You are on page 1of 199

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫نعم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد أي بحفنة من‬
‫الماء‪ ،‬وكان يغتسل بأربع حفنات فهذا تشريع ولكنه ليس للوجوب بالذات‪،‬‬
‫وإنما هو يدور بين الوجوب والندب والباحة بحسب الظروف‪ ،‬والملبسات‪.‬‬
‫ولو عاش صلى الله عليه وسلم على ضفاف نهر مثل لتوضأ بأكثر من حفنة‬
‫ماء‪ ،‬ولغتسل بأكثر من أربع حفنات‪.‬‬
‫وكان صلى الله عليه وسلم يعد سلحه لملقاة العداء بالسيف والرمح‬
‫والنبل‪ ،‬فهذا تشريع ولكنه ليس للوجوب بالذات‪ ،‬ولكنه يدور بين أحكام‬
‫الشريعة الخمس‪ ،‬بحسب الملبسات‪ ،‬ولو عاش في زماننا لما قصر صلى‬
‫الله عليه وسلم عن العداد بأقصى مظاهر القوة العسكرية الحديثة‪.‬‬
‫إن بعض مشكلت السلم اليوم هي في بعض أهله ممن يفرطون‪ ،‬أو‬
‫يفرطون‪ ،‬فليس من السلم في شيء ما نسمع عنه اليوم من أن بعض‬
‫الدعاة يذهب إلى أوربا أو أمريكا ليدعو إلى السلم فيأكل على الرض‪،‬‬
‫وبالصابع‪ ،‬فالحق أن هذا تنفير من السلم وليس دعوة إليه ول فهما له‪.‬‬
‫إن مشكلة السلم مع هؤلء في أنهم يدخلون جميع أفعاله صلى الله عليه‬
‫وسلم في باب الوجوب أو اللزام‪ ،‬بينما هي قد تكون من التشريع بالندب‪ ،‬أو‬
‫من التشريع بالباحة‪ ،‬أو غير ذلك من أحكام التشريع‪.‬‬
‫والصنفان السابقان‪ :‬من يرفضون السنة جملة وتفصيل‪ ،‬ومن ياخذون بها‬
‫دون تفرقة بين الحكام الشرعية الخمسة ‪ -‬أمرهما هين في كشف خطرهما‬
‫أو انحرافهما‪ ،‬فالول الذي ينكر السنة في باب التشريع إجمال‪ ،‬كافر غير‬
‫مسلم‪ ،‬والثاني الذي ل يميز فيها بين الفرض والمندوب والمحرم والمكروه‬
‫والمباح أمره خطير ولكنه أقل خطرا من أولئكم‪ .‬فهم مسلمون متشددون‬
‫فيما ل موضع للتشديد فيه‪ ،‬ويمكن كشف خطرهما بشيء من الفقه‬
‫والتعليم‪.‬‬
‫وهناك صنف ثالث‪ :‬برز في العقود الخيرة يزعم أن منها ما هو للتشريع‬
‫فيؤخذ به‪ ،‬ومنها ما هو لغير التشريع فل يؤخذ به‪ ،‬وهذه مقولة بالغة الخطر‪،‬‬
‫وخطرها من نعومتها وشدة التلبيس فيها‪.‬‬
‫يقول الستاذ الدكتور موسى شاهين لشين ردا على هؤلء مبينا أن السنة‬
‫كلها تشريع‪ " :‬ولم يخالف في ذلك أحد من علماء المسلمين طوال أربعة‬
‫عشر قرنا‪ ،‬حتى كان النصف الثاني للقرن الرابع عشر للهجرة‪ ،‬فكان أول‬
‫من قسم السنة إلى تشريع وغير تشريع فضيلة الشيخ محمود شلتوت في‬
‫كتابه " السلم عقيدة وشريعة "‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يذهب الشيخ شلتوت‪ :‬إلى أن ما ورد من أقواله صلى الله عليه وسلم‬
‫وأفعاله وتقريراته قد يأتي بعضه‪ :‬على ما سبيله سبيل الحاجة البشرية‬
‫كالكل والشرب والمشي والتزاور والمصالحة بين شخصين‪ .‬وما سبيله‬
‫التجارب والعادة الشخصية‪ ،‬أو الجتماعية كالذي ورد في شئون الزراعة‬
‫والطب وطول اللباس أو قصره‪ .‬وما سبيله التدبير النساني في ظروف‬
‫خاصة كتوزيع الجيوش على المواقع الحربية‪ .‬وكل هذه النواع ليس شرعا‬
‫يتعلق به طلب الفعل أو تركه‪ ،‬وإنما هو من الشئون البشرية التي ليس‬
‫مسلك الرسول فيها صلى الله عليه وسلم " تشريعا ول مصدر تشريع "‪.‬‬
‫ويقول الشيخ موسى شاهين لشين‪ :‬وعن الشيخ شلتوت أخذ كثير من‬
‫المعاصرين فيما كتبوه عن السنة وتقسيمها إلى تشريعية وغير تشريعية‪.‬‬
‫والذين ساروا في ركاب الشيخ شلتوت هم حتى اليوم ل يتجاوزون أصابع اليد‬
‫الواحدة‪.‬وهؤلء بحسن نية في بعض الحيان يفتحون في الشريعة السلمية‬
‫ثغرة يحسبونها هينة وهي منفذ خطير لعداء الشريعة السلمية‪.‬‬
‫خصوصا وأن القضية بدأت أول ؛ بإخراج ما سبيله الحاجة البشرية كالكل‬
‫والشرب من التشريع‪ ،‬ثم انتهت إلى إخراج كل ما يتعلق بالمعاملت التي لم‬
‫ترد في القرآن الكريم‪ ،‬فيذهبون إلى أن المعاملت في سنة الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم ليست خاضعة للتشريع‪ ،‬وإنما هي صادرة عن اجتهادات‬
‫بشرية يجوز لمن يأتي بعده أن يجتهد مثله‪ ،‬وأن يخالفه في أفعاله وتقريراته‬
‫وأفعاله وبخاصة ما جاء منها في المعاملت التي لم ترد في القرآن الكريم ‪-‬‬
‫ولو أدى اجتهاده إلى غير ما قرره الرسول صلى الله عليه وسلم باجتهاده ‪-‬‬
‫وفقا لعبارة الدكتور عبد المنعم النمر في كتابه " السنة والتشريع ص ‪" 46‬‬
‫ويحصر السنة التشريعية في دائرة ضيقة بقوله‪) :‬نسارع فنقرر أن كل ما‬
‫صدر عن الرسول من شئون الدين والعقيدة والعبادة والحلل والحرام‬
‫والعقوبات والخلق والداب ل شأن لنا به إل من ناحية فهمه(‪ ،‬ثم يقول‪:‬‬
‫)لكن هناك أحاديث كثيرة تتصل بمعاملت الناس في الحياة من بيع وشراء‬
‫ورهن وإجارة وقراض وسلم(‪ ،‬كل ذلك ل يراه من التشريع وإن جاء في‬
‫السنة‪ ،‬ثم يقرر أن المعاملت تخضع في السلم أول وأخيرا لمبدأ المصلحة‪.‬‬
‫وعلى هذا النحو جاءت كتابات العلمانيين من نحو نور فرحات‪ ،‬ومحمد خلف‬
‫الله أحمد‪ ،‬وحسين أحمد ]‪[2‬‬
‫وهو لم يكتف بما اكتفى به الشيخ شلتوت من إخراج ما سبيله الحاجة‬
‫البشرية كالكل والشرب‪ ،‬وإنما أخرج المعاملت جميعا‪ ،‬ولم يفرق في ذلك‬
‫بين واجب ومندوب‪ ،‬أو مباح ومحرم‪ ،‬أو مكروه‪ ،‬وحكم على ما يقرب من‬
‫نصف السنة بأنه ليس من التشريع‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ومن الواضح ما يمثله هذا التوجه من خطر على الشريعة السلمية‪ :‬ينسفها‬
‫أول في المعاملت‪ ،‬ويبقيها في العبادات ليجهز بعد ذلك على المعاملت‬
‫والعبادات جميعا‪ .‬وهذه هي الغاية التي تنتهي إليها العلمانية في أقصى‬
‫حالتها‪ .‬وهؤلء يأتي الرد عليهم بعد نبذة سريعة عن الصنف الرابع‪.‬‬
‫الصنف الرابع‪ :‬وهم المسلمون منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى‬
‫قريب من عهدنا الحاضر‪ ،‬فهؤلء يؤمنون بأن السنة كلها تشريع‪ :‬إيمانا بما‬
‫جاء عن ذلك في القرآن الكريم‪ } :‬وما أرسلنا من رسول إل ليطاع بإذن الله‬
‫ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لوجدوا الله توابا رحيما {‪ } ،‬وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا‬
‫واتقوا الله إن الله شديد العقاب {‪ } ،‬وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى‬
‫الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله‬
‫فقد ضل ضلل مبينا {‪ } ،‬وما ينطق عن الهوى‪ ،‬إن هو إل وحي يوحى {‪.‬‬
‫يقول الستاذ الدكتور عبد الغني عبد الخالق‪) :‬كل ما تلفظ به رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم – ما عدا القرآن – أو ظهر منه من ابتداء رسالته إلى‬
‫نهاية حياته فهو من سنته‪ ،‬سواء ما أثبت حكما عاما لسائر أفراد المة‪ ،‬وهذا‬
‫هو الصل‪ ،‬أو ما أثبت حكما خاصا به أو ببعض أصحابه‪ ،‬وسواء أكان فعله‬
‫جبليا أم كان غير جبلي‪ ،‬من قول أو فعل يصدر عنه إل ويثبت حكما شرعيا‪،‬‬
‫بقطع النظر عن كونه إيجابا أو ندبا أو تحريما أو كراهة أو إباحة(‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية رحمه الله‪) :‬كل ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم – بعد‬
‫النبوة – أو أقرعليه أو فعله ولم ينسخ فهو تشريع‪ .‬والتشريع يتضمن اليجاب‬
‫والتحريم والباحة‪ ،‬ويدخل في ذلك ما دل عليه من المنافع في الطب‪ ،‬فإنه‬
‫يتضمن إباحة الدواء‪ ،‬والنتفاع به فهو شرع لباحته‪ ،‬وقد يكون شرعا‬
‫لستحبابه‪ ،‬والمقصود أن جميع أقواله يستفاد منه شرع(‪.‬‬
‫لقد ذهب جمهور الصوليين إلى أن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم يدل‬
‫– على القل – على الذن به‪ ،‬مطلق الذن الذي يشمل الوجوب والندب‬
‫والباحة‪ ،‬ما لم يوجد دليل على تعيين واحد منها‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬يفيد الوجوب‬
‫ما لم توجد قرينة مانعة منه‪ .‬وقال بعضهم يفيد الستحباب ما لم توجد قرينة‬
‫مبينة للوجوب‪ .‬ومن ذلك يتبين الجماع على كونه تشريعا‪.‬‬
‫إن أظهر ما يستدل به القائلون بأن بعض السنة ليس تشريعا هو ما يذكرونه‬
‫في باب الكل والشرب ؛ يقولون‪ :‬إن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫في الكل والشرب هي من باب الجبلة أو العادة والتجربة‪ .‬فهي ليست‬
‫تشريعا‪ .‬وهو كلم منمق يتبين بطلنه بعد الفحص والنظر‪ .‬فإذا ظهر بطلن‬
‫دعواهم فيما جاء عن الكل والشرب ظهر بطلن دعواهم في القضية كلها‪.‬‬
‫وتبين رسوخ ما عليه جماعة المسلمين من كون السنة كلها تشريعا‪.‬‬
‫لقد حرم الله الميتة ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحر )هو‬
‫الطهور ماؤه الحل ميتته( فمن الذي أحل السمك الميت – وها نحن في قلب‬
‫مسألة الكل والشرب –؟‬
‫أليس هذا تشريعا؟‬
‫كيف يكون ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الكل والشرب‬
‫صلى الله عليه وسلم في الكل والشرب ليس تشريعا مع أن الله سبحانه‬
‫وتعالى يقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم )ويحل لهم الطيبات ويحرم‬
‫عليهم الخبائث( ‪ 157‬العراف‪ ،‬أليس فعله صلى الله عليه وسلم أو قوله أو‬
‫تقريره يعطي حكما شرعيا أقله رفع الحرج عن فعله؟ أكله صلى الله عليه‬
‫وسلم للقثاء بالرطب أل يفيد هذا إباحة هذا الفعل؟ أو ل يفيد؟ أل يفيد هذا‬
‫جواز الجمع بين لونين من الطعام؟ أو ل يفيد؟ وإليكم طائفة مما ورد عن‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم في الكل والشرب‪ ،‬بعضها واجب وبعضها‬
‫مندوب‪:‬‬
‫فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال‪) :‬كنت غلما في حجر رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬يا غلم سم الله وكل بيمينك‪ ،‬وكل مما يليك(‬
‫كيف ل يكون هذا تشريعا يدخل في أحد الحكام الخمسة؟‬
‫وفي ذم الشره والتنفير من الجشع في الكل يقول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫)المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء( ]أخرجه‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البخاري[‪ ،‬كيف ل يكون هذا تشريعا يدخل في أحد الحكام الخمسة؟‬


‫ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن " الكرع " وهو الشرب منكفئا‬
‫على الناء وتناول الشراب بالفم كما تشرب البهائم‪ ،‬فعن ابن عمر رضي الله‬
‫عنهما قال‪ :‬مررنا على بركة فجعلنا نكرع فيها‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم )ل تكرعوا ولكن اغسلوا أيديكم ثم اشربوا بها( ]أخرجه ابن‬
‫ماجة[‪ ،‬أليس هذا تشريعا يدخل في أحد الحكام الخمسة؟‬
‫ونهى صلى الله عليه وسلم عن اختنات السقية – أي الشرب من الناء‬
‫الكبير – منعا من توارد الفواه على المكان الواحد في الناء‪ ،‬فعن عائشة‬
‫رضي الله عنها )نهى صلى الله عليه وسلم أن يشرب من في السقاء – أي‬
‫فم السقاء – لن ذلك ينتنه( ]أخرجه الحاكم بسند قوي[‪ ،‬أليس هذا تشريعا‬
‫بأحد الحكام الخمسة؟‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ونهى صلى الله عليه وسلم عن التنفس في الناء عند الشرب فقال‪) :‬إذا‬
‫شرب أحدكم فل يتنفس في الماء( ]أخرجه البخاري[‪ .‬أليس هذا تشريعا بأحد‬
‫الحكام الخمسة؟‬
‫ونهى صلى الله عليه وسلم عن النفخ في الشراب عند الشرب فقال رجل‪:‬‬
‫القذاة أراها في الناء؟ قال‪) :‬اهرقها(‪ .‬قال‪ :‬فإني ل أروى من نفس واحد؟‬
‫قال‪) :‬فأين القدح إذن عن فيك( ]أخرجه الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن‬
‫صحيح[‪ .‬أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫ونهى صلى الله عليه وسلم عن الشرب في آنية الذهب والفضة‪] .‬أخرجه‬
‫البخاري[ أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫وأمر صلى الله عليه وسلم بتغطية أواني الطعام والشراب فقال‪) :‬أطفئوا‬
‫المصابيح إذا رقدتم وغلقوا البواب‪ ،‬وأوكوا السقية‪ ،‬وخمروا الطعمة‬
‫والشراب( أي غطوها ]أخرجه البخاري[‪ ،‬أليس هذا تشريعا بأحد الحكام‬
‫الخمسة؟‬
‫ونهى صلى الله عليه وسلم عن الكل من وسط الناء فعن ابن عباس رضي‬
‫الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ " :‬البركة تنزل وسط الطعام‬
‫فكلوا من حافته‪ ،‬ول تأكلوا من وسطه " ]أخرجه الترمذي وقال‪ :‬حسن‬
‫صحيح[‪ .‬أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫ورغب صلى الله عليه وسلم في المواساة بالطعام والمشاركة فيه والجتماع‬
‫عليه فقال‪) :‬طعام الواحد يكفي الثنين‪ ،‬وطعام الثنين يكفي الربعة‪ ،‬وطعام‬
‫الربعة يكفي الثمانية( ]أخرجه مسلم[‪ ،‬أليس هذا تشريعا بأحد الحكام‬
‫الخمسة؟‬
‫وحفاظا منه صلى الله عليه وسلم على أحاسيس الخرين نجده صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ :‬ما عاب طعاما قط‪ ،‬كان إذا اشتهى شيئا أكله وإن كرهه تركه‪،‬‬
‫أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟ وقد اعتزل النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم نساءه شهرا – في المسجد – ل يدخل عليهن بيوتهن – ]أخرجه‬
‫البخاري[ أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫ولم يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة له ول خادما قط‬
‫]أخرجه أحمد[‪ ،‬أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫وكان صلى الله عليه وسلم يتوضأ بحفنة من الماء وغيره يتوضأ بعشر حفنات‬
‫]أخرجه البخاري[ أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكان صلى الله عليه وسلم يصلي في الليل إحدى عشرة ركعة أو ثلث‬
‫عشرة ركعة ]أخرجه البخاري[‪ ،‬أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫وكان صلى الله عليه وسلم يصوم في السفر وبعض أصحابه يفطر‪ ،‬وكان‬
‫يفطر وبعض أصحابه يصوم‪ ،‬كما أخرجه البخاري‪ ،‬أليس هذا تشريعا بأحد‬
‫الحكام الخمسة؟‬
‫وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتلحي في العمة – أي بتطويقها تحت‬
‫الحنك – كما ذكره ابن قتيبة‪ ،‬أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫وقد يحزن صلى الله عليه وسلم فيأتي في حزنه بما ل يعتبر واجبا ولكنه‬
‫يعتبر تشريعا بالباحة كالبكاء ودمع العينين‪.‬‬
‫وقد يضحك فيأتي في ضحكه بما يعتبر تشريعا بالتبسم صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫وقد يعبس صلى الله عليه وسلم أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫وقد يغضب صلى الله عليه وسلم فيأتي في غضبه بما يعتبر تشريعا بأحد‬
‫الحكام الخمسة؟‬
‫وقد ينسى صلى الله عليه وسلم فيأتي بعد نسيانه بما يعتبر تشريعا بأحد‬
‫الحكام الخمسة؟‬
‫وإن ما يجري في الكل والشرب يجري مثله في الفعال الجبلية أو العادية‬
‫الخرى له صلى الله عليه وسلم كاللباس فلبسه صلى الله عليه وسلم‬
‫للزار‪ ،‬والرداء‪ ،‬والجبة الشامية‪ ،‬والقميص‪ ،‬والبرنس‪ ،‬والسراويل والعمامة‪،‬‬
‫وتقنع‪ ،‬وعصب رأسه بخرقة فوق العمامة‪ ،‬ولبس على رأسه المغفر‪،‬‬
‫والعمامة السوداء‪ ،‬والبردة النجرانية‪ ،‬والحبرة‪ ،‬والبردة اليمانية والشملة‬
‫إلخ‪ ...‬أفل يعتبر ذلك تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫وكان الصحابة رضي الله عنهم يؤمنون بذلك ‪ -‬أي بأن أفعاله تشريع ‪ :-‬لبس‬
‫نعله صلى الله عليه وسلم في الصلة فلبسوا نعالهم‪ ،‬فلما خلع نعله – لسبب‬
‫ل يعلمونه – خلعوا نعالهم‪.‬‬
‫ولما رأوه صلى الله عليه وسلم يمتنع عن أكل الثوم امتنعوا حتى أباح لهم‪.‬‬
‫ولما رأوه صلى الله عليه وسلم يمتنع عن أكل الضب – لسبب ل يعلمونه‬
‫أيضا – أوشكوا أن يمتنعوا حتى أباح لهم‪.‬‬
‫وكانوا في الفعال الجبلية يقضون حاجاتهم جماعات يرى بعضهم بعضا ويكلم‬
‫بعضهم بعضا‪ ،‬فعلمهم التواري والتستر وعدم الكلم‪ ،‬وكان بعضهم يبول قائما‬
‫فعلمهم الجلوس‪] .‬أخرجه النسائي وابن ماجة[‪.‬‬
‫وإذا كان بعض الصحابة لم يصبغوا شيبتهم – مع أن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم دعا إلى ذلك – مخالفة لليهود والنصارى – فليس معنى هذا أن سنته‬
‫صلى الله عليه وسلم في ذلك ليست تشريعا بالمعنى العام‪ ،‬ولكن معناه أنه‬
‫ليس تشريعا بالوجوب‪ ،‬ويظل بعد ذلك داخل في التشريع بالندب أو التشريع‬
‫بالباحة‬
‫أليس إذا اختلف أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في فعل من الفعال‬
‫أنه محظور أو مباح ثم نقل الناقل في موضوع اختلفهم فعل للنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬أل يدل ذلك على حسم الخلف؟‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وكانوا ل يؤاكلون الحائض ول يأكلون مما عملت يداها ول يخالطونها ول‬


‫يلمسونها فكان هو صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك كله – كما أخرجه مسلم‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫– تشريعا بالباحة؟‬
‫أليست الباحة من أقسام الحكم الشرعي‪:‬‬
‫طبقا لتعريف الحكم الشرعي كما عرفه الصوليون من أهل السنة بأنه‬
‫خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييرا أو وضعا فإن الباحة‬
‫حكم شرعي‪ ،‬وهو على كل حال شيء والحرية شيء آخر‪ ،‬ومن الخطأ‬
‫الستدلل به على قيمة الحرية في السلم كما وجدنا في مناقشة هذا‬
‫الموضوع في حلقة الشريعة والحياة بقناة الجزيرة ]في ‪.[11102003‬‬
‫المباح ‪ -‬كما عرفه المدي ‪ :-‬ما دل الدليل السمعي على خطاب الشارع‬
‫بالتخيير فيه بين الفعل والترك‪ ،‬فهو إذن تشريع‪.‬‬
‫وهو ‪ -‬كما عرفه الجويني ‪ :-‬ما خير الشارع فيه بين الفعل والترك من غير‬
‫اقتضاء ول زجر ول حكم عقلي قبل ورود الشرع‪.‬‬
‫فالباحة حكم شرعي لم يخالف في ذلك إل بعض المعتزلة‪.‬‬
‫والمراد بالقتضاء الطلب سواء كان طلبا باليجاب‪ ،‬أو بالندب‪ ،‬أو بالتحريم أو‬
‫بالكراهة‪.‬‬
‫والمراد بالتخيير ما كان تخييرا بين فعل الشيء أو تركه دون ترجيح لحد‬
‫الجانبين على الخر‪ ،‬والذي يترتب على هذا هو الباحة‪ ،‬فيصير المكلف مخيرا‬
‫بين الفعل والترك ويسمى الفعل مباحا‪.‬‬
‫وقد أطلق بعض الصوليين اسم الحكم التكليفي على الحكم التخييري – كما‬
‫هو على الحكم القتضائي – ويرجع ذلك فيما يرى الستاذ الدكتور محمد‬
‫سلم مدكور إلى عدة اعتبارات من بينها‪ :‬أن المكلف ملزم باعتقاد إباحته‪،‬‬
‫ولنه يرد بأسلوب المر أحيانا كما في نحو قوله تعالى } كلوا واشربوا {‪،‬‬
‫} إذا حللتم فاصطادوا {‪ ،‬وربما يرجع المر في هذا إلى ما ذهب إليه الستاذ‬
‫الدكتور موسى شاهين ل شين من أن بعض أحكام الباحة واجبة التناول في‬
‫أصلها كالكل والشرب ل يجوز المتناع عنه بإطلق‪ ،‬ويرى الكعبي من‬
‫الصوليين أن المباح مطلوب‪ ،‬بل واجب‪ ،‬بناء على أنه به يحصل ترك الحرام‪،‬‬
‫وما يحصل به ترك الحرام فهو واجب‪.‬‬
‫ومن المعتزلة من ينفي أن الباحة من الحكام الشرعية ‪ -‬كما نقل عنهم‬
‫الغزالي في المستصفى ‪ -‬إذ معنى المباح رفع الحرج عن الفعل والترك‬
‫وذلك ثابت بالعقل قبل السمع‪ ،‬وقد ناقشهم الغزالي بما يثبت كون الباحة‬
‫داخلة في أحكام الشرع باعتبار أو آخر‪ .‬وموقفنا في هذا المقال يركن إلى‬
‫عدم الدخول في هذا الخلف‪ ،‬لن كلمنا في أن السنة كلها تشريع يتجه إلى‬
‫ما جاء بالسنة ل إلى ما لم يأت بها‪ ،‬وهذا الخير ما نترك التوسع فيه‬
‫للصوليين‪.‬‬
‫ومن هنا فإنه كما يرى الستاذ الدكتور موسى شاهين ل شين في بحثه القيم‬
‫في صميم هذا الموضوع ]‪ :[3‬ل خلف لنا هنا مع المعتزلة فيما جاء من‬
‫الباحة على الصل المعقول قبل مجيء الشرع‪ ،‬وكلمنا فيما جاء فيه نص أو‬
‫سنة‪ ،‬فهو مما اجتمع عليه الدليلن العقلي والنقلي معا‪.‬‬
‫إن الباحة تعني تكليفا وتشريعا ل بأحد المباحات دون غيره‪ ،‬ولكنه تكليف‬
‫بالتحرك في دائرته‪ ،‬يقول المام الشاطبي‪) :‬المباح وإن كان ظاهره الدخول‬
‫تحت اختيار المكلف لكنه إنما دخل بإدخال الشارع له تحت اختياره(‪ ،‬أي إنه‬
‫إنما كان مباحا بحكم الشارع ل بحكم المكلف‪.‬‬
‫وأليس المباح عندما يتناوله المسلم كما تناوله الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫بنية القتداء به ومحبته أل يعتبر عندئذ داخل في حكم التشريع بالندب‬
‫والستحباب؟‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأليس المباح الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يظن البعض‬
‫كالكتحال وصبغ الشعر وتضفيره أفاد تشريعا بالباحة لوله لجتهد مجتهدون‬
‫بالتحريم أو الكراهة؟‬
‫وأليس تناول المباح موجبا للجر إذا تناوله المسلم باعتباره مما أباحه‬
‫الشارع‪ ،‬أو باعتباره مساعدا على البعد عن الحرام؟ إذن فهو تشريع‪ ،‬وهذا‬
‫مقتضى قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم بسنده عن أبي ذر أن‬
‫ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالجور‪ .‬يصلون كما نصلي‪ .‬ويصومون‬
‫كما نصوم‪ .‬ويتصدقون بفضول أموالهم‪ .‬قال‪)) :‬أو ليس قد جعل الله لكم ما‬
‫تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة‪ .‬وكل تكبيرة صدقة‪ .‬وكل تحميدة صدقة‪.‬‬
‫وكل تهليلة صدقة‪ .‬وأمر بالمعروف صدقة‪ .‬ونهي عن منكر صدقة‪ .‬وفي بضع‬
‫أحدكم صدقة(( قالوا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟‬
‫قال‪)) :‬أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في‬
‫الحلل كان له أجر((‪.‬‬
‫والمباح نفسه أل يعني التكليف بوجه من الوجوه ؛‬
‫فالكل والشرب واجب في أصله وجملته‪ ،‬يحرم المتناع عنه مدة تعرض‬
‫النفس للهلك‪ ،‬والختيار إنما هو في المأكول والبدائل والملبسات فيه‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫واللباس واجب في أصله يحرم التجرد منه نهائيا‪ ،‬والختيار إنما هو في بدائل‬
‫الملبوس وملبساته } يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا‬
‫ول تسرفوا إنه ل يحب المسرفين‪ ،‬قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده‬
‫والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة‬
‫كذلك نفصل اليات لقوم يعلمون {‪.‬‬
‫أما إذا كان المقصود بأن بعض أفعاله صلى الله عليه وسلم ليست تشريعا‬
‫يعني أنها غير ملزمة أي غير واجبة فهذا صحيح بشروطه‪ ،‬ول خلف عليه‬
‫إجمال‪ ،‬لكنه ل يعني أنه ل يفيد حكما شرعيا على الطلق سواء بالوجوب أو‬
‫بالندب أو بالكراهة إلخ‪ ،‬فهذا باب خطير من أبواب اختراق الشريعة السلمية‬
‫بالجتهاد المغلوط‪.‬‬
‫وكما يقول أستاذنا الدكتور موسى شاهين لشين‪) :‬إن باب الشر المغلق إذا‬
‫كسر غلقه لم يؤمن انفتاحه على مصراعيه‪ ،‬ومعظم النار من مستصغر‬
‫الشرر‪ ،‬وسلب التشريع عن عشرة من أفعاله صلى الله عليه وسلم يتيح‬
‫الفرصة لخرين‪ :‬تسلبها عن عشرين‪ ،‬ثم عن مائة‪ ،‬ثم عن المعاملت كلها‪ ،‬ثم‬
‫عن الشريعة كلها( جزاه الله خيرا‪.‬‬
‫]‪ [1‬الميزان للشعراني ج ‪ 1‬ص ‪.49‬‬
‫]‪ [2‬أنظر بحث الستاذ الدكتور موسى شاهين لشين السابق ص ‪.33‬‬
‫]‪ [3‬بحث بعنوان " السنة كلها تشريع " بمجلة كلية الشريعة بجامعة قطر‬
‫العدد العاشر‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السنة ومكانتها في السلم وفي أصول التشريع‬


‫عبد العزيز بن باز‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬والصلة والسلم على سيد المرسلين ومن اهتدى‬
‫بهداه إلى يوم الدين ‪ ،‬أما بعد ‪:‬‬
‫فهذا بحث مهم يتعلق بالسنة وأنها الصل الثاني من أصول السلم يجب‬
‫الخذ بها والعتماد عليها إذا صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فأقول ‪:‬‬
‫من المعلوم عند جميع أهل العلم أن السنة هي الصل الثاني من أصول‬
‫السلم ‪ ،‬وأن مكانتها في السلم الصدارة بعد كتاب الله عز وجل ‪ ،‬فهي‬
‫الصل المعتمد بعد كتاب الله عز وجل بإجماع أهل العلم قاطبة ‪ ،‬وهي حجة‬
‫قائمة مستقلة على جميع المة ‪ ،‬من جحدها أو أنكرها أو زعم أنه يجوز‬
‫العراض عنها والكتفاء بالقرآن فقط فقد ضل ضلل بعيدا ‪ ،‬وكفر كفرا أكبر ‪،‬‬
‫وارتد عن السلم بهذا المقال ‪ ،‬فإنه بهذا المقال وبهذا العتقاد يكون قد‬
‫كذب الله ورسوله ‪ ،‬وأنكر ما أمر الله به ورسوله ‪ ،‬وجحد أصل عظيما فرض‬
‫الله الرجوع إليه والعتماد عليه والخذ به ‪ ،‬وأنكر إجماع أهل العلم عليه ‪،‬‬
‫وكذب به ‪ ،‬وجحده ‪،‬‬
‫وقد أجمع علماء السلم على أن الصول المجمع عليها ثلثة ‪ :‬الصل الول ‪:‬‬
‫كتاب الله ‪ .‬والصل الثاني ‪ :‬سنة رسول الله عليه الصلة والسلم ‪ .‬والصل‬
‫الثالث ‪ :‬إجماع أهل العلم ‪.‬‬
‫وتنازع أهل العلم في أصول‬
‫فعلق الرحمة بطاعة الله ورسوله وقال سبحانه أيضا في سورة آل عمران ‪:‬‬
‫فوٌر‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫ه وَي َغْ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬ ‫ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م تُ ِ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن وقال‬ ‫ري َ‬ ‫ب ال َكافِ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫وا فَإ ِ ّ‬ ‫ن ت َوَل ْ‬ ‫ل فَإ ِ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ه َوالّر ُ‬ ‫طيُعوا الل َ‬ ‫لأ ِ‬ ‫م قُ ْ‬ ‫حي ٌ‬ ‫َر ِ‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫طيُعوا الل َ‬ ‫مُنوا أ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سبحانه في سورة النساء ‪َ ):‬يا أي َّها ال ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫يٍء فَُرّدوهُ إ ِلى اللهِ َوالّر ُ‬ ‫ْ‬ ‫م ِفي َ‬
‫ش‬ ‫ن ت ََناَزعْت ُ ْ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫مرِ ِ‬ ‫وَأوِلي اْل ْ‬
‫ن ت َأ ِْويل (فأمر سبحانه بطاعته‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬
‫َ‬
‫خي ٌْر وَأ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫خرِ ذ َل ِ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ت ُؤْ ِ‬
‫طيُعوا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه وَأ ِ‬ ‫طيُعوا الل َ‬ ‫وطاعة رسوله أمرا مستقل وكرر الفعل في ذلك ‪ ) :‬أ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ( ولم يكرر الفعل لن طاعة أولي‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مرِ ِ‬ ‫ل ( ثم قال ‪ ) :‬وَأوِلي اْل ْ‬ ‫سو َ‬ ‫الّر ُ‬
‫المر تابعة لطاعة الله ورسوله وإنما تجب في المعروف حيث كان ما أمروا‬
‫به من طاعة الله ورسوله ومما ل يخالف أمر الله ورسوله ‪،‬‬
‫يٍء‬ ‫ش ْ‬‫م ِفي َ‬ ‫ن ت ََناَزعْت ُ ْ‬ ‫ثم بين أن العمدة في طاعة الله ورسوله فقال ‪ ) :‬فَإ ِ ْ‬
‫ل ( ولم يقل إلى أولي المر منكم بل قال ‪ ) :‬فَُرّدوهُ‬ ‫سو ِ‬ ‫فَُرّدوه ُ إ َِلى الل ّهِ َوالّر ُ‬
‫ل(‬ ‫سو ِ‬ ‫إ َِلى الل ّهِ َوالّر ُ‬
‫فدل ذلك على أن الرد في مسائل النزاع والخلف إنما يكون لله ولرسوله ‪،‬‬
‫قال العلماء معنى إلى الله ‪ :‬الرد إلى كتاب الله ‪ ،‬ومعنى والرسول الرد إلى‬
‫الرسول في حياته ‪ ،‬وإلى سنته بعد وفاته عليه الصلة والسلم ‪.‬‬
‫ن ي ُط ِِع‬ ‫م ْ‬ ‫فعلم بذلك أن سنته مستقلة وأنها أصل متبع ‪ ،‬وقال جل وعل ‪َ ) :‬‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫قد ْ أ َ َ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫س إ ِّني َر ُ‬ ‫ل َيا أي َّها الّنا ُ‬ ‫ه ( وقال سبحانه ‪ ) :‬قُ ْ‬ ‫طاعَ الل ّ َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫الّر ُ‬
‫صُروهُ َوات ّب َُعوا‬ ‫مُنوا ب ِهِ وَعَّزُروهُ وَن َ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫م ( وقبلها قوله جل وعل ‪َ ) :‬فال ِ‬ ‫إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن(‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه أول َئ ِ َ‬ ‫معَ ُ‬‫ل َ‬ ‫ذي أن ْزِ َ‬ ‫الّنوَر ال ّ ِ‬
‫فجعل الفلح لمن اتبعه عليه الصلة والسلم لن السياق فيه عليه الصلة‬
‫والسلم‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ه أولئ ِك هُ ُ‬ ‫معَ ُ‬ ‫َ‬
‫ذي أن ْزِل َ‬ ‫صُروهُ َوات ّب َُعوا الّنوَر ال ِ‬ ‫مُنوا ب ِهِ وَعَّزُروهُ وَن َ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫) َفال ّ ِ‬
‫ن ( فذكر أن الفلح لهؤلء المتبعين لنبي الله عليه الصلة والسلم‪-‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دون غيرهم ‪ ،‬فدل ذلك على أن من أنكر سنته ولم يتبعه فإنه ليس بمفلح‬
‫س ( يعني قل يا‬ ‫َ‬ ‫وليس من المفلحين ‪ ،‬ثم قال بعدها ‪ ) :‬قُ ْ‬
‫ل َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫مل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ه ُ‬ ‫ذي ل َ ُ‬ ‫ميًعا ال ّ ِ‬‫ج ِ‬
‫م َ‬‫ل الل ّهِ إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫س إ ِّني َر ُ‬ ‫ل َيا أي َّها الّنا ُ‬ ‫محمد ‪ ) :‬قُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ي اْل ّ‬
‫م ّ‬ ‫سول ِهِ الن ّب ِ ّ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬‫ت َفآ ِ‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيي وَي ُ ِ‬ ‫ه إ ِّل هُوَ ي ُ ْ‬ ‫ض َل إ ِل َ َ‬ ‫ْ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬
‫ال ّ‬
‫ن ( فعلق الهداية باتباعه عليه‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َهْت َ ُ‬‫مات ِهِ َوات ّب ُِعوه ُ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ن ِبالل ّهِ وَك َل ِ َ‬
‫م ُ‬‫ذي ي ُؤْ ِ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫الصلة والسلم فدل ذلك على وجوب طاعته ‪ ،‬واتباع ما جاء به من الكتاب‬
‫والسنة‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪،‬‬

‫)‪(1 /‬‬
‫َ‬ ‫وقال عز وجل في آيات أخرى ‪ ) :‬قُ ْ َ‬
‫ن ت َوَل ّ ْ‬
‫وا‬ ‫ل فَإ ِ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬ ‫لأ ِ‬
‫ل‬
‫سو ِ‬ ‫ما عََلى الّر ُ‬ ‫دوا وَ َ‬ ‫طيُعوه ُ ت َهْت َ ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫مل ْت ُ ْ‬‫ح ّ‬‫ما ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل وَعَل َي ْك ُ ْ‬
‫م َ‬‫ح ّ‬ ‫ما ُ‬ ‫ما عَل َي ْهِ َ‬ ‫فَإ ِن ّ َ‬
‫ن ( وقال جل وعل أيضا في هذه السورة سورة النور ‪:‬‬ ‫مِبي ُ‬‫إ ِّل الب َلغُ ال ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ( فأفرد‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ت ُْر َ‬ ‫ل ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫كاةَ وَأ ِ‬ ‫صَلة َ َوآُتوا الّز َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫) وَأِقي ُ‬
‫َ‬
‫ن ( وقال في آخر‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ت ُْر َ‬ ‫ل ل َعَل ّك ُ ْ‬‫سو َ‬ ‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫طاعته وحدها بقوله ‪ ) :‬وَأ ِ‬
‫ة أ َْو‬
‫م فِت ْن َ ٌ‬
‫صيب َهُ ْ‬
‫ن تُ ِ‬
‫َ‬
‫مرِهِ أ ْ‬
‫فون عَ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫خال ِ ُ َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حذ َرِ ال ّ ِ‬‫السورة سورة النور ‪ ) :‬فَل ْي َ ْ‬
‫م ( فذكر جل وعل أن المخالف لمر النبي على خطر عظيم‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫يُ ِ‬
‫من أن تصيبه فتنة بالزيغ والشرك والضلل أو عذاب أليم ‪ ،‬نعوذ بالله من‬
‫ذلك ‪،‬‬
‫ذوه ُ ( فهذه اليات‬ ‫خ ُ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫ما آَتاك ُ ُ‬ ‫وقال عز وجل في سورة الحشر ‪ ) :‬وَ َ‬
‫وما جاء في معناها كلها دالة على وجوب اتباعه وطاعته عليه الصلة والسلم‬
‫وأن الهداية والرحمة والسعادة والعاقبة الحميدة كلها في اتباعه وطاعته عليه‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬فمن أنكر ذلك فقد أنكر كتاب الله ‪ ،‬ومن قال إنه يتبع كتاب‬
‫الله دون السنة فقد كذب وغلط وكفر ‪ ،‬فإن القرآن أمر باتباع الرسول ‪،‬‬
‫فمن لم يتبعه فإنه لم يعمل بكتاب الله ولم يؤمن بكتاب الله ‪ ،‬ولم ينفذ كتاب‬
‫الله ‪ ،‬إذ كتاب الله أمر بطاعة الرسول وأمر باتباعه ‪ ،‬وحذر من مخالفته عليه‬
‫الصلة والسلم ‪،‬‬
‫ول يمكن أن يكون النسان متبعا للقرآن بدون اتباع السنة ‪ ،‬ول يكون متبعا‬
‫للسنة بدون اتباع القرآن فهما متلزمان ل ينفك أحدهما عن الخر ‪ ،‬ومما جاء‬
‫في السنة عن رسول الله عليه الصلة والسلم ما رواه الشيخان البخاري‬
‫ومسلم رحمة الله عليهما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله‬
‫عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ ) :‬من أطاعني فقد أطاع الله ومن‬
‫عصاني فقد عصى الله ومن أطاع المير فقد أطاعني ومن عصى المير فقد‬
‫عصاني (‬
‫وفي صحيح البخاري رحمة الله عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي‬
‫قال ‪ ) :‬كل أمتي يدخلون الجنة إل من أبى قيل يا رسول الله ومن يأبى قال‬
‫من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ( وهذا واضح في أن من عصاه‬
‫فقد عصى الله ‪ ،‬ومن عصاه فقد أبى دخول الجنة‬
‫والعياذ بالله ‪ ،‬وفي المسند وأبي داود وصحيح الحاكم بإسناد جيد عن المقداد‬
‫بن معدي كرب الكندي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪) :‬‬
‫أل وإنني أوتيت الكتاب ومثله معه ( والكتاب هو القرآن ‪ ،‬ومثله معه يعني ؛‬
‫السنة وهي الوحي الثاني ‪ ) :‬أل يوشك رجل شبعان يتكئ على أريكته يحدث‬
‫بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينهم كتاب الله ما وجدنا فيه من حلل حللناه‬
‫وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ( وفي لفظ ‪ ) :‬يوشك رجل شبعان على‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أريكته يحدث بالمر من أمري مما أمرت به ونهيت عنه يقول بيننا وبينكم‬
‫كتاب الله ما وجدنا فيه اتبعناه أل إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله (‬
‫والحاديث في هذا المعنى كثيرة ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫السند وطالب العلم الشرعي اليوم‬


‫حسام الدين سليم الكيلني‬
‫ص المة المحمدية بشرف السناد ‪ ،‬وأعلى مقام الكتاب‬ ‫خ ّ‬ ‫الحمد لله الذي َ‬
‫الكريم والسنة المطهرة في كل ناد ٍ ‪ ،‬ويسر لمن استهداه سبيل الهدى‬
‫والرشاد ‪ ،‬وأقام علماء المسلمين من فقهاء ومحدثين حراسا ً أمناء على‬
‫حفظ حديث خير العباد ‪ ،‬نبينا محمد ٍ صلى الله عليه وسلم المصطفى‬
‫والرسول المين المجتبى ‪.‬‬
‫ل أفضل صلةٍ وسلم أكمل سلم ٍ على سيدنا محمد الذي جاء بالدين‬ ‫اللهم ص ّ‬
‫القويم والصراط المستقيم وعلى آله وأصحابه الميامين ‪ ،‬الذين استمعوا‬
‫كتاب الله وحديث نبيه خير استماع واتبعوه أحسن اتباع ومن تبعهم بإحسان‬
‫إلى يوم الدين‪.‬‬
‫وبعد ‪:‬‬
‫فلطالما غفل الكثير من طلب العلم في أيامنا هذه ــ إل من رحم ربك ــ عن‬
‫أمر ما رأيت شيئا ً هو أعظم دفعا ً في قلب طالب العلم ‪ ،‬ول أمضى في علج‬
‫آفاته ‪ ،‬ول أكثر عونا ً على القول المقترن بالعمل ‪ ،‬والعمل المقترن بالخلص‬
‫‪ ،‬والخلص المقترن بالتواضع ‪ ،‬أقول ما رأيت أمرا ً هو أجدى في ذلك كله‬
‫من هذا المر الذي دفعني حقيقة إلى أن أكتب هذا الكتاب ‪ ،‬وأبذل فيه جهدي‬
‫طالبا ً من الله سبحانه العفو عن الذلل والتقصير ‪.‬‬
‫إذ كلما كان طالب العلم على معرفة ودراية ‪ ،‬بأحوال الرجال وتراجمهم‬
‫وسيرهم ‪ ،‬كلما علت همته وقويت حافظته واهتدى قلبه وتنور بصره وبصيرته‬
‫‪ ،‬فهو إذا رأى عظيم شأنهم ‪ ،‬وكثرة رحلتهم في طلب العلم ‪ ،‬وتكبدهم‬
‫المشقات ‪ ،‬وتعدد فنونهم وعلومهم ‪ ،‬وطول سهرهم وقيامهم ‪ ،‬وحالهم مع‬
‫ربهم وورعهم ‪ ،‬نظر إلى تقصيره واحتقر عمله واستصغر شأنه ‪ ،‬فشد ّ مئزره‬
‫وقام يلحق القوم ويسير على قدمهم ‪ ،‬ويخطو خطواتهم ‪.‬‬
‫ف علماء المسلمين بحبهم للرحلة في طلب العلم والسناد العالي ‪،‬‬ ‫ولقد عُرِ َ‬
‫فنرى أحدهم يسافر من بلد إلى بلد ليجلس بين يدي أحد العلماء الكبار ليأخذ‬
‫عنه حديثا ً أو حديثين ل يجدهما عند غيره من العلماء ‪ ،‬واقرأ كتاب ) الرحلة‬
‫في طلب الحديث ( للمام الحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف‬
‫دة‬‫بالخطيب البغدادي ترى العجب العجاب من أمر علماء المسلمين ‪ ،‬وش ّ‬
‫حرصهم على العلم والسناد العالي في الحديث الشريف ‪.‬‬
‫ورحم الله أبا الفضل العباس بن محمد الخراساني إذ ينشد فيقول ‪:‬‬
‫ب أصل العلم ِ مجتهدا ً وزينة المرِء في الدنيا الحادي ُ‬
‫ث‬ ‫ت أطل ُ‬ ‫رحل ُ‬
‫ث‬
‫ه إل المخاني ُ‬‫ض ُ‬
‫س ُيبغ ُ‬
‫ل ذكٌر ولي َ‬‫ل يطلب العلم إل باذ ٌ‬
‫ث‬ ‫ُ‬
‫ل ‪ ،‬سوف تتركه فإنما هذه الدنيا مواري ُ‬ ‫ن بما ٍ‬‫جب َ ّ‬‫ل ُتع َ‬
‫إذ لما كان للسناد أهمية كبيرة في صيانة الشريعة من التحريف والتبديل ‪،‬‬
‫وحفظها من الزيادة أو النقص ‪ ،‬إذ بوساطته يمكن العتماد على صحة‬
‫الحديث أو ضعفه ‪ ،‬أو أنه خبر موضوع ل أصل له ‪ ،‬لننا حين نسمع بالخبر‬
‫نعود إلى طريقه وهو السند ‪ ،‬فنتعرف على رجاله وأحوالهم وصفاتهم ‪،‬‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونبحث عن أخلقهم ومدى صدقهم والتزامهم لدينهم ‪ ،‬وعن صلة بعضهم‬


‫ببعض وإمكان نقله عنه ونحو ذلك ‪ ،‬وعندها نقبل الحديث أو نرده ‪ ،‬بناًء على‬
‫ما نتوصل إليه بنتيجة البحث والتمحيص ‪ ،‬ولول السند والسناد لما كان‬
‫بالمكان معرفة شيء من ذلك ‪.‬‬
‫وهذه الطريقة في رواية الخبار بالسند لم تكن معروفة قبل السلم ‪ ،‬حتى‬
‫إذا جاء السلم وجدنا أن المسلمين يقررون ‪ :‬أن هذا العلم دين ‪ ،‬فانظروا‬
‫عمن تأخذون دينكم ‪ ،‬ويقررون ‪ :‬أن السناد من الدين ولول السناد لقال من‬
‫شاء ما شاء ‪ ،‬ويقررون ‪ :‬أنه ل يؤخذ بالخبر ‪ ،‬ول يضاف إلى النبي عليه‬
‫الصلة والسلم إل إذا عرف من حدث به عنه ‪ ،‬ومن نقله إلينا ‪ ،‬وعرف حاله‬
‫من الصدق والضبط وقوة الحفظ ‪.‬‬
‫وإذا كان السناد في الخبار من خصائص هذه المة السلمية ‪ ،‬فذلك مزيد‬
‫فضل الله تعالى الذي امتن به عليها إذ وعدها بحفظ ما أوحى به إلى نبيها‬
‫ذكَر وإّنا له‬ ‫عليه الصلة والسلم من تشريع فقال جل وعل ‪ } :‬إّنا نحن نّزلنا ال ّ‬
‫لحافظون { ] الحجر ‪ ، [ 9‬وإذا كان الذكر هو القرآن الكريم ‪ ،‬فإن حديث‬
‫النبي عليه الصلة والسلم هو المبين له ‪ ،‬والمفصل لحكامه ‪ ،‬فكان حفظه‬
‫بحفظه ‪.‬‬
‫واسمع لكلم المام الشافعي رضي الله عنه إذ يقول ‪ ) :‬مثل الذي يطلب‬
‫الحديث بل إسناد كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيه أفعى وهو ل‬
‫يدري ! ( وقال بعض الحفاظ ‪ ) :‬مثل الذي يطلب دينه بل إسناد مثل الذي‬
‫يرتقي السطح بل سلم ‪ ،‬فأنى يبلغ السماء ! ( ‪ ،‬وقال المام الوزاعي رحمه‬
‫الله تعالى ‪ ) :‬ما ذهاب العلم إل ذهاب السناد ( ‪ ،‬وقال الحافظ يزيد بن ُزَري ٍْع‬
‫رحمه الله تعالى ‪ ) :‬لكل دين فرسان ‪ ،‬وفرسان هذا الدين أصحاب السانيد (‬
‫‪ ،‬وهذا أبو العالية يقول ‪ ) :‬كنا نسمع بالرواية عن أصحاب رسول اللهصلى‬
‫الله عليه وسلم بالمدينة بالبصرة فما نرضى حتى أتيناهم فسمعنا منهم ( ‪،‬‬
‫و‬
‫ب عل ّ‬ ‫وقال المام عبد الله بن أحمد بن حنبل ‪ :‬سمعت أبي يقول ‪ ) :‬طل ُ‬
‫السناد ِ من الدين ( ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فإذن خصيصة السناد هذه أهم خصائص المة المحمدية ‪ ،‬فقد كان السند هو‬
‫الشرط الول في كل علم منقول فيها ‪ ،‬حتى الكلمة الواحدة ‪ ،‬يتلقاها‬
‫الخالف عن السالف ‪ ،‬واللحق عن السابق بالسناد ‪.‬‬
‫عن مقدمة كتابي ) المالي في أعلى السانيد العوالي (‪.‬‬
‫تأليف حسام الدين سليم الكيلني‬
‫طبع دار القلم العربي بحلب‬

‫)‪(2 /‬‬

‫السنن اللهية في المم والجماعات والفراد‬


‫‪ -‬إن هذا العالم بكل ما فيه ومن فيه من نبات وجماد وحيوان وإنسان وأجرام‬
‫سماوية ‪ ،‬وما يصدر عن هذه الموجودات وما يتعلق بها ويحل فيها ‪ ،‬وما يقع‬
‫من حوادث كونية كنزول المطر وهبوب الريح وثوران بركان وتعاقب الليل‬
‫والنهار ‪ ،‬وما يحصل للنسان من أطوار خلقه وتكوينه في بطن أمه وما‬
‫يحدث له وللمة من شقاء وسعادة ورفعة وسقوط وعلو وانحطاط وقوة‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وضعف وبقاء وفناء ونحو ذلك كل ذلك الذي ذكرنا وجوده وحدوثه في العالم‬
‫ل يقع صدفة ول خبط عشواء وإنما يقع ويحدث وفق قانون عام دقيق صارم‬
‫ل يخرج عن أحكامه شيء‪.‬‬
‫‪ -2‬الوجه الول لهذا القانون العام ‪:‬‬
‫ولهذا القانون العام الذي أشرت إليه وجهان ‪) :‬الوجه الول( هو الذي تخضع‬
‫له جميع الكائنات الحية في وجودها المادي وجميع الحوادث المادية ‪ ،‬ويخضع‬
‫له كيان النسان المادي وما يطرأ عليه مثل نموه وحركة أعضائه ومرضه‬
‫وهرمه ولوازم بقائه حيا ً ونحو ذلك‪ .‬وهذا الوجه من القانون العام وما يخضع‬
‫له مما ذكرناه من المور المادية للكائنات ‪ ،‬أقول هذا الوجه من هذا القانون‬
‫ل يختلف في وجوده أهل العلم بهذه المور المادية ‪ ،‬ول يختلفون في خضوع‬
‫ما ذكرناه له‪.‬‬
‫‪ -3‬دللة القرآن على هذا الوجه من القانون ‪:‬‬
‫قد دل القرآن الكريم على هذا الوجه من هذا القانون العام في آيات كثيرة‬
‫منها قوله تعالى ‪) :‬والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم‪.‬‬
‫والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم‪ .‬ل الشمس ينبغي إليها أن‬
‫تدرك القمر ول الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون( ‪ ,‬وفي خلق‬
‫النسان وخضوعه لهذا الوجه من القانون قوله تعالى ‪ ) :‬ولقد خلقنا النسان‬
‫من سللة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة‬
‫فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما ً فكسونا العظام لحما ً ثم أنشأناه‬
‫خلقا ً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين( ‪ ،‬من الواضح البين أن خلق النسان‬
‫والطوار التي يمر بها وهو في بطن أمه يخضع في ذلك كله إلى قانون عام‬
‫ثابت‪.‬‬
‫‪ -4‬من سمات هذا القانون الثبات والستمرار ‪:‬‬
‫ومن سمات هذا القانون العام في وجهه الول ‪ ،‬ثباته واستمراره بدليل‬
‫اطراد أحكامه وسريانها على الحوادث والظواهر التي يحكمها هذا القانون ‪،‬‬
‫فالرض تحيا بالمطر ويخرج منها النبات ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬وآية لهم الرض‬
‫الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا ً فمنه يأكلون(‪ .‬وكذلك جريان الشمس‬
‫والقمر ‪ ،‬وجريان الفلك في البحر وفقا ً لهذا القانون العام ‪ ،‬ومما يدل على‬
‫ثبات هذا القانون بوجهه الول الذي نتكلم عليه أن الله تعالى يلفت النظار‬
‫إلى هذه الظواهر الكونية ويجعلها من اليات الدالة على خالقيته وربوبيته‬
‫لقوم يعقلون ويتفكرون ‪ ،‬ولول اطراد حدوثها مما يدل على خضوعها لقانون‬
‫ثابت لما صح لفت النظر إليها واعتبارها من آيات الله تعالى‪ .‬فمن هذه‬
‫اليات قوله تعالى ‪) :‬إن في خلق السموات والرض واختلف الليل والنهار‬
‫والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من‬
‫ماء فأحيا به الرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح‬
‫والسحاب المسخر بين السماء والرض ليات لقوم يعقلون(‪.‬‬
‫‪ -5‬آلت المعرفة بهذا القانون ‪:‬‬
‫وآلت المعرفة بهذا القانون العام هي ما أشارت إليه الية الكريمة ‪) :‬والله‬
‫أخرجكم من بطون أمهاتكم ل تعلمون شيئا ً وجعل لكم السمع والبصار‬
‫والفئدة لعلكم تشكرون(‪ .‬قال الزمخشري في تفسير هذه الية ‪) :‬وجعل‬
‫لكم( أي وما ركب فيكم هذه الشياء إل آلت لزالة الجهل الذي ولدتم عليه‬
‫واجتلب العلم والعمل به‪.‬‬
‫‪ -6‬سبيل المعرفة بالقانون العام )بوجهه الول( ‪:‬‬
‫وسبيل المعرفة بالقانون باللت التي ركبها الله في النسان )السمع‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والبصار والفئدة( يكون بالمشاهدة والنظر والتأمل واستخلص النتائج في‬


‫ضوء ذلك للتعرف على القواعد التي تحكم موجودات هذا العالم وحوادثه‬
‫المادية‪ .‬جاء في تفسير اللوسي بصدد الية الكريمة ‪) :‬والله أخرجكم من‬
‫بطون أمهاتكم ل تعلمون شيئا ً وجعل لكم السمع والبصار والفئدة لعلكم‬
‫تشكرون( ‪ ،‬قال اللوسي رحمه الله تعالى ‪) :‬والمعنى ‪ :‬جعل لكم هذه‬
‫الشياء آلت تحصلون بها العلم والمعرفة بأن تحسوا بمشاعركم جزيئات‬
‫الشياء وتدركوها بأفئدتكم – أي بعقولكم – وتنتبهوا لما بينها من المشاركات‬
‫والمباينات بتكرير الحساس فيحصل لكم علوم بديهية تتمكنون بالنظر فيها‬
‫من تحصيل العلوم الكسبية(‪.‬‬
‫والقرآن الكريم أمر بالنظر والتفكير فيما خلق الله السموات والرض ليزداد‬
‫الناس يقينا ً بأن الله الخالق العظيم ‪ ،‬وليعلموا أن ما خلقه الله كان بدقة‬
‫ونظام ‪ ،‬وأن كل ما فيه يجري بأمر الله ‪ ،‬أي وفق ما وضعه له من نظام‪.‬‬
‫فمن هذه اليات الداعية إلى النظر في الكون والتأمل بما فيه للوقوف على‬
‫أسراره وكيفية جريانه قوله تعالى ‪ ) :‬قل انظروا ماذا في السموات والرض(‬
‫‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ومعرفة هذا القانون في وجهه الول مباحة للجميع ويمكن الحصول عليها من‬
‫قبل المسلم والكافر ‪ ،‬وأكثرهما جدية ونشاطا ً ونظرا ً وبحثا ً وسعيا ً أكثرهما‬
‫وقوفا ً عليه وإحاطة بجوانبه وجزئياته‪ .‬فهذا العلم مشاع للجميع ول يختص‬
‫المسلمون بشيء منه باعتبارهم مسلمين ‪ ،‬اللهم إل في القصد من تعلمه‬
‫وفي أوجه النتفاع منه ‪ ،‬لن قصد المسلم وأوجه انتفاعه بالشياء وبما يعلم ‪،‬‬
‫كل ذلك محكوم بحكم الشريعة السلمية فما تبيحه أو توجبه فهو مباح أو‬
‫الواجب وما تنهى عنه فهو المكروه أو الحرام‪.‬‬
‫‪ -7‬الوجه الثاني من القانون العام ‪:‬‬
‫أما الوجه الثاني من القانون العام فهو الذي يتعلق بخضوع البشر له‬
‫باعتبارهم أفرادا ً وأمما ً وجماعات‪ .‬وأعني بخضوعهم له خضوع تصرفاتهم‬
‫وأفعالهم وسلوكهم في الحياة وما يكونون عليه من أحوال وما يترتب على‬
‫ذلك من نتائج كالرفاهية أو الضيق في العيش ‪ ،‬والسعادة والشقاء والعز‬
‫والذل والرقي والتأخر والقوة والضعف ونحو ذلك من المور الجتماعية في‬
‫الدنيا وما يصيبهم في الخرة من عذاب أو نعيم وفقا ً لحكام هذا القانون‬
‫بوجهه الثاني‪.‬‬
‫‪ -8‬هل يوجد هذا القانون في الشريعة السلمية ‪:‬‬
‫ونتساءل ‪ :‬هنا هل يوجد هذا القانون بوجهه الثاني في الشريعة السلمية‬
‫ويخضع له البشر في أفعالهم وسلوكهم وما يترتب عليها من نتائج في ضوء‬
‫قواعد هذا القانون وأحكامهم ؟ والجواب ‪ :‬إن الشريعة السلمية – بكتابها‬
‫العزيز القرآن ‪ ،‬وبالسنة النبوية الكريمة – تبين بوضوح وجلء وجود )سنة‬
‫عامة( لله تخضع لحكمها تصرفات البشر وأفعالهم وسلوكهم ومواقفهم من‬
‫شرع الله وما قد يترتب على ذلك من نتائج معينة في الدنيا والخرة ‪ ،‬فهل‬
‫تعني )سنة الله( ما نعنيه بالقانون العام الذي نتكلم عليه ؟ والجواب يعرف‬
‫بعد أن أبين تعريف سنة الله في اللغة وفي اصطلح الفقهاء وعلماء‬
‫التفسير‪.‬‬
‫‪ -9‬تعريف سنة الله ‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السنة في اللغة تعني السيرة ‪ ،‬حسنة كانت أو قبيحة‪ .‬وفي النهاية لبن‬
‫الثير ‪) :‬والصل في هذا اللفظ – السنة – الطريقة والسيرة‪ .‬وفي حديث‬
‫المجوس )سنوا بهم سنة أهل الكتاب( أي خذوهم على طريقتهم وأجروهم‬
‫في قبول الجزية منهم مجراهم(‪ .‬وقال الفيروز آبادي في معنى )السنة( ‪:‬‬
‫والصل فيها الطريقة والسيرة ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم ‪) :‬من‬
‫سن سنة حسنة( أي طرق طريقة حسنة ‪ ،‬وسنة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫طريقته التي كان يتحراها‪ .‬وقال شيح السلم ابن تيمية ‪) :‬والسنة هي العادة‬
‫التي تتضمن أن يفعل في الثاني مثل ما فعل بنظيره الول ‪ :‬ولهذا أمر الله‬
‫تعالى بالعتبار(‪ .‬وقال المام الرازي في تفسيره ‪) :‬والسنة ‪ :‬الطريقة‬
‫المستقيمة والمثال المتبع( ‪.‬‬
‫‪ -10‬التعريف المختار لسنة الله ‪:‬‬
‫يلحظ أن هذه الكلمة يدور معناها على معنى )الطريقة المتبعة( فيكون‬
‫معنى )سنة الله( هي الطريقة المتبعة في معاملة الله تعالى للبشر بناء على‬
‫سلوكهم وأفعالهم وموقفهم من شرع الله وأنبيائه وما يترتب على ذلك من‬
‫نتائج في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪ -11‬سنة الله هي القانون العام ‪:‬‬
‫وحيث أن سنة الله تعالى المتعلقة بأفعال البشر وسلوكهم هي طريقته‬
‫المتبعة في معاملته للبشر‪ ،‬كما قلنا‪ ،‬وما يترتب على ذلك من نتائج معينة في‬
‫الدنيا والخرة ‪ ،‬فهذا يعني أن معنى )السنة( هو معنى )القانون العام( من‬
‫حيث خضوع أفعال البشر وسلوكهم إلى أحكام هذه )السنة( التي يمكن‬
‫تسميتها بالقانون العام‪.‬‬
‫‪ -12‬سنة الله تتسم بالثبات والطراد والعموم ‪:‬‬
‫وما دامت )سنة الله( هي القانون العام الذي يحكم أفعال البشر وسلوكهم‬
‫فإنها تتسم بالثبات والطراد والعموم ‪ ،‬وهذا هو شأن القاعدة القانونية‪ .‬فهي‬
‫ثابتة ل تتغير ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة‬
‫ل(‪ .‬وقال تعالى ‪) :‬فلن تجد لسنة الله تبديل ً ولن تجد لسنة الله‬ ‫الله تبدي ً‬
‫تحوي ً‬
‫ل(‪.‬‬
‫وهي مطردة ل تتخلف ‪ ،‬ويدل على اطرداها أن الله تعالى قص علينا قصص‬
‫المم السابقة وما حل بها لتتعظ ونعتبر ول نفعل فعلهم لئل يصيبنا ما أصابهم‬
‫‪ ،‬ولول اطرداها لما أمكن التعاظ والعتبار بها‪ .‬فمن هذه اليات قوله تعالى ‪:‬‬
‫) فاعتبروا يا أولي البصار( بعد أن قص الله تعالى علينا ما حل ببني النضير‬
‫لسوء أعمالهم ‪ ،‬قال اللوسي في هذه الية ‪ :‬أي فاتعظوا بما جرى عليهم –‬
‫أي على اليهود من بني النضير – من المور الهائلة على وجه ل تكاد تهتدي‬
‫إليه الفكار ‪ ،‬واتقوا مباشرة ما أداهم إليه من الكفر والمعاصي ‪ ،‬واعتبروا‬
‫من حالهم في غدرهم واعتمادهم على غير الله – الصائرة سببا ً لتخريب‬
‫بيوتهم بأيديهم وأيدي أعدائهم ومفارقة أوطانهم كارهين – إلى حال أنفسكم‬
‫فل تعولوا على تعاضد السباب وتعتمدوا على غيره عز وجل بل توكلوا عليه(‪.‬‬
‫وكذلك قوله تعالى ‪ ) :‬قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الرض فانظروا‬
‫كيف كان عاقبة المكذبين‪ .‬هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين(‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وهي ‪ ،‬أي سنة الله ‪ ،‬تتصف بالعموم أي أنها عامة يسري حكمها على الجميع‬
‫دون محاباة ول تمييز ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في الزبر( ‪) ،‬ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مذكر(‪ .‬أي ليس كفاركم خيرا ً‬
‫من كفار من تقدم من المم الذين أهلكوا بكفرهم(‪.‬‬
‫وقال تعالى ‪ ) :‬ليس بأمانيكم ول أماني أهل الكتاب من يعمل سوًءا يجز‬
‫به( ‪ ،‬والمعنى أن كل من يعمل سواًء يلق جزاءه ‪ ،‬لن الجزاء بحسب سنة‬
‫الله تعالى أثر طبيعي للعمل ل يتخلف عنه‪ .‬فسنة الله تعالى ثابتة ومطردة‬
‫وعامة غير مقتصرة على فرد دون فرد ول على قوم دون قوم‪ .‬ولول ثباتها‬
‫واطرادها وعمومها لما كان معنى في ذكر قصص وأخبار المم السابقة‬
‫وطلب العتبار بما حل بهم ‪ ،‬ولكن لما كان ما جرى لهم وعليهم يجري على‬
‫غيرهم إذا فعلوا فعلهم ‪ ،‬حسن ذكر قصصهم وطلب العتبار والتعاظ بها‪.‬‬
‫‪ -13‬السبيل لمعرفة )سنة الله( ‪:‬‬
‫والسبيل لمعرفة سنة الله أي الوجه الثاني للقانون العام هو الرجوع إلى‬
‫كتاب الله العظيم وسنة نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فما فيهما‬
‫هو القول الفصل ‪ ،‬وما بيناه – أي القرآن والسنة النبوية – من أنه هو )سنة‬
‫الله( أي قانونه العام الذي تجري بموجبه أحداث ووقائع البشر ‪ ،‬فهذا البيان‬
‫ل( ‪ ،‬وهو الخبار‬ ‫هو الحق المبين والقول الصدق ‪) :‬ومن أصدق من الله قي ً‬
‫الحق الصادق عن هذا القانون العام )ومن أصدق من الله حديثًا(‪.‬‬
‫‪ -14‬الخبار عن )سنة الله( بصيغ متنوعة ‪:‬‬
‫وقد يخبرنا الله تعالى )سنته( أي عن القانون العام الذي وضعه الله لحكم‬
‫سلوك البشر وأفعالهم وما يصيبهم ‪ ،‬قد يخبرنا عن ذلك بغير لفظ )السنة(‬
‫كأن يعبر عن )سنته( بتقرير نتيجة معينة بناء على وصف معين أو حالة معينة‬
‫أو بناء على سبب أو شرط معينين ‪ ،‬فيكون هذا الخبار بهذه الصيغ إخبارا ً عن‬
‫سنة ثابتة لله تعالى كما في قوله تعالى ‪ ) :‬تلك القرى أهلكناهم لما ظلموا( ‪،‬‬
‫وقوله تعالى ‪) :‬إن الله ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم(‪.‬‬
‫‪ -15‬أهمية دراسة سنن الله ‪:‬‬
‫وسنن الله تعالى التي بينها الله في القرآن الكريم أو بينها الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم جديرة بالدراسة والفهم ‪ ،‬بل إن دراستها وفهمها من المور‬
‫المهمة جدا ً والواجبة ديانة ‪ ،‬لن معرفتها معرفة لبعض الدين قال تعالى ‪:‬‬
‫) ونزلنا عليك الكتاب تبيانا ً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين(‪ .‬قال‬
‫اللوسي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الية ‪ ) :‬والمراد من ) كل شيء(‬
‫ما يتعلق بأمور الدين أي بيانا ً بليغا ً لكل شيء يتعلق بذلك ‪ ،‬ومن جملته‬
‫أحوال المم أنبيائهم(‪.‬‬
‫ومن الواضح أن أحوال المم مع أنبيائهم التي اعتبرها اللوسي رحمه الله‬
‫بحق أنها من جملة الدين ‪ ،‬هذه الحوال تعني ما جرى لهم مع أنبيائهم وما‬
‫حل فيهم بسبب سلوكهم معهم وموقفهم منهم وفقا ً لسنة الله ‪ ،‬وما طلبه‬
‫الله منا من التعاظ والعتبار بهم‪ .‬فيتحصل من ذلك أن معرفة سنن الله جزء‬
‫من معرفة الدين أو معرفة لجزء من الدين ‪ ،‬وأن هذه المعرفة ضرورية‪.‬‬
‫ومن الواجبات الدينية لنها تبصرنا بكيفية السلوك الصحيح في الحياة حتى ل‬
‫تقع في الخطأ والعثار والغرور والماني الكاذبة ‪ ،‬وبذلك ننجو مما حذرنا الله‬
‫منه ‪ ،‬ونظفر بما وعد الله به عبادة المؤمنين المتقين‪.‬‬
‫وهذه السلسلة القادمة من المقالت سوف تتحدث عن الوجه الثاني من‬
‫القانون العام الذي يحكم المخلوقات في هذا العالم ‪ ،‬والوجه الثاني من هذا‬
‫القانون العام هو ) سنة الله ( المتعلقة بسلوك البشر وأفعالهم في الدنيا وما‬
‫يترتب عليها من نتائج في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫المرجع ‪ :‬السنن اللهية في المم والجماعات والفراد ‪ ،‬للدكتور عبد الكريم‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫زيدان ‪ ،‬ص ‪7‬‬


‫هدى الله هو الهدى ‪:‬‬
‫قال تعالى ‪ ) :‬ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن‬
‫هدى الله هو الهدى( ‪ ،‬أي قل يا محمد إن هدى الله الذي بعثني به هو الدين‬
‫المستقيم الصحيح الشامل ‪ ،‬وهو الهدى الحقيقي الذي يصح أن يسمى هدى‬
‫وهو الهدى كله ليس وراءه هدى‪.‬‬
‫هدى الله هو السلم‪:‬‬
‫ً‬
‫وهدى الله الذي هو الهدى ‪ ،‬أرسل به محمدا صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قال‬
‫تعالى ‪ ) :‬هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق( ‪ ،‬هذا الهدى هو السلم‬
‫الذي فيه الهدى كله ليس وراءه هدى ‪ ،‬قال الزمخشري في قوله تعالى ‪:‬‬
‫) قل إن هدى الله هو الهدى( يعني أن هدى الله الذي هو السلم هو الهدى‬
‫الحق والذي يسمى هدى الله وهو الهدى كله ليس وراءه هدى ‪ ،‬وما تدعون‬
‫اتباعه أيها اليهود والنصارى ما هو بهدى إنما هو هوى‪.‬‬
‫من يترك هدى الله يتركه الله وما اختاره ‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫قال تعالى ‪ ) :‬ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل‬
‫المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرًا( ‪ ،‬هدى الله هو السلم‬
‫وهو سبيل المؤمنين ‪ ،‬فمن يشاقق الرسول صلى الله عليه وسلم – أي‬
‫يعاديه – فل يتبع السلم ويتبع غير سبيل المؤمنين بعد أن تبين له هدى الله‬
‫فإن الله تعالى يتركه وشأنه وما اختاره لنفسه من ضلل ‪ .‬ومن المعلوم أن‬
‫ما اختاره لنفسه هو سبيل الضلل لنه ليس بعد الحق – السلم الذي تركه‪-‬‬
‫إل الضلل ‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬فماذا بعد الحق إل الضلل فأنى تصرفون ( ‪.‬‬
‫تهديد من يتبع غير هدى الله ‪:‬‬
‫هدى الله هو السلم وهو الحق الواجب التباع وما عداه هو الضلل الواجب‬
‫تركه والقلع عنه ‪ ،‬فمن تمسك به خسر تولي الله له ونصرته إياه وكان من‬
‫الظالمين ‪ ،‬قال تعالى مخاطبا ً رسوله صلى الله عليه وسلم والمر لمته ‪:‬‬
‫) ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ول‬
‫نصير(‪ .‬قال ابن كثير في تفسيرها‪ :‬في هذه الية تهديد ووعيد شديد للمة‬
‫عن اتباع طوائف اليهود والنصارى بعدما علموا من القرآن والسنة عياذا ً بالله‬
‫من ذلك‪ .‬فإن الخطاب مع الرسول والمر لمته‪.‬‬
‫وفي آية أخرى قال تعالى ‪ ) :‬ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من‬
‫العلم إنك إذا ً من الظالمين(‪ .‬والذي جاءه من العلم هو هدى الله وما شرعه‬
‫له من أمور السلم ‪ ،‬فإذا فرض مجرد فرض أن تتبع ما يهواه اليهود‬
‫والنصارى إنك إذا ً لمن الظالمين ‪ ،‬فالخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫والمراد أمته‪.‬‬
‫وفي الية تهديد ووعيد لمن يتبع أهل الباطل في باطلهم وأهوائهم استمالة‬
‫لهم ‪ ،‬فقد جاء في تفسير المنار بشأن هذه الية‪ :‬هذا الخطاب بهذا الوعيد‬
‫لعلى الناس مقاما ً عند الله تعالى وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫هو أشد وعيد لغيره ممن يتبع الهوى ويحاول استرضاء الناس بمجاراتهم على‬
‫ما هم عليه من الباطل ‪ ،‬فإنه أورده بالخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫مع أن المراد أمته ليعلم المؤمنين أن أتباع أهواء الناس ولو لغرض صحيح هو‬
‫من الظلم العظيم الذي يقطع طريق الحق ويردي الناس في مهاوي الباطل‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل حزن ول خوف على متبع هدى الله ‪:‬‬


‫قال تعالى ‪ ) :‬قلنا اهبطوا منها جميعا ً فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداي‬
‫فل خوف عليهم ول هم يحزنون(‪ .‬قال ابن كثير في تفسير الية‪ :‬أي من أقبل‬
‫على ما أنزلت به الكتب وأرسلت به الرسل فل خوف عليهم فيما يستقبلونه‬
‫من أمر الخرة ول هم يحزنون على ما فاتهم من أمور الدنيا‪.‬‬
‫وفي تفسير المنار ‪ :‬المهتدون بهدى الله تعالى ل يخافون مما هو آت ول‬
‫يحزنون على ما فات لن أتباع الهدى يسهل عليهم سبيل اكتساب الخيرات‬
‫ويعدهم لسعادة الدنيا والخرة ‪ ،‬ومن كانت هذه وجهته يسهل عليه كل ما‬
‫يستقبله ويهون عليه كل ما أصابه أو فقده لنه موقن بأن الله يخلفه‪.‬‬
‫طيب العيش لمتبع الهدى ‪ ،‬والعيش الضنك للمعرض عنه ‪:‬‬
‫قال تعالى ‪ ) :‬قال اهبطا منها جميعا ً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني‬
‫هدى فمن اتبع هداي فل يضل ول يشقى ‪ .‬ومن أعرض عن ذكري فإن له‬
‫معيشة ضنكا ً ونحشره يوم القيامة أعمى‪ .‬قال رب لم حشرتني أعمى وقد‬
‫كنت بصيرا ً ؟ قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى‪ .‬وكذلك نجزي‬
‫من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الخرة أشد وأبقى(‪ .‬فهذه اليات‬
‫بينت سنة الله في متبع هداه وسنته في المعرض عنها‪ .‬والمقصود بهدى الله‬
‫في هذه الية كتبه التي أنزلها على رسله لتبليغها للناس‪ .‬وفسر بعضهم‬
‫)هدى الله( بأنه القرآن الكريم لما روي عن ابن عباس أنه قال‪) :‬أجار الله‬
‫تعالى تابع القرآن من أن يضل في الدنيا أو يشقى في الخرة‪ .‬ثم قرأ هذه‬
‫الية(‪.‬‬
‫والواقع أن )هدى الله( يشمل جميع كتبه التي أنزلها الله تعالى على رسله‬
‫وأمرهم بتبليغ محتوياتها من الهدى للناس ‪ ،‬ول شك أن القرآن من جملتها ‪،‬‬
‫بل وأفضلها ‪ ،‬وحيث أنه آخرها ‪ ،‬وأن اتباعه هو الواجب دونها ‪ ،‬فبهذا العتبار‬
‫جاز وصح تفسير )هدى الله( في هذه الية بأنه القرآن الكريم كما هو المروي‬
‫عن ابن عباس‪.‬‬
‫سنة الله في متبع هداه ‪ ،‬ودليلها ‪:‬‬
‫قلنا ‪ :‬إن سنة الله في متبع هداه – أي القرآن – هو تمتعه بطيب العيش في‬
‫الدنيا ‪ ،‬ودليل هذه السنة قوله تعالى ‪ ) :‬فمن اتبع هداي فل يضل ول يشقى(‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪) :‬ل يضل في الدنيا ول يشقى في الخرة( ‪ ،‬والضلل في‬
‫الدنيا النحراف عن السلم ‪ ،‬والشقاء في الخرة العقاب فيها‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫قال الزمخشري في قوله تعالى ‪ ) :‬فل يضل ول يشقى( ‪ ،‬والمعنى أن‬


‫الشقاء في الخرة هو عقاب من ضل في الدنيا عن طريق الدين فمن اتبع‬
‫كتاب الله وامتثل أوامره وانتهى عن نواهيه نجا من الضلل ومن عقابه(‪.‬‬
‫ولكن نظم الية وسياقها يتسعان للقول بأن الشقاء المنتفي عن متبع القرآن‬
‫يشمل انتفاءه عنه في الدنيا والخرة ‪ ،‬وهذا التفسير هو أحد الوجوه في‬
‫تفسير قوله تعالى ‪) :‬فل يضل ول يشقى( والذي ذكره المام الرازي في‬
‫تفسيره لهذه الية ‪ ،‬وأورد على هذا الوجه من التفسير سؤال ً فقال ‪ ) :‬الوجه‬
‫الثالث ‪ -‬أي في تفسيرها – ل يضل ول يشقى في الدنيا‪ .‬فإن قيل‪ :‬المتبع‬
‫لهدى الله قد يلحقه الشقاء في الدنيا‪ .‬قلنا‪ :‬المراد ل يضل في الدين ول‬
‫يشقى بسبب الدين ‪ ،‬فإن حصل الشقاء بسبب آخر فل بأس(‪.‬‬
‫والواقع أن متبع هدى الله – أي القرآن الكريم – يحيا حياة طيبة كما وعد الله‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعالى وكما هو مقتضى سنته ‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬من عمل صالحا ً من ذكر أو‬
‫أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا‬
‫يعملون( ‪ ،‬والشأن بمتبع هدى الله – القرآن الكريم – أنه مؤمن ويعمل‬
‫الصالحات وإل لما كان متبعا ً للقرآن ‪ ،‬والحياة الطيبة التي يحياها ل يشقى‬
‫فيها قطعا ً ‪ ،‬لنها تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت كما قال ابن كثير في‬
‫تفسيره‪ .‬ولن الشقاء ينافي الحياة الطيبة التي يتمتع بها متبع القرآن ‪،‬‬
‫فالشقاء إذن منفي عنه في الدنيا ‪ ،‬كما أن الضلل منفي عنه في الدنيا‪ .‬ولن‬
‫متبع هدى الله همه مرضاة الله فهو قانع بما قسمه الله له في الدنيا غير‬
‫متسخط على ذلك ‪ ،‬لنه سعيد بما أنعم الله عليه من نعمة الدين ‪ ،‬فهو في‬
‫عيش طيب رغيد ‪ ،‬لن تطلعه – بعد أن أنعم الله عليه بالسلم – إلى ما عند‬
‫الله ل إلى الدنيا ومتاعها الزائل ‪ ،‬فهو ل يحرص على تحصيله وإن كان ل‬
‫يرفضه إذا جاءه ول يأسف إذا فاته فهو في طيب عيش وحياة طيبة قطعا‪ً.‬‬
‫سنة الله في المعرض عن هداه ودليلها ‪:‬‬
‫وأما سنة الله في المعرض عن هداه ‪ ،‬وهي عيشة الضنك ‪ ،‬كما قلنا ‪ ،‬فهذه‬
‫السنة ودليلها في قوله تعالى ‪) :‬ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا(ً‬
‫إلخ ‪ ،‬وذكر الله هو قرآنه أو دينه السلم ‪ ،‬والعراض عنه يعني تركه وعدم‬
‫اتباعه ‪ ،‬وابتغاء الهدى من غيره‪ .‬قال ابن كثير رحمه الله تعالى ‪ ) :‬ومن‬
‫أعرض عن ذكري( أي خالف أمري وما أنزلته على رسولي وأعرض عنه‬
‫وتناساه وأخذ من غيره هداه‪.‬‬
‫وهذا المعرض عن هدى الله له المعيشة الضنك أي الضيقة في الدنيا ‪ ،‬لن‬
‫الضنك أصله الضيق والشدة‪ .‬ووجه ضيق معيشته أنه شديد الحرص على‬
‫الدنيا متهالك عليها وعلى الزيادة منها خائف من انتقاصها ‪ ،‬ل طمأنينة له ول‬
‫انشراح لصدره ‪ ،‬بل صدره ضيق حرج لضلله ‪ ،‬وإن تنعم ظاهره ولبس ما‬
‫شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء فإن قلبه ما لم يعمره هدى الله ل يحس‬
‫بسعادة ول بطيب العيش‪ .‬وهذا في الدنيا‪.‬‬
‫أما في الخرة فقد مضت سنة الله في الجزاء أنه سيصيبه عقاب المعرضين‬
‫عن هداه ‪ ،‬ومن هذا العقاب حشره يوم القيامة أعمى لعماه عن آيات الله‬
‫وهداه ‪ ،‬قال تعالى مخبرا ً عن هذا الجزاء وسببه ‪ ) :‬ومن أعرض عن ذكري‬
‫فإن له معيشة ضنكا ً ونحشره يوم القيامة أعمى‪ .‬قال رب لم حشرتني أعمي‬
‫وقد كنت بصيرًا‪ .‬قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى( ‪ ،‬والمعنى‬
‫أن هذا المعرض عن هدى الله يحشر يوم القيامة أعمى فيقول ‪ ) :‬رب لم‬
‫حشرتني أعمى وقد كنت بصيرًا( أي في الدنيا فيقول الله تعالى له ‪ ) :‬كذلك‬
‫أتتك آياتنا فنسيتها( أي لما أعرضت عن آيات الله وعاملتها معاملة من لم‬
‫يذكرها بعد بلغها إليك فأنت قد عميت عنها لن من عمي عن شيء نسيه‬
‫وتركه ) وكذلك اليوم تنسى( أي تترك في العمى كما كنت أعمى عن آيات‬
‫الله ‪ ،‬جزاء وفاقا ً لن الجزاء من جنس العمل‪.‬‬
‫وهذا العقاب الذي ينتظر المعرض عن هدى الله هو أشد وأبقى من عذاب‬
‫الدنيا‪ .‬وسيصيب أيضا ً المسرفين المكذبين بآيات الله ما أصاب المعرضين‬
‫عن هدى الله من العيش الضنك في الدنيا والعذاب في الخرة لقوله تعالى ‪:‬‬
‫) وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الخرة أشد وأبقى(‪.‬‬
‫ومن يعرض عن هدى الله يقيض له شيطانا ً ‪:‬‬
‫والمعرض عن هدى الله ‪ ،‬أي القرآن ‪ ،‬يقيض الله له شيطانا ً يصاحبه ول‬
‫يفارقه ‪ ،‬يزين له عمل الشر يصده عن سبيل الحق ‪ ،‬ويحسب أنه على هدى‬
‫وصواب ‪ ،‬وبهذا جرت سنة الله في المعرضين عن هداه قال تعالى ‪ ) :‬ومن‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا ً فهو له قرين‪ .‬وإنهم ليصدونهم عن‬
‫السبيل ويحسبون أنهم مهتدون(‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وجاء في تفسير هاتين اليتين ‪ :‬أن من يتعامى ويتغافل ويعرض عن ذكر الله‬
‫أي عن القرآن الكريم وما أنزل الله فيه ‪ ،‬ويأخذ بأقوال المضلين وأباطيلهم ‪،‬‬
‫نقيض له شيطانا ً أي نتح له شيطانا ً فهو له قرين دائما ً ل يفارقه ‪ ،‬يمنعه من‬
‫الحلل ويبعثه على الحرام وينهاه عن الطاعة ويأمره بالمعصية ويزين له‬
‫سيئ العمال وهذا عقاب له عن إعراضه عن هدى القرآن كما يقال ‪ :‬إن الله‬
‫تعالى يعاقب على المعصية بمزيد اكتساب السيئات‪ .‬وإن الشياطين ليصدون‬
‫أولئك المعرضين عن هدى الله عن سبيل الحق ويحسب أولئك المعرضون‬
‫عن هدى الله أنهم مهتدون إلى الحق‪ .‬وهؤلء الضالون المعرضون عن هدى‬
‫الله يصدق عليهم قول الله تعالى ‪ ) :‬قل هل ننبئكم بالخسرين أعمال ً الذين‬
‫ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا(‪.‬‬
‫تعريف السبب ‪:‬‬
‫السبب في اللغة كل شيء يتوصل به إلى غيره‪ .‬وبهذا المعنى اللغوي للسبب‬
‫ورد في قوله تعالى ‪ ) :‬وآتيناه من كل شيء سببا ً فأتبع سببا ً ( فالمعنى ‪ :‬آتاه‬
‫الله من كل شيء معرفة وذريعة يتوصل بها فاتبع واحدا ً من تلك السباب‪.‬‬
‫سواء كان هذا الشيء ماديا ً كآلة من اللت المادية أو كان معنويا ً كالعلم‬
‫والقدرة‪.‬‬
‫كل شيء بسبب ‪:‬‬
‫وقد دل القرآن الكريم على أن كل شيء يحدث بسبب سواء كان هذا الحدث‬
‫يتعلق بالجماد أو بالنبات أو بالحيوان أو بالنسان أو بالجرام السماوية أو‬
‫الظواهر الكونية المادية المختلفة‪ .‬فقانون السببية أي ربط المسببات‬
‫بأسبابها والنتائج بمقدماتها ‪ ،‬هذا القانون عام شامل لكل ما في العالم ولكل‬
‫ما يحصل للنسان في الدنيا والخرة‪ .‬قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله‬
‫تعالى ‪ ) :‬فليس في الدنيا والخرة شيء إل بسبب ‪ ،‬والله خالق السباب‬
‫والمسببات(‪ .‬فمن السباب المادية قوله تعالى ‪) :‬وأنزل من السماء ماء‬
‫فأخرج به من الثمرات رزقا ً لكم(‪ .‬ومن السباب المعنوية ‪) :‬إن تتقوا الله‬
‫يجعل لكم فرقانًا(‪.‬‬
‫والقرآن الكريم – كما يقول ابن القيم – مملوء من ترتيب الحكام الكونية‬
‫والشرعية والثواب والعقاب على السباب بطرق متنوعة ‪ ،‬فيأتي بباء السببية‬
‫تارة كقوله تعالى ‪ ) :‬كلوا واشربوا هنيئا ً بما أسلفتم في اليام الخالية( ‪،‬‬
‫ويأتي باللم تارة كقوله تعالى ‪ ) :‬كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من‬
‫الظلمات إلى النور بإذن ربهم( ويأتي بذكر الوصف المتقضي للحكم تارة‬
‫كقوله تعالى ‪) :‬ومن يتق الله يجعل له مخرجًا( ‪ ،‬فالله تعالى اقتضت حكمته‬
‫ربط المسببات بأسبابها‪.‬‬
‫من مقالة قديمة لي في قانون السببية ‪:‬‬
‫وقد يكون من المفيد أن أذكر هنا شيئا ً مما جاء في مقالة لي نشرتها في‬
‫مجلة التربية السلمية ببغداد قبل ما يقرب من ثلثين سنة بعنوان ‪) :‬القانون‬
‫الرهيب( جاء فيها ‪) :‬كثيرا ً ما يقول الناس إن الشيء الفلني حدث صدفة ‪،‬‬
‫ويمر هذا اللفظ على السماع كأنه قول صحيح‪ .‬والواقع أن هذا اللفظ غير‬
‫صحيح ‪ ،‬وليس له المدلول الذي يتبادر إلى الذهان… فليس في الكون مكان‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) للصدفة( وإنما هناك أسباب ومسببات ونتائج تسبقها مقدمات ‪ ..‬ما يسمى‬
‫)صدفة( ما هو في الحقيقة إل حدث يجهل الناس أسبابه‪ ..‬ولكن الجهل‬
‫بالشيء ل يعني عدم وجود ذلك الشيء وتوضيح هذه الحقيقة أن هذا الكون‬
‫الواسع العجيب المدهش الذي خلقه الله تعالى‪) :‬الذي أحسن كل شيء‬
‫خلقه وبدأ خلق النسان من طين(‪ ..‬هذا الكون يجرب بموجب أسباب‬
‫ومسببات تكون قانونا ً عاما ً هو في غاية الدقة والحكام والشمول بحيث ل‬
‫يخرج عنه شيء ول يفلت منه مخلوق‪ ..‬يحكم كل شيء من المخلوقات بل‬
‫استثناء‪ :‬من أصغر ذرة إلى أكبر جرم ‪ ،‬ومن الجماد والنبات بأنواعه إل ذي‬
‫الروح بأنواعه ‪ ،‬ومن حركة الذرة في مادتها التي ل نشعر بها إلى حركة الريح‬
‫العاصف التي تقلع الشجار وتخرب البيوت ‪ ..‬فالكل خاضع ومنقاد لهذا‬
‫القانون الرهيب ل يستطيع منه تفلتا ً ول خلصًا‪ ..‬وهذا الخضوع التام من‬
‫الجميع ما هو في الحقيقة إل خضوع للملك القوي الجبار واضع هذا القانون‬
‫وخالق هذا الكون ‪ ،‬وعلى هذا دل القرآن الكريم ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬والشمس‬
‫تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم( ‪ ،‬وقال تعالى ‪ ) :‬وله أسلم من‬
‫في السموات والرض طوعا ً وكرها ً وإليه يرجعون(‪ .‬وهذا القانون اللهي‬
‫العام المسمى في القرآن الكريم بـ )سنة الله( ل يقبل التبديل ول التحويل‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وقد ذكرت كلمة )سنة الله( وأنها ل تتبدل ‪ ،‬في القرآن الكريم في مواضع‬
‫كثيرة حتى يرسخ مفهومها في النفوس وتنحسر الوهام عن العقول‪) .‬وسنة‬
‫الله( أو هذا القانون اللهي العام يقوم على السباب والمسببات وربط النتائج‬
‫بالمقدمات على نحو هو في غاية الدقة والصرامة والطراد‪ ..‬والنسان – وهو‬
‫جزء من هذا الكون ‪ ،‬ولكنه جزء ممتاز – يخضع لهذا القانون في جميع‬
‫حركاته وسكناته وتقلبات أحواله كما تخضع له أيضا ً المم في علوها‬
‫وانخفاضها وسعادتها وشقائها وعزها وذلها وبقائها وهلكها ‪ ..‬وهذا الخضوع‬
‫من الفراد والمم في جميع أحوالهم لهذا القانون الرهيب يساوي بالضبط‬
‫خضوع الحداث الكونية المادية لهذا القانون ‪ ،‬فكما أن سقوط تفاحة من‬
‫شجرة هو نتيجة حتمية لسباب معينة أدت إلى هذا السقوط ‪ ،‬فكذلك يعتبر‬
‫سقوط دولة أو هلك أمة نتيجة حتمية لسباب معينة أدت إلى هذا السقوط ‪،‬‬
‫فكذلك يعبر سقوط دولة أو هلك أمة نتيجة حتمية لسباب معينة أدت إلى‬
‫هذا السقوط‪.‬‬
‫وهذا ما تقضي به سنة الله العامة التي ل تقبل التخلف ول التبديل ‪ ) :‬سنة‬
‫ل( ‪ ،‬وكل الفرق بين‬ ‫الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبدي ً‬
‫الحداث الكونية المادية وبين الحداث الجتماعية هو أن أسباب الولى‬
‫واضحة بينة مضبوطة إذا عرفناها أمكننا الحكم بدقة على نتائجها وميقات‬
‫هذه النتائج ‪ ،‬فالماء مثل ً ينجمد إذا بلغت درجة برودته كذا درجة ‪ ،‬ويصل إلى‬
‫الغليان إذا وصلت درجة حرارته إلى كذا درجة وبعد كذا من الوقت ‪ ،‬وهكذا ‪..‬‬
‫أما أسباب الحداث الجتماعية فهي بمختلف أنواعها من سياسة واقتصادية‬
‫وحضارية وعمرانية وغلبة ونصر وهزيمة وخذلن‪ ..‬الخ ‪ ،‬أسباب دقيقة وكثيرة‬
‫ومتشبعة ومتشابكة وقد يعسر على الكثيرين الحاطة بها تفصيل ً ‪ ..‬ولكن مع‬
‫هذا العسر يمكن للتأمل الفاحص الدقيق أن يعرفها ويحيط بها علما ً ‪ ،‬كما‬
‫يمكنه الجزم بحصول نتائج معينة بناء على أسباب معينة وإن لم يمكنه الجزم‬
‫بميعاد حصول هذه النتائج ‪ ،‬فنستطيع مثل ً أن نحكم على وجه الجزم واليقين‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بزوال حكم أو سلطان إذا وجدناه قائما ً على الظلم والرهاب وإن كنا ل‬
‫نستطيع تحديد وقت زواله على وجه الدقة والضبط كما نحدد ميعاد غروب‬
‫الشمس أو شروقها ‪..‬‬
‫ومن أجل هذا الفرق بين الحداث الكونية المادية وبين الحداث البشرية‬
‫يغفل الناس كثيرا ً عن سنة الله في الجتماع البشري وفي تصرفات وسلوك‬
‫الفراد والمم ‪ ،‬ويظنون أن أمورهم ل تخضع كما تخضع الظواهر الكونية‬
‫لقانون السباب والمسببات ‪ ،‬ويقوي هذا الظن الخاطئ في نفوسهم أنهم‬
‫يرون –في الظاهر – أسبابا ً متشابهة في دولتين أو أمتين ‪ ،‬ولكن أحوالهما‬
‫مختلفة ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬أين هو القانون العام الذي تزعمون ؟ وهذه السباب‬
‫فيهما واحدة ولكن لم تؤد إلى نتائج واحدة ؟ وفاتهم أن السباب تؤدي حتما ً‬
‫إلى مسبباتها إل لمانع ‪ ،‬وأن المقدمات تؤدي حتما ً إلى نتائجها إل لعارض ‪،‬‬
‫وهم لم يبصروا الموانع والعوارض ‪ ،‬كما لم يبصروا كل السباب والنتائج‬
‫فتراكم الخطأ عليهم فلم يعودوا يبصرون‪.‬‬
‫وسنة الله بينتها آيات كثيرة في القرآن الكريم ‪ ،‬فنحن نجدها في آيات قصص‬
‫القرآن وسيرة النبياء ‪ ،‬وما جرى لهم مع أقوامهم ‪ ،‬وفي أخبار المم السابقة‬
‫وفي صراع أهل الحق مع أهل الباطل‪ .‬لو ذهبنا نعد هذه اليات للفيناها أكثر‬
‫من آيات الحكام ‪ ،‬فعلى ماذا يدل هذا ؟ نعتقد أن هذه الكثرة من آيات‬
‫القرآن التي جاء فيها ذكر ) سنة الله( ومعناها وتطبيقاتها ‪ ،‬تدل دللة قاطعة‬
‫عن أهمية المعرفة بسنة الله في الكون ووجوب فهمها من قبل المسلمين ‪،‬‬
‫كما يجب عليهم فهم أمور العبادات التي تخصهم ‪ ،‬لن الله عز وجل ل يخص‬
‫بالذكر في القرآن الكريم إل ما يلزم ذكره ويحتاج الناس إلى معرفته ‪ ،‬فإذا‬
‫تكرر ذكر شيء دل ذلك على أهميته ‪ ،‬ولهذا جاء في هذه اليات التي أشرنا‬
‫إليها ما يدعو إلى التأمل والتعاظ والفتكار في سنن الله ‪ ،‬كما جاء فيها‬
‫دعوة صريحة إلى وجوب فهم سنن الله في الجتماع البشري‪.‬‬
‫فمن النوع الول قوله تعالى ‪ ) :‬لقد كان في قصصهم عبرة لولي اللباب(‪.‬‬
‫ومن النوع الثاني قوله تعالى ‪ ) :‬قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الرض‬
‫فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين(‪.‬‬
‫ولهذا ترى أن من الضروري جدا ً للمسلمين عموما – الحكام والمحكومين –‬
‫ً‬
‫أن يتفهموا سنن الله في الجتماع البشري لينجوا من الهلكة أو ليتخلصوا‬
‫منها إذا وقعوا فيها وقعوا فيها فعل ً ‪ ،‬وأن يعلموا أن هذا الفهم من لوازم‬
‫اليمان ومن فهم أحكام السلم‪.‬‬
‫السباب والمسببات من فعل الله ‪:‬‬
‫وليكن معلوما ً أن كون الشيء سببا ً لغيره أو كونه مسببا ً عن غيره ‪ ،‬هو من‬
‫فعل الله تعالى وحكمه ‪ ،‬فهو تعالى خالق السباب والمسببات‪ .‬لوله لما صار‬
‫هذا الشيء سببا ً لغيره ول صار هذا الغير مسببا ً عنه‪ .‬ومعنى ذلك أن السبب‬
‫إنما يعمل ويستدعي مسببه بموجب سنة الله ونفاذها‪.‬‬
‫المسببات تكون بأسبابها ل عندها ‪:‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫قال بعض الناس ‪ :‬إن المسببات تكون عند وجود أسبابها ول تكون بهذه‬
‫السباب ‪ ،‬فالحراق مثل ً يحصل عند وجود النار وليس بالنار‪ .‬وهذا القول غير‬
‫صحيح ‪ ،‬فالمسببات تحدث أو تكون بالسباب الموجبة لها ‪ ،‬ل أنها تحدث أو‬
‫تكون عند وجود هذه السباب‪ .‬والسباب إنما صارت أسبابا ً بما أودعه الله‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعالى فيها من معاني السببية التي تستوجب نتائج معينة تناسب هذه المعاني‬
‫‪ ،‬وكل هذا بتقدير الله ومشيئته وسنته في خلقه‪ .‬فالحراق يكون بالنار ‪،‬‬
‫فالنار هي سبب الحراق ‪ ،‬والحراق يكون بالنار لما أودع الله فيها من معاني‬
‫الحرارة المستوجبة للحراق ‪ ،‬ل أن الحراق يحدث عند وجود النار‪.‬‬
‫والشبع أو الغذاء يكون أو يحصل بأكل الخبز ونحوه ل عند الكل ‪ ،‬والولد‬
‫يخلقه الله في بطن أمه بإلقاء ماء الرجل في رحم امرأته ل أنه يخلقه عند‬
‫هذا اللقاء ‪ ،‬والنبات يكون بالبذر ل عند البذر‪ .‬وإنما صارت المسببات ناتجة‬
‫عن أسبابها لما أودعه الله في هذه السباب من معان وقوى تستوجب هذه‬
‫المسببات ‪ ،‬وسواء في هذه السباب المادية والمعنوية والمسببات عنهما ‪،‬‬
‫كالحراق الناتج عن النار ‪ ،‬فالنار سبب والحراق مسبب عنها‪ .‬وهذا في‬
‫السباب المادية ومسبباتها‪ ،‬وكذلك جعل الله تعالى الشياء المعنوية أسبابا ً‬
‫لنتائج معينة هي مسببات عنها ‪ ،‬فجعل اليمان والعمال الصالحة سببا ً‬
‫لرضوان الله وسعادة النسان في الدنيا والخرة‪ .‬وجعل الستغفار سببا ً‬
‫لمغفرة الله ورحمته ‪ ،‬وجعل الختلف المذموم والظلم من أسباب هلك‬
‫المم وهكذا‪.‬‬
‫الرد على من ل يعتبر السباب ‪:‬‬
‫وقد رد ابن تيمية على من لم يعتبر السباب وينكر أن تكون مسبباتها ناتجة‬
‫عنها ‪ ،‬فقال رحمه الله تعالى ‪ ) :‬ومحو السباب أن تكون أسبابا ً نقص في‬
‫العقل وهو طعن في الشرع أيضا ً ‪ ،‬فالله تعالى يقول ‪ ) :‬وما أنزل الله من‬
‫السماء من ماء فأحيا به الرض بعد موتها( ‪ ،‬وقال تعالى ‪ ) :‬يهدي به الله من‬
‫اتبع رضوانه سبل السلم ( ‪ ،‬وأمثال ذلك ‪ ،‬فمن قال يفعل الله تعالى عندها ‪،‬‬
‫أي عند هذه السباب ‪ ،‬ل بها ‪ ،‬فقد خالف لفظ القرآن ‪ ،‬مع أن الحس والعقل‬
‫يشهد أنها أسباب ‪.(...‬‬
‫اعتراض ودفعه ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد يقال ‪ :‬إن السبب وإن كان صحيحا وتاما فليس من المحتم أن يستوجب‬
‫مسببه مما يدل على أن المسبب ل يحدث بالسبب ‪ ،‬وإنما قد يحدث عنده ‪،‬‬
‫ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬لن يدخل أحدكم الجنة‬
‫بعمله‪ .‬قالوا‪ :‬ول أنت يا رسول الله ؟ قال‪ :‬ول أنا إل أن يتغمدني الله برحمة‬
‫منه وفضل( مع قوله تعالى ‪ ) :‬ادخلوا الجنة بما كنتم تعلمون( ‪ ،‬فدل على أن‬
‫المسبب ل يحصل بالسبب بل عنده‪ .‬والجواب‪ :‬إن ) الباء ( في قوله تعالى‪:‬‬
‫)ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون( هي ) باء( السببية ‪ ،‬فالعمال الصالحة هي‬
‫سبب دخول الجنة ‪ ،‬واستوجبتها بوعد الله وسنته‪ .‬فالمعنى ‪ :‬ادخلوا الجنة‬
‫بسبب أعمالكم‪ .‬والذي نفاه النبي صلى الله عليه وسلم هو‪ ) :‬باء( المقابلة‬
‫أو المعاوضة ‪ ،‬فليس العمل عوضا ً ول ثمنا ً كافيا ً لدخول الجنة ‪ ،‬بل ل بد من‬
‫عفو الله وفضله ورحمته‪.‬‬
‫ل بد للسباب من شروط وانتفاء الموانع ‪:‬‬
‫وليكن معلوما ً أن السبب إنما يستوجب مسببه إذا توفرت شروطه أي إذا‬
‫تحققت شروط عمل هذا السبب وفعاليته واستدعاءه لمسببه‪ .‬كما ل بد من‬
‫انتفاء موانعه أي انتفاء الموانع التي تعيق عمل هذا السبب أو تسلبه فعاليته‬
‫بحيث يصبح غير قادر على استدعاء مسببه‪ .‬فالكل مثل ً سبب للغذاء والشبع‬
‫واستدامة الحياة ‪ ،‬ولكن بشرط سلمة أعضاء النسان الضرورية لتلقي‬
‫الطعام والستفادة منه ‪ ،‬وانتفاء الموانع أي انتفاء العوائق التي تعيق عمل‬
‫هذه العضاء في انتفاعها من الكل‪.‬‬
‫والزرع سببه حرث الرض وإلقاء البذر ‪ ،‬وشرطه صلحية الرض للنبات‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وصلحية هذا البذر للنبات وتوفر الماء الكافي وانتفاء الموانع من خروج‬
‫النبات والثمر كانتفاء الفات التي تهلك الزرع والثمر أو تمنع نموه وهكذا …‬
‫وقد صرح غير واحد من العلماء بضرورة تحقق شروط السبب وانتفاء موانعه‬
‫حتى ينتج هذا السبب مسببه ‪ ،‬فمن أقوالهم قول الفقيه الشاطبي ‪ ) :‬وأما إذا‬
‫لم تفعل السباب على ما ينبغي ول استكملت شرائطها ولم تنتف موانعها فل‬
‫تقع مسبباتها شاء المكلف أو أبى ‪ ،‬لن المسببات ليس وقوعها أو عدم‬
‫وقوعها لختياره‪ .‬وأيضا ً فإن الشارع لم يجعلها أسبابا ً مقتضية لمسبباتها إل‬
‫مع وجود شرائطها وانتفاء موانعها ‪ ،‬فإذا لم تتوفر لم يستكمل السبب أن‬
‫يكون سببا ً شرعيا ً سواء علينا أقلنا إن الشروط وانتفاء الموانع أجزاء أسباب‬
‫أم ل ‪ ،‬فالثمرة واحدة‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫وقال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله ‪ ) :‬فل بد من تمام الشروط وزوال‬
‫الموانع ‪ ،‬وكل ذلك بقضاء الله وقدره ‪ ،‬وليس شيء من السباب مستقل ً‬
‫بمطلوبه بل ل بد من انضمام أسباب أخرى إليه ‪ ،‬ول بد أيضا ً من صرف‬
‫الموانع والمعارضات عنه حتى يحصل المقصود ‪ ،‬فالمطر وحده ل ينبت‬
‫النبات إل بما ينضم إليه من الهواء والتراب وغير ذلك‪ .‬ثم الزرع ل يتم حتى‬
‫تصرف عنه الفات المفسدة له‪ .‬وبالطعام والشراب ل يغذي إل بما جعل الله‬
‫البدن من العضاء والقوى‪.‬‬
‫وقول ابن تيمية ‪ ) :‬وليس شيء من السباب مستقل ً بمطلوبه ‪ ،‬بل ل بد من‬
‫انضمام أسباب أخرى إليه ( هذه السباب الخرى هي التي يسميها البعض‬
‫بالشروط ‪ ،‬وقد سماها ابن تيمية نفسه شروطا ً في موضع آخر من كلمه‪.‬‬
‫السباب والقضاء والقدر ‪:‬‬
‫ول يجوز إسقاط السباب وعدم مباشرتها بحجة اليمان بالقضاء والقدر كأن‬
‫يترك النسان العمل وغيره من أسباب الرزق بحجة أنه إذا كان الله قد قدر‬
‫له رزقا ً فل بد أن يأتيه ويحصل عليه عمل أو لم يعمل‪.‬‬
‫فهذا الحتجاج من قبيل الوهم والتوهم ‪ ،‬وقد رده النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فقد أخرج المام مسلم في صحيحه عن علي رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬كنا في‬
‫جنازة في بقيع الغرقد ‪ ،‬فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا‬
‫حوله ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكت بمخصرته ثم قال ‪ :‬ما منكم من أحد‬
‫‪ ،‬ما من نفس منفوسة إل وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار وإل وقد‬
‫كتبت شقية أو سعيدة‪ .‬فقال رجل يا رسول الله ‪ :‬أفل نمكث على كتابنا وندع‬
‫العمل ؟ فقال ‪ :‬من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة‬
‫ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة‪ .‬فقال ‪ :‬اعملوا‬
‫فكل ميسر أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ‪ ،‬وأما أهل‬
‫الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ‪ ،‬ثم قرأ ‪ ):‬فأما من أعطى واتقى‬
‫وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى‬
‫فسنيسره للعسرى(‪.‬‬
‫قال المام النووي في شرحه لهذا الحديث ‪ ) :‬وفي هذا الحديث النهي عن‬
‫ترك العمل والتكال على ما سبق به القدر ‪ ،‬بل تجب العمال والتكاليف‬
‫التي ورد الشرع بها كل ميسر لما خلق له ل يقدر على غيره (‪.‬‬
‫وأيضا ً فإن الله تعالى أمر الناس بالدعاء والستغفار وبغيرهما من السباب‬
‫المؤدية إلى مسبباتها من تفريج الكروب وغفران الذنوب وتحصيل المقاصد ‪،‬‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن قال أنا ل أدعو ول أسال الله تعالى ول أستغفره اعتمادا ً على الخطأ‬
‫كان مخطئا ً ‪ ،‬لن الله تعالى جعل الدعاء ونحوه من العبادات أسبابا ً تنال بها‬
‫مغفرته ورحمته وهداه ونصره‪ .‬وإذا قدر الله للعبد خيرا ً يناله بالدعاء أو بغيره‬
‫من السباب لم يحصل ما قدره له بغير هذا السبب من الدعاء وغيره‪ .‬وما‬
‫قدره الله وقضاء وعلمه من أحوال العباد وعواقبهم فإنما قدره بأسباب تقع‬
‫فيقع ما ارتبط به من مسببات ‪ ،‬فليس في الدنيا والخرة شيء إل بسبب‬
‫والله خالق السباب والمسببات‪.‬‬
‫السباب والتوكل ‪:‬‬
‫زعم البعض أن من تمام التوكل ترك السباب حتى التي جرت عادة الناس‬
‫بها كحمل الزاد في السفر مثل ً عن طريق سلوك الصحراء كما كان الحال‬
‫في الزمن الماضي حتى قال هذا البعض من الناس ‪ :‬إن من تمام التوكل أن‬
‫ل يحمل المتوكل الزاد في سفره للحج وفي غيره من السفار فيدخل إلى‬
‫الصحراء بل زاد ول ماء اتكال ً على الله تعالى‪.‬‬
‫قال ابن تيمية رحمة الله تعالى في رده على هذا القول ‪ ) :‬وهذا القول‬
‫وأمثاله من قلة العلم بسنة الله في خلقه وأمره ‪ ،‬فإن الله تعالى خلق‬
‫المخلوقات بأسباب ‪ ،‬وشرع للعباد أسبابا ً ينالون بها مغفرته ورحمته وثوابه‬
‫في الدنيا والخرة‪ .‬فمن ظن أنه بمجرد توكله مع تركه ما أمره الله به من‬
‫السباب يحصل مطلوبه وأن المطالب ل تتوقف على السباب التي جعلها‬
‫الله أسبابا ً لها فهو غالط(‪.‬‬
‫والحقيقة أن إسقاط السباب والعراض عنها وعدم مباشرتها بحجة التوكل‬
‫على الله تعالى يفضي بفاعل ذلك إلى مخالفة الشرع فإن الله تعالى قد أمر‬
‫بالخذ بالسباب فمن أعرض عنها فإنه يعرض عما أمره الله تعالى به ‪ ،‬قال‬
‫ابن القيم رحمه الله تعالى ‪) :‬والله أمر القيام بالسباب فمن رفض ما أمره‬
‫الله أن يقوم به فقد ضاد الله في أمره ‪ ،‬وكيف يحل لمسلم أن يرفض‬
‫السباب كلها؟(‪.‬‬
‫تعاطي السباب ل ينافي التوكل ‪:‬‬
‫وليكن معلوما ً أن تعاطي السباب ل ينافي التوكل ‪ ،‬بل إن التوكل نفسه من‬
‫أعظم السباب التي يحصل بها المطلوب ويندفع بها المكروه ‪ ،‬فمن أنكر‬
‫السباب لم يستقم منه التوكل‪ .‬ثم إن حقيقة التوكل الثقة بالله والطمأنينة به‬
‫والسكون إليه فالتوكل – كما قال المام أحمد – هو عمل القلب ‪ ،‬ومعنى‬
‫ذلك أنه عمل قلبي ليس بقول اللسان ول عمل الجوارح‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫وعلى هذا فالتوكل الشرعي الصحيح هو العتماد الكامل على الله والثقة‬
‫بكفايته لعبده مع مباشرة العبد للسباب المشروعة أو العادية التي جعلها الله‬
‫مفضية إلى مسبباتها ‪ ،‬ويدل على ذلك الحديث النبوي الشريف ‪ ) :‬لو أنكم‬
‫كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما ترزق الطير تغدو خماصا ً وتروح‬
‫بطانا ً ( رواه الترمذي ‪ .‬ففي هذا الحديث الشريف دللة على مشروعية‬
‫العمل للكسب والخذ بالسباب ‪ ،‬فالطير ل يأتيا رزقها وهي في عشوشها بل‬
‫بسعيها ‪ ،‬فقد ألهمها تعالى بالسعي لتحصيل رزقها فتخرج جياعا ً وترجع بطانا ً‬
‫ممتلئة البطون شعبًا‪ .‬وهكذا ينبغي أن يكون صادقا ً في توكله يباشر السباب‬
‫للحصول على مقصوده ومطلوبه‪ .‬وعن أنس ) أن رجل ً قال ‪ :‬يا رسول الله ‪،‬‬
‫أعقلها – أي ناقته أو بعيره – وأتوكل ؟ أو أطلقها وأتوكل ؟ قال ‪ :‬اعقلها‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتوكل( رواه الترمذي‪.‬‬


‫وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪) :‬المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ‪ ،‬وفي‬
‫كل خير‪ .‬احرص على ما ينفعك واستعن بالله ول تعجز(‪.‬‬
‫ويقول شيخ السلم ابن تيمية في هذا الحديث ‪ :‬قوله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫) احرص على ما ينفعك واستعن بالله ول تعجز( أمر بالتسبب المأمور به وهو‬
‫الحرص على المنافع وأمر مع ذلك بالتوكل وهو الستعانة بالله ‪ ،‬فمن اكتفى‬
‫بأحدهما فقد عصى أحد المرين‪.‬‬
‫العتماد على الله مع مباشرة السباب ‪:‬‬
‫ومع المر بتعاطي السباب ومباشرتها فإن العتماد القلبي على الله تعالى ل‬
‫عليها فيكون حال قلبه قيامه بالله ل بها ‪ ،‬وحال بدنه قيامه بها ‪ ،‬وهداه هي‬
‫حقيقة التوكل ‪ :‬يباشر المسلم السباب وثقته بالله واعتماده عليه ‪ ،‬كالفلح‬
‫في أرض )الديم( التي تسقى بماء المطر ‪ ،‬يحرث الرض ويلقي البذور‬
‫واعتماده على الله في إنزال المطر وإخراج الزرع‪ .‬وعلى هذا فإذا كانت‬
‫السباب مقدورة له وهو مأمور بها فعليه أن يقوم بها مع توكله على الله ‪،‬‬
‫كما يؤدي الفرائض وكما يجاهد العدو وهو يلبس جنة الحرب ويحمل السلح‬
‫ول يكتفي في دفع العدو على مجرد توكله بدون أن يفعل ما أمره به الشرع‬
‫من أمور الجهاد ‪ ،‬فمن ترك السباب المأمور بها فهو عاجز مفرط‪.‬‬
‫سنة الله في السباب وعلقتها بالسنن الخرى ‪:‬‬
‫سنة الله في السباب تشغل مساحة كبيرة جدا ً من سننه الخرى ‪ ،‬وقد ل‬
‫أكون مغاليا ً إذا قلت ‪ :‬إن السنن الخرى تقوم على سنته تعالى في السباب‬
‫بصورة مباشرة أو غير مباشرة حتى لتبدو للمتأمل فيها كأنها من مفردات‬
‫سنة الله في السباب وليست سننا ً مستقلة ‪ ،‬وإن إفرادها بالذكر وبأسماء‬
‫خاصة بها إنما هو لبرازها ولفت النظر إليها لمعنى خاص بها ‪ ،‬وتبقي مع ذلك‬
‫قائمة على سنة الله في السباب ومعتمدة عليها بصورة مباشرة أو غير‬
‫مباشرة‪.‬‬
‫المصدر‪ :‬السنن ال لهية في المم والجماعات والفراد في الشريعة السلمية‬
‫للدكتور عبد الكريم زيدان ‪ ،‬ص ‪33-21‬‬
‫تعريف الحق في اللغة ‪:‬‬
‫جاء في لسان العرب ‪ :‬الحق نقيض الباطل‪ .‬وحق المر صار حقا ً وثبت‪ .‬وفي‬
‫التنزيل العزيز قوله تعالى ‪ ) :‬قال الذين حق عليهم القول( أي ثبت‪ .‬ومما‬
‫تقدم يعلم أن )الحق( في اللغة يقوم على معنى الثبوت والوجوب والصحة‪.‬‬
‫فالحق هو الثابت الواجب والصحيح‪.‬‬
‫تعريف الباطل في اللغة ‪:‬‬
‫في المعجم الوسيط ‪ :‬بطل الشيء ‪ :‬فسد وسقط حكمه‪ .‬وأبطل الشيء‬
‫ل‪ .‬وفي مفردات غريب القرآن ‪ :‬الباطل نقيض الحق وهو ما ل ثبات‬ ‫جعله باط ً‬
‫له عند الفحص عنه ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من‬
‫دون الباطل(‪.‬‬
‫الحق والباطل في الصطلح ‪:‬‬
‫لم يعن الفقهاء في تعريف الحق في الصطلح فكأنهم اكتفوا بمعناه اللغوي‬
‫فاستعملوه على هذا الساس فأطلقوه في أبحاثهم الفقهية على كل ما هو‬
‫ثابت وواجب بحكم الشرع وبالتالي ل يكون صحيحا ً ول يترتب عليه ما يترتب‬
‫على ما هو ثابت وصحيح شرعًا‪.‬‬
‫معنى التدافع ‪:‬‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جاء في لسان العرب ‪ :‬الدفع الزالة بقوة‪ .‬والمدافعة‪ :‬المزاحمة‪ .‬والندفاع‬


‫المضي في المر‪ .‬وجاء في المعجم الوسيط ‪ :‬دفع الشيء إذا نحاه وأزاله‬
‫بقوة‪ .‬وفي القرآن الكريم‪ ) :‬ولول دفع الله الناس بغضهم ببعض لفسدت‬
‫الرض(‪ .‬ودفع القول‪ :‬رده بالحجة‪ .‬ودفع فلنا ً إلى كذا‪ :‬اضطره‪ .‬دافع عنه‪:‬‬
‫حامى عنه وانتصر له ‪ ،‬ودافع ‪ :‬زاحمه‪ .‬ويقال هو سيد قومه غير مدافع ‪ :‬أي‬
‫غير مزاحم وتدافع القوم ‪ :‬دفع بعضهم بعضًا‪.‬‬
‫المقصود بالحق والباطل والتدافع بينهما‪:‬‬
‫نريد بالحق في بحثنا ما هو ثابت وصحيح وواجب فعله أو بقاؤه من اعتقاد أو‬
‫قول أول فعل بحكم الشرع‪ .‬ونريد بالباطل نقيض الحق أي ما ل ثبات له ول‬
‫اعتبار ول يوصف بالصحة ويستوجب الترك ول يستحق البقاء‪ ،‬بل يستوجب‬
‫القلع والزالة وكل ذلك بحكم الشرع‪ .‬وعلى هذا فالحق يشمل كل ما أمر‬
‫الله ‪ ،‬والباطل يشمل كل ما نهى الله عنه‪ .‬ونريد ) بالتدافع بين الحق‬
‫والباطل( تنحية أحدهما للخر أو إزالته ومحوه بالقوة عند القتضاء‪.‬‬
‫التدافع بين الحق والباطل تدافع بين أصحابهما‪:‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫والتدافع بين الحق والباطل في حقيقته تدافع بين أصحاب الحق وأصحاب‬
‫الباطل أي بين المؤمنين وبين غيرهم ‪ ،‬لنهم هم الذين يحملون معاني الحق‬
‫أو معاني الباطل ويسعون إلى إظهار هذه المعاني في الخارج وإقامة شؤون‬
‫الحياة على أساسها فيحصل التعارض والتزاحم والتدافع بين الفريقين بين‬
‫أصحاب الحق وأصحاب الباطل أي بين المؤمنين وبين غيرهم‪.‬‬
‫حتمية التدافع بين الحق والباطل‪:‬‬
‫والتدافع بين الحق والباطل أي بين أصحابهما أمر ل بد منه وحتمي لنهما‬
‫ضدان ‪ ،‬والضدان ل يجتمعان ‪ ،‬ولن تطبيق أحدهما يستلزم مزاحمة الخر‬
‫وطرده ودفعه وإزالته‪،‬أو في القل إضعافه ومنعه من أن يكون له تأثير في‬
‫واقع الحياة‪ .‬فل يتصور إذن أن يعيش الحق بالباطل في سلم من دون غلبة‬
‫أحدهما على الخر إل لعلى كضعف أصحابهما أو جهلهم بمعاني الحق‬
‫والباطل ومقتضيات ولوازم هذه المعاني أن ضعف تأثير هذه المعاني فيهم‪.‬‬
‫للباطل قوة تطغيه ‪:‬‬
‫قلنا إن كلمة ) تدافع( تعني في اللغة الزالة بقوة ‪ ،‬فتدافع الحق والباطل أي‬
‫تدافع أصحابهما يكون بقوة حيث يسعى كان من أهل الحق والباطل إلى‬
‫تنحية الخر عن مكانه ومركزه والغلبة عليه‪ .‬فأهل الباطل ل يكفيهم بقاؤهم‬
‫على باطلهم وإنما يسعون إلى محق أهله وإزالة هذا الحق بالقوة وصد‬
‫الناس عنه ببذل المال وبالقتال وبكل ما يرون فيه قوة وقدرة لتحقيق ما‬
‫يريدون‪.‬‬
‫وهذا هو شأن الباطل وقوته ‪ ،‬تطغيه هذه القوة فتدفعه إلى إزالة الحق وأهله‬
‫ولو بالقوة‪ .‬قال تعالى ‪) :‬إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل‬
‫الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون(‪ .‬وقال تعالى ‪ ) :‬ول‬
‫يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا(‪ .‬وقتال الكفرة‬
‫للمؤمنين قتال لنصرة باطلهم فهو في سبيل الطاغوت ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬الذين‬
‫آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت(‪.‬‬
‫ل بد للحق من قوة تحميه ‪:‬‬
‫وإذا كان المر كما ذكرنا من شأن الباطل وقوته التي تطغيه وأهله فل بد‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للحق من قوة تحميه من طغيان الباطل وأهله‪ ،‬وتمكن أهل الحق من محق‬
‫الباطل والغلبة على أهله‪ .‬ولهذا أمر الله تعالى أهل الحق بإعداد القوة‬
‫لرهاب أهل الباطل ومنعهم من التحرش بأهل الحق ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬وأعدوا‬
‫لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم‬
‫وآخرين من دونهم ل تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل‬
‫الله يوف إليكم وأنتم ل تظلمون(‪.‬‬
‫وأمر الله تعالى أهل الحق بالجهاد في سبيل الله بالمال وبالنفس وبكل ما‬
‫يمكن الجهاد به لمحق الباطل وأهله لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين‬
‫كفروا هي السفلى ‪ ،‬واليات في الجهاد بأنواعه ومنه القتال ‪ ،‬آيات كثيرة‬
‫منها‪ ):‬كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا ً وهو خير لكم‬
‫وعسى أن تحبوا شيء وهو شر لكم والله يعلم وأنتم ل تعلمون(‪ .‬وقال تعالى‬
‫‪) :‬وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله(‪.‬‬
‫سنة الله في تدافع الحق والباطل ‪:‬‬
‫قضت سنة الله تعالى في تدافع الحق والباطل أن الغلبة للحق وأهله ‪ ،‬وأن‬
‫الندحار والمحق للباطل وأهله ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬ويمح الله الباطل ويحق الحق‬
‫بكلماته(‪.‬قال الزمخشري في تفسير هذه الية ‪ ) :‬ومن عادة الله أن يمحو‬
‫الباطل ويثبت الحق بكلماته أي بوحيه أو بقضائه كقوله تعالى ‪ ) :‬بل نقذف‬
‫بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق(‪ .‬وجاء في تفسير الرازي بشأن‬
‫قوله تعالى ‪) ) :‬ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته( أي ومن عادة الله‬
‫إبطال الباطل وتقرير الحق(‪.‬‬
‫وقال تعالى ‪) :‬إن الله ل يصلح عمل المفسدين( ‪ ،‬وجاء في تفسيرها ‪) :‬وهذه‬
‫قاعدة عامة مبينة لسنة الله في تنازع الحق والباطل والصلح والفساد‬
‫ويدخل فيه سحر سحرة فرعون فإنه باطل وفساد ‪ ،‬أي ل يجعل عمل‬
‫المفسدين صالحًا(‪ .‬وقال الزمخشري في تفسيرها ‪) :‬ل يثبته ول يديمه ولكن‬
‫يسلط عليه الدمار( ‪ ،‬وقال اللوسي في تفسيرها ‪ ) :‬والمراد بعدم إصلح‬
‫ذلك عدم إثباته أو عدم تقويته بالتأييد اللهي أي أنه سبحانه ل يثبت عمل‬
‫المفسدين ول يديمه بل يزيله ويمحقه أو ل يقويه ول يؤيده ‪ ،‬بل يظهر بطلنه‬
‫ويجعله معدومًا(‪.‬‬
‫سنة الله في نصر المؤمنين ل تتخلف ‪:‬‬
‫إن سنة الله تعالى في نصر المؤمنين ل تتخلف أبدا ً لنها إخبار من الله تعالى‬
‫‪ ،‬والله أصدق القائلين‪ .‬أذكر فيما يلي بعض النصوص من القرآن الكريم‬
‫الدالة على ذلك‪.‬‬
‫النصوص في سنة الله تعالى في نصر المؤمنين ‪:‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫أ‪ -‬قال تعالى ‪) :‬ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الدبار ثم ل يجدون وليا ً ول‬
‫ل(‪ .‬قال‬‫نصيرا ً سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبدي ً‬
‫القرطبي في قوله تعالى ‪) :‬سنة الله التي قد خلت من قبل( يعني طريقة‬
‫الله وعادته السالفة نصر أوليائه على أعدائه‪ .‬قال ابن كثير في تفسيرها ‪:‬‬
‫)أي هذه سنة الله تعالى وعادته في خلقه ‪ :‬ما تقابل الكفر واليمان في‬
‫موطن فيصل إل نصر الله اليمان على الكفر فرفع الحق ووضع الباطل كما‬
‫فعل الله تعالى يوم بدر(‪.‬‬
‫ب‪ -‬قال تعالى ‪ ) :‬ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حتى أتاهم نصرنا ول مبدل لكلمات الله(‪ .‬وجاء في تفسيرها ‪ ) :‬ول مبدل‬
‫لكلمات الله( أي التي كتبها بالنصر في الدنيا والخرة لعباده المؤمنين كما‬
‫قال تعالى ‪) :‬ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن‬
‫جندنا لهم الغالبون(‪.‬‬
‫ج‪ -‬قال تعالى ‪) :‬ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون‪.‬‬
‫وإن جندنا لهم الغالبون(‪ .‬وجاء في تفسير الزمخشري في هذه اليات‪:‬‬
‫الكلمة‪ :‬قول تعالى‪) :‬إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون(‪ .‬والمراد‬
‫الوعد بعلوهم على عدوهم في مقام الحجاج وملحم القتال في الدنيا‬
‫وعلوهم عليهم في الخرة‪.‬‬
‫د‪ -‬قال تعالى ‪ ) :‬كتب الله لغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز( وجاء في‬
‫تفسيرها ‪):‬أي قد حكم الله وكتب في كتابه الول وقدره الذي ل يخالف ول‬
‫يمانع ول يبدل بأن النصر له ولكتابه ورسله وعباده المؤمنين في الدنيا‬
‫والخرة(‪.‬‬
‫هـ‪ -‬وقال تعالى ‪ ) :‬إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم‬
‫الشهاد(‪ .‬قال ابن كثير في تفسير هذه الية‪ ) :‬وهذه سنة الله تعالى في‬
‫خلقه في قديم الدهر وحديثه أنه ينصر عباده المؤمنين في الدنيا ويقر أعينهم‬
‫ممن آذاهم‪ .‬وقال السدي‪ :‬لم يبعث الله عز وجل رسول ً قط إلى قوم‬
‫فيقتلونه ‪ ،‬أو قوما ً من المؤمنين يدعون إلى الحق فيقتلونهم فيذهب ذلك‬
‫القرن حتى يبعث الله تبارك وتعالى لهم من ينصرهم فيطلب بدمائهم ممن‬
‫فعل ذلك بهم في الدنيا ‪ ،‬قال السدي ‪ :‬فكانت النبياء والمؤمنون يقتلون في‬
‫الدنيا وهم منصورون فيها(‪ .‬ومعنى ذلك أن المؤمنين وهم أهل الحق هم‬
‫المنصورون وإن قتلهم أهل الباطل وانتصروا عليهم في الظاهر إل أن العاقبة‬
‫والغلبة للمؤمنين ولو بعد حين ‪ ،‬حيث يأتي من يعاقب المبطلين ويقتلهم‬
‫جزاء ما فعلوه بأهل الحق ‪ ،‬وهذا علمة على اندحار أهل الباطل وغلبة أهل‬
‫الحق عليهم‪.‬‬
‫ً‬
‫و‪ -‬وقال تعالى ‪) :‬وكان حقا علينا نصر المؤمنين(‪ .‬وجاء في تفسيرها ‪ :‬فيها‬
‫مزيد تشريف وتكرمة للمؤمنين حيث جعلوا مستحقين على الله تعالى أن‬
‫ينصرهم ‪ ،‬وإشعار بأن النتقام لجلهم‪ .‬وظاهر الية أن هذا النصر في الدنيا‬
‫وأنه عام لجميع المؤمنين فيشمل من بعد الرسل من المة‪.‬‬
‫قد يتأخر نصر المؤمنين لنصر أكبر ‪:‬‬
‫ومما يجب أن يعرف أن نصر المؤمنين حسب سنة الله في نصرهم قد يتأخر‬
‫لن الله تعالى يريد لهم النصر الكبر والكمل والعظم والدوم والكثر تأثيرا ً‬
‫في واقع الحياة وفي عموم الناس بعد أن يتهيأ في المؤمنين القاعدة اللزمة‬
‫لستحقاقهم هذا النصر الكبر واستقبالهم له ‪ ،‬ويدل على ذلك أن نصر رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ومعه المؤمنين ‪ ،‬لم يحصل هذا النصر في يوم‬
‫وليلة ول في سنة واحدة ‪ ،‬وإنما تأخر فلم يحصل إل بعد مضي أكثر مدة نبوته‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقد حصل هذا النصر بالغلبة والنتصار على قريش‬
‫وبفتح مكة وذلك في سنة ثمان للهجرة ‪ ،‬أي قبل وفاته صلى الله عليه وسلم‬
‫بسنتين ‪ ،‬وقد دخل بسبب هذا النصر الناس في دين الله أفواجا ً ‪ ،‬وأنزل فيه‬
‫تعالى سورة ‪ ) :‬إذا جاء نصر الله والفتح‪ .‬ورأيت الناس يدخلون في دين الله‬
‫أفواجًا‪ .‬فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا( وجاء في تفسيرها ‪:‬‬
‫والمعنى ‪ :‬نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على العرب أو على قريش‬
‫وفتح مكة‪ .‬وكان فتح مكة لعشر مضين من شهر رمضان سنة ثمان للهجرة‬
‫ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلف من المهاجرين والنصار‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وطوائف العرب‪ .‬وكانت تدخل في السلم بعد فتح مكة جماعات كثيفة من‬
‫الناس فكانت القبيلة تدخل في السلم بأسرها بعدما كانوا يدخلون في‬
‫السلم واحدا ً واحدا ً أو اثنين اثنين‪.‬‬
‫قد يسبق نصر المؤمنين أذى من العدو وغلبة له ‪:‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫إن نصر الله تعالى للمؤمنين حسب سنته تعالى في نصرهم ل يأتي عادة‬
‫دون جهد عظيم يبذلونه وتضحية يقدمونها في مدافعتهم لهل الباطل مما قد‬
‫يترتب عليه عادة أذى شديد يلحقهم من أهل الباطل وغلبة لهؤلء المبطلين‬
‫على المؤمنين‪ .‬وهذا ل يتعارض مع سنة الله في نصر المؤمنين ‪ ،‬لن المور‬
‫بخواتيمها وعاقبتها‪ .‬والعاقبة دائما ً للمؤمنين في نصرهم على أهل الباطل‪.‬‬
‫ولله الحكمة فيما يصيب المؤمنين من أذى قبل بلوغهم النصر الحاسم على‬
‫أهل الباطل وعلى هذا دل القرآن الكريم وأشار إليه المفسرون ‪ ،‬قال‬
‫تعالى ‪) :‬إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك اليام نداولها بين‬
‫الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله ل يحب الظالمين‬
‫وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين(‪.‬‬
‫بين الله تعالى أن المؤمنين الذين يصيبهم قرح أي جراحات بسبب القتال‬
‫يجب أن ل يضعف ذلك همتهم واجتهادهم في جهاد العدو ‪ ،‬لنه كما أصابهم‬
‫قرح فقد أصاب عدوهم مثله قبل ذلك ‪ ،‬وعدوهم لم يفتروا لما أصابهم من‬
‫القرح من محاربتكم مع كونهم مبطلين وسوء عاقبتهم ‪ ،‬فأنتم أيها المؤمنون‬
‫أهل الحق أولى أن ل تضعفوا ول تفتروا عن مجاهدة ومحاربة هؤلء العداء‬
‫المبطلين‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪) :‬وتلك اليام نداولها بين الناس( أي ونديل عليكم العداء تارة‬
‫وإن كانت لكم العاقبة لما لنا في ذلك من الحكمة ‪ ،‬ومن هذه الحكمة ‪ :‬ليعلم‬
‫الله الذين آمنوا )ومنها( ليتخذ منكم شهداء بأن يقتلوا في جهادهم لهل‬
‫الباطل‪) .‬ومنها( ليمحص الله الذين آمنوا )ومنها( ليمحق الكافرين‪ .‬فعل ذلك‬
‫من وجوه الحكمة كالسبب والعلة في تلك المداولة أي في غلبة العدو‪.‬‬
‫فاليام في الية الكريمة أوقات الظفر والفوز ‪ ،‬ومداولتها بين المؤمنين‬
‫وأعدائهم أي تحويل الظفر والغلبة بينهم مرة للمؤمنين ومرة لعدائهم ‪،‬‬
‫فهذه المداولة سنة من سنن الله في تدافع أهل الحق مع أهل الباطل ‪ ،‬فل‬
‫عجب أن تكون الدولة مرة للمبطل ومرة للمحق ‪ ،‬لن المضمون والمؤكد‬
‫لصاحب الحق أن تكون العاقبة له ‪ ،‬والعمال بالخواتيم‪ .‬ولكن يجب أن يعرف‬
‫بأن المداولة في الواقع مبنية على أعمال الفريقين فل تكون الغلبة لمن‬
‫عرف أسبابها ورعاها حق رعايتها ‪ ،‬فإذا كانت المداولة في النصر والغلبة بين‬
‫الفريقين منوطة بالعمال التي تفضي إليها كالجتماع والثبات وصحة النظر‬
‫وقوة العزيمة وأخذ الهبة وإعداد ما يستطاع من القوة ‪ ،‬فعلى المؤمنين أن‬
‫يقوموا بهذه العمال ونحوها من مستلزمات الغلبة والنصر حتى تكون‬
‫المداولة لهم ل لعدوهم‪.‬‬
‫وقال تعالى ‪ ) :‬ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون‪.‬‬
‫وإن جندنا لهم الغالبون(‪ .‬وجاء في تفسيرها‪ :‬الكلمة هي قوله تعالى ‪) :‬إنهم‬
‫لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون( والمراد ‪ :‬الوعد بعلوهم على‬
‫عدوهم في مقام الحجاج وملحم القتال في الدنيا وعلوهم عليهم في الخرة‪.‬‬
‫ول يلزم من انهزامهم في بعض المشاهد أن يكون نقضا ً للغلبة وللنصر ‪ ،‬فإن‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الغلبة كانت لهم ولمن بعدهم في العاقبة‪.‬‬


