You are on page 1of 17

‫حجية الساتحسان عند المذاهب السالمايية‬

‫الشيخ سااماي الغريري‬

‫المقدمة‬
‫يكاد يقطع النإسان المسلم بأن المسلمين اليوم بأمس الحاجة إلى رص الصفوف‪ ،‬ول يتم ذلك إلل من‬
‫خللا تلقاح الفأكار‪ ،‬والتقاء العقولا النإيرة التي تزيلا ظلم التخلف الفكري أمام معطيات الحياة الفكرية‪ ،‬من‬
‫خللا بحوث مقارنإة فأي علم الصولا والفقه على غرار ما فأعله العلمة المحقق السيد محلمد تقي الحكيم فأي‬
‫كتابه‪ :‬الصولا العامة للفقه المقارن؛ لن الدلة التي تستنإبط منإها الحكام الشرعية لفأعالا المكلفين نإوعان‪:‬‬
‫نإوع اتفق جمهور المسلمين على ألنإه مصدر من مصادر التشريع السلمي‪ ،‬ونإوع اختلف العلماء فأي اعتباره‬
‫مصد ار تشريعياا‪ً.‬‬
‫فأنإحن بحاجة ماسة لن يفهم كللا منإا الخر‪ ،‬ويتم ذلك التفاهم بطرح شتى البحوث فأي الفقه والصولا كي‬
‫يزالا الجمود الذي خيم على عقولا البعض لفترات زمنإية‪ ،‬ومن ثم يحصلا التفاعلا المطلوب‪ ،‬وتلتقي الفأكار‬
‫النإاضجة‪ً.‬‬
‫وبحث الستحسان هذا قاد اشتهر عنإد الحنإاف الخذ به‪ ،‬حلتى أن المتفحص فأي‬
‫كتبهم كثي ار ما يجد هذه العبارة‪) :‬الحكم فأي هذه المسألة قاياس ا كذا‪ ،‬واستحسانإ ا كذا( وقاد اعتبروه دليلا‬
‫خامس ا فأي الشرع يترك به مقتضى القياس؛ لنإه أحد نإوعي القياس‪ ،‬فأهو قاياس خفي فأي مقابلا القياس الجلي‪،‬‬
‫ويسمى كذلك إشارة إلى ألنإه أولى بالعملا به كما قاالا البزدوي‪ً.‬‬
‫لقد كان الخذ بالستحسان مثار بحث العلماء‪ ،‬فأبعد ما أقاره المالكية والحنإابلة واشتهر به الحنإفية عدة‬
‫الشافأعية والظاهرية بدعة وتشريع ا فأي الدين‪ ،‬ولذا قاالا الشافأعي عبارته المشهورة ـ فأيما تنإقلا فأي كتب الصولا‬
‫إوان لم تكن فأي كتابه "الرسالة" ـ‪) :‬من استحسن فأقد شرع )‪ (1‬أي‪ :‬وضع شرع ا جديداا‪ً.‬‬
‫إلن هذا البحث يعرض لهذه المسألة‪ ،‬وينإاقاش الراء فأيها‪ ،‬ويحاولا الوصولا إلى رأي نإاضج وسنإوزع‬
‫البحث على المطالب التالية‪:‬‬

