You are on page 1of 206

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫به‪ ،‬فيدخلونها في نظام الجند‪ ،‬عارية الذرع والفخاذ‪ ،‬بارزة المقدمة‬


‫والمؤخرة‪ ،‬متهتكة فاجرة‪ ،‬يرمون بذلك في الحقيقة إلى الترفيه الملعون عن‬
‫الجنود الشبان المحرومين من النساء في الجندية‪ ،‬تشبًها بفجور اليهود‬
‫والفرنج‪ ،‬عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة ( انتهى "]‪.[135‬‬
‫بعض أدلة المنع من الختلط من الكتاب والسنة الثابتة‪:‬‬
‫ما سبق من تقرير مراعاة الشريعة لصل الفصل بين الرجال والنساء في‬
‫التشريع‪ ،‬دليل ظاهر يفيد تحريم الختلط‪ ،‬خاصة مع بيان تلك النماذج التي‬
‫ربما اشتبهت على البعض‪ ،‬فظنها حجة له وهي على خلف قصده‪ ،‬وسوف‬
‫يأتي ذكر طرف من مراعاة أهل العلم لهذا الصل في سائر الشريعة‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فإن أدلة الكتاب والسنة الصحيحة جاءت متعددة في المنع من السباب‬
‫المؤدية إلى الختلط‪ ،‬وكذلك في المنع من أمور يقتضيها الختلط‪ ،‬ولشك‬
‫أن الوسائل لها أحكام المقاصد‪ ،‬وما ل يتم ترك النهي إل ّ به فهو منهي عنه‪،‬‬
‫ولئن كان هذا اللفظ )الختلط( حادثًا‪ ،‬فإن حكم معناه يستنبط من‬
‫نصوص عامة‪ ،‬و أخرى صريحة جاءت بقطع أسبابه‪ ،‬وثالثة جاءت بقطع‬
‫مايقود إليه‪.‬‬
‫وفيما سبق ذكر شيء من ذلك‪ ،‬وفيما يلي طرف لنصوص عامة يدخل في‬
‫حّرمت أمورا ً‬ ‫معناها الختلط‪ ،‬وأخرى جاءت بمنع أسباب الختلط‪ ،‬وثالثة َ‬
‫يقتضيها الختلط‪:‬‬
‫َ‬
‫م أط ْهَُر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب ذ َل ِك ُ ْ‬‫جا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ن وََراِء ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سأُلوهُ ّ‬‫مَتاعَا ً فَ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سأل ْت ُ ُ‬
‫موهُ ّ‬ ‫‪ - 1‬قوله تعالى‪" :‬وإ َِذا َ‬
‫ن"‪.‬‬‫كم وَقُُلوب ِهِ ّ‬‫قُلوب ِ ُ‬
‫لِ ُ‬
‫دلت هذه الية على أن الصل احتجاب النساء عن الرجال‪ ،‬فقد "أوجب الله‬
‫أن يكون الخطاب بينهن من وراء حجاب يحجز بين المرأة والرجل‬
‫وهذا ظاهر في تحريم الختلط"]‪ ، [136‬قال القاضي عياض في فرض‬
‫الحجاب على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬وليجوز‬
‫لهن إظهار شخوصهن‪ ،‬وإن كن مستترات إل ّ ما دعت إليه الضرورة من‬
‫الخروج للبراز‪ ،‬قال الله تعالى‪" :‬وإَذا سَألتموهن متاعا ً فَ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سأُلوهُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ُ ُ ّ َ َ َ‬ ‫ِ‬
‫ب"‪ ،‬وقد كن إذا قعدن للناس جلسن من وراء الحجاب‪ ،‬وإذا خرجن‬ ‫جا ٍ‬‫ح َ‬‫وََراِء ِ‬
‫حجبن وسترن أشخاصهن‪ ،‬كما جاء في حديث حفصة يوم وفاة عمر‪،‬‬
‫ولما توفيت زينب رضي الله عنها‪ ،‬جعلوا لها قبة فوق نعشها تستر شخصها"]‬
‫‪ ،[137‬والية وإن كانت موجهة لنساء النبي صلى الله عليه‬
‫كم‬ ‫م أ َط ْهَُر ل ِ ُ‬
‫قُلوب ِ ُ‬ ‫وسلم‪ ،‬غير أنها جاءت معللة بقول ربنا سبحانه‪" :‬ذ َل ِك ُ ْ‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن" "فبين أن العلة هي طهورية قلوب النوعين‪ ،‬والتباعد عن‬ ‫وَقُُلوب ِهُ ّ‬
‫دواعي الريبة وقذر القلوب‪ ،‬ولشك أن هذه العلة تشمل جميع نساء‬
‫المؤمنين‪ ،‬لنه يطلب في حقهن طهارة قلوبهن‪ ،‬وطهارة قلوب الرجال من‬
‫الميل إلى‬
‫ما لينبغي منهن‪ .‬فليس لقائل أن يقول‪ :‬هذا الدب الكريم السماوي‪،‬‬
‫المقتضي المحافظة على الشرف والدين وأطهرية القلوب من الميل إلى‬
‫الفجور‪ ،‬يجوز إلغاؤه وإهداره بالنسبة لغير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫من نساء المؤمنين‪ ،‬لن طهارة القلب ومجانبة أسباب الرذيلة‪ ،‬أمر‬
‫مطلوب من الجميع بل شك‪ ،‬مع أن النفوس أشد هيبة لزواج النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم من غيرهن؛ لنهن أمهات المؤمنين"]‪ ،[138‬ولنهن من‬
‫خيرة نساء العالمين‪ ،‬فمن دونهن ‪-‬وكل النساء دونهن‪ -‬من باب أولى‪ ،‬قال‬
‫القرطبي‪" :‬ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى‪ ،‬وبما تضمنته أصول‬
‫الشريعة‪ .[139]"..‬ومن "المقرر عند العلماء المؤيد بالدليل هو استواء جميع‬
‫الناس في أحكام التكليف‪ ،‬ولو كان اللفظ خاصا ً ببعضهم‪،‬‬
‫إل ّ ما جاء النص مصرحا ً بالخصوص فيه‪ ،‬ولذلك فجميع الخطابات العامة‬
‫يدخل فيها النبي صلى الله عليه وسلم نفسه‪ ،‬وأحرى غيره‪ .‬وما ذلك إل‬
‫لستواء الجميع في الحكام الشرعية إل ما قام عليه دليل خاص‪ ،‬فقد سأل‬
‫الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم فأجابهم بما يتضمن ذلك‪ ،‬فإنه صلى‬
‫الله عليه وسلم لما قال ‪" :‬لن يدخل أحدكم عمله الجنة"‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول‬
‫الله ول أنت‪ .‬قال‪" :‬ول أنا أن يتغمدني الله برحمة منه‬
‫وفضل" فكأنهم يقولون له‪ :‬أأنت داخل معنا في هذا العموم؟ وهو يجيبكم‬
‫بنعم‪ .‬وما ذلك إل لستواء الجميع في الحكام الشرعية‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬آية الحجاب تخص بمنطوقها أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فالجواب‪ :‬أنها لم تدل على أن غيرهن من النساء ل يشاركهن في حكمها‪.‬‬
‫والصل مساواة الجميع في الحكام الشرعية إل ما قام عليه دليل‬
‫خاص‪.‬‬
‫ولذا تقرر في الصول أن خطاب الواحد المعين من قبل الشرع من صيغ‬
‫العموم؛ لستواء الجميع في أحكام الشرع‪ ،‬وخلف من خالف من العلماء في‬
‫أن خطاب الواحد يقتضي العموم خلف لفظي‪ ،‬لن القائل بأن خطاب الواحد‬
‫ل يقتضي العموم موافق على أن حكمه عام إل أن عمومه عنده لم‬
‫يقتضه خطاب الواحد بل عمومه مأخوذ من أدلة أخرى كالجماع على استواء‬
‫المة في التكليف‪ .‬وكحديث "ما قولي لمرأة إل كقولي لمائة‬
‫امرأة" فالجميع مطبقون على أن خطاب الواحد يشمل حكمه الجميع إل‬
‫لدليل خاص‪ ،‬واختلفهم إنما هو هل العموم بمقتضى اللفظ أو بدليل‬
‫آخر"]‪.[140‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫فالية عامة عموما ً معنويا ً يشمل جميع النساء]‪ ،[141‬سواء أكان طريق‬
‫إثبات هذا العموم العقل]‪ [142‬لورود العلة التي يدور عليها الحكم‬
‫في آخر الية‪ ،‬أو العرف اكتفاء بأول الشاهد من الية‪ ،‬وهذا ما يعرف عند‬
‫الصوليين بفحوى الخطاب‪ ،‬ويسميه بعضهم لحن الخطاب]‪ [143‬أو‬
‫تنبيهه‪ ،‬ويعرف عند البعض بمفهوم الموافقة‪ ،‬وهو أن يكون المسكوت عنه‬
‫موافقا ً في الحكم للمنطوق به؛ أولى منه‪ ،‬أو مساو له‪ ،‬وقد يسميه الشافعي‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القياس الجلي]‪ ،[144‬وآخرون دللة النص‪ ،‬وقد قالوا‪ :‬الثابت بدللة النص‬
‫ليحتمل الخصوص]‪ ،[145‬وإذا كان المسكوت عنه أولى‬
‫ربما سماه البعض قياس الولى]‪ ،[146‬فسواء قيل بهذا أو هذا فإن‬
‫الصوليين اتفقوا على أن مثل هذا يدخل فيه عمومهن‪ ،‬وإن اختلفوا هل‬
‫يسمى‬
‫قياسا ً أو ل‪ ،‬ولعله تأتي الشارة إليه عند ذكر الدليل الرابع‪.‬‬
‫‪ -2‬المر بغض البصر والعفو عن الفجأة‪:‬‬
‫ن‬
‫مِني َ‬‫مؤ ِ‬ ‫أمر الله الرجال بغض البصر‪ ،‬وأمر النساء بذلك فقال تعالى‪ُ" :‬قل ِلل ُ‬
‫ما‬‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬‫ن الل َ‬ ‫كى ل َُهم إ ِ ّ‬‫جُهم ذ َِلك َأز َ‬ ‫ف ُ‬
‫ظوا فُُرو َ‬ ‫هم وََيح َ‬‫صارِ ِ‬
‫يغُضوا م َ‬
‫ن أب َ‬‫ِ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫ن" اليتين‪ .‬ولم يعف الشارع‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن ‪ .‬وَقُ ْ‬
‫صارِهِ ّ‬‫من أب َ َ‬ ‫ن ِ‬‫ض َ‬
‫ض ُ‬ ‫ت َيغ ُ‬‫مَنا ِ‬
‫مؤ ِ‬
‫ل لل ُ‬ ‫صن َُعو َ‬
‫يَ ْ‬
‫إل عن نظر الفجأة‪ ،‬فقد صح عن جرير بن عبد الله رضي الله‬
‫عنه أنه قال‪" :‬سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة‬
‫فأمرني أن أصرف بصري"]‪ ،[147‬وروي عن علي –رضي‬
‫الله‪ -‬عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له‪" :‬يا علي‪ ،‬ل تتبع النظرة‬
‫النظرة فإنما لك الولى وليست لك الخرة"]‪ ،[148‬وبمعناه‬
‫عدة أحاديث‪ ،‬بل لم يرخص الشارع في الجلوس بالطرقات للرجال إل ّ‬
‫بشرط إعطاء الطريق حقه ومنه غض البصر‪ ،‬ففي الصحيحين من حديث أبي‬
‫سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬إياكم‬
‫والجلوس بالطرقات"‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد‬
‫نتحدث فيها‪ .‬فقال‪" :‬إذ أبيتم إل المجلس فأعطوا الطريق حقه"‪ ،‬قالوا‪ :‬وما‬
‫حق الطريق يا رسول الله؟ قال‪" :‬غض البصر وكف‬
‫الذى ورد السلم والمر بالمعروف والنهي عن المنكر"]‪ .[149‬وجه الدللة‬
‫من اليتين والثار بعدها‪ :‬أن الله أمر المؤمنين والمؤمنات‬
‫بغض البصر‪ ،‬وأمره يقتضي الوجوب‪ ،‬ثم بين تعالى أن هذا أزكى وأطهر]‬
‫‪ ،[150‬فكيف يحصل غض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة‬
‫عند نزول المرأة ميدان الرجال واختلطها معهم في العمال؟ والختلط‬
‫كفيل بالوقوع في هذه المحاذير]‪.[151‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة العي ُ ِ‬ ‫خائ ِن َ َ‬
‫م ُ‬ ‫وإذا كان استراق النظر خيانة كما في قول الله تعالى‪َ" :‬يعل ُ‬
‫دوُر" فكيف تكون المخالطة؟‬ ‫ص ُ‬ ‫في ال ُ‬ ‫ما ُتخ ِ‬‫وَ َ‬
‫وإذا نهى الشارع عن النظر إلى النساء بسبب ما يؤدي إليه من المفسدة‬
‫وهو حاصل في الختلط‪ ،‬فكذلك الختلط ينهى عنه لنه وسيلة إلى ما ل‬
‫تحمد عقباه من التمتع بالنظر والسعي إلى ما هو أسوأ منه‪ ،‬وواقع الناس‬
‫اليوم يبين أن الختلط يفضي لزاما ً لوقع البصر عما أمر الله بحفظه عنه‪،‬‬
‫وإذا كان الذي يفضي إلى الوقوع في المحظور يلزم منه وقوع المحظور‪،‬‬
‫ففعله حرام عند من قال بسد الذرائع وعند من لم يقل]‪ ،[152‬فهو‬
‫بمثابة ما ل يتم المتثال إل ّ به‪ ،‬وعلى أقل الحوال هو بمثابة "الذرائع" التي‬
‫تفضي إلى المحظور غالبًا‪ ،‬وقد ذكر أهل العلم أن الحكم إذا علق‬
‫بمظنة استوى وجودها وعدمه‪.‬‬
‫وهذا الوجه ذكر نحوا ً منه المام البيهقي في شعب اليمان‪ ،‬فقال‪" :‬الثاني‬
‫والسبعون من شعب اليمان‪ :‬الغيرة وترك المذاء" وذكر قول‬
‫الحليمي في تعريف المذاء‪ ،‬فقال‪" :‬أن يجمع الرجال والنساء ثم يخليهم‬
‫يماذي بعضهم بعضًا‪ ،‬وقيل هو إرسال الرجال مع النساء من قولهم مذيت‬
‫فرس إذا أرسلتها ترعى" ثم قال‪" :‬وقال الله عز وجل‪" :‬وقل للمؤمنات‬
‫يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ول يبدين زينتهن إل ما‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ظهر منها" وقال‪" :‬يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا" فدخل في‬
‫جملة ذلك أن يحمي الرجل امرأته وبنته من مخالطة‬
‫الرجال‪.[153]"..‬‬
‫عم يغض البصر!‬
‫وهنا لعله يرد سؤال عن ماذا يغض طالما أن الحجاب مفروض والقرار مأمور‬
‫به‪ ،‬فعم ُيغض البصر؟ وجوابه أن غض البصر يكون عن المحارم‬
‫كلها‪ ،‬فقد تخرج امرأة لحاجة‪ ،‬وربما خرجت نساء مترخصات بغير حاجة‪،‬‬
‫وربما كان المجتمع –كشأن سائر المجتمعات‪ -‬خليطا ً ليخلو من‬
‫كتابيات ونحوهن‪ ،‬وغض البصر مطلوب عن كل سافرة‪ ،‬أو هيفاء مقبلة‪ ،‬أو‬
‫عجزاء مدبرة‪ ،‬بل مطلوب حبس اللحظ عن لحظ غضيضة طرف غافلة‪،‬‬
‫سواء كانت معذورة‪ ،‬أو مائلة مميلة‪ ،‬أو أمة أو كتابية‪ .‬والشريعة السلمية‬
‫بحمد الله واقعية تتعامل مع طبائع الناس على اختلف أصنافهم‪ ،‬فتشرع‬
‫الحكام لكافة الحوال‪ ،‬فهي صالحة لكل زمان ومكان وحال‪ ،‬ما فرط ربنا‬
‫في الكتاب من شيء‪ ،‬وهذه الواقعية سمة ظاهرة في التشريع‪ ،‬ومن تأمل‬
‫شرعت أحكام تتعلق بمن يقارفه عامدا ً أو‬ ‫وجد أنه ما من محرم إل ّ وقد ُ‬
‫يقترفه لعذر أو جاه ً‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ - 3‬حديث‪" :‬المرأة عورة‪."..‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫روى ابن خزيمة في صحيحه وغيره حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬إن المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها‬
‫الشيطان"]‪ ،[154‬قال المناوي‪" :‬يعني رفع البصر إليها ليغويها أو يغوي بها‬
‫فيوقع أحدهما أو كلهما في الفتنة‪ ،‬أو المراد شيطان النس‬
‫سماه به على التشبيه‪ ،‬بمعنى أن أهل الفسق إذا رأوها بارزة طمحوا‬
‫بأبصارهم نحوها‪ ،‬والستشراف فعلهم لكن أسند إلى الشيطان لما أشرب‬
‫في قلوبهم‬
‫من الفجور ففعلوا ما فعلوا بإغوائه وتسويله وكونه الباعث عليه‪ .‬ذكره‬
‫القاضي‪ .‬وقال الطيبي‪ :‬هذا كله خارج عن المقصود والمعنى المتبادر‬
‫أنها ما دامت في خدرها لم يطمع الشيطان فيها وفي إغواء الناس فإذا‬
‫خرجت طمع وأطمع لنها حبائله وأعظم فخوخه وأصل الستشراف وضع‬
‫الكف فوق الحاجب]‪ [155‬ورفع الرأس للنظر"]‪ ،[156‬وهذا إخبار من‬
‫الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وسواء كان‬
‫الستشراف هنا حقيقيا ً من شياطين الجن –وهو الظاهر وماذكروه من تأويل‬
‫لزم له‪ -‬أو ما ذكر من تأويلت فإن المعنى المتفق عليه مراٌد‪ ،‬وهو‬
‫ض النساء على عدم الخروج ولزوم البيوت‪ ،‬لكونه أصون لهن‪ ،‬فكيف يقال‬ ‫ح ّ‬
‫بجواز اختلطهن بالرجال‪.‬‬
‫ن"‬ ‫ُ‬ ‫‪ -4‬دللة قوله تعالى‪" :‬وَقَْر َ‬
‫ن ِفي ب ُُيوت ِك ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫جاهِل ِي ّةِ الولى"‪،‬‬
‫ج ال َ‬
‫ن ت َب َّر َ‬ ‫ُ‬ ‫ومن الدلة قوله تعالى‪" :‬وَقر َ‬
‫ج َ‬
‫ن ول ت َب َّر ْ‬
‫ن ِفي ب ُُيوت ِك ّ‬
‫فأمرهن بالقرار‪ ،‬ثم منعهن من الخروج غير متحجبات‪ ،‬ومع‬
‫قرارهن في البيوت منع صلى الله عليه وسلم الرجال الجانب من الدخول‬
‫عليهن فقال‪" :‬إياكم والدخول على النساء" فلما قيل له‪ :‬الحمو‬
‫قال‪" :‬الحمو الموت"]‪ ،[157‬وهذا يدل على أن المر بالقرار ليس خاصا ً‬
‫بنساء النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقد سبق ذكر جملة من كلم‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أهل العلم في ذلك منهم القرطبي وابن كثير وابن العربي وابن الحاج‬
‫والجصاص وقد قاله غيرهم]‪ ،[158‬ويصلح أن يقال هنا نحوا ً مما ذكر عند‬
‫الستدلل بقول الله تعالى‪" :‬وإذا سألتموهن متاعا ً فسألوهن من وراء‬
‫حجاب"‪.‬‬
‫أدلة أخرى على أن القرار ليس خاصا ً بنساء النبي )صلى الله عليه وسلم(‪:‬‬
‫‪ -1‬حديث عقبة ابن عامر السابق وهو متفق على صحته‪ ،‬فل معنى لن ُيمنع‬
‫من دخول الرجال على النساء بل حتى‬
‫بعض غير أولي الربة منهم‪ ،‬ويباح خروجهن لهم!‬
‫‪ -2‬الية السابقة وإن جاءت في معرض خطابهن فهي تشمل غيرهن لما‬
‫سبق من الدلة الشرعية التي تحرم خلطة النساء‬
‫بالرجال‪.‬‬
‫‪ -3‬دللة القتران بالصلة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬وطاعة الله التي ليشك المسلم من‬
‫دخول سائر النساء فيها‪ ،‬فقد قال الله‪" :‬وََل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫كاة َ وَأط ِعْ َ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫صَلة َ َوآِتي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫جاهِل ِي ّةِ اْلوَلى وَأقِ ْ‬ ‫ج ال ْ َ‬ ‫ن ت َب َّر َ‬ ‫ج َ‬ ‫ت َب َّر ْ‬
‫ه"‪.‬‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫‪ -4‬ومن الدلة على أن المراد عام يدخل فيه عامة النساء‪ ،‬هو العلة التي‬
‫م‬‫عنك ُ ُ‬
‫ب َ‬ ‫ه ل ِي ُذ ْهِ َ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫ختمت بها الية‪" :‬إ ِن ّ َ‬
‫م ت َط ِْهيًرا"‪ ،‬وهذه علة مرادة لجميع النساء‪ ،‬وإنما‬ ‫ت وَي ُط َهَّرك ُ ْ‬ ‫ل ال ْب َي ْ ِ‬ ‫س أ َهْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫الّر ْ‬
‫لم يرد الله أن يطهر قلب من أراد به فتنة‪ ،‬كما في سورة المائدة‪" :‬‬
‫َ‬ ‫شي ًْئا أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ه أن‬ ‫م ي ُرِدِ الل ّ ُ‬ ‫ن لَ ْ‬‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫مل ِ َ‬‫ه فََلن ت َ ْ‬ ‫ه فِت ْن َت َ ُ‬ ‫من ي ُرِدِ الل ّ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫م"‪ ،‬أما سائر‬ ‫ظي ٌ‬‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫خَرةِ عَ َ‬ ‫م ِفي ال ِ‬ ‫َ‬
‫خْزيٌ وَلهُ ْ‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا ِ‬ ‫م لهُ ْ‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫ي ُطهَّر قُلوب َهُ ْ‬ ‫َ‬
‫المؤمنين فيريد الله تطهيرهم ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫خذ ْ م َ‬
‫صل َت َ َ‬
‫ك‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬‫ص ّ‬ ‫كيِهم ب َِها وَ َ‬ ‫م وَت َُز ّ‬‫ة ت ُط َهُّرهُ ْ‬ ‫صد َقَ ً‬‫م َ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬‫نأ ْ‬ ‫" ُ ِ ْ‬
‫م"‪ ،‬وكذلك الرجس يريد الله أن يذهبه عن‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫م َوالل ُ‬ ‫ن ل ّهُ ْ‬ ‫سك َ ٌ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ج َ‬ ‫جت َن ُِبوا الّر ْ‬ ‫المسلمين‪ ،‬وعموم النساء يشملهن المر باجتنابه "َفا ْ‬
‫َ‬
‫اْلوَْثا ِ‬
‫ن‬
‫ل الّزوِر"‪ ،‬فالعلة التي ختمت بها الية دليل واضح على عمومها‬ ‫جت َن ُِبوا قَوْ َ‬ ‫َوا ْ‬
‫فليقال بتخصيص شيء منها إل بدليل آخر ظاهر‪ ،‬وقد ذكر الصوليون‬ ‫ّ‬
‫أن العلة إذا نص عليها بوجه ليحتمل التأويل فلبد أن يعم الحكم]‪[159‬‬
‫وقالوا‪" :‬النص على العلة نص على الحكم في‬
‫محلها"]‪ [160‬هذا مع أنهم لم يشترطوا لصحة العلة النص عليها وهي هنا‬
‫منصوصة ظاهرة بل جاءت بأداة الحصر )إنما(‪ ،‬وقد ذهب‬
‫بعض الصوليون إلى أن العمل بالعلة هنا ليس من باب القياس بل هو‬
‫استمساك بنص لفظ الشارع]‪ ،[161‬قال ابن تيمية بعد أن نقل التفاق على‬
‫قبول مثل هذه العلة‪" :‬وإن اختلفوا هل يسمى هذا قياسا ً أو ل يسمى‪ ،‬ومثاله‬
‫في كلم الناس ما لو قال السيد لعبده‪ :‬ل تدخل داري فلنا فإنه‬
‫مبتدع‪ ،‬أو فإنه أسود‪ ،‬ونحو ذلك فإنه يفهم منه أنه ل يدخل داره من كان‬
‫مبتدعا ً أو من كان أسود]‪.[162‬‬
‫‪ -5‬ومما يدل كذلك على أن الية مراد بها عموم النساء ما ثبت عند مسلم‬
‫من حديث عائشة رضي الله عنها قالت‪:‬‬
‫"خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود‪،‬‬
‫فجاء الحسن بن علي فأدخله‪ ،‬ثم جاء الحسين فدخل معه‪ ،‬ثم جاءت‬

