Professional Documents
Culture Documents
الخاتمة:
يعتبر الحكم الجزائي محورا تدور في فلکه جميع موضوعات القانون والفكر الجنائيين وذلك بسبب
ارتباطه ارتباطا وثيقا بمختلف العلوم الجنائية ،لكونه مظهرا من مظاهر السلطة الفعلية ،و العلمية
للقانون ،و يلعب دورا كبيرا في صيانة الحقوق ،و المصالح و تحقيق األمن و اإلستقرار في المجتمع.
فغاية الدعوى هو الوصول إلى حكم حاسم لها حاز لقوة إنهائها ،و تنفيذ ما يقضي به هو واجهة
الممارسة الفعلية لمطلب العدالة ،و هو يعكس مدى قوة الدولة ووجودها وبسط سيادتها ،فيكفي صدوره
باسم الشعب ،و هو يعد الكلمة النهائية للمحكمة في النزاع المعروض عليها،و قد حدد القانون عددا من
القواعد التي يلزم صدور الحكم وفقا لمقتضاه ،و ذلك حفاظا على التطبيق السليم للقانون ،و حماية
حقوق الناس و حفاظا عليها .ومن خالل ما سبق نطرح التساؤل المتمثل في ماهية األحكام الجزائية
وطرق الطعن؟
يختلف تعريف الحكم الجزائي سواء من اللغة ( الفرع األول )أو الفقه ( الفرع الثاني ).
حكم ،حكما و حكومة باألمر للرجل أو عليه أو بينهم قضى و فصل وحكم بإدانة شخص اعتبره
1
مذنبا وأدانه ،حكم ببرائته ،برأه ،و حكم البالد:تولى شؤونها".
تحكم في األمر:حكم فيه و فصل برأي نفسه ...تصرف فيه وفق مشيئته.
- 1جبران مسعود الرائد ،معجم لغوي عصري ،دار العلم للماليين ،لبنان،2001 ،ص498
لقد أطلق الفقهاء على مصطلح "الحكم" عدة تعاريف و ذلك نظرا ألهميته البالغة بصفته غاية
2
الدعوى الجزائية.
الحكم الجزائي بمعناه الواسع عبارة عن كل قرار صادر من جهة قضائية عادية أو استثنائية أو
خاصة ذات والية خاصة بالنسبة لذلك القرار ،والتعريف السائد في الفقه هو أنه عبارة عن قرار
تصدره المحكمة في خصومة مطروحة عليها طبقا للقانون فصال في موضوعها أو في مسألة يتعين
3
حسمها قبل الحسم في الموضوع.
ويعرفه البعض اآلخر على أنه نطق الزم و علني يصدر من القاضي كي يفصل به في خصومة
و الحكم في المعنى الضيق و الدقيق هو كل قرار تصدره المحكمة في الدعوى العمومية عند نظرها
تقسم األحكام الجزائية إلى عدة أقسام ،و ذلك حسب الزاوية التي تنطلق منها نظرتنا إلى الحكم،إذ
تقسم األحكام من حيث صدورها في مواجهة المحكوم عليه أو في غيبته إلى أحكام حضورية و غيابية
و اعتبارية ( الفرع األول ) وتنقسم من حيث موضوعها و مدى فصلها في الخصومة الجنائية ،إلى
أحكام فاصلة في الموضوع ،و أحكام سابقة عن الفصل في الموضوع (الفرع الثاني ) أما من حيث
قابليتها للطعن فتنقسم إلى أحكام ابتدائية و أحكام نهائية ( الفرع الثالث ).
- 2فؤاد إبرام البستاني ،منجد الطالب ،معجم لغوي ،دار المشرق ،الطبعة السابعة واألربعون ،بيروت،2000 ،ص134
- - 3محمود نجيب حسني ،شرح قانون إجراءات جنائية ،الطبعة الثانية ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،ص ،ص 278،279سليمان
هادي،الطعن بالنقض في األحكام الجزائية في التشريع الجزائري ،مذكرة ماستر ،تخصص قانون جنائي ،جامعة محمد خيضر بسكرة،
،2015ص6
يقضي األصل بانعقاد المحاكمة في حضور المتهم ،و ذلك لكي تتيح له الفرصة للدفاع عن نفسه ،و
لعدم إطالة اإلجراءات ،واتجه المشرع إلى افتراض حضور المتهم ،بحيث يوجد أحكام حضورية و
4
أحكام غيابية و أحكام حضورية اعتبارية".