‫وقال تعالى ‪) :‬إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم‬
‫الشهاد(‪ .‬قال الزمخشري في تفسيرها ‪ :‬إن الله تعالى يغلبهم في الدارين‬
‫جميعا ً بالحجة والظفر على مخالفيهم وإن غلبوا في الدنيا في بعض الحايين‬
‫امتحانا ً من الله تعالى فالعاقبة لهم‪ .‬وقال اللوسي رحمه الله في تفسيرها‪:‬‬
‫إننا ننصر رسلنا وأبتاعهم في الحياة الدنيا بالحجة والظفر والنتقام لهم من‬
‫الكفرة ‪ ،‬ول يقدح في ذلك ما قد يتفق للكفرة من صورة الغلبة امتحانا ً إذ‬
‫العبرة إنما هي بالعواقب وغالب المر‪.‬‬
‫السنن اللهية لعبدالكريم زيدان ‪ ،‬ص ‪43‬‬
‫عوامل نصر المؤمنين ومعوقاته ‪:‬‬
‫إن سنة الله في نصر المؤمنين أهل الحق على مخالفيهم أهل الباطل ‪ ،‬هذه‬
‫السنة اللهية إنما تتحقق في واقع الناس إذا هيأ المؤمنون في أنفسهم وفي‬
‫جمعهم عوامل النصر التي أرشد إليها السلم وأمر بها الله تعالى ‪ ،‬وأبعدوا‬
‫عن أنفسهم وعن جمعهم عوامل الفشل ومعوقات النصر‪.‬‬
‫فما هي عوامل النصر الواجب على المؤمنين تحصيلها وما هي معوقات‬
‫النصر الواجب عليهم إبعادها عن أنفسهم وجمعهم ؟ هذا ما نبينه في‬
‫الفقرات التالية مبتدئين أول ً بعوامل النصر‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬اليمان ‪:‬‬
‫من عوامل النصر التي مضت بها سنة الله في النصر وأخبرنا بها الله جل‬
‫جلله اليمان‪ .‬قال تعالى وهو أصدق القائلين ‪) :‬وكان حقا ً علينا نصر‬
‫المؤمنين( ‪ ،‬قال صاحب تفسير المنار في هذه الية ‪) :‬وهي نص في تعليل‬
‫النصر باليمان( ‪ ،‬وقال اللوسي ‪) :‬وظاهر الية أن هذا النصر في الدنيا وأنه‬
‫عام لجميع المؤمنين فيشمل من بعد الرسل من المة(‪.‬‬
‫وقال تعالى ‪) :‬إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن‬
‫تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ً ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين( ‪،‬‬
‫أي من كان الله في نصره لم تغلبه فئة وإن كثرت‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫ومن الواضح أن هذه )المعية اللهية( للمؤمنين هي معية خاصة بهم ولهم‬
‫بسبب إيمانهم ‪ ،‬فهي تتناسب مع مقدار إيمانهم وعمقه ومدى انصباغهم‬
‫وتأثرهم به‪ .‬ول شك أن الصحابة الكرام المخاطبين بهذه الية بوصف‬
‫)المؤمنين( وأن )الله معهم( كان لهم النصيب الكبر من هذه المعية الخاصة‬
‫لهل اليمان لما عرفوا به من عمق اليمان وسعته وانصباغهم وتأثرهم به‪،‬‬
‫ولذلك تحقق لهم النصر على قلة عددهم وكثرة عدد أعدائهم في زمن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته‪ ) .‬فمعية الله( للمؤمنين بالعون والتأييد ثم‬
‫بالنصر تتناسب طرديا ً مع كمية اليمان وعمقه في نفوس المؤمنين‪.‬‬
‫واقع المسلمين ل ينقض سنة الله في نصر المؤمنين ‪:‬‬
‫إن سنة الله في نصر المؤمنين المقررة بإخبار الله وإعلمنا بها في القرآن‬
‫الكريم هي سنة مؤكدة يقينا ً ل يخامرنا فيها ذرة من الشك ‪ ،‬ول تنتقض أو‬
‫تتزعزع بما يرى من واقع المسلمين في كونهم مغلوبين ل غالبين ومقهورين‬
‫من قبل أعدائهم غير منصورين عليهم ‪ ،‬لن هذه السنة هي في ) نصر‬
‫المؤمنين( والمؤمنون هم من يكونون مؤمنين بأوصاف ومقاييس ومعاني‬
‫اليمان التي بينها الله تعالى في كتابه العزيز وبينها رسول صلى الله عليه‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم في سنته النبوية الكريمة المطهرة‪ ،‬ل أن يكونوا مؤمنين بمقاييسهم‬


‫وتخيلتهم وأمانيهم ‪ ،‬فعدم انتصارهم على أهل الباطل يعني أن اليمان‬
‫المطلوب منهم وما يستلزمه هذا اليمان ويقتضيه من صفات وأفعال غير‬
‫متحقق فيهم ‪ ،‬وبالتالي ل يستحقون نصر الله الموعود به للمؤمنين‪ .‬فعليهم‬
‫أن يراجعوا أنفسهم ويعرضوها ويعرضوا أحوالهم وأفعالهم وما هم عليه على‬
‫معاني اليمان ومقتضياته ويزنوها بميزانه ليعرفوا الخلل الذي هم فيه ‪،‬‬
‫والنقص الموجود فيهم فيقوموا بالتصحيح والتقويم وتدارك ما فاتهم وتحقيق‬
‫معاني اليمان في نفوسهم وثمرات هذا اليمان في خارج نفوسهم حتى‬
‫يدخلوا في مضمون سنة الله تعالى في نصر المؤمنين وفي متعلق إخباره‬
‫تعالى ‪):‬وكان حقا ً علينا نصر المؤمنين(‪.‬‬
‫اليمان وعوامل النصر المادية ‪:‬‬
‫وليكن معلوما ً أن اليمان وحده ل يغني عن عوامل النصر المادية مثل عدد‬
‫القتال وعدد المقاتلين وغيرهما من وسائل القتال ومستلزماته وكذلك وسائل‬
‫النصر المادية في غير ساحة القتال أي في سوح الجهاد الخرى ومدافعة‬
‫الباطل في هذه السوح‪.‬‬
‫ولهذا أمرنا الله تعالى بإعداد القوة المادية ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬وأعدوا لهم ما‬
‫استطعتم من قوة ومن رباط الخيل …( ‪ ،‬لن السلم دين واقعي ل يغفل‬
‫عما في العوامل المادية من قوة وهو يقرر ما لليمان من قوة ومن سببية‬
‫في النصر‪ .‬ولكن هذه القوة لليمان أو هذه السببية فيه للنصر لها حد محدود‬
‫بينه الله تعالى حتى ل نغالي في المور ‪ ،‬وحتى نعطي لكل شيء حقه من‬
‫التقييم والتقدير من دون مغالة فل تقع في الوهم والخطأ في الحساب‬
‫والتقدير فنخسر ول ننتصر على عدونا‪.‬‬
‫ويدل على ما قلته قوله تعالى ‪) :‬يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن‬
‫يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا ً من‬
‫الذين كفروا بأنهم قوم ل يفقهون‪ .‬الن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ً‬
‫فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين‬
‫بإذن الله والله مع الصابرين( ‪ ،‬وجه الستدلل بالية الولى أن الله تعالى‬
‫أخبر المؤمنين أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أن عشرين صابرين‬
‫منهم يغلبون مائتين من الكافرين‪ ،‬وهذا قبل التخفيف ولم يقل عز وجل أن‬
‫العشرين من المؤمنين الصابرين يغلبون ألفين ‪ ،‬لن المؤمنين الصابرين وإن‬
‫كان ليمانهم قوة وهي أقوى من قوة الكفر في نفوس الكافرين ‪ ،‬إل أن هذه‬
‫القوة اليمانية لها حد محدود في غلبة الكفر والكافرين ‪ ،‬فقد جعل الله قوة‬
‫اليمان تصير المؤمن الواحد أقوى من عشرة من الكفار فيغلب العشرون‬
‫من المؤمنين المائتين من الكافرين‪.‬‬
‫أما إذا كان الكفار ألفا ً فليس في وعد الله وإخباره أن العشرين من‬
‫المؤمنين يغلبون الكفار وهم ألف ‪ ،‬بل إنها تشير بأن عدد المؤمنين في هذه‬
‫الحالة ل يكفي – عادة – إلى نصرهم‪ .‬ومعنى ذلك أن للقوة المادية – ومنها‬
‫عدد المقاتلين – وزنها وتأثيرها غير المنكور وأن على المؤمنين والمة عموما ً‬
‫والجماعة المسلمة ملحظة ذلك وفتح عيونهم عليه وأخذ العبرة منه وأن‬
‫يحسبوا حسابا ً دقيقا ً وقوة أعدائهم بحيث تكون قوتهم مساوية أو مقاربة‬
‫لقوة عدوهم فيرجح عندئذ المؤمنون بقوة إيمانهم على الكفار فتكون الغلبة‬
‫للمؤمنين بإذن الله‪.‬‬
‫للقوة المادية تأثيرها في النفوس ‪:‬‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫وليكن معلوما ً أن للقوة المادية – ومنها كثرة أهل الحق أو أهل الباطل –‬
‫تأثيرا ً في النفوس ‪ ،‬نفوس المؤمنين والكافرين على حد سواء ‪ ،‬ومن هذا‬
‫التأثير الحساس بزيادة القوة لدى الفريق الذي يرى أنه أكثر قوة مادية من‬
‫الفريق الخر فيتصرف ضد خصمه في ضوء هذا الحساس والشعور ‪ ،‬كأن‬
‫يرى المؤمنون الكافرين أقل عددا ً منهم مما يجرئهم على قتال الكفار‬
‫والهجوم عليهم ‪ ،‬بعزم وثبات وصبر وثقة بالنصر ‪ ،‬ومثل كثرة المقاتلين‬
‫وقلتهم فيما يورثانه من إحساس بزيادة أو قلة بالقوة ‪ ،‬سائر القوى المادية‬
‫الخرى كنوع السلح وكثرته‪ .‬وهذه الحقيقة التي ذكرتها تدعو للمؤمنين‬
‫أفرادا ً وأمما ً وجماعات ل سيما الجماعة المسلمة ‪ ،‬أن يكونوا أقوى من‬
‫أعدائهم في القوى المادية في هذا العصر الذي تنوعت فيه القوى المادية‬
‫ولم تعد محصورة في نوع واحد منها‪.‬‬
‫وقد دل على تأثير القوة المادية في نفوس المقاتلين المؤمنين والكافرين‬
‫قوله تعالى ‪) :‬إذ يريكهم الله في منامك قليل ً ولو أراكهم كثيرا ً لفشلتم‬
‫ولتنازعتم في المر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور‪ .‬وإذ يريكموهم إذ‬
‫التقيتم في أعينكم قليل ً ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا ً كان مفعول ً‬
‫وإلى الله ترجع المور(‪.‬‬
‫وجاء في تفسير هاتين اليتين أن الله تعالى أرى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم في منامه عدد الكفار قليل ً قبيل بدء القتال في معركة بدر ‪ ،‬فأخبر‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أصحابه فكان ذلك الخبار تثبيتا ً لهم‬
‫وتشجيعا ً على عدوهم‪ .‬وبين الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أنه )لو‬
‫أراكهم كثيرًا( أي لو أراك عدد الكفار كثيرا ً )لفشلتم( أي لصاب المؤمنين‬
‫جبن ووهن وهيبة من القدام والهجوم على الكفار )ولتنازعتم( أي ولحصل‬
‫نزاع واختلف بين المؤمنين وتفرق كلمتهم فيما يصنعونه من مقاتلتهم أو‬
‫النصراف عنهم وعدم مقاتلتهم‪ .‬ثم بين الله تعالى أنه أرى المؤمنين عند‬
‫لقائهم بالعدو أراهم إياهم قليل ً تصديقا ً لرؤية رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وليعاينوا ما أخبرهم به فيزداد يقينهم ويجدوا ويثبتوا في قتالهم‬
‫)ويقللكم في أعينهم( أي يقلل المؤمنين في أعين الكفار مما يجرئهم على‬
‫الندفاع في مقاتلة المؤمنين مع قلة مبالة بهم فتفجؤهم كثرة المؤمنين التي‬
‫لم يتوقعوها ولم يروها بأعينهم فيقع القتل فيهم وينتصر المؤمنون عليهم‪.‬‬
‫ووجه الدللة بهاتين اليتين وما جاء في تفسيرهما أن القوة المادية – وهي‬
‫هنا كثرة عدد المقاتلين أو قلتهم – لها تأثيرها في النفوس من جهة الندفاع‬
‫في القتال والشجاعة فيه وفي نتيجته من نصر أو خذلن‪ .‬لنه إذا رأى هذا‬
‫الفريق قلة عدد خصمه فهذا يجرئه على الندفاع إلى قتاله ويزيد في ثباته‬
‫ويزداد أمله في التغلب عليه بخلف ما إذا رأى كثرة عدد خصمه فهذا قد‬
‫يحمله على التردد في قتاله والصمود فيه إذا باشره‪ .‬ومثل القوة بعدد‬
‫المقاتلين من حيث كثرتهم وقلتهم وتأثير ذلك على النحو الذي بيناه ‪ ،‬القوة‬
‫بالسلح ونوعيته وكثرته وقلته ‪ ،‬والقوة بسائر مستلزمات القتال والتدافع بين‬
‫أهل الحق وأهل الباطل في ساحة القتال وفي غيرها من سوح الجهاد‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬من عوامل النصر تقوى الله ‪:‬‬
‫قال تعالى ‪) :‬إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلثة آلف من‬
‫الملئكة منزلين‪ .‬بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم‬
‫بخمسة آلف من الملئكة مسومين(‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وجاء في تفسيرهما‪ :‬والظاهر في المدد أن الملئكة يشركون الجيش في‬


‫القتال إن وقعت الحاجة إليهم ‪ ،‬ويجوز أن ل تقع الحاجة إليهم في نفس‬
‫القتال ‪ ،‬وأن يكون مجرد حضورهم كافيا ً في تقوي القلب‪ .‬وجعل مجيء‬
‫خمسة آلف من الملئكة مشروطا ً بثلثة أشياء ‪ :‬الصبر والتقوى ومجيء‬
‫الكفار على الفور‪.‬‬
‫فمدد الملئكة المؤمنين كان بسبب تقواهم ‪ ،‬لن صبرهم من جملة تقواهم ‪،‬‬
‫لن التقوى كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ‪) :‬التقوى تجمع فعل ما أمر‬
‫الله به وترك ما نهى عنه( ‪ ،‬والصبر من جملة ما أمر الله به ‪ ،‬ثم إن مدد‬
‫الملئكة للمؤمنين لتحقيق نصرهم على الكفار ‪ ،‬فكانت التقوى – تقوى الله –‬
‫من العوامل المؤكدة لنصر المؤمنين حسب سنة الله تعالى‪.‬‬
‫وصية عمر لجنده بتقوى الله ‪:‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫وفي وصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسعد بن أبي وقاص وجنده في‬
‫حرب العراق ‪ ،‬جاء في الوصية ‪ ) :‬فإني آمرك ومن معك من أجناد بتقوى‬
‫الله على كل حال فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في‬
‫الحرب وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا ً من المعاصي منكم من‬
‫عدوكم فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم‪ .‬وإنما ينصر المسلمون‬
‫بمعصية عدوهم لله ‪ ،‬ولول ذلك لم تكن لنا بهم قوة لن عددنا ليس كعددهم‬
‫ول عدتنا كعدتهم فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة ‪،‬‬
‫وال ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا‪ .‬واعلموا أنه عليكم في مسيركم‬
‫حفظة من الله يعلمون ما تفعلون فاستحيوا منهم ‪ ،‬ول تعملوا بمعاصي الله‬
‫وأنتم في سبيل الله ‪ ،‬ول تقولوا إن عدونا شر منا فلن يسلط علينا وإن أسأنا‬
‫‪ ،‬فرب قوم سلط عليهم شر منهم كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا‬
‫بمساخط الله ‪ ،‬كفار المجوس فجاسوا خلل الديار وكان وعد الله مفعو ً‬
‫ل‪.‬‬
‫واسألوا الله العون في أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم‪ .‬أسال الله‬
‫ذلك لنا ولكم(‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬من عوامل النصر نصرة الدين ‪:‬‬
‫ومن عوامل النصر التي جعلها الله تعالى في سنته في نصر المؤمنين وهم‬
‫يدافعون الباطل وأهله ‪ ،‬قيامهم بنصر الدين ‪ ،‬السلم ‪ ،‬بكل ما أوتوا من قوة‬
‫‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم(‪.‬‬
‫وجاء في تفسيرها ‪ :‬إن تنصروا الله ‪ ،‬أي تنصروا دين الله ورسوله ينصركم‬
‫على عدوكم ويفتح لكم ويثبت أقدامكم في مواطن الحرب أو على محجة‬
‫السلم‪ .‬وقال المام الرازي في تفسيره ‪ :‬وفي نصر الله تعالى وجوه‬
‫)الول( إن تنصروا دين الله وطريقة‪) .‬والثاني( إن تنصروا حزب الله وفريقه‪.‬‬
‫ونصرة دين الله تتحقق بأن يسلم المسلم نفسه بالكلية لله رب العالمين ‪،‬‬
‫فل يبقى فيه شيء خارج عن الستسلم المطلق والنقياد التام لله رب‬
‫العالمين‪ .‬ويظهر هذا الخضوع والستسلم بالستسلم الكامل لشرع الله‬
‫تعالى ‪ ،‬وهذا في نفسه وما ينطوي عليه قلبه وتقوم به جوارحه ثم تظهر‬
‫النصرة لدين الله بجهاد المسلم الدائم لقامة شرع الله في الرض بحيث‬
‫يكون هذا الشرع هو المهيمن والحاكم لجميع العلقات بين الناس فل‬
‫يتحاكمون إل إليه ول يقبلون إل إياه‪.‬‬
‫ومسألة أخرى مهمة جدا ً فيما تتحقق به النصرة لله تعالى وهي التي أشار‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إليها الرازي في أحد وجوه نصرة الله حيث قال رحمه الله ‪) :‬إن تنصروا‬
‫حزب الله وطريقه( ‪ ،‬ومن المعلوم أن حزب الله هو الذي يقوم بنصرة الله‬
‫أي بنصرة دينه أي بإقامة شرع الله في الرض‪ .‬ول شك أن بانضمام جهود‬
‫المؤمنين بعضهم إلى بعض لقامة شرع الله وبالتناصر فيما بينهم على هذا‬
‫المقصد الشريف تتحقق منهم لنصرة لدين الله بشكل أسرع وأكمل مما لو‬
‫قاموا بالنصرة لدين الله وهم فرادى ومتفرقون ‪ ،‬وبهذا يتحقق منهم ما‬
‫شرطه الله عليهم لينالوا ما وعدهم الله به من نصرة‪ .‬وعلى هذا فبمقدار ما‬
‫يقوم به المؤمنون من نصرة لدين الله وجهاد في سبيله وإعداد لوسائل‬
‫الجهاد ونصرة الدين يتحقق لهم النصر حسب سنة الله التي وضعها لنصر‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫وآية أخرى في نصرة الدين كعامل من عوامل سنة الله في نصر المؤمنين‬
‫هي قوله تعالى ‪) :‬ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز(‪ .‬قال المام‬
‫الرازي في هذه الية ‪ :‬وعد الله بالنصر لمن هذه حاله‪ .‬وقال الزمخشري فيها‬
‫‪ :‬لينصرن الله من ينصر دينه وأولياءه‪ .‬وقد بينا كيفية قيام المسلم بنصرة‬
‫الله وذلك بأن يبذل جهده في إقامة دين الله في الرض فيكون هو الحاكم‬
‫على جميع تصرفات وأفعال وعلقات البشر‪.‬‬
‫التنظيم الجماعي لنصرة دين الله ‪:‬‬
‫ذكرنا في الفقرة السابقة قول الزمخشري في تفسير قوله تعالى ‪:‬‬
‫)ولينصرن الله من ينصره( أي ينصر دينه وأولياءه‪ .‬وذكرنا قول الرازي في‬
‫أحد وجوه تفسير قوله تعالى ‪) :‬إن تنصروا الله ينصركم( أي إن تنصروا حزبه‬
‫وفريقه‪ .‬فهل يعني هذا أن نصرة دين الله يجب أن يكون بطريق جماعي أي‬
‫بقيام تنظيم جماعي للقيام بمتطلبات النصرة لدين الله حتى يتحقق شرط‬
‫نصر الله للمؤمنين ؟‬
‫والجواب ‪ :‬إن المطلوب من كل مسلم أن يعمل لنصرة دين الله بأن يسعى‬
‫لقامة شرع الله فينصره الله بقدر سعيه وجهده‪ .‬ولكن مما ل شك فيه أن‬
‫العمل الجماعي لنصرة السلم هو الذي أرشد إليه السلم وأشار إليه القرآن‬
‫الكريم ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف‬
‫وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون( والمة في أحد الوجهين بعض المة‬
‫وليس كلها‪.‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫ومعنى ذلك أن المراد بـ )المة( في الية جماعة من المسلمين تقوم بالدعوة‬


‫إلى الله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر أي تقوم بنصرة الدين‪ .‬والجماعة‬
‫تنظيم جماعي‪ ،‬فهي إذن تقوم بنصرة الدين بشكل جماعي منظم ‪ ،‬وعملها‬
‫هذا بهذا الشكل أجدى وأنفع من عمل المسلمين فرادى ومتفرقين‪ .‬وهذا‬
‫يعني أن ضم جهود الفراد بعضهم إلى بعض والعمل سوية بتنظيم جماعي‬
‫يحقق من النتائج مال يحققه العمل الفردي ‪ ،‬ومعنى ذلك أن العمل الجماعي‬
‫ون )أمة( تقوم بنصرة‬ ‫المنظم مما يحبه الله ويطلبه السلم قطعا ً للمر بتك ّ‬
‫الدين‪.‬‬
‫وأيضا ً فإن الله تعالى يأمر بالتعاون قال تعالى ‪) :‬وتعاونوا على البر والتقوى(‪.‬‬
‫والتعاون يقتضي ضم جهود المتعاونين بعضها إلى بعض ‪ ،‬وهذا يعني قيام‬
‫)تنظيم جماعي( أي جماعة إسلمية لتحقيق البر المطلوب ومن أعظم البر‬
‫نصرة الدين‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعلى هذا يمكن القول ‪ :‬إن قيام )تنظيم جماعي( أي جماعة إسلمية أمر‬
‫مرغوب فيه شرعا ً وتشتد درجة ندبه واستحبابه كلما كان قيام هذا التنظيم‬
‫لنصرة الدين واجبا ً إذا كان الباطل قويا ً وأهله أشداء في خصومتهم وعداوتهم‬
‫للحق وأهله‪ .‬فمدافعة هذا الباطل وأهله وهم بهذه الدرجة من القوة ‪ ،‬كما هو‬
‫الحال في الوقت الحاضر ‪ ،‬ل تتأتى مدافعتهم بجهود فردية بل بجهود من أهل‬
‫الحق مجتمعة بحيث تكون قوة أكثر من قوة أهل الباطل أو في القل‬
‫مساوية لهله ‪ ،‬ول يتأتى هذا إل إذا تجمعت جهود الغيارى على السلم في‬
‫تنظيم واحد أي في جماعة إسلمية واحدة تعمل بنظام لنصرة الدين ومدافعة‬
‫الباطل ‪ ،‬وعلى المسلمين أن ينضموا إلى هذه الجماعة المسلمة إذا ما‬
‫قامت لنها هي حزب الله وأفرادها أولياء الله ولنها تحقق أمر الله ‪) :‬ولتكن‬
‫منكم أمة يدعون إلى الخير( إلخ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫)والمة( كما قلنا تعني )جماعة( والجماعة تعني )تنظيما جماعيا( والغرض من‬
‫وجود هذه الجماعة نصرة دين الله ‪ ،‬ففي النضمام إليها مساهمة في نصرة‬
‫دين الله ‪ ،‬ونصر هذا الدين واجب على كل مسلم ومسلمة‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬من عوامل النصر ‪ :‬الجهاد وإعداد القوة ‪:‬‬
‫الجهاد بالمال والنفس من فرائض السلم ‪ ،‬ولكنه فريضة منسية من قبل‬
‫أكثر المسلمين إن لم نقل عامتهم ‪ ،‬مع أن الجهاد هو طريق النصر ووسيلة‬
‫العز وإظهار دين الله ومحق الباطل وأهله ونوال رضوان الله‪ .‬وإن تركه‬
‫يفضي إلى غلبة الباطل وأهله وإذلل المؤمنين وذهاب قوتهم وزوال دولتهم‪.‬‬
‫قال تعالى ‪) :‬كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا ً وهو‬
‫خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا ً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم ل تعلمون(‪ .‬أي‬
‫هو كره لكم في الطباع )وعسى( من الله تعالى إيجاب‪ .‬والمعنى ‪ :‬وعسى‬
‫أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقة وهو خير لكم في أنكم تغلبون عدوكم‬
‫وتظفرون به وتغنمون أمواله وتؤجرون وتثابون على جهادكم )وعسى أن‬
‫تحبوا شيئا ً وهو شر لكم( أي عسى أن تحبوا الدعة والراحة وترك القتال وهو‬
‫شر لكم في أنكم تغلبون وتذلون وتذهب قوتكم‪ .‬قال المام القرطبي ‪ :‬وهذا‬
‫صحيح ل غبار عليه كما اتفق في بلد الندلس تركوا الجهاد وجبنوا عند القتال‬
‫وأكثروا من الفرار فاستولى العدو على البلد وأسر وقتل وسبى واسترق فإنا‬
‫لله وإنا إليه راجعون ‪ ،‬وذلك بما قدمت أيديهم وكسبته‪.‬‬
‫ترك الجهاد مدعاة إلى العذاب ‪:‬‬
‫ذكرنا في الفقرة السابقة ما في ترك الجهاد من ذل للمؤمنين ‪ ،‬ونزيد على‬
‫ذلك ما جاء في الية الكريمة ‪) :‬إل تنفروا يعذبكم عذابا ً أليما ً ويستبدل قوما ً‬
‫غيركم ول تضروه شيئا ً والله على كل شيء قدير(‪.‬‬
‫قال المام ابن العربي المالكي في هذه الية ‪ :‬وجب بمقتضى هذه الية‬
‫النفير للجهاد والخروج إلى الكفار لمقاتلتهم على أن تكون كلمة الله هي‬
‫العليا‪ .‬والعذاب الليم هو الذي في الدنيا باستيلء العدو على من لم يستول‬
‫عليه وبالنار في الخرة‪ .‬وزيادة على ذلك باستبدال غيركم‪.‬‬
‫وقال الشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى ‪ :‬والعذاب الذي يهددهم ليس‬
‫عذاب الخرة وحده فهو كذلك عذاب الدنيا ‪ :‬عذاب الذلة التي تصيب‬
‫القاعدين عن الجهاد ‪ ،‬والغلبة عليهم للعداء والحرمان من الخيرات‬
‫واستغللها للعادين ‪ ،‬وما من أمة تركت الجهاد إل ضرب الله عليها الذل‬
‫فدفعت مرغمة صاغرة لعدائها أضعاف ما كان يتطلب منها كفاح العداء‪.‬‬
‫إعداد القوة للجهاد ‪:‬‬
‫وإذا صحت العزيمة للجهاد بقتال العدو والدفاع عن دار السلم ‪ ،‬فهذا وحده‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل يكفي بل ل بد من إعداد القوة اللزمة للجهاد كما أمر الله تعالى بقوله جل‬
‫شأنه ‪) :‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو‬
‫الله وعدوكم وآخرين من دونهم ل تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء‬
‫في سبيل الله يوف إليكم وأنتم ل تظلمون(‪.‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫وقوله تعالى )من قوة( أي من كل ما يتقوى به في الحرب من عددها ‪) ،‬ومن‬


‫رباط الخيل( والرباط اسم للخيل التي تربط في سبيل الله ‪ ،‬تخصيصا ً للخيل‬
‫من بين ما يتقوى به ‪) ،‬ترهبون به عدو الله وعدوكم( أي ترهبون بهذا الذي‬
‫تعدونه عدو الله وعدوكم من اليهود وكفار العرب )وآخرين من دونهم( أي‬
‫من غيرهم من الكفرة الذين ل ُتعرف عداوتهم ‪ ) ،‬وما تنفقوا من شيء في‬
‫سبيل الله ( قليل ً أو كثيرا ً نقدا ً كان أو غيره في إعداد المستطاع من القوة‬
‫والمرابطة في ثغور المسلمين يعطكم الله جزاءه وافيًا‪.‬‬
‫معنى القوة وما تتحقق به ‪:‬‬
‫جاء في الية الكريمة ‪) :‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة( فجاءت كلمة‬
‫)القوة( نكرة غير محددة بنوع معين من أنواع القوة ‪ ،‬وإنما ذكر نوعا ً منها‬
‫وهو )رباط الخيل( تخصيصا ً لها مما يتقوى به‪ .‬ول شك أن مما يشمله معنى‬
‫القوة التي يمكن للمسلمين مدافعة العدو بها أنواع وسائل القتال وعدده في‬
‫كل زمان ومكان ولكن هل القوة المراد و المطلوب من المسلمين إعدادها‬
‫لمدافعة العدو والتغلب عليه ورد شره ‪ ،‬هل هذه القوة المطلوبة مقصورة‬
‫على عدد القتال والسلح الذي يقاتل به العدو فعل ً ‪ ،‬وأن معنى القوة يكمن‬
‫في سلح القتال فقط ؟ الذين يتبين لي من معاني القوة واستعمالها أنها‬
‫تعني القدرة على تنفيذ إرادة صاحبها شاء الغير أم أبى هذا التنفيذ‪ .‬ومتعلق‬
‫الرادة المراد تنفيذها قد يكون دفع الغير أو إبعاده أو إزالته أو التسلط عليه‬
‫وحكمه أو إلزامه بدفع شيء ‪ ،‬وهذه القوة تتحقق بما يتحقق به معناها وهو‬
‫القدرة على تنفيذ إرادة صاحبها ‪ ،‬فقد يكون تحقيقها بإعداد السلح للجند ‪،‬‬
‫وتدريبهم على فنون القتال وتربيتهم على معاني اليمان التي تهيئهم للقتال‬
‫في سبيل الله والرغبة في الشهادة في سبيله كما تحقق القوة بالقيادة‬
‫الكفؤة ‪ ،‬وبتوفر ما يحتاجه الجند من طعام ولباس وحصون ونحو ذلك ‪،‬‬
‫وبكون الدولة مكتفيه ذاتيا ً من الناحية القتصادية والنتاجية‪ .‬وتحقق القوة‬
‫بالعلم والمعرفة الضرورية لتحقيقها وبإيجاد العلماء في جميع المجالت مثل‬
‫مجالت الزراعة والصناعة بأنواعها‪ .‬كل الذي ذكرته يختلف باختلف المكان‬
‫والزمان إل تربية النفوس على معاني اليمان فهي الثابتة التي ل تتغير بتغير‬
‫الزمان والمكان‪.‬‬
‫إعداد القوة من فروض السلم ‪:‬‬
‫وإعداد القوة للمة السلمية بالمعنى الذي بينته )للقوة( من فروض السلم‬
‫للمر بها‪ ،‬والصل في المر أنه للوجوب إل لقرينة صارفة له عن الوجوب ول‬
‫قرينة هنا فيبقي دال ً على الوجوب وهو قوله تعالى ‪ ) :‬وأعدوا لهم ما‬
‫استطعتم من قوة ( ‪ ،‬والمة هي المخاطبة بهذا المر – إعداد القوة – والذي‬
‫يمثلها ويقوم مقامها في تنفيذ هذا المر نيابة عنها هو وكيلها ‪ :‬الخليفة ‪،‬‬
‫فالمة ما انتخبته إل ليقوم مقامها مستعمل ً سلطتها لتنفيذ ما هي مخاطبة به‬
‫من أحكام الشرع التي تخص المة بمجموعها ومنها ‪ :‬المر بإعداد القوة‪ .‬فل‬
‫يجوز للخليفة أي لولي المر التقصير في هذا الواجب ‪ ،‬وإذا قصر فعلى المة‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بجميع أفرادها ل سيما أهل الحل والعقد فيها أن يطلبوا من الخليفة القيام‬
‫بإعداد القوة اللزمة لدولة السلم‪ .‬وقد يكون من ضرورات إعداد القوة تعلم‬
‫العلوم الدنيوية في المجالت المختلفة ‪ ،‬فيكون تعلم هذه العلوم من‬
‫الواجبات الكفائية لن مال يتم الواجب إل به فهو واجب‪.‬‬
‫إعداد الجند المدرب من إعداد القوة ‪:‬‬
‫ومن إعداد القوة إعداد الجند المدرب فيلزم تدريبهم وإعدادهم إعدادا ً إيمانيا ً‬
‫على أساس معاني العقيدة السلمية ‪ ،‬وإعدادهم ماديا ً على استعمال مختلف‬
‫السلحة وفنون القتال وإجراء القتال وإجراء التدريبات العسكرية والتمارين‬
‫أو ما يسمى بالمناورات العسكرية بين حين وآخر حتى ل ينسوا ما تعلموه ‪،‬‬
‫وقد يكون في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مستندا ً ودليل ً لما‬
‫أقول ‪ ،‬فقد جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ):‬من تعلم‬
‫الرمي ثم تركه فليس منا‪.‬أو فقد عصى (‪.‬‬
‫يجب أن تكون قوة المسلمين مرهبة للعدو ‪:‬‬
‫ويلحظ في الية الكريمة ‪ ) :‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط‬
‫الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم( أن الله تعالى أمرنا بإعداد القوة لنرهب‬
‫بها عدو الله وعدونا ‪ ،‬ومعنى ذلك أن القوة التي تعدها يجب أن تكون مرهبة‬
‫للعدو ‪ ،‬وهي ل تكون كذلك إل إذا كانت أكبر وأقوى من قوته بحيث تجعله‬
‫يخاف أن يتحرش بالمسلمين وبدولتهم ويرهب قوتهم وبالتالي ييأس من‬
‫إمكان أن يحصل على شيء من المسلمين ودولتهم إذا هجم عليهم أو تعرض‬
‫ببلدهم ‪ ،‬فينكف شره عن المسلمين‪ .‬إن إعداد هذه القوة المرهبة للعدو‬
‫ضروري ول يجوز التكاسل عنه أو التفريط فيه؛ إذ ل يكفى أن نقول إننا على‬
‫الحق وإنهم على الباطل لننتصر عليهم فل بد للحق من قوة تحميه وتخيف‬
‫الباطل وأهله وتمنعهم من التحرش بدول السلم‪.‬‬
‫السنن اللهية لعبد الكريم زيدان ‪ ،‬ص ‪79‬‬
‫==============‬
‫العلم بالسنن الربانية‬
‫رئيسي ‪:‬الرقائق ‪:‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫لقد وجه القرآن الكريم المسلمين نحو الوعي بعالم الشهادة‪ ،‬فحثهم على‬
‫النظر والتدبر والستقراء؛ للكشف على قوانين المادة وسنن الجتماع‪ ،‬كما‬
‫نّبه إلى أهمية التعرف على السنن التاريخية‪ ،‬والفادة من ذلك في العتبار‬
‫وبناء الحضارة‪ ،‬وكيفية المحافظة عليها من السقوط‪.‬‬
‫صا ً في بعض الحيان‬ ‫وقد أرشد القرآن الكريم إلى هذه السنن‪ ،‬فذكرها ن ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ض َفانظُروا ك َي ْ َ‬ ‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫من قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫كقوله تعالى‪}:‬قَد ْ َ‬
‫ً‬
‫ن]‪]{[137‬سورة آل عمران[ ‪ .‬وأحيانا أخرى فهمت من‬ ‫مك َذ ِّبي َ‬
‫ة ال ُ‬‫عاقِب َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫حا َ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٍ‬ ‫ست ُهْزِئَ ب ُِر ُ‬ ‫قد ِ ا ْ‬ ‫َ‬
‫النص دللة وفحوى كقوله تعالى‪ }:‬وَل َ‬
‫ن]‪]{[10‬سورة النعام[ ‪.‬وذكرها تارة‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫خُروا ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ِبال ّ ِ‬
‫سَر‬‫خ ِ‬ ‫عَبادِهِ وَ َ‬ ‫ت ِفي ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ة الل ّهِ ال ِّتي قَد ْ َ‬ ‫سن ّ َ‬ ‫مضافة إلى الله كقوله تعالى‪ُ ...} :‬‬
‫ن]‪]{[85‬سورة غافر[ ‪ .‬وذكرها تارة أخرى مضافة إلى أقوام‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ك ال ْ َ‬‫هَُنال ِ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‪]{[55]...‬سورة الكهف[ ‪.‬‬ ‫ة اْلوِّلي َ‬ ‫سن ّ ُ‬‫م ُ‬ ‫ن ت َأت ِي َهُ ْ‬ ‫كقوله تعالى‪...} :‬إ ِّل أ ْ‬
‫وهذه السنن صارمة؛ تتسم بالطراد والشمول والثبات‪ ،‬قال تعالى‪...}:‬فَهَ ْ‬
‫ل‬
‫ويًل]‬ ‫سن ّةِ الل ّهِ ت َ ْ‬ ‫ن إّل سن ّ َ َ‬
‫ح ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬‫ن تَ ِ‬ ‫ديًل وَل َ ْ‬
‫سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫ن فَل َ ْ‬ ‫ة اْلوِّلي َ‬ ‫ُ‬ ‫ي َن ْظ ُُرو َ ِ‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سل َِنا وََل‬ ‫سل َْنا قَب ْل َ َ‬ ‫َ‬


‫ن ُر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن قَد ْ أْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة َ‬ ‫سن ّ َ‬ ‫‪]{[43‬سورة فاطر[ ‪ .‬وقال تعالى‪ُ }:‬‬
‫ويًل]‪]{[77‬سورة السراء[ ‪.‬‬ ‫ح ِ‬ ‫سن ّت َِنا ت َ ْ‬ ‫جد ُ ل ِ ُ‬ ‫تَ ِ‬
‫ريد ُ‬ ‫ن معرفتها وتدبرها واستيعابها والستفادة منها‪ ،‬لقوله تعالى‪ }:‬ي ُ ِ‬ ‫فينبغي إذ ْ‬
‫م‬ ‫لي‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬
‫ِ َ ِ ْ ِْ ْ ََُ َ َ ْ ْ َ ُ َِ ٌ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ب‬ ‫تو‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫نل ْ ََْ َِ ْ ُ َ َ‬
‫ن‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ه ل ِي ُب َي ّ َ‬‫الل ّ ُ‬
‫م]‪]{[26‬سورة النساء[ ‪ .‬ومن خلل السنن في كتاب الله‪ ،‬وسنة رسوله‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫نفهم التاريخ على حقيقته‪ ،‬ونعرف عوامل البناء والمن والستقرار والتقدم‪،‬‬
‫وعوامل الهدم والخوف والنحطاط والتخلف‪.‬‬
‫وهذه السنن مرتبطة بالمر والنهي‪ ،‬والطاعة والمعصية‪ ،‬واليمان والكفر‪،‬‬
‫والتوحيد والشرك‪ ،‬فالنسان إذا أتى المر واجتنب النهي ووقف عند حدود‬
‫الله‪ ،‬أصاب خير السنة الربانية‪ ،‬وإذا أهمل المر وخالفه‪ ،‬وارتكب المنهي‬
‫عنه‪ ،‬ووقع في حدود الله‪ ،‬أصاب شر السنة الربانية‪.‬‬
‫وقد انتبه إلى أثر السنن في المجتمعات والعتبار بها ابن تيمية رحمه الله‬
‫فقال‪':‬ومن هذا الباب صارت قصص المتقدمين عبرة لنا‪ ،‬ولول القياس‬
‫واطراد فعله وسنته؛ لم يصح العتبار بها؛ لن العتبار إنما يكون إذا كان حكم‬
‫الشيء حكم نظيره كالمثال المضروبة في القرآن'] جامع الرسائل‪ ،‬ص‬
‫‪.[55‬‬
‫إن معرفة أثر السنن في النفس والمجتمعات ضروري لمعرفة طبيعة هذا‬
‫الدين‪ ،‬وطبيعة الجاهلية المقابلة‪ ...‬وقد جاء الحديث عنها في القرآن المكي‪،‬‬
‫في مواضع كثيرة‪ ،‬وجاء تصويرها في مواقف كثيرة؛ ليفهم المسلمون طبيعة‬
‫الصراع بين الجاهلية والسلم على حقيقته‪ ،‬وليكونوا على بّينة من مباينة‬
‫السبل‪ ،‬واختلف المناهج والتوجهات والهداف بينهم وبين الكافرين‪ ،‬ومن‬
‫خرجنك ُم من أ َرضنا أوَ‬
‫م ل َن ُ ْ ِ َ ّ ْ ِ ْ ْ ِ َ ْ‬ ‫سل ِهِ ْ‬ ‫فُروا ل ُِر ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫أمثال ذلك‪ :‬قوله تعالى‪ }:‬وََقا َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫م الْر َ‬ ‫ُ‬
‫سك ِن َن ّك ُ‬ ‫ن]‪[13‬وَلن ُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ن الظال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫م لن ُهْل ِك ّ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫حى إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫مل ّت َِنا فَأوْ َ‬ ‫ن ِفي ِ‬ ‫ل َت َُعود ُ ّ‬
‫د]‪]{[14‬سورة إبراهيم[ ‪.‬‬ ‫عي ِ‬ ‫ف وَ ِ‬ ‫خا َ‬ ‫مي وَ َ‬ ‫قا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫جن ّك َيا ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وقوله تعالى‪َ }:‬قا َ‬
‫ذي َ‬ ‫ب َوال ِ‬ ‫شعَي ْ ُ‬ ‫خرِ َ‬ ‫مهِ لن ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ست َكب َُروا ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫مل ال ِ‬ ‫ل ال َ‬
‫ن]‪[88‬قَدِ افْت ََري َْنا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ملت َِنا َقا َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫معَ َ‬
‫هي َ‬ ‫ل أوَلوْ كّنا كارِ ِ‬ ‫ن ِفي ِ‬ ‫ن قَْري َت َِنا أوْ لت َُعود ُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫آ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن ن َُعود َ‬ ‫ن لَنا أ ْ‬ ‫ما ي َكو ُ‬ ‫من َْها وَ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جاَنا الل ُ‬ ‫م ب َعْد َ إ ِذ ْ ن َ ّ‬ ‫ملت ِك ْ‬ ‫ن عُد َْنا ِفي ِ‬ ‫عَلى اللهِ كذًِبا إ ِ ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ما عَلى اللهِ ت َوَكلَنا َرب َّنا افت َ ْ‬ ‫عل ً‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ّ‬
‫سعَ َرب َّنا كل َ‬‫ُ‬ ‫ه َرب َّنا وَ ِ‬ ‫شاَء الل ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ِفيَها إ ِّل أ ْ‬
‫خي ُْر ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن]‪]{ [89‬سورة العراف[ ‪.‬‬ ‫حي َ‬ ‫فات ِ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫حقّ وَأن ْ َ‬ ‫مَنا ِبال ْ َ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫ب َي ْن ََنا وَب َي ْ َ‬
‫ومن هنا تأتي أهمية ربط عمل الدعاة بالجهد والعمل وفق السنن التي ل‬
‫تحابي‪ ،‬فالنتائج التي قد يتطلع إليها أكثر المؤمنين إيمانا ً سوف يجنيها أكثر‬
‫الكافرين كفرا ً ‪ ،‬إذا وافق المقدمات الصحيحة المؤدية إليها‪ ،‬وربط السباب‬
‫بمسبباتها‪ ،‬بينما ينتظرها المؤمن ارتكازا ً على إيمانه وحده واعتمادا ً على‬
‫ورعه وتقواه‪ ،‬دون أن يطلبها من مقدماتها التي خلقها الله طريقا ً إليها‪ ،‬فأنى‬
‫يستجاب له! ‪.‬‬
‫ومرجع ذلك إلى أن السنن الربانية في الحياة البشرية دقيقة كل الدقة‪،‬‬
‫منتظمة أشد النتظام‪ ،‬ل تحيد ول تميل‪ ،‬ول تجامل ول تحابي‪ ،‬ول تتأثر‬
‫بالماني وإنما بالعمال‪ ،‬وهي في دقتها وانتظامها وجديتها كالسنن الكونية‬
‫سواء بسواء‪.‬‬
‫سنن ‪ :‬البتلء‪ ،‬التمحيص‪ ،‬التمكين‪:‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن أهم هذه السنن التي نّبه إليها القرآن الكريم‪ :‬سنة البتلء‪ ،‬فهي تضع‬
‫ُ‬
‫قولوا‬ ‫كوا َأن ي َ ُ‬ ‫س َأن ي ُت َْر ُ‬ ‫ب الّنا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬
‫َ‬
‫المؤمن على محك الختبار‪ ،‬لقوله تعالى‪}:‬أ َ‬
‫صد َُقوا‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال َ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م فَل َي َعْل َ َ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫قد ْ فَت َّنا ال َ ِ‬ ‫ن ]‪ [2‬وَل َ َ‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫م ل يُ ْ‬ ‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫آ َ‬
‫ت‬ ‫و‬
‫ٍ ِ ُ َ ْ ِ‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ئ‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫وقوله‪}:‬‬ ‫‪.‬‬ ‫العنكبوت[‬ ‫[{]سورة‬ ‫‪3‬‬ ‫ن]‬ ‫ِِ َ‬ ‫بي‬ ‫ذ‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫وَل َ ْ َ ّ‬
‫م‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ن]‪]{[35‬سورة النبياء[ ‪.‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ة َوإل َي َْنا ت ُْر َ‬ ‫خي ْرِ فِت ْن َ ً‬ ‫شّر َوال ْ َ‬ ‫كم ِبال ّ‬ ‫وَن َب ُْلو ُ‬
‫ومن ثبات تلك السنة أنها قد بسطت في وحي الله وعلمها أناس قبل أن‬
‫تقرأ في القرآن الكريم‪ :‬فهذا ورقة بن نوفل يقول للنبي بعد سماعه خبر‬
‫ك‬‫م َ‬ ‫ك قَوْ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫حّيا إ ِذ ْ ي ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كو ُ‬ ‫عا ل َي ْت َِني أ َ ُ‬ ‫جذ َ ً‬ ‫نزول الوحي لول مرة‪َ ':‬يا ل َي ْت َِني ِفيَها َ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫م[‪ ،‬قال‪ ':‬ن َعَ ْ‬ ‫ي هُ ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫خرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫' فيسأله النبي صلى الله عليه وسلم في تعجب‪ ] :‬أوَ ُ‬
‫ْ‬
‫عودِيَ ' رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ت ب ِهِ إ ِّل ُ‬ ‫جئ ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ِ‬ ‫مث ْ‬‫ط بِ ِ‬ ‫ل قَ ّ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫م ي َأ ِ‬ ‫لَ ْ‬
‫َ‬
‫ن قَِتال ُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ك ك َي ْ َ‬ ‫سأل ْت ُ َ‬ ‫وهذا قيصر الروم يقول في حديثه مع أبي سفيان‪َ ':‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ن لهُ ْ‬ ‫م ت َكو ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل ت ُب ْت َلى ث ُ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ك الّر ُ‬ ‫ل فَك َذ َل ِ َ‬ ‫ل وَد ُوَ ٌ‬ ‫جا ٌ‬ ‫س َ‬ ‫ب ِ‬ ‫حْر َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫تأ ّ‬ ‫م َ‬ ‫إ ِّياه ُ فََزعَ ْ‬
‫ة' رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ال َْعاقِب َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫سل ُ ُ‬ ‫ك ك َِتاًبا َل ي َغْ ِ‬ ‫ت عَل َي ْ َ‬ ‫ك وَأن َْزل ْ ُ‬ ‫ي بِ َ‬ ‫ك وَأب ْت َل ِ َ‬ ‫ك ِلب ْت َل ِي َ َ‬ ‫ما ب َعَث ْت ُ َ‬ ‫وفي الحديث‪ ] :‬إ ِن ّ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ب إ ًِذا‬ ‫ت َر ّ‬ ‫قل ُ‬ ‫َ‬
‫شا ف ُ‬ ‫حّرقَ قَري ْ ً‬ ‫ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫مَرِني أ ْ‬ ‫هأ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ن وَإ ِ ّ‬ ‫قظا َ‬ ‫ما وَي َ ْ‬ ‫قَرؤُهُ َنائ ِ ً‬ ‫ماُء ت َ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ْ‬
‫م ن ُغْزِ َ‬
‫ك‬ ‫ك َواغُْزهُ ْ‬ ‫جو َ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م كَ َ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫لا ْ‬ ‫خب َْزة ً َقا َ‬ ‫عوه ُ ُ‬ ‫سي فَي َد َ ُ‬ ‫ي َث ْل َُغوا َرأ ِ‬
‫نأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫طاعَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫ه وََقات ِ ْ‬ ‫مث ْل َ ُ‬ ‫ة ِ‬ ‫س ً‬ ‫م َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ث َ‬ ‫شا ن َب ْعَ ْ‬ ‫جي ْ ً‬ ‫ث َ‬ ‫ك َواب ْعَ ْ‬ ‫فقَ عَل َي ْ َ‬ ‫سن ُن ْ ِ‬ ‫فقْ فَ َ‬ ‫وَأن ْ ِ‬
‫ك[ رواه مسلم‪.‬‬ ‫صا َ‬ ‫عَ َ‬
‫ولعلم الله عز وجل أن البتلء هو الوسيلة لتمييز الصفوف وتمحيص القلوب؛‬
‫ل المانة ل يصلح له كل الناس‪ ،‬بل يحتاج إلى قوم‬ ‫جعله سنة ماضية‪ ،‬فحم ُ‬
‫صا ليحسنوا القيام‬ ‫ً‬ ‫دون لهذا المر إعدادا خا ّ‬ ‫ً‬ ‫مختارين‪ ،‬وهم الصفوة الذين يع ّ‬
‫به‪.‬‬
‫ومن النتائج المترتبة على سنة البتلء لحقا‪ :‬سنة التمحيص‪ ،‬فالمؤمن من‬ ‫ً‬
‫جهة يتعرض للمحنة‪ ،‬فُيصقل معدنه من أثرها‪ ،‬والمنافق من جهة ثانية ل‬
‫يستطيع الصمود أمام الفتنة‪ ،‬فينكص على عقبيه؛ ولهذا جعل الله التمحيص‬
‫مْعبرا ً لتنقية الصف المؤمن من أدعياء اليمان‪ ،‬فيقع به التمييز بين الدر‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ه ل ِي َذ ََر ال ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫ما كا َ‬ ‫َ‬ ‫الثمين والخرز الخسيس‪ ،‬كما في قوله تعالى‪َ }:‬‬
‫َ‬
‫ب‪]{[179]...‬سورة آل عمران[‬ ‫ن الط ّي ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬ ‫ميَز ال َ‬ ‫حّتى ي َ ِ‬ ‫م عَل َي ْهِ َ‬ ‫ما أنت ُ ْ‬ ‫عََلى َ‬
‫م َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ما ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَل ِي ُ َ‬ ‫دورِك ُ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ِفي ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫‪ .‬وقوله تعالى‪...}:‬وَل ِي َب ْت َل ِ َ‬
‫دوِر]‪]{[154‬سورة آل عمران[ ‪.‬‬ ‫ص ُ‬‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫كن‬ ‫وعلى ضوء سنة التمحيص تتحقق سنة أخرى‪ ،‬وهي سنة التمكين‪ ،‬إذ يم ّ‬
‫الله للمؤمنين في الرض بعد أن يثبتوا استحقاقهم للنصر بلجوئهم إليه وحده‬
‫في وقت المحنة‪ ،‬وتجردهم له‪ ،‬وتطلعهم إليه في زمن الشدة‪ ،‬مستيقنين من‬
‫نزول نصره بعد الخذ بكافة السباب المأمور بها شرعا ً من صبر وتقوى‬
‫وإعداد‪.‬‬
‫وقد أدرك أهل العلم والبصيرة هذه الحقيقة؛ فعندما سئل المام الشافعي‬
‫كن حتى‬ ‫كن أو يبتلى؟ فقال‪ :‬ل يم ّ‬ ‫رحمه الله‪':‬أيما أفضل للرجل‪ :‬أن يم ّ‬
‫يبتلى'‪.‬‬
‫صلة هذه السنن‪ :‬أن بعضها يمسك برقاب بعض كحلقات السلسلة يشد‬ ‫ومح ّ‬
‫بعضها بعضا‪ ،‬فل تمكين بل تمحيص‪ ،‬ول تمحيص بل ابتلء؛ إذ متى تحققت‬ ‫ً‬
‫أوائلها؛ تحققت أواخراها‪ ،‬إنها سنن ساطعة وحقائق ثابتة‪.‬‬
‫وجدير بالشارة أن الحكمة من صرامة وثبات السنن الربانية‪ :‬هو أن تنضبط‬
‫الموازين‪ ،‬وتستقر معايير الحكم على الشياء والمواقف والحداث والرجال؛‬
‫لكن من ناحية أخرى‪ :‬ل ينبغي أن يغتر المؤمن بهذا الطراد والستمرار؛ لنه‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فُروا ِفي الِبلد ِ ]‪[196‬‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬‫ب ال َ ِ‬


‫قل ّ ُ‬ ‫قد يورث الغفلة‪ ،‬قال تعالى‪}:‬ل ي َغُّرن ّ َ‬
‫ك تَ َ‬
‫مَهاُد]‪]{[197‬سورة آل عمران[ ‪.‬‬ ‫س ال ِ‬ ‫م وَب ِئ ْ َ‬‫جهَن ّ ُ‬
‫م َ‬ ‫ما ًَواهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ل ثُ ّ‬‫مَتاع ٌ قَِلي ٌ‬ ‫َ‬
‫كنون اقتصادي ّا ً‬ ‫فحين يشاهد المؤمن الكفار وهم يسعون في الرض ويم ّ‬
‫وسياسي ّا ً وعسكري ًّا‪ ،‬وتفيض عليهم كنوز الرض وخيراتها؛ فليعلم أن ذلك ليس‬
‫تمكين الرضا‪ ،‬بل يندرج ضمن تمكين الستدراج‪ ،‬أو سنة الملء؛ فمن سنن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ل ََها وَهِ َ‬
‫ي‬ ‫مل َي ْ ُ‬
‫من قَْري َةٍ أ ْ‬‫الله الجارية أن يملي للكفار قبل أن يهلكهم‪}:‬وَك َأّين ّ‬
‫صيُر]‪]{[48‬سورة الحج[ ‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ي ال َ‬ ‫خذ ْت َُها َوإل َ ّ‬‫م أَ َ‬‫ة ثُ ّ‬
‫م ٌ‬ ‫َ‬
‫ظال ِ َ‬

‫)‪(20 /‬‬

‫كما ينبغي أل يغتر المؤمن بديمومة وامتداد النعم‪ ،‬فدوامها ينسي ـ عادة ـ أنها‬
‫قد تزول في الدنيا بسبب من السباب‪ ،‬أو تضمحل وتذهب بموت النسان‪،‬‬
‫َ َ‬
‫م‬
‫مت ّعَْناهُ ْ‬‫ت إن ّ‬ ‫ولذلك نّبه القرآن الكريم إلى العتبار بفنائها وزوالها‪}:‬أفََرأي ْ َ‬
‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا‬ ‫ما أغَْنى عَن ُْهم ّ‬ ‫ن ]‪َ [206‬‬ ‫دو َ‬ ‫كاُنوا ُيوعَ ُ‬ ‫هم ّ‬ ‫جاء ُ‬
‫م َ‬ ‫ن ]‪ [205‬ث ُ ّ‬ ‫سِني َ‬ ‫ِ‬
‫ن]‪]{[207‬سورة الشعراء[ ‪.‬‬ ‫مت ُّعو َ‬ ‫يُ َ‬
‫سنن‪ :‬التغيير‪ ،‬التداول‪ ،‬النصر‪:‬‬
‫من أهم دللت سنة التغيير أن التغيير يبدأ من النفس سواء بالرتقاء‪ ،‬أو‬
‫م‪]...‬‬‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬‫ما ب َِأن ُ‬
‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬‫قوْم ٍ َ‬‫ما ب ِ َ‬‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫بالنتكاس والهبوط‪...}:‬إ ّ‬
‫‪]{[11‬سورة الرعد[ ‪ .‬فإذا وجدت السباب فالنتائج تتبعها؛ إذ إن حدوث‬
‫التغيير من الله مترتب على حدوثه من البشر سلبا ً وإيجابًا‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك‪ :‬فالتغيير في واقع الدعوة ومحيط الدعاة يتوقف على بذلهم ما‬
‫في الوسع؛ لتتوجه الجهود إلى العمل الجاد في التغيير الذي يبدأ من داخل‬
‫م‪ :‬تنفذ فيهم سنة الله في التغيير؛‬ ‫النفس‪ ،‬ومن داخل الصف المسلم‪ ،‬ومن ث َ ّ‬
‫دوا‬‫جاهَ ُ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫بناًء على تعرضهم لهذه السنة من خلل سلوكهم وأعمالهم‪َ}:‬وال ِ‬
‫ن]‪]{[69‬سورة العنكبوت[ ‪ .‬وقد‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬‫م ْ‬‫معَ ال ُ‬‫ه لَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫سب ُل ََنا َوإ ّ‬‫م ُ‬ ‫ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ‬
‫كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مكة يمثلون الجماعة التي‬
‫أخذت على عاتقها مسؤولية التغيير‪ ،‬وحماية الحق الذي آمنت به‪ ،‬وإن كان‬
‫من وراء ذلك جفوة الهل وسخط العشيرة وعذاب المل من قريش ونكالهم‪.‬‬
‫فلم يصرفهم الضطهاد والفتنة عن أن يضطلعوا بأعباء الدعوة‪ ،‬ويسعوا‬
‫جاهدين إلى تغيير ما بأنفسهم وتغيير واقعهم من واقٍع شركي إلى واقع‬
‫إيماني‪ ،‬فترى تغيير النفس في النماذج الكثيرة من الجيل الول الذي ما إن‬
‫يشهد أن ل إله إل الله‪ ،‬حتى يعود من فوره إلى بيته ليحطم الصنام التي‬
‫طالما عبدها‪ ،‬ويقطع العلئق والوشائج التي طالما وثقها حتى مع أقرب‬
‫الناس إليه‪.‬‬
‫وتلك الحال اليمانية الحية التي تمت نتيجة المجاهدة للنفس والشيطان قد‬
‫أثمرت بالفعل تغييرا ً جذري ّا ً وانفصال ً كليا ً عن الحياة السابقة‪ ،‬حيث انخلع‬
‫عرفها وتصورها وعاداتها وروابطها‪ ،‬وتللت‬ ‫المسلم من البيئة الجاهلية و ُ‬
‫ً‬
‫عقيدة التوحيد في نفسه‪ ،‬وصار مع المؤمنين‪ ،‬مانحا إياهم ولءه وحبه‪.‬‬
‫وللتنبيه‪ :‬فإن الفترة السابقة لمبعث النبي صلى الله عليه وسلم تعد ّ من‬
‫أحلك الفترات في تاريخ البشرية وأكثرها ضلل ً وضياعًا؛ والعالم البشري كله‬
‫كان يعيش حالة مزرية تحتاج إلى جهد ضخم وعمل هائل لتغيير أوضاعه‬
‫وعقائده وأنظمته‪ ،‬وانتشال الناس من هذا الواقع المؤلم الرهيب‪ ،‬فكان‬
‫العداد لتلك المهمة الضخمة يبدو ظاهرا ً جلي ّا ً في كل مرحلة من مراحل‬
‫صب وصبر وبلء‪.‬‬ ‫الدعوة‪ ،‬بل في كل خطوة من خطواتها‪ ،‬فالمر كله جد ّ ون َ َ‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م فََأنذِْر]‪]{[1‬سورة المدثر[ ‪ .‬قام النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫فمنذ نزلت‪}:‬قُ ْ‬
‫ل‪ ،‬نازل به قومه قريش والعرب قاطبة‪ ،‬ثم اليهود والدولة‬ ‫قياما ً جهادي ّا ً متواص ً‬
‫جَهادا ً ك َِبيرًا]‪]{[52‬سورة‬ ‫هم ب ِهِ ِ‬ ‫جاهِد ْ ُ‬ ‫البيزنطية‪ ،‬فجاهد الناس بالقرآن‪...}:‬وَ َ‬
‫الفرقان[ ‪ .‬كما جاهدهم بالحديد حتى يستقيموا على دين الله‪...}:‬وََأنَزل َْنا‬
‫ب‬ ‫ه ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫سل َ ُ‬
‫صُرهُ وَُر ُ‬ ‫من َين ُ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫س وَل ِي َعْل َ َ‬‫مَنافِعُ ِللّنا ِ‬ ‫ديد ٌ وَ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫س َ‬ ‫ديد َ ِفيهِ ب َا ً ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ال َ‬
‫زيٌز]‪]{[25‬سورة الحديد[ ‪.‬‬ ‫ه قَوِيّ عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إ ّ‬
‫حد َه ُ لَ‬ ‫ه وَ ْ‬ ‫ّ‬
‫حّتى ي ُعْب َد َ الل ُ‬ ‫ف َ‬ ‫سي ْ ِ‬ ‫ساعَةِ ِبال ّ‬ ‫ن ي َد َيْ ال ّ‬ ‫ت ب َي ْ َ‬‫وهذا ما أعلنه بقوله‪] :‬ب ُعِث ْ ُ‬
‫ف‬
‫خال َ‬‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫صَغاُر عَلى َ‬ ‫ة َوال ّ‬ ‫ّ‬
‫ل الذ ّل ُ‬ ‫جعِ َ‬ ‫حي وَ ُ‬ ‫م ِ‬‫ل ُر ْ‬ ‫ت ظِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ل رِْزِقي ت َ ْ‬ ‫جعِ َ‬ ‫ه وَ ُ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م[ رواه أحمد‪.‬‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫قوْم ٍ فَهُوَ ِ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫شب ّ َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ري وَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫أ ْ‬
‫ومن السنن الربانية‪ :‬مداولة اليام بين الناس‪ ،‬من الشدة إلى الرخاء‪ ،‬ومن‬
‫الرخاء إلى الشدة‪ ،‬ومن النصر إلى الهزيمة‪ ،‬ومن الهزيمة إلى النصر‪ :‬قال‬
‫ح مث ْل ُه وت ِل ْ َ َ‬
‫داوِل َُها ب َي ْ َ‬
‫ن‬ ‫م نُ َ‬ ‫ك الّيا ُ‬ ‫م قَْر ٌ ّ ُ َ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫س ال َ‬ ‫م ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ح فَ َ‬ ‫م قَْر ٌ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫تعالى‪}:‬إن ي َ ْ‬
‫ن]‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ب الظال ِ ِ‬ ‫ح ّ‬‫ه ل يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫داَء َوالل ُ‬ ‫شهَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ُ‬
‫منك ْ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫مُنوا وَي َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫س وَل ِي َعْل َ َ‬ ‫الّنا ِ‬
‫‪]{[140‬سورة آل عمران[ ‪ .‬وهذه السنة نافذة بحسب ما تقتضيه سنة تغيير‬
‫ك مغَيرا ً نعم ً َ‬ ‫ما بالنفس‪}:‬ذ َل َ َ‬
‫ما‬‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫مَها عََلى قَوْم ٍ َ‬ ‫ة أن ْعَ َ‬ ‫م يَ ُ ُ ّ ّ ْ َ‬ ‫ه لَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬
‫م‪]{[53]...‬سورة النفال[ ‪.‬‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ب َِأن ُ‬
‫وهنا يضع الله عز وجل أيدينا على سر عظيم‪ ،‬وهو ارتباط المداولة بين المم‬
‫والدول والمجتمعات مع التغيير النفسي والذاتي في المة؛ فسقوط‬
‫الحضارات ونهوضها‪ ،‬والمم في ارتفاعها وهبوطها‪ ،‬مرتبطة بهذا التغيير‬
‫النفسي في مسارها عبر التاريخ والحاضر والمستقبل‪ ،‬وهي سنة ماضية ثابتة‬
‫ل تتغير ول تتبدل‪.‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫م الله تعالى‬ ‫َ‬


‫يقول رشيد رضا رحمه الله في 'تفسير المنار'‪ ...':10/42‬إن أن ْعُ َ‬
‫على القوام والمم منوطة ابتداًء ودواما ً بأخلق وصفات وعقائد وعوائد‬
‫وأعمال تقتضيها‪ ،‬فما دامت هذه الشؤون لصقة بأنفسهم متمكنة منها‪ ،‬كانت‬
‫تلك النعم ثابتة بثباتها‪ ،‬ولم يكن الرب الكريم ينتزعها منهم انتزاعا ً بغير ظلم‬
‫ول ذنب‪ ،‬فإذا هم غّيروا ما بأنفسهم من تلك العقائد والخلق وما يترتب عليها‬
‫من محاسن العمال غّير الله عندئذٍ ما بأنفسهم وسلب نعمته منهم'‪ .‬وهذا‬
‫السلب يكون بالدالة عليهم؛ بتسليط عدو عليهم يستأصل شأفتهم‪ ،‬ويكون‬
‫ذلك سببا ً في انهيارهم‪ ،‬وزوال ملكهم جزاء فسقهم وعصيانهم‪.‬‬
‫ومن أسباب الفتن وزوال النعم‪ :‬أن يفشو فيهم الظلم‪ ،‬وعدم إقامة العدل‪،‬‬
‫والجهر بالمعاصي‪ ،‬فيأخذهم الله بالسنن‪ ،‬ويبتليهم بالمراض والفقر‪ ،‬ويجعل‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل عَل َي َْنا َر ُ‬ ‫ل أ َقْب َ َ‬ ‫مَر َقا َ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ّ‬
‫ن عَب ْدِ اللهِ ب ْ ِ‬ ‫بأسهم بينهم‪ ،‬فَعَ ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫عوذ ُ ِباللهِ أ ْ‬
‫ن‬ ‫ن وَأ ُ‬ ‫م ب ِهِ ّ‬ ‫س إ َِذا اب ْت ُِليت ُ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫شَر ال ُ‬ ‫معْ َ‬ ‫ل‪َ ] :‬يا َ‬ ‫قا َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫م‬
‫شا ِفيهِ ْ‬ ‫حّتى ي ُعْل ُِنوا ب َِها إ ِّل فَ َ‬ ‫ط َ‬ ‫ة ِفي قَوْم قَ ّ‬
‫ٍ‬ ‫ش ُ‬ ‫ح َ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ت َظ ْهَْر ال ْ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫كوهُ ّ‬ ‫ت ُد ْرِ ُ‬
‫صوا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ق ُ‬ ‫م ي َن ْ ُ‬ ‫وا وَل ْ‬ ‫ض ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫سلفِهِ ْ‬ ‫ت ِفي أ ْ‬ ‫ض ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ت َك ْ‬ ‫جاعُ الِتي ل ْ‬ ‫ن َوالوْ َ‬ ‫عو ُ‬ ‫طا ُ‬
‫م‬‫م وَل َ ْ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬ ‫طا ِ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫جوْرِ ال ّ‬ ‫مُئون َةِ وَ َ‬ ‫شد ّةِ ال ْ َ‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫سِني َ‬ ‫ذوا ِبال ّ‬ ‫خ ُ‬‫ن إ ِّل أ ُ ِ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫ل َوال ْ ِ‬ ‫مك َْيا َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫َ‬
‫مط َُروا وَل َ ْ‬
‫م‬ ‫م يُ ْ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ماِء وَل َوَْل ال ْب ََهائ ِ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫قط َْر ِ‬ ‫من ُِعوا ال ْ َ‬ ‫م إ ِّل ُ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫كاة َ أ ْ‬ ‫من َُعوا َز َ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ذوا‬ ‫خ ُ‬ ‫م فَأ َ‬ ‫ن غَي ْرِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م عَد ُّوا ِ‬ ‫ه عَلي ْهِ ْ‬ ‫سلط الل ُ‬ ‫سول ِهِ إ ِل َ‬ ‫ضوا عَهْد َ اللهِ وَعَهْد َ َر ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫ي َن ْ ُ‬
‫هّ‬ ‫ما أن َْز َ‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ُ‬ ‫م ّ‬ ‫خي ُّروا ِ‬ ‫ب اللهِ وَي َت َ َ‬ ‫م ب ِك َِتا ِ‬ ‫مت ُهُ ْ‬ ‫م أئ ِ ّ‬ ‫حك ْ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ما ل ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ما ِفي أي ْ ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ب َعْ َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫م[ رواه ابن ماجة‪.‬‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ه ب َأ َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫إ ِّل َ‬
‫وقد تكون الدالة على المسلمين بتخلف النصر عنهم حين يتركون طاعة‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرسول‪ ،‬أو يطمعون في الغنيمة كما حدث في غزوة أحد‪ ،‬أو حين يركنون‬
‫لكثرة العدد‪ ،‬ويعجبون بأنفسهم‪ ،‬وينسون سندهم الصيل كما وقع في غزوة‬
‫حنين‪ .‬وحينئذ تكون الغلبة لغيرهم بصفة مؤقتة‪ ،‬لحكمة هي استكمال حقيقة‬
‫اليمان ومقتضاه من العمال‪ ،‬ومتى تحقق ذلك جاء النصر؛ لن 'الهزيمة في‬
‫معركة ل تكون هزيمة إل إذا تركت آثارها في النفوس همودا ً وكلل ً وقنوطًا‪،‬‬
‫صرت بالمزالق‪ ،‬وكشفت عن طبيعة‬ ‫فأما إذا بعثت الهمة‪ ،‬وأذكت الشعلة‪ ،‬وب ّ‬
‫المعركة وطبيعة العقيدة وطبيعة الطريق‪ :‬فهي المقدمة الكيدة للنصر‬
‫الكيد']طريق الدعوة في ظلل القرآن‪ ،‬ص ‪.[248‬‬
‫إن سنة النصر ل تتخلف متى استوفيت الشروط‪ ،‬وأهمها‪:‬‬
‫الستقامة على منهج الله بطاعة أمره واتباع رسوله‪ :‬قال تعالى‪...}:‬إن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قد ْ‬
‫م]‪]{[7‬سورة محمد[ ‪ .‬وقال تعالى‪}:‬وَل َ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫دا َ‬‫ت أقْ َ‬ ‫م وَي ُث َب ّ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫ه َين ُ‬ ‫صُروا الل ّ َ‬ ‫َتن ُ‬
‫ن‬
‫ن ]‪َ [172‬وإ ّ‬ ‫صوُرو َ‬ ‫من ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫َ‬
‫م لهُ ُ‬ ‫ن ]‪ [171‬إن ّهُ ْ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫مت َُنا ل ِعَِبادَِنا ال ُ‬ ‫َ‬
‫ت كل ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬‫َ‬
‫ن]‪]{[173‬سورة الصافات[ ‪.‬‬ ‫م الَغال ُِبو َ‬ ‫َ‬
‫جند ََنا لهُ ُ‬ ‫ُ‬
‫مُنوا إَذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وجاءت عوامل النصر جلية واضحة في قوله تعالى‪َ}:‬يا أي َّها ال ِ‬
‫هّ‬ ‫َ‬
‫طيُعوا الل َ‬ ‫ن ]‪ [45‬وَأ ِ‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م تُ ْ‬ ‫ه ك َِثيرا ً ل ّعَل ّك ُ ْ‬ ‫ة َفاث ْب ُُتوا َواذ ْك ُُروا الل ّ َ‬ ‫م فِئ َ ً‬ ‫قيت ُ ْ‬ ‫لَ ِ‬
‫ن]‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صب ُِروا إ ّ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫ب ِري ُ‬ ‫شُلوا وَت َذ ْهَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫عوا فَت َ ْ‬ ‫ه َول ت ََناَز ُ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫‪]{[46‬سورة النفال[ ‪.‬‬
‫وإذا تخلفت هذه السباب؛ تخلف النصر بطبيعة الحال‪ ،‬وربما حلت الهزيمة؛‬
‫لن سنن الله تعالى ل تحابي ول تجامل أحدا ً من الخلق‪ ،‬ول تجاري أهواء‬
‫ن الذين يرثون الكتاب وراثة بالسم وشهادة‬ ‫البشر‪ ،‬وإنما تساير أعمالهم‪ ،‬وإ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الميلد‪ ،‬ول يترجمون ما فيه من الوامر والنواهي واقعا سلوكي ّا‪ ،‬ثم يقولون‪:‬‬
‫سيغفر لنا!‪ ..‬ل يستجيب الله لهم حتى يعودوا إلى العمل بما أمرهم الله في‬
‫ض هَ َ‬
‫ذا‬ ‫ن عََر َ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ب ي َا ً ُ‬ ‫ف وَِرثوا الك َِتا َ‬ ‫خل ْ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫كتابه المنزل‪}:‬فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ال َد َْنى وَي َ ُ‬
‫ؤخذ ْ عَلي ِْهم‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ذوهُ أل ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ه ي َا ُ‬ ‫مث ْل ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫م عََر ٌ‬ ‫فُر لَنا َوإن ي َات ِهِ ْ‬ ‫سي ُغْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬
‫َ‬
‫خَرةُ‬ ‫داُر ال ِ‬ ‫ما ِفيهِ َوال ّ‬ ‫سوا َ‬ ‫حقّ وَد ََر ُ‬ ‫قوُلوا عََلى الل ّهِ إل ّ ال َ‬ ‫ب أن ل ّ ي َ ُ‬ ‫ميَثاقُ الك َِتا ِ‬ ‫ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ن]‪]{[169‬سورة العراف[ ‪.‬‬ ‫قلو َ‬ ‫ن أَفل ت َعْ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫ن ي َت ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫خي ٌْر لل ِ‬ ‫َ‬
‫وبناْء على ذلك‪ ،‬فإن السنن ل تحيد ول تميل مع الماني‪ ،‬وإنما تتأثر بالعمال‬
‫الجيدة والجهود المنظمة والمخططات المحكمة؛ للوصول إلى النتائج‬
‫المحددة المطلوبة‪ .‬ومعنى ذلك‪ :‬أنه ل يمكن أن يكون النصر بغير اتخاذ‬
‫السباب سواء أتعلق المر بالمؤمنين أم بالكفار‪.‬‬

‫)‪(22 /‬‬

‫سؤال مهم‪ :‬قد يتبادر إلى الذهن وهو‪ :‬ماذا يحدث لو وافق المسلمون السنن‬
‫اللهية في التغيير واستيفاء شروط النصر‪ ،‬فأخذوا بالسباب واستكملوا‬
‫ما‬
‫طا وتنظي ْ‬ ‫العداد للجهاد‪ ،‬غير أن أعداءهم كانوا أكثر كفاءة منهم تخطي ْ‬
‫وقوة؟‬
‫والجواب‪ :‬إن المؤمنين حين يغيرون ما بأنفسهم‪ ،‬ويستكملون أدوات النصر ل‬
‫يضرهم تفوق العداء عليهم؛ لن سنة أخرى تتدخل‪ ،‬وهي وعد الله بالتمكين‬
‫ن]‪]{[47‬سورة الروم[‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫صُر ال ُ‬ ‫حقا ً عَل َي َْنا ن َ ْ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫والنصر لعباده المؤمنين‪}:‬وَ َ‬
‫ل]‪]{[141‬سورة النساء[ ‪.‬‬ ‫سِبي ً‬ ‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن عََلى ال ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ه ل ِل ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫‪...} .‬وََلن ي َ ْ‬
‫جعَ َ‬
‫َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬
‫شَهاُد]‪{[51‬‬ ‫م ال ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫مُنوا ِفي ال َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫صُر ُر ُ‬‫}إّنا ل ََنن ُ‬
‫]سورة غافر[ ‪ .‬وقد يتأخر ويبطئ نصر الله لحكمة ما‪ ،‬لكن في نهاية المطاف‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صُرَنا‬
‫م نَ ْ‬ ‫م قَد ْ ك ُذُِبوا َ‬
‫جاَءهُ ْ‬ ‫ل وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫س الّر ُ‬ ‫حّتى إَذا ا ْ‬
‫ست َي ْأ َ‬ ‫ت ل محالة‪َ }:‬‬ ‫هو آ ٍ‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن]‪]{[110‬سورة يوسف[ ‪.‬‬ ‫مي َ‬


‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قوْم ِ ال ُ‬ ‫ن ال َ‬ ‫شاُء َول ي َُرد ّ ب َا ً ُ‬
‫سَنا عَ ِ‬ ‫من ن ّ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ج َ‬ ‫فَن ُ ّ‬
‫من 'مجلة البيان' العدد ‪ 116 ، 115‬مقال‪':‬العلم بالسنن الربانية' د‪ .‬محمد‬
‫أمحزون‬
‫================‬
‫انتفاضة القصى ‪ ،‬إنها السنن‬
‫د‪ .‬عبد الغني بن أحمد مزهر التميمي )*(‬
‫أود في هذه الصفحات أن أتناول شيئا ً من دراسة الواقع اليهودي في‬
‫فلسطين‪ ،‬وما يمتد له من حبل الناس على ضوء السنن اللهية التي بّينها‬
‫الكتاب العزيز والسنة النبوية الثابتة‪ ،‬وأختصر قدر ما يسعني الختصار‪.‬‬
‫وألخص هذا الموضوع في نقاط تسهيل ً على نفسي وعلى القارئ‪:‬‬
‫‪ - 1‬عندما يطرأ حدث كبير أو تقع مشكلة كبيرة لها أثرها وانعكاسها على‬
‫الواقع سواء على المستوى الفردي‪ ،‬أو المستوى الجماعي‪ ،‬فأول ما ينبغي‬
‫على المسلم أن يفعله للتماس المخرج هو الحكم الشرعي‪ ،‬أي حكم الله ـ‬
‫تعالى ـ في ذلك؛ وبناًء عليه يقوم بتحديد موقفه من هذا الحدث أو من هذه‬
‫المشكلة‪.‬‬
‫إن ما يميز المسلم عن غيره أنه أعلن استسلمه وأعطى قياده وخضوعه‬
‫لحكم الله وشرعه‪ ،‬فلم يعط القياد والطاعة ل لقبيلة‪ ،‬ول لمصلحة خاصة‪ ،‬ول‬
‫لقوم‪ ،‬ول لكثرية‪ ...‬ول لغير ذلك‪ .‬وكل معالجة للمواقف والحداث ل توزن‬
‫بهذا الميزان فهي خطأ ولو وافقت الصواب »أجل خطأ ولو وافقت‬
‫الصواب«‪.‬‬
‫‪ - 2‬النتفاضة في فلسطين المحتلة حدث كبير له آثاره وانعكاساته على‬
‫المة‪ ،‬فينبغي الرجوع ابتداًء إلى الحكم الشرعي لتكييف وتأصيل هذا الحدث‪،‬‬
‫ومن ثم اتخاذ الموقف الحق منه‪.‬‬
‫وهذا أمر في غاية الخطورة والهمية؛ لن معنى الرجوع إلى الحكم الشرعي‬
‫ابتداًء المسارعة إلى المتثال والعمل بعد وضوح الرؤية؛ فإن لم نستطع‬
‫مُعوا‬‫س َ‬
‫م َوا ْ‬‫ست َط َعْت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬‫ه َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫نعذر؛ لننا لم ن ُك َّلف فوق طاقتنا } َفات ّ ُ‬
‫طيُعوا { ]التغابن‪.[16 :‬‬ ‫َ‬
‫وَأ ِ‬
‫وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪» :‬إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم‪ ،‬وما‬
‫نهيتكم عنه فاجتنبوه«)‪.(1‬‬
‫هذا هو الصل في تلقي المسلم لمر ربه؛ وليس النظر ابتداًء إلى الظروف‪:‬‬
‫حل العذار لترك العمل؛ وهنا ـ أي في‬ ‫هل هي مساعدة على ذلك أو ل؟ أو تم ّ‬
‫شأن النتفاضة ـ ليس المطلوب ابتداًء النظر إلى توازن القوى‪ ،‬أو الظروف‬
‫الدولية والقليمية حتى نحدد الموقف من النتفاضة على ضوئه‪ ،‬وإل لم يكن‬
‫هناك فرق بين المسلم وبين غيره في هذا‪.‬‬
‫إن هذا النهج قد أصبح مع السف شأن كثير أو بعض من المسلمين؛ وذلك‬
‫لتأثر المجتمعات بمنهج »فصل الدين عن الحياة« وهو ما أنشأ ما يسمى‬
‫بالموقف الديني‪ ،‬والموقف السياسي أو ما يسمى برجل الدين‪ ،‬ورجل‬
‫السياسة؛ ليس عن تنوع اختصاص بل عن افتراق كامل بين الموقفين‪ ،‬وبين‬
‫الرجلين‪ ،‬وهذا ل علقة لدين السلم الذي ارتضاه الله ـ تعالى ـ لعباده به‪.‬‬
‫ن قَوْ َ‬
‫ل‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫أما منهج السلم فيتمثل في قول الله ـ جل وعل ـ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫م َأن ي َ ُ‬
‫معَْنا وَأطعَْنا‬ ‫س ِ‬‫قوُلوا َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬‫حك ُ َ‬‫سول ِهِ ل ِي َ ْ‬ ‫عوا إ َِلى الل ّهِ وََر ُ‬ ‫ن إ َِذا د ُ ُ‬‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫ن { ]النور‪.[51 :‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م ْ‬‫م ال ْ ُ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫وَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫إن موقف المسلم من أي قضية ينبغي أل ّ يتكون من تأثير بيئة أو عرف‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعارف عليه قومه‪ ،‬أو أكثرية تضغط باتجاهه‪ ،‬أو ظرف دولي مهما بلغ؛ بل‬
‫ينبغي أن يكون من رؤية واضحة جلية منبثقة من فهم الحكم الشرعي ثم‬
‫الستعداد التام للنقياد له‪ ،‬وما يطرأ بعد ذلك أو خلله من ظروف وضغوط‬
‫تحلل وتدرس دراسة شرعية على ضوء الدلة الخاصة والصول العامة التي‬
‫تتضمن رفع الحرج‪ ،‬وإزالة الضرر‪ ،‬وتقدير الضرورات بقدرها‪ ،‬والموازنة بين‬
‫المصالح والمفاسد‪ ..‬وغير ذلك من القواعد الشرعية‪.‬‬

‫)‪(23 /‬‬

‫‪ - 3‬ل ينبغي أن نفهم قضية فلسطين مهما بلغت حماستنا لها‪ ،‬وغيرتنا عليها‪،‬‬
‫وتألمنا على مسارها إل ّ من منظور الحكم الشرعي‪ ،‬وهذا واجب علينا‬
‫باعتباره جزءا ً من مفهوم متكامل ومنهج شامل للحياة‪ ،‬وعلى ذلك ل تكون‬
‫نصرتنا لخواننا في فلسطين باعثها الشفقة‪ ،‬ول العاطفة النسانية‪ ،‬ول‬
‫الحماسة الوطنية‪ ،‬ول المروءة والنخوة العربية والقومية‪ ،‬ول أواصر الدم أو‬
‫الجوار‪ ،‬بل يكون باعثها اللتزام والتقييد بالحكم الشرعي الذي تعّين علينا‬
‫معرفته‪ ،‬وما يترتب عليه من مسؤولية تجاه المسلمين المظلومين في‬
‫خ الحياة في قضايانا السلمية‬ ‫فلسطين‪ ،‬وهذا الفهم هو الذي يظل يض ّ‬
‫المتعددة‪ ،‬ويطبع أعمالنا بطابع التعبد لله سبحانه‪.‬‬
‫‪ - 4‬معرفة الحكم الشرعي وحدها ل تكفي بل ل بد من حشد القوة اليمانية‬
‫وإيجاد الطاقة التربوية التي تدفع إلى امتثال أمر الله واجتناب نهيه برضى‬
‫وتسليم وصبر وتضحية‪.‬‬
‫وإل فكم من المسلمين يعرفون أن الربا حرام ويأكلونه‪ ،‬والخمر حرام‬
‫ويشربونها‪ ،‬والصلة ركن من أركان الدين ويهدمونه!‬
‫مد الطاقة اليمانية ويقلص أثرها اليأس الناتج عن النظرة‬ ‫‪ - 5‬مما يج ّ‬
‫والمقارنة الواقعية بين المسلمين وبين أعدائهم؛ ولهذا ل بد من اقتلع جذور‬
‫اليأس من نفس المسلم‪ ،‬ومما يساعد على ذلك‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إدراك أن اليأس من كبائر الذنوب وموبقاتها‪ ،‬وأنه ل يجتمع مع اليمان‬
‫خيهِ وَل َ‬ ‫ف وَأ َ ِ‬ ‫س َ‬ ‫من ُيو ُ‬ ‫سوا ْ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ي اذ ْهَُبوا ْ فَت َ َ‬ ‫يا ب َن ِ ّ‬‫الحق كما قال ـ تعالى ـ‪َ } :‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]يوسف‪:‬‬ ‫َ‬
‫م الكافُِرو َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫من ّروِْح اللهِ إ ِل ال َ‬ ‫س ِ‬ ‫ه ل َ ي َي ْأ ُ‬‫من ّروِْح الل ّهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫سوا ْ ِ‬
‫ت َي ْأ ُ‬
‫‪[87‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ب ‪ -‬شواهد التاريخ تمنع من وقوع اليأس؛ فإن اليام دول‪ ،‬والدهر قلب‪ ،‬وإذا‬
‫ف عبده‪،‬‬ ‫كان المؤمن يأوي إلى ركن الله الوثيق ففيم اليأس؟ أليس الله بكا ٍ‬
‫وهو على كل شيء قدير؟ وهو الذي يدبر المر من السماء إلى الرض‪ ،‬ول‬
‫يعجزه شيء في الرض ول في السماء‪ ،‬وكل يوم هو في شأن سبحانه؛ ففيم‬
‫اليأس؟! لكن على المسلم أن يرى أين موقعه من دين الله‪ :‬هل في‬
‫الصفوف الولى‪ ،‬أو هو خارج الميدان؟‬
‫ج ‪ -‬لقد كان اليهود أقوى حصونا ً وأمنع قلعا وأكثر مال ً من المسلمين في‬‫ً‬
‫ن أنهم مانعتهم حصونهم وقلعهم‪ ،‬وظن‬ ‫المدينة حتى حملهم هذا على ظ ّ‬
‫بعض المسلمين أنهم لن يخرجوا‪ ،‬فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا؛ فهم‬
‫حسبوا حساب جند المسلمين أن يأتوا من البواب‪ ،‬أو من فوق السوار‪،‬‬
‫فأخذوا حذرهم‪ ،‬وإذا بالرعب الذي ل تمنع منه حصون ول أسوار يتسلل إلى‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ج ال ّ ِ‬‫خَر َ‬ ‫ذي أ َ ْ‬ ‫قلوبهم ويقذف فيها قذفا ً فيستسلمون‪ ،‬قال ـ تعالى ـ‪} :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫جوا وَظ َّنوا‬ ‫خُر ُ‬‫م َأن ي َ ْ‬ ‫ما ظ ََننت ُ ْ‬ ‫شرِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫م ِلوّ ِ‬ ‫من دَِيارِهِ ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا‬‫ِ‬ ‫ن أ َهْ‬‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫كَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ف ِفي‬ ‫سُبوا وَقَذ َ َ‬ ‫حت َ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ث لَ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫ن الل ّهِ فَأَتاهُ ُ‬ ‫م َ‬‫صون ُُهم ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ُ‬ ‫مان ِعَت ُهُ ْ‬
‫أن ُّهم ّ‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب { ]الحشر‪.[2 :‬‬ ‫م الّرعْ َ‬ ‫قُُلوب ِهِ ُ‬


‫د ‪ -‬قد أخبر الله ـ تعالى ـ عن اليهود أنه ألقى بينهم العداوة والبغضاء إلى‬
‫ة‬
‫م ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫ضاء إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ‬ ‫داوَة َ َوال ْب َغْ َ‬
‫م ال ْعَ َ‬ ‫قي َْنا ب َي ْن َهُ ُ‬‫يوم القيامة‪ .‬قال ـ سبحانه ـ‪} :‬وَأ َل ْ َ‬
‫َ‬
‫م‬‫{ ]المائدة‪ ،[64 :‬وكما قال ـ سبحانه ـ في شأن النصارى‪ } :‬فَأغَْري َْنا ب َي ْن َهُ ُ‬
‫مةِ { ]المائدة‪.[14 :‬‬ ‫قَيا َ‬‫ضاء إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ‬ ‫داوَة َ َوال ْب َغْ َ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫وبين )ألقينا( )وأغرينا( فرق يحتاج إلى تأمل‪.‬‬
‫أما فيما بين اليهود وبين حلفائهم فقد أخبر ـ سبحانه وهو الحكيم الخبير ـ أن‬
‫هذا أمر ظاهري فقط وإل ّ فإن مصالحهم شتى‪ ،‬وقلوبهم شتى‪ .‬قال ـ جل‬
‫شتى ذ َل َ َ‬ ‫ْ‬
‫م‬‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫م َ ّ‬ ‫ميًعا وَقُُلوب ُهُ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫سب ُهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ديد ٌ ت َ ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬
‫سهُ ْ‬ ‫جد ُرٍ ب َأ ُ‬ ‫وعل ـ‪ُ } :‬‬
‫ن { ]الحشر‪ ،[14 :‬أي تراهم مجتمعين فتحسبهم مؤتلفين‪ ،‬وهم‬ ‫قلو َ‬ ‫ُ‬ ‫م ّل ي َعْ ِ‬ ‫قَوْ ٌ‬
‫مختلفون غاية الختلف‪ .‬قال إبراهيم النخعي ـ رحمه الله ـ‪» :‬يعني أهل‬
‫الكتاب والمنافقين«)‪.(1‬‬
‫ولو فرض أن حلفاء اليهود من نصارى ومنافقين وغيرهم أخلصوا لليهود فإن‬
‫اليهود ل يخلصون لجنسية أخرى ول لهل دين آخر مهما بذل لهم‪ ،‬وما زالوا‬
‫يتآمرون على حلفائهم‪ ،‬ويتجسسون عليهم‪ ،‬ويسرقون أسرارهم العسكرية‪،‬‬
‫وغير ذلك على رغم كل ما بذلوه لهم‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬إن اليهود قد ضرب الله ـ تعالى ـ عليهم الذلة والمسكنة أينما ثقفوا‪،‬‬
‫ما‬ ‫واستثنى من ذلك حالتين كما قال ـ سبحانه ـ‪ } :‬ضربت عَل َيهم الذ ّل ّ ُ َ‬
‫ن َ‬ ‫ة أي ْ َ‬ ‫ِْ ُ‬ ‫ُ َِ ْ‬
‫ت‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ض‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ب ّ َ‬
‫م‬ ‫ض ٍ‬‫ؤوا ب ِغَ َ‬ ‫س وََبآ ُ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫فوا ْ إ ِل ّ ب ِ َ‬ ‫ث ُقِ ُ‬
‫ِ َ ُ َِ ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬‫ل ّ‬ ‫حب ْ ٍ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫حب ْ ٍ‬
‫ن { ]آل عمران‪.[112 :‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َك ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬‫ة ذ َل ِ َ‬ ‫سك َن َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫عَل َي ْهِ ُ‬

‫)‪(24 /‬‬

‫وحبل الله ـ تعالى ـ هو عقد الذمة لهم‪ ،‬أما حبل الناس فقد ذهب بعض‬
‫هد والمهاَدن والسير‪ ،‬وهذا غير‬‫المفسرين إلى أنه المان كما في المعا َ‬
‫صحيح؛ لن المان هو من حبل الله ـ تعالى ـ كعقد الذمة‪ ،‬والصح أن‬
‫المقصود بحبل الناس هو الدعم والتأييد الذي يكون من الناس لهم‪ ،‬وهذا‬
‫يشير إلى أنهم أبدا ً في حاجة إلى دعم من الناس‪.‬‬
‫وهذا الدعم والتأييد تمثل في عصرنا في القوتين العظميين‪ :‬روسيا‪ ،‬وأمريكا‪.‬‬
‫أما روسيا فقد آلت إلى ضعف وهوان‪ ،‬وأما أمريكا فإنها في الثر طال الزمن‬
‫أو قصر‪.‬‬
‫وهذه الصفات التي ذكرت في اليهود من الهوان والذلة والمسكنة‪ ،‬والحاجة‬
‫إلى دعم غيرهم لهم وغير ذلك تجعلهم غير مؤهلين لمامة العالم‪ ،‬وقد‬
‫سحبت هذه المامة منهم ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وصلُته في بيت‬
‫المقدس بجميع النبياء إشعار بهذا المر‪.‬‬
‫‪ -6‬ل يجوز للمسلم أن ينسى حقائق القرآن أو يهتز إيمانه بها لعوارض‬
‫الواقع؛ فمن حقائق القرآن أن اليهود ضربت عليهم الذلة والمسكنة‪ ،‬ومن‬
‫عوارض الواقع أنهم يملكون ويبطشون‪ ،‬وأن العالم يستمع لهم وينحني لهم‬
‫في هذه اليام‪.‬‬
‫ومن حقائق القرآن أن الله ـ تعالى ـ يبعث عليهم إلى يوم القيامة من‬
‫يسومهم سوء العذاب‪ ،‬وأنهم كلما أوقدوا نارا ً للحرب أو فتنة مؤامرات‬
‫أطفأها الله‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن عوارض الواقع أن دول عظمى تقف إلى جانبهم‪ ،‬وأن كيدهم ومكرهم‬
‫مستمر؛ لكن ينبغي النظر إلى أن هذا الذي يبدو مخالفا ً في الظاهر هو أمر‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عارض سريع التحول‪ ،‬وهو قصير إذا ما قورن بواقع الضطهاد والذلة في‬
‫التاريخ اليهودي؛ فقد تعرض اليهود للقهر في العصر الحديث من قَِبل ألمانيا‬
‫وفرنسا والنمسا والمجر وأوروبا الشرقية‪ .‬إن المور بحقائقها ل بظواهرها‪،‬‬
‫كات اليمان؛ فإن‬ ‫وبما تؤول إليه ل بما تبدو عليه‪ ،‬وهذا من أعظم مح ّ‬
‫المنافقين ومن في قلوبهم مرض وضعاف اليمان يتهاوى ما لديهم من إيمان‬
‫صر دينه‪،‬‬ ‫مع أدنى خوف وفزع‪ ،‬وتبرز لديهم الظنون بالله ـ سبحانه ـ‪ :‬هل ين ُ‬
‫صل الدين ول يقوم للمؤمنين بعد اليوم قائمة؟‬ ‫هل ينتصر أولياؤه‪ ،‬أو سي َُتأ َ‬
‫ً‬
‫لما ابتلي المؤمنون في الحزاب‪ ،‬وزلزلوا زلزال ً شديدا حينئذ ظهر النفاق‪،‬‬
‫ل‬‫قو ُ‬ ‫وتكلم الذين في قلوبهم مرض بما في أنفسهم‪ .‬قال ـ سبحانه ـ‪ } :‬وَإ ِذ ْ ي َ ُ‬
‫ه إ ِّل غُُروًرا {‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ما وَعَد ََنا الل ّ ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِِهم ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬‫ال ْ ُ‬
‫]الحزاب‪ ،[12 :‬وقال بعض هؤلء‪» :‬كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى‬
‫وقيصر‪ ،‬وأحدنا ل يقدر على أن يذهب إلى الغائط«)‪ .(1‬إنه الغراق في‬
‫اليمان بالمحسوس‪ ،‬وعدم اليقين بالغيب‪ ،‬وبوعد الله ورسوله‪.‬‬
‫ولهذا يجب أن يكون فهمنا للمتغيرات الواقعية والتاريخية في المم‬
‫والجماعات والفراد أكثر عمقًا‪ ،‬وأدق تصورًا‪ ،‬وأن يكون على ضوء قواعد‬
‫يقينية مقطوع بها وليس مستندا ً إلى أمور ظاهرية آنية‪.‬‬
‫ومن هذه القواعد‪:‬‬
‫‪ -‬للكون إله خالق مدبر سميع بصير‪ ،‬حكم عدل قاهر قادر‪ ،‬يعز من يشاء‬
‫ويذل من يشاء‪ ،‬ل يعجزه شيء في الرض ول في السماء‪.‬‬
‫قو ُ‬
‫ل‬ ‫‪ -‬الكون يخلو من العبثية والفوضى والمصادفة‪ .‬قال ـ جل وعل ـ‪} :‬وَإ ِذ ْ ي َ ُ‬
‫ه إ ِّل غُُروًرا‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ما وَعَد ََنا الل ّ ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِِهم ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬‫ال ْ ُ‬
‫ما َل ِ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫عِبي َ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت َواْلْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫قَنا ال ّ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫]الحزاب‪ ،[12 :‬وقال‪} :‬وَ َ‬
‫]النبياء‪.[16 :‬‬
‫‪ -‬النس والجن قاطبة مخلوقون لتوحيد الله ـ تعالى ـ وطاعته وعبادته‪ ،‬وليس‬
‫هناك أمة منهم أو فئة ل تجري عليها سنن الله ـ تعالى ـ في الخلق عزا ً وذلة‬
‫أو عقوبة ومثوبة‪.‬‬
‫ديلً‬ ‫ّ‬
‫ت اللهِ ت َب ْ ِ‬ ‫سن ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قال ـ تعالى ـ‪ } :‬فهَ ْ‬
‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ن فلن ت َ ِ‬ ‫ت الوِّلي َ‬ ‫سن ّ َ‬ ‫ن إ ِل ُ‬ ‫ل َينظُرو َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ف‬ ‫َ‬
‫ض فَينظُروا كي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫ويل }‪ { 43‬أوَل ْ‬ ‫ح ِ‬‫ت الل ّهِ ت َ ْ‬ ‫سن ّ ِ‬ ‫وََلن ت َ ِ‬
‫جد َ ل ِ ُ‬
‫َ‬
‫من‬ ‫جَزهُ ِ‬ ‫ه ل ِي ُعْ ِ‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫م قُوّة ً وَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫كاُنوا أ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ّ ِ‬
‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ديًرا { ]فاطر‪.[44 ،43 :‬‬ ‫ما قَ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ماَوا ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن عَِلي ً‬ ‫كا َ‬ ‫ض إ ِن ّ ُ‬ ‫ت وَل ِفي الْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫يٍء ِفي ال ّ‬ ‫ش ْ‬
‫وهنا يرد سؤال واقعي‪:‬‬
‫هل الحضارة المعاصرة على اختلف مواطنها لها استثناء من الهلك وحصانة‬
‫من الزوال والعقاب اللهي؟ هل هي أكبر من أن تنالها قدرة الله؟ أم أن‬
‫الحضارة المعاصرة بما يمثلها من دول ومجتمعات ما هي إل حلقة من‬
‫حلقات التاريخ البشري يجري عليها كل ما يجري على غيرها من حضارات‬
‫سابقة اتجهت وجهتها وبغت بغيها؟‬
‫هذا هو جواب الكتاب العزيز الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه‬
‫تنزيل من حكيم حميد‪:‬‬
‫مد ّك ِرٍ { ]القمر‪.[51 :‬‬ ‫م فَهَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قد ْ أهْلكَنا أ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قال ـ جل وعل ـ } وَل َ َ‬
‫من ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫شَياعَك ْ‬
‫ن{‬ ‫َ‬
‫ل اْلوِّلي َ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫ضى َ‬ ‫م َ‬ ‫شا وَ َ‬ ‫من ُْهم ب َط ْ ً‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫وقال ـ سبحانه ـ‪ } :‬فَأ َهْل َك َْنا أ َ‬
‫َ‬
‫]الزخرف‪.[8 :‬‬

‫)‪(25 /‬‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ذاُقوا وبا َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م وَل َهُ ْ‬ ‫مرِهِ ْ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ََ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ن َب َأ ال ّ ِ‬ ‫م ي َأت ِك ُ ْ‬ ‫وقال‪ { } :‬أل َ ْ‬
‫م { ]التغابن‪.[5 :‬‬ ‫َ‬
‫أِلي ٌ‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫من قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ّ ِ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ض فََينظ ُُروا ك َي ْ َ‬ ‫سيُروا ِفي ا َلْر ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫وقال‪ } :‬أفَل َ ْ‬
‫مَثال َُها{‪].‬محمد‪.[10 :‬‬ ‫نأ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫م وَل ِل ْ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫مَر الل ّ ُ‬ ‫دَ ّ‬
‫ن ب ِب َِعيد ٍ {‪] .‬هود‪.[83 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ما هِ َ‬ ‫وقال ـ سبحانه ـ‪ } :‬وَ َ‬
‫م لَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وقال ـ جل وعل ـ‪ } :‬أ َك ُ ّ‬
‫كم ب ََراءةٌ ِفي الّزب ُرِ {‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن أوْل َئ ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ّ‬ ‫م َ‬ ‫فاُرك ُ ْ‬
‫]القمر‪.[43 :‬‬
‫إذن الحضارة المعاصرة ليست نموذجا فريدا في تاريخ البشرية يستثنى من‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫العقوبة اللهية‪ ،‬وليست أكبر من أن تعاَقب‪ ،‬وليست أفضل من غيرها مما‬
‫سبق من الحضارات‪ .‬هذا ملخص مضمون اليات القرآنية المتقدمة‪.‬‬
‫وإن المتتبع ليات القرآن العظيم المعجز يجد أن أهم السباب‪ ،‬وأبرز العوامل‬
‫المؤدية إلى انهيار الحضارات‪ ،‬ودمارها وكنسها من التاريخ ثلثة عوامل‪،‬‬
‫وليس كما ذهب إليه بعض المؤرخين كالمؤرخ »بول كندي« النجليزي الصل‬
‫المريكي الموطن؛ حيث تناول الحقبة الممتدة من )‪2000-1500‬م(‪ ،‬وتناول‬
‫سقوط المبراطورية السبانية والبريطانية والعثمانية والروسية‪ ،‬وبّين أن‬
‫مواصفات السقوط لهذه المبراطوريات تنطبق على الوليات المتحدة؛ فهو‬
‫بمعنى آخر يبشر بسقوطها وانهيارها‪ ،‬وعلى رغم ما واجه من نقد لنظريته‬
‫مصّر عليها‪ ،‬ويدافع عنها‪ ،‬لكنه ‪ -‬ول يستغرب من أمثاله ممن يفسرون‬ ‫فهو ُ‬
‫التاريخ على ضوء المادية الجدلية ‪ -‬عزا أسباب السقوط إلى الفراط في‬
‫القوة والتوسع؛ بحيث إن اللتزامات الستراتيجية للمبراطورية إذا زادت عن‬
‫القوة القتصادية لها أدت إلى عجزها وسقوطها)‪.(1‬‬
‫أما العوامل الثلثة التي تحمل استحقاق الغضب اللهي‪ ،‬وعقوبة الدمار‬
‫والنهيار التي أشار القرآن الكريم إليها فهي‪:‬‬
‫الكفر‪ ،‬الظلم والستكبار‪ ،‬والفساد الخلقي والجتماعي‪.‬‬
‫‪ -‬أما الكفر فقد وردت آيات كثيرة تدل على أن الكفر بالله ـ تعالى ـ ونكران‬
‫توحيده وطاعته من أسباب الدمار‪ ،‬وأكتفي بالستدلل بنماذج من اليات؛‬
‫فالحصر متعسر‪ ،‬ول يتسع له المقام‪:‬‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫م الل ُ‬ ‫خذ َهُ ُ‬ ‫َ‬
‫م كذ ُّبوا ِبآَيات َِنا فأ َ‬ ‫َ‬
‫من قب ْل ِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ِ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫بآ ِ‬ ‫قال ـ تعالى ـ‪ } :‬ك َد َأ ِ‬
‫ب { ]النفال‪.[52 :‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ديد ُ ال ْعِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬
‫ح ّ‬
‫ل‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫عو‬ ‫ن‬ ‫ص‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫هم‬ ‫ب‬ ‫صي‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫رو‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫زا‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫ـ‪:‬‬ ‫وعل‬ ‫جل‬ ‫وقال ـ‬
‫ِ َ ٌ ْ َ ُ‬ ‫ُ ِ ُُ ِ َ َ َُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ََ‬
‫ي وَعْد ُ الل ّهِ { ]الرعد‪.[31 :‬‬ ‫ْ‬
‫حّتى ي َأت ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫من َدارِهِ ْ‬ ‫ريًبا ّ‬ ‫قَ ِ‬
‫جاِزي‬ ‫ل نُ َ‬ ‫فُروا وَهَ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫هم ب ِ َ‬ ‫جَزي َْنا ُ‬ ‫ك َ‬ ‫وقال ـ سبحانه ـ في شأن دمار سبأ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫فوَر { ]سبأ‪.[17 :‬‬ ‫إ ِّل ال ْك َ ُ‬
‫صر في هذا المقام؛ فقد وردت كلمة الكفر ومشتقاتها‬ ‫واليات أكثر من أن ُتح َ‬
‫في الكتاب العزيز في نحو سبعة وعشرين وخمسمائة موضع‪.‬‬
‫خذ ُ‬ ‫كأ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪ -‬وأما في سبب الهلك بالظلم والستكبار فقال ـ جل وعل ـ‪ } :‬وَكذ َل ِ َ‬
‫ة { ]هود‪.[102 :‬‬ ‫م ٌ‬ ‫ظال ِ َ‬ ‫ي َ‬ ‫قَرى وَهِ َ‬ ‫خذ َ ال ْ ُ‬ ‫ك إ َِذا أ َ َ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫َ‬
‫دا { ]الكهف‪:‬‬ ‫ع ً‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫مهْل ِك ِِهم ّ‬ ‫جعَل َْنا ل ِ َ‬ ‫موا وَ َ‬ ‫ما ظ َل َ ُ‬ ‫م لَ ّ‬ ‫قَرى أهْل َك َْناهُ ْ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫وقال‪ } :‬وَت ِل ْ َ‬
‫‪.[59‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة { ]الحج‪،[45 :‬‬ ‫م ٌ‬
‫ي ظال ِ َ‬ ‫ها وَهِ َ‬ ‫من قَْري َةٍ أهْلكَنا َ‬ ‫وقال ـ سبحانه ـ‪ } :‬فَكأّين ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ها قوْ ً‬ ‫َ‬ ‫شأَنا ب َعْد َ َ‬ ‫ة وَأن َ‬ ‫م ً‬ ‫ت ظال ِ َ‬ ‫من قْري َةٍ كان َ ْ‬ ‫َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫م قَ َ‬ ‫وقال ـ سبحانه ـ‪ } :‬وَك َ ْ‬
‫ن { ]النبياء‪. [11 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫آ َ‬
‫فالقاسم المشترك لهلك هؤلء هو الظلم والبغي كما توضح اليات الكريمة‪.‬‬
‫ن أَ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫مّنا قُوّةً‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حقّ وََقاُلوا َ‬ ‫ض ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬ ‫ست َكب َُروا ِفي الْر ِ‬
‫عاد ٌ َفا ْ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫وقال‪ } :‬فَأ ّ‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬
‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬
‫كاُنوا ِبآَيات َِنا ي َ ْ‬ ‫م قُوّة ً وَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫م هُوَ أ َ َ‬ ‫قهُ ْ‬‫خل َ َ‬‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫ن الل ّ َ‬
‫َ‬
‫م ي ََرْوا أ ّ‬
‫َ‬
‫أوَل َ ْ‬
‫َ‬
‫سات { ]فصلت‪ ،[16 ،15 :‬وهذا‬ ‫ح َ‬ ‫صًرا ِفي أ َّيام ٍ ن ّ ِ‬ ‫صْر َ‬ ‫حا َ‬ ‫م ِري ً‬ ‫سل َْنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫فَأْر َ‬
‫جزاء الستكبار والتطاول والتعالي‪.‬‬
‫َ‬ ‫ل أ َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫شي ًَعا { ]القصص‪:‬‬ ‫َ ِ‬ ‫ها‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫و‬
‫ْ ِ َ َ َ‬‫ض‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ن عََل ِ‬ ‫ن فِْرعَوْ َ‬ ‫وقال ـ سبحانه ـ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫‪.[4‬‬
‫‪ -‬وأما الفساد في الرض فقد بين القرآن الكريم فساد قوم لوط في آيات‬
‫ل بهم من عقوبة إلهية‪ ،‬وفساد قوم‬ ‫متعددة‪ ،‬وكذلك فساد قوم شعيب وما ح ّ‬
‫م‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫ف فَعَ َ‬ ‫م ت ََر ك َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك ب َِعاد ٍ }‪ { 6‬إ َِر َ‬ ‫فرعون ومن سبقه‪ .‬قال ـ جل وعل ـ‪ } :‬أل ْ‬
‫جاُبوا‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مود َ ال ّ ِ‬ ‫مث ْل َُها ِفي ال ْب َِلد ِ }‪ { 8‬وَث َ ُ‬ ‫خل َقْ ِ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ماد ِ }‪ { 7‬ال ِّتي ل َ ْ‬ ‫ت ال ْعِ َ‬ ‫َذا ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫وا ِفي الب ِلد ِ }‪{ 11‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن طغَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ِذي الوَْتاد ِ }‪ { 10‬ال ِ‬ ‫واد ِ }‪ { 9‬وَفِْرعَوْ َ‬ ‫خَر ِبال َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ال َ ّ‬
‫ب{ ]الفجر‪- 6 :‬‬ ‫ذا ٍ‬ ‫َ‬
‫سوْط عَ َ‬ ‫َ‬
‫م َرب ّك َ‬ ‫َ‬
‫ب عَلي ْهِ ْ‬ ‫ص ّ‬‫ساد َ }‪ { 12‬فَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ْ‬
‫فَأك ْث َُروا ِفيَها ال َ‬
‫‪.[13‬‬
‫وخلصة ما تقدم توضح لنا التي‪:‬‬

‫)‪(26 /‬‬

‫‪ - 1‬إن اليهود بدؤوا يقتربون من نهايتهم المحتومة منذ بدؤوا هجرتهم إلى‬
‫فلسطين؛ وذلك لنهم انتقلوا من كونهم أهل ذمة ينعمون في ظل دولة‬
‫السلم إلى محاربين مغتصبين ظالمين‪ ،‬وإن انتقالهم وتجمعهم واغتصابهم‬
‫لفلسطين هو باللغة العسكرية )إعلن حرب على المة السلمية(‪ ،‬وقد فعل‬
‫ذلك من قبل إخوانهم بنو قريظة حينما نقضوا ذمتهم مع رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ودخلوا الحرب مع قريش والحزاب‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن الحائط الذي يستند إليه اليهود‪ ،‬والدعم الذي يعتمدون عليه آيل‬
‫للسقوط‪ ،‬وقد تهاوى بعضه وبقيته في الثر‪ ،‬فإن امبراطورية »الجنس‬
‫والربا« مصيرها هو مصير من سبقها من امبراطوريات الفساد في الرض‪.‬‬
‫‪ - 3‬إن من البلدة‪ ،‬وقلة الفهم أن يقرأ المسلم كتاب الله ـ عز وجل ـ وما‬
‫يخبر به خبر اليقين من هلك المم الكافرة المستكبرة الظالمة‪ ،‬ثم يذهب‬
‫كل فهمه إلى قصر ذلك على أهله‪ ،‬وعلى حقبة تاريخية مضت وحسب‪.‬‬
‫ُ‬
‫عاًدا اْلولى‬
‫َ‬ ‫ك َ‬ ‫ه أ َهْل َ َ‬ ‫َ‬
‫إن سنن الله ـ تعالى ـ ل تتغير‪ ،‬ول تتبدل؛ فهو الذي }وَأن ّ ُ‬
‫قى }‪{ 51‬‬ ‫ما أ َب ْ َ‬ ‫مود َ فَ َ‬‫}‪ { 50‬وَث َ ُ‬
‫م وَأط َْغى { ]النجم‪ ،[52 - 50 :‬وكم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م أظ ْل َ َ‬ ‫كاُنوا هُ ْ‬‫م َ‬ ‫ل إ ِن ّهُ ْ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫م ُنوٍح ّ‬ ‫وَقَوْ َ‬
‫أهلك من القرون من بعد نوح‪ ،‬ولن تتغير سننه فيمن سلك مسلك هؤلء من‬
‫أمم الكفر وطواغيت الرض في كل عصر‪.‬‬
‫‪ - 4‬من البلدة أيضا ً أن ل يربط المسلم بين ما يحدث في الرض من كوارث‪،‬‬
‫وزلزل وأعاصير وفيضانات وأوبئة‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬وبين سنن الله ـ عز وجل ـ‬
‫صن َُعوا ْ َقارِعَ ٌ‬
‫ة‬ ‫ما َ‬ ‫صيب ُُهم ب ِ َ‬ ‫فُروا ْ ت ُ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫وهو يقرأ كلم الله الفصل‪} :‬وَل َ ي ََزا ُ‬
‫م { ]الرعد‪ ،[31 :‬ويقرأ مثل ً في دمار سد ّ مأرب‬ ‫َ‬
‫من َدارِهِ ْ‬ ‫ريًبا ّ‬ ‫ل قَ ِ‬‫ح ّ‬ ‫أوْ ت َ ُ‬
‫فُروا{ ]سبأ‪ [17 :‬وغير ذلك من آيات‪ ،‬ولم‬ ‫ما ك َ َ‬
‫هم ب ِ َ‬
‫جَزي َْنا ُ‬ ‫ك َ‬ ‫وتمزيق سبأ‪} :‬ذ َل ِ َ‬
‫خَلده أن هذه العقوبات تتجاوز قرونها وأزمانها وأممها إلى أمم علت في‬ ‫يدر ب َ‬
‫الرض ونازعت الله ـ تعالى ـ كبرياءه وعظمته في عصر القمار الصناعية‬
‫والصواريخ العابرة للقارات‪ ،‬والتبجح العلمي‪ ،‬والعنجهية المادية المغرقة في‬
‫صادِ { ]الفجر‪. [14 :‬‬ ‫مْر َ‬ ‫ك ل َِبال ْ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫الضلل‪ ،‬ألم يقرأ قول الله ـ تعالى ـ‪} :‬إ ِ ّ‬
‫فهذه حضارات ثلث كان لها مكان عظيم في التاريخ‪ ،‬وضربت بجذورها في‬
‫الرض‪ ،‬من مدنية وعمران‪ ،‬وبناء مدن صخرية‪ ،‬وتوسع في الموال والنعام‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والزراعة‪ ،‬وعظم في الجسام وغير ذلك مما يعد مقومات للمدنية والتحضر‪،‬‬
‫فاذا هي تمحى من الوجود ول يبقى لها باقية؛ وذلك لنهم )أكثروا( في الرض‬
‫الفساد‪.‬‬
‫ويمكننا القول استنباطا ً مما يشير إليه قوله ـ تعالى ـ‪ } :‬فأكثروا { ]الفجر‪:‬‬
‫‪ :[12‬إن هناك خطوطا ً حمرا ً إذا تجاوزتها أي أمة أو فرد نزل به غضب الله‬
‫جل وعل‪ ،‬ولن تنفعه قوته ول جبروته شيئا ًَ من عقاب الله تعالى؛ وذلك أن‬
‫الكبرياء والعظمة لله ـ تعالى ـ وحده العظيم المتكبر فمن نازعه فيهما‬
‫قصمه ـ سبحانه ـ ولم يبال به في أي واد هلك‪.‬‬
‫ً‬
‫والذي أروم الوصول إليه من خلل هذه المعالم القرآنية أصبح واضحا‪ ،‬وهو‬
‫أن الحائط الذي يستند إليه اليهود في عصرنا هذا بات آيل ً للسقوط؛ وهذا ما‬
‫يمكن أن نسميه حتمية قرآنية‪ ،‬ل أدعي ذلك تهويل ً ومبالغة ول تخديرا ً‬
‫للعواطف‪ ،‬بل هذه حقائق مسّلمات تعتمد على نصوص قطعية محكمة‪،‬‬
‫وليس إلى أحد من البشر تقدير ذلك باليام والسنين؛ فالمر كله لله جل‬
‫وعل‪.‬‬
‫حد َةٌ‬ ‫ّ‬
‫مُرَنا إ ِل َوا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫قال ـ سبحانه ـ‪ } :‬إ ِّنا كل َ‬
‫ما أ ْ‬‫قد َرٍ }‪ { 49‬وَ َ‬
‫قَناه ُ ب ِ َ‬
‫خل ْ‬‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬
‫قد ْ أ َهْل َكَناْ‬ ‫صرِ }‪ { 50‬وَل َ َ‬ ‫مٍح ِبال ْب َ َ‬
‫ك َل َ ْ‬
‫مد ّك ِرٍ { ]القمر‪.[51 - 49 :‬‬ ‫من ّ‬ ‫م فَهَ ْ‬
‫ل ِ‬ ‫شَياعَك ُ ْ‬ ‫أَ ْ‬
‫‪----------------------------‬‬
‫)*( أستاذ مشارك في الحديث الشريف وعلومه‪ ،‬وعضو رابطة الدب‬
‫السلمي العالمية‪ ،‬الندوة العالمية للشباب السلمي‪.‬‬
‫)‪ (1‬البخاري مع الفتح )‪ ،(13/264‬ومسلم )‪.(2/975‬‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪ ،(23/293‬المصباح المنير )‪.(1387‬‬
‫)‪ (1‬ابن هشام‪.1/522 ،‬‬
‫)‪ (1‬جريدة الشرق الوسط‪ ،‬العدد )‪.(836‬‬
‫==============‬
‫حيثيات قوانين السنن اللهية في المم والجماعات والفراد‬
‫الدكتور‪ :‬خالد سعد النجار ‪ /‬مصر‬
‫لله تعالى سننا في كونه ل تتغير وفي خلقه ل تحابي أحدا ‪ ،‬إنها المقياس‬
‫الذي نقيس به مقدار التزامنا ‪ ،‬والمعيار الذي نعرف به مدى تفريطنا ‪،‬‬
‫والميزان الذي نحكم به على كافة المور ‪ ،‬ولذلك كان فلح البشرية معقود‬
‫على مدى اهتدائها بهدي هذه السنن والمتثال بأحكامها ‪ ،‬وأن ل نخرج على‬
‫حيثياتها لكي تسير لها المور سيرا متزنا في طريق الله المستقيم الذي ل‬
‫اعوجاج فيه ول التواء‬
‫القانون الول ] قانون السببية [‬

‫)‪(27 /‬‬

‫ن‬
‫م َ‬ ‫مادة ‪ : 1‬كل شئ بسبب‪ ،‬فمن أمثلة السباب المادية قوله تعالى }وَأ َن َْز َ‬
‫ل ِ‬
‫ت رِْزقا ً ل َ ُ‬ ‫َ‬
‫كم()البقرة‪ :‬من الية ‪ ،(22‬ومن‬ ‫ن الث ّ َ‬
‫مَرا ِ‬ ‫م َ‬
‫ج ب ِهِ ِ‬ ‫ماًء فَأ ْ‬
‫خَر َ‬ ‫ماِء َ‬
‫س َ‬
‫ال ّ‬
‫ً‬
‫م فُْرَقانا()لنفال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل لك ْ‬‫جعَ ْ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫قوا الل َ‬
‫ن ت َت ّ ُ‬
‫أمثلة السباب المعنوية قوله تعالى )( إ ِ ْ‬
‫من الية ‪ (29‬وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى ) فليس في الدنيا والخرة‬
‫شئ إل بسبب والله خالق السباب والمسببات( )‪(1‬‬
‫مادة ‪ : 2‬السباب والمسببات من فعل الله تعالى‪ ،‬فهو تعالى خالق السباب‬
‫والمسببات ومعنى ذلك أن السبب إنما يعمل ويستدعي مسببه بموجب سنه‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله ونفاذها‬
‫مادة ‪ : 3‬المسببات تكون بأسبابها ل عندها‪ ،‬فالمسببات تحدث بالسباب‬
‫الموجبة لها ل أنها تحدث عند وجود هذه السباب فالنار مثل سبب الحراق‬
‫لما أودع الله فيها من معاني الحرارة المستوجبة للحراق ل أن الحراق‬
‫يحدث عند وجود النار‬
‫مادة ‪ :4‬كل سبب موقوف على وجود شروطه وانتفاء موانعه‪ ،‬فالكل مثل‬
‫سبب للغذاء والشبع واستدامة الحياة ولكن بشرط سلمة العضاء الضرورية‬
‫لتلقي الطعام والستفادة منه وانتفاء الموانع التي تعيق عمل هذه العضاء‬
‫مادة ‪ :5‬ل يجوز إسقاط السباب بحجة اليمان بالقضاء والقدر‪ ،‬قال )اعملوا‬
‫فكل ميسر أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة‬
‫فييسرون لعمل أهل الشقاوة( ثم قرأ ] فأما من أعطى واتقى وصدق‬
‫بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى‬
‫فسنيسره للعسرى [ ( )‪(2‬‬
‫مادة ‪ : 6‬تعاطي السباب ل ينافي التوكل‪ ،‬فحقيقة التوكل الثقة بالله‬
‫والطمأنينة به والسكون إليه فالتوكل – كما قال المام أحمد – هو عمل‬
‫القلب ‪(3) .‬‬
‫القانون الثاني ] قانون الهدى والضلل [‬
‫ك ال ْي َُهود ُ َول‬ ‫ضى عَن ْ َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫مادة ‪ : 1‬هدى الله هو الهدى‪ ،‬قال تعالى )(وَل َ ْ‬
‫دى()البقرة‪ :‬من الية‬ ‫دى الل ّهِ هُوَ ال ْهُ َ‬ ‫ن هُ َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫م قُ ْ‬ ‫مل ّت َهُ ْ‬ ‫حّتى ت َت ّب ِعَ ِ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫الن ّ َ‬
‫‪(120‬أي أن هدى الله هو الهدى الحقيقي الذي يصلح أن يسمى هدى وهو‬
‫الهدى كله ليس وراءه هدى‬
‫دى‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ه ِبالهُ َ‬ ‫سول ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫مادة ‪ :2‬هدى الله هو السلم‪ ،‬قال تعالى )(هُوَ ال ِ‬
‫حق()التوبة‪ :‬من الية ‪((33‬‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫وَِدي ِ‬
‫ق‬ ‫شاقِ ِ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مادة ‪ : 3‬من يترك هدى الله يتركه الله وما اختاره‪ ،‬قال تعالى )(وَ َ‬
‫ّ‬
‫ما ت َوَلى‬ ‫ن ن ُوَل ّهِ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫دى وَي َت ّب ِعْ غَي َْر َ‬ ‫ه ال ْهُ َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫الّر ُ‬
‫صيرا()النساء‪ ((115:‬النساء ‪ 115‬أي نتركه وما‬ ‫ً‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساَء ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫صل ِهِ َ‬ ‫وَن ُ ْ‬
‫اختاره لنفسه ونكله إلى ما توكل عليه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ب َعْد َ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫ت أهْ َ‬ ‫ن ات ّب َعْ َ‬ ‫مادة ‪ : 4‬تهديد من يتبع غير هدى الله‪ ،‬قال تعالى )( وَلئ ِ ِ‬
‫ر()البقرة‪ :‬من الية‬ ‫صي ٍ‬ ‫ي َول ن َ ِ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما ل َ َ‬ ‫ن ال ْعِل ْم ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاَء َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ك‬‫ن ال ْعِل ْم ِ إ ِن ّ َ‬ ‫جاَء َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫ت أهْ َ‬ ‫ن ات ّب َعْ َ‬ ‫‪ ،(120‬وقال تعالى )( وَلئ ِ ِ‬
‫ن()البقرة‪ :‬من الية ‪ (145‬فهذا خطاب للرسول والمراد به‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ِإذا ً ل َ ِ‬
‫أمته‬
‫طوا‬ ‫مادة ‪ : 5‬ل حزن ول خوف على متبع هدى الله ‪ ،‬قال تعالى )(قُل َْنا اهْب ِ ُ‬
‫ْ‬
‫م‬
‫م َول هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫دايَ َفل َ‬ ‫ن ت َب ِعَ هُ َ‬
‫م ْ‬ ‫هدىً فَ َ‬ ‫مّني ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي َأت ِي َن ّك ُ ْ‬ ‫ميعا ً فَإ ِ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫من َْها َ‬ ‫ِ‬
‫ن( )البقرة‪(38:‬‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫مادة ‪ : 6‬طيب العيش لمتبع الهدى‪ ،‬والعيش الضنك للمعرض عنه‪ ،‬قال تعالى‬
‫ْ‬
‫ع‬
‫ن ات ّب َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫هدىً فَ َ‬ ‫مّني ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي َأت ِي َن ّك ُ ْ‬ ‫ض عَد ُوّ فَإ ِ ّ‬ ‫م َل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ميعا ً ب َعْ ُ‬ ‫ج ِ‬‫من َْها َ‬ ‫طا ِ‬ ‫ل اهْب ِ َ‬ ‫)(َقا َ‬
‫ضْنكا ً‬ ‫ة َ‬ ‫ش ً‬ ‫مِعي َ‬ ‫ه َ‬ ‫نل ُ‬‫َ‬ ‫ري فَإ ِ ّ‬ ‫ْ‬
‫ن ذِك ِ‬ ‫ض عَ ْ‬ ‫ن أعَْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫قى‪ ،‬وَ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ل َول ي َ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫دايَ َفل ي َ ِ‬ ‫هُ َ‬
‫مى( )طه‪(123-124:‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ح ُ‬
‫مةِ أعْ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫شُرهُ ي َوْ َ‬ ‫وَن َ ْ‬
‫القانون الثالث ] قانون التدافع بين الحق والباطل [‬
‫مادة ‪ : 1‬الغلبة للحق وأهله‪ ،‬قضت سنة الله تعالى في تدافع الحق والباطل‬
‫ح‬
‫م ُ‬ ‫أن الغلبة للحق وأهله وأن الندحار والمحق للباطل وأهله قال تعالى )( وَي َ ْ‬
‫ف‬
‫قذ ِ ُ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ماِته()الشورى‪ :‬من الية ‪ ((24‬وقال )(ب َ ْ‬ ‫حقّ ب ِك َل ِ َ‬ ‫حقّ ال ْ َ‬ ‫ل وَي ُ ِ‬ ‫ه ال َْباط ِ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ق()النبياء‪ :‬من الية ‪(18‬‬ ‫ه فَإ َِذا هُوَ َزاهِ ٌ‬ ‫مغُ ُ‬ ‫ل فَي َد ْ َ‬ ‫حقّ عََلى ال َْباط ِ ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م‬‫مادة ‪ : 2‬سنة الله في نصر المؤمنين ل تتخلف‪ ،‬قال تعالى )(وَل َوْ َقات َل َك ُ ُ‬
‫صيرًا( )الفتح‪(22:‬‬ ‫ن وَل ِي ّا ً َول ن َ ِ‬ ‫َ‬
‫دو َ‬
‫ج ُ‬ ‫وا اْلد َْباَر ث ُ ّ‬
‫م ل يَ ِ‬ ‫فُروا ل َوَل ّ ُ‬
‫ن كَ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫مادة ‪ : 3‬قد يتأخر نصر المؤمنين لنصر أكبر‪ ،‬كما نصر رسول الله ومعه‬
‫المؤمنين على قريش وفتحت مكة سنة ثمان للهجرة ولم يحصل النصر التام‬
‫إل بعد مضي أكثر مدة نبوته‬

‫)‪(28 /‬‬

‫مادة ‪ : 4‬قد يسبق نصر المؤمنين أذى من العدو وغلبة له‪ ،‬قال تعالى )(َول‬
‫َ‬
‫س‬ ‫م ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ح فَ َ‬ ‫م قَْر ٌ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن‪ ،‬إ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫م اْل َعْل َوْ َ‬ ‫حَزُنوا وَأن ْت ُ ُ‬ ‫ت َهُِنوا َول ت َ ْ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه وَت ِل َ‬ ‫ُ‬ ‫م قَْر ٌ‬ ‫ال ْ َ‬
‫خذ َ‬‫مُنوا وَي َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫م الل ُ‬ ‫س وَل ِي َعْل َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫داوِلَها ب َي ْ َ‬ ‫م نُ َ‬ ‫ك الّيا ُ‬ ‫مث ْل ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫قو ْ َ‬
‫ق‬
‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫مُنوا وَي َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ص الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن‪ ،‬وَل ِي ُ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫داَء َوالل ّ ُ‬ ‫شهَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن( )آل عمران‪(141 139 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫الكافِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫القانون الرابع ] قانون البتلء [‬
‫ت‬‫مو ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ة ال َ‬ ‫ق ُ‬‫س َذائ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫مادة ‪ : 1‬البتلء يكون بالشر وبالخير‪ ،‬قال تعالى )(ك ّ‬
‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬
‫ن( )النبياء‪(35:‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ة وَإ ِل َي َْنا ت ُْر َ‬ ‫خي ْرِ فِت ْن َ ً‬ ‫شّر َوال ْ َ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫وَن َب ُْلوك ُ ْ‬
‫مادة ‪ : 2‬أشد الناس بلء النبياء ثم المثل فالمثل ‪ ،‬فعن مصعب بن سعد‬
‫عن أبيه قال قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلء ؟ قال ) النبياء ثم المثل‬
‫فالمثل ‪ ،‬يبتلى الرجل على حسب دينه ‪ ،‬فإن كان في دينه صلبا اشتد بلؤه ‪،‬‬
‫وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه ‪ ،‬فما يبرح البلء بالعبد حتى يتركه‬
‫يمشي على الرض وما عليه خطيئة ( )‪(4‬‬
‫القانون الخامس ] قانون الظلم والظالمين [‬
‫َ‬
‫ملوا عَلى‬ ‫ُ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اعْ َ‬ ‫مادة ‪ : 1‬إن الله ل يفلح الظالمون‪ ،‬قال تعالى )(قُ ْ‬
‫ح‬
‫فل ِ ُ‬ ‫ه ل يُ ْ‬ ‫دارِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ف ت َعْل َ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫عا ِ‬ ‫م إ ِّني َ‬ ‫كان َت ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن( )النعام‪(135:‬‬ ‫مو َ‬ ‫الظال ُِ‬‫ّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫مادة ‪ : 2‬سنة الله مطردة في هلك المم الظالمة‪ ،‬قال تعالى )(ذ َل ِ َ‬
‫د( )هود‪(100:‬‬ ‫صي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫من َْها َقائ ِ ٌ‬ ‫ك ِ‬ ‫ه عَل َي ْ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫قَرى ن َ ُ‬ ‫أ َن َْباِء ال ْ ُ‬
‫م ال ِّتي ي َد ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫موا أ َن ْ ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫م آل ِهَت ُهُ ُ‬ ‫ت عَن ْهُ ْ‬ ‫ما أغْن َ ْ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫م وَل َك ِ ْ‬ ‫مَناهُ ْ‬ ‫ما ظ َل َ ْ‬ ‫(وَ َ‬
‫ب( )هود‪(101:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫ّ‬
‫م غي َْر ت َت ِْبي ٍ‬ ‫ما َزاُدوهُ ْ‬ ‫مُر َرب ّك وَ َ‬ ‫جاَء أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫يٍء ل ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ْ‬‫ن اللهِ ِ‬ ‫ُدو ِ‬
‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(وَك َذ َل ِك أ ْ‬‫َ‬
‫د( )هود‪(102:‬‬ ‫دي ٌ‬ ‫ش ِ‬ ‫خذ َه ُ أِلي ٌ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫م ٌ‬ ‫ي ظال ِ َ‬ ‫قَرى وَهِ َ‬ ‫خذ َ ال ُ‬ ‫خذ ُ َرب ّك إ َِذا أ َ‬
‫ك‬‫ن َرب ّ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫مادة ‪: 3‬تبقى الدولة مع الكفر ول تبقى مع الظلم‪ ،‬قال تعالى )(وَ َ‬
‫َ‬
‫ن( )هود‪ ) (117:‬بظلم ( أي بشرك وكفر‪،‬‬ ‫حو َ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫قَرى ب ِظ ُل ْم ٍ وَأهْل َُها ُ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫ل ِي ُهْل ِ َ‬
‫والمعنى ‪ :‬إن الله تعالى ل يهلك أهل القرى بمجرد كونهم مشركين ‪ ،‬إذا‬
‫كانوا مصلحين في المعاملت فيما بينهم يعامل بعضهم بعضا على الصلح‬
‫وعدم الفساد )‪(5‬‬
‫القانون السادس ] قانون الخلف [‬
‫فّرُقوا(‬ ‫ميعا َول ت َ َ‬ ‫ً‬ ‫ج ِ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫حب ْ ِ‬ ‫موا ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫مادة ‪ : 1‬الخلف شر ‪ ،‬قال تعالى )(َواعْت َ ِ‬
‫)آل عمران‪ :‬من الية ‪ (103‬وقال ) عليكم بالجماعة و إياكم والفرقة فإن‬
‫الشيطان مع الواحد وهو من الثنين أبعد ‪ ،‬من أراد بحبوحة الجنة فليلزم‬
‫الجماعة ( )‪(6‬‬
‫مادة ‪ : 2‬الخلف مهلك للمم ‪ ،‬قال ) ول تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا‬
‫فهلكوا ( )‪(7‬‬
‫مادة ‪ : 3‬الخلف إما خلف تنوع أو خلف تضاد ‪ ،‬فاختلف التنوع هو مال‬
‫يكون فيه أحد القوال مناقضا ً للقوال الخرى بل كل هذه القوال صحيحة‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثابتة كوجوه القراءات الثابتة المتواترة ‪ ،‬أما اختلف التضاد فهو أن يكون كل‬
‫قول من أقوال المختلفين يضاد الخر ويحكم بخطئه أو بطلنه وهو يكون في‬
‫الشيء الواحد‬
‫مادة ‪ : 4‬خلف التضاد إما خلف سائغ غير مذموم ‪ ،‬أو خلف غير سائغ‬
‫مذموم‬
‫فمن أمثلة الخلف السائغ غير المذموم الختلف في رؤية النبي ‪ r‬ربه ‪،‬‬
‫واختلف المطالع في رؤية الهلك …‬
‫أما الخلف الغير سائغ المذموم ‪ ،‬فهو المخالف لصول اليمان إجمال وتفصيل‬
‫وللمور المعلومة من الدين بالضرورة كما هو حادث في آراء غلة الجهمية‬
‫والقدرية والفلسفة والرافضة والمتصوفة‬
‫الهوامش المصادر‬
‫استلهمنا فكرة هذا المقال من كتاب السنن اللهية في المم والجماعات‬
‫والفراد في الشريعة السلمية ‪ ،‬للدكتور ‪ /‬عبد الكريم زيدان – مؤسسة‬
‫الرسالة – بيروت – الطبعة الثالثة ‪1998‬‬
‫مجموع الفتاوى لبن تيمية ج ‪ 8‬ص ‪70‬‬
‫رواه مسلم عن على ‪ t‬كتاب القدر رقم ‪4786‬‬
‫مدارج السالكين – ابن القيم ج ‪ 1‬ص ‪114‬‬
‫رواه الترمذي ) صحيح ( انظر حديث رقم ‪ 992 :‬في صحيح الجامع‬
‫تفسير الرازي ج ‪ 18‬ص ‪76‬‬
‫رواه أحمد والترمذي عن عمر ) صحيح ( انظر حديث رقم ‪ 2546 :‬في‬
‫صحيح الجامع‬
‫رواه البخاري عن ابن مسعود – كتاب أحاديث النبياء رقم ‪3217‬‬
‫=================‬
‫سنة البتلء‬
‫لقد وجه القرآن الكريم المسلمين نحو الوعي بعالم الشهادة‪ ،‬فحثهم على‬
‫النظر والتدبر والستقراء؛ للكشف على قوانين المادة وسنن الجتماع‪ ،‬كما‬
‫نّبه إلى أهمية التعرف على السنن التاريخية‪ ،‬والفادة من ذلك في العتبار‬
‫وبناء الحضارة‪ ،‬وكيفية المحافظة عليها من السقوط‪.‬‬

