Professional Documents
Culture Documents
لجنة المناقشة:
ئيسا.
ر ً .1أ .صدارة حممد
مقررا.
مشرفًا و ً .2أ .بسعود حليمة
مناقشا.
ً .3أ .حجاج مليكة
املوسم اجلامعي 2018/2017:
شكر وعرفان
إنه ليقودنا شرف الوفاء واالعرتاف جبميل النبل ،بعد أن ختمنا بتوفيق وفتح من
اهلل سبحانه وتعاىل ،مشو ًارا من البحث واجلد واملثابرة .أن نتقدم بتوجيه عظيم الشكر
وخالص االمتنان إىل األستا ة الفاضلة:
بسعود حليمة
اليت تقبلت بصدر رحب ،وبال تردد ،اإلشراف على هذه املذكرة ومل تبلل علينا
بتقدمي يد العون واملساعدة.
وقد استفدنا كثريا من توجيهاهتا النرية ونصائحها القيمة إلمتام هذه املذكرة ،بل
وكانت حريصة أكثر منا على إجنازه يف أقرب وقت .وأدعو اهلل أن جيازيها عنا خري
اجلزاء.
كما نتقدم كذلك جبزيل الشكر والعرفان لكل من ساعدنا من قريب أو من بعيد
يف حتضري وإجناز وطبع هذا العمل املتواضع ولو بدعاء يسري
إهداء
إىل اليت بعثت من ضعفها قوة ،ومن أنوثتها رجال
إىل هبجة القلب وهبة الرب وكمال الود وصفاء احلب
إىل من سهرت االيام ،وصربت ألنال وتعبت ألرتاح
إلى أمي الحنون
إىل الذي تعب وشقى
إىل من جعلين رجال
إىل من وجهين إىل طاعة خالقي.
إلى والدي الكريم.
إىل أخويت وأخوايت
إىل كافة األقارب واألصدقاء واألحباب
إىل مجيع الزمالء من االبتدائي إىل اجلامعة
محمد األمين
إهداء
إىل رمز الوفاء وفيض السلاء وجود العطاء عند البالء
إىل من قال فيها الرسول صلى اهلل عليه وسلم اجلنة حتت أقدام األمهات
إىل اليت سهرت الليايل من اجل راحيت وأضاءت يل الدرب بالشموع
إىل أول اسم تلفظت به شفاهي
أمي ثم أمي ثم أمي أطال اهلل في عمرها
إىل ركيزة عمري ومنبع ثقيت وإراديت
إىل من علمين معىن احلياة
إىل صاحب الفضل يف وصويل إىل هذا املستوى
أبي العزيز وأطال اهلل في عمره
فجزاه اهلل اجلزاء األوفر
إىل كل عائليت وأقاريب وأصدقائي وزمالء
إىل كل من كتبهم قليب ومل يكتبهم قلمي
لمين
مقدمة
مقدمة
مقدمة:
إن استقالل القضاء أحد أهم ضمانات الحقوق والحريات ،وهو من المبادئ العالمية التي
اكدت عليها االعالنات العالمية لحقوق االنسان وبما أن القضاء يواجه وقائع الحياة المتجددة
ويتميز تفسيره للقانون بالطابع العملي فإنه وعبر التاريخ كان عامالً مهما من عوامل تطوير
مصدر من مصادر القانون ،وبعد منح المشرع القاضي سلطة تقديرية في
ًا القانون بل أنه اعتبر
كثير من المواضي ع والمسائل ،يأتي هنا دور القاضي في فهم وتفسير النصوص ثم تطبيقها ،حيث
أن الفهم الصحيح للنصوص يؤدي في الغالب الى تطبيق صحيح لها.
وتبعا لهذا ،فالتفسير عملية الزمت الظاهرة القانونية من ظهورها ،فلقد اشتهر بها االغريق
والرومان ،كما اشتهر بها الفقه االسالمي ،هذا الن التفسير هو احد الوسائل المعرفة استعملت
لفهم النصوص القانونية مثلما استعملت لفهم النصوص الدينية.
إن عملية التفسير القضائي تتضمن تأويل القاضي للنص القانوني عند تطبيق احكامه على
القضايا المعروضة عليه ،يواجه القاضي بحكم وظيفته غموض التشريع ونقصه وعيوبه ومن ثم
يعمل على استنباط االحكام للوقائع وليس نقص ورفع العيوب من النصوص.
-إثراء المكتبات بالرصيد المعرفي وتزويد الطلبة بمعلومات تتعلق بدور القاضي اإلداري في
عملية التفسير.
-التعرف على مدى اسهام القاضي االداري في عملية التفسير.
أ
مقدمة
أ .أسباب ذاتية :اختيارنا لهذا الموضوع بمخض إرادتنا نتيجة الفضول أي دفعنا إلى محاولة
فهم دور القاضي اإلداري في عملية التفسير الرغبة واالقتناع بضرورة تناول هذا الموضوع
خاصة أنه من تخصص إدارة مالية ( علوم قانونية وادارية).
ب .اسباب موضوعية :إثراء البحوث القانونية اإلدارية يمثل هذه الدراسات .محاولة لفت انتباه
واهتمام الباحثين في العلوم القانونية اإلدارية في أهمية دراسة هذه المواضيع.
المنهج المعتمد:
لكل دراسة عملية منهج معين تعتمد عليه ونعني بالمنهج (مجموعة القواعد التي يتم
وضعها بقصد الوصول إلى الحقيقة في العلم ،وبما ان دراستنا هذه تقوم على وصف دور القاضي
اإل داري في عملية التفسير الحظنا أنه يستلزم علينا استخدام المنهج الوصفي ،يعرف هذا االخير
اعتمادا على جميع
ً بانه :مجموع االجراءات البحثية التي تتكامل لوصف الظاهرة او الموضوع
الحقائق والبيانات وتصنيفها ومعالجتها وتحليلها تحليال كافيا ودقيقًا الستخالص داللتها والوصول
إلى نتائج أو تعليمات عن الموضوع).
اإلشكالية :كيف تتم عملية التفسير القضائي لألعمال القانونية اإلدارية؟ وما نطاق دور
الفصل األول يتضمن اإلطار المفاهيمي للتفسير في القضاء اإلداري ويحتوي على
مبحثين :المبحث االول :يتضمن مفهوم التفسير القضائي (وسائل تفسير داخلية وخارجية) وأنواع
التفسير في القانون اإلداري حيث يتضمن ثالث انواع التفسير الفني والتفسير الواسع والتفسير
بالقياس .أما المبحث الثاني :فيتضمن فيه مفهوم دعوى التفسير من خالل تعريفها وشروط رفع
دعوى التفسير.
ب
مقدمة
أما الفصل الثاني :فتضمن سير آلية التفسير القضائي في القانون اإلداري حيث احتوى هذا
الفصل مراحل عملية التفسير القضائي وخصائصها ،وسلطة القاضي في تفسير العقود اإلدارية.
ج
الفصل األول
اإلطار المفاهيمي للتفسير في القضاء اإلداري
نتطرق يف هذا الفصل إىل مفهوم التفسري القضائي والتعريف مبدارسه ووسائله الداخلية منها
واخلارجية وانواعه الثالثة كما نتطرق إىل مفهوم دعوى التفسري وشروطه.
اإلطار المفاهيمي للتفسير في القضاء اإلداري الفصل األول:
لتحديد مفهوم التفسير القضائي للتصرفات القانونية ،البد من التعرض بنوع من اإليجاز
والتركيز لتعريف التفسير القضائي ،وتحديد مدارس واتجاهات التفسير القضائي ،وكذا وسائل
وأدوات التفسير.1
إن الـتط بيق الصحـيح للقانون يتطـلب من القاضي تفسـيره ،و التفسير ليس خاصا بالقاضي
وحده بل يلجأ المشرع و الفقيه إلى التفسير أيضا .يمكن تفسير القاعدة القانونية بأنها التعرف على
معنى الحكم الذي تتضمنه هذه القاعدة ،بحيث تتضح من ألفاظها أو مضمونها حدود الحالة
الواقعية التي وضعت القاعدة من أجل تنظيمها.
عملية تفسير قواعد القانون بصفة عامة ،والتصرفات القانونية بصفة خاصة تضطلع بها
جهات متعددة ومختلفة ،فهكذا قد يضطلع بالتفسير رجال الفقه ،ويسمى هنا بالتفسير الفقهي ،وقد
تقوم بالتفسير السلطة التشريعية ،ويسمى بالتفسير التشريعي ،وقد يضطلع بهذه العملية السلطة
2
التنفيذية كحكومة أو كسلطات إدارية ،ويسمى هنا بالتفسير التنظيمي والتفسير اإلداري.
وقد تقوم بوظيفة تفسير القانون واألعمال القانونية السلطة القضائية خالل االضطالع
بوظيفة النظر والفصل في المنا زعات والدعاوى القضائية المختلفة ،ويسمى التفسير هنا بالتفسير
3
القضائي.
1
من أجل معرفة تفاصيل نظرية التفسير بصفة عامة ،يجب الرجوع للدراسات المتخصصة في هذا الموضوع ،وكذا مؤلفات المدخل للقانون
أو العلوم القانونية المختلفة ،واألمثلة عليها كثيرة ال يشملها الحصر.
2
عمار عوابدي ،قضاء التفسير ..في القانون اإلداري ،الطبعة الخامسة ،دار هومة للطباعة النشر والتوزيع ،الجزائر 2006
3
رمزي طه الشاعر ،النظرية العامة للقانون الدستوري ،القاهرة ،دار النهضة العربية ،ط ،1983 3ص.292-282 :
5
اإلطار المفاهيمي للتفسير في القضاء اإلداري الفصل األول:
التفسير في معناه العام الجاري " "Latissino Sensuهو عملية عقلية منطقية لعمل من
أعمال المعرفة ،أي العملية الذهنية والروحية التي تستهدف المعنى الذي يحمله اصطالح معين،
1
أو قاعدة قانونية محددة.
كما يعني التفسير في معناه العام الجاي بأنه ":عملية ذهنية منطقية ،تؤدي بأتباع قواعد
علمية إلى تحقيق غرضه الذي يختلف باختالف حالة النص ،وذلك الستنباط حكمه لتطبيقه على
2
الحالة الواقعية".
3
وعناصر المعنى العام والجاري للتفسير هي:
وفنيا.
اسعا ،وتعريفًا ضيقًا ً
يفا و ً
أما التفسير في معناه االصطالحي ،فيعرف تعر ً
فالتفسير في معناه الواسع " "Lato Sensuهو" :عملية تتعلق بنية وادارة المعرفة تقوم بها
سلطة مختصة بهدف تخصيص وتجسيد المعطيات القانونية الموجودة ،وذلك الستنباط قاعدة أو
4
مجموعة قواعد تطبق على عالقات أو مراكز أو تصرفات محددة".
عبدالفتاح عمر ،الوجيز في القانون الدستوري ،تونس ،مركز الدراسات والبحوث والنشر كلية الحقوق والعلوم السياسية،1987 ، -
ص.150-149 :
1
Luc.P.Patras, L’Interprétation en droit public, Athènes , Theod et Athan. N.Joannides, 1962, P16.
2
رمزي طه الشاعر ،المرجع السابق ،ص .279
3
L.U.P.Patras, op. cit , P.17
4
Ibid , P.20
6
اإلطار المفاهيمي للتفسير في القضاء اإلداري الفصل األول:
أما التفسير في معناه الضيق والفني " ،"Stricto Sensuفهو ":إجراء منهجي تستطيع
عنصر من
ًا بواسطته سلطة مختصة أن تستنبط من حكم أو مجموعة أحكام غامضة قاعدة أو
عناصر القاعدة الواجبة التطبيق".1
2
ويتكون المعنى االصطالحي للتفسير من العناصر والمقومات التالية:
أن التفسير يقتضي وجود حكم أو أحكام غامضة ومبهمة تتطلب التفسير.
هناك عدة مدارس للتفسير لها نظريات واتجاهات مختلفة في كيفية تفسير القانون
والتصرفات القانونية .وتختلف نظريات واتجاهات هذه المدارس على أساس اختالف مذهب كل
مدرسة عن أخرى بخصوص أصل القانون وأساسه ،وبخصوص دور المشرع في وضع القواعد
3
القانونية ،وكذا بخصوص نطاق قواعد التشريع.
1
Ibid , P.50
2
L.U.P.Patras, op. cit , P. 51-59.
3
رمزي طه الشاعر ،النظرية العامة للقانون الدستوري ،المرجع السابق ،ص.332-329
-اللورد ديننج ،ترشيد الفكر القانوني في تفسير القانون والوصايا والعقود ،ترجمة هنري رياض ،بيروت ،دار الجيل ،ط ،1981 1ص
.39،09
7
اإلطار المفاهيمي للتفسير في القضاء اإلداري الفصل األول:
ه ناك مدارس االتجاه التقليدي في التفسير تدافع عن التفسير الضيق للقانون والتصرفات
القانونية مثل مدرسة الشرح على المتون التي ظهرت في فرنسا على أثر صدور مجموعات نابليون
1
القانونية ،ومذهب القضاء االنجليزي خالل القرن التاسع عشر.
كما توجد مدارس التفسير الواسع والمتحرك والمتجدد للقانون والتصرفات القانونية إلكساب
النصوص والقواعد والتصرفات القانونية الحيوية والفاعلية والمنطق والعدالة .ومن أمثلة مدارس هذا
االتجاه الحديث للتفسير المدرسة التاريخية للتفسير ،المدرسة الغائية للتفسير ،ومدرسة البحث
2
العلمي الحر للتفسير.
ظهرت هذه المدرسة نتيجة صدور المجموعات القانونية في فرنسا وهي مدرسة تقليدية
تقدس التفسير الضيق والحرفي للنصوص والقواعد القانونية ،حيث تعتقد هذه المدرسة أن
النصوص والقواعد التشريعية تتضمن على دقائق القانون وتفاصيله ،كما أنها احتوت كافة
الفرضيات واالحتياطات لمواجهة تطورات ومفاجآت الحياة ،وهذا بسبب ذكاء وفطنة المشرع وقوة
تبصره وادراكه ووعيه العميق ،كما أن المشرع متمكن من اللغة القانونية ،فهو ينتقي األلفاظ
واالصطالحات ويحدد دالالتها ومضمونها بعناية ودقة كما أنه يبني الجمل والتراكيب والصياغات
3
اللغوية واالصطالحية بمهارة فائقة.
