Professional Documents
Culture Documents
ملخص الدراسة:
موضوع الدراسة :حجية اإلثبات بالقرائن القضائية في الفقه اإلسالمي والقانون اليمني -دراسة تحليلية).
اتبع الباحث في هذه الدراسة المنهج الوصفي التحليلي .واحتوت الدراسة على مقدمة ومبحثين
وقد بينت المقدمة أهمية البحث في كون اإلثبات بالقرائن من طرق ووسائل اإلثبات الغير مباشرة
والتي لها دور كبير في ارشاد القضاة إلى الحقيقة والصواب في الدعاوى المنظورة أمامهم من خالل
استقرائهم واستنباطهم للقرائن من الوقائع في الدعاوى محل النزاع ،كما تظهر أهداف البحث في
مدى حجية القرائن القضائية في اإلثبات ،ومدى كفايتها في اإلثبات ،كما احتوت الدراسة على
مبحثين .تناول الباحث في المبحث األول :ماهية القرائن القضائية وبيان طبيعتها وأركانها ،وفي
المبحث الثاني :حجية القرائن القضائية في اإلثبات في الفقه والقانون .وكان أهم ما خرج به الباحث
من النتائج أن القرائن القضائية هي نتائج يستنبطها القاضي من واقعة معلومة للداللة على واقعة غير
معلومة .وهي ال تعد دليالً من أدلة اإلثبات المباشر ،وإنما هي طريق من طرق اإلثبات غير
المباشر ،ومن طرق اإلعفاء من عبء اإلثبات ،وأما أبرز التوصيات :يوصي الباحث المشرع اليمني
باستبدال لفظ (القرائن القاطعة القضائية) الوارد في نص المادة ( )511بلفظ (القرائن القضائية القوية) ما
دام وقد جعل القرينة القضائية قابلة إلثبات العكس دائماً ،وذلك لما سبق وأن وضحناه في المتن.
المقدمة:
قال تعالى( :ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫﮬ ﮭ ﮮﮯ
ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩﯪ)
[سورة يوسف آية]02-01-02 :
الحمد هلل الذي أعلى معالم العلم وأعالمه وأظهر شعائر الشرع وأحكامه ،وأكمل لنا الدين،
وأتم علينا النعمة ،فعلمنا بعد جهل ،وهدانا بعد ضالل ،وفقهنا بعد غفلة ،وجعل أمتنا وهلل الحمد
خير أمة ،وبعث فينا رسوالً يتلو علينا آيته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة.
وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له شهادة تكون لمن اعتصم بها خير عصمة ،وأشهد
أن محمداً عبده ورسوله ،الرحمة المهداة ،والنعمة المسداة ،من أضاءت وأشرقت به الحياة بعد ليل
طال مداه ،وجدد حياة البشرية فبعث فيها دفء األمن واألمان والراحة واالطمئنان فنصب الدليل
وأنار السبيل ،وأزاح العلل ،وقطع المعاذير ،وأقام الحجة ،وأوضح المحجة ،اللهم فصل وسلم عليه
وبعد... وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين ومن سار على دربهم إلى يوم الدين.
تحديد الموضوع:
يخضع اإلثبات المدني لمبدأ تقييد الدليل ،حيث وضع المشرع األدلة ،وحدد قيمتها مسبقاً،
ووضع لها حجية معينة وألزم القاضي المدني بها مهما وصلت قناعته بشأنها .وذلك بخالف اإلثبات
الجنائي الذي جعل للقاضي حرية واسعة في تقدير األدلة المطروحة أمامه بناءً على اقتناعه الذاتي،
ونظراً لموقف القاضي المدني السلبي تجاه أدلة اإلثبات ،فقد الحظ المشرع أن القاضي قد يكون
بحاجة إلى سلطة تقديرية تمكنه من القيام بواجبه ،وخاصة في حالة ما إذا تعذر اإلثبات من قبل
المكلف به وفقاً للقواعد العامة في اإلثبات ،فأعطى المشرع للقاضي الحق في أن يلجأ إلى القرائن
القضائية التي يستنبطها بناءً على ظروف النزاع المعروض عليه ،ويستعمل سلطته التقديرية في ذلك
للوصول إلى الحقيقة ،ونظراً لما تحتله القرائن القضائية من مكانة في مجال اإلثبات المدني ،فقد
رأى الباحث أن تقتصر الدراسة في هذه الورقة البحثية على القرائن القضائية وحجيتها في اإلثبات المدني.
أهمية الموضوع:
للقرائن القضائية أهمية بالغة في اإلثبات وخاصة إذا انعدمت أدلة اإلثبات المباشر -الشهادة،
اإلقرار ،المحررات -فهي مهمة للوصول إلى الحقيقة وإنصاف المظلوم فيجب االعتماد عليها
والحكم بموجبها ،و إال تعطلت األحكام وضاعت الحقوق .كما أنها تهدف إلى تحقيق أغراض مختلفة
ترجع في مجملها إلى تحقيق المصلحة العامة أو مصلحة خاصة ،تقتضي ظروف صاحبها أن تكون
محل رعاية من قبل القاضي .كما أن القرائن تؤدي إلى قطع الطريق على من يحاول التحايل على
أحكام الشرع أو القانون ،ونظراً لما تكتسبه القرائن القضائية من أهمية فقد أحببت أن يكون
موضوع بحثي باإلضافة إلى كون الموضوع له صلة مرتبطة بالعمل القضائي فكان حتماً أن نبحث
فيها للتعرف على مدى صحتها وكيفية التعامل معها ،وإلى أي مدى يستطيع القاضي بناء حكمه عليها.
منهجية البحث:
تم اتباع المنهج الوصفي التحليلي ،مستعرضاً حجية القرائن القضائية في اإلثبات مبيناً موقف
القانون اليمني والمصري عندما أجد نصوصاً تحكم المسائل المتعلقة بهذا الموضوع ثم أعرض آراء
شراح القانون في الموضوع محل البحث ،وما بين هذه اآلراء من اتفاق أو اختالف ،فيها ،وعرض
الموضوع والوصول لنتائج وتوصيات نأمل أن تخدم الغرض العلمي والعملي.
خطة البحث:
لقد تم تقسيم هذا البحث إلى مقدمة ومبحثين وخاتمة.
تناول المبحث األول ماهية القرائن القضائية وأركانها وذلك في مطلبين ،تناول المطلب األول،
ماهية القرائن القضائية بينما تناول المطلب الثاني أركان القرينة القضائية وشروط تطبيقها.
وتناول المبحث الثاني حجية القرائن القضائية في مطلبين أيضاَ :تناول المطلب األول حجيتها في
الفقه اإلسالمي ،وتناول المطلب الثاني حجيتها في القانون اليمني.
ثم أنهى الباحث بخاتمة وأوجز فيها خالصة المسائل التي تم بحثها ،والنتائج التي تم التوصل
إليها.
المبحث األول
ماهية القرائن القضائية وأركانها
المطلب األول :ماهية القرائن القضائية :
سوف يتم دراسة هذا المطلب في ثالثة فروع يتناول الفرع األول تعريف القرائن القضائية بينما
يتناول الفرع الثاني بيان أهمية القرائن القضائية ،أما الفرع الثالث سوف يتناول أوجه الشبه
واالختالف بين كلٍ من القرائن القضائية والقانونية.
أوالً :التعريف اللغوي للقرائن :القرائن جمع قرينة ،والقرينة ما يدل على الشيء من غير استعمال
فيه ،يقال قرن الش يء بالشيء أي وصله به ،واقتران الشيء بغيره اتصل به وصاحبه ،ويقال
قارنته قراناً صاحبته ،وهي مأخوذة من المقارنة ،وهي مؤنث القرين ،والقرين هو
المصاحب والمالزم كالزوج ،والقرينة تطلق على الزوجة ألنها تقارن زوجها.
والقرينة قسمان :حالية ومقالية ،ومثال الحالية أن تقول لمسافر :في كنف اهلل ورعايته .فإن في
العبارة حذفاً يدل عليه حال المسافر وتجهزه للسفر ،ومثال القرينة المقالية أن تقول رأيت أسداً يخطب،
فإن المراد باألسد في هذا المقام الرجل الشجاع ويدل على إرادة ذلك لفظ (يخطب) فهو قرينة مقالية (.)5
ثانياً :تعريف القرينة شرعاً :القرينة مؤنث القرين وقد ورد لفظ القرين في عدة آيات من القرآن
الكريم في مواضع مختلفة منها قوله تعالى( :وقال قرينه هذا ما لدي عتيد * ألقيا في جنهم
كل كفار عنيد * مناع للخير معتد مريب * الذي جعل مع اهلل إله آخر فألقياه في العذاب
الشديد * قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ظالل بعيد)( ، )0وقال تعالى( :ومن يعش عن
ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين)( ،)3وقال تعالى( :حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني
( )5لسان العرب البن منظور جمال الدين محمد بن مكرم األنصااري ،ج ،3ص ،13دار لساان العارب – بياروت –
بدون تاريخ ،مختار الصحاح محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي – ماادة قارن بااب القااف – ص،133
ترتيب محمود خاطر بك دار الفكر – بيروت.
( )0سورة ق (.)01-03
( )3سورة الزخرف ،اآلية.)32( :
وبينك بعد المشرقين فبئس القرين)( ،)5وقال تعالى( :قال قائل منهم إني كان لي قرين)(،)0
وقال تعالى( :ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قرينا)(.)3
ولم يعرف الفقهاء القدامى القرينة ،بل تناولوها في كتبهم وفي معرض كالمهم على األحكام
وعبروا عنها بألفاظ مرادفة لها ،فتارة يقولون قرائن األحوال وأخرى العالمات واألمارات( ،)4ويرجع
السبب في عدم تعريف الفقهاء القدامى لها كما يقول البعض( )1إلى وضوح معناها وظهور داللتها
على المراد منها.
أما الفقهاء المحدثون فقد عرفوها بتعريفات متعددة منها:
تعريف الدكتور :مصطفى الزرقاء ،حيث عرفها بأنها :كل أمارة ظاهرة تقارن شيئاً خفياً وتدل
عليه وهي مأخوذة من المقارنة بمعنى المفاعلة(.)2
وعرفها آخرون بأنها :األمارة التي تدل على أمر خفي مصاحب لها بواسطة نص أو عرف أو سنة(.)1
وعرفها البعض بأنها :األمارة التي نص عليها الشارع أو استنبطها أئمة الشريعة باجتهادهم أو
استنبطها القاضي من الحادثة وظروفها وما يكتنفها من أحوال(.)2
وعرفها الدكتور عبد اهلل العجالن :بأنها كل أمر ظاهر يصاحب شيئ ًا خفياً ويدل عليه(.)9
التعريف المختار :بعد استعراض التعريفات السابقة نرى أن التعريف األقرب للقرينة في
االصطالح هو تعريف الدكتور عبد اهلل العجالن ،حيث عرفها بأنها( :كل أمر ظاهر يصاحب شيئاً
خفياً ويدل عليه).
ولتوضيح هذا التعريف نعرض المثال اآلتي :
سكوت المرأة البكر قرينة على رضاها بالخاطب ،فسكوتها مع ما يظهر عليها من عالمات
الحياء ،مصاحباً لهذا السكوت ،بعد عرض الزواج عليها من شخص معين أمر ظاهر ،يدل على
رضاها بالخاطب مع أن الرضا أمر خفي .ال يمكن معرفته إال بتصريحها ومع هذا أمكن معرفته
بالقرينة الظاهرة وهي السكوت .واختيارنا لهذا التعريف يرجع إلى عدة أسباب أهمها:
-5أنه تعريف جامع مانع :فهو جامع ألفراد القرينة ،مانع غيرها من الدخول في مسماها.