‫)‪(15 /‬‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عنك ُ ُ‬
‫م‬ ‫ب َ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬
‫ه ل ِي ُذ ْهِ َ‬ ‫ما ي ُ ِ‬
‫فاطمة فأدخلها‪ ،‬ثم جاء علي فأدخله‪ ،‬ثم قال‪" :‬إ ِن ّ َ‬
‫م ت َط ِْهيًرا""]‪ [163‬فهذا نص على‬ ‫ت وَي ُط َهَّرك ُ ْ‬ ‫س أ َهْ َ‬
‫ل ال ْب َي ْ ِ‬ ‫ج َ‬
‫الّر ْ‬
‫دخول فاطمة رضي الله تعالى عنها وليست من أزواجه‪ ،‬وكذلك دليل على‬
‫دخول أولدها ومنهن بناتها ولسن من أزواجه‪ .‬ولهذا قال ابن كثير لما‬
‫ساق قول عكرمة في الية‪" :‬من شاء باهلته أنها نزلت في شأن نساء النبي‬
‫صلى الله عليه وآله وسلم" قال‪" :‬فإن كان المراد أنهن كن سبب‬
‫النزول دون غيرهن فصحيح‪ ،‬وإن أريد أنهن المراد فقط دون غيرهن ففي هذا‬
‫نظر‪ ،‬فإنه قد وردت أحاديث تدل على أن المراد أعم من‬
‫ذلك‪ [164]"...‬وساق أحاديث عدة في المعنى المراد‪ ،‬وما سبق عند مسلم‬
‫فيه كفاية‪.‬‬
‫‪ - 5‬دللة قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬فاتقوا النساء"‪.‬‬
‫كما في حديث أبي سعيد الخدري عن مسلم‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪":‬إن‬
‫الدنيا حلوة خضرة‪ ،‬وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون‪ ،‬فاتقوا‬
‫الدنيا‪ ،‬واتقوا النساء‪ ،‬فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"]‪.[165‬‬
‫فـ"خصص بعدما عمم إيذانا بأن الفتنة بهن أعظم الفتن الدنيوية‪ ،‬فإنه سبحانه‬
‫أخبر بأن الذي زين به الدنيا من ملذها وشهواتها وما هو غاية أما في‬
‫طلبها ومؤثريها على الخرة سبعة أشياء أعظمها النساء اللتي هن أعظم‬
‫زينتها وشهوتها وأعظمها فتنة"]‪.[166‬‬
‫و"وجه الدللة‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتقاء النساء‪ ،‬وهو أمر‬
‫يقتضي الوجوب‪ ،‬فكيف يحصل المتثال مع الختلط ؟! هذا ل‬
‫يجوز"]‪.[167‬‬
‫‪ - 6‬قصة سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة]‪.[168‬‬
‫والشاهد فيها أنها "جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقالت‪ :‬يارسول‬
‫الله! إنا كنا ندعو سالما ابنًا‪ ،‬وإن الله قد أنزل ما أنزل‪ ،‬وإنه كان‬
‫يدخل علي‪ "...‬الحديث فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على عدم‬
‫الختلط معها بذلك التبني بعد نزول القرآن‪ ،‬وأمرها بإرضاعه خمس‬
‫رضعات لتحرم عليه"]‪.[169‬‬
‫ً‬
‫فإذا كان ليجوز الختلط مع من يقوم مقام البن مالم يكن محرما‪ ،‬فكيف‬
‫يسوغ الختلط بغيره‪.‬‬
‫‪" - 7‬على رسلكما إنها صفية" الحديث]‪.[170‬‬
‫وفيه أن صفية –رضي الله عنها‪ -‬زارته في معتكفه‪ ،‬فأرادت أن تنقلب فقال‬
‫لها‪ :‬ل تعجلي حتى أنصرف معك‪ .‬فخرج النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬معها فمر رجلن من النصار‪ ،‬فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أسرعا‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬على رسلكما إنها صفية بنت‬
‫حيي‪ .‬قال‪ :‬سبحان الله يا رسول الله! قال‪ :‬إن الشيطان يجري من النسان‬
‫مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا‪.‬‬
‫وقد أورده البيهقي في الشعب تحت فصل فيمن أبعد نفسه عن مواضع‬
‫التهم]‪ ،[171‬وقال المام الشافعي –رحمه الله‪" : -‬أراد عليه‬
‫السلم أن يعلم أمته التبري من التهمة في محلها‪ ،‬لئل يقعا في محذور‪ ،‬وهما‬
‫كانا أتقى لله من أن يظنا بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئًا"]‪،[172‬‬
‫وقال الماوردي‪" :‬فما كل ريبة ينفيها حسن الثقة‪ .‬هذا رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وهو أبعد خلق الله من الريب وأصونهم من التهم‪ ،‬وقف‬
‫مع زوجته صفية ذات ليلة على باب مسجد‪ ،‬يحادثها وكان معتكفًا‪ ،‬فمر به‬
‫رجلن من النصار‪ ،‬فلما رأياه أسرعا‪ .‬فقال لهما‪ :‬على رسلكما إنها‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صفية بنت حيي‪ .‬فقال‪ :‬سبحان الله! أوفيك شك يارسول الله؟ فقال‪ :‬مه‪ ،‬إن‬
‫الشيطان يجري من أحدكم مجرى لحمه ودمه‪ ،‬فخشيت أن‬
‫يقذف في قلبيكما سوءًا"‪.‬‬
‫ثم قال الماوردي‪" :‬فكيف من تخالجت فيه الشكوك‪ ،‬وتقابلت فيه الظنون‪،‬‬
‫قق‪ ،‬ولئم ٍ‬
‫ح ّ‬
‫م َ‬
‫ن قادٍح ُ‬
‫م ْ‬
‫ب ِ‬
‫ن في مواقف الّري َ ِ‬ ‫م ْ‬
‫فهل ي َعَْرى َ‬
‫دق"]‪.[173‬‬ ‫مص ّ‬‫ُ‬
‫والشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قرر أن خلطة الرجل بالمرأة‬
‫موطن ريبة‪ ،‬ومحل تهمة‪ ،‬مع أن هذه الخلطة كانت عند المسجد‪ ،‬وفي محل‬
‫عام‬
‫مطروق‪ ،‬وزمانها ليلة من ليال العشر الواخر من رمضان]‪ ،[174‬مع امرأة‬
‫مضروب عليها الحجاب الكامل بغير خلف لكونها من أزواجه‪،‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أضف إلى ذلك الصول المقررة؛ كعصمة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬ورسوخ إيمان صحابته‪ ،‬رضوان الله تعالى عليهم‪.‬‬
‫كل ذلك لم يبرر ترك بيان أن الختلط بالنساء موضع تهمة‪ ،‬ومحل شبهة‪.‬‬
‫هذا نزر يسير من الدلة‪ ،‬ومن تأمل نصوص الوحيين‪ ،‬وأحكام الشريعة اتضح‬
‫له بجلء حرصها على أن تكون أخت السلم درة مصونة ليقع عليها‬
‫للريبة ظل‪ ،‬ولؤلؤة مكنونة لتمتد إليها يد لمس‪ .‬وللعلمة محمد بن إبراهيم‬
‫رسالة وجيزة بليغة ذكر فيها تسعة عشر دليل ً على حرمة الختلط‬
‫فلتراجع]‪ ،[175‬بل حتى عقلء الغربيين كتبوا في التحذير من الختلط وآثاره‬
‫الضارة ولهم في ذلك مقولت معلومة منشورة‪ ،‬لعله يأتي ذكر‬
‫طرف منها‪.‬‬
‫الضرورة إذا اقتضت اختلطا‪ً:‬‬
‫تقرر أن الختلط محرم "ول يدخل في ذلك ما تدعو إليه الضرورة وتشتد‬
‫الحاجة إليه ويكون في مواضع العبادة كما يقع في الحرم المكي والحرم‬
‫المدني نسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين‪ ،‬وأن يزيد المهتدي منهم‬
‫هدى‪ ،‬وأن يوفق ولتهم لفعل الخيرات وترك المنكرات‪ ،‬والخذ على أيدي‬