ومن ثم وجب عند التفسير الرجوع إلى إرادة المشرع وقت وضعه للقواعد القانونية ،والى
إرادة صاحب التصرف القانوني حين إصداره للتصرف ،ويجب أن تتم عملية الرجوع والبحث عن
إرادة المشرع أو مصدر التصرفات القانونية (الوصايا ،الهبات ،العقود ،االتفاقيات ،المعاهدات،
الق اررات اإلدارية ...إلخ) من خالل النصوص بألفاظها ودالالتها اللغوية واالصطالحية وتراكيبها
1
عمر عبد الفتاح ،المرجع السابق ،ص.153-151 :
2
John Gilissent, Introduction historique Bruxelles Bruylant, 1979. P :470-478.
3
اللورد فيننج ،ترشيد الفكر القانوني في تفسير القانون والوصايا والعقود ،المرجع السابق ،ص.39-09
- John Giliissent, op, cit, pp : 473-474.
8
اإلطار المفاهيمي للتفسير في القضاء اإلداري الفصل األول:
النحوية ،مع االعتماد والتركيز على المعاني األصلية والحقيقة لأللفاظ واالصطالحات والبعد عن
1
المعاني المجازية والكنايات والرمزية.
فال يمكن في اتجاه وفلسفة مدرسة الشرح على المتون البحث عن إدارة المشرع خارج
النصوص القانونية التي تضمنت قواعد القانون ،من ثم كانت هذه المدرسة تؤمن بالتفسير الضيق
والحرفي للقانون وسائر التصرفات القانونية.
واذا كان في بداية األمر ينظر إلى أن مذهب هذه المدرسة يؤدي إلى ضمان استقرار
القانون وثباته ووضوحه وما يترتب على ذلك من مزايا نفسية وعملية بالنسبة للمخاطبين به
والقائمين على تفسيره وتطبيقه ،إال أن عيوب هذه المدرسة بدأت تظهر بحلول القرن العشرين ،وما
صاحبه من سرعة تطور وتعقد الحياة العامة والخاصة وبروز وترشح فلسفات ومذاهب اجتماعية
واقتصادية وسياسية وقانونية ،ومناهج وطرق و أساليب هيمنت على مسار الحياة في كافة
2
المجاالت.
فهكذا أصبحت مدرسة الشرح على المتون مشوبةً بالعيوب التالية :أنها تؤله النصوص
الحرفية على حساب المحيط االجتماعي واالقتصادي و السياسي والحضاري والعلمي وما يفرزه
ويولده باستمرار من معطيات وحقائق اجتماعية واقتصادية وسياسية وعملية وقانونية متجددة
ومتفاعلة مع مضمون قواعد القانون والتصرفات القانونية المنفردة واالتفاقية ،األمر الذي يجعل –
حتما -تفسير القانون والتصرفات القانونية وتطبيقها خاليا من قيم الواقعية والحيوية والفاعلية
3
ومتناقضا مع روح المنطق والعدالة.
1
عبد الفتاح عمر ،المرجع السابق ،ص .151
- John Giliissent, op, cit, pp :473-475.
- P.Patras, op, cit, pp : 325-327.
- CH. Perelmen, Méthodes du droit « Logique Juridique » Paris Dalloz, 1976, PP : 23-49.
2
عمر عبد الفتاح ،المرجع السابق ،ص .151
رمزي طه الشاعر ،المرجع السابق ،ص.330 -
اللورد فيننج ،المرجع السابق ،ص .39-20 -
3
اللورد فيننج ،المرجع السابق ،ص .29-09
9
اإلطار المفاهيمي للتفسير في القضاء اإلداري الفصل األول:
إن منطق هذه المدرسة ونطريتها تؤدي إلى تحنيط دور القضاء في التفسير لسد الثغرات
والفجوات وتكميل العجز والنقص الذي قد يوجد في القواعد التشريعية ،حيث تقضي هذه المدرسة
على حرية القضاء في المالئمة والتصرف في التفسير ،وبذلك يفسر ويطبق القانون بصورة جامدة
ومطلقة تتنافى حتما مع متغيرات الحياة وروح العدالة ومنطق ومناهج الحياة العلمية الحديثة
1
والمعاصرة ،وفنيات واقع الحياة وحيويته وفعاليته.
لذلك تتطلب هذه المدرسة ضرورة تفسير القانون والتصرفات القانونية األخرى على ضوء
الوثائق التاريخية القانونية مثل تقارير لجان إعداد التشريعات والنصوص القانونية ،ومحاضر
الجلسات ،والمرسالت الرسمية ،باإلضافة إلى وقائع ومعطيات الظروف االجتماعية والسياسية
2
واالقتصادية واإلدارية التي كانت سائدة وقت وضع التشريع من طرف السلطة التشريعية.
2
John Gilissent , op, cit, pp : 471-473.
عمر عبد الفتاح ،المرجع السابق.152 ، -
10
اإلطار المفاهيمي للتفسير في القضاء اإلداري الفصل األول:
ويمتاز مذهب هذه المدرسة بالواقعية والمنهجية العلمية والموضوعية والدقة في التفسير
السليم والحقيقي للقانون ،وهذه المدرسة تحتاج إلى نظريات ومذاهب ومناهج علمية وواقعية لتكملها
ومنطقيا ،كما هو الحال
ً اقعيا وفعاالً وعادالً
حيويا وو ً
تفسير ً
ًا في تفسير القانون والتصرفات القانونية
في المدرسة الغائية –الوظيفية ،مدرسة البحث العلمي الحر أو المدرسة العلمية.
مضمون المدرسة الغائية ،الوظيفة واالجتماعية في التفسير ،هو انه :لتفسير القانون
وحقيقيا البد من البحث في نية وغاية المشرع من
ً حيا
اجتماعيا ً
ً اقعيا و
فسير و ً
والتصرفات القانونية ت ًا
وضع القانون أو القاعدة القانونية المحتملة في ظل الظروف االجتماعية السائدة وقت تطبيق
القانون ،وليس االعتماد على إرادة هذا المشرع الحقيقية أو المفترضة وقت سن القانون ،ألن إرادة
المش رع الحقيقية أو المفترضة زقت سن القانون تكون قد انفصلت عن ظروف وأحوال واقع الحياة
2
العامة وقت تطبيق القانون.
وبالرغم من أنه أ ِ
ُخ َذ على هذه النظرية أنها تخل باستقرار القانون ورتابته إال أن مزاياها من
حيث تكملة القانون وسد الثغرات والفجوات الموجودة فيه بفعل تغير الزمن والظروف االجتماعية
واالقتصادية والسياسية واإلدارية ،كما أنها تكسب القانون والتصرفات القانونية مقومات وعناصر
3
الواقعية والمرونة والفعالية والعدالة والمنطق.
11
اإلطار المفاهيمي للتفسير في القضاء اإلداري الفصل األول:
في طبعته عام ،1899وعام ،1954وشايعه بعد ذلك الفقه في مختلف الفروع والتخصصات
3
القانونية مثل القانون العام ،والقانون الخاص ،في كل من فرنسا وبلجيكا أوالً.
ومضمون مذهب هذه المدرسة في نطاق تفسير القانون والتصرفات القانونية :أن التشريع
أي القانون في معناه الخاص الفني والشكل الضيق يتسم دائما بالنقص وعدم اإلحاطة و الشمولية
4
في تنظيمه لتفاصيل العالقات والشمولية لكافة جوانب العالقة القانونية أو المركز القانوني.
1
CH. Perelmen, op. cit, PP 51-65.
- P.Patras, op. cir, PP : 335-340.
2
John Gilissent, op. cit, PP. 475-478.
3
John Gilissent, op. cit, PP. 475-478.
- Ch. Perelman, op. cit, PP. 71-96
- P.Patras, op. cit, PP 328-335.
4
John Gilissent, op. cit, PP. 475-478.
12
اإلطار المفاهيمي للتفسير في القضاء اإلداري الفصل األول:
ولذلك كان على السلطة المختصة بالتفسير ،والسيما السلطة القضائية أن تكمل هذا النقص
بواسطة التفسير العلمي الحر المرن الواقعي والحقيقي بواسطة استخدام منهاج البحث العلمي.
هكذا إذا لم تظهر إرادة السلطة التشريعية الحقيقة والواضحة والمحددة ،كان على السلطة
القضائية من األعراف ،ومن فلسفة النظام القانوني السائد في الدولة ،ومن أحكام القضاء ،وكذا
من اجتهادات الفقه ،فإذا لم تجد الحلول المالئمة والكافية للتفسير كان عليها بعد ذلك أن تخلق
الحلول الالزمة باستخدام مناهج البحث العلمي الحر ،مع ضرورة االلتزام بحدود التفسير وتحاشي
1
تجاوز حدود التفسير والحلول محل السلطة التشريعية في خلق قواعد قانونية.
فهذه المدرسة ترفض ابتداء االعتماد على النصوص والبحث من خاللها عن إرادة السلطة
2
معا.
التشريعية المفترضة والمحتملة ً
وبالرغم من خشية بعض رجال الفقه من أن يؤدي االعتراف للقاضي بسلطة االجتهاد
وصنع الحلول الالزمة لسد الفجوات والنقص الموجود في التشريع إلى حدوث الفوضى واالضطراب
في تفسير النصوص القانونية ،بالرغم من هذا التخوف فإن مذهب هذه المدرسة يلقى قبوالً من لدن
فقه كافة فروع القانون ،وفي كل النظم القانونية والقضائية في الدولة المعاصرة ،باإلضافة إلى
نظريات كل من المدرسة التاريخية والمدرسة الوظيفية –الغائية االجتماعية ،وذلك لتطابق وانسجام
اقتصاديا
ً اجتماعيا و
ً فلسفة ومضمون هذه المدرسة مع أسس ومضمون الحياة العامة المعاصرة
وعلميا ،حيث أصبح االعتماد على األساليب والمناهج العلمية في كافة
ً وتنظيميا
ً وسياسيا
ً
المجاالت سمة الحياة المعاصرة.
13
اإلطار المفاهيمي للتفسير في القضاء اإلداري الفصل األول:
هناك مجموعة من األدوات والوسائل الفنية تستخدم لتفسير النصوص واألعمال القانونية،
مثل اللغة و المفاهيم واالصطالحات والمنطق ،وكذا الحكمة والهدف من وجود النص والتصرف
القانوني ،واألعمال التحضيرية ،والمصادر التاريخية ،والعوامل والظروف االجتماعية التي تشكل
البيئة التي صدر نحيطها التصرف القانوني.
ويقسم الفقهاء هذه األدوات والوسائل الفنية للتفسير على أساس مدى وجود هذه الوسائل
داخل نص التصرف القانوني أو خارجه إلى:
تتكون وسائل التفسير الداخلية من دالالت ومعاني األلفاظ اللغوية واالصطالحية ،وتفسير
2
النص أو التصرف القانوني جملة وكلية وليس مجزًءا ،أي في جملته ،والتفسير باستخدام المنطق.
استخدام هذه الوسيلة في التفسير يقتضي استنباط المعاني والدالالت اللغوية واالصطالحية
ألن واضع التصرف القانوني ينتقي ويختار ألفاظ ومصطلحات ذات دالالت ومعاني محددة
غالبا ما ينتقي صاحب التصرف القانوني اصطالحات
ومضبوطة وفي مجال العمل القانوني ً
3
قانونية لها ٍ
معان ودالالت محددة ودقيقة ومضبوطة.
1
رمزي طه الشاعر ،النظرية العامة للقانون الدستوري ،المرجع السابق ،ص .345-335
2
المرجع نفسه ،ص 11وما بعدها.
3
رمزي طه الشاعر ،ص .337-336
14
اإلطار المفاهيمي للتفسير في القضاء اإلداري الفصل األول:
عندما تكون األلفاظ والعبارات والمصطلحات غامضة ومبهمة ال يمكن استخراج معناها
اللغوي واالصطالحي ،أو كانت المعاني المستخرجة متناقضة بعد عملية تقريب وتنسيق األلفاظ
والمصطلحات والجمل والفقرات التي يتألف منها النص والتي تدور جميعها حول موضوع واحد،
في هذه الحالية البد من االنتقال إلى مرحلة استعمال التفسير المنطقي ووسائله المعروفة وهي:
1
المرجع نفسه ،ص .343-342
2
رمزي طه الشاعر ،المرجع السابق ،ص .338
3
المرجع نفسه ،ص.339
15
اإلطار المفاهيمي للتفسير في القضاء اإلداري الفصل األول:
ب .القياس من باب أولا :والمقصود بالتفسير بالقياس من باب أولى هو ثبوت حكم النص
على فرض غير منصوص عليه لتوفر علة الحكم فيه بصورة أكثر قوة ،لذلك يستغرق حكم
1
الفرض المنصوص عليه ال الفرض غير المنصوص عليه من باب أولى.
ج .الستنتاج بمفهوم المخالفة :ويعني التفسير بواسطة االستنتاج بمفهوم المخالفة إعطاء
حالة غير منصوص عليها حكما عكس الحكم في حالة منصوص عليها ،بسبب اختالف
العلة في الحالتين ،أو ألن الحالة المنصوص عليها هي جزئية من جزئيات الحالة غير
المنصوص عليها ،حيث أن استقاللها وانفرادها بحكم يستخلص منه أنها تنفرد بهذا الحكم
دون غيرها من الجزئيات األخرى .فتخصيص حكم حالة أو حاالت معينة بذاتها ،أو بذواتها
يستوجب بالمنطق تطبيق عكس هذا الحكم على الحالة أو الحاالت األخرى التي ال يشملها
2
هذا الحكم.
وسائل التفسير الخارجية هي مجموعة األدوات والوسائل الخارجية التي يستعين بها المفسر
بعد تعذر تحقيق التفسير بواسطة أدوات ووسائل التفسير الداخلية ،مثل عملية التعرف على الحكمة
من وجود التصرف القانوني ،وعملية االسترشاد باألعمال التحضيرية إلعداد واصدار التصرف
القانوني ،وعملية االستعانة بالمصادر التاريخية ،وكذا عملية تحليل ومعرفة الظروف االجتماعية
واالقتصادية والسياسية التي تكون في مجموعها البيئة المحيطة والمتفاعلة مع النص القانوني أو
3
التصرف القانوني.