-0أنه ليس تعريف للقرينة بما يرادفها كما في التعاريف األخرى التي جعلت القرينة بمعنى األمارة.
-3أن هذا التعريف شامل لجميع أنواع القرائن ،فكلمة "كل" تفيد العموم والشمول فهو شامل
للقرائن النصية ،والفقهية والقضائية والعرفية .وهو بذلك يتفق مع تقسيمات المحدثين
للقرينة ،حيث قسموها باعتبارات مختلفة.
ولم يورد المشرع المصري تعريفاً للقرينة وإنما بين أحكامها في المادتين ( )522-99من قانون
اإلثبات( )0كما هو الحال أيضاً في التشريع األردني حيث لم يتناول تعريف القرينة وإن كان قد تحدث
عنها في المادتين ( )42،43من قانون اإلثبات( ،)3بينما عرفها المشرع الفرنسي في المادة ()5349
من القانون المدني بأنها (االستنتاجات التي يستنتجها القانون أو القاضي من واقعة معلومة لمعرفة
واقعة مجهولة)(.)4
تعريف القرينة القضائية :سميت بالقرينة القضائية نسبة إلى القاضي الذي يقوم باستنباطها،
وتسمى أيضاً بالقرينة الموضوعية؛ ألنها تستنبط من موضوع الدعوى وظروفها ،وتسمى بالقرينة
( )5القانون رقم ( )50لسنة 5990م ،المعدل بالقانون رقم ( )02لسنة 5992م بشأن اإلثبات ،ط الثالثة ،مكتبة خالد بن
الوليد0222 ،م.
( )0القانون رقم ( )01لسنة 5922م ،بشأن اإلثبات في المواد المدنياة والتجارياة ،والمعادل بالقاانون رقام 03لسانة
5990م.
( )3القانون رقم ( )3لسنة .5910
( )4عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ،مج ،0ف ،513ص ،309ط(بدون) ،دار إحيااء
التراث العربي ،بيروت.
الشخصية؛ ألنها تنصب أحياناً على واقعة تكونت من صفة شخص ،كما تسمى أيضاً بالقرائن
البسيطة وذلك لكونها تقبل إثبات عكسها في جميع األحوال(.)5
تعريف القرينة القضائية عند شراح القانون :تعدد تعريفات القرائن القضائية عند شراح القانون
المدني وكذا عند شراح القانون الجزائي وسوف نقتصر على بعض هذه التعريفات.
أوالً :تعريفات شراح القانون المدني :وهي تعريفات متقاربة ومتشابهة إلى حد ما.
فقد عرفها الدكتور عبد الرزاق السنهوري بأنها :هي التي تترك لتقدير القاضي يستخلصها من
ظروف القضية ومالبساتها(.)0
ومنهم من عرفها بأنها( :استنباط القاضي واقعة مجهولة من واقعة معلومة ثابتة لديه)(.)3
ومنهم من عرفها بأنها( :القرائن التي يترك أمر استنباطها للقاضي يستنبطها من ظروف
القضية ومالبساتها)(.)4
ومنهم من عرفها بأنها :ما يترك أمر استخالصها للقاضي ،فهو يعتمد على واقعة معروفة في
الدعوى المعروضة عليه ويستدل بها على الواقعة المراد إثباتها( ،)1وإذا نظرنا إلى التعريفات
سنجدها متشابهة ومتفقة وإن اختلفت بعض األلفاظ إال أن المراد واحد في كلٍ ،فالقاضي يقوم
باختيار واقعة معلومة من بين وقائع الدعوى ،ثم يستدل بهذه الواقعة على األمر المراد إثباته( .)2فال
بد إذن من واقعة بتحقق القاضي من ثبوتها ،ثم يعمل قواعد العقل والمنطق ليستنبط من هذه
الواقعة داللتها على ثبوت الواقعة المراد إثباتها( ،)1ولذلك تعد القرائن القضائية ،من أدلة اإلثبات
غير المباشرة ،حيث تثبت الواقعة أو يثبت التصرف بطريق غير مباشر عن طريق ثبوت واقعة أخرى
قريبة منها أو متصلة بها .فمثالً إذا أثبت المستأجر أنه قام بدفع األجرة عن شهر معين أمكن
للقاضي أن يستخلص من ذلك دفع األجرة عن شهر سابق ،وقد تكون الواقعة المتنازع عليها سرعة
السيارة أثناء وقوع الحادث فيقوم قاضي الموضوع بتحديد سرعة السيارة وذلك استنباطاً من واقعة
أو وقائع أخرى ،مثل أن تكون آثار جهاز التوقيف طويلة ومن حالة السيارة وحالة الطريق وهكذا.
فإذا ثبت لدى القاضي الوقائع األخيرة أمكنه أن يستنبط سرعة السيارة أثناء الحادث ،فتكون بصدد
قرينة قضائية أقامها القاضي(.)5
( ) 5رمضان أبو السعود ،مبادئ اإلثبات في المواد المدنية والتجارية ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية0221 ،م.
( ) 0محمود نجيب حسني ،االختصاص واإلثبات فاي قاانون اإلجاراءات الجنائياة ،ط بادون ،دار النهضاة العربياة،
القاهرة5990 ،م ،مصطفى مجدي هرجه ،اإلثبات في المواد الجنائية ،دار المطبوعات الجامعية ،اإلساكندرية،
5990م.
( )3عماد أحمد الربيع ،مرجع سابق،
( )4مرجع سابق،
( )5الطعن رقم ،492سنة ،41ق جلسة 5925/4/01م ،مجموعة القواعد القانونية التي قررتهاا محكماة الانقض فاي
اإلثبات في المواد المدنية والتجارية واألحوال الشخصية ،خالل 14عاماً ،للمستشار /سعيد أحمد شعله ،ط(،)5
المركز القومي لإلصدارات القانونية0222 ،م..
( ) 5محمد الزحيلي ،وسائل اإلثبات في الشريعة اإلسالمية في المعامالت المدنية واألحاوال الشخصاية ،ج ،0ط(،)0
مكتبة دار البيان ،بيروت 5994م.
( )0محمد الزحيلي مرجع سابق،
( )3وسام أحمد السمروط ،القرينة وأثرها في إثبات الجريمة ،ط( ،)5منشورات الحلبي الحقوقياة ،بياروت ،لبناان،
0221م.
( )4محمد الزحيلي ،مرجع سابق،
( )1هاللي عبد الاله أحمد – النظرية العامة لإلثبات في المواد الجنائية ،ج ،0ط( ،)5دار النهضة العربية ،القاهرة،
5921م.
( )2محمد الزحيلي ،مرجع سابق،
عليها دليل إثبات مباشر ،فإذا اقتصرنا على أدلة اإلثبات المباشر لما كان ممكناً الفصل في
الدعوى ،ولكن عن طريق القرائن نتوصل إلى إثبات هذه الوقائع بإثبات وقائع أخرى ذات صلة سببية
منطقية بها()5؛ قال ابن القيم( :فالمشرع لم يلغ القرائن واألمارات ودالئل األحوال بل من استقرأ
الشرع في مصادره وموارده وجده شاهداً لها باالعتبار مرتباً عليها األحكام ،ثم قال :ولم يزل الحكام
والوالة يستخرجون الحقوق بالفراسة واألمارات).
وقال أيضاً :والحاكم إذا لم يكن فقيه النفس في األمارات ودالئل الحال ومعرفة شواهده
والقرائن الحالية والمقالية أضاع حقوقاً كثيرة على أصحابها وحكم بما يعلم الناس بطالنه).
وقال أيضاً :فمن أهدر األمارات والعالمات في الشرع فقد عطل كثيراً من األحكام وضيع كثيراً
من الحقوق)( ، )0وتزداد أهمية القرائن كدليل إثبات قائم بذاته يوماً بعد يوم ،حيث وأن العديد من
الجرائم ترتكب وال يرد عليها دليل إثبات مباشر وذلك بسبب إحجام الشهود عن أداء الشهادة ،كما
أن العديد من الجرائم ترتكب وال يرد عليها دليل إثبات مباشر ،وذلك بسبب حرص الجاني الشديد
على ارتكاب جريمته دون أن يشاهده أحد ولكنه رغم ذلك يترك بعض اآلثار المادية بمسرح
الجريمة ،والتي يمكن عن طريقها التعرف عليه وضبطه( ،)3عالوة على ذلك فإن األخذ بالقرائن قد
أصبح ضرورياً خصوصاً في هذا العصر الذي تقدمت فيه وسائل البحث عن الجرائم ،وأصبحت
القرائن معها في قوة اليقين ،وصارت الثقة بالشهود ضعيفة ،فال يؤخذ بأقوالهم إال بعد فحصها،
وظهور القرائن التي تعززها وتدل على صدقها وقد يحمل القاضي على تكذيب الشهود ما يظهر له
من القرائن الدالة على كذبهم( ،)4كما أن للقرائن أهمية كبيرة في مجال استظهار القصد الجنائي
ألنه أمر داخلي يبطنه الجاني ويضمره في نفسه ،وال يستطاع معرفته إال بقرائن خارجية من شأنها
أن تكشف عن قصد هذا الجاني وتظهره(.)1
( ) 5عمار زعل الجعافرة ،القرائن في القانون المدني ،أطروحة ماجستير في القانون مان الجامعاة األردنياة ،ط(،)5
اإلصدار األول ،عام ،0225الدار العلمية للنشر والتوزيع ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان.
( )0مرجع سابق ،نفس اإلشارة.