‫)‪(29 /‬‬

‫صا ً في بعض الحيان‬ ‫وقد أرشد القرآن الكريم إلى هذه السنن‪ ،‬فذكرها ن ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ْ َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫روا‬‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫فان‬‫َ‬ ‫ض‬‫سيُروا ِفي ا ْ ِ‬
‫ر‬ ‫ل‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫من قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫كقوله تعالى‪}:‬قَد ْ َ‬
‫ن]‪]{[137‬سورة آل عمران[ ‪ .‬وأحيانا ً أخرى فهمت من‬ ‫مك َذ ِّبي َ‬ ‫ة ال ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫حا َ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٍ‬ ‫ست ُهْزِئَ ب ُِر ُ‬ ‫قد ِ ا ْ‬ ‫النص دللة وفحوى كقوله تعالى‪ }:‬وَل َ َ‬
‫ن]‪]{[10‬سورة النعام[ ‪.‬وذكرها تارة‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫خُروا ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ِبال ّ ِ‬
‫سَر‬ ‫خ ِ‬ ‫عَبادِهِ وَ َ‬ ‫ت ِفي ِ‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬ ‫ّ‬
‫ة اللهِ الِتي قَد ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫سن ّ َ‬ ‫مضافة إلى الله كقوله تعالى‪ُ ...} :‬‬
‫ن]‪]{[85‬سورة غافر[ ‪ .‬وذكرها تارة أخرى مضافة إلى أقوام‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫هَُنال ِ َ‬
‫ن‪]{[55]...‬سورة الكهف[ ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ة الوِّلي َ‬ ‫سن ّ ُ‬‫م ُ‬ ‫ن ت َأت ِي َهُ ْ‬ ‫كقوله تعالى‪...} :‬إ ِل أ ْ‬
‫ل‬‫وهذه السنن صارمة؛ تتسم بالطراد والشمول والثبات‪ ،‬قال تعالى‪...}:‬فَهَ ْ‬
‫ويًل]‬ ‫سن ّةِ الل ّهِ ت َ ْ‬ ‫ن إّل سن ّ َ َ‬
‫ح ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫ديًل وَل َ ْ‬
‫سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫ن فَل َ ْ‬ ‫ة اْلوِّلي َ‬ ‫ُ‬ ‫ي َن ْظ ُُرو َ ِ‬
‫سل َِنا وََل‬ ‫سل َْنا قَب ْل َ َ‬ ‫َ‬
‫ن ُر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن قَد ْ أْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة َ‬ ‫سن ّ َ‬ ‫‪]{[43‬سورة فاطر[ ‪ .‬وقال تعالى‪ُ }:‬‬
‫ويًل]‪]{[77‬سورة السراء[ ‪.‬‬ ‫ح ِ‬ ‫سن ّت َِنا ت َ ْ‬
‫جد ُ ل ِ ُ‬ ‫تَ ِ‬
‫ريد ُ‬ ‫ن معرفتها وتدبرها واستيعابها والستفادة منها‪ ،‬لقوله تعالى‪ }:‬ي ُ ِ‬ ‫فينبغي إذ ْ‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م‬‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م وَي َُتو َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سن َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م وَي َهْدِي َك ُ ْ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫ه ل ِي ُب َي ّ َ‬‫الل ّ ُ‬
‫م]‪]{[26‬سورة النساء[ ‪ .‬ومن خلل السنن في كتاب الله‪ ،‬وسنة رسوله‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫نفهم التاريخ على حقيقته‪ ،‬ونعرف عوامل البناء والمن والستقرار والتقدم‪،‬‬
‫وعوامل الهدم والخوف والنحطاط والتخلف‪.‬‬
‫وهذه السنن مرتبطة بالمر والنهي‪ ،‬والطاعة والمعصية‪ ،‬واليمان والكفر‪،‬‬
‫والتوحيد والشرك‪ ،‬فالنسان إذا أتى المر واجتنب النهي ووقف عند حدود‬
‫الله‪ ،‬أصاب خير السنة الربانية‪ ،‬وإذا أهمل المر وخالفه‪ ،‬وارتكب المنهي‬
‫عنه‪ ،‬ووقع في حدود الله‪ ،‬أصاب شر السنة الربانية‪.‬‬
‫وقد انتبه إلى أثر السنن في المجتمعات والعتبار بها ابن تيمية رحمه الله‬
‫فقال‪':‬ومن هذا الباب صارت قصص المتقدمين عبرة لنا‪ ،‬ولول القياس‬
‫واطراد فعله وسنته؛ لم يصح العتبار بها؛ لن العتبار إنما يكون إذا كان حكم‬
‫الشيء حكم نظيره كالمثال المضروبة في القرآن'] جامع الرسائل‪ ،‬ص‬
‫‪.[55‬‬
‫إن معرفة أثر السنن في النفس والمجتمعات ضروري لمعرفة طبيعة هذا‬
‫الدين‪ ،‬وطبيعة الجاهلية المقابلة‪ ...‬وقد جاء الحديث عنها في القرآن المكي‪،‬‬
‫في مواضع كثيرة‪ ،‬وجاء تصويرها في مواقف كثيرة؛ ليفهم المسلمون طبيعة‬
‫الصراع بين الجاهلية والسلم على حقيقته‪ ،‬وليكونوا على بّينة من مباينة‬
‫السبل‪ ،‬واختلف المناهج والتوجهات والهداف بينهم وبين الكافرين‪ ،‬ومن‬
‫خرجنك ُم من أ َرضنا أوَ‬
‫م ل َن ُ ْ ِ َ ّ ْ ِ ْ ْ ِ َ ْ‬ ‫سل ِهِ ْ‬ ‫فُروا ل ُِر ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫أمثال ذلك‪ :‬قوله تعالى‪ }:‬وََقا َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫م اْلْر َ‬
‫ض‬ ‫سك ِن َن ّك ُ ُ‬ ‫ن]‪[13‬وَل َن ُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ل َن ُهْل ِك َ ّ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫حى إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫مل ّت َِنا فَأوْ َ‬ ‫ن ِفي ِ‬ ‫ل َت َُعود ُ ّ‬
‫د]‪]{[14‬سورة إبراهيم[ ‪.‬‬ ‫عي ِ‬ ‫ف وَ ِ‬ ‫خا َ‬ ‫مي وَ َ‬ ‫قا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك لِ َ‬‫م ذ َل ِ َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ك َيا ُ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫ست َك ْب َُروا ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وقوله تعالى‪َ }:‬قا َ‬
‫ذي َ‬ ‫ب َوال ِ‬ ‫شعَي ْ ُ‬ ‫خرِ َ‬ ‫مهِ لن ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫مل ال ِ‬ ‫ل ال َ‬
‫ن]‪[88‬قَدِ افْت ََري َْنا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ملت َِنا َقا َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫معَ َ‬
‫هي َ‬ ‫ل أوَلوْ كّنا كارِ ِ‬ ‫ن ِفي ِ‬ ‫ن قَْري َت َِنا أوْ لت َُعود ُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫آ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن ن َُعود َ‬ ‫ن لَنا أ ْ‬ ‫ما ي َكو ُ‬ ‫من َْها وَ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جاَنا الل ُ‬ ‫م ب َعْد َ إ ِذ ْ ن َ ّ‬ ‫ملت ِك ْ‬ ‫ن عُد َْنا ِفي ِ‬ ‫عَلى اللهِ كذًِبا إ ِ ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ح‬ ‫ّ‬
‫ما عَلى اللهِ ت َوَكلَنا َرب َّنا افْت َ ْ‬ ‫عل ً‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫سعَ َرب َّنا ك ّ‬ ‫ه َرب َّنا وَ ِ‬ ‫شاَء الل ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ِفيَها إ ِّل أ ْ‬
‫خي ُْر ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن]‪]{ [89‬سورة العراف[ ‪.‬‬ ‫حي َ‬ ‫فات ِ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫حقّ وَأن ْ َ‬ ‫مَنا ِبال ْ َ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫ب َي ْن ََنا وَب َي ْ َ‬
‫ومن هنا تأتي أهمية ربط عمل الدعاة بالجهد والعمل وفق السنن التي ل‬
‫تحابي‪ ،‬فالنتائج التي قد يتطلع إليها أكثر المؤمنين إيمانا ً سوف يجنيها أكثر‬
‫الكافرين كفرا ً ‪ ،‬إذا وافق المقدمات الصحيحة المؤدية إليها‪ ،‬وربط السباب‬
‫بمسبباتها‪ ،‬بينما ينتظرها المؤمن ارتكازا ً على إيمانه وحده واعتمادا ً على‬
‫ورعه وتقواه‪ ،‬دون أن يطلبها من مقدماتها التي خلقها الله طريقا ً إليها‪ ،‬فأنى‬
‫يستجاب له! ‪.‬‬
‫ومرجع ذلك إلى أن السنن الربانية في الحياة البشرية دقيقة كل الدقة‪،‬‬
‫منتظمة أشد النتظام‪ ،‬ل تحيد ول تميل‪ ،‬ول تجامل ول تحابي‪ ،‬ول تتأثر‬
‫بالماني وإنما بالعمال‪ ،‬وهي في دقتها وانتظامها وجديتها كالسنن الكونية‬
‫سواء بسواء‪.‬‬
‫سنن ‪ :‬البتلء‪ ،‬التمحيص‪ ،‬التمكين‪:‬‬

‫)‪(30 /‬‬

‫ومن أهم هذه السنن التي نّبه إليها القرآن الكريم‪ :‬سنة البتلء‪ ،‬فهي تضع‬
‫ُ‬
‫قولوا‬ ‫كوا َأن ي َ ُ‬ ‫س َأن ي ُت َْر ُ‬ ‫ب الّنا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬
‫َ‬
‫المؤمن على محك الختبار‪ ،‬لقوله تعالى‪}:‬أ َ‬
‫صد َُقوا‬ ‫ن َ‬ ‫ه ال َ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫م ّ‬ ‫م فَل َي َعْل َ َ‬‫من قَب ْل ِهِ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫قد ْ فَت َّنا ال َ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ]‪ [2‬وَل َ َ‬
‫فت َُنو َ‬
‫م ل يُ ْ‬
‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫آ َ‬
‫ت‬ ‫موْ ِ‬ ‫ة ال َ‬‫ق ُ‬‫س َذائ ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف ٍ‬ ‫ن]‪]{[3‬سورة العنكبوت[ ‪ .‬وقوله‪}:‬كل ن َ ْ‬ ‫ن الكاذِِبي َ‬ ‫م ّ‬‫وَلي َعْل َ‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن]‪]{[35‬سورة النبياء[ ‪.‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ة َوإل َي َْنا ت ُْر َ‬ ‫خي ْرِ فِت ْن َ ً‬ ‫شّر َوال ْ َ‬ ‫كم ِبال ّ‬ ‫وَن َب ُْلو ُ‬
‫ومن ثبات تلك السنة أنها قد بسطت في وحي الله وعلمها أناس قبل أن‬
‫تقرأ في القرآن الكريم‪ :‬فهذا ورقة بن نوفل يقول للنبي بعد سماعه خبر‬
‫ك‬‫م َ‬ ‫ك قَ ْ ُ‬
‫و‬ ‫ج َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫حّيا إ ِذ ْ ي ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كو ُ‬ ‫عا ل َي ْت َِني أ َ ُ‬ ‫جذ َ ً‬ ‫نزول الوحي لول مرة‪َ ':‬يا ل َي ْت َِني ِفيَها َ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫م[‪ ،‬قال‪ ':‬ن َعَ ْ‬ ‫ي هُ ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫خرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫' فيسأله النبي صلى الله عليه وسلم في تعجب‪ ] :‬أوَ ُ‬
‫ْ‬
‫عودِيَ ' رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ت ب ِهِ إ ِّل ُ‬ ‫جئ ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ِ‬ ‫مث ْ‬‫ط بِ ِ‬ ‫ل قَ ّ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫م ي َأ ِ‬ ‫لَ ْ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن قَِتالك ُ ْ‬
‫م‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ك ك َي ْ َ‬ ‫سألت ُ َ‬ ‫وهذا قيصر الروم يقول في حديثه مع أبي سفيان‪َ ':‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ن لهُ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ل ت ُب ْت َلى ث ُ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ك الّر ُ‬ ‫ل فَك َذ َل ِ َ‬ ‫ل وَد ُوَ ٌ‬ ‫جا ٌ‬ ‫س َ‬‫ب ِ‬ ‫حْر َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫تأ ّ‬ ‫م َ‬ ‫إ ِّياه ُ فََزعَ ْ‬
‫ة' رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ال َْعاقِب َ ُ‬
‫ك وأ َبتل ِي ب َ َ‬ ‫وفي الحديث‪ ] :‬إن ّما ب َعَث ْت ُ َ َ‬
‫سل ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ك ك َِتاًبا َل ي َغْ ِ‬ ‫ت عَل َي ْ َ‬ ‫ك وَأن َْزل ْ ُ‬ ‫ك ِلب ْت َل ِي َ َ َ ْ َ َ ِ‬ ‫ِ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب إ ًِذا‬ ‫ت َر ّ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫شا فَ ُ‬ ‫حّرقَ قَُري ْ ً‬ ‫نأ َ‬ ‫مَرِني أ ْ‬ ‫هأ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن وَإ ِ ّ‬ ‫ظا َ‬ ‫ق َ‬ ‫ما وَي َ ْ‬ ‫قَرؤُهُ َنائ ِ ً‬ ‫ماُء ت َ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ْ‬
‫م ن ُغْزِ َ‬
‫ك‬ ‫ك َواغُْزهُ ْ‬ ‫جو َ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م كَ َ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫ست َ ْ‬‫لا ْ‬ ‫خب َْزة ً َقا َ‬ ‫عوه ُ ُ‬ ‫سي فَي َد َ ُ‬ ‫ي َث ْل َُغوا َرأ ِ‬
‫نأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫طاعَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫ه وََقات ِ ْ‬ ‫مث ْل َ ُ‬ ‫ة ِ‬ ‫س ً‬ ‫م َ‬‫خ ْ‬ ‫ث َ‬ ‫شا ن َب ْعَ ْ‬ ‫جي ْ ً‬ ‫ث َ‬ ‫ك َواب ْعَ ْ‬ ‫فقَ عَل َي ْ َ‬ ‫سن ُن ْ ِ‬ ‫فقْ فَ َ‬ ‫وَأن ْ ِ‬
‫ك[ رواه مسلم‪.‬‬ ‫صا َ‬ ‫عَ َ‬
‫ولعلم الله عز وجل أن البتلء هو الوسيلة لتمييز الصفوف وتمحيص القلوب؛‬
‫ل المانة ل يصلح له كل الناس‪ ،‬بل يحتاج إلى قوم‬ ‫جعله سنة ماضية‪ ،‬فحم ُ‬
‫صا ً ليحسنوا القيام‬ ‫دون لهذا المر إعدادا ً خا ّ‬ ‫مختارين‪ ،‬وهم الصفوة الذين يع ّ‬
‫به‪.‬‬
‫ومن النتائج المترتبة على سنة البتلء لحقًا‪ :‬سنة التمحيص‪ ،‬فالمؤمن من‬
‫جهة يتعرض للمحنة‪ ،‬فُيصقل معدنه من أثرها‪ ،‬والمنافق من جهة ثانية ل‬
‫يستطيع الصمود أمام الفتنة‪ ،‬فينكص على عقبيه؛ ولهذا جعل الله التمحيص‬
‫مْعبرا ً لتنقية الصف المؤمن من أدعياء اليمان‪ ،‬فيقع به التمييز بين الدر‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫َ‬ ‫ني‬‫ِ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫تعالى‪}:‬‬ ‫قوله‬ ‫في‬ ‫كما‬ ‫الخسيس‪،‬‬ ‫والخرز‬ ‫الثمين‬
‫َ‬
‫ب‪]{[179]...‬سورة آل عمران[‬ ‫ن الط ّي ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬ ‫ميَز ال َ‬ ‫حّتى ي َ ِ‬ ‫م عَل َي ْهِ َ‬ ‫ما أنت ُ ْ‬ ‫عََلى َ‬
‫م َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ما ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَل ِي ُ َ‬ ‫دورِك ُ ْ‬ ‫ص ُ‬‫ما ِفي ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫‪ .‬وقوله تعالى‪...}:‬وَل ِي َب ْت َل ِ َ‬
‫دوِر]‪]{[154‬سورة آل عمران[ ‪.‬‬ ‫ص ُ‬‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫ّ‬
‫وعلى ضوء سنة التمحيص تتحقق سنة أخرى‪ ،‬وهي سنة التمكين‪ ،‬إذ يمكن‬
‫الله للمؤمنين في الرض بعد أن يثبتوا استحقاقهم للنصر بلجوئهم إليه وحده‬
‫في وقت المحنة‪ ،‬وتجردهم له‪ ،‬وتطلعهم إليه في زمن الشدة‪ ،‬مستيقنين من‬
‫نزول نصره بعد الخذ بكافة السباب المأمور بها شرعا ً من صبر وتقوى‬
‫وإعداد‪.‬‬
‫وقد أدرك أهل العلم والبصيرة هذه الحقيقة؛ فعندما سئل المام الشافعي‬
‫كن حتى‬ ‫كن أو يبتلى؟ فقال‪ :‬ل يم ّ‬ ‫رحمه الله‪':‬أيما أفضل للرجل‪ :‬أن يم ّ‬
‫يبتلى'‪.‬‬
‫صلة هذه السنن‪ :‬أن بعضها يمسك برقاب بعض كحلقات السلسلة يشد‬ ‫ومح ّ‬
‫بعضها بعضا‪ ،‬فل تمكين بل تمحيص‪ ،‬ول تمحيص بل ابتلء؛ إذ متى تحققت‬ ‫ً‬
‫أوائلها؛ تحققت أواخراها‪ ،‬إنها سنن ساطعة وحقائق ثابتة‬
‫===============‬

‫)‪(31 /‬‬

‫السنن اللهية في الصراع بين الحق والباطل من خلل دعوة الرسل‬


‫لقوامهم‬
‫رئيسي ‪:‬المنهج ‪:‬الثلثاء ‪ 9‬ذي القعدة ‪1425‬هـ ‪ 21 -‬ديسمبر ‪ 2004‬م‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن الوقوف مع السنن الربانية المستوحاة من دعوة الرسل لقوامهم لمن‬


‫الواجبات التي ينبغي للدعاة أن يلموا بها ويعرفوها؛ ليستفيدوا منها في‬
‫تفسير الحداث والمواقف والنوازل‪ ،‬ول يستغربوها ويفاجأوا بها؛ لكونها‬
‫تحدث بأمر الله وحكمته التي جعلت للحداث والمتغيرات سنًنا ل تتبدل ول‬
‫تتحول‪.‬‬
‫كما أن في معرفة هذه السنن معرفة بأسباب النصر والتمكين‪ ،‬وأسباب‬
‫الهزيمة والخسران‪ ،‬وفي الغفلة عنها تفريط في الخذ بأسباب النجاة‪،‬‬
‫وإعراض عن هدي النبياء‪ ،‬الذين ساروا في ضوء السنن الربانية؛ لنهم أعرف‬
‫الناس بالله وأسمائه وصفاته‪ ،‬وسننه وأيامه‪ .‬وفي التفكير والتأمل في سير‬
‫النبياء مع أقوامهم تعرف هذه الثمرة العظيمة‪.‬‬
‫السنن الربانية تعريفها‪ ،‬ودللتها‪ ،‬ووقت ظهورها‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫ف كا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض َفان ْظُروا كي ْ َ‬ ‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫قال تعالى‪}:‬قَد ْ َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫ل ي َن ْظُرو َ‬ ‫ن ]‪]{[137‬سورة آل عمران[‪ .‬وقال عز وجل‪}:‬فَهَ ْ‬ ‫مك َذ ِّبي َ‬ ‫ة ال ْ ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫َ‬
‫ويل]‪{[43‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ح ِ‬‫ت اللهِ ت َ ْ‬ ‫سن ّ ِ‬
‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ن تَ ِ‬
‫ديل وَل ْ‬ ‫ت اللهِ ت َب ْ ِ‬ ‫سن ّ ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫ن فل ْ‬ ‫ت الوِّلي َ‬ ‫سن ّ َ‬‫إ ِل ُ‬
‫]سورة فاطر[‪.‬‬
‫ُيعّرف ابن تيمية رحمه الله السنة ودللتها‪ ،‬فيقول‪':‬والسنة هي‪ :‬العادة في‬
‫الشياء المتماثلة‪ ...‬ولفظ السنة يدل على التماثل؛ فإنه سبحانه وتعالى إذا‬
‫حكم في المور المتماثلة بحكم‪ ،‬فإن ذلك ل ينقض‪ ،‬ول يتبدل‪ ،‬ول يتحول‪ ،‬بل‬
‫وت بين المتماثلين‪ ،‬وإذا وقع تغيير فذلك لعدم التماثل‪ .‬كما‬ ‫هو سبحانه ل يف ّ‬
‫أن من سننه التفريق بين المختلفين‪ ،‬كما دل على ذلك القرآن؛ قال الله‬
‫َ‬
‫ن]‪]{[35‬سورة القلم[‪ ،‬ومن هذا الباب‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كال ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫تعالى‪}:‬أفَن َ ْ‬
‫جعَ ُ‬
‫صارت قصص المتقدمين عبرة لنا‪ ،‬ولول القياس‪ ،‬واطراد فعله وسنته؛ لم‬
‫يصح العتبار بها‪ .‬والعتبار إنما يكون إذا كان حكم الشيء حكم نظيره‪،‬‬
‫كالمثال المضروبة في القرآن وهي كثيرة' ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫أما عن وقت ظهورها وتحققها‪ :‬فهو إلى الله‪ ،‬وقد يبدو للناس أن أسباب‬
‫تحقق سنة الله قد انعقدت‪ ،‬ومع ذلك لم يأذن الله بظهورها عن علم وحكمة‪،‬‬
‫عن ْد َ‬ ‫وما ً ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ه وَعْد َه ُ وَإ ِ ّ‬ ‫ف الل ّ ُ‬‫خل ِ َ‬
‫ن يُ ْ‬ ‫ب وَل َ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ك ِبال ْعَ َ‬ ‫جُلون َ َ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫قال الله تعالى‪}:‬وَي َ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫رب َ َ‬
‫قَرى‬ ‫َ‬
‫ن]‪]{[47‬سورة الحج[‪ ،‬وقال عز وجل‪}:‬وَت ِلك ال ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعُ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫سن َةٍ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ك ك َأل ْ ِ‬ ‫َ ّ‬
‫عدا]‪]{[59‬سورة الكهف[‪ .‬يقول سيد‬ ‫ً‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫مهْل ِك ِهِ ْ‬ ‫جعَلَنا ل ِ َ‬ ‫موا وَ َ‬ ‫ما ظل ُ‬ ‫مل ّ‬ ‫أهْلكَناهُ ْ‬
‫كن الله لهم في الرض‪.‬‬ ‫قطب رحمه الله‪':‬هناك حقيقة ينساها البشر حين يم ّ‬
‫ينسون أن هذا التمكين إنما تم بمشيئة الله ليبلوهم فيه؛ أيقومون عليه بعهد‬
‫الله وشرطه من العبودية له وحده‪ ،‬والتلقي منه وحده؟ أم يجعلون من‬
‫دعي حقوق اللهية وخصائصها؟ إنها حقيقة ينساها البشر‪،‬‬ ‫أنفسهم طواغيت ت َ ّ‬
‫فينحرفون عن عهد الله ويمضون على غير سنة الله‪ ،‬ول يتبين لهم في أول‬
‫دا وهم ينزلقون ول‬ ‫دا روي ً‬ ‫الطريق عواقب هذا النحراف‪ ،‬ويقع الفساد روي ً‬
‫يشعرون حتى يستوفي الكتاب أجله ويحق وعد الله‪ .‬ثم تختلف أشكال الخذ‬
‫والنهاية؛ فمرة يأخذهم بعذاب الستئصال‪ ،‬بعذاب من فوقهم أو من تحت‬
‫أرجلهم كما وقع لكثير من القوام‪ ،‬ومرة بالسنين ونقص النفس والثمرات‬
‫ضا‪،‬‬‫كما حدث لقوام آخرين‪ ،‬ومرة يذيق بعضهم بأس بعض‪ ،‬فيعذب بعضها بع ً‬
‫ضا‪ ،‬ويسلط الله عليهم عباًدا له ‪ -‬طائعين أو عصاة ‪-‬‬ ‫ويدمر بعضهم بع ً‬
‫يخضدون شوكتهم‪ .‬ثم يستخلف الله العباد الجدد ليبتليهم بما مكنهم‪.‬‬
‫وهكذا تمضي دورة السنة؛ فالسعيد من وعاها‪ ،‬والشقي من غفل عنها‪ ،‬وإنه‬
‫ما يخدع الناس أن يروا الفاجر الطاغي‪ ،‬أو الملحد الكافر ممكًنا له في‬ ‫م ّ‬ ‫لَ ِ‬
‫الرض غير مأخوذ من الله‪ .‬ولكن الناس إنما يستعجلون‪ ،‬لنهم يرون أول‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الطريق أو وسطه‪ ،‬ول يرون نهاية الطريق؛ لن السنة تستغرق وقًتا طويل ً‬
‫لكنها تلحظ من خلل التاريخ'ا‪.‬هـ‬
‫ً‬
‫سلمي‪':‬والسنة الربانية قد تستغرق وقًتا طويل لكي ترى‬ ‫ويقول الدكتور ال ّ‬
‫متحققة‪ ،‬في حين أن عمر الفرد محدود؛ ولذلك فقد ل يمكنه رؤية السنة‬
‫متحققة‪ ،‬بل قد يرى النسان جانًبا من السنة الربانية‪ ،‬ثم ل تتحقق نهايتها في‬
‫حياته‪ ،‬مما قد يدفعه إلى عدم إدراك السنة‪ ،‬أو التكذيب بها‪ .‬وهنا يكون دور‬
‫ما كان عمرها‬
‫التاريخ في معرفة أن السنة الربانية ل بد أن تقع‪ ،‬ولكن ل ّ‬
‫أطول من عمر الفرد ‪ -‬بل ربما أطول من أعمار أجيال ‪ -‬فإنها ترى متحققة‬
‫ة‬
‫سن ّ َ‬‫من خلل التاريخ الذي يثبت أن سنة الله ثابتة ل تتبدل كما قال تعالى‪ُ }:‬‬
‫ل]‪]{[[62‬سورة‬ ‫سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِ‬
‫دي ً‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ل وَل َ ْ‬
‫ن تَ ِ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫وا ِ‬‫خل َ ْ‬
‫ن َ‬ ‫الل ّهِ ِفي ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫الحزاب[ ا‪.‬هـ‬
‫السنن الثابتة من خلل التفكر في تاريخ النبياء عليهم الصلة والسلم‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -1‬العاقبة للمتقين والهلك للمكذبين المعاندين‪ :‬والشواهد على هذه السنة‬


‫ن‬‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫كثيرة؛ فمن ذلك قوله تعالى عقب قصة نوح عليه الصلة والسلم‪}:‬ت ِل ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫صب ِْر إ ِ ّ‬ ‫ذا َفا ْ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت َول قَوْ ُ‬ ‫مَها أن ْ َ‬ ‫ت ت َعْل َ ُ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫حيَها إ ِل َي ْ َ‬ ‫ب ُنو ِ‬ ‫أن َْباِء ال ْغَي ْ ِ‬
‫ن]‪]{[49‬سورة هود[‪ .‬وقوله تعالى‪ -‬عن وصية موسى عليه‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬ ‫ال َْعاقِب َ َ‬
‫الصلة والسلم لقومه بعد أن هددهم فرعون بتقتيل أبنائهم‪ ،‬واستحياء‬
‫مهِ است َِعيُنوا بالل ّهِ واصبروا إ ّ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ض ل ِل ّهِ ُيورِث َُها َ‬ ‫ن اْلْر َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ ُِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫سى ل ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫نسائهم‪َ}:-‬قا َ‬
‫ن]‪]{[128‬سورة العراف[‪.‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬ ‫عَبادِهِ َوال َْعاقِب َ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫يَ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫جي َْناه ُ َوال ِ‬ ‫وقوله تعالى عن هود عليه الصلة والسلم مع قومه‪}:‬فَأن ْ َ‬
‫ن]‪]{[72‬سورة‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ِبآيات َِنا وَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مّنا وَقَط َعَْنا َداب َِر ال ّ ِ‬ ‫مةٍ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ب َِر ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جي َْنا‬
‫مُرَنا ن َ ّ‬ ‫جاَء أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫العراف[‪ .‬وقال عن نبيه صالح عليه الصلة والسلم‪}:‬فَل ّ‬
‫ي‬
‫قو ِ ّ‬ ‫ْ‬
‫ن َرب ّك هُوَ ال َ‬ ‫َ‬ ‫مئ ِذ ٍ إ ِ ّ‬ ‫ي ي َوْ ِ‬ ‫خْز ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مّنا وَ ِ‬ ‫مةٍ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ب َِر ْ‬ ‫معَ ُ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫صاِلحا ً َوال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن]‪{[67‬‬ ‫َ‬ ‫مي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ث‬ ‫جا‬
‫َ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫يا‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫حوا‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ص‬
‫ْ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ص‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫موا‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ظ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫و‬ ‫[‬ ‫‪66‬‬ ‫ز]‬ ‫ُ‬ ‫زي‬‫ال ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ع‬
‫]سورة هود[‪.‬‬
‫ت‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِبالب َي َّنا ِ‬ ‫جاُءوهُ ْ‬ ‫مف َ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫سل إ ِلى قوْ ِ‬ ‫ن قب ْل ِك ُر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سلَنا ِ‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫وقوله تعالى‪}:‬وَل َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ن]‪]{[47‬سورة‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫صُر ال ُ‬ ‫قا عَلي َْنا ن َ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫موا وَكا َ‬ ‫جَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫َفان ْت َ َ‬
‫الروم[‪.‬‬
‫وما جرى من تحقيق هذه السنة في الماضي سيجري مثله إن شاء الله في‬
‫الحاضر والمستقبل‪ ،‬إذا تحققت أسبابها من ظهور المتقين الذين يستحقون‬
‫نصر الله عز وجل‪ .‬يقول ابن تيمية رحمه الله‪':‬فإن كان قد نصر المؤمنين‬
‫لنهم مؤمنون‪ ،‬كان هذا موجًبا لنصرهم حيث وجد هذا الوصف‪ ،‬بخلف ما إذا‬
‫عصوا ونقضوا إيمانهم كيوم أحد؛ فإن الذنب كان لهم‪ ،‬ولهذا قال تعالى‪:‬‬
‫م كل سنة‬ ‫ديل ً ]‪]{[62‬سورة الحزاب[ ‪ .‬فع ّ‬ ‫سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫}‪...‬وَل َ ْ‬
‫له ‪'...‬ا‪.‬هـ‪ .‬وقد سار شيخ السلم رحمه الله في ضوء هذه السنة الربانية‪،‬‬
‫وعمل بها في جهاد التتار لما احتلوا بلد الشام‪ ،‬وكتب للمسلمين يحرضهم‬
‫على القتال‪ ،‬وينبههم إلى هذه السنة اللهية في نصر أوليائه‪ ،‬وهلك أعدائه‪.‬‬
‫وقال في هذه النازلة يبشر المؤمنين بالنصر‪ ،‬وأن العاقبة للمتقين‪':‬واعلموا ‪-‬‬
‫أصلحكم الله ‪ -‬أن النصرة للمؤمنين والعاقبة للمتقين‪ ،‬وأن الله مع الذين‬
‫اتقوا والذين هم محسنون‪ ،‬وهؤلء القوم مقهورون مقموعون‪ .‬والله سبحانه‬
‫وتعالى ناصرنا عليهم ومنتقم لنا منهم‪ ،‬ول حول ول قوة إل بالله العلي‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م‬ ‫َ‬
‫حَزُنوا وَأن ْت ُ ُ‬ ‫العظيم؛ فأبشروا بنصر الله تعالى وبحسن العاقبة }َول ت َهُِنوا َول ت َ ْ‬
‫ن]‪]{[139‬سورة آل عمران[‪ ،‬وهذا أمر قد تيقناه‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫اْل َعْل َوْ َ‬
‫وتحققناه والحمد لله رب العالمين'‪.‬‬
‫‪ -2‬إن الله ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‪ :‬وهذه السنة من السنن‬
‫الخالدة التي يتحمل البشر في ضوئها مسؤوليتهم فيما يقع لهم من خير أو‬
‫شر؛ لن الله عز وجل قد منح النسان قدًرا من الحرية والختيار‪ ،‬وشرح له‬
‫أسباب النجاة‪ ،‬وأسباب الهلك‪ ،‬وأنزل عليه الكتاب‪ ،‬وأرسل إليه الرسل‪ .‬فمنه‬
‫ة‬‫مث َل ً قَْري َ ً‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫يبدأ التغيير‪ :‬سواء إلى الشر أو إلى الخير؛ قال تعالى‪}:‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ة ي َأ ِْتيَها رِْزقَُها َر َ‬
‫ت ب ِأن ْعُم ِ اللهِ فَأَذاقََها‬ ‫فَر ْ‬ ‫ن فَك َ َ‬ ‫كا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫غدا ً ِ‬ ‫مئ ِن ّ ً‬‫مط ْ َ‬ ‫ة ُ‬ ‫من َ ً‬‫تآ ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن]‪]{[112‬سورة النحل[‪ .‬وإنه‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫ما كاُنوا ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ف بِ َ‬ ‫خو ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫جوِع َوال َ‬ ‫س ال ُ‬‫ْ‬ ‫ه ل َِبا َ‬ ‫ّ‬
‫الل ُ‬
‫ً‬
‫لجدير بالدعاة إلى الله في هذا الزمان‪ ،‬وفي كل زمان أن يقفوا طويل عند‬
‫هذه السنة؛ فهي الساس المهم‪ ،‬والمنهج الصحيح للدعوة والتغيير‪ ،‬بل هي‬
‫أم السنن الربانية في البناء والتغيير‪.‬‬
‫‪ -3‬البتلء سنة جارية للمؤمنين‪ :‬وهذه السنة من الوضوح بحيث ل تحتاج إلى‬
‫تعليق‪ ،‬حيث تواردت بها الدلة الكثيرة من القرآن والسنة‪ ،‬وحيث الوقائع‬
‫والتجارب في حياة النبياء وأتباعهم تشهد بذلك‪ .‬ويكفي قوله تعالى‪ }:‬الم]‬
‫‪[1‬أ َحسب الناس أ َن يتر ُ َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫قد ْ فَت َّنا ال ّ ِ‬ ‫ن]‪[2‬وَل َ َ‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫م َل ي ُ ْ‬ ‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫قوُلوا آ َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫كوا أ ْ‬ ‫ّ ُ ْ َُْ‬ ‫َ ِ َ‬
‫ن]‪]{[3‬سورة‬ ‫ِِ َ‬‫بي‬ ‫ذ‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ َْ َ ّ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫ص‬
‫ُ ِ َ َ َ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َْ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫العنكبوت[ ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫وقوله تعالى‪}:‬أ َم حسبت َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫وا ِ‬‫خل َ ْ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما ي َأت ِك ُ ْ‬ ‫ة وَل َ ّ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خُلوا ال ْ َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ َ ِ ُْ ْ‬
‫ْ‬
‫ه‬ ‫معَ ُ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ل َوال ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫قو َ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ضّراُء وَُزلزِلوا َ‬ ‫ْ‬ ‫ساُء َوال ّ‬ ‫م ال ْب َأ َ‬ ‫ست ْهُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م َ‬ ‫قَب ْل ِك ُ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ب]‪]{[214‬سورة البقرة[‪.‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫صَر اللهِ قَ ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫صُر اللهِ أل إ ِ ّ‬ ‫مَتى ن َ ْ‬ ‫َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وحكمة هذا البتلء عظيمة‪ ،‬وفوائده في التربية والتمحيص وتمييز الصفوف‬


‫معروفة‪ ،‬وعلى هذا ينبغي أن توطن النفوس على هذه السنة مع سؤال الله‬
‫عز وجل العافية والثبات‪.‬‬
‫كما يدخل تحت هذه السنة‪ :‬سنة المداولة بين الناس من الشدة إلى الرخاء‪،‬‬
‫ومن الرخاء إلى الشدة‪ ،‬ومن إدالة الكفار على المسلمين للتمحيص والبتلء‪:‬‬
‫ه ال ّ ِ‬ ‫قال تعالى‪ ...}:‬وت ِل ْ َ َ‬
‫خذ َ‬
‫مُنوا وَي َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫س وَل ِي َعْل َ َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫داوِل َُها ب َي ْ َ‬ ‫م نُ َ‬ ‫ك اْلّيا ُ‬ ‫َ‬
‫ن]‪]{[140‬سورة آل عمران[‪.‬‬ ‫ِ ِ َ‬‫مي‬ ‫ل‬ ‫ظا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ُ ِ ّ‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫داَء َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫شهَ َ‬‫م ُ‬‫من ْك ُ ْ‬
‫ِ‬
‫‪ -4‬انهيار المم الظالمة وزوالها يكون بأجل‪ :‬يقول الدكتور السلمي عن هذه‬
‫سنة‪':‬قد يرى الناس موجبات العذاب والنهيار قد حلت بأمة من المم‪ ،‬ثم ل‬ ‫ال ّ‬
‫يرون زوالها بأنفسهم‪ .‬وقد أوضحنا في أول الكلم عن السنن أن سنة الله ل‬
‫تتخلف‪ ،‬لكن عمرها أطول من عمر الفراد‪ ،‬ول تقع إل بأجل محدد لبد من‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫استيفائه؛ قال تعالى‪}:‬ول ِك ُ ّ ُ‬
‫ة َول‬ ‫ساعَ ً‬ ‫ن َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫جل ُهُ ْ‬ ‫جاَء أ َ‬ ‫ل فَإ َِذا َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫مةٍ أ َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫َ‬
‫ن قَْري َةٍ إ ِّل وَل ََها‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫قدمون]‪]{[34‬سورة العراف[‪ .‬وقال تعالى‪}:‬وما أ َ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ست َ ْ ِ ُ َ‬‫يَ ْ‬
‫ن]‪]{[5‬سورة الحجر[‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫خُرو َ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬‫جلَها وَ َ‬ ‫مةٍ أ َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫سب ِقُ ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م َ‬
‫معْلو ٌ‬ ‫ب َ‬‫ك َِتا ٌ‬
‫عدا]‪{[59‬‬ ‫ً‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م َ‬ ‫مهْل ِك ِهِ ْ‬ ‫جعَلَنا ل ِ َ‬ ‫موا وَ َ‬ ‫ما ظل ُ‬ ‫مل ّ‬ ‫قَرى أهْلكَناهُ ْ‬ ‫وقال تعالى‪}:‬وَت ِلك ال ُ‬
‫]سورة الكهف['‪.‬والحديث عن هذه السنة يقودنا إلى الحديث عن سنة أخرى‬
‫أل وهي‪:‬‬
‫‪ -5‬سنة الملء‪ :‬التي يملي الله عز وجل فيها للكفار‪ ،‬ويستدرجهم ويمهل لهم‬
‫ما إلى ظلمهم‪ ،‬ويغتروا بإمهال الله لهم حتى‬ ‫ليزدادوا غًيا إلى غيهم وظل ً‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يصلوا إلى حد معين من الظلم والكبر والعتو في الرض‪ ،‬فل يمهلهم الله عز‬
‫وجل بعده‪ ،‬وإنما يحق عليهم موعده سبحانه في إهلكهم؛ لن الله عز وجل ل‬
‫يترك الظالم المتكبر يظلم إلى ما ل نهاية‪ ،‬وإنما يملي له ليسارع إلى نهايته‬
‫المحددة‪ ،‬وموعده الذي يقصمه الله عنده ل يتقدم عليه ول يتأخر‪.‬‬
‫وسنة الملء هذه نراها الن تعمل فيما يفعله المريكان واليهود في ديار‬
‫فُروا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫المسلمين وننتظر وعد الله فيهم؛ قال الله تعالى‪َ}:‬ول ي َ ْ‬
‫خي ٌْر ِل َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن]‬ ‫مِهي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م ل ِي َْزَداُدوا إ ِْثما ً وَلهُ ْ‬
‫َ‬ ‫مِلي ل َهُ ْ‬ ‫ما ن ُ ْ‬ ‫م إ ِن ّ َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م َ‬ ‫مِلي ل َهُ ْ‬ ‫ما ن ُ ْ‬ ‫أن ّ َ‬
‫‪]{[178‬سورة آل عمران[‪.‬‬
‫‪ -6‬سنة التدافع‪ ،‬وسنة الصراع بين الحق والباطل‪ :‬وهذه السنة من أهم‬
‫السنن الربانية التي يجب الوقوف عندها‪ ،‬وعدم الغفلة عنها‪ .‬والمتأمل في‬
‫دعوة النبياء عليهم الصلة والسلم مع أقوامهم يلمس هذه السنة بوضوح‬
‫وجلء؛ قال الله تعالى بعد أن انتصر المسلمون بقيادة طالوت وقتل داود‬
‫ك‬ ‫مل ْ َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫ت َوآَتاهُ الل ّ ُ‬ ‫جاُلو َ‬ ‫ل َداوُد ُ َ‬ ‫ن الل ّهِ وَقَت َ َ‬ ‫م ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫جالوت ]الكافر[‪}:‬فَهََز ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫ت الْر ُ‬ ‫سد َ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ضل َ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫س ب َعْ َ‬ ‫ول د َفعُ اللهِ الّنا َ‬ ‫ْ‬ ‫شاُء وَل ْ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫م ّ‬‫ه ِ‬‫م ُ‬‫ة وَعَل ّ َ‬ ‫حك ْ َ‬
‫م َ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫ن]‪]{[251‬سورة البقرة[‪ .‬وقال تعالى بعد‬ ‫مي َ‬ ‫ل عََلى ال َْعال َ ِ‬ ‫ض ٍ‬‫ه ُذو فَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وَل َك ِ ّ‬
‫ه عََلى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن الل ّ َ‬ ‫موا وَإ ِ ّ‬ ‫م ظ ُل ِ ُ‬ ‫ن ب ِأن ّهُ ْ‬‫قات َُلو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬
‫إذنه سبحانه للمؤمنين بالقتال‪}:‬أذِ َ‬
‫قوُلوا َرب َّنا الل ُّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن أُ ْ‬
‫ه‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ل‬ ‫م ْ َِ ِ ِ ْ َِ ْ ِ َ ّ ِ‬
‫إ‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫يا‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ديٌر]‪ [39‬ال ّ ِ‬ ‫ق ِ‬‫م لَ َ‬ ‫صرِهِ ْ‬ ‫نَ ْ‬
‫جد ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫صل َ َ‬ ‫معُ وَب ِي َعٌ وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ص َ‬‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ل َهُد ّ َ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫س ب َعْ َ‬ ‫ول د َفْعُ الل ّهِ الّنا َ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫زيٌز ]‪{[40‬‬ ‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صُره ُ إ ِ ّ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫م الل ّهِ ك َِثيرا ً وَل َي َن ْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ي ُذ ْك َُر ِفيَها ا ْ‬
‫]سورة الحج[‪.‬‬
‫جدا منذ أن أهبط آدم عليه الصلة‬ ‫والصراع والمدافعة بين الحق والباطل وُ ِ‬
‫والسلم على هذه الرض ومعه إبليس الملعون‪ .‬واقتضت حكمة الله عز وجل‬
‫أن يستمر هذا الصراع إلى أن يرث الله الرض ومن عليها بين حزب الله‪،‬‬
‫وحزب الشيطان‪ .‬وليس بالضرورة أن تكون المدافعة‪ ،‬أو أن يكون الصراع‬
‫بالقتال والسلح‪ .‬بل إنه يكون بغير ذلك‪ ،‬وما القتال إل مرحلة من مراحل هذا‬
‫الصراع؛ فإقامة الحجة على الباطل وأهله‪ :‬مدافعة‪ ،‬وإزالة الشبه عن الحق‬
‫وأهله‪ :‬مدافعة‪ ،‬والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ :‬مدافعة‪ ،‬والصبر على‬
‫ابتلء العداء من الكفرة والظلمة‪ ،‬والثبات على الدين‪ :‬مدافعة وصراع‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ويأتي الجهاد والقتال في سبيل الله عز وجل على رأس وذروة هذه المدافعة‬
‫والصراع‪ ،‬فيقذف الله بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق‪ .‬وما دام‬
‫هناك حق وباطل؛ فالصراع موجود‪ ،‬والمدافعة حتمية‪ .‬وهذا الصراع لصالح‬
‫البشرية وخيرها‪ ،‬ولو كان فيه من العناء والشدة والمكاره؛ فإن هذه‬
‫المشقات كلها تهون وتصغر عند المفاسد العظيمة التي تنشأ فيما لو لم يكن‬
‫ول د َفْ ُ‬
‫ع‬ ‫هناك دفع للفساد وصراع مع الباطل‪ -‬كما مر في قوله تعالى‪...}:‬وَل َ ْ‬
‫َ‬
‫ض‪]{[251]...‬سورة البقرة[‪ .‬وهذا‬ ‫ت اْلْر ُ‬
‫سد َ ِ‬ ‫ض لَ َ‬
‫ف َ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬
‫ضهُ ْ‬ ‫الل ّهِ الّنا َ‬
‫س ب َعْ َ‬
‫يفرض على أهل الحق السير على هذه السنة‪ ،‬وبذل الجهد الجهيد في‬
‫مدافعة الباطل وأهله‪ ،‬وإحقاق الحق وتمكين أهله‪ ،‬ورد البشرية الشاردة إلى‬
‫عبودية الله عز وجل وتوحيده‪ ،‬وإنقاذها من الشرك ومفاسده‪.‬‬
‫إن الذين يطمعون في الصلح ودرء الفساد عن المة بدون سنة المدافعة مع‬
‫الباطل وأهل الفساد؛ إنهم يتنكبون منهج النبياء في الدعوة إلى الله عز وجل‬
‫الذي ارتضاه واختاره لهم‪ .‬وإن الذين يؤثرون السلمة والخوف من عناء‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المدافعة مع الفساد وأهله؛ إنهم بهذا التصرف ل يسلمون من العناء‬


‫والمشقة‪ ،‬بل إنهم يقعون في مشقة أعظم‪ ،‬وعناء أكبر يقاسونه في دينهم‬
‫وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم‪ .‬وهذه هي ضريبة السكوت‪ ،‬وفساد التصور‪،‬‬
‫وإيثار الحياة الدنيا‪.‬‬
‫يقول سيد قطب رحمه الله‪':‬إن تكاليف الخروج من العبودية للطاغوت‬
‫والدينونة لله وحده ‪ -‬مهما عظمت وشقت ‪ -‬أقل وأهون من تكاليف العبودية‬
‫للطواغيت! إن تكاليف العبودية للطواغيت فاحشة ‪ -‬مهما لح فيها من‬
‫السلمة والمن والطمأنينة على الحياة والمقام والرزق! ‪ -‬إنها تكاليف بطيئة‬
‫طويلة مديدة! تكاليف في إنسانية النسان ذاته؛ فهذه النسانية ل توجد‬
‫والنسان عبد للنسان؛ وأي عبودية شر من خضوع النسان لما يشرعه له‬
‫إنسان؟! وأي عبودية شر من تعلق قلب إنسان بإرادة إنسان آخر به‪ ،‬ورضاه‬
‫أو غضبه عليه؟! وأي عبودية شر من أن تتعلق مصائر إنسان بهوى إنسان‬
‫مثله ورغباته وشهواته؟! وأي عبودية شر من أن يكون للنسان خطام أو‬
‫لجام يقوده منه كيفما شاء إنسان؟!‬
‫على أن المر ل يقف عند حد هذه المعاني الرفيعة؛ إنه يهبط ويهبط حتى‬
‫يكلف الناس ‪ -‬في حكم الطواغيت ‪ -‬أموالهم التي ل يحميها شرع‪ ،‬ول‬
‫يحوطها سياج‪ ،‬كما يكلفهم أولدهم؛ إذ ينشئهم الطاغوت كما شاء على ما‬
‫شاء من التصورات والفكار والمفهومات‪ ،‬والخلق والتقاليد والعادات‪ ،‬فوق‬
‫ما يتحكم في أرواحهم وفي حياتهم ذاتها؛ فيذبحهم على مذبح هواه‪ ،‬ويقيم‬
‫من جماجمهم وأشلئهم أعلم المجد لذاته والجاه! ثم يكلفهم أعراضهم في‬
‫النهاية؛ حيث ل يملك أب أن يمنع فتاته من الدعارة التي يريدها بها‬
‫الطواغيت‪ ،‬سواء في صورة الغصب المباشر ‪ -‬كما يقع على نطاق واسع‬
‫على مدار التاريخ ‪ -‬أو في صورة تنشئتهن على تصورات ومفاهيم تجعلهن‬
‫حا للشهوات تحت أي شعار! وتمهد لهن الدعارة والفجور تحت أي‬ ‫نهًبا مبا ً‬
‫ستار‪ .‬والذي يتصور أنه ينجو بماله وعرضه وحياته وحياة أبنائه وبناته في‬
‫حكم الطواغيت من دون الله؛ إنما يعيش في وهم‪ ،‬أو يفقد الحساس‬
‫بالواقع!' ا‪.‬هـ ] 'في ظلل القرآن'‪.[[1319 ،3/1318] :‬‬
‫من كتاب‪':‬أفل تتفكرون؟!' للشيخ‪ /‬عبد العزيز بن ناصر الجليل‬

‫)‪(4 /‬‬

‫السنن اللهية في الصراع بين الحق والباطل‬


‫من خلل دعوة الرسل لقوامهم‬
‫إن الوقوف مع السنن الربانية المستوحاة من دعوة الرسل لقوامهم لمن‬
‫الواجبات التي ينبغي للدعاة أن يلموا بها ويعرفوها؛ ليستفيدوا منها في‬
‫تفسير الحداث والمواقف والنوازل‪ ،‬ول يستغربوها ويفاجأوا بها؛ لكونها‬
‫تحدث بأمر الله وحكمته التي جعلت للحداث والمتغيرات سنًنا ل تتبدل ول‬
‫تتحول‪.‬‬
‫كما أن في معرفة هذه السنن معرفة بأسباب النصر والتمكين‪ ،‬وأسباب‬
‫الهزيمة والخسران‪ ،‬وفي الغفلة عنها تفريط في الخذ بأسباب النجاة‪،‬‬
‫وإعراض عن هدي النبياء‪ ،‬الذين ساروا في ضوء السنن الربانية؛ لنهم أعرف‬
‫الناس بالله وأسمائه وصفاته‪ ،‬وسننه وأيامه‪ .‬وفي التفكير والتأمل في سير‬
‫النبياء مع أقوامهم تعرف هذه الثمرة العظيمة‪.‬‬
‫السنن الربانية تعريفها‪ ،‬ودللتها‪ ،‬ووقت ظهورها‪:‬‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ض َفان ْظ ُُروا ك َي ْ َ‬ ‫َْ‬


‫ن‬‫كا َ‬ ‫ف َ‬
‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫قال تعالى‪}:‬قَد ْ َ‬
‫ل ي َن ْظ ُُرو َ‬
‫ن‬ ‫ن ]‪]{[137‬سورة آل عمران[‪ .‬وقال عز وجل‪}:‬فَهَ ْ‬ ‫مك َذ ِّبي َ‬ ‫ة ال ْ ُ‬‫عاقِب َ ُ‬ ‫َ‬
‫ويل]‪{[43‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ح ِ‬ ‫ت اللهِ ت َ ْ‬ ‫سن ّ ِ‬
‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫ديل وَل ْ‬ ‫ت اللهِ ت َب ْ ِ‬ ‫سن ّ ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫ن فل ْ‬ ‫ت الوِّلي َ‬ ‫سن ّ َ‬‫إ ِل ُ‬
‫]سورة فاطر[‪.‬‬
‫ُيعّرف ابن تيمية رحمه الله السنة ودللتها‪ ،‬فيقول‪':‬والسنة هي‪ :‬العادة في‬
‫الشياء المتماثلة‪ ...‬ولفظ السنة يدل على التماثل؛ فإنه سبحانه وتعالى إذا‬
‫حكم في المور المتماثلة بحكم‪ ،‬فإن ذلك ل ينقض‪ ،‬ول يتبدل‪ ،‬ول يتحول‪ ،‬بل‬
‫وت بين المتماثلين‪ ،‬وإذا وقع تغيير فذلك لعدم التماثل‪ .‬كما‬ ‫هو سبحانه ل يف ّ‬
‫أن من سننه التفريق بين المختلفين‪ ،‬كما دل على ذلك القرآن؛ قال الله‬
‫َ‬
‫ن]‪]{[35‬سورة القلم[‪ ،‬ومن هذا الباب‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كال ْ ُ‬‫ن َ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫تعالى‪}:‬أفَن َ ْ‬
‫صارت قصص المتقدمين عبرة لنا‪ ،‬ولول القياس‪ ،‬واطراد فعله وسنته؛ لم‬
‫يصح العتبار بها‪ .‬والعتبار إنما يكون إذا كان حكم الشيء حكم نظيره‪،‬‬
‫كالمثال المضروبة في القرآن وهي كثيرة' ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫أما عن وقت ظهورها وتحققها‪ :‬فهو إلى الله‪ ،‬وقد يبدو للناس أن أسباب‬
‫تحقق سنة الله قد انعقدت‪ ،‬ومع ذلك لم يأذن الله بظهورها عن علم وحكمة‪،‬‬
‫عن ْد َ‬‫وما ً ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ه وَعْد َه ُ وَإ ِ ّ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ب وَل َ ْ‬
‫ن يُ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ك ِبال ْعَ َ‬ ‫جُلون َ َ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫قال الله تعالى‪}:‬وَي َ ْ‬
‫ك ال ْ ُ‬ ‫ن]‪]{[47‬سورة الحج[‪ ،‬وقال عز وجل‪}:‬وَت ِل ْ َ‬ ‫رب َ َ‬
‫قَرى‬ ‫ما َ ُ ّ َ‬
‫دو‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫م ّ‬ ‫سن َةٍ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ك ك َأل ْ ِ‬ ‫َ ّ‬
‫عدًا]‪]{[59‬سورة الكهف[‪ .‬يقول سيد‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ك‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫موا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ َ ِ َ ْ ِ ِِ ْ َ ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫أهْ َ ُ ْ ّ‬
‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫ك‬ ‫ل‬
‫كن الله لهم في الرض‪.‬‬ ‫قطب رحمه الله‪':‬هناك حقيقة ينساها البشر حين يم ّ‬
‫ينسون أن هذا التمكين إنما تم بمشيئة الله ليبلوهم فيه؛ أيقومون عليه بعهد‬
‫الله وشرطه من العبودية له وحده‪ ،‬والتلقي منه وحده؟ أم يجعلون من‬
‫دعي حقوق اللهية وخصائصها؟ إنها حقيقة ينساها البشر‪،‬‬ ‫أنفسهم طواغيت ت َ ّ‬
‫فينحرفون عن عهد الله ويمضون على غير سنة الله‪ ،‬ول يتبين لهم في أول‬
‫دا وهم ينزلقون ول‬ ‫دا روي ً‬ ‫الطريق عواقب هذا النحراف‪ ،‬ويقع الفساد روي ً‬
‫يشعرون حتى يستوفي الكتاب أجله ويحق وعد الله‪ .‬ثم تختلف أشكال الخذ‬
‫والنهاية؛ فمرة يأخذهم بعذاب الستئصال‪ ،‬بعذاب من فوقهم أو من تحت‬
‫أرجلهم كما وقع لكثير من القوام‪ ،‬ومرة بالسنين ونقص النفس والثمرات‬
‫ضا‪،‬‬ ‫كما حدث لقوام آخرين‪ ،‬ومرة يذيق بعضهم بأس بعض‪ ،‬فيعذب بعضها بع ً‬
‫ضا‪ ،‬ويسلط الله عليهم عباًدا له ‪ -‬طائعين أو عصاة ‪-‬‬ ‫ويدمر بعضهم بع ً‬
‫يخضدون شوكتهم‪ .‬ثم يستخلف الله العباد الجدد ليبتليهم بما مكنهم‪.‬‬
‫وهكذا تمضي دورة السنة؛ فالسعيد من وعاها‪ ،‬والشقي من غفل عنها‪ ،‬وإنه‬
‫ما يخدع الناس أن يروا الفاجر الطاغي‪ ،‬أو الملحد الكافر ممكًنا له في‬ ‫م ّ‬ ‫لَ ِ‬
‫الرض غير مأخوذ من الله‪ .‬ولكن الناس إنما يستعجلون‪ ،‬لنهم يرون أول‬
‫الطريق أو وسطه‪ ،‬ول يرون نهاية الطريق؛ لن السنة تستغرق وقًتا طويل ً‬
‫لكنها تلحظ من خلل التاريخ'ا‪.‬هـ‬
‫سلمي‪':‬والسنة الربانية قد تستغرق وقًتا طويل ً لكي ترى‬ ‫ويقول الدكتور ال ّ‬
‫متحققة‪ ،‬في حين أن عمر الفرد محدود؛ ولذلك فقد ل يمكنه رؤية السنة‬
‫متحققة‪ ،‬بل قد يرى النسان جانًبا من السنة الربانية‪ ،‬ثم ل تتحقق نهايتها في‬
‫حياته‪ ،‬مما قد يدفعه إلى عدم إدراك السنة‪ ،‬أو التكذيب بها‪ .‬وهنا يكون دور‬
‫ما كان عمرها‬ ‫التاريخ في معرفة أن السنة الربانية ل بد أن تقع‪ ،‬ولكن ل ّ‬
‫أطول من عمر الفرد ‪ -‬بل ربما أطول من أعمار أجيال ‪ -‬فإنها ترى متحققة‬
‫ة‬
‫سن ّ َ‬ ‫من خلل التاريخ الذي يثبت أن سنة الله ثابتة ل تتبدل كما قال تعالى‪ُ }:‬‬
‫ل]‪]{[[62‬سورة‬ ‫دي ً‬‫سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫ل وَل َ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الل ّهِ ِفي ال ّ ِ‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحزاب[ ا‪.‬هـ‬
‫السنن الثابتة من خلل التفكر في تاريخ النبياء عليهم الصلة والسلم‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -1‬العاقبة للمتقين والهلك للمكذبين المعاندين‪ :‬والشواهد على هذه السنة‬


‫ن‬‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫كثيرة؛ فمن ذلك قوله تعالى عقب قصة نوح عليه الصلة والسلم‪}:‬ت ِل ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫صب ِْر إ ِ ّ‬ ‫ذا َفا ْ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت َول قَوْ ُ‬ ‫مَها أن ْ َ‬ ‫ت ت َعْل َ ُ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫حيَها إ ِل َي ْ َ‬ ‫ب ُنو ِ‬ ‫أن َْباِء ال ْغَي ْ ِ‬
‫ن]‪]{[49‬سورة هود[‪ .‬وقوله تعالى‪ -‬عن وصية موسى عليه‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬ ‫ال َْعاقِب َ َ‬
‫الصلة والسلم لقومه بعد أن هددهم فرعون بتقتيل أبنائهم‪ ،‬واستحياء‬
‫مهِ است َِعيُنوا بالل ّهِ واصبروا إ ّ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ض ل ِل ّهِ ُيورِث َُها َ‬ ‫ن اْلْر َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ ُِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫سى ل ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫نسائهم‪َ}:-‬قا َ‬
‫ن]‪]{[128‬سورة العراف[‪.‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ة ل ِل ُ‬ ‫ْ‬
‫عَبادِهِ َوالَعاقِب َ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫يَ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫جي َْناه ُ َوال ِ‬ ‫وقوله تعالى عن هود عليه الصلة والسلم مع قومه‪}:‬فَأن ْ َ‬
‫ن]‪]{[72‬سورة‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ِبآيات َِنا وَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مّنا وَقَط َعَْنا َداب َِر ال ّ ِ‬ ‫مةٍ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ب َِر ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جي َْنا‬ ‫مُرَنا ن َ ّ‬ ‫جاَء أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫العراف[‪ .‬وقال عن نبيه صالح عليه الصلة والسلم‪}:‬فَل ّ‬
‫ي‬
‫قو ِ ّ‬ ‫ْ‬
‫ن َرب ّك هُوَ ال َ‬ ‫َ‬ ‫مئ ِذ ٍ إ ِ ّ‬ ‫ي ي َوْ ِ‬ ‫خْز ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مّنا وَ ِ‬ ‫مةٍ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ب َِر ْ‬ ‫معَ ُ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫صاِلحا ً َوال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن]‪{[67‬‬ ‫مي َ‬ ‫جاث ِ ِ‬‫م َ‬ ‫حوا ِفي دَِيارِهِ ْ‬ ‫صب َ ُ‬ ‫ة فأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ح ُ‬ ‫صي ْ َ‬‫موا ال ّ‬ ‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫خذ َ ال ِ‬ ‫زيُز]‪ [66‬وَأ َ‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫]سورة هود[‪.‬‬
‫ت‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ءو‬ ‫ُ‬ ‫جا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫تعالى‪}:‬‬ ‫وقوله‬
‫ُ ْ ِ ََّ ِ‬ ‫ْ ِ ِ ْ َ‬ ‫َ َْ ْ َ َ ِ ْ ْ ِ ُ ُ ِ‬
‫ن]‪]{[47‬سورة‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫صُر ال ْ ُ‬ ‫قا ً عَل َي َْنا ن َ ْ‬ ‫ح ّ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫موا وَ َ‬ ‫جَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫َفان ْت َ َ‬
‫الروم[‪.‬‬
‫وما جرى من تحقيق هذه السنة في الماضي سيجري مثله إن شاء الله في‬
‫الحاضر والمستقبل‪ ،‬إذا تحققت أسبابها من ظهور المتقين الذين يستحقون‬
‫نصر الله عز وجل‪ .‬يقول ابن تيمية رحمه الله‪':‬فإن كان قد نصر المؤمنين‬
‫لنهم مؤمنون‪ ،‬كان هذا موجًبا لنصرهم حيث وجد هذا الوصف‪ ،‬بخلف ما إذا‬
‫عصوا ونقضوا إيمانهم كيوم أحد؛ فإن الذنب كان لهم‪ ،‬ولهذا قال تعالى‪:‬‬
‫م كل سنة‬ ‫ديل ً ]‪]{[62‬سورة الحزاب[ ‪ .‬فع ّ‬ ‫سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫}‪...‬وَل َ ْ‬
‫له ‪'...‬ا‪.‬هـ‪ .‬وقد سار شيخ السلم رحمه الله في ضوء هذه السنة الربانية‪،‬‬
‫وعمل بها في جهاد التتار لما احتلوا بلد الشام‪ ،‬وكتب للمسلمين يحرضهم‬
‫على القتال‪ ،‬وينبههم إلى هذه السنة اللهية في نصر أوليائه‪ ،‬وهلك أعدائه‪.‬‬
‫وقال في هذه النازلة يبشر المؤمنين بالنصر‪ ،‬وأن العاقبة للمتقين‪':‬واعلموا ‪-‬‬
‫أصلحكم الله ‪ -‬أن النصرة للمؤمنين والعاقبة للمتقين‪ ،‬وأن الله مع الذين‬
‫اتقوا والذين هم محسنون‪ ،‬وهؤلء القوم مقهورون مقموعون‪ .‬والله سبحانه‬
‫وتعالى ناصرنا عليهم ومنتقم لنا منهم‪ ،‬ول حول ول قوة إل بالله العلي‬
‫م‬ ‫َ‬
‫حَزُنوا وَأن ْت ُ ُ‬ ‫العظيم؛ فأبشروا بنصر الله تعالى وبحسن العاقبة }َول ت َهُِنوا َول ت َ ْ‬
‫ن]‪]{[139‬سورة آل عمران[‪ ،‬وهذا أمر قد تيقناه‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫اْل َعْل َوْ َ‬
‫وتحققناه والحمد لله رب العالمين'‪.‬‬
‫‪ -2‬إن الله ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‪ :‬وهذه السنة من السنن‬
‫الخالدة التي يتحمل البشر في ضوئها مسؤوليتهم فيما يقع لهم من خير أو‬
‫شر؛ لن الله عز وجل قد منح النسان قدًرا من الحرية والختيار‪ ،‬وشرح له‬
‫أسباب النجاة‪ ،‬وأسباب الهلك‪ ،‬وأنزل عليه الكتاب‪ ،‬وأرسل إليه الرسل‪ .‬فمنه‬
‫ة‬‫مث َل ً قَْري َ ً‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫يبدأ التغيير‪ :‬سواء إلى الشر أو إلى الخير؛ قال تعالى‪}:‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ة ي َأ ِْتيَها رِْزقَُها َر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ب ِأن ْعُم ِ اللهِ فأَذاقَها‬ ‫فَر ْ‬ ‫ن فَك َ َ‬ ‫كا ٍ‬ ‫م َ‬‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫غدا ً ِ‬ ‫مئ ِن ّ ً‬ ‫مط ْ َ‬ ‫ة ُ‬ ‫من َ ً‬‫تآ ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن]‪]{[112‬سورة النحل[‪ .‬وإنه‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ف بِ َ‬ ‫خو ْ ِ‬ ‫جوِع َوال ْ َ‬ ‫س ال ْ ُ‬ ‫ه ل َِبا َ‬ ‫الل ّ ُ‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لجدير بالدعاة إلى الله في هذا الزمان‪ ،‬وفي كل زمان أن يقفوا طويل ً عند‬
‫هذه السنة؛ فهي الساس المهم‪ ،‬والمنهج الصحيح للدعوة والتغيير‪ ،‬بل هي‬
‫أم السنن الربانية في البناء والتغيير‪.‬‬
‫‪ -3‬البتلء سنة جارية للمؤمنين‪ :‬وهذه السنة من الوضوح بحيث ل تحتاج إلى‬
‫تعليق‪ ،‬حيث تواردت بها الدلة الكثيرة من القرآن والسنة‪ ،‬وحيث الوقائع‬
‫والتجارب في حياة النبياء وأتباعهم تشهد بذلك‪ .‬ويكفي قوله تعالى‪ }:‬الم]‬
‫‪[1‬أ َحسب الناس أ َن يتر ُ َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫قد ْ فَت َّنا ال ّ ِ‬‫ن]‪[2‬وَل َ َ‬ ‫فت َُنو َ‬‫م َل ي ُ ْ‬ ‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫قوُلوا آ َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫كوا أ ْ‬ ‫ّ ُ ْ َُْ‬ ‫َ ِ َ‬
‫ن]‪]{[3‬سورة‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صد َُقوا وَلي َعْل َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫م ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م فَلي َعْل َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫العنكبوت[ ‪.‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫وا ِ‬‫خل ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫م َ‬‫ما ي َأت ِك ْ‬ ‫ة وَل ّ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خلوا ال َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬‫مأ ْ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬‫ح ِ‬ ‫م َ‬
‫ْ‬
‫وقوله تعالى‪}:‬أ ْ‬
‫ه‬
‫معَ ُ‬‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ل َوال ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫قو َ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ضّراُء وَُزلزِلوا َ‬ ‫ساُء َوال ّ‬ ‫م ال ْب َأ َ‬ ‫ست ْهُ ُ‬
‫م ّ‬ ‫م َ‬ ‫قَب ْل ِك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ب]‪]{[214‬سورة البقرة[‪.‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫صَر الل ّهِ قَ ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫صُر الل ّهِ أل إ ِ ّ‬ ‫مَتى ن َ ْ‬ ‫َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وحكمة هذا البتلء عظيمة‪ ،‬وفوائده في التربية والتمحيص وتمييز الصفوف‬


‫معروفة‪ ،‬وعلى هذا ينبغي أن توطن النفوس على هذه السنة مع سؤال الله‬
‫عز وجل العافية والثبات‪.‬‬
‫كما يدخل تحت هذه السنة‪ :‬سنة المداولة بين الناس من الشدة إلى الرخاء‪،‬‬
‫ومن الرخاء إلى الشدة‪ ،‬ومن إدالة الكفار على المسلمين للتمحيص والبتلء‪:‬‬
‫ه ال ّ ِ‬ ‫قال تعالى‪ ...}:‬وت ِل ْ َ َ‬
‫خذ َ‬
‫مُنوا وَي َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫س وَل ِي َعْل َ َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫داوِل َُها ب َي ْ َ‬ ‫م نُ َ‬ ‫ك اْلّيا ُ‬ ‫َ‬
‫ن]‪]{[140‬سورة آل عمران[‪.‬‬ ‫َ‬ ‫مي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ظا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ُ ّ‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫داَء َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫شهَ َ‬‫م ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ِ‬
‫‪ -4‬انهيار المم الظالمة وزوالها يكون بأجل‪ :‬يقول الدكتور السلمي عن هذه‬
‫سنة‪':‬قد يرى الناس موجبات العذاب والنهيار قد حلت بأمة من المم‪ ،‬ثم ل‬ ‫ال ّ‬
‫يرون زوالها بأنفسهم‪ .‬وقد أوضحنا في أول الكلم عن السنن أن سنة الله ل‬
‫تتخلف‪ ،‬لكن عمرها أطول من عمر الفراد‪ ،‬ول تقع إل بأجل محدد لبد من‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫استيفائه؛ قال تعالى‪}:‬ول ِك ُ ّ ُ‬
‫ة َول‬ ‫ساعَ ً‬ ‫ن َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫جل ُهُ ْ‬ ‫جاَء أ َ‬ ‫ل فَإ َِذا َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫مةٍ أ َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫َ‬
‫ن قَْري َةٍ إ ِّل وَل ََها‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫قدمون]‪]{[34‬سورة العراف[‪ .‬وقال تعالى‪}:‬وما أ َ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ست َ ْ ِ ُ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن]‪]{[5‬سورة الحجر[‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫خُرو َ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫جلَها وَ َ‬ ‫مةٍ أ َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫سب ِقُ ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫معْلو ٌ‬ ‫ب َ‬ ‫ك َِتا ٌ‬
‫عدا]‪{[59‬‬ ‫ً‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م َ‬ ‫مهْل ِك ِهِ ْ‬ ‫جعَلَنا ل ِ َ‬ ‫موا وَ َ‬ ‫ما ظل ُ‬ ‫مل ّ‬ ‫قَرى أهْلكَناهُ ْ‬ ‫وقال تعالى‪}:‬وَت ِلك ال ُ‬
‫]سورة الكهف['‪.‬والحديث عن هذه السنة يقودنا إلى الحديث عن سنة أخرى‬
‫أل وهي‪:‬‬
‫‪ -5‬سنة الملء‪ :‬التي يملي الله عز وجل فيها للكفار‪ ،‬ويستدرجهم ويمهل لهم‬
‫ما إلى ظلمهم‪ ،‬ويغتروا بإمهال الله لهم حتى‬ ‫ليزدادوا غًيا إلى غيهم وظل ً‬
‫يصلوا إلى حد معين من الظلم والكبر والعتو في الرض‪ ،‬فل يمهلهم الله عز‬
‫وجل بعده‪ ،‬وإنما يحق عليهم موعده سبحانه في إهلكهم؛ لن الله عز وجل ل‬
‫يترك الظالم المتكبر يظلم إلى ما ل نهاية‪ ،‬وإنما يملي له ليسارع إلى نهايته‬
‫المحددة‪ ،‬وموعده الذي يقصمه الله عنده ل يتقدم عليه ول يتأخر‪.‬‬
‫وسنة الملء هذه نراها الن تعمل فيما يفعله المريكان واليهود في ديار‬
‫فُروا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫المسلمين وننتظر وعد الله فيهم؛ قال الله تعالى‪َ}:‬ول ي َ ْ‬
‫خي ٌْر ِل َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن]‬‫مِهي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م ل ِي َْزَداُدوا إ ِْثما ً وَلهُ ْ‬
‫َ‬ ‫مِلي ل َهُ ْ‬ ‫ما ن ُ ْ‬ ‫م إ ِن ّ َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م َ‬ ‫مِلي ل َهُ ْ‬ ‫ما ن ُ ْ‬ ‫أن ّ َ‬
‫‪]{[178‬سورة آل عمران[‪.‬‬
‫‪ -6‬سنة التدافع‪ ،‬وسنة الصراع بين الحق والباطل‪ :‬وهذه السنة من أهم‬
‫السنن الربانية التي يجب الوقوف عندها‪ ،‬وعدم الغفلة عنها‪ .‬والمتأمل في‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دعوة النبياء عليهم الصلة والسلم مع أقوامهم يلمس هذه السنة بوضوح‬
‫وجلء؛ قال الله تعالى بعد أن انتصر المسلمون بقيادة طالوت وقتل داود‬
‫ك‬ ‫مل ْ َ‬‫ه ال ْ ُ‬ ‫ت َوآَتاهُ الل ّ ُ‬ ‫جاُلو َ‬ ‫ل َداوُد ُ َ‬ ‫ن الل ّهِ وَقَت َ َ‬ ‫م ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫جالوت ]الكافر[‪}:‬فَهََز ُ‬
‫َ‬
‫ت اْلْر ُ‬
‫ض‬ ‫سد َ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ض لَ َ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫س ب َعْ َ‬ ‫ول د َفْعُ الل ّهِ الّنا َ‬ ‫شاُء وَل َ ْ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫م ّ‬‫ه ِ‬‫م ُ‬‫ة وَعَل ّ َ‬ ‫حك ْ َ‬
‫م َ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫ن]‪]{[251‬سورة البقرة[‪ .‬وقال تعالى بعد‬ ‫مي َ‬ ‫ل عََلى ال َْعال َ ِ‬ ‫ض ٍ‬‫ه ُذو فَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وَل َك ِ ّ‬
‫ه عََلى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن الل ّ َ‬ ‫موا وَإ ِ ّ‬ ‫م ظ ُل ِ ُ‬ ‫ن ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫قات َُلو َ‬‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫إذنه سبحانه للمؤمنين بالقتال‪}:‬أذِ َ‬
‫هّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن أُ ْ‬
‫قولوا َرب َّنا الل ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫حقّ إ ِل أ ْ‬ ‫م ب ِغَي ْرِ َ‬ ‫ن دَِيارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ديٌر]‪ [39‬ال ّ ِ‬ ‫م لَ َ‬
‫ق ِ‬ ‫صرِهِ ْ‬ ‫نَ ْ‬
‫جد ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫صل َ‬‫َ‬ ‫معُ وَب ِي َعٌ وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ص َ‬
‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض لهُد ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ول د َفْعُ اللهِ الّنا َ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬‫س ب َعْ َ‬
‫زيٌز ]‪{[40‬‬ ‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صُره ُ إ ِ ّ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫م الل ّهِ ك َِثيرا ً وَل َي َن ْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ي ُذ ْك َُر ِفيَها ا ْ‬
‫]سورة الحج[‪.‬‬
‫جدا منذ أن أهبط آدم عليه الصلة‬ ‫والصراع والمدافعة بين الحق والباطل وُ ِ‬
‫والسلم على هذه الرض ومعه إبليس الملعون‪ .‬واقتضت حكمة الله عز وجل‬
‫أن يستمر هذا الصراع إلى أن يرث الله الرض ومن عليها بين حزب الله‪،‬‬
‫وحزب الشيطان‪ .‬وليس بالضرورة أن تكون المدافعة‪ ،‬أو أن يكون الصراع‬
‫بالقتال والسلح‪ .‬بل إنه يكون بغير ذلك‪ ،‬وما القتال إل مرحلة من مراحل هذا‬
‫الصراع؛ فإقامة الحجة على الباطل وأهله‪ :‬مدافعة‪ ،‬وإزالة الشبه عن الحق‬
‫وأهله‪ :‬مدافعة‪ ،‬والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ :‬مدافعة‪ ،‬والصبر على‬
‫ابتلء العداء من الكفرة والظلمة‪ ،‬والثبات على الدين‪ :‬مدافعة وصراع‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ويأتي الجهاد والقتال في سبيل الله عز وجل على رأس وذروة هذه المدافعة‬
‫والصراع‪ ،‬فيقذف الله بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق‪ .‬وما دام‬
‫هناك حق وباطل؛ فالصراع موجود‪ ،‬والمدافعة حتمية‪ .‬وهذا الصراع لصالح‬
‫البشرية وخيرها‪ ،‬ولو كان فيه من العناء والشدة والمكاره؛ فإن هذه‬
‫المشقات كلها تهون وتصغر عند المفاسد العظيمة التي تنشأ فيما لو لم يكن‬
‫ول د َفْ ُ‬
‫ع‬ ‫هناك دفع للفساد وصراع مع الباطل‪ -‬كما مر في قوله تعالى‪...}:‬وَل َ ْ‬
‫َ‬
‫ض‪]{[251]...‬سورة البقرة[‪ .‬وهذا‬ ‫ت اْلْر ُ‬
‫سد َ ِ‬ ‫ض لَ َ‬
‫ف َ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬
‫ضهُ ْ‬ ‫الل ّهِ الّنا َ‬
‫س ب َعْ َ‬
‫يفرض على أهل الحق السير على هذه السنة‪ ،‬وبذل الجهد الجهيد في‬
‫مدافعة الباطل وأهله‪ ،‬وإحقاق الحق وتمكين أهله‪ ،‬ورد البشرية الشاردة إلى‬
‫عبودية الله عز وجل وتوحيده‪ ،‬وإنقاذها من الشرك ومفاسده‪.‬‬
‫إن الذين يطمعون في الصلح ودرء الفساد عن المة بدون سنة المدافعة مع‬
‫الباطل وأهل الفساد؛ إنهم يتنكبون منهج النبياء في الدعوة إلى الله عز وجل‬
‫الذي ارتضاه واختاره لهم‪ .‬وإن الذين يؤثرون السلمة والخوف من عناء‬
‫المدافعة مع الفساد وأهله؛ إنهم بهذا التصرف ل يسلمون من العناء‬
‫والمشقة‪ ،‬بل إنهم يقعون في مشقة أعظم‪ ،‬وعناء أكبر يقاسونه في دينهم‬
‫وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم‪ .‬وهذه هي ضريبة السكوت‪ ،‬وفساد التصور‪،‬‬
‫وإيثار الحياة الدنيا‪.‬‬
‫يقول سيد قطب رحمه الله‪':‬إن تكاليف الخروج من العبودية للطاغوت‬
‫والدينونة لله وحده ‪ -‬مهما عظمت وشقت ‪ -‬أقل وأهون من تكاليف العبودية‬
‫للطواغيت! إن تكاليف العبودية للطواغيت فاحشة ‪ -‬مهما لح فيها من‬
‫السلمة والمن والطمأنينة على الحياة والمقام والرزق! ‪ -‬إنها تكاليف بطيئة‬
‫طويلة مديدة! تكاليف في إنسانية النسان ذاته؛ فهذه النسانية ل توجد‬
‫والنسان عبد للنسان؛ وأي عبودية شر من خضوع النسان لما يشرعه له‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إنسان؟! وأي عبودية شر من تعلق قلب إنسان بإرادة إنسان آخر به‪ ،‬ورضاه‬
‫أو غضبه عليه؟! وأي عبودية شر من أن تتعلق مصائر إنسان بهوى إنسان‬
‫مثله ورغباته وشهواته؟! وأي عبودية شر من أن يكون للنسان خطام أو‬
‫لجام يقوده منه كيفما شاء إنسان؟!‬
‫على أن المر ل يقف عند حد هذه المعاني الرفيعة؛ إنه يهبط ويهبط حتى‬
‫يكلف الناس ‪ -‬في حكم الطواغيت ‪ -‬أموالهم التي ل يحميها شرع‪ ،‬ول‬
‫يحوطها سياج‪ ،‬كما يكلفهم أولدهم؛ إذ ينشئهم الطاغوت كما شاء على ما‬
‫شاء من التصورات والفكار والمفهومات‪ ،‬والخلق والتقاليد والعادات‪ ،‬فوق‬
‫ما يتحكم في أرواحهم وفي حياتهم ذاتها؛ فيذبحهم على مذبح هواه‪ ،‬ويقيم‬
‫من جماجمهم وأشلئهم أعلم المجد لذاته والجاه! ثم يكلفهم أعراضهم في‬
‫النهاية؛ حيث ل يملك أب أن يمنع فتاته من الدعارة التي يريدها بها‬
‫الطواغيت‪ ،‬سواء في صورة الغصب المباشر ‪ -‬كما يقع على نطاق واسع‬
‫على مدار التاريخ ‪ -‬أو في صورة تنشئتهن على تصورات ومفاهيم تجعلهن‬
‫حا للشهوات تحت أي شعار! وتمهد لهن الدعارة والفجور تحت أي‬ ‫نهًبا مبا ً‬
‫ستار‪ .‬والذي يتصور أنه ينجو بماله وعرضه وحياته وحياة أبنائه وبناته في‬
‫حكم الطواغيت من دون الله؛ إنما يعيش في وهم‪ ،‬أو يفقد الحساس‬
‫بالواقع!' ا‪.‬هـ ] 'في ظلل القرآن'‪.[[1319 ،3/1318] :‬‬
‫من كتاب‪':‬أفل تتفكرون؟!' للشيخ‪ /‬عبد العزيز بن ناصر الجليل‬

‫)‪(4 /‬‬

‫السنن الجتماعية اللهية في تغيير المجتمعات النسانية‬


‫د‪ .‬حاكم المطيري* ‪4/3/1424‬‬
‫‪05/05/2003‬‬
‫لله عز وجل سننه الجتماعية في نشأة المجتمعات النسانية وقوتها وضعفها‪،‬‬
‫التي ل تتخلف نتائجها عن مقدماتها‪ ،‬ول تنفك أسبابها عن مسبباتها‪ ،‬كما قال‬
‫سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِ‬
‫دي ً‬
‫ل(‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ل وَل َ ْ‬
‫ن تَ ِ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬‫وا ِ‬‫خل َ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ة الل ّهِ ِفي ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سن ّ َ‬
‫سبحانه‪ُ ):‬‬
‫)الحزاب‪ ، (62:‬وقد جعل الله سبحانه الظلم سببا ً لخراب العمران‪ ،‬ومفضيا ً‬
‫إلى ضعف المم وسقوط المجتمعات‬
‫ن(‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬
‫حو َ‬
‫صل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫قَرى ب ِظلم ٍ وَأهْلَها ُ‬ ‫ن َرب ّك ل ِي ُهْل ِك ال ُ‬‫كا َ‬ ‫النسانية كما قال تعالى ‪):‬وَ َ‬
‫)هود‪ ، (117:‬أي ‪ -‬كما قال المفسرون ‪ :-‬ما كان الله ليهلك أهل القرى‬
‫بسبب الظلم‪ ،‬أي‪ :‬الشرك به‪ ،‬ما داموا مصلحين بإقامة العدل والحقوق فيما‬
‫بينهم‪ ،‬والصلح في شؤون حياتهم‪ ،‬ولهذا لم يهلك الله سبحانه كل من أشرك‬
‫به حتى يزيد على ذلك الفساد في الرض بالظلم والطغيان‪ ،‬كما أهلك‬
‫فرعون وثمود وعاد بطغيانهم وعتوهم‪ ،‬وقوم شعيب بتظالمهم في الميزان‬
‫فيما بينهم‪ ،‬وقوم لوط بفسادهم و انحللهم ‪...‬إلخ‪.‬‬
‫وهذا معنى قول شيخ السلم ‪":‬إن الله يقيم الدولة العادلة؛ وإن كانت‬
‫كافرة‪ ،‬ويخذل الدولة الظالمة؛ وإن كانت مسلمة"‪ ،‬وتاريخ المم والشعوب‬
‫وحاضرها أصدق شاهد على صحة هذه السنة الجتماعية واطرادها‪ ،‬والقياس‬
‫الصحيح قاض باعتبار هذه القاعدة واشتراطها‪ ،‬فحيثما وجد العدل والصلح‬
‫وجد الستقرار والزدهار‪ ،‬وحيثما وجد الظلم والفساد وجد التخلف والدمار ‪.‬‬
‫ومن السنن اللهية الجتماعية أن جعل الله مناط ذلك كله بمن يملك القدرة‬
‫على تحقيق الصلح و إقامة العدل‪ ،‬أو عكسهما من الفساد والظلم‪ ،‬وهم‬
‫المل و أهل الحل والعقد؛ أي‪ :‬من بيده السلطة والدولة‪ ،‬ل عامة الناس ‪،‬كما‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حقّ عَل َي َْها‬ ‫ك قَري ً َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫قوا ِفيَها فَ َ‬
‫س ُ‬‫ف َ‬‫مت َْرِفيَها فَ َ‬ ‫مْرَنا ُ‬‫ةأ َ‬ ‫ن ن ُهْل ِ َ ْ َ‬‫قال تعالى‪) :‬وَإ َِذا أَرد َْنا أ ْ‬
‫مّرنا " أي‪ :‬جعلناهم‬ ‫ميرًا( )السراء‪ ، (16:‬وفي قراءة " أ ّ‬ ‫ها ت َد ْ ِ‬
‫مْرَنا َ‬‫ل فَد َ ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫قو ْ ُ‬
‫أمراء فيها‪ ،‬فأفسدوا فيها ‪.‬‬
‫ولم يقم دين سماوي شرعي‪ ،‬ول مذهب أرضي وضعي إل بقيام سلطة ودولة‬
‫تتجلى فيها مبادئهما‪ ،‬وتنفذ على أرضها شرائعهما‪ ،‬ول يتنكب عن ذلك أهل‬
‫ملة‪ ،‬و ل يتجنبه أهل نحلة؛ فتقوم لمذهبهم دولة‪ ،‬فما كان ذلك قط‪ ،‬ولن‬
‫يكون أبدا؛ بل تظل الديان والفلسفات نظريات ذات أثر فردي محدود‪ ،‬قد‬
‫يتحقق باعتناقها صلح دنيوي أو أخروي ل يتجاوز نطاق الفراد أبدًا‪ ،‬ول يصل‬
‫إلى دائرة المجتمع ومجالت حياته ليصوغها وفق قيمه وتشريعاته‪ ،‬كما قال‬
‫م()الرعد‪ :‬من الية ‪(11‬‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬‫ما ب ِأ َن ْ ُ‬
‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬
‫قوْم ٍ َ‬
‫ما ب ِ َ‬
‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫تعالى‪( :‬إ ِ ّ‬
‫‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومن ينظر في تاريخ المم والشعوب يرى ذلك جليا واضحا‪ ،‬فلم يصبح‬
‫السلم واقعا ً يعيش المسلمون تحت عدل تشريعاته ورحمة أحكامه إل بعد‬
‫قيام دولته في المدينة‪ ،‬وكذا استطاع الشيخ المجدد )محمد بن عبد الوهاب(‬
‫تحقيق مشروعه الصلحي بعد إقامة الدولة في الدرعية‪ ،‬وهو ما لم يستطع‬
‫تحقيقه المجدد شيخ السلم ابن تيمية الذي سبق إلى الدعوة إلى السلفية‬
‫التي ظلت مضطهدة؛ حتى استطاع الشيخ محمد إقامة دولة تؤمن‪ ،‬بها وتذود‬
‫عنها‪ ،‬وتدعو لها‪ ،‬ولم يعرف الغرب النظم الديمقراطية وحقوق النسان التي‬
‫طالما كانت حلما يراود المفكرين‪ ،‬وفكرة تطوف بخيال المصلحين فلم تصبح‬
‫واقعا يعيشه الغرب إل بعد الثورة الفرنسية سنة ‪1789‬م‪ ،‬بعد أربعة قرون‬
‫من التضحيات ذهب فيها آلف من المفكرين ورجال الدين والدباء والعلماء‬
‫حتى تحقق حلمهم‪ ،‬وقامت دولتهم وكذلك كان حال الشتراكية قبل الثورة‬
‫البلشفية سنة ‪1917‬م ‪ ،‬فقد ظلت نظرية منذ أن فلسفها وقعد لها )ماركس(‬
‫في كتابه )رأس المال(‪ ،‬وظن أنها ستقوم في ألمانيا‪ ،‬حتى نجح )لينين( في‬
‫تحويلها إلى مشروع ثورة ونظام دولة‪ ،‬وقد استطاع الشتراكيون‬
‫والشيوعيون في كل دولة قاموا فيها من خلل الوصول إلى السلطة بتطبيق‬
‫نظرياتهم لتصبح أكبر دول العالم وأعرقها في النظم القطاعية‪ ،‬كروسيا‬
‫والصين دول ً ومجتمعات شيوعية اشتراكية‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وما كان مثل ذلك التحول الخطير والعميق ليحدث في تلك المجتمعات ولو‬
‫دعا الشتراكيون إلى هذه النظرية وبشروا بها ألف سنة؛ لول وصولهم إلى‬
‫السلطة وقيادتهم للدولة‪ ،‬وكذلك كان حال الثورة المريكية التي لم تر‬
‫مبادئها النور ‪ ،‬ولم تصبح واقعا ً يعيشه الشعب المريكي إل بعد الثورة وقيام‬
‫الدولة ‪ ،‬وهذا ما حصل لنظرية الفقيه )الولي( التي لم تصبح واقعا ً يعيشه‬
‫الشيعة )الجعفرية( في إيران إل بعد الثورة الشعبية اليرانية سنة ‪1979‬م ‪،‬‬
‫لتقوم لهم أول دولة بعد قرون من انتظار )المهدي( وليبدأ الفقيه )الجعفري(‬
‫بتنظيم شؤون المجتمع‪ ،‬وصياغة حياته‪ ،‬وحل مشكلته ونوازله التي ل عهد له‬
‫بها وفق أحكامه وتصوراته‪ ،‬وما كان ذلك ليتحقق لقادة تلك الثورة وأصحاب‬
‫تلك النظرية الحديثة لول إدراكهم للسنن اللهية الجتماعية في تغيير واقع‬
‫المجتمعات‪ ،‬وهذه قاعدة ل تتخلف أبدا ً ول تحابي أحدًا‪ ،‬فلم يعرف تاريخ‬
‫المم في ماضيها وحاضرها حركة اجتماعية سياسية استطاعت الوصول إلى‬
‫تحقيق حلمها وإقامة مشروعها بغير هذا الطريق‪ ،‬ومن هنا ندرك جانبا ً من‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جوانب المشكلة التي يعيشها المسلمون منذ سقوط الخلفة ودخول‬


‫الستعمار‪.‬‬
‫لقد ضل أكثر علمائهم ودعاة الصلح فيهم عن هذه السنن اللهية الجتماعية‬
‫التي جاءت بها الهدايات القرآنية وأكدتها التجارب النسانية وظل أكثرهم‬
‫بعيدا ً عن واقع المم المعاصرة ومعرفة أسباب نهضتها وقوتها وتطورها‪ ،‬بينما‬
‫يعيش العالم السلمي ‪-‬والعربي على وجه الخصوص‪ -‬تخلفا ً خطيرًا‪ ،‬حتى‬
‫جاءت مجتمعاته ودوله في أدنى مستويات التنمية والحرية وحقوق النسان؛‬
‫بل و في جميع مجالت الحياة‪ ،‬كما جاء في آخر تقارير المم المتحدة عن‬
‫التنمية في دول العالم العربي‪ ،‬ومع ذلك ل يزال المصلحون يظنون أن بصلح‬
‫الفراد يتحقق الصلح العام‪ ،‬وأنه كما تكونون يولى عليكم‪ ،‬وأن المستقبل‬
‫لهذا الدين‪ ،‬وما على الدعاة إل الستمرار بالدعوة إلى الله وتربية الجيال‪،‬‬
‫ونشر العلم وإقامة المشاريع الخيرية‪ ،‬وترقب النصر!‬
‫ول شك في أهمية كل ذلك‪ ،‬وأنه طريق إلى مرضاة الله وجنته؛ إل أنه ل‬
‫يكون عادة‪ ،‬و لن يكون أبدا ً طريقا إلى تحقق نصرته‪ ،‬و إقامة دولته لمخالفة‬
‫ذلك لسننه الجتماعية‪ ،‬وهدايته القرآنية في أسباب قيام الدول‪ ،‬وأسباب‬
‫سقوطها ‪.‬‬
‫إن الدعوة السلمية المعاصرة بجماعاتها وتجمعاتها وعلمائها ودعاتها تملك‬
‫من الطاقات والمكانات ما لم يتوفر للحركات النسانية الصلحية الخرى‬
‫كالثورة الفرنسية‪ ،‬والثورة المريكية‪ ،‬والثورة الروسية ‪...‬الخ‪ ،‬كما أنها بذلت‬
‫من الجهد وقدمت من التضحيات منذ سبعين سنة إلى يومنا هذا ما لم تبذل‬
‫مثله الحركات‬
‫الخرى‪ ،‬ومع ذلك نجحت هذه في الوصول إلى تحقيق أهدافها‪ ،‬وإقامة‬
‫مشروعها‪ ،‬بينما أخفقت الدعوة السلمية في الوصول إلى هدفها؟!‬
‫لقد تنكبت الدعوة السلمية المعاصرة عن السنن اللهية الجتماعية المؤدية‬
‫إلى الهدف‪ ،‬ولم تكتف بذلك؛ بل دعت إلى مفاهيم وعقائد تحمل في طياتها‬
‫بذور فنائها كحركة إصلحية من حيث تظن أنها بذور حياتها ونمائها‪ ،‬وفشلت‬
‫حتى في معرفة أسباب إخفاقها فلجأت إلى تبريره تارة بدعوى أن هذا من‬
‫البتلء الذي ل بد منه لكل دعوة‪ ،‬وأنه ل بد من الستمرار في الدعوة إلى‬
‫الله والصبر على الذى وترقب النصر؟! وتارة بتعليق النصر على شروط‬
‫يستحيل عادة تحققها كضرورة عودة المة كلها إلى دينها‪ ،‬وأنه كما تكون‬
‫المة يولى عليها‪ ،‬وهو ما يصادم حقائق التاريخ وشهادة الواقع؛ بل و يصادم‬
‫سنة الله في ظهور السلم نفسه الذي بدأ غريبا‪ ،‬وسيعود كما بدأ‪ ،‬فلم ينتظر‬
‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬من أجل إقامة دينه ودولته إيمان أهل مكة‬
‫كلهم به‪ ،‬ول اتباع العرب قاطبة له؛ بل سعى إلى تحقيق هدفه وهو في مكة‬
‫فكان يعرض نفسه على من ينصره‪ ،‬كما في قصته مع بني شيبان الذين‬
‫أدركوا هدفه‪ ،‬وعرفوا مقصده فقالوا له‪":‬إن هذا الذي تدعونا إليه مما تكرهه‬
‫الملوك‪ ،‬وإن‬
‫ً‬
‫كسرى قد أخذ علينا عهدا أن ل نؤوي محدثا‪ ،‬فإن أردت أن نمنعك مما يلي‬
‫العرب فعلنا‪ ،‬فقال لهم ‪":‬ما أسأتم بالرد إذ أفصحتم بالصدق إل أن هذا الدين‬
‫ل يصلح إل من أحاطه من جميع جوانبه " فقد أدرك بنو شيبان أنه يريد إقامة‬
‫دولة تذود عن هذا الدين وتقاتل دونه‪ ،‬فلما جاء النصار بايعهم البيعة الولى‬
‫على اليمان بالدين‪ ،‬وبايعهم الثانية على إقامة الدولة بالسمع والطاعة له‪،‬‬
‫والذود عنه‪ ،‬و قاتل بمن أطاعه ‪-‬وهم عصابة قليلون‪ ،‬ومن عصاه هم عامة‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العرب‪ -‬أخذا ً منه )صلى الله عليه وسلم( بالسنن اللهية الجتماعية في‬
‫أسباب ظهور الديان وقيام الدول‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لقد غابت كل هذه الحقائق عن عامة رجال الدعوة المعاصرة‪ ،‬وما زال‬
‫أكثرهم يظن أنه بالمكان العيش في مثل هذا الزمان مع صحة اليمان‬
‫واستقامة الديان دون حاجة إلى دولة‪ ،‬أو أن هذا الواقع الذي نعيشه لم يبلغ‬
‫في انحرافه حد اعتقاد جاهليته‪ ،‬وأنه بالمكان إصلح الخلل وتدارك العطل‬
‫بالدعوة والدعاء والموعظة الحسنة دون إدراك لما آلت إليه أمور العالم‬
‫السلمي والعربي على وجه الخصوص‪ ،‬منذ دخول الستعمار الغربي الذي ما‬
‫زال المؤثر الرئيس في مجريات شؤونه إلى يومنا هذا ؟!‬
‫إن من السباب التي تحول دون الوصول إلى تحقيق الهدف ما له ارتباط‬
‫بعقائد ومفاهيم استقرت منذ القرن الثاني‪ ،‬كالموقف من السلطة وما لها‬
‫وما عليها‪ ،‬كما قال سفيان الثوري‪ " :‬تركوا لكم دينكم فاتركوا لهم دنياهم " !‬
‫وهذه المفاهيم على فرض صحتها ومشروعيتها قد تكون مقبولة بعد قيام‬
‫الدولة واستقرارها‪ ،‬كما في صدر السلم ل بعد سقوطه‪ ،‬أوحال غيابها كما‬
‫في العصر الحديث بعد زوال الخلفة ‪،‬وسقوط المة تحت الستعمار ونفوذه‬
‫ومخططاته‪.‬‬
‫ومن السباب التي تعيق الدعوة عن تحقيق هدفها فهم الدين ذاته‪ ،‬ومعرفة‬
‫أبعاده في الحياة السياسية والجتماعية‪ ،‬فما زال أكثر علماء الدعوة ودعاتها‬
‫يخلطون بين مفهوم الدين ومفهوم التدين‪ ،‬فهم يدعون في الواقع إلى التدين‬
‫ل إلى الدين بشموليته‪ ،‬ولهذا صاروا يولون كل اهتمامهم بتربية الجيال‪،‬‬
‫وتعليمهم أمور دينهم دون وجود هدف أبعد من ذلك يسعون إلى تحقيقه ‪ .‬كما‬
‫صار أكثرهم يدعو إلى العودة إلى الدين وتنفيذ أحكامه وإقامة شرائعه؛ فل‬
‫يجد لدعوته صدى اجتماعيا ً كبيرًا‪ ،‬بعد أن أسقطوا النسان وحقوقه وحريته‬
‫من خطابهم ‪ ،‬أو همشوا دوره‪ ،‬إذ لم يعد النسان في خطابهم هو الهدف‬
‫والغاية؛ بل الهدف عندهم هو الدين ذاته‪ ،‬بينما الهدايات القرآنية و التجارب‬
‫النسانية تؤكد أن نجاح أية حركة اجتماعية إصلحية مرتبط أشد الرتباط‬
‫بمدى عنايتها بالنسان نفسه‪ ،‬واهتمامها به وهذا السبب ذاته الذي أدى إلى‬
‫دخول الناس في دين الله أفواجا‪ ،‬فقد كان النبي رحمة للعالمين كافة‪،‬‬
‫َ‬
‫ن(‬ ‫مي َ‬ ‫ة ل ِل َْعال َ ِ‬
‫م ً‬
‫ح َ‬‫ك ِإل َر ْ‬ ‫سل َْنا َ‬‫ما أْر َ‬ ‫مسلمهم وكافرهم ‪ ،‬كما قال تعالى‪) :‬وَ َ‬
‫)النبياء‪ ، (107:‬فقد دعاهم وهو في مكة بعد توحيد الله إلى المساواة بين‬
‫الغنياء والفقراء‪ ،‬والشرفاء والضعفاء‪ ،‬والسادة والعبيد‪ ،‬وأنهم جميعا في‬
‫النسانية سواء كأسنان المشط‪ ،‬ل فضل لعربي على أعجمي‪ ،‬ول لبيض على‬
‫أسود إل بالتقوى‪ ،‬وهذا ما كان النسان في حاجته في مجتمع جاهلي قائم‬
‫على الطبقية والعصبية‪ ،‬وهذا ما أنف منه كبراء مكة‪ ،‬حتى طلبوا منه ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬مجلسا ً خاصا ً بهم يحدثهم فيه‪ ،‬كما دعاهم إلى العدل‬
‫والقسط‪ ،‬وهو الغاية من إرسال الرسل وإنزال الكتب‪ ،‬كما قال تعالى‪( :‬ل َ َ‬
‫قد ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ط(‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬‫س ِبال ْ ِ‬‫م الّنا ُ‬ ‫قو َ‬‫ن ل ِي َ ُ‬
‫ميَزا َ‬‫ب َوال ْ ِ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫ت وَأن َْزل َْنا َ‬
‫معَهُ ُ‬ ‫سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِ‬
‫سل َْنا ُر ُ‬
‫أْر َ‬
‫)الحديد‪ :‬من الية ‪ ،(25‬كما دعاهم إلى تحرير العبيد ومؤاخاتهم ‪...‬إلخوكل‬
‫أحكام الشريعة إنما جاءت من أجل هذا النسان‪ ،‬وبما فيه صلح دنياه‬
‫وأخراه‪ ،‬غير أن هذه المعاني التي أدت إلى سرعة ظهور السلم‪ ،‬وسرعة‬
‫قبول المم له لم تعد من أولويات الدعوة المعاصرة‪ ،‬ولهذا غلب على‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خطابها الوعظ والرشاد والتعليم والتثقيف‪ ،‬مما ل يستثير اهتمام العامة‪ ،‬ول‬
‫وق إلى العيش الكريم في هذه الحياة الدنيا‬ ‫يخاطب نفوسهم البشرية التي تت ّ‬
‫قبل الخرة‪ ،‬ولهذا كان النبي يعد أصحابه ويبشرهم بالنصر والظهور والحياة‬
‫العزيزة وهو في مكة‪ ،‬ولم تنجح الحركات الجتماعية النسانية في الوصول‬
‫إلى أهدافها إل بعد أن جعلت النسان وتطلعاته محور اهتمامها‪ .‬فقد كانت‬
‫حقوق النسان وحكم الشعب الساس الذي قامت من أجله الثورة الفرنسية‬
‫الديمقراطية ‪ ،‬وكان الستقلل والحرية الهدف الذي من أجله قامت الثورة‬
‫المريكية الليبرالية‪ ،‬وكانت الشتراكية والعدالة الجتماعية شعار الثورة‬
‫الروسية الشيوعية‪ ،‬وكان رفع الظلم ونصرة المستضعفين وإنهاء عهد‬
‫الستبداد شعار الثورة اليرانية‪ ،‬ولهذا نجحت كل هذه الثورات النسانية في‬
‫تحريك الشعوب‪ ،‬والوصول إلى إقامة دولها وفق تصوراتها وأهدافها‬
‫وتطلعاتها؛ بل تجاوزت في أثرها حدودها القليمية إلى الدائرة العالمية‪ ،‬حيث‬
‫صارت نماذج تتطلع شعوب كثيرة إلى تحقيقها‪ ،‬كما في الثورات الشتراكية‬
‫التي اكتسحت العالم بعد الثورة الروسية‪ ،‬وحركات التحرر والستقلل بعد‬
‫الثورة المريكية‪ ،‬والثورات الديمقراطية بعد الثورة الفرنسية‪...‬إلخ‪ ،‬بينما لم‬
‫يحدث شيء من ذلك في العالم السلمي‪ ،‬خصوصا بين أهل السنة الذين‬
‫يمثلون أكثر المة مع كثرة جماعاتهم وحركاتهم ودعاتهم ؟!‬
‫إن السباب التي تعوق الدعوة السلمية المعاصرة عن الوصول إلى مرحلة‬
‫التمكين كثيرة غير أنه يمكن حصرها في ‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪-1‬العقائد والمفاهيم التي تحول دون العمل من أجل تغيير الواقع كالخشية‬
‫من المستقبل استدلل ً بأحاديث " ل يأتي على الناس زمان إل والذي بعده‬
‫شر منه " دون فهمها على الوجه الصحيح مما يدفع إلى المحافظة على‬
‫الواقع؛ بل وترسيخه والدفاع عنه خشية من المستقبل‪ ،‬حتى صار الشعار هو‬
‫ما يعبر عنه العامة‪ ،‬وكثير من أهل العلم بقولهم " الله ل يغير علينا "‪ ،‬ومن‬
‫تلك المفاهيم ربط تحقيق الصلح بظهور )المهدي( وانتظار خلفة على‬
‫منهاج النبوة‪ ،‬استدلل ً بأحاديث المهدي والفتن التي حددت سلفا ما الذي‬
‫سيحصل مستقبل ً ‪ ،‬وما علينا إل النتظار‪ ،‬بينما استطاع الشيعة )الجعفرية(‬
‫‪-‬الذي يقوم مذهبهم أصل على هذه النظرية‪ -‬أن يتجاوزوا هذه الشكالية بعد‬
‫أن انتظروا )المهدي( ألف سنة‪ ،‬وطال عليهم المد وأن يقيموا دولتهم‬
‫ومشروعهم الصلحي ليصبح يوم الشعب اليراني خيرا ً من أمسه‪ ،‬ومازال‬
‫يتطلع إلى مستقبل أفضل من يومه‪ ،‬بينما ابتلي أهل السنة بآثار هذه‬
‫المفاهيم‪ ،‬والعقائد التي تحمل في طياتها بذور فناء أي حضارة إنسانية تؤمن‬
‫بها‪ ،‬وتحول دون تقدم أي أمة ومجتمع يتقبلها‪ .‬ومن تلك العقائد التي تحول‬
‫دون حدوث الصلح الموقف من السلطة وما لها وما عليها‪ ،‬هذا الموقف‬
‫الذي لم يعرفه الصحابة ‪-‬رضي الله عنهم‪ -‬في صدر السلم‪ ،‬كما تؤكده‬
‫مواقف طلحة ‪ ،‬والزبير‪ ،‬وعائشة‪ ،‬وابن الزبير‪ ،‬والحسين ‪...‬إلخ‪ ،‬وقد أدى‬
‫استقرار مثل هذه العقائد عند أهل السنة جميعا ‪-‬أهل الحديث ومتكلميهم من‬
‫الشعرية على حد سواء‪ -‬إلى شيوع ورسوخ ظاهرة الستبداد السياسي في‬
‫العالم السلمي ثلثة عشر قرنا من تاريخ السلم ؟! بل لقد تم استصحاب‬
‫هذه العقيدة حتى في ظل سيطرة الستعمار الجنبي و في عصر دويلت‬
‫الطوائف التي صنعها العدو الصليبي على عينه‪ ،‬لتصبح هذه العقيدة حجر‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عثرة‪ ،‬وعقبة كؤود تحول دون تغيير الواقع وإصلحه‪ ،‬حيث تم توظيف الدين‬
‫ذاته في خدمة الستعمار من جهة‪ ،‬والستبداد من جهة أخرى ‪.‬‬
‫‪ -2‬العقلية السطحية الختزالية التي ابتلي بها أكثر العلماء والدعاة‪ ،‬كتصورهم‬
‫إمكانية تحقق الصلح دون السعي إلى تغيير هذا الواقع وفق سنن المدافعة‬
‫والمغالبة التي ل يحصل التمكين إل بها ومن خللها‪ ،‬كما هي السنن اللهية‬
‫الجتماعية في حصول التغيير ‪ ،‬ولهذا لم ّيمكن الله ‪-‬عز وجل‪ -‬لنبي ول لغيره‬
‫إل وفق هذه السنن ‪،‬وهو معنى حديث القوم الذين استهموا على السفينة‪،‬‬
‫فأراد من بأسفلها خرقها ليشربوا‪ ،‬فإن تركوهم هلكوا جميعًا‪ ،‬وإن أخذوا على‬
‫أيديهم نجوا جميعا؛ ولهذا أمر النبي بالخذ على يد الظالم وأطره على الحق‬
‫أطرا‪ ،‬لما قد يجره ظلمه من هلك الجميع ‪ ،‬وكتصور أن الصبر على الظلم‬
‫خير من مقاومته‪ ،‬استشهادا ً بحوادث تاريخية جزئية دون إدراك خطورة‬
‫الظلم ذاته‪ ،‬وأن ما يترتب عليه من نتائج أشد على المدى البعيد من الثار‬
‫السلبية التي تنتج عن مقاومته‪ .‬ومن ينظر في تاريخ المم يجد ذلك جليا ً‬
‫واضحًا‪ ،‬وكل المم اليوم التي تنعم بالحرية والعدالة الجتماعية‪ ،‬وحماية‬
‫حقوق النسان ؛ لم يتحقق لها ذلك إل بعد الثورة على الظلم ومقاومته‪،‬‬
‫ورفضها له‪ .‬وعلى العكس من ذلك حال الشعوب التي لم تتصد له‪ ،‬إذ ما‬
‫تزال ترسف في أغلل العبودية للنظمة الستبدادية‪ ،‬ول يمكن للشعوب‬
‫المستعبدة أن تحقق نهضة أو تحمل رسالة‪ ،‬ولهذا أنزل الله هذا الدين على‬
‫بني إسماعيل خاصة؛ لكونهم لم يعرفوا الخضوع للملوك من قبل‪ ،‬بل ظلت‬
‫مكة ‪-‬أم القرى‪ -‬مدة ألف عام قبل السلم تدار شؤونها دون وجود سلطة‪،‬‬
‫ولهذا أقام أهلها دار الندوة للشورى وإدارة شؤونها بصورة جماعية‪ ،‬وكذا كان‬
‫حال الطائف ‪،‬وحال المدينة والحجاز عامة‪ ،‬فكانوا أقدر المم على حمل‬
‫رسالة السلم للناس جميعا‪ ،‬وهو ما عبر عنه )ربعي بن عامر( بقوله ‪ ":‬إن‬
‫الله أخرجنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ‪ ،‬ومن جور‬
‫الديان إلى عدل السلم‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والخرة" ‪ ،‬وهذا ما‬
‫يستفاد من قصة موسى مع فرعون وإصراره على تحرير بني إسرائيل من‬
‫ت‬ ‫ة تمنها عَل َ َ‬ ‫العبودية‪ ،‬كما في قوله تعالى على لسانه ‪( :‬وَت ِل ْ َ‬
‫ن عَب ّد ْ َ‬
‫يأ ْ‬‫ّ‬ ‫م ٌ َ ُ َّ‬
‫ك ن ِعْ َ‬
‫ل( )الشعراء‪ ،(22:‬فل يمكن تحقيق نهضة إصلحية قبل تحرير‬ ‫سرائي َ‬
‫ب َِني إ ِ ْ‬
‫الشعوب من الظلم والستبداد‪.‬‬
‫‪ -3‬الخشية من تغيير الواقع بالمدافعة والمغالبة بدعوى الخشية من وقوع‬
‫الفتن‪ ،‬والستدلل بفشل بعض الحركات الثورية على عدم صحة هذا‬
‫السلوب في تغيير الواقع ‪ ،‬دون إدراك السنة الجتماعية التي تؤكد أنه لم‬
‫تنجح حركة تغييريه إصلحية بغير هذا الطريق‪ ،‬وليس كل حركة تغييريه‬
‫نجحت به‪ ،‬بل إن الثورة الفرنسية سبقتها عدة ثورات كلها فشلت‪ ،‬غير أنها‬
‫أخيرا ً نجحت وكذا الثورة المريكية‪ ،‬والثورة الروسية‪...‬إلخ‪ ،‬وقد نجح‬
‫العباسيون بعد أن فشل العلويون في ثوراتهم ضد بني أمية ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ومن الخطأ القتصار على التجارب الفاشلة‪ ،‬والوقوف عندها والستدلل بها‪،‬‬
‫ولو فعلت شعوب العالم الغربي ذلك ما استطاعت أن تصل إلى ما وصلت‬
‫إليه من حرية سياسية‪ ،‬وعدالة اجتماعية تفقدها شعوب العالم العربي‬
‫والسلمي اليوم؛ بسبب هذه التصورات التي تفتقد للعلمية والموضوعية‪.‬‬
‫لقد استطاعت شعوب كثيرة تحقيق الصلح عن طريق الضغط السياسي‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلمي ‪ ،‬والمطالبة بحقها في المشاركة في الحكم لتدير شؤونها بنفسها‪،‬‬


‫وهذا ما حصل في إنجلترا‪ ،‬كما استطاع بعض الملوك المبادرة إلى الصلح‬
‫السياسي‪ ،‬وإشراك الشعب في الحكم‪ ،‬كما حصل في اليابان‪ ،‬غير أن ذلك‬
‫كله إنما تحقق بعد المدافعة والمغالبة والمطالبة السلمية من تلك الشعوب؛‬
‫فتحقق لها ما تريد قبل أن تضطر إلى الثورة الشعبية‪.‬‬
‫‪ -4‬الفوضوية والفردية في العمل‪ ،‬وهي ظاهرة تتميز بها الشعوب العربية‬
‫والخليجية على وجه الخصوص التي مازالت تعاني من العقلية القبلية‪ ،‬ومن‬
‫ينظر في تاريخ الحركات التغييرية يجد أنها ‪-‬وبل استثناء‪ -‬لم تقم بها إل‬
‫مجموعات وأحزاب منظمة تسعى إلى تحقيق أهداف واضحة‪ ،‬وشيوع الروح‬
‫الجماعية هي السبب في تطور المجتمعات الغربية في المجالت السياسية‬
‫والقتصادية والجتماعية والمهنية عن طريق الحزاب السياسية‪ ،‬والشركات‬
‫الصناعية والتجارية‪ ،‬والجمعيات الخيرية‪ ،‬والنقابات المهنية‪ ،‬والتي يزيد عمر‬
‫بعضها على قرن‪ ،‬بينما ل تزال الروح الفردية تسيطر على الشعوب العربية‪،‬‬
‫وما زالت ظاهرة الذرية والفوضوية والتشرذم تحول دون تطورها‪ ،‬وبينما نجد‬
‫القوى الدولية تتظافر من أجل تنفيذ مخططاتها في العالم العربي والسلمي‬
‫بشكل دولي جماعي منظم )كالمنظمات الصهيونية العالمية والمنظمات‬
‫التبشيرية والماسونية‪ ،‬ومثلها الشيوعية والشتراكية التي لها منظماتها‬
‫الدولية التي تربط بين جميع أحزابها على اختلف بلدانها وشعوبها وقومياتها‪،‬‬
‫و لها اجتماعاتها الدورية للتباحث في شؤونها والتنسيق فيما بينها( نجد‬
‫الحركات السلمية على النقيض من ذلك تماما‪ ،‬ومع أن اجتماعها ووحدتها‬
‫من أصول دينها؛ إل أنها ل تزل تعمل بشكل فردي فوضوي‪ ،‬قائم على ردود‬
‫الفعال دون أهداف واضحة وبرامج عمل مشتركة‪ ،‬ودون منظمات عالمية‬
‫تكون لفصائلها عمقا ً استراتيجيا يجعلها قوة مؤثرة على الساحة السياسية‬
‫في بلدانها ‪ ،‬ولو لم تصل إلى السلطة‪.‬‬
‫* المين العام للحركة السلفية ـ الكوي‬