‫)‪(16 /‬‬

‫السفهاء‪ ،‬إنه سميع قريب مجيب"]‪.[176‬‬


‫فمن المقرر أن الضرورات تبيح المحظورات‪ ،‬ب َي ْد َ أن الضرورة تقدر بقدرها‪،‬‬
‫فيتقي المرُء رّبه ويتحرز عما نهاه عنه ما استطاع‪.‬‬
‫فإذا اقتضت الضرورة اختلطًا‪ ،‬كما في الحج –على سبيل المثال‪ -‬فإن الحج‬
‫ركن من أركان السلم وهو فعل مأمور مقدم على ترك المحظور‪،‬‬
‫فإن اشتد الزحام ولم يمكن تجنبه كالحال في هذه الزمنة‪ ،‬فتؤدي المرأة‬
‫فرضها‪ ،‬متقيدة بضوابط الشرع‪ ،‬حريصة على محرمها‪ ،‬ثم تتحرز ما‬
‫استطاعت‪ ،‬والله غفور رحيم‪.‬‬
‫ومثل الحج سائر الضرورات التي تبيح المحظورات‪ ،‬فينبغي أن تقدر بقدرها‪،‬‬
‫وليتعدى قدر الضطرار فيها‪ ،‬وهذا يقدره ويقرره أهل العلم والشأن‬
‫فهم أعلم بضابط الضروريات وأجدر بعرض الوقائع على الحاديث واليات‪،‬‬
‫فإن وجدت ضرورة لتكون إل ّ مع الختلط فكشأن سائر المحظورات‬
‫تباح بقدر الحاجة‪ ،‬وبعد انتهائها يعود كل حكم إلى أصله‪.‬‬
‫افتعال الضرورة!‬
‫الضرورة حالة ملجئة لفعل‪ ،‬واللجاء ليعتبر باختيار الشخص وفعله بغير‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إكراه‪ ،‬فليجوز بحال أن تفتعل نازلة أوتصنع بيئة لختلط الرجال بالنساء‬
‫أو لتراعي الفصل بينهم‪ ،‬ثم ُيقال بجواز الختلط فيها للضرورة‪ ،‬فمثل ذلك‬
‫افتئات على الشرع ليقر فاعلوه وإن عذر بعض من واقعه باضطراره‪،‬‬
‫والذي ينبغي هو أن يقوم أساس البنيان وفق ضوابط الشريعة‪ ،‬فإذا وقع‬
‫محظور لضرورة بعد التحرز ساغ العتذار بالضرورة‪ ،‬إن كان الضرر‬
‫المترتب على تركه أعلى‪ ،‬على أن تقدر الضرورة بقدرها‪.‬‬
‫وإل ّ لكان المفتعل للضرورة المعتذر بها كمن قطع يدي مسلم ورجليه ثم‬
‫أذهب سمعه وبصره وقال هذا تحل له الزكاة! إذ ليس له عائل‪.‬‬
‫أو كالذي صبر إنسانا ً عن الطعام والشراب فلما أشرف على الهلكة قدم له‬
‫لحم خنزير أو ميتة وقال‪ :‬كله اضطرار!‬
‫أما إذا اضطر مضطر لحاجة عند من لم يراع ضوابط الشرع فيما أنشأ‬
‫فالمضطر معذور والمفرط موزور وإلى الله ترجع المور والله عليم بذات‬
‫الصدور‪.‬‬
‫طرف من كلم أهل العلم في المنع من الختلط‪:‬‬
‫لقد راعى علماؤنا رحمهم الله أصل المنع من اختلط الرجال بالنساء في‬
‫كثير من الحكام‪ ،‬وعللوا به‪ ،‬ولعله سبق ذكر طرف من ذلك‪ ،‬وليس الغرض‬
‫هنا تقرير أعيان المسائل التي ربما عللوا بالختلط منعها‪ ،‬ول الكلم على ما‬
‫قيل فيها بنفي ول إثبات‪ ،‬فربما خالف مخالف فيها‪ ،‬وإنما الغرض بيان ما‬
‫اتفق عليه العلماء من المنع بالختلط وتعليلهم به الكثير من الحكام‪ ،‬مع‬
‫نصهم على المنع منه]‪.[177‬‬
‫ومن ذلك ما نقله ابن القيم رحمه الله‪ " :‬ولي المر يجب عليه أن يمنع‬
‫اختلط الرجال بالنساء في السواق‪ ,‬والفرج‪ ,‬ومجامع الرجال‪.‬‬
‫صّياغ في ُقعود‬ ‫ك رحمه الله ورضي عنه‪ :‬أرى للمام أن يتقدم إلى ال ُ‬ ‫قال مال ٌ‬
‫ما‬
‫صّياغ فأ ّ‬ ‫النساء إليهم‪ ,‬وأرى أل َيتُرك المرأة الشابة تجلس إلى ال ّ‬
‫قعود‪ ,‬ول يُتهم من‬ ‫ن‪ ,‬التي ل تتهم على ال ُ‬ ‫دو ُ‬ ‫المرأة المتجاّلة]‪ [178‬والخادم ال ّ‬
‫تقعد عنده‪ :‬فإني ل أرى بذلك بأسًا‪.‬‬
‫ل عن ذلك‪ ,‬والفتنة به عظيمة‪ ,‬قال صلى الله‬ ‫انتهى]‪ ،[179‬فالمام مسئو ٌ‬
‫ة أضّر على الرجال من‬ ‫عليه وسلم ‪" :‬ما تركت بعدي فتن ً‬
‫ن‬
‫ت‪ ,‬ومنعه ّ‬ ‫مل ٍ‬ ‫متج ّ‬ ‫ت ُ‬ ‫النساء" ‪ ...‬ويجب عليه منع النساء من الخروج متزّينا ٍ‬
‫ت‪ ,‬كالثياب الواسعة‬ ‫ت عارّيا ٍ‬ ‫ن بها كاسيا ٍ‬ ‫من الثياب التي يك ّ‬
‫ن من حديث الرجال‪ ,‬في الطرقات‪ ,‬ومنع الرجال من ذلك‪]".‬‬ ‫ق‪ ,‬ومنعه ّ‬ ‫والّرَقا ِ‬
‫‪ ،[180‬ثم قال رحمه الله مشيرا ً إلى ما يناسب واقعهم‪:‬‬
‫ملت وتزّينت وخرجت‪-‬‬ ‫سد على المرأة ‪-‬إذا تج ّ‬ ‫ي المر أن ُيف ِ‬ ‫"وإن رأى ول ّ‬
‫ص في ذلك بعض الفقهاء وأصاب‪,‬‬ ‫خ َ‬ ‫ثيابَها بحبرٍ ونحوه‪ ,‬فقد ر ّ‬
‫ن المالّية‪ .‬وله أن يحبس المرأة إذا أكثرت الخروج من‬ ‫وهذا من أدنى عقوبته ّ‬
‫ة‪ ,‬بل إقرار النساء على ذلك‬ ‫مل ً‬ ‫منزلها‪ ,‬ول سّيما إذا خرجت متج ّ‬
‫ي المرِ عن ذِلك‪ .‬وقد منع‬ ‫ن على الثم والمعصية‪ ,‬والله سائل ول ّ‬ ‫ة له ّ‬ ‫إعان ٌ‬
‫أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه النساء من المشي في‬
‫طريق الرجال‪ ,‬والختلط بهم في الطريق‪ .‬فعلى ولي المر أن يقتدي به في‬
‫ذلك ‪."..‬‬
‫ن بالرجال‪ :‬أصل كل‬ ‫ن تمكين النساء من اختلطه ّ‬ ‫إلى أن قال‪" :‬ول ريب أ ّ‬
‫مة‪ ,‬كما‬ ‫بلي ّةٍ وشّر‪ ,‬وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العا ّ‬
‫أّنه من أسباب فساد ُأمورِ العامة والخاصة‪ ,‬واختلط الرجال بالنساء سبب‬
‫لكثرة الفواحش والزنا‪ ،‬وهو من أسباب الموت العام‪ ,‬والطواعين‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫س َ‬
‫ل‬ ‫المتصلة‪ .‬ولما اختلط البغايا بعسكر موسى‪ ,‬وفشت فيهم الفاحشة‪ :‬أْر َ‬
‫الله إليهم الطاعون‪ ,‬فمات في يوم واحد ٍ سبعون ألفا‪ ,‬والقصة‬
‫مشهورة في كتب التفاسير‪ .‬فمن أعظم أسباب الموت العام‪ :‬كثرة الزنا‪,‬‬
‫بسبب تمكين النساء من اختلطهن بالرجال‪ ,‬والمشي بينهم‬
‫ت متجملت‪ ,‬ولو علم أولياء المر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية‬ ‫متبّرجا ٍ‬
‫‪-‬قبل الدين‪ -‬لكانوا أشد شيء منعا لذلك"‪.‬‬
‫وقال الماوردي رحمه الله يعرف الد َّيوث‪" :‬هو الذي يجمع بين الرجال‬
‫والنساء‪ ،‬سمي بذلك لنه يدث بينهم"]‪.[181‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫وقد منع علماؤنا بعلة الختلط شهود بعض الواجبات‪ ،‬قال النفراوي في من‬
‫دعي إلى وليمة عرس‪ " :‬المتبادر من المر الوجوب‪ ..‬قال‬ ‫ُ‬
‫قط‬‫ن وإن صائما ‪ "...‬قال‪" :‬ثم شرع في بيان ما ُيس ِ‬ ‫ً‬ ‫ل‪ :‬تجب إجابة من عي ّ َ‬‫خلي ٌ‬
‫الجابة بقوله‪" :‬إن لم يكن هناك" أي في محل‬
‫ضوره‬ ‫ح ُ‬‫م ُ‬‫ما َيحُر ُ‬‫الوليمة "لهو مشهور" أي ظاهر بحيث ُيخالطه المدعو وهو م ّ‬
‫ن" أي مشهور ظاهر‪,‬‬ ‫وفسره بقوله‪" :‬ول منكٌر بي ّ ٌ‬
‫كاختلط الرجال بالنساء‪ ,‬أو الجلوس على الفرش الكائنة من الحرير‪ ,‬أو‬
‫التكاء على وسائد مصنوعة منه‪.[182]"..‬‬
‫وقد نقل أئمة المالكية؛ كابن فرحون‪ ،‬وابن زيد البرناسي‪ ،‬وأحمد القرافي‪،‬‬
‫أنه ليختلف في المذهب في عدم قبول شهادة من يحضرون العراس التي‬
‫يمتزج فيها الرجال بالنساء‪ ،‬وما شابه ذلك‪ ،‬وقالوا‪ :‬لن بحضورهم في هذه‬
‫المواضع تسقط عدالتهم]‪.[183‬‬
‫ً‬
‫وقال ابن العربي في أحكام القرآن معلقا على قول الحسن‪" :‬كان النساء‬
‫يسلمن على الرجال‪ ،‬وليسلم الرجال على النساء"‪ ،‬قال‪":‬وهذا‬
‫صحيح فإنها خلطة وتعرض‪ ،‬إل ّ أن تكون امرأة متجالة؛ إذ الخلطة لتكون بين‬
‫الرجال والنساء‪ ،‬وهذا هو المقصود والمنتهى"]‪.[184‬‬
‫وذكروا أن من آداب القضاء إفراد وقت أو يوم للنساء‪ ،‬قال المواق معلقا ً‬
‫على قول خليل‪" :‬وينبغي أن يفرد وقتا ً أو يوما ً للنساء"‪ ،‬قال‪" :‬‬
‫أشهب‪ :‬إن رأى أن يبدأ بالنساء فذلك له على اجتهاده‪ ،‬وليقدم الرجال‬
‫والنساء مختلطين‪ ،‬وإن رأى أن يجعل للنساء يوما ً معلوما ً أو يومين‬
‫فعل"]‪.[185‬‬
‫ثم نقل عن ابن الحكم قوله‪" :‬أحب إلي أن يفرد للنساء يومًا‪ ،‬ويفرق بين‬
‫الرجال والنساء في المجالس"]‪.[186‬‬
‫وعن المازري‪" :‬إن كان الحكم بين رجل وامرأة أبعد عن المرأة‪.[187]"..‬‬
‫وذهب متأخروا الحنفية للقول بكراهة الصلة في المسجد للمرأة شابة أو‬
‫عجوزًا‪ ،‬وكذلك حضور مجالس الوعظ‪ ،‬قال في الكافي‪" :‬والفتوى اليوم‬
‫على الكراهة في الصلة كلها‪ ،‬لظهور الفساد‪ ،‬ومتى كره حضور المسجد كره‬
‫حضور مجالس الوعظ‪ ،‬خصوصا ً عند هؤلء الجهال‪ ،‬الذين تحلوا‬
‫بحلية العلماء"]‪.[188‬‬
‫وقال الحموي معلل ً حكمه على الزفاف‪" :‬وهو حرام في زماننا فضل عن‬
‫الكراهة لمور ل تخفى عليك منها اختلط النساء‬
‫بالرجال"]‪.[189‬‬
‫وعلل ابن عابدين رد شهادة من خرج للفرجة على قدوم أمير بقوله‪" :‬لما‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تشتمل عليه من منكرات‪ ،‬ومن اختلط الرجال بالنساء"]‪.[190‬‬