‫المطلب الوأل‬
‫حقيقة الستحسان‬
‫الستحسان في اللغة‪:‬‬
‫الستحسان مأخوذ من الحسن )‪ ،(2‬ومصدره‪ :‬استحسن‪ ،‬أي‪ :‬الشيء عده حسنإ ا )‪ ،(3‬سواء كان الشيء‬
‫من المور الحسية أو المعنإوية )‪ ً.(4‬يقالا‪ :‬استحسن الطعام‪ ،‬ويقالا‪ :‬هذا ما استحسنإه المسلمون‪ ،‬أي‪ :‬رأوه‬
‫حسنإاا‪ً.‬‬
‫وليس الخلف بين العلماء فأي جواز استعمالا لفظ الستحسان )‪ (5‬لوروده فأي القرآن‬
‫والسنإة النإبوية وعبارات بعض الفقهاء‪ ،‬إوالنإما وقاع الخلف فأي معنإاه وتعريفه الصطلحي‪ ،‬والذي عرف‬
‫بعدة تعاريف ل يخلو بعضها من إبهام وغموض‪ ،‬وهي أقارب إلى تعاريف الدباء التي يغلب عليها طابع‬
‫السجع)‪ ً.(6‬والتعريف الذي يمكن أن تنإتهي إليه أكثر التعاريف هو‪ :‬الخذ بأقاوى الدليلين)‪ً.(7‬‬
‫وقاد عرض الشوكانإي عدة تعاريف للستحسان من غير نإسبة إلى قاائلها كما عرض الستاذ الخفيف قاسم ا‬
‫منإها نإاسبا كللا تعريف إلى قاائله ومذهبه)‪ً.(8‬‬
‫فأيطلق تارة على ما يميلا إليه النإسان ويهواه من الصور والمعانإي إوان كان مستقبح ا عنإد غيره‪ ،‬أو‬
‫يستحسنإه المجتهد بعقله )‪ ً.(9‬والحكام ل تؤخذ بالتشهي والهوى‪ ،‬وهذا مما اتفقت كلمة العلماء على منإعه‪ً.‬‬
‫ويطلق تارة أخرى على أنإه‪ :‬عبارة عن دليلا ينإقدح فأي نإفس المجتهد ل يقدر على إظهاره‪ ،‬لعدم مساعدة‬
‫العبارة عنإه)‪ ً.(10‬وهذا مردود؛ لن كلمة "ينإقدح" للمجتهد تعنإي‪ :‬ألنإه شاك فأي اعتباره كدليلا‪ ،‬والحكام‬
‫ل‪ً.‬‬
‫الشرعية ل تثبت بالشك أص ا‬
‫وكثي ار ما جرت كلمة الستحسان على السنإة الحنإفية منإفردة أو مقرونإة بالقياس فأقد عرفأوه )بأنإه العدولا‬
‫عن موجب قاياس إلى قاياس أقاوى منإه‪ ،‬أو هو تخصيص قاياس بدليلا أقاوى منإه( )‪ً.(11‬‬
‫والحقيقة أن هذا التعريف غير جامع ول مانإع؛ لنإه ل يشملا الستحسان الثابت بدليلا آخر غير القياس‪:‬‬
‫كالستحسان الثابت بالجماع أو الضرورة‬
‫عنإد من يقولا بذلك ويشترط فأي التعريف‪ :‬أن يكون شاملا لجميع الفأراد‪ ،‬مانإعا من دخولا الغير فأيه‪ً.‬‬
‫وعرفأه البعض الخر‪) :‬بأنإه قاياس خفي ل يتبادر إلى الفهم فأي مقابلا قاياس جلي()‪ ،(12‬ولعلا ذلك ما‬
‫نإسميه بـ"التبادر البدوي "‪ ،‬ول حجية فأيه‪ ،‬وهذا أيضا غير شاملا لجميع النإواع لرادة القياس الصولي‪ ،‬وليس‬
‫المر مقصو ار عليه‪ ،‬بلا كما يكون هذا القياس يكون غيره‪ :‬كالدليلا العام‪ ،‬أو القاعدة المقررة عنإد البعض‪ً.‬‬
‫ومنإهم من عرفأه‪) :‬بأنإه كللا دليلا شرعي مقابله قاياس جلي‪ ،‬سواء كان نإص ا أو إجماع ا أو ضرورة‪ ،‬أم قاياس ا‬
‫خفياا( )‪ ً.(13‬والواقاع‪ :‬أن حصر الستحسان بهذه المور الربعة غير صحيح‪ ،‬بلا ربما يكون بالعرف‬
‫وبالمصلحة أيضاا‪ً.‬‬
‫وعرفأه الكرخي‪) :‬ألنإه العدولا عن حكم فأي مسألة بمثلا حكمه فأي نإظائرها إلى خلفأه لوجه أقاوى منإه( )‬
‫‪ ً.(14‬وهذا يوجب كون العدولا عن العموم إلى الخصوص‪ ،‬والمنإسوخ إلى النإاسخ استحسانإاا‪ً.‬‬
‫وعرفأه أبو الحسين‪) :‬وهو ترك وجهه من وجوه الجتهاد غير شاملا شمولا اللفاظ لوجه هو أقاوى منإه‪ ،‬وهو‬
‫حكم طارئ على الولا( )‪ (15‬خرج بالولا‪ :‬التخصيص والنإسخ‪ ً.‬وبالثانإي‪ :‬الحكم بأقاوى القياسين‪ ،‬فأإنإه ليس‬
‫فأي حكم الطارئ‪ ،‬ولو كان فأي حكمه لكان استحسانإاا‪ً.‬‬
‫ل‪) :‬تركت الستحسان للقياس‪ ،‬كما لو قا أر آية سجدهة فأي آخر سورة‬
‫وعلق محلمد بن السحن على ذلك قاائ ا‬
‫فأالقياس الكتفاء بالركوع‪ ،‬والستحسان‪ :‬أن يسجد ثم يركع؛ لن سماه استحسانإاا؛ لن الستحسان وحده إوان‬
‫كان أقاوى من القياس لكن أنإضم إلى القياس شيء آخر‪ ،‬وترجيح المجموع عليه‪ ،‬فأإنإه تعالى أقاام الركوع مقام‬
‫السجود فأي قاوله‬
‫تعالى‪) :‬وخر راكعا وأنإاب))‪ً.(16‬‬
‫وهذا يقتضي أن كون جميع الشريعة استحسانإ ا فأوجب أن ييزاد فأيه مغايرة ذلك الوجه للبراءة الصلية‪ ،‬وبهذا‬
‫يكون تعريفه )ترك وجه من وجوه الجتهاد مغاير للبراءة الصلية والعمومات اللفظية لوجه أقاوى منإه‪ ،‬وهو فأي‬
‫حكم الطارئ على الولا( )‪ً.(17‬‬
‫ثم قاالا‪) :‬إلن أصحابنإا أنإكروا الستحسان على الحنإاف‪ ،‬والخلف ليس فأي اللفظ لو روده فأي قاوله‬
‫تعالى‪) :‬وأمر قاومك يأخذوا بأحسنإها))‪ (18‬وقاوله تعالى‪) :‬فأيتبعون أحسنإه))‪ (19‬وقاوله ـ صلى ال عليه وآله‬
‫ـ‪" :‬ما رآه المسلمون حسنإ ا فأهو عنإد ال حسن")‪ ً.(20‬ول معنإى له إلن لم يرد فأيه إجماع‪ ً.‬وقاولا الشافأعي فأي‬
‫المتعة‪) :‬أستحسن أن يكون ثلثين درهماا( )‪ ً.(21‬وفأي الشفعة‪) :‬أستحسن أن يثبت للشفيع الشفعة إلى ثلثة‬
‫أيام( )‪ ً.(22‬وفأي المكاتب‪) :‬أستحسن أن يترك عليه شيء( )‪ ً.(23‬بلا فأي المعنإى‪ ،‬وهو‪ :‬أن القياس إذا كان‬
‫قاائم ا فأي صورة الستحسان متروك ا فأيها معمولا به فأي غيرها لزم تخصيص العلة‪ ،‬وهذا عنإد جمهور المحققين‬
‫باطلا‪ ،‬فأبطلا الستحسان‪ً.‬‬
‫وأعرفه الغزالي بقوأله‪ :‬للستحسان ثالثاة معان‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ إنإه الذي يسبق إلى الفهم‪ ،‬أي‪ :‬ما يستحسنإه المجتهد بعقله‪ً.‬‬
‫‪ 2‬ـ إنإه دليلا ينإقدح فأي نإفس المجتهد ل تساعده العبارة‪ ،‬ول يقدر على إب ارزه إواظهاره‪ ً.‬ولعلا ما يقابلا ذلك‬
‫فأي اصطلح الفقهاء المامية بـ "الذوق الفقهي"‪ ،‬إلل أن‬
‫حجيته تتوقاف على حجية المنإقدح منإه‪ ،‬فأل معنإى لجعله أصلا قاائما بنإفسه)‪ً.(24‬‬
‫‪ 3‬ـ وهو منإقولا عن الكرخي‪ ،‬وبعض أصحاب أبي حنإيفة ك ألنإه قاولا بدليلا ينإدرج تحته أجنإاس‪:‬‬
‫منإها‪ :‬العدولا بحكم مسألة عن نإظائرها بدليلا خاص من القرآن‪،‬‬
‫ومنإها‪ :‬أن يعدلا بها عن نإظائرها بدليلا السنإة)‪ً.(25‬‬
‫وقاريب من هذا التعريف وغيره فأي البعد عن فأن التعريف ما نإسب إلى المالكية من ألنإه ‪) :‬اللتفات إلى‬
‫المصلحة والعدولا( )‪ً.(26‬‬
‫وذكر السرخسي عدة تعاريف فأي مبسوطه منإها‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ القياس والستحسان فأي الحقيقة قاياسان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬جلي ضعيف أثره‪ ،‬فأسمي "قاياساا"‪ً.‬‬
‫والخر‪ :‬قاوي أثره‪ ،‬فأسمي "استحسانإاا"‪ ،‬أي‪ :‬قاياس ا مستحسنإاا‪ً.‬‬
‫‪ 2‬ـ الستحسان‪ :‬ترك القياس والخذ بما هو أوفأق للنإاس‪ً.‬‬
‫‪ 3‬ـ الستحسان‪ :‬طلب السهولة فأي الحكام فأيما يبتلى به الخاص والعام‪ً.‬‬
‫‪ 4‬ـ الستحسان‪ :‬الخذ بالسعة وابتغاء الدعة‪ً.‬‬
‫‪ 5‬ـ الستحسان‪ :‬الخذ بالسماحة وانإتقاء ما فأيه الراحة)‪ً.(27‬‬
‫وهذه التعاريف مؤداها واحد إوان اختلف التعبير‪ ،‬ول تنإدرج فأي الضوابط العلمية‪ً.‬‬
‫وقاالا المام مالك‪) :‬الستحسان‪ :‬هو العملا بأقاوى الدليلين‪ ،‬أو الخذ بمصلحة جزئية فأي مقابلا دليلا كلي‪،‬‬
‫فأهو إذا تقديم الستدللا المرسلا على القياس( )‪ً.(28‬‬
‫وقاالا ابن العربي‪) :‬الستحسان‪ :‬إيثار ترك مقتضى الدليلا‪ ،‬والترخيص على طريق الستثنإاء لمعارضة ما‬
‫يعارض به فأي بعض مقتضياته( )‪ ً.(29‬ثم قاسمه إلى أربعة أقاسام‪) :‬وهي ترك الدليلا للعرف‪ ،‬وتركه‬
‫للجماع‪ ،‬وتركه للمصلحة‪ ،‬وتركه للتيسير ودفأع المشقة إوايثار التوسعة( )‪ً.(30‬‬
‫وعرفأه ابن رشد )الستحسان الذي يكثر استعماله هو‪ :‬طرح لقياس يؤدي إلى غلو فأي الحكم ومبالغة فأيه‪،‬‬
‫فأيعدلا عنإه فأي بعض المواضع لمعنإى يؤثر فأي الحكم يختص به ذلك الموضع( )‪ً.(31‬‬
‫قاالا الشاطبي‪) :‬وهذه تعريفات قاريب بعضها من بعض‪ ،‬إواذا كان هذا معنإاه عن مالك وابي حنإيفة فأليس‬
‫بخارج عن الدلة البتة؛ لن الدلة تقيد بعضها بعضاا‪ ،‬ويخصص بعضها بعضاا‪ ،‬كما فأي أدلة السنإة مع أدلة‬
‫ل‪ ،‬فأل حجة فأي تسميته استحسانإ ا لمبتدع على حالا( )‪ً.(32‬‬
‫القرآن‪ ،‬ول يريد الشافأعي مثلا هذا أص ا‬
‫وذكر ابن قادامة معان ثلثة للستحسان‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ العدولا بحكم المسألة عن نإظائرها لدليلا خاص من كتاب اوسنإة‪ً.‬‬
‫‪ 2‬ـ ما يستحسنإه المجتهد بعقله‪ً.‬‬
‫‪ 3‬ـ دليلا ينإقدح فأي نإفس المجتهد ل يقدر على التعبير عنإه)‪ً.(33‬‬
‫وهذه التعاريف ـ كما يذكر السيد محلمد تقي الحكيم ـ يختلف حالها من حيث التعميم والتخصيص‪ ،‬فأبعضها‬
‫تخصصه بتقديم قاياس على قاياس‪ ،‬وبعضها تجعله عاما إلى تقديم مختلف الدلة بعضها على بعض‪،‬‬
‫ل‪ ،‬بلا‬
‫وبعضها ل يتعرض إلى عالم تقديم الدلة أص ا‬
‫يؤخذ به لمجرد الستحسان والنإقداح النإفسي‪ً.‬‬
‫المطلب الثااني‬