‫)‪(5 /‬‬

‫السنن الكونية‬
‫أ‪.‬د‪ .‬جعفر شيخ إدريس*‬
‫عقلء الناس في كل زمان ومكان يؤمنون بأن الحوادث ل تحدث خبط‬
‫عشواء‪ ،‬بل يعتقدون أول ً أن لكل حادث منها سببًا‪ ،‬ويعتقدون ثانيا ً أن السباب‬
‫المتماثلة تؤدي إلى نتائج متماثلة سواء في عالم الطبيعة‪ ،‬أو عالم‬
‫طراد في السباب‬ ‫المجتمعات‪ ،‬أو عالم النفس‪ .‬ويعلمون أنه لول هذا ال ّ‬
‫والمسّببات وجريانها على نسق واحد لما أمكن أن تكون هنالك علوم طبيعية‬
‫ول اجتماعية ول نفسية‪ ،‬ولما استفاد الناس من دراستهم للتاريح‪ ،‬ولما‬
‫استفاد بعضهم من تجارب بعض ول اتعظوا بها‪ ،‬بل ولما استطاعوا أن‬
‫يتعاملوا مع الطبيعة والناس من حولهم‪ ،‬بل ول مع أنفسهم‪ .‬كيف يمكن هذا‬
‫إذا كان من الممكن للحادث أن يحدث من فراع‪ ،‬أو إذا كان السبب الواحد‬
‫يؤدي إلى مسببات مختلفة بل متضادة بحسب الزمان والمكان؟ كيف إذا كان‬
‫الماء الذي رش على النار فأخمدها بالمس ي َُرش عليها اليوم فيزيدها‬
‫ل؟‬‫اشتعا ً‬
‫لكن اليمان بالقاعدة ل يعصم الناس من الخطأ في تطبيقها‪ ،‬ول يلزمهم بعزو‬
‫المسببات إلى أسبابها الحقيقية التي يعلمونها‪ ،‬بل بعزونها زورا ً إلى أسباب‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يعلمون أنها ليست أسبابا ً لها‪ .‬فالناس يظلون مخيرين‪ :‬من شاء اعترف‬
‫ذبه‪ .‬لكن أولي اللباب منهم ل يكتفون باليمان بصدق‬ ‫بالحق‪ ،‬ومن شاء ك ّ‬
‫القاعدة‪ ،‬بل ينظرون في دعاوى الربط بين المسّببات المعينة وأسبابها‬
‫َ‬ ‫ة‬ ‫السحر‬ ‫س‬‫ذب النا ُ‬ ‫دعاة‪ :‬هل قام دليل على صدقها أم ل؟ ولول ذلك لما ك ّ‬ ‫الم ّ‬
‫والدجالين والمخرفين‪ ،‬ولما عرفوا الفرق بين النبي المرسل ومدعي النبوة‪.‬‬
‫لكن الصدق ل يعصم من الخطأ‪ .‬فقد يظن النسان صادقا ً أن هنالك رابطا ً‬
‫بين نتيجة معينة وسبب معين‪ ،‬ويكون مخطئا ً في ظنه‪ .‬يحدث هذا حتى في‬
‫أكثر العلوم الدنيوية انضباطا ً كعلم الفيزياء أو الكيمياء‪ ،‬ودعك عن علم الطب‬
‫وعلم النفس والجتماع!‬
‫وبما أن السلم إنما يخاطب العقلء من الناس فإنه يستعمل هذه الحجة التي‬
‫كرهم‬ ‫يسّلمون بها‪ ،‬فيدعوهم تارة إلى العتراف بالنتائج التي عرفوها‪ ،‬ويذ ّ‬
‫تارة بأن السبب الذي رأوه أدى إلى نتيجة معينة ل بد أن يؤدي إلى النتيجة‬
‫طئ ظنهم في‬ ‫نفسها في حالة أخرى‪ ،‬ويعّرفهم تارة بأسباب يجهلونها‪ ،‬ويخ ّ‬
‫أسباب ظنوها أسبابا ً لمسببات معينة وما هي بأسبابها الحقيقية‪ .‬وإليك أمثلة‬
‫على ذلك وهي قليل من كثير‪:‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل َينظ ُُرو َ‬
‫ت‬ ‫سن ّ ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ديل وَلن ت َ ِ‬ ‫ت اللهِ ت َب ْ ِ‬ ‫سن ّ ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ن فلن ت َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ت الوِّلي َ‬ ‫سن ّ َ‬ ‫ن إل ّ ُ‬ ‫}فَهَ ْ‬
‫ل{ ]فاطر‪.[43 :‬‬ ‫وي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫الل ّهِ ت َ ْ‬
‫ض َفانظ ُُروا ك َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬
‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫من قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫}قَد ْ َ‬
‫ن{ ]آل عمران‪.[137 :‬‬ ‫مك َذ ِّبي َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ة‬
‫دين َ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬ ‫فو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ض َوال ْ ُ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِِهم ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫م َينت َهِ ال ْ ُ‬ ‫}ل َِئن ل ّ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل َن ُغْرِي َن ّ َ‬
‫ذوا وَقُت ّلوا‬ ‫خ ُ‬‫فوا أ ِ‬ ‫ما ث ُقِ ُ‬ ‫ن أي ْن َ َ‬ ‫ملُعوِني َ‬ ‫ك ِفيَها إل قَِليل ً * َ‬ ‫جاوُِرون َ َ‬ ‫م ل يُ َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ك ب ِهِ ْ‬
‫ل{‬‫دي ً‬ ‫سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ل وََلن ت َ ِ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة الل ّهِ ِفي ال ّ ِ‬ ‫سن ّ َ‬ ‫قِتيل ً * ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫]الحزاب‪.[62 - 60 :‬‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ة الل ِ‬ ‫سن ّ َ‬‫صيًرا * ُ‬ ‫ن وَل ِّيا َول ن َ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ل يَ ِ‬ ‫وا الد َْباَر ث ُ ّ‬ ‫فُروا لوَل ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}وَل َوْ َقات َل َك ُ ُ‬
‫ل{ ]الفتح‪.[23 - 22 :‬‬ ‫دي ً‬ ‫سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ل وََلن ت َ ِ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ال ِّتي قَد ْ َ‬
‫الملحظ أن السنن التي وصفها القرآن الكريم في هذه اليات وغيرها بأنها ل‬
‫تتغير ول تتبدل إنما هي ما يمكن تسميته بالسنن الجتماعية‪ .‬أما السنن‬
‫الطبيعية فلم يرد في كتاب الله وصفها بهذه الصفات؛ والسبب واضح وهو‬
‫أنها يمكن أن ُتخَرق‪ ،‬أعني أن السنن التي يعرفها الناس والتي تسمى الن‬
‫بالقوانين الطبيعية كقانون الجاذبية يمكن أن ُتخَرق‪ .‬فالنار لم تحرق سيدنا‬
‫إبراهيم‪ ،‬والبحر انفلق لسيدنا موسى‪ ،‬والقمر انشق لسيدنا محمد‪ ،‬صلوات‬
‫الله وسلمه عليهم أجمعين‪ .‬لكن بما أن الخوارق أمر نادر فيمكن أن يقال‬
‫إنها هي الخرى ثابتة ل تتغير‪ .‬ثم إن الخرق إنما هو خرق للسّنة التي اعتادها‬
‫الناس‪ ،‬وليس خرقا ً لقانون السببية؛ ذلك لن الخرق نفسه يكون بأسباب‬
‫أخرى ليست معهودة للناس‪.‬‬
‫وهذه أمثلة لم ُتذكر فيها كلمة السّنة‪ ،‬لكن ذكر فيها معناها وهو التذكير بأن‬
‫السباب المتماثلة تؤدي إلى نتائج متماثلة‪:‬‬
‫م لَ ُ‬ ‫خير من أ ُولئ ِك ُ َ‬ ‫}أ َك ُ ّ‬
‫ر{ ]القمر‪.[43 :‬‬ ‫كم ب ََراَءة ٌ ِفي الّزب ُ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م َ ٌْ ّ ْ ْ‬ ‫فاُرك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ما‬‫ت َ‬ ‫سي َّئا ُ‬ ‫م َ‬ ‫صيب ُهُ ْ‬ ‫سي ُ ِ‬ ‫ؤلِء َ‬ ‫ن هَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫موا ِ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫سُبوا َوال ّ ِ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫ت َ‬ ‫سي َّئا ُ‬ ‫م َ‬ ‫صاب َهُ ْ‬ ‫}فَأ َ‬
‫ن{ ]الزمر‪.[51 :‬‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫معْ ِ‬ ‫هم ب ُ ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫سُبوا وَ َ‬ ‫كَ َ‬
‫كرنا الله ـ سبحانه وتعالى ـ بسّنة تكرار النتائج إذا ما تكررت‬ ‫وكما يذ ّ‬
‫السباب؛ فإنه يرشدنا أحيانا ً إلى أسباب لم نكن نعلمها‪ .‬من ذلك قوله ـ‬
‫تعالى ـ‪:‬‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬
‫ْ‬
‫من‬
‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫ة ك َذ َل ِ َ‬‫ه أ َوْ ت َأِتيَنا آي َ ٌ‬ ‫مَنا الل ّ ُ‬‫ول ي ُك َل ّ ُ‬ ‫ن لَ ْ‬‫مو َ‬ ‫ن ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬ ‫}وََقا َ‬
‫ن{ ]البقرة‪:‬‬ ‫قوْم ٍ ُيوقُِنو َ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫م قَد ْ ب َي ّّنا الَيا ِ‬ ‫ُ‬
‫ت قُلوب ُهُ ْ‬ ‫شاب َهَ ْ‬ ‫م تَ َ‬ ‫ل قَوْل ِهِ ْ‬ ‫مث ْ َ‬‫قَب ْل ِِهم ّ‬
‫‪.[118‬‬
‫في هذه الية الكريمة دليل على أن هنالك علقة سببية بين القوال اللسانية‬
‫والحوال القلبية‪ .‬فإذا ما تشابهت القلوب تشابهت القوال‪ ،‬ول يلزم لذلك أن‬
‫يأخذ اللحق من السابق‪ .‬كما قال ـ تعالى ـ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن*‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫حٌر أوْ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل إل قالوا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ٍ‬ ‫من ّر ُ‬ ‫من قَب ْل ِِهم ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما أَتى ال ّ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫}ك َذ َل ِ َ‬
‫طا ُ‬‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]الذاريات‪.[53 - 52 :‬‬ ‫غو َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫وا ب ِهِ ب َ ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫وا َ‬ ‫أت َ َ‬
‫ل؛ فهم لم ي َل ْقَ بعضهم بعضًا‪ ،‬ولكن سبب التشابه في القوال‬ ‫وا به؟ ك ّ‬ ‫ص ْ‬ ‫أتوا َ‬
‫هو الطغيان الذي في القلوب‪.‬‬
‫وبسبب هذا التلزم بين الحوال القلبية والعبارات اللسانية كان من المتعذر‬
‫على المنافق أن يخفي نفاقه‪ .‬قال ـ تعالى ـ‪:‬‬
‫هّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل َوالل ُ‬ ‫قو ْ ِ‬‫ن ال َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ِفي ل ْ‬ ‫م وَل َت َعْرِفَن ّهُ ْ‬ ‫ماهُ ْ‬ ‫م فَل َعََرفْت َُهم ب ِ ِ‬
‫سي َ‬ ‫شاُء لَري َْناك َهُ ْ‬ ‫}وَل َوْ ن َ َ‬
‫يعل َ َ‬
‫م{ ]محمد‪.[30 :‬‬ ‫مال َك ُ ْ‬ ‫م أع ْ َ‬ ‫َْ ُ‬
‫سّنة‬‫بل إن القرآن الكريم ليدلنا على أن هذه العلقة بين الظاهر والباطن ُ‬
‫عامة‪:‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫}وَل َوْ أَراُدوا ال ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م وَِقي َ‬
‫ل‬ ‫م فَث َب ّطهُ ْ‬ ‫ه انب َِعاث َهُ ْ‬ ‫كن كرِهَ الل ُ‬ ‫ه عُد ّة ً وَل ِ‬ ‫دوا ل ُ‬ ‫ج لعَ ّ‬ ‫خُرو َ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[46 :‬‬ ‫دي َ‬ ‫ع ِ‬ ‫قا ِ‬ ‫معَ ال ْ َ‬ ‫دوا َ‬ ‫اقْعُ ُ‬
‫في هذه الية دليل على أن هنالك تلزما بين الرادة والعمل‪ .‬فمن ادعى أنه‬ ‫ً‬
‫يريد عمل ً معينا ً وكان قادرا ً على أن يأتي به أو بشيء منه ثم لم يفعل ذلك‬
‫علمنا أنه كاذب في دعواه‪.‬‬
‫ّ‬
‫كرنا المام الشاطبي بأن هنالك علقة لزوم بين معرفة الدين الحق واطراد‬ ‫يذ ّ‬
‫طردة لما أمكن أن تعرف حقيقة‬ ‫السنن‪ ،‬أي أنه لو لم تكن السنن الكونية م ّ‬
‫الدين؛ لنه إنما يعرف بالمعجزة التي تخرق العادة؛ فإذا لم تكن هنالك عادة‬
‫مستمرة لم يكن هنالك ما يخرق‪.‬‬
‫كرنا ـ رحمه الله ـ بأن اطراد التشريع مبني على اطراد السنن الكونية‪.‬‬ ‫ويذ ّ‬
‫أعني أنه لو كان خلق الناس وخلق الكون من حولهم في تغير مستمر لما‬
‫أمكن أن يكون لهم تشريع ثابت ل يتغير‪ .‬فثبات التشريع وعدم تغيره من‬
‫زمان إلى زمان أو من مكان إلى مكان دليل على أن من شرع لهم ل تتغير‬
‫فطرهم وطبائعهم التي بني عليها التشريع‪ ،‬وإن تغيرت بعض أحوالهم التي ل‬
‫علقة لها به)‪.(1‬‬
‫بقي من هذا الكلم سؤال نختم به هذا الحديث الموجز عن السنن الكونية‪:‬‬
‫ما علقة السباب بالخالق سبحانه وتعالى؟‬
‫افترق الناس في هذا إلى طرفين غالطين ووسط أصاب الصواب‪ .‬وقف‬
‫أصحاب الطرف الول عند حدود السباب‪ ،‬واعتقدوا أنها هي التي تفعل‬
‫بنفسها؛ فل حاجة إلى افتراض خالق لها‪ ،‬وغفلوا عن حقيقة ماثلة أمامهم‬
‫تقول‪ :‬إنه ل يوجد في العالم سبب مستقل بفعل؛ فما من شيء ندعوه سببا ً‬
‫إل وهو معتمد في فاعليته على أسباب أو شروط أخرى‪ ،‬تعتمد هي الخرى‬
‫ل؟ وغلط مؤمنون فظنوا أن فاعلية‬ ‫على أسباب وشروط‪ ،‬فأّنى يكون مستق ً‬
‫عزي الفعل للسبب فل‬ ‫السباب تتناقض مع خلق الله‪ ،‬فكأنهم ظنوا أنه إذا ُ‬
‫طراد السنن التي يرونها ماثلة‬ ‫يمكن أن يعزى إلى الخالق‪ ،‬ولذلك قالوا عن ا ّ‬
‫أمامهم بأن الله ـ تعالى ـ يخلق عندها ل بها‪ ،‬أي إذا رأيت الورقة ُألقيت في‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النار فاحترقت فل تقل‪ :‬إن النار أحرقتها‪ ،‬ولكن قل‪ :‬إن الله أحرقها عند‬
‫ملقاتها للنار‪ .‬قال أهل الحق‪ :‬إن الله ـ تعالى ـ هو الذي خلق السباب‬
‫وجعلها أسبابًا؛ ففاعليتها ل تدل على الستغناء عنه‪ ،‬كما أنها ل تتناقض مع‬
‫خلقه لها‪ ،‬بل إن من عادته ـ سبحانه ـ أن يخلق بالسباب‪ ،‬ولذلك استعملت‬
‫باء السببية في وصف كثير من الحوادث الطبيعية‪:‬‬
‫}ونزل ْنا من السماِء ماًء مبار ً َ‬
‫د{ ]ق‪.[9 :‬‬‫صي ِ‬‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ح ّ‬‫ت وَ َ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫كا فَأن ْب َت َْنا ب ِهِ َ‬ ‫ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫ََّ َ ِ َ‬
‫يٍء { ]النعام‪:‬‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫با‬ ‫ن‬ ‫ه‬‫ب‬ ‫نا‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫ل من السما َِء ماًء فَأ َ‬ ‫َ‬ ‫ز‬ ‫}وهُو ال ّذي َ‬
‫أن‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ ْ ِ َ َ‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ِ‬
‫‪. [99‬‬
‫وكما اسُتعملت في القرآن باء السببية فقد اسُتعملت كذلك عبارات أخرى‬
‫كثيرة تدل على السببية‪ ،‬لكن المجال ليس مجال تفصيل لهذا المر‪.‬‬
‫نكتفي بهذا الن‪ ،‬ونستأنف الحديث بإذن الله ـ تعالى ـ في معايير أخرى من‬
‫معايير العقلء‪.‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫)‪ (1‬انظر في تفصيل كل هذا كتابه )الموافقات(‪ ،‬كتاب المقاصد‪ ،‬النوع‬
‫الرابع‪ ،‬المسائل الثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة‪ .‬وقد عزا ـ‬
‫رحمه الله ـ أول هذين الدليلين إلى المام الرازي يرحمه الله‪ ،‬ووصفه بأنه‬
‫من أنبل الدلة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫السنن والعتبار‬
‫لقد أحسن الله تبارك وتعالى كل شيء خلقه‪ ،‬وخلق هذا الكون وفق نظام‬
‫وسنن مطردة‪ ،‬واطراد السنن في الحياة المادية ومعرفة النسان بها أعانه‬
‫على الستفادة كثيرا ً مما في هذا الكون من قوى مادية‪.‬‬
‫وكما أن الله تبارك وتعالى جعل سننا ً مادية تعين النسان على فهم أوجه‬
‫الحياة واستخراج قوانين ثابتة تشكل الساس في فهم الظواهر المادية‬
‫والنطلق منها‪ ،‬فقد أودع الله تبارك وتعالى الكون سننا ً تحكم حياة الناس‬
‫والمجتمعات‪.‬‬
‫إن ذكر قصص السابقين والولين‪ ،‬والمر بالعتبار والتعاظ بها دليل واضح‬
‫على أن هناك سنن تحكم حياة الناس ومجتمعاتهم‪ ،‬وأن المة إذا سلكت‬
‫ماسلكه الولون آلت إلى ما آلوا إليه‪ ،‬فبعد أن ساق الله قصة بني النظير وما‬
‫أصابهم أعقبها بقوله ))فاعتبروا ياأولي البصار((‪ ،‬وأمر الله الناس بالسير في‬
‫الرض والعتبار بما أصاب السابقين ))أولم يسيروا في الرض فينظروا كيف‬
‫كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها(( واليات في‬
‫هذا المعنى كثيرة‪.‬‬
‫وفي مقابل سير المعرضين والمكذبين يعرض تبارك وتعالى سير المؤمنين‬
‫))فول كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إل قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم‬
‫عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين((‪.‬‬
‫وينكر القرآن على المؤمنين اعتقادهم أن بإمكانهم تحقيق النصر دون أن‬
‫يصيبهم ما أصاب السابقين من قبلهم ))أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما‬
‫يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول‬
‫الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله أل إن نصر الله قريب((‪.‬‬
‫ويرشد النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه إلى ذلك فيقول ‪ ":‬لقد كان كان‬
‫من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد مادون عظامه من لحم أوعصب‪ ،‬مايصرفه‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذلك عن دينه‪ ،‬ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين‪ ،‬ما يصرفه‬
‫ذلك عن دينه‪ ،‬وليتمن الله هذا المر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى‬
‫حضرموت ما يخاف إل الله " )]‪([1‬‬
‫إن كثرة هذه النصوص لتعطي دللة على أهمية هذه الحقيقة الغائبة اليوم‬
‫عن كثير من المسلمين‪ ،‬وجدير بالدعاة إلى الله ‪-‬والذين يتخذون القرآن هديا ً‬
‫ومنهاجا ً لهم‪ -‬أن يعنوا بهذه السنن‪ ،‬ومن أوجه العناية بها ما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬السعي للتعرف عليها‪ ،‬واستنباطها‪ ،‬ومن أعظم المصادر في ذلك كتاب‬
‫الله عز وجل فيما حكاه عن الولين والسابقين‪ ،‬وماقصه النبي صلى الله‬
‫عليه و سلم من قصص وأخبار السابقين‪ ،‬ومن المصادر المهمة دراسة‬
‫التاريخ دراسة واعية‪ ،‬وقد أمر الله في كتابه بذلك في غير ما موطن )) أفلم‬
‫يسيروا في الرض…أولم يسيروا في الرض…قل سيروا في الرض‪((..‬‬
‫ويعقب ذلك بالمر بالنظر والعتبار‪.‬‬
‫‪ -2‬إعادة تقويم الدراسات الجتماعية والنسانية على ضوئها‪.‬‬
‫‪ -3‬إبراز هذه السنن أمام مجتمعات المسلمين‪ ،‬وتضمينها الخطاب الدعوي‬
‫الموجه لهم‪.‬‬
‫‪ -4‬النطلق منها في رسم برامج التغيير والصلح‪ ،‬وأخذها بالعتبار والسير‬
‫وفقها‪ ،‬فالله سبحانه وتعالى قد شاء أن يكون نصر هذا الدين قائما ً على بذل‬
‫الجهد والسبب))ذلك ولو يشاء الله لنتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض((‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫)]‪ ([1‬رواه البخاري )‪(3852‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ه‬
‫س ّ‬‫جر نف َ‬ ‫ف ّ‬ ‫ىي َ‬ ‫السهم الخير وفت ًُ‬
‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ل ت َْغر ُ‬ ‫مناز ُ‬ ‫ح ت َْنأى و ال َ‬ ‫سا ُ‬ ‫ب ‪ ... ...‬ال ّ‬ ‫ماذا أقول و أيّ شيٍء أك ْت ُ ُ‬
‫ب‬‫خ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫جوي ْ‬ ‫س في ل َهْوٍ َيض ّ‬ ‫ت ‪ ... ...‬والّنا ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫دماِء ت َد َفّ َ‬ ‫ل َْهفي على تلك ال ّ‬
‫ب‬
‫ج ُ‬
‫جم ! والِغناُء العْ َ‬ ‫جما ِ‬ ‫دماِء على النيـ ‪ ... ...‬ـن ‪ ،‬على ال َ‬ ‫الّراِقصون على ال ّ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الغيد ُ ت َْلهو بال ُ‬
‫سّر ُ‬ ‫ضياِع ت َ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫سكَرى ! وأنَغا ُ‬ ‫حوْلها ‪َ ... ...‬‬ ‫قلوب و َ‬
‫ُ‬
‫ب‬ ‫فاة ٌ غُي ّ ُ‬ ‫ه غُ َ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫ه ‪ ... ...‬وْيحي ! وأ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫جُر ن َ ْ‬ ‫ى ُيف ّ‬ ‫لله در ّ فت ً‬
‫ب‬‫ض ُ‬ ‫ن ي َغْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫حوْل ُ‬ ‫َ‬ ‫ضبا ! ولم ي ََر َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ى ‪ ... ...‬غ َ‬ ‫مل ِئ َ ْ‬
‫َ‬ ‫ه أس ً‬ ‫جوانب ُ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫فكأّنما ُ‬
‫ب‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ِ ٌ‬ ‫إيثا‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫َ ْ ٌ‬‫ز‬ ‫ع‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ده‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫العزيمة‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫وفؤاُده َ ُ‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫ت ‪ ... ...‬أمل ً ُيضيء ول َهْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ة تترقّ ُ‬ ‫ف ً‬ ‫شَرق ْ‬ ‫حّياه ُ البشائُر أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وعلى ُ‬
‫* ‪* ... * ...‬‬
‫ب‬ ‫سك َ ُ‬ ‫ب و تُ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن تُ َ‬‫ف وِنيرا ٌ‬ ‫ح ٌ‬ ‫ه ‪َ ... ...‬ز ْ‬ ‫دا ل َ ُ‬ ‫حين ب َ َ‬ ‫ت عَْيناه ! ِ‬ ‫فت ْ‬ ‫وتل ّ‬
‫ب‬
‫ضرِ ُ‬ ‫م ت ُلقي بالجحيم ِ وت ْ‬ ‫ْ‬ ‫ت تحو ُ‬ ‫ل و الطائرا ‪ُ ... ...‬‬ ‫ومدافعٌ وقناب ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ج ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ل يُ ْ‬ ‫شد ّ ‪ ،‬لهِي ْب ُ ُ‬ ‫فأ َ‬ ‫ص ٍ‬ ‫ت على ‪ ... ...‬قَ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ويحي ! وّدباباُته ان ْطل َ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫فمناز ٌ‬
‫ح ُ‬ ‫هل ن ُ ّ‬ ‫صحاِبها ‪ ... ...‬ومصان ِعٌ ت ُطوى وأ ْ‬ ‫على أ ْ‬ ‫ل ت َْهوي َ‬
‫ب؟‬ ‫ب وي ُعْرِ ُ‬ ‫جي ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫هناك ! َفم ْ‬ ‫مراب ِِع كلها ‪ ... ...‬د َّوى ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫جَر في ال َ‬ ‫م تف ّ‬ ‫ود َ ٌ‬
‫ب‬
‫شعّ ُ‬ ‫دموع ُ ت َ َ‬ ‫ة ‪ ... ...‬الثكلى ُتنادي ! وال ّ‬ ‫ْ‬ ‫ث ! وأن ّ ُ‬ ‫سَتغي ُ‬ ‫م الطفولةِ ي ْ‬ ‫ّ‬ ‫َود ُ‬
‫ب‬‫حنوُ ؟ أو َيلين فيحد ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ق ‪ ... ...‬في الْرض ي َ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ف ٍ‬ ‫ش ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت عَْيناه ! هل ِ‬ ‫فت ْ‬ ‫وتل ّ‬
‫ب‬‫ك تذ ْهَ ُ‬ ‫سال ِ‬ ‫م شّتى الم َ‬ ‫ى ‪ ... ...‬وقلوب ُهُ ْ‬ ‫عم ً‬ ‫م َ‬ ‫ن ِبه ْ‬ ‫فالناس والد ّْنيا كأ ّ‬
‫َ‬
‫ب‬‫مغرِ ُ‬ ‫م أو َ‬ ‫صغي له ْ‬ ‫شرِقٌ ي ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ‪ ... ...‬ل َ‬ ‫حهُ ْ‬ ‫م و يْ َ‬ ‫م وب ُك ْ ٌ‬ ‫ص ّ‬
‫أو أّنهم ُ‬
‫* ‪* ... * ...‬‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت عيناه ُ تنطقُ بالسى ‪ ... ...‬وتقول يا دنيا أطّلوا و ارُقبوا‬ ‫فت ْ‬ ‫وتل ّ‬
‫ب‬ ‫ْ‬
‫منى والمطل ُ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ي ؟ ! وأْين كـ ‪ ... ...‬ـل لجان ِهِ ؟ أي ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫م الَعالم ّ‬ ‫أين الّنظا ُ‬
‫ب‬‫مطرِ ُ‬ ‫ْ‬ ‫منا فَغاب ِغناؤهم وال ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ت التي غّنوا ِبها ‪َ ... ...‬ز َ‬ ‫َ‬ ‫شعارا ُ‬ ‫أين ال ّ‬
‫ب‬‫ك و ت َك ْذِ ُ‬ ‫طوى هَُنا َ‬ ‫سا ‪ ... ...‬واة التي ت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ة و ال ُ‬ ‫خوّةُ و الَعدال ُ‬ ‫ن ال ُ ُ‬ ‫أي ْ َ‬
‫* ‪* ... * ...‬‬
‫ب ؟!‬ ‫وى والمأر ُ‬ ‫هلي و الهَ َ‬ ‫ت الفؤا ‪ ... ...‬د ُ ‪ :‬فأْين أ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫فتت عيناه ُ و ْالت َ َ‬ ‫وتل ّ‬
‫ب ؟!‬ ‫وداد ُ القَْر ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫قطعُ وال ِ‬ ‫م تَ َ‬ ‫ن أْر ‪ ... ...‬حا ٌ‬ ‫م و أي ْ َ‬ ‫سل ُ‬ ‫ة وال ّ‬ ‫ن الُعروب ُ‬ ‫أي ْ َ‬
‫ب ؟!‬ ‫سبيلها والمذ ْهَ ُ‬ ‫ُ‬ ‫شد ٌ وأين َ‬ ‫ح ْ‬ ‫شعارات التي دّوى بها ‪َ ... ...‬‬ ‫ن ال ِ‬ ‫أي ْ َ‬
‫َ‬
‫حهم ‪،‬‬ ‫دل ‪ ،‬وي ْ َ‬ ‫م ت ُب َ ّ‬ ‫عو ‪ ... ...‬د ُ ؟ ! وك َ ْ‬ ‫ن الو ُ‬ ‫م ؟ ! أي ْ َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫سلمون ! وأي ْ َ‬ ‫والم ْ‬
‫ب‬ ‫قل ّ ُ‬ ‫وت ُ َ‬
‫ق وأوْعَُبوا‬ ‫صدي ِ‬ ‫سَتغا ‪ُ ... ...‬ثوا بالعد ُوّ وبال ّ‬ ‫ب الرض ! َقادَتها ! ا ْ‬ ‫شُعو َ‬ ‫َناد َْوا ُ‬
‫حب ؟!‬ ‫ص َ‬ ‫م أو ي َ ْ‬ ‫ب ِنداَءهُ ْ‬ ‫سلوا ! وَتضّرعوا ! و َتذللوا ! ‪ ... ...‬من ذا ُيجي ُ‬ ‫ّ‬ ‫وَتو ّ‬
‫ب ؟!‬ ‫هو ي ُْرهِ ُ‬ ‫م ! فمن ذاك الذي ُ‬ ‫ُ‬
‫قنا ! أوقفوا الرهاب ! وْيـ ‪ ... ...‬لك ُ‬ ‫قالوا قَل ِ ْ‬
‫ب‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ي َطَغى هناك وي ُلهِ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫فا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن قَّتل الط َ‬
‫م ْ‬ ‫ن قد ْ أشعل الـ ‪ّ ... ...‬نيران ؟ ! َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ؟! َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫؟!‬
‫ب‬ ‫قّر ُ‬ ‫ل و يُ َ‬ ‫مشك ِ ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ج ما َيرى من ُ‬ ‫ث بالوسيط لكي ُيعا ‪ ... ...‬ل ِ َ‬ ‫قالوا ‪ :‬سنبعَ ُ‬
‫ب‬ ‫ه‬
‫ِ ْ ِ ََْ ُ‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫و‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ينا‬ ‫َ‬ ‫سلم‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ثو‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫تدى‬ ‫ر‬ ‫ا‬
‫ْ ِ ُ ْ َ‬ ‫ن‬ ‫طي‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫يا‬ ‫ط‬‫م من وسي ٍ‬ ‫ك ْ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫فا ً ي َ ُ‬
‫شد ّ ويدأ ُ‬ ‫ن الَهوى ص ّ‬ ‫م ‪ ... ...‬فِت َ ُ‬ ‫معَت ْهُ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ة َ‬ ‫صاب َ ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫ن ِ‬ ‫رمو َ‬ ‫ج ِ‬ ‫الم ْ‬
‫* ‪* ... * ...‬‬
‫ب‬ ‫ن الفارس المت َوَث ّ ُ‬ ‫سعى ؟ ! وأي ْ َ‬ ‫ض ‪ ... ...‬ي َ ْ‬ ‫مفاوِ ٌ‬ ‫ن ُ‬ ‫ت عَْيناهُ ‪ :‬أي ْ َ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫وَتل ّ‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫أو ُيراوغ ُ ث َعْل ُ‬ ‫ل‬‫مث ّ ُ‬ ‫ض ‪ ... ...‬لهٍ ي ُ َ‬ ‫كم َقاعةٍ َقد ُزّين ْ‬
‫َّ‬ ‫فاوُ ٍ‬ ‫ت لم َ‬
‫ب‬‫خل ُ‬ ‫قطع أو ُيمّزقُ م ْ‬ ‫ب يُ َ‬ ‫وَتدوُر فيها الشاةُ َتثغو ‪ ،‬دوَنها ‪ ... ...‬نا ٌ‬
‫* ‪* ... * ...‬‬
‫ب‬
‫ع ُ‬ ‫جرٍ َيطيُر وي ُْر ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ساِح ِ‬ ‫ت عَْيناه ُ ! وْيحي لم ي َعُد ْ ‪ ... ...‬في ال ّ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫وتل ّ‬
‫ب‬ ‫صب ّ ُ‬ ‫صد ّ أو يت َ‬ ‫شد ُ السلح ي َ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ي لم ي َعُد ْ ‪َ ... ...‬‬ ‫ت عْيناه ُ ! وْيح َ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫وَتل ّ‬
‫ن وقَي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫جّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫س عليه ُ‬ ‫ده قا ٍ‬ ‫ت عَْيناه ُ ! و الْقصى َيئـ ‪ ... ...‬ـ ّ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫وتل ّ‬
‫ب‬ ‫ى يْنمو لدْيه و َيغل ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ت جوا ‪ ... ...‬ن ُِبه أس َ ً‬ ‫متل ْ‬ ‫ت عَْيناهُ ! وا ْ‬
‫ُ‬
‫فت َ ْ‬ ‫وتل ّ‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫ي على الهوان وي َْرغ ُ‬ ‫قى الب ّ‬ ‫ه و هَل ‪ ... ...‬ي َب ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫مت َ ُ‬ ‫فأ ّ‬ ‫وإذا الهوان يل ّ‬
‫ب‬ ‫ضلوع وي ُله ُ‬ ‫ْ‬ ‫فوُر مع ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫ب يَ ُ‬ ‫ض ٌ‬ ‫َ‬
‫ب ! أحناؤه ‪ ... ...‬غ َ‬ ‫فإذا به متواث ِ ٌ‬
‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫تتق‬ ‫التي‬ ‫الميادين‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫بل‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫إذا‬ ‫تى‬ ‫ّ‬ ‫ح‬ ‫!‬ ‫ردى‬ ‫ست َب ِ ُ ّ‬
‫ال‬ ‫ق‬ ‫خطاه ت َ ْ‬ ‫و ُ‬
‫ب‬ ‫ض ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫م َ‬ ‫شلؤه والفْقُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫حناؤه و تطايرت ‪ ... ...‬أ ْ‬ ‫فَت َ َ‬
‫ه ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫جر ْ‬ ‫ف ّ‬
‫ب‬ ‫ت وأط ْب َقَ فوْقَ ذلك غي ْهَ ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ت ‪ ... ...‬وغَ َ‬ ‫متنا هَوَ ْ‬ ‫شهَد ُ أن أ ّ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ليظ َ ّ‬
‫ب‬‫صع ُ‬ ‫ه وأ ْ‬ ‫جهاد أشد ّ من ُ‬ ‫ك ال ِ‬ ‫ن ‪ ... ...‬ت ََر َ‬ ‫م ْ‬ ‫هوان َ‬ ‫ن َ‬ ‫ت‪،‬إ ّ‬ ‫ن أخطأ ُ‬ ‫ل‪:‬إ ْ‬ ‫وَيقو ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سوايَ أهـ ‪ ... ...‬ل َ‬
‫ب‬‫ن و ُيغل ُ‬ ‫ضى َيهو ُ‬ ‫م َ‬ ‫ةو َ‬ ‫م ً‬ ‫كأ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫فسي ؟ غَْير أ ّ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫أهلك ُ‬
‫ب‬‫ل ي ُوْهَ ُ‬ ‫ض ٍ‬ ‫جى وف ْ‬ ‫مةٍ ُتر َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن يشا ‪ُ ... ...‬ء ب َِر ْ‬ ‫فر ما َيشاء لم ْ‬ ‫فالله ي َغْ ِ‬
‫ب‬‫واه و ي ُغْرِ ُ‬ ‫ن في هَ َ‬ ‫معِ ُ‬ ‫ك و يُ ْ‬ ‫شْر ٍ‬ ‫مضي على ‪ِ ... ...‬‬ ‫فر للذي ي ْ‬ ‫ّ‬ ‫ما كان ي َغْ ِ‬

‫)‪(1 /‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ج ُ‬ ‫م أشد ّ وأعْ َ‬ ‫مُره ُ‬
‫مري ! وأ ْ‬ ‫ن في ‪ ... ...‬أ ْ‬ ‫فُتو َ‬ ‫ك َث َُر الذين َرأي ْت ُهُ ْ‬
‫م يُ ْ‬
‫ب‬ ‫ضون إلى اّلذي ‪ ... ...‬أفَْتوا به ‪ ،‬أو لّلذي هو أقَْر ُ‬ ‫م ل ي َن ْهَ ُ‬ ‫ما َبال ُهُ ْ‬
‫عاَلم الحقّ اّلذي ل ي ُك ْذ َ ُ‬
‫ب‬ ‫فُعني الفتاوى ! إّنني ‪ ... ...‬في َ‬ ‫عاد ي َن ْ َ‬ ‫ما َ‬
‫ب‬‫ج ُ‬ ‫مو ْ ِ‬
‫م الله حقّ ُ‬ ‫حك ُ‬‫ْ‬ ‫حكم وحده ِبعباِده ‪ ... ...‬فيه ‪ ،‬و ُ‬ ‫ُ‬ ‫فالله ي َ ْ‬
‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فدعُ ُ‬
‫صو َ ُ‬
‫مأ ْ‬ ‫مت ُ ْ‬
‫عل ْ‬ ‫م ‪ ... ...‬وافُتوا ! فذلك لو َ‬ ‫مورِك ْ‬
‫موريَ وان َْهضوا ل ُ‬ ‫وا أ ُ‬ ‫َ ْ‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب‬‫صعَ ُ‬ ‫مك ْرِ الَعدوّ وأ ْ‬ ‫شد ّ من َ‬ ‫م ‪ ... ...‬وا َ‬ ‫ضّر عَل َي ْك ُ ُ‬


‫مأ َ‬ ‫ف بي ْن َك ُ ُ‬ ‫خل ْ ُ‬‫ال ُ‬
‫ب‬
‫ة ت ََتسّر ُ‬ ‫داُر وفتن ً‬ ‫ً‬
‫شّرا ي ُ َ‬ ‫خللها ‪َ ... ...‬‬ ‫َ‬ ‫م ت ََرْون ِ‬ ‫َ‬
‫مّزقُ ك ْ‬ ‫ً‬
‫فَِرقا ت َ َ‬
‫* ‪* ... * ...‬‬
‫ب‬ ‫ر‬ ‫يق‬
‫ِ ِ ُ ّ ُ‬ ‫ز‬ ‫ي‬ ‫العز‬ ‫ر‬ ‫ص‬
‫ّ ْ ِ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫إلى‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫رب‬‫َْ‬ ‫د‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ده‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ت‬
‫َ ْ ُ ْ َْ َ‬ ‫ح‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫هل‬ ‫!‬ ‫ي‬‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫جْر ُ‬ ‫ف ّ‬
‫جهاد وي َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ب‬
‫طل ُ‬ ‫صوََر ال ِ‬‫جَتلي ُ‬ ‫فـ ‪ ... ...‬ـا ً ي َ ْ‬‫ص ّ‬
‫مة السلم َ‬ ‫هل ّ جمعُتم أ ّ‬
‫ُ‬
‫مذ ْهَ ُ‬
‫ب‬ ‫م وتاه َ ال َ‬ ‫جهود ُك ُ ُ‬ ‫ت ُ‬‫مة أحمد ‪ ... ...‬ضاعَ ْ‬ ‫ضأ ّ‬ ‫م في الر ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫نل ْ‬ ‫إ ْ‬
‫الربعاء‬
‫‪28/2/1422‬هـ‬
‫‪5/2001/ 22‬م ‪... ... ...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫· من ملحمة السلم من فلسطين إلى لقاء المؤمنين ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫السواك وقاية وعلج‬


‫بقلم ‪ /‬علء الدين معصوم حسن‬
‫إن السواك هو أرخص وأنفع وسيلة للمحافظة على صحة الفم وإزالة‬
‫الترسبات البكتيرية ‪ . .‬وتعود الفائدة الكبرى للسواك إلى أنه عملي جدا ً‬
‫بحيث ل يحتاج إلى أي نوع من السوائل المصاحبة لستخدامه ‪.‬‬
‫ويحتوي السواك على نسبة كبيرة من الفلورايد كما أثبتت ذلك البحاث‬
‫الطبية بالضافة إلى احتوائه على المضادات الحيوية وبعض الزيوت الساسية‬
‫والكلورين وفيتامين " ج " ‪ ،‬والسليكون الذي يزيل اللوان المترسبة على‬
‫السطح الخارجية للسنان ]‪. [1‬‬
‫وللسواك مزايا تجعله يفوق الفرشاة والمعاجين التي نستعملها ‪ ،‬فخيوط‬
‫السواك مرنة وكثيرة تمكنه من التغلغل في ثنايا السنان ‪ ،‬وسواك شجرة‬
‫الراك به مادة مطهرة ومواد قابضة تعالج صديد اللثة وتقتل بعضا ً من‬
‫ميكروباتها وسمومها ]‪. [2‬‬
‫وأكد الطب الحديث فوائد السواك ‪ ،‬فقد جاء في بحث للدكتور طارق‬
‫الخوري نشر في مجلة طب السنان الوقائي الكلينكي عام ‪1983‬م ‪ :‬أن‬
‫أغصان الراك تحتوي على مادة صمغية وتعمل على تغطية المينا وحمايته من‬
‫التسوس ‪ ،‬ومادة ثلثي المثيل ‪ ،‬و تعمل على التئام جروح اللثة ‪ ،‬ومواد قلوية‬
‫تعمل على منع التسوس ]‪. [3‬‬
‫وفي عام ‪1406‬هـ عكف فريق بحثي بجامعة الملك سعود على تحليل‬
‫مكونات جذور الراك ‪ ،‬وبعد أشهر عدة من الدراسة والتحليل ثبت أن المواد‬
‫الفعالة التي تحتويها تعطي للسنان مناعة طبيعية ضد التسوس والنخر‬
‫بالقضاء على الطفيليات والبكتيريا المسببة لهما ‪ ،‬وأن هذه المواد لها قدرة‬
‫عجيبة على حماية أسطح السنان من التأثيرات الحامضية ‪.‬‬
‫وفي تجربة حديثة أجريت على خمسة وعشرين مريضا ً في كلية طب‬
‫السنان بالجامعة نفسها ‪ ،‬ثبت أن أعواد السواك تتفوق على جميع وسائل‬
‫تنظيف السنان الخرى كالفرشاة وحيدة الحزمة ‪ ،‬والفرشاة البينية ‪ ،‬والخيط‬
‫السني ‪.‬‬
‫وفي باكستان ‪ ،‬قامت إحدى المراكز البحثية بدراسة استهدفت معرفة أثر‬
‫السواك في الوقاية من سرطان الفم ‪ ،‬وقد قطعت في ذلك مراحل مهمة ‪.‬‬
‫وتأكد مؤخرا ً أن في السواك عناصر لها القدرة على الحد من نمو الخليا‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السرطانية ‪.‬‬
‫ويقول العالم اللماني رودات ‪ :‬ل يسعني إل العتراف بقيمة السواك الصحية‬
‫إن هناك بالفعل حكمة كبيرة وراء استعمال العرب للسواك كنا نجهلها ‪.‬‬
‫وفي سويسرا قام فريق بحثي بالمزيد من التجارب التي أثبتت أن خلصة‬
‫السواك هي خير وسيلة للمحافظة على نظافة الفم والسنان ‪ ،‬لكونها تحتوي‬
‫على مواد عطرية ‪ ،‬ومطهرة ‪ ،‬ومضادات حيوية قوية ]‪. [4‬‬
‫وجاء في بحث للدكتور جيمس ترنر من كلية الطب بجامعة تينيسي المريكية‬
‫والمنشور في مجلة ) طب الفم والسنان الستوائية ( ‪ :‬إن مسواك الراك‬
‫يحتوي على مواد مطهرة وقاتلة للميكروبات أهمها ‪ :‬الكبريت ‪ ،‬ومادة‬
‫) سيتوسيترول ب ( كما يحتوي على الصوديوم ‪.‬‬
‫ودلت البحاث والتجارب على أن السواك يحتوي على مادة مضادة لنزيف‬
‫الدم ‪ ،‬ومطهرة للثة ‪ ،‬ومعقمة للجروح اللثوية ‪ . . .‬كما يحتوي في أليافه على‬
‫كميات عديدة من الملح المعدنية ‪ ،‬وشوارد الكالسيوم ‪ ،‬والحديد ‪،‬‬
‫والفوسفات ‪ ،‬والصوديوم ]‪. [5‬‬
‫ويحتوي السواك على نسبة من الفيتامين )‪ (C‬ومعلوم عند العلماء أن‬
‫المشاركة بين هذا الفيتامين والمضادات الحيوية يعد من أرفع مستويات‬
‫التقنية الطبية كما يحتوي على مادة التانين التي تساعد على شد النسيج‬
‫اللثوي المرتخي ]‪. [6‬‬
‫وكم نشعر بعظمة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا بالتسوك ‪" :‬‬
‫تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب وما جاء جبريل إل وأوصاني‬
‫بالسواك " ]‪. [7‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬لول أن أشق على أمتي لمرتهم بالسواك عند‬
‫كل صلة " ]‪. [8‬‬
‫ولم يغفل عليه الصلة والسلم عن السواك حتى وهو في حالة النزع‬
‫والتأهب لرحلة الموت ]‪ . [9‬وقال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬عشر من الفطرة‬
‫‪ -‬وعد ّ منها ‪ -‬السواك " ]‪. [10‬‬
‫ويغسل السواك بالماء بعد استعماله ‪ .‬قالت عائشة رضي الله عنها ‪ " :‬كان‬
‫نبي صلى الله عليه وسلم الله يستاك ‪ ،‬فيعطيني السواك لغسله " ]‪. [11‬‬
‫أما حكم السواك فهو سنة وليس بواجب بإجماع من يعتد به في الجماع ]‬
‫‪. [12‬‬
‫والسواك مستحب في كل وقت ‪ ،‬ويتأكد عند الوضوء والصلة وتلوة القرآن‬
‫وعند دخول المنزل والستيقاظ ‪ ،‬وهو مستحب للصائم كغيره ‪ ،‬في أول‬
‫النهار وفي آخره ‪ ،‬لما رواه عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال ‪ " :‬رأيت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم " ]‪. [13‬‬
‫وقال ابن القيم رحمه الله ‪ " :‬يستحب السواك للمفطر والصائم وفي كل‬
‫وقت لعموم الحاديث الواردة فيه ‪ ،‬ولحاجة الصائم إليه ‪ ،‬ولنه مطهرة للفم ‪،‬‬
‫والطهر للصائم أفضل أعماله ]‪. [14‬‬
‫وهكذا يمكننا اعتبار المسواك ‪ ،‬الفرشاة الطبيعية المثالية ‪ ،‬والمزودة بمواد‬
‫مطهرة تفوق ما تملكه معاجين السنان الصناعية من مواصفات ]‪. [15‬‬
‫________________________‬
‫)‪ (1‬السواك أجر وعلج د عبدالله الشمري المجلة العربية العدد ‪ 89‬جمادى‬
‫الثانية ‪1405‬هـ الصفحة ‪. 72‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (2‬السواك خير من فرشاة السنان د علي جوهر المرجع السابق العدد‬
‫‪ 104‬رمضان ‪1406‬هـ الصفحة‪. 70-‬‬
‫)‪ (3‬السواك بين غيرة الشعراء وآراء الطباء د حسان باشا مجلة الفيصل‬
‫العدد ‪ 255 :‬رمضان ‪1418‬هـ الصفحة ‪. 92‬‬
‫)‪ (4‬السواك والعجاز العلمي في السنة النبوية حسني عبدالحافظ مجلة‬
‫القافلة جمادى الولى ‪1418 :‬هـ ص ‪. 22 - 21‬‬
‫)‪ (5‬السواك من صور العجاز العلمي عبدالعزيز أحمد مجلة نهج السلم‬
‫العدد ‪ 80 - 79‬ذي الحجة ‪1420‬هـ ص‪. 67-‬‬
‫)‪ (6‬السواك مطهرة للفم مرضاة للرب الصيدلني محمد فتحي الحريري‬
‫المرجع السابق العدد ‪ 43‬رمضان ‪1411‬هـ ص‪. 87-‬‬
‫)‪ (7‬رواه ابن ماجة في الطهارة ‪ ،‬باب ‪ 7‬حديث رقم ‪ ، 289‬وأحمد في‬
‫المسند ‪. 6/121 :‬‬
‫)‪ (8‬صحيح مسلم ) ‪. ( 252‬‬
‫)‪ (9‬نيل الوطار للشوكاني ) ‪. ( 1/125‬‬
‫)‪ (10‬رواه مسلم انظر ‪ :‬الجامع الصغير ) ‪. ( 5432‬‬
‫)‪ (11‬صحيح مسلم بشرح النووي ) ‪ ( 2/116‬سنن أبي داود ‪. 1/13 :‬‬
‫)‪ (12‬شرح صحيح مسلم للنووي ‪.‬‬
‫)‪ (13‬رواه الترمذي وابن خزيمة وصححه ‪ ،‬ورواه البخاري معلقا ً ‪ ،‬وقال ‪ :‬قال‬
‫ابن عمر ‪ " :‬يستاك أول النهار وآخره " ‪.‬‬
‫)‪ (14‬زاد المعاد من هدي خير العباد ‪.‬‬
‫)‪ (15‬السواك بين الطب والسلم د محمد نزار الدقر مجلة نهج السلم‬
‫العدد ‪ ، 78 - 77‬نقل ً عن‬
‫" السواك " للدكتور عزت أبو شعر ‪ ،‬دمشق ‪1974‬م ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫السياسة الحربية للدولة السلمية‬


‫إن ما يدعو للبحث في هذا الموضوع أمران‪:‬‬
‫‪ .1‬الطمس الفكري المتعمد لواقع السياسة الحربية في السلم‪ ،‬والذي‬
‫يزاوله علماء انهزاميون‪ ،‬إرضاًء لسيادهم من الحكام الطواغيت‪ ،‬ولسياد‬
‫أسيادهم من الكفار المستعمرين‪.‬‬
‫‪ .2‬السياسات الحربية النهزامية التي تمارسها حكومات العار في بلد‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫أما المر الول‪:‬‬
‫فهو الطمس الفكري المتعمد لواقع السياسة الحربية في السلم‪ ،‬والذي‬
‫يزاوله علماء السلطة‪ ،‬والعلماء النهزاميون‪ ،‬الذين ل يركزون إل على‬
‫الجوانب النسانية والدفاعية فقط من السياسة الحربية السلمية‪ ،‬وكأن هذه‬
‫السياسة لم تحوِ غير تلك الجوانب‪ ،‬ويغفلون أو يتغافلون عن الجوانب‬
‫العملية الفّعالة المتعلقة بجوهر السياسة الحربية وحقيقتها‪ ،‬فهم ل يتحدثون‬
‫عن السياسة الحربية في السلم إل من خلل بعض النصوص‪ ،‬فيعمدون إلى‬
‫أحاديث محدودة‪ ،‬معروفة‪ ،‬تتناول بعض المعاني العامة‪ ،‬ول تتناول التفاصيل‪،‬‬
‫مثل حديث‪» :‬ل تقتلوا شيخا ً فانيًا‪ ،‬ول صغيرًا‪ ،‬ول امرأة‪ «..‬وحديث‪» :‬ل‬
‫تمثلوا‪ ،‬ول تغدروا‪ ،‬ول تقتلوا وليدًا‪ «..‬وما شاكلها‪ ،‬فيسلطون عليها الضوء‪،‬‬
‫ويركزون على أكبر مساحة من هذه المعاني البسيطة‪ ،‬التي ل تمس حقائق‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السياسة الحربية الفاعلة في الدولة السلمية‪ ،‬ناسين أو متناسين آيات‬


‫وأحاديث كثيرة‪ ،‬تغاير تلك المعاني البسيطة العامة التي وردت في تلك‬
‫الحاديث‪.‬‬
‫إنهم بذلك يطمسون حقيقة السياسة الحربية الحيوية التي طبقها الرسول‬
‫صّلى الله عليه و سّلم ضد الكفار من أعداء الدولة السلمية‪ ،‬يفعلون ذلك‬
‫إرضاًء لسيادهم من الحكام الطواغيت‪ ،‬ولسياد أسيادهم من الكفار‬
‫المستعمرين‪ ،‬فيقبلون بإغضاب ربهم من أجل إرضاء طواغيتهم‪ ،‬فيبيعون‬
‫بآخرتهم دنيا غيرهم‪.‬‬
‫وأما المر الثاني‪:‬‬
‫ة‪ ،‬تنتهجها‬
‫ة‪ ،‬تخاذلي ٍ‬‫ة‪ ،‬استسلمي ٍ‬ ‫ت حربيةٍ انهزامي ٍ‬
‫فهو ما نراه من سياسا ٍ‬
‫حكومات العار في بلد المسلمين‪ ،‬بحيث بلغت هذه السياسات الحربية‬
‫الذليلة شأوا ً بعيدا ً في التواطؤ مع الهداف العسكرية الميركية الساعية‬
‫ة‪ ،‬فلقد سمحت هذه‬ ‫ة تام ً‬
‫للسيطرة على العالم السلمي سيطرة ً عسكري ً‬
‫الدول العميلة العاجزة لميركا‪ ،‬بأن تقيم قواعد عسكرية ثابتة ومتنقلة لها في‬
‫أراضي المسلمين‪ ،‬وسمحت للساطيل الميركية بأن تجوب المياه‪ ،‬وتستخدم‬
‫الموانئ والمرافق بل قيود ول شروط‪ ،‬ومنحت السماء والجواء للطائرات‬
‫والصواريخ الميركية من غير رقيب ول حسيب‪ ،‬ولم تكتف بذلك كله‪ ،‬بل‬
‫وساهمت بالقوات‪ ،‬والعدة‪ ،‬والعتاد‪ ،‬إلى جانب القوات الميركية الغازية في‬
‫ضرب المسلمين‪ ،‬واحتلل ديارهم‪ ،‬وإسقاط بعض أنظمة الحكم في بعض‬
‫دولهم‪ .‬فكل الدول القائمة في البلد العربية والسلمية كّيفت سياساتها‬
‫الحربية‪ ،‬وفقا ً للرؤية الستراتيجية العسكرية الميركية‪ ،‬التي تقوم اليوم على‬
‫أساس الحروب الوقائية الستباقية‪ ،‬وعلى أساس استخدام جيوش تلك الدول‬
‫التابعة لها استخداما ً يحقق لها هذه الستراتيجية‪.‬‬
‫لذلك لم يكن غريبا ً من جهة أن تستخدم أميركا قوة باكستان العسكرية‬
‫الضخمة في ضرب حركة الطالبان السلمية في أفغانستان‪ ،‬وفي ضرب‬
‫الحركات السلمية الداعمة لمسلمي كشمير‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬لم يكن غريبا ً‬
‫أيضا ً أن تعطل أميركا هذه القوة العسكرية الباكستانية الضاربة‪ ،‬وأن تش ّ‬
‫ل‬
‫قدراتها أمام قوة عدوتها وغريمتها الهند‪ ،‬وكذلك لم يكن عجيبا ً أن تستخدم‬
‫أميركا المكانيات العسكرية والستراتيجية الضخمة للدول المجاورة للعراق‬
‫في مساعدتها لجتياحه واحتلله‪.‬‬
‫وهكذا تمكنت أميركا من أفغانستان‪ ،‬وتمكنت من العراق‪ ،‬تمكنت منهما‬
‫بفضل سياسات هذه الدول الحربية الخادمة الخائبة التي ساعدت أميركا في‬
‫تحقيق أهدافها‪ ،‬والتي لولها لما تمكنت أميركا بتاتا ً من الدخول إلى المنطقة‬
‫والتمركز فيها‪ .‬من أجل ذلك كان ل بد من إلقاء الضوء على السياسة الحربية‬
‫الصحيحة للدولة السلمية من منظور شرعي صحيح‪ ،‬وكان ل بد من إظهار‬
‫ما يحاول علماُء السلطةِ إخفاءه والتستر عليه‪.‬‬
‫فالسياسة الحربية لية دولة من الدول هي رعاية شؤون الحرب على وضع‬
‫من الوضاع‪ .‬ورعاية شؤون الحرب‪ ،‬للدويلت المصطنعة القائمة في العالم‬
‫السلمي اليوم‪ ،‬تقوم على وضع تخدم فيه السياسات العسكرية الميركية‪،‬‬
‫والبريطانية‪ ،‬والفرنسية‪ ،‬الرامية لفرض هيمنتها على العالم أجمع‪ ،‬ومنه‬
‫العالم السلمي‪ ،‬إنها سياسات خادمة‪ ،‬مذعنة لملءات الدول الكافرة‬
‫المستعمرة‪ ،‬وبسبب هذه السياسات ضاعت فلسطين وكشمير‪ ،‬وبسببها‬
‫ُفصلت تيمور الشرقية عن إندونيسيا‪ ،‬وفصلت بنغلديش عن باكستان من‬
‫قبل‪ ،‬وسيفصل جنوب السودان عن شماله في المستقبل‪ ،‬إنها سياسات‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حربية استعمارية ترسمها الدول العدوة للسلم والمسلمين‪ ،‬بينما يقتصر دور‬
‫حكام البلد العربية والسلمية فيها على التنفيذ والتطبيق فقط‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫كنت إسرائيل من الهيمنة‬ ‫فهذه السياسات الحربية الستسلمية هي التي م ّ‬


‫ظمت من دورها في المنطقة‪ ،‬وهي التي‬ ‫على دول المنطقة‪ ،‬وهي التي ع ّ‬
‫أشاعت أجواء اليأس والحباط والخوف منها‪ ،‬وبدل ً من أن تقوم وسائل إعلم‬
‫هذه الدول الخائبة بتهديد إسرائيل‪ ،‬وتخويفها‪ ،‬والتلويح بقوة السلح ضدها‪،‬‬
‫فإنها تقوم بتخويف الشعوب منها‪ ،‬وتحذيرهم من مغبة التفكير في مقاومتها‪،‬‬
‫مع أنهم لو اجتمعوا على غزوها واجتياحها لما صمدت إسرائيل أمامهم إل‬
‫ل‪ ،‬ولكنها العمالة‪ ،‬والخيانة‪ ،‬وفقدان الرادة‪.‬‬ ‫قلي ً‬
‫فإذا كانت هذه هي سياسة إدارة الحرب لدى هؤلء الحكام الرويبضات في‬
‫مواجهة العداء‪ ،‬أي إذا كانت سياسة انبطاحية‪ ،‬استسلمية‪ ،‬خادمة للعداء‪،‬‬
‫محققة لهدافهم‪ ،‬فما هي السياسة الحربية الصحيحة؟ إن السياسة الحربية‬
‫الصحيحة للدولة السلمية تقوم على أساس رعاية شؤون الحرب‪ ،‬على وضع‬
‫يجعل النصر للمسلمين‪ ،‬وإلحاق الهزيمة بأعدائهم‪ ،‬وأصل هذه السياسة‬
‫يستند إلى الجهاد‪ ،‬الذي هو الطريقة الوحيدة التي ُتحمل فيه الدعوة‬
‫السلمية إلى العالم‪ .‬والجهاد هو قتال الكفار بسبب امتناعهم عن قبول‬
‫خرِ وَل َ‬‫ن ِبالل ّهِ وَل َ ِبال ْي َوْم ِ اْل ِ‬ ‫مُنو َ‬‫ن ل َ ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬‫السلم‪ ،‬قال تعالى‪َ? :‬قات ُِلوا ال ّ ِ‬
‫ُ‬
‫ب‬‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حقّ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن ِدي َ‬‫ديُنو َ‬ ‫ه وَل َ ي َ ِ‬ ‫سول ُ ُ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬‫ن َ‬‫مو َ‬ ‫حّر ُ‬‫يُ َ‬
‫ن?]التوبة‪ .[29 :‬لذلك كان الواجب‬ ‫صاِغُرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َد ٍ وَهُ ْ‬‫ة عَ ْ‬ ‫جْزي َ َ‬‫طوا ال ْ ِ‬
‫حّتى ي ُعْ ُ‬ ‫َ‬
‫على خليفة المسلمين في كل وقت أن يبذل مجهوده في الخروج للقتال‬
‫بنفسه‪ ،‬أو بإرسال الجيوش والسرايا من المسلمين للقتال‪ ،‬ثم يثق بجميل‬
‫هّ‬ ‫َ‬
‫صُروا الل َ‬ ‫ن َتن ُ‬
‫مُنوا إ ِ ْ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وعد الله تعالى له في نصرته بقوله تعالى‪َ? :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫م? ]محمد‪ [7 :‬وينبغي أن يبتدئ الخليفة بترتيب الجيوش في أطراف‬ ‫صْرك ُ ْ‬‫َين ُ‬
‫البلد لكف من بإزائهم من الكفار‪ ،‬وأن يضمن أن تكون جميع الثغور مشحونة‬
‫بالجيش السلمي دائمًا‪ ،‬ويجب أن يقيم كل ما يدفع عن المسلمين‪ ،‬وعن بلد‬
‫المسلمين أذى العدو من حصون‪ ،‬أو خنادق‪ ،‬أو أي شيء‪ ،‬من كل نوع من‬
‫أنواع القوة التي تحمي الدولة السلمية من كيد الكفار‪ .‬فالخليفة يتولى‬
‫بنفسه قيادة الجيش الفعلية‪ ،‬ويضع السياسات الحربية بنفسه؛ لنه هو القائد‬
‫الفعلي للجيش‪ .‬والدولة السلمية في حالة جهاد دائم‪ ،‬وسياستها تبنى على‬
‫العداد الدائم للجهاد‪ ،‬وبهذه السياسة الحربية تمت الفتوحات العظيمة‪،‬‬
‫ل‪ ،‬حيث‬ ‫واكتسحت الجيوش السلمية القارات القديمة الثلثة اكتساحا ً مذه ً‬
‫بلغت الصين في آسيا شرقًا‪ ،‬ووصلت إلى أبواب فرنسا وأسوار فينا في‬
‫أوروبا غربًا‪ ،‬وقطعت الصحراء والدغال في أفريقيا جنوبًا‪ ،‬وما كانت تلك‬
‫الفتوحات العظيمة لتحصل لول فرضية الجهاد والقتال‪ ،‬وجعلها في ذروة‬
‫سنام السلم‪ ،‬حتى غدا الجهاد الركن السادس من أركان هذا الدين‪.‬‬
‫هذه هي السياسة الحربية في السلم‪ ،‬والتي يجب أن تبرز فيها الناحية‬
‫العملية النية الفورية لكي تكون فعالة منتجة‪ ،‬ل أن تسيطر عليها الناحية‬
‫العلمية الكلمية المخادعة‪ ،‬كما تفعل الدول العربية الذليلة‪ ،‬والدول القائمة‬
‫في بلد المسلمين في هذه اليام‪.‬‬
‫وأما الناحية العملية النية في سياسة الدولة السلمية الحربية فيجب أن‬
‫تظهر من خلل المور الخمسة التالية‪:‬‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أو ً‬
‫ل‪ :‬معاملة العدو بالمثل‪:‬‬
‫في هذه الحالة‪ ،‬وهي حالة قيام العدو بانتهاك العراف العسكرية المتعارف‬
‫على تحريمها دوليًا‪ ،‬كقتل النساء والطفال‪ ،‬وهدم البيوت‪ ،‬وتجريف‬
‫المزروعات كما تفعل إسرائيل اليوم‪ ،‬أو كقيام أميركا وبريطانيا بقصف‬
‫المدنيين المنين في أفغانستان والعراق بقنابلها المسماة بالذكية ‪-‬على حد‬
‫زعمهم‪ -‬فيجب على الدولة السلمية‪ ،‬في هذه الحالة‪ ،‬أن تفعل نفس هذا‬
‫الفعل في اللحظة والتو‪ ،‬وبل تأخير أو تسويف‪ ،‬قال تعالى‪ :‬النحل ‪[126‬‬
‫وبمثل هذه المعاملة للعدو‪ ،‬تكون السياسة الحربية للدولة السلمية منتقمة‪،‬‬
‫مشفية لما في الصدور‪ ،‬رادعة‪ ،‬زاجرة‪ ،‬مرهبة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬جواز تقطيع الشجار‪ ،‬وتحريقها‪ ،‬وتخريب العامر ابتداًء‪ ،‬وليس من باب‬
‫المعاملة بالمثل وحسب‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ومبرر ذلك كسب المعركة‪ ،‬وحسمها لصالح المسلمين‪ ،‬ولو لم يفعل العدو‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫صول َِها‬ ‫ة عََلى أ ُ‬ ‫م ً‬‫ها َقائ ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ِلين َةٍ أوْ ت ََرك ْت ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما قَط َعْت ُ ْ‬ ‫مثل ذلك‪ ،‬قال تعالى‪َ ? :‬‬
‫ّ‬
‫ن? ]الحشر‪ .[5 :‬وقد أحرق رسول الله صلى الله‬ ‫قي َ‬‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫خزِيَ ال ْ َ‬ ‫ن الل ّهِ وَل ِي ُ ْ‬ ‫فَب ِإ ِذ ْ ِ‬
‫عليه و سّلم نخل بني النضير‪ ،‬مع تحققه بأنه سيؤول إليه ليحسم المعركة‪.‬‬
‫دم الحجر‪ ،‬وتخريب العامر‪ ،‬وقتل البهائم وحرقها‪ ،‬وإتلف‬ ‫طع الشجر‪ ،‬وه ْ‬ ‫فق ْ‬
‫كل ما يملكه العدو‪ ،‬كل ذلك جائز إذا اقتضته السياسة الحربية‪ ،‬ولو كان في‬
‫ن عَد ُّو‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫فاَر وَل َ ي ََناُلو َ‬ ‫ظ ال ْك ُ ّ‬‫موْط ًِئا ي َِغي ُ‬ ‫ن َ‬ ‫أصله محرمًا‪ ،‬قال تعالى‪? :‬وَل َ ي َط َُئو َ‬
‫ح? ]التوبة‪ [120 :‬وهذا نص عام في كل شيء‪،‬‬ ‫صال ِ ٌ‬
‫ل َ‬ ‫م ٌ‬ ‫م ب ِهِ عَ َ‬ ‫ب ل َهُ ْ‬ ‫ن َي ْل ً إ ِل ّ ك ُت ِ َ‬
‫ولم يرد ما يخصصه بمعاملة العدو بالمثل فقط‪ ،‬فيبقى على عمومه‪ ،‬ويبقى‬
‫جواز فعل ذلك ابتداء؛ لكسب المعركة وحسمها إذا اقتضته السياسة الحربية‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬تبني الدولة لسياسات حربية وقائية كلما استدعت الحاجة إليها‪:‬‬
‫ومن الدلة التي تؤكد ذلك أن الرسول صّلى الله عليه و سّلم أمر بعض‬
‫ت فيه‬ ‫حمس بالذهاب إلى اليمن‪ ،‬وأمرهم بحرق بي ٍ‬ ‫فرسان المسلمين من أ ُ‬
‫ّ‬
‫صب ُيعبد‪ ،‬يقال له كعبة اليمانية‪ ،‬يسمى ذو الخلصة‪ ،‬وكذلك أمر صلى الله‬ ‫نُ ُ‬
‫عليه و سلم أيضا أسامة بن زيد بأن يتوجه في حملته إلى بلد الشام إلى‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫بلدة )أبنى( في فلسطين ليحرقها‪ ،‬وطلب‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أيضا ً من بعض‬
‫المسلمين القيام باغتيالت سياسية لبعض الشخاص الذين أمعنوا في‬
‫الساءة إلى السلم‪ ،‬وفي إيذاء الرسول صّلى الله عليه و سّلم ككعب بن‬
‫الشرف من زعماء اليهود‪ ،‬الذين ناصبوا الرسول صّلى الله عليه و سّلم‬
‫العداء السافر‪ ،‬ومثل كعب هذا كثيرون في زماننا‪ .‬فهذه العمال الحربية هي‬
‫جزء ل يتجزأ من السياسة الحربية في السلم‪ ،‬ل يجوز إخفاؤها أو تعطيلها؛‬
‫لنها وردت بالدلة القطعية الثبوت والقطعية الدللة‪ ،‬وقد فعلها الرسول‬
‫صّلى الله عليه و سّلم قطعًا‪ ،‬وتعتبر هذه العمال الحربية أس الحرب‬
‫الوقائية التي يجب أن تنتهجها الدولة السلمية في حالت معينة‪ .‬وبمثل هذه‬
‫الحرب الوقائية تم إيجاد الهيبة للدولة السلمية‪ ،‬وتم إيقاع الرعب في قلوب‬
‫أعدائها‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬جواز نقض العهد مع العداء بمجرد الخوف والتشكك من خيانة العدو‪،‬‬
‫أونقضه للعهد‪:‬‬
‫واٍء? ]النفال‪:‬‬ ‫س َ‬ ‫م عَلى َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة فان ْب ِذ ْ إ ِلي ْهِ ْ‬
‫خَيان َ ً‬‫ن قوْم ٍ ِ‬‫َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫خاف ّ‬ ‫َ‬ ‫ما ت َ َ‬
‫يقول تعالى‪? :‬وَإ ِ ّ‬
‫‪ [58‬فهذه الية تجيز للمسلمين استعمال السلحة التي تسمى اليوم بأسلحة‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدمار الشامل‪ ،‬سواء أكانت نووية‪ ،‬أم كيميائية‪ ،‬أم بيولوجية‪ ،‬أم غير ذلك‪،‬‬
‫فالدول الكبرى الحائزة على تلك السلحة تستبيح استعمالها‪ ،‬بل إنها‬
‫استباحت بالفعل استخدامها‪ ،‬واستخدمتها أميركا في اليابان وفيتنام من قبل‪،‬‬
‫واستعملتها في أفغانستان والعراق اليوم؛ لذلك فإن الدولة السلمية يجوز‬
‫لها استعمالها على الرغم من أنها تهلك البشر‪ ،‬وعلى الرغم من أن السلم‬
‫إنما جاء لحياء البشرية ل لفنائها‪ ،‬وإنما أجيز استخدامها لن من شأنها أن‬
‫تكون مانعة من تمادي الكفار العداء كأميركا‪ ،‬وروسيا‪ ،‬وبريطانيا‪ ،‬وإسرائيل‪،‬‬
‫من التعالي على شعوب ودول العالم‪ ،‬ل سيما السلمية منها‪ ،‬ورادعة إياهم‬
‫من التمادي في العدوان على المسلمين والمستضعفين في الرض‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬جواز استخدام الطائرات والمدافع والقنابل والسلحة الثقيلة في‬
‫قصف مدن العداء في حالت معينة‪:‬‬
‫هناك حالتان يمكن فيهما استخدام هذه السلحة‪ ،‬في قصف المدن‬
‫والتجمعات السكانية للدولة العدوة‪ ،‬من غير تمييز بين المحاربين‬
‫والمسالمين‪ .‬وهاتان الحالتان هما‪:‬‬
‫الحالة الولى‪ :‬إذا كان متعذرا ً التمييز بين المقاتلين وبين النساء والشيوخ‬
‫والطفال‪ ،‬واقتضت الحاجة الحربية حسم المعركة بالسرعة الممكنة‪ ،‬ففي‬
‫هذه الحالة يجوز قتل غير المقاتلين‪.‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬إذا كان من الصعب الوصول إلى المقاتلين من دون قتل الذرية‬
‫والنساء‪ ،‬ففي هذه الحالة أيضا ً يكون قتل غير المقاتلين أو إصابتهم أمرا ً‬
‫جائزًا‪ ،‬ولو كانوا من المسلمين وتترس بهم الكفار‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والدلة على هاتين الحالتين كثيرة‪ :‬منها نصب الرسول صلى الله عليه و سلم‬
‫المنجنيق على أهل الطائف‪ ،‬ومعلوم أن المنجنيق حين يضرب القذائف‬
‫النارية ل يميز بين امرأة وطفل وشجر وغيره‪ ،‬ومن الدلة على ذلك أيضا ً‬
‫قول الرسول صّلى الله عليه و سّلم عندما سئل عن أولد المشركين هل‬
‫نقتلهم معهم قال‪" :‬نعم فإنهم منهم"‪ ،‬ومنها أيضا ً قوله صّلى الله عليه و‬
‫سّلم‪" :‬اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم" وتطبيقا ً لهذا الحديث‬
‫الخير‪ ،‬قام أبو عامر قائد سرية أوطاس‪ ،‬إحدى سرايا المسلمين التي شكلها‬
‫الرسول صّلى الله عليه و سّلم‪ ،‬قام بقتل الشاعر المعروف دريد بن الصمة‪،‬‬
‫بعد أن شارف على المائة عام‪ ،‬ل لشيء إل لنه علم أنه شارك في مساعدة‬
‫الكفار في حربهم ضد المسلمين بعقله وحكمته وتدبيره‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وبهذه السياسات العسكرية الصارمة تتحقق السياسة الحربية للدولة‬


‫السلمية‪ ،‬التي تقوم على أساس رعاية شؤون الحرب‪ ،‬على وضع يجعل‬
‫النصر حليفا ً للمسلمين على وجه محقق‪ ،‬ويجعل الخذلن حليفا ً لعدائهم من‬
‫الكفار على وجه محقق أيضًا‪.‬‬
‫هكذا كانت السياسة الحربية في السلم‪ ،‬وهكذا يجب أن تكون‪ ،‬ل كما نراها‬
‫اليوم في دول المسلمين الهزيلة العميلة‪ ،‬سياسات حربية انبطاحية خادمة‬
‫للسياسة الميركية والبريطانية‪ ،‬متواطئة معها‪ ،‬مفّرطة في الدفاع عن حقوق‬
‫شعوبها‪ ،‬جالبة للهزائم‪ ،‬ومضيعة للبلد والعباد‪.‬‬
‫إن اتباع السياسة الحربية الصحيحة في السلم‪ ،‬كما بّيناها‪ ،‬كفيلة بأن تجعل‬
‫من أية دولة تتبناها‪ ،‬دولة عظمى‪ ،‬تحفظ كرامة المسلمين‪ ،‬وتذود عن‬
‫حياضهم‪ ،‬وتحمي بيضتهم‪ ،‬وتخيف عدوهم‪ ،‬وتلحق به الهزيمة والخذلن‪،‬‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتشتت شمل العداء إن تجمعوا ضدها‪ ،‬وتقذف في قلوبهم الرعب‪ ،‬وفوق‬


‫ذلك فإنها ستوحد المسلمين وتمكنهم من القيام بدورهم باقتدار في حمل‬
‫الرسالة السلمية إلى العالم‪ ،‬وفي إزالة جميع الحواجز المادية التي تحول‬
‫دون إيصال السلم إلى ربوع المعمورة‪.‬‬
‫اللهم ارزقنا دولة إسلمية حقيقية‪ ،‬تتبنى سياسة حربية فعالة‪ ،‬مستمدة من‬
‫النصوص القرآنية‪ ،‬والحاديث النبوية‪ ،‬ومتأسية بأفعال المصطفى صلوات الله‬
‫وسلمه عليه‪ ،‬تلك الفعال التي أّدت إلى قيام دولة السلم العظمى‪ ،‬تلك‬
‫الدولة التي تسّببت في إسقاط أعظم إمبراطوريات ذلك الزمان‪ ،‬وقصمت‬
‫ظهرها‪ ،‬وهما‪ :‬دولتي فارس والروم‪.‬‬
‫كنا من إقامة هذه الدولة‪ ،‬واتباع هذه السياسة‪ .‬ومن نشر السلم في‬ ‫اللهم م ّ‬
‫جميع بقاع الرض‬
‫أحمد الخطيب‬

‫)‪(4 /‬‬

‫السياسة في خطبة الجمعة حمدي عبد العزيز*‬


‫ترتبط المشاركة السياسية بالمسؤولية الجتماعية التي تقوم على أساس‬
‫الموازنة بين الحقوق والواجبات؛ لذلك فهي سمة من سمات النظم‬
‫السياسية التي تزدهر فيها الحريات‪ ،‬كما أنها ل تعني المعارضة على طول‬
‫الخط؛ وإنما تعطي الفراد الحق في الرقابة على المسؤولين‪ ،‬ومحاسبتهم‬
‫من جهة‪ ،‬وتدعيم الفكر الحكومي بكثير من الراء الصالحة التي لم تتأثر‬
‫بتقاليد البيروقراطية بما يفتح الميادين للعمل والخدمات والنشاط من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ومن الملحظ انخفاض درجة المشاركة السياسية لدى الخطباء‪ ،‬وانعدام‬
‫الجانب السياسي في خطبة الجمعة اللهم إل من بعض النفعالت الغاضبة‬
‫التي تعمق التعصب‪ ،‬أو الجتهادات الخاصة التي تكون عرضة للخطأ‬
‫والصواب‪ ،‬أو التصدي للقضايا السياسية والمستجدات الوطنية والسلمية‬
‫دونما تعمق أو اطلع‪.‬‬
‫ويجد الخطيب نفسه مضطرا للحديث في مختلف المستجدات السياسية‬
‫لعدة اعتبارات تتعلق بـ‪:‬‬
‫أول‪ :‬أن التحدث في كل قضية تحمل بعدا سياسيا واجب على أساس أن‬
‫خطبة الجمعة تتطرق إلى مصلحة الناس‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬لن السلم ل يعرف هذا الفصل بين الدين والدنيا؛ فهو دين ودولة‪،‬‬
‫نظام ومجتمع‪ ،‬ومنهج حياة‪ ،‬أحكامه تنظم شؤون الناس في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬لن الوطن والمة السلمية يموجان بأحداث ساخنة ومضطربة‪ ،‬والعقل‬
‫المسلم يعاني من تحليلت العلم الغربي المهيمن‪ ،‬أو البراجماتيين‬
‫المتلونين‪ ،‬وينتظر الكلمة الصادقة من خطيب يدرك أمانة الكلمة‬
‫ومسؤوليتها‪.‬‬
‫وليس المطلوب من الخطبة التحليل والتعمق في المستجدات السياسية‬
‫المختلفة؛ وإنما التركيز على بيان القضية‪ ،‬والخبار الصادقة عنها‪ ،‬والمنهج‬
‫الشرعي في التعامل معها‪ ،‬أو الحكم عليها؛ فعلى سبيل المثال في قضية‬
‫التعامل مع الخر الديني ينبغي بيان ضرورة أن يكون التعامل السياسي معه‬
‫على أساس من القيم السلمية التي تأمر بالقسط والبر معه إذا كان مواطنا‬
‫في الدولة‪ ،‬وتحرم موالته في حالة اعتدائه على الرض السلمية كما في‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحالة الصهيونية في فلسطين‪ ،‬والحالة المريكية في العراق وأفغانستان؛‬


‫لن الموالة هنا تفقد النسان إيمانه؛ ول تلتقي مع السلم‪.‬‬
‫وهناك قضايا عديدة على هذه الشاكلة تحتاج إلى وقفات في خطبة الجمعة‬
‫على نفس المنوال‪ ،‬ولعل منها‪ :‬الحكم في السلم‪ ،‬الشورى‪ ،‬الحرية‬
‫والستبداد‪ ،‬الهدنة‪ ،‬الحرب‪ ،‬الرهاب‪ ،‬إضراب السرى‪ ،‬إكرام السرى في‬
‫السلم‪ ... ،‬إلخ‪ ،‬ومن الهمية في هذا الطار أن تتوافر لدى الخطيب الرغبة‬
‫في اللمام بهذه القضايا‪ ،‬والوعي بها‪ ،‬فضل عن البحث فيها داخل الكتب‪ ،‬أو‬
‫على شبكة النترنت‪.‬‬
‫ومن المراجع المفيدة في هذا الشأن‪ :‬كتابات الماوردي )سلوك المالك في‬
‫تدبير الممالك‪ ،‬السياسة الشرعية في أحوال الراعي والرعية(‪ ،‬و )فقه‬
‫المقاصد( للشاطبي‪ ،‬و)السياسة الشرعية( للقرضاوي‪ ،‬وبعض الموسوعات‬
‫السياسية مثل‪) :‬الموسوعة السياسية الكويتية(‪ ،‬وغيرها والتي يمكن الحصول‬
‫على قائمة بها من المكتبات العامة‪.‬‬
‫ول يكفي الخطيب دراسة هذه الكتب فحسب؛ فيلزم الطلع على واقعه من‬
‫خلل قراءة الصحف‪ ،‬والدراسات‪ ،‬والكتب التي تتناول القضايا المستجدة‪،‬‬
‫وقضايا المسلمين المختلفة حتى يتسنى له الفهم الدقيق بما يعينه على‬
‫تقديم فكرته وإفادة جمهوره وإقناعه‪.‬‬
‫* الخطبة والمشكلت القتصادية والجتماعية‪:‬‬
‫في بحث عن أثر خطبة الجمعة في مصر طبقا لموقع ‪Islamdoor.com‬؛ أفاد‬
‫‪ % 78‬من العينة أنهم يتأثرون دائما بما يقوله الخطيب‪ ،‬و ‪ % 71‬أنهم‬
‫يلتزمون دائما بما يقوله الخطيب‪ ،‬وتم التفاق مع أحد الخطباء على أن‬
‫يخطب عن الربا‪ ،‬وأجرى استفتاء قبل الخطبة وبعدها؛ فكانت النتيجة أن ‪85‬‬
‫‪ %‬كانوا يعرفون المفهوم الصحيح للربا‪ ،‬وبعد الخطبة ارتفعت النسبة إلى ‪97‬‬
‫‪ ..%‬و ‪ % 33‬كانوا يعرفون عقوبة الربا‪ ،‬وارتفعت إلى ‪ ..% 94‬و ‪ % 50‬كانوا‬
‫يفضلون الستثمار في البنوك السلمية وارتفعت إلى ‪ ..% 64‬و ‪% 34‬‬
‫سينصحون الخرين بترك الربا‪ ،‬و ‪ % 31‬سيقاومون أي عمل ربوي‪.‬‬
‫وتعكس هذه النتائج دور خطبة الجمعة ليس فقط في المعالجات السلمية‬
‫للقضايا والمشكلت القتصادية والجتماعية‪ ،‬ولكن أيضا طرح ما يستجد من‬
‫هذه المشكلت‪ ،‬والمساهمة في حلها وفقا للمرجعية السلمية؛ إذ ل يمكن‬
‫للمنبر أن يتخذ موقفا محايدا منها على اعتبار أن هذا يناقض وظيفة الخطبة؛‬
‫فضل عن وجود تأثيرات سلبية خطيرة نفسيا‪ ،‬واجتماعيا‪ ،‬واقتصاديا‪.‬‬
‫والتصدي لمثل هذه المشكلت هو من صميم خطبة الجمعة؛ نظرا لن‬
‫الخطيب في هذه الحالة يقوم بفريضة )الحسبة( التي تعادل فريضة الجهاد‬
‫في سبيل الله؛ فالولى مجالها الداخل‪ ،‬والثانية مجالها الخارج‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وحتى يحصل الخطيب على دور فعال في مواجهة هذه المشكلت يلزم‬
‫اطلعه على الكتابات التأصيلية لمفهوم الحسبة‪ ،‬وعلى أساليب الصول‬
‫المنزلة )القرآن والسنة( في علج تلك المشكلت‪ ،‬فضل عن مسيرة السلف‬
‫الصالح في مواجهة المشكلت الجتماعية‪ ،‬والطلع على الدراسات‬
‫المعاصرة التي تفسر أسبابها‪ ،‬وتطرح حلول لها‪ ،‬أو توضح كيفية التطرق لها‪.‬‬
‫* رابطة محلية للخطباء‪:‬‬
‫ومن المقترح في هذا الطار إنشاء رابطة لئمة المساجد في المناطق‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المختلفة تتولى طرح القضايا‪ ،‬والمشكلت القتصادية والجتماعية التي يمكن‬


‫تناولها في خطب الجمعة‪ ،‬والتي تكون ذات صلة بالحداث التي جرت خلل‬
‫السبوع في المنطقة‪ ،‬أو القرية‪ ،‬أو القطر‪ ،‬أو بلدان المسلمين مثل‪ :‬الزكاة‬
‫والربا‪ ،‬الكيل والوزن‪ ،‬الزنا‪ ،‬عقوق الوالدين‪ ،‬قتل البشر لتفه السباب‪،‬‬
‫مشكلت الجيرة و‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وهذه الرابطة يمكنها تفعيل الخدمات القتصادية والجتماعية التي تقدمها‬
‫بعض المساجد‪ ،‬وجمع الزكوات والصدقات‪ ،‬وإنفاقها في المجالت التي‬
‫تخفف أعباء الزمة القتصادية‪ ،‬فضل عن أنها سوف تتجاوز نقص المعرفة‬
‫لدى الخطباء من خلل البدء في تدريس التوجهات السلمية فيما يتعلق‬
‫بعلج هذه القضايا والمشكلت‪ ،‬على أن يكون تدارس هذه التوجيهات خطوة‬
‫أولى لدراسة المشكلت المستجدة على أيدي متخصصين يقومون بتدريس‬
‫منهج ميسر للخطباء؛ يعالج المفاهيم‪ ،‬والقضايا القتصادية والجتماعية بلغة‬
‫عصرية سهلة بعيدة عن التعقيدات‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫السيجارة في قفص التهام‬


‫دار ابن خزيمة‬
‫يطير فرحا ً حينما يمسكها بيده‪ ..‬ويزداد نشوة حينما يقبلها بفمه‪ ! ..‬يستوحش‬
‫لفقدها‪ ..‬ويأنس لقربها‪ ..‬أسعد لحظاته حينما يخلو بها‪ ..‬وأشقى ساعاته حينما‬
‫يفارقها‪ ..‬تحدد أصدقائه وأماكن جلوسه‪ ..‬قد ينحرف بسببها‪ ..‬قد يرتكب‬
‫المحرمات لجلها‪ ،‬بل قد يموت بتأثيرها‪..‬؟ إنها السيجارة ! ! ! إذا فلنضعها‬
‫في قفص التهام ! !‬
‫عبرة ! !‬
‫شاب في الخامسة والعشرين من عمره‪ ،‬ابتلي بشرب الدخان لعدة‬
‫سنوات‪ ...‬وذات يوم أدخل المستشفى بسبب ألم مفاجئ وهو هبوط في‬
‫القلب‪ ..‬ووضع عدة أيام بغرفة العناية المركزة تحت مراقبة الجهزة الطبية‬
‫المتطورة‪ ،‬حيث أن الطبيب المشرف على علجه أصدر أوامره لهيئة‬
‫التمريض بعدم إدخال الدخان للمذكور لنه السبب الرئيسي لمرضه‪ ،‬وتفتيش‬
‫الزوار خوفا ً من تسلل الدخان له خفية‪..‬‬
‫تحسنت صحته وبدأ يستعيد نشاطه‪ ..‬إل أنه لم يتقيد أخيرا ً بتعليمات الطباء ؛‬
‫حيث عاد إلى التدخين‪ ،‬وفي أحد اليام ُفقد هذا الشاب‪ ..‬بحثوا عنه فوجدوه‬
‫في أحد الحمامات وقد فارق الحياة ) وبيده سيجارة ( ! !‬
‫مكونات السيجارة‬
‫تتكون السيجارة من عدة مركبات يصل عددها إلى أكثر من ‪ 200‬مركب‪،‬‬
‫وأشدها ضررًا‪ ،‬وأعظمها خطرا ً النيكوتين‪ ،‬حيث يوجد منه من ‪2 :0.1‬‬
‫مليجرام في كل سيجارة‪ ،‬وأضراره هي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن النيكوتين يؤثر على أنسجة الجسم‪.‬‬
‫‪ –2‬أن جراما ً واحدا ً منه يكفي لقتل عشرة كلب من الحجم الكبير دفعة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫‪ –3‬أن حقنة منه تقدر بسنتيمتر مكعب كافية لقتل حصان قوي في لحظات‬
‫قليلة‪.‬‬
‫‪ -4‬أن ‪ 50‬مليجرام منه تقلت النسان في لحظات إذا حقنت عن طريق‬
‫الوريد‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التدخين هلك للدين‬


‫حيث يبتعد المدخن عن أماكن الخير والصلح فتجده يتوارى من الناس من‬
‫سوء رائحته‪ ،‬بل قد يكون سببا ً في ارتكاب بعض المحرمات‪ ،‬ناهيك عن كونه‬
‫محرما ً شرعًا‪ ،‬والله تعالى يقول‪ :‬ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ‪.‬‬
‫هلك للصحة‬
‫حيث يؤدي إلى الصابة بضعف النسل‪ ،‬وضعف في جهاز المناعة‪ ،‬والتهاب‬
‫الجلد‪ ،‬والسرطان في الرئة‪ ،‬والحنجرة والشفة‪ ،‬والذبحة الصدرية‪ ،‬والسل‬
‫الرئوي‪ ،‬والبلغم وضيق النفس‪ ،‬وهذا إهلك للنفس والله تعالى يقول‪ :‬ول‬
‫تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ً ‪.‬‬
‫يا من يريد دمار صحته ويهوى *** الموت منتحرا ً بل سكين‬
‫ل تيأسن فإن ذلك واجد *** كل الذي يرجوه بالتدخين‬
‫هلك للمال‬
‫سيسأل عنه‬ ‫حيث يؤدي إنفاق المال في المحرم‪ ،‬بل فيما يضر‪ ،‬وهذا مما ُ‬
‫سيسأل } عن ماله من أين اكتسبه‪ ،‬وفيما أنفقه {‪.‬‬ ‫يوم القيامة حيث ُ‬
‫ول عجب في ذلك فالذي يتناول ‪ 10‬سجائر يوميا ً ينفق ‪ 1000‬ريال سنويا‪ً،‬‬
‫عشره صدقة لوجه الله‪.‬‬ ‫في حين أنه ل ينفق ُ‬
‫ماذا قال العلماء عن التدخين؟‬
‫قال ابن باز رحمه الله‪" :‬والدخان ل يجوز شربه‪ ،‬ول بيعه‪ ،‬ول التجارة فيه‬
‫كالخمر‪ ،‬والواجب على من كان يشربه أو يتجر فيه البدار بالتوبة والنابة إلى‬
‫الله سبحانه وتعالى‪ ،‬والندم على ما مضى‪ ،‬والعزم على أن ل يعود في ذلك"‪.‬‬
‫وقال ابن عثيمين رحمه الله‪" :‬فنصيحتي لخواني المسلمين الذين ابتلوا‬
‫بشربه أن يستعينوا بالله عز وجل وعقدوا العزم على تركه‪ ،‬وفي العزيمة‬
‫الصادقة مع الستعانة بالله ورجاء ثوابه‪ ،‬والهرب من عقابه‪ ،‬ففي ذلك كله‬
‫معونة على القلع عنه"‪.‬‬
‫ماذا قال الطباء عن التدخين؟‬
‫يقول الدكتور كليفورد أندرسون‪" :‬لقد دلت الحصاءات التي قامت بها جمعية‬
‫السرطان المريكية أن النقطاع يفيد‪ ،‬ويقلل خطر الصابة بالسرطان بمعدل‬
‫النصف‪ ..‬ومن المحقق أن الذين ل يدخنون هم أقل الناس تعرضا ً للصابة‬
‫بهذا المرض"‪.‬‬
‫ويقول الدكتور كنعان الجابي‪" :‬لقد مضى على معالجتي للسرطان ‪ 25‬عاما ً‬
‫فلم يأتني مصابا ً بسرطان الحنجرة إل مدخن"‪.‬‬
‫وجاء في تقرير الكلية الملكية للطباء بلندن‪" :‬إن تدخين السجائر في العصر‬
‫الحديث يسبب من الوفيات ما كانت تسببه أشد الوبئة خطرا ً في العصور‬
‫السابقة‪ ..‬وجاء فيه أن ‪ %95‬من مرضى شرايين الساقين هم من‬
‫المدخنين"‪.‬‬
‫وجاء في تقرير لحد من مراكز البحوث المريكية‪" :‬إن التدخين يؤدي إلى‬
‫أعلى نسبة وفيات في العالم بالمقارنة للحروب والمجاعات"‪.‬‬
‫معلومات تهمك‬
‫‪ -1‬إن ضحايا التدخين في العالم ل تقل عن مليونين ونصف المليون شخص‪.‬‬
‫‪ -2‬إن السجائر التي تورد إلى دول العالم الثالث أكثر ضررا ً من غيرها بسبب‬
‫احتوائها على كمية أكبر من القطران والنيكتين‪.‬‬
‫‪ -3‬إن التدخين هو العتبة الولى في طريق المخدرات‪.‬‬
‫‪ -4‬إن المدخن شخص عاجز بالمفهوم الرياضي‪.‬‬
‫‪ -5‬إن المدخن شخص غير مرغوب فيه اجتماعيًا‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تساؤلت صريحة‬
‫‪ -1‬هل تصنف الدخان من الطيبات؟ أم من الخبائث؟‬
‫‪ -2‬هل تسمي الله حينما تبدأ بشرب الدخان؟ أو تحمده حينما تنتهي؟‬
‫‪ -3‬هل هناك مأكول أو مشروب حينما تنتهي منه تطأه بحذائك؟‬
‫‪ -4‬هل تشرب الدخان في بيت من بيوت الله؟‬
‫‪ -5‬هل حققت من الدخان كسب مادي أو صحي أو اجتماعي؟‬
‫‪ -6‬ما هو موقفك حينما ترى أحد أبنائك أو إخوانك يدخن؟‬
‫متى ستقلع عن التدخين؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أخي الحبيب‪ ..‬وبعد هذا كله ألم تفكر في القلع عن التدخين؟ ! ستقول –‬
‫كعادتك – بلى ! وأقول متى ستقلع عنه إذًا؟ ستقول غدا ً أو بعد غد‪ ،‬أو بعد‬
‫ذلك سأحاول القلع عنه‪ ...‬إذا ً أنت لم تقتنع بما قرأته آنفا ً بل ستستمر على‬
‫التدخين‪ ،‬ولن تقلع عنه أبدا ً ! ! ستقول ل ! إنني مقتنع تماما ً بما مضى‪ ،‬ولكن‬
‫صعب علي الخلص منه وأخشى أل أستمر على تركه‪! ! .‬‬
‫إذا ً ما الحل أخي الحبيب؟‪ ..‬هل سنقف معك في طريق مسدود؟ ستقول ل‬
‫لم يصل المر إلى هذا الحد‪ ..‬إذا ً ما العمل؟ ربما تقول‪ " :‬لعلي أسلك طريقا ً‬
‫آخر أنجو من أضرار التدخين سأتحول إلى الغليون أو الشيشة ونحوها‪ ،‬فعلها‬
‫أقل ضررا ً وأهون خطرا ً "‪ ،‬وأقول لك ما أنت إل كالمستجير من الرمضاء‬
‫بالنار‪ ،‬أما علمت أن ما مضى ذكره من أضرار التدخين ينطبق على الشيشة‬
‫والغليون وغيرها‪ ،‬ربما ستقول إذا ً سأنتقل إلى نوع خفيف من السجائر التي‬
‫تحتوي على كمية قليلة من النيكوتين والقطران وهذه خدعة كبرى‪ ،‬قد ثبت‬
‫ضررها وعدم جدواها‪ ،‬وذلك لن هذا سبب لتدخين أكبر عدد من السجائر‪،‬‬
‫وهذا يؤدي إلى امتصاص المزيد من النيكوتين والقطران‪ ،‬وهذا يحدث‬
‫بطريقة ل إرادية‪ .‬فهل نلجأ إلى هذا الحل إذا ً ! ]من كتاب نفيس في‬
‫موضوعه بعنوان‪ :‬لماذا تدخن؟[‪.‬‬
‫إذا ً ما الحل؟‬
‫ليس هناك حل أيها الخ الحبيب إل أن تترك الدخان فورا ً وتهجره بل رجعة‬
‫فعشمي بك كبير‪ ،‬وهمتك أكبر من أن تعجز عن الفكاك من أسر سيجارة‬
‫ه عزيمة صادقة وهمة‬ ‫حقيرة‪ ،‬وليس تركه بذاك المر الكبير العسير إذا صاحب ُ‬
‫عالية وإرادة قوية‪.‬‬
‫المور المعينة على ترك التدخين‬
‫‪ -1‬العتماد على الله سبحانه وتعالى والتوكل عليه‪.‬‬
‫‪ -2‬الرغبة الصادقة والعزيمة الكيدة والرادة القوية في القلع عنه‪.‬‬
‫‪ -3‬خطط لطريقة تقلع فيها عن التدخين كأن يكون تدريجيا ً أو فوريا‪ً.‬‬
‫‪ -4‬أخبر أصدقائك ومن حولك أنك ستقلع أو أقلعت عن التدخين‪.‬‬
‫‪ -5‬ل ترتد ْ الماكن التي يكثر فيها التدخين‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -6‬استعمل السواك أو اللبان " العلك " إذا وجدت حنينا للتدخين‪.‬‬
‫‪ -7‬أكثر من شرب الماء والعصير لتخفيف تركيز النيكوتين بالدم‪.‬‬
‫‪ -8‬حاول زيارة طبيب مختص تستشيره‪.‬‬
‫‪ -9‬غاز ثاني أكسيد الكربون سينخفض من جسمك بعد يومين من القلع عن‬
‫التدخين‪.‬‬
‫‪ -10‬تذكر أنك الن أقلعت عن التدخين وأضراره وانظر لنفسك أنك شخص‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫غير مدخن‪.‬‬
‫ولغير المدخنين همسة !‬
‫أخي في الله‪ ..‬احمد الله سبحانه وتعالى على أن عافاك من هذا البلء‬
‫وسلمت من أضراره‪ ،‬ولكن بقي أن تعلم أن أولئك المدخنين كانوا من قبل‬
‫أناس أصحاء ل يشربون الدخان‪ ،‬بل إن بعضهم يكرهه كرها ً شديدًا‪ ،‬ومع لك‬
‫إل أنهم وقعوا في ما هم عليه الن‪ ،‬وما ذاك إل لنهم تساهلوا في بعض‬
‫المور التي تؤدي إلى الوقوع في التدخين ومنها‪:‬‬
‫‪ -1‬العبث بالدخان‪.‬‬
‫‪ -2‬شربه مجاملة أو حياء‪.‬‬
‫‪ -3‬شربه بدعوى التجربة‪.‬‬
‫‪ -4‬الجلوس في أماكن يشرب فيها الدخان‪.‬‬
‫‪ -5‬الغترار بفعل المشاهير لهذه العادة السيئة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫سلطة والّنهضة‬ ‫سلفّية في تونس بين رحيي ال ّ‬ ‫ال ّ‬


‫بقلم‪ :‬خميس بن علي الماجري*‬
‫سلطة هناك بحكم‬ ‫ن ال ّ‬‫ضرورة في تونس أ ّ‬ ‫سياسة بال ّ‬ ‫ن من المعلوم بال ّ‬ ‫إ ّ‬
‫سياسّية كما ل‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫المنافسة‬ ‫مل‬ ‫ّ‬ ‫تتح‬ ‫ل‬ ‫رفة‬ ‫ّ‬ ‫والمتط‬ ‫المنغلقة‬ ‫ية‬
‫ّ‬ ‫شمول‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫طبيعتها‬
‫دينّية ولذلك تعّرض الّتدّين في تونس منذ أن تسّلمت‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫المزايدة‬ ‫تقبل بتاتا‬
‫سلطة البلد من فرنسا إلى عقوبة بشعة وإنتقام شرس تناقص مع‬ ‫تلك ال ّ‬
‫صحوة السلمّية الولى منذ ‪. 1981‬‬ ‫سياسّية لل ّ‬ ‫صفة ال ّ‬ ‫الّزمن حّتى بروز ال ّ‬
‫ده بعد إنتخابات ‪ 1989‬وشاعت‬ ‫لقد عظم حجم كرب المتدّينين و بلغ أش ّ‬
‫دين من جهة ‪ ،‬كما شاعت ثقافة الهبوط كانت نتائجها‬ ‫طعن في ال ّ‬ ‫ثقافة ال ّ‬
‫كارثّية على شعبنا تبّينها بشاعة الجرائم وآنتشارها وسيادة الخوف والّرعب‬
‫ي لخيه‬ ‫ضيق اّلذي يعيشه الّناس في البلد إلى درجة أن أصبح ذبح الّتونس ّ‬ ‫وال ّ‬
‫شوارع وفي وضح الّنهار أمرا عادّيا ‪...‬‬ ‫في ال ّ‬
‫شمولّية السلم في مسائل‬ ‫سلطة كما هي طبيعة النظمة ال ّ‬ ‫لقد إختزلت ال ّ‬
‫دين‬‫العبادات ‪ ،‬بل حّتى العبادات عودي أهلها ‪ .‬فزّورت دولة " الّتجفيف " ال ّ‬
‫صحوة دون ذنب ‪ ،‬تحت عنوان "‬ ‫ولت الجتماعّية ‪ ،‬و حاربت ال ّ‬ ‫جة الّتح ّ‬ ‫تحت ح ّ‬
‫صحوة الجديدة‬ ‫ن ال ّ‬ ‫جه ‪ ،‬وآّدعت أ ّ‬ ‫تونسة الّتدّين" لّنها مشرقّية المرجعّية والّتو ّ‬
‫سلطة لها مشكل مع‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ل جلء أ ّ‬ ‫ضح بك ّ‬ ‫ماضوّية ومنغلقة ‪ ..‬وهذا ما يو ّ‬
‫ورا وإلتزاما‪ .‬وهذه هي المشكلة في حقيقتها ‪ :‬المستهدف هو‬ ‫السلم ذاته تص ّ‬
‫م في أشخاص‬ ‫السلم في عقائده وأخلقه ونظمه ومن يعّبر عنه من تمّثل عا ّ‬
‫لفتات‬ ‫ن ال ّ‬
‫شبهات ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫سسات فضل عن أفكاره المتحّررة من الهواء وال ّ‬ ‫ومؤ ّ‬
‫سلطة من هنا وهناك في تبّنيها للسلم ‪ ،‬ما هي إل ّ تضليلت ‪..‬‬ ‫اّلتي ترفعها ال ّ‬
‫دمته من‬ ‫طة ‪ ،‬لما ق ّ‬ ‫م ل تعجب من خطب المدح الغربّية لهذه الخ ّ‬ ‫ومن ث ّ‬
‫خدمات عظمى لهم ‪ ،‬وآخرها ما جاء على لسان رومسفلت المريكي‪.‬‬
‫ن حجم الستهداف اّلذي تعّرض له الخلط بين تجفيف السلم في تونس‬ ‫إ ّ‬
‫صحوة لم تعرفه دولة في الرض‪ ،‬ولو‬ ‫ّ‬
‫وبين المواجهات المنّية التي لحقت ال ّ‬
‫سلطة الجهد كّله ‪ ،‬أو قل ربعه لمحاربة الّتخلف وتحقيق الّتنمية‬
‫ّ‬ ‫آستعملت ال ّ‬
‫وقنا على ماليزيا وأندونيسيا ! ولكن أّنى لها ذلك وقد آستأصلت عبر ردم‬ ‫لتف ّ‬
‫مها إستهداف أفضل رجال‬ ‫وعة والتي من أه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي ومنظم للينابيع المتن ّ‬ ‫ّ‬ ‫منهج ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تونس خلقا وإدارة لكل معارك الّتخلف ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شرائع والقوانين والقيم‬ ‫ل ال ّ‬‫ن العدوان اّلذي لحق بالّتدّين في تونس خرق ك ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ي في قلب‬ ‫وكها الموضوع السلم ّ‬ ‫سلطة التي جعلت بته ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫والعراف ‪ .‬وإ ّ‬
‫سياسّية في تونس وهي تريد أن تبعده عن ذلك ‪ ،‬لتستفّز‬ ‫المعركة ال ّ‬
‫دها ‪ ،‬لّنها آفتعلت عداوات كانت‬ ‫ّ‬ ‫ض‬ ‫العالم‬ ‫في‬ ‫مسلم‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ك‬ ‫يش‬ ‫ّ‬ ‫لتج‬ ‫الّتونسّيين‬
‫ظمات‬‫سخط من " من ّ‬ ‫ل مسلمي العالم ‪ ،‬وجلبت لنفسها ال ّ‬ ‫في غنى عنها مع ك ّ‬
‫سست لعنصرّيات الّتفريق بين الّناس في أرض‬ ‫دولّية " ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫حقوق النسان ال ّ‬
‫ّ‬
‫الخضراء حّتى لكأّنها جعلت من المسلم الملتزم في درجة متخلفة أمام‬
‫دى‬
‫ي‪ .‬و ذهبت تخلط المور ‪ ،‬فتع ّ‬ ‫متساكنه الملحد أو اليهودي أو الّنصران ّ‬
‫مكرها إلى السلم ذاته ‪ :‬عقائده ومناهجه وذهبت تّتهم السلم أّنه قرين‬
‫الّتطّرف والرهاب بل هو اّلذي يصنع ذلك‪ ..‬وما تغيير مناهج الّتعليم السّباقة‬
‫في سنة ‪ 1989‬إل ّ دليل صارخا على ما أقول ‪...‬‬
‫صة في‬ ‫ن القيادة العاقلة هي اّلتي تحرص دائما على أن ل تصادم شعبها ‪ ،‬خا ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ّ‬
‫ن الّتحكم في خصوصّيات‬ ‫ّ‬
‫دساتها وثوابتها ‪ ،‬وهي التي ل تنسى أبدا أ ّ‬ ‫أعظم مق ّ‬
‫قة بينها وبين شعبها وتزيد في تعميق الّرفض لها ‪،‬‬ ‫ش ّ‬ ‫النسان تزيد في إبعاد ال ّ‬
‫ّ‬
‫هذا فضل عن نفاذ المر القدري في كل ظالم ‪ .‬وهل هناك ظلم أعظم من‬
‫سك به بعد تمام‬ ‫ج بلباس حرصت على الّتم ّ‬ ‫منع دولة لمرأة أحرمت للح ّ‬
‫مناسكها ؟؟؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن محاصرة الحجاب والّلحية وغيرهما إّنما هي ظواهر الشياء وسطحها‪،‬‬ ‫إ ّ‬


‫دافع اليديولوجي والّثقافي اّلذي‬ ‫والجوهري الساسي لهذه المسائل هو ال ّ‬
‫أفرز هذه المحاربة وأحكمها ‪ .‬ودليلي على هذا القول هذا الخطاب الكاشف‬
‫دد الّزوجات بمقتضى قانون‬ ‫سلطة ‪ " :‬ويمّثل إلغاء تع ّ‬ ‫عن حقيقة هذه ال ّ‬
‫شخصّية وإقامة نظام الّزوجة الواحدة تعبيرا آخر عن مبدأ المساواة‬ ‫الحوال ال ّ‬
‫ّ‬
‫دد الّزوجات ـ الذي كان هو المظهر أكثر‬ ‫بين الّرجل والمرأة ‪ .‬وقد أصبح تع ّ‬
‫فجاجة وظلما لعدم المساواة بين الّزوجين ـ جنحة يعاقب عليها القانون‬
‫ن الّزواج الجديد باطل "‪ .‬من تقرير الحكومة‬ ‫ي وفضل عن ذلك فإ ّ‬ ‫الجنائ ّ‬
‫ص‬
‫دولي الخا ّ‬ ‫ّ‬
‫دم إلى المم المّتحدة والمتعلق بالمعهد ال ّ‬ ‫الّتونسّية المق ّ‬
‫سياسّية بتاريخ ‪ 18‬ماي ‪ ...1993‬ول يمكن أن يفهم من‬ ‫بالحقوق المدنّية وال ّ‬
‫ّ‬
‫صارخ العبارة إل ـ في أحسن أحواله ـ تعقيبا على‬ ‫دللة ال ّ‬ ‫ص الواضح ال ّ‬ ‫هذا الن ّ ّ‬
‫ن ما‬‫ّ‬ ‫وإ‬ ‫‪،‬‬ ‫ظاهر‬ ‫ولها‬ ‫باطن‬ ‫لها‬ ‫لها‬‫ّ‬ ‫ك‬ ‫"‬ ‫تجفيف‬ ‫ّ‬ ‫"ال‬ ‫ّ‬
‫طة‬ ‫خ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫‪.‬‬ ‫تعالى‬ ‫حكم الله‬
‫ص‬
‫صدر منها علنا إّنما هي ظواهر الشياء وسطحها وسقفها ‪ ،‬وقد بّين هذا الن ّ ّ‬
‫طة ‪ ،‬بل لتعاملها‬ ‫دافع اليديولوجي لواضع هذه الخ ّ‬ ‫ش ّ‬
‫ك ال ّ‬ ‫بما ل يدعو مجال لل ّ‬
‫ل السلم عقيدة الّتونسّيين منذ أربعة عشر قرنا ‪...‬‬ ‫مع ك ّ‬
‫لقد أخطأ العبقريّ المني في مواجهة عقائد الّناس ‪ ،‬وما أفلحت مشاريع‬
‫سلخ السلم من البلد ‪ ،‬وقلع العقيدة من قلوب الّتونسّيين ‪ ،‬وطاشت كّلها‬
‫صابون‪ ،‬وذابت كالّثلج ‪ ،‬فما أفلحت أفلم الباحة ول الّتشجيع على‬ ‫كفقاقيع ال ّ‬
‫ل المشروع المني‬ ‫الفاحشة ول مسك العصا الغليظة ‪ .‬لقد أبطل الله عّز وج ّ‬
‫ورمى به في الجحيم ‪ } .‬بل نقذف بالحقّ على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق‬
‫ما تصفون { ‪.‬‬ ‫ولكم الويل م ّ‬
‫لعتداء على حقوق الله تعالى في أن يعبد كما رسم في كتابه وسّنة نبّيه‬ ‫نا ٌ‬ ‫إ ّ‬
‫شكل والمظهر حجابا أو لحية أو‬ ‫والعتداء على محض حقوق الّناس في ال ّ‬
‫سلطة على السلم ‪ ،‬وهذا وحده كفيل بتوسيع‬ ‫لباسا ليعد ّ من أعظم عدوان ال ّ‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي ومزيد إنتشار الّتدّين من جديد ‪ .‬وسبحان الله‬ ‫شعبي الّتونس ّ‬ ‫دائرة الغضب ال ّ‬
‫اّلذي يغرس الحقّ بفعل المبطلين ‪ ،‬حيث جعل عّز وجل من أسبابه القدرّية‬
‫ّ‬
‫دين بمكر الفاجر ‪...‬‬ ‫أن ينصر هذا ال ّ‬
‫خم ظواهر النحراف‬ ‫ّ‬ ‫تض‬ ‫خلل‬ ‫من‬ ‫فشلها‬ ‫بان‬ ‫المنابع‬ ‫طة تجفيف‬ ‫نخ ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ذبح أمام مرأى‬ ‫شعب وأعظمه ال ّ‬ ‫ل طبقات ال ّ‬ ‫الخلقي البشع اّلذي لمس ك ّ‬
‫ل ميادينها ‪ ،‬فجاءت رياح صحوة‬ ‫سلطة في ك ّ‬ ‫الّناس ‪ ،‬أومن خلل فساد ال ّ‬
‫سس على علم وتقوى و‬ ‫حح المسيرة ‪ ،‬أتمّنى لها أن تؤ ّ‬ ‫جديدة تريد أن تص ّ‬
‫دنيا ‪...‬‬
‫وتجّرد من أطماع ال ّ‬
‫طة تجفيف ينابيع الّتدّين لئن نجحت إلى حين في إبعاد خصم‬ ‫مى بخ ّ‬ ‫ن ما يس ّ‬ ‫إ ّ‬
‫سلطة ‪ ،‬فإّنها كانت منطلق صحوة جديدة مطلوب منها أن‬ ‫ي لل ّ‬ ‫سياس ّ‬
‫دولة ‪:‬‬‫تستوعب دروس من سبقها ‪ ..‬إّنني أتمّنى من هذه ال ّ‬
‫ـ أن تتوّقف عن خلطها بين المور ‪ ،‬وأن ل تكون مسكونة بالحرابة ضد ّ شعبها‬
‫ضنك والفوضى والفاّر إلى رّبه ليرسم له طريق‬ ‫العزل الهارب من جحيم ال ّ‬
‫الخلص ‪..‬‬
‫شباب بأّنه ثورة عليها أو‬ ‫ـ أن تتخّلص من الهوس المني ول تقرأ التزام ال ّ‬
‫خروجا عنها ‪...‬‬
‫صحوة الجديدة تحت دعوى مقاومة الّتطّرف ومحاربة‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫من‬ ‫ـ أن ل تنتقم‬
‫شعارات الّرائجة التي تخدم أجندة الغزاة ‪.‬‬ ‫الرهاب أو غير ذلك من ال ّ‬
‫دولة وتفيق من سكرة إستئصال الّتدّين ‪ ،‬وتجفيف الفكر والقيم‬ ‫ـ أن تعقل ال ّ‬
‫لسلم في مرحلة تاريخّية إنتهت منذ قرون ‪ .‬ولتعلم سلطة‬ ‫بهدف حصر ا ٌ‬
‫ن ذلك وهم عظيم وطيش وعناد‬ ‫الّتجفيف أّنها لن تقدر على ذلك المبتغى ‪ ،‬ل ّ‬
‫شيوعّية فلم يجنوا‬ ‫صة في البلد ال ّ‬ ‫سبق وأن جّرب ذلك في بلد السلم وخا ّ‬
‫ّ‬
‫ل ذي عينين أّنه لم تنفع جميع الساليب التي‬ ‫دمار ‪ .‬إّنه قد تبّين لك ّ‬ ‫إل ّ ال ّ‬
‫صة ‪.‬ولقد تبّين‬ ‫شباب منهم خا ّ‬ ‫سلطة في إيقاف تدّين الّناس وال ّ‬ ‫إستقوت بها ال ّ‬
‫طتها كّلها إنهارت على رأسها ‪.‬قال تعالى‪ } :‬قد مكر الذين من‬
‫ّ‬ ‫نخ ّ‬ ‫لها أ ّ‬
‫سقف من فوقهم وأتاهم‬ ‫قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخّر عليهم ال ّ‬
‫العذاب من حيث ل يشعرون ‪ 26 {.‬سورة الّنحل ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫دولة هذا المنهج الجائر ‪ ،‬وتصرف كل تلك الجهود التي تبذلها‬ ‫لبد ّ أن تلغي ال ّ‬
‫دولة‬ ‫لمقاومة شبابها في تنمية البلد ‪ ،‬عبر مصالحة مع تدّين الّناس ورفع يد ال ّ‬
‫كم في عقائدهم وأفكارهم ومظاهرهم وأزيائهم ومعيشتهم وأرزاقهم‬ ‫عن الّتح ّ‬
‫ي ‪ ،‬وأن يسلكوا منهج المام مالك‬ ‫ل تونس ّ‬ ‫وغير ذلك من الحقوق الساسّية لك ّ‬
‫سياسّية‬ ‫سلطة ال ّ‬ ‫رحمه الله تعالى ـ إن كانوا مالكّيين ـ في رفضه أن تفرض ال ّ‬
‫نمطا إسلمّيا معّينا على الّناس ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫كمها في تدّين الّناس وتترك‬‫سلطة يدها عن تح ّ‬ ‫وإّنني على يقين أّنه لو ترفع ال ّ‬
‫ّ‬
‫قهم في التدّين‪ :‬تعلما وعمل ونشاطا دعوّيا‬ ‫لهم حّرّيتهم في ممارسة ح ّ‬
‫ّ‬
‫ن أبناء الوطن الذين‬ ‫ّ‬
‫وثقافّيا ‪...‬فلن تر من شعبها إل المكافأة بالحسنى ل ّ‬
‫سلطة سياساتها فستراهم‬ ‫دلت ال ّ‬
‫ما رأوها تعارك دينهم ‪ ،‬فإن ب ّ‬ ‫خاصموها ل ّ‬
‫شعب‬ ‫ما من الشتباك الحاصل اليوم بين ال ّ‬ ‫ن جزءا مه ّ‬‫خدمة للبلد وسنشهد أ ّ‬
‫ل بإذن الله تعالى !!!‪...‬‬‫وبينها سينح ّ‬
‫________________________________________‬
‫دولة اّلتي تصادم عقائد الّناس وتلحق صالحيهم ‪ ،‬وتصنع واقعا متف ّ‬
‫جرا ‪،‬‬ ‫ن ال ّ‬
‫إ ّ‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل المستويات ‪،‬‬ ‫وتضغط على عقول الّناشئة ل بد ّ أن تتهّيأ لفشل ذريع على ك ّ‬
‫دما وهي تحارب العّباد !!فكيف‬ ‫ولتعلم أّنها ل يمكن أن تشهد تنمية أو تق ّ‬
‫دين !‬ ‫تشهد تنمية وهي تفّرق بين شعبها لمجّرد إللتزام بال ّ‬
‫________________________________________‬
‫جرا ‪،‬‬ ‫دولة اّلتي تصادم عقائد الّناس وتلحق صالحيهم ‪ ،‬وتصنع واقعا متف ّ‬ ‫ن ال ّ‬
‫إ ّ‬
‫ل المستويات ‪،‬‬ ‫وتضغط على عقول الّناشئة ل بد ّ أن تتهّيأ لفشل ذريع على ك ّ‬
‫دما وهي تحارب العّباد !!فكيف‬ ‫ولتعلم أّنها ل يمكن أن تشهد تنمية أو تق ّ‬
‫دين !‬ ‫تشهد تنمية وهي تفّرق بين شعبها لمجّرد إللتزام بال ّ‬
‫ن المسألة السلمّية في تونس تشهد صراعا بين قطبي‬ ‫و من المعلوم أ ّ‬
‫دمه‬ ‫وها " وتق ّ‬ ‫دم الولى تحت ضغوط ‪ ،‬إسلما " مش ّ‬ ‫سلطة ‪ .‬تق ّ‬ ‫الّنهضة وال ّ‬
‫الّثانية "عقيما " ‪...‬‬
‫ّ‬
‫وحّتى ل يبقى السلم يعاني بين الطرفين ‪ ،‬ل بد ّ من معالجة صحيحة يخلص‬
‫ي ‪ .‬لقد تعّرض السلم في تونس إلى عملّية‬ ‫سياس ّ‬ ‫بها من تجاذبهما ال ّ‬
‫ي مرير بينهما‪ ،‬انتهى بخسارة الجميع شعبا‬ ‫آختطاف وتوظيف لصراع سياس ّ‬
‫سلطة الممعنة‬ ‫دين الحامي‪ ،‬وخسرت ال ّ‬ ‫ومعارضة وسلطة ‪ ،‬خسر شعبنا ال ّ‬
‫مة في إسلمّيين هّبوا يوما‬ ‫حش والفوضى ثقة شعبها ‪ ،‬وصدمت ال ّ‬ ‫في الّتو ّ‬
‫ققون طموحات شعبهم ‪.‬‬ ‫وقالوا إّنهم سيح ّ‬
‫مل أخطاء الّناس ولو كانوا يعملون له ‪ ،‬ول يمكن‬ ‫ن السلم ل يمكن أن يتح ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ي‬
‫دل من أ ّ‬ ‫أن يخضع للبتزاز أو للنتهاز من طرف أحد ‪ .‬وعليه فنرفض أن يع ّ‬
‫سلطة السلم‬ ‫ظروف ‪ ،‬كما نرفض كذلك أن تعاقب ال ّ‬ ‫كان تحت أيّ نوع من ال ّ‬
‫ن فريقا من الّناس راحوا يعارضونها به ‪.‬‬ ‫شعب – ل ّ‬ ‫– دين ال ّ‬
‫صة على تحييد السلم‬ ‫مة وطلبة العلم منهم خا ّ‬ ‫لذلك لبد ّ أن يعمل العقلء عا ّ‬
‫طرفين ‪ .‬وأن يعملوا على حفظه من محاولت الّتأويل‬ ‫من " الّرحي " بين ال ّ‬
‫والّتحريف والّتركيب والّتوليف والّتشويش والحتراف حّتى يبقى صافيا نقّيا‬
‫سلطة ‪ ،‬وتشويه المعارضة ‪.‬‬ ‫كما نزل ‪ ،‬يزيلون عنه ما علق به من تحريف ال ّ‬
‫دين عدل بين ظلمين ‪ ،‬ووسط بين تطّرفين ‪ ،‬وهدي بين ضللتين ‪ ،‬وحقّ بين‬
‫باطلين ‪ ،‬واستقامة بين اعوجاجين ‪ ،‬وحنيف بين بدعتين ‪ ،‬بسيط بين‬
‫طرفين ‪،‬‬ ‫كبين ‪ ،‬و سّيد بين آحتكارين‪ ،‬و مرجع لل ّ‬ ‫تعقيدين ‪ ،‬فطريّ بين مر ّ‬
‫عين‪..‬‬ ‫وحكم للمتناز َ‬
‫________________________________________‬
‫ساحة الّتونسّية تعاني أزمة فكرّية غثائّية حاّدة أفقدت توازنات الّناس ‪،‬‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ا ّ‬
‫كل ‪،‬‬ ‫ل الّتو ّ‬‫دخن ‪ ،‬وضعفت البصيرة ‪ ،‬وعّز اليقين ‪ ،‬وق ّ‬ ‫دخل ‪ ،‬وثار ال ّ‬ ‫فصار ال ّ‬
‫دجل ‪ ،‬وآنتشرت الخرافة ‪ ،‬وتكاثرت‬ ‫م ال ّ‬‫سّنة ‪ ،‬وفّرخت البدعة ‪ ،‬وع ّ‬ ‫وندرت ال ّ‬
‫شعوذة‪.‬‬ ‫سحر وال ّ‬ ‫مظاهر ال ّ‬
‫________________________________________‬
‫ن‬
‫مة تزييف دينها ‪ .‬ومن نافلة القول الّتأكيد على أ ّ‬ ‫ن أخطر شيء على ال ّ‬ ‫إ ّ‬
‫سلطة وبتفريط من مغامرات‬ ‫دينّية بمكر من ال ّ‬ ‫مّية ال ّ‬ ‫شت فيها ال ّ‬ ‫البلد قد تف ّ‬
‫ساحة الّتونسّية تعاني أزمة فكرّية غثائّية حاّدة أفقدت‬ ‫ن ال ّ‬‫الّنهضة ‪ ،‬وا ّ‬
‫دخن ‪ ،‬وضعفت البصيرة ‪ ،‬وعّز اليقين ‪،‬‬ ‫دخل ‪ ،‬وثار ال ّ‬ ‫توازنات الّناس ‪ ،‬فصار ال ّ‬
‫دجل ‪ ،‬وآنتشرت‬ ‫م ال ّ‬ ‫سّنة ‪ ،‬وفّرخت البدعة ‪ ،‬وع ّ‬ ‫كل ‪ ،‬وندرت ال ّ‬ ‫ل الّتو ّ‬ ‫وق ّ‬
‫شعوذة ‪ ،‬وعظم الكرب ‪ ،‬وضاق‬ ‫سحر وال ّ‬ ‫الخرافة ‪ ،‬وتكاثرت مظاهر ال ّ‬
‫سعت الجريمة ‪،‬‬ ‫الحال ‪ ،‬وانتشرت الفوضى والفساد في البّر والبحر‪ ،‬وتو ّ‬
‫وشاع الفقر ‪ ،‬وجاع الّناس وضاعوا ‪ ،‬ورتع المضّلون المضللون في البلد‬
‫ّ‬
‫ل ناعق منهم أعداد كبيرة من ناس‬ ‫فروا ‪ ،‬فتقاطر على ك ّ‬ ‫وباضوا وفّرخوا وص ّ‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخضراء ‪ ،‬شيبها وشبابها ‪ ،‬ليعقدوا لهم أديانا باطلة ‪ ،‬أو ينتحلوا لهم نحل‬
‫ذود عن‬‫محاها السلم من الخضراء منذ قرون ‪ .‬وعليه ل بد ّ من هّبة جاّدة لل ّ‬
‫دفاع عن شعبنا العزيز اّلذي خضع لعملّية تدمير كامل‬ ‫شريعة ‪ ،‬ولل ّ‬ ‫حمى ال ّ‬
‫ل مستويات الحياة والمعاد !!‬ ‫يشمل ك ّ‬
‫در الّله ‪ -‬مقبلة على فتن عظيمة لم تعرفها تونس الحديثة من‬ ‫ن البلد – ل ق ّ‬‫إ ّ‬
‫طن إلى ذلك المعنّيون ‪.‬‬ ‫قبل ‪.‬فتن الّتحارب السلمي السلمي إن لم يتف ّ‬
‫طط بالّليل والّنهار من طرف تحالف الستئصالّيين‬ ‫وهذا المكر يعد ّ له ويخ ّ‬
‫الفاسدين من المن البائر واليسار النتهازي الفاجر‪ .‬وعليه فل نجاة من ذلك‬
‫طاهرابن عاشور‪ -‬رحمه الّله ‪ -‬إل ّ بتدقيق‬ ‫مد ال ّ‬
‫شيخ مح ّ‬‫على حد ّ قول ال ّ‬
‫شريعة من‬ ‫ذهنّية وبضبط المدلولت الفكرّية وبتخليص معاني ال ّ‬ ‫أوضاعنا ال ّ‬
‫الشتباه واللتباس ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ن حركة الّنهضة الّتونسّية ‪ ،‬لم ترتق بعد إلى مستوى المحنة اّلتي يعانيها‬ ‫وإ ّ‬
‫ّ‬
‫ولت الخطيرة التي شهدها مجتمعنا بعدما‬ ‫شعبنا العزل وإلى مستوى الّتح ّ‬
‫خل الجوّ لمشروع الّتضليل ‪.‬ول يزال القوم يصّرون على عدم الّتعاطي مع‬
‫القضايا بإبعاد العقيدة والّتخّلي عن مطالبها ‪..‬‬
‫صحوة الجديدة في تونس تقاوم ‪ ،‬ونهضة‬ ‫ل مكان بمن فيهم ال ّ‬ ‫مة في ك ّ‬‫وال ّ‬
‫شريعة بل مازالت تراهن‬ ‫المهجر لم تستطع أن تقاوم كمشة من أعداء ال ّ‬
‫على تلك الّنخبة العلمانّية الفاسدة في إصلح المور وكأّنها يئست من‬
‫صحوة الجديدة وآّتهامها بالنغلق مّرة وبالتطّرف‬ ‫شعبها ‪ ،‬وما معاداتها لل ّ‬
‫أخرى وبالمشرقّية وبالّتكفير أطوارا ‪ ،‬جريا على ركوب موجة محاربة‬
‫ل مشاكل البلد ‪.‬‬ ‫خل في ح ّ‬ ‫الّتطّرف والرهاب وآستقواء بالجنبي للّتد ّ‬
‫مى‬ ‫ل شيء ‪ ،‬ومنه الغلوّ في مس ّ‬ ‫ن الغلوّ في شريعتنا الغّراء مذموم في ك ّ‬ ‫إ ّ‬
‫شيطان‬ ‫ن ال ّ‬
‫المصالح الذي يعتمد عليه المراهنون على الصلح المريكي ‪ .‬إ ّ‬
‫مة من باب الّتحسين‬ ‫سياسّيون يدخل الفساد على الّناس عا ّ‬ ‫اّلذي يتناساه ال ّ‬
‫صالحين‪ ،‬وما دخلت البدع‬ ‫شرك إل ّ من باب الغلوّ في ال ّ‬ ‫للشياء ‪ ،‬وما دخل ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إل ّ في قالب الحرص على الطاعة ‪،‬وغير ذلك‪ ..‬فالعصرانّيون الذين يحلو لهم‬
‫موا أنفسهم وسطّيين أدمنوا في الّرضا عن أنفسهم وتزكيتهم لمنهجهم‬ ‫أن يس ّ‬
‫المتحّلل ‪ .‬فهم وحدهم المعتدلون وغيرهم يصكونهم بأحكام سياسّية إقصائّية‬
‫ّ‬
‫وإستئصالّية ‪ .‬وهذا ما يكشف عن عصبّية حزبّية منغلقة مغرورة بوهم أّنهم‬
‫طائفة المنصورة وأن من شذ ّ عنهم‬ ‫دائما على الحقّ وأّنهم الفرقة الّناجية وال ّ‬
‫م أن‬ ‫شذ ّ إلى الّنار ‪ .‬قال الستاذ الغّنوشي وهو يخاطب من بقي معه‪ :‬والمه ّ‬
‫متنا وديننا ‪ .‬رسالة عيد‬ ‫نستيقن أّننا على الحقّ على طريق خدمة وطننا وا ّ‬
‫الفطر تونس نيوز ‪ 2005 / 11 / 13‬وهذا من قبيل زعيمه القائل ‪":‬‬
‫ل خير وغيرها‬ ‫فدعوتكم أحقّ أن يأتيها الّناس ول تأتي أحدا ‪ ...‬إذ هي جماع ك ّ‬
‫شيخ حسن البّنا‬ ‫داعية لل ّ‬‫دعوة وال ّ‬ ‫كرات ال ّ‬ ‫ل يسلم من الّنقص !!" ص ‪ 232‬مذ ّ‬
‫ي ـ زعم ـ على أّنه هو السلم‬ ‫كي منهجه الوسط ّ‬ ‫‪ .‬و قال القرضاوي وهو يز ّ‬
‫دين‬ ‫ددون الصلء جمال ال ّ‬ ‫صحيح كما دعا إلى ذلك المج ّ‬ ‫صحيح ‪ ":‬السلم ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫مد عبده ورشيد رضا وإقبال وحسن البّنا " ‪ ..‬من أجل صحوة‬ ‫والكواكبي ومح ّ‬
‫راشدة للقرضاوي ص ‪101‬‬
‫________________________________________‬
‫ن نهضة المهجر الّتونسّية تريد أن تجعل لها شرعّية أمريكّية‬ ‫ن الغريب ‪ ،‬أ ّ‬ ‫إ ّ‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ددة ومتطّرفة مشارقّية‬ ‫عبر صناعة وتضخيم عدوّ الجميع"‪ ،‬سلفّية متش ّ‬
‫ن الخلق العظيم‬ ‫منغلقة ‪ .‬وهذا لعمري مسلك إنتهازيّ ممقوت ومرفوض‪ .‬ل ّ‬
‫صحوة الجديدة في تونس ‪،‬‬ ‫ل مسلم أن يفرح بهذه العودة المحمودة لل ّ‬ ‫يلزم ك ّ‬
‫وأن ينتصر لها ‪ ،‬وأن يأخذ بيدها‬
‫________________________________________‬
‫ن نهضة المهجر الّتونسّية تريد أن تجعل لها شرعّية أمريكّية‬ ‫ن الغريب ‪ ،‬أ ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ددة ومتطّرفة مشارقّية‬ ‫عبر صناعة وتضخيم عدوّ الجميع"‪ ،‬سلفّية متش ّ‬
‫ن الخلق العظيم‬ ‫منغلقة ‪ .‬وهذا لعمري مسلك إنتهازيّ ممقوت ومرفوض‪ .‬ل ّ‬
‫صحوة الجديدة في تونس ‪،‬‬ ‫ل مسلم أن يفرح بهذه العودة المحمودة لل ّ‬ ‫يلزم ك ّ‬
‫وأن ينتصر لها ‪ ،‬وأن يأخذ بيدها ‪ ،‬وأن يعينها عمل بقواعد السلم المقّررة‬
‫صة ‪ ،‬والوقوف مع المظلوم ‪،‬‬ ‫مة والمستضعف خا ّ‬ ‫بوجوب نصرة المسلم عا ّ‬
‫ل الحوال وفي الّتعاون على البّر والّتقوى‬ ‫وعدم الّتخّلي عن الخ في ك ّ‬
‫دين وان ل نتفّرق فيه وأن ل نتحّزب‬ ‫والعتصام بحبل الله والجتماع على ال ّ‬
‫ن الخلق العظيم يفرض على نهضة‬ ‫أحزابا ول نتفّرق جماعات وشيعا ‪...‬بل إ ّ‬
‫مل الذى عنهم ـ إن‬ ‫شباب وتح ّ‬ ‫مل أخطاء هؤلء ال ّ‬ ‫المهجر أن ترتقي إلى تح ّ‬
‫ن ذلك قد حصل ـ ‪ .‬كان بين إبراهيم بن يزيد‬ ‫حصل منهم ذلك ول نعلم أ ّ‬
‫جاج رئيس شرطته بالقبض على إبراهيم‬ ‫ّ‬ ‫الح‬ ‫فأمر‬ ‫جاج عداء ‪،‬‬‫الّنخعي والح ّ‬
‫شرطة إلى منزل إبراهيم بن يزيد الّتيمي ل‬ ‫سجن فأنطلق رئيس ال ّ‬ ‫وإيداعه ال ّ‬
‫سجن ألوان‬ ‫سجن‪ ،‬وأذيق في ال ّ‬ ‫الّنخعي خطأ ‪ .‬فقبض عليه وأودعه ال ّ‬
‫ما قيل له ‪ :‬لماذا ل تخبرهم بأّنك إبراهيم بن يزيد الّتيمي ولست‬ ‫العذاب ‪ .‬ول ّ‬
‫بالّنخعي؟ قال ‪ :‬ما كنت لرمي به في العذاب وهو بريء لنقذ نفسي !!!‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ن المسلك الّنهضوي مسلك مناقض لما يرفعونه من شعارات ومخالف‬ ‫إ ّ‬


‫لشرعنا العزيز‪ .‬فهم يواّدون اليسار الذي حاّدنا زمنا طويل‪ ،‬وحاربنا ‪ ،‬وتحالف‬
‫طة الّتجفيف ‪ ،‬وذبحونا ذبحا بليغا ‪ ،‬ونال من السلم‬ ‫سلطة ‪ ،‬ووضع خ ّ‬ ‫مع ال ّ‬
‫نيل عظيما‪ ،‬وأثخن في شعبنا إلى العظام ‪ ،‬والّنهضة ل تريد أن تزعجهم أبدا‬
‫دون أن ينقلبوا في أّية‬ ‫ن العلمانّيين مستع ّ‬ ‫مإ ّ‬
‫وهم يعلمون إّنهم يتمالقون ‪ ،‬ث ّ‬
‫لحظة‪ ،‬بمناسبة أو غيرها ‪ .‬لقد والت الّنهضة قوما ظلمونا ‪ ،‬ومن أعان ظالما‬
‫ذئب فل عجب إن افترسه‬ ‫سّلطه الله عليه‪ ،‬ومن رضي البيات في عرين ال ّ‬
‫مة‬ ‫سكم الّنار وهل ث ّ‬ ‫يوما‪.‬والله تعالى يقول ‪:‬ول تركنوا إلى اّلذين ظلموا فتم ّ‬
‫ي‬
‫ل وجوهه ؟؟؟ وطبيع ّ‬ ‫ظلم أعظم من أّنهم يعادون شرع الله تعالى من وك ّ‬
‫صحوة الجديدة‬ ‫من قوم تخّلوا عن العقيدة أن يواّدوا العلمانّيين و يعادوا ال ّ‬
‫المؤمنة اّلتي تريد حمل المانة ‪ ،‬بل تقاضيهم بمفردات الحرب على‬
‫سياسي قوله صّلى الله عليه وآله‬ ‫م العفس ال ّ‬ ‫سوا في خض ّ‬ ‫الرهاب ‪ .‬وقد ن ّ‬
‫وسّلم ‪ ":‬القضاة ثلثة ‪ :‬إثنان في الّنار وواحد في الجّنة " ! وقد يقضي‬
‫القاضي في ربع دينار فيدخل بذلك إلى الّنار‪ .‬فكيف في عقائد الّناس‬
‫وأسمائهم ! فهل يمكن أن نقول يتركون أهل الوثان ويقتلون أهل اليمان‬
‫لتهمة أّنهم ليسوا نهضوّيين !!!‬
‫ن الّنهضة تخّلت عن صحوة بريئة ولم تنتصر لها كما انتصروا للعلمانّيين‬ ‫إ ّ‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫دموا إخوانهم قربانا من أجل قبولهم الطرف السلم ّ‬ ‫شيوعّيين بل ق ّ‬‫وال ّ‬
‫ّ‬
‫دين كله ‪،‬‬ ‫صامدة على ال ّ‬ ‫شرعّية ال ّ‬ ‫ل هؤلء الوسطّية ال ّ‬ ‫ي" ‪ .‬لقد أذ ّ‬
‫"الوسط ّ‬
‫شهادة على العالم بالحقّ ‪ ،‬العادلة‬ ‫ّ‬
‫والمقاومة لكل انحراف عنه ‪ ،‬المتمّيزة بال ّ‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شريعة الكاملة والمهيمنة ‪ ،‬وبذلك تشهد‬ ‫سكة بال ّ‬ ‫في أحكامها بالقسط ‪ ،‬المتم ّ‬
‫ونها‪ } .‬وكذلك‬ ‫ل المم لمقاومتها ل لتمّيعها ‪ ،‬ولثباتها ل لتل ّ‬ ‫مة على ك ّ‬ ‫هذه ال ّ‬
‫مة وسطا لتكونوا شهداء على الّناس ويكون الّرسول عليكم‬ ‫جعلناكم أ ّ‬
‫م‬
‫ّ‬ ‫ث‬ ‫ول‬‫ّ‬ ‫أ‬ ‫نيها‬
‫ّ‬ ‫تب‬ ‫بمنهج‬ ‫الجديدة‬ ‫صحوة‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫مع‬ ‫نوشي‬ ‫ّ‬ ‫الغ‬ ‫الستاذ‬ ‫تعامل‬ ‫لقد‬ ‫شهيدا {‬
‫محاولة اللتفاف عليها عبر دعوتها إلى تبّني فكرها في نصح مغشوش ‪ ،‬حيث‬
‫ددي" حركته في مقاله منذ البدء كان الدين‬ ‫دعاها أن تقرأ إلى " مشائخ و مج ّ‬
‫مل مسؤولّيتها في رعاية هذه‬ ‫حركة شباب ‪ .‬بل دعا حركته إلى أن تتح ّ‬
‫دعوة حيث‬ ‫ن الستاذ ـ مع السف ـ كان أّول من خرق تلك ال ّ‬ ‫اّلصحوة ‪ ،‬ولك ّ‬
‫ظهر حيث لم يثبت ـ كعادته ـ على تلك‬ ‫عمد ـ غفر الله له ـ إلى طعنها في ال ّ‬
‫المواقف‪ ،‬بل سرعان ما آنقلب عليها فهاجمهم ‪ ،‬وفجأة خاصمهم و" صنع‬
‫ددة فجعلهم غول مرعبا مخيفا فهم‬ ‫منهم عدّوا للجميع " في مقالت له متع ّ‬
‫ددون ‪ ،‬متطّرفون ‪،‬‬ ‫بتعبيراته ‪ :‬أصولّيون ‪،‬إستئصالّيون ‪،‬غلة ‪ ،‬خوارج ‪ ،‬متش ّ‬
‫ّ‬
‫ل تلك المصطلحات التي‬ ‫م جّرا وبدأ يدخل ك ّ‬ ‫مشارقّيون ‪ ،‬غير عقلنّيين ‪ ...‬وهل ّ‬
‫سياسي ‪،‬‬ ‫سياسّية ‪ ،‬ويقحمها قسرا للبتزاز ال ّ‬ ‫ترضي العداء في تحليلته ال ّ‬
‫ّ‬
‫ما نحن " الوسطّيون " وإل الخرون "‬ ‫سياسي ـ فإ ّ‬ ‫فكأّنه يقول ـ مع مكتبه ال ّ‬
‫أعداء الجميع " ‪.‬‬
‫مسا لترشيح المشارقة إلى قيادة‬ ‫ّ‬ ‫تح‬ ‫ناس‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫أكثر‬ ‫من‬ ‫ثمانينات‬ ‫لقد كان في ال ّ‬
‫مة‬ ‫العالم فقد جعل ـ ول يزال ـ من الخميني والبّنا والمودودي قيادات لل ّ‬
‫وزعماء الصلح في القرن الماضي ‪ ،‬ولم يجعل من بينهم مغربّيا واحدا !!!‬
‫كما ل يخفى عليك حضرة القارئ الكريم تماهي الغّنوشي في الّترابي وما‬
‫أبعد الخير عن المغرب الكبير ‪...‬‬
‫صليبّية على السلم العقائدي يركب‬ ‫م الحرب ال ّ‬ ‫ما اليوم وفي خض ّ‬ ‫أ ّ‬
‫الّنهضوّيون هذه الموجة لرضاء الغازي المريكي فآستجابوا لطبيعة المرحلة‬
‫سلفّية ‪ ،‬فسقطت نهضة المهجر في تداول‬ ‫الجديدة المعركة الكونّية ضد ّ ال ّ‬
‫دد والّتطّرف والّتكفير‬ ‫وق لها قوى الحتلل ‪ :‬الّتش ّ‬ ‫العملة أكثر رواجا اّلتي يس ّ‬
‫ل الحّرمات تحت عنوان الحرب على الرهاب ‪ ،‬فآنطلقوا ينالون‬ ‫لستباحة ك ّ‬
‫سياسي ‪.‬‬ ‫صحوة الجديدة طمعا في فتات من مائدة الّرأسمال ال ّ‬ ‫من ال ّ‬
‫إذا أرادت نهضة المهجر أن تكون ‪ ،‬وأن تستعيد ثقة شعبها‪ ،‬وان تسترجع‬
‫سلف الكلم‬ ‫مصداقّيتها ‪ ،‬فلبد ّ أن تتخّلص من هذا الخطاب فلقد عد ّ ال ّ‬
‫المذموم أعظم من شهادة الّزور ‪ .‬درء تعارض العقل والّنقل ‪.384 / 3‬‬
‫سلطة في مقاومتهما للفكر‬ ‫ن المرء ليعجب من ألتقاء مصالح الّنهضة مع ال ّ‬ ‫إ ّ‬
‫شرق ‪ ،‬والّتونسّيون من أربعة‬ ‫والّتدّين المشرقّيين وقد جاء ديننا كّله من ال ّ‬
‫شامي ‪،‬‬ ‫ي ‪ :‬عقيدة قديمة للشعريّ ال ّ‬ ‫عشر قرنا يدينون بإسلم مشرق ّ‬
‫ن المرء ليستغرب من‬ ‫مإ ّ‬
‫ي ‪..‬ث ّ‬‫ومذهب مالك المدني ‪ ،‬وقراءة قالون المدن ّ‬
‫مون أنفسهم الوسطّيين وفقهاء الواقع ‪ ،‬إذ كيف يريدون أن‬ ‫تصريحات من يس ّ‬
‫دا منيعا أمام عالمّية السلم ‪.‬‬ ‫يقفوا س ّ‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ون و مشحون بعداوة‬ ‫سياسي لنهضة المهجر‪ ،‬متمّيز بخطاب متل ّ‬ ‫ن العمل ال ّ‬ ‫إ ّ‬
‫حدين‪ ،‬ولّين مع العلمانّيين‪ ،‬وناعم مع‬
‫شباب المكابد وجريء على المو ّ‬ ‫ال ّ‬
‫صحابة ومن الجيال‬ ‫صحوة الولى ينال من ال ّ‬ ‫ّ‬
‫الطغاة ‪ .‬فلقد رأيت منظر ال ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قص والطعن ‪ .‬حيث أشار كم مّرة باللمز والهمز‬ ‫سّنة بالّتن ّ‬
‫ضلة من أهل ال ّ‬‫المف ّ‬
‫إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه ‪ ،‬وإلى أبي بكرة رضي الله عنه لروايته‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حديث لن يفلح قوم وّلوا أمرهم إمرأة ‪ ،‬والى خاله الملك المجاهد صهر الّنب ّ‬
‫ي‬
‫صّلى الله عليه وآله وسّلم وكاتب وحيه – رضي الّله عنه‪ .-‬فآنظر – يا رعاك‬
‫ي الجليل ‪ ":‬الوالي المنشقّ معاوية بن أبي‬ ‫صحاب ّ‬ ‫الّله – ماذا يقول في خاله ال ّ‬
‫سفيان‪ ،‬وقد غلبت عليه ‪ -‬غفر الله له ‪ -‬شهوة الملك وعصبّية القبيلة‪ ،‬فلم‬
‫ي ل يلوي على شيٍء حّتى‬ ‫يكتف بأن انتزع المر من أهله بل ومضى في الغ ّ‬
‫صته‬ ‫ورث المتاع لبنه وعشيرته‪ ،‬فجمع في ق ّ‬ ‫مم على توريثه كما ي ّ‬ ‫ص ّ‬
‫صحابة‪ ،‬وأمام‬ ‫شحين للخلفة من الجيل الّثاني من ال ّ‬ ‫المشهورة ثلة من المر ّ‬‫ّ‬
‫شر‬ ‫مل من الّناس قام أحد أعوانه يخطب بصفاقة‪ ...‬وحينئذ بدأ مسلسل ال ّ‬
‫قها‪،‬‬ ‫مة عن ح ّ‬ ‫والفساد‪ ،‬مكّرسا ً الدكتاتورّية والوصاية والعصمة‪ ،‬مقصيا ً ال ّ‬
‫ل عقيم حول الخلفة والستخلف ‪ . ".....‬هكذا يعامل‬ ‫ددا ً طاقتها في جد ٍ‬ ‫مب ّ‬
‫ّ‬
‫ي‪ -‬صلى الله عليه وآله وسلم‪ ، -‬فيسيء بهم‬ ‫ّ‬ ‫الغّنوشي بعض أصحاب الن ّب ِ ّ‬
‫طعن العنيف دون إعتماد على دليل قويّ ‪ ،‬بل يحاكمهم‬ ‫ن ويطعن فيهم ال ّ‬ ‫الظ ّ ّ‬
‫ن‬
‫بمناهج الغرب ‪ .‬هذا قول الستاذ في خاله معاوية وذّريته ‪ .‬في حين أ ّ‬
‫اّلرسول صّلى الله صّلى الله عليه وآله وسّلم ذكر بني أمية بخير ‪ ،‬فهم‬
‫دين‬ ‫الفاتحون ‪ ،‬والمحطمون لعروش الكافرين ودولهم فقال ‪ ":‬ل يزال هذا ال ّ‬
‫عزيزا منيعا إلى اثني‪ :‬عشر خليفة كّلهم من قريش "‪ .‬أخرجه مسلم في‬
‫المارة حديث )‪ (1821‬وأخرجه البخاري نحوه في الحكام حديث )‪(7222‬‬
‫ن عهد الموّيين‬ ‫ي صّلى الله عليه وآله وسّلم أ ّ‬ ‫وأحمد نحوه )‪.(5/87‬وذكر الّنب ّ‬
‫م ملك ورحمة‬ ‫وة ورحمة ‪ ،‬ث ّ‬ ‫ي ولكّنه رحمة فقال ‪ " :‬أّول دينكم نب ّ‬ ‫رغم اّنه ملك ّ‬
‫دارمي ‪. 114 / 2‬‬ ‫م ملك عضوض " رواه ال ّ‬ ‫م ملك وجبرّية ‪ ،‬ث ّ‬ ‫‪،‬ث ّ‬
‫من قال بمسألة الستخلف في‬ ‫قص م ّ‬ ‫ّ‬
‫كما جّرح الستاذ – هداه الله – وتن ّ‬
‫صحابة فقط ‪ ،‬الذين أجمعوا على ذلك ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫قص من ال ّ‬ ‫الحكم ‪ ،‬وهو بذلك ل يتن ّ‬
‫ّ‬
‫كما فعل أبو بكر مع عمر ورضي بذلك الصحاب الكرام ‪ ،‬بل برسول الله ‪-‬‬
‫صّلى الله عليه وآله وسّلم ‪ -‬وهو على رأي كثير من أهل العلم أّنه ‪ -‬صّلى‬
‫الله عليه وآله وسّلم – أشار في كم من مناسبة وكم من حديث أن يخلفه‬
‫قص من فطاحل‬ ‫أعظم أصحابه وأحّبهم من الّرجال إليه ‪..‬ويطعن الستاذ ويتن ّ‬
‫مة مثل ابن حزم الّثائر والغزالي وابن تيمّية وابن رشد وابن خلدون‬ ‫علماء ال ّ‬
‫مة ص ‪ . 163‬قال‬ ‫مة على الستخلف ‪ .‬انظر الحّريات العا ّ‬ ‫لّنهم أجمعوا مع ال ّ‬
‫الستاذ – هداه الّله ‪ " : -‬ويشعر المرء بالقرف من استمرار هذا العفن قائما ً‬
‫سياسي‪ ،‬ويضع يده مباشرة على هذه اللغام التي‬ ‫ديني وفكرنا ال ّ‬ ‫في تراثنا ال ّ‬
‫وضت حضارة السلم وأسلمتنا إلى النحطاط ‪ ،‬إّنه من غير ثورة شاملة‬ ‫ق ّ‬
‫ل طاقتها وتجهض‬ ‫مة وتش ّ‬ ‫سموم التي ل تزال تجري في دماء ال ّ‬ ‫تطيح بهذه ال ّ‬
‫انتفاضتها‪ ،‬وتحبط أحلم نهضتها‪ ،‬فل أمل في انطلقة متينة قوّية قاصدة‬
‫متنا‪ ...‬فويل لتاريخ الزدهار من ليالي‬ ‫منتجة الحضارة من جديد في أ ّ‬
‫النحطاط‪ ،‬هل نحن أهل لوراثة الخلفة الّراشدة ونحن نلقي عليها بمزابل‬
‫مة" ص ‪ . 162‬وقال ‪ " :‬فقد غدا الستبداد طابعا‬ ‫انحطاطنا؟ "الحرّيات العا ّ‬
‫سسة تعيد إنتاجه في مستويات مختلفة ‪ ...‬من‬ ‫ممّيزا لها جميعا بل غدا مؤ ّ‬
‫دث عن أخيار الّناس من القرون‬ ‫تجربةالحركة ص ‪ . 218‬وقال ـ وهو يتح ّ‬
‫ي صّلى الله عليه وآله وسلم ـ ‪ " :‬فتنكب عنها الحفاد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ص الّنب ّ‬‫ضلة بن ّ‬ ‫المف ّ‬
‫لّنهم لم يكونوا في مستواها وقد أشربوا رحيق الكاسرة والباطرة وبقايا‬
‫مة ص‬ ‫العصبّية القبلّية الّنتنة ‪ ،‬فأغشى أبصارهم ظلم القرون ‪ ...‬الحّرّيات العا ّ‬
‫‪. 163‬‬
‫صحوة الجديدة ‪ ،‬وقد ذكرت لك ـ‬ ‫قلت ‪ :‬ليس غريبا أن يقذف الستاذ ال ّ‬
‫مة ‪ ،‬بل‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ثوابت‬ ‫على‬ ‫رجل‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫رد‬ ‫ّ‬ ‫تم‬ ‫حضرة القارئ الكريم ـ بعض نصوص‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طعن في أفضل ناسها بشهادة الّرسول صّلى الله عليه وآله وسّلم ‪ " :‬خير‬
‫م اّلذين يلونهم‪"...‬‬
‫م اّلذين يلونهم ث ّ‬
‫م اّلذين يلونهم ث ّ‬
‫الّناس قرني ث ّ‬