‫ومن نكت الحناف قول بعضهم في الفة الستون من آفات اللسان‪" :‬الذن‬
‫والجازة فيما هو معصية‪ ،‬كإذن الزوج لمرأته أن تخرج من بيته إلى‬
‫غير مواضع مخصوصة" ثم عدها سبعا ً وقال‪" :‬وفيما عدا ذلك من زيارة‬
‫الجانب وعيادتهم والوليمة ل يأذن لها ولو أذن وخرجت كانا‬
‫عاصيين"]‪.[191‬‬
‫ومن اطراد الشافعية على قواعدهم منعهم من اختلط الرجال بالنساء‬
‫أمواتًا‪ ،‬قال في معالم القربة‪" :‬وليدفن في قبر واحد ميتان ما أمكن‪ ،‬وإن‬
‫اجتمع موتى في وباء جعلنا الرجلين والثلثة في قبر واحد‪ ،‬وقدمنا الفضل‬
‫إلى جدار اللحد‪ ،‬فيقدم الب على البن‪ ،‬والبن على الم لمكان الذكورة‪،‬‬
‫وليجمع بين الرجال والنساء‪ ،‬فإن دعت الضرورة جعلنا بينهما حاجزا ً من‬
‫تراب"]‪.[192‬‬
‫ّ‬
‫ونحوه قول الرملي‪" :‬وليجوز الجمع بين الرجال والنساء إل لضرورة‬
‫متأكدة"]‪.[193‬‬
‫وقد ذكر الفقهاء أنه يشرع للمرأة أن تبادر بالخروج من المسجد لتسلم من‬
‫مزاحمة الرجال]‪ ،[194‬واستحبوا للرجال أن يمكثوا ريثما تصدر‬
‫النساء ما لم يكن المأمومون رجال ً ليس فيهم نساء]‪ ،[195‬وقد مضى في‬
‫الكلم على شهود النساء للعياد والصلوات بعض ما ذكره أهل العلم‬
‫في خروجها للصلة‪ ،‬وكيف تخرج‪ ،‬ومن أين تدخل‪ ،‬وأين تقف]‪ ،[196‬ومتى‬
‫تنصرف‪ ،‬وكل ذلك حذار الختلط بالرجال‪.‬‬
‫وكذلك راعوا المنع من الختلط في الطواف‪ ،‬وقد سبقت الشارة إليه‪ ،‬عند‬
‫ذكر مراعاة الشريعة المنع من الختلط في النسك‪.‬‬
‫وقال الشيخ الجليل أبوبكر الطرطوشي –رحمه الله‪ -‬وقد سئل حول الجتماع‬
‫لختم القرآن‪" :‬إن كان ذلك على وجه السلمة من اللغط‪ ،‬ولم‬
‫يكن إل ّ الرجال‪ ،‬أو الرجال والنساء منفردين بعضهم عن بعض يسمعون‬
‫الدعاء فهذا البدعة التي كره مالك رحمه الله‪ "..‬إلى أن قال‪" :‬وكل‬
‫من قال بأصل الذرائع يلزمه القول بهذا الفرع‪ ،‬ومن أبى أصل الذرائع من‬
‫العلماء‪ ،‬يلزمه إنكاره لما يجري فيه من اختلط الرجال‬
‫والنساء"]‪.[197‬‬
‫وذكر ابن حجر الهيثمي في الفتاوى الحديثة‪ :‬أن"الموالد التي تفعل عندهم‬
‫في زمنه أكثرها مشتمل على شرور ‪ ،‬ولو لم يكن منها إل رؤية النساء‬
‫الرجال الجانب لكفى ذلك في المنع"]‪.[198‬‬
‫وقد علل بعضهم اشتراط الذكورية في القاضي أو الحاكم فقالوا‪ :‬ليتمكن من‬
‫مخالطة الرجال]‪.[199‬‬
‫وقد تقدم ذكر شيء من كلمهم بهذا عند ذكر مراعاة عدم الختلط في‬
‫الشرائع‪ ،‬كالحج والجهاد وغيرهما‪.‬‬
‫من كلم العلمة محمد بن إبراهيم‪:‬‬
‫للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله جواب مطول عن حكم الختلط أفرد في‬
‫رسالة سبقت الشارة إليها فليراجع‪ ،‬ولعله ُيكتفى هنا بنقل مواضع أخرى‬

‫)‪(18 /‬‬

‫من كلمه في فتاواه خارج تلك الرسالة‪ ،‬خاصة وأن شيئا ً من الرسالة فاح‬
‫عبقه بين طيات البحث‪ .‬وانظر كذلك فتاواه بعدها]‪.[200‬‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن كلمه قوله رحمه الله عند تلخيصه ذكر مفاسد الموالد التي عدها ابن‬
‫الحاج‪ -3" :‬خروج النساء إلى المقابر وارتكاب أنواع المحرمات‬
‫هناك من الختلط وغيره"]‪.[201‬‬
‫وقال رحمه الله‪" :‬وأما اختلط النساء بالرجال وحصول المفاسد التي‬
‫ذكرتها]‪ ،[202‬فهذا من أكبر المنكرات التي يتعين إنكارها على‬
‫الجميع"]‪.[203‬‬
‫ً‬
‫وقال‪" :‬ومن أدلة ذلك أيضا النصوص الدالة على منع اختلط الرجال بالنساء‪،‬‬
‫لن المرأة الموظفة ل تختص بالنساء ل بد أن تخالط الرجال‬
‫بمقتضى طبيعة وظيفتها‪ .‬ومن تلك النصوص قوله تعالى‪" :‬وإذا سألتموهن‬
‫متاعا ً فاسألوهن من وراء حجاب" فالمر بكون سؤالهن من وراء‬
‫حجاب دليل واضح على لزوم الحواجز وعدم الختلط"]‪.[204‬‬
‫ً‬
‫وقال حول ما تقدم به بعضهم ضد هيئة المر بالمعروف‪ ،‬متظلما من سجنه‪،‬‬
‫وتأديب المشتركين في حفلة زواج بضرب كل واحد منهم خمسة أسواط‪.‬‬
‫"بتأمل ما قرره قاضي الفلج بحق المذكورين‪ ،‬بناء على ما تحقق لديه من‬
‫اجتماعهم مختلطين رجال ً ونساًء على ضرب الدفوف‪ ،‬وما ترتب عليه‬
‫من وجود منكرات ل يجوز فعلها شرعًا‪ ،‬يعتبر إجراًء حسنًا‪ ،‬وفي محله‪ ،‬ول‬
‫وجه لتشكي المذكورين‪ ،‬بل الذي ينبغي في ذلك على ولة المر أن‬
‫يكونوا عونا ً لرجال الدين والحسبة في قمع أمثال هؤلء والضرب على أيديهم‬
‫بما يحفظ للدين كرامته وللشرع قداسته"‪.‬‬
‫ثم ذكر –رحمه الله‪" -‬أن ضرب الدفوف إذا كان مقصورا ً على النساء فقط‬
‫سالما ً من المور المحرمة فل مانع منه‪ ،‬لشرعية إعلن‬
‫النكاح"]‪.[205‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ومن أقواله أيضا‪" :‬بهذه المناسبة أشرح أمرا هاما ينبغي أن يكون العمل‬
‫عليه في مستشفات المملكة‪ ،‬وذلك أن الرجال والنساء الذين يرتادون‬
‫المستشفيات للعلج ينبغي أن يكون لكل منهم قسم خاص في المستشفى‪،‬‬
‫فقسم الرجال ل يقربه النساء بحال‪ ،‬ومثله قسم النساء‪ ،‬حتى تؤمن‬
‫المفسدة‪،‬‬
‫وتسير مستشفيات البلد على وضع سليم من كل شبهة‪ ،‬موافق لبيئة البلد‬
‫ودينها وطبائع أهلها‪ ،‬وهذا الترتيب ل يكلف شيئا ً ول يوجب التزامات مالية‬
‫أكثر مما كان‪ ،‬فإن الدارة واحدة‪ ،‬والتكاليف واحدة‪ ،‬مع أن ذلك متعين شرعا ً‬
‫مهما كلف"]‪.[206‬‬
‫وقال في شروط دراسة تمريض النساء‪" :‬ومنها أن يكون عمل المتخرجات‬
‫في الجنحة النسائية فقط‪ ،‬ول يكلفن بالعمل في أجنحة الرجال‪ ،‬ومنها‬
‫أن يكون التدريب العلمي في القسام النسائية في ُبعد عن الختلط‬
‫بالرجال"]‪.[207‬‬
‫من كلم العلمة ابن باز‪:‬‬
‫قال رحمه الله‪" :‬والكتاب والسنة دل على تحريم الختلط وتحريم جميع‬
‫الوسائل المؤدية إليه"]‪.[208‬‬
‫وقال‪" :‬لقد ذكرنا من الدلة الشرعية والواقع الملموس ما يدل على تحريم‬
‫الختلط واشتراك المرأة في أعمال الرجال مما فيه كفاية ومقنع لطالب‬
‫الحق‪ ،‬ولكن نظرا ً إلى أن بعض الناس قد يستفيدون من كلمات رجال الغرب‬
‫والشرق‪ ،‬أكثر مما يستفيدون من كلم الله‪ ،‬وكلم رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وكلم علماء المسلمين‪ ،‬رأينا أن ننقل لهم ما يتضمن اعتراف رجال‬
‫الغرب والشرق بمضار الختلط ومفاسده‪ ،‬لعلهم يقتنعون بذلك‪ ,‬ويعلمون‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن ما جاء به دينهم العظيم من منع الختلط هو عين الكرامة والصيانة‬


‫للنساء وحمايتهن من وسائل الضرار بهن والنتهاك‬
‫لعراضهن"]‪.[209‬‬
‫ثم قال‪" :‬ولو أردنا أن نستقصي ما قاله منصفو الغرب في مضمار الختلط‬
‫الذي هو نتيجة نزول المرأة إلى ميدان أعمال الرجال لطال بنا المقال‬
‫ولكن الشارة المفيدة تكفي عن طول العبارة"]‪.[210‬‬
‫وقال معلقا ً على من زعم بأن عزل الطالبات عن الطلب مخالفة للشريعة‪،‬‬
‫وأن المسلمين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤدون‬
‫الصلة في جامع واحد‪" :‬ولشك أن هذا الكلم فيه جناية عظيمة على‬
‫الشريعة السلمية‪ ،‬لن الشريعة لم تدع إلى الختلط حتى تكون المطالبة‬
‫بمنعه مخالفة لها‪ ،‬بل هي تمنعه وتشدد في ذلك"]‪.[211‬‬
‫ومما قاله رحمه الله‪" :‬فمن واجب النصح والتذكير أن أنبه على أمر لينبغي‬
‫السكوت عليه‪ ،‬بل يجب الحذر منه‪ ،‬والبتعاد عنه‪ ،‬وهو الختلط‬
‫الحاصل من بعض الجهلة‪ ،‬في بعض الماكن والقرى مع غير المحارم‪،‬‬
‫وليرون بذلك بأسا ً بحجة أن هذا عادة أجدادهم‪ ،‬وأن نياتهم‬
‫طيبة‪.[212]"..‬‬
‫وقال حول الختلط في المدارس البتدائية‪" :‬إن الختلط وسيلة لشر كثير‪،‬‬
‫وفساد كبير ليجوز فعله" ثم قال‪" :‬وبكل حال فاختلط البنين‬
‫والبنات في المراحل البتدائية منكر ليجوز فعله"]‪.[213‬‬
‫وقال رحمه الله‪" :‬من المعلوم أن نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال‬
‫يؤدي إلى الختلط‪ ،‬وذلك أمر خطير جدًا‪ ،‬له تبعاته الخطيرة‪ ،‬وثمراته‬
‫المرة‪ ،‬وعواقبه الوخيمة‪ ،‬وهو مصادم لنصوص الشريعة التي تأمر المرأة‬
‫بالقرار في بيتها‪ ،‬والقيام بالعمال التي تخصها في بيتها ونحو‪ ،‬مما تكون فيه‬

‫)‪(19 /‬‬

‫بعيدة عن مخالطة الرجال"‪ ...‬إلى أن قال‪" :‬والدلة الصريحة الصحيحة الدالة‬


‫على تحريم الخلوة بالجنبية‪ ،‬وتحريم النظر إليها‪ ،‬وتحريم‬
‫الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم الله‪ ،‬أدلة كثيرة محكمة قاضية‬
‫بتحريم الختلط المؤدي إلى ما لتحمد عقباه"]‪.[214‬‬
‫وسئل عن حفلت التوديع المختلطة‪ ،‬فقال‪" :‬الحفلت لتكون بالختلط! بل‬
‫الواجب أن تكون حفلت الرجال للرجال وحدهم‪ ،‬وحفلت النساء‬
‫للنساء وحدهن‪ ،‬أما الختلط فهو منكر‪ ،‬ومن عمل أهل الجاهلية نعوذ بالله‬
‫من ذلك"]‪.[215‬‬
‫وللشيخ رحمه الله رسائل وفتاوى متعددة في المسألة غير ما أشير إليه]‬
‫‪.[216‬‬
‫وما سبق نزر يسير‪ ،‬وطرف من كثير‪ ،‬ولعل فيه كفاية‪ ،‬ولعله قد تبين من‬
‫خلل العرض النف أن المنع من اختلط الرجال بالنساء‪ ،‬ليس من مفردات‬
‫الحنابلة! فهؤلء علماء السلم بشتى مذاهبهم‪ ،‬وبمختلف أعصارهم‬
‫وأمصارهم يقولون به‪ .‬فليست الدعوة إلى ترك الختلط إذًا‪ ،‬دعوة إقليمية‪،‬‬
‫ولمذهبية‪ ،‬بل هي إسلمية إسلمية‪.‬‬
‫بعض شبه من اختلط عليه الختلط‪:‬‬
‫إن الشبه التي يتمسك بها بعضهم لتخرج عن كونها اختلط مع التحرز‬
‫ل‪ ،‬بل بعضها أدلة هي عند‬ ‫لضرورة أو حاجة ملحة‪ ،‬أو ليس فيها مستمسك أص ً‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العقلء حجة على موردها‪.‬‬