‫آراء الفقهاء في اعتبار الستحسان مصدرا من مصادر التشريع‪:‬‬


‫لو تصفحنإا فأي كتب الصولا لو جدنإا تقسيم الفقهاء الستحسان فأي اعتباره إلى ثلثة فأرق‪:‬‬
‫الفريق الولا‪ :‬يعتبره ويعترف بحجيته‪ ،‬وعلى رأس هذا الفريق إمامان من أئمة الفقه السلمي‪:‬‬
‫فأمالك يروى عنإه ألنإه كان يقولا‪) :‬الستحسان تسعة أعشار العلم( )‪ً.(34‬‬
‫وقاالا محلمد بن الحسن ـ تلميذ أبي حنإيفة ت ‪ 186‬هـ ـ عن أبي حنإيفة‪) :‬إلن أصحابه كانإوا ينإازعونإه‬
‫المقاييس‪ ،‬فأإذا قاالا‪ :‬أستحسن لم يلحق به أحد‪ ،‬ولقد كان يقيس ما استقام له القياس‪ ،‬فأإذا قابح القياس‬
‫استحسن( )‪ً.(35‬‬
‫واعتبره أساسا للجتهاد بقوله‪) :‬من كان عالما بالكتاب والسنإة وبقولا أصحاب الرسولا ـ صلى ال عليه‬
‫وآله ـ وبما استحسن فأقهاء المسلمين وسعه أن يجتهد برأيه فأيما ابتلي به( )‪ً.(36‬‬
‫وروي عن أصبغ بن فأرج المالكي‪) :‬أن الستحسان أغلب فأي الفقه من القياس( )‪ ً.(37‬وكما يوافأق‬
‫الحنإفية المالكية فأي اعتباره وحجيته كمصدر تشريعي إواضفاء الهمية الواسعة عليه يوافأقهم أيضا الحنإابلة‪،‬‬
‫فأقد نإقلا ذلك الجللا المحلي‪ ،‬ووافأقه على ذلك العطار فأي حاشيته)‪ ً.(38‬كما نإقله المدي )‪ (39‬وابن‬
‫الحاجب )‪ ،(40‬لكن المالكية اقاتصروا‬
‫على المصلحة المرسلة‪ ،‬إذ أنإهم يقولون بها )‪ً.(41‬‬
‫والحقيقة‪ :‬أن هنإاك الكثير من أنإواع الخلف قاد يبدأ واقاعياا‪ ،‬ثم تأتي القيود والتعديلت لتنإفيه‪ ،‬أو يعود‬
‫لفظي ا على أساس اختلف زوايا النإظر‪ ،‬وهذا ما نإراه واضح ا ودقايق ا فأي الستحسان عنإد من يراه حجة‪ً.‬‬
‫فأإن مالكا حين يقولا‪) :‬الستحسان تسعة أعشار العلم( فأهو يقصد القولا بأقاوى الدليلين‪ :‬كتخصيص بيع‬
‫العرايا من بيع الرطب بالتمر)‪ً.(42‬‬
‫وقاالا ابن النإباري‪) :‬الذي يظهر من مذهب مالك‪ :‬القولا بالستحسان الذي حاصله‪ :‬استعمالا مسألة‬
‫جزئية فأي مقابلة قاياس كلي( )‪ً.(43‬‬
‫ونإقلا عن ابن السمعانإي‪) :‬أن الخلف لفظي‪ ،‬فأإن تفسير الستحسان بما يشنإع به عليهم ل يقولون به وأن‬
‫الستحسان بالعدولا عن دليلا إلى دليلا أقاوى منإه ل ينإكره أحد( )‪ ً.(44‬إذ نإراه يشملا أبواب التزاحم‬
‫والتعارض‪ ،‬والحكومة والورود والتخصيص‪ ،‬وغير ذلك مما يشكلا قاوام علم الصولا‪ ،‬فأل غرو إذا كان‬
‫الستحسان تسعة أعشار العلم هذا هو مذهب أهلا البيت ـ عليهم السلم ـ‪ ،‬بلا هو سنإة العقلء ول يشكلا‬
‫أصلا فأي مقابلا الصولا الخرى‪ ،‬إلل إذا فأسر بمعنإى "النإقداح النإفسي" وهو باطلا قاطعاا‪ً.‬‬
‫أما الحنإفية ـ ما عدا الطحاوي ـ فأقد )تمسكوا بالقياس وبالغوا فأي الخذ به‪ ،‬حلتى أنإهم جعلوه مقياس ا لجميع‬
‫الحكام‪ ،‬سواء كانإت من المنإصوص عليها أم لم تكن‪ ،‬فأإذا كان فأي المر دليلا أقاوى من القياس ـ كنإص من‬
‫الكتاب أو السنإة أو الجماع ـ تركوا القياس‪ ،‬وأخذوا بالدليلا القاوى استحسانإاا( )‪ً.(45‬‬
‫وقاالا القاضي يعقوب‪) :‬القولا بالستحسان مذهب أحمد‪ ،‬وهو‪ :‬أن تترك حكما إلى‬
‫حكم هو أولى منإه( )‪ً.(46‬‬
‫إوان كان البنإانإي نإقلا بأن الحنإابلة أنإكروه)‪ً.(47‬‬
‫وقاالا الشوكانإي ـ وهو من المتأخرين وسبقه بالقولا القفالا ـ‪) :‬إلن كان المراد بالستحسان‪ :‬ما دلت عليه‬
‫الصولا بمعانإيها فأهو حسن لقيام الحجة به‪ ،‬وهذا ل نإنإكره ونإقولا به‪ ،‬إواذا كان ما يقع فأي الوهم من استقباح‬
‫الشيء واستحسانإه من غير حجهة فأهو محظور‪ ،‬والقولا به غير سائغ( )‪ً.(48‬‬
‫وخلصته عنإد هؤلء‪ :‬أنإه استعمالا مصلحهة جزئيهة فأي موضهع يعارضه فأيها قاياس عام‪ ،‬ومثلوا لذلك بعدة‬
‫أمثلة‪:‬‬
‫منإها‪ :‬أن المشتري لو اشترى سلعةا على ألنإه بالخيار ثلثة أيام ثم مات فأي أثنإاء المدة فأإن خيار الشرط‬
‫يورث عنإد المالكية )‪ ،(49‬فأإن اتفق الورثة على فأسخ العقد فأسخ‪ ،‬إوان اتفقوا على إمضائه مضى عليهم‬
‫أجمعين‪ ،‬ولكن لو اختلفوا وقابلا من رضي بالمضاء أن يأخذ نإصيب من رد فأإن العقد يمضي على البائع‬
‫استحسانإاا؛ وذلك لن البيع قاد بت من جانإبه‪ ،‬فأل يهمه من يؤولا إليه ما دام وارث ا)‪ً.(50‬‬
‫وقاد التزم بعض الولين من تلمذة مالك وأبي حنإيفة بالستحسان ودافأعوا عنإه‪ ،‬وتبعهم بعض المتأخرين‬
‫فأقالوا‪ :‬إلن أبا حنإيفة أجلا قاد ار وأشد ورعا من أن يقولا فأي الدين بالتشهي‪ً.‬‬
‫ثم قاالوا‪ :‬إلن المخالفين ل ينإكرون على أبي حنإيفة الستحسان بالثر أو بالجماع أو بالضرورة؛ لن ترك‬
‫القياس بهذه الدلئلا مستحسن بالتفاق‪ ،‬إوالنإما أنإكروا عليه الستحسان بالرأي فأإنإه ترك للقياس بالتشهي )‬
‫‪ً.(51‬‬
‫ومن خللا العبارات السابقة يمكن فأهم الحقيقة التالية‪ :‬أن الستحسان المبتنإي على‬
‫مجرد الميلا النإفسي عنإد المجتهد ـ وهذا الميلا انإتزعه من عدة أدلة إوان لم يكن لمجموعها جامع واحد ـ فأهذا‬
‫بحد ذاته ل يشكلا لنإا أصلا ودليلا مستقلا قاائما بذاته‪ً.‬‬
‫أما إذا كان نإاشئ ا من نإفس الميلا الشخصي غير المعتمد على الدليلا الشرعي فأهو كما قاالا الشافأعي‪:‬‬
‫تشريع محض وتشهي‪ً.‬‬
‫وأما إذا كان الميلا نإاشئ ا من ترجيح أحد الدليلين فأهذا يكون منإدرج ا تحت مباحث اللفاظ‪ ،‬ومتداخلا فأي‬
‫ل‪ ،‬ول يتولد منإه أصلا تشريعي‪ً.‬‬
‫بقية المصادر الخرى‪ :‬كالسنإة مث ا‬
‫الفريق الثانإي‪ :‬الفريق المنإكر للستحسان‪ ،‬فأهو ل يعترف بحجيته‪ ،‬ويظم هذا الفريق الشافأعية والظاهرية‬
‫والمعتزلة وفأقهاء الشيعة قااطبة)‪ً.(52‬‬
‫فأقد نإقلا أن الشافأعي قاالا‪) :‬من استحسن فأقد شرع( )‪ ً.(53‬وجاء فأي الرسالة للشافأعي‪) :‬أن حراما على‬
‫أحد أن يقولا بالستحسان إذا خالف الستحسان الخبر(‪ ً.‬وفأي مقام آخر يقولا‪) :‬إلن حللا ال وحرامه أولى‬
‫أن ل يقالا فأيه بالتعسف ول الستحسان أبداا‪ ،‬إلنإما الستحسان تلذذ‪ ،‬ول يقولا فأيه إلل عالم بالخبار‪ ،‬عاقالا‬
‫بالتشبيه عليها( )‪ً.(54‬‬
‫وقاد خصص الشافأعي فأصلا من كتابه"الم" لبطالا الستحسان‪ ،‬وقاالا‪) :‬الستحسان باطلا( )‪ً.(55‬وقاالا‬
‫)والنإما الستحسان تلذذ‪ ،‬ولو جاز لحد الستحسان فأي الدين لجاز ذلك لهلا العقولا من غير‬ ‫فأي الرسالة‪ :‬إ‬
‫أهلا العلم‪ ،‬ولجاز أن يشرع فأي الدين فأي كللا باب‪ ،‬وأن يخرج كللا أحد لنإفسه شرعاا(وقاد اعتبره الغزالي فأي‬
‫ميدان التشريع هوساا؛ لنإه خلط ووهم وخيالا )‪ً.(56‬‬
‫لكن المدي يقولا‪) :‬إلن الشافأعي قاد أخذ بالستحسان واعتبره مصد ار من‬
‫مصادر التشريع السلمي( )‪ً.(57‬‬
‫وقاالا ابن حزم الظاهري‪) :‬الحق حق إوان استقبحه النإاس‪ ،‬والباطلا باطلا إوان استحسنإه النإاس‪ ،‬فأصح أن‬
‫الستحسان شهوة واتباع للهوى وضللا‪ ،‬وبال تعالى نإعوذ من الخذلن( )‪ ً.(58‬وقاالا أيضاا‪) :‬من المحالا أن‬
‫يكون الحق فأيما استحسنإا دون برهان؛ لنإه لو كان ذلك لكان ال تعالى يكلفنإا مال نإطيق‪ ،‬ولبطلت الحقائق()‬
‫‪ً.(59‬‬
‫أما الشوكانإي من الزيدية قاالا بعد أن نإاقاش أدلة الستحسان‪) :‬بمجموع ما ذكرنإا‪ :‬إلن ذكر الستحسان فأي‬
‫ل؛ لنإه إلن كان راجعا إلى الدلة المتقدمة فأهو تكرار‪ ،‬إوان كان خارجا عنإها‬
‫بحث مستقلا لفأائدة منإه أص ا‬
‫فأليس من الشرع فأي شيء‪ ،‬بلا هو من التقولا على هذا الشريعة بما لم يكن فأيها تارة‪ ،‬وبما يضادها أخرى( )‬
‫‪ً.(60‬‬
‫والمعروف هنإا‪ :‬أن هذه السبلا كلها تنإبع من عنإصر "الرأي"‪ ،‬وقاد نإشط فأي المائة الثانإية للهجرة‪ ،‬وقاوي‬
‫حلتى عاد رابع الصولا الثلثة‪ :‬الكتاب والسنإة‪ ،‬والجماع‪ ،‬وقاد بالغوا فأيه حلتى قادموه على الجماع أحيانإاا‪ ،‬بلا‬
‫رويت به بعض الحاديث‪ ،‬أو أولت به اليات )‪) ً.(61‬ومن الطبيعي أن ابن حزم ينإفي كللا أنإواع‬
‫الستحسان‪ ،‬ماعدا مسألة تقديم أقاوى الدليلين‪ ،‬وذلك بحكم مذهبه فأي التمسك بحرفأية النإصر‪ ،‬دون التعدي‬
‫عنإها إلى الرأي والجتهاد( )‪ً.(62‬‬
‫أما مدرسة أهلا البيت ـ عليهم السلم ـ فأقد قااومت الرأي والقياس أيضا بشدة‪ ،‬وجاءت شتى الحاديث‬
‫تنإاقاش العملا به‪ ،‬وترده‪ً.‬‬
‫وقاد تابعهم على ذلك فأقهاء الظاهرية فأي إنإكار الرأي بكلا سبله‪ ،‬كما أدت تلك المقاومة والرد إلى أن يتجه‬
‫أهلا الرأي إلى وضع الحدود والقيود التي كادت أن تسد منإافأذه أحيانإاا‪ ،‬أو تقربه مما يعرف لدى مدرسة أهلا‬
‫البيت به "تنإقيح المنإاط" واستظهار‬
‫عموم العلة‪ ،‬مما كاد أن يوفأق بين المدرستين)‪ (63‬كما سيتضح فأيما بعد‪ً.‬‬
‫أما الفريق الثالث‪ :‬فأقد فأصلا نإظ ار لتحديد مفهوم الستحسان‪ :‬فأإن عرف بأنإه )الخذ باقاوى الدليلين ( فأهو‬
‫حجة‪ ،‬ول مانإع من الخذ به‪ ،‬إلل أن عده أصلا فأي مقابلا الكتاب والسنإة ودليلا العقلا ل وجه لرجوعه إليها؛‬
‫لن الخذ بالقاوى منإها أخذ بأحدها ل محالة‪ ً.‬إوان عرف بـ )ما يقع فأي الوهم من استقباح الشيء أو‬
‫استحسانإه من غير حجة ثابتة( فأالخذ به محظور؛ لعدم الدليلا على حجيته‪ ،‬والشك فأي الحجية كاف للقطع‬
‫بعدمها)‪ً.(64‬‬
‫ولنإطرح هذه المحاكمات جانإباا‪ ،‬ونإقف أمام الستحسان بما أراد كللا فأريق‪ ،‬وهلا هو أصلا من أصولا‬
‫التشريع السلمي أم ل ؟‬