‫)‪(6 /‬‬

‫مة اّلتي‬ ‫طب الستاذ بجّرة قلم واحدة مجد ال ّ‬ ‫وقلت ‪ :‬سبحان الله ‪ ،‬كيف يش ّ‬
‫صليبين وعاداها كّلها من أجل مسألة ل وجود‬ ‫دحرت الفرس والّروم والّتتار وال ّ‬
‫دين وعقيدة للولء‬ ‫لها في شرعنا المطّهر ‪ ،‬وقد جعلها أصل من أصول ال ّ‬
‫دله وضبطه بميزان قيم‬ ‫والبراء ‪ ،‬خالف فيها المسلمين بميزان الهوى اّلذي ع ّ‬
‫مة الوسط العظيمة بالنحطاط‬ ‫ديمقراطّية ‪ .‬فبها حكم على أ ّ‬ ‫الغرب ال ّ‬
‫ّ‬
‫كام المزّورون ‪ ،‬والملوك الحياء الذين‬ ‫ما الح ّ‬ ‫ّ‬
‫والمزابل ‪ ..‬فالله المستعان !!! أ ّ‬
‫آستخلفوا وورثوا الحكم ولدا عن والد أو عن الستعمار ‪ ،‬ولم يرفعوا للسلم‬
‫راية ‪ ،‬بل كانوا حربا عليه ‪ ،‬فكم من مناسبة يخاطبهم بصفة الملوكّية والمدح‬
‫سادس دون أن أعّلق ‪ ...:‬وهو‬ ‫مد ال ّ‬ ‫والّتعظيم والجلل ‪ ،‬فها هو يقول في مح ّ‬
‫ما فصيل الّتوحيد والصلح فقد قاد عملّية نوعّية‬ ‫ب ‪ ..‬أ ّ‬‫شا ّ‬ ‫ما تنّبه إليه الملك ال ّ‬
‫ّ‬
‫واسعة لتطبيع علقة الحركة السلمّية في المغرب مع العرش العلويّ الذي‬
‫ل أنظمة المنطقة المغاربّية بحرصه على آستمداد شرعّيته من‬ ‫يتمّيز عن ك ّ‬
‫شريفة ‪ .‬من مقال له ‪ :‬الخطاب‬ ‫السلم والنتساب إلى العائلة الّنبوّية ال ّ‬
‫ي‪ .‬وقال ‪ " :‬ـ في ملك الردن ـ ‪ :‬جللة الملك‬ ‫ديني في المغرب العرب ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سط س ‪ 1‬ع ‪ 12‬ص ‪3‬‬ ‫الحسين ‪ ...‬وحّتى جللة الملك الحسن الّثاني ‪ ...‬المتو ّ‬
‫بتاريخ ‪ .1993 /08/ 17‬و يمدحهم كم مّرة أمام العالم على القنوات‬
‫ما يشربون ‪ ،‬بل قد‬ ‫ما يأكلون ويشرب م ّ‬ ‫ل ضيفا عليهم يأكل م ّ‬ ‫الفضائّية‪ ،‬و يح ّ‬
‫ج من طرفهم فل آغبّرت له ساق ول شعثت له رأس ‪.‬‬ ‫يدعى لداء مناسك الح ّ‬
‫ّ‬
‫ديمقراطّية التي‬ ‫سلطة بالنتخابات ال ّ‬ ‫وهل هؤلء اّلذين يمتدحهم وصلوا إلى ال ّ‬
‫يموت عليها ومن أجلها ‪ :‬لقد دافع بآستماتة يائسة و بائسة على مجلس‬
‫صليبي !‬ ‫صب من طرف الغازي ال ّ‬ ‫الحكم في العراق وهو المن ّ‬
‫ّ‬
‫وقال في طاغية اليمن وحليفه المهزوم ‪ ":‬فنحن نشهد لعلي عبد الله صالح‬
‫سط س ‪ 1‬ع ‪ 12‬ص ‪ 3‬بتاريخ‬ ‫سبق و الّريادة‪ ...‬المتو ّ‬ ‫وحليفه الشتراكي بال ّ‬
‫‪ .1993 /08/ 17‬وقال لطاغية الجزائر زروال ‪ :‬إلى الخ المين زروال رئيس‬
‫دولة الجزائرّية ‪ ..‬لقد أغراني بالكتابة إليك نزاهتك ونظافة يدك وعمق‬ ‫ال ّ‬
‫وطنّيتك ‪ ،‬وهي عملة نادرة في مستوى الّنخبة ‪ ...‬أّيها الخ الّرئيس ‪ ...‬من‬
‫ما ليبيا فالحالة الّثقافّية فيها هنا‬ ‫رسالة له بتاريخ ‪ . 1994 /08/02‬وقال ‪ ":‬أ ّ‬
‫ن البلدين لم يشهدا قطيعة بين‬ ‫تشبه على نحو ما الحالة الموريطانّية في أ ّ‬
‫ل فيها‬ ‫دولة الكتاب الخضر يحت ّ‬ ‫الّتراث والحداثة فحّتى الوثيقة المرجعّية لل ّ‬
‫ن القرآن هو شريعة‬ ‫ل مكان تعلن أ ّ‬ ‫لفتات في ك ّ‬ ‫ما ‪ ،‬وال ّ‬ ‫السلم موقعا مه ّ‬
‫ديني في المغرب العربي‪.‬‬ ‫المجتمع ‪ ..‬الخطاب ال ّ‬
‫شيخ حسن الّترابي ‪ ،‬وإلى قائد‬ ‫لمة المجاهد ال ّ‬ ‫دد القائد الع ّ‬ ‫وقال ‪ ":‬المج ّ‬
‫الثورة السلمّية المعاصرة المام الخميني ‪،‬و‪ ...‬يتمّتع بتأثير معنويّ هائل‬
‫مة ويتصّرف في خمس المال – مجّلة المعرفة س ‪ 5‬ع ‪2‬‬ ‫فيطاع طاعة تا ّ‬
‫ّ‬
‫بتاريخ ‪ ،1979 / 02/ 12‬وهكذا يمدح لصوصّية الخمس وصوفّية الطاعة‬
‫ي‬
‫دين ّ‬‫ن هذه لصوصّية الحتراف ال ّ‬ ‫ويجعلها شرعة ومنهاجا وقد غاب عنه أ ّ‬
‫ل في قوله‬ ‫ّ‬
‫ي بّينها الله عّز وج ّ‬ ‫ص شرع ّ‬ ‫سليم وليس فيها ن ّ‬ ‫يرفضها العقل ال ّ‬
‫ن كثيرا من الحبار والّرهبان ليأكلون أموال الّناس‬ ‫} يا أّيها اّلذين أمنوا إ ّ‬
‫دون عن سبيل الّله {‪ .‬الّتوبة ‪.34‬‬ ‫بالباطل ويص ّ‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولو رأيت الستاذ كيف يحترم ماركس ولينين وكاسترو رؤوس الكفر‬
‫العالمي ‪ ،‬فيقول‪ " :‬وليس ماركس ول لينين وكاسترو – مع الحترام لهم ‪-‬‬
‫طاغوت بوتن ‪ ":‬ألم يصنع الّرئيس‬ ‫نحن مع العمل المشترك ‪ .‬وقال في ال ّ‬
‫مة المؤتمر‬ ‫الّروسي بوتن سابقة إذ طلب العضوّية ال ّ‬
‫شرفّية في منظ ّ‬
‫السلمي ‪ .‬وذلك ضمن قراءة نافذة للمستقبل ‪ ،‬وفي تواضع بعيدا عن‬
‫ديمقراطّية والسلم ‪ .....‬وكيف يبكي‬ ‫طموح مغرور " ‪ ..‬من مقال الغرب وال ّ‬
‫صحابة –‬ ‫ده في ال ّ‬ ‫مل المستشرقة اللمانّية ‪ ،‬وقال فيها ما قال ض ّ‬ ‫آن ماري ش ّ‬
‫لمة السلمّيات‬ ‫وهو ل يعلم هل ماتت على الكفر أم على السلم ؟ ‪ ":‬ع ّ‬
‫سّيدة‬
‫الكبيرة الفقيدة‪...‬ولم تكن تعوزها روحّية وفدائّية العلماء المجاهدين ‪..‬ال ّ‬
‫م‪...‬الّراحلة الّناسكة المتبّتلة‪ ...‬فحقيق على‬
‫طود الش ّ‬ ‫العظيمة كال ّ‬
‫جدوا ذكراها وأن ينشروا آثارها ومآثرها في العالمين‪...‬‬ ‫المسلمين‪ ...‬أن يم ّ‬
‫ّ‬
‫حركة الّنهضة‪ ...‬ترفع تعازيها إلى أسرتها وزملئها و‪ ...‬ووالله ل أذكر اّنه‬
‫ضى عن معاوية مّرة واحدة – وقد عشت معه ردحا من الّزمن – في حين‬ ‫تر ّ‬
‫حم عليه‬ ‫ضال الخميني ويعّزي اليرانيين في آبنه أحمد ويتر ّ‬ ‫ضى عن ال ّ‬ ‫أّنه يتر ّ‬
‫شهيدة س ‪ 1‬ع ‪ 22‬ص ‪ 8‬بتاريخ ‪/3 / 17‬‬ ‫ّ‬
‫ويتضّرع إلى الله ‪ ....‬تونس ال ّ‬
‫‪.1995‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ي جار الّله العمر ‪..‬وكيف يبكي على من جاء‬ ‫ي اليمن ّ‬ ‫وكيف يبكي صديقه القوم ّ‬
‫بالمريكان إلى العراق ‪ .....‬وابن علي رئيس دولتنا ‪...‬وأمريكا لها شرف ‪...‬‬
‫شرق الوسط تهدي‬ ‫ططت لجعل العراق منارة ال ّ‬ ‫وأمريكا صاحبة إصلح وخ ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫شرف المريك ّ‬ ‫ديمقراطّية المريكّية ‪ ...‬وال ّ‬ ‫الحائرين إلى أنوار وبركات ال ّ‬
‫من مقال له بعنوان من دللت الحدث الّتونسي موقع تونس نيوز رقم ‪1507‬‬
‫صحابة جميعا بمجّرد طعنه في أحدهم ‪ .‬ومعاوية‬ ‫ن الّرجل فاته الدب مع ال ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ن الّرجل سبق وأن خانه‬ ‫صحابة جميعهم ‪ ..‬ولك ّ‬ ‫ستر من هتكه فقد هتك بيت ال ّ‬
‫الدب مع النبياء كذلك في طعنه في بعضهم ‪ .‬واليك الدلةّ‬
‫فقد إّتهمهم بالفشل في أمر لم يكّلفهم به الّله تعالى في الجمع بين الصلح‬
‫مة الجمع بين‬ ‫سياسي فقال " وهو تعبير صارخ عن فشل مه ّ‬ ‫العقائدي و ال ّ‬
‫سياسي معا‪ ".‬الحركة السلمّية ومسألة الّتغيير ص‬ ‫الصلح العقائدي و ال ّ‬
‫ل هذه الّتقليعة أثر من غرس الخميني القائل ‪ " :‬لقد جاء‬ ‫‪.. 25‬قلت ولع ّ‬
‫ي‬‫النبياء جميعا من أجل إرساء قواعد العدالة ‪ ،‬لكّنهم لم ينجحوا ‪ .‬حّتى الّنب ّ‬
‫مد خاتم النبياء اّلذي جاء لصلح البشرّية لم ينجح في ذلك "‪.‬من خطاب‬ ‫مح ّ‬
‫ألقاه في ذكرى مولد المهدي في ‪ 15‬شعبان ‪ 1400‬هجري ‪.‬‬
‫وقال الغّنوشي ‪ " :‬وموسى أجاب قومه بغضب ‪...‬ومات حسيرا ‪ "..‬وقال في‬
‫سليمان قول لم أجده حّتى في كتب السرائيلّيات " وسليمان قتل خيله‬
‫وجيشه ‪ ".‬نفس المرجع‪.‬‬
‫سلم بنيله من سليمان و موسى ‪،‬‬ ‫وهكذا ينال الستاذ من النبياء عليهم ال ّ‬
‫مهم فيجعلها‬ ‫ضال الخميني ‪ ،‬ويحّرف مها ّ‬ ‫دد ال ّ‬
‫أسوة بشيخه الّروحي المج ّ‬
‫مة يعد ّ الهدف‬ ‫ن تحقيق وحفظ الحّرّيات العا ّ‬ ‫تحقيق الحّرّيات قال ‪ ":‬إ ّ‬
‫الساسي من بعثة الّرسل " مقاربات في العلمانّية والمجتمع المدني ص‬
‫دخن فتقول‬ ‫شعوب المسلمة البسيطة اّلتي لم تصب بال ّ‬ ‫مة وال ّ‬
‫ما ال ّ‬
‫‪ . 21‬أ ّ‬
‫ن الهدف الساسي من بعثة الّرسل وخلق آدم وإنزال‬ ‫بقول القرآن المبين ‪ ،‬أ ّ‬
‫الكتب هو توحيد الّله تعالى وأن ل يشرك به شيئا قال تعالى }ولقد بعثنا في‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طاغوت{ ‪ .‬الّنحل ‪36‬‬ ‫مة رسول أن آعبدوا الّله وآجتنبوا ال ّ‬ ‫لأ ّ‬ ‫ك ّ‬


‫مة في إشارات‬ ‫سكين بقول جمهور ال ّ‬ ‫وآنظر كيف ينال من مخالفيه المتم ّ‬
‫ول أدعياء الّتسّنن‬ ‫ي صّلى الله عليه وآله وسّلم لستخلف أبي بكر ‪ ":‬ق ّ‬ ‫الّنب ّ‬
‫صلة على أّنه آستخلف ‪ ...‬الحّريات‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫بكر‬ ‫لبي‬ ‫إنابته‬ ‫ولوا‬‫ّ‬ ‫فأ‬ ‫‪،‬‬ ‫يهم‬‫على ّ‬
‫نب‬
‫مة ص ‪162‬‬ ‫العا ّ‬
‫ن المرأة خلقت‬ ‫ولو رأيته كيف يقسو ـ في حماس طائش ـ على من قال" إ ّ‬
‫ي المعصوم صّلى الله عليه وآله‬ ‫من ضلع أعوج " تسليما لما ثبت عن الّنب ّ‬
‫صعيد الجتماعي‬ ‫وسّلم ‪ ،‬وجعله تأويل " يكّرس تبعّية المرأة للّرجل على ال ّ‬
‫وانمحاء شخصّيتها وذوبانها في شخصّيته وتكريس الّتمّيز والفضلّية على‬
‫أساس الجنس "‪ .‬المرأة بين القرآن وواقع المسلمين ص ‪. 15‬ويذهب إلى‬
‫تأويل الّنصوص الحديثّية الّنبوّية حّتى تتلءم مع نضال الحركة الّنسائّية‬
‫قد ‪ .‬آنظر إلى نفس المرجع ‪.‬‬ ‫المعاصرة ‪،‬بل حّتى يزايد بها على بورقيبة المع ّ‬
‫صغيرة أن‬ ‫مة كيف كان يحّرض البنت ال ّ‬ ‫ولو سمعته في دروسه المسجدّية العا ّ‬
‫تضرب أخاها دفاعا عن نفسها متى ضربها ! فما رأيك لو تنشأ البنت الّتونسّية‬
‫ل نظام‬ ‫ور حجم الكوارث اّلتي ستحصل في ظ ّ‬ ‫على ضرب الّرجال ! فتص ّ‬
‫حررها من‬ ‫جحه أّنه ساوى بين الجنسين ‪ ،‬بل و ّ‬ ‫إضطهد فيه الّرجال أمام تب ّ‬
‫إستبداد الّرجل ‪.‬‬
‫دللة ويلوي‬ ‫ولست أدري مااّلذي جّر الستاذ إلى إنكار نصوص واضحة ال ّ‬
‫دعي كذبا‬ ‫أعناقها إل ّ للمزايدة على بورقيبة اّلذي آجتمعت عليه عقد عظيمة لي ّ‬
‫سّنة وينال منهم‬ ‫مة ال ّ‬ ‫قص من علماء ال ّ‬ ‫اّنه حّرر المرأة ‪ .‬كما كان ول يزال يتن ّ‬
‫شريعة والح ّ‬
‫كام‬ ‫شيعة فقال ‪ " :‬قاموا بصفقة تاريخّية لهم ال ّ‬ ‫تماما كما يفعل ال ّ‬
‫سلطة ‪ .‬الحركة السلمّية والّتغيير ص ‪ . 30‬والوفاق الّتاريخي بين‬ ‫لهم ال ّ‬
‫العلماء والحكام ‪ .‬نفس المرجع ص ‪... 31‬‬ ‫ّ‬
‫كام وجعلوهم أدوات للستبداد ‪ .‬قال هداه‬ ‫ظفوا من طرف الح ّ‬ ‫كما ذكر أّنهم و ّ‬
‫سساته وعلمائه مجّرد أدوات تستخدم عند‬ ‫دين ومؤ ّ‬ ‫الله ‪ ..." :‬مّتخذة من ال ّ‬
‫دولة فآختار بعضهم‬ ‫الحاجة ‪...‬وكانت محنة السلم وعلمائه عظيمة مع هذه ال ّ‬
‫ن سادة العلماء‬ ‫كام جريا على عادة علماء السلم‪ "...‬ونسي أ ّ‬ ‫المعاضدة للح ّ‬
‫إمتحنوا من طرف من يشبهه في فهم السلم كالمعتزلة وغيرهم !!!‬

‫)‪(8 /‬‬

‫و‬
‫شريعة ‪ ،‬المزه ّ‬ ‫سياسي المتفّلت من ال ّ‬‫وقد ذهب كذلك بعيدا في منهجه ال ّ‬
‫بالكلم ‪ ،‬حين شّبه الله تعالى بالمخلوق وهو يرمي باللفاظ العظيمة دون‬
‫نظر في مدلولتها أتصيب أم تخطئ ! فقال ‪ " :‬نظام الحكم في تونس ينتمي‬
‫دكتاتورّيات ذات العلمة الممّيزة من مثل تنظيمه انتخابات يضمن‬ ‫إلى أعتى ال ّ‬
‫ّ‬
‫فيها نجاحه المتكّرر بالّنسب الخيالّية ‪ 99،99‬في المائة التي ل يمكن أن‬
‫ط هذه‬ ‫ب العّزة ذاته لم يبلغ المؤمنون به ق ّ‬ ‫يحصل عليها حّتى النبياء ‪ .‬بل ر ّ‬
‫الّنسبة ‪ .‬أقلم أون لين س ‪1‬ع ‪ 2‬أكتوبر ‪. 2001‬وقد كان بالمس يقول ‪:‬‬
‫ي !! قارن أخي القارئ بين هذه القوال وبين ما قاله‬ ‫ثقتي في الله وبن عل ّ‬
‫ّ‬
‫صحابة وفي فشل النبياء وفي العلماء الطراطير‬ ‫سلف وفي بعض ال ّ‬ ‫في ال ّ‬
‫المتواطئين وفي تشبيه رّبه بخلقه وغير ذلك كثير والله تعالى هو الهادي إلى‬
‫سبيل‬ ‫سواء ال ّ‬
‫ّ‬
‫أعذرني قارئي الكريم عن هذه الّنقول القليلة فما أردت إل أن أشير إلى‬
‫ونه‬‫قلته وتل ّ‬
‫قصه من الخرين ‪ ،‬وكثرة تن ّ‬ ‫منهج الّرجل في تطييش الكلم وتن ّ‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شريعة ‪ ،‬ومن نيله من‬ ‫في دينه ‪ ،‬وعظم تناقضاته ‪ ،‬وفي تحريفه في فهم ال ّ‬
‫الخيار ‪ ،‬ومن تعظيمه للشرار ‪ ،‬ومن فعل ذلك فقد جعل نفسه عرضة‬
‫سلف الفاضل من هذه الفتنة ‪ .‬فقد جاء عن عمر‬ ‫ذر ال ّ‬‫للخصومات ‪ .‬ولقد ح ّ‬
‫بن عبد العزيز رحمه الله تعالى ‪ ":‬من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر‬
‫شريعة ص ‪ 56‬والبغوي في‬ ‫دارمي رقم ‪ 310‬والجري في ال ّ‬ ‫قل ‪ ".‬رواه ال ّ‬ ‫الّتن ّ‬
‫سّنة ‪. 1/217‬‬ ‫شرح ال ّ‬
‫ّ‬
‫قا تفلتا‬ ‫صحوة الجديدة ليعد ّ ح ّ‬ ‫ذي صدر عن نهضة المهجر في حقّ ال ّ‬ ‫ن ال ّ ّ‬ ‫إ ّ‬
‫أخلقّيا ‪ ،‬حيث حكمت على صحوة جديدة بالّتطّرف والنغلق والمشرقّية‬
‫ما يشينها بما صدر من مظهرهم أو بما جاءهم من بعض‬ ‫وغير ذلك م ّ‬
‫ّ‬
‫المسجونين عنهم في قبور الطغيان ‪ ،‬فكيف يحاكم عاقل صحوة إعتمادا على‬
‫أقوال بعض المساجين اّلذين قد نجد لهم أعذارا وقد وجد رسول الله صّلى‬
‫الله عليه وآله وسّلم لمن عاداه فقال إّنهم ل يعلمون !!!‬
‫صة عن هذا الخطاب القائم على الكبر‬ ‫ظرها خا ّ‬ ‫لتنته نهضة المهجر ومن ّ‬
‫قص المخالف وتشويهه فضل عن خطاب الستقواء باليسار أو مد ّ‬ ‫والغرور وتن ّ‬
‫صحوة الجديدة ‪...‬‬ ‫سلطة كي تذبح ال ّ‬ ‫طوق نجاة لل ّ‬
‫صحوة‬ ‫ن لسان حال نهضة المهجر بمسلكها " البتزازي " الخاطئ مع ال ّ‬ ‫إ ّ‬
‫الجديدة في تونس باّتهامها بالنغلق والّتطّرف والمشرقّية كأّنه يقول‪ :‬إقبلونا‬
‫وعنا السلم لمحاور العصر و الحداثة ‪ ،‬وإل ّ فإ ّ‬
‫ن‬ ‫نحن الوسطّيين الذين ط ّ‬
‫كرون للمكاسب‬ ‫المتطّرفين الحرفّيين المشارقة البدو قادمون وإّنهم سيتن ّ‬
‫سلم الجتماعي اّلذي حافظنا عليه مع‬ ‫ددون ال ّ‬ ‫الحداثّية لحركة الّنهضة وسيه ّ‬
‫جميع المتعايشين ‪.‬‬
‫صحوة الجديدة في حين أّننا لم‬ ‫ن العاقل ليستغرب من إدانة نهضة المهجر لل ّ‬ ‫إ ّ‬
‫صة وهي تعاني‬ ‫نر منها بعد إنتاجا فكرّيا أو زعيما أو برنامجا أو منافسة ‪ ،‬خا ّ‬
‫وتكابد من أجل اللتزام بالحد ّ الدنى من الّتدّين ‪ ،‬إل ّ إذا رضيت نهضة المهجر‬
‫أن تحاكمها على ذلك ‪.‬‬
‫ن حركة النهضة وهي ضحّية الستئصال‬ ‫ّ‬ ‫ن الذي يلفت النتباه حقيقة أ ّ‬ ‫وإ ّ‬
‫والقمع تذهب في إستئصال إخوانها المخالفين من أجل القبول بها وحدها ‪،‬‬
‫ومن سعى بالمنع كمن دعا إلى القمع‪.‬‬
‫شيوعّيين إذا آختارتهم "‬ ‫ن المرء المّتزن ليعجب من قوم يقبلون بشرعّية ال ّ‬ ‫وإ ّ‬
‫ديمقراطّية" في حين أّنهم يرفضون إخوانهم دون جرم إقترفوه و لم‬ ‫ال ّ‬
‫يطرحوا أنفسهم بعد بديل أو منافسا لهم !!! فهل يليق أن ل تجد نهضة‬
‫ي لها إل ّ بالّتضحية‬ ‫المهجر ملجأ لحماية نفسها أو طريقة لجلب مكسب حزب ّ‬
‫ضرر لشباب طريّ ورفع راية أّنهم الخطر على‬ ‫شرعّية وجلب ال ّ‬ ‫وة ال ّ‬‫بالخ ّ‬
‫ن الجحيم آت !!!‬ ‫البلد وأ ّ‬
‫صحوة الجديدة ليعد ّ من قبيل‬ ‫ن ما صدر من قيادة نهضة المهجر على ال ّ‬ ‫إ ّ‬
‫سياسي‬ ‫سياسّية المتسّرعة والغير المبّررة المخالفة لمنهج العمل ال ّ‬ ‫الحكام ال ّ‬
‫شارع العزيز على تغليظ‬ ‫دد ال ّ‬‫شرعي المصطبغ بالورع والعدل ‪ .‬ولقد ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫الّتحريم في باب الحكام على السماء والديان ‪ ،‬فمن رضي أن يكون قاضيا‬
‫صحيح ‪ ":‬من ولي القضاء أو جعل قاضيا بين‬ ‫كين ‪ ،‬وفي ال ّ‬ ‫س ّ‬‫فقد ذبح بغير ال ّ‬
‫الناس فقد ذبح بغير سكين "اللباني ‪ /‬صحيح الترغيب ‪ /‬رقم ‪. 2171‬‬
‫سلفّية والّتطّرف ‪:‬‬ ‫الخلط بين ال ّ‬

‫)‪(9 /‬‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل صوره‬ ‫ن السلم يعادي الّتطّرف في ك ّ‬ ‫كد على أ ّ‬ ‫ن من نافلة القول أن نؤ ّ‬ ‫إ ّ‬


‫وأشكاله ‪ ،‬بل قامت شريعتنا الحنفّية المهيمنة على ‪ :‬العتدال والقصد‬
‫ضرر ومنع الغرر‬ ‫سماحة والبساطة واليسر ورفع الحرج ودفع ال ّ‬ ‫والوسط وال ّ‬
‫مة في كتب الصول ‪ ..‬وعليه فإذا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫بإجماع‬ ‫ررة‬ ‫ّ‬ ‫المق‬ ‫المور‬ ‫وغير ذلك من‬
‫دد‬
‫شريعة كالجنوح إلى الّتش ّ‬ ‫ن لل ّ‬ ‫قصد بالّتطّرف الفهم والّتمّثل المختّلي ّ‬
‫سمح ‪ ،‬وإذا جنح كذلك إلى‬ ‫والغلوّ ‪ ،‬فهذا ننكره لّنه يخالف طبيعة ديننا ال ّ‬
‫ذوبان فهذا إنحراف آخر يفضي إلى الرجاء الجبري يجب‬ ‫الّتساهل والتمّيع وال ّ‬
‫ن كل ّ منهما يعد ّ تبديل لدين اللهّ‬ ‫أن ينكر عليه شديد النكار ‪ .‬وإذا تقّرر ذلك فإ ّ‬
‫تعالى و تحريفا له‪ .‬والسلم الذي ندين به رّبنا نهانا عن ذلك أشد ّ الّنهي ‪} :‬ل‬
‫دل القول لديّ ‪ 2 .‬ق ‪.‬‬ ‫تبديل لكلمات الله{ ‪ . 64 .‬يونس ما يب ّ‬
‫ل بد ّ من تحديد مفهوم الّتطّرف ؟ كيف نحكم على المخالف بالّتطّرف ؟ ومن‬
‫ي ؟ وهل اّلذي ل‬ ‫شرع ّ‬ ‫سياسّية ؟ أم العلم ال ّ‬ ‫يحكم بذلك ؟ هل هي الحزبّية ال ّ‬
‫ّ‬
‫يلتزم بمنهجي ل بد ّ ـ لمر يراد ـ أن أرجمه كرها بالّتطّرف وأصكه قسرا‬
‫ي في تونس ؟ وما هو حجمه ـ إن‬ ‫مة حقيقة تطّرف إسلم ّ‬ ‫بالنغلق ؟ و هل ث ّ‬
‫سائد ؟‬ ‫ي ال ّ‬ ‫وجد ـ في مقابل الّتطّرف العلمان ّ‬
‫ّ‬
‫سلفّية والّتطّرف ما هو في الحقيقة إل مكر وضعه‬ ‫ن الخلط المقصود بين ال ّ‬ ‫إ ّ‬
‫مد لتحقيق مآربهم وأطماعهم وإشباع‬ ‫ّ‬ ‫المتع‬ ‫تضليل‬ ‫ّ‬ ‫لل‬ ‫لون‬ ‫ّ‬ ‫المحت‬ ‫الغزاة‬
‫أحقادهم بل حدود تحت لفتة محاربة الرهاب ‪ ،‬ول يتبعهم في ذلك المسلك‬
‫صحوة‬ ‫ن اقتناص الفرص والّتهويل على ال ّ‬ ‫إل ّ " متواطئ " درى أم لم يدر‪ .‬وإ ّ‬
‫الجديدة والّتشويش عليها والّتنفير منها أو الّتحريض والثارة من أجل‬
‫ققت ‪ ،‬فهي لم تركب سبيل الستقامة‬ ‫إختطاف بعض المكاسب ولو تح ّ‬
‫ن ما‬‫قق خيرا ول بركة ول تزكية ‪ ،‬ول يجنى ثمرا ل ّ‬ ‫والعدل‪ ،‬وهي بذلك ل تح ّ‬
‫قام على باطل فهو باطل ‪.‬‬
‫م‬
‫من صدرت وفي حقّ من قيلت‪ ،‬ث ّ‬ ‫كما أّنه ل ينظر إلى الحكام حّتى يعرف م ّ‬
‫م ل بد ّ من شهادة ورع عدل‬ ‫ل بد ّ من دليل قويّ يستند عليه في الحكام ‪ ،‬ث ّ‬
‫ح لفضل قائله‬ ‫وأ بالحكم على الّناس ‪.‬إذ " القول ل يص ّ‬ ‫مة لمن يتب ّ‬ ‫وإستقللّية تا ّ‬
‫دليل عليه "إبن عبد البّر في جامع بيان العلم ‪118 / 2‬‬ ‫ح بدللة ال ّ‬ ‫وإّنما يص ّ‬
‫إّننا في سنوات الخداع ‪ ،‬وعليه فينبغي أن ل يعطى أيّ آعتبار في مثل هذا‬
‫الّزمن إلى الّرويبضة ‪ .‬وبالّتالي ل شرعّية لمن يحكم على المخالف بالّتطّرف‬
‫دي ‪ ،‬فمن يحاكم‬ ‫ل من خالفني فهو ض ّ‬ ‫جة إل ّ متطّرف مغال قاعدته ك ّ‬ ‫دون ح ّ‬
‫ي على سّني ‪ ،‬ول جاهل على‬ ‫من ؟ فل يحكم مبتدع على مّتبع ‪ ،‬ول حزب ّ‬
‫متعّلم ‪ ،‬ول لحق على سابق ‪ ،‬ول عفيف على متمّلق ‪ ،‬ول متعالم على‬
‫ن من‬ ‫عالم ‪ ،‬ول متشّبع بما لم يعط على من شهد له أهل العلم والفضل ‪ ،‬ل ّ‬
‫جة على من لم يعلم ‪.‬‬ ‫علم ح ّ‬
‫شريعة في تونس‬ ‫ّ‬
‫ن الصل في الشياء أن يقابل عظم الّتحلل من ال ّ‬ ‫إ ّ‬
‫دفاع عن‬ ‫سك بال ّ‬ ‫سساتها ورجالها بمثله من الجد ّ في الّتم ّ‬ ‫دي لها ومؤ ّ‬ ‫والّتح ّ‬
‫ن المتابع لنهضة المهجر‬ ‫شجاعة ‪ .‬وإ ّ‬ ‫دين كله دون ترّدد وبكامل الوضوح وال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال ّ‬
‫شديد على منهج الّرخاوة‬ ‫في خطابها وأدائها يلحظ ـ مع السف ـ حرصها ال ّ‬
‫في عدم كسر علقاتها الواهنة مع العلمانّيين والملحدين ‪ ،‬و تكتم الحقّ بل‬
‫ن زعيمها ل يدعو المسلمين في‬ ‫شريعة بعضها ببعض ‪ ،‬حّتى أ ّ‬ ‫تلويه وتضرب ال ّ‬
‫صلة بل يدعو إلى حقّ الّرّدة وعدم تطبيق الحد ّ على‬ ‫دولته القادمة إلى ال ّ‬
‫المرتد ّ ‪،‬وعلى توّلي المرأة المامة العظمى ‪ ،‬وتولي غير المسلمين المهام‬
‫ّ‬
‫شورى ‪ ،‬و يستعين بوسائل الملحدين دون حرج‬ ‫العظمى كالقضاء ورئاسة ال ّ‬
‫أو وخز ضمير في ذلك ‪ ..‬فإذا كان هذا حالهم ‪ ،‬فليس لهم من حقّ أن يّتهموا‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دد أو النغلق أو غير ذلك من الحكام الخالية من الورع واّلتي‬ ‫غيرهم بالّتش ّ‬
‫سياسي ‪.‬‬ ‫م منها المكر ال ّ‬ ‫يش ّ‬
‫ّ‬
‫لقد درج المتحّررون منذ ظهورهم في بداية القرون الولى بالطعن في‬
‫سلفي المقاصدي المام‬ ‫سلف الفاضل‪ .‬ولقد ذكر ال ّ‬ ‫سكين بما عليه ال ّ‬ ‫المتم ّ‬
‫ن متحّرري زمانه اّلذين ركبوا موجة المقاصد دون ضوابط ‪ ،‬كانوا‬ ‫شاطبي أ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سّنة ل‬
‫شرعّية لل ّ‬ ‫سراويل لّنه دمغهم بضبط المقاصد ال ّ‬ ‫مونه بفقيه ال ّ‬ ‫يس ّ‬
‫مى الّزنادقة أهل الثر‬ ‫سن ّّيين باللقاب الّنابية فس ّ‬‫للهواء ‪ ،‬وما فتئوا ينبزون ال ّ‬
‫سّنة مجبرة ‪،‬‬ ‫مى القدرّيون أه َ‬
‫ل ال ّ‬ ‫بالحشوّية ـ أي بقّلة الفقه والفهم ـ ‪ ،‬وس ّ‬
‫ل الثر نابتة ـ أي‬‫شيعة أه َ‬ ‫مى ال ّ‬ ‫سّنة مشّبهة ‪ ،‬وس ّ‬ ‫ل ال ّ‬‫مى الجهمّية أه َ‬ ‫وس ّ‬
‫صابوني )ت ‪ 449‬هـ(‪ ،‬ص‬ ‫سلف‪ ،‬لل ّ‬ ‫صغار‪...‬آنظر كتاب ‪ :‬عقيدة ال ّ‬ ‫الحداث ال ّ‬
‫شنيعة لبي إسحاق‬ ‫شريعة عن اللقاب ال ّ‬ ‫مة ال ّ‬‫‪ .304‬وآنظر إلى تنزيه أئ ّ‬
‫إبراهيم بن عثمان بن درباس ال ّ‬
‫شافعي ‪.‬‬
‫لتغّير نهضة المهجر خطابها ‪:‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ن الحداثّيين اّلذين يرجمون من خالفهم بالّتطّرف وبالبداوة والنغلق وغير‬ ‫إ ّ‬


‫ن بهم ول يثقون في من خالفهم من‬ ‫ّ‬
‫قصة ويسيؤون الظ ّ‬ ‫ذلك من الّنعوت المتن ّ‬
‫ك في مصداقّيتهم ‪ ،‬حيث أّنهم يعطون الحقّ لقوى الهيمنة‬ ‫إخوانهم يقدح ل ش ّ‬
‫طخ الحداثّيون أمام‬ ‫قق أهدافها في ضرب العقائدّيين ‪ ،‬وبذلك يتل ّ‬ ‫أن تح ّ‬
‫ي الوافد المخيف ‪،‬‬ ‫صراع لتصفية المشرق ّ‬ ‫شعوبهم سواء بقبولهم طرفا في ال ّ‬
‫دعم من قوى الهيمنة ‪ ،‬أو بتنازلتهم‬ ‫أو عندما يقبلون أيّ شكل من أشكال ال ّ‬
‫المذّلة و بانقلباتهم على مبادئهم ‪ ،‬ليرضوا بالّتدجين والمحاصرة في سقف‬
‫الخصوم ومرّبعهم ‪ ،‬وسيؤكلون كما أكل أشباههم من قبل وستكون دائرة‬
‫ن هذا الّنوع من الخطاب الستعدائي‬ ‫سوء عليهم بعد أن خذلوا إخوانهم ‪ .‬إ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫قص من مخالفيهم ويزدريهم‬ ‫ّ‬
‫المخيف الذي أدمن عليه نهضة المهجر والذي يتن ّ‬ ‫ّ‬
‫ي‬
‫ديمقراط ّ‬ ‫ل أعراضهم بالحكام الباطلة ‪ ،‬للقيام بالواجب ال ّ‬ ‫‪ ،‬بل ويستح ّ‬
‫ي على‬ ‫ي وتماهي حزب ّ‬ ‫وسط غابة وحوش العلمانّيين ‪ ،‬لينبئ عن غلوّ سياس ّ‬
‫ما ألحق بهم خسائر كبيرة نالت من مصداقّيتهم‬ ‫حساب ثوابت القيم م ّ‬
‫وشرعّيتهم ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ن الخطاب الذي تمارسه نهضة المهجر القائم على الزدواجّية الذي وّرطها‬ ‫ّ‬ ‫وإ ّ‬
‫في تناقضات عديدة ‪ ،‬والقائم على وهم المقاصد ‪ ،‬دون ضوابط على حساب‬
‫ل العائلت‬‫ص والّتسليم له هو نفس الخطاب اّلذي تمارسه ك ّ‬ ‫قدسّية الن ّ ّ‬
‫سياسّية بمن فيهم الحزب الحاكم واليسار المتطّرف بأقدار ‪ ،‬حيث أّنهم‬ ‫ال ّ‬
‫شريعة المرنة المفتوحة‬ ‫دعون دون آستثناء أّنهم مسلمون مجتهدون في ال ّ‬ ‫ي ّ‬
‫والعقلنّية‪ ،‬وبذلك يكون منهج الّنهضة اليوم ل يختلف عنهم تماما في الجرأة‬
‫شريعة تحت العناوين المخادعة المتتّرسة بالّتيسير تارة‬ ‫على إنتهاك أحكام ال ّ‬
‫دين تارة أخرى ‪ ،‬وباعتدالها ووسطّيتها أحيانا أو بالجتهاد‬ ‫وبسماحة ال ّ‬
‫شعارات التي يقصد بها تهميش‬‫ّ‬ ‫وآختطاف منهج المآلت وغير ذلك من ال ّ‬
‫شريعة و ضرب بعضها ببعض ‪..‬‬ ‫ال ّ‬
‫سلطة والّنهضة ‪2 / 2‬‬ ‫سلفّية في تونس بين رحيي ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫‪ ...‬بقلم‪ :‬خميس بن علي الماجري)‪(1‬‬
‫ن الحركة السلمّية حركة إصلح أو ل تكون‪ ،‬وإذا تقّرر ذلك فعليها أن تعمل‬ ‫إ ّ‬
‫مق الخلف بين المسلمين‪،‬‬ ‫على وحدة المسلمين ول تأتي بما من شأنه أن يع ّ‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فلقد قال إبن مسعود رضي الله عنه ‪ " :‬الخلف شّر "‪.‬‬
‫ن هذا ما يريده لها خصومها‪.‬‬ ‫ن تونس ليراد لها أن تتمّزق بين السلمّيين ل ّ‬ ‫وإ ّ‬
‫مة ما هو مصنوع من طرفها‪ ،‬ومنها‬ ‫سلطة الّتونسّية لتلك المه ّ‬ ‫فلقد جّهزت ال ّ‬
‫ما هو مخترق فكرّيا وتنظيمّيا‪ ،‬ومنها من هو موال إلى بدعة الرجاء اّلذين‬
‫دمون دينا يوافق أهواء الملوك‪ ،‬ومنهم من هو بريء يحتاج إلى أخذ اليد‬ ‫يق ّ‬
‫دهم لّنهم نشأوا بعد حرب الستئصال اّلتي‬ ‫ما يحاك ض ّ‬ ‫والمساعدة وإنقاذهم م ّ‬
‫آنطلقت بعد انقلب الجنرال إبن علي على سّيده بورقيبة‪.‬‬
‫شباب حقّ الّتعبير عن‬ ‫وعليه‪ ،‬فل بد ّ أن نعمل جميعا على إعطاء هؤلء ال ّ‬
‫أنفسهم ونأخذ بأيديهم ونتعاون على البّر والّتقوى وعلى الجتماع والئتلف‪،‬‬
‫ولنقلع مع خطاب الوصاية عليهم وإقصاءهم ولنقطع مع أساليب الفرقة‬
‫والختلف والّنزاع والشتباك‪.‬‬
‫ن أعظم ظلم‬ ‫م وأعظم من معالجة آثاره‪ ،‬ذلك أ ّ‬ ‫ن معالجة أسباب العدوان أه ّ‬ ‫إ ّ‬
‫سلطة وحمته ورعته هو عدوانها على السلم‪ ،‬دين شعبنا وعقيدته‬ ‫سسته ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ف من‬ ‫ويته وحصنه الحصين وملذه المين‪ .‬وعليه فل يمكن أن يعالج أيّ مل ّ‬ ‫وه ّ‬
‫ّ‬
‫ضخمة في بلدنا دون رفع هذا الظلم العظم وهو سبب العدوان‬ ‫فات ال ّ‬ ‫المل ّ‬
‫ي لهذا العدوان‬ ‫ّ‬
‫سلطة‪ .‬وإّنه بدون حل حقيق ّ‬ ‫ي بين المجتمع وبين ال ّ‬ ‫الصل ّ‬
‫سساته ورجاله‬ ‫ّ‬ ‫ومؤ‬ ‫للسلم‬ ‫ظلمها‬ ‫عن‬ ‫تقلع‬ ‫بأن‬ ‫سلطة‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫من‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫المستم‬
‫ل الشتباكات القائمة أبدا‪ .‬ومع السف فقد إعتنى‬ ‫والملتزمين به‪ ،‬فلن تح ّ‬
‫سطحّية للعدوان ولم يعتنوا بأسبابه‬ ‫الّناس في البلد بمعالجة الثار ال ّ‬
‫م عينيه‬ ‫ل متدّين رأى بأ ّ‬ ‫الحقيقّية !!! ولقد جمعت حركة الّنهضة قديما ك ّ‬
‫دراتهم وآفتكاكا لرزاقهم ورأوا فيها‬ ‫سلطة لعقيدتهم وآعتداء على مق ّ‬ ‫إنتهاك ال ّ‬
‫سلطة الّناس‬ ‫ل لما كانت ترفعه من شعارات شرعّية‪ .‬ولو تركت ال ّ‬ ‫المل للح ّ‬
‫ل أجزاء‬ ‫أحرارا في تدّينهم فهما وعمل ونشاطا علمّيا ودعوّيا وثقافّيا فستح ّ‬
‫ن دائرة الغضب اليوم إّتسعت‬ ‫كثيرة وكبيرة من الشتباك‪ .‬وإن لم تفعل فإ ّ‬
‫شباب‬ ‫وتجاوزت الّنهضة التي قبلت بالحتواء و الّتدجين إلى غيرها من ال ّ‬
‫سكين بالحقوق اللهّية البدّية الّثابتة أن ل‬ ‫سياسي والمتم ّ‬ ‫ظم ال ّ‬ ‫الّرافضين للّتن ّ‬
‫يعبد إل ّ إّياه ول يشرك به شيئا‪ ،‬ول يّتخذ الّناس بعضهم بعضا أربابا من دون‬
‫الله‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫سلفّية إلى حملت تشويهّية شعواء وشرسة‬ ‫في الوقت الذي تتعّرض فيه ال ّ‬
‫غربّية‪ ،‬يفاجئنا خطاب الّنهضة الّتونسّية بركوب تلك الموجة لينقل شرور‬
‫نيران تلك "الحرب" فوق أرض الخضراء متساوقا مع منهجه الخاضع لغتنام‬
‫م عن تحّلل القوم‬ ‫الفرص ولو كانت تحت مظّلة مؤامرة أمريكّية‪ ،‬وهو ما ين ّ‬
‫دين العظيم‪ ،‬وهو ما يبّين كذلك إصرارهم على‬ ‫من ثوابت قيم طبيعة هذا ال ّ‬
‫هم لهم من مصالح‪.‬‬ ‫التشّبث بمسلكهم المغالي في نفخ ما يتو ّ‬
‫ّ‬
‫ن محاولة نهضة المهجر لنقل تلك الحملة فوق أرضنا المباركة التي سلمت‬ ‫وإ ّ‬
‫مى‬
‫ي لما يس ّ‬ ‫ي‪ ،‬وقبولها بالّتوظيف المريك ّ‬ ‫ي السلم ّ‬ ‫من فتن الّتحارب السلم ّ‬
‫شريعة بجميع أطيافهم والذين قد‬ ‫ّ‬
‫بالمعتدلين ل يستفيد منها إل خصوم ال ّ‬
‫صحوة الجديدة‬ ‫يتعّلقون بمثل هذا الحبل المددي الّنهضويّ فيعدمون به هذه ال ّ‬
‫شرعّية في‬ ‫وة ال ّ‬
‫در الله‪ .‬وتكون الّنهضة بذلك قد طعنت الخ ّ‬ ‫في مهدها ل ق ّ‬
‫ل أراد من خلله أن يظهر دينه من‬ ‫ن الله عّز وج ّ‬ ‫ي أحسب أ ّ‬‫عظام قدر كون ّ‬
‫جديد ويبطل به مكر الّتجفيف‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قق لحركة الّنهضة أوهامها لّنها‬ ‫صحوة الجديدة في تونس ل يح ّ‬ ‫ن معاداة ال ّ‬ ‫إ ّ‬


‫آختارت ومنذ زمن بعيد أن تستسلم لشروط من آفتتنت بهم فتراهم أقوياء‬
‫سياسّية في أيّ مكان في العالم‪.‬‬ ‫ل خيوط الّلعبة ال ّ‬ ‫يملكون ك ّ‬
‫شبهة‪،‬‬ ‫كما أّنه من الخطإ الفادح أن تضع نهضة المهجر نفسها في موقع ال ّ‬
‫سلفّية الّتونسّية " وأن تلعب في ساحة‬ ‫وأن تنوب عن غيرها في حرابة " ال ّ‬
‫ن‬
‫م على أ ّ‬ ‫ص والعا ّ‬ ‫رسمت لها من طرف غزاة في ظرف دولي أجمع فيه الخا ّ‬
‫قوى الستكبار والحتلل إّتفقت على محاربة فكر الحركة السلمّية‬
‫ن‬‫صحوة الجديدة وآّتهامها ل أظ ّ‬ ‫ن منهج الّتخويف المفتعل من ال ّ‬ ‫المقاومة‪ .‬وإ ّ‬
‫أّنه يجلب الحترام لحركة الّنهضة الّتونسّية فضل عن قدرتها على إختطاف‬
‫مكاسب عجزت عنها منذ ‪ 26‬سنة‪.‬‬
‫ّ‬
‫قا أن نر هذه الحركة تنخرط في هذه الحملة الظالمة‬ ‫ن من المؤسف ح ّ‬ ‫إ ّ‬
‫سلفّية في تونس ووصمها بالطلقات العالمّية المنبوذة‬ ‫والمشبوهة على ال ّ‬
‫شرعي والوحيد للسلم‬ ‫لليقاع بها وإقصائها‪ ،‬حّتى يخلو للّنهضة الّتمثيل ال ّ‬
‫دفاع عنه‪ ،‬في حين أّننا لم نرها منذ أكثر من ربع قرن‪ ،‬تجرؤ على انتقاد‬ ‫وال ّ‬
‫شخصّية التي يفتخرون‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العلمانّيين أو تنال من بند من بنود مجلة الحوال ال ّ‬
‫شريعة‪ .‬ولقد أتيحت الفرصة هذه الّيام‬ ‫بها‪ ،‬فضل عن رفع شعار تطبيق ال ّ‬
‫شخصّية الّتونسّية اّلتي ترّوج لها‬ ‫لحركة الّنهضة أن تنتقد مجّلة الحوال ال ّ‬
‫دم‬ ‫ي للّتق ّ‬ ‫ي على أّنها نموذج تونس ّ‬ ‫سلطة في العالمين العربي والسلم ّ‬ ‫ال ّ‬
‫شريعة الغّراء‪ ،‬ولكن مع السف جارت تلك الحركة‬ ‫والحداثة عبر آنتهاك ال ّ‬
‫سلفّية اّلتي يحاربها‬ ‫جرة فتلحق بال ّ‬ ‫الحداثّيين جميعا حّتى ل تبدو متخّلفة ومتح ّ‬
‫صارخة لهذه المجلةّ‬ ‫ل أعداء السلم‪ .‬وإليك أخي القارئ النتهاكات ال ّ‬ ‫ك ّ‬
‫لشريعتنا الكاملة‪ ،‬حّتى يظهر لك مدى آنحراف حركة الّنهضة في منهجها‬
‫دفاع بالكلمة الط ّّيبة‪.‬‬ ‫ده الدنى ‪ :‬ال ّ‬ ‫دفاع عن السلم في ح ّ‬ ‫المتخاذل في ال ّ‬
‫سياسي لنهضة المهجر في‬ ‫دمة بين يدي مناقشة أعضاء المكتب ال ّ‬ ‫مق ّ‬
‫شخصّية الّتونسّية ‪:‬‬ ‫خصوص مجلة الحوال ال ّ‬‫ّ‬
‫شخصّية الّتونسّية هي لوائح قانونّية وضعها الحبيب بورقيبة‬ ‫مجّلة الحوال ال ّ‬
‫قد ليفرض ثقافة جديدة‪ ،‬ونمط علقات إجتماعّية غربّية غريبة عن تونس‬ ‫المع ّ‬
‫المسلمة‪ ،‬ولقد ضبط في هذه المجلة الحقوق والواجبات بين الّرجل والمرأة‬ ‫ّ‬
‫مستنسخا القوانين الغربّية ليفرضها على شعبنا المحافظ لتمزيق الوثاق‬
‫ن تماسك المجتمع وآستقرار‬ ‫ي‪ .‬ول يخفى أ ّ‬ ‫ي والخلقي والقيم ّ‬ ‫الجتماع ّ‬
‫ققان إل ّ بقواعد عادلة وسليمة وشاملة‪.‬‬ ‫السرة ل يتح ّ‬
‫ونحن المسلمين نعتقد أن ل أعدل ول أسلم ول أحكم ول أجمع من مرجعّية‬
‫مت‬ ‫شرعة الله تعالى ‪ } :‬أل يعلم من خلق وهو الّلطيف الخبير{ ؟‪ } ...‬وت ّ‬
‫كلمة رّبك صدقا وعدل {‪ } ...‬وإن تطيعوه تهتدوا {‪ } ...‬اليوم أكملت لكم‬
‫دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم دينا {‪ } ...‬ومن أصدق من‬
‫دين عند الله السلم {‪ } ...‬ومن يبتغ غير السلم دينا ً‬ ‫ن ال ّ‬ ‫الله قيل {‪ } !...‬إ ّ‬
‫م جعلناك على شريعة من المر فاّتبعها‪ ،‬ول تّتبع أهواء‬ ‫فلن يقبل منه {‪} ...‬ث ّ‬
‫سبل‬ ‫ً‬
‫ن هذا صراطي مستقيما فاّتبعوه‪ ،‬ول تّتبعوا ال ّ‬ ‫الذين ل يعلمون {‪ }...‬وأ ّ‬
‫فتفّرق بكم عن سبيله {‪ } ...‬أفحكم الجاهلّية يبغون ؟ ومن أحسن من الله‬
‫حكما ً لقوم يوقنون ؟ {‪ } ...‬فإن تنازعتم في شيء فرّدوه إلى الله والّرسول‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ك َفل ت َ ُ‬
‫كون َ ّ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬‫إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر {‪ } ...‬ال ْ َ‬
‫ضلل { ؟ ‪...‬‬ ‫ن‪ } ...{.‬فماذا بعد الحقّ إل ال ّ‬ ‫ري َ‬
‫مت َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬

‫)‪(12 /‬‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دولية والحكام العولمّية ينكرون علينا‬ ‫دسين للمواثيق ال ّ‬ ‫ن العلمانّيين المق ّ‬ ‫إ ّ‬


‫سّنة كمصدرين وحيدين تشريعيين لحياتنا في بلدنا‬ ‫سكنا بالقرآن وال ّ‬ ‫حقّ تم ّ‬
‫السلمّية‪ .‬وما زالوا يصّرون على اعتماد توصيات المؤتمرات والّتفاقيات‬
‫شريعة السلمّية ؟ وإّننا نحن المسلمين‬ ‫دولّية مرجعّية لحقوق المرأة بدل ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن مشاكلنا جاءت وكثرت بسبب ابتعادنا عن شريعتنا فهما وتنزيل‪،‬‬ ‫نعتبر أ ّ‬
‫ل لمشاكلنا فل مناص من الحتكام إلى‬ ‫وعليه فإذا أردنا أن نبحث عن حلو ٍ‬
‫ّ‬
‫ن حركة الّنهضة الّتونسّية التي آرتضت أن‬ ‫مرجعّيتنا القيمّية والخلقّية وإ ّ‬
‫ديمقراطّية وقساوستها فقد اختارت أن ل تزعج‬ ‫تلعب في ملعب كبار رهبان ال ّ‬
‫دفاع ودوائر رد ّ‬ ‫العلمانّيين أبدا‪ ،‬ولم تحسن حّتى الوقوف عند خطوط ال ّ‬
‫ً‬
‫الفعل‪ ،‬وعوض أن نشهد لها مبادرات تحمي حقوق المرأة وفقا لثوابت‬
‫قدين‪ ،‬ففي‬ ‫شريعة السلمّية وتبعا ً لمقاصدها‪ ،‬فقد راحت تزايد على المع ّّ‬ ‫ال ّ‬
‫ّ‬
‫الوقت الذي لم أقرأ ولم أسمع أن دعا بورقيبة أن تتولى المرأة المامة‬ ‫ّ‬
‫العظمى‪ ،‬فقد دعا الغّنوشي متساوقا مع شيخه الّترابي إلى ذلك‪ .‬كما أّنها ـ‬
‫شرا‬ ‫صحوة مؤ ّ‬ ‫ظف العدد الكبير لقبال الّنساء على ال ّ‬ ‫أي حركة الّنهضة ـ لم تو ّ‬
‫دم يدفع إلى مراجعة تلك المجّلة وضبطها‬ ‫معّبرا عن إرادة واعدة ووعي متق ّ‬
‫سمحاء !!!‬ ‫شريعة ال ّ‬ ‫كّلها على ال ّ‬
‫ن أسئلة عديدة يطرحها العقل الحائر الغّيور تبّين بجلء عجز الّنخبة من‬ ‫إ ّ‬
‫ضخمة اّلتي تمتلكها الحركة السلمّية‪ ،‬ولكّنها مع‬ ‫الستفادة من المكانّيات ال ّ‬
‫السف لم تهتد إليها‪ ،‬تفكيرا فضل عن تمّثلها‪ ،‬ومن تلك السئلة ‪ :‬لماذا ل تعد ّ‬
‫نهضة المهجر دراسة علمّية أكاديمّية ـ وهي في المهجر حيث تسمح لها‬
‫دم حلول للمآسي اّلتي جلبتها المجّلة‪ ،‬وفق ثوابتنا‬ ‫ظروف بذلك ـ فتق ّ‬ ‫ال ّ‬
‫خل الجنبي في خصوصّياتنا وفرض‬ ‫والّتأكيد على حماية سيادتنا وعدم تد ّ‬
‫ّ‬
‫قوانينه علينا ؟ لماذا ل تدعو تلك الحركة وهي التي تدندن حول "‬
‫شعب قراره بنفسه‬ ‫شعوب في الختيار إلى أن يأخذ ال ّ‬ ‫ديمقراطّية " وحقّ ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫دولة الّتونسّية على فرض قوانينها‬ ‫ّ‬
‫في هذه المجلة ؟ لماذا تصّر هذه ال ّ‬
‫شعبّية ؟ لماذا هذا الصرار العنيد على هذه‬ ‫لشرعّية عبر قنواتها الغير ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫قد مخاصم‬ ‫ص والعام أّنه مع ّ‬ ‫المجّلة المفروضة من طرف رجل شهد الخا ّ‬
‫لديننا؟ لماذا يصّر حزب حاكم على إلزام شعب مسلم بخيارات أقل ّّية‬
‫دولة ؟ لماذا ل‬ ‫علمانّية ؟ لماذا ل تراجع هذه المجّلة في دوائر خارج أجهزة ال ّ‬
‫ححوا المسار ؟ فلقد‬ ‫صة من رجال الفقه والجتماع ليص ّ‬ ‫تبعث لجان مخت ّ‬
‫رفضت شعوبنا المسلمة بتعبيرات مختلفة هذه السقاطات للّنفايات اّلتي لم‬
‫مة عقيدة مقاومة تضرب هوّيتها‬ ‫تصلح أوضاع غيرنا‪ ،‬فكيف تصلح شأن أ ّ‬
‫وذاكرتها وعظمتها إلى آلف قرون الّتوحيد‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫لقد وقعت حركة الّنهضة في دائرة مفرغة منذ ربع قرن‪ ،‬يوم أن آختارت‬
‫سياسي فسكتت عن كوارث تلك المجّلة‪ ،‬لتدخل في‬ ‫الّرهان على العمل ال ّ‬
‫وفاق على البقاء على معاناة الّتونسّيين اّلذين آكتووا بنار هذه المجلةّ‬
‫وبغيرها‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫لقد وقعت حركة الّنهضة في دائرة مفرغة منذ ربع قرن‪ ،‬يوم أن آختارت‬
‫سياسي فسكتت عن كوارث تلك المجّلة‪ ،‬لتدخل في‬ ‫الّرهان على العمل ال ّ‬
‫وفاق على البقاء على معاناة الّتونسّيين اّلذين آكتووا بنار هذه المجلةّ‬
‫ولت المرأة إلى ورقة يتنافس حولها أطراف الّنخبة‬ ‫وبغيرها‪ ،‬بل لقد ح ّ‬
‫شعب الّراهنة لمصائر مليين السر اّلتي رحتها تلك‬ ‫المتعالية على هموم ال ّ‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القوانين الفاجرة‪ .‬لقد قبلت الّنخبة بما فيها الّنهضة ـ ضمن وفاق المصالح ـ‬
‫ورضيت أن تكون المرأة ضحّية رحي بصمتهم على الكوارث اّلتي حّلت بها‪.‬‬
‫سياسي لحركة الّنهضة في خصوص مجّلة الحوال‬ ‫مناقشة أعضاء المكتب ال ّ‬
‫شخصّية الّتونسّية ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫سياسي لحركة الّنهضة في الحوار اّلذي‬ ‫ما جاء في ردود أعضاء المكتب ال ّ‬ ‫وم ّ‬
‫ل جلء‬‫ي ‪ ،‬ليكشف بك ّ‬ ‫أجراه موقع " كلمة " المحسوب على اليسار الّتونس ّ‬
‫ن هذه‬‫عن حال المهزوم اّلذي ل يقدر حّتى على رد ّ الفعل ! فهم يقّرون بأ ّ‬
‫شريعة يمكن آعتبارها " مكاسب " حضارّية لتونس‪ ،‬وغير‬ ‫الخروقات لل ّ‬
‫ّ‬
‫مطروح في أجندتهم معارضة هذه المجلة نهائيا‪ ،‬ول يتحدثون فيها ول‬
‫ن هذه الشياء كّلها‬ ‫سياسي‪ .‬بل إ ّ‬‫يتناقشون فيها أصل في مشروعهم ال ّ‬
‫ملها الفقه السلمي الذي هو مرجعية كل هذه الراء‪ ،‬إن لم يكن في‬ ‫يتح ّ‬
‫ّ‬
‫الّراجح ففي المرجوح‪ ،‬ول تجد رأيا من هذه الراء إل وله سند في الفقه‬
‫ي‪ ،‬بحيث ليست لهم مشكلة مع هذه القضّية أبدا ‪...‬‬ ‫السلم ّ‬
‫)‪(13 /‬‬

‫دد الّزوجات فيه آراء مختلفة‪ ،‬وعندنا قاعدة‬ ‫ما جاء من أقوالهم أيضا ‪":‬وتع ّ‬ ‫وم ّ‬
‫دين شيئا من الشياء‬ ‫ن الحاكم له أن يقّيد المباح وإذا أباح ال ّ‬ ‫شرعّية تقول‪ :‬إ ّ‬
‫ن من المصلحة تقييد ذلك ببعض القيود بزمن معّين أو بشرط‬ ‫ورأى الحاكم أ ّ‬
‫دد منزوعة من أذهاننا‪ ، "...‬هذه بعض‬ ‫معّين فمسموح له ذلك‪ .‬ومسألة الّتع ّ‬
‫أقوالهم ـ هداهم الله ـ‪ .‬وهذا كّله يشبه مقولة قديمة قالها الستاذ الغّنوشي‬
‫ن الجتهاد ل بد ّ أن‬ ‫شريعة‪ .‬وهذا خطأ فاحش‪ ،‬ل ّ‬ ‫ن المجّلة إجتهاد داخل ال ّ‬ ‫بأ ّ‬
‫ي‬
‫داه أو يضاّده بأ ّ‬ ‫ص ل خارجا عنه فضل أن يتجاوزه أو يتح ّ‬ ‫يكون منضبطا بالن ّ ّ‬
‫شريعة‬ ‫ّ‬
‫وجه من الوجوه‪ ،‬كما هو الحال في قوانين المجلة المخالفة لل ّ‬
‫طاعنة فيها‪ .‬فل يمكن أن نصف تلك الخروق بالجتهاد أصل فضل أن نقول‬ ‫وال ّ‬
‫ي‪.‬‬ ‫إّنها داخل الفقه السلم ّ‬
‫وأنا هنا أستسمحك أخي القارئ أن أذكر لك ـ في عجالة ـ تحريفات المجلةّ‬
‫طلع عليها وليظهر له الحقّ من‬ ‫شريعة حّتى يتبّين لّلذي لم ي ّ‬ ‫المذكورة لل ّ‬
‫الباطل‪ ،‬وليتبّين فساد منهج نهضة المهجر في تناول القضايا‪.‬‬
‫شخصّية الّتونسّية ‪:‬‬ ‫نصوص قوانين مجّلة الحوال ال ّ‬
‫ل من‬ ‫دد الّزوجات ممنوع‪ ،‬ك ّ‬ ‫ص القانون ‪ " :‬تع ّ‬ ‫دد الّزوجات ‪ :‬ن ّ‬ ‫أ ـ في منع تع ّ‬
‫سجن‬ ‫ّ‬ ‫بال‬ ‫يعاقب‬ ‫سابق‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫زواج‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫عصمة‬ ‫ّ‬
‫ك‬ ‫ف‬ ‫وقبل‬ ‫ية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫زوج‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫حالة‬ ‫تزّوج وهو في‬
‫دة عام وبخطّية قدرها مائتان وأربعون ألف فرنك أو بإحدى العقوبتين‪"...‬‬ ‫لم ّ‬
‫شريعة كّلها‬ ‫دد في نصوص ال ّ‬ ‫وهذا مخالف ومحاد لمر الّله تعالى المبيح للّتع ّ‬
‫مة منذ ‪ 1427‬عاما ‪.‬‬ ‫صحابة وعمل ال ّ‬ ‫قرآنا وسّنة وإجماع ال ّ‬
‫ــ فمن القرآن‪ ،‬قال تعالى ‪ } :‬فآنكحوا ما طاب لكم من الّنساء مثنى وثلث‬
‫ورباع فإن خفتم أل ّ تعدلوا فواحدة { الّنساء )‪. (3‬‬
‫ي صّلى الله عليه وآله وسلم‪ ،‬حيث نقل إلينا تواتر‬
‫ّ‬ ‫سّنة ‪ :‬عمل الّنب ّ‬ ‫ــ ومن ال ّ‬
‫دد زواجه‬ ‫تع ّ‬
‫صحابة ‪ :‬فقد جاء من هديهم رضي الله عنهم أّنهم‬ ‫ــ ومن عمل الخلفاء وال ّ‬
‫ددوا‪.‬‬ ‫ع ّ‬
‫شرعّية وتطبيقا عملّيا منذ نزل‬ ‫مة على هذا المر إعتقادا بال ّ‬ ‫ــ إجماع ال ّ‬
‫دد " العدد إلى أربعة‪ ،‬بما في ذلك الّتونسّيون داخل الوطن‬ ‫ي " يح ّ‬‫الوح ّ‬
‫ّ‬
‫وخارجه ولقد إنتشر هذا المر في تونس في الونة الخيرة ولله الحمد‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سلطة الّتونسّية اّلتي شرعت مالم يأذن به الله تعالى‪ ،‬بل خالفت‬ ‫ن ال ّ ّ‬
‫ولنبّين أ ّ‬
‫ّ‬
‫أمره تعالى مكابرة وعنادا ومحاّدة ومشاقة‪ ،‬قّررت إلى المم المّتحدة ما‬
‫شارع‬‫شريعة وما يستفاد منه إل ّ القدح في حكمة ال ّ‬ ‫يفيد الّتعالي على ال ّ‬
‫ّّ‬
‫دد وبالمعاقبة عليه أشد ّ العقوبة فضل على‬ ‫طعن فيه والّتباهي بإلغاء الّتع ّ‬ ‫وال‬
‫دد الّزوجات بمقتضى قانون‬ ‫اعتبار الّزواج الّثاني باطل‪ " :‬ويمّثل إلغاء تع ّ‬
‫شخصّية وإقامة نظام الّزوجة الواحدة تعبيرا آخر عن مبدأ المساواة‬ ‫الحوال ال ّ‬
‫ّ‬
‫دد الّزوجات ـ الذي كان هو المظهر أكثر‬ ‫بين الّرجل والمرأة‪ .‬وقد أصبح تع ّ‬
‫فجاجة وظلما لعدم المساواة بين الّزوجين ـ جنحة يعاقب عليها القانون‬
‫ن الّزواج الجديد باطل "‪ .‬من تقرير الحكومة‬ ‫ي وفضل عن ذلك فإ ّ‬ ‫الجنائ ّ‬
‫ص‬
‫دولي الخا ّ‬ ‫ّ‬
‫دم إلى المم المّتحدة والمتعلق بالمعهد ال ّ‬ ‫الّتونسّية المق ّ‬
‫سياسّية بتاريخ ‪ 18‬ماي ‪1993‬‬ ‫بالحقوق المدنّية وال ّ‬
‫ّ‬
‫شخصّية من طلق زوجته بالّثلث وتحريمها‬ ‫ّ‬
‫ب ــ ‪ :‬تأبيد تحريم مجلة الحوال ال ّ‬
‫شخصّية أن يراجع الّزوج‬ ‫أن يراجع زوجته ‪ :‬كما حّرمت مجّلة الحوال ال ّ‬
‫مطّلقته بالّثلث بعد طلقها من زوج غيره ‪ :‬جاء في الفصل ‪ 19‬منها ‪" :‬‬
‫جر على الّرجل أن يتزّوج مطّلقته ثلثا " وهذا معاند لمر الله المبيح‪ .‬قال‬ ‫يح ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تعالى ‪ } :‬فإن طلقها فل تحل له من بعد حّتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فل‬ ‫ّ‬
‫جناح عليهما أن يتراجعا إن ظّنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله {‪ .‬البقرة‬
‫)‪(230‬‬
‫ج ـ مسألة الّتبّني ‪ :‬أباحت المجّلة المذكورة الّتبّني اّلذي حّرمه الله عّز وج ّ‬
‫ل‬
‫بصريح ‪:‬‬

‫)‪(14 /‬‬
‫َ‬ ‫عياَءك ُ َ‬ ‫ــ القرآن ‪ ،‬قال تعالى ‪ }:‬وما جع َ َ‬
‫م‬‫واهِك ُ ْ‬ ‫م ب ِأفْ َ‬ ‫م قَوْل ُك ُ ْ‬ ‫م ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫م أب َْناَءك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل أد ْ ِ َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫عْند الله { ‪.‬‬ ‫سط ِ‬ ‫ل‪ .‬أدعوهم لبائهم هُوَ أقْ َ‬ ‫سِبي َ‬ ‫دي ال ّ‬ ‫حقّ وَهُوَ ي َهْ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي فَإ ِن َّها‬ ‫ف ِ‬ ‫صود ِبالن ّ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا هُوَ ال ْ َ‬ ‫م { هَ َ‬ ‫م أب َْناَءك ُ ْ‬ ‫عَياَءك ُ ْ‬ ‫ل أد ْ ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫وله ت ََعاَلى ‪ } :‬وَ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ف َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫صلى الله عَلي ْ ِ‬ ‫ي َ‬ ‫موْلى الن ّب ِ ّ‬ ‫ه" َ‬ ‫ي الله عَن ْ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫حارَِثة َر ِ‬ ‫شأن َزْيد ْبن َ‬ ‫ت ِفي َ‬ ‫ن ََزل ْ‬
‫ه َزْيد‬ ‫قال ل ُ‬‫َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫وة فَكا َ‬ ‫َ‬ ‫م قَد ْ ت َب َّناه ُ قَْبل الن ّب ُ ّ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫صلى الله عَلي ْهِ وَ َ‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫ن َالن ّب ِ ّ‬ ‫م كا َ‬ ‫َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ولك ْ‬ ‫مق ْ‬ ‫سَبة‪ } .‬ذ َل ِك ْ‬ ‫حاق وَهَذِهِ الن ّ ْ‬ ‫ذا ال ِل َ‬ ‫قطع هَ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫مد فأَراد َ الله ت ََعالى أ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ْبن ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خلوق‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫قّيا فإ ِن ّ ُ‬ ‫قي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن ي َكون ا ِب ًْنا َ‬ ‫ضي أ ْ‬ ‫قت َ ِ‬ ‫ول ل ي َ ْ‬ ‫مق ْ‬ ‫م لهُ ْ‬ ‫م { ي َعِْني ت َب َّنيك ْ‬ ‫واهِك ْ‬ ‫ب ِأفْ َ‬
‫كون ل ِل ْب َ َ‬ ‫َ‬ ‫كون ل َ َ‬ ‫َ‬
‫شرِ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫كن أ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما َل ي ُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ه أب َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫كن أ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫خر فَ َ‬ ‫جل آ َ‬ ‫صْلب َر ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫سِعيد ْبن‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫{‬ ‫بيل‬ ‫ّ ِ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫دي‬ ‫ه‬ ‫ي‬
‫َ ّ َ ُ َ َْ ِ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫قول‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫له‬ ‫ّ‬ ‫ال‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫ن‬‫َ ِ‬ ‫با‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫حد‬ ‫ا َ ِ‬ ‫وا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫سِبيل { أ ْ‬ ‫دي ال ّ‬ ‫ل قََتاَدة } وَهُوَ ي َهْ ِ‬ ‫دل وََقا َ‬ ‫حقّ { أيْ ال ْعَ ْ‬ ‫قول ال ْ َ‬ ‫جب َْير} ي َ ُ‬ ‫ُ‬
‫قيم‪.‬‬ ‫ت‬
‫ُ ْ َ ِ‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫راط‬ ‫ّ َ‬ ‫ص‬ ‫ال‬
‫ذا أ َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫عوهُم ِلبائ ِهم هُو أ َ‬ ‫ُ‬
‫ما‬ ‫سخ ل َِ‬
‫َ‬
‫ْ َ ِ‬ ‫نا‬ ‫مر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫{‬ ‫له‬ ‫ال‬ ‫ند‬ ‫ْ‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫سط‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ َ ِ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ج‬
‫ّ َ َ‬‫و‬ ‫ز‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫وله‬ ‫وَقَ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مَر‬ ‫عَياء فَأ َ‬ ‫م الد ْ ِ‬ ‫جاِنب وَهُ ْ‬ ‫عاء الب َْناء ال َ‬ ‫واز ا ِد ّ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫سلم ِ‬ ‫داء الل ِ ْ‬ ‫ن ِفي ا ِب ْت ِ َ‬ ‫كا َ‬
‫سط‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت ََباَر َ‬
‫ق ْ‬ ‫دل َوال ِ‬ ‫ذا هُوَ العَ ْ‬ ‫قة وَأ ّ‬ ‫قي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ِفي ال َ‬ ‫م إ ِلى آَبائ ِهِ ْ‬ ‫سبه ْ‬ ‫ك وَت ََعالى ب َِرد ّ ن َ َ‬
‫َوال ْب ِّر "‪ ...‬بتصّرف تفسير إبن كثير‪.‬‬
‫ي صّلى الله عليه وآله وسّلم‪.‬‬ ‫ـ وبعمل الّنب ّ‬
‫مة‪.‬‬ ‫ـ وبإجماع ال ّ‬
‫ل‬ ‫لقد فتح شّر الّتبّني الباب إلى شرور عظيمة أخرى حيث أباحوا للمتبّنى ك ّ‬
‫طلع على‬ ‫شريعة لغيره‪ ،‬كما ي ّ‬ ‫ي فأعطوه أموال ضبطتها ال ّ‬ ‫شرع ّ‬ ‫حقوق البن ال ّ‬
‫ّ‬
‫عورات محّرمة عليه‪ ،‬كما ألزموه بنفس الواجبات‪ ،‬وجعلت المجلة الحكم‬
‫صادر من حاكم الّناحية نهائّيا ول رجعة فيه قطعا مع تراجع المتبّني فضل‬ ‫ال ّ‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن توبته وندمه!!!‬


‫شريعة الغّراء كيف تسمح حركة الّنهضة‬ ‫صارخة لل ّ‬ ‫فبعد هذه المخالفات ال ّ‬
‫دد منزوعة من ذهن‬ ‫لنفسها أن تقول ما قالت‪ .‬إذ كيف تكون مسألة الّتع ّ‬
‫مسلم وقد نزعت من أذهان حركة الّنهضة‪ ،‬وهي من مسائل المعلوم من‬
‫ضرورة تشريعا وإباحة‪ ،‬كيف ل تكون هذه المجّلة مشكلة وقد‬ ‫دين بال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سك بالحلل والمباح وتسامحت‬ ‫شريعة بل صادمتها وعاقبت المتم ّ‬ ‫خالفت ال ّ‬
‫ضعيف يجعل ما عليه أهل‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مع المنتهك للحرمات‪ .‬وصدق من قال ‪ " :‬إ ّ‬
‫ن المغلوب المهزوم‬ ‫ن المنهزم ل يمنعه شيء‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ق‪ ،‬وإ ّ‬ ‫وة بأّنه هو الح ّ‬ ‫الق ّ‬
‫مد بن عبد‬ ‫دد شيخ السلم مح ّ‬ ‫محكوم بقوانين القوياء "‪ .‬ولذلك عد ّ المج ّ‬
‫ن من مسائل الجاهلّية ‪ " :‬الستدلل بما عليه‬ ‫هاب ـ رحمه الله تعالى ـ أ ّ‬ ‫الو ّ‬
‫وة بأّنه هو الحقّ "‪.‬‬ ‫أهل الق ّ‬
‫ن المغلوب ينسى هوّيته‬ ‫وقد ذهب إبن حزم رحمه الله تعالى من قبل أ ّ‬
‫دث عن‬ ‫وذاكرته بل ينسى حّتى أنسابه وأخباره وعلومه!!! فقال ـ وهو يتح ّ‬
‫ن الّلغة يسقط أكثرها ويبطل بسقوط دولة أهلها‪ ،‬ودخول غيرهم‬ ‫الّلغة ـ ‪ " :‬إ ّ‬
‫عليهم في مساكنهم‪ ،‬أو بنقلهم عن ديارهم وآختلطهم بغيرهم‪ ،‬فإّنما يقّيد لغة‬
‫ما من تلفت‬ ‫وة دولتها‪ ،‬ونشاط أهلها وفراغهم‪ ،‬وأ ّ‬ ‫مة وعلومها وأخبارها ق ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ل وخدمة‬ ‫دولتهم وغلب عليهم عدّوهم‪ ،‬وآشتغلوا بالخوف والحاجة والذ ّ ّ‬
‫أعدائهم‪ ،‬فمضمون منهم موت الخواطر‪ ،‬ورّبما كان ذلك سببا لذهاب لغتهم‬
‫ونسيان أنسابهم وأخبارهم وعلومهم‪ ،‬وهذا موجود بالمشاهدة ومعلوم بالعقل‬
‫ضرورة " الحكام في فصول الحكام‪ .32 / 1 .‬فهل يوجد في الفقه‬
‫ي منع المباح بل تحريمه وجعله جريمة " قانونّية " يعاقب بموجبها‬ ‫السلم ّ‬
‫سجن وبالغرامة ؟ فهل في الفقه السلمي مثل هذا‬ ‫المؤمن كـ"مجرم " بال ّ‬
‫دد مرجوحا ؟ وهل يجد له "‬ ‫الغثاء ومثل هذا الهراء ؟ وكيف يكون تحريم الّتع ّ‬
‫دد مشكلة‬ ‫ي ؟ وكيف ل يكون منع الّتع ّ‬ ‫الّنهضوّيون " سندا في الفقه السلم ّ‬
‫وهي وحدها كارثة من الكوارث اّلتي فتحت شّر باب الّتجّرؤ على ك ّ‬
‫ل‬
‫شريعة‪ ،‬و تتنادى اليوم أصوات العلمانّيين المتطّرفين في تونس عالية ودون‬ ‫ال ّ‬
‫ّ‬
‫خجل أو حياء بتسوية المرأة بالّرجل في الرث‪ .‬أليست تلك المجلة جحيما‬
‫كك أسري وتذّرر‬ ‫فتح أبواب الفاحشة والخيانات الّزوجّية وما نتج عليه من تف ّ‬
‫دولة تقليدا للغرب‬ ‫سسات العقوق والبؤس اّلتي أحدثتها ال ّ‬ ‫ي أنتجت مؤ ّ‬ ‫مجتمع ّ‬
‫مهاتهم‬ ‫ّ‬ ‫وأ‬ ‫آباءهم‬ ‫يرموا‬ ‫أن‬ ‫للبناء‬ ‫رع‬
‫ّ‬ ‫تش‬ ‫لتي‬‫ّ‬ ‫ا‬ ‫فهي‬ ‫يا‬
‫ّ‬ ‫وآجتماع‬ ‫يا‬
‫ّ‬ ‫عائل‬ ‫الممّزق‬
‫سسات العقوق وتكايا إنكار الجميل‪ .‬والله المستعان !!!‬ ‫إلى مقابر الغدر ومؤ ّ‬

‫)‪(15 /‬‬

‫دين شيئا من الشياء‬ ‫ن الحاكم له أن يقّيد المباح وإذا أباح ال ّ‬


‫م هل قاعدة " أ ّ‬ ‫ث ّ‬
‫ن من المصلحة تقييد ذلك ببعض القيود بزمن معّين أو بشرط‬ ‫ورأى الحاكم أ ّ‬
‫ج بها دائما الّنهضوّيون تتنّزل‬ ‫ّ‬
‫معّين فمسموح له ذلك " وهي القاعدة التي يحت ّ‬
‫دى مشاعر المسلمين‬ ‫ل حاكم ؟ فهل حاكم مثل بورقيبة اّلذي تح ّ‬ ‫على ك ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ي صلى الله عليه وآله وسلم‪،‬‬ ‫وفعل ما فعل في السلم والقرآن والّنب ّ‬
‫ّّ‬
‫سسات تونس السلمّية ورجالها‪ ،‬أو مثل إبن علي الذي واصل في نفس‬ ‫ومؤ ّ‬
‫ط سّيده بأكثر تطّرفا وآستئصال يبيح لهما السلم العزيز ـ في نظر حركة‬ ‫خ ّ‬
‫صـ‬‫الّنهضة ـ أن يجتهدا في شرعه المطّهر ؟ فهل اّلذي يرسل مثل ذلك الن ّ ّ‬
‫المذكور أعله ـ إلى المم المّتحدة يمكن أن تنّزل عليه تلك القاعدة ؟ أل‬
‫يمكن آعتبار توظيف تلك القواعد تحت باب كلمة حقّ يراد بها باطل ؟ }ولو‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن { المؤمنون )‪(71‬‬ ‫سماوات والرض ومن فيه ّ‬ ‫آّتبع الحقّ أهواءهم لفسدت ال ّ‬
‫________________________________________‬
‫شرع المطّهر فقد حّرمت‬ ‫دية لل ّ‬ ‫سلطة التونسية متناقضة ومتح ّ‬ ‫خيارات ال ّ‬
‫ل مدينة دورا للبغاء‬ ‫دد الحلل وأباحت الّزنا المحّرم‪ ،‬حيث جعلت في ك ّ‬ ‫الّتع ّ‬
‫شرطة‪ ،‬وجعل‬ ‫دولة والمحروس بال ّ‬ ‫خص له من قبل إدارة ال ّ‬ ‫ي المر ّ‬ ‫العلن ّ‬
‫ي له تحت قانون "تنظيم‬ ‫دعارة مهنة " شريفة " بحكم الّترخيص القانون ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ضرائب من تلك القذارات‪ ،‬وهذا‬ ‫دولة رسوم ال ّ‬ ‫م تقبض ال ّ‬ ‫دعارة" ث ّ‬ ‫مهنة ال ّ‬
‫ي ل يوجد له مثيل في بلد العرب والمسلمين‪.‬‬ ‫سبق تونس ّ‬
‫________________________________________‬
‫دية‬
‫سلطة المتناقضة المتح ّ‬ ‫كان الولى من نهضة المهجر أن تنتقد خيارات ال ّ‬
‫دد الحلل واّلتي أباحت الّزنا المحّرم‪ ،‬حيث‬ ‫شرع المطّهر اّلتي حّرمت الّتع ّ‬ ‫لل ّ‬
‫دولة‬ ‫خص له من قبل إدارة ال ّ‬ ‫ي المر ّ‬ ‫ل مدينة دورا للبغاء العلن ّ‬ ‫جعلت في ك ّ‬
‫دعارة مهنة " شريفة " بحكم الّترخيص‬ ‫شرطة‪ ،‬وجعل ال ّ‬ ‫والمحروس بال ّ‬
‫دولة رسوم‬ ‫م تقبض ال ّ‬ ‫دعارة" ث ّ‬ ‫ي له تحت قانون "تنظيم مهنة ال ّ‬ ‫القانون ّ‬
‫ي ل يوجد له مثيل في بلد‬ ‫ضرائب من تلك القذارات‪ ،‬وهذا سبق تونس ّ‬ ‫ال ّ‬
‫العرب والمسلمين!‬
‫كان الولى لحركة الّنهضة أن تشّنع بما جاء في هذه المجّلة المذكورة من‬
‫دفاع عن العرض وإماتة‬ ‫شرف وال ّ‬ ‫شرع العزيز كقتل قيمة ال ّ‬ ‫مخالفات لل ّ‬
‫ديوثة من ذلك‪ :‬القوانين اّلتي تعطي للمرأة الحقّ أن يكون لها‬ ‫الغيرة وزرع ال ّ‬
‫عشيقا‪ ،‬فإن خانت زوجها‪ ،‬و ضبطها مّتلّبسة بهذه الجريمة‪ ،‬وثأر لدينه و‬
‫لعرضه فقتل عشيقها يقتل بذلك ولو كانت تلك الخيانة قد حصلت في بيته‬
‫جهارا نهارا‪.‬‬
‫سلطة الّتونسّية ‪:‬‬ ‫ّ‬
‫ومن المخالفات الواضحة التي شرعتها ال ّ‬
‫ـ إباحة أن تتز ّّوج الّتونسّية غير المسلم‪ ،‬تحت عنوان " إلغاء جميع أشكال‬
‫الّتمييز ضد ّ المرأة " و ّّقعت سلطة الّتجفيف على معاهدة نيويورك المتعّلقة‬
‫بحّرّية الّزواج‪.‬‬
‫ل آمرئ يستطيع أن يشهد‬ ‫ـ إسقاط شروط العدالة في شاهدي الّزواج فك ّ‬
‫سكران مثل يحقّ له أن‬ ‫شرعّية‪ ،‬فال ّ‬ ‫على زواج ما دون نظر إلى عدالته ال ّ‬
‫من طعن أهل العلم في‬ ‫يشهد فضل أن يكون شيوعّيا ملحدا أو غير ذلك م ّ‬
‫شاهدين بشاهد واحد ول بأس أن تكون امرأة ولو بغياب‬ ‫شهاداتهم‪ ،‬وأبدلوا ال ّ‬
‫ل هذا مخالف لمذاهب أهل‬ ‫ي واحد‪ ،‬وك ّ‬ ‫ي‪ ،‬وبتحديد المهر بدينار تونس ّ‬ ‫الول ّ‬
‫سّنة ومنها مذهب المام مالك اّلذي يدين به الّتونسّيون !‬ ‫ال ّ‬
‫ل هذه المور ول تجعلها من‬ ‫فهل يعقل أن تسكت حركة الّنهضة عن ك ّ‬
‫شريعة‬ ‫ل رأي نجد له سندا من ال ّ‬ ‫شريعة تسعها‪ ..‬وك ّ‬ ‫ن ال ّ‬
‫اهتماماتها بل تقول إ ّ‬
‫فهو دين ! فهل إلى مثل هذا المستوى يدين هؤلء رّبهم ويرضون لشعبهم أن‬
‫يبقى في مثل هذا الحال من البؤس والفاحشة والّتعاسة والمنكر والبعاد عن‬
‫م تسكت هذه الحركة بل تلّبس على الّناس دينهم بتبرير ذلك‬ ‫الله تعالى‪ .‬ث ّ‬
‫دعي أّنها حركة إسلمّية وسطّية‪ ،‬فهل تعني الوسطّية عند‬ ‫الباطل‪ ،‬وهي ت ّ‬
‫شعب المسلم ‪.‬‬ ‫هؤلء إقرار الخبث في ال ّ‬
‫شفافّية والمسؤولّية والجد ّ‬ ‫ن مواقف هذه الحركة ل بد ّ أن تّتسم بالوضوح وال ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ّ‬
‫ون فهو من كتمان الحقّ الذي ل‬ ‫ما الغموض والطلق والّتل ّ‬ ‫شجاعة‪،‬أ ّ‬ ‫وال ّ‬
‫ّ‬
‫سكوني ‪ " :‬وكل كلم‬ ‫يستفيد منه إل الباطل‪ .‬قال المام أبو علي بن خليل ال ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫وإطلق يوهم الباطل فهو باطل بالجماع " لحن العوام فيما يتعلق بعلم‬
‫الكلم ‪ .‬ص ‪137‬‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ف عن الخطاب المثقل بالّتشّهي وتتّبع‬ ‫أدعو حركة الّنهضة الّتونسّية أن تك ّ‬


‫ّ‬
‫رخص الهزيمة وموافقة الغرض والغترار بفقه ضغوط الواقع الذي أنشؤوه‬
‫سعوا خرقه‪ .‬ل بد ّ أن تتو ّّقف عن خطاب ‪ :‬فيه قولن‪ ،‬فيه خلف‪ ،‬في‬ ‫وو ّ‬
‫ملها الفقه السلمي‪ ،‬إن لم يكن في‬ ‫ّ‬ ‫يتح‬ ‫مسألة‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ك‬ ‫أو‬ ‫فسحة‪،‬‬ ‫المسألة‬
‫الّراجح ففي المرجوح‪ .‬وله سند في الفقه السلمي‪..‬فهل المخالفات‬
‫ي‬
‫ي ؟ ففي أ ّ‬ ‫ملها الفقه السلم ّ‬ ‫سّنة في هذه المجّلة يتح ّ‬ ‫صارخة للكتاب وال ّ‬
‫ال ّ‬
‫راجح ومرجوح تندرج تلك المخالفات الواضحة لل ّ‬
‫شريعة الغّراء ؟‬

‫)‪(16 /‬‬

‫سياسي لحركة الّنهضة في المهجر ليس هو إل ّ‬ ‫ن اّلذي صدر عن المكتب ال ّ‬ ‫إ ّ‬


‫أقوال خفيفة طائشة ل يقول بها أحد من أهل العلم لوضوح مصادمتها‬
‫دليل كما تعّلمنا وليس‬ ‫دين هو الّتباع لل ّ‬ ‫دللة‪ .‬وال ّ‬ ‫للّنصوص القطعّية الّثبوت وال ّ‬
‫شاطبي رحمه‬ ‫هو الخاضع للهوى أّيا كان نوعه‪ .‬قال إمام المقاصد المام ال ّ‬
‫الله تعالى ‪ " :‬العلم اّلذي هو العلم المعتبر شرعا ـ أعني اّلذي مدح الله‬
‫ورسوله أهله على الطلق ـ هو العلم الباعث على العمل‪ ،‬اّلذي ل يخّلي‬
‫صاحبه جاريا مع هواه كيفما كان‪ ،‬بل هو المقّيد لصاحبه بمقتضاه‪ ،‬الحامل له‬
‫على قوانينه طوعا أو كرها " الموافقات ‪. 89 / 1‬‬
‫صو‬ ‫ّ ّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫على‬ ‫الهواء‬ ‫وتمرير‬ ‫ق‪،‬‬‫ن حركة الّنهضة أدمنت على كتمان الح ّ‬ ‫إ ّ‬
‫طيه وتعميته وكتمانه‪ ،‬كما يفعل "‬ ‫سف في تأويله فضل عن إبعاده وتخ ّ‬ ‫الّتع ّ‬
‫ن من‬ ‫ص " دائما‪ ،‬وليعلم القارئ الكريم‪ ،‬وهو على علم‪ ،‬أ ّ‬ ‫المتحّررون من الن ّ ّ‬
‫ص" المتحّللين منه واّلذين يحلو لهم‬ ‫القواعد المعتمدة عند "المتحّررين من الن ّ ّ‬
‫ن الصل في‬ ‫ل شيء عندهم جائز‪ ،‬وأ ّ‬ ‫نك ّ‬ ‫موا أنفسهم " الوسطّيين " أ ّ‬ ‫أن يس ّ‬
‫ل شيء عندهم الباحة وأّنهم ل يتحّرون في دينهم ول يعتنون بفقه الحوط‬ ‫ك ّ‬
‫صحيحة عندهم فضلة‪،‬‬ ‫ل الراء عندهم دين والّنصوص ال ّ‬ ‫دليل القوى‪ ،‬فك ّ‬ ‫وال ّ‬
‫حّتى لقد حكى الخطابي قديما عن أدعياء "وسطّيي" زمنه أّنهم يقولون ‪":‬ك ّ‬
‫ل‬ ‫ّ‬
‫مسألة ثبت لحد من العلماء فيها القول بالجواز‪ -‬شذ ّ عن الجماعة أو ل –‬
‫دث عن‬ ‫فالمسألة جائزة‪ .‬العتصام ‪ .510 / 2‬وقال شيخ السلم وهو يتح ّ‬
‫شرع‬ ‫شريعة على المزاج والعقل فما رأوه شرعا فهو ال ّ‬ ‫منهج اّلذين يجعلون ال ّ‬
‫دمة‬ ‫م أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها "‪..‬مق ّ‬ ‫ل غيره فقال ‪ " :‬اعتقدوا معاني ث ّ‬
‫ّ‬
‫في أصول الّتفسير ص ‪ .81‬وهو عين ما قاله ابن أبي العز‪" :‬كل فريق من‬
‫ل‪ ،‬فما وافقه قال‪ :‬إّنه‬ ‫أرباب البدع يعرض الّنصوص على بدعته وما ظّنه معقو ً‬
‫مى رّده‬ ‫ج به‪ ،‬وما خالفه قال‪ :‬إّنه متشابه ثم رّده وس ّ‬ ‫محكم‪ ،‬وقبله واحت ّ‬
‫سّنة‬‫ل‪ ،‬فلذلك اشتد ّ إنكار أهل ال ّ‬ ‫مى تحريفه تأوي ً‬ ‫تفويضًا‪ ،‬أو حّرفه‪ ،‬وس ّ‬
‫شاطبي– رحمه الّله تعالى‬ ‫طحاوية‪ :‬ص‪ .399 :‬وقال المام ال ّ‬ ‫عليهم"‪ .‬شرح ال ّ‬
‫ن هذا من عمل الجاهلّية فقد كان‬ ‫مل ّ‬ ‫ل هذه المور مذمومة أشد ّ الذ ّ ّ‬ ‫‪ ": -‬فك ّ‬
‫ّ‬
‫الّناس في الجاهلّية يتبعون ما تستحسنه عقولهم وطباعهم فجاء الّنبيء صلى‬
‫شريعة "‪ .‬العتصام ‪.93/ 1‬‬ ‫الّله عليه وآله وسّلم فرّدهم إلى ال ّ‬
‫________________________________________‬
‫ّ‬
‫قد يعذر المرء بجهله ولكن ل يعذر بعلمه و ظلمه‪ ،‬وأعظم الظلم تشويه‬
‫شبهات عنه وكتمانه ومداهنة خصومه وإرضائهم‬ ‫السلم بترك بيانه ودفع ال ّ‬
‫شريعة‬ ‫لوهم البحث عن القاسم المشترك معهم عبر العفس في عظم ال ّ‬
‫المطّهرة‪.‬‬
‫________________________________________‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ظلم تشويه‬ ‫قد يعذر المرء بجهله ولكن ل يعذر بعلمه و ظلمه‪ ،‬وأعظم ال ّ‬
‫شبهات عنه وكتمانه ومداهنة خصومه وإرضائهم‬ ‫السلم بترك بيانه ودفع ال ّ‬
‫ّ‬
‫لوهم البحث عن القاسم المشترك معهم عبر العفس في عظم الشريعة‬
‫المطّهرة‪.‬‬
‫ن منهج إرضاء الّناس بسخط الله تعالى اّلذي آثرته الّنهضة‪ ،‬منهج خاطئ‬ ‫إ ّ‬
‫صحيح " من أرضى الله بسخط الّناس كفاه‬ ‫بائر ل يحصد إل ّ الخيبة ! وفي ال ّ‬
‫ن سبيل‬ ‫كله الله إلى الّناس "‪ .‬وإ ّ‬‫الله الّناس ومن أسخط الله برضى الّناس و ّ‬
‫ّ‬
‫إلتماس إرضاء الّناس بإغضاب الله ما هو في الحقيقة إل ّ خذلن وتخلي إله ّ‬
‫ي‬
‫صحيح ‪ ":‬من التمس رضا الله بسخط الناس‬ ‫نعوذ بالله من ذلك ! وفي ال ّ‬
‫ّ‬
‫كفاه الله مؤونة الّناس‪ ،‬ومن آلتمس رضا الّناس بسخط الله وكله الله إلى‬
‫الّناس " ولتحسن قيادة الّنهضة إلى تليين الجناب مع إخوانهم المخالفين‪،‬‬
‫دين المخالفين لهم‬‫وعوض أن يرحموا اليسار فليجد إخوانهم في ال ّ‬
‫سلفّيين ـ مثل ـ منهم رحمة فهو خير لهم‪ ،‬وليحسنوا إلى إصغاء كلم الله‬ ‫كال ّ‬
‫ّ‬
‫تعالى وليّتبعوا أحسنه وأقواه وأبينه ومحكمه ول يتعلقون بالمتشابه‪ ،‬أو بك ّ‬
‫ل‬
‫فار رحماء بينهم {‪}..‬أليس‬ ‫داء على الك ّ‬ ‫جّيته ‪ } :‬أش ّ‬‫قول دون البحث عن ح ّ‬
‫وفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد‬ ‫ّ‬ ‫الله بكاف عبده ويخ ّ‬
‫ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام ؟؟؟ {‪ }..‬وّدوا لو‬
‫تدهن فيدهنون {‪ }..‬وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا‬
‫غيره وإذا ً لّتخذوك خليل ولول أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا ً قليل إذا‬
‫لذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم ل تجد لك علينا نصيرا {‪.‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫ت‬ ‫صبَر عليه والّثبا َ‬ ‫دين وال ّ‬ ‫ن من مقتضيات اليمان الّثقة و اليقين في هذا ال ّ‬ ‫"إ ّ‬
‫صبر واليقين‬ ‫مت الخطوب‪ ،‬فإّنه بال ّ‬ ‫ن أو ادله ّ‬ ‫حّتى الممات مهما عصفت الفت ُ‬
‫دين كما جاء عن إبن القّيم رحمه الله تعالى‪ ،‬ولقد مّر‬ ‫تنال المامة في ال ّ‬
‫بالمسلمين شدائد عظيمة ونكبات عديدة‪ ،‬انتهت فيها خلفتها الّراشدة‬
‫ل هذا‬ ‫دة ونال العداء من المسلمين نيل عظيما‪ ،‬ومع ك ّ‬ ‫وسقطت دولتها الممت ّ‬
‫فلم يوِرث ذلك في نفوس المسلمين شكا في عقيدِتهم‪ ،‬ولم تدفعهم إلى‬ ‫ّ‬
‫ب حياة وأنماط سلوك ُتخالف‬ ‫التطّلع لما عند أعداِئهم من مبادئ وأسالي ِ‬
‫م‬‫كا ونظا َ‬ ‫شريعَتهم ويأباها ديُنهم‪ ،‬ولم يَروا الحقّ إل ّ في دين الله عقيدةً وسلو ً‬
‫حَزُنوا‬ ‫ل‪} :‬وَل َ ت َهُِنوا وَل َ ت َ ْ‬ ‫ل الله عّز وج ّ‬ ‫حياة‪ ،‬وهذا هو معنى الستعلء في قو ِ‬
‫َ‬
‫و‬
‫ن العّزة والعل ّ‬ ‫ن{‪ .‬آل عمران ‪ ، 139:‬أي‪ :‬أ ّ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ِإن ُ‬
‫كنُتم ّ‬ ‫م العْل َوْ َ‬ ‫وَأنت ُ ُ‬
‫ظهور‪".‬‬ ‫باليمان والّثبات عليه‪ ،‬ل بالغلبةِ وال ّ‬
‫ت‬
‫ن ات ّب َعْ َ‬ ‫َ‬
‫َقال سّيد قطب رحمه الله تعالى في ظلله في قوله تعالى ‪ } :‬وَلئ ِ ِ‬
‫ن { ‪ 145‬سورة‬ ‫مي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫م َ‬‫ك إ ًِذا ل َ ِ‬‫ن ال ْعِل ْم ِ إ ِن ّ َ‬‫م َ‬
‫ك ِ‬ ‫جاَء َ‬‫ما َ‬‫ن ب َعْد ِ َ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫واَءهُ ْ‬ ‫أهْ َ‬
‫ي من‬ ‫صارم‪ ،‬في هذا الخطاب الله ّ‬ ‫البقرة‪...." .‬ونقف لحظة أمام هذا الجد ّ ال ّ‬
‫دثه منذ لحظة ذلك الحديث الّرفيق‬ ‫الله سبحانه إلى نبّيه الكريم الذي ح ّ‬
‫ن المر هنا يتعّلق بالستقامة على هدي الله وتوجيهه ؛ ويتعلق‬
‫ّ‬ ‫الودود‪ ..‬إ ّ‬
‫م يجيء الخطاب فيه‬ ‫بقاعدة الّتمّيز والّتجّرد إل من طاعة الله ونهجه‪ .‬ومن ث ّ‬ ‫ّ‬
‫ن‬‫ن‪ .‬إ ّ‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ن الظال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ك إ ًِذا ل ِ‬ ‫بهذا الحزم والجزم‪ ،‬وبهذه المواجهة والّتحذير‪ ..‬إ ِن ّ َ‬
‫ما‬
‫ما العلم الذي جاء من عند الله‪ .‬وإ ّ‬ ‫صراط مستقيم‪ ..‬فإ ّ‬ ‫طريق واضح‪ ،‬وال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ل ما عداه‪ .‬وليس للمسلم أن يتلقى إل ّ من الله‪ .‬وليس له أن‬ ‫الهوى في ك ّ‬
‫يدع العلم المستيقن إلى الهوى المتقلب‪ .‬وما ليس من عند الله فهو الهوى‬ ‫ّ‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بل ترّدد‪" .‬‬


‫ون‬ ‫ن حركة الّنهضة الّتونسّية تاهت وفقدت توازناتها وهي تمارس الّتل ّ‬ ‫إ ّ‬
‫الهوائي‪ .‬فلكي ل تفقد ثقة كمشة من اليسار ل يقيم لهم شعبنا وزنا ول بال‪،‬‬
‫جة والحساسّية اّلتي يثيرها الصدقاء والحلفاء المؤ ّّقتين‬ ‫ض ّ‬‫ولّنها ترهب ال ّ‬
‫دعوة إلى إعادة الّنظر في جزئّية بسيطة من تلك‬ ‫للّنهضة ولو لمجّرد ال ّ‬
‫شريعة !!!‪ .‬قال الستاذ‬ ‫المجّلة‪ ،‬فكيف لو تدعو إلى المطالبة بتطبيق ال ّ‬
‫سط الّتونسّية في ‪ " : 1993/ 05/ 27‬فالمطالبة‬ ‫الغّنوشي في جريدة المتو ّ‬
‫جة‬ ‫ض ّ‬ ‫شريعة في الردن أو في اليمن أو الكويت ل يثير من ال ّ‬ ‫بتطبيق ال ّ‬
‫دعوة إلى إعادة الّنظر في جزئّية من مجلةّ‬ ‫والحساسّية ما يثيره مجّرد ال ّ‬
‫شخصّية في تونس "‪.‬‬ ‫الحوال ال ّ‬
‫نعم لقد تكّبلت حركة الّنهضة بوهم قبولها طرفا سياسّيا وبسراب عضوّيتها‬
‫دفاع عن جزئّية‬ ‫مى " المجتمع المدني"‪ ،‬حّتى صارت عاجزة عن ال ّ‬ ‫فيما يس ّ‬
‫إسلمّية بل حّتى بالّتصريح عن هوّيتها الحقيقّية ولذلك قالوا " نحن لسنا حزبا‬
‫وغ لهذه الّتحريفات‬ ‫سلطة للسلم وتس ّ‬ ‫دينّيا " وبذلك تؤّبد الّنهضة مخالفات ال ّ‬
‫وتباركها‪ .‬هذه هي الحقيقة كاملة‪ .‬ففي الوقت الذي قطعت حركة الخوان‬
‫ل مكان ومنذ زمان إلى تطبيق‬ ‫دعوة في ك ّ‬ ‫مة في ال ّ‬ ‫دولّية أشواطا مه ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ل‪ ،‬تبقى حركة الّنهضة الّتونسّية وحدها‬ ‫شريعة عبر شعار السلم هو الح ّ‬ ‫ال ّ‬
‫جة وحساسّية الّنخبة المتهالكة اّلتي‬ ‫الّنشاز والحالة الفريدة اّلتي تخشى ض ّ‬
‫آختارت أن تخاصم رّبها‪ ،‬ول تستطيع الّنهضة إل ّ أن تستسلم لشروطها المذّلة‬
‫شرع العزيز‪ .‬ول‬ ‫وترسم مواقفها على أهواء غيرها ل على حسب مرادات ال ّ‬
‫ن هذا المنهج يحدث من الضرار ما الله وحده به عليم منها ‪:‬‬ ‫يخفى أ ّ‬
‫ـ إرضاء قوم ما رضوا عن رّبهم بل ما آمنوا بعدله وبحاكمّيته‪.‬‬
‫ـ إرضاء قوم غضب الله عليهم‪.‬‬
‫شرعّية والّثوابت العقدّية بل وأد نصوص الولء والبراء‬ ‫ـ مصادمة الصول ال ّ‬
‫ح إيمان إل ّ بها‪.‬‬ ‫اّلتي ل يص ّ‬
‫شرع‪.‬‬ ‫ـ كتمان الحقّ والّتعمية عن ال ّ‬
‫ـ ترك الّناس في جهل ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ـ إحداث فتنة الّتفريق بين المسلمين فيتعلق الّناس بتلك الّتصريحات العلنّية‬
‫فيعتقدها البعض فيوالي عليها ويعادي ول يخفى ما يسّببه ذلك من فتن‬
‫عظيمة !!!‬
‫ن هذه الحركة ل تريد أن تعالج قضاياها بجد ّ فضل على آعتمادها‬ ‫ن الملحظ أ ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ل مّرة ـ على غيرها‪ .‬فتارة على‬ ‫م على نفسها‪ ،‬فهي تتواكل ـ في ك ّ‬ ‫على الله ث ّ‬
‫ي‪ ،‬وبهذا‬ ‫الجوار‪ ،‬وتارة على اليسار‪ ،‬وتارة على ركوب موجة الصلح المريك ّ‬
‫صحوة الجديدة‪.‬‬ ‫تفهم خذلنها لل ّ‬
‫ن مواقف نهضة المهجر المعلنة ل يراد منها إل ّ أن ترضي خصوم العقيدة ولو‬ ‫إ ّ‬
‫حدين بفتح باب جحيم معاداة مشاعر المسلمين في‬ ‫على حساب إغضاب المو ّ‬
‫سّنة وهي تسلك مناهج الّتهوين من‬ ‫ل مكان بمخالفاتها لمنهج أهل ال ّ‬ ‫ك ّ‬
‫شريعة ويظهر ذلك من خلل سكوتها عن المخالفات الواضحة لمجلةّ‬ ‫ال ّ‬
‫سلفّية‬‫شخصّية‪ ،‬أو في منهجها الغير الخلقي في تقديم ال ّ‬ ‫الحوال ال ّ‬
‫سلفّيين في تونس قربانا للعتراف بهم‪.‬‬ ‫وال ّ‬

‫)‪(18 /‬‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن هذا الخطاب ليتخّبط في وهم المصالح والمآلت وما هو في الحقيقة إل ّ‬ ‫إ ّ‬


‫ّ‬
‫فكر خاضع لدّوامات أجندة حزب قد يستنفذ أغراضه إن أصّر على تنكره‬
‫ل الّتوافقي مع نخبة العلمانّيين على إبتلع‬ ‫لمطالب العقيدة وقبوله بالح ّ‬
‫شريعة لوهم مقاومة الستبداد‪ ،‬وهو لعمري ما يزيد في تعميق الزمة‬ ‫ال ّ‬
‫الحقيقّية في البلد‪ ،‬وهي العمل بعيدا عن هوّيتها وأسباب العدوان‪ ،‬فيغّيبون‬
‫بذلك أعظم حقّ خلق من أجله النسان وهو تحقيق العبودّية المطلقة من‬
‫ظلم وعمارة للرض و توزيع ثروة الله‬ ‫توحيد وعبادة و تشريع ومقاومة لل ّ‬
‫تعالى بين الّناس بالعدل‪..‬‬
‫لهثة على‬ ‫ن الخطاب اّلذي درجت عليه نهضة المهجر ل تستسيغه شعوبنا ال ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ّ‬
‫الفكر الّثابت المقاوم ل الّناعم المائع‪ .‬إّنه الخطاب الذي يزّيف الوعي ويش ّ‬
‫وه‬
‫دين‪ ،‬لّنه نتاج للفكر الستسلمي لشروط العلمانّيين وإملءاتهم‪ .‬إّنهم‬ ‫ال ّ‬
‫سينتهون ـ وقد انتهوا ـ إلى ما انتهى إليه أردوغان حيث رفض مقابلة خالد‬
‫مشعل‪ ،‬وإلى قبول من على شاكلتهم أن يكونوا في مجالس حكم يعّين من‬
‫طرف الغزاة‪ ..‬أو يتبعون أثر مرشدهم الّترابي حليف قرنق ضد ّ إخوانه واّلذي‬
‫سودانّيين يطردون‬ ‫انتهى إلى أرذل الفكر‪ ،‬وهو نفسه المنهج الذي جعل ال ّ‬
‫سلطة في‬ ‫لجئي الّنهضة الّتونسي ّّين من أرضهم كثمن لعادة علقاتهم مع ال ّ‬
‫تونس‪..‬‬
‫وهو نفس المنهج الذي ينتهجه عمرو خالد والجفري وطارق رمضان نجوم‬
‫ي صّلى الله عليه وآله وسّلم وآحتقار مسلمي‬ ‫ابتزاز وانتهاك حرمة الّنب ّ‬
‫دنمارك! أو إلى مثل تصريح الخ خالد مشعل ـ وّفقه الله وثّبته على ما كان‬ ‫ال ّ‬
‫شيشانّية الذي قال فيه ‪ :‬مسألة روسّية داخلّية‪ ،‬ونحن‬ ‫ّ‬ ‫عليه ـ بشأن المسألة ال ّ‬
‫دول الخرى‪ .‬وهذا موقف فيه ما فيه من‬ ‫داخلّية لل ّ‬ ‫شؤون ال ّ‬ ‫خل في ال ّ‬ ‫ل نتد ّ‬
‫ما جعل‬ ‫شيشان‪ ،‬م ّ‬ ‫شعب المسلم في ال ّ‬ ‫القسوة والتنكر للحقوق المشروعة لل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫شيشان أحمد زكاييف يعّلق على ذلك الّتصريح قائل‪":‬ولم نتوّقع أن‬ ‫زعيم ال ّ‬
‫يكون هناك أيّ فارق بين حماس وياسر عرفات‪ ،‬لقد وضعوا مصالح الحكومة‬
‫شيشان "‪.‬‬ ‫ديني مع المسلمين ال ّ‬ ‫صة بالّتضامن ال ّ‬ ‫الّروسية فوق تلك الخا ّ‬
‫والحمد لّله الذي جعل من زمن انكسار المسلمين وانحدارهم منحة تمييز‬
‫ن من المنافق والهارب من‬ ‫ث من الطّيب والصادِقَ من الكاذب والمؤم َ‬ ‫الخبي َ‬
‫الّثابت‪...‬قال إبن القّيم‪ ...":‬فلول خلقُ الضداد وتسليط أعدائه وامتحان‬
‫ة الموالة‬ ‫ص العبودّية من عبيده‪ ،‬ولم يحصل لهم عبودي ّ ُ‬ ‫رج خا ّ‬ ‫أوليائه لم يستخ ِ‬
‫ب فيه والبغض فيه والعطاء له والمنع له"‬ ‫فيه والمعاداة فيه والح ّ‬
‫فهل منهج الّتخذيل هذا اّلذي تسلكه الّنهضة يقّره شرعنا الحكيم وخلقنا‬
‫ن من يخذل‬ ‫يأ ّ‬‫م ّ‬‫ي العا ّ‬ ‫العظيم ؟ أفليس من أصولنا المباركة اّلتي يعلمها ال ّ‬
‫م ّ‬
‫ن‬
‫ن من ينصر مسلما ينصره الله تعالى ؟ أم أ ّ‬ ‫مسلما يخذله الله تعالى‪ ،‬وأ ّ‬
‫ي‬
‫ي متطّرف رجع ّ‬ ‫سك بها فهو أصول ّ‬ ‫القيم اليوم أصبحت متخّلفة ومن تم ّ‬
‫شاطرون ؟ إّنه منهج‬ ‫دمّيون ال ّ‬‫سياسة دهاقينها الحداثّيون الّتق ّ‬ ‫ساذج ؟ ولل ّ‬
‫الّنخبة اّلتي آستعلت على بساطة القيم وسلمتها من الّتشويش‬
‫دين‪.‬‬ ‫سياسّية هم وراء إفساد ال ّ‬ ‫ن الّنخب الفكرّية وال ّ‬ ‫والّتهويش‪.‬وفي الثار أ ّ‬
‫شرع‬ ‫ن هذا المسلك ل يقّره ال ّ‬ ‫دين إل ّ الملوك والّرهبان !!! إ ّ‬ ‫فما أهلك ال ّ‬
‫الّرحيم الجامع بين المسلمين والحريص على عدم تفّرقهم وقطيعتهم ‪ ،‬قال‬
‫ل مسالة حدثت في السلم فاختلف‬ ‫المام الشاطبي رحمه الله تعالى ( فك ّ‬
‫الّناس فيها ولم يورث ذلك الختلف بينهم عداوة ول بغضاء ول فرقة علمنا‬
‫ل مسألة طرأت فأوجبت العداوة والّتنافر و‬ ‫أّنها من مسائل السلم‪ .‬وك ّ‬
‫دين في شيء و إّنها اّلتي عنى‬ ‫الّتنابز والقطيعة علمنا أّنها ليست من أمر ال ّ‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن الذين فّرقوا‬ ‫الّرسول صّلى الله عليه وآله وسّلم بتفسير الية وهي قوله‪}-‬إ ّ‬
‫ل ذي دين و عقل‬ ‫دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء { فيجب على ك ّ‬
‫أن يتجّنبها‪ .‬فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك لحدث أحدثوه من إّتباع‬
‫ن السلم يدعو إلى اللفة والّتراحم والّتعاطف‪ .‬فك ّ‬
‫ل‬ ‫الهوى‪...‬وهو ظاهر في أ ّ‬
‫دين‪..‬الموافقات ‪.222- 4/221‬‬ ‫رأي إلى خلف ذلك فخارج عن ال ّ‬
‫ل صراحة ووضوح‬ ‫ضح حركة الّنهضة الّتونسّية موقفها بك ّ‬ ‫إّنه حان الوقت أن تو ّ‬
‫ّ‬
‫شريعة كلها ـ كما عهدها عليها شعبها في‬ ‫ما حركة إسلمّية تلتزم بمطالب ال ّ‬ ‫فإ ّ‬
‫ما‬
‫خل فيها‪ ،‬وإ ّ‬ ‫ون ودون تعديل لها وتد ّ‬ ‫ف أو دوران وتل ّ‬ ‫سبعينات ـ دون ل ّ‬ ‫عهد ال ّ‬
‫ما مسك‬ ‫دمه مزّيفا‪ .‬أ ّ‬ ‫ّ‬
‫دين الذي تق ّ‬ ‫ّ‬
‫أن تنخرط في لعبة الّنخبة وتتخلى عن ال ّ‬
‫ّ‬
‫طي برداء الوسطّية المزّيفة واللعب على الزدواجّية‬ ‫العصا من الوسط والّتغ ّ‬
‫و الغموض و القول ‪ :‬نحن لسنا حزبا دينّيا‪ ،‬نحن حزب مدني ذو خلفية‬
‫إسلمية ما عاد ينفع !!!‬

‫)‪(19 /‬‬

‫سلطة‬ ‫كة رسول الله صّلى الله عليه وآله وسّلم ال ّ‬ ‫لقد أعطى مشركو م ّ‬
‫دينّية‪،‬‬‫دولة ال ّ‬ ‫ميه العلمانّيون اليوم ال ّ‬
‫ما يس ّ‬ ‫والّثروة والّنساء مقابل أن يتخّلى ع ّ‬
‫فرفض في كبرياء وشموخ وعّزة منقطعة الّنظير أن يستدرج لشروط أعداء‬
‫شريعة وقد أعطوه ما أعطوا‪ ،‬فكيف بمن في موقع حركة الّنهضة ولم‬ ‫ال ّ‬
‫ل شيء تقريبا وأعّزه عقيدتهم فألغوها من‬ ‫كت منهم ك ّ‬ ‫يعطوا شيئا‪ ،‬بل آفت ّ‬
‫نضالتهم !!!‬
‫طائف لرسول الله صّلى الله عليه وآله وسّلم‪ ،‬ومات‬ ‫كة وال ّ‬ ‫كرت م ّ‬‫ولقد تن ّ‬
‫صحابة مشّردون فيهم من هو في الحبشة‬ ‫القريبان خديجة وأبو طالب‪ ،‬وال ّ‬
‫كة يقتل‪ ،‬ومنهم من ينتظر ومنهم من هو رهينة ومنهم‬ ‫وفيهم من هو في م ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫من هو على خوف‪ ،‬ويعرض نفسه صلى الله عليه وآله وسلم على القبائل‬
‫مه أبو‬ ‫ج‪ ،‬فكان رّدهم عليه قبيحا‪ ،‬وكيف ل يكون كذلك وع ّ‬ ‫الوافدة إلى الح ّ‬
‫ّ‬
‫ل ذلك لم يلجئ الّرسول صلى الله عليه‬ ‫ذله‪ ،‬ك ّ‬‫ذبه ويخ ّ‬ ‫لهب يسير خلفه يك ّ‬
‫صدق في منهجه أو أن يعد الّناس بغير الحقّ‬ ‫وآله وسّلم أن يداهن أو يجانب ال ّ‬
‫! قال رجل من قبيلة بني عامر بن صعصعة‪ ،‬ويدعى بيحرة بن فراس ‪":‬‬
‫ّ‬
‫ي صلى‬ ‫م قال للّنب ّ‬ ‫والله لو أّني أخذت هذا الفتى من قريش لكلت به العرب‪،‬ث ّ‬
‫م أظهرك الله على‬ ‫الله عليه وآله وسّلم‪ " :‬أرأيت إن تابعناك على أمرك ث ّ‬
‫من خالفك‪ ،‬أيكون لنا المر من بعدك ؟" قال صّلى الله عليه وآله وسّلم ‪":‬‬
‫المر لّله يضعه حيث يشاء "‪ ،‬قال الّرجل ‪ " :‬أفنهدف نحورنا للعرب دونك‪،‬‬
‫فإذا أظهرك الله كان المر لغيرنا‪ ،‬ل حاجة لنا بأمرك " إبن إسحاق عن‬
‫الّزهري ـ سيرة إبن هشام ‪76 / 2‬‬
‫ّ‬
‫صدق هو خطاب الجماعة المسلمة حّتى ولو كانت في أحلك الظروف‪ ،‬هذا‬ ‫ال ّ‬
‫هو الذي يجلب لها الحترام و يكسب ثقة المضطهدين و ل يعطي الخصوم‬ ‫ّ‬
‫طعن في مصداقّيتها‪ ،‬فضل عن مرضاة رّبها وما يقدره لها‬ ‫فرصة واحدة لل ّ‬
‫سبحانه وتعالى من توفيق وتأييد وعّزة ونصر إن سلكت سبيل نبّيها ولم تحد‬
‫ل‪ .‬و و الله ما غلبنا الخصوم إل يوم‬ ‫ن ذلك كّله بيده وحده عّز وج ّ‬ ‫عنه‪ ،‬ل ّ‬
‫ي‪ .‬قال ابن القيم رحمه الله تعالى ‪ ":‬تالله ما غدا عليك العدو إل‬ ‫تخّلى الول ّ‬
‫بعد أن تولى عنك الولي فل تظن أن الشيطان غلب ولكن الحافظ أعرض "‬
‫الفوائد ص ‪.79‬‬
‫ن حركة الّنهضة الّتونسّية‪ ،‬وهي تستحيي من أن تذكر عقيدتها وشرائع دينها‪،‬‬ ‫إ ّ‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وش على المشروع‬ ‫ل ما ل يرضي العلمانّيين ويصادمهم أو ما يش ّ‬ ‫جل ك ّ‬ ‫وتؤ ّ‬


‫سياسي‪ ،‬حّتى ما عدت تمّيز بين خطابها وخطاب حلفائها من اليسار‬ ‫ال ّ‬
‫جلوا العقيدة‬ ‫ونوا وألجموا بإعاقة أن يقولوا على الله غير الحقّ وأن يؤ ّ‬ ‫فتل ّ‬
‫ل متعّلقاتها والتي منها حقّ الله تعالى في الّتشريع ولذلك لم يتعّرضوا إلى‬ ‫وك ّ‬
‫ي مع‬ ‫سياس ّ‬ ‫شخصّية على وهم أّنها تفسد الوفاق ال ّ‬ ‫نقد مجّلة الحوال ال ّ‬
‫ويتهم الكبرى مقاومة الستبداد على حساب‬ ‫العلمانّيين لّنهم جعلوا أول ّ‬
‫العقيدة!!!‬
‫جل نهضة المهجر العقيدة في أكثر من مناسبة وهذا وحده‪ ،‬يكشف عن‬ ‫لقد أ ّ‬
‫خلل منهجي خطير يطعن في شرعّيتهم لخلل موازينهم ‪ ،‬وكان ذلك سبب‬
‫ل شيء و من بنى على غير أساس لم يبن‬ ‫ن العقيدة أساس ك ّ‬ ‫مقتلهم ل ّ‬
‫شيئا‪ ،‬ومن فعل ذلك فل تسأل بعد ذلك لماذا يقع القوم في الكوارث ؟ ول‬
‫دد والّتطّرف‬ ‫تعجب من إلزامهم الخطإ لمن خالفهم‪ ،‬بل يقاضونهم بالّتش ّ‬
‫والصولّية ويغرفون من مصطلحات ترضي أعداء الله ورسوله والمؤمنين‪.‬‬
‫ساكت عن‬ ‫سلفّية الّتونسّية‪ ،‬وال ّ‬ ‫دد بال ّ‬ ‫ن منهج الّنهضة المتناقض المن ّ‬ ‫إ ّ‬
‫دفاع عنها لمن‬ ‫شريعة كاملة وال ّ‬ ‫العلمانّيين العقائدّيين‪ ،‬بل المداهن في بيان ال ّ‬
‫أعظم المصادمة للصول والعتداء على الّثوابت‪.‬‬
‫شرعي‬ ‫ن إلزام المخالف للّنهضة بالخطإ والنحراف مخالف للمنهج ال ّ‬ ‫وإ ّ‬
‫ن بإخوان العقيدة وعلى إيجاد العذر لمن‬ ‫الّرحيم المحّرض على حسن الظ ّ ّ‬
‫ن الّرسول صّلى الله عليه‬ ‫دليل أ ّ‬ ‫وقع منهم في مخالفة شرعّية واضحة‪ .‬وال ّ‬
‫ي و قد شرب الخمر في حين أّنه لعن من‬ ‫وآله وسّلم نهى عن لعن صحاب ّ‬
‫ب الله ورسوله‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫يشربها عموما وعّلل سبب عدم لعنه بقوله إّنه يح ّ‬
‫دد وغير ذلك‪ ،‬وهو لعمري مخالف‬ ‫إّنهم حكموا على مخالفهم بالّتطّرف والّتش ّ‬
‫للمنهج السلمي القاضي ب " المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من‬
‫ل‬‫ن المسلم أخو المسلم ل يظلمه ول يسلمه ول يخذله‪ .‬ك ّ‬ ‫سواهم " وأ ّ‬
‫شرع الحكيم‬ ‫المسلم على المسلم حرام‪ ....‬وهو كذلك مخالف لمنهج ال ّ‬
‫ق‬
‫ل المسلمين والعاملين منهم بالخصوص على الح ّ‬ ‫داعي إلى جمع ك ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سّنة ضد ّ العداء الخلص ول الستقواء بهم أو الّتقّرب منهم بالّنيل من‬ ‫ّ‬ ‫وال ّ‬
‫دين وقطعّياته‬ ‫ن من ثوابت أصول ال ّ‬ ‫إخوان العقيدة بأيّ نوع من الّنيل‪ ...‬ل ّ‬
‫ي ول ينتهك بتأويل أو‬ ‫ّ‬
‫وة اليمانّية ول يسقط ذلك إل بكفر يقين ّ‬ ‫ثبات أصل الخ ّ‬
‫سياسّية اّلتي كثيرا ما تلّبس‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫الهواء‬ ‫بسب‬ ‫يعظم‬ ‫قد‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ظ‬ ‫أو‬ ‫إحتمال أو وهم‬
‫عليهم أحلم مصالح وهمّية‪...‬‬

‫)‪(20 /‬‬

‫دم أولوّيات مصالح الوسيلة ـ " أي الجهاز " والذي‬ ‫ن هذا المسلك الذي يق ّ‬ ‫إ ّ‬
‫يرتقي عندهم إلى تسميته ب " الكيان " ـ على أولوّيات العقيدة ومقتضياتها‬
‫شح إلى عقبة في طريق البناء‬ ‫خطأ شنيع وضلل بّين وآنحراف واضح سير ّ‬
‫وك المنهجي فضل‬ ‫دخن الفكري والّته ّ‬‫ي في تونس لسقوطه ضحّية ال ّ‬ ‫السلم ّ‬
‫ذنوب والمظالم‪ ،‬وملجمات الجمود‬ ‫عن مكّبلت مصالح الحزبّيين ومثقلت ال ّ‬
‫ور والّركون إلى الحلقة المفرغة المعّبر عنها أحسن تعبير أبدّية‬ ‫وعدم الّتط ّ‬
‫الّزعامة اّلتي أثقلت القوم‪.‬‬
‫دم العظائم‪،‬‬ ‫ن المبادئ العظيمة ل تنصر بمواقف هزيلة ومن طلب عظيما ق ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ضائعة والفكر الطريّ ل يمكن أن يكون سندا لهدف ضخم ول‬ ‫والجماعات ال ّ‬
‫مال لواجبات عظيمة‪.‬‬ ‫ح ّ‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ون عليها‬ ‫ذتهم في كسب مواقف ينقلب عليها غدا‪ ،‬ويتل ّ‬ ‫ن أهل الحقّ ليست ل ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ما يبدو من " خسائر‬ ‫ّ‬
‫ن سعادته في الحقّ الذي معه‪ ،‬مهما كلف م ّ‬ ‫ّ‬ ‫بعد غد‪ ،‬ولك ّ‬
‫ي لبد ّ أن يعلن‪ ،‬والوعد الّرّباني ل‬ ‫ن الحقّ الله ّ‬ ‫يل ّ‬
‫"مرحلّية ومن عنت وقت ّ‬
‫قق‪...‬‬ ‫بد ّ أن يتح ّ‬
‫ن الخطاب الموغل في الحزبّية المفّرط في حقوق السلم اّلتي من‬ ‫إ ّ‬
‫سياسي‬ ‫صدق في الخطاب ال ّ‬ ‫دفاع عنه وبيانه وعدم كتمانه وال ّ‬ ‫أعظمها ال ّ‬
‫متهم‪ ،‬ليطرح إشكالت عديدة من‬ ‫والحفاظ على وحدة المسلمين وبراءة ذ ّ‬
‫مها‪ :‬غاية هؤلء!!!أي لمن يعمل هؤلء ؟ وما هي أهداف هؤلء ؟ و ولؤهم‬ ‫أه ّ‬
‫ّ‬
‫لمن ؟ هل غاية العاملين في الّنهضة لله أم للحزب ؟ وهل الولء للسلم‬
‫وأهدافه أم للحزب وأهدافه ؟ وهل أهدافهم هي أهداف السلم أم أهداف‬
‫ل من يحرص‬ ‫دا لك ّ‬‫أشخاصه ؟ هذه أسئلة قد تكون حرجة‪ ،‬ولكّنها ضرورّية ج ّ‬
‫جلوا العقيدة في عملهم‬ ‫أن يقبل الله عمله‪ ،‬كما يجب أن تطرح على قوم أ ّ‬
‫للسلم !!!‬
‫ّ‬
‫ضعيفة هذه يعد ّ تنكرا لذاكرتها وهوّيتها‬ ‫ن حركة نهضة المهجر بمواقفها ال ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ّ‬
‫قها إل بدفاعها عن‬ ‫ق ّ‬ ‫ّ‬
‫وثوابتها وطعنا في مكاسبها الّتاريخّية التي لم تح ّ‬
‫شريعة‪ ،‬ورفع راية عقيدتها‪ ،‬وبصلبة مواقفها‪ ،‬وبتبّنيها للم شعبها‪ ،‬وبتعبيرها‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬
‫ونات والمراوغات‪...‬إ ّ‬ ‫عن آماله‪ ،‬ولم تلق تلك الحظوة بسبب الّتنازلت والّتل ّ‬
‫شرعّية هو وحده الكفيل للّنجاح والّتوفيق ويكفي ذلك‬ ‫الصرار على ال ّّثوابت ال ّ‬
‫شعب الفلسطيني‬ ‫نصرا وعّزة‪ ..‬وآنظر إلى حماس ما اّلذي جعل ال ّ‬
‫سك بالّثوابت والحقوق المشروعة أمام‬ ‫يختارها !!! فهل شيء آخر غير الّتم ّ‬
‫أضخم آلة حرب وتدمير في المنطقة وبدعم حبال الّناس المنقطعة الّنظير‬
‫من العالم ‪.‬‬
‫ون الخاضع لضغوط‬ ‫ضعيف المتل ّ‬ ‫ن منهج الّنهضة ال ّ‬ ‫فهل يمكن أن نقول إ ّ‬
‫ولها عن الّثوابت‬ ‫الكراه و الغراء والّرغب والّرهب لفي أشد ّ مأزق وهو تح ّ‬
‫والقيم من أجل وهم المكاسب‪ ،‬سينتهي بها يوما إلى الّتخّلي عن مبادئها‪.‬‬
‫ن حركة الّنهضة الّتونسّية قد تخّلت عن سمتها السلم ّ‬
‫ي‬ ‫وهل فعل أ ّ‬
‫ي رقيق كشف عنه رئيس مكتبها‬ ‫وتدحرجت إلى علمنة مقّنعة برداء دين ّ‬
‫شريعة‪ ،‬بل هم ل‬ ‫سياسي بقوله لسنا حزبا دينّيا فكيف ندعو إلى تطبيق ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫صلة كما قال الغّنوشي لحدى القنوات‬ ‫يدعون في دولتهم الموعودة إلى ال ّ‬
‫الفضائّية‪...‬‬
‫ل إعتبار‪ ،‬ورفع لواء العقيدة‬ ‫دين فوق ك ّ‬ ‫ل جعل قداسة هذا ال ّ‬ ‫ن الله عّز وج ّ‬ ‫إ ّ‬
‫دين‬ ‫ل شيء‪ ،‬فل قيمة لشيء مهما غلى إذا كانت العقيدة أو شعائر ال ّ‬ ‫فوق ك ّ‬
‫صحوة في تونس ـ واّلذي‬ ‫ن أعظم شيء يجب أن تعمل له ال ّ‬ ‫ددة‪ .‬وإ ّ‬ ‫مه ّ‬
‫كرت له نهضة المهجر ـ أن ترفع مبدأ العقيدة أّول عبر حقوق الله أّول‪،‬‬ ‫تن ّ‬
‫وأعظم حقّ له سبحانه وتعالى أن يعبد وحده‪ ،‬ول يشرك به شيئا‪ ،‬ول يّتخذ‬
‫ل ذلك طاغوت يجب أن يكفر به‪.‬‬ ‫الّناس من دونه أربابا أو أولياء أو أهواء وك ّ‬
‫‪----------‬‬
‫ّ‬
‫سسين للجماعة السلمّية في تونس سنة ‪ 1979‬ميلدي والتي‬ ‫)‪ (1‬أحد المؤ ّ‬
‫هي الن حركة الّنهضة‪ ،‬للتواصل‪mejrikhemis@yahoo.fr :‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫سنة النبوية إضاءات ضرورّية‬


‫ال ّ‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬عماد الدين خليل ‪24/1/1426‬‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪05/03/2005‬‬
‫]‪[1‬‬
‫من بين العديد من الباحثين الغربيين الذين كتبوا عن سيرة رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬يبدو ليوبولد فايس ) محمد أسد ( أكثرهم اهتماما ً‬
‫واقترابا ً من جانب حيوي من أكثر جوانبها أهمية‪ ،‬ذلك هو " السنة "‪ :‬ما الذي‬
‫تعنيه‪ ،‬وما مكانها في خارطة التشريع السلمي‪ ،‬ومدى التوثيق الذي حظيت‬
‫به‪ ،‬وما هي طبيعة التعامل التي يجب أن تنظم العلقة بينها وبين المسلم‪،‬‬
‫خضت عن هذا التعامل عبر التاريخ‪.‬‬ ‫وردود الفعال التي تم ّ‬
‫يعّرف "فايس" السنة بأنها‪ " :‬المثال الذي أقامه لنا الرسول ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬من أعماله وأقواله‪ .‬إن حياته العجيبة كانت تمثيل ً حيا ً وتفسيرا ً لما‬
‫جاء في القرآن الكريم‪ ،‬ول يمكننا أن نتصف القرآن الكريم بأكثر من أن نّتبع‬
‫الذي قد بلغ الوحي)‪.(1‬‬
‫ّ‬
‫فهذا التعريف ـ على إيجازه ـ يكاد يلم بسائر عناصر المصطلح المقصود‪،‬‬
‫فهناك أفعال الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وأقواله‪ ،‬أي معطياته كافة على‬
‫مستوى الممارسة والتعليم‪ ،‬وهناك التمثيل الحي لكتاب الله في واقع الحياة‬
‫من خلل هذه المعطيات التي تمارس دورا ً ل يقل أهمية‪ ،‬وهو التفسير الذي‬
‫صل ما ورد في القرآن الكريم موجزًا‪ ،‬مركزا ً ‪ ..‬وهناك ـ أخيرا ً ـ ما‬ ‫ضح ويف ّ‬ ‫يو ّ‬
‫تتضمنه السنة من إلزام باعتبارها القناة‪ ،‬أو الطريق الوحيد المفضي إلى‬
‫تنفيذ أمر الله كما بّلغه الوحي المين‪ ،‬وكما تمثل في كتاب الله‪.‬‬
‫والسنة بهذا المعنى ليست مجرد حشود من المفردات السلوكية‪ ،‬أو مجموعة‬
‫متفرقة من التعاليم والرشادات‪ .‬إنها وحدة مركبة وبرنامج عمل يتميز‬
‫بالشمولية والترابط‪ ،‬ويوازي حياة المسلم نفسها بكل تفاصيلها ونبضاتها‪ ،‬بل‬
‫إنه ـ بعبارة أكثر دقة ـ يتعاشق معها كما تتعاشق الروح مع الجسد البشري‪،‬‬
‫مع جملته العصبية‪ ،‬ودمه‪ ،‬وخلياه و " كما أن حياة المسلم يجب أن تقوم‬
‫على التعاون التام المطلق بين ذاته الروحية وذاته الجسدية‪ ،‬فإن هداية النبي‬
‫م الحياة على أنها وحدة مركبة‪ ،‬أي على‬ ‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يجب أن تض ّ‬
‫أنها مجموع أعمق المظاهر الخلقية والعملية والشخصية والجتماعية‪ ،‬وها هو‬
‫أعمق معاني السنة ")‪.(2‬‬
‫وإذا كانت السنة على هذا الساس‪ ،‬هي التعبير المتكامل عن السلم‪ ،‬يصبح‬
‫العمل بها لزما ً لكل مسلم يتوخى التعامل مع هذا الدين بالجد ّ المطلوب‪ ،‬من‬
‫أجل أن تتوحد المبادئ والتعاليم‪ ،‬بالممارسة والسلوك‪ ،‬ويلتقي الفكر بالحياة‪،‬‬
‫ويتمكن السلم ـ بالتالي ـ من أن يشق طريقه متحققا ً في مجرى الواقع‪،‬‬
‫متقدما ً بأتباعه إلى المام‪ ،‬من خلل برنامج عمل ل يكاد يغفل صغيرة ول‬
‫كبيرة‪ .‬ومن هذا المنطلق يلحظ "فايس" كيف " أن العمل بسنة رسول الله‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬هو عمل على حفظ كيان السلم وعلى تقدمه‪ ،‬وأن‬
‫ترك السنة هو انحلل السلم"‪ .‬كما أنه يجد في السنة " الهيكل الحديدي‬
‫الذي قام عليه صرح السلم"‪ .‬ويتساءل‪ " :‬إنك إذا أزلت هيكل بناء ما‪،‬‬
‫وض ذلك البناء كأنه بيت من ورق؟ ")‪.(3‬‬ ‫أفيدهشك أن يتق ّ‬
‫وعلى هذا المستوى‪ ،‬أي على مستوى اللزام التشريعي والسلوكي‬
‫والجتماعي‬
‫للسنة‪ ،‬يمضي "فايس" إلى تأكيد حقيقة أن " سنة الرسول ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬تالية‬
‫للقرآن‪ ،‬وهي المصدر الثاني للشرع السلمي وللسلوك الشخصي‬
‫والجتماعي ‪ ..‬إنها التفسير الوحيد لتعاليم القرآن الكريم‪ ،‬والوسيلة الوحيدة‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لجتناب الخلف في تأويل تلك التعاليم وتطبيقها في الحياة العملية ‪ ..‬إن‬


