Burdensome‬‬
‫‪ -6‬التواصــل واملشــورة ‪ :Communication / Counseling‬ضــرورة التحــدث إىل املرضــى وذويهــم‬
‫وشــرح عللهــم ودور الــدواء يف التعامــل مــع األع ـراض واآلالم الــيت تــؤرقهم‪ ،‬وهــذا مــن شــأنه‬
‫تنمية شخصياهتم وإعادة الثقة بالنفس ‪ Self Esteem‬وتقويـة عامـل الثقـة بـني املـريض وطبيبـه‬
‫وطرد الكثري من األوهام واخلرافات‪.‬‬
‫‪ -1‬عدم إكراههم على الطعام والشـراب‪ ،‬فيكفـيهم يف العـادة القليـل مـن هـذا وذاك‪ ،‬عـن عقبـة‬
‫بن عامر ‪ ‬قال‪ :‬قال رسـول هللا صـلى هللا عليـه وسـلم‪ " :‬ال تكرهـوا مرضـاكم علـى الطعـام‬
‫والشراب فإن هللا يطعمهم ويسقيهم " (‪.)1‬‬
‫‪ -2‬الــدعم املعنــوي والروح ــي ‪ :Moral/Spiritual Support‬وذلــك بإعطــاء امل ـريض فســحة م ــن‬
‫األمل‪ ،‬فحىت مرضى السرطان املنتشر يف مراحله األخرية أحياناً يفاجئون الطبيب املعاجل مبا‬
‫مل يكون يف حسبانه من حتسن‪ ،‬ورمبا عاشوا شهوراً أو أعواماً على غري املتوقع‪.‬‬
‫قال رسول هللا صـلى هللا عليـه وسـلم‪ " :‬إذا دخلـتم علـى املـريض فنفسـوا لـه يف األجـل‪،‬‬
‫فإن ذلك ال يرد شيئاً‪ ،‬وهو يطيب نفس املريض " (‪.)2‬‬
‫‪ -1‬االهتمــام بأقــارب امل ـريض وأصــدقائه‪ ،‬وذلــك بالتحــدث إلــيهم وشــرح الغــامض مــا أمكــن‬
‫وإظهــار التعــاطف الوجــداين‪ ،‬وكــذلك املســاعدة املاديــة مــا أمكــن‪ ،‬وكــل مــا مــن شــأنه أن‬
‫خيفف عنهم وجيرب خاطرهم ويعزيهم يف مصاهبم(‪.)3‬‬
‫)‪ (1‬أخرجه ابـن ماجـة يف الطـب بـاب ال تكرهـوا املـريض علـى الطعـام (‪ ،1140/2 )3444‬والرتمـذي يف الطـب بـاب مـا‬
‫جاء ال تكرهوا مرضاكم‪ ،324/4 )2040( ...‬واحلاكم يف مستدركه (‪ 501/1 )1216‬وقال هـذا حـديث صـحيح‬
‫على شرط مسلم ومل خيرجاه‪.‬‬
‫)‪ (2‬سبق ختريج احلديث‪.‬‬
‫)‪ (3‬قالوا القتل رلة‪ :‬د‪ .‬عبد اجلبار دية‬
‫‪116‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫(‪)1‬‬
‫فتوى للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي يف املوضوع‬
‫ولفض ــيلة الش ــيخ ال ــدكتور يوس ــف القرض ــاوي فت ــوى يف موض ــوع قت ــل الرل ــة نورده ــا كم ــا‬
‫جاءت ففيها تفصيل ال جيوز لنا اختصاره أو حذف بعض عباراته فيقول حفظه هللا ‪:‬‬
‫تيسري املوت الفعال‬
‫يتخذ الطبيب إجراءات فعالة إلهناء حياة املريض‪.‬‬
‫أمثلة‬
‫‪ -1‬مريض مصاب بالسرطان يعاين من األمل واإلغماء ويعتقد الطبيب بأنه سيموت بـأي حـال‬
‫من األحوال ويعطيه جرعة عالية من عالج قاتل ل مل الذي يوقف تنفسه‪.‬‬