‫المطلب الثاالث‬
‫أدلة المثابتين‬

‫استدلا المثبتون للستحسان بأدلة‪ :‬بعضها من الكتاب‪ ،‬وبعضها الخر من السنإة‪ ،‬والثالث من الجماع‪،‬‬
‫والرابع من العقلا‪ ،‬ونإعرض لهذه الدلة‪ ،‬ثم نإنإاقاشها دليلا دليلا وكما يلي‪:‬‬

‫أووأال‪ :‬أدلتهم من الكتاب‪:‬‬


‫استدلوا بآيتين من كتاب ال وزعموا دللتهما على ذلك‪ً.‬‬
‫أ ـ قاالا تعالى‪) :‬اللذين يستمعون القولا فأيتبعون أحسنإه))‪ً.(65‬‬
‫ب ـ وقاالا تعالى‪) :‬واتبعوا أحسن ما أنإزلا إليكم من ربكم))‪ً.(66‬‬
‫فأالولى‪ :‬مدحت وألزمت باتباع الحسن‪ ،‬والمدح واللزام علمة الحجية‪ ،‬ويوجبان الجزم بحجية‬
‫المستحسن بالفتح‪ً.‬‬
‫والثانإية‪ :‬يفهم منإها‪ :‬ألنإه سبحانإه وتعالى مدح أنإاس ا تعرض عليهم قاضايا فأيها الحسن والحسن‪ ،‬فأيختارون‬
‫الحسن‪ً.‬‬
‫ويرد على هذا الستدللا بـ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ إلن اليتين استعملت لفظ "الحسن" بمفهومه اللغوي‪ ،‬وهذا ل علقاة له بالصطلح المتأخر‪،‬‬
‫فأاليتان أجنإبيتان عنإه‪ً.‬‬
‫‪ 2‬ـ إلن المجالا فأي أحسنإية حكم على حكم يعنإي‪ :‬الطلع على الملكات‪ ،‬ول سبيلا للعقلا على ذلك‪ ،‬بلا‬
‫يقدم الهم على المهم‪ً.‬‬
‫‪ 3‬ـ إلن الية الولى إوان مدحت المستمعين إلل أنإها افأترضت أن هنإاك أقاوالا بعضها أحسن من بعض‪،‬‬
‫فأإذا كانإت صادرة من الشارع فأالهمية بكونإها أحسن هو من شؤون الكتاب والسنإة)‪ً.(67‬‬
‫‪ 4‬ـ إلن التأملا فأي سياق الية الثانإية ل يبقي مجالا لتقديم الهم على المهم‪ ،‬إوالنإما استعملت لفظ‬
‫التفضيلا لتعم الصفة على كللا ما أنإزلا منإه تعالى‪ ،‬أو تحبذ التوبة بقرينإة ذكر العقاب‪ً.‬‬
‫‪ 5‬ـ إلن اليتين أجنإبيتان عن حجية الستحسان‪ ،‬ولو بدلت لفظة "الحسن" بلفظة "أنإهم يعملون‬
‫بالستحسان فأي مجالت الستنإباط" ل يستقيم المعنإى بحالا)‪ً.(68‬‬
‫ورد الغزالي على هذا الستدللا بالية‪) :‬قالنإا اتباع أحسن ما أنإزالا الينإا هو ابتاع الدلة‪ ،‬فأبينإوا لنإا أن هذا‬
‫مما أنإزلا الينإا‪ ،‬فأضلا عن أن يكون أحسنإه( )‪ (69‬وهو بهذا يتحدث عن قااعدة تقولا‪" :‬إلن القضية ل تثبت‬
‫موضوعها" فأالية ل يمكن أن تعين الستحسان‬
‫نإفسه مما أنإزلا أو مما لم ينإزلا‪ً.‬‬
‫ل‪) :‬ل يلزم عن ظاهر هذا اتباع استحسان العامي والطفلا والمعتوه لعموم‬
‫وأجاب الغزالي بجواب آخر قاائ ا‬
‫اللفظ‪ ،‬فأإن قالتم‪ :‬المراد به‪ :‬بعض الستحسانإات وهو استحسان من هو أهلا للنإظر فأكذلك نإقولا‪ :‬المراد‪ :‬كللا‬
‫استحسان صدر عن أدلة الشرع‪ ،‬و إلل فأأي وجه لعتبار أهلا النإظر فأي الدلة مع الستغنإاء عن النإظر(‪ً.‬‬
‫إلن قايد أهلا النإظر عرفأي واضح‪ ،‬ولذا فأهو يشكلا قارينإة ارتكازية للطلق هنإا‪ ،‬فأل يتم جواب الغزالي)‬
‫‪ً.(70‬‬