‫ً‬
‫ولو أمعن القارئ الكريم النظر في الشبه التي يسوغ بها البعض أضربا من‬
‫حملت على‬ ‫الختلط‪ ،‬لوجد أن الشكال يكمن في التمسك بأمور مجملة‪ُ ،‬‬
‫معنى فاسد‪ ،‬ساق إليه ارتباط الذهن بواقع الناس اليوم‪ ،‬والواجب حمل‬
‫المجمل على وجه صحيح دل عليه الشرع‪ ،‬ما أمكن ذلك‪ .‬وبخاصة إذا جاء‬
‫المجمل من صاحب الشريعة‪ ،‬أو من الجيل الذي عرف بالتزامه للشريعة‪.‬‬
‫ومن هذا القبيل ما ُيستدل به على جواز الختلط من نحو شهود المسلمات‬
‫في العصر الول للجمع والجماعات والعياد‪ ،‬وكذلك حجهن واعتمارهن‬
‫وجهادهن‪ ،‬ونحو ذلك مما سبق بيان وجهه الشرعي‪ ،‬بعيدا ً عن واقع الناس‬
‫اليوم‪.‬‬
‫ً‬
‫غير أن هناك نصوصا أخرى أشكلت على البعض‪ ،‬ولعله يتم التعرض لبعضها‬
‫فيما يلي‪:‬‬
‫الستدلل بقصة يوسف عليه السلم‪:‬‬
‫من شبه من أشكل عليه الختلط‪ ،‬ما يستدل به بعضهم‪ ،‬من دخول نبي الله‬
‫يوسف على النسوة‪ ،‬قال الله‪" :‬فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن‬
‫وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا ً وقالت اخرج عليهن فلما‬
‫رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن" الية‪ ،‬ومن تأمل هذه الية وما جاء قبلها‬
‫وبعدها جزم بأنه ليصح الستدلل بها على جواز الختلط‪ ،‬بل اليات حجة عند‬
‫النظر والتأمل لمن منع من الدخول على النساء ومخالطتهن‪:‬‬
‫فيوسف عليه السلم اشتراه عزيز مصر‪ ،‬وكان في بيته وكان خروجه بأمر‬
‫ربة البيت فكان الخروج في حقه لضرورة أو حاجة‪ ،‬خاصة وأنه ليعلم‬
‫لماذا ُدعي‪ ،‬فغاية ما في القصة الستدلل بفعل النسوة أو امرأة العزيز‪،‬‬
‫وهذا استدلل بفعل من كان على الشرك‪ ،‬ومع ذلك فإن اليات في سياق‬
‫القصة‬
‫وما تبعها من فتنة حصلت للنساء بل ولمرأة العزيز من قبل دليل على حرمة‬
‫الختلط‪ ،‬فمن حلل الختلط بقصة يوسف لم يفقه ما استدل به عليه من‬
‫سورة يوسف‪ ،‬ولو فقهه لحرم الختلط به‪ ،‬فانظر إلى الفتنة التي حصلت إثر‬
‫الدخول على النساء ولئن عصم الله يوسف عليه السلم فأراه برهان‬
‫ربه لكونه من المخلصين‪ ،‬فمن الذي يضمن هداية من تقحم الفتن وعرض‬
‫نفسه لها؟ فـ"إياكم والدخول على النساء"‪ ،‬كما قال نبينا صلى الله عليه‬
‫وسلم]‪.[217‬‬
‫الستدلل بنبأ موسى مع المرأتين‪:‬‬
‫ومن عجيب ما يتمسكون به كذلك نبأ موسى –عليه السلم‪ -‬مع بنتي صاحب‬
‫مدين‪ ،‬وليس فيه حجة على جواز الختلط بل هو دليل آخر على‬
‫مة من الناس يسقون‪ ،‬ووجد من دونهم امرأتين‬ ‫ُ‬
‫المنع‪ ،‬فموسى لما رأى أ ّ‬
‫تذودان غنمهما عن السقيا مع القوم‪ ،‬منعزلتان لتسقيان مع الناس‪ ،‬لم يرضه‬
‫موقفهما واستغربه ولهذا سألهما بعبارة مختصرة‪ :‬ما خطبكما؟ فكان الجواب‬
‫بأوجز عبارة وبقدر الحاجة‪" :‬لنسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا‬
‫شيخ كبير"‪.‬‬
‫والسئلة التي ينبغي أن تطرح هنا لماذا هذا القتضاب؟ مع أنه عند أبيهما‬
‫قص القصص! ولماذا لم تسقيا؟ ولماذا ذادتا غنمهما؟ وعن ماذا ذادتا‬
‫الغنم؟ أليس عن الختلط بغنم القوم؟ ثم أليس الولى لهما أن تعجل؟‬
‫جواب ذلك في القول باستقرار المنع من الختلط عندهما ولهذا قالتا‪" :‬ل‬
‫نسقي حتى يصدر الرعاء"‪ ،‬وقد ذكر بعض المشايخ المعاصرين أربعة عشر‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وجها ً في القصة انتزع منها الدللة على منع الختلط‪ .‬وآخر ذكر‬
‫تسعة عشر مظهرا ً من مظاهر العفة في القصة‪.‬‬
‫الستدلل بأخبار سمراء والشفاء رضي الله عنهما‪:‬‬
‫ومما أشكل على بعضهم خبر مفاده تولية النبي صلى الله عليه وسلم سمراء‬
‫بنت نهيك أمر السوق‪ ،‬وحديث سمراء بنت نهيك الذي أخرجه الطبراني‬
‫في الكبير‪ ،‬صححه بعض أهل العلم]‪ ،[218‬وفيه أن يحيى بن أبي سليم قال‪:‬‬
‫"رأيت سمراء بنت نهيك ‪-‬وكانت قد أدركت النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬عليها درع غليظ وخمار غليظ بيدها سوط تؤدب الناس وتأمر‬
‫بالمعروف وتنهى عن المنكر"]‪ ،[219‬وهو كما ترى ليس فيه‬
‫ذكر لولية بل ولسوق!‬

‫)‪(20 /‬‬

‫ثم إن الحتمالت ترد على معناه وغاية ما فيه أنه –ابن أبي سليم‪ -‬رأى‬
‫سمراء تأمر وتنهى‪ ،‬ولم يقل أنها اتخذت ذلك عمل ً أو وليته منصبًا‪ ،‬فربما‬
‫كانت خارجة لبعض حاجتها فرأت المنكرات فأنكرتها‪ ،‬وهذا دأب عباد الله‬
‫الصالحين‪ ،‬ولعل مما يجعل هذا الحتمال وجيها ً هو عدم نقل غيره له ولو‬
‫صبا ً لكان معروفا ً مشهورا ً منقول ً عن غيره‪ ،‬ولسيما لو كان منصبا ً في‬
‫من ِ‬‫كان َ‬
‫محل عام يرده ويصدر عنه الفئام‪ ،‬بل ندر من لتكون له حاجة فيه‪.‬‬
‫وأهل العلم ليحرمون خروج المرأة للحاجة أو الضرورة وإن تكرر الخروج‪،‬‬
‫فلو خرجت امرأة لحاجة والتزمت بضوابط الشرع في خروجها‪ ،‬فل‬
‫حرج عليها‪ ،‬فإذا رأت منكرا ً وكان بوسعها إنكاره فعليها أن تنكره‪ ،‬وهذا غاية‬
‫ما في أثر بنت نهيك‪.‬‬
‫ً‬
‫ولُيعرف من أشار إلى توليتها السوق منصبا‪ ،‬وإنما ُذكر عن عمر –رضي الله‬
‫عنه‪ -‬أنه وّلى أم سليمان بن أبي حثمة الشفاء بنت عبدالله العدوية‬
‫القرشية شيئا ً من أمر السوق‪ ،‬وقد كانت موصوفة بفضل وعقل وهي من‬
‫المهاجرات الوائل رضي الله عنهن جميعًا‪ ،‬ولعل خبر توليتها السوق ليس له‬
‫ول عليه‪ ،‬كما أن ظاهر كلم أهل العلم يفهم منه تولية ابنها‬ ‫سند ٌ ُيع ّ‬
‫ومساعدتها له في بعض الشأن‪ ،‬فقد ذكرها الحافظ المزي فقال‪" :‬وكان عمر‬
‫بن‬
‫ً‬
‫الخطاب يقدمها في الرأي ويرضاها ويفضلها وربما ولها شيئا من أمر السوق‬
‫ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر"]‪ [220‬ونقله نحوه ابن حزم‬
‫في المحلى]‪ [221‬ولكن الزرقاني أشار إلى أن من وُّلي هو ولدها سليمان‬
‫بن أبي حثمة‪ ،‬قال‪" :‬وقال )أبو( عمر رحل مع أمه إلى‬
‫المدينة وكان من فضلء المسلمين وصالحيهم واستعمله عمر على السوق‬
‫وجمع الناس عليه في قيام رمضان"]‪ ،[222‬وكلم الزرقاني هو الذي‬
‫نص عليه ابن عبدالبر كما في الستيعاب]‪ ،[223‬وقد نقله الحافظ ابن حجر‬
‫في الصابة‪ ،‬وقال‪ " :‬قلت هذا كله كلم مصعب الزبيري‬
‫وذكره عنه الزبير بن بكار"]‪.[224‬‬
‫فغاية ما في هذا إن ثبت – فمصعب الزبيري توفي في ستة وثلثين ومائتين‬
‫وبينه وبين عمر مفاوز‪ -‬أن عمر رضي الله عنه ولها شيئا ً من أمر‬
‫السوق مع ابنها‪ ،‬ولعل ذلك فيما يختص بما يحتاج الرجال دخول النساء فيه‬
‫فكانت تساعده في ذلك والله أعلم‪ ،‬وهذا الصنيع له وجهه الذي ليخفى فإن‬
‫شؤون النساء قد ليناسب مباشرة بعض حالت احتسابها رجال‪ ،‬وهذا ظاهر‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأخيرا ً هناك من يذكر خبرا ً عن شخصية يسمونها خولة بنت الزور ويذكرون‬
‫قصة إنقاذ أخيها ضرار –وهو صحابي معروف‪ -‬من السر‪ ،‬ول‬
‫أصل لهذه القصة فل يوقف معها‪ ،‬بل إن في ثبوت شخصية خولة هذه نظر‬
‫فضل ً عن القصة]‪.[225‬‬
‫دعاوى غير معقولة‪:‬‬
‫بعض من يعيه النقل الصحيح يلجأ إلى شبه أخرى بعضها ينقض بعضًا‪ ،‬والواقع‬
‫أشد لها نقضًا‪ ،‬كقولهم الفصل يؤجج الشهوة‪ ،‬ويلجئ إلى طلب الجنس‬
‫ولو من المثل‪ ،‬ثم نقضه بقولهم‪ ،‬القضية قضية قلوب! إذا سلم القلب فل‬
‫تهتم أين كان صاحبه‪ ،‬والمرأة الشريفة تستطيع أن تعيش بين الرجال في‬
‫حصن حصين من شرفها وعفتها ل تمتد إليه المطامع‪.‬‬
‫وهكذا يدخل صاحب الهوى في مغالطات يهزأ منها قارئ التاريخ‪ ،‬ويكذبها‬
‫الواقع بإحصائياته‪ ،‬بل بإقرار قدوات المغالطين من رجال الغرب ونسائه‪.‬‬
‫أما الدعوى الولى فهي ضرب من الرهاب الفكري المقيت‪ُ ،‬يحصر فيه‬
‫الناس بين خيارين؛ إما الختلط ولك أن تقول‪ :‬الزنا‪ ،‬وإما الشذوذ‪،‬‬
‫سبحان الله! أل يرى هؤلء إل ّ الجنس المحرم‪ ،‬مثلهم كمثل من يقول‪ :‬إما أن‬
‫يأكل الناس مما لم يذكر اسم الله عليه‪ ،‬أو ُيؤكل لحم الخنزير‪.‬‬
‫عجبًا! وأين ذهب الحلل الطيب؟‬
‫ولك أن تعجب أيضا ً من ذلك الشرف‪ ،‬وتلك العفة‪ ،‬التي يزعم امتلكها من‬
‫يبيح الختلط‪ ،‬ويتهم من ينادي بالفصل بسوء القصد! وأتساءل هل حقا ً‬
‫دعي؟‬ ‫بلغت السذاجة بأناس مبلغا ً يدفعهم لتصديق هذا ال ّ‬
‫ل أظن أن عاقل ً يتصور أن امرأة شريفة سوف تعيش في حصن من العفاف‬
‫حصين أنى وجدت‪ ،‬ولو في قعر بيت بغاء!‬
‫ً‬
‫ل‪ ،‬أو متبعضا عن غيره‪ ،‬وكذلك العفة‬ ‫إن الشرف ليس جوهرا ً قائما ً منفص ً‬
‫ليست كائنا ً يمشي على الرض‪ ،‬ويمسك باليد‪ ،‬بل هي أعرض قائمة‬
‫ت الطرقات والخلوات‪ ،‬فلن تصادف جسما ً اسمه الشرف‪،‬‬ ‫جب ْ َ‬
‫بالنفوس‪ ،‬فإذا ُ‬
‫ً‬
‫وإذا شققت إنسانا وفتشت بين جنباته‪ ،‬فلن تجد قطعة اسمها العفة‪ ،‬ولكن‬
‫ربما وجدت قلوبا ً حية بيضاء‪ ،‬وهذه لتزال صافية‪ ،‬حتى يسقط فيها ما‬
‫يكدرها‪.‬‬
‫إن الصفات والعراض قابلة للتأثر إذا لم تصن‪ ،‬فالخفرات الخود‪ ،‬إذا خرجن‬
‫فأكثرن التعرض لشعة الشمس الحارقة‪ ،‬مالت نحو السواد أبشارهن‬
‫وقلوبهن البيضاء!‬
‫ت إنسانا ً يتقاطر الحياء من محياه‪ ،‬فعاد إليك بعد أن خالط أقواما ً لم‬ ‫وكم رأي َ‬
‫يتركوا في وجهه قطرة ماء‪.‬‬
‫إن من المستهجن في العقول أن تقول لغواص يجوب أعماق البحار‪ ،‬انزع‬
‫لباسك الضافي السود وإياك إياك أن تبتل بالماء! ومن قبيله ترك المباعدة‬
‫بين الرجال والنساء وترقب السلمة مع أن "كل فحل يمذي وكل أنثى‬
‫تقذي"‪.‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫ألم ير من يناد بهتك الستر بين الرجال والنساء أثر ذلك في الغرب‬
‫المتحضر؟ هل خفف ذلك من ثورة الشهوات؟ أم أتاح لها متنفسا ً فلوثت‬
‫العراض؟‬
‫ثم هب أن امرأة درجت على مخالطة الرجال فسلم لها شرفها وحياؤها فلم‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يهزل‪ ،‬فمن الذي يكفل عدم خدشها من قبل ثعالب وذئاب البشر‪..‬‬
‫ضّرارا ً لقوام‬ ‫ل َ‬ ‫قالت بنو عامرٍ خلوا بني أسد ٍ يابؤس للجه ِ‬
‫مي]‪[226‬‬ ‫حا ِ‬‫فرِ ال َ‬ ‫ْ‬
‫ست َث ِ‬
‫م ْ‬
‫ب له تتقي صولة ال ُ‬ ‫ب على من لكل َ‬ ‫تعدو الذئا ُ‬
‫يذكر أهل السير والدب أن عمر بن أبي ربيعة بينما كان يطوف بالبيت إذ‬
‫نظر إلى امرأة فوقعت في قلبه‪ ،‬فدنا منها فكلمها‪ ،‬فلم تلتفت إليه‪ .‬فلما كان‬
‫في الليلة الثانية جعل يطلبها حتى أصابها‪ .‬فقالت له‪ :‬إليك عني يا هذا‪ ،‬فإنك‬
‫في حرم الله وفي أيام ٍ عظيمة الحرمة‪ .‬فألح عليها يكلمها‪ ،‬حتى‬
‫خافت أن يشهرها‪ .‬فلما كان في الليلة الخرى رفعت الختلط المحظور‬
‫فقالت لخيها‪ :‬أخرج معي يا أخي فأرني المناسك‪ ،‬فأقبلت وهو معها‪.‬‬
‫فلما رآها عمر أراد أن يعرض لها‪ ،‬فنظر إلى أخيها معها فعدل عنها‪ ،‬فتمثلت‬
‫المرأة بقول النابغة السالف‪.‬‬
‫وذكروا أن الخبر بلغ الخليفة المنصور فقال‪ :‬وددت أنه لم تبق فتاة من‬
‫قريش في خدرها إل سمعت بهذا الخبر‪.‬‬
‫وفي الحصاءات التي تبين ماهو ماثل في أرض الواقع ما يغني عن الخبار]‬
‫‪ ،[227‬نسأل الله الحفظ والسلمة‪.‬‬
‫أما الزعم بأن الدعوة للعفاف ونبذ التبذل والختلط سبب لتأجج نار‬
‫الشهوات فهو من أظهر الباطل‪ ،‬فهؤلء أهل السلم ودعاته الملتزمون‬
‫بأحكامه‬
‫ومن ذلك الفصل بين الرجال والنساء‪ ،‬محافظون على العفة مهذبون‬
‫لغرائزهم بالتزامهم أمر اللطيف الخبير بخلف غيرهم‪.‬‬
‫فلم نسمع بجماعة إسلمية‪ ،‬دعت يوما ً من الدهر إلى إباحة الشذوذ الجنسي‪،‬‬
‫ن‬‫س ّ‬‫فضل ً عن أن تقر له قانونًا‪ ،‬بينما قاد الختلط والنفتاح أمما ً إلى َ‬
‫تشريعات تبيح الشذوذ‪ ،‬وإل ّ فما بال نساء ألمانيا وبريطانيا وأمريكا ورجالتها‬
‫سنوا تشريعات تقر الشذوذ‪ ،‬وأقاموا منظمات تحفظ حقوق الشذاذ!‬
‫أتراهم عانوا من كبت ضرب الحجاب بين الجنسين أو أمر النساء بالقرار؟‬
‫هل يعلم هؤلء أن بالوليات المتحدة وحدها نحوا ً من خمسين مليون‬
‫شاذ]‪![228‬‬
‫ثم من الذي يحمي شذاذ الفاق‪ ،‬من الذين انتكست فطرهم في الدول‬
‫العربية والمسلمة؟ هل رأيتم شعبا ً مسلما ً خرج في مظاهرة لحماية حقوق‬
‫الشواذ؟‬
‫اللهم ل؛ ولكن رأينا احتجاجات بمباني المم المتحدة في جنيف‪ ،‬وخارج‬
‫المكتب الثقافي التابع للسفارة المصرية بواشنطن‪ .‬وسمعنا بانتقدات‬
‫جماعات‬
‫حقوق النسان الدولية‪ ،‬لحادث قبض على بعض الشذاذ في أرض الكنانة‬
‫أسفر عن إدانتهم ومحاكمتهم]‪![229‬‬
‫حتى قال محرر الهرام العربي‪" :‬بعد أن رفع الشواذ المريكيون شعار‬
‫الحرية الشخصية الذي تبناه خمسة وثلثون من أعضاء الكونجرس في‬
‫رسالة مسمومة إلي الرئيس مبارك يلوحون فيها بورقة المعونة المريكية‬
‫للضغط علي مصر بهدف إلغاء محاكمة المتهمين الـ ‪ 52‬في قضية الشذوذ‬
‫ومنح الحرية الكاملة لي شاذ يمارس الجنس مع أشخاص بالغين من الجنس‬
‫نفسه ‪.‬‬
‫ولن الحملة المريكية يقودها شاذ أمريكي يدعي "باري فرانك" عضو‬
‫الكونجرس عن ولية "ماستشوستس" ومعه "توم لنتس"‬
‫المعروف بالمشاركة الدائمة والمنتظمة في أي حملة ضد مصر فقد جاء الرد‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سريعا وفي نفس التجاه من أوروبا ‪ ..‬وبالتحديد من أمام السفارة‬