‫تفكيرنا يقودنا حتما ً إلى أنه ليس ثمة حكم‪ ،‬فيا يتعلق بالتأويل العملي لتعاليم‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬أفضل من الذي أوحيت إليه هذه التعاليم هدى للعالمين‪ .‬إن‬
‫التعبير الذي يترّدد اليوم على مسامعنا كثيرًا‪" :‬لنرجع إلى القرآن الكريم‪،‬‬
‫ولكن يجب أل ّ نجعل من أنفسنا أتباعا ً مستعبدين للسنة‪ ،‬ينكشف بكل بساطة‬
‫عن جهل للسلم‪ .‬إن الذين يقولون هذا القول يشبهون رجل ً يريد أن يدخل‬
‫قصرا ً ولكنه ل يريد أن يستعمل المفتاح الصلي الذي يستطيع به وحده أن‬
‫يفتح الباب")‪.(4‬‬
‫وذلك ـ بإيجاز ـ هو جوهر الموضوع‪ :‬إن السنة هي المفتاح الصلي الذي‬
‫يمكننا من الدخول إلى عالم السلم‪ ،‬وبدونه فإننا سنظل واقفين على‬
‫البواب‪ ،‬ولن تكون سائر الدعاوى التي تنادي بالتحّرر من السنة!! قادرة على‬
‫أن تجعلنا مسلمين بحق‪.‬‬
‫]‪[2‬‬
‫ولكن ما مدى مصداقية السنة على مستوى التوثيق التاريخي؟؟ وهل أن ما‬
‫نقل عن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬من أقوال وأفعال هي نفسها‬
‫التي تحققت وقيلت في حيته بالفعل‪ ،‬أو قريبا ً منه؟ وإذا كان القرآن الكريم‬
‫يحمل ـ وبشكل مطلق ـ مصداقيته كنص إلهي محفوظ‪ ،‬لم ولن يأتيه الباطل‬
‫من بين يديه ول من خلفه‪ ،‬فما مدى حظ السنة من هذا المر؟ ل سيما‪ ،‬وأنها‬
‫تحمل هذا القدر الكبير من الهمية واللزام في الحياة السلمية؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن "فايس" ل يجعل هذه التنازلت تفلت من بين يديه‪ ،‬وتبقى معلقة في‬
‫الفضاء ‪ ..‬ونحن ـ كمسلمين نعرف جميعا ً الجابة عليها‪ ،‬تلك التي حرص‬
‫م والمتابعة على تقديمها موثقة‬ ‫الجداد بسلسلة موصولة من الجهد واله ّ‬
‫منقحة لجيال المسلمين‪ .‬ولكن المطلوب هو مخاطبة العقل الغربي ‪ ..‬العقل‬
‫العلماني الذي ل يسّلم بسهولة بأمر كهذا‪ ..‬ومن ثم فإن استنتاجات "فايس"‬
‫بهذا الصدد تحمل قيمتها؛ لنها تتحدث بالمفردات نفسها التي يدركها العقل‪،‬‬
‫وقد يقتنع بها أيضًا‪.‬‬
‫فهو يشير مثل ً إلى" الثر العظيم الذي تركته شخصية الرسول ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه‬
‫وسلم‪ -‬في أولئك الرجال الذين صحبوه باعتبارها حقيقة من أبرز حقائق‬
‫التاريخ النساني " وأنها " فوق ذلك ثابتة بالوثائق التاريخية " ويتساءل‪ " :‬هل‬
‫يمر في خيالنا أن أولئك الرجال الذين كانوا على استعداد لن يضحوا‬
‫بأنفسهم وما يملكون في سبيل رسول الله ‪ ،‬كانوا يتلعبون بكلماته؟ ")‪.(5‬‬
‫ويمضي "فايس" إلى القول بأن " الذين عاشوا في صحبة الرسول ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬رأوا جميعهم في أقواله وأعماله أعظم الهمية‪ ،‬ل لن شخصية‬
‫الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أّثرت فيهم فخلبت ألبابهم فقط‪ ،‬بل لنهم‬
‫كانوا أيضا ً على اعتقاد جازم بأن ذلك كان أمرا ً من الله تعالى لتنظيم حياتهم‬
‫حتى في أدق تفاصيلها‪ .‬كل ذلك اهتداء بالرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫وإقتداء به‪ .‬من أجل لك لم يستطيعوا أن يتناولوا الحاديث بل اكتراث‪ ،‬بل‬
‫جربوا أن يتعلموها وأن يحفظوها عن ظهر قلب ‪.(6)" ..‬‬
‫وهو ‪ ،‬على ضوء الجهود التوثيقّية المذهلة التي بذلها رجال الحديث في‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العصور التالية للصحابة والتابعين‪ ،‬والتي وضعت أصول منهج صارم في‬
‫ديه إزاء العقل الغربي‪ :‬أن يدعم انتقاداته‬ ‫التوثيق والبحث العلمي‪ ،‬بطرح تح ّ‬
‫العاطفية لمصداقية الحاديث النبوية بدليل علمي مقنع‪ " :‬إنه على الرغم من‬
‫دي الحديث على أنه نظم ما‪ ،‬فإن‬ ‫جميع الجهود التي بذلت في سبيل تح ّ‬
‫أولئك النقاد العصريين من الشرقيين والغربيين لم يستطيعوا أن يدعموا‬
‫انتقادهم العاطفي الخالص بنتائج من البحث العلمي‪ .‬وأنه من الصعب أن‬
‫يفعل أحد ذلك‪ ،‬لن الجامعين لكتب الحديث الولى وخصوصا ً المامين‬
‫البخاري ومسلمًا‪ ،‬قد قاموا بكل ما في طاقة البشر عند عرض صحة كل‬
‫حديث على قواعد التحديث عرضا ّ أشد كثيرا ً من ذلك الذي يلجأ إليه‬
‫المؤرخون الوربيون عادة عند النظر في مصادر التاريخ القديم ")‪.(7‬‬
‫ثم يخلص إلى القول بأن " رفض الحاديث الصحيحة‪ ،‬جملة واحدة أو أقساما‪ً،‬‬
‫ليس حتى اليوم إل ّ قضية ذوق‪ ،‬قضية قصرت عن أن تجعل من نفسها بحثا ً‬
‫علميا ً خالصا ً من الهواء ")‪.(8‬‬
‫فهي ـ إن ـ الميول والهواء تسعى لن تقول كلمتها في واحدة من أشد‬
‫مرتكزات السلم أهمية‪ ،‬حتى إذا ما ُأتيح لها أن تفرض كلمتها‪ ،‬قدرت على‬
‫هدم السلم نفسه‪ ،‬بعد أن رأينا ذلك الرتباط الصميم بين السنة وبين الدين‬
‫الذي ترجمته إلى وقائع وممارسات‪ .‬ولكنها لن تقدر إذ إن هناك‪ ،‬في الجهة‬
‫الخرى للظن والهوى‪ :‬المنهج‪ ،‬والعلم‪ ،‬والنقد الجاد التي قادت العقل‬
‫البشري وستقوده دوما ً إلى التسليم بمصداقية سنة رسول الله ) صلى الله‬
‫عليه وسلم (‪.‬‬
‫]‪[3‬‬
‫سنكتفي بهذا القدر من الحديث عن مسألة التوثيق هذه التي أشبعت بحثا‪ً،‬‬
‫ولنتابع "فايس" وهو يتحدث عن طبيعة التعامل مع السنة‪ .‬عن صيغ هذا‬
‫التعامل التي تتأرجح بين اللية التي ل تكاد تتمخض عن شيء وبين التمثل‬
‫الذي قاد أجيال ً من المسلمين إلى أن يكونوا تعبيرا ً صادقا ً عن كتاب الله‪،‬‬
‫وإلى أن يصنعوا المستحيل بالتالي ‪ ..‬ففي " اللحظة التي ينحط فيها العمل‬
‫بالسنة إلى عمل آلي‪ ،‬تفقد السنة قيمتها المثقفة فقدانا ً تامًا‪ ،‬وكذلك كان‬
‫شأن المسلمين في العصر الخيرة‪ .‬أما الصحابة والتابعون الذين قاموا بكل‬
‫مسعى لجعل كل دقيقة في حياتهم موافقة لما كان عليه الرسول ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬فإنهم فعلوا ذلك مع الفهم التام بأنهم أسلموا أنفسهم إلى إرادة‬
‫هادية تجعل حياتهم مطابقة لروح القرآن الكريم ")‪.(9‬‬
‫]‪[4‬‬
‫كيف يتم ذلك التطابق الباهر بين الحياة وتعاليم الله سبحانه؟ يجيب "فايس"‬
‫بأن " العمل بالسنة يجعل كل شيء في حياتنا اليومية مبنيا ً على القتداء بما‬
‫فعله الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وهكذا نكون دائمًا‪ ،‬إذا فعلنا أو تركنا‬
‫ذلك‪ ،‬مجبرين على أن نفكر بأعمال الرسول وأقواله الماثلة لعمالنا هذه‪،‬‬
‫وعلى هذا تصبح شخصية أعظم رجل متغلغلة إلى حد بعيد في منهاج حياتنا‬
‫اليومية نفسه‪ ،‬ويكون نفوذه الروحي قد أصبح العامل الحقيقي الذي يعتادنا‬
‫طول الحياة ")‪.(10‬‬
‫]‪[5‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والحديث عن سنة رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يقودنا إلى الحديث عن‬
‫شخص رسول الله نفسه‪ ..‬النبي‪ ،‬والقائد والمعلم‪ ..‬عن علقة المسلمين‬
‫على مّر العصور به ‪ ..‬عن محبتهم له ‪ ..‬عن عشقهم لفعاله وكلماته ‪ ..‬وعن‬
‫ردود الفعال النسانية‪ ،‬وجدانية وسلوكية‪ ،‬تلك التي تصادت على مدار‬
‫الزمن‪ ،‬مؤكدة أنه ما من أمة أحّبت رسولها‪ ،‬واقتدت به‪ ،‬كأمة السلم ‪ ،‬وأنه‬
‫ـ أيضا ً ـ ما من أمة كهذه المة لم تجرفها المحبة الطاغية إلى مواقع الشرك‬
‫والتأليه والصنمية‪ ،‬وما كانت الستثناءات بقادرة على أن تغطي على القاعدة‬
‫‪ ،‬أبدا ً ‪ ..‬إنه ليس هناك من رجل ‪ ،‬يقول "فايس" ‪ " ،‬مضى على وفاته أكثر‬
‫من ألف وثلثمائة سنة‪ ،‬قد أصاب مثل هذا الحب‪ ،‬ومن قبل هذا العدد من‬
‫الفئدة‪ ،‬مثل ذلك إلى من يرقد تحت القبة العظيمة الخضراء‪ .‬ومع ذلك فإنه‬
‫لم يدع يوما ً إل ّ أنه بشر‪ ،‬ولم ينسب المسلمون إليه اللوهية قط‪ ،‬كما فعل‬
‫الكثيرون من أتباع النبياء الخرين ) عليهم السلم ( بعد وفاة نبيهم‪ .‬والحق‬
‫أن القرآن نفسه يزخر باليات التي تؤكد إنسانية محمد ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ .. -‬ول ريب في أن من حوله لم يحبوه مثل هذا الحب إل لنه لم يكن‬
‫سوى بشر فحسب‪ ،‬ولنه عاش كما يعيش سائر الناس‪ ،‬يتمتع بملذات الوجود‬
‫البشري ويعاني آلمه‪ .‬ولقد بقي هذا الحب بعد‬
‫وفاته‪ ،‬وهو ل يزال حي ّا ً في قلوب أتباعه حتى اليوم كنشيد تعدد النغمات ")‬
‫‪.(11‬‬
‫هذا الموقف النساني الملتاع بالمحبة ‪ ..‬هذه الجلود المؤمنة التي تقشعر‬
‫كلما‬
‫وجدت نفسها قبالة الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ (-‬بعقولها ووجدانها‪ ،‬وهو‬
‫يقودها ويعلمها ويهديها ‪ ..‬هذه العيون التي تدمع كلها لجأت إلى نبي الله‪،‬‬
‫تطلب من يده الحانية أن يكفكف بها دمع العيون ويمسح بها جرح القلب ‪..‬‬
‫وما أغزرها وأعمقها في كل زمن ومكان‪.‬‬
‫هذه وتلك تحمل أهميتها القصوى ها هنا ونحن نتحدث عن سنة رسول الله ‪-‬‬
‫ل‪ ،‬كيف تمكن‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ .. -‬لنها تعكس‪ ،‬بإقناع يكاد يكون كام ً‬
‫المسلمون من حماية سنة نبيهم من الضياع ‪ ،‬وكيف قدروا في الوقت نفسه‬
‫على أن يعيشوها ويتمثلوها‪ ،‬بدرجة أو أخرى‪ ،‬فيتيحوا بذلك للسلم نفسه أن‬
‫يتحقق وأن يواصل الطريق ‪..‬‬
‫والن وبعد مرور أربعة عشر قرنا ً على لحاق رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬بالرفيق العلى‪ ،‬واستقرار جسده الشريف في المدينة فإن " وجوده‬
‫الروحي ل يزال حي ّا ً هنا كما كان يوم ذاك ‪ ..‬ولقد كان من أجله وحده أن‬
‫أصبحت مجموعة القرى التي كانت ُتدعى في ما مضى يثرب‪ ،‬مدينة أحبها‬
‫المسلمون حتى يومنا هذا كما لم ُتحب مدنية غيرها في أي مكان آخر من‬
‫العالم‪ .‬وليس لها حتى اسم خاص بها‪ .‬فمنذ أكثر من ثلثة عشر قرنا ً وهي‬
‫تعرف بمدينة النبي فحسب‪ ،‬وطيلة أكثر من ثلثة عشر قرنا ً التقت هنا سيول‬
‫ل ُتحصى من الحب‪ ،‬بحيث اكتسبت مع الشكال والحركات نوعا ً من التشابه‬
‫العائلي‪ ،‬وجميع الفروق في المظاهر تّتحد في لحن مشترك واحد ")‪.(12‬‬
‫)‪ (1‬السلم على مفترق الطرق‪ ،‬ترجمة د‪ .‬عمر فروخ‪ ،‬الطبعة السادسة ‪،‬‬
‫دار العلم للمليين ‪ ،‬بيروت ـ ‪ 1965‬م ‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫)‪ (2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫)‪ (3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫)‪ (4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪ 90‬ـ ‪.91‬‬
‫)‪ (5‬نفسه ‪.94 ،‬‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪.95‬‬ ‫)‪ (6‬نفسه ‪،‬‬


‫ص ‪.92‬‬ ‫)‪ (7‬نفسه ‪،‬‬
‫ص ‪.97‬‬ ‫)‪ (8‬نفسه ‪،‬‬
‫ص ‪.106‬‬ ‫)‪ (9‬نفسه ‪،‬‬
‫‪ ،‬ص ‪.109‬‬ ‫)‪ (11‬نفسه‬
‫‪ ،‬ص ‪.297‬‬ ‫)‪ (12‬نفسه‬

‫)‪(3 /‬‬

‫سنة النبوية إضاءات ضرورّية‬ ‫ال ّ‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬عماد الدين خليل ‪24/1/1426‬‬
‫‪05/03/2005‬‬
‫]‪[1‬‬
‫من بين العديد من الباحثين الغربيين الذين كتبوا عن سيرة رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬يبدو ليوبولد فايس ) محمد أسد ( أكثرهم اهتماما ً‬
‫واقترابا ً من جانب حيوي من أكثر جوانبها أهمية‪ ،‬ذلك هو " السنة "‪ :‬ما الذي‬
‫تعنيه‪ ،‬وما مكانها في خارطة التشريع السلمي‪ ،‬ومدى التوثيق الذي حظيت‬
‫به‪ ،‬وما هي طبيعة التعامل التي يجب أن تنظم العلقة بينها وبين المسلم‪،‬‬
‫خضت عن هذا التعامل عبر التاريخ‪.‬‬ ‫وردود الفعال التي تم ّ‬
‫يعّرف "فايس" السنة بأنها‪ " :‬المثال الذي أقامه لنا الرسول ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬من أعماله وأقواله‪ .‬إن حياته العجيبة كانت تمثيل ً حيا ً وتفسيرا ً لما‬
‫جاء في القرآن الكريم‪ ،‬ول يمكننا أن نتصف القرآن الكريم بأكثر من أن نّتبع‬
‫الذي قد بلغ الوحي)‪.(1‬‬
‫ّ‬
‫فهذا التعريف ـ على إيجازه ـ يكاد يلم بسائر عناصر المصطلح المقصود‪،‬‬
‫فهناك أفعال الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وأقواله‪ ،‬أي معطياته كافة على‬
‫مستوى الممارسة والتعليم‪ ،‬وهناك التمثيل الحي لكتاب الله في واقع الحياة‬
‫من خلل هذه المعطيات التي تمارس دورا ً ل يقل أهمية‪ ،‬وهو التفسير الذي‬
‫صل ما ورد في القرآن الكريم موجزًا‪ ،‬مركزا ً ‪ ..‬وهناك ـ أخيرا ً ـ ما‬ ‫ضح ويف ّ‬‫يو ّ‬
‫تتضمنه السنة من إلزام باعتبارها القناة‪ ،‬أو الطريق الوحيد المفضي إلى‬
‫تنفيذ أمر الله كما بّلغه الوحي المين‪ ،‬وكما تمثل في كتاب الله‪.‬‬
‫والسنة بهذا المعنى ليست مجرد حشود من المفردات السلوكية‪ ،‬أو مجموعة‬
‫متفرقة من التعاليم والرشادات‪ .‬إنها وحدة مركبة وبرنامج عمل يتميز‬
‫بالشمولية والترابط‪ ،‬ويوازي حياة المسلم نفسها بكل تفاصيلها ونبضاتها‪ ،‬بل‬
‫إنه ـ بعبارة أكثر دقة ـ يتعاشق معها كما تتعاشق الروح مع الجسد البشري‪،‬‬
‫مع جملته العصبية‪ ،‬ودمه‪ ،‬وخلياه و " كما أن حياة المسلم يجب أن تقوم‬
‫على التعاون التام المطلق بين ذاته الروحية وذاته الجسدية‪ ،‬فإن هداية النبي‬
‫م الحياة على أنها وحدة مركبة‪ ،‬أي على‬ ‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يجب أن تض ّ‬
‫أنها مجموع أعمق المظاهر الخلقية والعملية والشخصية والجتماعية‪ ،‬وها هو‬
‫أعمق معاني السنة ")‪.(2‬‬
‫وإذا كانت السنة على هذا الساس‪ ،‬هي التعبير المتكامل عن السلم‪ ،‬يصبح‬
‫العمل بها لزما ً لكل مسلم يتوخى التعامل مع هذا الدين بالجد ّ المطلوب‪ ،‬من‬
‫أجل أن تتوحد المبادئ والتعاليم‪ ،‬بالممارسة والسلوك‪ ،‬ويلتقي الفكر بالحياة‪،‬‬
‫ويتمكن السلم ـ بالتالي ـ من أن يشق طريقه متحققا ً في مجرى الواقع‪،‬‬
‫متقدما ً بأتباعه إلى المام‪ ،‬من خلل برنامج عمل ل يكاد يغفل صغيرة ول‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كبيرة‪ .‬ومن هذا المنطلق يلحظ "فايس" كيف " أن العمل بسنة رسول الله‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬هو عمل على حفظ كيان السلم وعلى تقدمه‪ ،‬وأن‬
‫ترك السنة هو انحلل السلم"‪ .‬كما أنه يجد في السنة " الهيكل الحديدي‬
‫الذي قام عليه صرح السلم"‪ .‬ويتساءل‪ " :‬إنك إذا أزلت هيكل بناء ما‪،‬‬
‫وض ذلك البناء كأنه بيت من ورق؟ ")‪.(3‬‬ ‫أفيدهشك أن يتق ّ‬
‫وعلى هذا المستوى‪ ،‬أي على مستوى اللزام التشريعي والسلوكي‬
‫والجتماعي‬
‫للسنة‪ ،‬يمضي "فايس" إلى تأكيد حقيقة أن " سنة الرسول ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬تالية‬
‫للقرآن‪ ،‬وهي المصدر الثاني للشرع السلمي وللسلوك الشخصي‬
‫والجتماعي ‪ ..‬إنها التفسير الوحيد لتعاليم القرآن الكريم‪ ،‬والوسيلة الوحيدة‬
‫لجتناب الخلف في تأويل تلك التعاليم وتطبيقها في الحياة العملية ‪ ..‬إن‬
‫تفكيرنا يقودنا حتما ً إلى أنه ليس ثمة حكم‪ ،‬فيا يتعلق بالتأويل العملي لتعاليم‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬أفضل من الذي أوحيت إليه هذه التعاليم هدى للعالمين‪ .‬إن‬
‫التعبير الذي يترّدد اليوم على مسامعنا كثيرًا‪" :‬لنرجع إلى القرآن الكريم‪،‬‬
‫ولكن يجب أل ّ نجعل من أنفسنا أتباعا ً مستعبدين للسنة‪ ،‬ينكشف بكل بساطة‬
‫عن جهل للسلم‪ .‬إن الذين يقولون هذا القول يشبهون رجل ً يريد أن يدخل‬
‫قصرا ً ولكنه ل يريد أن يستعمل المفتاح الصلي الذي يستطيع به وحده أن‬
‫يفتح الباب")‪.(4‬‬
‫وذلك ـ بإيجاز ـ هو جوهر الموضوع‪ :‬إن السنة هي المفتاح الصلي الذي‬
‫يمكننا من الدخول إلى عالم السلم‪ ،‬وبدونه فإننا سنظل واقفين على‬
‫البواب‪ ،‬ولن تكون سائر الدعاوى التي تنادي بالتحّرر من السنة!! قادرة على‬
‫أن تجعلنا مسلمين بحق‪.‬‬
‫]‪[2‬‬
‫ولكن ما مدى مصداقية السنة على مستوى التوثيق التاريخي؟؟ وهل أن ما‬
‫نقل عن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬من أقوال وأفعال هي نفسها‬
‫التي تحققت وقيلت في حيته بالفعل‪ ،‬أو قريبا ً منه؟ وإذا كان القرآن الكريم‬
‫يحمل ـ وبشكل مطلق ـ مصداقيته كنص إلهي محفوظ‪ ،‬لم ولن يأتيه الباطل‬
‫من بين يديه ول من خلفه‪ ،‬فما مدى حظ السنة من هذا المر؟ ل سيما‪ ،‬وأنها‬
‫تحمل هذا القدر الكبير من الهمية واللزام في الحياة السلمية؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن "فايس" ل يجعل هذه التنازلت تفلت من بين يديه‪ ،‬وتبقى معلقة في‬
‫الفضاء ‪ ..‬ونحن ـ كمسلمين نعرف جميعا ً الجابة عليها‪ ،‬تلك التي حرص‬
‫م والمتابعة على تقديمها موثقة‬‫الجداد بسلسلة موصولة من الجهد واله ّ‬
‫منقحة لجيال المسلمين‪ .‬ولكن المطلوب هو مخاطبة العقل الغربي ‪ ..‬العقل‬
‫العلماني الذي ل يسّلم بسهولة بأمر كهذا‪ ..‬ومن ثم فإن استنتاجات "فايس"‬
‫بهذا الصدد تحمل قيمتها؛ لنها تتحدث بالمفردات نفسها التي يدركها العقل‪،‬‬
‫وقد يقتنع بها أيضًا‪.‬‬
‫فهو يشير مثل ً إلى" الثر العظيم الذي تركته شخصية الرسول ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه‬
‫وسلم‪ -‬في أولئك الرجال الذين صحبوه باعتبارها حقيقة من أبرز حقائق‬
‫التاريخ النساني " وأنها " فوق ذلك ثابتة بالوثائق التاريخية " ويتساءل‪ " :‬هل‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يمر في خيالنا أن أولئك الرجال الذين كانوا على استعداد لن يضحوا‬


‫بأنفسهم وما يملكون في سبيل رسول الله ‪ ،‬كانوا يتلعبون بكلماته؟ ")‪.(5‬‬
‫ويمضي "فايس" إلى القول بأن " الذين عاشوا في صحبة الرسول ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬رأوا جميعهم في أقواله وأعماله أعظم الهمية‪ ،‬ل لن شخصية‬
‫الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أّثرت فيهم فخلبت ألبابهم فقط‪ ،‬بل لنهم‬
‫كانوا أيضا ً على اعتقاد جازم بأن ذلك كان أمرا ً من الله تعالى لتنظيم حياتهم‬
‫حتى في أدق تفاصيلها‪ .‬كل ذلك اهتداء بالرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫وإقتداء به‪ .‬من أجل لك لم يستطيعوا أن يتناولوا الحاديث بل اكتراث‪ ،‬بل‬
‫جربوا أن يتعلموها وأن يحفظوها عن ظهر قلب ‪.(6)" ..‬‬
‫وهو ‪ ،‬على ضوء الجهود التوثيقّية المذهلة التي بذلها رجال الحديث في‬
‫العصور التالية للصحابة والتابعين‪ ،‬والتي وضعت أصول منهج صارم في‬
‫ديه إزاء العقل الغربي‪ :‬أن يدعم انتقاداته‬ ‫التوثيق والبحث العلمي‪ ،‬بطرح تح ّ‬
‫العاطفية لمصداقية الحاديث النبوية بدليل علمي مقنع‪ " :‬إنه على الرغم من‬
‫دي الحديث على أنه نظم ما‪ ،‬فإن‬ ‫جميع الجهود التي بذلت في سبيل تح ّ‬
‫أولئك النقاد العصريين من الشرقيين والغربيين لم يستطيعوا أن يدعموا‬
‫انتقادهم العاطفي الخالص بنتائج من البحث العلمي‪ .‬وأنه من الصعب أن‬
‫يفعل أحد ذلك‪ ،‬لن الجامعين لكتب الحديث الولى وخصوصا ً المامين‬
‫البخاري ومسلمًا‪ ،‬قد قاموا بكل ما في طاقة البشر عند عرض صحة كل‬
‫حديث على قواعد التحديث عرضا ّ أشد كثيرا ً من ذلك الذي يلجأ إليه‬
‫المؤرخون الوربيون عادة عند النظر في مصادر التاريخ القديم ")‪.(7‬‬
‫ثم يخلص إلى القول بأن " رفض الحاديث الصحيحة‪ ،‬جملة واحدة أو أقساما‪ً،‬‬
‫ليس حتى اليوم إل ّ قضية ذوق‪ ،‬قضية قصرت عن أن تجعل من نفسها بحثا ً‬
‫علميا ً خالصا ً من الهواء ")‪.(8‬‬
‫فهي ـ إن ـ الميول والهواء تسعى لن تقول كلمتها في واحدة من أشد‬
‫مرتكزات السلم أهمية‪ ،‬حتى إذا ما ُأتيح لها أن تفرض كلمتها‪ ،‬قدرت على‬
‫هدم السلم نفسه‪ ،‬بعد أن رأينا ذلك الرتباط الصميم بين السنة وبين الدين‬
‫الذي ترجمته إلى وقائع وممارسات‪ .‬ولكنها لن تقدر إذ إن هناك‪ ،‬في الجهة‬
‫الخرى للظن والهوى‪ :‬المنهج‪ ،‬والعلم‪ ،‬والنقد الجاد التي قادت العقل‬
‫البشري وستقوده دوما ً إلى التسليم بمصداقية سنة رسول الله ) صلى الله‬
‫عليه وسلم (‪.‬‬
‫]‪[3‬‬
‫سنكتفي بهذا القدر من الحديث عن مسألة التوثيق هذه التي أشبعت بحثًا‪،‬‬
‫ولنتابع "فايس" وهو يتحدث عن طبيعة التعامل مع السنة‪ .‬عن صيغ هذا‬
‫التعامل التي تتأرجح بين اللية التي ل تكاد تتمخض عن شيء وبين التمثل‬
‫الذي قاد أجيال ً من المسلمين إلى أن يكونوا تعبيرا ً صادقا ً عن كتاب الله‪،‬‬
‫وإلى أن يصنعوا المستحيل بالتالي ‪ ..‬ففي " اللحظة التي ينحط فيها العمل‬
‫بالسنة إلى عمل آلي‪ ،‬تفقد السنة قيمتها المثقفة فقدانا ً تامًا‪ ،‬وكذلك كان‬
‫شأن المسلمين في العصر الخيرة‪ .‬أما الصحابة والتابعون الذين قاموا بكل‬
‫مسعى لجعل كل دقيقة في حياتهم موافقة لما كان عليه الرسول ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬فإنهم فعلوا ذلك مع الفهم التام بأنهم أسلموا أنفسهم إلى إرادة‬
‫هادية تجعل حياتهم مطابقة لروح القرآن الكريم ")‪.(9‬‬
‫]‪[4‬‬
‫كيف يتم ذلك التطابق الباهر بين الحياة وتعاليم الله سبحانه؟ يجيب "فايس"‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بأن " العمل بالسنة يجعل كل شيء في حياتنا اليومية مبنيا ً على القتداء بما‬
‫فعله الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وهكذا نكون دائمًا‪ ،‬إذا فعلنا أو تركنا‬
‫ذلك‪ ،‬مجبرين على أن نفكر بأعمال الرسول وأقواله الماثلة لعمالنا هذه‪،‬‬
‫وعلى هذا تصبح شخصية أعظم رجل متغلغلة إلى حد بعيد في منهاج حياتنا‬
‫اليومية نفسه‪ ،‬ويكون نفوذه الروحي قد أصبح العامل الحقيقي الذي يعتادنا‬
‫طول الحياة ")‪.(10‬‬
‫]‪[5‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫والحديث عن سنة رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يقودنا إلى الحديث عن‬
‫شخص رسول الله نفسه‪ ..‬النبي‪ ،‬والقائد والمعلم‪ ..‬عن علقة المسلمين‬
‫على مّر العصور به ‪ ..‬عن محبتهم له ‪ ..‬عن عشقهم لفعاله وكلماته ‪ ..‬وعن‬
‫ردود الفعال النسانية‪ ،‬وجدانية وسلوكية‪ ،‬تلك التي تصادت على مدار‬
‫الزمن‪ ،‬مؤكدة أنه ما من أمة أحّبت رسولها‪ ،‬واقتدت به‪ ،‬كأمة السلم ‪ ،‬وأنه‬
‫ـ أيضا ً ـ ما من أمة كهذه المة لم تجرفها المحبة الطاغية إلى مواقع الشرك‬
‫والتأليه والصنمية‪ ،‬وما كانت الستثناءات بقادرة على أن تغطي على القاعدة‬
‫‪ ،‬أبدا ً ‪ ..‬إنه ليس هناك من رجل ‪ ،‬يقول "فايس" ‪ " ،‬مضى على وفاته أكثر‬
‫من ألف وثلثمائة سنة‪ ،‬قد أصاب مثل هذا الحب‪ ،‬ومن قبل هذا العدد من‬
‫الفئدة‪ ،‬مثل ذلك إلى من يرقد تحت القبة العظيمة الخضراء‪ .‬ومع ذلك فإنه‬
‫لم يدع يوما ً إل ّ أنه بشر‪ ،‬ولم ينسب المسلمون إليه اللوهية قط‪ ،‬كما فعل‬
‫الكثيرون من أتباع النبياء الخرين ) عليهم السلم ( بعد وفاة نبيهم‪ .‬والحق‬
‫أن القرآن نفسه يزخر باليات التي تؤكد إنسانية محمد ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ .. -‬ول ريب في أن من حوله لم يحبوه مثل هذا الحب إل لنه لم يكن‬
‫سوى بشر فحسب‪ ،‬ولنه عاش كما يعيش سائر الناس‪ ،‬يتمتع بملذات الوجود‬
‫البشري ويعاني آلمه‪ .‬ولقد بقي هذا الحب بعد‬
‫وفاته‪ ،‬وهو ل يزال حي ّا ً في قلوب أتباعه حتى اليوم كنشيد تعدد النغمات ")‬
‫‪.(11‬‬
‫هذا الموقف النساني الملتاع بالمحبة ‪ ..‬هذه الجلود المؤمنة التي تقشعر‬
‫كلما‬
‫وجدت نفسها قبالة الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ (-‬بعقولها ووجدانها‪ ،‬وهو‬
‫يقودها ويعلمها ويهديها ‪ ..‬هذه العيون التي تدمع كلها لجأت إلى نبي الله‪،‬‬
‫تطلب من يده الحانية أن يكفكف بها دمع العيون ويمسح بها جرح القلب ‪..‬‬
‫وما أغزرها وأعمقها في كل زمن ومكان‪.‬‬
‫هذه وتلك تحمل أهميتها القصوى ها هنا ونحن نتحدث عن سنة رسول الله ‪-‬‬
‫ل‪ ،‬كيف تمكن‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ .. -‬لنها تعكس‪ ،‬بإقناع يكاد يكون كام ً‬
‫المسلمون من حماية سنة نبيهم من الضياع ‪ ،‬وكيف قدروا في الوقت نفسه‬
‫على أن يعيشوها ويتمثلوها‪ ،‬بدرجة أو أخرى‪ ،‬فيتيحوا بذلك للسلم نفسه أن‬
‫يتحقق وأن يواصل الطريق ‪..‬‬
‫ً‬
‫والن وبعد مرور أربعة عشر قرنا على لحاق رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬بالرفيق العلى‪ ،‬واستقرار جسده الشريف في المدينة فإن " وجوده‬
‫الروحي ل يزال حي ّا ً هنا كما كان يوم ذاك ‪ ..‬ولقد كان من أجله وحده أن‬
‫أصبحت مجموعة القرى التي كانت ُتدعى في ما مضى يثرب‪ ،‬مدينة أحبها‬
‫المسلمون حتى يومنا هذا كما لم ُتحب مدنية غيرها في أي مكان آخر من‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العالم‪ .‬وليس لها حتى اسم خاص بها‪ .‬فمنذ أكثر من ثلثة عشر قرنا ً وهي‬
‫تعرف بمدينة النبي فحسب‪ ،‬وطيلة أكثر من ثلثة عشر قرنا ً التقت هنا سيول‬
‫ل ُتحصى من الحب‪ ،‬بحيث اكتسبت مع الشكال والحركات نوعا ً من التشابه‬
‫العائلي‪ ،‬وجميع الفروق في المظاهر تّتحد في لحن مشترك واحد ")‪.(12‬‬
‫________________________________________‬
‫)‪ (1‬السلم على مفترق الطرق‪ ،‬ترجمة د‪ .‬عمر فروخ‪ ،‬الطبعة السادسة ‪،‬‬
‫دار العلم للمليين ‪ ،‬بيروت ـ ‪ 1965‬م ‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫)‪ (2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫)‪ (3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫)‪ (4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪ 90‬ـ ‪.91‬‬
‫)‪ (5‬نفسه ‪.94 ،‬‬
‫)‪ (6‬نفسه ‪.95 ،‬‬
‫)‪ (7‬نفسه ‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫)‪ (8‬نفسه ‪ ،‬ص ‪.97‬‬
‫)‪ (9‬نفسه ‪ ،‬ص ‪.106‬‬
‫)‪ (11‬نفسه ‪ ،‬ص ‪.109‬‬
‫)‪ (12‬نفسه ‪ ،‬ص ‪.297‬‬

‫)‪(3 /‬‬
‫ُ‬
‫ن ]‪[1/2‬‬ ‫موْرِ الد ّن َْيا َوالد ّي ْ ِ‬ ‫يأ ُ‬ ‫مين فِ ْ‬ ‫ب الَعال َ ِ‬ ‫من ّر ّ‬ ‫ي ِ‬ ‫ح ٌ‬ ‫ة وَ ْ‬ ‫سن ّ ُ‬
‫ال ّ‬
‫د‪.‬الشريف حاتم العوني ‪10/8/1427‬‬
‫‪03/09/2006‬‬
‫الحمد الله على أفضاله‪ ,‬والصلة والسلم على رسول الله وآله‪.‬‬
‫ما في دين السلم‪ ,‬وعند علماء‬ ‫أما بعد‪ :‬فإن للسنة النبوّية شأًنا عظي ً‬
‫المسلمين‪:‬‬
‫ف‬‫فلقد أجمع المسلمون‪ ,‬والفقهاء من أتباع المذاهب الربعة منهم‪ ,‬والسل ُ‬
‫ن السّنة النبوّية المصدر التشريعي لدين السلم مع‬ ‫الصالح كّلهم‪ :‬على أ ّ‬
‫فظ‪,‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ن القرآن والسنة هما أساس هذا الدين‪ ,‬فبحفظها ُ‬ ‫القرآن الكريم‪ ,‬وأ ّ‬
‫ي ول شك على اعتقاد عصمة السّنة‪,‬‬ ‫ً‬
‫وببقاء وجودهما بقي موجودا‪ .‬وهذا مبن ّ‬
‫ي من الله تعالى‪ ,‬كما أن القرآن وحي ‪.‬‬ ‫وأنها وح ٌ‬
‫ل القرآن الكريم على أن السنة النبوية وحي‪:‬‬ ‫وقد د ّ‬
‫ن هُوَ إ ِّل‬ ‫وى إ ِ ْ‬ ‫ن ال ْهَ َ‬ ‫ما ي َن ْط ِقُ عَ ِ‬ ‫وى وَ َ‬ ‫ما غَ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫حب ُك ُ ْ‬‫صا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬‫ما َ‬ ‫قال الله تعالى‪َ " :‬‬
‫و" يعود إلى المنطوق‬ ‫ن هُ َ‬ ‫حى" ]النجم‪ .[4-2 :‬فالضمير في قوله "إ ِ ْ‬ ‫ي ُيو َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫وَ ْ‬
‫ي –صلى الله عليه‬ ‫منه –صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والمعنى‪ :‬إن منطوق النب ّ‬
‫وسلم‪ -‬ليس إل وحيا ً ُيوحى به إليه من رّبه عز وجل)‪.(1‬‬
‫ت‬‫قاَءَنا ائ ْ ِ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫جو َ‬ ‫ن ل ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫م آَيات َُنا ب َي َّنا ٍ‬ ‫وقال تعالى‪" :‬وَإ َِذا ت ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬
‫ن أ َت ّب ِعُ إ ِّل‬ ‫سي إ ِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫قاِء ن َ ْ‬ ‫ن ت ِل ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬
‫كون ِلي أ َ ُ‬
‫ن أب َد ّل َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ما ي َ ُ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ه قُ ْ‬ ‫ذا أوْ ب َد ّل ْ ُ‬
‫قرآن غَير هَ َ َ‬
‫بِ ُ ْ ٍ ْ ِ‬
‫م" ]يونس‪.[15 :‬‬ ‫ت َرّبي عَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ظي ٍ‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫صي ْ ُ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ف إِ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ي إ ِّني أ َ‬ ‫حى إ ِل ّ‬ ‫ما ُيو َ‬ ‫َ‬
‫ّ‬
‫فبّين رّبنا عز وجل أن رسوله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬ل يتكلم إل بالوحي‬
‫الذي يوحي به إليه‪.‬‬
‫ما ِفي‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫ذي ل ُ‬ ‫ّ‬
‫ط اللهِ ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫قيم ٍ ِ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫دي إ ِلى ِ‬‫َ‬ ‫ك لت َهْ ِ‬‫َ‬ ‫وقال تعالى‪" :‬وَإ ِن ّ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫موُر" ]الشورى‪.[53-52 :‬‬ ‫صيُر اْل ُ‬ ‫ض أل إ َِلى الل ّهِ ت َ ِ‬ ‫ْ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ي –صلى الله عليه وسلم‪ ,-‬وأنها هداية رّبانّية‪:‬‬ ‫فهذا الثناء البالغ على هداية النب ّ‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل على عصمة السنة‪ ,‬وأنها وحي من الله تعالى‪.‬‬ ‫ه" ‪ ،‬دلي ٌ‬ ‫ط الل ّ ِ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫" ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ن ي َكو َ‬ ‫مرا أ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ضى الل ُ‬ ‫من َةٍ إ َِذا ق َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َول ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن لِ ُ‬ ‫ما كا َ‬ ‫وقال تعالى‪" :‬وَ َ‬
‫مِبينا"ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫ً‬
‫ضلل ُ‬ ‫ضل َ‬ ‫ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫هف َ‬ ‫َ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل َ‬ ‫ن ي َعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مرِهِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ََرة ُ ِ‬ ‫ل َهُ ُ‬
‫َ‬
‫م‪ ,‬ويكون المعنى‪ :‬ما‬ ‫مرًا( نكرة ٌ في سياق الشرط‪ ,‬فتع ّ‬ ‫]الحزاب‪ .[36:‬فـ)أ ْ‬
‫ن ول مؤمنة يرى له حقّ الختيار في أيّ أمرٍ من أموره بعد‬ ‫كان ليوجد مؤم ٌ‬
‫أمر الله تعالى أو أمر رسوله –صلى الله عليه وسلم‪ ,-‬فإن جعل لنفسه حق‬
‫ص لله تعالى ولرسوله –صلى الله عليه وسلم‪ ,-‬وهو‬ ‫الختيار بعد ذلك فهو عا ٍ‬
‫عذر له فيه ‪.‬‬ ‫بذلك قد ضل الضلل الواضح الذي ل ُ‬
‫ة لكل أوامر رسول الله –صلى الله عليه‬ ‫ن هذه الية شامل ٌ‬ ‫وأعود وأؤكد أ ّ‬
‫ضى‬ ‫وسلم‪ ،-‬بل استثناء أيّ نوع منها‪ ,‬لدللة العموم في قوله تعالى‪" :‬إ َِذا قَ َ‬
‫الل ّه ورسول ُ َ‬
‫دا‪ ,‬حيث‬ ‫مرًا" فإذا رجعنا إلى سبب نزولها‪ ،‬زاد هذا المعنى تأكي ً‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ ََ ُ ُ‬
‫َ‬
‫صة تزويج زينب بنت جحش من زيد بن حارثة‪ ,‬وَت َأب ّي َْها على‬ ‫إنها نزلت في ق ّ‬
‫ي‪,‬‬ ‫هذا التزويج‪ ,‬إلى أن نزلت هذه الية‪ ,‬فأطاعت ورضيت)‪ .(2‬فهذا أمٌر دنيو ّ‬
‫صة النسان وشؤونه المتعّلقة بحياته الشخصية‪ .‬ومع ذلك جاء‬ ‫وهو أمٌر من خا ّ‬
‫دد‬
‫مهَ ّ‬ ‫المر فيه بالطاعة والتسليم‪ ،‬وعلى هذا السلوب الجازم القاطع ال ُ‬
‫عد‪.‬‬ ‫المتو ّ‬
‫دوا‬ ‫ج‬
‫َ ِ ُ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬
‫َ َ ََُْ ْ ّ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫ب‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ما‬
‫ِ َ‬‫في‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫مو‬ ‫ّ‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ي‬
‫ُ ِ ُ َ َ ّ ُ َ ُ‬ ‫تى‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫نو‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ب‬
‫ََ ّ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫فل‬ ‫َ‬ ‫"‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫وقال‬
‫َ‬
‫ي‬‫سِليمًا" ]النساء‪ .[65 :‬فهذا نف ٌ‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫حَرجا ً ِ‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ِفي أن ْ ُ‬
‫ي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬في‬ ‫كم النب ّ‬ ‫لليمان مؤك ّد ٌ بالقسم لكل من لم ُيح ّ‬
‫ف باليمان إل لمن‬ ‫ص ُ‬ ‫ت الوَ ْ‬ ‫كل)‪ (3‬نزاع وخلف يقع بين المسلمين‪ ،‬وأنه ل ي َث ْب ُ ُ‬
‫ي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬في كل نزاع‪ ,‬ثم لم يضق صدره‬ ‫تحاكم إلى النب ّ‬
‫م الكامل‪.‬‬ ‫حك ْم ِ التسلي َ‬ ‫من حكمه‪ ,‬ثم أن ُيسلم لهذا ال ُ‬ ‫ّ‬
‫ي من الله تعالى سوى ما سبق‪:‬‬ ‫ويدخل في الدللة على أن السنة وح ٌ‬
‫كل اليات المرة بالطاعة المطلقة للنبي –صلى الله عليه وسلم‪ ,-‬إذ لو لم‬
‫ة بالوحي‪ ,‬لما ُأمر المؤمنون بالطاعة المطلقة لها‪.‬‬ ‫تكن السنة معصوم ً‬
‫ل وَأوِلي‬ ‫ُ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫طيُعوا الل َ‬ ‫مُنوا أ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وذلك كقوله تعالى‪َ" :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬ ‫م ت ُؤْ ِ‬ ‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫يٍء فُرّدوه ُ إ ِلى اللهِ َوالّر ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬‫م ِفي َ‬ ‫ن ت ََناَزعْت ُ ْ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫مرِ ِ‬ ‫اْل ْ‬
‫ل" ]النساء‪ .[59:‬وكقوله تعالى‪:‬‬ ‫ن ت َأ ِْوي ً‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫خي ٌْر وَأ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫خرِ ذ َل ِ َ‬ ‫ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل ِ‬
‫َ‬
‫ن" ]آل عمران‪.[132 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ت ُْر َ‬ ‫ل ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ه َوالّر ُ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬ ‫"وَأ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سول َِنا‬ ‫ما عََلى َر ُ‬ ‫م فَإ ِن ّ َ‬ ‫ن ت َوَل ّي ْت ُ ْ‬ ‫ل فَإ ِ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬ ‫وكقوله تعالى‪" :‬وَأ ِ‬
‫ن" ]التغابن‪.[12 :‬‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ال َْبلغُ ال ْ ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ل( لكل ما صدر عن النبي‬ ‫م ٌ‬


‫وهذا اليات توجب الطاعة )التي هي تصديقٌ وعَ َ‬
‫ُ‬
‫–عليه الصلة والسلم‪ , -‬سواًء أكان وحًيا ابتداًء ‪ ,‬أو كان اجتهاًدا ابتداًء ثم أقِّر‬
‫)بعدم تصويبه( من رّبنا عز وجل ‪.‬‬
‫مث ْن ِي َةِ على طائعي رسول الله –صلى الله عليه‬ ‫وفي هذا المعنى كل اليات ال ُ‬
‫هم الجزاَء الحسن‪:‬‬ ‫وسلم‪ ،-‬والتي ت َعِد ُ ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫م ِ‬‫ه عَلي ْهِ ْ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ن أن ْعَ َ‬ ‫ذي َ‬‫معَ ال ِ‬ ‫ل فَأولئ ِك َ‬ ‫سو َ‬ ‫ه َوالّر ُ‬ ‫ن ي ُط ِِع الل َ‬ ‫م ْ‬ ‫كقوله تعالى‪" :‬وَ َ‬
‫ً‬
‫ن أولئ ِك َرِفيقا" ]النساء‪.[69 :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ن َوال ّ‬
‫س َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن وَ َ‬‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫داِء َوال ّ‬ ‫شهَ َ‬ ‫قي َ‬ ‫دي ِ‬
‫ص ّ‬
‫ن َوال ّ‬ ‫الن ّب ِّيي َ‬
‫هّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ي ُط ِِع الل َ‬‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬‫م ذ ُُنوب َك ْ‬ ‫فْر لك ْ‬ ‫م وَي َغْ ِ‬ ‫مالك ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ح لك ْ‬ ‫صل ِ ْ‬ ‫وكقوله تعالى‪" :‬ي ُ ْ‬
‫ظيما" ]الحزاب‪.[71 :‬‬ ‫ً‬ ‫وزا عَ ِ‬ ‫ً‬ ‫قد ْ َفاَز فَ ْ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه فَ َ‬ ‫وََر ُ‬
‫ي –صلى الله عليه وسلم‪ ,-‬من أي معصية‬ ‫ومن ذلك التحذير من معصية النب ّ‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لمره‪:‬‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫خل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ه ي ُد ْ ِ‬ ‫سول ُ‬‫َ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ي ُط ِِع الل َ‬ ‫م ْ‬ ‫دود ُ اللهِ وَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫َ‬
‫كقوله تعالى‪" :‬ت ِلك ُ‬ ‫ْ‬
‫ه وَي َت َعَد ّ‬ ‫سول ُ‬ ‫َ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل َ‬‫ّ‬
‫ن ي َعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ظي ُ‬ ‫ْ‬
‫فوُْز العَ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ِفيَها وَذل ِك ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫حت َِها اْل َن َْهاُر َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن" ]النساء‪.[14-13 :‬‬ ‫ٌ ُ ِ ٌ‬ ‫هي‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ِ َ َ ُ َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫لد‬ ‫َ ِ‬ ‫خا‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫نار‬ ‫ْ‬
‫ح ُ َ ُ ُ ْ ِ ُ َ‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫دو‬ ‫ُ‬
‫دى وَي َت ّب ِعْ غَي َْر‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬
‫ِ ْ َْ ِ َ ََّ َ ُ ُ َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫ِ ِ ّ ُ‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫ق‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫َ َ ْ ُ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫"‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫وكقوله‬
‫صيرًا" ]النساء‪.[115 :‬‬ ‫ْ َ ِ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫سا‬ ‫و‬
‫َُ ْ ِ َ َّ َ َ َ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ن ن ُوَل ّهِ َ َ َ‬
‫و‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ْ َْ ُ‬‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫عض‬ ‫ْ َْ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ض‬
‫ِ‬ ‫ع‬
‫َْ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫عا‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫ّ ُ ِ َْ ْ ُ‬‫ك‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫عا‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫ع‬
‫ْ َ‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫"ل‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫وكقوله‬
‫فون عَن أ َمره أ َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫م‬‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫صي‬‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫واذ‬ ‫م ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ن ِ‬ ‫سل ُّلو َ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫م" ]النور‪.[63 :‬‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫فتن ٌ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫ِ َْ‬
‫ن ِفيَها أ ََبدا"ً‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ه َناَر َ‬ ‫نل ُ‬ ‫َ‬ ‫ه فَإ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل َ‬ ‫ّ‬
‫ن ي َعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وكقوله تعالى‪" :‬وَ َ‬
‫]الجن‪.[23 :‬‬
‫ص مؤكد ٌ على أن‬ ‫ل طاعة الرسول من طاعة الله تعالى‪ ,‬وهذا ن ّ‬ ‫جعْ ُ‬ ‫ومن ذلك َ‬
‫أوامره‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬هي أوامر الله تعالى‪:‬‬
‫سل َْناكَ‬ ‫طاعَ الل ّه ومن توّلى فَما أرَ‬ ‫قد ْ أ َ َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫سو َ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ‬ ‫ن ي ُط ِِع الّر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫قال الله تعالى‪َ " :‬‬
‫فيظًا" ]النساء‪ .[80:‬ومن التصريح بوجوب اّتباع كل ما يصدر عن‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫ما يدل‬ ‫ي –صلى الله عليه وسلم‪ :-‬من القوال والفعال‪ ,‬أمًرا أو نهًيا‪ ،‬م ّ‬ ‫النب ّ‬
‫م بالوحي‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫معصو‬ ‫وسلم‪-‬‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫–صلى‬ ‫منه‬ ‫صدر‬ ‫ما‬ ‫كل‬ ‫أن‬ ‫على‬
‫ه‬‫قوا الل ّ َ‬ ‫ه َفان ْت َُهوا َوات ّ ُ‬ ‫م عَن ْ ُ‬ ‫ما ن ََهاك ُ ْ‬ ‫ذوه ُ وَ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫ما آَتاك ُ ُ‬ ‫ل الله تعالى‪" :‬وَ َ‬ ‫قَوْ ُ‬
‫ب" ]الحشر‪.[7 :‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ديد ُ ال ْعِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ح أن عبدالله بن مسعود –رضي‬ ‫وفي فهم فقهاء الصحابة لهذه الية‪ :‬ما ص ّ‬
‫مصات‪,‬‬ ‫الله عنه قال‪" :‬لعن الله الواشمات والمستوشمات‪ ،‬والنامصات والمتن ّ‬
‫ت خلق الله‪ .‬فبلغ ذلك امرأة ً من بني أسد‪ ,‬يقال‬ ‫سن‪ :‬المغّيرا ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ت لل ُ‬ ‫والمتفّلجا ِ‬
‫لها‪ :‬أم يعقوب‪ ,‬وكانت تقرأ القرآن‪ ,‬فأتته‪ ,‬فقالت‪ :‬ما حديث بلغني عنك‪ ،‬أنك‬
‫مصات‪ ،‬والمتفّلجات للحسن‪:‬‬ ‫لعنت الواشمات والمستوشمات‪ ،‬والمتن ّ‬
‫المغّيرات خلق الله؟ فقال عبدالله‪ :‬وما لي ل ألعن من لعن رسول الله –‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬وهو في كتاب الله؟ فقالت المرأة‪ :‬لقد قرأت ما بين‬
‫لوحي المصحف‪ ،‬فما وجدُته؟! فقال‪ :‬لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه‪ :‬قال الله‬
‫ه َفان ْت َُهوا" ]الحشر‪ [7 :‬أخرجه‬ ‫م عَن ْ ُ‬ ‫ما ن ََهاك ُ ْ‬ ‫ذوه ُ وَ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫ما آَتاك ُ ُ‬ ‫تعالى‪" :‬وَ َ‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ي –صلى الله عليه وسلم‪ :-‬بالثناء على‬ ‫ّ‬ ‫النب‬ ‫تباع‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫على‬ ‫ث‬
‫ومن ذلك‪ :‬الح ّ‬
‫خُلقه بأنه خلق‬ ‫المّتبعين‪ ،‬أو بالثناء على سيرته بأنها قدوة حسنة‪ ،‬أو على ُ‬
‫عظيم‪:‬‬
‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫ه وَي َغْ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬ ‫ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫قال تعالى‪" :‬قُ ْ‬
‫م" ]آل عمران‪.[31:‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ُ‬
‫جو الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة لِ َ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫م ِفي َر ُ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫وقال تعالى‪":‬ل َ َ‬
‫ه ك َِثيرًا" ]الحزاب‪.[21 :‬‬ ‫خَر وَذ َك ََر الل ّ َ‬ ‫م اْل ِ‬ ‫َوال ْي َوْ َ‬
‫م" ]ن‪.[4 :‬‬ ‫ك ل َعََلى ُ ُ‬ ‫وقال تعالى‪" :‬وَإ ِن ّ َ‬
‫ظي ٍ‬ ‫ق عَ ِ‬
‫َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫َ‬
‫عيا ً إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ذيرا ً وََدا ِ‬ ‫شرا ً وَن َ ِ‬ ‫مب َ ّ‬ ‫هدا ً وَ ُ‬ ‫شا ِ‬ ‫ك َ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫ي إ ِّنا أْر َ‬ ‫وقال تعالى‪َ" :‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫مِنيرًا" ]الحزاب‪.[46-45 :‬‬ ‫سَراجا ً ُ‬ ‫ب ِإ ِذ ْن ِهِ وَ ِ‬
‫ي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬بالحكمة‪ ،‬وما يوجبه هذا‬ ‫ومن ذلك وصف سنة النب ّ‬
‫الوصف من التعظيم والجلل لسّنته –صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬الذي يزيد على‬
‫مجّرد المر بالطاعة‪:‬‬
‫ة"‬ ‫م ِ‬ ‫حك َ‬‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ت اللهِ َوال ِ‬ ‫ّ‬ ‫ن آَيا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ُ‬
‫ما ي ُت ْلى ِفي ب ُُيوت ِك ّ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫ُ‬
‫قال الله تعالى‪َ" :‬واذ ْكْر َ‬
‫]الحزاب‪.[34 :‬‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ة‬
‫م ِ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ت الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وقال تعالى‪َ" :‬واذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م" ]البقرة‪.[231 :‬‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ه ب ِك ّ‬ ‫ن الل َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ه َواعْل ُ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫م ب ِهِ َوات ّ ُ‬ ‫ي َعِظ ُك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬‫كا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن ت َعْل َ ُ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫م َ‬ ‫ة وَعَل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫ه عَل َي ْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫وقال تعالى‪" :‬وَأن َْز َ‬
‫ظيما" ]النساء‪.[113:‬‬ ‫ً‬ ‫ك عَ ِ‬ ‫ل الل ّهِ عَل َي ْ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫فَ ْ‬
‫ة بإنزال الله تعالى‪,‬‬ ‫وتنّبه إلى ما جاء في هذه اليات من وقوع الحكمة متعلق ً‬
‫مما يعني أنها وحي منه سبحانه‪.‬‬
‫ي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬من ِقبل رّبه عز وجل بأن ل‬ ‫ومن ذلك تكليف النب ّ‬
‫ن تبليغ رسول‬ ‫يبّلغ إل وحيه‪ ,‬وأن ل يّتبع هوىً لحد ٍ من العالمين؛ مما يعني أ ّ‬
‫قا‪:‬‬ ‫الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬ل يكون إل عن الله تعالى مطل ً‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫نل‬ ‫ذي َ‬ ‫واَء ال ّ ِ‬ ‫مرِ َفات ّب ِعَْها َول ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬ ‫ن اْل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ريعَةٍ ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ك عََلى َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫م َ‬ ‫قال تعالى‪" :‬ث ُ ّ‬
‫ن" ]الجاثية‪.[18:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫َ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما ل َ َ‬ ‫ن ال ْعِل ْم ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاَء َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ب َعْد َ ال ّ ِ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫ت أهْ َ‬ ‫ن ات ّب َعْ َ‬ ‫َ‬
‫وقال تعالى‪" :‬وَلئ ِ ِ‬
‫ر" ]البقرة‪.[120 :‬‬ ‫صي ٍَ‬ ‫ي َول ن َ ِ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‬‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ُ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ه َول ت ُط ِِع ال َ‬ ‫ّ‬
‫ق الل َ‬ ‫ي ات ّ ِ‬ ‫وقال تعالى‪َ" :‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫خِبيرا"ً‬ ‫ن َ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ه كا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ك إِ ّ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫حى إ ِلي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ما ُيو َ‬ ‫كيما ً َوات ّب ِعْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫عَِليما ً َ‬
‫]الحزاب‪.[2 -1 :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ل فَ َ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫ن َرب ّك وَإ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل إ ِلي ْك ِ‬ ‫ما أن ْزِ َ‬ ‫ل ب َلغْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫وقال تعالى‪َ" :‬يا أي َّها الّر ُ‬
‫ن"‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ه ي َعْ ِ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫سال َت َ ُ‬ ‫ت رِ َ‬ ‫ب َل ّغْ َ‬
‫]المائدة‪.[67 :‬‬
‫ن" ]النمل‪.[79 :‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫وقال تعالى‪" :‬فت َوَك ْ‬
‫مِبي ِ‬ ‫حقّ ال ُ‬ ‫ل عَلى اللهِ إ ِن ّك عَلى ال َ‬
‫ومن ذلك بيانه ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬أن أعظم وظائف رسوله –صلى الله عليه‬
‫م لما كان فيه‬ ‫ن معصو ٌ‬ ‫وسلم‪ -‬هي بيان القرآن وتوضيحه‪ ،‬فلول أن هذا البيا َ‬
‫ن للقرآن؛ لن البيان الخاطئ ليس بياًنا‪ ،‬إنما البيان هو الصواب‪ ،‬ول يكون‬ ‫بيا ٌ‬
‫قا إل بوحي‪:‬‬ ‫صواًبا مطل ً‬
‫َ‬
‫ن"‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫م وَل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫ما ن ُّز َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِللّنا ِ‬ ‫ك الذ ّك َْر ل ِت ُب َي ّ َ‬ ‫قال تعالى‪" :‬وَأن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫]النحل‪.[44 :‬‬
‫ن القرآن‬ ‫ل الله –عز وجل‪ -‬إلى رسوله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬بيا َ‬ ‫وكما أوك َ َ‬
‫بوحيه إليه في هذه الية‪ ،‬فقد أوضح سبحانه لنبيه أنه هو الذي سيبّين له‬
‫ه‬‫ه وَقُْرآن َ ُ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫ن عَل َي َْنا َ‬ ‫ل ب ِهِ إ ِ ّ‬ ‫ج َ‬ ‫ك ل ِت َعْ َ‬ ‫سان َ َ‬ ‫ك ب ِهِ ل ِ َ‬ ‫حّر ْ‬ ‫القرآن‪ ،‬فقال تعالى‪" :‬ل ت ُ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه" ]القيامة‪.[17 -16 :‬‬ ‫ن عَلي َْنا ب ََيان َ ُ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫فَإ َِذا قََرأَناه ُ َفات ّب ِعْ قُْرآن َ ُ‬
‫دا‪ ،‬ووجوه إثباتها‬ ‫ي من الله تعالى كثيرة ٌ ج ّ‬ ‫واليات المثبتة أن السنة وح ٌ‬
‫ضا‪.‬‬ ‫وطرائق تناولها لهذا المر كثيرةٌ أي ً‬
‫جّية السّنة إجمال‪ ،‬وإنما‬ ‫ً‬ ‫م هذا الجواب لمن كان ل ينازع في ح ّ‬ ‫وما ُدمنا نقي ُ‬
‫ح من السنة في‬ ‫ج عليه بما ص ّ‬ ‫ح أن نحت ّ‬ ‫سم ٍ منها‪ ،‬فيص ّ‬ ‫جية قِ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ينازع في ُ‬
‫ضا‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬ ‫الدللة على كونها وحًيا من الله تعالى أي ً‬
‫ل شيٍء أسمعه من‬ ‫عمرو بن العاص ا‪ ،‬قال‪" :‬كنت أكتب ك ُ ّ‬ ‫حديث عبد الله بن َ‬
‫رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬أريد حفظه‪ ،‬فنهتني قريش‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنك‬ ‫ُ‬
‫ل شيء تسمعه من رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ ,-‬و رسو ُ‬
‫ل‬ ‫تكتب ك ّ‬
‫ت عن‬ ‫شٌر‪ ،‬يتكّلم في الغضب والرضا! فأمسك ُ‬ ‫الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬ب َ َ‬
‫ت ذلك لرسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ ، -‬فقال‪ :‬اكتب‪،‬‬ ‫الكتاب‪ ،‬فذكر ُ‬
‫فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إل حق ]وأشار إلى شفتيه صلى الله عليه‬
‫وسلم[" )‪.(4‬‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفي هذا الحديث إقراٌر بكتابة )كل شيٍء( يتفوه به النبي –صلى الله عليه‬
‫ث على ذلك من النبي –صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬دون‬ ‫وسلم‪ ،-‬بل هو أمٌر وح ّ‬
‫استثناء شيء‪ .‬وليس هذا فقط‪ ،‬بل مع و صف )كل شيٍء( نطق به النبي –‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬بأنه حق‪ .‬وليس هذا فقط‪ ,‬بل إن هذا الوصف )وهو‬
‫ي –صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬فقد‬ ‫الحق( مع شموله لـ)كل شيٍء( نطق به النب ّ‬
‫ف ل يتخّلف حتى في حالة غضبه –صلى الله عليه‬ ‫كد أنه وص ٌ‬ ‫جاء الحديث ليؤ ّ‬
‫وسلم‪ ،-‬وهي أ َْولى الحالت البشرّية التي قد يجتهد فيها النسان فيخطئ‪.‬‬
‫ن‬
‫ي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬لزعم أ ّ‬ ‫ن الستدلل ببشرّية النب ّ‬ ‫بل في الحديث‪ :‬أ ّ‬
‫ل‪ ،‬ل من‬‫ل باط ٌ‬
‫بعض ما يقوله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬ليس بوحي استدل ٌ‬
‫جهة نفي البشرّية عنه –صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬بل هو بشر –صلى الله عليه‬
‫م اجتهاده عليه‬ ‫م بالوحي عن قول ما سوى الحق‪ ,‬ومعصو ٌ‬ ‫وسلم‪ ،-‬لكنه معصو ٌ‬
‫الصلة والسلم عن القرار على الخطأ ‪.‬‬
‫ة على وجوب اعتقاد عصمة‬ ‫وبذلك يكون هذا الحديث من أقوى الحاديث دلل ً‬
‫ي –صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬لكونه وحًيا من الله تعالى ‪:‬‬ ‫كل ما نطق به النب ّ‬
‫ابتداًء أو مآًل ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫رب الكندي –رضي الله عنه‪ ، -‬قال‪ :‬قال‬


‫ُ‬ ‫دي ك َ ِ‬ ‫معْ ِ‬
‫وفي حديث المقدام بن َ‬
‫ت القرآن ومثَله معه‪ ،‬أل‬ ‫رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪" : -‬أل إني أْوتي ُ‬
‫ل ينثني شبعاًنا على أريكته‪،‬‬ ‫ت القرآن ومثَله معه‪ .‬أل يوشك رج ٌ‬ ‫ُ‬
‫إني أوِْتي ُ‬
‫حّلوه‪ ،‬وما وجدتم فيه من‬ ‫َ‬
‫يقول‪ :‬عليكم بالقرآن‪ ،‬فما وجدتم فيه من حلل فَأ ِ‬
‫حّرموه ‪.(5) "...‬‬ ‫حرام ف َ‬
‫ص على أن السنة مثل القرآن‪ ،‬في أنهما إيتاٌء من الله عز‬ ‫وفي الحديث‪ :‬ن ّ‬
‫ضا‪ :‬أن دعوى الكتفاء بالقرآن دون النظر‬ ‫منّزل‪ .‬وفيه أي ً‬ ‫وجل ‪ ،‬وأنهما وحي ُ‬
‫جة الستغناء بالقرآن عن السّنة = دعوى باطلة؛ لنها ظّنت‬ ‫إلى السنة‪ ،‬بح ّ‬
‫السنة ليست وحًيا‪ ،‬والواقع أنها مثل القرآن في ذلك‪.‬‬
‫س به في هذا المجال‪ ،‬من أن النبي –صلى الله عليه‬ ‫ْ‬
‫ومن لطيف ما ُيست َأن َ ُ‬
‫ن هذه هي صفته –صلى الله عليه وسلم‪ -‬التي‬ ‫وسلم‪ -‬ل يتكّلم إل بالوحي‪ :‬أ ّ‬
‫شر بها عيسى –عليه السلم‪ ،-‬كما هو في النجيل الذي يعترف به النصارى‬ ‫ب ّ‬
‫إلى اليوم !!‬
‫فقد جاء في إنجيل يوحنا‪ ،‬وأثناء وداع عيسى عليه السلم للحواريين‪ ،‬ذكر لهم‬
‫ة يونانّية قديمة تعني الذي له حمد ٌ كثير‪ ،‬أي )أحمد(‪،‬‬ ‫فيرقليط(‪ ،‬وهي كلم ٌ‬ ‫)ال ِ‬
‫ْ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ل ي َأِتي ِ‬‫سو ٍ‬‫شرا ً ب َِر ُ‬ ‫مصداًقا لقوله تعالى عن عيسى ‪-‬عليه السلم‪" :-‬وَ ُ‬
‫مب َ ّ‬
‫ف‪ .[6:‬وأثناء كلمه –عليه السلم‪ -‬عن الفيرقليط‪،‬‬ ‫د" ]الص ّ‬ ‫بعدي اسم َ‬
‫م ُ‬
‫ح َ‬‫هأ ْ‬‫ْ ُ ُ‬ ‫َْ ِ‬
‫حّرف في الترجمات المعاصرة إلى )المحامي‪ ،‬والمدافع‪ ،‬والمعّزي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫والذي‬
‫ل على الحيرة‬ ‫والشفيع‪ ،‬والمؤّيد ‪ ...‬إلى غير ذلك من التحريف والتخّبط الدا ّ‬
‫ومحاولة طمس الحقيقة (‪ ،‬قال ‪-‬عليه السلم‪" :-‬ل يزال عندي أشياء كثيرةٌ‬
‫ح الحق‪ ،‬أرشدكم‬ ‫ملها‪ .‬فمتى جاء هو‪ ،‬أيْ رو ُ‬ ‫ح ْ‬‫أقولها لكم‪ ،‬ولكنكم ل ُتطيقون َ‬
‫على الحقّ ك ُّله؛ لنه لن يتكّلم من عنده‪ ،‬بل يتكلم بما يسمع")‪.(6‬‬
‫ّ‬
‫فهذا وصفه –صلى الله عليه وسلم‪ -‬في القرآن والنجيل‪ ،‬أفل يخجل‬
‫المعترضون؟!!‬
‫ي –صلى الله عليه وسلم‪-‬‬ ‫وبذلك نخرج بالنتيجة القاطعة التالية‪ :‬أن سنة النب ّ‬
‫ة التصديق ‪ ..‬والطاعة ‪ ..‬بل استثناء‪.‬‬ ‫وحي‪ ،‬ومعنى ذلك أنها لزم ُ‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي –صلى الله عليه وسلم‪ :-‬ما يتعلق بأمور الدنيا من‪ :‬آداب‪،‬‬ ‫ومن سنة النب ّ‬
‫ما سوى العبادات‪.‬‬ ‫ومعاملت‪ ،‬وغيرها م ّ‬
‫________________________________________‬
‫)‪ (1‬انظر‪ :‬الجماع في التفسير‪ :‬لمحمد بن عبد الرحمن الخضيري )‪– 396‬‬
‫‪.(398‬‬
‫ح من مرسل مجاهد وقتادة‪ ,‬ويؤيدهما سياق اليات ‪.‬‬ ‫ص ّ‬
‫)‪َ (2‬‬
‫فانظر‪ :‬تفسير عبد الرزاق )‪ ،(2/117‬وتفسير الطبري )‪. (19/113‬‬
‫م موصول‪،‬‬ ‫جَر" فـ)ما( اس ٌ‬ ‫ما َ‬
‫ش َ‬ ‫)‪ (3‬هذا العموم مأخوذ ٌ من قوله تعالى‪ِ" :‬في َ‬
‫وهو من ألفاظ العموم‪.‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه المام أحمد )رقم ‪ ،(7018،7020 ،6930 ،6802 ،6510‬وأبو‬
‫داود )رقم ‪ ،(3641‬والدارمي )رقم ‪ ،(501‬وابن خزيمة )رقم ‪،(2280‬‬
‫والحاكم وصححه )‪ .(106 – 105 ،105– 1/104‬وهو حديث صحيح‪.‬‬
‫)‪ (5‬أخرجه المام أحمد ) رقم ‪ (،17193،17194 ،17174‬وأبو داود )رقم‬
‫‪ (4594 ،3798‬والترمذي )رقم ‪ ،(2664‬وابن ماجه )رقم ‪،(3193 ،12‬‬
‫والدارمي )رقم ‪ ،(606‬وابن حبان )رقم ‪ (12‬والحاكم وصححه )‪ (1/109‬من‬
‫وجوه‪ ،‬وهو حديث صحيح ‪.‬‬
‫)‪ (6‬إنجيل يوحنا )‪. (13 – 16/12‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫الشاب المسرف على نفسه‬


‫أ‪.‬د‪/‬محمد أديب الصالح‬
‫رئيس تحرير مجلة حضارة السلم‬
‫روي أن رجل ً جاء إلى إبراهيم بن أدهم‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫‪ -‬يا أبا إسحاق! إني مسرف على نفسي‪ ،‬فاعرض علي ما يكون لها زاجرا ً‬
‫ومستنقذا ً لقلبي‪.‬‬
‫قال‪ :‬إن قبلت خمس خصال وقدرت عليها لم تضرك معصية‪ ،‬ولم توبقك لذة‪.‬‬
‫قال‪ :‬هات‪ :‬يا أبا إسحاق!‬
‫قال‪ :‬أما الولى‪ ،‬فإذا أردت أن تعصي الله فل تأكل رزقه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فمن أين آكل وكل ما في الرض رزقه؟‬
‫قال له‪ :‬يا هذا! أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه في أرضه؟‬
‫قال‪ :‬ل‪ ،‬هات الثانية‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإذا أردت أن تعصيه فل تسكن شيئا ً من بلده‪.‬‬
‫قال الرجل‪ :‬هذه أعظم من الولى! يا هذا! إذا كان المشرق والمغرب وما‬
‫بينهما له فأين أسكن؟‬
‫قال‪ :‬يا هذا! أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلده وتعصيه؟‬
‫قال‪ :‬ل‪ ،‬هات الثالثة!‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬إذا أردت أن تعصيه‪ ،‬وأنت تحب رزقه وفي بلده‪ ،‬فانظر موضعا ل يراك‬
‫فيه مبارزا ً له فاعصه فيه‪.‬‬
‫قال‪ :‬يا إبراهيم! كيف هذا وهو يطلع على ما في السرائر؟‬
‫قال‪ :‬يا هذا! أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن في بلده وتعصيه وهو يراك‬
‫ويرى ما تجاهره به؟‬
‫قال‪ :‬ل‪ ،‬هات الرابعة!‬
‫ة‬
‫قال‪ :‬إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فقل له‪ :‬أخرني حتى أتوب توب ً‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نصوحًا‪ ،‬وأعمل لله صالحًا‪.‬‬


‫قال‪ :‬ل يقبل مني!‬
‫قال‪ :‬يا هذا‪ :‬فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب‪ ،‬وتعلم أنه إذا جاء‬
‫لم يكن له تأخير‪ ،‬فكيف ترجو وجه الخلص؟‬
‫قال‪ :‬هات الخامسة!‬
‫قال‪ :‬إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذوك إلى النار فل تذهب معهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬ل يدعونني ول يقبلون مني‪.‬‬
‫قال‪ :‬فكيف ترجو النجاةً إذًا؟‬
‫قال له‪ :‬يا إبراهيم! حسبي! حسبي! أنا استغفر الله وأتوب إليه‪.‬‬
‫ولزمه في العبادة حتى فرق الموت بينهما‪.‬‬
‫* مجلة حضارة السلم –السنة ‪– 6‬العدد ‪– 1‬ربيع الول ‪1385‬هـ ‪-‬تموز‬
‫‪1965‬م‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الشاعر‬
‫شعر‪ :‬أنور العطار‬
‫ه‬
‫صغْ من ُدموعه آيات ُ‬ ‫ه وي َ ُ‬ ‫َ‬
‫ح على عَذبات ِ ْ‬ ‫خّلياه ُ َين ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ْ‬ ‫غمات‬ ‫ََ‬ ‫ن‬ ‫على‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫من‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫ّ‬ ‫د‬ ‫مستم‬ ‫ُ‬ ‫بخشوع‬ ‫ألحانه‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫رت‬ ‫وَُ‬
‫ي‬
‫ه‬ ‫ن في أبيات ِ ْ‬ ‫ن صدرٍ َرد َّدتها الحزا ُ‬ ‫ل ُتثيرا به كمائ َ‬
‫ه‬
‫جوٍ فحسْبنا َبنات ِهِ من ُروات ِ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫نب َ‬ ‫م الّزما ِ‬ ‫ورواها ف ُ‬
‫ه‬‫خطات ِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫هيأب َةٍ أذى َ‬ ‫ت أباها غيَر َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ت َبغيا ً وعَ ّ‬ ‫ثم جاَر ْ‬
‫ه‬
‫صْرِفها عََزمات ِ ْ‬ ‫تب َ‬ ‫ب عليهِ واستباح ْ‬ ‫ت من غير ذن ٍ‬ ‫فاستطال ْ‬
‫ه‬‫ه السى على حسنات ِ ْ‬ ‫جزت ْ ُ‬ ‫مهدهِ بالرزايا و َ‬ ‫ه في َ‬ ‫وَرمت ُ‬
‫ه‬
‫مطاوي عظات ْ‬ ‫ه من َ‬ ‫ُ‬
‫ك الكن ْ َ‬ ‫ن حتى أدر َ‬ ‫فجرى والسى وليد َي ْ ِ‬
‫ه‬
‫ن في َنكبات ِ ْ‬ ‫س اللواتي لم ي َُرضها الزما ُ‬ ‫ل النفو ِ‬ ‫من ْهَ ُ‬ ‫والسى َ‬
‫ه‬
‫عثرات ِ ْ‬ ‫صله ُ َيشتكي َ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫وَتوارى عن الِعيان وأمسى في ُ‬
‫ه‬
‫صلت ِ ْ‬ ‫مستغرقا في َ‬ ‫ً‬ ‫ه صلةٍ فاتركاهُ ُ‬ ‫شب ُ‬ ‫ب اليام ِ‬ ‫عتا ُ‬ ‫و ِ‬
‫ه‬
‫شكات ْ‬ ‫ن وأصيخا لبث ّهِ و َ‬ ‫ظلهِ بسكو ٍ‬ ‫وا قيد َ ِ‬ ‫واجث ُ َ‬
‫ه‬
‫صفات ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫جل ّ‬ ‫ح من َ‬ ‫قلـ ـب بما ل َ‬ ‫ث القنوط إلى ال َ‬ ‫َ‬ ‫ل يبع ُ‬ ‫هيك ٌ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ّ‬
‫ن يحد ّقْ إليه ُيبصْر ملكا ُنوُره ُ ساطعٌ بكل جهات ْ‬ ‫ً‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ْ‬ ‫ذات‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫جلل‬ ‫من‬ ‫الطرف‬ ‫ع‬
‫ِ َ‬ ‫ش‬ ‫خا‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫مليك‬ ‫يناجي‬ ‫ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫باسط‬
‫م في كلماته‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫الل‬ ‫تتراءى‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫سطر‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫خدي‬ ‫َ‬ ‫فوق‬ ‫س‬
‫ب البؤ ُ‬ ‫ك َت َ َ‬
‫ه‬
‫ل هبات ِ ْ‬ ‫نك ّ‬ ‫عينا ه ُ ‪ ،‬وللعالمي َ‬ ‫ه‪ ،‬وللشجوِ َ‬ ‫للهوى قلب ُ ُ‬
‫ه‬
‫صفات ْ‬ ‫ل للدهر قرع ُ َ‬ ‫ت الليالي وحل ٌ‬ ‫ب لحادثا ِ‬ ‫وهو نه ٌ‬
‫ه‬
‫ينطوي في سبيل أبناِء دنيا هُ ويلقى من دهرهِ نائبات ْ‬
‫ه‬
‫ب من أذات ِ ْ‬ ‫ب وادٍع‪ ،‬غير صاخ ٍ‬ ‫بفؤادٍ واهٍ وصدرٍ رحي ٍ‬
‫دهـ ـر ويشكو لرب ّهِ ن ََزواته‬ ‫قى بصبرهِ َنزوةَ ال ّ‬ ‫َيتل ّ‬
‫ه‬
‫س وأبدى السى على نظرات ْ‬ ‫ه من البؤ ِ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫شاعٌر صاغَ ُ‬
‫ل فغّنى شاكرا رّبه على َنفحاته‬ ‫ً‬ ‫سحَر الحل َ‬ ‫حباهُ ال ّ‬ ‫و َ‬
‫ن وحيا فالهوى والشعوُر في طّياته‬ ‫ً‬ ‫سريّ النظيم ما كا َ‬ ‫و َ‬
‫جنباته‬ ‫ة على َ‬ ‫ة فَّياض ً‬ ‫حكـ ـم ُ‬ ‫ت ال ِ‬ ‫سرِيّ النظيم ما كان ِ‬ ‫و َ‬
‫ب اللجين من عََبراته‬ ‫ّ‬ ‫شاعٌر يمزج المداد َ من الحز ن يذو ِ‬
‫ف النجيعَ من القلـ ب فيجري رطبا على صفحاته‬ ‫ً‬ ‫ثم يستنز ُ‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سهِ وَدواته‬ ‫مدادا ً فهو ُيغني عن طر ِ‬ ‫يستمد ّ اليراع ُ منه ِ‬


‫س َدهَره ُ بالماني غير ما ناظرٍ إلى عقباته‬ ‫ل النف َ‬ ‫عَل ّ َ‬
‫مناه وهو ُيقصى عن نيلهِ َثمراته‬ ‫ن في الوجود ِ َيجني ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك ّ‬
‫ه‬
‫م في نفثات ِ‬ ‫ل جودي عليهِ وامنحيهِ اللها َ‬ ‫يا سماَء الخيا ِ‬
‫ك أسمى النظيم في ِذكرياته‬ ‫واطبعيهِ على الشعورِ ُيخل ّد ْ ل ِ‬
‫ل من قَ َ‬
‫صباته‬ ‫محاطا ً بالظ ّ‬ ‫شيد َ في قفص القلـ ب ُ‬ ‫ب ِ‬ ‫معبد الح ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫سهِ من لهاته‬ ‫ّ‬ ‫ح‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫بأوتا‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫ـ‬ ‫جـ‬ ‫ُ َ ْ‬ ‫و‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫يقر‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫الناقو‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫والفؤا‬
‫صدى دقاِته‬ ‫َ‬ ‫من‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ر‬ ‫كلما‬ ‫جانبيه‬ ‫على‬ ‫الهوى‬ ‫ض‬‫فيفي ُ‬
‫ن الصخوُر من أّناته‬ ‫شجاهُ فَتلي ُ‬ ‫شعره و َ‬ ‫ُيسمعُ الصخَر ِ‬
‫ن من نبراته‬ ‫ثم تجري على َرويّ القوافي وتحاكي الموزو َ‬
‫سجعاته‬ ‫ن يشدو المثير من َ‬ ‫ه حي َ‬ ‫وطيوُر السماِء تأخذ ُ عن ُ‬
‫فحاته‬ ‫ص َ‬
‫ه على َ‬ ‫س ُ‬ ‫َيخل ُد ُ الشاعُر الحزين إذا قطـ َر أنفا َ‬
‫ّ‬
‫غداِته‬ ‫ي َ‬ ‫ل الّرجاء ط ّ‬ ‫سهِ في شقاٍء ولع ّ‬ ‫ل أم ِ‬ ‫ه مث ُ‬ ‫م ُ‬‫يو ُ‬
‫َ‬
‫ن وُيزجي إلى العلى َزفراته‬ ‫ب النجم أسيا َ‬ ‫ُ‬
‫ل َيرق ُ‬ ‫ن َدجا اللي ُ‬ ‫إ ْ‬
‫ي أدنى الردى خطواته‬ ‫شج ّ‬ ‫ح ول الفجُر َيرثي ل َ‬ ‫جى ناز ٌ‬ ‫ل الد َ‬
‫صعقاته‬ ‫ت من شجا َ‬ ‫َ‬ ‫ت‪ -‬لتفطر َ‬ ‫لو تراه ُ –والليل ساٍج صمو ٌ‬ ‫ُ‬
‫عداته‬ ‫ُ‬ ‫من‬ ‫ه‬ ‫ت‬
‫َ َ ُ‬ ‫نجا‬ ‫جي‬ ‫ير‬
‫َ ُ ّ‬ ‫ن‬ ‫يرا‬ ‫ح ْ‬ ‫سادرا ً في مجاهل الفكر َ‬
‫سماته‬ ‫ت طواها الهواُء في ن َ َ‬ ‫منشدا ً في َدياجر الليل آيا ٍ‬ ‫ُ‬
‫ظلماته‬ ‫ت الحياةَ في ُ‬ ‫َ‬ ‫سئم‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫لي‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫أج‬ ‫إذا‬ ‫فؤادي‬ ‫يا‬ ‫‪...‬‬
‫سماته‬ ‫َ َ‬ ‫ب‬ ‫في‬ ‫العليل‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫ونو‬ ‫ضل‬ ‫َ‬ ‫وقد‬ ‫ت للصباِح‬ ‫وَتطّلع َ‬
‫ب من آهاته‬ ‫ت نيرا نا بقلب يذو ُ‬ ‫ً‬ ‫سّعر َ‬ ‫م َ‬ ‫ل‪ :‬يا ظل ُ‬ ‫ل تق ْ‬
‫ه‬
‫كرات ِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ة لوجيٍع أغرَقته اللم في َ‬ ‫ل في الليل رحم َ‬ ‫عَ ّ‬
‫سباته‬ ‫ق ُ‬ ‫ً‬
‫جَ! في عمي ِ‬ ‫ن في الكرى يزيد ُ التياعا كلما ل ّ‬ ‫ممع ٍ‬ ‫ُ‬
‫حي َّر الفكر من سنا لمعاته‬ ‫ً‬
‫فإذا ما استفاقَ أبصَر فجرا َ‬
‫خلِقنا على كائناته‬ ‫سمتها ي َد ُ َ‬ ‫ة قَ َ‬ ‫ن في الفجر روع ً‬ ‫إ ّ‬
‫سراته‬ ‫ح َ‬ ‫ح في هوى َ‬ ‫معدما طا َ‬ ‫ً‬ ‫ق حتى ُ‬ ‫ن لم تب ِ‬ ‫ت العالمي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ع ّ‬
‫ة الكون في الصباح َتجلى ولذيذ ُ الحياة في أولياته‬ ‫ّ‬ ‫بهج ُ‬
‫ح في بشرياته‬ ‫ن ُيناجي رّبه والصبا ُ‬ ‫بينما الشاعُر الحزي ُ‬
‫ب عن عالم الشقاِء وفاضت ُروحه وانطوى بُبرد نجاته‬ ‫غا َ‬
‫ه‬
‫ْ‬ ‫حيات‬ ‫من‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫راح‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫المو‬ ‫في‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫طويل‬ ‫بنوم‬ ‫م‬ ‫ينع‬
‫ُ َ ْ‬ ‫ه‬ ‫فاتركا‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الشام‬
‫شعر‪ :‬أمين تقي الدين‬
‫مها‬ ‫مها هل تستعيد ُ بلُدنا أيا َ‬ ‫هيا َ‬
‫ت ُ‬ ‫ت نفسي‪ ،‬فاستثر ُ‬ ‫دث ُ‬‫ح ّ‬
‫جسامها؟‬ ‫ت ِ‬ ‫ب ‪ -‬ماذا عليك لو استبح ِ‬ ‫ى وَرغائ ٌ‬ ‫من ً‬‫س – والدنيا ُ‬
‫يا نف ُ‬
‫هبا أحلمها‬ ‫ً‬ ‫مذ ّ‬‫غروَره‪ -‬يطوي الحياة ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫إن الشباب –وما جهل ِ‬
‫مها‬‫ت أوا َ‬ ‫س قد شفي ُ‬ ‫ة أو ل فنف ٌ‬ ‫ت فغاي ٌ‬ ‫أدعو المنى‪ ،‬فإذا سعد ُ‬
‫ت أوهامها‬ ‫هم ْ‬ ‫ب النفوس تو ّ‬ ‫ة وحدها حس ُ‬ ‫ما لذة ُ العيش الحقيق ُ‬
‫ّ‬
‫ت جبالها قد وطدت تحت الثرى أقدامها‬ ‫ُ‬ ‫تلك البلد الشاهقا ُ‬
‫ت أعّزة ً ‪ ،‬الناهضات إلى السماء ‪ ،‬اللبسات غمامها‬ ‫الراسيا ُ‬
‫مسات صخرها وُرغامها‬ ‫ماتها متل ّ‬ ‫ت عن ق ّ‬ ‫ث العظما ُ‬ ‫تتحد ّ ُ‬
‫ن حيالها وإذا انبسطن مع السهول أمامها‬ ‫فإذا مشى الوادي به ّ‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دامها‬ ‫دها ومشى إليك جلُلها قُ ّ‬ ‫وقف الزمان لديك يروي مج َ‬


‫مها‬‫ضرا َ‬ ‫تلك البلد ُ الشافيات مياهها المطفئات‪ ،‬وما بخلن‪ِ ،‬‬
‫ت نظامها‬ ‫وارة فوق الصخور شرودة بين الّربى كالطير ُرع َ‬ ‫ف ّ‬
‫ضرغامها‬ ‫ِ‬ ‫المدى‬ ‫شاسعة‬ ‫َ‬ ‫ء‬‫بيدا‬ ‫في‬ ‫ت‬‫ّ َ‬ ‫يج‬ ‫ه‬ ‫كما‬ ‫غضبى‬ ‫تها‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫شي‬ ‫ما‬
‫خزامها‬ ‫ك َوردها و ُ‬ ‫ة تمشي تضاح َ‬ ‫وصحبتها بين الرياض نقي ً‬
‫مها الكاشفات ‪ ،‬وقد طلعن ‪ ،‬ظلمها‬ ‫تلك البلد ُ الزاهرات نجو ُ‬
‫ح بالثناء نظامها‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ت من السناء قلئدا غُّرا تسب ّ ُ‬ ‫الناظما ُ‬
‫حسنها بجللها ووئامها لو كان قومي يفهمون وئامها‬ ‫يا ُ‬
‫ت أقوامها‬ ‫ّ‬
‫ت مجد خلد َ ْ‬ ‫تلك البلد ُ وقد حوى تاريخها صفحا ِ‬
‫ل الزمان لدى الجمال دوامها‬ ‫ف َ‬ ‫الصانعين من التراب عجائبا ً ك َ َ‬
‫دها وبغوا السماء فسخروا أجرامها‬ ‫جابوا البحار قريبها وبعي َ‬
‫ت به العصار تحني هامها‬ ‫لبناُنها ملك الجبال وأْرزه مّر ْ‬
‫مها‬ ‫يا خالدا ً ُتطوى الدهوُر حياله ويظل يمل ذكره أعوا َ‬
‫ت ختامها‬ ‫ك أن يلم به أذى ولك الحياة فل رأي َ‬ ‫ت مجد َ‬ ‫ود َ‬ ‫ع ّ‬
‫مها‬ ‫تلك البلد وما ذكرت جمالها إل ل ذكر رغم حبي ذا َ‬
‫ل الذي خلق السقام لها إذا أصغى لشكواها شفى أسقامها‬ ‫ع ّ‬
‫مقامها‬ ‫الله شرفها فأهبط وحَيه فيها‪ ،‬وعظم بالمسيح ُ‬
‫مها!‬ ‫م سل ِ‬ ‫ن المحبة ديُنه ما بالها غلب الخصا ُ‬ ‫عهدي به دي ُ‬
‫تلك البلد ُ وحبذا أبناؤها بين البنين إذا ذكرت كرامها‬
‫عبثا ً تفّرقنا المنى فنفوسنا لبلدنا ل تستبيح ذمامها‬
‫مها‬‫حما َ‬ ‫ض إذا نسيت َ‬ ‫تلك البلد وما نسيت نساءها تشقى الريا ُ‬
‫الحاضنات برحمةٍ أطفالها والكافلت من الشقا أيتامها‬
‫عها ‪ ،‬والكاسيا ت عراتها ‪ ،‬والشافيات سقامها‬ ‫المطعمات جيا َ‬
‫والله لم تقم البلد بنهضة حتى تريد السيدات قيامها‬
‫منى تقبل عليك سعوُدها ودع الزمان محققا ً أحلمها‬ ‫نادِ ال ُ‬
‫مها‬ ‫تلك البلد يعيد مجد َ شبابها من قاد للمجد القديم زما َ‬
‫ب أعظم قوة غلبة يطأ النجوم بها إذا هو رامها‬ ‫الشع ُ‬
‫دامها‬ ‫م رأيت ملوكها خ ّ‬ ‫بلغت من العلياء أرفع ذروة أم ٌ‬
‫درا ً أمم أطالت في السكون منامها‬ ‫وهوت إلى د ّّرك الشقاء تح ّ‬
‫حكامها‬ ‫ُ‬ ‫شعبها‬ ‫ذب‬ ‫ّ‬ ‫يه‬ ‫حتى‬ ‫تلك البلد ولن تكون عزيزة‬

‫)‪(1 /‬‬

‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته هذه ليلة الخميس الموافق للرابع‬
‫والعشرين من الشهر الخامس للعام الثامن عشر بعد الربعمائة واللف وفي‬
‫هذا الجامع المبارك جامع شيخ السلم ]ابن تيميه[ في مدينة >الجبيل<‬
‫نلتقي وإياكم في مثل هذا الموضوع ‪ ،‬الشباب وما أدراك ما الشباب ‪.‬‬
‫الشباب أيها الحبة الشباب ألم وأمل وأتعرض في هذا الموضوع لستبانة قام‬
‫بها بعض الباحثين أعرض لبعض نتائجها من خلل الطرح وكان عدد العينة في‬
‫هذه الستبانة مائتين وسبعة وسبعين شابا وأشكر ـ حقيقة ـ كل من شارك‬
‫في هذا الموضوع وأدعو الله جل وعل أل يحرمهم الجر والثواب في الدنيا‬
‫والخرة ثم إن سبب هذا الموضوع إصرار الكثير من الشباب التائبين‬
‫والغافلين النادمين على توجيه كلمات للشباب الذين غرقوا في وحل الغفلة‬
‫والشهوات ومستنقع الرذيلة واللذات فكانت هذه الكلمات وإذا قلت الشباب‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ألم وأمل فألم وأمل كلمتان ليس هناك فرق بينهما في الحروف ولكن هناك‬
‫بون شاسع جدا بين معناهما فهل أنت أيها الشاب أمل فنعقد عليك المال أما‬
‫أنت ألم فتزيد اللم آلما‪ .‬أيها الشباب أنتم أمل تعلقت به القلوب وأمل‬
‫تنتظره هذه المة فأنتم ثروتها وأنتم سر قوتها وإذا أردتم أن تنظروا‬
‫للمستقبل كيف يكون فانظروا للشباب اليوم كيف هم ولو نظرت أنت‬
‫لنفسك بثقة وشجاعة ربما انتقل هذا المر وهذا المل إلى ألم ومرارة فكيف‬
‫لو نظرت إلى أصحابك وجلسائك بل كيف لو نظرت إلى مئات وآلف من‬
‫شبابنا وحالهم وواقعهم لكني أتمني أن يحرك هذا اللم قلبك الطيب فيعيد‬
‫المل لنفسك بل لنا بل للمة كلها فهي تنتظرك تنتظر عودتك إلى الجادة‬
‫لتبني حضارتها وتساهم في نهضتها والمصيبة أن يتعثر المل فيصرخ من شدة‬
‫اللم لكن ‪:‬‬
‫ما زال في الرض ميدان ومتسع‬
‫للخير يدركه من جد في الطلب‬
‫ولم يزل في نفوس الناس منطقة‬
‫محمية سكنت بالخوف والرعب‬
‫ولم تزل نخلة السلم باسقة‬
‫مليئة بعروق التمر والرطب‬
‫ولم تزل واحة الخلق مخصبة‬
‫فيها مشاتل من تين ومن عنب‬
‫أيها الخوة لو أقسمت بالله أن كل شاب مهما كان بعيدا عن الله فإن فيه‬
‫خيرا ما حنثت لول أنه أوتي من سوء فهمه أو غفلة أو شهوة ول أدل على‬
‫ذلك من تلك الدمعات التي ينثرها الكثير من الشباب بعد الوقوع بالمعصية‬
‫وتلك الحسرات التي يطلقها على حاله وحال إخوانه عند الحديث عن واقع‬
‫الشباب بل وتلك الصيحات والنداءات منهم والتي تنادي أن أمسكوا بأيدينا‬
‫قبل الوقوع بالهاوية‪.‬‬
‫مشاعر وعواطف قلب‪:‬‬
‫أخي الشاب أيها الحبيب الغالي هل رأيت يوما من اليام أو حتى سمعت في‬
‫عالم الحلم عن قلب يتكلم ‪ ،‬نعم إنه قلب المحب يتكلم ويتألم وهذا حديث‬
‫القلب من المحب للحبيب نعم فأنا المحب وأنت الحبيب أنت الحبيب فأنت‬
‫المل وأنت المستقبل وأنت غراس المجد ونبت الهدى أنت أخي وصديقي‬
‫وأنيسي ورفيقي ل تظنه نثرا من الدب ول شعرا من الطرب إنه حديث‬
‫القلب بعيدا عن المداهنة والمجاملة والثناء المتصنع لكنه خفقان الجنان الذي‬
‫يسبق اللسان فيحبس البيان والله العظيم لو كنت أملك الهداية والسعادة‬
‫لبذلتها لك لكنى أستطيع كغيري فعل السبب من كلمة طيبة ونصح صادق‬
‫وتوجيه وإرشاد فهاك إياها من قلب المحب فهل قلب الحبيب يسمع ‪..‬‬
‫يا اخوتي‬
‫يا شباب الحق همتكم تسمو‬
‫بكم عن دروب الطيش والصخب‬
‫أحبكم يا شباب الحق محتسبا‬
‫ولن يضيع ربي أجر محتسب‬
‫أدعو لكم بصلح المر في زمن‬
‫سواد ظلمته يطغى على الشهب‬
‫أقول ل تفتحوا باب العقول لمن‬
‫يدعو إلى اللهو والتهريج واللعب‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل يجرمنكم شنآن من فسقوا‬


‫على سلوك طريق العنف والشغب‬
‫أيها الشاب يعجبني فيك الحياء والخجل مهما كان منك فقد جلست مع‬
‫عشرات الشباب ممن وقعوا في كبائر الجرائم والثام وقد لحظت على‬
‫الجميع بدون استثناء في بداية كل لقاء الستحياء والتردد والخجل بل وصل‬
‫المر عند بعضهم أن ل يرفع طرفه عن الرض وهو يتحدث عن ماضيه وكأن‬
‫لسان حاله يقول‬
‫ل تحسبوا أني جمدت عاطفتي‬
‫إني لبكي على حالي وأنتحب‬
‫لست الغريب ديارا ً عن بني وطني‬
‫ول إلى ساقط القوام أنتسب‬
‫لكنهم رفقة السوء الذين قضوا‬
‫أيامهم لعبا ً وما مثله لعب‬
‫رافقتهم آكل ً من جنس ما أكلوا‬
‫وقد شربت من الكأس التي شربوا‬
‫ياه………………‪، ..‬‬
‫قاتل الله من باعوا ضمائرهم‬
‫وألبسوني لباس الخوف وانسحبوا‬
‫كانوا معي اخوة حتى إذا علموا‬
‫أنى فقدت معاني همتي ذهبوا‬

‫)‪(1 /‬‬
‫فيا أخي الحبيب أعرف أن فيك خيرا ً كثيرا ً فاسمح لي أن آخذك بعيدا ً‬
‫بمفردك بعيدا ً عن الجلساء بعيدا ً عن طيش الشباب وشهوات النفس بعيدا ً‬
‫عن وسائل الفساد والضياع بعيدا ً عن المعاصي بعيدا ً عن التقليد بعيدا ً عن‬
‫كل المؤثرات أريدك أن ترجع معي إلى الوراء إلى زهرة شبابك إلى يوم‬
‫فتحت عيناك على الدنيا بقلبك البيض ونفسك الطاهرة وبراءتك يوم كانت‬
‫الدنيا صافية في عينيك ل تعرف غشا ً ول كذبا ول حقدا ول حسدا ً ل تعرف‬
‫التدخين ول الغناء ول اللواط ول الزنا ل تعرف السهر ول السفر ل تجرؤ على‬
‫النظر للمحرمات ول تدرى ما المخدرات أريد أن أجلس معك على انفراد‬
‫بقلبك الطيب ونظراتك البريئة وفطرة الخير فيك نعم أريد أن أخاطب فيك‬
‫الشاب البسيط الحيي للتقي معك لقاء ل يرتبط بالمادة ول بالمجاملة لقاء‬
‫الخ الشفيق بأخيه الرحيم البر به اسمعها مني كلمات وادعة ومشاعر نابعة‬
‫من القلب فأرجو أن يكون هذا اللقاء لقاء القلب بالقلب يعبر عنه اللسان‬
‫ببيان رقيق جميل وحس مرهف فأدعو الله جل وعل أن تصل كلماتي إلى‬
‫شغاف القلوب وأن تغوص في أعماق الروح فإن في قلبي شفقة مليئة‬
‫حرقة يدفعها النصح لك فسماعك لي يمل نفسي نورا ً‬ ‫بالحب لك وفى صدري ُ‬
‫وقلبي لذة وسرورا ً فأزداد شوقا إليك وحزنا عليك فمن يناجيك مناجاتي ومن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يرجوك رجائي‬
‫ل تعدل المشتاق في أشواقه‬
‫حتى يكون حشاك في أحشائه‬
‫قبول النصيحة مشكلة أيها الشاب قال ]أبو حامد الغزالي[ النصيحة سهلة و‬
‫المشكل قبولها لنها في مذاق متبع الهوى مر إذ المناهي محبوبة في قلوبهم‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫انتهى كلمه‪.‬‬
‫والشباب مع النصيحة بين ذكي قد وهبه الله سلمة الفطرة وصفاء القلب‬
‫وسلمة الوجدان ما يعده لستماع القول واتباع أحسنه ها أنا أحمد الله في‬
‫أمره وضعيف قد حيل بينه وبين نفسه فهو ل يرضى إل عما يعجبه ول يسمع‬
‫ل أمره إلى الله وأستلهمه صواب الرأي فيه حتى يجعل الله‬ ‫إل ما يطربه فَأ َك ِ ُ‬
‫له من بعد عسرٍ يسرًا‪.‬‬
‫أخي الشاب قف وتفكر في أي الطريقين أنت تمضي وإلى أي الغايتين أنت‬
‫تجري فالشاب إن كان جادا ً صادقا ً مفكرا ً مثقفا ً قويا ً مؤمنا ً رسم لنفسه‬
‫مستقبل مشرقا وإن كان لهيا عابسا ً غارقا ً في الشهوات والمعاصي ورغبات‬
‫النفس المارة كان المستقبل مظلما ً مخيفا ً والمر لله من قبل ومن بعد‬
‫لكنها علمات ودللت فالله تعالى يقول‪:‬‬
‫)ألم نجعل له عينين ولسانا ً وشفتين وهديناه النجدين( والنجدان هما طريقا‬
‫الخير والشر فأيهما تختار؟؟ أرأيت أخي الشاب أرأيت المسكن الجميل ل‬
‫يقوم إل على قواعد وأسس متينة بعد تخطيط وتنظيم هكذا أنت تبني نفسك‬
‫ومستقبلك تأمل هذه الية جيدا ً إذ يقول تعالى‪:‬‬
‫)أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس بنيانه على‬
‫شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله ل يهدي القوم الظالمين(‬
‫الشباب وراحة القلب‪:‬‬
‫إن القلب مهما تلطخ بسواد المعصية فإن فيه رقة ورأفة وحبا ً وعطفا ً قل لي‬
‫بربك كم من المرات دمعت عيناك لسماع كلمات أغنية فيها من الولع‬
‫والشوق وهجران الحبيب بل كم من المرات دمعت عيناك وأنت تشاهد‬
‫الحداث المؤلمة في فيلم من الفلم؟؟‬
‫إذا ً تحركت العواطف ورق القلب ودمعت العين لمجرد كلمات ومشاهد‬
‫خيالية صورتها عدسة فنان أو كتبتها يد إنسان فهذه العواطف والدموع مزيفة‬
‫مَرك َّبة فكيف لو انتعش هذا القلب وذاق طعم‬ ‫مث َّلة ُ‬
‫م َ‬
‫ست َد َّرْتها ُ‬‫فالوسائل التي ا ْ‬
‫العواطف والدموع الصادقة كيف لو ذاق حلوة اليمان وعرف الحياة الطيبة‬
‫التي قال الله تعالى عنها )من عمل صالحا ً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن‬
‫فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون(‪...‬‬
‫كيف لو كان هذا الحب لله ؟؟ كيف لو كانت هذه الدمعة من خشية الله ؟؟‬
‫أيها الشاب هل ذقت حلوة اليمان التي أخبر عنها حبيبك محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم فقال "ثلث من كن فيه وجد بهن حلوة اليمان" هل ذقت طعم‬
‫اليمان الذي أخبر عنه قدوتك صلى الله عليه وسلم قدوتك محمد قال "ذاق‬
‫طعم اليمان من رضي بالله ربا ً وبالسلم دينا ً وبمحمد صلى الله عليه وسلم‬
‫رسول ً نبيا" ‪.‬‬
‫شاب يصرخ فيقول سافرت لكل مكان شاهدت كل القنوات جربت كل شيء‬
‫ب الصدقاء ونتجول في‬ ‫ُ‬
‫‪ ..‬فراغ وضيق وطيش ويتحسر آخر فيقول أْرك ِ ُ‬
‫السيارة ذهابا ً وإيابا ً ثم ماذا وإلى متى ؟؟‬
‫ويعترف لص من لصوص الليل بمكالمات الحب والغرام ولقاءات الليل‬
‫ومعاكسات النهار ويقول أسمع أن الزنا دين وكما تدين تدان وأذكر بيت‬
‫الشعر الذي يقول‪:‬‬
‫إن الزنا دين إن استقرضته‬
‫كان الوفا من أهل بيتك فاعلم‬
‫يقول‪:‬‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فأنظر لمن حولي بعين الشك والرتياب أفكر في الزواج ولكن ما الذي‬
‫يضمن لي سلمتها وعفتها هكذا أنا في دوامة وحيرة وتردد‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ويقول رابع في مقدمة مشكلته التي كتبها أسألكم بالله العلي العظيم أن‬
‫تعرضوا هذه المشكلة ثم قال‪ :‬أنا أعيش في قلق وهم وغم ول أخفيك سرا‬
‫ي من فوق سابع سماء مرة بشرب كمية‬ ‫أني حاولت النتحار وربي يشهد عل ّ‬
‫من الدواء ولكن الله ستر وأدخلت المستشفى وعوفيت ثم ذكر قصته التي‬
‫يهتز لها عرش الرحمن إلى أن قال هل يغفر الله لي وما نصيحتك والرجاء‬
‫الدعاء الدعاء حتى قال في آخرها قدروا ما أعيش فيه من عذاب نفسي‪.‬‬
‫أيها الخوة ارحموا الشباب أيها المجتمع رويدا ً رويدا ً بالشباب‪..‬‬
‫أيها الباء والمهات عطفا ً ورفقا ً بالشباب‬
‫جسد ناحل ودمع يفيض‬
‫وهوى قاتل وقلب مريض‬
‫وسقام على التنائي شديد‬
‫وهموم وحرقة ومغيض‬
‫هذه حال الشباب فالمشاكل تفترسهم‪ :‬الفراغ ‪ ،‬جلساء السوء ‪ ،‬التدخين ‪،‬‬
‫المخدرات الزنا ‪ ،‬اللواط ‪ ،‬سماع الغناء ‪ ،‬ترك الصلة ‪ ،‬التهاون بها ‪ ،‬السفر‬
‫للخارج ‪ ،‬القنوات الفضائية ‪ ،‬السهر ‪ ،‬المجلت الهابطة ‪ ،‬الفلم الساقطة ‪،‬‬
‫العادة السرية ‪ ،‬تقليد الغرب ‪ ،‬فقدان الشخصية ‪ ،‬الدوران بالشوارع‬
‫والتضحيد ‪ ،‬الكذب ‪ ،‬السرقة ‪ ،‬المعاكسات ‪ ،‬اللعان وبذاءة اللسان ‪ ،‬الكبر‬
‫والغرور ‪ ،‬البلوت ولعب الورق ‪ ،‬التشبه بالنساء ‪ ،‬جنس وشهوة وإثارة للغرائز‬
‫وغيرها من مشاكل الشباب‪.‬‬
‫معاشر الخوة لماذا بعض الشباب جعل نفسه كالذباب ـ أكرمكم الله ـ فهو ل‬
‫يقع إل على القاذورات فهو من وحل إلى وحل ومن مستنقع إلى مستنقع‬
‫مرة مع القنوات الفضائية ومرة مع المجلت الهابطة ومرة في المعاكسات‬
‫ثم الزنا أو اللواط وهكذا فهو غارق في أوحال الفساد والشهوات أيها الشباب‬
‫قلب تفرق بين هذه المشاكل فإذا مل هذه انتقل إلى تلك كيف حاله كيف‬
‫حال هذا القلب كيف سيكون قلب في الشهوات منغمس وعقل في اللذات‬
‫منتكس همته مع السفليات ودينه مستهلك بالمعاصي والمخالفات قبع في‬
‫سجن الهوى ولم يخرج إلى ساحة الهدى فيا أسير دنياه يا أسير دنياه يا عبد‬
‫هواه إلى متى إلى أن يفجؤك الموت على غفلة منك ربما وأنت تنتقل من‬
‫ضى أن تموت وأنت‬ ‫َ‬
‫قناة إلى قناة أو وأنت ممسك بسماعة الهاتف أوَ ت َْر َ‬
‫تسمع الغناء وأنت تفكر بالزنا ألم تسمع بذلك الطبيب وقد وضع سماعته‬
‫على صدر المريض الذي يشتكي من قلبه وفجأة انحنى الطبيب على صدر‬
‫المريض ميتًا!!‬
‫كتب أحد شباب الستبانة عن موقف أثر فيه كثيرا ً كما يقول وهو عودة أحد‬
‫زملئه من سفر خارج المملكة للسياحة الخارجية السيئة كذا قال ‪ ،‬قال وعند‬
‫عودته إلى المطار توفي في الطائرة قبل هبوطها سبحان الله ما أسرع‬
‫قدوم تلك اللحظات )قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملقيكم( أينما كنا‬
‫وعلى أي حال كنا فإنه ملقينا والله يا أحبة رأيت بعيناي ووقفت قدماي على‬
‫أحوال شباب خارج هذه البلد وكأنهم هربوا من عين الله جل وعل تخيل‬
‫نفسك أيها الشاب وقد نزل بك الموت ودخلت القبر وظلمته ووحشته أتهرب‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من عين الله بكى ]سفيان الثوري[ ليلة حتى الصباح فلما أصبح قيل له أ َك ُ ّ‬
‫ل‬
‫هذا خوف من الذنوب فأخذ ـ رضي الله عنه ـ حفنة من الرض وقال الذنوب‬
‫أهون من هذه وإنما أبكي خوفا من سوء الخاتمة‪ .‬هذا من أعلم الفقه يخاف‬
‫الرجل أن تخدعه ذنوبه عند الموت فتحول بينه وبين الخاتمة الحسنة فإلى‬
‫متى أخي الحبيب إلى متي وأنت بين هذه القاذورات أين عقلك ؟ أين‬
‫غيرتك ؟ أين العزيمة ؟ أين الصبر ؟ أين الرجولة ؟ أين دينك ؟‬
‫عاتبت قلبي لما‬
‫رأيت جسمي نحيل‬
‫فلم قلبي طرفي‬
‫وقال كنت الرسول‬
‫فقال طرفي لقلبي‬
‫بل كنت أنت الدليل‬
‫فا جميعا ً‬ ‫فقلت ك ُ ّ‬
‫تركتماني قتيل ً‬
‫إل الصلة والتهاون فيها ؛كان أول أسئلة الستبانة هل أنت من المحافظين‬
‫مّرة أن تسعة وثلثين بالمائة قالوا‬ ‫على الصلة ؟ فكانت الجابة المؤلمة ال ُ‬
‫أحيانا ً و أربعة بالمائة قالوا ل وستة وخمسين قالوا نعم علما ً أن العينة التي‬
‫أجري عليها البحث فئة تميل إلى اللهو والغفلة لكن ل ننسي أننا في بلد‬
‫ق العلم والقرآن‬ ‫التوحيد ومنبع السلم وبلد المن واليمان والمساجد و ِ َ‬
‫حل ٍ‬
‫ولذا فإن النتيجة مؤلمة مبكية لنها تتعلق بركن من أركان السلم وعمود‬
‫الدين ومن خلل المحادثات واللقاءات مع بعض الشباب تبين لي التفريط‬
‫العجيب في فريضة الصلة فبعضهم أقسم أنه لم يدخل المسجد وبعضهم‬
‫ل إل مجاملة أو حياء وبعضهم قال على حسب المزاج وبعضهم‬ ‫ص ّ‬ ‫ُ‬
‫قال لم أ َ‬
‫يتهاون فيها كثيرا وبعضهم قال إنه ل يمكن أن يترك الصلة في حال من‬
‫الحوال ومهما بلغ من الفساد وأنا هنا لن أسرد لك الدلة من القرآن والسنة‬
‫وأقوال سلف المة على وجوب صلة الجماعة فهي معلومة مشهورة لمن‬
‫أرادها وأعرف أيها الشاب أنك تعرفها لكني أخاطب فيك عقلك فأقول أول ً‬
‫هل ترضى أن يعلم الناس عنك أنك ل تصلى ؟ إن قلت ل فاعلم أن الله‬
‫تعالى يعلم ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أنت تبحث عن السعادة والراحة النفسية وتشتريها بمال الدنيا كلها كما‬
‫تقول ولو ألقيت نظرة على العيادات النفسية وعلى أماكن قراءة الرقى‬
‫الشرعية لوجدت عجبا من حالت الكتئاب والضيق والهموم والغموم والنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول "الصلة نور" فهي نور للقلوب والله تعالى يقول‬
‫)ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى(‬
‫فهل بعد ترك الصلة إعراض عن الله جل وعل فهي الصلة بينك وبين الله‬
‫جل وعل ؟؟ سبحان الله أنظر لسؤال في الستبانة يقول هل أنت سعيد في‬
‫حياتك فإذا خمسة وخمسون بالمائة يجيبون أحيانا وستة بالمائة يجيبون بل‬
‫وهذه الرقام ليست بعيدة عن أرقام التفريط في الصلة النفة الذكر ‪،‬‬
‫فاعقد المقارنة إنها الصلة مفتاح السعادة فيها العلج من حافظ عليها فهو‬
‫على خير مهما وقع منه‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬إن الله تعالى يقول )وأقيموا الصلة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين(‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهو نص في وجوب صلة الجماعة ولو كان المقصود إقامتها فقط لكتفى‬
‫بقوله في أول الية )وأقيموا الصلة( واعلم أن الله لم يعذر المسلم في حال‬
‫الحرب بتركه للجماعة بل أمره بها في وقت عصيب فقال )وإذا كنت فيهم‬
‫فأقمت لهم الصلة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم( والنبي صلى‬
‫الله عليه وسلم لم يعذر العمى الذي جمع بين فقد البصر وبعد الدار وخوف‬
‫الطريق وليس له قائد يقوده للمسجد ومع ذلك لم يعذره الله بترك الصلة"‬
‫فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أتسمع الذان قال نعم قال أجب" وفي‬
‫رواية "ل أجد لك عذرا "فيا أيها الشاب التارك للصلة أو المتهاون فيها هل‬
‫تجد لك عذرا بعد هذه الدلة فإن لم يعذر هؤلء فما هو عذرك غدا أمام الله‬
‫في أول سؤال ستسأله يوم القيامة ما هو عذرك وأنت صحيح آمن مطمئن ‪.‬‬
‫رابعا وأخيرا ‪ :‬هل يسرك أيها الشاب أن تموت وأنت تارك للصلة أو متهاون‬
‫فيها ‪ .‬يقول أحد المغسلين للموتى جيء بميت يحمله أبوه وإخوانه ودخلنا‬
‫لغسله فجردناه من ملبسه وأخذنا نقلبه بأيدينا لقد آتاه الله قوة في جسمه‬
‫وبياضا ناصعا في بشرته وبينما نحن نقلب الجثة وفجأة وبدون مقدمات‬
‫انقلب لونه كأنه فحمة سوداء فتجمدت يداي وشخصت عيناي خوفا وفزعا‬
‫يقول فخرجت من مكان التغسيل وأنا خائف فسألت أباه ما شأن هذا الشاب‬
‫فقال إنه كان ل يصلي يقول الغاسل فقلت لهم خذوا ميتكم فغسلوه فرفض‬
‫المغسل أن يغسله ورفض إمام المسجد أن يصلي عليه ل إله إل الله ل‬
‫يغسل ول يصلي عليه المسلمون ول يدفن في مقابر المسلمين هذا حكم‬
‫الله فيه فأي خاتمة سيئة لهذا الشاب أيها الشاب اسمع قبل أل يصلى عليك‬
‫استجب ما دمت في مهل ل يغرنك إمهال الله لك إننا نفرح إذا رأيناك في‬
‫المسجد ونحزن إذا فقدناك وليس لنا من المر شيء )من اهتدى فلنفسه‬
‫ومن ضل فعليها( لكن إلى متى وأنت تحرم نفسك السعادة والطمأنينة إن‬
‫أعظم لذة في الدنيا اسمع إن أعظم لذة في الدنيا أن تمشي بقدميك في‬
‫المسجد واسأل لمصلين المشائين في الظلم يخبروك ‪ ..‬نصف الليل ‪.‬‬
‫أيها الشاب هل من الرجولة أن تفخر أمام أقرانك بالتغرير ببنات المسلمين‬
‫واليقاع بهن هل هي شجاعة أن تدغدغ عواطف الغافلت القاصرات‬
‫بمعسول الكلم وقصص الحب والغرام هل التلصص والتسلل لبيوت‬
‫المسلمين في الليل أو إخراج الضعيفات من خدورهن بطولة حتى وإن‬
‫عرضت هي أو بدأت كما يقول البعض فهي امرأة ضعيفة قاصرة أما أنت‬
‫فرجل ومن العرب الذين يتصفون بالغيرة والشهامة والشجاعة والكرامة‬
‫وأنت مسلم فيك إيمان وخوف وهناك جنة ونار أليست الحيوانية أن تشبع‬
‫نهمتك وتقوي شهوتك وإن كان الثمن العار والدمار لحياة ومستقبل فتاة‬
‫مسلمة كان الولى أن تخاف على عرضها وأن تدفع عن شرفها بدل تهديدها‬
‫بالشرطة المسجلة والصور التي تؤخذ في حالة ضعف واستسلم للهوى‬
‫إحدى الخوات ظلت ترفض كل من يتقدم لخطبتها لماذا خوفا من ذلك‬
‫الخبيث أن يفضحها بعد أن هددها بذلك وعنست وهو يتفرج عليها!!‬
‫صرخات موجعة تمزق القلب وتقطع الحشاء من فتاة أخرى سلبت أثمن ما‬
‫تملك فأين الغيرة عند هؤلء سبحان الله كيف يتبلد الحساس وينتقص القلب‬
‫يوم يعرض عن الله أين النخوة لحماية أعراض فتيات المسلمين يا لصوص‬
‫العراض ترضون هذا لخواتكم أترضونه لزواجكم أل تخافون أن ينتقم الله‬
‫منكم والله ل أنسى ذلك الشاب المهموم وقد احمرت عيناه من كثرة البكاء‬
‫وهو يقول أعيش في عذاب وجحيم منذ شهرين منذ أن تزوجت فسألته عن‬
‫السبب فقال تبين لي أن الزوجة ليست بكرا وأنها تعلل ذلك بأسباب صحية‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ول أدري ماذا أفعل فأنا أعيش في شك واضطراب وكنت أعرف أنه صاحب‬
‫مغامرات ومعاكسات فقلت في نفسي سبحان الله الجزاء من جنس العمل‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫جب ِّلة في‬


‫الشهوة ‪ ،‬شكا الكثير من الشباب من الشهوة وهي ليست عيبا فهي ِ‬
‫النسان لكنها متى انحرفت عن مسارها أصبحت كالسيل الجارف وكالبركان‬
‫الثائر وقد يقول شاب متى وكيف تنحرف عن مسارها فأقول ألست تترك‬
‫العنان للتفكير في الشهوة وتسترسل في رسم الصور والتخيلت ألست‬
‫تخرج للسواق ومدارس البنات فتأجج نار الشهوة في نفسك بإطلق البصر‬
‫هنا وهناك ألست تنظر للمجلت التي تعرض صور النساء بتبرجهن وزينتهن‬
‫وتتبع أخبار الساقطات وعرضهن بأبهى صورة بل وجعلهن قدوات لخروجهن‬
‫عن تعاليم السلم وآداب الحشمة والعفاف ألست تقلب صفحاتها التي تحمل‬
‫صور العري والفساد والخلعة والمجون مما يثير في نفسك الشهوة الجامحة‬
‫ألست فتى الحلم وفارس الظلم الذي يرفع سماعة الهاتف لساعات طويلة‬
‫لتخطط للحياة الوردية والسعادة البدية وتلهب المشاعر وكأنك شاعر‬
‫فتتغزل بالعيون وتبث الشجون فتقع أسيرة الفؤاد وتحملها على الجواد وعلى‬
‫ضوء القمر يحلو السمر ألست تسمع الغناء بل وتدمن عليه ألم تسمع أنه‬
‫ريد الزنا وداع من دواعيه ل سيما إذا صحبه كلمات الفحش والعشق وقد‬ ‫بَ ِ‬
‫أجاب ستون بالمائة من شباب الستبانة بأنهم يسمعون الغناء دائما وأجاب‬
‫ثلثة وعشرون بالمائة أنهم يسمعون الغناء أحيانا واعترف بعضهم بأنه يثير‬
‫العاطفة والغريزة والميل إلى النساء والتذكير بالعشق والهيام وأنه يشجع‬
‫على المعاكسات ألست تنظر للقنوات الفضائية بل وتلحق بجنون لقطات‬
‫العري والتفسخ حتى يجتمع بركان الشهوة فتخرج كالمجنون لتبحث عن‬
‫متنفس ‪.‬‬
‫في جريدة المدينة في العدد اثني عشر ألفا وخمسمائة وواحد وعشرين‬
‫أوضحت رسالة ماجستير أن نسبة عالية من الشباب الخليجي في سن‬
‫المراهقة يترجمون ما يقدم في القنوات الفضائية من أعمال تمثيلية إباحية‬
‫وإجرامية إلى وقائع حية في حياتهم ويعود أثر ذلك على أنفسهم وأهلهم‬
‫وأشارت الدراسة إلى أن نسبة خمسين بالمائة يفكرون فور مشاهدتهم‬
‫لبرنامج إجرامي أو إباحي بشكل جدي في تطبيق ما شاهدوه بشكل فعلي‬
‫إلى آخر الكلم هناك وإن كنت متزوجا زهدت بالعفيفة الطاهرة التي بين‬
‫يديك والتي أحلها الله لك لما تراه من الجمال المزيف بالمساحيق وأدوات‬
‫التجميل أو المشوه بالعري والتفسخ وربما أنك قرأت في جريدة القبس في‬
‫العدد ثمانية آلف وستمائة وإحدى عشر عنوانا يقول القنوات الفضائية‬
‫اللبنانية تأسر ألباب الخليجيين وذكر فيه قول ذلك التاجر أنه يبكي لمشاهدة‬
‫القنوات اللبنانية عندما يقارن المذيعات الجميلت بزوجته وأن مشاهدا آخر‬
‫طلب من مقدمة البرنامج وعلى الهواء مباشرة أن تقبل به زوجة وهكذا تهيج‬
‫الغرائز وتثار الشهوات حتى ل يبقى للعقل مكان وإذا لم تستح فاصنع ما‬
‫شئت وقد أجاب سبعة وثلثون بالمائة أنهم يتابعون القنوات الفضائية دائما‬
‫وست وثلثون بالمائة يتابعونها أحيانا إذا ً فثلثة وسبعون من شباب الستبانة‬
‫يشاهدون هذه القنوات فمتى نقتنع أيها الخوة أنها حرب فضائية تستهدف‬
‫الدين والخلق اسمع ماذا قال أحدهم ]ماليس روثن [ كتب مقال في صحيفة‬
‫] صنداي تايمز[ في شهر كانون الثاني يناير خمسة وتسعين وستمائة وألف‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقول فيه سلح الغرب السري ضد السلم ليس سلح الدبابات وإنما هو‬
‫سلح الفضاء والقمار الصناعية فهل تعلم أيها الشاب أن في دول مجلس‬
‫التعاون الخليجي حوالي مليون وثلثة مائة ألف طبق يشاهد قنواتها تقريبا أو‬
‫أكثر من أربعين بالمائة من سكان الخليج ذكرت هذه الحصائيات مجلة‬
‫السرة في عددها الخمسين وقالت برامجها غاية في التبذل والضحالة وإثارة‬
‫الغرائز وقالت العجيب أن يبرر أحد مديري القنوات اللبنانية هذا الموقف بأن‬
‫المحطة تجارية تستهدف الربح ولذا فهو يعترف بأنهم استعملوا الجنس في‬
‫محطتهم ‪،‬هذا واستغلوا المرأة كعنصر جذاب واستهدفوا منطقة الخليج‬
‫بالذات وتبالغ الفضائيات العربية في تقليد أفراد التمثيل والغناء والرقص‬
‫والرياضة وجعلهم القدوة والمثل لبنائنا إلى آخر الكلم هناك في مجلة‬
‫السرة ‪.‬‬
‫أقف عند هذا الحد بالنسبة لحرب الفضاء حتى ل يصيبكم الدوار بسبب هذا‬
‫الغثاء ولن الحديث عن الشباب وليس على القنوات الفضائية وقد سمعنا‬
‫وقرأنا عبر إعلمنا عن أصوات غيورة تدق أجراس الخطر وتنادي بالرتقاء‬
‫بوعي المشاهد وذوقه وتحصين دينه وتنشئته إسلميا فجزى الله خيرا كل‬
‫صوت وقلم حمل المانة بصدق وإخلص‪.‬‬
‫أيها الشاب أ َب َْعد هذا كله تشتكي الشهوة وتشتكى العادة السرية ‪ ،‬تفكير‬
‫ومجلت وروايات وهاتف ومعاكسات ومطاردات وغناء وأفلم وقنوات ثم بعد‬
‫ذلك تشتكي من هيجان الشهوة!! يداك أوكتا وفوك نفخ‪..‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫أتعرف قصة هذا المثل أصله أن رجل كان في جزيرة فأراد أن يعبر إلى‬
‫الشاطئ على قربة نفخ فيها فلم يحسن إغلقها حتى إذا توسط البحر خرج‬
‫الهواء منها فغرق فلما غشيه الموت استغاث برجل آخر فقال له الرجل يداك‬
‫أوكتا وفوك نفخ وهو يضرب لمن يجنى على نفسه وأنت أيها الشاب جنيت‬
‫على نفسك تلحق أسباب إثارة الغريزة وهيجان الشهوة وأنت تعرف أنك‬
‫ضعيف ل تصبر ثم تشكو منها عجبا لك أين عقلك كن عاقل إذا كنت تريد‬
‫مصلحة نفسك وتريد أن تكون رجل جادا صابرا مهتما بشئونه ومصالحه‬
‫الدينية والدنيوية فاقطع التفكير مباشرة واستعذ بالله من الشيطان الرجيم‬
‫فإن الله تعالى يقول )إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا‬
‫فإذا هم مبصرون(‪.‬‬
‫هذا أول ‪ ،‬ثانيا ابتعد عن وسائل الثارة بل واحرص على وسائل الحصانة‬
‫واستثمار أوقات فراغك في القراءة وزيارة القارب وصلة الرحم وقراءة‬
‫القرآن وحفظه وممارسة الرياضة وبعض الهوايات المباحة ومصاحبة‬
‫الصالحين وغيرها مما يعود عليك بالنفع ويرضي الله عنك جاهد نفسك وابتعد‬
‫عما يغضب الله عليك من وسائل الشهوات ووسائل الفساد أبشر بالخير فإن‬
‫الله تعالى يقول )والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين(‬
‫فقد وعد الله من جاهد نفسه لله أن يهديه‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أما الشهوة فقد جعل السلم لها مصرفا شرعيا وهو الزواج ولما وضعنا‬
‫في طريقه العقبات وردمناه بالسدود والحدود أصبح التفكير بالحرام أسهل‬
‫من التفكير بالحلل عند بعض الشباب بل ل مانع لديه أن يرتقي المصاعب‬
‫والمخاطر من أجل الحرام أما الحلل فينهزم أمام أول عقبة تقف في طريقه‬
‫ولو جد الشاب في طلبه واستعان بالله ودعاه وتبسط في أموره لتيسر أمره‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ووفقه الله فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول "ثلثة حق على الله تعالى‬
‫عونهم" وذكر منهم "والناكح الذي يريد العفاف" أخرجه ]أحمد[ و]الترمذي[‬
‫و]النسائي[ وحسنه ]اللباني[ كما في صحيح الجامع وفى لفظ آخر "حق‬
‫على الله عونه من نكح التماس العفاف عما حرم الله" وأستغلها فرصة‬
‫لقول للباء والمهات اتقوا الله في أولدكم وبناتكم ل تقولوا هم صغار وقد‬
‫أحرقتهم الشهوة ل تكونوا عقبة في طريق صلحهم وسعادتهم فإن في‬
‫تيسير أمور الزواج وتشجيعهم وحثهم عليه صلح وسعادة لهم وحفظ من‬
‫دعاة الرذيلة والمخدرات ووسائلهم والولد أمانة في عنق كل أب حتى‬
‫يزوجهم "وما من عبد يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إل حرم الله عليه‬
‫الجنة" كما في الصحيحين‪ .‬وتأخير الزواج بدون عذر شرعي من الغش لهم‬
‫فاتق الله أيها الب في هذه المانة‪.‬‬
‫الشباب والرياضة‪:‬‬
‫أما الرياضة فقد حث عليها السلم فالمؤمن القوى خير وأحب إلى الله من‬
‫المؤمن الضعيف وفى كل خير وقد سابق النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫]عائشة[ رضى الله تعالى عنها جريا بقدميه وثبت في صحيح ]البخاري[ أن‬
‫الصحابة كانوا يتسابقون على البل ولها فوائد عظيمة كتنشيط الدورة‬
‫الدموية وتقوية العضلت الجسدية واللياقة البدنية وتربية العقل وهى وسيلة‬
‫للتعارف والتآلف لكنها ل تتعارض أبدا مع الهدف السمى لكل مسلم ولو‬
‫سألتك أيها الشاب ما هو هدفك في الحياة لماذا أنت تعيش لماذا خلقك الله‬
‫وحتى أقرب لك الصورة أكثر فإليك هذا المثال‪ :‬اللعبون في الملعب عددهم‬
‫اثنان وعشرون لعبا ولمدة ساعة ونصف ما هو هدفهم ماذا يريدون الهدف‬
‫هو المرمى ولنفرض أن شخصا دخل الملعب وسحب أبواب المرمى من‬
‫الملعب فما الذي سيحدث سيفسد اللعب ويتخبط اللعبون فليس هناك‬
‫هدف يسددون إليه وأصبح اللعب خبط عشواء كل هذا لضياع الهدف إذن‬
‫فسد اللعب لضياع الهدف وهكذا إذا ضاع الهدف في حياة الشاب تخبط أيضا‬
‫في حياته وأصبح ل هم له إل أن يرضي شهواته ونزواته أما الشاب العاقل‬
‫المسلم فهدفه عبادة الله )وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون( العبادة اسم‬
‫جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من القوال والفعال الظاهرة والباطنة إذا ً‬
‫باختصار هدفك في الحياة هو رضا الله ‪ ،‬رضا الله هدفك في الحياة‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫أقول هذا الكلم بمناسبة حديث أحد الشباب الرياضيين وقد تبين لي من‬
‫خلل الحديث معه أنه في العصر يمارس الرياضة وفى المساء أمام التلفاز‬
‫لمشاهدة المباريات وفي الصباح وفى قاعات الدراسة تحليل لمباراة البارحة‬
‫ونقاش حاد وصراخ ربما وصل لبذاءة اللسان بل ربما للرفس والطعان وفى‬
‫الظهر القراءة في الصحف الرياضية هذا هو برنامج صاحبي في اليوم والليلة‬
‫ويظن نفسه معتدل إذا نظر لغيره فغيره يسافر من أجل المباراة ويصرف‬
‫الموال ليشتري تذاكر السفر ودخول الملعب وغيرها ثم تراه من على‬
‫المدرجات يقفز ويصرخ وربما بح صوته وتعال وانظر لحرق العصاب بل ربما‬
‫بكى لنهزام فريقه وإن فاز خرج بعد المباراة ليعلن مشاعر الفرح بفوز‬
‫فريقه دوران وتبحيط وتزوير قلت لصاحبي أصبحت الرياضة غاية وهدفا ل‬
‫وسيلة فمن أجلها نبكي ونفرح ونحب ونبغض ونشد الرحال ونصرف الموال‬
‫ونضيع الوقات فيا شباب ‪:‬الرياضة وسيلة ل غاية فمن ذا الذي يرضى أن‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يموت وهمه كله في الرياضة بل ربما قدمها على طاعة الله وأمره ونهيه أما‬
‫معتدل محتسبا أجرك فمارسها كيفما شئت وفي هذا في تعدي الحد في‬
‫جعلها غاية وهدفا فالله عز وجل قال )أفرأيت من اتخذ إلهه هواه(‪.‬‬
‫أما التدخين والمخدرات فالكلم عنها يطول لكن يكفي هنا أن أقول إن‬
‫التدخين مفتاح الفساد نعم هو مفتاح الفساد ومن يريد الفساد ل يأتي لمن‬
‫بيده عود سواك وأتعجب كيف تهزمك قطيفة سيجارة فأين الرجولة وأين‬
‫العزيمة وأين الصرار والتحدي وأنت تصارع قطيفة سيجارة بل تحرق نفسك‬
‫ومالك أما المخدرات فيكفيك اسمها أيها الشاب فأعداء السلم يعرفون‬
‫خطر الشباب خاصة إذا صدقوا وتمسكوا بدينهم وعقيدتهم حماس وقوة‬
‫وحرارة إيمان فكان التركيز عليهم في تخديرهم وشل عقولهم وجهودهم‬
‫وإنهاك قواهم وهناك المئات من القصص المبكية التي تحكي تفكك السر‬
‫وبيع العراض وضياع كثير من الشباب وتمزيق الحياء بسبب هذا الوباء لكنى‬
‫أقول أيها الشاب أنت الخصم وأنت الحكم ولن ينفعك مثل نفسك وإن لم‬
‫ترحم نفسك أنت إن لم ترحم نفسك أنت فكيف تطالب الخرين أن يرحموك‬
‫فتجرد من العناد وحب الذات وأجب بصراحة لماذا جعلت نفسك هدفا لسهام‬
‫العداء والمنتفعين الذين يروجون لهذه المشاكل والذين ل يريدون إل دينك‬
‫ومالك فأنت من شجعهم وأنت من قدم المال لهم ليضروك في صحتك‬
‫ويفتنوك في دينك وليغتنوا ويفقروك فمن ذا الذي يدفع هذه الموال إل أنت‬
‫ومن الذي يشترى إل أنت وقل مثل ذلك في علب التدخين والمجلت والفلم‬
‫وأشرطة الغناء وغيرها من وسائل اللهو والفساد المحرمة ‪.‬‬
‫وأنتقل لعنصر آخر هو سبب رئيسي في صناعة حياتك إنهم‪:‬‬
‫رفقاء السوء ‪ ،‬بداية كل شر والنقطة الولى للنحراف والضياع فكم من‬
‫الشباب هلكوا بسببهم وكم قادوا أصحابهم إلى المهالك والسجون شعروا أو‬
‫لم يشعروا بل هم العامل المشترك في كل مشاكل الشباب يقول أحد‬
‫الشباب أنا شاب في العشرين من عمري نشأت في أسرة متدينة وكنت‬
‫متمسكا بالسلم إلى أن قال فذهبت إلى مدينة لمواصلة تعليمي وهناك‬
‫تعرفت على أصدقاء وكانوا بئس الصدقاء فعلى أيديهم تعلمت كل أنواع‬
‫الفساد ومعهم سلكت طريق الغواية والضلل وابتعدت عن طريق الهدى‬
‫والنور يقول‪ :‬تركت الصلة أصبحت مسلما بالسم فقط وفى هذا الجو‬
‫المفعم بالحباط استمرت حياتي مع هؤلء اللئام وأصبحت أعيش في فراغ‬
‫قاتل تنقصه السعادة وكنت كلما عزمت على التوبة يلحقني أصدقاء السوء‬
‫فأعود إلى الضلل و التشرذم إلى آخر كلمه‪.‬‬
‫لكن المشكلة عند الكثير من الشباب من هم رفقاء السوء فكل شاب يرى‬
‫أن أصحابه طيبين أو على القل ليس فيهم شر كما يقول البعض ففي‬
‫الستبانة سؤال يقول من هو الصديق المثالي من وجهة نظرك اسمعوا‬
‫الجابات قال بعضهم هو النسان المرح وقال بعضهم هو الذي تتفق طباعه‬
‫مع طباعي وقال آخر هو الذي يحترمني ويقدرني وقال آخر هو الذي يكون‬
‫غير متشدد في الدين وقال آخر هو الذي عنده ِدش هكذا قال بعض الشباب‬
‫وهذه هي نظرتهم للصديق المثالي فأقول أيها الشاب من كان ميزان‬
‫الصداقة لديه هو الهوى والمصلحة الشخصية فكيف سيفرق بين الجليس‬
‫الصالح والجليس السوء هذه هي المشكلة عند الكثير من الشباب في قضية‬
‫اختيار الصديق فالميزان عندهم أن تتوافق الطباع أو أن يكون مشهورا أو‬
‫وسيما أنيقا أو ذا مال وغنى هذه هي المعايير لختيار الصديق عند غالب‬
‫الشباب هذا إذا كان هناك اختيار لن المشاهد أن الواقع يفرض عليك الصديق‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كالزميل في المدرسة أو في العمل والجار في الحي والقريب ‪ ،‬هذا كله‬