‫ثاانياا‪ :‬أدلتهم من السنة النبوأية‪:‬‬


‫أ ـ استدلوا بما رواه عبدال بن مسعود ألنإه قاالا‪" :‬إلن ال ـ عز وجلا ـ نإظر فأي قالوب عباده فأاختار محمدا ـ‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم ـ‪ ،‬فأابتعثه برسالته‪ ،‬ثم نإظر فأي قالوب العباد فأاختار له أصحاباا‪ ،‬فأجعلهم أنإصار دينإه‬
‫ووزراء نإبيه‪ ،‬فأما رآه المسلمون حسنإ ا فأهو عنإد ال حسن‪ ،‬وما رآه المسلمون قابيح ا فأهو عنإد ال قابيح")‪ً.(71‬‬
‫واستدللهم بهذه الرواية لصولا مختلفة؛ لن المر يفيد رجحان مصلحة الوجود؛ لمتنإاع المر بما فأيه‬
‫مفسدة راجحة أو مساوية‪ ،‬والذن فأي تركه إذن فأي تفويت المصلحة الخالصة‪ ،‬وأنإه قابح عرفأ ا فأكذا شرعاا‪،‬‬
‫وقاوله ـ صلى ال عليه وآله وسلم ـ‪" :‬ما رآه المسلمون قابيحا فأهو عنإد ال قابيح" ترك العملا به فأي المنإدوبات‪،‬‬
‫فأيبقى فأيما عداها‪ً.‬‬
‫ول يقالا‪ :‬إلزام المكلف استيفاء المصلحة الخالصة لنإفسه قابيح عرفأ ا فأكذلك شرعاا؛ لن هذا ينإفي أصلا‬
‫التكليف‪ً.‬‬
‫ولكن ينإاقاش هذا الستدللا بأمور‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ إلن هذا لو أتى من وجه صحيح لما كان لهم فأيه متعلق؛ لنإه إلنإما يكون إثبات إجماع المسلمين‬
‫فأقط؛ لنإه لم يقلا‪ :‬ما رآه بعض المسلمين حسنإ ا فأهو حسن‪ ،‬إوالنإما فأيه‪ :‬ما رآه المسلمون‪ ،‬فأهذا هو الجماع‬
‫الذي ل يجوز خلفأه لو تيقن‪ ،‬وليس ما رآه بعض المسلمين أولى بالتباع مما عنإد غيرهم من المسلمين‪ ،‬ولو‬
‫كان ذلك لكنإا مأمورين بالشيء وضده‪ ،‬ونإفعلا شيئا ونإتركه معاا‪ ،‬وهذا محالا‪ً.‬‬
‫‪ 2‬ـ هذه الرواية موقاوفأة على ابن مسعود‪ ،‬وربما كانإت كلم ا له)‪ (72‬وليست حديث ا للرسولا ـ صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم ـ‪ ،‬بالضافأة إلى ذلك أنإها من أخبار الحاد التي ل تثبت بها الصولا كما يقولا الغزالي‪ً.‬‬
‫‪ 3‬ـ لو صحت تلك الرواية فأهي تأكيد لقاعدة الملزمة بين حكم العقلا وحكم الشرع )‪ (73‬ول يمكن الخذ‬
‫بمضمونإها حسب الظاهر‪ً.‬‬
‫‪ 4‬ـ قاد يراد بها‪ :‬العرف الشائع بين المسلمين‪ ،‬وهو الظاهر‪ ،‬وهذا يعنإي‪ :‬الرجوع إلى عرف المتشرعة‪ً.‬‬
‫ب ـ قايلا‪ :‬إنإه ثبت عدولا الشارع فأي بعض الوقاائع عن موجب القياس أو عن تعميم الحكم جلب ا للمصلحة‬
‫ودرءا للمفسدة‪ ً.‬فأقد نإهى ـ صلى ال عليه وآله ـ عن بيع المعدوم بقوله‪" :‬ل تبع ما ليس عنإدك"‪ ،‬ثم عدلا‬
‫فأرخص فأي بيع السلم مراعاة لمصلحة النإاس‪ ،‬ويرشد إلى ذلك قاوله ـ صلى ال عليه وآله ـ‪" :‬من أسلف فأليسلف‬
‫فأي كيلا معلوم وزن معلوم إلى أجلا معلوم"‪ ،‬وهذا يعنإي‪ :‬تجويز الستحسان‪ً.‬‬
‫وجوابه‪ :‬أن ثبوته كان بالدلة المتفق عليها بأنإها حجة؛ لنإه‪:‬‬
‫إما أن يثبت بالثر‪ :‬كالسلم والجارة‪ ،‬وعدم فأساد صوم من أكلا نإاسياا‪ً.‬‬
‫إواما بالجماع‪ :‬كالستصنإاع عنإد من يقولا به‪ً.‬‬
‫إواما بالضرورة‪ :‬كطهارة الحياض والبار بعد تنإجسها‪ً.‬‬
‫إواما بالعرف‪ :‬كرد اليمان إلى العرف‪ً.‬‬
‫إواما بالمصلحة‪ :‬كتضمين الجير المشترك)‪ً.(74‬‬
‫ولكن الرد على مثلا هذا الستدللا أيض ا سهلا‪ ،‬فأإنإه كيف يعتبر ما سمي هنإا "بالعدلا" دال على علة‬
‫العدولا وهو الستحسان؟‬
‫إلن هذا الدليلا ل يعرض إلل سنإة جرى عليها الشارع‪ ،‬وهو بيان بعض العمومات‪ ،‬ثم المجيء بمخصص‬
‫يكشف عن أن العموم لم يكن من قابلا على سعته‪ ،‬وهلا هذا إلل العملا بالسنإة المخصصة ؟ وأين هو من جعلا‬
‫الستحسان أصلا فأي قابالا الصولا ؟)‪ً.(75‬‬
‫ثاالثاا‪ :‬أدلتهم من الجإماع‪:‬‬
‫استدلوا بإجماع المة‪ :‬وهو أن يترك القياس فأي مسألة لنإعقاد الجماع على غير ما يؤدي إليه؛ وذلك‬
‫كانإعقاد إجماع المسلمين على صحة عقد الستصنإاع‪ ،‬فأإن القياس كان يوجب بطلنإه؛ لن محلا العقد معدوم‬
‫وقات إنإشاء العقد‪ً.‬‬
‫ويستدلا أيضا على الخذ بالستحسان‪ :‬دخولا الحمام‪ ،‬وشرب الماء من أيدي السقائين‪ ،‬من غير تقدير‬
‫لزمان المكث‪ ،‬وتقدير الماء والجرة‪ً.‬‬
‫والعملا يدلا عليه فأي كللا الزمان على صحته‪ ،‬وتعارفأوا على عقده‪ ،‬فأكان ذلك إجماعا أو عرفأا عاما يترك‬
‫به القياس‪ ،‬وكان عدولا عن دليلا إلى أقاوى منإه‪ً.‬‬
‫ورد هذا الستدللا‪ :‬أن هذا الجماع لو صح وجوده فأهو قاائم على هذه الحكام بالخصوص‪ ،‬ل على‬
‫استحسانإها‪ ،‬فأضلا عن قايامها على كللا استحسان‪ ،‬ول أقالا من اقاتصاره على هذه المواد بحكم كونإه من الدلة‬
‫اللبية التي يقتصر فأيها على القدر المتيقن‪ً.‬‬
‫ولكن الظاهر أن مثلا هذا الجماع ل أساس له‪ ،‬إوالنإما قاامت السيرة على هذه الحكام‪،‬‬
‫وهي مستمرة على جريان ذلك إلى زمن النإبي ـ صلى ال عليه وآله ـ مع علمه به وتقريره لهم عليه)‪ً.(76‬‬