( )3السنهوري ،مرجع سابق،
القضائية هي من عمل القاضي ،فإن الحقيقة القضائية المستمدة من القرينة القانونية هي من
عمل القانون(.)4
-0القرائن القضائية تعتبر دليالً إيجابياً في اإلثبات ،وإن كانت دليالً غير مباشر ،حيث أن الخصم
يتوسل بها إلى إثبات دعواه ،وعليه هو أن يستجمع عناصرها ،والقاضاي قاد يقار اساتنباط
الخصم وقد ال يقره ولكنه ليس ملزماً أن يستجمع هو بنفسه القرائن بل على الخصم يقع عابء تقاديم
القرينة وإن كان للقاضي أن يأخذ من تلقاء نفسه بقرينة في الدعوى لم يتقدم بها الخصم(.)0
أما القرينة القانونية فهي ليست دليالً لإلثبات بل هي إعفاء منه ،فهي ال تكفي الخصم الذي
تقررت لمصلحته في إثبات األمر المدعى به ،وإنما تعفيه من اإلثبات فقط(.)3
-3القرينة القضائية قرينة موضوعية تستمد من ظروف الادعوى ومالبسااتها دون أن تكاون معادة
سلفاً ،فأساسها هو الوقائع الذي تدل عليه األمارات التي يقدرها القاضي ،وذلك حسب وقائع
كل قضية على حدة؛ أما القرينة القانونية فهي من قبيل القواعاد القانونياة ،والتاي تتسام بالعمومياة
والتجريد ،وذلك أن المشرع يضعها في صيغة عامة مجردة دون أن تكون حالة معينة بذاتها(.)3
-4القرائن القضائية :هي مما يستقل بتقديرها قاضي الموضوع ،ولاه السالطة التاماة مان بحاث
األمارات والدالئل التي يتوصل عن طريقها الستنباط القرينة ،فله أن يقرر قرينة في دعوى ثام
يعدل عن تطبيقها في دعوى أخرى رغم تماثل الظروف في الدعوتين ،وذلك ألن تقريره للقرينة
القضائية إنما يعود لقناعته الوجدانية( ،)1فهو حر في تكوين اقتناعه ،فقد تقنعه قرينة واحادة
قوية الداللة ،وقد ال يقتنع بقرائن متعددة ،وهو في تقديره هذا ال يخضع لرقابة محكمة النقض(.)3
أما القرينة القانونية فتكون ملزمة للقاضي ،بمعنى أن دور القاضي يقتصر فقط علاى التحقاق مان
شروط انطباقها على الواقعة المعروضة عليه ،وبمجرد تواجد تلاك الشاروط فاإن القاضاي يلتازم
( )5عمار زعل الجعافرة ،مرجع سابق ،د /عصام أنور سليم ،النظرية العامة لإلثبات في المواد المدنية والتجارياة ،ط
منشأة المعارف ،اإلسكندرية0221 ،م ،د /الشواربي ،مرجع سابق،
( )0وسام أحمد السمروط ،مرجع سابق،
( )3الشواربي ،مرجع سابق ،وسام أحمد السمروط ،مرجع سابق ،عمار زعل الجعافرة ،مرجع سابق،
( )4عمار زعل الجعافرة ،مرجع سابق،
( )1مرجع سابق،
( )2عبد الحميد الشواربي ،مرجع سابق،
بإعمالها دون أن تكون له سلطة تقديرية بهذا المجال ،كما أن الحكم الصادر مخالفاً للقريناة يكاون
عرضة للنقض من قبل المحكمة العليا( .)5ومن هنا يتبين خطورة القرائن القانونية ،فهاي وإن كانات
تقام على فكرة ما هو راجح الوقوع ،إال أن القانون يقيمها مقادماً ،ويعملهاا دون أن تكاون أماماه
الحالة بالذات التي تنطبق فيها ،كما هو األمر بالقرائن القضائية ،ومن ثم تختلف حاالت تتفاوت قلة
وكثرة ال تستقيم فيها القرينة القانونية(.)0
-1القرائن القضائية تقبل إثبات العكس في جميع األحوال ،أي أن ما يستنبط عن طريقهاا يسامح
للمتهم دائماً بإثبات عكسه بكافة طرق اإلثبات كالكتابة أو الشهادة أو بقريناة مثلهاا ،ولاو أن
القاضي يبقى في النهاية حراً في تكوين عقيدته لمقارعة األدلة( ،)3والقرائن القضائية إذا كانت
تقبل إثبات العكس دائماً من الناحية القانونية إال أنها من الناحية العملية والعلمية قد تبلغ مان
القوة حداً يستنبط منه القاضي األمر المراد إثباته بشكل قاطع بما ال يدع مجاالً الحتمال عكسه(.)3
أما القرائن القانونية فإن المشرع هو صاحب الكلمة بشأنها ،فهو الذي يحدد حجيتهاا فاي
نطاق اإلثبات فيما إذا كانت تقبل إثبات العكس أم ال ،وعليه فإن جميع القرائن القضائية في مرتباة
واحدة ،أما القرائن القانونية فإنها تنقسم إلى قرائن قاطعة ال يجوز إثبات عكسها وقارائن بسايطة
يجوز إثبات عكسها(.)1
-2لما كان عنصر القرينة القانونية هو النص وال شيء غير ذلك ،فإذا وجد النص وجادت القريناة
القانونية ،ولذلك فإنه ال يمكن أن يقاس عليها قرينة أخرى قانونية بغيار ناص اعتمااداً علاى
المماثلة أو األولوية .أما القرائن القضائية فال يمكن حصرها وهي تختلف من قضية ألخرى(.)2
-1إن مجا ل أعمال القرائن القضائية مقيد فيما يجوز فيه ذلك ،وهي األموال والحقاوق كماا تباين
ذلك المادة ( )511من قانون اإلثبات وهذا يعني أنه ال يجوز األخذ بها فاي الادماء والحادود،
وإذا أخذت بها المحكمة في تلك الجرائم كدليل كامل تعين نقضه( ،)5أماا القارائن القانونياة
فليس هناك مجال معين إلعمالها ،فهي من أدلة اإلثبات سواء في األموال أو الحقوق أو الدماء
أو الحدود أو غيرها(.)0
-2القرائن القضائية دليل عقلي ،إذ يحتاج الوصول إلى القرينة محاكمة عقلية ألنها ليست ظااهرة،
كما هو الحال في القرينة القانونية وبقية األدلة ،بل تحتاج إلى جهد عقلي الساتنباط الواقعاة
المجهولة من الواقعة المعلومة ،بحكم الضرورة واستخدام قواعد المنطق والخبرة(.)3
المطلب الثاني:
أركان القرينة القضائية وشروط تطبيقها
سبق وأن عُرِّفت القرينة القضائية بأنها استنباط القاضي واقعة مجهولة مان واقعاة معلوماة
ثابتة لديه ،لذا فإن القرينة القضائية وفقاً لذلك تستند إلى ركنين أساسيين ال بد من توافرهما فيها
أحدهما واقعة ثابتة يختارها القاضي من بين وقاائع الادعوى ،وتسامى هاذه الواقعاة بالداللاة أو
األمارة ،وهذا هو الركن المادي للقرينة القضائية ،واآلخر عملية استنباط يقوم بها القاضي ،ليصل
من خال ل هذه الواقعة الثابتة إلى واقعة مجهولة وهي الواقعة المراد إثباتها ،وهذا هو الركن المعنوي
وهناك شروط وضوابط يجب مراعاتها عند التطبيق وسوف تشملها دراسة هاذا الموضاوع ولاذلك
سوف نتناول هذا المطلب في فرعين سيتناول الفرع األول :دراسة أركاان القريناة القضاائية بينماا
سيتناول الفرع الثاني شروط تطبيق تلك األركان.
( ) 5عبد اهلل فروان ،ملزمة القضاء واإلثبات ،ط(بدون) ،مكتبة دار الفكر للكتب الجامعياة ،صانعاء ،د /مطهار علاي
صالح أنقع ،شرح قانون اإلجراءات الجزائية ،ج ،3ط ،0مكتبة الصادق ،صنعاء 5452ها 0221م.
( )0مطهر أنقع ،مرجع سابق ،نفس اإلشارة.
( )3عماد محمد أحمد الربيع ،مرجع سابق،
الفرع األول:
األركان القانونية للقرائن القضائية -للقرينة القضائية ركنان:
وقد تكون الواقعة التي اختارها القاضي ثابتة بالبينة ،أو بورقة مكتوبة ،أو يمين نكل الخصم
عن حلفها ،أو بإقرار الخصم ،أو بجملة من هذه الطرق مجتمعة ،بل قد تكون الواقعة ذاتهاا التاي
استنبط منها القاضي القرينة القضائية ،أي الدليل على الواقعة المراد إثباتها ،ربما لم تثبات هاي
ذاتها إال بقرينة قضائية ،وهذا هو شأن عقد القرض ،قد يثبت من طريق قرينة قضائية ،هي دفاع
الفوائد ،ثم يتخذ عقد القرض ذاته قرينة قضائية على أن البيع دفع بمقتضاه المقترض الاثمن إلاى
يجوز للقاضي أن يعتمد في استنباط القرينة على أقوال شهود سمعوا في قضية أخرى ،حتاى
ولو طرحت المحكمة الذي سُمع أمامها الشهود التحقيق فيها.
لمحكمة الموضوع أن تعول في حكمها على ما ورد في شكوى إدارية ،أو ما ورد فاي محضار
جمع االستدالالت ،أو محضر الشرطة ،أو في أي تحقيقات إدارية ،أو قضائية أو مان أقاوال
شهود سمعوا في غير مجلس القضاء.
ويجوز استنباط القرائن من أقوال شهود سمعهم الخبير بدون حلف يمين ومان المعايناة التاي
أجراها ومن المستندات المقدمة إليه.
كما يجوز أن تعد أقوال شهود المدعى عليه قرينة قضائية ضده.
كما يجوز اعتبار تقديرات البلدية للعوائد التي تحصل عن عقار قرينة قضائية على األجرة القانونية.
ويجوز للمحكمة التعويل في حكمها على حكم صادر في قضية أخرى لم يكان الخصام طرفااً
فيها ،وذلك كقرينة قضائية ،إال أنه يالحظ أنه ال بد أن تكون تلك الوقائع ثابتة وأن يكون لهاا
أصل في األوراق ،فال تستنبط القرينة من أوراق خارج ملف الدعوى( ،)3وإذا ما استدل الخصم
بقرائن قضائية إلثبات إدعائه ،فإنه من حق الخصم اآلخر مناقشاتها ودحضاها بكافاة طارق
اإلثبات ،فإذا لم تمكنه المحكمة من ذلك أو لم تعن بالرد على دفاعه في هذا الخصوص فاإن
حكمها يكون مشوب بالقصور(.)4
الثاني :الركن المعنوي:
ويتمثل هذا الركن بعملية االستنباط التي يقوم بها القاضي فعليه أن يساتنبط مان الواقعاة الثابتاة
الدليل على الواقعة الم راد إثباتها ،فيتخذ من هذه الواقعة المعلومة قرينة على الواقعة المجهولاة(.)5
وهو في هذه العملية يفسر الوقائع الثابتة مستخدماً فطنته وذكاءه وقواعد المنطق ليصل من الواقعة
الثابتة إلى الواقعة المراد إثباتها( ،)0وهي تتطلب قدراً من الدقة والمالحظاة والاذكاء فاي معالجاة
الوقائع وتقييمها ،وبيان جوانب االتفاق واالختالف فيها( ،)3كما أنه ال يكفي في اإلثبات الجناائي أن
تكون القرينة مجرد توافر واقعة مادية ،لم تخرج من دائرة االحتماالت ،فإنهاا منطقيااً اليمكان أن
تعتبر إثباتاً حيث ال يكفي مجرد الراجح من األمور إلقامة الدليل على اإلدانة في المساائل الجنائياة
ألن األحكام الجنائية إنما تنم على أساس اليقين والجزم المستمد مان االساتنباط المقباول عقاالً
ومنطقاً( ، )4ويكون القاضي واسع السلطات في تقدير ما تحمله الواقعة التي اختارها من بين الوقائع
المتعددة ،التي يراها أمامه الستنباط القرينة منها ،وما تحمله هذه القرينة من الداللة ،وفاي ذلاك
تختلف األنظار وتتفاوت المدارك فمن القضاة من يكون استنباطه سليماً يستقيم له الادليل ،ومانهم
من يتجافى استنباطه مع منطق الواقع( ،)1ومن ثم كانت القرينة القضائية من أسلم األدلة مان حياث
الواقعة الثابتة التي تستنبط منها القرينة ،ومن أخطرها من حيث االستنباط واستقامته( ،)2كما يكون
لقاضي الموضوع السلطة الكاملة في تقدير القرائن التي يستدل بهاا الخصام علاى تأكياد إدعائاه
فللمحكمة أن تأخذ بها أو تطرحها ،إذا تراءى لها أنه ال حاجة لها بهاا ،إال أن ذلاك مشاروط باأن
تكون قد أطلعت عليها وأخضعتها لتقديرها بحيث إذا تبين أنها لم تطلع عليها وبالتالي لام تبحثهاا،
فإن حكمها يكون قاصراً قصوراً يبطله(.)1
ولكن ال تلزم محكمة الموضوع بتفنيد كل قرينة مناهضة يدلي بها الخصوم أمامها( ،)2ما لم تكن تلك
القرينة جوهرية بحيث لو تعرضت لها المحكمة وبحثتها لتغير وجهة الرأي فاي الادعوى ،وبالتاالي
( )5الطعن رقم 442سنة ع ق جلسة 5912/50/1م ،مجموعة القواعد القانونية ،مرجع سابق،
( )0عماد محمد أحمد الربيع ،مرجع سابق،
( )3عبد الحميد الشورابي ،مرجع سابق ،د /محمد الزحيلي ،مرجع سابق،
( )4عماد محمد أحمد ربيع ،مرجع سابق،
بنفس هذه األوصاف والعالمات المميزة إلى صالحية اعتبارها واقعة مختارة لالستنباط منها(.)5
-4يشترط أن تكون األوراق الخاصة بالوقائع األخرى التي اعتماد عليهاا القاضاي مقدماة ضامن
مستندات الدعوى :فإذا كان للقاضي الحرية في استنباط القرينة القضائية ،حتى ولو من وقاائع
خارج الدعوى ،إال أنه يشترط لذلك أن تكاون األوراق الخاصاة بهاذه الوقاائع مقدماة ضامن
مستندات الدعوى؛ وذلك حتى يستطيع الخصم الذي يحتج عليه بالقرينة فرصة مناقشتها ودحضها(.)0
-1كما يشترط في الدالئل أن تكون صحيحة غير مضللة أو مفتعلة :يجاب أن تكاون هاذه الادالئل
صحيحة غير مضللة أو مفتعلة ،وذلك حتى يكون االستنباط منهاا مطابقااً للحقيقاة الواقعياة،
وعلى القاضي أن يتأكد من أن هذه الدالئل صحيحة لم ترتكب ولم يعبث بها أحد(.)3
المبحث الثاني
حجية القرائن القضائية
المطلب األول :حجية القرائن القضائية في الفقه اإلسالمي
لم تكن حجية القرائن بشكل عام بما في ذلك القرائن القضائية محل اتفااق عناد فقهااء الشاريعة
اإلسالمية ،وإنما كانت محل خالف بينهم ،ولهم فيها مذهبان:
المذهب األول :يرى مشروعية العمل بالقرائن ،وأقام الحجة على مذهبه من الكتاب والسنة والمعقول.