‫المصرية في جنيف حيث وقف عشرات الشواذ يتظاهرون منددين بانتهاك‬
‫الحكومة المصرية لحقوق الشواذ وحرمانهم من ممارستهم لحريتهم !!‬
‫والمفارقة أن المظاهرة جاءت ضمن فعاليات المؤتمر العالمي للشواذ‬
‫والسحاقيات الذي أقيم السبوع الماضي في العاصمة السويسرية ‪.‬‬
‫ولم تسلم جمعيات حقوق النسان في مصر من الحرب الشرسة ‪ ,‬إذ نالت‬
‫مئات الهجمات العنيفة علي مواقعها عبر النترنت بالضافة إلي تهديدها‬
‫بوقف التمويل مالم تنتفض لنجدة ونصرة الشواذ في مصر وتهيئ لهم أجواء‬
‫الفجور والفسوق !!"]‪. [230‬‬
‫"لقد أضاف الدستور البريطاني مادة جديدة تتيح للموظف المسئول‪ ،‬حرية‬
‫العلن عن ميوله الجنسية ‪ ,‬فكانت النتيجة أن أعلن أربعة وزراء عن‬
‫ميولهم الشاذة‪ ،‬وسكت آخرون‪ ،‬فصادف أن وقف )توني بلير( ‪-‬رئيس الوزراء‬
‫البريطاني‪ -‬في أحد المؤتمرات الصحفية بعد إعلن أحد‬
‫الوزراء عن ميوله الجنسية الشاذة ‪ ,‬فلم يجد سوى أن يقول‪ :‬تلك ميول‬
‫شخصية ل تؤثر علي كفاءته في العمل كوزير!‬
‫وعندما حاولت ملكة هولندا في السنوات الخيرة اللتزام ببروتوكول القصر‬
‫الملكي‪ ،‬فحرمت حوالي أربعة عشر سفيرا ً ودبلوماسيا ً هولنديا ً شاذا ً ‪-‬‬
‫أعلنوا عن ميولهم في المل‪ -‬من حضور حفلت ملكية‪ ،‬وجدت المتحدث‬
‫الرسمي الول لمجلس الدولة –الشاذ‪ -‬يعرب عن اعتراضه علي هذا‬
‫الحرمان‪ ،‬وامتنع عن حضور المؤتمرات‪ ،‬التي تعقد في القصر لنه ل يستطيع‬
‫أن يصطحب صديقه!‬
‫ولست أدري أين وصلت فرنسا في قانون )باكس( للتضامن الجتماعي‪،‬‬
‫وأهم البنود المطروحة في مشروع القانون مسألة السماح لي زيجة بين‬

‫)‪(22 /‬‬

‫الشواذ تمنحهم الحقوق المدنية المكفولة للزواج الطبيعيين مثل حقوق‬


‫الميراث‪ ،‬والحتفاظ بالممتلكات بعد وفاة أحد الطرفين ‪ .‬وهناك مشروع‬
‫مماثل‬
‫جار بحثه في بلجيكا بعد ضغوط من بعض المنظمات الدولية الكبرى التي‬
‫ترعي هؤلء الشواذ"]‪.[231‬‬
‫وقبل أيام قلئل وقف أمام المل نائب الرئيس المريكي "ديك تشيني" ليدافع‬
‫في مقابلة تلفزيونة أجرتها معه " إم إس إن بي سي" عن حقوق‬
‫ابنته الشاذة في حماية حياتها الخاصة‪ ،‬معربا ً عن حبه الشديد لها‪ ،‬وقد كان‬
‫ناشطون شذاذ دعوا ابنته "ماري" للتنديد بمقترح الرئيس جورج بوش‬
‫من أجل تعديل الدستور لحظر الزواج من نفس الجنس]‪![232‬‬
‫وهكذا يستشري الشذوذ في تلك المجتمعات التي لترعى للختلط حرمة‪،‬‬
‫ويتقدم ليقتحم الكنائس والبيع‪ ،‬وقد أثارت الصحف المريكية قبل حوالي‬
‫ستة أشهر‪ ،‬نبأ انتخاب "جين روبنسون" أول أسقف شاذ للكنيسة السقفية‬
‫البروتستانتية‪ ،‬التي تضم حوالي ‪ 3.2‬مليون نصراني‪ ،‬ينتمون إلى‬
‫الكنيسة النجليكانية‪ ،‬يباركهم جميعا ً هذا القس الشاذ]‪![233‬‬
‫"ولن تعجب كثيرا ً إذا علمت أن اليهود كان لهم السبق في دعم مثل هذه‬
‫التوجهات الشاذة في خطوة غير مسبوقة عندما صوت الحاخامات المنتمون‬
‫لكبر تجمع يهودي في الوليات المتحدة لصالح العتراف بزواج الشواذ وذلك‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في المؤتمر المركزي للحاخامات المريكيين التابع لحركة الصلح‬


‫اليهودية حيث صرح رئيس المؤتمر]تشارلز كرولوف[‪':‬إن من حق الشواذ‬
‫العتراف بزواجهم واحترامهم'‪،‬ومنذ عام ‪ ،1995‬والحركة‬
‫توافق على تعيين حاخامات مثليين"]‪.[234‬‬
‫"فهذه هي الجاهلية الحديثة في أوروبا وفي أمريكا ينتشر فيها هذا النحراف‬
‫الجنسي الشاذ انتشارا ً ذريعًا‪ .‬بغير ما مبرر إل النحراف عن‬
‫العتقاد الصحيح‪ ,‬وعن منهج الحياة الذي يقوم عليه‪.‬‬
‫وقد كانت هناك دعوى عريضة من الجهزة التي يوجهها اليهود في الرض‬
‫لتدمير الحياة النسانية لغير اليهود‪ ,‬بإشاعة النحلل العقيدي‬
‫والخلقي‪ ..‬كانت هناك دعوى عريضة من هذه الجهزة الموجهة بأن احتجاب‬
‫المرأة هو الذي ينشر هذه الفاحشة الشاذة في المجتمعات!‬
‫ولكن شهادة الواقع تخرق العيون‪ .‬ففي أوروبا وأمريكا لم يبق ضابط واحد‬
‫للختلط الجنسي الكامل بين كل ذكر وكل أنثى ‪-‬كما في عالم‬
‫البهائم! وهذه الفاحشة الشاذة يرتفع معدلها بارتفاع الختلط ول ينقص! ول‬
‫يقتصر على الشذوذ بين الرجال; بل يتعداه إلى الشذوذ بين‬
‫النساء‪ . .‬ومن ل تخرق عينيه هذه الشهادة فليقرأ‪" :‬السلوك الجنسي عند‬
‫الرجال" و "السلوك الجنسي عند النساء" في تقرير "‬
‫كنزي" المريكي‪ . .‬ولكن هذه الجهزة الموجهة ما تزال تردد هذه الكذوبة‪،‬‬
‫وتسندها إلى حجاب المرأة‪ .‬لتؤدي ما تريده بروتوكولت‬
‫صهيون‪ ,‬ووصايا مؤتمرات المبشرين !"]‪.[235‬‬
‫إن من أعظم أسباب الشذوذ اضطراب السرة‪ ،‬وانشغالها عن رعاية بنيها‪،‬‬
‫ولهذا كان من الطبيعي استشراء الشذوذ في الغرب الذي بات مصير‬
‫السرة فيه مهددا ً بالنقراض إثر النحلل المتفشي‪ .‬فعندما تهمل السرة‬
‫أبناءها ‪ ,‬تكون النتيجة المرتقبة انحرافهم بأشكال مختلفة‪ ،‬قد يمثل الشذوذ‬
‫أحدها ‪ ،‬خاصة عندما ينشأ الولد في أسر استرجلت فيها النساء‪ ،‬أو في‬
‫سلب ذكوره الرجولة‪.‬‬ ‫مجتمع ُ‬
‫ومع ذلك فإننا لننكر أن يكون الشذوذ ظاهرة ربما عرضت لنفر منبوذ ‪-‬ل‬
‫يراعي للختلط حرمة‪ -‬في مجتمع عربي‪ ،‬ولكن ما نستهجنه‬
‫محاولت تبرير الدعوة إلى الختلط بدعاوى سمجة‪ ،‬بالضافة إلى تحليل‬
‫أسباب ظاهرة الشذوذ في المجتمعات العربية تحليل ً سطحيا ً ساذجًا‪،‬‬
‫يضحك به على البسطاء‪ ،‬ثم اقتراح عقار آخر يضاعف الداء‪ ،‬بتحليله لتدابير‬
‫السلم الوقائية‪ ،‬كمنعه من الختلط‪ ،‬وهدمه لتدابير السلم اليجابية‬
‫كحضه على الزواج‪ ،‬وترخيصه في الماء‪ ،‬وأمره بالصيام‪.‬‬
‫"لقد شاع في وقت من الوقات أن النظرة المباحة‪ ،‬والحديث الطليق‪,‬‬
‫والختلط الميسور‪ ،‬والدعابة المرحة بين الجنسين‪ ,‬والطلع على‬
‫مواضع الفتنة المخبوءة‪ ..‬شاع أن كل هذا تنفيس وترويح‪ ,‬وإطلق للرغبات‬
‫الحبيسة‪ ,‬ووقاية من الكبت‪ ,‬ومن العقد النفسية‪ ,‬وتخفيف‬
‫من حدة الضغط الجنسي‪ ,‬وما وراءه من اندفاع غير مأمون‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫شاع هذا على إثر انتشار بعض النظريات المادية القائمة على تجريد النسان‬
‫من خصائصه التي تفرقه من الحيوان‪ ,‬والرجوع به إلى القاعدة‬
‫الحيوانية الغارقة في الطين! ‪-‬وبخاصة نظرية فرويد‪ -‬ولكن هذا لم يكن سوى‬
‫فروض نظرية‪ ,‬رأيت بعيني في أشد البلد إباحية وتفلتا ً من‬
‫جميع القيود الجتماعية والخلقية والدينية والنسانية‪ ,‬ما يكذبها وينقضها من‬
‫الساس‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نعم‪ ..‬شاهدت في البلد التي ليس فيها قيد واحد على الكشف الجسدي‪,‬‬
‫والختلط الجنسي‪ ،‬بكل صوره وأشكاله‪ ,‬أن هذا كله لم ينته‬
‫بتهذيب الدوافع الجنسية وترويضها‪ .‬إنما انتهى إلى سعار مجنون ل يرتوي ول‬
‫يهدأ إل ريثما يعود إلى الظمأ والندفاع! وشاهدت المراض‬