‫المطلب الرابع‬
‫أدلة النافين للستحسان‬
‫إلن من أبرز نإفاة الستحسان هو‪ :‬الشافأعي كما اشتهر فأي بطون الكتب‪ ،‬ولكن صاحب كتاب "الرأي فأي‬
‫الفقه السلمي" يقولا‪) :‬إلن الذي ينإفي الستحسان بكلا أنإواعه هو‪ :‬ابن حزم الظاهري‪ ،‬ل الشافأعي‪ ،‬باعتبار‬
‫ألنإه يرد فأي كلم الشافأعي أحيانإاا‪ :‬إنإي أستحسن( )‪ (77‬إوالنإما الشافأعي نإفى القسم الخير ـ وهو ماينإقدح فأي‬
‫النإفس ـ من معانإي الستحسان‪ ،‬إلل أن الظاهر من كلمه‪ :‬ألنإه ينإفي الستحسان العقلي أيضاا‪ ً.‬قاد صور‬
‫اعتراض الشافأعي على الستحسان باشكالت وهي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ثبت أن المشرع حكيم‪ ،‬ولم يترك أم ار من المور الدنإيوية سدى من غير بيان‪ ،‬قاالا تعالى‪) :‬أيحسب‬
‫النإسان أن يترك سدى))‪ (78‬فأقد بين الحكام فأي القرآن أو السنإة‪ ،‬وما لم يبينإه فأيهما تركه للدلة الخرى‪،‬‬
‫وأوجب على المسلم اتباع حكمه سبحانإه وتعالى‪) :‬فأإن تنإازعتم فأي شيء فأردوه إلى ال والرسولا))‪ً.(79‬‬
‫والحكم الستحسانإي ليس داخلا فأي القسمين‪ ،‬إوالنإما هو تصرف حسب الهوى والميلا‪ ،‬وينإاقاض تلك الية‬
‫الكريمة‪ً.‬‬
‫والية الثانإية‪" :‬فأإن تنإازعتم‪ "ً.ً.‬تأمر بالطاعة ل وللرسولا وتنإهى عن اتباع الهوى والستحسان ليس كتاب ا‬
‫ول سنإة ول ردا للكتاب والسنإة‪ ،‬إوالنإما هو أمر غير ذلك‪ ،‬وهو تزيد عليهما‪ ،‬فأل يقبلا إلل بدليلا منإهما على‬
‫قابوله‪ ،‬ول دليلا عليه‪ً.‬‬
‫وقاوله ـ صلى ال عليه وآله ـ‪" :‬ما من واقاعة إلل ول فأيها حكم" )‪ (80‬والطريق إلى الحكم‪ :‬إما أن يكون‬
‫النإص أو القياس ـ عنإد من يأخذ به ـ ول طريق غيرهما‪ ،‬وهو تعبير آخر عن الرد‬
‫السابق الذكر‪ً.‬‬
‫‪ 2‬ـ لو كان الستحسان جائ از من المجتهد ـ وهو ل يعتمد على نإص ول حملا على النإص‪ ،‬بلا يعتمد على‬
‫الفعلا وحده ـ جاز لغيره أن يستحسن‪ ،‬ويقالا فأي الواقاعة الواحدة ضروب من الفتيا؛ لن العقلا متواجد عنإد غير‬
‫العلماء بالكتاب والسنإة‪ ،‬بلا ربما كان منإهم من يفوق عقولا هؤلء‪ ،‬فأإن كان جائ از عنإدهم فأقد أهملوا أنإفسهم‪،‬‬
‫وحكموا حيث شاؤوا)‪ً.(81‬‬
‫وهذه الشكالت قاابلة للمنإاقاشة‪ ،‬فأهي فأي الواقاع ترديد للمدعى‪ ،‬إذ التركيز فأي الخلف يدور حولا وجود‬
‫طريق آخر غير النإص ـ الكتاب والسنإة ـ والقياس‪ ،‬ول مانإع أن يكون الستحسان سبيلا آخر‪ ،‬ومن هنإا يقولا‬
‫ل‪ ،‬بلا لو ورد‪ ،‬فأي الشرع‪ :‬بأن ما سبق إلى أوهامكم أو‬
‫الغزالي‪) :‬ل شك ألنإا نإجوز ورود التعبد باتباعه عق ا‬
‫استحسنإتموه بعقولكم أو سبق أوهام العوام ـ مثلا ـ فأهو حكم ال عليكم لجوزنإاه")‪ً.(82‬‬
‫أما الوجه الثانإي‪ :‬فألو تم لغلق باب الجتهاد‪ ،‬فأليس الختلف فأي الفتيا يصلح دليلا للرد على‬
‫الستحسان‪ ،‬ولكن الظاهر ـ كما نإبه إليه العلمة السيد الحكيم ـ )‪ (83‬ألنإه يسير إلى القسم الخير‪ ،‬وهو ما‬
‫ينإقدح فأي النإفس‪ ،‬ول ريب فأي أن هذا القسم يؤدي إلى الفوضى كما تنإبه له الشافأعي‪ ،‬وهو بهذا مرفأوض‬
‫إسلمياا‪ ،‬بلا يؤدي إلى التلعب بمقدسات السلم‪ً.‬‬
‫أما الغزالي‪ :‬فأإنإه يرد الستحسان بمسلكين‪:‬‬
‫ل‪ ،‬ونإحن نإسلم للشرع حلتى لو عبدنإا بأوهام العوام‪ ،‬ولكن ما الدليلا‬
‫‪ 1‬ـ إلن الستحسان جائز الحجية عق ا‬
‫عليه ؟ أهو ضرورة العقلا وهو خلف الحقيقة؟‬
‫فأيجب إذا أن يكون هنإاك سمع قاطعي؛ لن ما بالغير يجب أن ينإتهي إلى ما بالذات‪ ،‬و إلل تسلسلا المر‪،‬‬
‫بلا لم تنإقلا الحجية له حلتى أخبار الحاد‪ ،‬ولو نإقلت فأإن الصلا ل يثبت عنإده بخبر الواحد بحجة إلن جعلا‬
‫الستحسان مدركا من مدارك أحكام ال تعالى‬
‫بمنإزلة الكتاب والسنإة والجماع‪ ،‬وأصلا من الصولا‪ ،‬فأل يثبت بخبر الواحد‪ ،‬ومهما انإتفى الدليلا أوجب‬
‫النإفي‪ ً.‬وكان الغزالي يريد بهذا ما شاع لدى الصوليين من أن الشك فأي الحجية كاف للقطع بعدمها‪ً.‬‬
‫وهذا الدليلا تام فأي نإفسه‪ ،‬إلل أن ادعاء عدم كفاية خبر الواحد لثبات حجية الصلا مما ل وجه له بعد‬
‫القبولا بقيام الدليلا القطعي على حجية خبر الواحد‪ ،‬ذلك ألنإه يقطه التسلسلا المشار إليه‪ً.‬‬
‫‪ 2‬ـ إنإا نإعلم بأن المة أجمعت على أن العالم ليس له أن يحكم بهواه‪ ،‬وذلك قابلا أن ياتوهم بهذا الصلا‪،‬‬
‫والستحسان مصداق للهوى والشهوة‪ً.‬‬
‫لكن هذا الدليلا ـ أيضا ـ تكرار للمدعى‪ ،‬وبعد هذا وذاك من عبارات الشافأعي فأي الستحسان وذمه له‬
‫وكذلك قاولا الرويانإي‪ :‬بألنإه شرع غير الشرع ـ وبطلنإه ـ يتبين لنإا فأيما يلي )‪ً.(84‬‬
‫أ ـ ل يجوز الحكم إلل بالنإص أو بما يقاس على النإص؛ لن فأي غير ذلك شرع ا بالهوى وقاد قاالا سبحانإه‬
‫وتعالى‪? :‬وأن أحكم بينإهم بما أنإزلا ال ول تتبع أهواءهم?)‪ً.(85‬‬
‫ب ـ إلن الرسولا ـ صلى ال عليه وآله وسلم ـ ما كان يفتي بالستحسان‪ ،‬إوالنإما كان ينإتظر الوحي‪ ،‬ولو‬
‫استحسن لما كان مخطئاا؛ لنإه ل ينإطق عن الهوى‪ً.‬‬
‫ج ـ الستحسان أساسه العقلا‪ ،‬فأيه يستوي العالم والجاهلا‪ ،‬فألو جاز لحد الستحسان لجاز لكلا إنإسان أن‬
‫يشرع لنإفسه شرع ا جديداا‪ً.‬‬
‫د ـ إلن الستحسان ليس بحجة مستقلة خارجة عن الدلة الربعة المتفق عليها‪ً.‬‬
‫بلا يرجع إلى تقديم قاياس على قاياس‪ ،‬أو استثنإاء مسألة جزئية من القواعد الكلية )‪ً.(86‬‬
‫هـ إلن النإبي ـ صلى ال عليه وآله وسلم ـ ما كان يفتي باستحسانإه‪ ،‬وهو الذي كان ما ينإطق عن الهوى‪ ،‬فأقد‬
‫سئلا ـ صلى ال عليه وآله ـ عن الرجلا يقولا لمرأته‪ :‬أنإت علي كظهر أمي‪ ،‬فألم يفت ـ صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم ـ باستحسانإه‪ ،‬بلا انإتظر حلتى نإزلا الوحي عليه بآية التطهير وكفارته‪ً.‬‬
‫وـ إن النإبي ـ صلى ال عليه وآله وسلم ـ استنإكر على الصحابة اللذين غابوا عنإه‪ ،‬وأفأتوا باستحسانإهم كما‬
‫فأي قاصة أسامة وقاتله للرجلا الذي قاالا‪" :‬ل إله إلل ال " تحت حر السيف وكذلك الصحابة اللذين أحرقاوا‬
‫مشرك ا لذ بشجرة‪ً.‬‬
‫زـ إلن الستحسان ل ضابط له‪ ،‬ول مقاييس له يقاس بها الحق من الباطلا كالقياس‪ ً.‬لو جاز ذلك لكان‬
‫فأرطاا‪ً.‬‬
‫وقاد ذهب المحدث السترابادي ـ وهو من الشيعة المامية ـ إلى إبطالا الستحسان ورفأضه وعدم العملا به‪،‬‬
‫مستدل على ذلك باثنإي عشر وجها منإها )‪ً.(87‬‬
‫‪ 1‬ـ عدم ظهور دللة بالعتماد عليه‪ً.‬‬
‫‪ 2‬ـ إلن التمسك بالذي مدركه غير منإضبط كثي ار ما تقع فأيه التعارضات والضطرابات‪ً.‬‬
‫‪ 3‬ـ العملا به يوجب الفرقاة بين المة‪ً.‬‬
‫‪ 4‬ـ منإافأاة الشريعة مع القولا بذلك‪ً.‬‬
‫‪ 5‬ـ إنإه يفضي إلى الفتن والحروب‪ً.‬‬