المذهب الثاني :يذهب إلى عدم اعتبار العمل بالقرائن واستدل على مذهبة بالسند المعقول.
وسوف نقوم بعرض هذين المذهبين ونبين حجج كال الفريقين وذلك في الفرعين التاليين:
الفرع األول :مذهب وأدلة القائلين بمشروعية القرائن:
ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز األخذ بالقرائن واالعتماد عليها كدليل من أدلة اإلثبات الشرعية،
وذلك على اختالف بينهم فيما يعد قرينة صالحة لالحتجاج بها وما ليس كذلك( ،)4وممن صرح بذلك
ابن القيم الجوزية وابن تيمية من الحنابلة ،وبدر الدين ابن الغرس والزيلعي وابن عابدين من
()5
الحنفية ،وابن فرحون من المالكية ،كما صرح بها ابن القاسم العنسي اليماني من الزيدية .
أدلتهم من الكتاب:
-5قوله تعالى( :وجاءوا على قميصه بدم كذب)(.)0
وجه الداللة في اآلية :أن أخوة يوسف عليه السالم جعلوا الدم ليكون قرينة على صدقهم فيماا
يدعون من أكل الذئب ليوسف عليه وعلى نبينا أفضل السالم إال أن هذه القرينة قابلتها قريناة
أخرى أقوى منها تعارضها ،وهي سالمة القميص من التمزيق والتخريق ولذا يروى أن يعقاوب
عليه السالم – لما وصل إلى سمعه ما كان من كيدهم ،طلب منهم القمايص فلماا شااهده
الحظ أن القميص سليماً ،فقال لهم :متى كان الذئب حليماً ،يأكل يوسف ،وال يخرق قميصه،
وقد استدل الفقهاء بهذه اآلية في إعمال اإلماارات فاي مساائل فقهياة كالقساامة وغيرهاا،
وأجمعوا على أن يعقوب عليه السالم استدل على كذبهم ،بسالمة القميص ،وهكذا يجب على
الناظر أن يلحظ األمارات والعالمات إذا تعارضت ،فما ترجح منها قضاى بجاناب التارجيح،
وهي قوة التهمة وال خالف بالحكم بها(.)3
-0قوله تعالى :في قصة يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصالة والسالم« ،قال هي راودتني عان
نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكااذبين وإن كاان
قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن
إن كيدكن عظيم»(.)3
وجه الداللة :أن الشاهد جعل من قد القميص أمارة وعالمة على صدق اإلدعاء أو نفيه ،فقاد
القميص من القبل دليل على صدق المرأة ،فيما ادعته على يوسف عليه السالم مان أناه أراد
بها سوءاً ،وأما قد القميص من الدبر أي من الخلف فيدل على كذبها وتصديقاً لسيدنا يوسف
( )5الطرق الحكمية ،مرجع سابق ،تبصرة الحكام ،في أصول األقضية ومناهج األحكام ،أبي الوفاء إبراهيم بن شامس
الدين بن عبد اهلل بن محمد بن فرحون المالكي ،ج 0دار الكتب العلمية ،بيروت ،التاج المذهب ألحكام المذهب،
شرح متن األزهار للقاضي أحمد بن قاسم العنسي ،ج ،4ص ،554دار الحكمة اليمانية ،صنعاء.
( )0سورة يوسف :اآلية.52 :
( )3محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي ،تفسير القرطبي ،الجامع ألحكام القرآن ،ج،9دار الفكر بيروت5452 ،ها.
( )4سورة يوسف اآليتان.)02-02( :
عليه وعلى نبينا الصالة والسالم في دفعه للتهمة( .)5قال ابن القيم :توصل بقد القمايص إلاى
تمييز الصادق منهما من الكاذب ،وهذا اللوث في أحد المتنازعين يبين به أوالهما بالحق(.)0
يقول الدكتور محمد الزحيلي :ويعترض على هذا االستدالل بأنه شرع من قبلنا فال يكون شرع لناا،
والجواب منه ،أن علماء األصول قرروا أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا ورد فاي شاريعتنا ماا يؤياده
ويدعمه وقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة العمل بالقرائن في كثير من المناسبات(.)3
-3قوله اهلل تعالى :بشأن عدة المطلقات( :والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثالثة قروء.)4()..
وجه الداللة :أن اهلل سبحانه وتعالى ألزم المطلقات أن يتربصان بأنفساهن ثالثاة قاروء فاإذا
انقضت هذه القروء الثالثة ،فقد اعتبرها الشارع الحكيم قرينة على باراءة رحام المارأة مان
الحمل ،وبالتالي انقضاء عدتها وعلى ذلك فالقرائن مما يجوز العمل بها(.)1
-4قوله تعالى( :حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إال من
سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إال قليل)(.)3
وجه الداللة في اآلية :أن اهلل عز وجل جعل فور التنور عالمة أي قرينة لسيدنا نوح عليه السالم
على حلول الغرق بقومه(.)1
-1قول اهلل تعالى على لسان سيدنا زكريا عليه السالم( :قال رب اجعل لي آية قال آيتك أال تكلام
الناس ثالثة أيام إال رمزاً)(.)2
وجه الداللة من اآلية :أن اهلل تعالى جعل منع زكريا عليه وعلى نبينا أفضل الصالة والسالم من
الكالم ثالثة أيام إال رمزًا عالمة قرينة على هبة الولد(.)9
أدلتهم من السنة:
-5ما روي عن أبي هريرة رضي اهلل تعالى عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قاال( :ال
تنكح األيم حتى تستأمر ،وال تنكح البكر حتى تسأذن ،قالوا يا رساول اهلل وكياف أذنهاا
قال :أن تسكت)(.)5
وجه الداللة في الحديث:
أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قد أقام سكوت البكر مقام إذنها في القول ،وبالتالي فتصابح
الشهادة على قبولها ،بناء على مجرد السكوت ،وال شك أن هذا الحكم ما هو إال إعماال للقريناة،
ولذا فالقرينة طريق من طرق الحكم شأنها في ذك شأن الشهادة ونحوها(.)0
-0ما روي عن أبي هريرة رضي اهلل تعالى عنه أن رسول اهلل صالى اهلل علياه وسالم قاال:
« كانت امرأتان معهما ابنهما ،فجاء ذئب فذهب بابن أحدهما ،فقالات لصااحبتها :إنماا
ذهب بابنك ،وقالت األخرى :إنما ذهب بابنك فتحاكمتا إلى داود عليه السالم فقضى باه
للكبرى ،فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السالم فأخبرتاه فقاال ائتاوني بالساكين
أشقه بينهما فقالت الصغرى ال تفعل يرحمك اهلل هو ابنها فقضى به للصغرى(.»)3
وجه االستدالل :إن قوله عليه الصالة والسالم حكاية عن الصغرى (ال تفعل يرحمك اهلل) داللة علاى
كون الولد ولدها ،وذلك لما ظهر منهما من الشفقة والرحمة التي وضعها اهلل تعالى في قلاب األم،
فلم ترضى بالشق ،ونسبت الولد للكبرى ،ومن خالل هذه الشفقة والرحمة التاي جبلات األم عليهاا
وقسوة الكبيرة التي لم تكن تقصد سوى التشفي من الصغرى ظهر لنبي اهلل سليمان عليه السالم أن
الولد هو ابن الصغرى ،مستعمالً في ذلك تلك القرينة.
كما أن في الحديث دليل على أن القرائن ،قد تكون أقوى من االعتراف ،أو اإلقرار ويظهر ذلك مان
الحديث ،حيث أن سليمان عليه السالم قضى به للصغرى رغم قولها له ال تفعل يرحمك اهلل إنما هو ابنها).
-3ما روي عن عبد الرحمن بن عوف – رضي اهلل عنه – أن ابني عفراء تداعيا قتل أباي
( )5صحيح مسلم ،بشرح النووي ،كتاب النكاح ،باب استئذان الثيب في النكاح باالنطق والبكار بالساكوت ،ج ،9ط،0
دار إحياء التراث العربي ،بيروت5302 ،ها.