‫يحدث للشباب في ظل غياب الموجه من والد ناصح أو مدرس صالح فالكثير‬
‫من الباء ل يعرف شيئا البتة عن أصحاب أولده وهذا من تضييع المانة والله‬
‫فإن أخطر شيء على الشاب رفقته يقول أحد الشباب إن أولياء أمورنا هم‬
‫المسئولون بالدرجة الولى فأنا لم أر والدي يسألني أين أذهب ومع أي‬
‫شخص أمشي انتهى كلمه ‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫اسمع لهذا الشاب وهو يقول ويروي تجربته بألم وبحسرة فيقول صادقت أحد‬
‫شياطين النس فكانت بداية السقوط حيث شجعني على تعلم ضرب العود‬
‫كرمكم الله وبالفعل أنقل كلمه بلفظه تماما يقول وبالفعل بدأت التعلم‬
‫وشرب الدخان بصور متقطعة وأثناء هذه المرحلة كنت أكره المسكرات‬
‫والمخدرات وأخاف من أهلها وبدأت تتوسع بعد ذلك شبكة أصدقاء السوء أو‬
‫بمعنى أصح سقط المجتمع وكنت في بداية المر كالغريب بينهم أتفحص‬
‫أشكالهم أتعجب من حالهم ولم أكن أتصور أني سأكون منهم في يوم من‬
‫اليام ولكن من أنا أجالسهم ول أكون منهم يقول وبالفعل تعلمت على أيديهم‬
‫شتى أنواع المعاصي التي خفت منها وكرهتها في صغري هذا حصل أثناء‬
‫المرحلة الثانوية إلى آخر قصته التي كتبها بخط يده ثم قال لي بلسانه أقسم‬
‫بالله لقد حاولت النتحار عددا من المرات ودخلت العيادات النفسية كثيرا‬
‫لقد عذبت والدتي معي ثم انخرط بالبكاء ثم قال في رسالته التي كتبها في‬
‫دفتر صغير كامل لم أكن راضيا عن نفسي وكنت دائم اللوم لها وفى أثناء‬
‫هذه الحياة القاسية وما كنت أعانيه من ملل هيأ الله لي أحد الخوة والذي‬
‫أدين له بالفضل الكبير بعد الله عز وجل في إيقاظي وتنبيهي من هذا‬
‫الكابوس المزعج المؤلم المدمر الذي ل أستطيع وصفه لنه يدمي القلب‬
‫ويدمع العين ويقرب الرتباك ويقول كل ذلك حصل بسبب صديق السوء‬
‫وعدم التوجيه المطلوب من الهل ثم قال بقي ندائي الحار والصادق والله‬
‫على ما أقول شهيد يا إخواني الشباب المعاصي بأنواعها من زنا ولواط‬
‫ومخدرات وخمور وغناء حبائل الشيطان وأعوانه من النس وعند الوقوع في‬
‫هذه المعاصي أو أحدها يخيل لكم الشيطان اللذة الوهمية التي تحس بها إنك‬
‫قد انتصرت على همومك وحققت مرادك من السعادة التي تطلبها فتمر‬
‫الشهور تلو الشهور والسنون تلو السنون فتبدأ المشكلة أو بمعنى أصح الغدر‬
‫الشيطاني وأعوانه من شياطين النس وأصدقاء السوء يقول وقد تتساءلون‬
‫ما هذه المشكلة وأنا أعذركم على هذا السؤال لنكم لم تتعمقوا في الدخول‬
‫في هذه المعاصي صدقوني يا اخوة بحكم جهلكم بها من ناحية وصغر سنكم‬
‫من ناحية أخري المشكلة هي التعلق بالمعصية وعدم القدرة على النفكاك‬
‫منها فتصبح عبدا أسيرا ضعيفا أمام هذه المعصية غير قادر على الهروب منها‬
‫وقد كنت قبل تتباهى بها وتجاهر وتفاخر أثناء فعلها هذه المرحلة صدقوني‬
‫بحكم التجربة أقول في هذه المرحلة تحدث النهاية التي كتبتها أنت بنفسك‬
‫وتتنازعك الهموم من كل جانب والقلق والضطراب النفسي والعقوبات‬
‫الدنيوية غير الخروية نسأل الله أن يتوب علينا إلى آخر كلمه الذي حرصت‬
‫أخي الشاب أن أنقله بأسلوبه وعباراته لعله أدعى للقبول والستفادة منه‬
‫فهذه صرخات وإنذارات من اخوة لك سبقوك في الميدان والله إن هذا‬
‫الشاب حدثني وهو معي في سيارتي حدثني وهو يبكي في ساعات طويلة‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كتبوها ما كتبوا هذه المواقف وحياتهم إل حبا لك وغيرة عليك لتراجع نفسك‬
‫وتحاسبها ففك أسرها من الهوى وأطلق قيدها من الغفلة أيها الشاب لماذا ل‬
‫تستفيد من تجارب هؤلء لماذا تصر وتكابر أنك ل يمكن أن تصل لحال هؤلء‬
‫وأن جلساءك طيبين نعم أتمنى يعلم الله أن يحفظك الله وأن يرعاك وإياهم‬
‫من كل سوء ولكن طريق الشر يبدأ من أول خطوة والسيل من أول قطرة‬
‫فالنجاة النجاة وربما أنك شاب ما زلت في أول الطريق فكن عاقل ذكيا‬
‫واستفد من تجارب الخرين وليس عيبا أن تسمع النصيحة والتوجيهات من‬
‫الكبار كأبيك وأخيك فهذا ل يعنى أنك صغير ول يعنى أنك بدون شخصية كما‬
‫يردد بعض الشباب ل بل العكس فهذا يعني أنك عاقل متزن فإن العاقل من‬
‫أضاف إلى رأيه آراء الخرين واستفاد من نصحهم وتجاربهم‪.‬‬
‫أيها الشاب اعلم أن الجليس السوء من أكبر أسباب الوقوع في أوحال‬
‫الشهوات من أكبر أسباب الضياع خاصة من فرط في الصلة‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ومن العجائب في الستبانة أن أربعة وثلثين من الشباب قالوا إن أصحابهم‬


‫يفرطون في الصلة وقال اثنا عشر بالمائة إن أصحابهم أصحاب منكرات‬
‫كثيرة تاركين للصلة بل العجب من ذلك أن أربعين بالمائة قالوا إن أصحابنا‬
‫لو طلبوا منا أمرا فيه معصية لله فإنا نلبي طلبه أحيانا وقال خمسة بالمائة لو‬
‫طلبوا منا فعل أمر فيه معصية لله نفعل هذا المر حتى ل يزعل منا فأي‬
‫مصيبة أن تستجيب لصديق يأمرك بمعصية الله فأرجوك أيها الشاب أعد‬
‫النظر في صداقاتك وانظر لمن هم على يمينك وشمالك واسأل نفسك هل‬
‫يرضى الله عنهم عن أفعالهم عن تصرفاتهم هل ترضى أن تحشر معهم يوم‬
‫القيامة "المرء مع من أحب" كما في الصحيحين هل ينفع الندم يوم القيامة‬
‫عندما تقول بل هل سمعت هذه الية في القرآن هل قرأتها يوما من اليام )يا‬
‫ويلتى ليتني لم أتخذ فلنا خليل( لماذا وهو صاحب الجلسات والسهرات‬
‫والسفرات والضحكات لماذا وهو صاحب المرح والمزاح فتأتي الجابة )لقد‬
‫أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للنسان خذول( نعم لنه ما‬
‫أعانني يوما على ذكر الله ما قال لي مرة قف لنصلي الصلة في وقتها بل‬
‫كلما انتبهت وتذكرت أو نصحني ناصح سخر مني واستهزأ بي‪.‬‬
‫يقول أحد العائدين لدار الملحظة من الشباب إن سبب عودتي أني عدت‬
‫إلى نفس الشلة ونفس رفقاء السوء لني إذا خرجت من الدار أجدهم‬
‫ينتظرونني ويدعونني إلى العودة إلى المشاكل السابقة بعد أن حسنوا لي‬
‫القبيح وقبحوا لي الحسن فأنسوني توبتي وعزمي على الستقامة فلذلك‬
‫عدت إلى الدار بسبب هذه الشلة الفاسدة انتهى كلمه‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫أقول الحمد لله أيها الشاب أنك عدت وأمهلك الله لكن ما حال من ل‬
‫يستطيع العودة من مات وهو على غَّيه بل من مات وهو مع رفقة السوء في‬
‫حادث أو سفر عندها ل ينفع الندم فكن عاقل واستعرض أصدقائك واحدا‬
‫واحدا واصحب الخيار المحافظين على الصلة ستجد عندهم البتسامة‬
‫والمرح والترويح عن النفس في غير ما يغضب الله تعالى فاسأل نفسك‬
‫لماذا رفضوا مشاهدة القنوات لماذا منعوا أنفسهم من فتنة المعاكسات لماذا‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حطموا أشرطة الغناء لماذا يترددون للمسجد خمسة مرات في اليوم والليلة‬
‫حَلق تحفيظ القرآن اسأل نفسك ما الفرق بينك وبينهم أنت‬ ‫لماذا صبروا في ِ‬
‫رجل وهم رجال ولك عقل ولهم عقول غير أنهم جاهدوا أنفسهم فمنعوها من‬
‫الحرام وأطلقت لنفسك العنان فأجبتها )إن النفس لمارة بالسوء إل من رحم‬
‫ربي( إن الذي أمرهم وأمرك ونهاهم ونهاك هو الله لكنهم قالوا أطعنا وقلت‬
‫أنت ومن معك عصينا في قلوبهم خوف من الله خوف من عذابه وعقابه‬
‫وفى قلبك غفلة عن الله وعن عذابه وعقابه فجاهد نفسك أخي الحبيب‬
‫وامنعها من الحرام من أجل الله امنعها من الحرام إخلصا لله الذي أنعم‬
‫عليك من أجل الذي يراك ويطلع عليك من أجل الله القادر على تغيير حالك‬
‫من صحيح إلى مريض من عاقل إلى مجنون من بصير إلى أعمي من متحرك‬
‫إلى مشلول من سعيد إلى شقي من غني إلى فقير انظر لحوال الناس من‬
‫حولك انظر للمستشفيات انظر لدور النقاهة انظر لحوال الناس أسأل الله‬
‫أن يحفظك ويعافيك من كل سوء ‪ ،‬لكنه قادر جل وعل نعم هو غفور رحيم‬
‫لكنه شديد العقاب شديد العذاب هو بر رحيم لكنه عزيز ذو انتقام نعم هو‬
‫يمهل لكنه ل يهمل ) وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون(‬
‫أيها الشاب إني عليك مشفق ولك محب وناصح فاصبر نفسك مع الصالحين‬
‫استجب للقرآن وهو يقول )واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة‬
‫والعشي يريدون وجهه ول تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ول تطع من‬
‫أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا( كان أمره فرطا قال ]ابن‬
‫ل عن الدين وعبادة ربه بالدنيا‬ ‫شغِ َ‬
‫كثير[ ول تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا أي ُ‬
‫وكان أمره فُُرطا أي أعماله وأفعاله سفه وتفريط وضياع ول تكن مطيعا له‬
‫ول محبا لطريقته ول تغبطه بما هو فيه كما قال )ول تمدن عينيك إلى ما‬
‫متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى(‬
‫والواقع أن بعض الشباب يغبط اللعب أو الفنان الفلني لشهرته بل ربما‬
‫فّرطا ً في الصلة والخلق بل قد يكون كافرا فأين من تعلق‬ ‫م َ‬
‫يحبه وقد يكون ُ‬
‫بما يسمى ]مارادونا[ أو من تعلق بمن يسمى ]مايكل جاكسون[ وهما‬
‫كافران الول مدمن مخدرات والثاني شاذ جنسيا هكذا قالت وسائل العلم‬
‫فيا لهف نفسي على شباب السلم أيرضى أحد أن يحشر مع هؤلء فالمرء‬
‫مع من أحب أين نحن من أمر الله وهو يقول )ول تطع من أغفلنا قلبه عن‬
‫ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا( فإن كنت عاقل إن كنت ذا عقل فاحذر‬
‫من المفرطين الغافلين وأحب الصالحين الناصحين قال عمر بن الخطاب‬
‫عليك بإخوان الصدق فعش في أكنافهم فإنهم زين في الرخاء وعدة في‬
‫البلء وقال ]الجوهري[ إن من أحب أهل الخير نال من بركتهم كلب أحب‬
‫أهل فضل وصحبهم فذكره الله في محكم تنزيله يعنى كلب أصحاب الكهف‬
‫قال ]القرطبي[ في تفسيره بعد كلم الجوهري هذا ‪ ،‬قال إذا كان بعض‬
‫الكلب قد نال هذه الدرجة العليا بصحبته ومخالطته الصلحاء والولياء حتى‬
‫أخبر الله تعالى بذلك في كتابه جل وعل فما ظنك بالمؤمنين الموحدين‬
‫المخالطين المحبين للولياء والصالحين انتهى كلمه رحمه الله ‪.‬‬
‫أيها الشاب اسأل نفسك هل أصدقاؤك أصدقاء مصالح ثم أسألك أنا هل ذقت‬
‫طعم الصداقة الحقيقية والخوة الصادقة قال النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫"من أحب أن يجد طعم اليمان فليحب المرء ل يحبه إل لله" كما في مسند‬
‫]أحمد[ و]البزار[ وصححه ]الحاكم[ ووافقه ]الذهبي[ وقال صلى الله عليه‬
‫وسلم "ثلث من كن فيه وجد بهن حلوة اليمان وذكر منها "وأن يحب المرء‬
‫ل يحبه إل لله" كما في الصحيحين وقال صلى الله عليه وسلم "قال الله عز‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وجل وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في" وذكر النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم من السبعة الذي يظلهم الله في ظله يوم ل ظل إلى ظله وقال‬
‫"ورجلن تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه" كما في البخاري ومسلم‬
‫والله تعالى يقول )الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل المتقين( وقل لي من‬
‫تصاحب أخبرك من أنت فـ "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"‬
‫كما في سنن ]أبي داود[ و]الترمذي[ و]أحمد[ وصحح إسناده ]النووي[ كما‬
‫في رياض الصالحين فهل تصدق بالقرآن والسنة وتكون ممن قالوا سمعنا‬
‫وأطعنا أو ممن قالوا سمعنا وعصينا‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫أخيرا أيها الشاب الطيب فتش في نفسك فتش في أصحابك واحذر رفقة‬
‫السوء فإنهم ل يقر لهم قرار ول يهدأ لهم بال حتى تكون مثلهم وأداة طيعة‬
‫في أيديهم إما لكراهتهم امتيازك عنهم بالخير وإما حسدا لك فإن الله تعالى‬
‫أخبر عن المنافقين فقال )ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء( وقال‬
‫]عثمان[ رضي الله تعالى عنه ودت الزانية لو زنى النساء كلهن‪..‬‬
‫فإياك وقطاع الطريق إلى الخرة الذين يصدون عن ذكر الله اسمع لهذا‬
‫النصح واستجب وفكر وراجع نفسك كن عاقل وتنبه ثم انتبه أن تكون من‬
‫مفاتيح الشر مفاتيح للشر أنبهك أيها الخ لمر مهم غفل عنه الكثير من‬
‫الشباب فبعض الشباب ل يكفيه أن يقع هو بالمعصية ويتحمل ذنبه بل ل يزال‬
‫بزملئه يشجع هذا على السفر للخارج ويدل ذاك على تلك القناة ويعطى‬
‫الخر أرقام ذلك الهاتف ويمدح تلك الغنية ويهدي شريطها لزميله وهكذا هو‬
‫في كل جديد في عالم المتعة والشهوة فأصبح مرشدا للفساد وهو ل يشعر‬
‫فحمل ذلك المسكين وزره وأوزار غيره فكما أن الدال على الخير كفاعله‬
‫فإن الدال على الشر أشد من فاعله وأشنع فهو أهلك نفسه وغيره أصبح‬
‫مفتاحا للشر وأنا على يقين أنك لم تقف وتفكر بقول الحق عز وجل )ليحملوا‬
‫أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم أل ساء ما‬
‫يزرون( وأنك غفلت عن قول النبي صلى الله عليه وسلم "ويل لمن كان‬
‫مفتاحا للشر مغلقا للخير" وأنك لم تتذكر قوله صلى الله عليه وسلم "ومن‬
‫سن في السلم سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"‬
‫أنا على يقين أنك غفلت عن هذه الدلة القوية في خطورة الدللة والتشجيع‬
‫على الفساد وأنك ظننته من حديث المجالس والتفاخر بالمغامرات‬
‫والعنتريات بين الشباب وإل فل أحد يتحمل ذنبه فكيف بذنوب الخرين‬
‫فاحفظ لسانك واستر على نفسك واحذر أن تكون مفتاحا للشر وأنت ل تعلم‬
‫فكفاك ذنبك غفر الله لي ولك وللمسلمين أجمعين‪.‬‬
‫بل إن مجرد الحديث عن معصية فعلتها حتى وإن كان سرا لصديق عزيز بينك‬
‫وبينه فإن ذلك من المجاهرة بالمعصية كما في حديث ]أبي هريرة[ يقول‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "كل أمتي معافى إل‬
‫المجاهرون وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عمل ثم يصبح وقد‬
‫ستره الله عليه فيقول يا فلن عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه‬
‫ويصبح يكشف ستر الله عنه" أيها الشاب كن عاقل فإذا ابتليت بشهوة فإن‬
‫كان بينك وبين ربك احرص أن يكون ذلك بينك وبين ربك فهو خطأ بشر‬
‫وضعف نفس وهو أحرى أن يغفر أما الحديث عنه وتشجيع الخرين عليه أي‬
‫على الذنب فهو عناد وكبر وصاحبه على خطر عظيم أل فليتق الله أولئك‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذين يصورون جرائمهم والكبائر التي يفعلونها ويحدثون بها الخرين من‬
‫زملئهم )أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الرض فإذا هي تمور أم‬
‫أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير(‪.‬‬
‫التقليد واتباع كل جديد قصات الشعر القبعات الملبس الغربية النظارات‬
‫السوداء التميع والتشبه بالنساء المبالغة في التجمل سلوكيات شاذة عن‬
‫مجتمعنا المسلم نراها في الونة الخيرة هنا وهناك فهل هي من إفرازات‬
‫القنوات الفضائية من فرق البريك دانس أو الهيبز أو البي جاز أو غيرها من‬
‫فرق الرقص والمجون ومغني الخلعة والفجور أم هو التقليد العمى "ومن‬
‫تشبه بقوم فهو منهم" كما قال صلى الله عليه وسلم بل قال صلوات الله‬
‫وسلمه عليه "ليس منا من تشبه بغيرنا ل تتشبهوا باليهود والنصارى" كما في‬
‫صحيح سنن ]الترمذي[ وحسنه ]اللباني[ ‪.‬‬
‫والغريب انتشارها بهذه السرعة بين الشباب بل وصرف الموال والوقات‬
‫في صوالين الحلقة فما لي أراك بدل أن تنكر على أصحابها وتشمئز من هذه‬
‫الحركات وتردها بيقينك وعاداتك الطيبة ما لي أراك تحاكيها وكأنها راقت لك‬
‫عجيب أمرك أليس لك دين ترجع إليه لترى أهذا الفعل حلل أم حرام؟؟‬
‫وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القزع وقال أهل العلم بل قال‬
‫صلى الله عليه وسلم "احلقه كله أو دعه كله" وذكر أهل العلم أن جميع أخذ‬
‫أطراف الشعر من أي جهة من جهة الرأس إنما يدخل في حكم القزع‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫فإن غاب الدين أقول أليس لك عقل لتسأله أتناسب هذه التصرفات مجتمعنا‬
‫الطاهر أم هي من خوارم المروءة ونقصان الرجولة فلماذا ل تسأل نفسك‬
‫وتكون عاقل فإن غاب الدين وغاب العقل أليس لك شخصية مستقلة تعتز بها‬
‫وتتميز بها عن عالم السفليات وسلوك الساخطين إن الذي يدفع الكثير من‬
‫شبابنا لمثل هذه الحركات هو الشعور بالنقص نعم انظر لنفسك الشعور‬
‫بالنقص فالشاب يحب الظهور والبروز والشهرة فلما عجز عنها بصفات‬
‫الكمال بحث عنها بصفات النقص قاعدة خالف تذكر وهو يظن الناس‬
‫ينظرون إليه بعين العجاب وهم والله العظيم يزدرونه ويسخرون منه وما‬
‫سمعت ل صالحا ول طالحا يثني على أحد منهم بل العكس فمتى يعقل شبابنا‬
‫أن المجتمعات السلمية شيء والمجتمعات الكافرة شيء آخر وأن السلم‬
‫مَعة تقول‬ ‫هو الستسلم لله في كل شيء حتى في اللباس والشكل ول تكن إ ِ ّ‬
‫إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت فقد أجاب وللسف اثنان‬
‫وسبعون بالمائة من شباب الستبانة أنهم يعلمون أن الغاني ومشاهدة‬
‫القنوات والمجلت لحرام ولكنهم يشاهدونها لن كثيرا من الناس يسمعونها‬
‫ويشاهدونها فيا أيها الشاب كن عاقل ول تنظر للهالك كيف هلك ولكن انظر‬
‫للناجي كيف نجا إني أخاف الله لماذا أراك أيها الشاب تنهزم بسهولة أمام‬
‫كل معصية وشهوة نعم كلنا ذو خطأ وكلنا ذاك الرجل وكل بني آدم خطاء‬
‫لكن شتان بين شاب كالسفنج يمتص كل شهوة ويستجيب لكل رغبة ويدفع‬
‫كل جديد حتى عطل تفكيره وعقله وألغى شخصيته ومبدأه شتان بين هذا‬
‫وبين شاب يخاف الله ويجاهد نفسه فهو ينتصر عليها مرات وتنتصر عليه‬
‫مرات ثم اعلم أن هناك شيئا اسمه الخوف من الله غاب عن قاموس كثير‬
‫من شباب اليوم أيها الشاب هب أنك ل تستحي من نفسك بل هي غرقت‬
‫وضاعت في وحل الشهوات واللذات وهب أنك لم تعد تستحي من الناس أو‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اجتهدت في التخفي والتستر عنهم هب أنك أغلقت الباب على نفسك هب‬
‫أنك سافرت بعيدا عن معارفك كما تقول وهربت لخارج البلد من قيود‬
‫وأحكام الشريعة كما يقول البعض ألم تعلم أن الله يراك وأنه معك في كل‬
‫حال ومكان إنه قريب وعليك رقيب فأين عظمة الله في نفسك أين عظمة‬
‫الله انظر للكون من حولك انظر في خلق نفسك انظر في تقدير الله جل‬
‫وعل أنسيت أنه العليم فيعلم كل شيء وأنه السميع فيسمع كل شيء وأنه‬
‫القدير فيقدر على كل شيء نعم تستطيع أن تختفي عن أعين الناس ولكنك‬
‫ل تستطيع أن تختفي عن عين الله ‪.‬‬
‫وإذا خلوت بريبة في ظلمة‬
‫والنفس داعية إلى الطغيان‬
‫فاستحي من نظر الله وقل لها‬
‫إن الذي خلق الظلم يراني‬
‫إنه الخوف من الله الصخرة التي تتهاوى أمامها الشهوات الحصن الحصين‬
‫بينك وبين الفساد السد المنيع الذي يمنعك من المعاصي في حديث السبعة‬
‫الذين يظلهم الله في ظله قال "ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال" انتبه‬
‫أيها الشاب دعته فهي التي دعته فهو لم يقطع الفيافي ويصرف الموال من‬
‫أجلها لم يطاردها في السواق ولم يتلعب بأرقام الهاتف لصيدها بل هي‬
‫التي دعته وهى امرأة ذات منصب أي أمن العقوبة فهي تستر عليه عند‬
‫الفضيحة وهي ذات جمال وقلوب الرجال تهفوا إلى الجمال إذن فالسباب‬
‫مهيأة والفرصة مواتية فما الذي يردك ما الذي يردك أيها الرجل هيا لكن تأتي‬
‫الجابة من قلب تربى على خشية الله من قلب بين جنبيه شيء اسمه‬
‫الخوف من الله فيصرخ في وجه تلك المرأة فيقول لها بملء ِفيه إني أخاف‬
‫الله مهما بلغت الشهوة ومهما كانت النفس والمغريات إني أخاف الله حصن‬
‫اليمان السد المنيع عند الزمات فقل لنفسك كلما همت بمعصية يا نفس‬
‫إني أخاف الله عود لسانك على هذه الكلمة أل تخاف الله أل تخاف من‬
‫الموت )قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم( معاشر الشباب‬
‫ضْيل بن عياض[ شاب مشهور‬ ‫ف َ‬
‫احفظوا هذا السم جيدا وتذكروه ]علي بن ال ُ‬
‫لكن شهرته ليست في عالم الرياضة ول في عالم الفن له قصة غريبة على‬
‫مسامع شبابنا في مثل هذا الواقع اسمعوها قال ]أبو بكر بن عياش[ صليت‬
‫خلف ]فضيل بن عياض[ صلة المغرب وإلى جانبي علي ابنه فقرأ الفضيل‬
‫)ألهاكم التكاثر( فلما بلغ )لترون الجحيم( سقط علي مغشيا عليه وبقي‬
‫]الفضيل[ ل يقدر أن يجاوز الية ثم صلى بنا صلة خائف قال ثم رابطت عند‬
‫علي فما أفاق إل في نصف الليل‪.‬‬
‫وكان علي يوما عند ]سفيان بن عيينة[ فحدث سفيان بحديث فيه ذكر النار‬
‫وفى يد علي قرطاس فيه شيء مربوط فشهق شهقة ووقع وسقط‬
‫القرطاس من يده فالتفت إليه سفيان وقال‪ :‬لو علمت أنك هنا ما حدثت بهذا‬
‫لنه عرف أنه مشهور بالبكاء خوفا من النار وتدبرا للقرآن‪ .‬قال فما أفاق إل‬
‫بعد ما شاء الله قال ]محمد بن ناجية[ صليت خلف الفضيل فقرأ ؛الحاقة في‬
‫الصبح فلما بلغ إلى قوله )خذوه فغلوه( غلبه البكاء فسقط ابنه علي مغشيا‬
‫عليه‪..‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أعرفتم يا شباب بأي شيء اشتهر علي بن الفضيل بشدة خوفه من الله‬
‫وخشيته عند سماع القرآن حتى اشتهر بقتيل القرآن نعم سمي قتيل القرآن‬
‫وكان قتيل للقرآن فعل فقد قال ]الخطيب[ مات علي قبل أبيه بمدة بآية‬
‫سمعها تقرأ وغشي عليه وتوفي في الحال ل إله إل الله ما أرق هذه القلوب‬
‫هكذا تحي القلوب بصلتها بالله جل وعل لله درك يا ابن الفضيل أي خوف من‬
‫الله هذا الذي بلغ بك قال ]إبراهيم بن بشار[ الية التي مات فيها علي بن‬
‫الفضيل في النعام )ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد( قال مع‬
‫هذا الموضع مات وكنت فيمن صلى عليه رحمه الله ‪ .‬يا شباب هذا هو علي‬
‫بن الفضيل وهذه هي شهرته وهذا لقبه قتيل القرآن ‪ ،‬القرآن الذي هجره‬
‫بعض الشباب فربما مر الشهر والشهران والثلثة لم يقرأ آية في كتاب الله‬
‫فضل عن أن يحفظ منه شيئا أو يتدبر اليات فيبكي لماذا أنت بعيد عن الله‬
‫كيف بلغت القسوة بنا قسوة قلوبنا بنا إلى هذا الحد ذكر بعض شباب‬
‫الستبانة أن من آثار الغناء عليهم نسيان القرآن وهذه نتيجة أكيدة فل يجتمع‬
‫كلم الرحمن ورقية الشيطان في قلب ووالله ما أصابك من قسوة في‬
‫القلب وبعد عن الله إل بسبب الغناء أقسم بالله إل بسبب الغناء فهو رقية‬
‫الشيطان اسأل نفسك بصراحة كم مرة تسمع الغناء في الشهر الواحد وكم‬
‫مرة قرأت القرآن في هذا الشهر أعلم أن الجابة مخيفة لكن هل ترضى أن‬
‫تموت على هذا ؟ هل دمعت عيناك يوما خوفا من الله اسمع لهذه السورة‬
‫واسأل نفسك هل مر بك هذا الموقف في حياتك فمن السبعة الذين يظلهم‬
‫الله في ظله قال "ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" ذكر الله لوحده ل‬
‫يعلم به أحد فذكر نعمة الله عليه وتذكر تقصيره في حق ربه وتذكر كثرة‬
‫ذنوبه ومعاصيه وجرأته على الله فرق قلبه ودمعت عينه فسالت على خده‬
‫خشية وخوفا من الله فكان من السبعة الذين يظلهم الله في ظله فيا أيها‬
‫الشاب جرب حاول اخل بنفسك بغرفة أو ظلمة ليل ناج ربك اعترف بذنبك‬
‫اشك إليه قسوة قلبك تب واستغفر وردد رب إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا‬
‫فاغفر لي فإنه ل يغفر الذنوب إل أنت حاول ل تتردد فربما كان هذا الموقف‬
‫منجيا لك عند الله يوم ل ينفع مال ول بنون إل من أتى الله بقلب سليم فإنك‬
‫إن خفت الله فالله يقول )ولمن خاف مقام ربه جنتان( أما إن استجبت‬
‫للنفس المارة فالله يقول )فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي‬
‫المأوى( أما إن جاهدت النفس وذكرتها بأنك تخاف الله فأبشر فإن الله يقول‬
‫)وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى(‬
‫أبشر أخي الحبيب إنه الله الذي إذا خفت منه هربت إليه لتشعر بالراحة‬
‫والسعادة وكلما ابتعدت عن الله كنت عرضة للهموم والحزان والطفش‬
‫والضيق فاحذر خداع النفس وغرور الشيطان‪.‬‬
‫وأخيرا التوبة التوبة أيها الخوة أبشركم أن سبعة وستين من شباب الستبانة‬
‫قالوا نعم نفكر في طريق الستقامة واثنين وعشرين قالوا نفكر أحيانا في‬
‫طريق الستقامة ولم يقل ل نفكر إل ثلثة ولم يجب البقية وهم تسعة‬
‫وعشرون وقال خمسة وتسعون بالمائة من الشباب إن طريق الستقامة هي‬
‫طريق السعادة الحقيقية‪.‬‬
‫فأقول‪ :‬أيها الشباب ها أنتم بأنفسكم تقولون إن طريق الستقامة هو طريق‬
‫السعادة فإلى متى وأنتم تحرمون أنفسكم السعادة والراحة فمن يحول‬
‫بينكم وبين التوبة ‪ ،‬أخي الحبيب )ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر‬
‫الله وما نزل من الحق( قل بأعلى صوتك قل بلى والله لقد آن قل كفاني‬
‫ذنوبا وعصيان اعترف وقل‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كم ليلة أودعتها مآثما أودعتها‬


‫لشهوة أطعتها في مرقد ومضجع‬
‫وكم خطى حذذتها بخزية أحدثتها‬
‫وتوبة نكثتها لملعب ومرتع‬
‫كم تجرأت على رب السماوات العل‬
‫عي‬‫ولم أراقبه ول صدقت فيما أ َد ّ ِ‬

‫)‪(13 /‬‬

‫فرغ قلبك من الشهوات نحترق والله لننا نراك فيها وفى المعاصي وب ُْعد الله‬
‫عز وجل يقول ربك )والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات‬
‫أن تميلوا ميل عظيما( انتصر لنفسك ‪ ،‬انتصر على نفسك ل تستجيب لدعاة‬
‫الرذيلة استعذ بالله من الشيطان الرجيم ارجع إلى ربك تب إليه قم فتوضأ‬
‫صل ركعتين ابك على ذنوبك وتقصيرك في حق ربك استمع للبشارة للغفور‬
‫الرحيم وهو يقول لك )إل من تاب وآمن وعمل عمل صالحا فأولئك يبدل الله‬
‫سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما( ما أعظمها من بشارة لك أنت أيها‬
‫الشاب من ربك الرحيم الغفور جل وعل فكل الذنوب تبدل حسنات فما الذي‬
‫تنتظره قم فأبدل النحراف بالستقامة والرصفة بالمساجد والملعب بحلق‬
‫القرآن والغاني بالذكر والتسبيح ذق طعم الدموع من أجل الله انكسر بين‬
‫يدي الله اظهر الخضوع والذل لله استعن بالله والله إنك بحاجة لربك جل‬
‫وعل أنت بحاجة لعونه اصدق مع الله ‪ ،‬قف في ظلمة الليل وحيدا وانطرح‬
‫بين يديه ذليل وقل أسألك بعزك وذلي إل رحمتني أسألك بقوتك وضعفي إل‬
‫غفرت لي أسألك بغناك عني وفقري إليك هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين‬
‫يديك عبيدك سواي كثير وليس لي سيد سواك ل ملجأ ول منجا منك إل إليك‬
‫قل لربك أسألك مسألة المسكين وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل وأدعوك‬
‫دعاء الخائف الضرير قل لربك أنت وحدك تعلم جلوتي وخلوتي أنت وحدك‬
‫دك الضعيف بين يديك يارب ها أنا‬ ‫تعلم سري وعلنيتي قل يارب يارب عُب َي ْ ُ‬
‫م أنفي وفاضت عيني وذل قلبي فيارب يارب يا‬ ‫أعود إليك خضعت رقبتي وَرِغ َ‬
‫غفور اغفر ذنبي وطهر قلبي وأنت عفو كريم فاعف عني‪..‬‬
‫القلب محترق والدمع مستبق‬
‫والكرب مجتمع والصبر مفترق‬
‫كيف القرار على من ل قرار له‬
‫مما جناه الهوى والشوق والقلق‬
‫يا رب إن كان شيء فيه لي فرج‬
‫فامنن علي به ما دام في رمق‬
‫كن صادقا في التوبة توكل على الله ولن يردك خائبا ولو بلغت ذنوبك عنان‬
‫السماء افرح بالتوبة اسمع ]لكعب بن مالك[ رضى الله تعالى عنه وهو يقول‬
‫فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني أي بتوبة الله عليه قال كعب فنزعت‬
‫ي فكسوتهما إياه لبشارته يقول والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت‬ ‫له ثوب ّ‬
‫ثوبين فلبستهما فانطلقت أتأمم رسول الله يتلقاني الناس فوجا يهنئوني‬
‫بالتوبة ويقولون لتهنئك توبة الله عليك إلى أن قال فسلمت على رسول الله‬
‫قال وهو يبرق وجهه من السرور ويقول "أبشر بخير يوم مر عليك مذ ولدتك‬
‫أمك"‪.‬‬
‫كن صادقا في التوبة وأبشر بخير يوم مر عليك مذ ولدتك أمك أيها الشاب‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه مشاعر تائب ذاق حلوة التوبة من صحابة رسول الله عرف طعمها رغم‬
‫قربه من الله مشاعر التائب جياشة عباراته صادقة دموعه حارة ففي قلبه‬
‫حرقة وفى دمعه أسرار يجد للطاعة حلوة وللعبادة لذة عرف طعم الحياة‬ ‫ُ‬
‫وذاق طعم السعادة والراحة بحلوة اليمان فما هي إل ساعة حتى يبعثر ما‬
‫في القبور ويحصل ما في الصدور ما هي إل ساعة ويقال فلن مات ما هي‬
‫إل ساعة ويعلم الغافلون أنهم كانوا سادرون لهون فويل للقاسية قلوبهم من‬
‫ذكر الله أما التائبون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم التائبون ترى أعينهم‬
‫تفيض مما عرفوا من الحق أيها الشاب ويحك من ذا الذي يصلى عنك بعد‬
‫الموت من ذا الذي يصوم عنك بعد الموت من ذا الذي يرضي ربك عنك بعد‬
‫الموت‪..‬‬
‫أل تبكي على نفسك وتنبه‬
‫قبل رمسك فعندها ل ينفع الندم‬
‫تنام ولم تنم عنك المنايا تنبه للمنية يا نؤوم‬
‫ض عن حالك‬‫أيها الشباب‪ :‬سئل شاب من شباب الستبانة هل أنت را ٍ‬
‫وواقعك فأجاب تسعة وعشرون بالمائة بـ ‪:‬ل وأجاب ثمانية وعشرون بالمائة‬
‫أنهم راضون أحيانا وأجاب ثلثة وعشرون بالمائة بـ ‪:‬نعم وقد أجاب ثلثة‬
‫وخمسون بـ ‪:‬نعم أرغب في تغيير حالي وواقعي وثمانية وعشرون بالمائة‬
‫أرغب في تغيير حالي وواقعي أحيانا وأنا أقول هذه من البشائر ومن علمات‬
‫الخير فيكم أيها الشباب أن ل يرضى الكثير منكم عن حاله بل ويتمنى تغيير‬
‫واقعه فأقول أبشر فل يزال هناك فرصة للتغيير لكن بادر وأسرع فواقعنا‬
‫يستحي أحدنا من الحديث عنه أمام الخرين فكيف بالحديث عنه أمام الله‬
‫فسيسأل الشاب يوم القيامة عن شبابه فيم أبله ول يزال أمامك فرصة‬
‫للتغيير من واقعك لكن أسرع فالدنيا قليل ولم يبق من القليل إل القليل فخذ‬
‫من القليل للكثير فكل عمل تكره الموت من أجله فاتركه ابتعد عنه ثم ل‬
‫يضرك متى مت فهل فكرت في مصيرك بعد الرحيل هل فكرت كيف حالك‬
‫في القبر هل فكرت كيف سيكون حالك في الصراط يوم البعث والنشور‬
‫أجاب واحد وخمسون بالمائة من الشباب نعم وأجاب تسعة وثلثون بالمائة‬
‫أحيانا نفكر وأجاب ستة بـ ‪:‬ل وأقول للذي لم يفكر اعلم أن الموت ل يفكر‬
‫)وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد(‬
‫هو الموت ما منه ملذ ومهرب‬
‫ب‬
‫متى حط ذا عن نعشه ذاك يرك ُ‬
‫ة‬‫نشاهد ذا عين اليقين حقيق ً‬
‫ب‬
‫عليه مضى طفل وكهل وأشي ُ‬
‫ولكن على الران القلوب كأننا‬
‫ب‬‫بما قد علمناه يقينا ن ُك َذ ّ ُ‬
‫إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا‬

‫)‪(14 /‬‬

‫ب‬‫وفى كل يوم واعظ الموت يند ُ‬


‫وفى الختام وبعد هذا كله كن شجاعا واتخذ القرار ول تتردد وكن من الذين‬
‫قالوا ربنا الله ثم استقاموا )إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم‬
‫الملئكة أل تخافوا ول تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن‬
‫أولياؤكم في الحياة الدنيا وفى الخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيها ما تدعون نزل من غفور رحيم( فلماذا تحرم نفسك ثمرات الستقامة‬
‫وثمرات الصلح في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫في النهاية أعتذر إليك أيها الشاب فربما قسوت عليك ولكنه الحب ‪ ،‬فإن‬
‫صديقك من صدقك وليس من صدقك هي الغيرة يعلم الله‬
‫فحبيبك من يغار إذا زللت‬
‫ويغلظ في الكلم متى أسأت‬
‫يسر إذا اتصفت بكل فضل‬
‫ويحزن إن نقصت أو انتقصت‬
‫ومن ل يكترث بك ل يبالي‬
‫ت عن الصواب أو اعتدلت‬ ‫أَ ِ‬
‫حد ْ َ‬
‫هي كلمات لك بل والله هي كلمات لكل الشباب وخاصة أولئك الذين ظلموا‬
‫أنفسهم وأسرفوا عليها بالمعاصي والذنوب فإن أصبت فيها فذلك من فضل‬
‫الله ومنته علي فله الحمد وله الشكر وإن أخطأت فيها أو شيء منها فمن‬
‫نفسي والشيطان وأعلن الرجوع عنها تائبا ومستغفرا ربي غافر الذنب وقابل‬
‫التوب‪.‬‬
‫أيها الخ يعلم الله أنني أعزي نفسي بكلماتي فكم أنا بحاجة لهذه الكلمات‬
‫فأعظ بها نفسي أول وهي لك ثانيا ل إله إل هو الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫اللهم رد شبابنا إليك ردا جميل اللهم خذ بأيديهم إلى الحق اللهم اغفر لهم‬
‫ذنوبهم اللهم استر عيوبهم اللهم ارحمهم برحمتك اللهم ارحم معذبهم يا حي‬
‫يا قيوم اللهم طهر قلوبهم اللهم خذ بأيديهم اللهم من كان منهم في صلح‬
‫واستقامة فزده ثباتا وهداية ومن كان منهم غافل ضال فخذ بناصيته لطريق‬
‫الحق والستقامة اللهم من أرادهم بسوء فأشغله بنفسه واجعل كيده في‬
‫نحره واجعل تدبيره تدميرا عليه يا قوي يا عزيز اللهم يا رب من عزم على‬
‫التوبة والرجوع إليك فوفقه وأعنه يا حي يا قيوم برحمتك يا أرحم الراحمين‬
‫اللهم احفظ السلم والمسلمين اللهم عليك بأعداء الدين اللهم انصر عبادك‬
‫الصالحين اللهم وفق ولة أمور المسلمين جميعا لما فيه صلح السلم‬
‫والمسلمين اللهم وفق ولة أمورنا خاصة لما تحبه وترضاه وارزقهم البطانة‬
‫الصالحة الناصحة اللهم وفقهم وأعنهم لما فيه صلح السلم والمسلمين‬
‫اللهم احفظ بلدنا وسائر بلد المسلمين بالمن واليمان اللهم اجمع كلمتهم‬
‫على التوحيد والقرآن ل إله إل أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين سبحانك‬
‫اللهم وبحمدك أشهد أن ل إله إل أنت أستغفرك وأتوب إليك وصل الله وسلم‬
‫وبارك على نبينا محمد وعلى أهله وصحبه أجمعين ‪.‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫الشباب المسلم والسياحة الغربية ‪ ..‬حقائق وآراء‬


‫مع اقتراب الجازة الصيفية تتوالى عروض الشركات السياحية في الظهور‪،‬‬
‫وتحتل العلنات والبرامج السياحية مكانة كبيرة في العلم بأنواعه‪ ،‬ويبدأ‬
‫الكثير من الشباب بالتوافد على هذه الشركات بحًثا عن المتعة والسفر‬
‫والسياحة‪.‬‬
‫ومما يلفت النتباه أن السياحة الخارجية تستحوذ على النصيب الكبر من‬
‫السياحة‪ ،‬بل إن السياحة إلى بلد أوروبا وأمريكا تحتل المكانة العظمى عند‬
‫كثير من الشباب‪ ،‬ففي دراسة أجريت في السعودية تبين أن إجمالي ما‬
‫ينفقه المواطنون على السياحة الداخلية نسبة ل تتعدى ‪ %17‬من إجمالي‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إنفاقهم الخارجي‪.‬‬
‫ومن العجب أن ما يقرب من ثلثة مليين سعودي ينفقون ‪ 30‬مليار دولر‬
‫سنويا ً في قضاء إجازاتهم الصيفية خارج السعودية‪ ،‬وهو مبلغ ضخم جدا يمثل‬
‫نسبة ‪ %15‬من أرباح صادرات النفط‪ .‬و هذه المبالغ الخيالية التي تنفق هنا‬
‫وهناك ل ريب أنها تحتاج إلى وقفة تأمل من الشباب ولسيما إذا كانت‬
‫الوجهة لبلد الغرب وأمريكا‪.‬‬
‫في السفر والسياحة فوائد جمة‬
‫إن في السياحة والسفر كما ل يشك أحد من الفوائد الشيء الكثير‪ ،‬ولكن‬
‫السفر في الوقت نفسه يشتمل على سلبيات ومضار تقل وتكثر بحسب‬
‫مكان السفر والغرض منه وما يتعلق بذلك‪.‬‬
‫يحدثنا الدكتور خالد القريشي )عضو هيئة التدريس بجامعة المام محمد بن‬
‫سعود السلمية بالرياض ( عن بعض فوائد السفر فيقول‪:‬‬
‫‪ -1‬انفراج الهم والغم‪ :‬فمما عرف واشتهر بين الناس أن الملزم للمكان‬
‫الواحد‪ ،‬أو الطعام الواحد قد يصاب بالسأم والملل منه‪ ،‬فتنتابه الرغبة في‬
‫التجديد‪ ،‬وهذا حال بعض المقيمين‪ ،‬إذ قد يعتريهم ما ُيضي ّقُ صدورهم‪،‬‬
‫ويغتمون به‪ ،‬فيصابون بالملل والسآمة ويحسون بالرتابة في حياتهم‪ ،‬فإذا‬
‫سافر الواحد منهم تغّيرت الوجوه من حوله واختلفت المشاهد والجواء عليه‪،‬‬
‫فحينئذ يذهب همه وينشرح صدره‪.‬‬
‫‪ -2‬اكتساب المعيشة‪ :‬فإن من ضاق عليه رزقه في بلد ُنصح بالسفر إلى بلد‬
‫أخرى طلبا ً للرزق‪ ،‬فالله سبحانه وتعالى يقول‪} :‬هو الذي جعل لكم الرض‬
‫ذلول ً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور{‪ .‬فكم من رجل سافر‬
‫لكتساب الرزق ففتح الله عليه‪.‬‬
‫‪ -3‬ومنها تحصيل العلم‪ :‬فقد كان أسلفنا ومن نقتدي بهم من النبياء‬
‫والصالحين‪ ،‬يرتحلون في طلب العلم‪ ،‬ويقطعون المسافات الطويلة أحيانا ً‬
‫لجل سماع حديث واحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -4‬تحصيل الداب‪ :‬وذلك لما ُيرى من الدباء ولقاء العلماء والعقلء الذين ل‬
‫يردون بلده‪ ،‬فيكتسب من أخلقهم ويقتدي بهم‪ ،‬فيحصل له من الدب الشيء‬
‫الكثير وتسمو طباعه‪.‬‬
‫‪ -5‬صحبة المجاد‪ :‬ويشهد لها الحس والواقع‪ ،‬فكم سافر إنسان فلقى كرام‬
‫الرجال وأطايبهم‪ ،‬فخالطهم وعاش معهم فاكتسب من آدابهم وأخلقهم‪.‬‬
‫‪ - 6‬استجابة الدعوة‪ :‬لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلث دعوات‬
‫مستجابات ل شك فيهن‪ :‬دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على‬
‫ولده" ‪.‬‬
‫‪ -7‬زيارة الحباب من أقارب وأرحام وأصحاب‪ ،‬وهذا من أفضل القربات إلى‬
‫الله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ -8‬رفع النسان نفسه من الذل‪ ،‬إذا كان بين قوم لئام‪ :‬لنه قد يكون مث ً‬
‫ل‪:‬‬
‫صاحب دين وهم أهل فسق‪ ،‬أو غير ذلك فتسقط منزلته بينهم‪ ،‬وقد‬
‫يستخفون به‪ ،‬فإذا فارقهم إلى بلد آخر صار في عّز وارتفعت منزلته‪.‬‬
‫وللضرر والعيوب نصيب‬
‫ضا عيوًبا‬‫وإذا كانت هذه هي مزايا السفر وفوائده بشكل عام فإن فيه أي ً‬
‫وأضراًرا يجملها الدكتور كمال القريشي فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬الحرمان من لذة الطعام والشراب والنوم‪ ،‬والحرمان من الهل والحباب‬
‫والنقطاع عنهم مما يهيج الشوق والحنين إليهم‪ ،‬فل يقر للمسافر قرار‪ ،‬ول‬
‫يجد في قلبه الراحة‪ ،‬بل يشعر بوحشة الغربة‪ ،‬وحرقة الفراق‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -2‬أنه يظهر مساوئ الخلق‪ :‬وقد قالوا‪ :‬ل تعرف صاحبك حتى تعصيه‪ ،‬أو‬
‫تسافر معه ‪.‬‬
‫‪ -3‬اختلط المور على المسافر‪ ،‬فقد يظن العدو صديقًا‪ ،‬والصديق عدوا‪ً،‬‬
‫ونحو ذلك ‪.‬‬
‫‪ -4‬كثرة النفقات والتكاليف‪ :‬التي تشق على المرء وترهقه ماديًا‪ ،‬كالنفاق‬
‫على وسائل المواصلت‪ ،‬أو على الكل والشرب‪ ،‬أو على السكنى في‬
‫الفنادق ونحوها‪.‬‬
‫‪ -5‬الذل في الغربة‪ :‬إذ العادة أن المسافر ذليل في دار غربته‪ ،‬ل يعرفه أحد‪،‬‬
‫ول يعرفون منزلته في أهله وبين قومه‪ ،‬وقد يخفى عليهم كونه من أهل‬
‫العلم والفضل‪ ،‬أو من أهل الرأي والعقل‪ ،‬أو صاحب منزلة علمية معينة‬
‫فيستخفون به‪ ،‬ول تكون له عندهم قيمة‪.‬‬
‫‪ -6‬كثرة المخاطر التي يتعرض لها المسافر‪ :‬سواء من جهة اللصوص‪ ،‬أم‬
‫الحوادث التي قد يتعرض لها في طريقه‪ ،‬أو الهوام الضارة في أثناء رحلته‪،‬‬
‫وغيرها من الخطار والصعاب التي تواجه المسافر‪.‬‬
‫وكما نرى فإن هذه الفوائد والمضار إنما هي في السفر بشكل عام وليس‬
‫من اللزم أن تتوفر في جميع السفار‪ ،‬فقد تحتوي بعض السفار على نسبة‬
‫كبيرة من الفوائد‪ ،‬وقد يكون العكس هو الصحيح فما هو موقف السياحة إلى‬
‫البلد الكافرة من هذا المر وما هو الحكم الشرعي لهذه السياحة‪.‬‬
‫عندما تتحول السياحة إلى شر ووبال‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لنتدبر ونفكر بعقل في أمر السياحة إلى تلك البلد الكافرة‪ ،‬وننظر في حال‬
‫الشباب الذين ذهبوا إليها‪ ،‬ماذا استفادوا وكم خسروا‪ ،‬وقبل الحكم على‬
‫الشيء ل بد من معرفة مميزاته وعيوبه وإيجابياته وسلبياته‪ ،‬وإذا كان السفر‬
‫إلى البلد الكافرة فيه بعض الفوائد من اطلع على حضارة معينة وتقدم‬
‫مادي‪ ،‬فإن هذه الفائدة والتي ل تكاد توجد غيرها‪ ،‬فيه من المضار الشيء‬
‫الكثير‪.‬‬
‫وبنظرة سريعة نجد أن غالب أولئك الشباب الذين ذهبوا للسياحة في تلك‬
‫البلدان قد حصل لهم ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬تأثر عقيدتهم التي هي أعظم ما يمتلكه النسان في هذه الحياة الدنيا‪ ،‬وهي‬
‫سبيل نجاته يوم القيامة‪ ،‬فإن الكفار ل يتركونهم دون أن يوقعوا في نفوسهم‬
‫كثيرا من الشبهات التي تزعزع إيمانهم وتهز يقينهم بربهم‪ ،‬وهذا أمر مشاهد‬
‫وملموس‪.‬‬
‫‪ -‬ضياع كثير من القيم والخلق الفاضلة‪ ،‬فإن من ينظر إلى الفتيان والفتيات‬
‫في المنتزهات والحدائق والشوارع قد تعروا من ملبسهم‪ ،‬وتبذلوا في‬
‫كلماتهم‪ ،‬وتركوا الحياء جانبا ً والعفة خلفهم‪ ،‬ل شك أن ذلك له الثر السيئ‬
‫على الشاب‪ ،‬وهو من أسباب موت الغيرة في القلب شيئا فشيئا‪ ،‬فإن‬
‫النفس إذا تعودت على شيء ألفته ولم تستنكره‪.‬‬
‫ويعترف كثير من الشباب أنه بسفره إلى تلك البلدان فقد لذة العبادة‬
‫والطاعة والقرب من الله جل وعل‪ ،‬خاصة مع فقدان شعائر الدين ا لظاهرة‪،‬‬
‫والتي هو عون للمسلم وسكن لنفسه وراحة لقلبه‪ .‬كما أنه من الملحظ أن‬
‫رهطا ً كبيرا من الشباب قد انزلق إلى المحرمات والمنهيات‪ ،‬بل وفي كثير‬
‫من الحيان كان هذا السفر سببا في الوقوع في الكبائر والفواحش‪ ،‬وكم من‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شاب كان محافظا على شعائر دينه فذهب إلى هناك فترك الفرائض وضيع‬
‫الواجبات وانتهك الحرمات والله المستعان‪.‬‬
‫هدر للوقت !‬
‫لو جلست مع هؤلء العائدين من بعض تلك البلد لوجدت غالب حديثهم ينم‬
‫عن إعجاب بما عند الكفار من التقدم الحضاري‪ ،‬وإن كان على حساب‬
‫الخلق والدين والعرض‪ ،‬فالكثير من هؤلء الشباب قد عاد منبهرا بما عند‬
‫هؤلء من حضارة زائفة زائلة‪ ،‬ويظن أن ذلك كان بسبب تركهم للدين‬
‫وانطلقهم كالنعام ترعى بل قيود ول ضوابط‪.‬‬
‫‪ -1‬اسأل هؤلء الشباب ما هي الفائدة الحقيقة التي جنوها من جراء هذا‬
‫السفر وهذه السياحة‪ ،‬فلن تجد إجابة شافية غير أنه كان إضاعة للوقت‬
‫الثمين وذهابا للعمر في غير فائدة‪ ،‬خاصة وأن كثيرا من هؤلء الشباب ل‬
‫يجعلون سفرهم للعبرة والموعظة والتذكير وإنما يجعلونه لتسريح الفكار‬
‫وتقليب النظار والنطلق في الشهوات‪.‬‬
‫‪ -2‬لو تفكرت في تلك الموال التي تنفق هنا وهناك‪ ،‬وتضيع فيما يعود على‬
‫الكفار بالقوة القتصادية والمالية‪ ،‬ويعود على المنفق بالضرر في الدين‬
‫والدنيا‪ ،‬لعلمت أن هذا السفر قد احتوى الشر والهلك‪ ،‬فهذا قد استدان‬
‫ليسافر‪ ،‬وذاك قد أنفق ما جمع طيلة العام‪ ،‬وهكذا دواليك حتى يعود كثير من‬
‫سا ل مال له ول متاع‪ ،‬ولو كان هذا المال قد أنفقه في تجارة أو‬ ‫الشباب مفل ً‬
‫في مشروع أو جهز به نفسه أو حتى تبرع به لكان له من وراء ذلك خير‬
‫كثير ‪.‬‬
‫‪ -3‬فقدان المن والمان على النفس والمال والعرض فكيف يمكن للمرء أن‬
‫يأمن في بلد أقل ما فيها السرقة‪ ،‬وليس للدم عندهم قيمة‪ ،‬فأي لذة في‬
‫سفر تعتريه المخاطر والحتوف ؟!‬
‫السياحة من منظور شرعي‬
‫هذه جملة من تلك المفاسد التي تراها في أولئك الشباب العائدين من هذه‬
‫البلد الغربية‪ ،‬ولك أن تتساءل الن ما هو الحكم الشرعي في ذلك‪ ،‬وهل‬
‫الشريعة السلمية تعرضت لهذا المر ؟‬
‫يؤكد فضيلة الشيخ إبراهيم بن صالح الخضيري )القاضي بالمحكمة الكبرى‬
‫بالرياض( أن إهدار المال في السياحة والتفاهات كفر بنعمة الله‪ ،‬فإن هذا‬
‫المال من نعم الله العظيمة ا لتي يبتلي الله بها عباده لينظر أيشركون أم‬
‫يكفرون وقد قال سبحانه ‪" :‬وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لزيدنكم ولئن كفرتم‬
‫إن عذابي لشديد " ‪ ،‬والشكر يكون بالمحافظة على هذا المال وإنفاقه فيما‬
‫يعود بالنفع على النفس والخرين‪.‬‬
‫ويحذر الشيخ الخضيري الشاب الذي يضيع أمواله في هذه البلد من عقوبة‬
‫الله جل وعل القائل في كتابه العزيز‪" :‬ضرب الله مثل قرية كانت آمنة‬
‫مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنُعم الله فأذاقها الله لباس‬
‫الجوع والخوف بما كانوا يصنعون " ويضيف ‪ :‬إن السفر إلى بلد الكفر محرم‬
‫في الشريعة السلمية إل لضرورة علج أو مصلحة للسلم والمسلمين فقد‬
‫ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ " :‬أنا بريء من كل مسلم يقيم‬
‫بين ظهراني المشركين " رواه أبو داود وغيره ‪.‬‬
‫القرآن والسنة يحذران من البقاء في بلد الكفار‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما الدكتور عبد المحسن العسكر )عضو هيئة التدريس بجامعة المام محمد‬
‫بن سعود السلمية فيقول ‪ :‬إن في قصة جرير بن عبد الله البجلي عبرة‬
‫وعظة‪ ،‬ل بد للمسلم أن يتفكر فيها‪ ،‬فقد ثبت أنه قال ‪ :‬يا رسول الله بايعني‬
‫رط‪ ،‬فقال صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬تعبد الله ول تشرك به شيئا وتقيم‬ ‫واشت ِ‬
‫الصلة وتؤتي الزكاة وأن تفارق المشركين" فانظر أيها المسافر كيف ألحق‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم مفارقة المشركين بأركان السلم ودعائمه‬
‫العظام ‪.‬‬
‫ويقول ‪ :‬إن الله جل وعل ذكر في كتابه التحذير من القامة في بلد الكفر‬
‫والبقاء فيها فقال‪ " :‬إن الذي توفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما‬
‫كنتم قالوا كنا مستضعفين في الرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة‬
‫فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جنهم وساءت مصيرا إل المستضعفين من‬
‫الرجال والنساء والولدان ل يستطيعون حيلة ول يهتدون سبيل فأولئك عسى‬
‫الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا "‬
‫فهؤلء مسلمون في مكة بل هم من الصحابة أمرهم الله بالخروج من بلدهم‬
‫لنها بلد كفر وكفار إذ ذاك‪ ،‬فلم يستجيبوا خوفا على أولدهم وأموالهم فحكم‬
‫الله عليهم بهذا الحكم الشديد " فأولئك مأواهم جهنم " نعم هم في بلدهم‬
‫ومسقط رؤوسهم وبلد آبائهم من قبل‪ .‬فكيف بمن يذهب إليهم وينفق أمواله‬
‫عليهم فينفع شبابهم ورجالهم ويقوي اقتصادهم ويربح تجارتهم ؟! كل ذلك‬
‫على حساب نفسه وأهله وإسلمه الذي هو في أمس الحاجة إلى هذا المال‪.‬‬
‫والجدير بالذكر أن اللجنة الدائمة للفتاء التابعة لهيئة كبار العلماء بالمملكة‬
‫العربية السعودية قد أصدرت فتوى بشأن السفر إلى بلد الكفر بناء على‬
‫سؤال وارد إليها عن حكم السفر للسياحة في البلد الكافرة مع عدم‬
‫الختلط بهم وقد انتهت اللجنة بعد البحث إلى ما يلي‪:‬‬
‫ل يجوز السفر لبلد أهل الشرك إل لمسوغ شرعي وليس قصد الفسحة‬
‫مسوغا ً للسفر‪ ،‬لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬أنا بريء من كل مسلم‬
‫يقيم بين أظهر المشركين"رواه أبو داود‪.‬‬
‫ولذلك ننصحك بعدم الذهاب لتلك البلد ونحوها للغرض المذكور لما في ذلك‬
‫من التعرض للفتن والقامة بين أظهر الكفار ‪ ،‬وجاء في هذا المعنى أحاديث‬
‫أخرى‪.‬‬
‫وأعضاء اللجنة هم فضيلة الشيخ عبدالله بن قعود وفضيلة الشيخ عبد الله بن‬
‫غيدان وفضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي ورئيس اللجنة سماحة الشيخ عبد‬
‫لعزيز بن عبد لله بن باز )رحمه الله( )راجع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث‬
‫والفتاء ‪/2/68‬فتوى رقم ‪ 4873‬من المجلد الثاني (‬
‫السفر لقصد شرعي وهدف سام‬
‫وكل ما سبق إنما يتضمن السفر للسياحة والنزهة والتفرج‪ ،‬أما إذا كان هناك‬
‫مسوغ شرعي للسفر‪ ،‬كما لو كان للتجارة مثل‪ ،‬أو كان للتعلم والفائدة بحيث‬
‫ل توجد هذه العلوم عند المسلمين‪ ،‬أو كان المقصود العلج الطبي ونحو ذلك‪،‬‬
‫فإن الشريعة السلمية قد أباحته‪ ،‬ولكن بضوابط ويمكن من تتبع كلم العلماء‬
‫أن نجمل تلك الضوابط والشروط فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون لدى النسان علم يدفع به الشبهات‪ ،‬لن الكفار هناك يوردون‬
‫شبهات على الناس‪ ،‬تكاد تعصف بهم حتى يصرفوهم عن دينهم‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون عند النسان دين يمنعه من الوقوع في الشهوات المحرمة‪،‬‬
‫خاصة وأنهم ل يبالون هناك بما يفعلون‪ ،‬وكل شيء عندهم مباح في الجملة ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون النسان محتاجا إلى السفر إلى تلك البلد‪ ،‬إما لعلج أو لعلم‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ليس في بلده اختصاص فيه‪ ،‬أو للدعوة إلى الله أو لغير ذلك من المور التي‬
‫يحتاج إلى السفر إلى بلد الكفر من أجلها‪.‬‬
‫‪ -4‬القدرة على إظهار الدين وعدم موالة المشركين‪ .‬فقد أجمع المسلمون‬
‫على أن من لم يستطع إظهار دينه هناك حرم عليه السفر‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الشباب المسلم والشباب غير المسلم‬


‫مت َهَوٌّر‬ ‫ل ُ‬ ‫جا ٌ‬‫معْ َ‬
‫ف الشباب المسلم في الغلب بأّنه متطرف إرهابي ‪ِ ،‬‬ ‫ص ُ‬ ‫ي ُوْ َ‬
‫ي‬
‫ما من المجتمع البشر ّ‬ ‫قّزز من كل شيء حوله‪ ،‬يبدو َناقِ ً‬ ‫يّتسم بالمتعاض والت ّ َ‬
‫ل والعقد باعتباره إّياه عدّوا لدوًدا‬ ‫ض على من بيده الح ّ‬ ‫حاوِل ً النقضا َ‬ ‫م َ‬ ‫‪ُ ،‬‬
‫يعترض الطريقَ ويحول دون الوصول إلى المنزل ويمنع من كل ما يهواه مما‬
‫يتعّلق بالدين والدنيا ‪.‬‬
‫ة من‬ ‫صهْي ِن َ ُ‬ ‫مت َ َ‬
‫ة ال ُ‬‫ة والمجموع ُ‬ ‫ة الصهيوني ُ‬ ‫م فيها العصاب ُ‬ ‫حك ّ ُ‬‫ل العلم التي ت َت َ َ‬ ‫وسائ ُ‬
‫ن بـ "المسيحيين" تلوك ذلك كل وقت ‪ ،‬بكل لغة ‪ ،‬وبأساليب متنوعة‬ ‫مي ْ َ‬‫س ّ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ي يعتقد أن الملوك – على صيغة‬ ‫‪ ،‬حتى عاد المجتمعُ الد ّوَِلي والشارع العالم ّ‬
‫شا‪.‬‬‫اسم الفاعل من "اللوك" – من قبل وسائل العلم حقيقة ثابتة لتقبل نقا ً‬
‫ي إلى شتى الديانات الباطلة في‬ ‫م ْ‬ ‫من ْت َ ِ‬
‫ن غيره من الشباب ال ُ‬ ‫على حين إ ّ‬
‫ف‬ ‫ن‬
‫ُ َ ّ ُ‬‫ص‬ ‫ي‬‫ل‬ ‫ولكنه‬ ‫؛‬ ‫المتماثلة‬ ‫السلبية‬ ‫الصفات‬ ‫هذه‬ ‫من‬ ‫بأكثر‬ ‫سم‬
‫العالم ي َت ّ ِ‬
‫ن ذلك‬ ‫كأ ّ‬ ‫ما محارًبا لما ولمن حوله ‪ .‬لش ّ‬ ‫مت َهَوًّرا ‪ ،‬ناق ً‬ ‫جال ً ُ‬ ‫معْ َ‬ ‫متطرًفا إرهابّيا ‪ِ ،‬‬
‫التصنيف للشباب المسلم نابع من الظلم والحجاف بل العصبية المنتنة‬
‫والحقد السود والكراهية المتناهية التي يحملها المجتمع غير المسلم –‬
‫ولسّيما المجتمع الغربي الصهيوني المسيحي المتصهين – ضد ّ السلم وأبنائه‬
‫‪.‬‬
‫جَر آلًفا من‬ ‫الشباب غير المسلم هدم المسجد البابري بالهند ‪ ،‬وفَ ّ‬
‫الضطرابات الطائفية في طول البلد وعرضها ‪ ،‬وحصد من خللها أرواح‬
‫المسلمين ‪ ،‬ونهب ممتلكاتهم ‪ ،‬واغتصب نساءهم ‪ ،‬وضرب شبابهم ضرًبا‬
‫حوَّلهم مواطنين من الدرجة الثانية ‪،‬‬ ‫حا تركه عالة على المجتمع ‪ ،‬و َ‬ ‫مبر ً‬
‫صّيرهم ضائعين هائمين ‪ ،‬فقراء يتكففون الناس ؛ ولكنه – الشباب غير‬ ‫و َ‬
‫ي ناقم من المجتمع ‪،‬‬ ‫ف ولمرة واحدة بأّنه متهور ارتجال ّ‬ ‫ص ْ‬ ‫المسلم – لم ي ُوْ َ‬
‫يمارس الرهاب ‪ ،‬ويصدر عن التطرف ‪ ،‬ويعتمد المتعاض والتقزز والستياء‬
‫ة ‪ .‬بل تكتفي وسائل العلم بقولها ‪ :‬إّنه‬ ‫ن إليه ديان ً‬ ‫مو ْ َ‬ ‫ما من الذين لي َن ْت َ ُ‬ ‫دائ ً‬
‫يميني صادر عن إملءات الحقد والعصبية العمياء ‪ ،‬يرتكب الظلم وليعمل‬
‫قل وإنما يعمل بما ليجيزه الجوار والمواطنة والتعامل النساني‬ ‫بالتحمل والتع ّ‬
‫ضا‬‫والروح الوطنية والقوانين الدولّية ‪ .‬وتعتمد في النطق بهذه الكلمات أي ً‬
‫ة والجفاَء ‪.‬‬ ‫ل ‪ ،‬وتتجّنب الخشون َ‬ ‫م َ‬‫ن والتج ّ‬ ‫اللي َ‬
‫إن الشباب المسيحي فعل الفاعيل اللإنسانية مع المسلمين في البوسنه‬
‫والهرسك ؛ وإن الشباب الصهيوني مارس ول زال يمارس الفاعيل الوحشية‬
‫ن بأيّ شيء من السلبّية ‪ ،‬ولم‬ ‫كرا ول ي ُذ ْك ََرا ِ‬ ‫مع الفلسطينيين ؛ ولكنهما لم ي ُذ ْ َ‬
‫تتعرض لهما وسائل العلم بتشهير أو انتقاد ؛ لنهما أبناء الله وأحباؤه !‬
‫ولنهما يبقيان بريئين بعد كل ذنب مهما كان شنيًعا ؛ لنهما من جنس الملئكة‬
‫!‪.‬‬
‫ل على عدائها السافر‬ ‫ل على شيء فإّنما يد ّ‬ ‫ن أسلوب وسائل العلم ‪ ،‬إن د ّ‬ ‫إ ّ‬
‫للسلم ‪ ،‬مهما غلفت تعاملها بالموضوعّية والمهنّية والجدّية ‪ ،‬وزعمت أنها ل‬ ‫َ‬ ‫ّ‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة المهنة ولتصدر إل ّ عن المصداقية ؛ لن المهنة العلمية أنبل‬ ‫تراعي إل ّ حرم َ‬


‫ي ‪ ،‬والمصداقية هي‬ ‫طها الساس ّ‬ ‫ة هي شر ُ‬ ‫مهنة يزاولها النسان ‪ ،‬والموضوعي ّ ُ‬
‫ي !‪.‬‬‫قوامها الصل ّ‬
‫ضا ونقمة ‪ ،‬وتهوًّرا وارتجال ً ‪ ،‬وتطرًفا وإرهاًبا ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫امتعا‬ ‫أكثر‬ ‫المسلم‬ ‫هل الشباب‬
‫ومبادرة إلى اللجوء إلى استخدام القوة ضد معارضه‪ ،‬من الشباب‬
‫الصهيوني ‪ ،‬والشباب الصليبي ‪ ،‬والشباب الوثني ‪ ،‬والشباب العلماني ‪،‬‬
‫مَر أخلَقه وأخلقَ غيره ‪،‬‬ ‫والشباب الغربي ‪ ،‬الذي أفسد نفسه وغيره ‪ ،‬ود َ ّ‬
‫جّرد َ نفسه وغيره من كل قيمة من القيم النسانية ‪ ،‬وجعل إلَهه هواه من‬ ‫و َ‬
‫المادة والمعدة ‪ ،‬ووسائل الحياة ‪ ،‬والعري والعار ‪ ،‬والفجور والسفور ‪،‬‬
‫مار ‪ ،‬والجنس والشهوة ‪ ،‬والمجون والباحّية ‪ ،‬والزواج المثلي ‪،‬‬ ‫ق َ‬
‫مار وال ِ‬
‫خ َ‬
‫وال ُ‬
‫َ‬
‫ما عليه وعلى غيره لت ُطاق ‪.‬‬ ‫ل الدنيا جحي ً‬ ‫جعَ َ‬‫ي‪،‬و َ‬‫والشذوذ الجنس ّ‬
‫ما‬
‫ها ناق ً‬
‫ضا كار ً‬
‫م ممتع ً‬ ‫ب المسل َ‬ ‫ل الشبا َ‬ ‫حو ّ َ‬ ‫ن هذا الكيل بمكيالين هو الذي َ‬ ‫إ ّ‬
‫فه ‪ ،‬ويراه بعين عشواء أو عوراء ‪ ،‬ول‬ ‫ص ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مستاًء من المجتمع حوله الذي لي ُن ْ ِ‬
‫ن غيره صالح طيب لعيب فيه ‪ ،‬مهما أسكر وعربد‬ ‫يراه بعين مبصرة عيناء ‪ .‬إ ّ‬
‫‪ ،‬وفسد وأفسد ؛ وإّنه هو فاسد طالح مثال للعيوب وصورة للنقائص ‪ ،‬مهما‬
‫س المطالبة بحقوقه المشروعة ‪.‬‬ ‫ف ونزه ‪ ،‬وبقي حبي َ‬ ‫عَ ّ‬
‫ل إطاَرها القديم ‪ :‬من العداء‬ ‫متى ُتغّير وسائل العلم العالمية مسارها وت ُب َد ّ َ‬
‫فى الشباب المسلم من كل نوع من‬ ‫التقليدي للسلم والمسلمين ‪ ،‬حتى يتش ّ‬
‫المتعاض والكراهية ؟!‪] .‬التحرير[‬
‫)تحريًرا في الساعة ‪ /9‬من صباح يوم الخميس ‪25/5/1427 :‬هـ =‬
‫‪22/6/2006‬م(‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الشباب بين التباع والبتداع‬


‫أول‪ :‬أهمية الشباب‪:‬‬
‫‪ -1‬أهمية مرحلة الشباب في التكوين الفكري وسلمة المنهج‪.‬‬
‫‪ -2‬أهمية العناية بالشباب والحرص على توجيههم وتعليمهم وسبب ذلك‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تعريف السنة والبدعة‪:‬‬
‫‪ -1‬تعريف السنة لغة‪.‬‬
‫‪ -2‬تعريف السنة شرعا‪.‬‬
‫‪ -3‬تعريف أهل السنة‪.‬‬
‫‪ -4‬تعريف البدعة لغة‪.‬‬
‫عا‪.‬‬
‫‪ -5‬تعريف البدعة شر ً‬
‫ثالثا‪ :‬المر بلزوم السنة والحث عليها والنهي عن البدع والتحذير منها‪:‬‬
‫‪ -1‬النصوص من كتاب الله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬النصوص من السنة النبوية‪.‬‬
‫‪ -3‬النصوص المنقولة عن السلف الصالح وأتباعهم‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬من أسباب الوقوع في البتداع‪:‬‬
‫‪ -1‬الخلل في منهج التلقي‪:‬‬
‫منّزل‪ ،‬والعتماد على غيره‪.‬‬ ‫أ‪ -‬قّلة العلم بالشرع ال ُ‬
‫ب‪ -‬ترك تلقي العلم الشرعي عن العلماء وترك مجالستهم‪.‬‬
‫ج‪ -‬التلقي عن أهل البدع ومخالطتهم والجلوس معهم‪.‬‬
‫‪ -2‬الخلل في منهج الستدلل‪:‬‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أ‪ -‬عدم التسليم للنصوص الشرعية وعدم النقياد لها‪.‬‬


‫ب‪ -‬الستدلل ببعض النصوص دون النظر في غيرها‪.‬‬
‫حة ومشروعية البدعة بالعادة والُعرف‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الحتجاج على ص ّ‬
‫حة ومشروعية البدعة بعمل بعض ذوي العلم والفضل‬ ‫د‪ -‬الحتجاج على ص ّ‬
‫بها‪.‬‬
‫هـ‪ -‬الحتجاج باختلف العلماء‪.‬‬
‫و‪ -‬الحتجاج بحصول منفعة هذه البدعة بالتجربة‪.‬‬
‫‪ -3‬الجهل بكلم العرب وأساليبهم في الخطاب‪.‬‬
‫‪ -4‬اتباع الهوى‪.‬‬
‫‪ -5‬الغلو والتعصب‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬أخطار البدع على دين المرء‪:‬‬
‫‪ -1‬اتخاذ الشركاء مع الله عز وجل‪.‬‬
‫‪ -2‬مخالفة وتكذيب لصريح القرآن‪.‬‬
‫‪ -3‬مخالفة وتكذيب لصريح السنة الصحيحة‪.‬‬
‫‪ -4‬اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالخيانة‪.‬‬
‫‪ -5‬عمل المبتدع مردود‪.‬‬
‫‪ -6‬الهلك والوعيد للمبتدع‪.‬‬
‫‪ -7‬المبتدع يحمل أوزار من تبعه‪.‬‬
‫‪ -8‬المبتدع يحجب عن الحوض‪.‬‬
‫ل‪ :‬أهمية الشباب‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ -1‬أهمية مرحلة الشباب في التكوين الفكري وسلمة المنهج‪:‬‬
‫ي أن يوفقهما الله‬ ‫دث والعجم ّ‬ ‫ح َ‬
‫قال أيوب السختياني‪" :‬إن من سعادة ال َ‬
‫ن أهل السنة"‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫لعالم ٍ ِ‬
‫سك أن‬ ‫ب إذا تن ّ‬‫وقال عبد الله بن شوذب‪" :‬إن من نعمة الله على الشا ّ‬
‫يواخي صاحب سنة يحمله عليها"‪.‬‬
‫وقال عمرو بن قيس الملئي‪" :‬إذا رأيت الشاب أّول ما ينشأ مع أهل السنة‬
‫ن الشاب على أّول‬ ‫جه‪ ،‬وإذا رأيته مع أهل البدع فاْيأس منه؛ فإ ّ‬ ‫والجماعة فاْر ُ‬
‫نشوئه"‪.‬‬
‫َ‬
‫سلم‪،‬‬ ‫ضا‪" :‬إن الشاب لينشأ فإن آثر أن يجالس أهل العلم كاد أن ي َ ْ‬ ‫وقال أي ً‬
‫طب"‪.‬‬ ‫وإن مال إلى غيرهم كاد ي َعْ َ‬
‫‪ -2‬أهمية العناية بالشباب والحرص على توجيههم وتعليمهم وسبب ذلك‪:‬‬
‫قال مالك بن دينار‪" :‬إنما الخير في الشباب"‪.‬‬
‫دموا إلينا أحداثكم؛ فإنهم أفرغ قلوًبا‪ ،‬وأحفظ لما‬ ‫وقال الحسن البصري‪" :‬ق ّ‬
‫مه"‪.‬‬‫مه له أت ّ‬ ‫سمعوا‪ ،‬فمن أراد الله أن ي ُت ِ ّ‬
‫م لي ولخر‬ ‫وقال يوسف بن الماجشون‪ :‬قال لي ابن شهاب الزهري ولبن ع ّ‬
‫معنا‪" :‬ل تستحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم؛ فإن عمر بن الخطاب رضي‬
‫دة‬‫ح ّ‬
‫مْعضل دعا الحداث فاستشارهم؛ ل ِ‬ ‫الله عنه كان إذا أعياه المر ال ُ‬
‫عقولهم"‪.‬‬
‫وقال أبو بكر بن عياش‪ :‬كنا عند العمش ونحن حوله نكتب الحديث فمّر به‬
‫ل فقال‪ :‬يا أبا محمد‪ ،‬ما هؤلء الصبيان حولك؟ فقال‪" :‬هؤلء الذين‬ ‫رج ٌ‬
‫يحفظون عليك دينك"‪.‬‬
‫وقال هشام بن عروة‪ :‬كان أبي يقول‪" :‬أي بني‪ ،‬كنا صغار قوم ٍ فأصبحنا‬
‫ر‬
‫كبارهم‪ ،‬وإنكم اليوم صغار قوم ويوشك أن تكونوا كبارهم‪ ،‬فما خير في كبي ٍ‬
‫ول علم له؟! فعليكم بالسنة"‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي‪" :‬ما رأيت شاًبا قط ل يطلب العلم ول‬
‫دة إل رحمُته"‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫سيما إذا كانت له ِ‬
‫شرح أصول اعتقاد أهل السنة للللكائي )‪.(1/66‬‬
‫البانة عن شريعة الفرقة الناجية لبن بطة )‪ ،(206–1/205‬وشرح أصول‬
‫اعتقاد أهل السنة للللكائي )‪.(1/67‬‬
‫البانة عن شريعة الفرقة الناجية لبن بطة )‪ ،(206–1/205‬وشرح أصول‬
‫اعتقاد أهل السنة للللكائي )‪.(1/67‬‬
‫البانة عن شريعة الفرقة الناجية لبن بطة )‪ ،(206 – 1/205‬وشرح أصول‬
‫اعتقاد أهل السنة للللكائي )‪.(1/67‬‬
‫الجامع لخلق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي )‪.(487 ،1/484‬‬
‫الجامع لخلق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي )‪.(487 ،1/484‬‬
‫المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي )‪ (2/157‬وحلية الولياء لبي نعيم )‬
‫‪.(3/364‬‬
‫دث الفاصل للرامهرمزي )ص ‪.(194-193‬‬ ‫المح ّ‬
‫دث الفاصل للرامهرمزي )ص ‪.(194-193‬‬ ‫المح ّ‬
‫جامع بيان العلم وفضله لبن عبد البر )‪.(1/370‬‬
‫ثانيًا‪ :‬تعريف السنة والبدعة‪:‬‬
‫‪ -1‬تعريف السنة لغة‪:‬‬
‫السنة الطريقة والسيرة‪.‬‬
‫قال الزهري‪" :‬السنة الطريقة المحمودة المستقيمة"‪.‬‬
‫‪ -2‬تعريف السنة شرعا‪:‬‬
‫قال الشاطبي‪" :‬ويطلق ـ أي‪ :‬لفظ السنة ـ في مقابلة البدعة؛ فيقال‪ :‬فلن‬
‫على سنة إذا عمل على وفق ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كان ذلك‬
‫مما نص عليه في الكتاب أو ل‪ ،‬ويقال‪ :‬فلن على بدعة إذا عمل على خلف‬
‫ذلك"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قال ابن رجب‪" :‬السنة هي الطريق المسلوك؛ فيشمل ذلك التمسك بما كان‬
‫عليه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون‪ ،‬من العتقادات‬
‫ما ل‬
‫والعمال والقوال‪ ،‬وهذه هي السنة الكاملة‪ ،‬ولهذا كان السلف قدي ً‬
‫يطلقون السنة إل ّ على ما يشمل ذلك كله‪ ،‬وروي ذلك عن الحسن والوزاعي‬
‫والفضيل بن عياض"‪.‬‬
‫سنة هنا معناها اللغوي‪ ،‬وهي الطريقة‬ ‫قال محمد رشيد رضا‪" :‬المراد بال ُ‬
‫كا ـ من عهد‬ ‫المخصوصة للسلوك المتبعة بالفعل في أمر الدين ـ فعل ً وتر ً‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فالتعريف فيها للعهد‪ ،‬وليس المراد بها ما‬
‫اصطلح عليه علماء الحديث من إطلقها على أقوال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وأفعاله وتقريراته وشمائله‪ ،‬ول ما اصطلح عليه الفقهاء من إطلقها‬
‫على ما واظب عليه صلى الله عليه وسلم على غير سبيل الوجوب؛ فإن‬
‫جميع فرق المبتدعة في السلم يأخذون بالسنة بمعنييها الخيرين على‬
‫اصطلحات لهم وقواعد في إثباتها ونفيها وتأويلها وتعارضها‪. "...‬‬
‫‪ -3‬تعريف أهل السنة‪:‬‬
‫قال ابن حزم‪" :‬وأهل السنة الذين نذكرهم أهل الحق‪ ،‬ومن عداهم فأهل‬
‫البدعة؛ فإنهم الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬وكل من سلك نهجهم من خيار‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التابعين‪ ،‬ثم أصحاب الحديث ومن اتبعهم من الفقهاء جيل ً فجيل ً إلى يومنا‬
‫هذا‪ ،‬ومن اقتدى بهم من العوام في شرق الرض وغربها رحمة الله عليهم"‪.‬‬
‫قال ابن الجوزي‪" :‬ول ريب في أن أهل النقل والثر المتبعين آثار رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وآثار أصحابه هم أهل السنة؛ لنهم على تلك الطريق‬
‫التي لم يحدث فيها حادث وإنما وقعت الحوادث والبدع بعد رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وأصحابه"‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية في تعريفه لهل السنة‪" :‬هم المتمسكون بكتاب‬
‫الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما اتفق عليه السابقون الولون‬
‫من المهاجرين والنصار والذين اتبعوهم بإحسان"‪.‬‬
‫وقال‪" :‬فمن قال بالكتاب والسنة والجماع كان من أهل السنة والجماعة"‪.‬‬
‫قال عبد الرحمن بن ناصر السعدي‪" :‬فأهل السنة المحضة السالمون من‬
‫البدع الذين تمسكوا بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في‬
‫الصول كلها‪ ،‬أصول التوحيد والرسالة والقدر ومسائل اليمان وغيرها‪،‬‬
‫وغيرهم من خوارج ومعتزلة وجهمية وقدرية ورافضة ومرجئة ومن تفرع‬
‫عنهم كلهم من أهل البدع العتقادية"‪.‬‬
‫‪ -4‬تعريف البدعة لغة‪:‬‬
‫قال ابن فارس‪" :‬الباء والدال والعين أصلن لشيئين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬ابتداء الشيء وصنعه ل عن مثال سابق مثال‪ ،‬والله بديع السموات‬
‫والرض‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬النقطاع والكلل كقولهم‪ :‬أبدعت الراحلة إذا كلت وعطبت"‪.‬‬
‫عا وابتدعه‪ :‬أنشأه وبدأه‪ ،‬وبدع الركّية‪:‬‬‫وفي اللسان‪":‬بدع الشيء يبدعه ب َد ْ ً‬
‫استنبطها وأحدثها‪.‬‬
‫والبدعة‪ :‬الحدث‪ ،‬وما ابتدع من الدين بعد الكمال‪.‬‬
‫ل محدثة"‪.‬‬‫ابن السكيت‪ :‬البدعة ك ّ‬
‫عا‪:‬‬
‫‪ -5‬تعريف البدعة شر ً‬
‫صد بالسلوك‬ ‫قال الشاطبي‪" :‬طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية‪ ،‬يق َ‬
‫عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه"‪.‬‬
‫دث مما ل أصل له في الشريعة يدلّ‬ ‫قال ابن رجب‪" :‬والمراد بالبدعة ما أح ِ‬
‫عا وإن كان‬ ‫ّ‬
‫عليه‪ ،‬وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شر ً‬
‫بدعة لغة"‪.‬‬
‫قال السيوطي‪" :‬البدعة عبارة عن فعلةٍ تصادم الشريعة بالمخالفة أو توجب‬
‫التعاطي عليها بزيادة أو نقصان"‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬البدعة في الدين هي ما لم يشرعه الله ورسوله‪ ،‬وهو ما لم‬
‫يأمر به أمر إيجاب ول استحباب‪ ،‬فأما ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب وعلم‬
‫المر به بالدلة الشرعية فهو من الدين الذي شرعه الله‪ ،‬وإن تنازع أولو‬
‫المر في بعض ذلك‪ ،‬وسواء كان هذا مفعول ً على عهد النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أو لم يكن"‪.‬‬
‫النهاية لبن الثير )‪.(2/409‬‬
‫تهذيب اللغة )‪.(12/301‬‬
‫الموافقات )‪.(4/4‬‬
‫جامع العلوم والحكم )ص ‪.(262‬‬
‫انظر‪ :‬مقدمة صيانة النسان للسهسواني )ص ‪.(7‬‬
‫الفصل لبن حزم )‪.(2/271‬‬
‫تلبيس إبليس )ص ‪ ،(21‬وعنه مقّرا ً له السيوطي في المر بالتباع )ص ‪.(88‬‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مجموع الفتاوى )‪.(3/375‬‬


‫مجموع الفتاوى )‪.(3/346‬‬
‫الفتاوى السعدية )ص ‪.(63‬‬
‫مقاييس اللغة )‪.(1/209‬‬
‫لسان العرب )‪.(351 /9‬‬
‫العتصام )‪.(1/37‬‬
‫جامع العلوم والحكم )ص ‪.(265‬‬
‫المر بالتباع )ص ‪.(88‬‬
‫مجموع الفتاوى )‪.(108-107 /4‬‬
‫ثالثًا‪ :‬المر بلزوم السنة والحث عليها والنهي عن البدع والتحذير منها‪:‬‬
‫‪ -1‬النصوص من كتاب الله سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪ -1‬قال الله تعالى‪} :‬ال ْيو َ‬
‫ت‬
‫ضي ُ‬‫مِتى وََر ِ‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ت عَلي ْك ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬‫م وَأت ْ َ‬ ‫ُ‬
‫م ِدين َك ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫فوٌر‬ ‫َ‬
‫هغ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ف ل ِث ْم ٍ فَإ ِ ّ‬ ‫جان ِ ٍ‬ ‫مت َ َ‬ ‫َ‬
‫صةٍ غي َْر ُ‬ ‫م َ‬ ‫خ َ‬‫م ْ‬‫ضطّر ِفى َ‬ ‫ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِدينا ً فَ َ‬
‫سل َ َ‬ ‫ل َك ُ ُ‬
‫م ِ‬ ‫م ال ْ‬
‫م{ ]المائدة‪.[3 :‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ّر ِ‬
‫قال ابن عباس‪) :‬أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه أكمل‬
‫دا‪ ،‬وقد‬ ‫دا‪ ،‬وقد أتمه الله فل ينقصه أب ً‬ ‫لهم اليمان فل يحتاجون إلى زيادة أب ً‬
‫دا(]‪.[1‬‬ ‫رضيه فل يسخطه أب ً‬
‫فْر ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ه وَي َغْ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫حب ِب ْك ُ ُ‬‫ه َفات ّب ُِعوِنى ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م تُ ِ‬‫كنت ُ ْ‬ ‫ل ِإن ُ‬ ‫‪ -2‬وقال تعالى‪} :‬قُ ْ‬
‫م{ ]آل عمران‪.[31 :‬‬ ‫ذ ُُنوب َك ُ ْ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫دى وَي َت ّب ِعْ غَي َْر‬ ‫ه ال ْهُ َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ق الّر ُ‬ ‫شاقِ ِ‬ ‫من ي ُ َ‬ ‫‪ -3‬وقال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫صيرا{ ]النساء‪.[115 :‬‬ ‫ً‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساء ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫صل ِهِ َ‬ ‫ما ت َوَلى وَن ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن ن ُوَل ّهِ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫فّرقَ‬ ‫ل فَت َ َ‬ ‫سب ُ َ‬ ‫ال‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫عو‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫عو‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫ما‬ ‫قي‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫طي‬ ‫صرا‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]النعام‪.[153 :‬‬ ‫قو َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬ ‫ُ‬
‫م ب ِهِ لعَلك ْ‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫صاك ْ‬ ‫ُ‬ ‫م وَ ّ‬ ‫ُ‬
‫سِبيل ِهِ ذال ِك ْ‬ ‫عن َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ب ِك ْ‬
‫َ‬
‫من ُدون ِهِ أوْل َِياء‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ما أنزِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م وَل ت َت ّب ُِعوا ِ‬ ‫من ّرب ّك ْ‬ ‫ل إ ِلي ْكم ّ‬ ‫‪ -5‬وقال تعالى‪} :‬ات ّب ُِعوا َ‬
‫ن{ ]العراف‪.[3:‬‬ ‫ما ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫قَِليل ً ّ‬
‫َ‬
‫ن وَي ُؤُْتو َ‬
‫ن‬ ‫قو َ‬ ‫ن ي َت ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫سأك ْت ُب َُها ل ِل ّ ِ‬ ‫ىء فَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫سعَ ْ‬ ‫مِتى وَ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫‪ -6‬وقال تعالى‪} :‬وََر ْ‬
‫ى{‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫هم ب َِئاَيات َِنا ي ُؤْ ِ‬ ‫الزكاةَ َوال ّ ِ‬
‫م ّ‬ ‫ى ال ّ‬ ‫سول الن ّب ِ ّ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (156‬ال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬
‫]العراف‪.[157 ،156 :‬‬
‫م‬ ‫ت‬ ‫‪ -7‬وقال تعالى‪} :‬ياأ َيها ال ّذين ءامنوا ْ أ َطيعوا ْ الل ّه ورسول َه ول َ تول ّوا ْ عَنه و َ‬
‫أن‬
‫ْ ُ َ ُ ْ‬ ‫َ ََ ُ ُ َ َ َ ْ‬ ‫ِ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫َّ‬
‫ن{ ]النفال‪.[20 :‬‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬
‫ما‬‫م لِ َ‬ ‫عاك ُ ْ‬ ‫ل إ َِذا د َ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫جيُبوا ْ ل ِل ّهِ وَِللّر ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫مُنوا ْ ا ْ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ -8‬وقال تعالى‪} :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫م{ ]النفال‪.[24 :‬‬ ‫حِييك ُ ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫ْ‬
‫ما ي َأت ِي َن ّ ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫مّنى‬ ‫كم ّ‬ ‫ض عَد ُوّ فَإ ِ ّ‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ميعا ب َعْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫من َْها َ‬ ‫ل اهْب ِطا ِ‬ ‫‪ -9‬وقال تعالى‪َ} :‬قا َ‬
‫قى{ ]طه‪.[123 :‬‬ ‫ش َ‬ ‫ل وَل َ ي َ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫داىَ فَل َ ي َ ِ‬ ‫ن ات ّب َعَ هُ َ‬ ‫م ِ‬ ‫دى فَ َ‬ ‫هُ ً‬
‫ة أوَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫م فِت ْن َ ٌ ْ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫مرِهِ أن ت ُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حذ َرِ ال ِ‬ ‫‪ -10‬وقال تعالى‪} :‬فَلي َ ْ‬
‫م{ ]النور‪.[63 :‬‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫يُ ِ‬
‫ه لَ‬ ‫ن الل َّ‬ ‫ّ‬ ‫ض ّ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ إ ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫دى ّ‬ ‫واه ُ ب ِغَي ْرِ هُ ً‬ ‫ن ات ّب َعَ هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫‪ -11‬وقال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫ن{ ]القصص‪.[50 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫م ال ّ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫دى ال ْ َ‬ ‫ي َهْ ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫ل أن ي َأت ِي َك ُ‬ ‫من قَب ْ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫من ّرب ّك ْ‬ ‫ل إ ِلي ْكم ّ‬ ‫ما أنزِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫‪ -12‬وقال تعالى‪َ} :‬وات ّب ُِعوا أ ْ‬
‫ذاب بغْت ً َ‬
‫ن{ ]الزمر‪.[55 :‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل َ تَ ْ‬ ‫ة وَأنت ُ ْ‬ ‫ال ْعَ َ ُ َ َ‬
‫عل ْم ٍ وَ َ‬ ‫ه عََلى ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫خت َ َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫ضل ّ ُ‬‫واه ُ وَأ َ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫خذ َ اله ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫‪ -13‬وقال تعالى‪} :‬أفََرأي ْ َ‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من ب َعْدِ الل ّهِ أ َفَل َ‬ ‫ديهِ ِ‬ ‫من ي َهْ ِ‬ ‫شاوَةً فَ َ‬ ‫صرِهِ ِغ َ‬ ‫على ب َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫جعَ َ‬‫معِهِ وَقَل ْب ِهِ وَ َ‬
‫س ْ‬‫عََلى َ‬
‫ن{ ]الجاثية‪.[23 :‬‬ ‫ت َذ َك ُّرو َ‬
‫ه َفانت َُهوْا{‬‫م عَن ْ ُ‬ ‫ما ن ََهاك ُ ْ‬ ‫ذوه ُ وَ َ‬ ‫خ ُ‬‫ل فَ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫ما ءاَتاك ُ ُ‬ ‫‪ -14‬وقال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫]الحشر‪.[7 :‬‬
‫‪ -2‬النصوص من السنة النبوية‪:‬‬
‫‪ -1‬عن جابر رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬وقد‬
‫تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله((]‪.[2‬‬
‫‪ -2‬عن أبي شريح الخزاعي قال‪ :‬خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فقال‪)) :‬أبشروا وأبشروا‪ ،‬أليس تشهدون أن ل إله إل الله وأني رسول‬
‫ب طرُفه بيد الله وطرفه‬ ‫الله؟!(( قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪)) :‬فإن هذا القرآن سب ٌ‬
‫دا((]‪.[3‬‬ ‫سكوا به‪ ،‬فإّنكم لن تضّلوا ولن تهلكوا بعده أب ً‬ ‫بأيديكم‪ ،‬فتم ّ‬
‫‪ -3‬عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان‬
‫يقول إذا خطب‪)) :‬أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله‪ ،‬وخير الهدي هدي‬
‫محمد‪ ،‬وشر المور محدثاتها‪ ،‬وكل بدعة ضللة((]‪.[4‬‬
‫‪ -4‬عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال‪ :‬صلى بنا رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا‪ ،‬فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها‬
‫العيون‪ ،‬ووجلت منها القلوب‪ ،‬فقال قائل‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬كأن هذه موعظة‬
‫موّدع فماذا تعهد إلينا؟ قال‪)) :‬أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة‪ ،‬وإن‬
‫ن يعش منكم فسيرى اختلًفا كثيًرا‪ ،‬فعليكم بسنتي وسنة‬ ‫م ْ‬ ‫دا حبشًيا‪ ،‬فإنه َ‬ ‫عب ً‬
‫الخلفاء المهديين الراشدين‪ ،‬تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ‪ ،‬وإياكم‬
‫محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضللة((]‪.[5‬‬ ‫ومحدثات المور؛ فإن كل ُ‬
‫ّ‬
‫‪ -5‬عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬خط لنا رسول الله صلى‬
‫ط خطوطا ً عن‬ ‫الله عليه وسلم يوما ً خطا ً ثم قال‪)) :‬هذا سبيل الله((‪ ،‬ثم خ ّ‬
‫يمينه وعن شماله ثم قال‪)) :‬هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو‬
‫َ‬
‫ق‬
‫فّر َ‬ ‫ل فَت َ َ‬
‫سب ُ َ‬‫ما َفات ّب ُِعوه ُ وَل َ ت َت ّب ُِعوا ْ ال ّ‬ ‫قي ً‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫صرا ِ‬ ‫هاَذا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫إليه((‪ ،‬ثم تل‪} :‬وَأ ّ‬
‫ن{ ]النعام‪.[6][153:‬‬ ‫قو َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬ ‫م ب ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬‫صاك ُ ْ‬‫م وَ ّ‬ ‫سِبيل ِهِ ذال ِك ُ ْ‬
‫عن َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِك ُ ْ‬
‫‪ -6‬عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫شرة فترة‪ ،‬فمن كانت فترته إلى‬ ‫شرة‪ ،‬ولكل ِ‬ ‫ن لكل عمل ِ‬ ‫عليه وسلم‪)) :‬إ ّ‬
‫سّنتي فقد اهتدى‪ ،‬ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك((]‪.[7‬‬
‫‪ -7‬عن أنس رضي الله عنه في قصة الثلثة الذين جاؤوا بيوت النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فقال أحدهم‪ :‬أصلي الليل أبدًا‪ ،‬وقال الخر‪ :‬أصوم الدهر ول‬
‫أفطر‪ ،‬وقال الخر‪ :‬أنا اعتزل النساء فل أتزوج‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم لهم‪)) :‬أما والله إني لخشاكم لله وأتقاكم له‪ ،‬لكني أصوم‬
‫وأفطر‪ ،‬وأصلي وأرقد‪ ،‬وأتزوج النساء‪ ،‬فمن رغب عن سنتي فليس مني((]‬
‫‪.[8‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ -3‬النصوص المنقولة عن السلف الصالح وأتباعهم‪:‬‬


‫‪ -1‬قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪) :‬إياكم وأصحاب الرأي‪ ،‬فإن أصحاب‬
‫الرأي أعداء السنن‪ ،‬أعيتهم الحاديث أن يحفظوها‪ ،‬فقالوا بالرأي‪ ،‬فضلوا‬
‫وأضلوا(]‪.[9‬‬
‫ً‬
‫‪ -2‬وقال أيضا‪) :‬سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن‪ ،‬فخذوهم بالسنن‪،‬‬
‫فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله(]‪.[10‬‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -3‬عن ابن مسعود رضي الله عنه قال‪) :‬إنها ستكون أمور مشتبهات‪ ،‬فعليكم‬
‫بالتؤدة‪ ،‬فإن الرجل يكون تابعا ً في الخير‪ ،‬خير من أن يكون رأسا ً في‬
‫الضللة(]‪.[11‬‬
‫‪ -4‬وقال ابن مسعود أيضًا‪) :‬إنكم أصبحتم على الفطرة‪ ،‬وإنكم ستحدثون‬
‫ويحدث لكم‪ ،‬فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدي الول(]‪.[12‬‬
‫‪ -5‬وقال أيضًا‪) :‬إياكم وما يحدث الناس من البدع‪ ،‬فإن الدين ل يذهب من‬
‫القلوب بمّرة‪ ،‬ولكن الشيطان يحدث له بدعًا‪ ،‬حتى يخرج اليمان من قلبه‪،‬‬
‫ويوشك أن يدع الناس ما ألزمهم الله من فرضه في الصلة والصيام والحلل‬
‫والحرام‪ ،‬ويتكلمون في ربهم عز وجل‪ ،‬فمن أدرك ذلك الزمان فليهرب(‪،‬‬
‫قيل‪ :‬يا أبا عبد الرحمن‪ ،‬فإلى أين؟ قال‪) :‬إلى ل أين(‪ ،‬قال‪) :‬يهرب بقلبه‬
‫ودينه‪ ،‬ل يجالس أحدا ً من أهل البدع(]‪.[13‬‬
‫‪ -6‬وعنه أيضا ً قال‪) :‬اتبعوا ول تبتدعوا‪ ،‬فقد كفيتم‪ ،‬وكل بدعة ضللة(]‪.[14‬‬
‫‪ -7‬وعن عنه أيضا ً قال‪) :‬كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ويهرم‬
‫فيها الكبير‪ ،‬إذا ترك منها شيء قيل‪ :‬تركت السنة(‪ ،‬قيل‪ :‬متى ذلك يا أبا عبد‬
‫الرحمن؟ قال‪) :‬ذلك إذا ذهب علماؤكم‪ ،‬وكثرت جهالكم‪ ،‬وكثرت قراؤكم‪،‬‬
‫قه لغير الدين(]‪.[15‬‬ ‫وقّلت فقهاؤكم‪ ،‬والتمست الدنيا بعمل الخرة‪ ،‬وتف ّ‬
‫‪ -8‬وقال رجل لبن عباس‪ :‬الحمد لله الذي جعل هوانا على هواكم‪ ،‬فقال ابن‬
‫عباس رضي الله عنهما‪) :‬إن الله لم يجعل في هذه الهواء شيئا ً من الخير‪،‬‬
‫وإنما سمي هوى لنه يهوي بصاحبه في النار(]‪.[16‬‬
‫‪ -9‬وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه أخذ حجرين فوضع أحدهما على‬
‫الخر‪ ،‬ثم قال لصحابه‪) :‬هل ترون ما بين هذين الحجرين من النور؟( قالوا‪:‬‬
‫ل‪ ،‬قال‪) :‬والذي نفسي بيده‪،‬‬ ‫يا أبا عبد الله‪ ،‬ما نرى بينهما من النور إل قلي ً‬
‫لتظهرن البدع حتى ل ُيرى من الحق إل قدر ما ترون ما بين هذين الحجرين‬
‫ن البدع حتى إذا ترك منها شيء قالوا‪ :‬تركت السنة(]‬ ‫من النور‪ .‬والله‪ ،‬لتفشو ّ‬
‫‪.[17‬‬
‫ي‪ ،‬فقال له‪ :‬ألم يأتك‬ ‫‪ -10‬ودخل ابن مسعود على حذيفة فقال‪ :‬اعهد إل ّ‬
‫ن الضللة حقّ الضللة أن‬ ‫اليقين؟! قال‪ :‬بلى وعّزة ربي‪ ،‬قال‪) :‬فاعلم أ ّ‬
‫ون‪ ،‬فإن دين الله‬ ‫ف‪ ،‬وإياك والتل ّ‬ ‫تعرف ما كنت ُتنكر‪ ،‬وأن تنكر ما كنت تعر ُ‬
‫واحد(]‪.[18‬‬
‫‪ -11‬وعن سعيد بن المسيب قال‪" :‬إذا تكلم الناس في ربهم وفي الملئكة‬
‫دمهم إلى عبادة الوثان"]‪.[19‬‬ ‫ظهر لهم الشيطان‪ ،‬فق ّ‬
‫‪ -12‬وقال أبو العالية‪" :‬وعليكم بسنة نبيكم والذي كان عليه أصحابه‪ ،‬وإياكم‬
‫وهذه الهواء التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء"]‪.[20‬‬
‫‪ -13‬وقال شريح القاضي‪" :‬إن السنة قد سبقت قياسكم‪ ،‬فاتبع ول تبتدع‪،‬‬
‫فإنك لن تضل ما أخذت بالثر"]‪.[21‬‬
‫‪ -14‬وعن إبراهيم النخعي قال‪" :‬كانوا يكرهون التلون في الدين"]‪.[22‬‬
‫َ‬
‫ضاء{ ]المائدة‪ ،[41:‬قال‪:‬‬ ‫داوَة َ َوال ْب َغْ َ‬
‫م ال ْعَ َ‬
‫‪ -15‬وعنه أيضًا‪} :‬فَأغَْري َْنا ب َي ْن َهُ ُ‬
‫"الخصومات والجدال في الدين"]‪.[23‬‬
‫‪ -16‬وقال عمر بن عبد العزيز‪" :‬السنة إنما سّنها من علم ما جاء في خلفها‬
‫من الزلل‪ ،‬ولهم كانوا على المنازعة والجدل أقدر منكم"]‪.[24‬‬
‫قل"]‪.[25‬‬ ‫‪ -17‬وقال أيضًا‪" :‬من جعل دينه غرضا ً للخصومات أكثر التن ّ‬
‫‪ -18‬وعنه أيضا ً قال‪" :‬إذا رأيت قوما ً يتناجون في دينهم دون العامة فاعلم‬
‫أنهم على تأسيس ضللة"]‪.[26‬‬
‫‪ -19‬وسأل رجل عمر بن عبد العزيز عن شيء من الهواء‪ ،‬فقال‪" :‬الزم دين‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصبي في الك ُّتاب والعرابي‪َ ،‬واْله عما سوى ذلك"]‪.[27‬‬


‫‪ -20‬وقال الشعبي‪" :‬إنما الرأي بمنزلة الميتة‪ ،‬إذا احتجت إليها أكلتها"]‪.[28‬‬
‫‪ -21‬وقال الزهري‪" :‬من الله الرسالة‪ ،‬وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫البلغ‪ ،‬وعلينا التسليم"]‪.[29‬‬
‫‪ -22‬وقال سفيان الثوري‪" :‬البدعة أحب إلى إبليس من المعصية‪ ،‬المعصية‬
‫ُيتاب منها‪ ،‬والبدعة ل ُيتاب منها"]‪.[30‬‬
‫سئل سفيان الثوري عن الكلم فقال‪" :‬دع الباطل‪ ،‬أين أنت عن الحق‪،‬‬ ‫‪ -23‬و ُ‬
‫اتبع السنة‪ ،‬ودع البدعة"‪ .‬وقال‪" :‬وجدت المر التباع"‪ ،‬وقال‪" :‬عليكم بما‬
‫مالون والنساء في البيوت والصبيان في الك ُّتاب من القرار‬ ‫عليه الج ّ‬
‫والعمل"]‪.[31‬‬
‫ً‬
‫‪ -24‬وقال الوزاعي‪" :‬بلغني أن الله إذا أراد بقوم ٍ شرا ألزمهم الجدل ومنعهم‬
‫العمل"]‪.[32‬‬
‫‪ -25‬وعن الفضيل بن عياض قال‪" :‬أدركت خيار الناس كلهم أصحاب سنة‪،‬‬
‫وينهون عن أصحاب البدع"]‪.[33‬‬
‫‪ -26‬وقال أيضًا‪" :‬ل تجالسوا أهل الخصومات؛ فإنهم يخوضون في آيات‬
‫الله"]‪.[34‬‬
‫‪ -27‬وعن العوام بن حوشب قال‪" :‬إياكم والخصومات في الدين؛ فإنها تحبط‬
‫العمال"]‪.[35‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪ -28‬وكان مالك بن أنس يقول‪" :‬الكلم في الدين أكرهه‪ ،‬ولم يزل أهل بلدنا‬
‫يكرهونه وينهون عنه‪ ،‬نحو الكلم في رأي جهم والقدر‪ ،‬وكل ما أشبه ذلك‪ ،‬ول‬
‫أحب الكلم إل فيما تحته عمل‪ ،‬فأما الكلم في دين الله عز وجل فالسكوت‬
‫ب إلي؛ لني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلم في الدين إل فيما تحته‬ ‫أح ّ‬
‫عمل"]‪.[36‬‬
‫ً‬
‫‪ -29‬وقال مالك أيضا‪" :‬لو كان الكلم علما لتكلم فيه الصحابة والتابعون‪ ،‬كما‬ ‫ً‬
‫ل على باطل"]‪.[37‬‬ ‫تكلموا في الحكام والشرائع‪ ،‬ولكنه باطل يد ّ‬
‫‪ -30‬وقال أيضًا‪" :‬إياكم والبدع"‪ ،‬قيل‪ :‬يا أبا عبد الله‪ ،‬وما البدع؟ قال‪" :‬أهل‬
‫البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلمه وعلمه وقدرته‪ ،‬ول‬
‫يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان"]‪.[38‬‬
‫‪ -31‬وجاء رجل إلى مالك فسأله عن مسألة‪ ،‬فقال له‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫حذ َرِ ال ّ ِ‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬كذا وكذا‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬أرأيت؟ قال مالك‪} :‬فَل ْي َ ْ‬
‫م{ ]سورة النور‪][63:‬‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫فون عَن أ َمره َأن تصيبهم فتن ٌ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬‫ذا ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬
‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫ُ ِ َُ ْ َِْ‬ ‫ْ ْ ِ ِ‬ ‫خال ِ ُ َ‬
‫يُ َ‬
‫‪.[39‬‬
‫‪ -32‬وقال الشافعي‪" :‬لن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خل الشرك خير له‬
‫من أن يلقاه بشيء من الهواء"]‪.[40‬‬
‫‪ -33‬وقال أيضًا‪" :‬لن ُيبتلى المرء بما نهى الله عنه خل الشرك بالله خير له‬
‫من أن يبتليه بالكلم"]‪.[41‬‬
‫‪ -34‬وقال أيضًا‪" :‬ما ارتدى أحد ٌ بالكلم فأفلح"]‪.[42‬‬
‫‪ -35‬وقال أحمد بن حنبل‪" :‬إنه ل يفلح صاحب كلم أبدًا‪ ،‬ول تكاد ترى أحدا ً‬
‫غل"]‪.[43‬‬ ‫نظر في الكلم إل ّ وفي قلبه د َ َ‬
‫‪ -36‬وقال البغوي‪" :‬واتفق علماء السلف من أهل السنة على النهي عن‬
‫الجدال والخصومات في الصفات‪ ،‬وعلى الزجر عن الخوض في علم الكلم‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتعلمه"]‪.[44‬‬
‫‪ -37‬وقال ابن عبد البر‪" :‬أجمع أهل الفقه والثار من جميع المصار أن أهل‬
‫الكلم أهل بدع وزيغ‪ ،‬ول يعدون عند الجميع في جميع المصار في طبقات‬
‫العلماء‪ ،‬وإنما العلماء أهل الثر والتفقه فيه‪ ،‬ويتفاضلون فيه بالتقان والميز‬
‫والفهم"]‪.[45‬‬
‫‪ -38‬وقال أيضًا‪" :‬ونهى السلف رحمهم الله عن الجدال في الله جل ثناؤه‬
‫في صفاته وأسمائه‪ ،‬وأما الفقه فأجمعوا على الجدال فيه والتناظر؛ لنه علم‬
‫يحتاج فيه إلى رد الفروع على الصول للحاجة إلى ذلك‪ ،‬وليست العتقادات‬
‫كذلك؛ لن الله عز وجل ل يوصف عند أهل السنة والجماعة إل بما وصف به‬
‫نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أجمعت المة عليه‪،‬‬
‫وليس كمثله شيء‪ ،‬فيدرك بقياس أو بإمعان نظر‪ ،‬وقد نهينا عن التفكر في‬
‫الله‪ ،‬وأمرنا بالتفكر في خلقه الدال عليه‪ ،‬وللكلم في ذلك موضع غير هذا‪،‬‬
‫والدين قد وصل العذراء في خدرها والحمد لله"]‪.[46‬‬
‫‪ -39‬وقال الشاطبي في بيان ذم البدع وأنه عام ل يخص بدعة دون غيرها‪:‬‬
‫"فاعلموا ـ رحمكم الله ـ أن ما تقدم من الدلة حجة في عموم الذم من‬
‫أوجه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أنها جاءت مطلقة عامة على كثرتها لم يقع فيها استثناء ألبتة‪ ،‬ولم‬
‫يأت فيها ما يقتضي أن منها ما هو هدى‪ ،‬ول جاء فيها‪) :‬كل بدعة ضللة إل كذا‬
‫وكذا( ول شيء من هذه المعاني‪ ،‬فدل على أن تلك الدلة بأسرها على‬
‫حقيقة ظاهرها من الكلية‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه قد ثبت في الصول العلمية أن كل قاعدة كلية أو دليل شرعي‬
‫كلي إذا تكررت في مواضع كثيرة‪ ،‬وأتي بها شواهد على معان ُأصولية أو‬
‫فروعية‪ ،‬ولم يقترن بها تقييد ول تخصيص‪ ،‬مع تكررها وإعادة تقريرها‪ ،‬فذلك‬
‫دليل على بقائها على مقتضى لفظها من العموم‪.‬‬
‫وقد جاء في الحاديث المتعددة أن كل بدعة ضللة‪ ،‬وأن كل محدثة بدعة‪.‬‬
‫وما كان نحو ذلك من العبارات الدالة على أن البدع مذمومة‪ ،‬ولم يأت في‬
‫آية ول حديث تقييد ول تخصيص ول ما يفهم منه خلف ظاهر الكلية فيها‪،‬‬
‫فدل ذلك دللة واضحة على أنها على عمومها وإطلقها‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬إجماع السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم على ذمها‬
‫من اتسم بشيء منها‪ ،‬ولم يقع منهم في‬ ‫كذلك‪ ،‬وتقبيحها والهروب عنها وع ّ‬
‫ذلك توقف ول مثنوية‪ ،‬فهو بحسب الستقراء إجماع ثابت‪ ،‬فدل على أن كل‬
‫بدعة ليست بحق‪ ،‬بل هي من الباطل‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن متعقد البدعة يقتضي ذلك بنفسه؛ لنه من باب مضادة الشارع‬
‫طراح الشرع‪ ،‬وكل ما كان بهذه المثابة فمحال أنه ينقسم إلى حسن وقبيح‬ ‫وا ّ‬
‫وأن يكون منه ما يمدح ومنه ما يذم‪ ،‬إذ ل يصح في معقول استحسان مشاقة‬
‫الشارع‪.‬‬
‫وأيضا ً لو فرض أنه جاء في النقل استحسان بعض البدع أو استثناء بعضها عن‬
‫الذم لم يتصور‪ ،‬لن البدعة طريقة تضاهي المشروعة من غير أن تكون‬
‫كذلك‪ ،‬وكون الشارع يستحسنها دليل على مشروعيتها‪ ،‬إذ لو قال الشارع‪:‬‬
‫)المحدثة الفلنية حسنة( لصارت مشروعة"]‪.[47‬‬
‫‪00000000000000‬‬
‫]‪ [1‬جامع البيان )‪.(4/419‬‬
‫]‪ [2‬صحيح مسلم‪ :‬كتاب الحج‪ ،‬باب‪ :‬حجة النبي صلى الله عليه وسلم )‬
‫‪ ،(1218‬ورواه أبو داود )‪ ،(1905‬وابن ماجه )‪.(3074‬‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [3‬رواه ابن حبان في صحيحه )‪ ،(122‬وقال الهيثمي في مجمع الزوائد )‬


‫‪" :(1/169‬رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح"‪ ،‬وقد صححه‬
‫اللباني في صحيح الترغيب )‪.(1/93‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫]‪ [4‬صحيح مسلم‪ :‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب‪ :‬تخفيف الصلة )‪.(867‬‬


‫]‪ [5‬رواه أحمد )‪ ،(4/126‬وأبو داود )‪ ،(5/13‬والترمذي وقال‪" :‬حسن‬
‫صحيح"‪ ،‬وابن ماجه )‪ ،(1/15‬والدارمي )‪ ،(1/57‬والحاكم )‪ (1/95‬وقال‪:‬‬
‫"صحيح ليس له علة"‪ ،‬وقال اللباني‪" :‬سنده صحيح"‪ ،‬ونقل تصحيحه عن‬
‫الضياء المقدسي في مشكاة المصابيح )‪.(165‬‬
‫]‪ [6‬رواه المام أحمد في المسند )‪ ،(1/435‬والدارمي في السنن )‪،(202‬‬
‫والمروزي في السنة )ص ‪ ،(5‬والحاكم في المستدرك )‪ (2/318‬وقال‪:‬‬
‫"صحيح السناد ولم يخرجاه"‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ ،‬ورواه ابن أبي عاصم في‬
‫السنة )‪ ،(17‬وابن بطة في البانة الكبرى )‪ ،(127‬والللكائي في شرح السنة‬
‫سنه اللباني‪ .‬انظر‪ :‬حاشية المشكاة )‪ ،(1/59‬وظلل الجنة مع‬ ‫)‪ ،(94‬وقد ح ّ‬
‫كتاب السنة )‪.(17‬‬
‫]‪ [7‬أخرجه أحمد )‪ ،(165 ،158 ،210 ،2/188‬وابن أبي عاصم في السنة )‬
‫‪ ،(51‬وابن حبان )‪ ،(11‬قال اللباني‪" :‬صحيح على شرط الشيخين"‪ .‬انظر‪:‬‬
‫ظلل الجنة مع كتاب السنة )ص ‪ ،(28‬وصحيح الترغيب والترهيب )‪.(1/98‬‬
‫]‪ [8‬رواه البخاري في كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬الترغيب في النكاح )‪،(5063‬‬
‫ومسلم في كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬استحباب النكاح )‪.(1401‬‬
‫]‪ [9‬سنن الدارقطني‪ :‬الوصايا )‪ ،(4/146‬وجامع بيان العلم )‪ ،(2/123‬وشرح‬
‫اعتقاد أهل السنة )‪.(1/123‬‬
‫]‪ [10‬سنن الدرامي )‪ ،(1/49‬وجامع بيان العلم )‪ ،(2/123‬وشرح اعتقاد أهل‬
‫السنة )‪ ،(1/123‬والبانة لبن بطة )‪ (1/250‬وقال المحقق‪" :‬إسناده صحيح"‪.‬‬
‫]‪ [11‬البانة )‪ ،(1/329‬والبدع لبن وضاح )‪.(80‬‬
‫]‪ [12‬البانة )‪.(1/329‬‬
‫]‪ [13‬شرح اعتقاد أهل السنة )‪.(1/121‬‬
‫]‪ [14‬البانة )‪.(328 ،1/327‬‬
‫]‪ [15‬البدع لبن وضاح )‪ ،(89 ،34‬وسنن الدارمي )‪ ،(192 ،191‬وشرح‬
‫اعتقاد أهل السنة )‪.(92 ،1/91‬‬
‫]‪ [16‬البدع لبن وضاح )‪.(123‬‬
‫]‪ [17‬البدع والنهي عنها )‪.(58‬‬
‫]‪ [18‬شرح السنة للبغوي )‪.(1/216‬‬
‫]‪ [19‬البانة )‪.(122 ،1/121‬‬
‫]‪ [20‬البانة )‪.(1/199‬‬
‫]‪ [21‬شرح السنة )‪.(1/216‬‬
‫]‪ [22‬جامع بيان العلم وفضله )‪.(2/93‬‬
‫]‪ [23‬الشرح والبانة )‪ ،(141‬وجامع بيان العلم وفضله )‪ ،(2/93‬وتفسير ابن‬
‫كثير )‪.(2/68‬‬
‫]‪ [24‬الشرح والبانة )‪.(123‬‬
‫]‪ [25‬جامع بيان العلم )‪ ،(2/93‬وشرح السنة للبغوي )‪.(1/217‬‬
‫]‪ [26‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة )‪ ،(1/135‬وجامع بيان العلم وفضله )‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪.(2/93‬‬
‫]‪ [27‬جامع بيان العلم )‪ ،(2/93‬وشرح السنة للبغوي )‪.(1/217‬‬
‫]‪ [28‬شرح السنة للبغوي )‪.(1/216‬‬
‫]‪ [29‬شرح السنة )‪.(1/217‬‬
‫]‪ [30‬شرح السنة للبغوي )‪.(1/216‬‬
‫]‪ [31‬شرح السنة )‪.(1/217‬‬
‫]‪ [32‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة )‪ ،(1/145‬وجامع بيان العلم وفضله )‬
‫‪.(2/93‬‬
‫]‪ [33‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة )‪.(1/138‬‬
‫]‪ [34‬سنن الدارمي )‪ ،(406‬وشرح أصول اعتقاد أهل السنة )‪،(1/129‬‬
‫ولفظه‪" :‬ل تجادلوا‪."...‬‬
‫]‪ [35‬جامع بيان العلم وفضله )‪ ،(2/93‬وأخرجه الللكائي )‪ (1/29‬عن معاوية‬
‫بن قرة‪ ،‬ومثله الجري في الشريعة )‪.(56‬‬
‫]‪ [36‬جامع بيان العلم وفضله )‪ ،(2/95‬وانظر‪ :‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة‬
‫)‪.(149 ،1/148‬‬
‫]‪ [37‬شرح السنة )‪.(1/217‬‬
‫]‪ [38‬شرح السنة )‪.(1/217‬‬
‫]‪ [39‬شرح السنة )‪.(1/216‬‬
‫]‪ [40‬شرح السنة )‪.(1/217‬‬
‫]‪ [41‬جامع بيان العلم )‪ ،(2/95‬وشرح السنة )‪.(1/217‬‬
‫]‪ [42‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة )‪ ،(1/146‬وشرح السنة )‪.(1/217‬‬
‫]‪ [43‬جامع بيان العلم وفضله )‪.(2/95‬‬
‫]‪ [44‬شرح السنة )‪.(1/216‬‬
‫]‪ [45‬جامع بيان العلم وفضله )‪.(2/95‬‬
‫]‪ [46‬جامع بيان العلم وفضله ‪.2/92‬‬
‫]‪ [47‬العتصام )‪ (142-1/141‬باختصار‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬من أسباب الوقوع في البتداع‪:‬‬
‫‪ -1‬الخلل في منهج التلقي‪:‬‬
‫منّزل‪ ،‬والعتماد على غيره‪:‬‬ ‫أ‪ -‬قّلة العلم بالشرع ال ُ‬
‫ومن صوره‪:‬‬
‫• الجهل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وترك التفقه فيه‪:‬‬
‫"ثم إن من عجيب المر أن هؤلء المتكلمين المدعين لحقائق المور العلمية‬
‫والدينية المخالفين للسنة والجماعة يحتج كل منهم بما يقع له من حديث‬
‫موضوع‪ ،‬أو مجمل ل يفهم معناه‪ ،‬وكّلما وجد أثرا ً فيه إجمال نّزله على رأيه"]‬
‫‪.[1‬‬
‫"وهؤلء المبتدعون يجهلون حقائق ما جاء به الرسول ويعرضون عنه‪ ،‬ثم‬
‫يحكمون بموجب جهلهم أن ليس في ذلك من البراهين من جنس ما في‬
‫كلمهم‪ ،‬ولو أوتوا العقل والفهم لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫لتبّينوا أنه الجامع لكل خير"]‪.[2‬‬
‫• العتماد على الحكايات والرؤى والمنامات‪:‬‬
‫"وأضعف هؤلء احتجاجا ً قوم استندوا في أخذ العمال إلى المنامات‪ ،‬وأقبلوا‬
‫وأعرضوا بسببها‪ ،‬فيقولون‪ :‬رأينا الرجل الصالح فقال لنا‪ :‬اتركوا كذا‪ ،‬واعملوا‬
‫كذا‪ ،‬ويتفق مثل هذا كثيرا ً للمترسمين برسم التصوف‪ ،‬وربما قال بعضهم‪:‬‬
‫رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال لي كذا وأمرني بكذا‪،‬‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيعمل بها ويترك بها‪ ،‬معرضا ً عن الحدود الموضوعة في الشريعة"]‪.[3‬‬


‫• الجهل بآثار السلف وأقوالهم‪:‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫"عامة هؤلء المختلفين في الكتاب لم يعرفوا القول السديد قول السلف‪ ،‬بل‬
‫ول سمعوه ول وجدوه في كتاب من الكتب التي يتداولونها‪ ،‬لنهم ل يتداولون‬
‫الثار السلفية‪ ...‬ولهذا إنما يذكر أحدهم أقوال ً مبتدعة إما قولين وإما ثلثة‬
‫ل عليه الكتاب‬ ‫وإما أربعة وإما خمسة‪ ،‬والقول الذي كان عليه السلف ود ّ‬
‫والسنة ل يذكره‪ ،‬لنه ل يعرفه"]‪.[4‬‬
‫• العتماد في تفسير القرآن على العقل واللغة دون الحديث وآثار السلف‪:‬‬
‫سرون‬ ‫"ولهذا تجد المعتزلة والمرجئة والرافضة وغيرهم من أهل البدع يف ّ‬
‫القرآن برأيهم ومعقولهم وما تأّولوه من اللغة‪ .‬ولهذا تجدهم ل يعتمدون على‬
‫أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وأئمة المسلمين‪ ،‬فل‬
‫يعتمدون ل على السنة ول على إجماع السلف وآثارهم‪ ،‬وإنما يعتمدون على‬
‫العقل واللغة‪ ،‬وتجدهم ل يعتمدون على كتب التفسير المأثورة والحديث وآثار‬
‫السلف‪ ،‬وإنما يعتمدون على كتب الدب وكتب الكلم التي وضعتها‬
‫رؤوسهم"]‪.[5‬‬
‫• الخذ بالحاديث والثار المنقولة الواهية والمكذوبة‪:‬‬
‫ل‪ ،‬ل ثقة‬ ‫ل ل يعرف له قائل أص ً‬ ‫"وأما أهل الهواء ونحوهم فيعتمدون على نق ٍ‬
‫ول معتمدًا‪ ،‬وأهون شيء عندهم الكذب المختلق‪ ،‬وأعلم من فيهم ل يرجع‬
‫فيما نقله على عمدة‪ ،‬بل إلى سماعات عن الجاهلين والكذابين‪ ،‬وروايات عن‬
‫أهل الفك المبين"]‪.[6‬‬
‫ب‪ -‬ترك تلقي العلم الشرعي عن العلماء وترك مجالستهم‪:‬‬
‫قال أبو معاذ البلخي خلف بن سليمان‪" :‬كان جهم على معبر ترمذ‪ ،‬وكان‬
‫ي الصل فصيح اللسان‪ ،‬لم يكن له علم ول مجالسة لهل العلم‪،‬‬ ‫رجل ً كوف ّ‬
‫سمنّية"]‪.[7‬‬ ‫كان تكلم كلم المتكلمين وكّلمه ال ّ‬
‫ج‪ -‬التلقي عن أهل البدع ومخالطتهم والجلوس معهم‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ض عَن ْهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن ِفى ءاَيات َِنا فأعْرِ ْ‬ ‫ضو َ‬‫خو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ت ال ّ ِ‬ ‫يقول الله عز وجل‪} :‬وَإ َِذا َرأي ْ َ‬
‫ع‬ ‫قعُد ْ ب َعْد َ الذ ّك َْرى َ‬
‫م َ‬ ‫ن فَل َ ت َ ْ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫سي َن ّ َ‬
‫ما ُين ِ‬ ‫ث غَي ْرِهِ وَإ ِ ّ‬ ‫دي ٍ‬ ‫ضوا ْ ِفى َ‬
‫ح ِ‬ ‫خو ُ‬‫حّتى ي َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]النعام‪.[68:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫قوْم ِ الظال ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ال َ‬
‫مح بمجالسة المبتدعة الذين‬ ‫ّ‬ ‫يتس‬ ‫لمن‬ ‫عظيمة‬ ‫موعظة‬ ‫الية‬ ‫هذه‬ ‫"وفي‬
‫يحّرفون كلم الله‪ ،‬ويتلعبون بكتابه وسنة رسوله‪ ،‬ويردون ذلك إلى أهوائهم‬
‫المضلة وبدعهم الفاسدة‪ ...‬ومن عرف هذه الشريعة المطّهرة حقّ معرفتها‬
‫علم أن مجالسة أهل البدع المضّلة فيها من المفسدة أضعاف أضعاف ما في‬
‫مجالسة من يعصي الله بفعل شيء من المحرمات‪ ،‬ول سيما لمن كان غير‬
‫راسخ القدم في علم الكتاب والسنة‪ ،‬فإنه ربما ينفق عليه من كذباتهم‬
‫وهذيانهم ما هو من البطلن بأوضح مكان‪ ،‬فينقدح في قلبه ما يصعب علجه‬
‫ويعسر دفعه‪ ،‬فيعمل بذلك مدة عمره‪ ،‬ويلقى الله به معتقدا ً أنه من الحق‪،‬‬
‫وهو ـ والله ـ من أبطل الباطل وأنكر المنكر"]‪.[8‬‬
‫ي التابعي‪" :‬ل تجالسوا أهل الهواء ول تجادلوهم؛ فإني‬ ‫وقال أبو قلبة الجرم ّ‬
‫ُ‬
‫ل آمن أن يغمسوكم في الضللة‪ ،‬أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لّبس‬
‫عليهم"]‪.[9‬‬
‫وقال الشيخ موفق الدين ابن قدامة‪" :‬كان السلف ينهون عن مجالسة أهل‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البدع والنظر في كتبهم والستماع لكلمهم"]‪.[10‬‬