1
المرجع نفسه ،ص.339 :
2
المرجع نفسه ،ص .340
3
رمزي طه الشاعر ،المرجع السابق ،ص .344
16
اإلطار المفاهيمي للتفسير في القضاء اإلداري الفصل األول:
ما دام أن لكل تصرف أو عمل قانوني ،أو تشريع أو حكم قضائي ق ارر إداري أو عقد أو
عاما موجها يجسد ويبلور القيم
معاهدة أو وصية ،أو مبدأ من المبادئ العامة للقانون هدفًا ً
والمصالح االقتصادية واالجتماعية والسياسية واألخالقية التي يستهدفها ،فإن عملية البحث
والتعرف عن غاية أو حكمة التصرف القانوني بدقة تساعد على تفسير هذا النص واستخراج معناه
1
الحقيقي واألصيل والرسمي لتطبيقه على الوقائع المادية أو القانونية محل النزاع.
لذا كانت عملية التعرف على الحكمة من إصدار ووجود التصرف القانوني وسيلةً وأداة فنية
من وسائل وأدوات التفسير بصورة عامة.
فعملية الرجوع الجوازية لهذه األعمال التحضيرية لتكوين واصدار وابرام التصرفات القانونية
تساعد على إنجاز العملية التفسيرية ،مادامت هذه األعمال التحضيرية هي التي كونت وحققت
الوجود المادي وال فني النهائي للتصرفات القانونية وحضرت لعملية اإلصدار والوجود القانوني لهذه
التصرفات القانونية.
فعملية الرجوع إلى المصادر التاريخية التي استمد التصرف القانوني منها وجوده تساعد
كثير على معرفة إرادة وقصد مصدر هذا التصرف وتساعده في بيان معنى هذا التصرف لتطبيقه
ًا
1
المرجع نفسه ،ص .344
2
المرجع نفسه ،ص .344
17
اإلطار المفاهيمي للتفسير في القضاء اإلداري الفصل األول:
بعد ذلك على الوقائع المادية او القانونية سبب ومحل النزاع 1.فكثير من النصوص واألعمال
القانونية لها مصادر وسوابق تاريخية ،ومعرفتها تزيد من تحديد وتوضيح المعنى الصحيح لهذه
النصوص واألعمال القانونية ،ومن ثم كانت هذه العملية وسيلةً من الوسائل الفنية الخارجية
للتفسير.
فالتصرفات واألعمال القانونية المختلفة يجب أن يفسر وتطبق في نطاق العوامل والظروف
المتغيرة والمتطورة ،2فعملية تشريح وتحليل الظروف االجتماعية واالقتصادية والسياسية المستجدة
3
ال.
ال وفعا ً
اقعيا وعاد ً
حقيقيا وو ً
ً تفسير
ًا تساعد على تفسير التصرفات القانونية
ينقسم التفسير من حيث مدى التقيد باإلرادة الظاهرة في النصوص القانونية أو عدم التقيد
بها ،وانما التقيد باإلرادة الواقعية والحقيقية المفترضة أو المحتملة إلى:
1
رمزي طه الشاعر ،المرجع السابق ،ص .345-344
2
رمزي طه الشاعر ،النظرية العامة للقانون الدستوري ،المرجع السابق ،ص.345
3
اللورد ديننج ،المرجع السابق ،ص.24
18
اإلطار المفاهيمي للتفسير في القضاء اإلداري الفصل األول:
هكذا يستعمل التفسير الضيق والفني في القانون اإلداري في الحاالت والتصرفات القانونية التي
يقتضي الحال فيها استعمال التفسير الضيق ،وكذلك في الحاالت التي توجد فيها نصوص قانونية
تنظم التصرفات القانونية بصورة تفصيلية وشاملة لكافة عناصره ومقوماته بصورة مسبقة بحيث
تصبح السلطة اإلدارية المختصة مقيدة في التصرف واالختصاص.
فعند التفسير للتصرفات القانونية الصادرة في ظل السلطة المقيدة بإدارة العامة ،وكذا في
حاالت تفسير االستثناءات الواردة على القواعد واألصول واألحكام القانونية العامة ،والتصرفات
تفسير
ًا المنظمة بنصوص قانونية سابقة ،ففي هذه الحاالت يجب أن تفسر التصرفات القانونية
1
ضيقًا وفنياً.
-مبدأ المساواة أمام القوانين أو الق اررات اإلدارية العامة "اللوائح اإلدارية".
-ومبدأ المساواة أما المرافق العامة.
-ومبدأ المساواة أما األعباء والتضحيات العامة.
-ومبدأ الميدان المحدد والمحجوز للتشريع.
-ومبدأ اعتبار كل من دعوى اإللغاء والطعن بالنقض من النظام العام.
1
Luc. P.Patras, op. cit, PP 255-264.
19
اإلطار المفاهيمي للتفسير في القضاء اإلداري الفصل األول:
فتفسير األحكام القانونية التي تحتويها المبادئ العامة للقانون كمصدر للقانون اإلداري
وفنيا وال يقاس عليه.
تفسير ضيقًا ً
ًا ومبدأ الشرعية في الدولة ،ويجب أن يكون
وغالبا ما يتم
ً تفصيليا وبصورة شاملة وسابقة حدود وقيود التصرف القانوني الالحق
ً يحدد
ذلك لتوفير الحماية القانونية الالزمة لحقوق وحريات األفراد من اعتداءات وانحرافات السلطة
3
اإلدارية.
1
Luc P.Patras, op. cit, PP 254-257.
2
Luc P.Patras, op. cit, PP 257-260.
3
Luc P.Patras, op. cit, PP 260-264.
20
اإلطار المفاهيمي للتفسير في القضاء اإلداري الفصل األول:
أما التفسير الواسع في القانون اإلداري فيطبق في الحاالت التي تصاغ فيها النصوص القانونية
التي تكون وتشكل مصادر القانون اإلداري ومصدر ومبدأ الشرعية في الدولة بصورة عامة .وفي
صياغات كلية وعامة ال تتضمن على كافة تفاصيل أركان ومقدمات وظروف التصرف القانوني
1
بصورة محددة وملزمة ،وذلك ألهداف وحكم كثيرة.
ومن أشهر الحاالت والميادين التي يستعمل فيها التفسير الواسع في القانون اإلداري
الميادين اآلتية:
أولا :استعمال التفسير الواسع للتصرفات واألعمال القانونية اإلدارية الصادرة في نطاق السلطة
التقديرية المقررة لإلدارة العامة.
ثانيا :استعمال التفسير الواسع في تفسير النصوص القانونية المتعلقة بمنح السلطة التنظيمية ا
لإلدارة العامة وسلطة إصدار الق اررات اإلدارية العامة واللوائح اإلدارية.
أما بخصوص التفسير بالقياس كنوع من أنواع التفسير في القانون اإلداري ،فقد تمت اإلشارة إليه
نوعا من أنواع
كوسيلة من وسائل التفسير المنطقي وتكفى اإلشارة هنا إلى أن القياس يعتبر ً
التفسير في القانون اإلداري ،وهناك تطبيقات قضائية في القانون اإلداري المقارن تدل على أن
القياس هو نوع ووسيلة من أنواع ووسائل لتفسير في القانون اإلداري بصورة خاصة وفي القانون
2
بصفة عامة.
1
أنظر في سلسلة األحكام القضائية اإلدارية الصادرة من مجلس الدولة الفرنسي ومحكمة التنازع الفرنسية المتعلقة باستعمال التفسير الواسع
في القانون االداري ،انظر في ذلك " "Patras Luc Pالمرجع السابق ،ص283-265 :
2
أنظر تفاصيل ذلك في ،"Luc.P.Patras" :المرجع السابق ،ص.294-284 :
21
اإلطار المفاهيمي للتفسير في القضاء اإلداري الفصل األول:
المبحث الثاني :مفهوم دعوى التفسير باعتبارها الطريق األصيل لعملية
التفسير القضائي.
لمعرفة منهجية القضاء اإلداري في التفسير في دعوى التفسير المرفوعة أمامه ،أي الطرق
والوسائل والمراحل التي تمر بها عملية التفسير أمام الجهة القضائية المختصة بدعوى التفسير
اإلدارية بهدف إص دار حكم قضائي حائز لقوة األمر المقضي به يتضمن المعنى الحقيقي
والصحيح للعمل القانوني اإلداري المطعون ،أو المدفوع فيه بالغموض واإلبهام ،لمعرفة ذلك
تعريف التفسير باعتبارها الطريق األصيل لعميلة بصورة واضحة ومنظمة البد من التطرق
التفسير القضائي اإلداري .ثم التطرق إلى المراحل عملية التفسير القضائي.
التفسير اصطالحاً يعني تلك العملية العقلية المنظمة بواسطة مناهج وأساليب وتقنيات
علمية محددة بهدف استخراج وبيان معنى صحيح لتصرف قانوني ،أو لقاعدة قانونية أو
الصطالح معين بصورة واضحة وسليمة. 1
أما دعوى التفسير اإلدارية فيمكن تحديد معناها ،بأنها الدعوى القضائية اإلدارية التي تحرك
وترفع من ذوي الصفة القانونية والمصلحة أما الجهة القضائية المختصة ،وهي أصال جهة القضاء
اإلدارية في النظم القضائية التي توجد بها نظام القضاء اإلداري ،وفي النظام القانوني القضائي
الجزائري الغرفة اإلدارية بالمجالس القضائية ،والغرفة اإلدارية بالمحكمة العليا .ويطلب فيها من
سلطة القضاء المختص تفسير تصرف قانوني إداري غامض ومبهم من اجل تحديد المراكز
القانونية ،وتوضيح الحقوق وااللتزامات الفردية.
1
أنظر في تفاصيل المفهوم العام لعملية التفسير في القانون بصفة عامة ،والقانون االداري بصفة خاصة.
- Luc p patras, L’Interprétation en droit public, Athènes , Theod et Athan. N.Joannides, 1962, P 19
et s.
22
اإلطار المفاهيمي للتفسير في القضاء اإلداري الفصل األول:
هي دعوة قضائية ترفع أما القاضي من أجل تفسير قرار اداري فرديو قرار إداري
تنظيمي مبهم غير واضح أو عقد إداري مع مالحظة أن قانون الحالة المدنية واالدارية
والقوانين العضوية المنظمة للمحاكم اإلدارية ومجلس الدولة تكلمت بصريح العبارة
على اختصاص القاضي االداري في تفسير الق اررات المنظمة واإلدارية من830/829
وبالتالي فإن عملية تفسير العقد اإلداري في شقه التعاقدي هو من اختصاص القضاء
العادي ترفع الدعوى بطريقتين :طريق مباشر وطريق اإلحالة
23
الفصل الثاني
سير آلية تفسير القضائي في القانون االداري
سنقوم يف هذا الفصل إىل دراسة مراحل عملية التفسري القضائي للقرارات االدارية وخصائصه مع
دراسة سلطة القاضي يف تفسري العقود الغامضة والعقود الواضحة .
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
لمعرفة منهجية القضاء اإلداري في التفسير في دعوى التفسير المرفوعة أمامه ،أي الطرق
والوسائل والمراحل التي تمر بها عملية التفسير أمام الجهة القضائية المختصة بدعوى التفسير
اإلدارية بهدف إ صدار حكم قضائي حائز لقوة األمر المقضي به يتضمن المعنى الحقيقي
والصحيح للعمل القانوني اإلداري المطعون ،أو المدفوع فيه بالغموض واإلبهام ،لمعرفة ذلك
تعريف التفسير باعتبارها الطريق األصيل لعميلة بصورة واضحة ومنظمة البد من التطرق
التفسير القضائي اإلداري .ثم التطرق إلى المراحل عملية التفسير القضائي.
نتطرق في هذا المبحث إلى مراحل عملية التفسير القضائي الخمسة وخصائص
عملية التفسير االداري.
تمر عملية التفسير في القانون اإلداري بعدة مراحل متتابعة ومترابطة ومتناسقة ومتدرجة وهي:
المرحلة األولا :البحث عن مصادر النظام القانوني للتصرف أو العمل القانوني محل عملية
التفسير.
أول مرحلة من مراحل عملية التفسير هي مرحلة تحديد التصرف ،أي العمل القانوني محل
وموضوع ال تفسير ،وجمع كافة مصادر النظام القانوني المختلفة التي تحكمه وتشكل مصادر
شرعيته ،وذلك بهدف معرفة المعنى الحقيقي والصحيح للتصرف القانوني المطعون أو المدفوع فيه
وظاهر في أحكام وقواعد النصوص القانونية
ًا اضحا
بالغموض واإلبهام ،فإذا كان هذا المعنى و ً
قضائيا ،وأو
ً تفسير
ًا التي تحكم التصرف يحكم به ويعلن في حكم قضائي ،هذا إذا ما كان التفسير
تفسير إدارًيا ،وبذلك تتوقف وتنتهي عملية التفسير عند حد هذه المرحلة
ًا ينفذ إذا ما كان التفسير
األولى.
25
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
أما إذا ما صعبت عملية التعرف على المعنى الحقيقي والصحيح للتصرف من خالل
النصوص القانونية التي تحكمه ،والحت أسباب ومظاهر الشك والغموض واإلبهام حوله ،فإن
1
عملية التفسير تنعقد وتتحرك في ميكانزماتها ومراحلها التالية.
في هذه المرحلة تتركز جهود عملية التفسير على دالالت ومعاني األلفاظ اللغوية والدالالت
معا ،وذلك
والتعابير االصطالحية لمضمون النص القانوني وتراكيبه اللغوية واالصطالحية ً
2
الستخالص المعنى الحقيقي والصحيح للتصرف القانوني.
فإذا ما تم استخراج المعنى الحقيقي والصحيح للتصرف القانوني من خالل دالالت ومعاني
االلفاظ واالصطالحية للنص القانوني المتضمن للتصرف محل التفسير ،فإن عملية التفسير تنتهي
عند هذه المرحلة ،ويتم ترتيب النتائج واآلثار الالزمة لعملية التفسير هذه ،واذا لم يتم التوصل إلى
اكتشاف واستخالص المعنى الحقيقي والصحيح لتصرف من خالل تحليل دالالت ومعاني وألفاظ
والرموز واألرقام اللغوية واالصطالحية للنص القانوني ،فان مسيرة عملية التفسير تستأنف حركتها
وعملها من خالل المراحل التالية ،وهي مراحل:
-التفسير المنطقي.