‫‪ -2‬مـريض يف حالــة إغمــاء لفــرتة طويلــة مــثالً بعـد إصــابته بالتهــاب الســحايا أو بإصــابة شــديدة‬
‫يف رأســه‪ ،‬ومــن املمكــن أن يبقــى حي ـاً باســتعمال منفســة (جهــاز إنعــاش) ويعتقــد الطبيــب‬
‫بعــدم وجــود أي أمــل بشــفائه‪ ،‬واملنفســة تضــخ اهلـواء للـرئتني‪ ،‬وتــدمي تنفســه " أتوماتيكيــا "‪،‬‬
‫فإذا ما أوقف املنفسة لن يتمكن املريض من إدامة تنفسـه‪ ،‬فمـن املمكـن إبقـاء هـذا املـريض‬
‫حي ـاً بواســطة هــذه املنفســة الصــناعية الــيت تــدمي فعالياتــه احليويــة‪ ،‬ولكــن لكــل االعتبــارات‬
‫األخــرى يعتــرب مثــل هــذا امل ـريض " ميت ـاً " وغ ـري قــادر علــى الســيطرة علــى وظائفــه وإيقــاف‬
‫هذه املنفسة يعترب تيسرياً فعاالً للموت‪.‬‬
‫تيسري املوت املنفعل‬
‫هنا ال تتخذ خطوات فعالة إلهناء حياة املريض بل يرتك للمرض أن يأخذ أدواره بدون‬
‫إعطاء املريض أي عالج إلطالة حياته‪.‬‬
‫أمثلة‬
‫‪ -1‬مريض هنائي بالسرطان أو اإلغماء من إصابة بالرأس أو التهاب سـحائي وال يرجـى شـفاؤه‬
‫منــه‪ ،‬ومصــاب بالتهــاب الرئــة الــيت إن مل تعــاجل – وهــي ممكنــة العــالج – ميكــن أن تقتــل‬
‫املريض وإيقاف العالج من املمكن أن يعجل مبوت املريض‪.‬‬
‫‪ -2‬طفــل مشــوه تشــويهاً شــديداً بتصــلب أشــرم – شــوكة مشــقوقة – أو بشــلل خمــي ميكــن أن‬
‫يرتك من دون عالج إذا أصيب بالتهاب الرئتني أو بالتهاب السحايا‪ ،‬وميكن ميـوت الطفـل‬
‫من هذه االلتهابات‪.‬‬

‫( ‪) http://www.islam-online.net/iol-arabic/dowalia/scince-26/scince3.asp‬‬
‫)‪ (1‬فتاوي معاصرة‪ :‬الدكتور يوسف القرضاوي ‪.521 – 525/2‬‬
‫‪111‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫والتصـلب األشــرم – الشــوكة املشــقوقة – هــي حالــة غــري طبيعيــة للعمــود الفقــري تــؤدي إىل‬
‫شــلل الســاقيني وفقــدان الســيطرة علــى املثانــة واألمعــاء الغليظــة والطفــل املـريض هبــذا الــداء يكــون‬
‫مشلوالً حيتاج إىل عناية خاصة طيلة حياته‪.‬‬
‫أمــا الشــلل املخــي فهــي حالــة تلــف يف املــخ خــالل الــوالدة تســبب ختلف ـاً عقلي ـاً وشــلالً يف‬
‫األط ـراف ب ــدرجات متفاوت ــة‪ ،‬ومث ــل ه ــذا الطف ــل يك ــون مش ــلوالً جس ــمياً وعقلي ـاً وحيت ــاج لعناي ــة‬
‫خاصة طيلة حياته‪.‬‬
‫يف األمثلــة الســابقة " إيقــاف العــالج " هــو نــوع مــن أن ـواع تيســري املــوت املنفعــل وبصــورة‬
‫عامــة ال يعــيش هــؤالء األطفــال عمـراً طــويالً‪ ،‬وإيقــاف العــالج وتيســري املــوت املنفعــل مينــع إطالــة‬
‫معاناة الطفل املريض أو والديه‪.‬‬