‫الحكم عند تعارض القياس وأالستحسان‪:‬‬


‫إلن للمذهب الحنإفي مسألة خاض فأيها علماء التخريج من ذلك المذهب‪ ،‬وهي الظروف والحوالا التي‬
‫يتعارض فأيها القياس مع الستحسان؛ لن الترجيح بينإهما يكون بقوة الثر‪ ،‬ل بالخفاء والظهور‪ ،‬فأإذا قاوي أثر‬
‫القياس رجح على الستحسان‪ ،‬والعكس صحيح‪ً.‬‬
‫والمسألة هنإا فأيها رأيان‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ إلن الخذ بالستحسان أرجح من القياس‪ً.‬‬
‫‪ 2‬ـ ومن سلك مسلك القياس قاد أخذ بقولا مرجوح‪ً.‬‬
‫فأإذا كان موجب القياس فأي الولية على المجنإون جنإونإا عارضا بعد البلوغ أن تكون الولية لمن يعينإه‬
‫القاضي‪ ،‬باعتبار أن ولية الب قاد انإتهت بعد بلوغه وأصبح رشيدا لكن الستحسان عنإد أبي حنإيفة‪ :‬أن تعود‬
‫ولية الب لعودة سببها وهو الجنإون)‪ً.(88‬‬
‫والذي يظهر من التتبع‪ :‬أن موجب القياس ل يمكن أن يكون قاولا لبي حنإيفة؛ لنإه لم يؤثر عنإه ألنإه رآه‬
‫ل‪ ،‬بلا إنإه يترك القياس إلى الستحسان إذا قابح القياس‪ ً.‬ومن أنإواع الستحسان هو‪ :‬ترك القياس للحديث أو‬ ‫قاو ا‬
‫للجماع وليس للقياس موضع إزاء النإص أو الجماع‪ً.‬‬
‫ولقد صرح السرخسي بخطأ من يقولا‪ :‬إلن موجب القياس قاولا فأي المذهب الحنإفي‪ :‬إلن كان فأي الموضع‬
‫استحسان)‪ً.(89‬‬
‫ومثلا ذلك أيضاا‪ :‬سؤر سباع الطير؛ كالصقر والحدأة بالنإسبة للحكم بطهارة سؤرها‪ ،‬فأمقتضى القياس‬
‫تكون نإجسة السؤر‪ ،‬قاياس ا على سؤر البهائم‪ :‬كالفهد والسد والنإمر؛ لن لحم كللا منإهما نإجس‪ ،‬فأسؤر كللا‬
‫منإهما نإجس‪ ،‬فأكذلك الصقر والحدأة؛ لن الحكم باعتبار اللحم؛ لختلطه باللعاب المتولد من لحم نإجس‪ً.‬‬
‫أما مقتضى الستحسان‪ :‬طهارتها قاياس ا على الدمي؛ لنإهما غير مأكولي اللحم‪ ،‬فأيقدم الستحسان على‬
‫القياس؛ لنإه أقاوى تأثي ارا‪ ،‬بعكس سباع الطير؛ لنإها تشرب‬
‫بمنإقارها‪ ،‬وهو عظم طاهر جاف ل رطوبة فأيه وغير نإجس‪ ،‬فأل ينإجس الماء بملقااته)‪ً.(90‬‬
‫أما إذا ضعف تأثيره وقاوي تأثير مقابله الذي هو القياس فأإنإه يقدم عنإدهم القياس على الستحسان‪ ،‬مثالا‬
‫ذلك‪ :‬أن القارئ إذا تل آية السجدة فأي صلته فأإنإه يركع بها إلن شاء ركوعا غير ركوع الصلة‪ ،‬ثم يعود إلى‬
‫محض القيام أو ركوع الصلة على خلف بينإهم فأي ذلك‪ً.‬‬
‫ثم يقولون‪ :‬إلن له السجود إذا شاء‪ ،‬إلل أن الركوع يحتاج إلى النإية دون السجدة‪ ،‬إواذا كان فأي وسط السورة‬
‫ينإبغي أن يسجد لها‪ ،‬ثم يقوم فأيق أر ما بقي‪ ،‬فأإن ركع فأي موضع السجدة أجزأه‪ ،‬فأإن ختم السورة ثم ركع لم‬
‫يجزئه؛ لنإها صارت فأي الذمة‪ ،‬فأل تتأدى بالركوع ول بالسجدة الصلتية‪ً.‬‬
‫وهنإا يقولون‪ :‬بأن الركوع يقوم مقام سجدة التلوة‪ ،‬ويجزئ عنإها قاياساا؛ لن الركوع والسجود متشابهان فأي‬
‫معنإى الخضوع‪ ،‬وفأي الستحسان ل يجوز؛ لنإا أمرنإا بالسجود‪ ،‬والقياس أولى بالعملا؛ لقوة أثره الباطن‪ً.‬‬
‫والمسألة الثانإية التي اختلف فأيها علماء الحنإاف هي‪ :‬تعدية الحكم المستحسن الثابت بطريق القياس‬
‫الخفي يصح أن يعدى بواسطة القياس إلى واقاعة أخرى مثلا‪ :‬تحالف البائع والمشتري إذا اختلفا فأي مقدار‬
‫الثمن قابلا قابض المبيع‪ ،‬فألو مات البائع والمشتري قابلا قابض المبيع واختلف ورثتهما فأي مقدار الثمن تحالف ا‬
‫قاياساا‪ ،‬ويتعدى هذا التحالف من المبيع إلى الجارة قابلا استيفاء المعقود عليه‪ً.‬‬
‫ونإوقاشت هذه المسألة بما يلي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ إلن الحكم الذي يعدى بالقياس هو الحكم الثابت بالنإص‪ ،‬ل الثابت بالقياس؛ لنإه يشترط فأي القياس‬
‫أن يكون حكم الصلا ثابت ا بالكتاب أو السنإة‪ً.‬‬
‫‪ 2‬ـ إلن إثبات التحالف بين ورثة البائع والمشتري إلنإما هو تطبيق للحكم الكلي لكلا متداعيين وليس‬
‫بالقياس‪ ً.‬وبهذا يتبين ضعف ووهن ما قارره الحنإفية‪ً.‬‬
‫___________________‬
‫‪ 1‬ـ شرح تنقيح الفصوأل للقرافي‪ 415 :‬ـ ‪ ،452‬كتاب الحدوأد لبي وأليد الباجإي‪.65 :‬‬
‫‪ 2‬ـ كشف السرار للبزدوأي ‪.112 :4‬‬
‫‪ 3‬ـ الحكام للمدي ‪.211 :4‬‬
‫‪ 4‬ـ سلم الوأصوأل‪.296 :‬‬
‫‪ 5‬ـ الحكام للمدي ‪ ،136 :3‬وأشرح السنوأي ‪ ،168 :3‬وأأصوأل السرخسي ‪.200 :2‬‬
‫‪ 6‬ـ الصوأل العامة للفقه المقارن للسيد محومد تقي الحكيم‪.361 :‬‬
‫‪ 7‬ـ الموأافقات للشاطبي ‪.117 :4‬‬
‫‪ 8‬ـ إرشاد الفحوأل للشوأكاني‪ 240 :‬وأأسباب اختلف الفقهاء‪ ،236 :‬وأمصادر التشريع السلمي‪.58 :‬‬
‫‪ 9‬ـ المستصفى للغزالي ‪.137 :1‬‬
‫‪ 10‬ـ الحكام للمدي ‪ ،212 :4‬وأالمستصفى ‪ ،138 :1‬وأشرح السنوأي ‪ ،168 :3‬إوأارشاد الفحوأل‪،211 :‬‬
‫وأاللمع للشيرازي‪ ،66 :‬وأالمدخل إلى مذهب أحمد‪ ،135 :‬وأغاية الوأصوأل‪.139 :‬‬
‫‪ 11‬ـ كشف السرار على أصوأل اليزدوأي ‪ ،1123 :2‬وأشرح العضد على مختصر المنتهى ‪ ،822 :2‬وأغاية‬
‫الوأصوأل ‪ 139‬وأالتعريفات للجإرجإاني‪ 13 :‬وأالكشاف للتهانوأي ‪ 39 :2‬ـ ‪ 391‬تعليل الحكام لمصطفى الشلبي ‪ 330‬ـ‬
‫‪.331‬‬
‫‪ 12‬ـ أصوأل الفقه للبرديسي‪.290 :‬‬
‫‪ 13‬ـ المصدر السابق‪.‬‬
‫‪ 14‬ـ كشف السرار على أصوأل البزدوأي ‪.123 :2‬‬
‫‪ 15‬ـ الحكام في أصوأل الحكام ‪ ،392 :4‬وأشرح السنوأي ‪ ،188 :3‬وأالمحصوأل ‪.560 :2‬‬
‫‪ 16‬ـ المحصوأل في علم الصوأل ‪ ،177 :2‬وأالية‪ 24 :‬من سوأرة )ص(‪.‬‬
‫‪ 17‬ـ المبسوأط للسرخسي ‪.145 :1‬‬
‫‪ 18‬ـ العراف‪.145 :‬‬
‫‪ 19‬ـ الزمر‪.18 :‬‬
‫‪ 20‬ـ روأاه أحمد بن حنبل عن ابن عباس في كتاب "السنة"‪.217 :‬‬
‫‪ 21‬ـ شرح المحلى على جإمع الجإوأامع ‪.288 :2‬‬