-والتفسير بواسطة طريقة البحث عن إرادة التصرف القانوني بكافة الوسائل البحث
-والتفسير بواسطة البحث العلمي الحر.
إذا ما كانت عبارات ودالالت األلفاظ والمصطلحات اللغوية للنص غامضة ومبهمة ،ولم
يمكن استخراج منها المعنى الحقيقي والصحيح للتصرف القانوني تأتي مرحلة التفسير المنطقي
لمحاولة استخالص المعنى الحقيقي والصحيح للتصرف المعطون أو المدفوع فيه بالغموض
1
Luc .P.Patras , op.cit, PP 31-44 et PP 223-224.
2
IBID, PP 224-226.
26
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
واإلبهام .ويتحقق التفسير المنطقي باالستنتاج بالقياس ،واالستنتاج من باب أولى واالستنتاج
1
منطقيا.
ً بمفهوم المخالفة وتقريب وتنسيق النصوص وتحليلها
فإذا ما تم التعرف على المعنى الحقيقي والخفي للتصرف القانوني المطعون فيه أو المدفوع
فيه بالغموض واالبهام بواسطة التفسير بالمنطق تتوقف عملية التفسير في نهاية هذه المرحلة ،أما
إذا لم يتم ذلك فإن عملية التفسير تستأنف وظيفتها عبر المراحل التالية.
المرحلة الرابعة :التفسير بواسطة البحث عن إرادة وهدف السلطة مصدر التصرف القانوني.
بعد فشل المراحل السابقة لعملية التفسير في تفسير التصرف القانوني واستخراج معناه
الحقيقي والصحيح ،تنعقد وتتحرك المرحلة الرابعة ،وهي مرحلة البحث عن إرادة وهدف مصدر
التصرف القانوني ،أي إرادة وهدف السلطات اإلدارية المختصة بالنسبة لتفسير الق اررات والعقود
اإلدارية ،وارادة وهدف السلطة القضائية المختصة بالنسبة لتفسير االحكام القضائية اإلدارية وارادة
2
وهدف السلطة التشريعية بالنسبة لعملية تفسير التشريعات اإلدارية.
ويتم البحث والتعرف على إرادة السلطة العامة المختصة مصدر التصرف القانوني بوسائل
متعددة ومتنوعة أهمها الوسائل التالية:
فلكل تصرف قانوني روح عامة وأهداف وآثار اقتصادية واجتماعية وسياسية ،يمكن من
خالل بحث وتحليل هذه الحكمة معرفة إرادة السلطة العامة صاحبة هذا التصرف ومصدرته
3
الحقيقية او المفترضة أو المحتملة وفقًا لطريقة ونوعية التفسير المتبعة.
1
Luc .P.Patras , op.cit, PP 226-232 et PP 247-251 , et PP 284-294.
وانظر في سلسلة أحكام مجلس الدولة الفرنسي ومحكمة التنازع الفرنسي التي تؤكد وتبين كيفية استخدام التفسير المنطقي وتطبيقه -
في ميدان القانون اإلداري.
انظر في ذلك » « Patras luc Pالمرجع السابق ،ص ،251-223 :ص.294-254 :
2
Luc .P.Patras , op.cit, PP 226 et S.
3
Luc .P.Patras , op.cit, PP 230-232.
27
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
عقودا
ً لكل تصرف أو عمل من التصرفات واالعمال القانونية ،تشريعا كان أو ق اررات أو
احكاما قضائية ،مجموعة من الوثاق الرسمية تتضمن وصفًا وتحليالً لكافة االعمال
ً إدارية او
المادية والفنية والعملية والمراحل التي هيأت وحضرت لصدور هذه األعمال والتصرفات القانونية
ماديا
بصورة نهائية وباتة .فهذه األعمال الفنية والمادية والعلمية التي تتظافر في تكوين التصرف ً
« Les قانونيا تسمى اصطالحاً باإلعمال التحضيرية
ً تمهيدا لتكوينه وصدوره
ً وعلميا
ً وفنيا
ً
» . travaux Préparatoires
فاالستعانة بأحكام القضاء والسيما احكام القضاء اإلداري وتحليل وفهم مذاهب المدارس
القانونية التي أثرت في السلطة العامة مصدر التصرف القانوني تعتبر وسيلة من وسائل التفسير
1
Ibid, PP 234-247.
وأنظر كذلك بخصوص سلسلة االحكام القضائية الصادرة عن مجلس الدولة الفرنسي ومحكمة التنازع الفرنسي ،والتي تؤكد وتسند -
استعمال هذه الوسائل في عملية التفسير في القانون اإلداري.
أنظر في ذلك » « Luc P.Patrasالمرجع السابق ،ص.247-234 : -
28
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
في القانون اإلداري ،ووسيلة من وسائل البحث والكشف عن إرادة وأهداف السلطة صاحبة
1
التصرف القانوني.
هذه هي أهم الوسائل التفسير في القانون اإلداري في مرحلة البحث عن إرادة وهدف
السلطة المختصة صاحبة ومصدر التصرف القانوني.
واذا ما تم التعرف عن إرادة السلطة العامة المختصة مصدر التصرف القانوني محل عملية
التفسير الحقيقية او المفترضة او المحتملة حسب طريقة ونوعية التفسير المعتمدة ،فإن عملية
التفسير تنتهي في نهاية هذه المرحلة ،أما إذا فقد النص قانوني الذي يمكن البحث من خالله عن
إرادة هذه السلطة العامة فإن عملية التفسير في ميدان القانون اإلداري تنطلق في مرحلة جديدة
وهي مرحلة التفسير الحر.
في حالة عدم وجود نص قانوني او عرف ،يمكن من خالله تحريك وأعمال المراحل السابقة
البيان للبحث والكشف عن المعنى الحقيقي والصحيح للتصرف القانوني محل عملية التفسير في
القانون اإل داري ،فإن مرحلة التفسير الحر او مرحلة التفسير بواسطة البحث العلمي تنعقد وتتحرك
الكتشاف واستنباط الحلول القانونية والقضائية الالزمة لحل المنازعات اإلدارية وكذا الكتشاف
واعالن المبادئ العامة للقانون في ميدان الوظيفة اإلدارية والقانون اإلداري في الدولة.
ونظرا لطبيعة وخصائص القانون اإلداري السابقة البيان ،والسيما خصائص القانون اإلداري
ً
من حيث انه قانون حديث النشأة ،وأنه قانون غير مقنن ،وانه قانون قضائي أصالً ،وانه قانون
شديد الحركة والتطور ،هذه الخصائص هي التي أدت إلى دمغ وطبع القانون اإلداري في ميدان
عملية التفسير بعيوب النقضان ،والغموض واإلبهام الشديد ،وكثرة الثغرات فيه .كل ذلك يعطي
وحيويا ،ويجعل عملية التفسير
ً كبير
دور ًالمرحلة التفسير العلمي الحر في ميدان القانون اإلداري ًا
في القانون اإلداري عملية إنشائية وخالقة ،وليست مجرد عملية تفسيرية تنفيذية وفنية فقط.
1
Luc . P.Patras, op.cit, PP 247-251.
29
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
فهكذا تتمتع جهات القضاء اإلداري المختصة بتفسير وتطبيق قواعد القانون اإلداري على
ما يعرض من منازعات إدارية بحرية البحث والخلق واإلبداع بهدف إيجاد واستنباط الحلول
القانونية الالزمة ،واكتشاف واعالن المبادئ العامة للقانون الضرورية لتنظيم النشاط اإلداري
والعالقات القانونية اإلدارية ،والالزمة كعمليات النظر والفصل في المنازعات اإلدارية.1
ففي هذه المرحلة وهي مرحلة التفسير بواسطة البحث العلمي الحر ،يقع على عاتق جهات
القضاء اإلداري عبء االجتهاد والبحث عن الحلول القانونية والقضائية ،والكشف عن المبادئ
العامة للقانون الالزمة لحل المنازعات اإلدارية بصورة فعالة ومرنة وواقعية وشرعية وعادلة.
فيجب على هذا القضاء أن يستلهم الحلول القانونية ويستنبط المبادئ القانونية العامة من
روح وفلسفة النظام االجتماعي واالقتصادي والسياسي والقانوني ،ومن قيم وأهداف الواقع
االجتماعي واالقتصادي والسياسي ،وضمير االمة القانوني واالخالقي والحضاري على امتداد
جذوره التاريخية وايحاءات حاضره وآفاق مستقبله.
وجهات القضاء اإلداري المختصة بتفسير وتطبيق القانون اإلداري على المنازعات اإلدارية
ال يمكنها االضطالع بهذه العملية األخالقية واإلبداعية إال إذا كانت هذه الجهات القضائية قائمة
ومعنيا في تنظيمها وعملها ،وااللتزام بتطبيق
ً وعمليا
ً علميا
ً على أسس التخصص ،وتقسيم العمل
نشائيا .مثل المنهج الجدلي،
حر وا ًتفسير ًا
ًا مناهج البحث العلمي في ميدان تفسير القانون اإلداري
والمنهج االستداللي ،والمنهج التجريبي ،والمنهج التاريخي .وكذا تطبيق مضمون مذاهب المدرسة
التاريخية ،والمدرسة االجتماعية ،ومدرسة البحث العلمي الحر في مجال تفسير القانون.
كما ال يمكن لهذه الجهات القضائية اإلدارية أن تضطلع بعملية التفسير العلمي الحر
بصورة منطقية وفعالة وصحيحة وشرعية إال إذا كان لهذه الجهات القضائية سياسة واستراتيجية
قضائية واضحة ومحددة تعصمها من مخاطر االنحراف واالخطاء ،وتقودها في عملية البحث
الحر إلى الحلول القانونية والقضائية واستنباط المبادئ العامة للقانون.
1
Luc.P.Patras, Op cit PP 295-296.
30
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
والواضح اآلن في سياسة القضاء اإلداري في القانون اإلداري المقارن هو االلتزام الدائم
بمبدأ التوازن والتوافق بين متطلبات المصلحة العامة وما تقتضيه ضرورة إعطاء امتيازات وسلطات
واسعة للسلطات اإلدارية من أجل تحقيق المصلحة العامة في ميدان الوظيفة اإلدارية للدولة
بانتظام واطراد ،وبين متطلبات المصلحة الخاصة لألفراد وما تتطلبه من حتمية تحقيق الحماية
االكيدة والجدية والفعالة لحقوقهم وحرياتهم في مواجهة أعمال السلطات العامة في الدول ،فكل
قاعدة قانونية أو مبدأ قانوني عام ،أو حل قضائي وقانوني يتم إنشاؤه او تفسيره او تطبيقه يجب
ان يتم في نطاق احترام مبدأ التوازن بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة في ذات الوقت وفي
ذات األثر القانوني.
واالمثلة على مواظبة واستم اررية احترام القضاء االداري لهذه السياسة في نطاق عمليات إنشاء
الحلول القانونية واستنباط المبادئ العامة للقانون وفي نطاق عمليات تفسير وتطبيق قواعد القانون
اإلداري كثيرة ومتواترة.
تتسم عملية التفسير في القانون اإلداري بمجموعة من الخصائص الذاتية تنبثق وتستمد
وجودها من الطبيعة الخاصة للقانون اإلداري ،زمن طبيعة الدور التفسيري اإلنشائي والخالق
للقضاء اإلداري المختص بتفسير وتطبيق القانون اإلداري.
فعملية التفسير في القانون اإلداري أكثر حتمية ومصيرية ،ومن أي فرع من فروع النظام
مملوءا
ً القانوني في الدولة ،وذلك نظ ار لكون القانون ر قانونا ناقصا ،وقانونا غامضا ،وقانونا
بالثغرات ،وقانونا شديد الحركة والتغير والتطور.
31
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
فعملية التفسير أشد حتمية وحيوية في وجودها باستمرار وانتظام إداريا وقضائيا بصفة
أساسية وتشريعيا وفقهيا بصورة ثانوية وتكميلية ،وذلك لتعويض النقص الموجود في بنائه،
ولتوضيح وتحديد مضمون ومحمول أحكام قواعده ،لسد الثغرات التي تشوب قواعده وأحكامه،
ولتكييف مالئمة آثاره مع معطيات ومقومات البيئة االجتماعية والسياسية واالقتصادية والعلمية
التي تشكل محيط النشاط والقانون اإلداري.
ثانيا :تتسم منهجية عملية التفسير في القانون اإلداري بمزايا وعناصر الخلق والمنطقية والفاعلية
والحركية والواقعية والمرونة ،والحرية في اإلبداع واالبتكار لألحوال والمبادئ القانونية الالزمة،
وذلك لتتالءم عملية التفسير مع طبيعة وخصائص القانون والقضاء اإلداري ،ولتؤدي عملية
التفسير وظائفها وتحقق أهدافها المتمثلة أساسا في تغطية النقص الموجود في مصادر نظرية
القانون اإلداري ،وتفسير وتحديد محمول أحكام وقواعد هذا القانون ،وكذا سد الثغرات الكثيرة التي
تشوبه ،ومالئمة وتكييف أثاره وأحكامه مع القيم االجتماعية واالقتصادية والسياسية والعملية والفنية
التي تتفاعل والنشاط اإلداري الذي يحكمه القانون اإلداري تنظيميا ووظيفيا ومنازعات ،وكذلك حتى
تتالءم وتنسجم منهجية عملية التفسير في القانون اإلداري مع طبيعة القضاء اإلداري وطبيعة دوره
اإلنشائي الخالق في مجال تفسير وتطبيق قواعد القانون اإلداري ،وذلك بواسطة تمتع جهات
القضاء المختص بتفسير وتطبيق قواعد القانون بالسلطة التقديرية وحرية الخلق واإلبداع في مجال
تكييف وتفسير قواعد هذا القانون بصورة إنشائية وواقعية ومرنة وفعالة ومنطقية وشرعية.
ثالثا :تمتاز عملية التفسير في القانون اإلداري بالتنوع والتعدد في طرق ومراحل التفسير ووسائله
فنظر لطبيعة وخصائص القانون اإلداري الخاصة والسابقة البيان ،ونظ ار لطبيعة القضاء
وأنواعهً .ا
اإلداري وخصائص دوره ووظائفه في تفسير وتطبيق قواعد القانون اإلداري فإن منهجية التفسير
في هذا القانون تتسم باالختالف والتعدد والتنوع من حيث أساليب ومراحل تحقيق العملية
التفسيرية.