‫األسئلة‬
‫‪ -1‬هل تيسري املوت الفعال مسموح به يف اإلسالم ؟‬
‫‪ -2‬هل تيسري املوت املنفعل مسموح به يف اإلسالم ؟‬
‫تيسري املوت الفعال‬
‫‪ -1‬تيســري امل ــوت الفع ــال يف املث ــال رق ــم (‪ )1‬ال جيــوز ش ــرعاً‪ ،‬ألن في ــه عم ـالً إجيابي ـاً م ــن‬
‫الطبيب بقصد قتل املريض‪ ،‬والتعجيل مبوته‪ ،‬بإعطائه تلك اجلرعـة العاليـة مـن الـدواء املتسـبب يف‬
‫املوت‪ ،‬فهو قتل على أي حال‪ ،‬سواء كان هبذه الوسـيلة أم بإعطـاء مـادة مسيـة سـريعة التـأثري‪ ،‬أم‬
‫بصــعقة كهربائيــة أم بآلــة حــادة‪ ،‬كلــه قتــل‪ ،‬وهــو حمــرم‪ ،‬بــل هــو مــن الكبــائر املوبقــة‪ ،‬وال يزيــل عنــه‬
‫صــفة القتــل أن دافعــه هــو الرلــة بــاملريض‪ ،‬وختفيــف املعانــة عنــه‪ ،‬فلــيس الطبيــب أرحــم بــه ممــن‬
‫خلقه‪ ،‬وليرتك أمره إىل هللا تعاىل‪ ،‬فهو الـذي وهـب احليـاة لإلنسـان وهـو الـذي يسـلبها يف أجلهـا‬
‫املسمى عنده‪.‬‬
‫أما املثال رقـم (‪ )2‬مـن أمثلـة تيسـري املـوت الفعـال‪ ،‬فنـؤخر احلـديث عنـه بعـد احلـديث عـن‬
‫تيسري املوت املنفعل‪.‬‬
‫تيسري املوت املنفعل (بإيقاف العالج)‬
‫وأما تيسري املوت " بالطرق املنفعلة " كما يف السؤال‪ ،‬فإهنا تدور كلها سواء يف املثال‬
‫(‪ )1‬أم (‪ )2‬على " إيقاف العالج " عن املريض‪ ،‬واالمتناع عن إعطائه الدواء‪ ،‬الذي يوقن‬
‫الطبيب أنه ال جدوى منه‪ ،‬وال رجاء فيه للمريض‪ ،‬وفق سنن هللا تعاىل‪ ،‬وقانون األسباب‬
‫واملسببات‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫ومن املعروف لدى علماء الشرع‪ :‬أن العـالج أو التـداوي مـن األمـراض لـيس بواجـب عنـد‬
‫مجـاهري الفقهـاء‪ ،‬وأئمـة املـذاهب‪ ،‬بـل هـو يف دائـرة املبـاح عنـدهم‪ ،‬وإمنـا أوجبـه طائفـة قليلـة‪ ،‬كمــا‬
‫قالـ ــه بعـ ــض أصـ ــحاب الشـ ــافعي وألـ ــد‪ ،‬كمـ ــا ذكـ ــر شـ ــيخ اإلسـ ــالم ابـ ــن تيميـ ــة(‪ ،)1‬وبعضـ ــهم‬
‫استحبه(‪.)2‬‬
‫بــل قــد تنــازع العلمــاء‪ :‬أيهمــا أفضــل‪ :‬التــداوي أم الصــرب؟ فمــنهم مــن قــال‪ :‬الصــرب أفضــل‪،‬‬
‫حلديث ابن عباس يف الصحيح عن اجلارية اليت كانت تصـرع – يصـيبها الصـرع – وسـألت النـ‬
‫صــلى هللا عليــه وســلم أن يــدعو هلــا‪ ،‬فقــال‪ " :‬إن أحببــت أن تصــربي ولــك اجلنــة‪ ،‬وإن أحببــت‬
‫دعــوت هللا أن يشــفيك " فقالــت‪ :‬بــل أصــرب‪ ،‬ولكــين أتكشــف‪ ،‬فــادع هللا يل أال أتكشــف‪ ،‬فــدعا‬
‫هلا أال تتكشف(‪.)3‬‬
‫وألن خلقـاً مــن الصــحابة والتــابعني مل يكونـوا يتــداوون‪ ،‬بــل فــيهم مــن اختــار املــرض‪ ،‬كــأيب‬