‫)‪(23 /‬‬

‫النفسية والعقد التي كان مفهوما أنها ل تنشأ إل من الحرمان‪ ,‬وإل من التلهف‬
‫على الجنس الخر المحجوب‪ ,‬شاهدتها بوفرة ومعها الشذوذ‬
‫الجنسي بكل أنواعه‪ .‬ثمرة مباشرة للختلط الكامل الذي ل يقيده قيد ول‬
‫يقف عند حد; وللصداقات بين الجنسين تلك التي يباح معها كل شيء!‬
‫وللجسام العارية في الطريق‪ ,‬وللحركات المثيرة والنظرات الجاهرة‪,‬‬
‫واللفتات الموقظة‪ .‬وليس هنا مجال التفصيل وعرض الحوادث‬
‫والشواهد‪ .‬مما يدل بوضوح على ضرورة إعادة النظر في تلك النظريات التي‬
‫كذبها الواقع المشهود ‪.‬‬
‫إن الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميل عميق في التكوين الحيوي; لن‬
‫الله قد ناط به امتداد الحياة على هذه الرض; وتحقيق الخلفة لهذا‬
‫النسان فيها‪ ،‬فهو ميل دائم يسكن فترة ثم يعود‪ ،‬وإثارته في كل حين تزيد‬
‫من عرامته; وتدفع به إلى الفضاء المادي للحصول على الراحة‪ ،‬فإذا لم‬
‫يتم هذا تعبت العصاب المستثارة"]‪.[236‬‬
‫وبالجملة فإن من يجادلون في اختلط المرأة بالرجال يتمسكون بشبه‬
‫ضعيفة ليست فيها حجة أو دللة‪ ،‬ولو أنهم عرضوها على بعض ما كتبه أهل‬
‫العلم‬
‫في حكم الختلط لتبدد ظلم تلك الشبهات‪ ،‬فإن ما يذكرونه ل يقوى على‬
‫دفع الدلة المتظاهرة على تحريم الختلط والتي سبق ذكر بعضها‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫]‪ [1‬النسي على ضربين‪ :‬أحدهما ما تقادم عهده حتى نسي‪ ،‬والخر ما أضله‬
‫أهله‪ ،‬فيطلب ويطمع فيه‪ ،‬وهو المراد هنا‪ ،‬وتقصه‪ :‬تتبعه‪،‬‬
‫م‪ :‬القصد‪ ،‬وقوله‪ :‬إن تحدثك ت َْبلت‪ :‬أي تقطع الحديث لستحيائها‪ .‬أفاده‬ ‫َ‬
‫وال ُ‬
‫المبرد في الكامل‪ ،‬وانظر جمهرة اللغة )ب‪-‬ت‪-‬ل(‪.‬‬
‫طلة‪ :‬جمع عاطلة أي من الحلي‪ ،‬والمعنى أنهن متبرجات بزينة‪،‬‬ ‫]‪ [2‬عُ ْ‬
‫ومتبرجات قد كشفن محل الحلي أو الزينة‪.‬‬
‫ضل أي المنكر الداهية‪ ،‬وكأنه وصف بالشدة‪،‬‬ ‫ضَلة‪ :‬داهية‪ ،‬من العُ َ‬‫]‪ [3‬عُ ْ‬
‫فالعين والضاد واللم أصل واحد يدل على شدة والتواء‪.‬‬
‫]‪ [4‬أحكام القرآن ‪.1/386‬‬
‫]‪ [5‬انظر المدارس العالمية للشيخ بكر أبوزيد ص ‪.34‬‬
‫]‪ [6‬عن المرأة المسلمة بين الغزو والتقريب‪ ،‬للدكتور زيد بن محمد الرماني‪،‬‬
‫ص ‪ 44‬بتصرف‪.‬‬
‫]‪ [7‬كلمات من بعض قصص الديب الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي‪،‬‬
‫بتصرف يسير‪.‬‬
‫]‪ [8‬قذع المنطق‪ :‬فاحشه‪.‬‬
‫]‪ [9‬استعاذة ابن عقيل يرحمه الله‪ ،‬انظر الداب الشرعية ‪.1/160‬‬
‫]‪ [10‬الغني الدكتور عبدالغني أبو العزم‪.‬‬
‫]‪ [11‬محيط المحيط للمعلم بطرس البستاني‪ ،‬وانظر كذلك الموسوعة‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفقهية ‪.2/289‬‬
‫]‪ [12‬الوسيط – مجمع اللغة العربية بمصر‪ ،‬وانظر كذلك الموسوعة الفقهية‬
‫‪.2/289‬‬
‫]‪ [13‬لسان العرب ‪.7/291‬‬
‫]‪ [14‬المحيط لديب اللجمي وشحادة الخوري‪.‬‬
‫]‪ [15‬محيط المحيط‪.‬‬
‫]‪ [16‬انظر معجم مقاييس اللغة لبن فارس‪.309 ،‬‬
‫]‪ [17‬انظر مفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬للراغب‪ ،‬الجزء الول مادة )خلط(‪.‬‬
‫]‪ [18‬مستفاد من معجم ألفاظ القرآن الكريم لمجمع اللغة العربية بتصرف‬
‫يسير‪.‬‬
‫]‪ [19‬الموسوعة الفقهية ‪.19/223‬‬
‫]‪ [20‬شطر من مطلع قصيدة زهير بن أبي سلمى في توعد الحارث بن‬
‫سل َ ُ‬
‫كوا‪.‬‬ ‫ة َ‬‫ورقاء‪ ،‬وتمامه‪ :‬وزودوك اشتياقا ً أي ّ ً‬
‫]‪ [21‬مفردات القرآن للراغب‪ ،‬مادة )خلط(‪.‬‬
‫]‪ [22‬شعب اليمان ‪ ،2/159‬وغيره‪.‬‬
‫]‪ [23‬مختصر من النهاية في غريب الحديث ‪.2/62‬‬
‫]‪ [24‬عن مقال بعناون خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان العمل‪ ،‬انظر‬
‫فتاوى ومقالت متنوعة ‪.1/420‬‬
‫]‪ [25‬عن مجلة السرة‪ ،‬آفة التعليم الختلط‪ ،‬العدد رقم ‪ 70‬بتاريخ محرم‬
‫‪ 1420‬ص ‪.69‬‬
‫]‪ [26‬انظر عودة الحجاب‪ ،‬لمحمد أحمد إسماعيل المقدم‪.3/52 ،‬‬
‫]‪ [27‬انظر الموافقات للشاطبي ‪.1/31‬‬
‫]‪ [28‬انظر أحكام القرآن للجصاص ‪ ،1/264‬وكذلك المجموع شرح المهذب‬
‫‪.3/15‬‬
‫]‪ [29‬انظر المستصفى لبي حامد الغزالي ص ‪ ،146‬وانظر المجموع شرح‬
‫المهذب ‪.3/15‬‬
‫]‪ [30‬تفسير الجللين ‪.369‬‬
‫]‪ [31‬تيسير الكريم الرحمن ‪.457‬‬
‫]‪ [32‬في ظلل القرآن‪ ،‬تفسير سورة النعام‪ ،‬قول الله تعالى‪} :‬ولتقربوا‬
‫الفواحش ما ظهر منها وما بطن{‪.‬‬
‫]‪ [33‬بمعناه من الفتاوى الكبرى للمام ابن تيمية‪ ،‬راجع الفتاوى الكبرى‬
‫‪.6/173‬‬
‫]‪ [34‬الطرق الحكمية ‪.326‬‬
‫]‪ [35‬رسالة بعنوان حكم الختلط ص ‪ ،3‬وانظر مجموع فتواه رحمه الله‬
‫‪ ،10/35‬ط ‪.2‬‬
‫]‪ [36‬خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان العمل‪ ،‬وهو من ضمن الفتاوى‬
‫والمقالت المتنوعة للشيخ ‪.1/419‬‬
‫]‪ [37‬نقل ً عن رسالة الشيخ عبدالعزيز بن باز انظر مجموع الفتاوى‬
‫والمقالت ‪ ،1/425‬وقد نقله عن مصطفى السباعي في كتابه‬
‫المرأة بين الفقه والقانون‪.‬‬
‫]‪ [38‬عن مقال بعنوان الختلط في التعليم‪ :‬مفاسد أخلقية‪ ،‬وأضرار تربوية‪،‬‬
‫لفهد بن عبدالعزيز الشويرخ‪ ،‬نشر في مجلة الجندي المسلم‬
‫العدد ‪ ،105‬لرمضان وشوال وذي القعدة من عام ‪ ،1422‬الموافق نوفمبر –‬
‫ديسمبر ‪.2001‬‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [39‬امرأة إنجليزية الصل من ويلز‪ ،‬أسلمت وتسمت عائشة أم سعدية‪،‬‬


‫وقد كان هذا الكلم في مقابلة أجرتها معها مجلة البيان في عددها‬
‫‪ 150‬صفحة ‪ 78‬بتاريخ صفر‪ ،1421/‬وقد كانت ندوة بعنوان واقع المرأة في‬
‫الغرب‪.‬‬
‫]‪ [40‬حراسة الفضيلة ‪.98-97‬‬
‫]‪ [41‬المقصود الختلط بصوره التي سبقت الشارة إليها في تعريفه‪.‬‬

‫)‪(24 /‬‬

‫]‪ [42‬على خلف فيه انظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي ‪.2/5‬‬
‫]‪ [43‬الفتح ‪ 4/77‬وأشار إلى قوله الشوكاني في النيل ‪ ،4/344‬وانظر كذلك‬
‫سبل السلم ‪.1/608‬‬
‫]‪ [44‬البخاري ‪ 2/703 ،2/658‬ومسلم ‪ 2/975‬و ‪.978‬‬
‫]‪ [45‬صحيح البخاري ‪ ،5/1986‬وقد بوب عليه‪ :‬باب قيام المرأة على الرجال‬
‫في العرس‪ ،‬وخدمتهم بالنفس‪.‬‬
‫]‪ [46‬فتح الباري ‪ ،9/251‬ونحوه ذكر العيني في عمدة القاري ‪-20/164‬‬
‫‪ ،165‬وقريب منه حديث أنس عند مسلم‬
‫)‪ ،(3/1609‬في شأن الفارسي الذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫لمرق أعده‪ ،‬فلم يذهب حتى أذن لعائشة رضي الله عنها أن تأتي‬
‫معه‪ .‬غير أن فيه إجمال قد يحمل على انزوائها في بيت الفارسي مع أهله‪.‬‬
‫]‪ [47‬والحديث متفق عليه‪ ،‬انظر البخاري ‪ ،3/1125‬ومسلم ‪.3/1569‬‬
‫]‪ [48‬كما في حديث زينب امرأة ابن مسعود لما جاءت باب النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم هي وامرأة من النصار تسألنه عن الصدقة على‬
‫الزوج‪ ،‬فكلما بلل ً ليسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليخبره من هما‪،‬‬
‫وهو عند مسلم ‪ ،2/694‬وغيره‪.‬‬
‫]‪ [49‬كما في خبر المجادلة‪ ،‬وقد علق البخاري أصله في التوحيد‪ ،‬ورواه أهل‬
‫السنن الربعة غير الترمذي‪ ،‬ورواه أحمد وغيره‪ ،‬وهو حديث‬
‫صحيح‪ ،‬انظر تغليق التعليق ‪.5/339‬‬
‫]‪ [50‬ذهب بعض المالكية إلى القول بجواز سفرها بغير محرم في كل سفر‬
‫واجب ولعله بعيد‪ ،‬انظر الموسوعة الفقهية ‪،22/300‬‬
‫وانظر من كتبهم الفواكه الدواني على رسالة القيرواني للنفراوي‪ ،‬وكذا قال‬
‫بعض الشافعية‪ ،‬انظر الغرر البهية في شرح البهجة الوردية لزكريا‬
‫النصاري ‪.2/270‬‬
‫]‪ [51‬قاله مفتي المملكة العربية السعودية فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن‬
‫عبدالله آل الشيخ‪ ،‬في مقاله الذي أنكر فيه ماكان في منتدى جدة‬
‫القتصادي‪ ،‬وقد نشر في عدد من الصحف السيارة كالوطن السعودية‪،‬‬
‫والشرق الوسط بتاريخ ‪21/4/2004‬م‪.‬‬
‫]‪ [52‬انظر سبل السلم ‪.1/608‬‬
‫]‪ [53‬الموسوعة الفقهية ‪.19/269‬‬
‫]‪ [54‬الفتاوى الكبرى ‪ ،5/449‬وقد ذكره ابن عقيل‪ ،‬وابن الجوزي ونقله‬
‫كذلك ابن مفلح‪ ،‬انظر الفروع ‪ ،158-5/157‬ونحوه‬
‫في غير موضع من كتب الحنابلة المعتمدة‪.‬‬
‫]‪ [55‬الموسوعة الفقهية‪ ،‬وزارة الوقاف والشئون السلمية بالكويت‪،‬‬
‫‪.2/290‬‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [56‬السابق بتصرف‪.‬‬


‫]‪ [57‬لتكاد تجد الفقهاء يطلقون لفظ الختلط على نحو هذه الصور‪ ،‬غير أن‬
‫الباحث قد يقف على أحرف معدودة لبعضهم فليتنبه‪ ،‬ومن ذلك ما‬
‫أطلقه النووي في موضع واحد من المجموع ‪ ،4/350‬ومراده مقيد بالختلط‬
‫اللغوي مع وجود الفاصل المعتبر‪ ،‬تدل على ذلك الصورة التي‬
‫تحدث عنها بالضافة إلى نصوصه الخرى ومنها عده الختلط بين الرجال‬
‫والنساء يوم عرفة من البدع القبيحة كما في المجموع نفسه‬
‫‪.8/123‬‬
‫]‪ [58‬في ظلل القرآن‪ ،‬آية الحزاب‪} :‬وقرن في بيوتكن{‪.‬‬
‫]‪ [59‬عن حراسة الفضيلة‪ ،‬للشيخ بكر أبوزيد –حفظه الله‪ ،‬ص ‪ 89‬ط ‪.3‬‬
‫]‪ [60‬السابق ‪.97‬‬
‫]‪ [61‬تفسير القرطبي ‪.14/178‬‬
‫]‪ [62‬انظر تفسير ابن كثير للية ‪ ،3/483‬وهو عند عبدالرزاق كما أشار‬
‫الحافظ في الفتح ‪ 8/520‬وسند عبدالرزاق الذي ذكر‬
‫صحيح‪ ،‬وهو كذلك في الطبقات الكبرى لبن سعد ‪.8/198‬‬
‫]‪ [63‬المدخل ‪.2/12‬‬
‫]‪ [64‬أحكام القرآن للجصاص ‪.3/529‬‬
‫]‪ [65‬لعله حديث صحيح كما ذكر غيره من الئمة رحمة الله على جميعهم‪،‬‬
‫وسوف يأتي تخريجه إن شاء الله عند ذكر المنع من الختلط في‬
‫التشريع‪ ،‬في حج النساء واعتمارهن‪.‬‬
‫]‪ [66‬أحكام القرآن ‪.3/569‬‬
‫]‪ [67‬في تفسير قوله تعالى‪} :‬إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة‪{ ..‬اليات‪،‬‬
‫في معنى حديث أبي داود‪ :‬هذه ثم ظهور الحصر‪،‬‬
‫انظر التفسير ‪.1/386‬‬
‫]‪ [68‬ونحوه ذكر الزمخشري في الكشاف عند الية الثالثة‪} :‬لتخرجوهن من‬
‫بيوتهن{‪ ،‬فعلل بكون النساء مختصات بالبيوت من حيث‬
‫السكنى‪.‬‬
‫]‪ [69‬حراسة الفضيلة ص ‪.90-89‬‬
‫]‪ [70‬البخاري ‪ ،5/2005‬ومسلم ‪.4/1711‬‬
‫]‪ [71‬صحيح البخاري ‪ ،4/1572‬ومسلم ‪.4/1716‬‬
‫]‪ [72‬البخاري ‪ ،5/1959‬ومسلم ‪.4/2097‬‬
‫]‪ [73‬تحفة الحوذي ‪ ،8/53‬وانظر عمدة القاري ‪.20/89‬‬
‫]‪ [74‬تفسير القرطبي ‪.4/280‬‬
‫]‪ [75‬أدب الدنيا والدين للماوردي ص ‪.156‬‬
‫]‪ [76‬صحيح البخاري باب خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس ‪1/295‬‬
‫رقم )‪ ،(827‬وهو عند مسلم بألفاظ مقاربة‬
‫‪ 1/327‬رقم )‪.(442‬‬
‫]‪ [77‬الموسوعة الفقهية ‪ 109-19/107‬باختصار وتصرف‪.‬‬
‫]‪ [78‬انظر الموافقات للشاطبي ‪.1/31‬‬
‫]‪ [79‬صحيح البخاري ‪ ،1/50‬ورواه غيره‪.‬‬
‫]‪ [80‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري ‪.2/134‬‬
‫]‪ [81‬انظر مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى ‪ ،2/258‬وغذاء الباب‬
‫في شرح منظومة الداب ‪.2/314‬‬
‫]‪ [82‬ثبت ذلك من حديث عائشة المتفق عليه‪ ،‬البخاري ‪ ،4/1856‬ومسلم‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪.3/1489‬‬
‫]‪ [83‬الفتح ‪.2/466‬‬
‫]‪ [84‬شرح مختصر خليل لمحمد بن عبدالله الخراشي‪ ،2/103 ،‬وقد نص‬
‫آخرون على أن صلتها في المسجد بدعة –ولو كان‬
‫المسجد النبوي‪ -‬لجل ما يحصل من ازدحام في المساجد –ولو كبرت‪ -‬عند‬
‫الدخول أو الخروج‪ .‬ثم اختلفوا في حكم البدعة بناء على‬
‫اختلفهم في تقسيمها بين محرم وكاره‪ ،‬ينظر في ذلك بعض حواشي الشرح‬
‫الكبير‪ ،‬ومنها حاشية الدسوقي ‪.1/399‬‬