32
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
يدخل موضوع التفسير في صميم سلطة محكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة
النقض طالما كان استخالصها نية العاقدين المشتركة بيقين عبارات العقد وظروفه ،وسندرس فيما
يلي حاالت تدخل القاضي ،سواء في حاالت العبارات الواضحة ،وفي حالة العبارات الغامضة،
وذلك في المطلبين كما يلي:
قبل أن نتعرض لدراسة قواعد التفسير ،فإنه حري بنا أن نبين ما هي الحاالت التي يكون
فيها العقد محال للتفسير ،أي نحدد المجاالت التي يمكن للقاضي أن يعمل فيها سلطته التفسيرية،
وهذا يختلف بحسب عبارات العقد التي يرد عليها التفسير.
فعبارات العقد إما أن تكون واضحة الداللة على إرادة العاقدين ،بحيث ال تحتاج إلى تفسير،
اضحا ولكن طبيعة العقد
غامضا أم كان في ذاته و ً
ً واما أن ال تكون كذلك سواء كان اللفظ في ذاته
أو ظروف التعاقد تشعر بأن مدلول اللفظ ال يتفق مع قصد العاقدين ،فتحتاج عندها إلى تفسير.
وفي هذه الحالة إما أن يستطاع عن طريق التفسير الوصول إلى معرفة قصد الطرفين في
غير شك ،واما أن يبقى الشك حائما حول حقيقة ما قصداه.
ويتضح أن المشرع الجزائري حصر حاالت ثالث للعبارات الواردة في العقد يمكن أن
تعرض للقاضي في خصوص التفسير:
الحالة األولا :تكون عبارة العقد فيها واضحة ،والقانون يميز هنا بين نوعين من الوضوح:
33
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
.1عبارة واضحة معبرة عن إرادة واضحة ،فال تحتاج في األصل إلى تفسير إال إذا كانت
تعبير صادقا عن اإلرادة.
بالرغم من وضوحها ال تعبر ًا
.2عبارة واضحة ال تعبر عن إرادة واضحة ،بمعنى أن العبارة رغم وضوحها إال أنها ال
تكشف عن وضوح اإلرادة .فيكون العقد هنا محال للتفسير ،حسب غالب الفقه والقضاء.
الحالة الثانية :تكون فيها عبارة العقد غامضة وال تكشف عن النية الحقيقة ألطراف العقد.
الحالة الثالثة :تكون فيها عبارة العقد محل شك وابهام ،تطبق بشأنها قواعد خاصة.
.1الشك الذي يحوط بعبارات عقد من عقود العادية (عقود المساومة) ،وهنا توجد قاعدة
أصلية تطبق في مجال تفسير الشك.
.2الشك الذي يحوط بعبارات عقد من عقود اإلذعان ،وهنا تقرر قاعدة استثنائية.
وسندرس فيما يلي حاالت تدخل القاضي وسلطته القاضي في تفسير العبارات الواضحة،
والتي يمكن تقسيمها إلى فرعين.
األصل في العقد أن يكون واضح العبارة ،وأن تكون عباراته متطابقة مع النية المشتركة
التي يريدها طرفاه ،وهو بحالته هذه ال يشكل صعوبة كبيرة في تفسيره.
والمقصود بالشروط الواضحة تلك البنود التي تتضمن ألفاظ حلية وغير متعارضة مع إرادة
المتعاقدين ،بحيث ال تناقض وال لبس وال شك خول نية األطراف حولها.
غير أن العقد الواضح العبارات للي بمنأى عن أي نزاع .فالعبرة بوضوح العقد أو عدم
وضوحه بما يقدره القاضي ال أطراف الدعوى ،ثم انه من حيث المبدأ ال يوجد أي نص قانوني
34
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
وقد يتضح للقاضي بعد فحص العقد أنه فعال عبارته واضحة بل ومتطابقة مع إرادة
اضحا؟ وأال يفتح القاضي بعمله
عقدا و ً
أطرافه .وهنا نحن نتساءل هل من حق القاضي أن يفسر ً
هذا جهة الرقابة عليه من طرف جهة النقض؟
حيث تنص المادة 111فقرة أولى من التقنين المدني الجزائري أنه" :إذا كانت عبارة العقد
واضحة فال يجوز االنحراف عنها عن طريق تأويلها للتعرف على إرادة المتعاقدين".
ومن المصادر المهمة التي يمكن االستعانة بها في هذا المقام هي األعمال التحضيرية
للقانون المدني المصري ،والتي ال يوجد لها مثيل في القانون الجزائري ،والذي بنقل جل مواده من
التشريع المصري دون وجود مذكرات تمهيدية ومحاضر مناقشات..
وفي هذا الصدد نجد أن المذكرة اإليضاحية للقانون المدني أوضحت على سبيل الشرح
والتوضيح نطاق سلطة القاضي في التفسير بقولها:
" ال ريب أن إرادة المتعاقدين هي مرجع ما يترتب التعاقد من آثار .وهي عبارة العقد ذاتية
بطبيعتها ،ال يمكن استخالصها إال بوسيلة مادية أو موضوعية .فإذا كانت هذه العبارة واضحة لزم
تعبير صادقا عن إرادة المتعاقدين ،وليس يجوز االنحراف عن هذا التعبير الستقصاء ما
ًا أن تعد
بالغا
أراده العاقدان حقيقة من طريق التفسير أو التأويل ،تلك قاعدة يقتضي استقرار التعامل حرصا ً
في مراعاتها".1
1
مجموعة االعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ،ج ،1ص .296
35
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
يقصد بالعبارات الواضحة تلك التي تكشف بدقة عن اإلرادة الحقيقية للطرفين ،وتتضمن
مقتضيات منسجمة ومتالئمة مع الهدف العام من التعاقد ،والتي يفهمها أي إنسان عاقل .ولكن ال
يكفي وضوح العبارة هي ذاتها إنما العبرة بوضوح اإلرادة.
وأحيانا قد يستخدم األطراف ألفاظا واضحة ولكنها غير معبرة عن حقيقة ذلك ،ومن ثم
يجب األخذ بها حتى يتمكن القاضي من الوقوف على النية المشتركة وعليه (القاضي) إجراء
التفسير لتحسسها والكشف عنها .وعليه بادئ ذي بدء أن يسلم بأن المعنى الظاهر هو مقصود
1
الطرفين حتى يقوم الدليل على عكس ذلك.
فمن الواضح في مثل تلك الحاالت خالف األطراف ال يرتبط بتفسير العقد ،بقدر ما يرتبط
بتحديد مضمونه ،وبكيفية تنفيذ االلتزامات التي تتولد عنه.
والمالحظ في البداية أن عملية التفسير ال ترد إال على عقد مكتوب ،سواء كتب طريقة
رسمية أو بطريقة عرفية ،وسواء تعلق األمر بعقد ثنائي أو مشترك أو بتصرف بإرادة منفردة.
وال مجال للحديث عن تفسير عقد إبرام بطريقة شفهية أو رضائية أو كان مجرد عالقة
واقعية غير أن العقد غير مكتوب ال ينفي أن يكون محال لإلثبات من اجل تحديد نطاقه وبيان
أثاره وبحث كيفية تنفيذه إذا حدث نزاع بشأنه.
ويقتضي وضوح العبارة أن تكون العبارة سهلة القراءة سلسة المعنى ،فإذا كانت بعض
عبارات العقد مكتوبة بأحرف صغيرة جدا بحيث تصعب قراءتها ،فإن المحاكم الفرنسية ال تعتبرها
واضحة ،وبالتالي ترفض االحتجاج بها على العاقد الذي لم يحررها وتقصر حجيتها على من
حررها.
1
عبد الرزاق أحمد السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ،الجزء االول والثاني ،دار إحياء التراث العربي ،ط ،2لبنان ،سنة
.1996الفقرة ،390ص.489:
36
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
ويفترض أن تكون لغة تحرير العقد هي نفسها لغة العاقدين ،في القانون الجزائري وسائر
القوانين العربية هي اللغة العربية ،ومع ذلك يتصور أن يعرض على القاضي تفسير عقد محرر
بلغة أجنبية كالفرنسية أو اإلنجليزية أو االسبانية ،سواء حرر داخل إحدى هذه البالد أو خارجها،
وسواء تعلق بأطراف وطنيين يحملون جنسية القاضي أو من جنسية أجنبية ،ففي كل هذه الفروض
وغيرها ال يجوز للقاضي أن يمتن ع عن تفسير العقد ،و إن تطلب األمر يستعين برجل فن يتقن
ترجمة هذه العقود.
كما يشترط في المعنى الواضح أن يكون العقد صحيحا غير معيب ،1بحيث يصبح مصيره
البطالن ،كأن يثبت الغلط في صياغته ويحتج أحد األطراف بإبطاله ،2مع أن هذا الغلط قد يكون
مشتركا ،3وفي هذه الحالة يجوز للقاضي تفسير العقد للوصول إلى النية المشتركة للطرفين مادام
أنهما لم يطلبا أو لم يطالب احد منهما إبطاله ،الن الغلط المشترك في الغالب يكون غلطا ماديا
يجوز تصحيحه واستبيان النية المشتركة لطرفي العقد باعتماد عناصر تعكس هذه النية المشتركة،
وهو ما يؤدي إلى إثبات هذا الغلط المادي في محرر مكتوب بوسيلة غير الكتابة رغم أن هذه
القاعدة التفسيرية قد تتعارض مع القاعدة إثباتية مستقرة ،وهي انه "ال يجوز إثبات ما يخالف
الكتابة إال بالكتابة" .ومن ثم فال يجوز إثبات وقوع خطا مادي في صياغة العقد استنادا إلى
عناصر خارجية.4
وفي هذا يفرق الدكتور احمد شوقي عبد الرحمن بين العوامل الداخلية والخارجية للعقد ،إذ
يقول" :أن االستناد على عناصر خارجية للعقد بوجود التعارض بين المعنى المفهوم من عبارة
العقد والنية المشتركة يتضمن مخالفة أو تجاوز للدليل المكتوب ،وهو أمر ال يجوز إال بالكتابة.
1
أحمد الشيني ،تكوين العقد وتفسيره ،ص.146-145 :
2
استئناف طنطا ،جلسة 22جاني ،1962س ،44رقم ،57ص .70
3
ذهبت محكمة االستئناف المختلطة في حكم لها بتاريخ 12جوان 1946إلى عدم اعتبار التسمية الواردة في العقد للشيء المبيع ،إذا كانت
الصفات المتفق عليها لهذا الشيء تفيد وقع غلط في هذه التسمية.
4
يرى الفقيه السنهوري أنه يجوز إلثبات الغلط ،وهو واقعة مادية ،بجميع ذرق االثبات أي لالستدالل على أن المتعاقدين أساء استعمال
التعبير "الوسيط" المرجع السابق ،ج 1فقرة ،391ص .490
37
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
أما إذا تضمن العقد المكتوب في ذاته عناصر داخلية تعكس النية المشتركة فيمكن
1
إعمالها حتى ولو تعارضت مع شرط واضح".
وفي هذا الصدد قضى في فرنسا بأنه" :إذا كانت عبارة الوصية واضحة في تعيين
الموصى له باسمه ولقبه هو درجة قرابته ،فال يجوز االستعانة بالشهادة إلثبات غلط الموصي."...
كما تبنت أحكام القضاء المصري هذا االتجاه حديثا.2
ويفترض أن يكون المعنى الواضح متفقا مع عادة الطرفين :حيث يرى الفقه أن المعنى
الواضح لعبارة العقد هو ذلك المعنى الذي جرت عليه العادة في فهم اللفظ ،3بغض النظر عن
خبرتهما و مستواهما الفني والمعرفي.
ولكن الصعوبة تثور في تحديد المكان والزمان الخاص بالعادة التي يتحدد على أساسها
معنى العبارة الواردة في العقد ،إذ أن المعنى العادي للعبارة يختلف من مكان آلخر ،ثم إن هذا
المعنى في نفس المكان قد يتغير بمرور الوقت.
فالنسبة للمكان الذي يعتد به في تحديد المعنى العادي للفظ قد يكون التعاقد بين حاضرين
(الموجب والقابل) ،وهنا ال يثير مشكل ،فالمكان المعتد به في التفسير هو مكان مجلس العقد ،أما
إذا كان التعاقد بين غائبين ،بحيث يتواجد الموجب في مكان يبتعد عن الموجه إليه اإليجاب ،فإن
البعض من الفقه يميل إلى ترجيح المعنى العادي في المكان الذي يتواجد فيه الموجب إليه
4
اإليجاب.
وهذا أمر أقرت به محكمة النقض الفرنسية حينما اعتدت بالمعنى العادي المقرر في
المكان الذي يقيم فيه الموجه إليه اإليجاب وأغفلت المكان الموجه إليه الموجب.
1
أحمد شوقي عبدالرحمن ،قواعد تفسير العقد ،المرجع السابق ،فقرة ،20ص.21-20
2
نقض مدني مصري ،جلسة 26أفريل ،1983مجموعة النقض المدنية ،س ،35ص.281 :
3
أحمد شوقي عبدالرحمن ،قواعد تفسير العقد ،المرجع السابق ،فقرة ،13ص15
4
المرجع نفسه ،فقرة ،13ص .16
38
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
وبالنسبة للوقت الذي يعتد به في تحديد المعنى العادي للفظ فإنما يتحدد بوقت إبرام العقد.1
وال يلتفت إلى معنى جدير ط أر على األلفاظ المستخدمة في العقد في وقت الحق على
إبرامه ،وبالمثل ال يعتد بالمعنى القديم للفظ في وقت يسبق إبرام العقد إال إذا تضمن االتفاق ما
يفيد األخذ بها المعنى.
ويالحظ أن المقصود من هذا النص يكون عبارة العقد واضحة ،وهو وضوح في إرادة
العاقدين ال مجرد استعمال ألفاظ واضحة المعنى ،الن العبرة هي بوضوح اإلرادة ال بوضوح
األلفاظ ،إذ قد يكون اللفظ المستعمل واضحا ولكن طبيعة العقد أو ظروف إبرامه تشعر بأنه قصد
به معنى غير مع ناه الظاهر فيحتاج األمر إلى استجالء إرادة العاقدين ويجوز حينها إلى التفسير
والقول بغير ذلك مؤداه تغليب اإلرادة الظاهرة على اإلرادة الحقيقة ،أو تغليب األلفاظ والمعاني على
المقاصد والمعاني ،أو رجوع إلى قواعد الشكلية أو اللفظية في العقود ،وهو ما يخالف المبادئ
األساسية التي بنى عليها المشرع إحكام نظرية العقد.