( )0بجاش سرحان المخالفي ،مرجع سابق،
( )3شرح النووي على صحيح مسلم ،مرجع سابق ،ج،50
جهل يوم بدر فقال لهما رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :هل مسحتما سيفيكما فقاال :ال
فقال :أرياني سيفيكما فلما نظر إليهما قال :كالكما قتله ،وقضى بسلبه لمعاذ بن عمر بن
الجموح والرجالن معاذ بن عمرو بن الجموح ومعوذ بن عفراء»(.)5
وجه االستدالل :أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قضى بالسلب ألحدهما ،اعتماداً على أثار
الدم الذي كان على السيف ،في تمييز السابق بالفعل ،فأثر الدم رتب عليها الشارع حكماً
شرعياً ،وهو القضاء بالسلب ،وهذا يدل على مشروعية الحكم بالقرائن(.)0
-4ما روي عن أبي موسى رضي اهلل تعالى عنه( :أن رجلين اختصما في دابة ولايس لواحاد
منهما بينه ،فقضى بها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بينهما نصفين)(.)3
وجه الداللة :أن الرسول – صلى اهلل عليه وسلم – حكام بالداباة لهماا لوجاود الياد
منهما ،واليد قرينة وعالمة على الملك ،فجعلهاا النباي – صالى اهلل علياه وسالم –
يبينهما الستوائهما في الملك واليد ،وذلك أن المدعيين ال يستحقان الدابة بمجرد الدعوى
للحديث الشريف (لو يعطي الناس بدعواهم) وإنما كانت لهما بينة عليها ،وهي وضع اليد،
وتعد قرينة ،إذا فالقرينة حجة في اإلثبات وهذا يدل على مشروعية القرينة(.)4
-1ما روي أن رجالً سأل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن اللقطة ،فقال« :أعرف وكاءها
وعفاصها ،ثم عرفها سنة ،فإن لم تعرف ،فستنفقها ،ولتكن وديعة عندك فإذا جاء طالبها
يوماً من الدهر فأدها إليه»(.)3
وجه الداللة :إن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أمر الرجل أن يعرف اللقيطاة سانة فاإذا
حضر صاحبها فعرف وكاءها وعفاصها لزم الملتقط الادفع بالصافة ،وال شاك أن هاذا
الحكم عمل بالقرائن(.)2
فمعرفة الوعاء والرباط والعدد ،دليل على صحة قول مدعي اللقطة ،ووصف اللقطة قرينة
مصاحبة ومالزمة لها تقوم مقام البينة ،وهذا دليل على مشروعية القضاء بالقرائن(.)5
قال ابن القيم :فجعل وصفه لها قائماً مقام البينة ،بل ربما يكون وصفه لها أظهر وأصدق من البينة(.)0
استداللهم بالمعقول-:استدل القائلون بمشروعية القرائن بالمعقول وذلك من وجوه:
الوجه األول :أن القرائن تدخل في نطاق مفهوم البينة بمعناه العام ،أي أن البينة أمس لكل ما يباين
الحق ويظهره(.)3
الوجه الثاني :يقول ابن القيم – رحمه اهلل – (ال يتمكن المفتي وال الحاكم من الفتاوى والحكام
بالحق ،إال بنوعين من الفهم:
أوالً :فهم الواقع ،والفقه فيه ،واستنباط ما وقع من القرائن واألمارات حتى يحيط بها علماً.
ثانياً :فهم الواجب في الواقع ،وهو فهم حكم اهلل الذي حكم به في كتابه أو على لسان نبياه علياه
الصالة والسالم في هذه الوقائع ،ثم يطبق أحدهما على اآلخر ،فمن بذل جهده واستفرا وسعه
في ذلك لم يعدم أجرين أو أجراً فالعالم من يتوصل بمعرفة الوقائع والتفقه فيهاا ،إلاى معرفاة
حكم اهلل ورسوله كما توصل شاهد يوسف بشق القميص من الادبر إلاى معرفاة باراءة يوساف
وصدقه(.)4
الثالث :أن إهدار العمل بالقرائن في الشرع كلية يعطال كثياراً مان األحكاام ،ويضايع كثياراً مان
الحقوق(.)1
الرابع :أنه من غير المعقول أن يلغي الشارع اعتبار القرائن ،السيما إذا علمنا أن مقصود الشارع هو تحقياق
العدل ،بين الناس وهو ال يتحقق إال باالعتماد على القرائن وغيرها من طرق اإلثبات األخرى(.)2
واستدل القائلون بعدم مشروعية العمل بالقرائن بأدلة من السنة كما استدلوا بالمعقول.
األدلة من السنة:
-5عن ابن عباس رضي اهلل تعالى عنهما قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :لو كنات راجمااً
أحداً ،بغير بينة لرجمت فالنه ،فقد ظهر منها الريبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها(.)0
وجه الداللة :لو جاز العمل بالقرائن ألقام النبي صلى اهلل عليه الحد على المارأة ،بماا يثبات
لديه من أمارات وقوع الزنا منها ،ولكنه لم يعمل به ،فال يعمل بالقرائن(.)3
وقد نوقش هذا االستدالل :من قبل المثبتين للعمل بالقرائن ،بأنا ال نسالم أن الرساول صالى
اهلل عليه وسلم لم يحكم على المرأة لعدم جواز العمل بالقرائن ،وإنما ألن الزنا يتم عاادة فاي
الخفاء ،ويحتاج في إثبات الزنا إلى أربعة شاهود ،كماا أن القارائن ال تخلاو مان الشابهات،
والحدود تدرأ بها ،كما أن الحديث حجة عليهم ،ألن النبي عليه الصالة والسالم صرح بأنه ال
يرجم بغير بينة ،والقرائن بينه ولكن هذه القرائن واألمارات التي ظهارت منهاا ليسات قوياة
الداللة ،بحيث يثبت بها الحكم بالحدود ،ولو سلمنا منع العمل بالقرائن في نطااق الحادود،
فال يعني ذلك عدم االحتجاج بها في غير الحدود(.)4
-0روى أبو هريرة رضي اهلل عنه( :أن رجالً أتى النبي صلى اهلل عليه وسلم فقال :يا رسول اهلل ولد
لي غالم أسود ،فقال له النبي صلى اهلل عليه وسلم :هل لك من إبل؟ قال :نعم ،قال :ما لونهاا؟
قال حمر .قال :هل فيها من أورق؟ قال :نعم .قال :فأنى ذلك؟ قال :لعله نزعة عرق .قال :فلعال
( )5محمد بن عمر بن عبد العزيز عابدين ،تكملة در المحتار على الدر المختار ،حاشاية ابان عابادين ،ج 1ط ،5دار
إحياء التراث ،البحر الرائق ،شرح كنز الدقائق لزين الدين الدين بن إبراهيم نجيم ،الحنفي ،ج ،1ط( ،)5تحقيق
أحمد عزو عناية الدمشقي ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت5400 ،ها ،األشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة
النعمان ،لزين الدين بن إبراهيم بن نجيم ،ط( ،)5دار الكتب العلمية ،بيروت5402 ،ها.
( )0محمد بن علي الشوكاني ،نيل االوطار ،شرح منقى األخبار ،من أحادياث سايد األخياار ،ج ،1ط( ،)5دار إحيااء
التراث العربي ،بيروت ،لبنان0225 ،م.
( )3بجاش سرحان المخالفي ،مرجع سابق،
( )4محمد الزحيلي ،مرجع سابق ،بجاش سرحان المخالفي ،المرجع السابق،
وجه الداللة :أن النبي عليه الصالة والسالم لم يأخذ بحكم قرنية الشابه باين الولاد وصااحب
األبل ،مما يعني عدم االعتبار بالقرائن ،وبالتالي عدم مشروعيتها(.)0
وقد نوقش هذا االستدالل :بأن قرينة الفراش أقوى مان قرنياة الشابهة ،إذ يحتمال أن
يكون الشبه ناشئاً عن تأثره بأحد أجداده ،وال يعني ذلك أن النبي صالى اهلل علياه وسالم ،لام
يعتمد الشبه مطلقا بل في الحديث ما يدل على اعتبار الشبهة ،فإنه صلى اهلل عليه وسلم أحاال
على نوع آخر من الشبه وهو نزع العرق .وهذا الشبهة أولى لقوته بالفراش(.)3
أدلتهم من المعقول:
استدل المانعون للقضاء بالقرائن بالمعقول من ثالثة وجوه:
الوجه األول :أن القرائن ليست مضطردة الداللة وال منضبطة فال يثبت بها حكم(.)4
ونوقش :بأن القضاء بالقرائن ،يقتصر على القرائن القوية التي ال شاك فاي قوتهاا وداللتهاا علاى
المقصود ،ولذلك نص الفقهاء على رد الدعوى ،إذا كان ظاهر الحال أو الواقع يكاذبها كمان يقار
بنسب مجهول أكبر منه سناً ،ومن يعترف بقتل شخص ،وهو على قيد الحياة ،أو اعترف بقطع يادٍ
مع أن يداه سليمة(.)1
الوجه الثاني :أن القرائن قد تبدو قوية عند القضاء ثم تتالشى أو يعتريها الضعف.
وقد نوقش ذلك :بأن العبرة بقوة القرينة يكون وقت القضااء بهاا ،وال ينظار أو يانقض الحكام إذا
تغيرت قوة القرينة ،كما ال ينقض الحكم بعد صدوره برجوع الشهود ماثالً ،أو برجاوع المقار عان
إقراره في حقوق العباد( .)2كما أن وسائل اإلثبات كلها ليست قطعية الداللة وإنماا هاي ظنياة تفياد
( )5شرح النووي على صحيح مسلم ،كتاب اللعان ،ج ،52مرجع سابق.
( )0بجاش سرحان المخالفي ،مرجع سابق،
( )3الطرق الحكمية ،مرجع سابق ،بجاش سرحان المخالفي ،مرجع سابق،
( )4محمد الزحيلي،مرجع السابق ،بجاش سرحان المخالفي ،مرجع السابق،
( )1محمد الزحيلي ،مرجع السابق ،نفس اإلشارة ،بجاش سرحان المخالفي ،مرجع السابق،
( )2بجاش سرحان المخالفي ،مرجع سابق،
ترجيح جانب الصدق على الكذب ،والواقع قد يكون العكاس ،والقارائن ليسات فريادة فاي هاذا
المجال ،بل إن الشهادة واإلقرار ،يطرأ عليهما الضعف ،ويعتريهما الشك ،إذ قد يقع اإلقرار تحات
رغبة أو رهبة ،وقد يشهد الشهود زوراً ،وال يطلع أحد على ذلاك ،وتظهار مان شاهادتهم الصاحة
والسالمة ،ثم تسفر الحقيقة عن كذبه ،فاحتمال الضعف فاي القارائن لايس خاصااً بهاا ،وهاذا
االحتمال من القرائن القاطعة ،ال يزيد عما يعتري الشهادة واإلقرار(.)5
الوجه الثالث :أن القرائن تقوم على الظن والتخمين ،والظن ليس دليالً ،وأن القارآن الكاريم نادد
بإتباع الظن قال تعالى ...( :إن يتبعون إال الظن وما تهوى األنفس ولقد جاءهم من ربهم الهادى)(،)0
وقال تعالى ...( :وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون باهلل غير الحق ظن الجاهلية)( ،)3وقاال تعاالى:
( ...إن الظن ال يغني من الحق شيئاً).
نوقش :بأن الظن نوعان ،قوى وضعيف ،وأن المنهي عنه هو الظن الذي ال يقوم على أساس ويكاون
واهي الصلة والمصاحبة أو أن الظن المنهي عنه ،هو في العقائد ،والعقيدة ال تثبت بالظن باالتفاق(.)4
الرأي الراجح:
يبدو من عرض األدلة ترج يح أدلة القول األول لصحتها وقوتها في إثبات مشاروعية القارائن
والنصوص في القرآن الكريم والسنة الصحيحة أثبتت العمل بالقرائن واألمارات الظااهرة ،والقاول
بترجيح أصحاب الرأي األول هو قول العديد من الفقهاء وذلك لما يلي:
أوالً :لقوة أدلة هذا الفريق ،كما أن النقد الذي وجه من قبل المانعين لم ينل من هذه الحجية.
ثانياً :أن المانعين قد اعتمدوا على أدلة ضعيفة لم تصمد أمام النقد الذي وجه إليها.