يحرص المشرع الجزائري في المادة الجزائية على صدور األحكام الجزائية ضد المتهمين في
مواجهتهم و بحضورهم ،وذلك حتى يتمكن القاضي من تقدير العقوبة المالئمة للمتهم وشخصيته،إذ
يستلزم القانون في األصل الحضور الشخصي للمتهم في جميع إجراءات المحاكمة حتى يكون الحكم
5
عنوانا للحقيقة مع جواز حضوره عن طريق ممثله ،أو وكيله استثناء في األحوال التي يسوغ فيه ذلك.
من المتفق عليه فقها و قضاء أنه إذا حظر المتهم بنفسه جميع مراحل المحاكمة فإن الحكم يعتبر
حكما حضوريا ،حتى ولو غاب عن الجلسة التي خصصت للنطق بالحكم ،إذ أن العبرة في اعتبار
الحكم حضوريا أو غيابيا في حضور المتهم جلسات المحاكمة التي يجرى فيها إجراء من إجراءات
التحقيق النهائي ،كسماع الشهود أو االضطالع على األوراق األدلة ،أو سماع مرافعة الخصوم ،و
التي تتاح له فيها بناء على ذلك أن يقوم بدوره اإلجرائي الذي رسمه له القانون ،بأن يدافع عن نفسه
6
على أساس ما يسمع و يشاهد من أدلة ضدها.
- 4مقري أمال الطعن بالنقض في الحكم الجنائي الصادر باإلدانة ،مذكرة ماجستير تخصص قانون عقوبات وعلوم جنائية ،جامعة
منتوري،قسنطينة،2011 ،ص11
- 5أحمد شوقي الشلقاني ،مبادئ اإلجراءات الجزائية في التشريع الجزائري ،الجزء الثاني ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر،1999 ،
ص461
- 6محمد صبحي نجم أصول المحاكمات الجزائية ،المكتبة القانونية ،األردن،2000 ،ص492
يعد حضور إجراءات المحاكمة حقا جوهريا للمتهم بغية ممارسة حقه في الدفاع عن نفسه؛ كما
سبقنا الذكر ؛ كأصل عام ،إال أنه هناك من يرى أن حضوره ليس الزما دوما من جهة نظر
المحكمة ،و نظر بعض المتهمين الذين يرون في حضورهم إهانة و إذالال لهم وتناقضا مع قرينة
7
البراءة.
تصدر األحكام الغيابية في غياب الخصم أثناء جلسة المرافعة ،أو بعبارة أخرى األحكام التي
تصدرها الجهات القضائية غيابيا بسبب عدم توافر شيء يدل على أنه اتصل باالستدعاء ،على أن يبلغ
الحكم الصادر غيابيا للمعني شخصيا و أن له حق المعارضة في مهلة 10أيام من يوم تبليغ الشخص
تلك األحكام التي تصدر في حالة تكرار المتهم الغياب و ليس له حق المعارضة ،و له حق
اإلستئناف في مهلة 10أيام من تبليغ الشخص ،أو الموطن ،أو النشر في مقر المجلس الشعبي
البلدي ،أو النيابة العامة ،و هذا طبقا للمادة 418من قانون اإلجراءات الجزائية.
أراد المشرع الجزائري التخفيف من عيوب الحكم الغيابي لما يترتب عليه من فتح باب الطعن
بالمعارضة ،و بطء البت في الخصومات بين األفراد فأخذ بما يسمى باألحكام الحضورية اإلعتبارية
القاصرة على الجنح و المخالفات دون الجنايات ،و هي األحكام التي تصدر ضد المتهم الذي لم يحضر
جلسة المحاكمة رغم تبليغه شخصيا بالحضور،و يصدر في غياب المتهم الذي ال يحضر المحاكمة على
8
اإلطالق فهي عقاب قانوني.
- 7تاقة عبد الرحمان ،تنفيذ األحكام الجزائية في التشريع الجزائري ،مذكرة التخرج لنيل إجازة المعهد الوطني للقضاء ،الجزائر ،2004،ص
12
- 8بوشليق كمال ،النزاعات العارضة المتعلقة بتنفيذ األحكام الجزائية ،دار الخلدونية ،الجزائر،2014،ص17
الفرع الثاني :أنواع األحكام من حيث موضوعها
تنقسم األحكام من حيث موضوعها و تبعا لمدى حسمها و فصلها في الخصومة الجنائية إلى أحكام
9
فاصلة في الموضوع و أحكام سابقة عن الفصل فيه.