وبناء عليه يرى الدكتور حسام الدين االهواني انه من غير الصحيح القول بان العبارة
تفسير للعقد
ًا الواضحة قد تحتاج إلى تفسير .فبحث واثبات عدم مطابقة اللفظ لحقيقة اإلرادة ليس
إنما هو إثبات للغموض يعقبه التفسير ،فالغموض يسبق الحاجة إلى التفسير .فالخالف يثور حول
ما إذا كانت العبارة واضحة أو غامضة فإذا انتهينا إلى أنها واضحة فال محل التفسير .واذا استقر
األمر على وجود الغموض فان الحاجة للتفسير تتوافر .فهناك فاصل ذهني بين إثبات غموض
العبارة بعدم مطابقتها لحقيقة اإل اردة ،وبين التعرف على حقيقة اإلرادة عن طريق التفسير .فهما
ذهنيا.2
أمران ال يختلطان ،وان كانا غالبا متدخالن ظاهريا وليس ً
1
محكمة االسكندرية المختلطة ،جلسة 15أفريل ،1914م ،26ص .33
2
حسام الدين كامل األهواني ،النظرية العام االلتزام ،المرجع السابق ،فقرة ،363ص .276
39
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
العقد الواضح يدل على معنى معين ال سبيل الن يفهم منه معنى غيره ،فهو صريح وقطعي
الداللة ،ومن ثم فان سلطة القاضي في تفسير العبارات الواضحة استثنائية ،ومقيدة بضوابط عملية
من لعل أهمها الرقابة من طرف جهة النقض جعلتها ،وهي الرقابة التي قررت من اجل المالئمة
بشأن إمكانيه تفسير بعض البنود الواضحة منها ،ومن هذه الضوابط ما يلي:
-انه إذا ما حمل العبارة على معنى مغاير لظاهرها على القاضي أن يبين في حكمه
األسباب المقبولة التي تبرر هذا المسلك ،ولما كان ما وضعها المشرع على سبيل اإللزام
وينطوي الخروج عنها على مخالفة للقانون لما فيه من تحريف مسخ وتشويه لعبارة العقد.
واذا كان المشرع المصري في مذهبه قد اعتد باإلرادة الباطن واعتبر التعبير عليها
1
باالفتراض مطابقته لها حتى يقوم الدليل على عكس ذلك.
-وكذلك إلزام القاضي بعدم العدول عن المعنى الظاهر طالما لم يقم المبرر لديه.2
ويمنعنا ذلك عدم غلق الباب أمام قاضي الموضوع في تفسيره للعبارات الواضحة ،بل
أعطته ذلك بالعدول عن المعنى الظاهر طالما كانت في ظروف الدعوى ومالبستها ما يبرر ذلك
إال أن محكمة النقض استلزمت أن يسبب قاضي الموضوع األسباب التي دفعته إلى ذلك ،أن
3
قصر في ذلك استوجب نقض حكمه.
وقد أوضحت محكمة النقض المصرية حدود سلطة القاضي في هذا المجال عندما قضت
بأن " :القاضي ملزم يأخذ عبارة المتعاقدين الواضحة كما هي ،فال يجوز له تحت ستار التفسير
1
في حكم حديث لمحكمة النقض المصرية قضت فيه ،بأن مفاد نص م 1/150الواضحة ويخضع بهذه المثابة لرقابة محكمة النقض ،نقض
مدني ،جلسة 30نوفمبر ،1977س 28طعن رقم ،296ص .1724
2
نقض مدني ،جلسة 20ماي ،1986طعن رقم ،347س 52ق.
3
نقض مدني ،جلسة 17أفريل ،1984س 51ق ،رقم .836
40
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
االنحراف عن مؤداها الواضح إلى معنى أخر ،وعلى القاضي أن يلتزم بعبارات العقد الواضحة
باعتبارها تعبي ار صادقا عن إرادة المشتركة المتعاقدين فال يجوز االنحراف عنها بدعوى تفسيرها".1
ومع ذلك فانه يتصفح بعض االجتهادات المصرية القديمة ،نرى كيف أن القضاء المصري
سمح لنفسه بتفسير العبارات الواضحة إذا اقتضت الظروف تفسيرها.
واذا كان القانون المصري الملغى لم يتضمن نصا مماثال للفقرة األولى من المادة 150
من القانون المدني الحالي إال أن المشرع المصري بإيراده لهذا النص إنما أراد تقنين ما استقر عليه
قضاء النقض في ظل التقنين القديم واستمرار قضاء النقض في ظل التقنين الجديد .وهذا يعني
عدم األخذ بظاهر النص المادة 1/150مدني أو بحكمه على إطالقه ،حظر تفسير العبارات
الواضحة كلية ،وانما كان خطر تفسير النص الواضح يقوم إذا لم تتوافر الظروف الخارجية المبررة
للعدول عن المعنى الظاهر لعبارات العقد.
أما إذا قامت هذه الظروف ،فللقاضي أن يعدل عنه على خالفه طالما انه يتفق وقصد
المتعاقدين ،شريطة أن يوضح في حكمه هذه الظروف التي دعته على ذلك.
واذا لم يوضح القاضي األسباب التي دعته إلى العدول عن اللفظ الواضح إلى غيره أو أوضحها
ولم تكن كافية كان حكمه مستوجبا نقضه .إما إذا كانت أسباب الحكم طافية لحمل ما انتهى إليه
سلم من نقصه.
كأصل عام يتعين على القاضي عند استقصاء نية الطرفين أن ويتقيد بما يقول به عبارة
العقد إذا ظهر أنها تتطابق مع النية المشتركة لطرفين ،فإذا شوه العقد وخرج عن معناها الظاهر
إلى معنى أخر بحجة التفسير كان هذا تحريفا لم قصده المتعاقدان ،وبالتالي خروجا عن نص
المادة 02/111مدني جزائري المقابلة للمادة 01/150مدني مصري ،وال يعذر القاضي في ذلك
حتى ولو بنى حكمه على مبررات العدالة ،أو مراعاة مصلحة احد األطراف ،وال يقبل منه أي
1
نقض مدني ،جلسة 04جانفي ،1990مجموعة الكتب الفني ،لسنة ،41ص ، 128 :رقم .28
41
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
تسبيب أخر إذا ثبت عدم التناقض بين التعبير واإلرادة ،بل يلزم منه تطبيق القانون وكفى ،بغض
النظر عن النتيجة التي توصل إليها ،ولو كان غير مقتنع بها ،والقاعدة تقضي انه ال مجال
لالجتهاد في وجود النص أو البند الصريح الواضح المحدد.
ويجب على القاضي أن القانون يطبق القانون ،ويفترض في هذا القانون انه مطابق
اقعيا غير ذلك ،فليس من صالحية القاضي صنع القانون ،فذلك شأن يهم
للعدالة ،حتى ولو كان و ً
المشرع .وطريق االجتهاد ال يكون على في حال عدم وجود نص صريح.
وبناء على ما سبق ،فان تفسير القاضي للعبارة الواضحة المتطابقة مع اإلرادة يؤول إلى
نقض الحكم بما فيه من تحريف ومسخ للعقد ،وبالتالي مخالفة للقانون ،ذلك أن العقد ما هو إال
قانون للطرفين كما هو مستقر عليه في الفقه والقضاء والتشريع الفرنسي.
وعليه فتمارس جهات النقض رقابتها عن كل تفسير محرف للعقد ومشوه إلرادة الطرفين
المجسدة في هذا العقد .وهذا ما تأخذ به محكمة النقض المصرية في الكثير من أحكامها 1جارية
بذلك على نسق ما جرى به قضاء محكمة النقض الفرنسية.
وقد عرفت محكمة النقض المصرية االنحراف بأنه" :حمل عبارات العقد على معنى
يخالف ظاهرها ،واالنحراف عن المعنى الظاهر للعقد الواضحة بهذه المثابة يخضع لرقابة محكمة
النقض"
فاالنحراف في أصله ما هو إال فساد في التفسير ،حين يحرف القاضي ويمسخ إرادة
المتعاقدين الواضحة ،ويقلب بالتالي اقتصاديات العقد بتعديل أثاره.
وعرفت االنحراف في مناسبة أخرى انه حمل عبارات العقد على معنى يخالف ظاهرها ،إما
إذا االنحراف محكمة الموضوع عن إدارة العاقدين الصريحة الواضحة ،إلى أي معنى أخر رأت
إمكان الوصول إليه من طريق االجتهاد والتفسير ،فإن حكمها يكون مخالفا القانون متعين النقض.
1
نقض مدني مصري ،في 11جوان ،1963مجموعة القواعد القانونية ،ج ،1ص ،1155لسنة 53ق.
42
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
وقررت في احدث أحكامها عدم جواز االنحراف عن عبارات العقد الواضحة عن طريق
تفسيرها ،إذ يجب اعتبارها تعبي ار صادقا عن إرادتهما المشتركة ،وذلك رعاية لمبدأ سلطان اإلرادة
وتحقيقا الستقرار المعامالت.
وفي هذا الصدد دائما قضت محكمة النقض المصرية" :إذا كانت عبارات العقد واضحة فال
يجوز االنحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين أو حملها على معنى مغاير
ولظاهرها ما لم يبين القاضي في حكمه األسباب المقبولة التي تبرر ذلك ،ويخضع في هذه الحالة
لرقابة محكمة النقض".
وأكدت محكمة النقض المصرية في العديد من أحكامها بان االنحراف عن المعنى الظاهر
للعقد مسخ له ،وان تخصيص النص العام المطلق في العقد من غير مخصص ينطوي على مسخ
العقد.
وانه إذا ما أخذ قاضي الموضوع بالمعنى الظاهر للعبارات الواضحة في العقد فإنه ال
يخضع لرقابة محكمة النقض ،وال يكون عليه أن يسبب أخذه بهذا المعنى.
وقضت أيضا انه" :إذا كانت المحكمة في تفسيرها ورقة من أوراق الدعوى لم يخالف ظاهر
معناها فال يكون عليها أن تورد أسبابا لذلك ،الن اقتضاء األسباب محله أن تكون المحكمة قد
صرفت اللفظ عن ظاهر معناه يكون عليها أن تبين ما حملها على هذا التصرف".
وقد اشترطت محكمة النقض الفرنسية هي األخرى ضابط عم التحريف وعدم الخروج عن
عبارات العقد الواضحة في عده أحكام لها.
ونفس الضابط نلمسه في قرار المحكمة العليا بالجزائر التي جاء فيها:
"من المقرر قانونا أن العقد شريعة المتعاقدين فال يجوز نقضه وال تعديله إال باتفاق الطرفين أو
لألسباب التي يقررها القانون ،ومن ثم فإنه ال يجوز للقضاة أن يفسروا إرادة األطراف الصريحة بما
43
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
يتنافى معها ...ومتى كان كذلك استوجب نقض وابطال الق ارر المطعون فيه تأسيسا على الوجه
المثار من الطاعنين بمخالفه أحكام هذا المبدأ".1
وهو ما ذهب إليه قضاء محكمة النقض السورية التي جاء في احد ق ارراتها" :إذا كان هناك
محل لتفسير العقد فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف على المعنى الحرفي
لأللفاظ مع االستهداء بطبيعة التعامل وما ينبغي أن يتوافر من أمانه وثقة بين المتعاقدين وفقا
للعرف الجاري في المعامالت ...
وما لم تبلغ عبارات العقدين الموضوع الحد الذي يدعو إلى عدم االنحراف عنها تعين على
المحكمة عند تفسيرها للعقد البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين ومن دون الوقوف على المعنى
الحرفي.
ولمحكمة النقض أن تراقب كل حكم يمسخ فيها القاضي شروط العقد أو يفضل فيه احترام
النصوص الصريحة القاطعة .وهذه الرقابة ال تعدوا كونها رقابة على أسباب الحكم من ناحية
كفايتها أو عدمها".2
وهذا الحكم نجده مطبقا في العديد من المحاكم العليا في البالد العربية ،ومن ذلك محكمة
التعقيب بتونس ،وأيضا محكمة التمييز األردنية ،وكذا محكمة التمييز اللبنانية.
وبهذا العرض نكون قد حددنا أن المقصود بالعبارة الواضحة هي التي تبين إرادة الطرفين
"الحقيقية" .فليس وضوح العبارة في ذاتها وهي اإلرادة الواضحة التي سلمت بها قضاء النقض.
وبالتالي إذا كان وضوح العبارة ال يكشف عن اإلرادة "الحقيقية" جاز االنحراف عنها بشرط أن
يكون هناك المبرر لذلك.
ونصل إلي نتيجة مفادها أن ما قصدته التشريعات المقارنة ،ومنها التشريع الجزائري من
عدم اللجوء إلى التفسير عند وضوح العبارة ،إنما كانت تقصد به وضوح اللفظ المقترن بوضوح
1
قرار الغرفة المدنية بتاريخ 03أفريل ،1985ملف رقم ،33528م ق ،سنة ،1989العدد الرابع ،ص.48 :وأيضا قرار الغرفة التجارية،
بتاريخ 16جوان ،1991ملف رقم ،80816م ق ،العدد الرابع ،سنة ،1993ص.151 :
2
نقض مدني ،بتاريخ 1أكتوبر ،1987رقم ،1476أساس ،1074سجالت النقض.
44
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
اإلرادة ،فوضوح اللفظ وحده ال يكفي ،كما سنرى الحقا ،وهذا هو روح النص ،ففهم النصوص
التشريعية وتطبيقها يكون طبقا للفظها وفحواها.1
وهو أمر يتماشى مع نظرية اإلرادة الباطنة التي استقرت في أعماق الكثير من التشريعات
العربية ،وهو أمر تأكدنا من خالل استعراض رأي الفقه والقضاء فيها.
وهذا يتفق مع القاعدة الفقهية اإلسالمية المعروفة القائلة" :األصل في الكالم حمله على
الحقيقة ،وال يحمل على المجاز إال إذا تعذر ذلك" ،وهي القاعدة التي قننتها مجلة األحكام العدلية،
وبعض التشريعات العربية ،حتى وان كان الرأي الراجح والغالب في الفقه اإلسالمي هو نظرية
اإلرادة الظاهرة.