ثالثاً :إن في القول بمشروعية العمل بالقرائن من شأنه حفظ الحقوق من التعرض للضياع ،خاصة
( )5بجاش سرحان ،المرجع السابق ،نفس اإلشارة ،محمد الزحيلي ،مرجع سابق،
( )0سورة النجم :اآلية.03 :
( )3سورة آل عمران :اآلية.514 :
( )4محمد الزحيلي ،مرجع سابق،
رابعاً :ألخذ جميع المذاهب اإلسالمية بها ،حتى أولئك القائلين بمنع العمل بهاا إذ أن كثياراً مان
األحكام في مذاهبهم تقوم على القرائن واألمارات والعالمات(.)0
خامساً :أن القرائن تقوم على وقائع مادية ،تولد لدى القاضي الذي يقوم باالستنباط ظناً يفوق في
داللته ا لشهادة أو اإلقرار .هذا ومن خالل ما سبق يتضح أن القارائن القضاائية لهاا أصال
مشروعية في الشريعة اإلسالمية كما أن لها قوة اثباتية فيها .فمتى كانت القريناة القضاائية
ذات داللة قوية في اإلثبات ،بحيث تكون دالة على ما يطلب الحكم باه داللاة واضاحة باان
تصيره في حيز المقطوع فإنه في هذه الحالة يمكن اعتبارها دليالً مستقالً ،فال تحتاج إلاى
دليل آخر يقويها(.)3
وسمت المجلة العدلية مثل هذه القرائن بالقرائن القاطعة وعرفتها .وذلك في المادة ()5145
حيث نصت فيها على أن( :القرينة القاطعة هي اإلمارة البالغة حد اليقين) ووضحت هذه المادة معنى
هذه القرينة في عجزها بقولها( :مثالً إذا خرج رجل من دار خالية خائفاً مدهوشاً فاي ياده ساكين
ملوث بالدم ،فدخلت الدار في الحال وشوهد فيها رجل مذبوح في ذلك الوقت ،فال يشاتبه فاي أن
قاتله هو ذلك الرجل وال يلتفت إلى االحتماالت التي هي محض توهم كالقول بأن الرجل ربما قتل نفسه(.)4
فهذه القرائن القاطعة تجعل األمر في حيز المقطوع به ،وبالتالي فهي وفقاً للنص الماذكور ال تقبال
إثبات العكس ،ألنها عادة ما تقرر لحماية مصلحة جديرة بالحماية من الشارع .فخروج الرجال كماا
في المثال من دار خالية ،وعليه الخوف والدهشة ،وفي يده سكين ملوث بالدم ،ولم يكن في الادار
سوى رجل مذبوح في ذلك الوقت ،قرينة قاطعة على أن ذلك الشخص هو القاتال ،وهاي قريناة ال
تقبل إثبات العكس وهذا ما قررته المادة السالفة الذكر بقولها :فال يشتبه فاي أن قاتلاه هاو ذلاك
الرجل وال يلتفت إلى االحتماالت التي هي محض توهم كالقول بأن الرجل ربما قتل نفسه.
المطلب الثاني:
حجية القرينة القضائية في القانون الوضعي
القرينة القضائية هي ما يستنبطه القاضي من ظروف الدعوى ومالبساتها ،فهو يختار واقعة
ثابتة ،من بين وقائع الدعوى ويستدل بها على الواقعة المراد إثباتها ،وبما أن القاضي معرض للخطأ
في االستنباط واالستدالل فإن القرائن القضائية ليس لها قيمة إثباتية مطلقاة( ،)5بال جعال نطااق
اإلثبات بها كما في بعض التشريعات محدداً في دائرة اإلثبات بشهادة الشهود ،وذلك لكون اإلثباات
بالقرائن القضائية يقوم على الترجيح واالستنباط ،وهو أمر متروك لتقدير القاضي ،وليس القضاة
جميعاً على مستوى واحد من الفطنة والذكاء ،فما يراه قاضي قرينة منتجة في اإلثبات ،قد ال يارى
قاضي آخر فيه شيئاً من ذلك ،فالقاضي في هذه الناحية غيار معصاوم بال معارض للخطاأ فاي
االستنباط( ،)0ولذلك أيضاً يجب أن يستقر في األذهان أن األصل اإلثبات باألدلة المباشرة(.)3
( ) 5حسن عوض سالم الطروانة ،ضوابط السلطة التقديرية للقاضي الجنائي ،رسالة دكتوراه ،جامعاة القااهرة ،كلياة
الحقوق0221 ،م ،محمد الزحيلي ،مرجع سابق ،ص.103
( )0عبد الحكم فوده ،الواقي في اإلثبات في المواد المدنية والتجارية والشرعية ،مجا ،3دار الفكار والقاانون للنشار
والتوزيع.
( )3هاللي عبد الاله أحمد ،مرجع سابق،
( )4المرجع السابق ،نفس اإلشارة.
( )1أبو العال علي أبو العالء النمر ،مرجع سابق،
المجهول بطريقة االستنتاج من األمر المعلوم وليد عملية رائدها الدقة المتناهية(.)5
يجب أن يكون بين الواقعة والقرينة تسلسالً منطقياً مستساغاً(.)0 -4
ولكن هل يشترط إقامة الحكم على أكثر من قرينة أم ال يشترط ذلك؟
هو شرط اشترطه بعض شراح القانون الجنائي ،حيث ذهبوا إلى أنه ال يجاوز للمحكماة أن
تسند حكمها على قرينة واحدة ،إذ أن القرينة الواحدة ،مهما كانت داللتها ،ناقصة فنضاراً لكونهاا
غير مباشرة في اإلثبات ،فإن القدرة البشرية ما زالت تعجز عن القطع واليقاين حينماا يساتخلص
واقعة مجهولة من أخرى معلومة؛ إذ أن افتراض الخطأ في االستنتاج قائم ولو بنسبة تكاد ال تاذكر،
ومجرد وجود هذا االفتراض يحول دون االستناد إليها وحدها في الحكم ،أما إذا تعددت القرائن في
الدعوى ،فيمكن للمحكمة أن تستند إليها في الحكم وتؤسسه على القرائن مجتمعة(.)3
وهذا الرأي :إذا كان قد وافق الصواب ،من حيث الحرص والدقة في بناء األحكام على عدة قارائن
مجتمعة ،ألن بناء الحكم على قرينة واحدة ال يخلو من الخطر؛ ألن افتاراض الخطاأ فاي اساتنتاج
القرائن قائم ،ولو بنسبة تكاد ال تذكر ،إال أنه في نفس الوقت وضع حجرة عثراء أمام القاضي فاي
حالة انعدام األدلة ،ولم يوجد أمامه سوى قرينة واحدة ،وخاصة إذا كانت هذه القرينة قوياة يمكان
بناء الحكم عليها ،بينما ال يوجد مثل هذا الشرط عند شراح القانون المدني ،فال يشترط أن يبناى
القاضي حكمه على عدة قرائن ،بل يكفي أن يكون عقيدته من قرينة واحدة تكفاي لحمال الحكام،
وتؤدي إلى ما انتهت إليه فمتى كانت القرينة قوية ومنتجة في اإلثبات فيجوز للقاضي أن يبني حكمه
عليها( ، )4فليس العبرة بعدد القرائن التي يستوفيها القاضي في حكمه ،وإنما العبارة بقاوة القريناة
وإنتاجها في اإلثبات فيكفي لكي يكون القاضي بعيداً عن رقابة محكمة النقض ،أن يقيم حكمه على
قرينة واحدة قوية الداللة ومستنبطة استنباطاً سائغاً من الثابت في وقائع الدعوى ،واألوراق المقدمة
( )5أحمد فتحي سرور ،الوسيط في قانون اإلجراءات الجنائياة ،ج ،0-5ف 514ط ،4دار النهضاة العربياة ،بياروت،
5925م.
( )0هاللي عبد الاله أحمد ،المرجع السبق،
( )3مأمون محمد سالمة ،اإلجراءات الجنائية في التشريع المصري ،ج ،0ط(بادون) ،دار النهضاة العربياة العربياة،
القاهرة0220 ،م.
( )4عبد الحكيم فوده ،الوافي في اإلثبات ،مرجع سابق،
فيها ،والظروف المحيطة بها( .)5وإذا بنا القاضي حكمه على عدة قرائن ،فإن هناك مبادئ قررتهاا
محكمة النقض المصرية:
األول :أنه إذا كانت محكمة الموضوع قد استندت في قضائها إلى جملة قرائن يكمل بعضها بعضااً،
تؤدي في مجموعها إلى نتيجة واحدة ،فإنه ال يقبل من الخصم مناقشة كال قريناة علاى حادة
إلثبات عدم كفايتها من ذاتها(.)0
الثاني :إذا كان الحكم قد أقيم على أكثر من قرينة ،وحدد في أسبابه داللة كل واحدة منهاا ،فاإذا
ظهر فساد بعض هذه القرائن فال يصح تعييب الحكم متى كانت إحدى القرائن األخرى صحيحة
وتكفي لحمله(.)3
الثالث :إذا أقام القاضي حكمه على قرائن متعددة متساندة ،دون أن يبين أثر كل قريناة منهاا فاي
تكوين عقيدة المحكمة ،فإن فساد إحداها يؤدي بالادليل المعتماد مان تسااندها إلاى فسااد
االستدالل فيها ،والدليل المستمد منها ،ومن باقي القرائن األخرى( ،)4ومن ثم فإذا كان الحكام
قد أقيم في جملة قرائن مجتمعة ،دون أن يبين القاضي في أسباب الحكم أثر كال قريناة علاى
حدة ،في تكوين عقديته ،ثم طهر فساد بعضها بأن كانت إحاداها غيار مستسااغة عقاالً ،أو
مخالفة للثابت من األوراق أو مستمدة من واقعة ال وجود لهاا ،وكاان ال يمكان أن يعارف كياف
سيكون قضاؤه بعد إسقاط القرينة الفاسدة من التقدير ،فإن حكماه يكاون قاد عااره بطاالن
جوهري لقصور أسبابه مما يستوجب نقضه.
موقف المشرع اليمني من شرط التعدد:
لم يشترط المشرع اليمني أن يبني القاضي الحكم على عدة قرائن بل إن الظاهر مان ناص
المادة ( ) 511من قانون اإلثبات أنه يجوز إقامة الحكم على قرينة واحدة حيث نص فيهاا علاى أناه
(للمحكمة أن تأخذ بالقرينة القاطعة القضائية التي يمكن استنباطها من وقاائع الحاال ،وأن تعتبار
دليالً كامالً على الواقعة المراد إثباتها ...إال أنه قصر ذلك على األموال والحقوق فقط.
فإذا ما استوفت القرينة القضائية الشروط السابقة وضعت على قادم المسااواه ماع األدلاة
األخرى ،التي يمكن للقاضي أن يستند إليها دون أدنى شك ،وبذلك ال يستطع أحد أن ينكار قيماة
القرائن وحجيتها في اإلثبات ،خاصة عندما ينعدم الدليل على وجود الواقعة(.)5
بل يقال في القانون اإلنجليزي إن القرائن أصدق من الشهود ،ألن الوقائع ال يمكان تكاذب،
فهي الشاهد الصامت الذي يشير إلى مرتكب الجريمة ،من أجل إلقاء الضوء على الظل الذي دفنت
فيه الواقعة الرئيسية ،وهي أيضاً الضوء الذي ينير وجدان القاضي ،ويوجهه ناحية آثار معينة يتبعها
من أجل الوصول إلى الحقيقة(.)0
حجية القرائن القضائية في القانون اليمني:
تعد القرائن القضائية من طرق اإلثبات اليمني حيث نصت المادة ( )50من قاانون اإلثباات علاى أن
طرق اإلثبات هي:
-0اإلقرار. -5شهادة الشهود.
-4اليمين وردها النكول عنها. -3الكتابة.