‫بن كعب‪ ،‬وأيب ذر – رضي هللا عنهما – ومع هذا فلم ينكر عليهم ترك التداوي(‪.)4‬‬
‫وقد عقد اإلمام أبو حامد الغـزايل يف " كتـاب التوكـل " مـن " اإلحيـاء " بابـاً يف الـرد علـى‬
‫من قال‪ :‬ترك التداوي أفضل بكل حال(‪.)5‬‬
‫ه ــذا ه ــو رأي فقه ــاء األم ــة يف الع ــالج أو الت ــداوي للم ـريض‪ ،‬ف ــأكثرهم جيعلون ــه م ــن قس ــم‬
‫املباح‪ ،‬وأقلهم جيعلونه من املستحب‪ ،‬واألقل منهم جيعلونه واجباً‪.‬‬
‫وأنـا مــع الـذين يوجبونــه يف حالـة مــا إذا كــان األمل شـديداً‪ ،‬والــدواء ناجعـاً‪ ،‬والشــفاء مرجـوا‬
‫منه وفق سنة هللا تعاىل‪.‬‬
‫وهو املوافـق هلـدي النـ صـلى هللا عليـه وسـلم الـذي تـداوى وأمـر أصـحابه بالتـداوي‪ ،‬كمـا‬
‫ذكــر ذلــك ابــن القــيم يف هديــه صــلى هللا عليــه وســلم " يف زاد املعــاد " (‪ )6‬وأد مــا يــدل عليــه‬
‫ذلك هو السنية واالستحباب‪.‬‬

‫)‪ (1‬الفتاوي الكربى البن تيمية ‪260/4‬ط‪ ،‬مطبعة كردستان العلمية بالقاهرة‪.‬‬
‫)‪ (2‬انظــر املراجــع التاليــة‪ :‬البحــر الرائــق ‪ ،231/2‬تبيــني احلقــائق ‪ ،32/6‬حاشــية ابــن عابــدين ‪ ،311/4‬الفواكــه الــدواين‬
‫‪ ،214/2‬مواهـ ــب اجلليـ ــل ‪ ،425/2‬اإلقنـ ــاع ‪ ،201/1‬حاشـ ــية البجريمـ ــي ‪ ،442/1‬مغـ ــين احملتـ ــاج ‪ ،351/1‬املغـ ــين‬
‫‪ ،106/1‬شرح منتهى اإلرادات ‪.341/1‬‬
‫)‪ (3‬رواه البخاري يف كتاب املرضى باب ما فضل من يصرع من الريح (‪.2140/5 )5322‬‬
‫)‪ (4‬الفتاوي الكربى البن تيمية ‪260/4‬ط‪.‬‬
‫)‪ (5‬انظر‪ :‬إحياء علوم الدين ‪ 210/4‬وما بعدها‪.‬‬
‫)‪ (6‬زاد املعاد يف هدي خري العباد‪ :‬ابن القيم اجلوزية ‪.10/4‬‬
‫‪111‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫ومـن هنـا يكــون العـالج أو التـداوي حيــث يرجـى للمـريض الشــفاء مسـتحباً أو واجبـاً‪ ،‬أمــا‬
‫إذا مل يكن يرجى لـه الشـفاء‪ ،‬وفـق سـنن هللا يف األسـباب واملسـببات الـيت يعرفهـا أهلهـا وخرباؤهـا‬
‫من أرباب الطب واالختصاص‪ ،‬فال يقول أحد باستحباب ذلك فضالً عن وجوبه‪.‬‬
‫وإذا كــان تعـريض املـريض للعــالج بــأي صــورة كانــت – شـرباً أو حقنـاً أو تغذيــة بــاجللوكوز‬
‫وحن ــوه‪ ،‬أو توص ــيالً ب ــأجهزة الت ــنفس واإلنع ــاش الص ــناعي‪ ،‬أو غ ــري ذل ــك مم ــا وص ــل إلي ــه الط ــب‬
‫احلديث‪ ،‬ومما قد يصل إليه بعد – يطيل عليه مدة املـرض‪ ،‬ويبقـى عليـه اآلالم زمنـاً أطـول‪ ،‬فمـن‬
‫باب أوىل أال يكون ذلك واجباً وال مستحباً‪ ،‬بل لعل عكسه هو الواجب أو املستحب‪.‬‬