رأينا فيما سبق أن العبارة الواضحة ال يجوز تفسيرها إال إذا كان الوضوح يشمل الوضوح
اللفظ واإلرادة معا ،وكل تفسير أو تأويل لها من جانب القاضي ،ولو مع مبررات العدالة ،يعد
تحريفا للعقد ،حتى ولو كان حكم القاضي مسببا تسبيبا مقنعا ،ويخضع بالتالي لرقابة جهة النقض،
إال انه قد يحدث وان تكون العبارة واضحة ،لكنها غامضة بالنسبة إلى داللتها على ما قصدته
إرادة المتعاقدين ،أي أن الوضوح في العقد يقتصر في هذه الحالة على اللفظ دون أن يظهر في
اإلرادة ،وبعبارة أخرى أن المتعاقدان أساء استعمال اللفظ السليم والتعبير الصحيح عن ما يريدانه،
فقصدا معنى معين وعب ار عنه بلفظ ال يستقيم في هذا المعنى وهو واضح معنى أخر.2
فهل للقاضي سلطة في التفسير في مثل هذه الحالة؟ وهل يرجح العبارة الصريحة أو إرادة
الطرفين المشتركة أم العكس؟ و ما هي ضوابط التفسير التي يلزم يتقيد بها؟
1
انظر المادة االولى من القانون المدني الجزائري.
2
عبد الرزاق السنهوري ،مصادر الحق في الفقه االسالمي ،المرجع السابق ،ص .31
45
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
من اجل الوقوف على النية المشتركة للمتعاقدين فان مهمة القاضي في التفسير ال تقتصر
على وضوح اللفظ فقط ،فعبارات العقد قد تحيد أو تجانب صواب اإلرادة المشتركة لطرفي العقد.
فالترجيح هنا يكون لإلرادة بالدرجة األولى ،على الرأي الغالب في الفقه والقضاء الوضعي ،السيما
في القانون الفرنسي والدول التي سارت على دربه ،ومنها الجزائر ومصر على سبيل المثال.
فللقاضي أن يترك المعنى الظاهر الذي تدل عليه عبارة العقد إلى معنى أخر يصل إليه
طريق التفسير ويراه أكثر اتفاقا مع إرادة المتعاقدين ،وتفسيره اللفظ الواضح في هذه الحالة ال يعد
انحرافا للعقد عن معناه الظاهر إلى المعنى الذي قصد إليه المتعاقدان.
فالعبرة هي بوضوح اإلرادة ال اللفظ ،كما تقول محكمة النقض المصرية في العديد من
أحكامها ،أي أن وضوح العقد أو غموض يقاس بوضوح أو بغموض إرادة الطرفين المشتركة وليس
تعبير صحيحا
ًا بوضوح أو غموض عبارة العقد ،إال أن المفروض في األصل أن اللفظ يعبر
وصادقا عن ما تقصده اإلدارة ،وان البحث في المدى التطابق بين اللفظ و اإلرادة يكون بالرجوع
إلى باقي بنود العقد .فالعقد إذا نظرنا إليه ككل واحد يكمل نصوصه بعضها بعض قد يتضح جليا
التطابق بين األلفاظ و اإلرادة وحينئذ يمتنع التفسير.
غير أن الوصول إلى هذه النتيجة ،التي تقضي بتفسير العبارة الواضحة لم يكن ليمر على الفقه
والقضاء بسهوله وبدون مناقشه تذكر ،السيما في ظل التضارب الفقهي بين أنصار اإلرادة الباطنة
من جهة ،وأنصار اإلرادة الظاهرة من جهة ثانية.
ثانيا :نطاق سلطة القاضي في تفسير العبارة الواضحة غير متطابقة مع اإلرادة.
األصل في تفسير الوضوح هو أن يبقى القاضي ملزما بتطبيق ما جاء في العقد عندما
تتضح له بتفحص العقد أن عباراته واضحة وتتفق كليا مع اإلرادة أطرافه ونيتهم المشتركة.
46
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
وعليه فان أي تفسير للعبارة الواضحة من قبله تشكل انحراف أو تشويها للعقد في حد ذاته
وهو األمر الذي لم يلفت من رقابة جهة النقض .فالخروج عن المعنى ينطوي على تعديل لعقد ال
1
يملكه القاضي".
فالقاضي ملزم بأن يأخذ عبارة المتعاقدين الواضحة كما هي ،خاصة إذا تطابقت مع
عبارات العقد ،فال يجوز تحت ستار التفسير االنحراف عن مؤداها الواضح على معنى أخر ألنه،
ال مجال لالجتهاد في موضوع العقد طالما أن عباراته واضحة.
فسلطة القاضي في تفسير العقد مقيدة بضابط قانوني مهم وهو ضرورة عدم التحريف
2
والمسخ أيا كان الدافع إلجرائه ،حتى ولو اقتضته عدالة القاضي.
أما إذا ظهر العكس ،كما في حالة عدم تطابق اإلرادة مع العبارة ،وهي في الواقع صورة
من صور الغموض ،فيكون للقاضي سلطة التفسير .وال يعد ذلك تحريفا للعقد لكن ،بشرط تعليل
حكمه.
وبعبارة أخرى إذا اتضح للقاضي أن األلفاظ المستعملة في محرر العقد ال تعبر عن حقيقة
نية األطراف كنا بصدد عبارة غير جلية الداللة وكان العقد حينها محتاجا للتفسير .العبارة في
الوضوح في العقد محل بحث وليس بوضوح أو بغموض مجرد.
فالغموض أو عدمه حالة تتصل بعقد محدد بالذات ،فليست العبرة بوضوح عبارة أو لفظ
في حد ذاتها بمعزل عن باقي العقد ،ذلك أن العبارة الواضحة في ذاتها قد تثير غموضا في
اإلطار مجموعة العقد مما يخل ع عليها في الحقيقة صفة الوضوح ،وعلى العكس فان العبارة
الغامضة في ذاتها قد يتضح مدلولها بالرجوع إلى باقي نصوص العقد بحيث تكون واضحة في
3
إطار عقد بمنأى عن التفسير.
1
حسام الدين كامل االهواني ،النظرية العامة لاللتزام ،المرجع السابق ،فقرة ،361ص .276
2
أحمد محمود سعد ،السلطة التقديرية للقاضي المدني ،دار النهضة العربية ،ط ،1سنة ،1977ص .30
3
حسام الدين كمال االهواني ،النظرية العامة لاللتزام ،المرجع السابق ،فقرة ،362ص .277
47
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
وعدم الوضوح أيضا يظهر إذا ما كانت عبارة المحرر تحتمل أكثر من معنى ،فإذا أخذت
المحكمة بأحد هذه المعاني ،فيعني عليها بأنها لم تأخذ بتفسير أخر كانت تحتمله عباراته ال يعدو
1
أن يكون جدال فيما يدخل في سلطة قاضي الموضوع التقديرية.
فالشرط الوارد في العقد يكون واضحا إذا كان ال يحتمل أكثر من معنى وفقا إلرادة
المتعاقدين من وظروف المنازعة .فال تعتبر الشرط غامضا من لمجرد التشكيك في وضوحه من
احد طرفي العقد.
وتقرير الوضوح من عدمه يكون بالنظر لمجموع العقد وكافة الظروف المحيطة وإلرادة
المتعاقدين ،الن الغموض غموض اإلرادة ال اللفظ .كما أنه يفترض في عبارة العقد الواضحة أنها
تمثل إرادة الطرفين المشتركة ما لم يثبت عكس ذلك.
وعدم الوضوح ال يتعلق بعبارة العقد وانما يكون من شان العبارات المستعملة إضفاء
الغموض على العقد في مجموعة ،بحيث يظهر عدم انسجامه مع مضمون نية الطرفين ،فيجب
على المحكمة عندها أن تفسره على أن ينصب تفسيرها على العقد أو المحرر ككل في مجموعها
2
باعتبارها وحده متصلة متماسكة الستجالء معنى كل عبارة وردت فيه.
وقد استقر الفقه والقضاء على أن لمحكمة الموضوع كامل السلطة في تفسير العقود
وتأويلها واستخالص ما تراه غير متعارض مع إرادة وحقوق عاقديها مستعينة بجميع وقائع الدعوى
وظروفها ،أي أن من حق المحكمة تفسير صيغة العقد وردها إلى الواقع القانوني الذي ينطبق
عليها وليس لما تضيفه عليها األطراف من عبارات ووصف.
ثالثاا :ضوابط سلطة القاضي في تفسير العبارات الواضحة غير المتطابقة مع اإلرادة.
للقاضي السلطة في تفسير صيغ العقود والشروط والقيود المختلفة عليها ،في ضوء ظروف
الدعوى ومالبساتها ،على أن يأخذ باإلرادة الظاهرة عند وضوح العبارة على أساس أن اإلرادة
1
نقض مدني مصري ،جلسة 27ديسمبر – 1981الطعن رقم ،1233لسنة 48ق.
2
نقض مدني مصري ،جلسة 22مارس ،1983الطعن رقم ،1843السنة 49ق .ونقض مدني ،جلسة 21فيفري ،1984الطعن رقم
،1528لسنة 53ق.
48
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
الظاهرة ال تختلف عن اإلرادة الباطن ،بل هما واحدة ،أي أن اإلرادة الظاهرة ليست سوى دليل
على اإلرادة الباطن .فإذا ثبت العكس ،أي وجد االختالف بين اإلرادة الظاهرة واإلرادة الباطن،
وجب على القاضي حينها أن يأخذ باإلرادة الباطن وان خالفت اإلرادة الظاهرة شرط أن يعلل
األسباب ،بحيث يتضح أن القاضي قد أخذ في تفسيره باعتبارات مقبولة يصح منها منطقيا
استخالص ما توصل إليه.
ونعيد التذكير بأن القاضي وهو بصدد إعمال سلطته التقديرية في تفسير العبارات الواضحة
غي ر مطلق الحرية ،والسيما في عقد المساومة وسائر العقود العادية التي ال إذعان فيها ،إنما
يخضع لضوابط قانونية وعملية يتعين عليه مراعاتها ،تحت سلطان رقابة محكمة النقض وهي:
أولا :عليه أن يأخذ بعين االعتبار اإلرادة المشتركة للمتعاقدين وليس اإلرادة الفردية لكل منهما ،إذ
أن اإلرادة المشتركة هي التي أنشأت العقد ،ومن ثم فهي التي يلزم القاضي وتقيده عند التفسير.
ثانيا :عليه أن يبين في حكمه األسباب التي دعته إلى العدول عن المعنى الظاهر للعبارة ا
الواضحة في العقد إلى المعنى الذي رجحه ،بحيث يتضح من هذا البيان أنه أخذ باعتبارات مقبولة
تؤدي عقال إلى النتيجة التي انتهى إليها.
ويجب على القاضي "المفسر" أن يعلل تعليال منطقيا حكمه بأن يذكر بدقة في حيثيات
حكمه األسباب التي أدت به إلى العدول عن المعنى الظاهر للعبارة الواضحة في العقد إلى المعنى
الذي توصل إليه إلى غيره ،واال نقض الحكم لقصور التسبيب.
ويتعلق التسبيب بمسألة قانونية مختلطة بالواقع يخضع فيها لرقابة محكمة النقض ،فالتعليل
هو في األصل مبدأ الدستوري ،ونقض األحكام هو بمثابة تأنيب لقاضي الموضوع لما ارتكبه من
أخطاء واضحة وسوء تقدير بعدوله عن المعنى الواضح للفظ المستعمل إلى معنى آخر دون أن
يسبب ذلك تسبيبا كافيا ،بل وربما جزاء لتعسفه في ممارسة سلطته التقديرية.
وللقاضي في هذه الحالة أن يعتد بما تعنيه عبارة معينة دون غيرها ،بل يجب عليه أن يأخذ
بما تفيده العبارات بأكملها وفي مجموعها باعتباره وحدة متصلة متماسكة.
49
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
كما أنه من المقرر أنه ،وان كان لمحكمة الموضوع سلطة تفسير العقود والشروط للتعرف
على مقصود المتعاقدين ،إال أن ذلك مشروط بأال تخرج في تفسيرها عما تحتمله عبارات تلك
العقود أو تجاوز المعنى الظاهر لها وأنه على القاضي إذا ما أراد حمل عبارة المتعاقدين على
معنى مغاير لظاهرها أن يبين في حكمه األسباب المقبولة التي تبرر العدول عن هذا المدلول
الظاهر إلى خالفه وكيف أفادت تلك العبارات المعنى الذي اخذ به ورجح انه مقصود المتعاقدين،
حيث يتضح لمحكمة النقض من هذا البيان أن محكمة الموضوع قد اعتمدت في تأويلها لها على
اعتبارات معقولة يصح عقال استخالص ما استخلصته منها".
وتبسط محكمة النقض رقابتها على قاضي األساس في تفسير العبارات الواضحة عن طريق
رقابة تعليل الحكم ،وعن طريق تكريس هذه الرقابة ترى ما إذا كانت محكمة الموضوع قد التزمت
المعنى الواضح للفظ الظاهر .فإذا تبين ذلك لم تكن بحاجة إلى تعليل الحكم لهذه الجهة ،بل
تكتفي باإلشارة إلى وضوح المعنى لذي يعبر عن حقيقة مقاصد المتعاقدين .وال تكون خاضعة في
حكمها عندئذ لرقابة محكمة النقض.
أما إذا انصرفت عن المعنى الواضح إلى معنى آخر معتبرة انه هو الذي ينطبق على قصد
المتعاقدين فال بد لها عندئذ من تعليل رأيها إال كانت خاضعة في حكمها لرقابة محكمة النقض.
ابعا :هل األخذ بالمعنا الظاهر للفظ الواضح هو دليل علا األخذ باإلرادة الظاهرة.
ر ا
بمقارنة هذه الحالة (وضوح العبارة واإلرادة) بالحالة السابقة (حالة وضوح العبارة دون
اإلرادة) يتبين انه إذا كان المشرع قد أوجب على القاضي أن يأخذ في الحالة األولى باإلرادة
الظاهرة من اللفظ الواضح ،فليس ذلك ألنه يغلب اإلرادة الظاهرة على اإلرادة الحقيقة ،وانما ألنه
يفترض فقط مطابقة اإلرادة الظاهرة لإلرادة الحقيقة فرضا قابال إلثبات العكس ،فإذا قام الشك في
صحة هذا الغرض ،جاز إثبات عكسه ،وعندئذ يتعين على القاضي أن يطرح اإلرادة الظاهرة التي
ثبت عدم مطابقتها لإلرادة الحقيقة وأن يأخذ بهذه األخيرة.