‫‪ 22‬ـ غاية الوأصوأل‪.140 :‬‬
‫‪ 23‬ـ أصوأل السرخسي ‪.200 :2‬‬
‫‪ 24‬ـ السلم وأأساس التشريع لعبد المحسن فضل ال‪.124 :‬‬
‫‪ 25‬ـ تاريخ الفقه السلمي للدكتوأر محومد يوأسف موأسى‪.256 :‬‬
‫‪ 26‬ـ فلسفة التشريع في السلم‪.174 :‬‬
‫‪ 27‬ـ المبسوأط ‪.145 :1‬‬
‫‪ 28‬ـ كشف السرار ‪ ،1124 :2‬وأغاية الوأصوأل‪.140 :‬‬
‫‪ 29‬ـ العتصام ‪.320 :2‬‬
‫‪ 30‬ـ فلسفة التشريع في السلم‪ ،174 :‬وأأصوأل الفقه لبي زهرة‪.263 :‬‬
‫‪ 31‬ـ أصوأل الفقه لبي زهرة‪ ،263 :‬وأأصوأل الفقه السلمي للزحيلي ‪.738 :2‬‬
‫‪ 32‬ـ الموأافقات للشاطبي ‪ 208 :4‬ـ ‪ ،214‬وأالعتصام ‪.139 :2‬‬
‫‪ 33‬ـ مصادر التشريع السلمي‪.58 :‬‬
‫‪ 34‬ـ العتصام ‪ ،137 :2‬وأروأضة الناظر ‪ ،407 :1‬وأالموأافقات ‪ ،118 :4‬وأالمدخل إلى الفقه السلمي‪،257 :‬‬
‫وأالمدخل إلى مذهب احمد بن حنبل‪ ،135 :‬إوأارشاد الفحوأل للشوأكاني‪.223 :‬‬
‫‪ 35‬ـ السنوأي ‪ 3‬ك ‪ ،171 ،168‬وأأصوأل الستنباط‪.264 :‬‬
‫‪ 36‬ـ المدخل إلى الفقه السلمي‪ ،257 :‬إوأارشاد الفحوأل للشوأكاني‪ ،223 :‬وأتعليل الحكام لمصطفى الشلبي‪:‬‬
‫‪.330‬‬
‫‪ 37‬ـ أصوأل الفقه للبرديسي‪.302 :‬‬
‫‪ 38‬ـ حاشية العطار‪.213 :‬‬
‫‪ 39‬ـ الحكام للمدي ‪.260 :4‬‬
‫‪ 40‬ـ شرح العضد على مختصر المنتهى ‪.243 :2‬‬
‫‪ 41‬ـ العتصام ‪ ،116 :2‬وأبداية المجإتهد ‪ ،152 :2‬وأمختصر المنتهى‪.220 :‬‬
‫‪ 42‬ـ أحكام الفصوأل في أحكام الصوأل لبي الوأليد الباجإي‪.687 :‬‬
‫‪ 43‬ـ موأسوأعة الفقه السلمي ‪.40 :6‬‬
‫‪ 44‬ـ المبسوأط للسرخسي ‪.145 :10‬‬
‫‪ 45‬ـ المصدر السابق‪.‬‬
‫‪ 46‬ـ روأضة الناظر‪ .58 :‬وأالحكام ‪.136 :3‬‬
‫‪ 47‬ـ حاشية البناني ‪ ،353 :2‬وأمختصر المنتهى‪.220 :‬‬
‫‪ 48‬ـ إرشاد الفحوأل‪ ،223 :‬كشف السرار ‪.1123 :4‬‬
‫‪ 49‬ـ راجإع تردد المام مالك في الستحسان‪ :‬إرشاد الفحوأل للشوأكاني‪.240 :‬‬
‫‪ 50‬ـ العتصام ‪ ،326 :2‬وأأصوأل الفقه لبي زهرة‪.263 :‬‬
‫‪ 51‬ـ كشف السرار ‪.1123 :4‬‬
‫‪ 52‬ـ المبادئ العامة للفقه الجإعفري‪ ،298 :‬أصوأل الستنباط‪ ،264 :‬الصوأل العامة‪ ،263 :‬السنوأي ‪171 :3‬‬
‫ـ ‪.168‬‬
‫‪ 53‬ـ الم ‪ ،373 :7‬شرح تنقيح الفصوأل للقرافي‪ ،415 :‬كتاب الحدوأد لبي وأليد الباجإي‪ ،65 :‬كشف السرار ‪:4‬‬
‫‪.1124‬‬
‫‪ 54‬ـ مقدمة الجإزء الوأل من الم‪.70 :‬‬
‫‪ 55‬ـ الم ‪.373 :7‬‬
‫‪ 56‬ـ الرسالة‪ 507 :‬وأما بعدها‪ ،‬المستصفى ‪.138 :1‬‬
‫‪ 57‬ـ المدي في الحكام ‪.137 :4‬‬
‫‪ 58‬ـ ملخص إبطال القياس وأالرأي وأالستحسان‪ 50 :‬الحكام في أصوأل الحكام لبن حزم ‪.759 :6‬‬
‫‪ 59‬ـ الحكام لبن حزم ‪.759 :2‬‬
‫‪ 60‬ـ إرشاد الفحوأل‪.241 :‬‬
‫‪ 61‬ـ مقدمة إبطال القياس لبن حزم‪.‬‬
‫‪ 62‬ـ الحكام ‪.757 :6‬‬
‫‪ 63‬ـ مجإلة التوأحيد‪ ،‬السنة الوألى‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬ضمن مقال للشيخ التسخيري‪.72 :‬‬
‫‪ 64‬ـ الصوأل العامة‪ ،377 :‬إرشاد الفحوأل‪.241 :‬‬
‫‪ 65‬ـ الزمر‪.18 :‬‬
‫‪ 66‬ـ الزمر‪.55 :‬‬
‫‪ 67‬ـ الصوأل العامة للفقه المقارن‪.374 :‬‬
‫‪ 68‬ـ مجإلة التوأحيد السنة الوألى العدد السادس‪ ،‬ضمن مقال الشيخ التسخيري‪.74 :‬‬
‫‪ 69‬ـ المستصفى‪.138 :‬‬
‫‪ 70‬ـ مجإلة التوأحيد‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬السنة الوألى‪ ،‬ضمن مقال التسخيري‪.74 :‬‬
‫‪ 71‬ـ روأاه الحاكم في المستدرك‪ ،‬وأقال‪ :‬صحيح السناد‪ ،‬وألم يخرجإاه‪ ،‬وأروأاه البيهقي في كتاب المدخل‪ ،‬وأفي كتاب‬
‫العتقاد وأروأاه الطيالسي في مسنده‪ ،‬البزاز في مسنده‪ ،‬وأ الطبراني في الكبير‪ ،‬وأأحمد موأقوأف ا على ابن مسعوأد‪ ،‬وأانظر‬
‫الزيلعي ‪ ،133 :4‬وأكشف الخفاء ‪ ،188 :2‬وأروأاه أحمد في كتاب السنة‪ ،‬وأليس في المسند‪.‬‬
‫‪ 72‬ـ إبطال القياس وأالرأي‪.50 :‬‬
‫‪ 73‬ـ الصوأل العامة للفقه المقارن للسيد محومد تقي الحكيم‪.375 :‬‬
‫‪ 74‬ـ كشف السرار ‪.1125 :2‬‬
‫‪ 75‬ـ الصوأل العامة للفقه المقارن‪ ،‬محومد تقي الحكيم‪.375 :‬‬
‫‪ 76‬ـ الحكام للمدي ‪ ،38 :3‬الصوأل العامة للفقه المقارن للعلمة الحكيم‪.‬‬
‫‪ 77‬ـ الرأي في الفقه السلمي‪.‬‬
‫‪ 78‬ـ القيامة‪.36 :‬‬
‫‪ 79‬ـ النساء‪.59 :‬‬
‫‪ 80‬ـ المحصوأل في علم أصوأل الفقه ‪.565 :2‬‬
‫‪ 81‬ـ فلسفة التشريع السلمي‪ ،174 :‬وأأصوأل الفقه للبرديسي‪ ،304 :‬وأالصوأل العامة للفقه المقارن‪.376 :‬‬
‫‪ 82‬ـ المستصفى ‪ 138 :1‬طبعة مصر‪.‬‬
‫‪ 83‬ـ الصوأل العامة للفقه المقارن‪377 :‬‬
‫‪ 84‬ـ راجإع ملخص إبطال القياس وأالرأي وأالستحسان لبن حزم‪ ،50 :‬الحكام لبن حزم ‪ ،759 :6‬كشف السرار‬
‫‪ ،1125 :2‬وأالرسالة للشافعي‪ ،507 :‬الم للشافعي ‪ ،277 :7‬المبادئ العامة للفقه الجإعفري‪ ،298 :‬أصوأل‬
‫الستنباط‪ ،264 :‬الصوأل العامة للفقه المقارن‪ ،363 :‬السنوأي ‪ 168 :3‬ـ ‪ ،171‬العتصام ‪ ،137 :2‬روأضة‬
‫الناظر لبن قدامة ‪.407 :1‬‬
‫‪ 85‬ـ المائدة‪.49 :‬‬
‫‪ 86‬ـ نهاية السؤوأل مع البدخشي ‪ ،137 :3‬اللمع للشيرازي‪ ،68 :‬وأشرح تنقيح الفصوأل‪.451 :‬‬
‫‪ 87‬ـ الفوأائد المدنية للسترابادي‪ 90 :‬ـ ‪.149‬‬
‫‪ 88‬ـ كشف السرار ‪ ،1122 :2‬مسلم الثابوأت ‪ ،279 :2‬أصوأل السرخسي ‪ 203 :2‬مرآة الصوأل شرح مرقاة‬
‫الوأصوأل ‪ ،236 :2‬التلوأيح على التوأضيح ‪ ،82 :2‬أصوأل الفقه للخضري‪.325 :‬‬
‫‪ 89‬ـ التقرير وأالتحبير ‪ ،223 :3‬وأفوأاتح الرحموأت ‪ ،223 :2‬وأمسلم الثابوأت ‪.279 :2‬‬
‫‪ 90‬ـ التقرير وأالتحبير‪ ،‬وأشرح التحرير لبن أمير الحاج ‪ ،223 :2‬وأأصوأل السرخسي ‪.203 :2‬‬

You might also like