‫فهــذا النــوع مــن تيســري املــوت – إن صـحت التســمية – ال ينبغــي أن يــدخل يف مســمى "‬
‫قتــل الرلــة "‪ ،‬لعــدم وجــود فعــل إجيــايب مــن قبــل الطبيــب‪ ،‬إمنــا هــو تــرك ألمــر لــيس بواجــب وال‬
‫مندوب‪ ،‬حىت يكون مؤاخذاً على تركه‪.‬‬
‫وهو إذن أمر جائز ومشروع‪ ،‬إن مل يكن مطلوباً‪ ،‬وللطبيب أن ميارسه‪ ،‬طلباً لراحة املريض‬
‫وراحة أهله‪ ،‬ال حرج عليه إن شاء هللا‪.‬‬
‫تيسري املوت بإيقاف أجهزة اإلنعاش‬
‫بق ــى اجلـ ـواب ع ــن املث ــال الث ــاين يف الن ــوع األول‪ ،‬ال ــذي اعت ــربه السـ ـؤال م ــن تيس ــري امل ــوت‬
‫بــالطرق الفعالــة ال املنفعلــة‪ ،‬وهــو يقــوم علــى إيقــاف املنفســة الصــناعية أو مــا يســمونه " أجهــزة‬
‫اإلنعــاش الصــناعي " عــن امل ـريض‪ ،‬الــذي يعتــرب يف نظــر الطــب " ميتــاً " أو يف " حكــم امليــت "‬
‫وذلك لتلف جذع الدماغ‪ ،‬أو املخ‪ ،‬الذي به حييا اإلنسان وحيس ويشعر‪.‬‬
‫وإذا كــان عمــل الطبيــب جمــرد إيقــاف أجهــزة العــالج‪ ،‬فــال خيــرج عــن كونــه ترك ـاً للتــداوي‪،‬‬
‫شأنه شأن احلاالت األخرى‪ ،‬الذي مساها " الطرق املنفعلة "‪.‬‬
‫ومــن أجــل ذلــك أرى إخ ـراج هــذه احلالــة وأمثاهلــا عــن دائــرة النــوع األول " تيســري املــوت‬
‫بالطرق الفعالة " وإدخاهلا يف النوع اآلخر‪.‬‬
‫وبنــاء علــى ذلــك يكــون هــذا أمـراً مشــروعاً وال حــرج فيــه أيضـاً‪ ،‬وخباصــة أن هــذه األجهــزة‬
‫تبقــى عليــه هــذه احليــاة الظاهريــة – املتمثلــة يف التــنفس والــدورة الدمويــة – وإن كـان املـريض ميتـاً‬
‫بالفعل‪ ،‬فهو ال يعي وال حيس وال يشعر‪ ،‬نظراً لتلف مصدر ذلك كله وهو املخ‪.‬‬
‫وبقاء املريض على هذه احلالة يتكلف نفقات كثرية دون طائل‪ ،‬وحيجز أجهزة حيتاج إليهـا‬
‫غريه‪ ،‬ممن جيدي معه العالج‪ ،‬وهـو – وإن كـان ال حيـس – فـإن أهلـه وذويـه يظلـون يف قلـق وأمل‬
‫ما دام على هذه احلالة‪ ،‬اليت قد تطول إىل عشر سنوات أو أكثر!‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫وقــد ذكــرت هــذا الـرأي منــذ ســنوات أمــام مجــع مــن الفقهــاء واألطبــاء يف أحــد اجتماعــات‬
‫الندوة اليت تقيمها بني احلني واحلني " املنظمة اإلسالمية للعلوم الطبيـة " بالكويـت‪ ،‬فلقـي قبـول‬
‫احلاضرين من أهل الفقه وأهل الطب‪.‬‬
‫واحلمد هلل الذي هدانا هلذا وما كنا لنهتدي لوال أن هدانا هللا‪.‬‬
‫فتوى بشأن أجهزة اإلنعاش رقم القرار (‪ )2‬د ‪26/12/3‬‬
‫إن جملــس جممــع الفقــه اإلســالمي املنعقــد يف دورة م ـؤمتره الثالــث بعمــان عاصــمة اململكــة‬