‫وقال أبو الوفاء بن عقيل‪" :‬وكان أصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعة‬
‫ل‪" :‬قلت‪ :‬كانوا‬ ‫من العلماء‪ ،‬وكان ذلك يحرمني علما ً نافعًا"‪ ،‬فعّلق الذهبي قائ ً‬
‫ينهونه عن مجالسة المعتزلة‪ ،‬ويأبى حتى وقع في حبائلهم‪ ،‬وتجاسر على‬
‫تأويل النصوص‪ ،‬نسأل الله السلمة"]‪.[11‬‬
‫وعن أبي أمّية اللخمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬إن من‬
‫أشراط الساعة ثلثًا‪ ،‬واحدتهن أن يلتمس العلم عند الصاغر((]‪.[12‬‬
‫قال ابن المبارك‪" :‬الصاغر أهل البدع"]‪.[13‬‬
‫‪ -2‬الخلل في منهج الستدلل‪:‬‬
‫أ‪ -‬عدم التسليم للنصوص الشرعية وعدم النقياد لها‪:‬‬
‫قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪) :‬إياكم وأصحاب الرأي؛ فإنهم أعداء‬
‫السنن‪ ،‬أعيتهم الحاديث أن يعوها‪ ،‬وتفّلتت منهم أن يحفظوها‪ ،‬فقالوا في‬
‫الدين برأيهم(‪.‬‬
‫قال أبو بكر بن أبي داود‪" :‬أهل الرأي هم أهل البدع"]‪.[14‬‬
‫ومن صور عدم التسليم‪:‬‬
‫• رد ّ الحاديث التي ل توافق بدعهم وأهواءهم‪:‬‬
‫• بالقدح في رواتها الثقات العدول‪.‬‬
‫• أو بنفي حجية خبر الحاد‪.‬‬
‫• أو بتحريف الدلة عن مواضعها وصرفها عن ظواهرها بتأويلت فاسدة]‪.[15‬‬
‫• اتباع المتشابه من الدلة وترك المحكم ]‪. [16‬‬
‫• معارضة النصوص الشرعية بالهواء )الكشف‪ ،‬الذوق‪ ،‬الرأي‪ ،‬المنامات‪،‬‬
‫المصلحة‪.[17](...‬‬
‫ب‪ -‬الستدلل ببعض النصوص دون النظر في غيرها‪:‬‬
‫قال وكيع بن الجّراح‪" :‬أهل السنة يروون ما لهم وما عليهم‪ ،‬وأهل البدعة ل‬
‫يروون إل ما لهم"]‪.[18‬‬
‫حة ومشروعية البدعة بالعادة والُعرف‪:‬‬ ‫ج‪ -‬الحتجاج على ص ّ‬
‫ن قّيدته‬
‫م ْ‬
‫" فكيف يعتمد المؤمن العالم على عادات أكثر من اعتادها عامة أو َ‬
‫العامة أو قوم مترّئسون بالجهالة‪ ...‬والحتجاج بمثل هذه الحجج والجواب‬
‫عنها معلوم أنه ليس من طريقة أهل العلم‪ ،‬ولكن لكثرة الجهالة قد يستند‬
‫إلى مثلها خلق كثير من الناس حتى من المنتسبين إلى العلم والدين"]‪.[19‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫حة ومشروعية البدعة بعمل بعض ذوي العلم والفضل‬ ‫د‪ -‬الحتجاج على ص ّ‬
‫بها‪:‬‬
‫ن هنا يغلظ كثير من الناس‪ ،‬فإنهم يبلغهم أن بعض العيان من الصالحين‬ ‫م ْ‬
‫"و ِ‬
‫عبدوا عبادة أو دعوا دعاء ووجدوا أثر تلك العبادة وذلك الدعاء‪ ،‬فيجعلون ذلك‬
‫دليل ً على استحسان تلك العبادة والدعاء‪ ،‬ويجعلون ذلك العمل سنة كأنه قد‬
‫ي‪ ،‬وهذا غلط"]‪.[20‬‬‫فعله نب ّ‬
‫هـ‪ -‬الحتجاج باختلف العلماء]‪.[21‬‬
‫و‪ -‬الحتجاج بحصول منفعة هذه البدعة بالتجربة]‪.[22‬‬
‫‪ -3‬الجهل بكلم العرب وأساليبهم في الخطاب‪:‬‬
‫قال المام الشافعي‪" :‬وإنما بدأت بما وصفت من أن القرآن نزل بلسان‬
‫جِهل سعة‬‫ن إيضاح جمل علم الكتاب أحد ٌ َ‬ ‫م ْ‬
‫العرب دون غيره لنه ل يعلم ِ‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لسان العرب وكثرة وجوهه وجماع معانيه وتفّرقها‪ .‬ومن علمه انتفت عنه‬
‫الشبه التي دخلت على من جهل لسانها"]‪.[23‬‬
‫قال الشاطبي‪" :‬ومنها تخّرصهم على الكلم في القرآن والسنة العربيين مع‬
‫العُُروّ عن علم العربية الذي يفهم به عن الله ورسوله‪ ،‬فيفتاتون على‬
‫الشريعة بما فهموا ويدينون به ويخالفون الراسخين في العلم‪ ،‬وإنما دخلوا‬
‫في ذلك من جهة تحسين الظن بأنفسهم واعتقادهم أنه من أهل الجتهاد‬
‫والستنباط‪ ،‬وليسوا كذلك"]‪.[24‬‬
‫‪ -4‬اتباع الهوى‪:‬‬
‫قال وكيع بن الجراح‪" :‬من طلب الحديث كما جاء فهو صاحب سنة‪ ،‬ومن‬
‫وي هواه فهو صاحب بدعة"]‪.[25‬‬ ‫طلب الحديث ليق ّ‬
‫قال البخاري‪" :‬يعني أن النسان ينبغي أن يلغي رأيه لحديث النبي صلى الله‬
‫وي هواه"]‪.[26‬‬ ‫عليه وسلم حيث ثبت الحديث‪ ،‬ول يعلل بعلل ل تصح ليق ّ‬
‫"وأصل الضلل اتباع الظن والهوى‪ ،‬كما قال الله تعالى في حق من ذمهم‪:‬‬
‫دى{‬ ‫م ال ْهُ َ‬
‫من ّرب ّهِ ُ‬ ‫هم ّ‬ ‫جاء ُ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫س وَل َ َ‬
‫ف ُ‬ ‫وى الن ُ‬ ‫ما ت َهْ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ن إ ِل ّ الظ ّ ّ‬ ‫}ِإن ي َت ّب ُِعو َ‬
‫]النجم‪.[27]"[23:‬‬
‫مون أهل الراء المخالفة للسنة وما جاء به الرسول صلى‬ ‫"وكان السلف يس ّ‬
‫الله عليه وسلم في مسائل العلم الخبرية وأهل مسائل الحكام العملية‪،‬‬
‫ل ل علم‪،‬‬ ‫يسمونهم أهل الشبهات والهواء؛ لن الرأي المخالف للسنة جه ٌ‬
‫وهوى ل دين‪ ،‬فصاحبه ممن اتبع هواه بغير هدى من الله"]‪.[28‬‬
‫ل على أن الهوى هو المتبع الول في البدع‪ ،‬وهو المقصود‬ ‫"الشرع قد د ّ‬
‫السابق في حقهم‪ ،‬ولذلك تجدهم يتأّولون كل دليل خالف هواهم‪ ،‬ويتبعون‬
‫كل شبهة وافقت أغراضهم"‪.‬‬
‫"والدلة على هذا كثيرة تشير أو تصّرح بأن كل مبتدع إنما يتبع هواه‪ ،‬وإذا اتبع‬
‫هواه كان مذموما ً وآثمًا‪ ،‬والدلة عليه أيضا ً كثيرة‪:‬‬
‫كقوله‪} :‬وم َ‬
‫ه{ ]القصص‪.[50:‬‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫دى ّ‬ ‫واه ُ ب ِغَي ْرِ هُ ً‬‫ن ات ّب َعَ هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬‫ل ِ‬ ‫ض ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ل‬
‫سِبي ِ‬ ‫عن َ‬ ‫ن َ‬ ‫ّ‬
‫ضلو َ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ إ ِ ّ‬ ‫سِبي ِ‬‫عن َ‬ ‫ضلك َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫وى فَي ُ ِ‬ ‫ْ‬
‫وقوله‪} :‬وَل َ ت َت ّب ِِع الهَ َ‬
‫ب{ ]ص‪.[26:‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬‫م ال ْ ِ‬‫سوا ْ ي َوْ َ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫ديد ُ ب ِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫الل ّهِ ل َهُ ْ‬
‫َ‬
‫ه{ ]الكهف‪.[29]"[28:‬‬ ‫وا ُ‬ ‫عن ذِك ْرَِنا َوات ّب َعَ هَ َ‬ ‫ه َ‬ ‫فل َْنا قَل ْب َ ُ‬ ‫ن أغْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله‪} :‬وَل َ ت ُط ِعْ َ‬
‫‪ -5‬الغلو والتعصب‪:‬‬
‫قال الشاطبي‪" :‬والثالث من أسباب الخلف‪ :‬التصميم على اتباع العوائد وإن‬
‫فسدت أو كانت مخالفة للحق‪ ،‬وهو اتباع ما كان عليه الباء والشياخ وأشباه‬
‫ل َقاُلوا ْ إ ِّنا‬
‫ذلك‪ ،‬وهو التقليد المذموم‪ ،‬فإن الله ذم ذلك في كتابه‪ ،‬كقوله‪} :‬ب َ ْ‬
‫ُ‬
‫ن{ ]الزخرف‪."[23:‬‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫هم ّ‬ ‫مةٍ وَإ ِّنا عََلى ءاَثارِ ِ‬ ‫جد َْنا ءاَباءَنا عََلى أ ّ‬ ‫وَ َ‬
‫"وهذا الوجه هو الذي مال بأكثر المتأخرين من عوام المبتدعة إذا اتفق أن‬
‫ينضاف إلى شيخ جاهل أو لم يبلغ مبلغ العلماء‪ ،‬فيراه يعمل عمل ً فيظنه‬
‫عبادة فيقتدي به كائنا ً ما كان ذلك العمل‪ ،‬موافقا ً للشرع أو مخالفًا‪ ،‬ويحتج به‬
‫على من يرشده‪ ،‬فيقول‪ :‬كان الشيخ فلن من الولياء‪ ،‬وكان يفعله وهو أولى‬
‫أن يقتدى به من علماء أهل الظاهر‪ ،‬فهو في الحقيقة راجع إلى تقليد من‬
‫سن ظنه فيه أخطأ أو أصاب‪ ،‬كالذين قّلدوا آباءهم سواء"]‪.[30‬‬ ‫ح ُ‬
‫وف من يجعل شيخه‬ ‫"ومن سالكي طريق الرادة والعبادة والفقر والتص ّ‬
‫كذلك‪ ،‬بل قد يجعله كالمعصوم‪ ،‬ول يتلقى سلوكه إل عنه‪ ،‬ول يتلقى عن‬
‫الرسول سلوكه"]‪.[31‬‬
‫]‪ [1‬مجموع الفتاوى )‪.(83-4/82‬‬
‫]‪ [2‬درء التعارض )‪.(382-7/381‬‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [3‬العتصام للشاطبي )‪ ،(1/331‬وانظر‪ :‬مجموع الفتاوى )‪.(19/5‬‬


‫]‪ [4‬مجموع الفتاوى )‪.(12/309‬‬
‫]‪ [5‬مجموع الفتاوى )‪.(7/119‬‬
‫]‪ [6‬مجموع الفتاوى )‪ .(27/479‬وانظر‪ :‬العتصام للشاطبي )‪.(293-1/287‬‬
‫]‪ [7‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة لللكائي )‪.(2/423‬‬
‫]‪ [8‬فتح القدير للشوكاني )‪.(2/128‬‬
‫]‪ [9‬أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة )‪ ،(1/137‬والدارمي في السنن )‬
‫‪ ،(1/90‬والجري في الشريعة )‪ (436-1/435‬وغيرهم بإسناد صحيح‪.‬‬
‫]‪ [10‬الداب الشرعية لبن مفلح )‪.(1/251‬‬
‫]‪ [11‬سير أعلم النبلء )‪.(19/447‬‬
‫]‪ [12‬أخرجه ابن المبارك في الزهد )‪ ،(61‬والطبراني في الكبير )‪-22/361‬‬
‫سنه الحافظ عبد الغني المقدسي كما في السلسلة‬ ‫‪ (362‬وغيرهما‪ ،‬وح ّ‬
‫الصحيحة )‪.(695‬‬
‫]‪ [13‬ذم الكلم وأهله للهروي )‪.(5/76‬‬
‫ه‬
‫]‪ [14‬جامع بيان العلم وفضله )‪ ،(2/1042‬وأثر عمر هذا مروي من وجو ٍ‬
‫كثيرة يثبت بها‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫]‪ [15‬انظر‪ :‬العتصام )‪ ،(301-1/294‬ومجموع الفتاوى )‪.(17/415‬‬


‫]‪ [16‬انظر البانة لبن بطة )‪-2/501‬اليمان(‪ ،‬وإعلم الموقعين )‪-2/293‬‬
‫‪.(306‬‬
‫]‪ [17‬انظر‪ :‬اقتضاء الصراط المستقيم )‪ ،(2/687‬ودرء التعارض )‪،(5/245‬‬
‫والنبوات )‪.(421-1/420‬‬
‫]‪ [18‬رواه الدارقطني في السنن )‪ ،(1/26‬وأبو نعيم في أخبار أصبهان )‬
‫‪.(19-2/18‬‬
‫]‪ [19‬اقتضاء الصراط المستقيم )‪ ،(586– 585 ،588-2/587‬وانظر‪:‬‬
‫الحوادث والبدع للطرطوشي )ص ‪ ،(69‬والباعث لبي شامة )ص ‪.(84‬‬
‫]‪ [20‬اقتضاء الصراط المستقيم )‪.(701-2/700‬‬
‫]‪ [21‬انظر‪ :‬مجموع الفتاوى )‪.(367-22/366‬‬
‫]‪ [22‬اقتضاء الصراط المستقيم )‪ ،(700-2/695‬وسنن أبي داود )‪.(3883‬‬
‫]‪ [23‬الرسالة )ص ‪ 50‬فقرة ‪.(169‬‬
‫]‪ [24‬العتصام )‪.(1/301‬‬
‫]‪ [25‬رفع اليدين في الصلة للبخاري )ص ‪.(105‬‬
‫]‪ [26‬رفع اليدين في الصلة )ص ‪.(105‬‬
‫]‪ [27‬مجموع الفتاوى )‪.(3/384‬‬
‫]‪ [28‬إغاثة اللهفان )‪.(2/170‬‬
‫]‪ [29‬العتصام )‪.(191-1/190‬‬
‫]‪ [30‬العتصام )‪.(691-2/688‬‬
‫]‪ [31‬مجموع الفتاوى )‪.(273-19/272‬‬
‫خامسًا‪ :‬أخطار البدع على دين المرء‪:‬‬
‫‪ -1‬اتخاذ الشركاء مع الله عز وجل‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه{‬‫م ي َأَذن ب ِهِ الل ُ‬
‫ما ل ْ‬
‫ن َ‬
‫دي ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫م َ‬
‫م ّ‬‫عوا لهُ ْ‬ ‫شَر ُ‬‫كاء َ‬‫شَر َ‬ ‫م ل َهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫قال تعالى‪} :‬أ ْ‬
‫]الشورى‪.[21:‬‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال الشافعي‪" :‬من استحسن فقد شّرع"‪.‬‬


‫ذذ‪ ،‬ول يقول فيه إل عالم بالخبار‪،‬‬ ‫ضا‪" :‬وإنما الستحسان تل ّ‬ ‫وقال الشافعي أي ً‬
‫عاقل بالتشبه عليها‪ ،‬وإذا كان هذا هكذا كان على العالم أن ل يقول إل من‬
‫جهة العلم ـ وجهة العلم الخبر اللزم ـ بالقياس بالدلئل على الصواب‪ ،‬حتى‬
‫دا متبًعا خبًرا وطالب الخبر بالقياس‪ ،‬كما يكون متبع‬ ‫يكون صاحب العلم أب ً‬
‫دا"‪.‬‬ ‫البيت بالعيان وطالب قصده بالستدلل بالعلم مجته ً‬
‫ضا‪" :‬ولم يجعل الله لحد بعد رسول الله أن يقول إل من جهة علم ٍ‬ ‫وقال أي ً‬
‫ت من‬ ‫مضى قبله‪ ،‬وجهة العلم بعد الكتاب والسنة والجماع والثار‪ ،‬وما وصف ُ‬
‫القياس عليها"‪.‬‬
‫ويبين هذا الخطر ويوضحه تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لية التوبة‪:‬‬
‫ذوا ْ أ َحبارهُم ورهْبانه َ‬
‫ه{ ]التوبة‪ ،[31 :‬فقد دخل عدي‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫م أْرَبابا ً ّ‬ ‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ‬ ‫خ ُ‬‫}ات ّ َ‬
‫بن حاتم رضي الله عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الية‪،‬‬
‫فقال عدي‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إنا لسنا نعبدهم‪ ،‬فقال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫))أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه‪ ،‬ويحلون ما حّرم الله فتحلونه؟!((‬
‫قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪)) :‬فتلك عبادتهم((‪.‬‬
‫‪ -2‬مخالفة وتكذيب لصريح القرآن‪:‬‬
‫ىء{ ]النعام‪،[38 :‬‬ ‫ْ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫من‬ ‫ب‬
‫َِ ِ ِ‬ ‫تا‬ ‫ك‬ ‫ال‬ ‫فى‬ ‫ما فَّرط َْنا ِ‬ ‫يقول المولى عز وجل‪ّ } :‬‬
‫َ‬ ‫ويقول‪} :‬ال ْيو َ‬
‫سل َ َ‬
‫م‬ ‫م ال ْ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬ ‫ضي ُ‬ ‫مِتى وََر ِ‬ ‫م ن ِعْ َ‬‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬
‫م وَأت ْ َ‬ ‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ِدينًا{ ]المائدة‪.[3 :‬‬
‫يقول الشوكاني‪" :‬فإذا كان الله قد أكمل دينه قبل أن يقبض نبيه صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فما هو الرأي الذي أحدثه أهله بعد أن أكمل الله دينه‪ ،‬إن كان‬
‫مل عندهم إل برأيهم‪ ،‬وهذا فيه رد ّ للقرآن‪،‬‬ ‫من الدين في اعتقادهم فهو لم يك ُ‬
‫وإن لم يكن من الدين فأي فائدة بالشتغال بما ليس من الدين؟!"‪.‬‬
‫‪ -3‬مخالفة وتكذيب لصريح السنة الصحيحة‪:‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم‪)) :‬ما تركت شيًئا مما أمركم الله به إل وقد‬
‫أمرتكم به((‪.‬‬
‫قا عليه أن يد ّ‬
‫ل‬ ‫ي قبلي إل كان ح ً‬ ‫وقال صلى الله عليه وسلم‪)) :‬إنه لم يكن نب ٌ‬
‫أمته على خير ما يعلمه لهم‪ ،‬وينذرهم شر ما يعلمه لهم((‪.‬‬
‫قال أحمد شاكر‪" :‬وهذا معلوم من الدين بالضرورة"‪.‬‬
‫‪ -4‬اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالخيانة‪:‬‬
‫يؤثر عن المام مالك رحمه الله قوله‪" :‬من أحدث في هذه المة شيًئا لم‬
‫يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله خان الرسالة؛ لن الله يقول‪:‬‬
‫}ال ْيو َ‬
‫م{ ]المائدة‪.[3 :‬‬ ‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬‫َ ْ َ‬
‫ك{ ]المائدة‪.[67 :‬‬ ‫من ّرب ّ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫غ‬‫ّ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫ّ ُ‬‫ر‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫ي‬
‫َ َّ‬
‫وقال تعالى‪} :‬ياأ َ‬
‫دا كتم شيًئا مما‬ ‫دثك أن محم ً‬ ‫قالت عائشة رضي الله عنها لمسروق‪) :‬ومن ح ّ‬
‫نزل عليه فقد كذب(‪.‬‬
‫‪ -5‬عمل المبتدع مردود‪:‬‬
‫عن عائشة رضي الله عنها قالت‪ :‬قال صلى الله عليه وسلم‪)) :‬من عمل‬
‫عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد((‪ ،‬وفي رواية‪)) :‬من أحدث في أمرنا هذا ما‬
‫ليس منه فهو رد((‪.‬‬
‫ن‬‫ري َ‬ ‫س ِ‬‫خ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ل ن ُن َب ّئكم ِبال ْ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫ُ‬
‫وهذه خسارة ما بعدها خسارة‪ ،‬يقول الله تعالى‪} :‬ق ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م ِفى اْلحياةِ الد ّن َْيا وَهُ ْ‬ ‫سعْي ُهُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مال ً )‪ (103‬ال ّ ِ‬ ‫أعْ َ‬
‫صن ًْعا{ ]الكهف‪.[104 ،103 :‬‬ ‫ن ُ‬ ‫سُنو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫‪ -6‬الهلك والوعيد للمبتدع‪:‬‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال‪ :‬قال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫))إني تركتكم على مثل البيضاء‪ ،‬ليلها كنهارها ل يزيغ عنها بعدي إل هالك((‪.‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪)) :‬لكل عمل شرة‪ ،‬ولكل شرة فترة‪ ،‬فمن كانت‬
‫فترته إلى سنتي فقد اهتدى‪ ،‬ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك((‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫قا في المسجد‪ ،‬وعلى كل حلقة‬ ‫حل ً‬ ‫وقال ابن مسعود رضي الله عنه حين رأى ِ‬
‫رجل وفي أيديهم حصى‪ ،‬فيقول‪ :‬كبروا مائة‪ ،‬ثم يقول‪ :‬هللوا مائة‪ ،‬وسبحوا‬
‫دوا سيئاتكم‪ .‬ويحكم يا أمة محمد‪ ،‬ما أسرع‬ ‫مائة‪ ،‬فقال رضي الله عنه‪) :‬ع ّ‬
‫هلكتكم‪ ،‬هؤلء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون‪ ،‬وهذه ثيابه لم‬
‫تبل‪ ،‬وآنيته لم ُتكسر‪ ،‬والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة‬
‫محمد‪ ،‬أو مفتتحو باب ضللة‪.(...‬‬
‫‪ -7‬المبتدع يحمل أوزار من تبعه‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ضلون َهُ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن أوَْزارِ ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مةِ وَ ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ة ي َوْ َ‬ ‫مل ً‬ ‫َ‬
‫م كا ِ‬ ‫مُلوا ْ أوَْزاَرهُ ْ‬ ‫ح ِ‬‫يقول تعالى‪} :‬ل ِي َ ْ‬
‫م{ ]النحل‪.[25 :‬‬ ‫ب ِغَي ْرِ ِ ْ‬
‫عل ٍ‬
‫ل شيء"‪.‬‬ ‫قال مجاهد‪" :‬يحملون وزر من أضلوه‪ ،‬ول ينقص من إثم المض ّ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬أي‪ :‬إنما قدرنا عليهم أن يقولوا ذلك فيتحملوا أوزارهم ومن‬
‫أوزار الذين يتبعونهم ويوافقونهم‪ ،‬أي‪ :‬يصير عليهم خطيئة ضللهم في‬
‫أنفسهم‪ ،‬وخطيئة إغوائهم لغيرهم واقتداء أولئك بهم‪ ،‬كما جاء في الحديث‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫قال ً ّ‬ ‫م وَأ َث ْ َ‬ ‫قال َهُ ْ‬ ‫ن أ َث ْ َ‬ ‫مل ُ ّ‬‫ح ِ‬ ‫))من دعا إلى هدى‪ .((...‬ثم قال‪ :‬وقال تعالى‪} :‬وَل َي َ ْ‬
‫ن{ ]العنكبوت‪.[13:‬‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫مةِ عَ ّ‬ ‫قَيا َ‬‫م ال ْ ِ‬‫ن ي َوْ َ‬ ‫سئ َل ُ ّ‬‫م وَل َي ُ ْ‬‫قال ِهِ ْ‬ ‫أ َث ْ َ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫م ِ‬‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ة ي َوْ َ‬ ‫مل َ ً‬ ‫كا ِ‬‫م َ‬ ‫مُلوا ْ أوَْزاَرهُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫وهكذا روى العوفي عن ابن عباس قال‪} :‬ل ِي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م ب ِغَي ْرِ ِ ْ‬ ‫وم َ‬
‫قال ً‬ ‫م وَأث ْ َ‬ ‫قالهُ ْ‬ ‫ن أث ْ َ‬ ‫مل ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫م{ إنها كقوله‪} :‬وَلي َ ْ‬ ‫عل ٍ‬ ‫ضّلون َهُ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن أوَْزارِ ال ّ ِ‬ ‫َ ِ ْ‬
‫م{"‪.‬‬ ‫َ‬
‫معَ أث ْ َ‬
‫قال ِهِ ْ‬ ‫ّ‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال صلى الله عليه وسلم‪)) :‬من دعا‬
‫إلى ضللة كان عليه من الثم مثل آثام من تبعه‪ ،‬ل ينقص ذلك من آثامهم‬
‫شيء((‪.‬‬
‫‪ -8‬المبتدع يحجب عن الحوض‪:‬‬
‫عن سهل بن سعد وأبي سعيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪)) :‬إني فرطكم على الحوض من مّر علي شرب‪ ،‬ومن شرب لم‬
‫ي أقوام أعرفهم ويعرفوني‪ ،‬ثم يحال بيني وبينهم‪ ،‬فأقول‬ ‫دا‪ ،‬ليردن عل ّ‬ ‫يظمأ أب ً‬
‫قا لمن غيّر‬ ‫إنهم مني‪ ،‬فيقال‪ :‬إنك ل تدري ما أحدثوا بعدك‪ ،‬فأقول سح ً‬
‫بعدي((‪.‬‬
‫جمع هذه الخطار الشيخ وجدي غزاوي‪ ،‬وألقاها في خطبة جمعة‪ ،‬قبيل‬
‫المولد لعام ‪1422‬هـ‪.‬‬
‫هذا القول مشهور ومستفيض عن الشافعي رحمه الله بهذا اللفظ‪ ،‬ولم نجده‬
‫في مصدر ينسبه إلى الشافعي بسند‪ ،‬وجزم اللباني رحمه الله بنسبته إلى‬
‫المام الشافعي‪ .‬انظر‪ :‬السلسلة الضعيفة )‪.(19 /2‬‬
‫الرسالة )ص ‪.(508-507‬‬
‫الرسالة )ص ‪.(508‬‬
‫أخرجه الطبري في تفسيره )‪ ،(6/114‬والطبراني في المعجم الكبير )‬
‫‪ ،(17/92‬وأخرجه الترمذي بنحوه في كتاب تفسير القرآن‪ ،‬باب‪ :‬ومن سورة‬
‫التوبة )‪.(3095‬‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القول المفيد من الرسائل السلفية )ص ‪.(38‬‬


‫أخرجه الشافعي في مسنده )‪ ،(1/14‬وفي الم )‪ ،(299 ،7/289‬والبيهقي‬
‫في سننه )‪ ،(7/76‬وانظر تعليق أحمد شاكر على الرسالة )ص ‪،(103-93‬‬
‫وصححه اللباني في السلسلة الصحيحة )‪(4/417‬‬
‫أخرجه مسلم‪ :‬كتاب المارة‪ ،‬باب‪ :‬وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الول فالول )‬
‫‪ (1844‬من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما‪.‬‬
‫تعليقه علىالرسالة للشافعي )ص ‪.(95‬‬
‫دا )‪.(6/225‬‬ ‫ذكره ابن حزم في الحكام مسن ً‬
‫من‬ ‫َ‬
‫ل إ ِلي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ما أنزِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫ك ِ‬ ‫ل ب َلغْ َ‬ ‫صحيح البخاري‪ :‬كتاب التفسير‪ ،‬باب‪} :‬ياأي َّها الّر ُ‬
‫ك{ )‪ ،(4612‬صحيح مسلم‪ :‬كتاب اليمان‪ ،‬باب‪ :‬معنى قول الله عز وجل‬ ‫ّرب ّ َ‬
‫خَرى{ )‪.(177‬‬ ‫ُ‬
‫ةأ ْ‬ ‫َ‬ ‫}وَل َ َ‬
‫قد ْ َرآه ُ ن َْزل ً‬
‫أخرجه مسلم‪ :‬كتاب القضية‪ ،‬باب‪ :‬نقض الحكام الباطلة ورد محدثات المور‬
‫)‪.(1718‬‬
‫أخرجه البخاري‪ :‬كتاب الصلح‪ ،‬باب‪ :‬إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح‬
‫مردود )‪ ،(2697‬ومسلم‪ :‬كتاب القضية‪ ،‬باب‪ :‬نقض الحكام الباطلة ورد‬
‫محدثات المور )‪.(1718‬‬
‫أخرجه بهذا اللفظ أحمد )‪ ،(4/126‬وابن ماجه‪ :‬المقدمة‪ ،‬باب‪ :‬اتباع سنة‬
‫الخلفاء الراشدين المهديين )‪ (44‬وغيرهما‪ ،‬وصححه اللباني في السلسلة‬
‫الصحيحة )‪.(937‬‬
‫الشرة‪ :‬النشاط والرغبة‪ .‬لسان العرب )‪] (4/401‬شرر[‪.‬‬
‫أخرجه أحمد )‪ ،(2/188‬وابن أبي عاصم في السنة )‪ ،(51‬وحسن إسناده‬
‫اللباني في التعليق على السنة‪.‬‬
‫سنن الدارمي‪ :‬المقدمة‪ ،‬باب‪ :‬كراهية أخذ الرأي )‪.(1/79‬‬
‫تفسير القرطبي )‪.(10/96‬‬
‫تفسير ابن كثير )‪.(4/484‬‬
‫أخرجه مسلم‪ :‬كتاب العلم‪ ،‬باب‪ :‬من سن سنة حسنة أو سيئة )‪.(2674‬‬
‫فَرط ـ بالتحريك ـ‪ :‬المتقدم إلى الماء‪ ،‬يتقدم الواردة‬ ‫فرطكم‪ :‬الفارط وال َ‬
‫فيهيئ لهم الرسان والدلء‪ ،‬ويمل الحياض ويستقي لهم‪ .‬لسان العرب )‬
‫‪] (7/366‬فرط[‪.‬‬
‫أخرجه البخاري‪ :‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب‪ :‬في الحوض )‪.(6584 ،6583‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫الشباب وأمينة‬
‫أخي الشاب هل سمعت عن أمينة ودود ؟؟‬
‫بالتأكيد سمعت عنها فقد أصبحت أشهر امرأة في العالم السلمي كله‪.‬‬
‫إنها المرأة التي تحدت العالم السلمي أجمع وضربت بكلم العلماء عرض‬
‫الحائط ونفذت ما في رأسها من أفكار شيطانية وقامت بإمامة المسلمين‬
‫في صلة الجمعة في الوليات المتحدة المريكية‪.‬‬
‫نحن لن نتكلم عن حكم امامة المرأة في الصلة وغيرها فهذا شئ ل خلف‬
‫عليه بين العلماء والجماع على عدم جواز ذلك إجماع مستقر منذ عهد‬
‫الصحابة رضوان الله عليهم ولم يأت من يخالف ذلك من العلماء المعتبرين‬
‫وحين انتشرت هذه القصة في العالم السلمي سادت موجة كبيرة من‬
‫الستنكار والسخرية في أوساط الشباب وتعجب الكثيرون من جرأة هذه‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المرأة ووقاحتها ولكن العجيب أخي أن هذه المرأة عندها اصرار عجيب على‬
‫باطلها ‪,‬فعندما رفضت جميع المساجد في الوليات المتحدة أن تستضيفها‬
‫في الصلة قامت باستئجار قاعة في أحد الكنائس لتؤدي فيها الصلة ‪.‬‬
‫وقد تتساءل أيها الشاب ما علقتي أنا كشاب مسلم بهذه الواقعة فالدور هنا‬
‫على العلماء والدعاة لتوضيحها‪ ,‬وأنا أختلف معك تماما في هذا ولكن ل تفهم‬
‫أني أطلب منك أن تخطب في الناس لتوضح لهم هذا المر وأنت ل تستطيع‬
‫ذلك كل ولكن قف معي قليل مع هذه الحادثة‪.......‬‬
‫بالله عليك أل نلمح في هذه القصة مشهدا يستحق التأمل‬
‫أعني أن تكون همة هذه المرأة على باطلها بهذه القوة وهمتنا في المقابل‬
‫على التمسك بالحق بهذا الضعف ؟‬
‫بل أكثر من ذلك أل يلفت انتباهنا ما يشغل عقل تلك المرأة وتفكيرها وكيانها‬
‫وهي تفعل ما تعلم علم اليقين أنه قد يكون سبب هلكها‪ ,‬إنها فكرة ‪ ...‬باطلة‬
‫نعم ل أنكر ولكنها فكرة ملت عليها كيانها فأخرجت هذا المشهد الذي رأيناه‪.‬‬
‫في المقابل على الجهة الخرى ألق معي نظرة سريعة !!!‬
‫شباب أمة خير الخلق مشغول بالكليبات والغاني والرنات الجديدة ومباريات‬
‫الكرة وخلفها وهذه المرأة تسعى بهمة لتنفيذ ما تعتقد من الباطل ولو أدى‬
‫ذلك الى تأجير قاعة في كنيسة لتؤدي فيها الصلة وتحقق أهدافها أما بعض‬
‫الشباب فقد تكون أقصى همة له في الحق أن يتوقف قليل عن بعض‬
‫المعاصي ثم ل يستطيع الثبات لفترة طويلة فينتكس ويعود إلى الذنوب مرة‬
‫أخرى ‪ ,‬هل قارنت بين همتك وهمتها ؟‬
‫أيها الخوة دورنا في هذه الحادثة ل ينحصر في الشجب والستنكار ولكن‬
‫يمتد إلى إحداث تغيير حقيقي في واقع هذه المة بأن تبدأ بنفسك وتعقد النية‬
‫على التغير وأن تجعل لحياتك معنى تاركا أثرا حقيقيا على هذه الرض‬
‫وتحاول تغييرها إلى الحسن‪.‬‬
‫ولك أن تسأل ما علقة إصلح نفسي بما حدث في أمريكا ؟‬
‫والجابة أخي أن العلقة قوية ‪ ,‬فما حدث في أمريكا هو إفراز طبيعي لحالة‬
‫الضعف الذي عليه المسلمين في هذه اليام وهذه الحالة نحن السبب‬
‫الرئيسي فيها بسبب غفلتنا عن الله عز وجل وعدم سعينا لتغيير ما بأنفسنا‬
‫فانطبقت علينا سنن الله الكونية المتمثلة في قوله تعالى ' ان الله ليغير ما‬
‫بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ' فطالما أننا لم نغير ما بأنفسنا فكيف يغير الله‬
‫ما يحدث فينا ؟‬
‫أخي الحبيب فليكن هذا الحادث بمثابة دفعة للمام تعيننا على تغيير واقع امتنا‬
‫للفضل‪..‬‬
‫دفعة لتغيير أنفسنا ومجتمعاتنا والعمل على إصلحها ول تقلل من أي مجهود‬
‫تبذله في ذلك فربما يأتيك الشيطان الن ويوسوس لك ويقول وماذا تفعل‬
‫وحدك أمام كل هذا الباطل وهل توبتي هي التي ستصلح حال المة ؟‬
‫نعم أخي الحبيب فكل مجهود تبذله سيؤثر في الواقع ولو بعد حين وإن لم‬
‫ترى ثمرته في حياتك‬
‫وعليك أن تسرع أخي الحبيب قبل أن تفاجأ بأمينة ودود أخرى تخطب فيك‬
‫الجمعة في المسجد المجاور لك!!!!‬
‫وإلى حين اللقاء لكم منا كل التحية والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشباب والجازة ‪..‬‬


‫م وقلق حتى ُنجهد أنفسنا في البحث عن سبل‬ ‫هل تحولت الجازة إلى ه ّ‬
‫التخلص منها‪ ،‬وتمضية الوقات ؟ سؤال جدير بالبحث والمناقشة‪.‬‬
‫شباب يتحدثون عن إجازاتهم‬
‫شباب‪ :‬إننا الن في إجازة رسمية‪ ،‬انتهت المتحانات الجامعية‪ ،‬ولم يعد لنا‬
‫شيء نفعله‪ ،‬إننا كشباب ل نستطيع الجلوس في المنزل‪ ،‬فهو أمر مزعج ‪ ،‬فل‬
‫بد من الخروج إلى أي مكان لتمضية الوقت‪ .‬نحن ل يربطنا وقت ول زمن‪،‬‬
‫نجلس إلى ما شاء الله‪ ،‬ول يقطعنا عن الجتماع إل مناسبة عائلية مهمة ل بد‬
‫من حضورها أو شغل طارئ يعرض لحدنا ‪ ..‬وقال آخر‪ :‬إننا هنا نمضي أوقاتنا‬
‫تارة باللعب وأخرى بالكلم ‪ ،..‬المهم تمضية الوقت فقد أصبح الوقت طويل ً‬
‫دا ومم ً‬
‫ل!‬ ‫ج ً‬
‫وفي مكان بعيد عن الطريق في إحدى البراري ‪ ،‬التقى شبان آخرون وقد‬
‫أوقدوا الفحم واستعدوا للشواء‪ ،‬وحولهم مجموعات أخرى ‪ ..‬التلفاز يعمل‬
‫وهم في غفلة عنه ‪ ،‬والصوات تعالت ‪...‬‬
‫ما الذي تعنيه لكم الجازة ؟‬
‫الجازة في الحقيقة أول ما تبدأ تجلب لنا السعادة والسرور‪ ،‬إذ ننطلق دون‬
‫هم نحمله نحقق ما تصبو إليه نفوسنا من اللهو واللعب والجتماع والنس‪،‬‬
‫ولكن ل تلبث بعد قليل أن تكون هما ثقيل ً علينا‪ ،‬إذ كيف نمضي هذا الوقت‬
‫الطويل دون ملل وسآمة وبل رتابة وتكلف؟!‬
‫وكيف يكون الحال في النهار؟ في النوم طبًعا‪ ،‬إلى الظهر أو إلى العصر‬
‫أحياًنا‪ ،‬إن السمر ل يصلح إل في الليل‪ .‬هذا فضل ً عن الشباب الذين‬
‫يتسكعون في السواق ويزدحمون في الشوارع والمطاعم وينفثون دخانهم‬
‫في المقاهي‪...‬‬
‫آراء المختصين‬
‫يتحدث الدكتور عمر بن سعود العيد )عضو هيئة التدريس بجامعة المام‬
‫محمد بن سعود السلمية( عن قسمين من الشباب ‪ :‬قسم يظن أن الجازة‬
‫هي فترة نوم وكسل وسهر وتفريط‪ ،‬بل إن بعض الشباب يعتقد أن الجازة‬
‫فرصة للعكوف على المعاصي والظلمات‪ ،‬فل يجني النسان من ورائها إل‬
‫سيئات بعضها فوق بعض وظلمات بعضها فوق بعض ونعوذ بالله أن نكون‬
‫ممن يمل أيامه وعمره بالذنوب والمعاصي ‪.‬‬
‫وقسم آخر ‪ -‬وهم قليل‪ -‬يشعرون بأن الجازة فرصة للستفادة المعنوية‬
‫والمادية والروحية‪ ،‬فقد استعدوا لها قبل مجيئها‪ ،‬وأهلوا أنفسهم لها قبل‬
‫حلولها‪ ،‬وهؤلء تجدهم في إجازتهم فرحين مستبشرين بما يجدونه من زيادة‬
‫في المعرفة والعلم‪ ،‬وبما يحققونه من فوائد جمة ل تتاح لهم في غير‬
‫الجازات‪.‬‬
‫الدكتور سعد البريك )عضو هيئة التدريس بجامعة المام محمد بن سعود‬
‫السلمية( يؤكد أن الجازة قطعة من العمر وليست خارج الزمن‪ ،‬ويحذر من‬
‫الوقوع تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬نعمتان مغبون فيهما كثير‬
‫من الناس الصحة والفراغ"‪.‬‬
‫كيف تخطط للستفادة من الجازة‬
‫الدكتور عبد العزيز بن عبد الرحمن الدهش )المستشار بوزارة المعارف‬
‫وعضو هيئة التدريس بكلية المعلمين( يطرح على الشباب السؤال التالي‪:‬‬
‫كيف تقضي الجازة الصيفية ؟ اعتبر أن هذا السؤال وجهه إليك صديق ‪ ،‬ترى‬
‫بماذا ستجيب؟ أرجو أن تقترح إجابة قابلة للنشر ل تزيد عن ثلثة أسطر‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اسأل نفسك بعد ذلك ‪ :‬ما أهم ثلثة أعمال أو مشروعات قضيت بها الجازة‬
‫الماضية ؟‬
‫بعد تأملك في الجابات السابقة انظر هل تزيد درجة الرضا عن نفسك عن‬
‫خمسين في المائة؟ إذا كانت كذلك فاعمل على زيادتها قد تكون أقل من‬
‫خمسين في المائة إذا فأنت تتفق معي على أن المر بحاجة إلى مراجعة‬
‫ومحاسبة‪.‬‬
‫من هنا يبدأ التخطيط‬
‫وإذا كنت فعل ً ممن يبحثون عن الجدية في الستفادة من وقت الجازة فإني‬
‫أعرض عليك طريقة تعينك على التخطيط الصحيح‪:‬‬
‫ما وورقة مناسبة‪ ،‬وارسم فيها جدول مكونا من أربعة حقول‪ ،‬الحقل‬ ‫أمسك قل ً‬
‫العلى وهو الكبير تضع فيه كل ما تتمنى تحقيقه في حياتك‪ ،‬الحقل الثاني‬
‫سيكون للطرق والوسائل التي تحقق هذه المنيات والتي ستقوم أنت بها‪،‬‬
‫وسيكون الحقل الثالث للطرق والوسائل التي يمكن للخرين أن يستخدموها‬
‫لحققوا بها تلك المنيات‪ ،‬أما الحقل الخير فسيكون لبعض الملحظات‬
‫والفكار التي تعينك على تحقيق ما ذكرته أعله‪.‬‬
‫ابدأ أول بالحقل الكبير‪ ،‬وضع فيه ما تتمنى تحقيقه في حياتك ‪ ...‬أعد النظر‬
‫في هذه المنية وتأمل هل تستحق هذه المنية أن تصرف لها حياتك‪ ،‬إن‬
‫كانت الجابة بل فأعد صياغة المنية‪ ،‬وإن كانت بنعم فاكتب في الحقل الثاني‬
‫هذه العبارة "أستطيع بإذن الله تحقيق هذه المنية بما يأتي" ‪) :‬وهنا أرجو أن‬
‫تكتب ما تستطيع من وسائل وطرق(‬
‫ضا في الحقل الثالث الطرق والوسائل التي يمكن للخرين أن‬ ‫اكتب أي ً‬
‫يستخدموها لتحقيق مثل هذه المنية‪.‬‬
‫وهنا أسألك هل هناك فرق بين وسائلك ووسائل الخرين لتحقيق أمنياتهم؟‬
‫إذا لم يكن هناك فرق فأنت رجل عادي‪ ،‬وإن كان هناك فرق فأنت أقرب إلى‬
‫البداع إذا كانت وسائلك أفضل‪ ،‬ومع ذلك يمكنك أن تستفيد من وسائل‬
‫الخرين وتضيفها إلى وسائلك‪ .‬أما إذا كانت وسائلك أقل فإن عليك أن تزيد‬
‫في همتك‪ ،‬وتستفيد من خبرات الخرين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الحقل الخير في هذا الجدول ستكتب فيه بعض الفكار والملحظات وغير‬
‫ذلك مما هو متعلق بما كتبته بدقة قبل ذلك‪.‬‬
‫أخيرا أيها الشاب حتى تكون عملًيا فعال ً ومبد ً‬
‫عا وذكًيا نفذ أكبر قدر من‬
‫البرامج والمشروعات الصغيرة التي ذكرتها خلل الجازة‪.‬‬
‫أفكار للستفادة من الوقت أيام الجازات‬
‫ويقترح الدكتور عمر العيد بعض الفكار التي يمكن للشباب الستفادة منها‬
‫دا إلى مبدأ مهم هو قضاء الوقت فيما يرضي الله‬ ‫في قضاء الجازة مستن ً‬
‫ويبعد عن سخطه وغضبه‪ ،‬فالوقات إذا لم تمل بالطاعات فإنها ستمل‬
‫بالمعاصي والمنكرات‪.‬‬
‫من ذلك زيارة العلماء وطلبة العلم‪ ،‬وصلة الرحام ومواساتهم وإسداء‬
‫المعروف لهم ‪،‬‬
‫وتعلم القرآن وتعليمه لقوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬خيركم من تعلم القرآن‬
‫وعلمه "‪.‬‬
‫في حين يضيف الدكتور الدهش‪:‬‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬هل خطر في ذهنك أيها الشاب أن تعد لنزهة خلوية ممتعة ونظيفة مع‬
‫بعض زملئك‪ ،‬ويوضع لها برنامج سابق يشتمل على ما هو نافع ومفيد من‬
‫موضوعات هادفة وبرامج رياضية نافعة وزيارات للماكن التي يعود أثرها على‬
‫المرء‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا ل تكون الجازة فرصة للستفادة من دورات الحاسب اللي لزيادة‬
‫معرفتك واطلعك عليه؟‬
‫‪ -‬ليكن في وقتك نصيب للقراءة والطلع على كتب الدب الهادفة والتاريخ‪،‬‬
‫فإن فيها أثرا في شحذ الهمة ورفعة النفس وقوة العزيمة والتخلق بأخلق‬
‫العرب والمسلمين‪.‬‬
‫‪ -‬قد تكون الجازة فرصة لعداد ملف عن موضوع معين نشرت عنه بعض‬
‫الصحف والمجلت ومواقع النترنت‪ ،‬فاستغلها ول تتردد ول تؤجل‪ ،‬ولتكن هذه‬
‫أول تجربة لك ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الشباب والهتمامات‬
‫المحتويات‬
‫مقدمة‬
‫الهم الرياضي‬
‫م الشهوة‬ ‫ه ّ‬
‫م آخر ونموذج آخر‬ ‫ه ّ‬
‫مجالت الهم الصالح‬
‫أول‪ :‬إصلح النفس‬
‫ثانيًا‪ :‬تحصيل العلم الشرعي‬
‫ثالثًا‪ :‬الدعوة إلى الله‬
‫رابعًا‪ :‬مآسي المسلمين‬
‫ضوابط الهتمامات الجادة‬
‫الضابط الول ‪:‬التوازن‬
‫الضابط الثاني ‪:‬التكامل‬
‫الضابط الثالث ‪:‬أن تكون الهتمامات على مستوى الشاب‬
‫خصائص الهتمامات‬
‫مقدمة‬
‫إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونتوب إليه ‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور‬
‫أنفسنا وسيئات أعمالنا ‪،‬من يهده الله فل مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فل هادي‬
‫له ‪،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا صلى الله‬
‫عليه وسلم عبده ورسوله أما بعد ‪:‬‬
‫فموضوع الهتمامات موضوع له حساسيته ‪ ،‬وله أهميته ‪ ،‬ومع هذه الهمية‬
‫نجد أننا ل نعتني به ‪ ،‬بل ربما يتساءل البعض ‪ :‬وهل يستحق مثل هذا‬
‫الموضوع أن يفرد في الحديث عنه؟ وهل يستحق مثل هذا الموضوع أن يفرد‬
‫بهذه العناية؟‬
‫فعندما نبدأ بالنسان في المراحل الولى مرحلة الطفولة ‪،‬تجد أن الطفل‬
‫يولد ساذجًا‪ ،‬له اهتمامات قريبة و ساذجة ‪،‬فهو في مرحلة من المراحل يهتم‬
‫باللعبة التي يقتنيها ‪ ،‬فهي كل شيء عنده ‪ ،‬وهي المقياس ‪ ،‬ويرضى ويسخط‬
‫ما يتحدث عن هذه اللعبة ‪ ،‬فإذا كان لديه مبلغ من المال فإنه‬ ‫من أجلها ‪ ،‬ودائ ً‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سيشتري هذه اللعبة ‪ ،‬وإذا زار أحد أقاربه فسيقارن بين لعبته ولعبة البن‬
‫الخر ‪ ،‬وهكذا تصبح هذه هي قضية القضايا عند هذا الطفل ‪ ،‬ثم يتقدم به‬
‫السن وتتقدم اهتماماته قليل ً لكنها تبقى دائما ً محصورة في إطار ضيق ‪ ،‬ثم‬
‫ة‬
‫ة أو عين ً‬‫تبقى الفوارق أيضا ً عند هؤلء الطفال محدودة ‪ ،‬فلو أخذت شريح ً‬
‫من مجموعة أطفال ونظرت إلى اهتماماتهم لوجدتها متقاربة ‪.‬‬
‫وعندما يتقدم بهم السن فيصل إلى مرحلة التكليف‪ ،‬فستجد مفرق طريق هنا‬
‫بين الهتمامات وكيفّيتها وضبطها ‪ ،‬ولو ألقيت نظرةً ‪-‬ولنحرص أن تكون‬
‫ة‪-‬حول اهتمامات الشباب فستجد أن بعض الشباب قد يكون همه الدنيا‬ ‫عاجل ً‬
‫وتحصيلها ‪ ،‬فتصبح هي كل شيء عنده‪ ،‬وهي التي تستغرق وقته وجهده‬
‫وتفكيره‪ ،‬حتى قد يصل إلى الحال التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫‪" :‬تعس عبد الدينار تعس عبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شيك فل‬
‫انتقش" ‪ ،‬فهذا وصل إلى حال أصبح أسيرا ً للدنيا وعبدا ً لها في طوعها ‪،‬‬
‫فالدينار والدرهم والمال والدنيا هي كل شيء عنده ‪ ،‬يرضى من أجلها‬
‫ويسخط من أجلها و يضحي من أجلها‪ ،‬وهي الهدف الذي ل يساوم عليه ‪،‬‬
‫وقد تكون هذه الصورة الن قليلة في محيط الشباب لكنك تجدها في طبقات‬
‫من هم سنا ً ‪.‬‬
‫الهم الرياضي‬
‫و ننتقل إلى اهتمام آخر أكثر انتشارا ً وتأثيرا ً عند الشباب أل وهو الرياضة أو‬
‫الكرة ‪ ،‬فهذا الشاب يهتم بالكرة اهتماما ً بالغا ً من خلل ممارسة ولعب الكرة‬
‫‪ ،‬وتأخذ جزءا كبيرا ً جدا ً من وقته من خلل ما يسمى بالمصطلح المعاصر‬
‫)التشجيع ( ولعلنا نسميه الولء ‪ ،‬فهو في الواقع ولء لهذا النادي وما يتعلق‬
‫به ‪ ،‬ولو كان الشاب اقتصر على قضية الممارسة للرياضة مع ما تأخذه من‬
‫وقت فقد يهون المر عندما نقارنه بالصورة الخرى وهي صورة النتماء‬
‫الرياضي ‪ ،‬فيصير هذا الشاب يشجع ناديا ً من النوادي ‪ ،‬فهو يهتم بأخبار‬
‫النادي واللعبين وتاريخهم ‪ ،‬وربما يقتني صور اللعبين ويتابع مباريات الفريق‬
‫أول ً بأول ويهتم لها ‪ ،‬ثم تصبح تستولي على مشاعره كثيرًا‪ ،‬كذلك يتأثر من‬
‫خلل التفكير‪ ،‬فيصبح تفكيره مرتبطا ً بهذا النادي؛ فاللون الذي يميز النادي‬
‫يصبح له قيمته عنده فالقلم الذي يقتنيه يعبر عن شعار هذا النادي ومقتنيات‬
‫سيارته تمثل شعار هذا النادي؛ فصار هذا اللون يحكم اهتماماته لنه يذكره‬
‫بهذا النادي الذي أصبح ينتمي إليه ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ويستهلك هذا الهتمام جزءا ً من وقته وتفكيره؛ فهذا شاب يشجع ناديا ً من‬
‫النوادي وسيخوض مباراة لها أهميتها‪ ،‬فهو قبل المباراة سيقرأ الصحف ويقرأ‬
‫التحليل والتوقعات عن المباراة‪ ،‬وسيأخذ عليه ذلك الهم جزءا كبيرا من وقته‬
‫ومن قراءته‪ ،‬ولن يكتفي بصحيفة واحدة بل سيقرأ ماتقع عليه يده من‬
‫الصحف‪ ،‬ثم يتناقش هذا الموضوع باهتمام مع زملئه‪ ،‬و لك أن تتصور‬
‫النقاش الذي يسود أجواء الرياضيين فهو في الغالب نقاش غير مؤدب وغير‬
‫لبق‪ ،‬وهو ينم عن مستوى الثقافة التي يتمتع بها أمثال هذه الطبقة‪ ،‬ثم يذهب‬
‫إلى الملعب وسيذهب في وقت مبكر حتى يحصل على مكان متقدم‪ ،‬ول‬
‫تنس ما سيترك من واجبات لهله ونفسه نتيجة حرصه على الحضور المبكر‬
‫لهذه المباراة‪ ،‬فإذا لم يتيسر له الحضور انتقل إلى المرتبة الثانية وهي متابعة‬
‫المباراة من خلل الشاشة‪ ،‬وعندما يقف أمام الشاشة أو الملعب وتبدأ‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المباراة فسوف يعيش خلل وقت المباراة كله في جو مشحون وقد استجمع‬
‫كل مشاعره من خلل النظر والتفكير لجل متابعة هذه المباراة‪ ،‬وهذه‬
‫المشاعر ل يمكن أن يستجمعها وهو يقرأ القرآن ول وهو يصلي ول وهو‬
‫يسمع الخير‪ ،‬فضل عن أن يستجمعها وهو يسمع شرح الستاذ أوفي أي قضية‬
‫من قضاياه الجادة‪ ،‬ثم يعيش مشاعر وعواطف متناقضة خلل هذه المباراة‪،‬‬
‫فعندما تكون الهجمة على فريقه يعيش شعور خوف ووجل حتى تتبدد على‬
‫خير فيرتاح ويستقر‪ ،‬وتعود مرة أخرى ضد الفريق الخر فيعود إلى الشعور‬
‫المعاكس تماما‪ ،‬فصار يعيش مدة ساعة ونصف بين هذه المشاعر‬
‫المتناقضة‪ ،‬لمصلحة من يضيع النسان هذا الوقت وهذا الجهد و هذه‬
‫المشاعر والعواطف؟‬
‫لقد خلق الله عز وجل هذه المشاعر والعواطف لحكمة بالغة؛ فإهدارها‬
‫وتضييعها إهدار لثروة هائلة يجب أن نحافظ عليها ويجب أن نستغلها‬
‫الستغلل الشرعي لجل المصلحة التي خلقها الله عز وجل من أجلها‪ ،‬وانظر‬
‫ما يعقب نتيجة المباراة فهو لبد أن يصير إلى حالتين‪ :‬إما أن ينتصر فريقه‬
‫فيعيش في حالة زهو وفرح تسيطر عليه وتؤثر على حياته كلها في اليوم‬
‫التالي‪ ،‬أو العكس سينهزم وسيعيش أيضا مشاعر أخرى من السخط والحزن‬
‫والقلق‪ ،‬ولعلكم تسمعون كثيرا عن حالت طلق وخصام بين الزوجين نتيجة‬
‫مثل هذا الجنون الكروي‪ ،‬بل قد يصل المر لدى بعض الناس إلى حالة إغماء‬
‫أو وفاة‪ ،‬ومن أطرف ما مر علي مقال أحب أن تشاركوني فيه كتبته إحدى‬
‫الفتيات فيه رد على فتاة غيور كتبت مقال في إحدى الصحف عن علقة‬
‫الفتاة بالرياضة وأنها ل تهتم إل بالرياضة فتقول ‪ :‬كنت أتصفح إحدى الصحف‬
‫المحلية ولفت نظري ما أشارت إليه إحدى القارئات بأن تشجيع الفتاة للكرة‬
‫ليس من تخصصها ول يليق بأنوثتها‪ ،‬ورغم أنني أتفق تماما مع ما ذهبت إليه‬
‫في رأيها – لحظ اتفق تماما – إل أنني أود أن أطرح بعض النقاط والتي‬
‫أتمنى أن تكون موضع اهتمام هذه القارئة وغيرها؛ فالتشجيع ليس مقتصرا‬
‫على الشباب فقط حتى نقول بأنه ليس من تخصص الفتاة فل أعرف من أين‬
‫استقت هذه الفتاة هذا الرأي؟ فهل تحرم المواطنة من تشجيع منتخب بلدها‬
‫أليست هي مواطنة تنتمي إلى بلدها هناك؟ وفي أكثر الفنادق رجال يعملون‬
‫في المطبخ فلماذا ل نقول أن الطبخ ليس من اختصاص النساء فقط؟‬
‫فتشجيع الفتاة للكرة ل يقلل من شأن أنوثتها طالما التزمت برقتها وهدوئها‪،‬‬
‫وصحيح أنها ل تمارس هذه الرياضة كالشباب ولكن من حقها أن تشجعها‪،‬‬
‫ومن حقها أن تمارسها أيضا ‪ ,‬وماهو المانع أن تكون فيه نواد وفيه مباريات‬
‫رياضية فيما ل يتعارض مع العقيدة السلمية ول يتعارض مع شريعتنا‬
‫السلمية؟ كرة القدم ليست محتكرة على فئة معينة دون الخرى ومن يتفق‬
‫على أنها حكرا على الشباب دون أن يدعموا رأيهم بأدلة تثبت ذلك‪ ،‬وأخيرا‬
‫أقول بأن التشجيع هواية لدى الشباب والشابات بدليل الفنون التشكيلية‬
‫والرياضات العالمية وغير ذلك الذي أصبحت فيها الفتاة خير نموذج تؤكد‬
‫نجاحها في كل المجالت" وتضع الصحيفة بعد ذلك صورة فتاة تلبس برقعا ً‬
‫ومعها مجموعة من الكور‪.‬‬
‫م الشهوة‬‫ه ّ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ننتقل إلى صورة أخرى من الهتمامات وهي صورة ذاك الشاب الذي سيطر‬
‫عليه هم الشهوة؛ فصارت تحكم تفكيره وحياته فهو يفكر دائما في هذه‬
‫الشهوة وكيف يقضي شهوته ويصرفها‪ ،‬يجلس أمام الستاذ في الفصل لكنه‬
‫يعيش في واد آخر فهو معهم ببدنه دون قلبه‪ ،‬ويتطور المر لديه فيخرج القلم‬
‫ويخرج الكراسة أو الكشكول أو الكتاب‪ ،‬فيتحرك قلمه –ربما دون أن يشعر‪-‬‬
‫فيكتب قصائد حب وغرام‪ ،‬ويكتب عبارات ورموزا ً تعبر عن هذا الجحيم الذي‬
‫يعيش فيه‪ ،‬وتعبر عن هذا الهتمام الذي سيطر عليه‪ ،‬وقد يتجاوز المر‬
‫فيكتب على كتاب من كتب العلوم الشرعية‪ ،‬فالستاذ يتحدث عن أسماء الله‬
‫وصفاته وعن اليوم الخر وعن هذا القرآن الذي أنزله الله هداية للناس‪،‬‬
‫وصاحبنا يعيش في واد آخر ‪ ،‬وربما تطور المر فأصبح يصلي فيقرأ ]الحمد‬
‫لله رب العالمين‪ .‬الرحمن الرحيم‪ .‬مالك يوم الدين[ والله سبحانه وتعالى‬
‫يخاطب عبده كما تعلمون إذا قال الحمد لله رب العالمين قال الله‪ :‬حمدني‬
‫عبدي‪ ،‬وإذا قال الرحمن الرحيم‪ ،‬قال‪ :‬أثنى علي عبدي… مجدني عبدي‪ ،‬هذا‬
‫بيني وبين عبدي‪ ،‬هذا لعبدي ولعبدي ما سأل‪ ،‬وصاحبنا يعيش في واد آخر وله‬
‫م آخر؛ فهو يفكر في هذه الشهوة‪.‬‬ ‫ه ّ‬
‫بل قد يتطور المر إلى أن يصبح عبدا وأسيرا لهذه الشهوة تحكمه وتسيره‪،‬‬
‫فإن من الناس من يضحي بدينه ‪ ،‬بل قد يقول عبارات الكفر عافانا الله‬
‫وإياكم لجل هذه الشهوة التي قد أصبح أسيرا لها‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه الله‪ ":‬فأصحاب العشق الشيطاني لهم من تولى‬
‫الشيطان والشراك به بقدر ذلك لما فيهم من الشراك بالله‪ ،‬ولما فاتهم من‬
‫الخلص له‪ ،‬ففيهم نصيب من اتخاذ النداد‪ ،‬ولهذا ترى كثيرا منهم عبدا لذلك‬
‫المعشوق متيما فيه يصرخ في حضوره ومغيبه أنه عبده؛ فهو أعظم ذكرا له‬
‫من ربه‪ ،‬وحبه في قلبه أعظم من حب الله فيه ‪ ،‬وكفى به شاهدا بذلك على‬
‫نفسه ‪)) ،‬بل النسان على نفسه بصيرة * ولو ألقى معاذيره (( ‪ ،‬فلو خير‬
‫بين رضاه ورضا الله لختار رضا معشوقه على رضا ربه ‪ ،‬ولقاء معشوقه‬
‫أحب إليه من لقاء ربه ‪ ،‬وتمنيه لقربه أعظم تمنيه لقرب ربه‪ ،‬وهربه من‬
‫سخطه عليه أشد من هربه من سخط ربه‪ُ ،‬يسخط ربه بمرضاة معشوقه‪،‬‬
‫ويقدم مصالح معشوقه وحوائجه على طاعة ربه‪ ،‬فإن فضل من وقته فضلة‬
‫وكان عنده قليل من اليمان صرف تلك الفضلة في طاعة ربه‪ ،‬وإن استغرق‬
‫الزمان حوائج معشوقه ومصالحه صرف زمانه كله فيها وأهمل أمر الله‬
‫تعالى‪ ،‬يجود لمعشوقه بكل نفيسة ونفيس‪ ،‬ويجعل لربه من ماله إن جعل له‬
‫كل رذيلة وخسيس‪ ،‬فلمعشوقه لبه وقلبه وهمه ووقته وخالص ماله‪ ،‬وربه‬
‫على الفضلة قد اتخذه وراءه ظهريا‪ ،‬وصار لذكره نسيا‪ ،‬إن قام في خدمته‬
‫في الصلة فلسانه يناجيه وقلبه يناجي معشوقه‪ ،‬ووجه بدنه إلى القبلة ووجه‬
‫قلبه إلى المعشوق‪ ،‬ينفر من خدمة ربه حتى كأنه واقف في الصلة على‬
‫الجمر من ثقلها عليه وتكلفه لفعلها‪ ،‬فإذا جاءت خدمة المعشوق أقبل عليها‬
‫بقلبه وبدنه فرحا بها‪ ،‬ناصحا له فيها‪ ،‬خفيفة على قلبه ل يستثقلها ول‬
‫يستطيلها‪ ،‬ول ريب أن هؤلء من الذين اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم‬
‫كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله "‪.‬‬
‫ويضرب لنا ابن الجوزي مثل ً عجيبا في اختلف اهتمامات الناس وأثرها عليهم‬
‫فيقول ‪" :‬همة المؤمن متعلقة بالخرة‪ ،‬فكل ما في الدنيا يحركه إلى ذكر‬
‫الخرة‪ ،‬وكل من شغله شيء فهمته شغله‪ ،‬أل ترى أنه لو دخل أرباب الصنائع‬
‫إلى دار معمورة لرأيت البزاز ينظر الفرش ويحرز قيمته‪ ،‬والنجار إلى‬
‫السقف والبناء إلى الحيطان‪ ،‬والحائك إلى نسج الثياب‪ .‬والمؤمن إذا رأى‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ظلمة ذكر ظلمة القبر‪ ،‬وإن رأى مؤلما ذكر العقاب‪ ،‬وإن سمع صوتا فظيعا‬
‫ذكر نفخة الصور‪ ،‬وإن رأى الناس نياما ذكر الموتى في القبور‪ ،‬وإن رأى لذة‬
‫ذكر الجنة؛ فهمته متعلقة بما ثم وذلك يشغله عن كل ما ثم…‪."..‬‬
‫م آخر ونموذج آخر‬ ‫ه ّ‬
‫و الن إلى غير هؤلء‪ :‬شاب يعيش الظروف نفسها فهو يعيش في نفس‬
‫البيئة التي يعيشها الشاب الول الذي يهتم بالرياضة أو الشاب الخر الذي‬
‫يهتم بشهوته‪ ،‬وربما يعيش في البيت نفسه الذي يعيش فيه فلن‪ ،‬لكن هذا له‬
‫م أولئك‪ ،‬ولسان حاله يقول‪ :‬يا قوم أنتم في واد وأنا في واد‬
‫م آخر غير ه ّ‬‫ه ّ‬
‫ً‬
‫م غير الهم الذي يشغلكم فلم تعد الدنيا هما لي‪ ،‬ولم تعد‬
‫آخر‪ ،‬يا قوم لي ه ّ‬
‫الرياضة مجال أفكر فيه فضل عن أن أصرف فيه وقتي ومشاعري‬
‫وأحاسيسي‪ ،‬وأما الشهوة فهي أبعد إلي من ذلك كله؛ لني أعرف أنها‬
‫تقودني إلى ما حرم الله عز وجل نعم إنني أصرف شهوتي لكن فيما أباح‬
‫الله سبحانه وتعالى وأؤجر على ذلك وأتعبد الله بذلك‪.‬‬
‫إنه يهتم بحفظ كتاب الله عز وجل‪ ،‬فإذا رأى شابا تساءل في ذهنه ماذا يقرأ؟‬
‫وإلى أين وصل في حفظ القرآن؟ هل فاقه أم ل؟ بينما ذاك الشاب ينظر‬
‫إلى هذا الشاب نفسه الذي يقرأ القرآن بنظرة أخرى كما ذكر ابن الجوزي‪.‬‬
‫مجالت الهم الصالح‬
‫أول‪ :‬إصلح النفس‬

‫)‪(3 /‬‬

‫أول قضية وأهم قضية ينبغي أن تشغلك هي إصلح نفسك‪ ،‬كيف تزيد من‬
‫إيمانك وطاعتك لله سبحانه وتعالى؟ وكيف تربي في نفسك الخوف من الله‬
‫عز وجل ومحبته ورجاءه والتوجه إليه والرغبة والرهبة؟ كيف تربي في نفسك‬
‫الحرص على الصلة و على تلوة كتاب الله سبحانه وتعالى وذكره؟ كيف‬
‫تحجز نفسك عما حرم الله سبحانه وتعالى؟ كيف تتخلص من داء البخل الذي‬
‫قد يكون حاجزا بينك وبين النفاق في سبيل الله؟ وكيف تتخلص من داء‬
‫الكسل الذي يكون عائقا بينك وبين عبادة الله سبحانه وتعالى وطاعته وطلب‬
‫العلم والدعوة‪ ...‬إلى غير ذلك من المجالت التي يجب أن تسلكها والتطلعات‬
‫م مهم وأساس يجب أن يسيطر عليك؛‬ ‫التي يجب أن تتطلع إليها‪ ،‬فهذا ه ّ‬
‫ّ‬
‫فتفكر فيه كثيرا وتتساءل عنه كثيرا‪ ،‬وتثيره مع أقرانك وتقرأ وتسمع وتوظف‬
‫طاقات كثيرة تملكها لجل تحقيق هذا الهم ‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬تحصيل العلم الشرعي‬
‫م آخر يجب أن يحتل مكانة بين قائمة اهتماماتك وهو تحصيل العلم‬ ‫ه ّ‬
‫الشرعي بدءا بحفظ كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولك أن‬
‫تتصور ماذا سيأخذ عليك من وقتك ومن تفكيرك؛ فأنت تقرأ آيات الله فتفكر‬
‫فيها‪ ،‬وتسمع حديثا وتفكر وتستنبط فتدرك فائدة مهمة لهذا الموضوع الذي‬
‫يعنيك‪ ،‬وتدخل المكتبة فهذا كتاب صدر حديثا‪ ،‬وهذا موضوع جديد وهذه‬
‫مسألة تستحق البحث إلى غير ذلك‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الدعوة إلى الله‬
‫للدعوة مجالت كثيرة‪ :‬فهي في البيت وفي المدرسة وفي الحي؛ فجدير بك‬
‫أن تصبح الدعوة هما تفكر فيه‪ ،‬فترى فلنا من الناس فتفكر كيف تدعوه‬
‫وكيف تنصحه وكيف تؤثر عليه‪ ،‬وتفكر في البرامج الوسائل التي يمكن أن‬
‫تدعو بها إلى الله سبحانه وتعالى‪ ،‬وتفكر في أخطائك في الدعوة إلى الله‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عز وجل‪ ،‬وتفكر في تجارب الخرين وكيف تستثمرها‪.‬‬


‫فتأخذ منك الدعوة وقتا ً في التفكير والتخطيط‪ ،‬ووقتا ً في العمل والتنفيذ‪،‬‬
‫ووقتا ً في المراجعة والتقويم‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬مآسي المسلمين‬
‫م مآسي المسلمين ومشاكلهم يجب أن يأخذ مساحة من اهتماماتك؛ فتفكر‬ ‫ه ّ‬
‫في أحوال إخوانك المسلمين وتقرأ وتسمع عن أحوالهم‪ ،‬وتثير هذه القضايا‬
‫مع إخوانك وتتساءل دوما‪ :‬كيف السبيل إلى نصرتهم ومساعدتهم؟ كيف‬
‫السبيل إلى إحياء قضيتهم لدى إخواني المسلمين؟‬
‫كل هذه الهتمامات ينبغي أن تأخذ مساحة من تفكيرنا‪ ،‬وهي طرق واتجاهات‬
‫تؤدي إلى نتيجة واحدة‪ ،‬لكن يجب أن يسير فيها الشاب بخط متوازن كما‬
‫سيأتي‪ ،‬وقبل قليل ذكرنا كلم ابن القيم رحمه الله وهو يصور لك حال من‬
‫كان همه العشق والشهوة فتعال ننقل لك أيضا صورة أخرى من حال ذلك‬
‫الشاب الذي كان همه الدار الخرة يقول رحمه الله تعالى ‪" :‬فالقلب الصحيح‬
‫هو الذي همه كله في الله وحبه كله له وقصده له وبدنه له وأعماله له ونومه‬
‫له ويقظته له‪ ،‬وحديثه والحديث عنه أشهى إليه من كل حديث‪ ،‬وأفكاره تحوم‬
‫على مراضيه ومحابه‪ ،‬الخلوة به آثر عنده من الخلطة إل حيث تكون الخلطة‬
‫أحب إليه وأرضى له‪ ،‬قرة عينه به وطمأنينته وسكونه إليه‪ ،‬فهو كلما وجد من‬
‫نفسه التفاتا إلى غيره تل عليها [يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك‬
‫راضية مرضية] فهو يردد عليها الخطاب بذلك ليسمعه من ربه يوم لقائه؛‬
‫فينصبغ القلب بين يدي إلهه ومعبوده الحق بصبغة العبودية؛ فتصير العبودية‬
‫صفة له وذوقا ل تكلفا‪ ،‬فيأتي بها توددا وتحببا وتقربا كما يأتي المحب المقيم‬
‫في محبة محبوبه بخدمته وقضاء أشغاله‪ ،‬فكلما عرض له أمر من ربه أو نهي‬
‫أحس من قلبه ناطقا ينطق لبيك وسعديك‪ ،‬إني سامع مطيع ممتثل‪ ،‬ولك‬
‫ي المنة في ذلك‪ ،‬والحمد فيه عائد إليك‪ ،‬وإذا أصابه قدر وجد من قلبه‬ ‫عل ّ‬
‫ناطقا يقول‪ :‬أنا عبدك ومسكينك وفقيرك‪ ،‬وأنا عبدك الفقير العاجز الضعيف‬
‫المسكين‪ ،‬وأنت ربي العزيز الرحيم‪ ،‬ل صبر لي إن لم تصبرني‪ ،‬ول قوة لي‬
‫وني‪ ،‬ل ملجأ لي منك إل إليك‪ ،‬ول مستعان لي إل بك‪ ،‬ول‬ ‫إن لم تحملني وتق ّ‬
‫انصراف لي عن بابك‪ ،‬ول مذهب لي عنك‪"..‬‬
‫ولهذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم يقول‪":‬جعلت قرة عيني في الصلة"؛‬
‫لنه يناجي فيها إلهه سبحانه وتعالى‪ ،‬ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يقول‬
‫في دعائه لربه ‪":‬اللهم أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك"‪.‬‬
‫إن هذا الذي يشتاق إلى الله سبحانه وتعالى لن يصبح في قلبه شوق إلى غير‬
‫الله عز وجل؛ فهما متناقضان ل يجتمعان أبدا؛ لنه يعلم أن هذا يطرد ذاك‪،‬‬
‫وهذايرفض ذاك‪،‬وهذا ل يمكن أبدا أن يجتمع مع ذاك‪.‬‬
‫إذا هذه مجالت يجب أن يهتم بها النسان وتسيطر على شعوره وعلى‬
‫تفكيره‪ ،‬وانظر إلى حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وحال‬
‫اهتماماتهم‪ ،‬فحين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خبر الدجال وقال‬
‫فيه ‪":‬يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة ويوم كأيامكم "سألوا فقالوا ‪ :‬يا‬
‫رسول الله‪ ،‬اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلة يوم؟ فما فكر الصحابي في‬
‫طول هذا اليوم مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يحدثه عن الدجال بل‬
‫صارت الصلة تسيطر عليه وعلى همه‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهاهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما طعن وأفاق قال ‪ ":‬أصلى‬
‫المسلمون؟" وأتاه شاب فلما انصرف قال له‪ :‬ارفع إزارك‪ ،‬وهو يعاني من‬
‫سكرات الموت‪.‬‬
‫وقبل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول وهو في مرض‬
‫موته‪":‬أخرجوا الكفار من جزيرة العرب"‪ " .‬لعنة الله على اليهود والنصارى‬
‫اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد"‪" .‬الصلة الصلة وما ملكت أيمانكم"‬
‫كان له هم يسيطر عليه‪ ،‬وهكذا يجب أن تكون اهتماماتنا بحيث نرقى إلى‬
‫هذه المراتب العالية والسامية‪.‬‬
‫ضوابط الهتمامات الجادة‬
‫الضابط الول ‪:‬التوازن‬
‫بحيث ل يطغى جانب على جانب؛ فالهتمامات التي ذكرناها كلها تحتاج إليها‬
‫سواء إصلح نفسك أو العلم الشرعي أو الدعوة إلى الله عز وجل أو متابعة‬
‫مآسي المسلمين إلى غير ذلك‪ ،‬فيجب أن تسير كل هذه المور في خط‬
‫متوازن‪ ،‬وهذا مجرد تصوير نظري‪ ،‬وإل فأنا أعتبر كل هذه هما واحدا ونتيجة‬
‫واحدة‪ ،‬فإصلح النفس ل يتم إل بالعلم الشرعي وبالدعوة إلى الله عز وجل‬
‫وبالعناية بمصائب المسلمين‪ ،‬وهكذا تجد كل قضية تقول أختي أختي‪.‬‬
‫الضابط الثاني ‪:‬التكامل‬
‫إنه ليسوغ أن تجد شابا يهتم بأخبار المسلمين وقضاياهم فتشغل عليه وقته‬
‫كله‪ ،‬ثم ينسى العلم الشرعي وينسى الدعوة إلى الله عز وجل‪ ،‬أو تجد الخر‬
‫الذي أصبح يهتم بالتحصيل العلمي ثم ينسى نفسه فل يربيها ول يعتني‬
‫بإصلحها ول يهتم بأخبار المسلمين‪ ،‬وعندما تتحدث معه ل يدري الرجل أهو‬
‫يعيش في عهد الخلفة العثمانية أم في الحرب العالمية أم في الحرب‬
‫الباردة أم في النظام الدولي الجديد؟ ل نريده أن يدرك هذه المصطلحات‬
‫لكن على القل أن يعرف واقعة ويعرف أحوال المسلمين وما هم فيه‪ ،‬إنه ل‬
‫يليق به أن يهتم بالعلم الشرعي ويعتني به‪ ،‬ثم ل ترى له أي جهد في دعوة‬
‫غيره‪ ،‬وكأن واقع المسلمين ل يعنيه بقليل ول بكثير‪.‬‬
‫الضابط الثالث ‪:‬أن تكون الهتمامات على مستوى الشاب‬
‫قد تجد شابا ً في المرحلة الثانوية يهتم بمآسي المسلمين اهتماما ً بالغا‪ً،‬‬
‫ويسأل عن الخبار ويعتني بها وتسيطر عليه هذه القضية كلها‪ ،‬وينسى‬
‫القضايا الخرى التي هي بالنسبة لحاله قد تكون أهم‪.‬‬
‫فما عسى شابا في المرحلة الثانوية أو المرحلة المتوسطة يعيش في مدينة‬
‫أو في قرية من القرى أو يعيش في أي مكان على ظهر هذه البسيطة أن‬
‫يقدم لقضية من قضايا المسلمين كقضية المسلمين في البوسنة أو‬
‫الصومال؟‬
‫وقل مثل ذلك في شخص يهتم اهتماما علميا لكن هذا الهتمام فوق مستواه‪،‬‬
‫فهو شاب ل يزال في مراحل مبكرة من عمره‪ ،‬فتجده يهتم بمسألة من‬
‫المسائل الفرعية ويقرأ فيها كل الكتب المطولت والمختصرات‪ ،‬ويجمع‬
‫أقوال العلماء في هذه المسألة‪ ،‬وهذا الحديث ما العلة فيه؟ وفلن ماذا قال‬
‫فيه فلن؟ ويغرق في القضية هذه ويتصور أن هذا هو العلم الذي يجب أن‬
‫يعتني به ويهتم له‪.‬‬
‫لكن حين تسأله عن مسألة من مسائل العلم الساسية فقد ليجيدها‪ ،‬إنه قد‬
‫يستوعب ماقيل في مسألة يستوعب ما قاله أهل العلم في مسألة تقديم‬
‫اليدين على الركبتين في الصلة‪،‬أو الشارة بالسبابة‪ ،‬لكنه ل يستطيع أن‬
‫يفرق بين الركن والشرط والواجب في الصلة‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إنني ل أزعم أن هذه القضايا ل ينبغي أن نهتم بها ول نعتني بها‪ ،‬بل هي من‬
‫صميم من ديننا ول يجوز إطلقا أن نصنفها على أنها قضايا ثانوية‪ ،‬لكن‬
‫الواجب على الشاب أن يهتم بالقضايا الساسية التي تتناسب مع منزلته‬
‫العلمية؛ فيهتم بأساسيات العقيدة‪ ،‬ول ينشغل بالقضايا الجزئية التي قد ل‬
‫يضره إن جهلها‪ ،‬وكذلك يهتم بأساسيات الفقه‪ ،‬ول ينشغل بالقضايا الجزئية‬
‫التي قد ل يضره إن جهلها‪ ،‬و يهتم بالساسيات في علوم القرآن و تفسيره‬
‫دون الغراق في فروع لما يحن له وقتها بعد‪.‬‬
‫وفي الميدان الدعوي يأتيك شاب في المرحلة هذه ويسألك عن الجماعات‬
‫السلمية ومشكلت العمل السلمي‪ ،‬والقضايا التي ل يجيد التعبير عنها فضل‬
‫عن أنه يستوعبها‪ ،‬أل توافقني أن هذا الشاب كان عليه أن يقصر همه‬
‫الدعوي على مايحسنه‪ ،‬وعلى التأثير في ميدانه ومحيطه؟‬
‫إن هذا كله ليس دعوة لتسطيح الهتمامات‪ ،‬ول احتقارا ً للشباب وهممهم‬
‫العالية‪ ،‬لكنه دعوة إلى التدرج‪ ،‬وإلى أن يعتني النسان بما يطيق وما يتناسب‬
‫مع قدراته وإمكاناته‪ ،‬ولئن خانني التعبير فإني أثق بفهم إخواني‪ ،‬وتقديرهم‬
‫لما أقول‪.‬‬
‫خصائص الهتمامات‬
‫للهتمامات خصائص عدة منها‪:‬‬
‫أول‪ :‬الهتمامات تتحكم في وقت الشخص‪ ،‬وتأخذ كبيرا ً منه‪ ،‬وكثيرا ً ماتكون‬
‫معيارا ً للولويات‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الهتمامات تتحكم في حديث الشخص مع الناس؛ فهو دائما ً يثير‬
‫القضية التي تشغله مع الناس في كل موطن‪ ،‬في موقع العمل‪ ،‬وفي موقع‬
‫الدراسة‪ ،‬وفي أي مكان يلتقي فيه مع غيره‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الهتمامات يعتبرها كثير من الشخاص مقياسا للناس؛ فيقيس الناس‬
‫من خلل هذه الهتمامات التي أصبحت تسيطر عليه‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫رابعا‪ :‬الهتمامات تتحكم في صداقات المرء وعلقاته‪ ،‬فيأنس لمن يشاركه‬


‫هذا الهم‪ ،‬والرواح جنود مجنده ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف‪،‬‬
‫ولهذا فسيختار الجلوس مع فلن لنه يشاركه هذا الهم‪ ،‬وسيرفض فلنا لن‬
‫م آخر غير هذا الهم الذي يشغله‪.‬‬
‫له ه ّ‬
‫خامسا‪ :‬التزاحم؛ فتتزاحم هذه الهتمامات لن النسان لديه مساحة معينة‬
‫وقدر معين ل يتسع إل لطاقة محدودة‪ ،‬كالكأس الممتلىء‪ ،‬فما يضاف إليه‬
‫بعد ذلك فإنه لبد أن يكون على حساب غيره‪ ،‬ولذا تجد الجادين ليجدون وقتا ً‬
‫للنشغال بالهتمامات التافهة‪ .‬خامسا‪ :‬التزاحم؛ فتتزاحم هذه الهتمامات لن‬
‫النسان لديه مساحة معينة وقدر معين ل يتسع إل لطاقة محدودة‪ ،‬كالكأس‬
‫الممتلىء‪ ،‬فما يضاف إليه بعد ذلك فإنه لبد أن يكون على حساب غيره‪ ،‬ولذا‬
‫تجد الجادين ليجدون وقتا ً للنشغال بالهتمامات التافهة‪.‬‬
‫إذا فحين تعرف أنها متزاحمة فلبد أن تراجع حساباتك قبل أن تصرف‬
‫اهتمامك لي أمر من المور‪ ،‬فهو سيشغل مساحة مهمة أنت تحتاج إليها‪ ،‬فما‬
‫استحق أن يحوز على اهتمامك فأدخله في القائمة ومال يستحق فأخرجه‬
‫منها‪.‬‬
‫وحين تهتم بأمر ما وتريد أن تتخلص منه‪ ،‬فقلص المساحة التي يأخذها من‬
‫اهتماماتك‪ ،‬ثم أدخل اهتمامات جديدة وجادة‪ ،‬فستأخذ جهدا من وقتك ومن‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تفكيرك ومن نظرتك للناس إلى غير ذلك ‪.‬‬


‫ونختم حديثنا بما رواه أنس بن مالك ‪ -‬رضي الله عنه – قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪":‬من كانت الخرة همه جعل الله غناه في قلبه‪ ،‬وجمع‬
‫له شمله‪ ،‬وأتته الدنيا وهي راغمة‪ ،‬ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين‬
‫عينيه‪ ،‬وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إل ما قدر له"‪.‬رواه الترمذي‪.‬‬
‫وحديث أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪":‬إن الله تعالى يقول‪ :‬يا ابن آدم‪ ،‬تفرغ لعبادتي أمل صدرك غنى وأسد‬
‫فقرك‪ ،‬وإل تفعل ملت يديك شغل ولم أسد فقرك"‪.‬رواه الترمذي‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫الشباب والعادة السرية‪ ..‬أحكام وضوابط‬


‫تعتبر ممارسة العادة السرية "الستمناء" واحدة من الظواهر السلبية في‬
‫حياة بعض الشباب المسلم‪ ،‬والتي نحتاج معها لوقفة جادة توضح ما لهذه‬
‫العادة من آثار ونتائج سلبية يتجاوز ضررها في الغالب الشخص إلى مجتمعه‪،‬‬
‫وتأتي الخطورة الكبر لهذه العادة لدى من يعتادون عليها ويعتبرونها الخلص‬
‫والحل الوحيد لحفظ النفس من الزنا‪.‬‬
‫ويصنف هؤلء بأنهم مدمنون وهم مهددون بالكثير من العراض الصحية‬
‫والنفسية إلى جانب الثم الذي يوقعون فيه أنفسهم‪ ،‬وممارسة هذه العادة ل‬
‫يغني النفس أبدا عن الزواج والنسياق وراء الشهوات فنجد من يمارسون‬
‫هذه العادة بكثرة هم أكثر من يشاهدون الصور والمناظر الخليعة‪ ،‬وهم أكثر‬
‫من ينساقون وراء المحرمات من اغتصاب ولواط‪ ،‬وهذا تدمير الشخص‬
‫لنفسه وإضرار لمجتمعه‪.‬‬
‫وهنا يتضح للعاقل أن أهم وأنجع الحلول تفريغ هذه الطاقة في مكانها‬
‫الصحيح وذلك بالتحصن والزواج الشرعي‪ ،‬ولقد صدق قول الشاعر حينما‬
‫قال‪:‬‬
‫صاحب الشهوة عبد فإذا غلب الشهوة صار السيدا‬
‫عجز وندم!!‬
‫المشاكل الصحية والنفسية والجتماعية التي أفرزتها ممارسة هذه العادة في‬
‫مجتمعاتنا كثيرة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪-1‬العجز الجنسي بشكل عام‪ :‬حيث عرف من الشباب من يخافون من‬
‫القدام على الزواج وأصبحوا يترددون على العيادات التخصصية بحثا عن علج‬
‫لمشكلتهم الجنسية التي تتمثل في سرعة القذف‪ ،‬وضعف النتصاب‪ ،‬وقلة‬
‫الرغبة الجنسية‪ ،‬وأصبح البعض نتيجة لذلك يهرعون إلى المقويات الجنسية‪،‬‬
‫ويغفلون آثارها الجانبية بحثا عما أضاعوه!‪.‬‬
‫‪-2‬سقوط المبادئ والقيم‪ :‬المنساق خلف هذه العادة ضعيف الشخصية تجره‬
‫شهوة من شهواته إلى الوقوع في الحرام ولو على حساب السمعة والصحة‬
‫والدين والمبادئ‪.‬‬
‫‪-3‬النهاك والضعف العام‪ :‬ومن ذلك إرهاق الجهزة العصبية والعضلية‪ ،‬وآلم‬
‫الركب والمفاصل‪ .‬وتقول إحدى الدراسات الطبية‪" :‬إن مرة قذف واحدة‬
‫تعادل مجهود من ركض ركضا متواصل لمسافة عدة كيلومترات"‪ ،‬وللقياس‬
‫على ذلك يمكن لمن يريد أن يتصور المر بواقعية أن يركض كيلو مترا واحدا‬
‫ركضا متواصل وليَر النتيجة‪.‬‬
‫‪-4‬ضعف الذاكرة‪ :‬حيث إن من يدمن هذه العادة يلحظ عليه النسيان وعدم‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سرعة البديهة‪ ،‬ويؤثر ذلك على إنتاجه ومجهوده الفكري‪.‬‬


‫‪-5‬الشعور بالذنب والندم والحسرة‪ :‬فرغم الشعور اللذيذ الذي ربما ينتاب‬
‫الشاب حين القيام بهذه الفعلة والوصول إلى النشوة‪ ،‬إل أنه سرعان ما‬
‫تنقلب تلك المشاعر إلى إحساس بالذنب والحسرة‪.‬‬
‫طرق العلج ‪:‬‬
‫للنتصار على هذه العادة فإن هناك عدة أمور يجب أن يتشبث بها من ابتلي‪،‬‬
‫حتى تكون له حرزا ووقاية بإذن الله‪ ،‬ومن ذلك اللجوء إلى الله عز وجل‬
‫والتقرب إليه بالواجبات والنوافل فإن من أقدم على الله حفظه وحفظ‬
‫جوارحه وعصمه من الشيطان ووساوسه‪ .‬وأهم السباب المعينة هو الزواج‬
‫إن تيسر وهو سيكون بإذن الله عصمة وحافظا للدين والنفس‪ ،‬لذلك ينصح‬
‫الدين الحنيف الشباب بالسراع في الزواج‪.‬‬
‫ومن أنجع العلجات البتعاد عن أماكن اللهو والشهوات والختلط‪ ،‬وذلك‬
‫باتقاء أماكن التجمعات المختلطة كالسواق وغيرها إل للضرورة القصوى وإن‬
‫كان ول بد فليتحّر الرجال الوقات التي يقل فيها وجود النساء في هذه‬
‫التجمعات مثل الصباح أو بداية العصر وكذلك المر بالنسبة للنساء‪ ،‬وإذا حدث‬
‫دق النظر فيها‬ ‫وتم مصادفة ما يفتن ليس للمرء أن ينظر إلى هذه الفتنة ويح ّ‬
‫بل يجب غض البصر فورا لكي يبدل الله هذه الفتنة بلذة إيمان يجدها العبد‬
‫في قلبه‪.‬‬
‫ومن أهم مسببات هذه العادة وغيرها من الفواحش مشاهدة الفضائيات حيث‬
‫بات من المور القاطعة لدى الصغير والكبير والجاهل والمثقف مدى الفساد‬
‫والنحلل والمحرمات التي تبثها هذه القنوات بدء بالنحرافات العقدية‬
‫ومروًرا بالغراءات الجنسية والتي هي محور رسالتنا وانتهاء بدعاوى التحرر‬
‫والباحية وخرق حواجز الدين والعفة والحياء‪.‬‬
‫ومن أسباب السلمة أيضا تجنب الوضاع التي تذكرك بهذه العادة أو الحاجة‬
‫إليها‪ ،‬فإذا كان الشيطان يسول لك فعلها في أوقات الفراغ فاشغل نفسك‬
‫بالمفيد والمباح‪ ،‬وإن كانت النزوة تأتيك في ساعات الوحدة فتجنبها وهكذا‪،..‬‬
‫عندئذ إذا كنت ممن يدمنون عليها وتركتها فإنك ستفتخر بكل يوم قاومتها‬
‫فيه‪.‬‬
‫وأخيرا سوف تكون أكثر سعادة و اعتزازا حينما تحسب السابيع التي مرت‬
‫عليك ولم تفعلها وحينما يأتيك ذلك الشعور مرة أخرى طالبا إرضاءه يمكنك‬
‫أن تقول لنفسك‪ " :‬لقد قاومته كل هذه المدة الطويلة‪ ...‬أياما وأسابيع وإذا‬
‫ما أخفقت الن فسيضيع كل شيء"‪.‬‬
‫الستمناء من وجهة نظر شرعية ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫هي محرمة بل شك والدلة على ذلك قوله تعالى‪ ) :‬والذين هم لفروجهم‬


‫حافظون إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى‬
‫وراء ذلك فأولئك هم العادون ( والعادون هم الذين يتعدون حدود الله تعالى‪،‬‬
‫ويدل على تحريمها أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬البر حسن‬
‫الخلق‪ ،‬والثم ما حاك في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس( رواه مسلم‬
‫من حديث النواس بن سمعان ‪ ،‬وهذه العادة القبيحة تورث اكتئابا وضيقا في‬
‫الصدر وشعورا بالثم‪ ،‬ويكره فاعلها أشد الكراهية أن يعلم الذين يعرفونه أنه‬
‫يمارسها‪ ،‬فهي من الثم ‪..‬‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويدل على تحريمها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ ) :‬يا معشر الشباب‬
‫من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء‬
‫( ولو كانت هذه العادة القبيحة مباحة لرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليها‬
‫الشباب ‪ ،‬لنها أيسر عليهم ‪ -‬لو كانت مباحة ‪ -‬من الصوم‪ ،‬ولكن لما كانت‬
‫إثما ومعصية اختار لهم النبي صلى الله عليه وسلم الصوم‪ ،‬كما قالت عائشة‬
‫خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إل اختار‬ ‫رضي الله عنها ) ما ُ‬
‫أيسرهما ما لم يكن إثما( فدل على أن العادة السرية إثم‪ ،‬ولهذا ترك النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم إرشاد الشباب إليها‪ ،‬ولقد رخص فيها المام أحمد‬
‫رحمه الله فقط لمن خشي على نفسه الزنا أو الفاحشة وما عدا ذلك فيحرم‬
‫واختار هذا القول شيخ السلم رحمه الله ‪.‬‬
‫وأخير أخي الشاب سواء أكنت مدمنا على العادة السرية أم لم تكن‪ ،‬اعلم‬
‫أن هناك الكثير من الخرين ممن يكافحون هذا الدمان بشتى الوسائل‪ .‬فل‬
‫تكن ممن يثيرهم بنشر الصور العارية ول تثر الخرين بأن تكون سببا مباشرا‬
‫أو غير مباشر في إثارة شهواتهم التي قد تنتهي بهم إلى الدمان ل سمح الله‬
‫سا هم أكثر حساسية منك تجاه الصور‬ ‫أو تزيد من إدمانهم‪ .‬تأكد أن هناك أنا ً‬
‫وكل ما يثير الغرائز‪ .‬اتق الله خالق الكون في نفسك والخرين ول تكن سببا‬
‫في تعاستهم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الشباب وثقافة الغرب‬


‫كان للتطور المادي الذي شهدته البشرية في العقود الخيرة نتائج سلبية‬
‫ومؤلمة في حياة كثير من الشعوب‪ ،‬وخاصة في الفترات الكثر حيوية وتجددا ً‬
‫من ضمن فئات مجتمعات هذه الشعوب ؛ فئة الشباب‪.‬‬
‫والسبب في ذلك يعود للتركيز المبالغ فيه الذي مارسته العولمة العلمية‬
‫على هذه الفئة‪ ،‬باعتبارها الفئة ذات الستهلك الكبر للمنتجات التي أفرزها‬
‫هذا التطور المادي‪ ،‬فضل ً عن كونها الفئة السهل اختراقا ً من قبل آليات تلك‬
‫العولمة‪ ،‬لرخاوة قيمها ومبادئها ولحاجاتها الجسدية الملحة وطاقاتها‬
‫المتفجرة‪.‬‬
‫وبناءا ً عليه استطاعت حضارة المادة أن توقع بأعداد كبيرة من هؤلء الشباب‬
‫شَرك ألوانها الفاقعة وأنماط سلوكياتها وقيمها‪ ،‬التي ل هدف لها سوى‬ ‫في َ‬
‫تعظيم أرباح شركاتها‪ .‬وزيادة انتشار منتجها‪ ،‬حتى لو كان وراء ذلك ليس‬
‫تدمير ثقافة وقيم المجتمعات التي ينتمي إليها هؤلء الشباب‪ ،‬بل وتهديد‬
‫حياتهم بالخطر في كثير من الحيان‪.‬‬
‫وكان أن انتشرت في أوساط الشباب الكثير من المراض الجنسية ‪ ،‬ليس‬
‫ة مطافها‪ ،‬فضل ً عن انتشار المخدرات والجريمة‪.‬‬ ‫اليدز نهاي َ‬
‫تمثلت الشكالية الساسية في هذا السياق‪ ،‬بإصرار الطرف الذي يمتلك‬
‫ناصية التطور المادي‪ ،‬باشتراطه مسبقا ً أن يصار إلى توطين واستبطان قيمه‬
‫المذكورة بالتزامن مع استهلك منتجه‪ ،‬مستأنسا ً في ذلك بحملة إعلمية‬
‫وثقافية شرسة‪ ،‬كان أهم أهدافها المعلنة‪ ،‬سلخ فئات الشباب هذه من‬
‫مجتمعاتها وإلحاقها بتطبيع المستهلكين المعولمين‪.‬‬
‫الشكالية الثانية تمثلت بأن هذه الحملة استهلكية الطابع والمضمون قد تم‬
‫تحميلها بحمولت سياسية ذات أبعاد خطيرة حيث راحت تصنف كل أشكال‬
‫الممانعة التي تواجهها وخاصة بعد أحداث ‪ 11‬سبتمبر‪ ،‬على أنها شكل من‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أشكال الرهاب‪ ،‬وليس أدل على ذلك سوى الحملة الشعواء التي شنتها‬
‫الدوائر الغربية على مناهج التعليم والتربية في بعض الدول السلمية‪ ،‬التي‬
‫تستخدم في تنشئة الجيال الصاعدة‪ ،‬وتحصينها ضد الوقوع في ذلك‪.‬‬
‫والسؤال الن‪ :‬كيف هو حال الشباب المسلم في ظل تبعية عالمية ومناخ‬
‫ثقافي عالمي‪ ،‬طارد للقيم والثقافات التي تتعارض مع توجهاته ونهجه؟‬
‫كان لتطور الحضارة المادية في الغرب‪ ،‬والتوجهات الثقافية التي رافقتها‪،‬‬
‫وقع مختلف في العالم السلمي؛ حيث ُنظر لمفرزات هذه الحضارة‪،‬‬
‫والسلبية منها خاصة‪ ،‬على أنها تمثل تحديا ً خالصا ً ل بد من صوغ استجابات‬
‫معينة لمواجهته‪.‬‬
‫ل نشر وتوطين قيم‬ ‫ً‬
‫محاولت النخب المرتبطة بالغرب ثقافيا واقتصاديا‪ ،‬تسهي َ‬
‫دا أكبر ‪ ،‬لكن العمق الحضاري للمة‬ ‫تلك الحضارة‪ ،‬جعل التحدي يأخذ بع ً‬
‫ً‬
‫والتراث الديني والثقافي المتجذر في التاريخ ل يزال يشكل حائل دون‬
‫الندماج في تلك القيم الوافدة ‪.‬‬
‫لسلمي قبل ثلثة عقود من الزمان وكيف كانت‬ ‫إن الناظر إلى العالم ا ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الدعوات التغريبية تجد صدا حسنا لدى أبناء هذه المة‪ ،‬والناظر إلى حال‬
‫المة حاضرا ً وكيف أصبحت المة محصنة في أجزاء كبيرة منها بجهود علمائها‬
‫حا لمصلحة أبناء هذه المة‪ ،‬ومستقبل‬ ‫ومخلصيها‪ ،‬سيجد هناك فرًقا واض ً‬
‫تنشئتها‪.‬‬
‫وتشكل عودة الحجاب وظاهرة اللتزام الديني دللة على انتصار هذا التوجه‪.‬‬
‫"سلمى" فتاة من عائلة متوسطة وفي العشرينيات من عمرها‪ ،‬تعيش ضمن‬
‫عائلة ذات توجهات علمانية بعض الشيء ‪ ،‬معرفتها بدينها معرفة سطحية ل‬
‫تتجاوز ما تعلمته على مقاعد الدرس‪ ،‬وبعد زيارة لها إلى شقيقتها التي تعيش‬
‫في الوليات المتحدة المريكية قررت ارتداء الحجاب والتزام الدين بطريقة‬
‫أذهلت المحيطين بها عن حقيقة هذا التحول‪.‬‬
‫تقول سلمى‪ :‬إنها حين شاهدت المرأة في الغرب وأسلوب حياتها‪ ،‬ونظرة‬
‫المجتمع لها‪ ،‬أدركت الفرق الهائل بينها وبين المرأة المسلمة‪ ،‬فهي في‬
‫الغرب إما سلعة‪ ،‬وإما حيوان مستهلك‪ ،‬وإما مدمنة على قارعة الرصفة‪ ،‬في‬
‫حين أنها في العالم السلمي‪ ،‬أم تحت أقدامها الجنة‪ ،‬ومدرسة عظيمة‬
‫مؤتمنة على مستقبل المة‪.‬‬
‫أكثر من ذلك فإن سلمى ترى في السلم حصًنا وحماية لشابة مثلها‪،‬‬
‫لسلم كفيل "حسب قولها" بتشذيب الطاقة الكامنة بداخلها وتحويلها إلى‬ ‫فا ٍ‬
‫قدرة خلقة ومبدعة في خدمة المجتمع وعمل الخير‪.‬‬
‫قاسم شاب في بداية العقد الرابع من عمره دفعته حياته السابقة إلى‬
‫الطلع على الكثير من التيارات الفكرية المتعددة وتجريب أنماط حياة‬
‫مختلفة‪ ،‬ل يختلف عن سلمى بصلته بدينه‪ ،‬حيث العلقة شكلية‪ ،‬وخاصة في‬
‫مدى تأثير الدين بسلوكه‪.‬‬
‫المحيطون بقاسم فوجئوا بتوجهاته الجديدة‪ ،‬حيث بدأت تظهر عليه علمات‬
‫التدين واللتزام ‪ ،‬والسبب ‪ -‬حسب قول قاسم ‪ -‬أن السلم هو الملجأ الذي‬
‫حماه كشاب من انزلقات كان من شأنها ليس تشويه أخلقياته وحسب ‪،‬‬
‫وإنما تحطيم حياته المستقبلية " ‪ ،‬ويضيف قاسم "أنه بات مسؤول ً عن أسرة‬
‫‪ ،‬وأنه ليس هناك أفضل من السلم قيمة ومعتقدا ً لهذه السرة"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يمثل كل من قاسم وسلمى نماذج لشباب استفادوا من الصحوة السلمية‪،‬‬


‫ومن المناخ السلمي الذي انتشر مؤخرا ً ‪ ،‬وكان له نتائج طيبة ‪ ،‬عبرت عنها‬
‫بعض التقارير مبينة أن الشباب المسلم هو أقل الشباب في العالم إصابة‬
‫بالمراض التي ينشرها الشذوذ الجنسي "اليدز" على سبيل المثال‪ ،‬وهو أقل‬
‫الشباب إدمانا ً على المخدرات والمسكرات‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫)‪(9‬‬
‫الشبهات المطروحة في أفق الفكر السلمي‬
‫يواجه المسلمون اليوم مرحلة جديدة من مراحل الغزو الثقافي والتحدي‪:‬‬
‫والمعروف أن المسلمين مروا بمرحلتين هما‪ :‬مرحلة الغزو العسكري‬
‫)الحتلل( ومرحلة المقاومة )الستقلل(‪ ،‬ويمرون اليوم بمرحلة )التحرر(‪.‬‬
‫أما المرحلة الولى فهي المرحلة التي ُفرضت عليهم فيها السيطرة الغربية‬
‫بسطوة نفوذ الحتلل‪ ،‬وفيها سيطر القانون الوضعي ومنهج التعليم الجنبي‬
‫ونظام القتصاد الغربي الربوي‪.‬‬
‫أما المرحلة الثانية فهي المرحلة التي جرت فيها محاولة الموائمة بين الفكر‬
‫الغربي الوافد )وهو الفكر الرأسمالي الليبرالي الديمقراطي الغربي( وبين‬
‫الفكر السلمي‪.‬‬
‫أما المرحلة الثالثة التي نعيشها اليوم فهي مرحلة الترشيد والصالة أو‬
‫محاولة الوصول إلى التحرر الكامل من نفوذ الفكر الجنبي وشبهاته‬
‫وتحدياته‪ ،‬وابتعاث الفكر السلمي الصيل باعتباره هو المصدر الحقيقي‬
‫لنهضة العالم السلمي‪.‬‬
‫وبعد أن تبين بالتجربة الواقعية التاريخية‪ :‬أن محاولة اقتباس الفكر الغربي‬
‫)بشطريه( لم يحقق للمسلمين والعرب النتائج التي كانوا يرجونها من إقامة‬
‫المجتمع القادر على مقاومة الغزو الجنبي‪.‬‬
‫لقد انتهت مرحلة الغزو العسكري والسياسي وبدأت مرحلة الغزو الفكري‬
‫والحضاري‪.‬‬
‫وانتقل العالم السلمي من الخضوع للستعمار )البريطاني والفرنسي‬
‫والهولندي( الغربي إلى مواجهة نوع آخر أشد تحديا ً وخطرا ً هو‪ :‬الغزو‬
‫الصهيوني الذي اتخذ من فلسطين رأس جسر في قلب المة العربية في‬
‫محاولة لقامة كيان بديل ووارث للستعمار‪ .‬هذا هو التحدي السياسي‬
‫والجتماعي والحضاري‪ ،‬وقد حمل معه تحديا ً فكريا ً وثقافيا ً يتمثل في‬
‫عشرات من المذاهب والنظريات والمفاهيم والدعوات التي تطرح أمام‬
‫الفكر السلمي منهجا ً مخالفا ً بل معارضا ً لمنهجه الصيل‪.‬‬
‫لقد كان المصلحون المسلمون في المرحلة الماضية يظنون أنه من الجائز‬
‫من‬‫الموائمة بين الفكر الغربي والفكر السلمي‪ ،‬وكان رفاعة الطهطاوي و َ‬
‫بعده إلى محمد عبده يظنون أن الفكر الغربي له مصادر إسلمية وأنه انتقل‬
‫إلى أوربا فتشكل كرة أخرى وأن في استطاعة المسلمين استعادته وصياغته‬
‫من جديد‪.‬‬
‫غير أن الفكر الغربي الذي كان يعتمد على بعض مصادر لها طابع الدين أو‬
‫المثالية أو غيرها من المفاهيم‪ ،‬هذا الفكر قد اختفى وحل بديل ً عنه‪ :‬فكر‬
‫مادي خالص يستمد مصدره الول من المناهج القائمة على اليمان‬
‫بالمحسوس وحده وإنكار ما سواه‪ .‬وبذلك باعد الفكر الغربي بينه وبين الفكر‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلمي القائم أساسا ً على وحدة المعرفة الجامعة بين العقل والقلب‪،‬‬
‫والروح والمادة‪ ،‬والعلم والدين‪ ،‬والدنيا والخرة‪.‬‬
‫ويرجع هذا التحول في الفكر الغربي إلى خضوعه للفكر الصهيوني التلمودي‬
‫الذي سيطر عليه بعد الثورة الفرنسية ومن قبلها أيضًا‪ ،‬والذي مهد عن طريق‬
‫الماسونية إلى قيام أيدلوجية تلمودية استطاعت أن تحتوي الفكر الغربي‬
‫بشقيه وتسيطر عليه‪.‬‬
‫ومن هنا فقد اتسعت الشقة التي كان يظن بعض مصلحينا أنها يمكن أن تقيم‬
‫جسرا ً أو قنطرة بين الفكر الغربي وبين الفكر السلمي‪.‬‬
‫ولقد كشفت التجارب خلل أكثر من مائة عام أو تزيد أن كل معطيات الفكر‬
‫الغربي لم تحقق للمسلمين شيئا ً في مجال القوة أو البناء أو المقاومة وأنها‬
‫حرمتهم من أهم موارد الحضارة ومصادرها وهي العلوم التكنيكية وأبقتهم‬
‫خاضعين للغرب في مجال استيراد حاجياتهم وتصدير خاماتهم‪ ،‬دون أن يكونوا‬
‫قادرين على استيعاب ثرواتهم ونفطهم ومقدرات حياتهم التي تذخر بها‬
‫منطقة العلم السلمي من دون العلم كله‪.‬‬
‫وفي ظل التحديات التي واجهت المسلمين باحتضان الستعمار للغزو‬
‫الصهيوني كمرحلة أشد خطرا ً من الحتلل نفسه؛ إذا أنها تمثل عملية‬
‫استئصال كامل لصحاب الرض‪ ،‬وفرض نفوذ اقتصادي وفكري واجتماعي‬
‫من شأنه أن يؤثر بالغ الثر في كيان العالم السلمي والمة العربية نفسها‪،‬‬
‫فقد كان لبد للمسلمين والعرب أن يواجهوا الخطر عن طريق التماس منابع‬
‫فكرهم وثقافتهم وعقيدتهم؛ فهي وحدها الضوء الكاشف والنور المبين الذي‬
‫يهديهم إلى منطلق المقاومة والمواجهة والنهضة الحقة‪.‬‬
‫وهكذا تتميز هذه المرحلة الحاضرة بأنها مرحلة الترشيد والصالة والتماس‬
‫منابع الفكر السلمي الذي يستطيع أن يدفع المسلمين والعرب إلى القدرة‬
‫الكاملة لمواجهة الخطر والتغلب عليه‪ ،‬ول ريب أن تاريخ المسلمين حافل‬
‫بمثل هذا الموقف‪ ،‬وقد كان المسلمون دائما ً أقدر على مواجهة جائحات‬
‫سبقت كالتتار والصليبيين والفرنجة عن طريق التماس منهجهم الصحيح‬
‫المستمد من القرآن الكريم‪ ،‬والشريعة السلمية‪ ،‬والوحدة الجامعة‪ ،‬ذلك‬
‫المنهج الذي قدمه لهم السلم وأقام عليه حضارتهم‬
‫ً‬
‫الباذجة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ومجتمعهم الواسع خلل أربعة عشر قرنا‪ ،‬ولقد‬
‫كان المسلمون بمنهجهم هذا مقتدرين على المواجهة والنصر‪ ،‬فإذا ما تخلفوا‬
‫عنه كان عدوهم أقدر على هزيمتهم والدالة منهم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ول ريب أن أخطر ما يواجه العرب والمسلمين في هذه المرحلة هو‪ :‬الغزو‬
‫الثقافي‪ ،‬وحملة التشكيك وأثاره روح القنوط واليأس في القلوب والعقول‪.‬‬
‫ولن يتسرب اليأس والقنوط في نفوس المسلمين والعرب إل من مصدر‬
‫واحد‪ :‬هو أنهم يصطنعون المنهج الذي فرض عليهم في مقايسات المور‬
‫وتقدير المواقف وإصدار الحكام‪ :‬هذا المنهج الذي ركز عليه الغزو الثقافي‬
‫والتغريب سنوات وسنوات؛ لكي يحله في النفوس وفي المجتمع مكان‬
‫المنهج الصيل الذي أقام عليه المسلمون حياتهم كلها‪ ،‬ولعل هذا هو أخطر‬
‫سلح تواجه به المم‪ ،‬أن يكون عدوها وخصمها قادرا ً على أن يخرجها من‬
‫دائرة فكرها‪ ،‬لتحكم في أمورها منهجا ً مغايرا ً ل يتصل بمزاجها النفسي ول‬
‫بذاتيتها ول بتكوينها الجتماعي الذي انبنى عليه كيانها منذ أربعة عشر قرنًا‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذلك أن الستعمار والقوى الخارجية الطامعة في مصادر الثروة في عالم‬


‫السلم‪ ،‬كانت تعرف أن هذه المة القرآنية ل يمكن أن تؤتى إل عن طريق‬
‫تزييف مفاهيمها وتشكيكها في قيمها وإحلل منهج غريب عنها في مقايسات‬
‫المور وتقدير المواقف وإصدار الحكام‪ ،‬ولقد كان الغرب والستعمار يعلمان‬
‫مدى قدرة هذه المة استمدادا ً من قيمها‪ ،‬على مواجهة أعدائها وعلى‬
‫الصمود في وجه الغزاة‪ ،‬وقد شكل لها فكرها السلمي أسلوبا ً حاسما ً في‬
‫هذا المحال‪ :‬هو أسلوب الجهاد القادر على رد العدو‪ ،‬والمرابطة الدائمة‪،‬‬
‫والعداد بالقوة‪ ،‬واليقظة الكاملة‪ ،‬وقد كانت منطقة العالم السلمي ول تزال‬
‫وستظل مطمعا ً للمم‪ ،‬ولذلك فقد جهزها الفكر السلمي بالقدرة الدائمة‬
‫على الصمود والهبة‪) :‬ود الذين كفروا لو تغفلوا عن أسلحتكم وأمتعتكم‬
‫فيميلون عليكم ميلة واحدة – وخذوا حذركم(‪.‬‬
‫ومن هناك كان الستعمار والغزو الجنبي يرى من أجل إدامة سيطرته على‬
‫هذه المنطقة الستراتيجية الخطيرة‪ ،‬وذات الكنوز والثروات الضخمة‪ ،‬أن‬
‫يحول هذه المة عن هذه القيم القادرة على المواجهة؛ حتى يخلق منها أمة‬
‫مستسلمة ترضى بالهوان وتخضع للغاصب‪ ،‬وترى أنها داخلة في نطاق ما‬
‫يسمونه الثقافة العالمية أو الوحدة العالمية أو الممية أو غيرها من دعوات‬
‫تريد أن تصهر المسلمين والعرب في أتونها وتضعهم في مجال احتوائها‪.‬‬
‫ونقطة الخطر هنا هي استسلم المسلمين والعرب لمنهج غير منهجهم‬
‫المستمد من فكرهم وتراثهم وعقائدهم‪ ،‬ومنم هنا فإن أزمة المسلمين‬
‫والعرب اليوم هي أزمة منهج‪ ،‬وأن أخطر التحديات التي تواجههم وفي‬
‫مقدمتها الستعمار والصهيونية هي التماس منهجهم الصيل‪.‬‬
‫ول ريب أن للمسلمين منهج ذاتي أصيل قائم بذاته مختلف تمام الختلف عن‬
‫مناهج الشرق والغرب‪ ،‬ذلك هو المنهج النساني الطابع الرباني المصدر‪،‬‬
‫الذي يقوم على الفطرة أساسا ً ويلتقي مع العقل والعلم‪ ،‬وأبرز مفاهيمه‬
‫التوحيد واليمان بالغيب والمسئولية الفردية واللتزام الخلقي‪ ،‬واليمان‬
‫بالجزاء واليوم الخر‪ ،‬وهذا المفهوم في مجموعه كل متكامل‪ ،‬فالسلم يقوم‬
‫في رسالته على أساس الترابط بين القيم‪ ،‬ولما كانت رسالته موجهة إلى‬
‫النسان الذي اسُتخلف في الرض‪ ،‬ولما كان هذا النسان جسم ونفس وعقل‬
‫وقلب ومادة وروح‪ ،‬فإن المنهج هو جامع كذلك ل تنفصل فيه القيم ول‬
‫تنفصل عنده العوالم‪ ،‬فهو أيضا ً يجمع بين عالم الغيب وعالم الشهادة‪.‬‬
‫هذا المنهج هو "السر الحقيقي" وراء المعجزة الكبرى التي أقامت الدولة‬
‫السلمية من الصين إلى فرنسا في أقل من سبعين عامًا؛ لنه التقى‬
‫بالفطرة والنفس النسانية والعقل النساني دون تعارض أو اضطراب‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬وعلى قدر خطر هذا المنهج وأثره في بناء المة السلمية كانت‬
‫الحملة عليه وكانت المحاولة الضارية لثارة الشبهات حوله ومحاولة تدميره‬
‫وتفتيته وإحلل مفهوم آخر بديل له في نفوس المسلمين وعقولهم عن‬
‫طريق الفلسفات والمناهج واليدلوجيات الوافدة‪.‬‬
‫ومن هنا فقد أقامت القوى الستعمارية مخططا ً للغزو الفكري والثقافي‬
‫وضعا ً بهدف السيطرة على النفس السلمية والعقل السلمي كمقدمة‬
‫لخضاع العالم كله اجتماعيا ً وحضاريا ً وكأسلوب لحتواء المة وإدخالها في‬
‫بوتقة النفوذ الممي بحيث ل تكون من بعد قادرة على النبعاث من قيمها‬
‫ومقوماتها الساسية‪.‬‬
‫ولقد بدأ هذا المخطط من وقت مبكر عن طريق التبشير والستشراق‬
‫ومدارس الرساليات وبعض الصحف والمناهج التعليمية والثقافية التي فرضها‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الستعمار على العالم السلمي‪.‬‬


‫تضاعف الخطر بعد أن برزت الصهيونية كعنصر جديد له محاولته الخاصة في‬
‫تزييف التاريخ وتوهين النفس العربية من أجل إحكام السيطرة ومن ثم‬
‫تضاعف المخطط وتوسعت أهدافه وبدأت محاولته تلبس أثوابا ً جديدة وتبرز‬
‫في قوالب ذات طابع علمي براق وتخفي من وراءها السم الزعاف بعد أن‬
‫استطاعت مخططات الغزو الصهيونية السيطرة على الفكر الغربي نفسه‬
‫وانتزاعه من مجال الدين والخلق والحملة عليهما على أساس المذهب‬
‫المادي الوثني‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ومن هنا فقد برزت دعوات وعلوم جديدة تحمل طابع المنهج العلمي وهب‬
‫تخفي من وراءها سموم التلمود وأهدافه في تدمير مقومات المم وابتلعها‪.‬‬
‫من أبرز هذه الدعوات والمخططات والمذاهب‪:‬‬
‫ل‪ :‬الدعوة إلى هدم الديان عن طريق علم الديان المقارن والقول بأن‬ ‫أو ً‬
‫المم بدأت وثنية ثم عرفت التوحيد بعد ذلك‪.‬‬
‫وهو قول معارض للحقيقة التي جاءت بها الكتب المنزلة والتي تثبتها كل‬
‫الدلئل التاريخية والكشوف الثرية‪ ،‬والحقيقة أن البشرية بدأت موحدة وأن‬
‫حدًا‪.‬‬
‫آدم أبو البشر كان نبيا ً وكان مو ِ‬
‫ثانيًا‪ :‬الدعوة إلى هدم الخلق عن طريق مذاهب الوجودية والفرويدية وهدم‬
‫السرة عن طريق مذاهب دوركابم وليفي بريل‪.‬‬
‫وتحاول هذه المذاهب أن تشكك في ثبات القيم الخلقية وارتباطها بالنسان‬
‫والدعوة إلى أخلق متطورة تختلف باختلف البيئات والعصور‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الدعوة إلى التماس مفهوم واحد للتاريخ‪ :‬هو التفسير المادي الذي‬
‫طرحة إنجلز وماركس‪ ،‬وهو مفهوم ناقص؛ لنه يتجاهل عوامل كثيرة أخرى‬
‫لها أثرها في توجيه التاريخ‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الدعوة إلى إثارة العصبية والعنصرية وإعلء الجناس البيضاء وذلك في‬
‫محاولة لفرض النفوذ الستعماري الغربي على المم الملونة والقول بوصاية‬
‫–زائفة‪ -‬للجنس البيض على العالم والبشرية‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬محاولة إخراج اللغة العربية من مفهومها الذي تختلف به عن اللغات‬
‫بوصفها لغة القرآن‪ ،‬وفرض مناهج في علم اللغات للتحكم فيها وتصويرها‬
‫بأنها لغة قومية فحسب‪ ،‬أي لغة أمة‪ ،‬وإذا كان هذا كقانون لكل لغات العالم‬
‫فإنه يعجز في إقرار ذلك بالنسبة إلى اللغة العربية؛ لنها إلى جانب أنها لغة‬
‫أمة فهي لغة فكر وثقافة وحضارة ودين وأنها تتصل بسبعمائة مليون من‬
‫المسلمين )بالضافة إلى أهلها العرب(‪ ،‬وهدف الحملة على اللغة العربية هو‬
‫خلق عامية تقضي على لغة القرآن وتمزق المة والفكر جميعًا‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬الدعوة إلى إحياء الحضارات التي سبقت السلم‪ ،‬وإعادة عرض‬
‫الوثنيات والفلسفات والخرافات والوهام‪.‬‬
‫وتلك محاولة ماكرة مضللة ولكنها فاسدة؛ فقد استطاع السلم في خلل‬
‫أربعة عشر قرنا ً أن يقيم منهجا ً عقليا ً وروحيا ً وأن ينشئ مزاجا ً نفسيا ً وذوقا ً‬
‫خالصا ً مرتبطا ً بالتوحيد والقرآن ومتصل ً بأسباب اليمان بالله له ضوءه الباهر‬
‫الذي ل تستطيع هذه الظلمات أن تقهره‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬الدعوة إلى ما يسمى الدب العربي المعاصر‪ ،‬والفكر العربي المعاصر‬
‫والثقافة العربية المعاصرة‪ ،‬على أن تبدأ هذه الدراسات منذ حملة نابليون‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وربطها بالرساليات والنفوذ الجنبي كأنما هي من معطياته‪ ،‬وهي محاولة‬


‫ماكرة إلى اجتثاث الفكر عن أصوله والفصل بين حاضر العرب والمسلمين‬
‫وبين ماضيهم وخلق ثقافة "لقيطة" ل جذور لها‪ ،‬بل إن هناك محاولة مضللة‬
‫تهدف إلى الحيلولة دون ربط الدب أو الفكر أو الثقافة بتاريخها القديم‬
‫وماضيها العريق‪.‬‬
‫من الحق أن يقال أن اليقظة المعاصرة في الفكر والدب والثقافة جميعا ً‬
‫بدأت من دائرة القرآن وأن جميع الحركات الوطنية والقومية إنما استمدت‬
‫قوتها من مصادر السلم وأنه ل سبيل إلى بناء أدب حديث أو فكر أو ثقافة‬
‫منفصل ً عن اللغة العربية والسلم‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬محاولة الدعاء بأن منطقة البحر البيض المتوسط شهدت حضارة‬
‫واحدة هي التي بدأها الفراعنة والفينيقيون‪ ،‬ونماها الغريق والرومان‪ ،‬ثم‬
‫أتمها الوربيون المعاصرون )وأن دور العرب في هذه الحضارة كان دورا ً‬
‫ثانويًا(‪.‬‬
‫والحقيقة أن هناك حضارتان لكل منهما طابعه المميز هما‪ :‬حضارة التوحيد‬
‫وحضارة الوثنية‪.‬‬
‫وأن السلم هو صانع الحضارة التي اتسمت بهذا المفهوم في مواجهة‬
‫حضارات بدأت بمفاهيم الوثنية وانتهت بمفاهيم المادية وكانت في مختلف‬
‫مراحلها معارضة للحق والعدل والرحمة والخلق‪ ،‬فكانت تضرب واحدة بعد‬
‫أخرى وتسقط؛ لنها تعارض سنن الله في الكون‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬محاولة إلقاء بذور الشبهات حول صلحية الشريعة السلمية للتطبيق‬
‫في العصر الحديث والدعاء بأنها شريعة صحراوية‪ ،‬موقوتة بعصرها وبيئتها‪،‬‬
‫وكل الدلئل العلمية والتاريخية تكذب هذا الدعاء وأقربها مؤتمرات القانون‬
‫الدولي ‪ 1952 ،1937 ،1931‬وكلها إشارات إلى أن الشريعة السلمية‬
‫شريعة مستقلة لها كيانها الخاص وأنها تحمل منهجا ً إنسانيا ً لم تصل إليها‬
‫البشرية بعد وتجري المحاولة التي يفرضها النفوذ الغربي بالدعوة إلى ما‬
‫يسمى تطوير الشريعة ووضعها موضع الحتواء من القانون الوضعي‪ ،‬ولقد‬
‫كان من أعظم المعطيات التي حققتها المة العربية أنها اتخذت من التشريع‬
‫السلمي مصدرا ً أساسيا ً للقانون‪ ،‬ونصت على ذلك في دساتيرها وميثاق‬
‫الوحدة‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫عاشرًا‪ :‬استطاعت القوى الستعمارية فرض نظام القتصاد الغربي على‬


‫أغلب أجزاء العالم السلمي‪ ،‬وهو نظام قائم على أساس الربا ومعارض أصل ً‬
‫لمنهج الشريعة السلمية‪ ،‬ولقد قامت في المة العربية محاولت علمية‬
‫تؤيدها الجهات الرسمية إلى بحث إقامة مصرف إسلمي علمي على غير‬
‫أساس الربا والعمل على وضع نظام تحرير المسلمين من قيود النظام‬
‫القتصادي الوافد‪.‬‬
‫حادي عشر‪ :‬كان من أخطر محاولت النفوذ الستعماري إيجاد تضارب بين‬
‫العروبة والسلم ومحاولة إقامة مفهوم العروبة على أساس النظريات‬
‫الوافدة والقوميات الوربية‪ ،‬ولقد تنبه المفكرون العرب والمسلمون إلى هذا‬
‫التحدي الخطير وكشفوا عن الرابطة العميقة بين العروبة والسلم‪ ،‬وأشاروا‬
‫إلى أن السلم هو الذي شكل مفهوم العروبة الحق‪ ،‬وأن العرب قبل السلم‬
‫كانوا يؤمنون بالقبلية وأن السلم هو الذي شكلهم كأمة ودفعهم إلى الفاق‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكتب لهم أعظم صفحات تاريخهم‪.‬‬


‫والعروبة ليست عنصرية؛ وإنما هي قيمة ذاتية في مواجهة الخطر الصهيوني‪،‬‬
‫ولكنها مفتوحة بالثقافة والفكر والعقيدة على العالم السلمي كله وملتقية‬
‫معه‪.‬‬
‫ثاني عشر‪ :‬تحريف الحقائق بالمبالغة أو النتقاص كالدعاء بأن المسلمين ل‬
‫يتجاوزون الن ‪ 500‬مليون‪ ،‬بينما تقرر الحصائيات المتواضعة أنهم يزيدون‬
‫على سبعمائة مليون‪ ،‬وقد يصلون إلى ألف مليون‪ ،‬وكما نجد في كتب التاريخ‬
‫من محاولت لتصوير البلد العربية بصورة مصغرة أو مهينة أو إثارة الشبهات‬
‫حل تتعارض‬ ‫حول مقدراتها وثرواتها‪ ،‬أو الدعاء بأنها منقسمة إلى مذاهب ون ِ َ‬
‫أو تختلف أو تحول دون قيام وحدة فكر عامة‪ ،‬بينما الحقيقة غير ذلك؛ وأن‬
‫الخلفات المذهبية السلمية هي خلفات في الفروع‪ ،‬أما القيم الساسية‬
‫فإنها واحدة بين جميع المسلمين‪.‬‬
‫ومن هنا فإن علينا أن ننظر في الشبهات المطروحة في أفق الفكر‬
‫السلمي‪.‬‬
‫في مجال اللغة العربية‪:‬‬
‫كذلك جرت المحاولت حول اللغة العربية وإثارة الشبهات حول مكانها‬
‫ودورها الحقيقي في مجال الفكر السلمي وكانت المحاولة تعمل على‬
‫مقارنة اللغة العربية باللغة اللتينية‪ ،‬وتقول‪:‬‬
‫إنه ما دامت اللتينية قد ماتت ودخلت المتحف فلماذا ل تموت اللغة العربية‬
‫وتتفرع عنها لغات إقليمية‪ .‬والحق أن وجه المقارنة غير صحيح وغير صادق؛‬
‫فقد انتهت اللغة اللتينية وتحولت لهجاتها إلى لغات‪ ،‬وليس كذلك ما يحدث‬
‫بالنسبة للغة العربية التي ما زال القرآن يظاهرها ويجعلها ما كتبت منذ أربعة‬
‫عشر قرنا ً مقروءا ً إلى اليوم‪ ،‬بينما لم يحدث ذلك مطلقا ً لي لغة من اللغات‬
‫الحية‪ ،‬التي تتغير كل ثلثة قرون‪ ،‬فامرؤ القيس السابق للسلم نقرأه نحن‬
‫الن ونفهمه بعد أكثر من ‪ 1500‬سنة‪ ،‬بينما شكسبير ل يفهمه النجليز وقد‬
‫مضى عليه ثلثمائة عام تقريبًا‪ ،‬وهذه الظاهرة في اللغة العربية تجعلها ل‬
‫تخضع لعلم اللغات الذي يحاول أن يحكم على كل اللغات بظواهر عامة‬
‫مشتركة‪ .‬ومن تميز اللغة العربية أيضا ً أنها ليست لغة أمة كما يحدث للغات‬
‫جميعًا؛ ولكنها إلى ذلك لغة فكر وثقافة وعقيدة لسبعمائة مليون مسلم‪،‬‬
‫العرب بينهم مائة مليون على الكثر‪ ،‬ومن هنا تنكشف فوارق كثيرة بين اللغة‬
‫العربية لغة القرآن وبين اللغات القديمة كاللتينية واللغات العامة‪.‬‬
‫وقد كانت اللغة العربية بطبيعة تركيبها وتميزها بالقدرة على الشتقاق‬
‫والتوالد عامل ً هاما ً في مكانتها‪ ،‬وقد وصفها أرنست رينان بأنها خلفا ً لكل‬
‫اللغات ظهرت فجأة في غاية الكمال‪ ،‬غنية أي غنى بحيث لم يدخل عليها‬
‫حتى يومنا هذا أي تعديل مهم‪ ،‬فليس لها طفولة ول شيخوخة وأنها ظهرت‬
‫منذ أول أمرها تامة مستحكمة‪.‬‬
‫ً‬
‫ولقد مضى السلم يشق طريقه ومضت معه اللغة العربية‪ ،‬وكان حقا عليها‬
‫أن تصل إلى كل مكان وصل إليه‪ ،‬ولكن الستعمار استطاع منذ أكثر من‬
‫قرنين أن يوقف نموها ويحول بينهما وبين الحركة‪ ،‬وخاصة في ماليزيا‬
‫وإندونيسيا وشرق أفريقيا وغربها‪ ،‬وإعلء شأن اللغات الجنبية واللغات‬
‫القليمية‪ ،‬ولكنها سوف تستطيع بعد أن تتحرر المم من نفوذه الثقافي أن‬
‫تعاود توسعها فتصل إلى كل مكان فيه مسلم‪ ،‬ليس بوصفها لغة فكر وعبادة‬
‫فحسب‪ ،‬ولكن على أنها لغة حديث وكتابة وتعامل بإذن الله‪.‬‬
‫ومن خلل هذا الفهم الصحيح لوضعية اللغة العربية بين اللغات يمكننا أن‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نواجه كل ما يقال عن تطوير اللغة أو تمصير اللغة أو إعلء شأن العاميات‬


‫والدعاء بأنها لغة خاصة ملك لصحابها ونفهم أنها كلها محاولت تستهدف‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬عزل العرب عن الوحدة الكاملة بينهم‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬عزل المسلمين عن العرب‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬عزل المسلمين والعرب عن مستوى البيان في القرآن الكريم‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ول ريب أن اللغة العربية جديرة بأن تلتقي دائما ً في مستوى بيان القرآن وأن‬
‫يرتفع الناس إليها‪ ،‬ول ريب أن الدعوة إلى إقامة لغة وسطى بين الفصحى‬
‫والعامية هي إحدى محاولت الغزو الفكري‪ ،‬وليس لها هدف إل إنزال اللغة‬
‫العربية درجة عن كيانها الذي يرتبط ببلغة القرآن وبذلك تنهدم ركيزة من‬
‫ركائز السلم‪ ،‬وهي حجب المسلمين عن فهم القرآن واستيعابه وهو أمر‬
‫خطير وهام ويحتاج إلى دوام المحافظة على بلغة اللغة وروحها؛ فاللغة‬
‫أساسا ً هي فكر المة‪ ،‬والعربية الفصحى مرتبطة بذاتية السلم ومزاجه‬
‫النفسي والجتماعي‪.‬‬
‫في مجال النهضة‪:‬‬
‫ُتثار في مجال النهضة شبهات منها القول بأن الحضارة الغربية تؤخذ كلها‬
‫)وقد بينا ذلك( ومنها القول بوحدة الثقافة‪ ،‬أو الثقافة العالمية‪ ،‬ذلك أن لكل‬
‫أمة ثقافتها الخاصة التي تستمدها من مقومات وجودها وعقائدها‪ ،‬فالمعرفة‬
‫عالمية والعلم عالمي والحضارة عالمية‪ ،‬ولكن الثقافة ل تكون عالمية بحال‪،‬‬
‫وللعرب والمسلمين ثقافتهم المستمدة من القرآن واللغة العربية ولهم تلك‬
‫الذاتية الخاصة المتميزة المستمدة من التوحيد‪ ،‬ول ريب أننا في هذا الوقت‬
‫بالذات إذا قبلنا بالثقافة العالمية فإن دورنا سيكون دور التابع الذليل الخاضع‬
‫للكيان الضخم الذي تفرضه الثقافة العربية على العالم كله‪ ،‬وهو دور ل نقبله‬
‫ول نرضاه؛ لنه سيقضي على مقوماتنا الخاصة والذاتية‪ ،‬ولقد تقبله أمم ليس‬
‫لها تاريخ ول حضارة‪ ،‬أما المسلمون الذين سيطروا بفكرهم وثقافتهم على‬
‫العالم كله ألف سنة كاملة ل ينازعهم منازع‪ ،‬فإنه من الخزي لهم أن‬
‫يستوعبوا أو يكونوا تابعين أو يوضعوا في مجال الحتواء والنصهار‪.‬‬
‫لقد طرحت الصهيونية العالمية شعار الثقافة كهدف من أهدافها الرامية إلى‬
‫تدمير ثقافات المم وتحطيمها من داخلها وفرض تلك التطورات الفلسفية‬
‫التي دمرت الفكر الغربي واستوعبته‪ ،‬كالوجودية والفرويدية والماركسية‬
‫والهيبية‪.‬‬
‫وهناك فيما يتصل بهذه الدعوة إلى تجزئة الفكر السلم ما يستهدف إثارة‬
‫فكرة "السلم"‪ :‬ونبذ الحروب‪ ،‬والمقاومة السلبية وما إلى ذلك من أفكار‬
‫نسبت إلى تولستوي وغاندي‪ ،‬وحاول بعض الدعاة ردها إلى الديان‪.‬‬
‫والسلم ل يعرف إل منهجا ً كامل ً فيه السلم وفيه الجهاد‪ ،‬وباب الجهاد‬
‫والقتال من أكبر أبواب الشريعة السلمية وهو دعامة أساسية في إقامة‬
‫السلم‪.‬‬
‫ولقد حرص الستعمار الغربي ولسيما البريطاني في الهند أن يفرض مفاهيم‬
‫تحملها جماعات مضللة تصور السلم بصورة السلم القائم على الجبن‬
‫والستسلم للغاصب وكذلك تمكن الستعمار الفرنسي في الجزائر وغيرها‬
‫أن ينحي من دراسات السلم باب الجهاد؛ وذلك إيمانا ً من المستعمرين بأن‬
‫أخطر صفحة تواجههم في السلم هي صفحة الجهاد التي كانت وستظل‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القوة الحقيقية للمقاومة والدفاع عن النفس‪ ،‬وحتى في السلم تكون‬


‫استعدادا ً وتأهبا ً وحماية للثغور وإثارة الرهبة في نفوس العدو‪) :‬وأعدوا لهم ما‬
‫استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم(‪.‬‬
‫ولقد بلغ المر ببعض الكتاب العرب أن يتابعوا المستشرقين فيما يصورونه‬
‫من تفرقة بين السلم في مكة والسلم في المدينة وبين آيات القرآن‬
‫المكي الداعية إلى الترقب والتأهب وبين آيات المدينة التي تحرض‬
‫المسلمين على القتال‪ .‬والواقع أنه ل فارق مطلقا ً بين مرحلتين من دعوة‬
‫واحدة يتكاملن‪ ،‬ذلك أن مناهج الدعوات لبد أن تمر بمرحلة بناء الرجال‬
‫وإعدادهم‪ ،‬ثم تأتي بعد ذلك مرحلة إقامة الدولة على نفس المنهج الصيل‪،‬‬
‫والسلم متكامل ولكن الفكر الغربي الذي يحاول أن يحاكمه ل يؤمن‬
‫بالتكامل وتفترسه النشطارية‪ ،‬بالضافة إلى التعصب وتغليب الهوى على‬
‫جميع البحاث والدراسات التي تتصل بالسلم‪.‬‬
‫ومن عجب أن ل يدعو السلم إلى الحرب والقتال؛ وإنما يدعو إلى السلم‬
‫)يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة(‪ ،‬ولكنه يفرض الحرب في حالة‬
‫الضطرار القصوى‪ ،‬ثم ل يلبث أن يوقفها في حسم إذا قبل خصمه الصلح‪:‬‬
‫)وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله(‪.‬‬
‫وهناك شبهة أخرى تبطل بهذا المجال هي شبهة النفصال عن الماضي‪.‬‬
‫فل يزال الغربيون يرددون القول ول يملون مطالبين المسلمين بأن ينفصلوا‬
‫عن ماضيهم كلية ويرون ذلك هو سبيل القوة‪ ،‬وهم في هذا مضلون‪) :‬وإن‬
‫من في الرض يضلوك عن سبيل الله(‪ ،‬ولو كان هذا منهجا ً صحيحا ً‬ ‫تطع أكثر َ‬
‫ً‬
‫مع كل الناس فلن يكون صحيحا مع المسلمين الذين لهم منهجهم الرباني‬
‫الماضي الذي هداهم دوما ً وكانت هزيمتهم كلما انفصلوا عنه‪ ،‬والوربيون‬
‫الناصحون لم يفعلوا في نهضتهم ما ينصحوننا به‪ ،‬فنحن يطلب إلينا النفصال‬
‫عن الماضي والماضي متصل خلل أربعة عشر قرنا ً لم يتوقف اتصاله‬
‫واستمراره‪ ،‬ونحن ندعى للنفصال عنه وأوربا تعود إلى الماضي وتتبعه من‬
‫جديد بعد أن انفصلت عنه ألف سنة كاملة‪ ،‬تعود لتربط نفسها بالفكر اليوناني‬
‫والحضارة الرومانية التي سقطت عام ‪450‬م وبدأت النهضة عام ‪1400‬‬
‫تقريبًا‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪199‬‬

You might also like