50
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
ومما سبق يتبن أن الشارع يحرم على القاضي االنحراف عن العبارة الواضحة في العقد ،ال
يأخذ باإلرادة الظاهرة ،على أساس أن هذه هي اإلرادة الباطنة ،أي يعتبر األولى دليال أو معوال
على الثانية ،بحيث إذا ثبت للقاضي أن هناك تغاي ار ما بين اإلرادتين وجب عليه أال يأخذ باإلرادة
الباطنة دون اإلرادة الظاهرة مع ذكر هذا الدليل في أسباب الحكم ،ولكنها دليل يقبل إثبات العكس،
1
ومتى ثبت العكس ،فالعبرة هي باإلرادة الباطنة.
يعطي المشرع للقاضي سلطة أوسع في التدخل لتفسير عبارات العقد ،وهو األمر الذي لم
يثر جدال كبي ار لدى الفقه والقضاء بخالف ما أثير بشأن تفسير العبارات الواضحة وربما يعود
السبب إلى تباين مواقف الفقه والقضاء ،وليس التشريعات ،من مسألة األخذ باإلرادة الظاهرة أو
اإلرادة الباطنة على النحو الذي سبق عرضه.
ويأخذ عدم الوضوح صورتين :صورة عدم وضوح العقد واإلرادة معاً ،وهو ما يعبر عنه
بالغموض ،وصورة أبهام العقد والعجز عن تحديد إرادة أطرافه وفهم مضمونه ،وهو ما يعبر عنه
2
بالشك.
وفي كلتا الحالتين تكون للقاضي الحرية في استجالء النية المشتركة للمتعاقدين ،الغموض
قد يتمكن القاضي من اللجوء إلى استعمال بعض الوسائل المادية ،وأيضا وسائل اإلثبات في
بعض األحيان ،دون إهمال الجوانب الشخصية للمتعاقدين.
غير أنه قد يعجز القاضي عن استخالص نية الطرفين المشتركة بالرغم من استهدائه
بمختلف هذه العوامل التي وفرها له القانون .وهذا يعني انه يوجد شك يحوط عبارات اللفظ بل
وحتى إرادة الطرفين.
1
مقني بن عمار ،القواعد العامة للتفسير وتطبيقاتها في منازعات العمل والضمان االجتماعي – دراسة مقارنة -رسالة دكتواره في القانون
االجتماعي ،جامعة وهران السانيا ،كلية الحقوق قسم القانون الخاص ،سنة .2009/2008
2
مقني بن عمار ،القواعد العامة للتفسير وتطبيقاتها في منازعات العمل والضمان االجتماعي ،المرجع السابق ،ص122 :
51
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
وفي هذه الحالة نجد المشرع قد حاول تسهيل مهمة القاضي حتى ال يبقى التفسير
مستحيال ،بأن نص على قواعد خاصة في مجال الشك ،وهي القواعد التي تختلف في تطبيقها في
مجال عقود المساومة (وهو األصل في إبرام العقود واألصل في تطبيق القاعدة) عنه في مجال
عقود اإلذعان (وهو االستثناء في العقود وفي القاعدة).
يختلف مفهوم الغموض عن مفهوم الوضوح من عدة أوجه ،ويترتب عن ذلك اختالفهما من
حيث دور القاضي في التفسير .وقد رأينا أن القاضي بإمكانه التدخل حتى في تفسير العبارات
الواضحة ،ومن باب أولى تعطى له هذه السلطة أيضا بشأن تفسير العبارات الغامضة ،وهو أمر
ال يختلف فيه الفقه والقضاء كثي ار مادام أن التشريعات هي األخرى متفقة على إسناد هذا الدور
للقاضي.
ويالحظ انه كلما زادت سلطة القاضي في التفسير تقلصت رقابة جهة النقض عليه ،فقد
جاء في الفقرة الثانية من المادة 111من التقنين المدني الجزائري أنه" :أما إذا كان هناك محل
لتأويل العقد فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي
لأللفاظ ،مع االستهداء في ذلك بطبيعة التعامل ،وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين
المتعاقدين ،وفقا للعرف الجاري في المعامالت".
ويقصد بغموض العقد عدم اإليضاح عن اإلرادة الحقيقة للطرفين المتعاقدين وتردد العبارات
بين عدم وجود ما منهما فيحتمل األخذ به ،بما يحتمل عدة تفسيرات ،ومن هنا يكون مبعث اللبس
ويولد المبرر لاللتجاء للتفسير ،وعندئذ يلجأ القاضي إلى طرح المعنى اللفظي للمتعاقدين إلى
1
المتعلق بالمعنى الحقيقي ،وهو النية المشتركة للطرفين.
1
مقني بن عمار ،القواعد العامة للتفسير وتطبيقاتها في منازعات العمل والضمان االجتماعي ،المرجع السابق ،ص.124 :
52
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
ووجود الخ لل في الصياغة يعتبر حالة من حاالت غموض النص ،حيث أن تعد الصياغة
القانونية هي القالب الذي تصب فيه جوهر أو مضمون العقد ،لذلك البد أن تكون الصياغة
محكمة ومنضبطة ،ألنها الترجمة الفعلية إلرادة العاقدين بطريقة تجعل محرر العقد معب ار عن
المضمون وصالحا للتنفيذ ،فإذ ا كانت الصياغة قد اعتراها عيب أدى طلك إلى اختالل عنصر
التعبير وكان العقد غامضا.
وقد يكون الخلل في الصياغة قد حدث في صورة خطأ مادي آو معنوي آو كان في صورة
نقص آو قصور في عبارات العقد .1وربما يكون سببه التسرع في صياغة العقد.
يكون العقد محال للتفسير في عدة حاالت توصف في األخير بأنها حاالت غموض وهي:
.1عندما تكون العبارة الغامضة في ذاتها تحمل أكثر من معنى ،ولم يقم العقد بتحديد المعنى
المقصود.
.2عندما يكون أحد شروط العقد واضحا ومحددا في ذاته ولكنه يكون مبهما بالنظر إلى باقي
شروط العقد .مثل مواعيد الوفاء بالثمن ،وميعاد التسليم...
.3عندما العقد واضحا ،ولكنه بالنظر إلى عقود أخرى مرتبطة به ارتباطا وثيقا فهو غامض.
.4يفتح الباب واسعا للتفسير عندما يكون تنفيذ العقد قد تم على خالف ما هو ظاهر في
نصوص العقد ،فهو قرينة على عدم تطابق بين اللفظ وحقيقة اإلرادة ،وبالتالي دليل على
وجود غموض بالعقد رقم وضوح العبارات فيه.
1
ينظر قرار المحكمة العليا ،بتاريخ 13أفريل ،1983ملف رقم ،31315م ق ،سنة ،1990العدد ،1ص.19
53
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
الحقيقة أن قواعد التفسير الواردة في المادة 111مدني جزائري تشمل كافة أحوال حاجة
العقد للتفسير أيا كان األساس تلك الحاجة ،عبارة واضحة ظاهرها غامضة في حقيقتها ،أو
غامضة في ظاهرها ومدلولها.
وال يجوز للقاضي حينئذ أن يقف عند اإلرادة المنفردة ألحد الطرفين ،بل يجب عليه أن
يبحث عن اإلرادة المشتركة التي تالقي عندها الطرفان .وال يتقيد القاضي في هذا البحث بالمعنى
الحرفي لأللفاظ.
الفرع الثاني :حالة قيام الشك في حقيقة معنا العبارة الغامضة.
يكون القاضي في حالة شك من حقيقة المعنى المقصود إذا كانت العبارات الغامضة
تحتمل أكثر من معنى واحد ،ولم تقدر وسائل التفسير في استجالء المعنى الذي قصد إليه
العاقدان ،ولم يتوصل القاضي إلى ترجيح معنى على آخر بالرغم من بحثه عن اإلرادة المشتركة
بشتى وسائل التفسير المختلفة .فالفرض في حالة التي نعالجها أن تحتمل العبارة الغامضة أكثر
من معنى ،ويظل القاضي في شك من حقيقة المعنى المقصود ،ألن لكل أخر.
لمواجهة هذه الحالة ،أي حالة الشك في فهم مدلول العبارات الغامضة ،وضع المشرع
الجزائري قاعدة احتياطية من أجل إزالة الغموض الذي أنتاب إرادة الطرفين ،وذلك في الفقرة األولى
من المادة 112مدني تقضي بأنه" :يؤول الشك في مصلحة المدين".
صيغت هذه القاعدة التشريعية االحتياطية على أساس موضوعي ،تطبق عند تعذر الوصول
إلى نتيجة محددة بموجب قواعد التفسير األصلية ،وقد رسمها الشارع في افتراض قانوني ،وليست
54
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
على إطالقها ،بل مقيدة بأن ال يلجأ إليها القاضي في تفسير العقد إال إذا كان توفرت بعض
1
الشروط ،وهي الشروط التي اتفق عليها الفقه والقضاء دون أن يوجد نص بشأنها.
األصل أن قاعدة تفسير الشلك بما هو أصلح وأفيد للمدين هي قاعدة تمتد جذورها إلى
القانون الروماني ،حيث كان المشترط دائما هو الدائن ،وقد نقلتها جل التشريعات الحديث ،كما
2
استقر عليها الفقه والقضاء كذلك.
غير أن هذه القاعدة تقوم على عدة اعتبارات أو مبررات منطقية يمكن إبرازها فيما يلي:
تطبيق قاعدة الشك في التفسير يثير إشكاال ،بالنظر إلى تباين مركز المدين في العقود
الملزمة لجانبين مقارنة بالعقود الملزمة لجانب واجد ،واختالف مفهوم المدين في كل حالة منها
يؤثر بدوره على تطبيق القاعدة ،فضال عن أن العقد نفسه قد يتضمن شرطا فيه يكون احد
األطراف فيه مدينا ،ولكنه بالنظر على مجموع العقد يكون دائنا.
1
مقني بن عمار ،القواعد العامة للتفسير وتطبيقاتها في منازعات العمل والضمان االجتماعي ،المرجع السابق ،ص.128 :
2
الفقيه السنهوري ،الوسيط ،المرجع السابق ،ج 1فقرة ،398ص .500
55
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
تعد "قاعدة تفسير الشك لمصلحة المدين" حسب كثير من الفقه من بين القواعد األمرة التي
يتعين على قاضي الموضوع أن يلتزم بحكمها ،إذا توافرت شروطها ،واذا خالف حكمها ،بأن يفسر
الشك لمصلحة الدائن بااللتزام أو المستفيد من الشرط ،فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون مما
يستوجب نقض حكمه.
حيث يقول ا لفقه السنهوري أن قاعدة الشك يفسر لمصلحة ،مع استثناء عقود اإلذعان،
ففيها ال يجوز أن يكون التفسير ضا ار بمصلحة الطرف المذعن ،هي قاعدة قانونية ملزمة في
مجال تفسير العقود ،واذا خالفها القاضي نقض حكمه ومسألة تحديد الشك هل هو موجود ،هي
أيضا من مسائل القانون التي تخضع لرقابة محكمة النقض ،ألن هذا يترتب عليه إمكان التفسير
1
لمصلحة المدين أو عدم إمكان ذلك.
إذا كان هناك شك في وجوب اعذ ار المدين ،فسر ذلك الشلك في مصلحته ،ووجب على .2
مستحق ،فسر الشك في مصلحة المدين ،ويكون الشرط الجزائي مستحقا إال في حالة عدم
التنفيذ.
واذا كان هناك شك في كون ملتزم المدين بإنشاء طرق معينة دون تحديد لكيفية إنشاء هذه .4
1
الفقيه السنهوري ،الوسيط ،المرجع السابق ،ج ،1فقرة ،88ص .484
56
سير آلية تفسير القضائي في القانون اإلداري الفصل الثاني:
.1حالة التعارض بين قاعدة الشك وقاعدة اإلعفاء من الضمان ومن المسؤولية.
.2حالة التعارض يبين قاعدة الشك وشرط التحكيم.
لقد أورد المشرع الجزائري على هذه القاعدة استثناء جاءت به الفقرة الثانية من المادة 112
التي ورد فيها ما يلي" :غير أنه ال يجوز أن يكون تأويل العبارات الغامضة في عقود اإلذعان
1
ضا ار بمصلحة الطرف المذعن".
1مقني بن عمار ،القواعد العامة للتفسير وتطبيقاتها في منازعات العمل والضمان االجتماعي ،المرجع السابق ،ص.132 :
57
الخاتمة
الخاتمــة
الخاتمة:
في الختام يمكن القول أن دراسة تفسير النصوص القانونية وتطبيقاتها تقتصيها ضرورات
متعددة ،منها ما هو عملي يتجسد في انه يعد السبيل لتنفيذ القوانين وتطبيقها ،وما هو نظري يثبت
في ضرورة امتالك المفسر لتقنيات تسير له هذه العملية.
كما إن للقاضي اإلداري الدور الفعال في حماية الحقوق المكتسبة لألفراد وله دور أساسي
في مواجهة الغدارة بإلزامه بتنفيذ المقررات القضائية بكافة الطرق القانونية كما يلزمها بإلغاء
الق اررات اإلدارية المعيبة.
لقد استنتجنا من خالل دراستنا لهذا الموضوع ،أن عمل القاضي اإلداري يتمثل شأنه شأن
القاضي العادي في إيجاد حل ملزم للنزاع المعروض عليه ،ولكن هذا الحل قد يجده القاضي في
مصدر قانوني آخر ،بعيدا عن خلقه وابداعه ،فتعتبر هذا الحل والمصدر المستقى منه هو المنبع
للقاعدة القانونية التي نطق بها القاضي اإلداري ،وأما إذا لم يجد القاضي اإلداري نصا معينا،
وكهذا أمر كثير الورود لحداثة القانون االداري النسبية ومرونته وعدم تقنية كان لزاما عليه خلق
قاعدة آمة لتسوية النزاع المعروض عليه.
59
قائمة المصادر
والمراجع
قائمة المصادر والمراجع
61
قائمة المصادر والمراجع
62
الفهرس
فهرس المحتويات
الصفحة المحتوى
شكر وتقدير.
إهداء.
أ-ج املقدمة.
64
33 المطلب االول :تفسري القضائي لعبارات العقد الواضحة.
65