هي تلك األحكام التي تحسم الدعوى ،فتنهي النزاع بفصلها في جميع الطلبات المعروضة أمام
و هي األحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع و تتعلق بتنظيم إجراءات السير في الخصومة ،و
10
تنقسم األحكام الجزائية من حيث قابليتها للطعن إلى أحكام ابتدائية و أحكام نهائية و أحكام باتة.
يقصد بها تلك التي تصدر ابتدائيا من أول درجة ،أي من محكمة الدرجة األولى وتكون بدورها
قابلة لالستئناف ،و األحكام اإلبتدائية القابلة لالستئناف طبقا للمادة 416من قانون اإلجراءات الجزائية
-األحكام الصادرة في مواد الجنح إذا قضت بعقوبة حبس أو غرامة تتجاوز 20.000دينار بالنسبة
-األحكام الصادرة في مواد المخالفات القاضية بعقوبة الحبس بما في ذلك المشمولة بوقف التنفيذ.
- - 9عبد الرحمان خلفي ،اإلجراءات الجزائية في التشريع الجزائري و المقارن ،الطبعة الثانية ،دار بلقيس ،الجزائر ،2016 ،ص ص
380،381
هي تلك األحكام التي تصدر نهائيا وذلك بعد استئناف األحكام الجزائية اإلبتدائية الصادرة من
المحاكم ،أي األقسام الجزائية ،و يسمى قرارا ،و الحكم النهائي هو ذلك الحكم الذي ال يقبل الطعن
فيه باالستئناف ،كاألحكام التي تصدر من أول درجة ،لكن لم يتم ممارسة الطعن فيها و فوات الميعاد،
أو األحكام التي تصدر من محكمة الجنايات ألنه غير جائز استئنافه وهي تقبل الطعن بطريق النقض.
هي األحكام التي ال تقبل الطعن فيها بأي طريقة من طرق الطعن ،سواء كانت عادية أو غير
عادية ،ذلك بسبب عدم قابليتها للطعن ،أو فوات ميعادها ،أو استنفاذ طرق الطعن و التي ينص عليها
القانون ،وتعتبر سببا من أسباب انقضاء الدعوى العمومية،حيث يمنع من إعادة النظر في الدعوى
11
العمومية من جديد إال إذا ظهرت أدلة جديدة تبرر ذلك.
تعتبر المعارضة طريقا من طرق الطعن العادية التي تهدف إلى منع الحكم من حيازة حجية الشيء
إن المتهم الذي لم يحضر إجراءات المحاكمة لم يتمكن من تقديم دفاعه و بالتالي لم تستمع المحكمة
إلى حججه و يمكن أن يكون سبب تخلفه خارجا عن إرادته و من ثم فان الحكم ال يخضع إلى مبدأ
حضورية اإلجراءات و مادام التخلف عن الحضور خارجا عن إرادة المتهم فان القانون يرخص له
12
مواجهة هذا الحكم بالمعارضة.
- 12موجز األحكام العامة لإللتزام في القانون المدني المصري .د .محمد شكري سرور .دار الفكر العربي.
الفرع الثاني :في االستئناف:
يختلف االستئناف عن المعارضة من حيث أن الجهة المختصة بنظر القضية هي جهة عليا ويعتبر
االستئناف طريقا من طرق الطعن العادية الصالح الحكم عن طريق فحص جديد لموضوع القضية
بواسطة جهة قضائية عليا تطبيقا لمبدأ تعدد درجات التقاضي كما أنه وسيلة لمنع الحكم من حياز حجية
يفصل المجلس القضائي في االستئناف في مواد الجنح و المخالفات مشكال من ثالثة على األقل من
رجال القضاء.