-2المعاينة (النظر). -1القرائن الشرعية والقضائية.
-2استجواب الخصم. -1تقرير.
كما نصت المادة ( )511منه على أنه( :للمحكمة أن تأخذ بالقرينة القاطعة القضاائية التاي
يمكن استنباطها من وقائع الحال ،وأن تعتبرها دليالً كامالً على الواقعة المراد إثباتها فاي األحاوال
التي يجوز فيها ذلك وهي األموال والحقوق ويجوز للخصم أن يثبت أنها غير صحيحة بالبينة القانونية).
ومن خالل هذا النص نجد أن المشرع اليمني قد جعل للقاضي السلطة الكاملة فاي تقادير
القرينة القضائية التي يمكن استنباطها من وقائع الحال وأن يعتبرها دليالً على الواقعة المراد إثباتها
وهو ما أخذت به المحكمة العليا حيث قضت بأنه( :يشترط في الدليل أن يكون مباشراً داالً بنفساه
على الواقعة المراد إثباتها بل يجوز أن يكون استخالص ثبوت الواقعاة مناه عان طرياق االساتنتاج
وترتيب النتائج على المقدمات)(.)3
كما أنه يتبين من خالل ظاهر المادة ( )511السالف ذكرها أنه يجوز للقاضي أن يبني حكمه
على قرينة قضائية واحدة كدليل كامل في اإلثبات إال أن ذلك مقيد بشرطين:
األول :هو أن تكون القرينة القضائية قاطعة :إال أن المشرع لم يبين معنى كونها قاطعة ،إال أنه يفهم
ذلك من خالل فحوى نص المادة ( )512من نفس القانون الذي بين فيها معنى القرينة البسيطة
غير القاطعة بأنها« :التي ال تقطع بثبوت الواقعة المراد إثباتها ،وإنما ترجح لثبوتها إال أنه قد
يحتمل ذلك وقد يحتمل غيره» ،فيتبين من خالل ذلك أن القرينة القاطعاة هاي التاي تقطاع
بثبوت الواقعة المراد إثباتها دون احتمالية أي أنه ال يمكان احتماال عادم ثبوتهاا إال أن هاذا
المعنى يناقض مع عجز المادة نفسها وهي قوله ويجوز للخصم أن يثبات أنهاا غيار صاحيحة
وكان األولى بالمشرع اليمني أن يعبر بدالً من قوه قاطعة بالقوية حيث أنه ال يوجد في القرائن
القضائية صفة القطع إذ أنها تقبل إثبات العكس دائماًَ.
الثاني :أن يكون محل اإلثبات األموال والحقوق فقط ،وهو ما عبر عنه بقوله« :في األحاوال التاي
يجوز فيها ذلك وهي األموال والحقوق» ،فيتبين مان خاالل ذلاك اناه ال يكاون للقاضاي أو
للمحكمة أن تأخذ بالقرينة القضائية القاطعة وتعتبرها دليالً كامالً في القصاص والحدود(.)5
يقوم اإلثبات بالقرائن وفقاً لهذا النص على تفسير القاضي لما هو معلوم من هذه األماارات
والوقائع ،تفسيراً عقالنياً لتكوين اعتقاده ،من طريق استخالص الواقعة المجهولة ،التي يراد إقامة
الدليل عليها(.)0
ويتبين من هذا النص أن الشارع جعل اإلثبات بالقرائن القضائية مقصورًا على الحاالت التاي
يجوز فيها اإلثبات بشهادة الشهود)(.)5
ومن ثم ال تقبل القرائن القضائية ،في إثباات التصارفات القانونياة التاي تتجااوز قيمتهاا
خمسمائة جنيهاً ،وإنما تقبل في إثبات ما دونها ،كما أنه ال يجوز قبولها في إثباات ماا يخاالف أو
يجاوز الثابت بالكتابة وال في إثبات التصرفات القانونية التي يستلزم القانون الكتابة في إثباتها ،أيااً
كانت قيمة التصرف وذلك كالصلح والكفالة ،ولذلك حدد المشرع نطاق اإلثبات بهاا علاى األحاوال
التي يجيز فيها القانون اإلثبات بشهادة الشهود(.)0
ويرجع السبب في كون القرائن القضائية ليس لها قيمة إثباتية مطلقاة ،ألن اإلثباات بهاا ال
يخلو من الخطر فالقاضي يتمتع في استنباط القرينة القضائية بحرية واسعة في ميدان تتفاقم فياه
األفهام وتتباين فيه األنظار ،فليس ثمة من استقرار كاف في وزن الدليل وما يراه قاضي قرينة منتجة
في اإلثبات ،ال يرى قاض آخر فيه شيئاً ،كما أن القاضي معرض للخطأ في االستنباط واالستدالل
لذلك نظر إليها المشرع المصري بحذر ،وجعل مرتبتها في اإلثبات أقل من رتباة اإلثباات بالكتاباة
واإلقرار واليمن(.)3
وفي األخير نود اإلشارة إلى اختالف القرينة القضائية في مجال اإلثبات المدني عنها في المجال الجنائي:
يالحظ من خالل تعريفات القرائن القضائية السابقة أن شراح القانون المدني يكتفاون فاي
تعريف القرينة القضائية بأنها استنباط واقعة مجهولة من واقعة معلومة ،أما شراح القانون الجناائي
فقد زادوا على ذلك بأن يكون هذا االستنباط بحكم الضرورة واللزوم العقلي والمنطقي(.)4
فشراح القانون المدني يكتفون لقيام القرينة القضائية ،أن يكون استنباط الواقعة المجهولاة
من الواقعة المعلومة قائماً على فكرة الراجح الغالب الوقوع ،مثال ذلك أن تكون الزوجية قرينة علاى
الصورية ،فالواقعة المعلومة هي قيام الزوجية بين المتعاقدين ويستدل القاضاي مان هاذه الواقعاة
الثابتة على ال واقعة الثابتة على الواقعة المراد إثباتها وهي صورية العقد المبرم بين الزوجين(.)5
كما أنه إذا طالب المؤجر المستأجر بأجرة عشرة شهور ،فيكفي للمستأجر أن يقدم إيصاال
سداد أجرة الشهر األخير من هذه الشهور العشرة؛ وبذلك يكون قد أثبت أنه قد قاام بساداد أجارة
هذه الشهور العشرة جميعاً؛ ألن سداد أجرة الشهور األخيرة واقعة معلومة تصلح أن يستنبط منها أنه
قد قام بسداد أجرة الشهور السابقة ،ذلك أن هذا االستنباط يقوم على فكرة الراجح الغالب الوقوع،
إذ أن الغالب أن المؤجر ال يسلم المستأجر إيصال أجرة الشهر الالحق إال بعد استالمه ألجرة الشهر
السابق ،كما أن المستأجر ال يحتفظ عادة بإيصاالت جميع األقساط عن األجرة التي سددها وإنماا
يكفيه إيصال سداد أجرة الشهر األخير(.)0
إال أنه ومع ذلك تعد هذه القرينة قابلة إلثبات العكس فيمكن للمؤجر رغم ذلاك أن يثبات أن
المستأجر رغم تقديمه إيصال الشهر األخير لم يقم فعالً بسداد أجرة الشهور السابقة ،ويكون علياه
عبء إثبات ذلك وقد يفلح وقد ال يفلح.
والمهم في هذه المسألة أن فكرة الراجح الغالب الوقوع كانت كافية لتكوين هاذا االساتنباط
من الواقعة المعلومة لتكوين القرينة القضائية ،فهل تكفي نفس هذه الفكرة في مجال اإلثبات الجزائي(.)3
لنأخذ مثاالً يوضح المسألة :وقعت جريمة سرقة أشياء منقولة معينة بالاذات ولهاا أوصااف
معلومة ومحددة بدقة ،فتم ضبط هذه المسروقات في حياازة شاخص معاين ،فهناا ضابط هاذه
المسروقات المحددة في حيازة الشخص واقعة معلومة ،والراجح الغالب أن يكون الحائز للمسروقات
هو السارق لها ،فهل تكفي هذه الواقعة المعلومة قياماً على هذا الراجح الغالاب فاي تكاون قريناة
قضائية على أن هذا الحائز هو السارق؟ والفرض هنا أن هذا الحائز أنكر ارتكاب جريمة السارقة،
وأيضاً عجز عن إثبات مصدر مشروع أو غير مشروع لها( ،)5لما كان السائد فاي النظاام القاانوني
الجنائي أنه يشترط شروط معينة في الدليل من أجل الحكم باإلدانة ،ومن أهم هذه الشروط شارط
اليقينية والجزم( ،)0فال بد أن يكون االستنتاج في القرينة ضرورياً والزماً بمعناى أن الواقعاة الثابتاة
تؤدي إلى الجزم بحدوث الواقعة غير الثابتة بصورة ال تحتمل التأويل(.)3
وبالتالي يمكن القول أن تلك القرينة وهي وجود المسروقات في حيازة ذلك الشخص ال تكفاي
إلدانته بواقعة السرقة والسبب في ذلك أن ما يقع غالباً ال يقع دائماً ،ففكرة الراجح الغالب ال تنفاي
وجود القليل النادر ،وقد يكون حائز هذه المسروقات من ضمن القليل النادر ،ولكن إذا ما عثر على
بصمة لهذا المتهم في مكان وقوع الجريمة ،ولم يكن من حقاه دخاول ذلاك المكاان ،فاإن األمار
سيختلف؛ ألن هذا االحتمال المتولد عن الواقعة األولى المتمثلة في حيازة المسروقات يترقى ليحال
محله اليقين المطلوب في الدليل الجزائي وال يكون هناك بعد ذلك أثر لذلك االحتمال النادر ،وهذا
هو السبب في اشتراط شراح القانون الجزائي وبحق أن يتم استنباط الواقعة المجهولة مان الواقعاة
المعلومة بحكم الضرورة واللزوم العقلي(.)4
ومن خالل ما سبق يتضح أن القرينة تقوم في جميع األحوال على فكرة الاراجح الغالاب وأن
هذا الراجح الغالب يؤدي إلى احتمال قوي ،إال أنه ال ينفي وجود القليل الناادر ،لاذلك فإناه ومان
الالزم في القضاء المدني إتاحة الفرصة أمام المتهم إلثبات العكس ،فإن عجز عن ذلك فاإن ذلاك
يكفي إلثبات المسألة المدنية ضده ،إذ أنه ليس أمام القاضي المدني غير ذلك ،أماا فاي اإلثباات
الجزائي فالقاضي يحوز سلطات أوسع ،ولذلك يتحتم عليه أن يرقي هذا االحتمال القوي إلى درجاة
اليقين المؤكد الذي ال يقوم الدليل الجزائي إال به ،وال يكون مجرد عجز المهم عن إثباات العكاس
كافياً لتكوين القرينة القضائية بل ال بد من ترقية هذا االحتمال إلى درجة اليقين أو الجزم المطلوب
توافره في الدليل الجزائي.
الخاتمة
الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على أشرف الخلق والمرسلين سيدنا وحبيبنا محماد
بن عبد اهلل الصادق اآلمين وعلى صحابته الغر الميامين أجمعين .وبعد:
من فضل اهلل تعالى وجوده وكرمه عليَ أن وفقني وأعانني على إنجااز هاذا الورقاة العلمياة،
وإخراجها بهذه الصورة ،فله الحمد وله الشكر والثناء الكثيار أوالً وأخياراً ،فهاذه خاتماة الجهاد
المبذول لهذه الورقة ،والذي تعلمت من خاللها الكثير واستفدت منها فوائد عظيمة ،وقاد توصالت
الدراسة إلى العديد من النتائج والتوصيات أهمها ما يأتي:
أوالً :النتائج:
أن القرينة هي :كل أمر ظاهر يصاحب شيئاً خفياً ويدل عليه .أماا القريناة القضاائية -5
فهي :استنباط القاضي واقعة مجهولة من واقعة معلومة ثابتة لديه.