‫األردنيــة اهلاةيــة مــن ‪ 2‬إىل ‪ 13‬صــفر ‪1401‬هـ ـ ‪ 11‬إىل ‪16‬أكتــوبر ‪1126‬م‪ ،‬بعــد تداولــه يف‬
‫س ــائر الن ـواحي ال ــيت أث ــريت ح ــول موض ــوع أجه ــزة اإلنع ــاش واس ــتماعه إىل ش ــرح مس ــتفيض م ــن‬
‫األطباء املختصني قرر ما يلي‪-:‬‬
‫يعتــرب شــرعاً أن الشــخص قــد مــات وترتتــب عليــه مجيــع األحكــام املقــررة شــرعاً للوفــاة عنــد‬
‫ذلك إذا تبينت فيه إحدى العالمتني التاليتني‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً وحكم األطباء بأن هذا التوقف ال رجعة فيه‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا تعطلت مجيع وظائف دماغه تعطالً هنائيـاً وحكـم األطبـاء االختصاصـيون اخلـرباء بـأن‬
‫هذا التعطل ال رجعة فيه‪ ،‬وأخذ دماغه يف التحلل‪.‬‬
‫ويف هذه احلالة يسـوغ رفـع أجهـزة اإلنعـاش املركبـة علـى الشـخص وإن كـان بعـض األعضـاء‬
‫كالقلب مثالً ال يزال يعمل آلياً بفعل األجهزة املركبة‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫مت حبمد هللا‬

‫‪121‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫حمتويات الكتاب‬

‫الصفحة‬ ‫امل ـ ـ ـ ـ ــوض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوع‬


‫‪2‬‬ ‫املقدمة‬
‫الفصل األول‪ :‬حقيقة فقه النوازل‬
‫‪6‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬مفهوم فقه النوازل‬
‫‪12‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬أقسام النوازل‬
‫‪15‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬فوائد العلم بفقه النوازل‬
‫‪11‬‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬االجتهاد والنظر يف النوازل‬
‫‪34‬‬ ‫املبحث اخلامس‪ :‬ضوابط االجتهاد يف النوازل‬
‫‪42‬‬ ‫املبحث السادس‪ :‬مظان فقه النوازل‬
‫‪53‬‬ ‫املبحث السابع‪ :‬التعريف هبيئات االجتهاد اجلماعي‬
‫الفصل الثاين‪ :‬دراسات عينات لبعض النوازل‬
‫‪63‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬اعتماد احلساب الفلكي يف حتديد أوائل الشهور‬
‫القمرية‬
‫‪15‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬مصرف يف سبيل هللا‬
‫‪25‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬زواج املسيار‬
‫‪15‬‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬اجهاض اجلنني‬
‫‪102‬‬ ‫املبحث اخلامس‪ :‬قتل الرلة‬

‫‪122‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪123‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪124‬‬
‫فقه النوازل المعاصرة‬

‫‪125‬‬

You might also like