ويقوم النائب العام أو أحد مساعديه بمباشرة مهام النيابة العامة وأعمال قلم الكتاب يؤديها كاتب
الجلسة.و إذا كان المستأنف محبوسا تنعقد الجلسة وجوبا خالل شهرين من تاريخ االستئناف
يتم الطعن بالنقض أمام المجلس األعلى ويتعلق بإصالح األخطاء القانونية التي ارتكبت أمام المحاكم
الدنيا.ويختلف الطعن بالنقض عن االستئناف من حيث أن المجلس األعلى غير مختص بإعادة النظر
في الوقائع التي استند إليها الحكم المطعون فيه وال يملك كذلك سلطة إجراء التحقيق أو سماع شهود و
إنما يجب عليه فقط البحث عما إذا كان الحكم المطعون فيه مطابقا للقانون وذلك تطبيقا لمبدأ أن محكمة
النقض (المحكمة العليا) محكمة قانون و ليست محكمة وقائع وأنها ال تشكل درجة ثالثة من التقاضي
ينصب التماس إعادة النظر على الحكم القضائي البات القاضي باإلدانة في موضوع جناية أو جنحة.
تنص المادة 531من قانون اإلجراءات الجزائية على أنه:13
ال يسمح بطلبات إعادة النظر إال بالنسبة للقرارات الصادرة عن المجالس القضائية أو األحكام
الصادرة عن المحاكم إذا حازت قوة الشيء المقضي فيه وكانت تقضي باإلدانة في جناية أو جنحة.
الخاتمة:
إن مبدأ الشرعية يوجب تعدد درجات التقاضي فإذا كانت القاعدة قابلية األحكام لالستئناف كنتيجة
لمبدأ المشروعية فان عدم قابلية أحكام محكمة الجنايات لالستئناف فيه إهدار لمبدأ المشروعية الذي
يقضي بوجوب منح المتهم وجهة االتهام فرصة إعادة النظر في الحكم أمام محكمة ثانية تعيد النظر في
الوقائع وتصحح األخطاء لذلك نرى أنه يجب إعادة النظر ف عدم قابلية أحكام محاكم الجنايات
لالستئناف وذلك بتقرير االستئناف فيها بالنظر إلى خطورة أحكامها وال يقلل من أهمية وجهة نظرنا
هذه كون محكمة الجنايات مشكلة من محلفين إذ بالنظر إلى طبيعتهم في تشكيل المحكمة وبالنظر إلى
قاعدة االقتناع الشخصي في إصدار األحكام فانه ال يمكن تفادي األخطاء المالزمة لهذه التشكيلة وما
-جبران مسعود الرائد ،معجم لغوي عصري ،دار العلم للماليين ،لبنان،2001 ،ص498
-فؤاد إبرام البستاني ،منجد الطالب ،معجم لغوي ،دار المشرق ،الطبعة السابعة واألربعون ،
بيروت.2000 ،
--محمود نجيب حسني ،شرح قانون إجراءات جنائية ،الطبعة الثانية ،دار النهضة العربية،
القاهرة ،ص ،ص 278،279سليمان هادي،الطعن بالنقض في األحكام الجزائية في التشريع
الجزائري ،مذكرة ماستر ،تخصص قانون جنائي ،جامعة محمد خيضر بسكرة.2015 ،
- 13المادة 531مكرر 01من قانون اإلجراءات الجزائية.
-مقري أمال الطعن بالنقض في الحكم الجنائي الصادر باإلدانة ،مذكرة ماجستير تخصص قانون
عقوبات وعلوم جنائية ،جامعة منتوري،قسنطينة.2011 ،
-أحمد شوقي الشلقاني ،مبادئ اإلجراءات الجزائية في التشريع الجزائري ،الجزء الثاني ،ديوان
المطبوعات الجامعية ،الجزائر.1999 ،
-محمد صبحي نجم أصول المحاكمات الجزائية ،المكتبة القانونية ،األردن.2000 ،
-تاقة عبد الرحمان ،تنفيذ األحكام الجزائية في التشريع الجزائري ،مذكرة التخرج لنيل إجازة
المعهد الوطني للقضاء ،الجزائر .2004،
-بوشليق كمال ،النزاعات العارضة المتعلقة بتنفيذ األحكام الجزائية ،دار الخلدونية ،الجزائر،
.2014
--عبد الرحمان خلفي ،اإلجراءات الجزائية في التشريع الجزائري و المقارن ،الطبعة الثانية،
دار بلقيس ،الجزائر.2016 ،
-موجز األحكام العامة لإللتزام في القانون المدني المصري .د .محمد شكري سرور .دار الفكر
العربي.
-المادة 531مكرر 01من قانون اإلجراءات الجزائية.