تلعب القرينة القضائية دوراً هام ًا في إظهار الحق ومعرفته كما أنها تساعد القاضي في -0
إظهار صدق شهادة الشهود ،والتي في كثير من القضايا تكون خاضعة لعوامل خارجية
أو نفسية تؤثر في أمانة نقلها وصدق وقائعها.
للقرائن القضائية أهمية كبيرة في كل نظام إثبات ،وذلك أن بعض الوقائع يساتحيل أن -3
يرد عليها إثبات مباشر ،فإذا اقتصرنا على أدلة اإلثباات المباشارة لماا كاان ممكنااً
الفصل في الدعوى ،ولكن عن طريق القرائن القضائية نتوصال إثباات هاذه الوقاائع
بإثبات وقائع أخرى ذات صلة سببية منطقية بها.
تعد القرائن القضائية دليالً من أدلة اإلثبات غير المباشارة ،حياث تثبات الواقعاة أو -4
التصرف بطريق غير مباشر عن طريق ثبوت واقعة أخرى قريبة منها أو متصالة بهاا،
كما أنها تعتبر دليالً إيجابياً في اإلثبات.
أن القاضي هو من يقوم باستخالص واستنباط القرينة القضاائية ،وذلاك مان وقاائع -1
الدعوى والظروف المحيطة بها ومالبساتها ،كما أنه يستقل بتقاديرها ودون أن يكاون
خاضعاً في ذلك لرقابة محكمة النقض.
للقرينة القضائية ركنان أساسيان تقوم عليهما :األول :مادي :وهو تلك الواقعة المعلومة -2
المطروحة على القاضي والتي تصلح الستخالص وقاائع أخارى منهاا غيار معلوماة،
والثاني :معنوي :ويتمثل بعملية االستنباط التي يقوم بهاا القاضاي بمالاه مان سالطة
تقديرية في ذلك .مستخدماً فطنته وذكاؤه وقواعد المنطق ،ليصل من الواقعة الثابتاة
إلى الواقعة المراد إثباتها ،وذلك وفق شروط وضوابط تم بسطها في الموضوع.
-1لم يكن اإلثبات بالقرائن القضائية محل اتفاق بين فقهاء الشريعة اإلسالمية بال كانات
محل خالف بينهم بين مثبت ومنفي لذلك ،وقد عرضنا أقوالهم وأدلاتهم فاي البحاث
وتوصلنا من خالل ذلك إلى أن الرأي الراجح وهو ما عليه الكثير من الفقهاء هو جاواز
إعمال القرائن القضائية كدليل من أدلة اإلثبات.
-2أن القرينة القضائية في الفقه اإلسالمي ذات داللة قوية في اإلثبات ،بحيث تكون دالة
على ما يطلب الحكم به؛ بأن تصيره في حيز المقطوع فإنه فاي هاذه الحالاة يمكان
اعتبارها دليالً مستقالً ،فال تحتاج إلى دليل آخر يقويها ،وهو ما جارى علياه فقهااء
القانون المدني متى كانت القرنية القضائية قوية ومنتجة.
-9ال يشترط أن يبني القاضي حكمه على عدة قرائن إذ أن العبرة ليسات بعادد القارائن
التي يستوفيها القاضي في حكمه ،وإنما العبرة بقوة القرينة وإنتاجهاا فاي اإلثباات،
فمتى بنى القاضي حكمه على قرينة واحدة قوية الداللة ومستنبطة استنباطاً سائغاً من
الثابت في وقائع الدعوى واألوراق المقدمة فيها والظروف المحيطة بهاا؛ فإناه يكاون
بعيدًا عن رقابة محكمة النقض .وهذا ما سرى عليه القانون المدني اليمني.
-52حجية القرائن القضائية ليست قاطعة بحيث يجوز إثبات عكسها ،وإنما قد تكاون ذات
داللة قوية ومع ذلك يجوز إثبات عكسها دائماً بدليل أقوى منها.
-55تقوم القرائن القضائية في اإلثبات المدني على فكرة الراجح الغالب الوقوع ،وال يكون
ذلك كافياً في اإلثبات الجزائي ،بل ال بد أن ترقى إلى درجة اليقين والحزم المطلاوب
توافره في الدليل الجزائي.
ثانياً :التوصيات:
يوصي الباحث المشرع اليمني باستبدال لفظ (القرائن القاطعة القضائية) الوارد فاي ناص
المادة ( )511بلفظ (القرائن القضائية القوية) ما دام وقد جعل القرينة القضائية قابلة إلثبات العكس
دائماً ،وذلك لما سبق وأن وضحناه في المتن.
قائمة المراجع
أوالً :القرآن الكريم.
ثانياً :كتب التفسير:
-5الجامع ألحكام القرآن (تفسير القرطبي) -محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي (215ها)
-ط - 0دار الفكر بيروت 5452 -ها.
ثالثاً :كتب الحديث:
-0صحيح مسلم بشرح النووي :مسلم بن الحجاج القشيري (025ها) بشرح يحيى بان شارف
الدين النووي (212ها) -ط - 0دار إحياء التراث العربي -بيروت 5302 -ها.
-3سبل السالم شرح بلوا المرام :محمد بن إسماعيل األمير الصنعاني (5520هاا) -الطبعاة
الرابعة -مكتبة البابي الحلبي -القاهرة 5922 -م.
-4نيل االوطار شرح منقى األخبار من أحادياث سايد األخياار :محماد بان علاي الشاوكاني
(5012ها) -ط - 5دار إحياء التراث العربي -بيروت -لبنان 0225 -م.
رابعاً :المراجع الفقهية:
-1ابن القيم الجوزيه ( : )115محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي -إعالم الموقعين عن رب
العالمين -ط - 5دار البيان دمشق 5405 -ها .
-2الطرق الحكمية في السياسة الشرعية -طبعة5993م -السنة المحمدية -مصر.
-1بن فرحون المالكي (199ها) :أبي الوفاء إبراهيم بن شمس الدين بن عبد اهلل بن محمد -
تبصرة الحكام -في أصول األقصنة ومناهج األحكام -دار الكتب العلمياة -بياروت -
تاريخ والطبعة بدون.
-2ابن نجيم (912ها) :زين الدين بن إبراهيم -األشباه والنظائر علاى ماذهب أباي حنيفاة
النعمان -ط - 5دار الكتب العلمية -بيروت 5402 -ها.
-9البحر الرائق شرح كنز الدقائق -ط - 5تحقيق أحمد عزو عناية الدمشاقي -دار إحيااء
التراث العربي -بيروت 5400 -ها.
-52العنسي (5392ها) :أحمد بن قاسم العنسي -التاج المذهب ألحكام المذهب شرح ماتن
األزهار -دار الحكمة اليمانية -صنعاء -تاريخ الطبعة بدون.
-55د /عبد اهلل بن سلمان بن محمد بن عجالن -القضاء بالقرائن المعاصرة -ط - 5مكتباة
الملك فهد للنشر.
-50د /محمد الزحيلي -وسائل اإلثبات فاي الشاريعة اإلساالمية فاي المعاامالت المدنياة
واألحوال الشخصية -ط - 0مكتبة دار البيان -بيروت 5994م.
-53د /مصطفى أحمد الزرقاء -المدخل الفقهي العام -ط - 5دار القلم -دمشق 5999 -م.
خامساً :المراجع القانونية:
-54د /أبو العالء علي أبو العالء النصر -الجديد في اإلثبات الجنائي -ط( - )5دار النهضاة
العربية -القاهرة 0222 -م.
-51د /أحمد فتحي سرور -الوسيط في قانون اإلجراءات الجنائية -ط - 4دار النهضة العربية
-بيروت 5925 -م.
-52د /أنور سلطان -قواعد اإلثبات في المواد المدنية والتجارية -دار الجامعة الجديدة للنشر
-اإلسكندرية مصر 0221 -م.
-51د /رمضان أبو السعود -مبادئ اإلثباات فاي الماواد المدنياة والتجارياة -دار الجامعاة
الجديدة -اإلسكندرية 0221 -م.
-52األستاذة /عائدة عبد الملك عبد الفتاح الشامي -قواعد وإجراءات اإلثباات فاي القاانون
اليمني دراسة مقارنة -بالفقه اإلسالمي -مركز الصالحي الحديث -تعز – 0222م.
-59د /عبد الحكيم فودة -القرائن القانونية والقضائية -دار الفكر للنشر والتوزيع المنصاورة
-مصر 0221م.
-02د /عبد الحكيم فودة -الوافي في اإلثبات في المواد المدنية والتجارية والشرعية -الطبعة
(بدون) -دار الفكر والقانون -المنصورة -تاريخ بدون.
-05د /عبد الحميد الشواربي -القرائن القانونية والقضائية فاي الماواد المدنياة والجنائياة
واألحوال الشخصية -دار الفكر الجامعي -اإلسكندرية -مصر 5991م.
-00د /عبد الرزاق السنهوري -الوسيط في شرح القانون المادني الجدياد -ط بادون -دار
إحياء التراث العربي -بيروت -لبنان.
-03د /عبد اهلل فروان -ملزمة القضاء واإلثبات -ط بدون -مكتبة دار الفكر للكتب الجامعية
-صنعاء.
-04د /عصام أنور سليم -النظرية العامة لإلثبات فاي الماواد المدنياة والتجارياة -منشاأة
المعارف -اإلسكندرية 0221 -م.
-01د /عماد محمد أحمد الربيع -القرائن وحجيتها في اإلثبات الجنائي -ط - 5دار الجندي
للنشر والتوزيع -األردن -أربد 5991 -م.
-02د /مأمون محمد سالمة -اإلجراءات الجنائية في التشريع المصري -دار النهضة العربياة
العربية -القاهرة 0220 -م.
-01د /محمد حسين قاسم -قانون اإلثبات في المواد المدنية والتجارياة -ط - 5منشاورات
الحلبي الحقوقية -بيروت 0221 -م.
-02د /محمد حسين منصور -اإلثبات التقليدي واإللكتروناي -ط - 5دار الفكار الجاامعي
اإلسكندرية 0222 -م.
-09د /محمود نجيب حسني -االختصاص واإلثباات فاي قاانون اإلجاراءات الجنائياة -دار
النهضة العربية -القاهرة 5990 -م -
-32د /مصطفى مجدي هرجه -اإلثبات في الماواد الجنائياة -دار المطبوعاات الجامعياة -
اإلسكندرية 5990 -م.
-35د /مصطفى محمد الدغيدغي -التحريات واإلثبات الجنائي -دار الكتب القانونية -مصر
0222م.
-30د /مطهر علي صالح أنقع -شرح قانون اإلجاراءات الجزائياة -ط - 0مكتباة الصاادق -
صنعاء 5452ها 0221 -م.
-33د /هاللي عبد الاله أحمد -النظرية العامة لإلثباات فاي الماواد الجنائياة -ط - 5دار
النهضة العربية -القاهرة 5921 -م.
-34د /وسام أحمد السمروط -القرينة وأثرها في إثبات الجريمة -ط - 5منشورات الحلباي
الحقوقية -بيروت -لبنان 0221 -م.