‫)‪(25 /‬‬

‫ت فهي‬‫جِليلة ‪ ،‬و َتجال ّ ْ‬


‫ت فهي َ‬‫جل ّ ْ‬
‫]‪ [85‬تجالت‪ :‬أي أسّنت وك َُبرت‪ ،‬يقال ‪َ :‬‬
‫مَتجاّلة‪.‬‬
‫ُ‬
‫]‪ [86‬مسألة اتباع النساء للجنائز مسألة خلفية‪ ،‬والجمهور أطلقوا الكراهة‬
‫كما ذكر النووي )المجموع ‪ 5/278‬وانظر الفتح‬
‫‪ 3/378‬في التعليق على حديث أم عطية(‪ ،‬ونص بعض أهل العلم على أنها‬
‫كراهة تحريم )حاشية ابن عابدين ‪ ،(2/232‬ولشك أن‬
‫الولى منع النساء منه لكون أقل الحوال الكراهة‪ ،‬والمكروه يوعظ الناس‬
‫بتركه‪ ،‬ويتأكد ذلك بل يتحقق في هذه العصار التي ليكاد اتباع النساء‬
‫للجنائز يخلو من محرم كاختلط أونياحة‪.‬‬
‫قان‪ .‬انظر السنن ‪.2/420‬‬ ‫خل ْ َ‬
‫]‪ [87‬نقله الترمذي بلفظ‪ :‬أطمارها ال ُ‬
‫]‪ [88‬التمهيد ‪.23/402‬‬
‫]‪ [89‬السابق ‪.23/402‬‬
‫ً‬
‫]‪ [90‬سنن أبي داود ‪ ،1/156‬وسنده صحيح‪ ،‬وقد جاء أيضا عند ابن خزيمة‬
‫في صحيحه ‪ ،3/94‬وعند الحاكم في المستدرك‬
‫‪ ،1/328‬والبيهقي في الكبرى ‪ ،3/131‬وكذلك الطبراني في الكبير ‪9/295‬‬
‫وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح )مجمع الزوائد‬
‫‪ ،(2/34‬وهؤلء جميعا ً من طريق قتادة عن مورق عن أبي الحوص عن‬
‫عبدالله بن مسعود‪ ،‬وقد جود الحافظ ابن كثير إسناده )انظر التفسير‬
‫‪ ،(3/483‬وقد روي عن غير ابن مسعود رضي الله عنه وقد أورد ابن عبدالبر‬
‫آثارا ً بمعنى هذا من حديث عائشة وأم سلمة وأبي هريرة وأبي‬
‫سعيد وقال بعدها‪" :‬قد أوردنا من الثار المسندة في هذا الباب ما فيه كفاية‬
‫وغنى فمن تدبرها وفهمها وقف على فقه هذا الباب" )التمهيد‬
‫‪.(23/401‬‬
‫]‪ [91‬العون ‪.2/195‬‬
‫]‪ [92‬الفتح ‪ ،2/349‬وانظر شرح الزرقاني ‪ ،2/8‬وفيض القدير ‪ ،1/71‬ونيل‬
‫الوطار ‪.3/161‬‬
‫]‪ [93‬التمهيد ‪.23/401‬‬
‫]‪ [94‬صحيح مسلم ‪ ،1/328‬ورواه غيره‪.‬‬
‫]‪ [95‬سنن أبي داود ‪ ،1/156 ،1/126‬وقد بوب عليه‪ :‬باب في اعتزال النساء‬
‫في المساجد عن الرجال‪ ،‬وراه الطبراني في‬
‫الوسط ‪ ،1/304‬وذكره في التمهيد ‪ ،23/397‬وانظر المحلى ‪،3/131‬‬
‫وغيرها‪ ،‬وهو حديث صحيح السناد‪.‬‬
‫]‪ [96‬سنن أبي داود ‪ ،1/126‬وسنده صحيح‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [97‬رواه مسلم ‪ ،1/326‬ورواه غيره‪.‬‬


‫]‪ [98‬انظر نيل الوطار ‪.3/219‬‬
‫]‪ [99‬لعله حديث حسن‪ ،‬رواه أبوداود في السنن ‪ 4/369‬وفيه أبو اليمان وهو‬
‫كثير الرحال قال الحافظ مستور وقال ابن حزم في المحلى‬
‫‪" :2/177‬وليس بمشهور"‪ ،‬ولعله معروف وثقه ابن حبان وروى عنه غير‬
‫واحد وابن حزم –رحمه الله‪ -‬ليوافقه جل الئمة في إطلقه‬
‫الجهالة‪ ،‬ولهذا تعقب ابن القيم في حاشيته )‪ (1/312‬ابن حزم في حكمه‬
‫على أبي اليمان فقال‪ " :‬وما ذكره ضعيف" ثم قال على‬
‫الحديث الذي جاء فيه "فالحديث غير ساقط" ‪ ،‬وحديثنا هذا جاء من طريق‬
‫آخر عند الطبراني في الكبير ‪ 19/261‬وكذلك ذكره ابن عبدالبر‬
‫في التمهيد ‪ ،23/399‬والمزي في تهذيب الكمال ‪12/402‬وهو صالح للمتابعة‬
‫وفيه أبواليمان النبال وهو معلى بن راشد قال الحافظ مقبول‪،‬‬
‫ولعله ليس به بأس يحتج بحديثه‪ ،‬فقد وثقه ابن حبان وقال النسائي‪ :‬ليس به‬
‫بأس‪ ،‬وقد روى عنه جمع وروى عن جمع )انظر تهذيب الكمال‬
‫‪ ،(28/284‬غير أن فيه شداد بن أبي عمرو بن حماس وهذا مستور‪ ،‬وقد جاء‬
‫له شاهد من حديث أبي هريرة عند البيهقي في الشعب‬
‫‪ 6/174‬وفيه شريك بن عبدالله‪ ،‬فالقرب أن الحديث حسن كما قال العلمة‬
‫اللباني في صحيح الجامع رقم )‪ (929‬والله أعلم‪.‬‬
‫]‪ [100‬النهاية في غريب الحديث ‪.1/415‬‬
‫]‪ [101‬راجع ما جاء في تعريف الختلط وحكمه مع وجود محرم لحاجة‪.‬‬
‫]‪ [102‬انظر المبسوط للسرخسي ‪.4/111‬‬
‫]‪ [103‬التاج والكليل لمختصر خليل ‪ ،3/485‬وكذلك مواهب الجليل ‪.3/520‬‬
‫]‪ [104‬البخاري ‪ ،2/603‬ومسلم ‪.2/940‬‬
‫]‪ [105‬انظر للحطاب المالكي مواهب الجليل في شرح مختصر خليل‬
‫‪ 3/140‬بل صرح المالكية بأن السنة لهن خلف الرجال كالصلة‬
‫انظر شرح مختصر خليل للخراشي ‪ ،2/315‬وللهيتمي الشافعي تحفة‬
‫المحتاج في شرح المنهاج ‪ ،4/92‬وللزيلعي الحنفي انظر تبيين الحقائق‬
‫شرح كنز الدقائق ‪ ،2/16‬وهو ما يفهم من كلم ابن قدامة والمرداوي من‬
‫الحنابلة انظر المغني ‪ 3/185‬والنصاف ‪.4/8‬‬
‫]‪ [106‬انظر حاشية العدوي ‪ ،1/527‬ونص عليه المام الشافعي في الم في‬
‫حق الجميلة ‪ ،2/232‬وأضاف الشريفة في المجموع‬
‫نقل ً عن المام والصحاب ‪ ،8/14‬وكذلك في أسنى المطالب ‪ ،1/476‬وانظر‬
‫المغني ‪ ،3/157‬وهو في كتب فقهاء الحنابلة كثير‪.‬‬
‫]‪ [107‬ممتنعة عن مخالطتهم‪ ،‬ناحية بعيدة عنهم‪.‬‬
‫]‪ [108‬صحيح البخاري ‪ 2/585‬وغيره‪.‬‬
‫]‪ [109‬انظر مثل ً مواهب الجليل شرح مختصر خليل للحطاب المالكي‬
‫‪ 3/110‬وكذلك الفواكه الدواني ‪ 1/358‬و ‪،367‬‬
‫وحاشيتا قيلوبي وعميرة في فقه الشافعية ‪.2/134‬‬
‫]‪ [110‬لعله حديث صحيح فقد رواه جمع من طريق زيد بن أسلم عن واقد‬
‫بن أبي واقد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقد‬
‫خرجها من هذا الطريق المام أحمد في مسنده ‪ 5/218‬والتي تليها‪ ،‬وكذلك‬
‫أبويعلى ‪ ،3/32‬والبيهقي في الكبرى ‪5/228 ،4/327‬‬
‫وأبو داود في سننه ‪ ،2/140‬وأرسلها عبدالرزاق عن زيد بن أسلم في مصنفه‬
‫‪ ،5/8‬وغيرهم وقد أعل بعض أهل العلم كالذهبي في الميزان‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(26 /‬‬

‫)‪ (7/119‬هذا الطريق بتفرد زيد بن أسلم بالرواية عن ابن أبي واقد‪ ،‬غير أن‬
‫ابن حجر في الفتح صححها وقال‪" (4/74) :‬‬
‫وإسناد حديث أبي واقد صحيح وأغرب المهلب فزعم أنه من وضع الرافضة‪..‬‬
‫وهو إقدام منه على رد الحاديث الصحيحة بغير دليل"‪ ،‬ولعل‬
‫لعلل الذهبي لتلك الطريق وجهه‪ ،‬وأيا ً ما كان فالحديث صح من طريق ابن‬
‫أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وصالح وإن اختلط فإن رواية ابن أبي ذئب عنه قديمة كما قرر‬
‫الحفاظ‪ ،‬قال ابن عدي‪" :‬لبأس إذ سمعوه منه قديمًا" )الفروع‬
‫لبن مفلح ‪ ،(531-1/530‬وقال الهيثمي في المجمع ‪" :3/214‬وفيه صالح‬
‫مولى التوأمة ولكنه من رواية ابن أبي ذئب عنه وابن‬
‫أبي ذئب سمع منه قبل اختلطه"‪ ،‬وهو كما قال وإليه أشار الحافظ في‬
‫التقريب‪ ،‬وهو الذي عليه الئمة كما أشار إليه ابن عبدالبر في التمهيد‬
‫‪ ،23/361‬ومن هذا الطريق خرجه المام أحمد ‪ ،2/446‬و ‪ 6/324‬وهو في‬
‫مسند الحارث ‪ ،1/440‬وعند الطيالسي‬
‫‪ ،1/229‬وأبي يعلى ‪ ،13/88 ،13/80‬وغيرهم‪ ،‬وجاء من طريق ثالث لبأس‬
‫به فقد جاء من عدة أوجه عن عثمان الخنسي عن‬
‫عبدالرحمن بن سعيد بن يربوع عن أم سلمة كما عند أبي يعلى ‪،12/312‬‬
‫والطبراني في الكبير ‪ ،23/313‬وغيرهما‪ .‬فالحديث صحيح‬
‫إن شاء الله‪ ،‬وقد وثق رواته المنذري في الترغيب والترهيب ‪،2/138‬‬
‫وصححه الهيثمي في مجمع الزوائد ‪ ،3/214‬وكذلك اللباني في‬
‫صحيح أبي داود ‪ ،1515‬وقد تكلم أهل العلم في تأويله‪.‬‬
‫]‪ [111‬الفتاوى الفقهية الكبرى‪ ،‬لبن حجر الهيتمي ‪.202-1/201‬‬
‫]‪ [112‬المغني ‪.3/183‬‬
‫]‪ [113‬الفواكه الدواني ‪.1/359‬‬
‫]‪ [114‬الموسوعة الفقهية ‪.22/119‬‬
‫]‪ [115‬صحيح البخاري ‪ 2/552‬رقم ‪ 1448‬ورواه غيره‪ ،‬والحاديث في هذا‬
‫الباب كثيرة معروفة‪.‬‬
‫]‪ [116‬سبل السلم ‪.2/460‬‬
‫]‪ [117‬منع بعضهم انظر المدونة ‪ ،1/499‬وقد نقل عن ابن قاسم الجواز إذا‬
‫م ُيخف على العسكر لقلة العدو‪.‬‬
‫]‪ [118‬انظر طرح التثريب ‪ ،7/48‬وقد نقله عن ابن عبدالبر‪.‬‬
‫]‪ [119‬انظر شرح السير ‪.4/1456‬‬
‫]‪ [120‬انظر نيل الوطار ‪.7/282‬‬
‫]‪ [121‬صحيح البخاري ‪ 3/1056‬باب مداواة النساء الجرحى والذي بعده‪.‬‬
‫]‪ [122‬أي الخلخيل وتكون أسفل القدم فوق الكعب‪ ،‬وقد كان هذا قبل‬
‫الحجاب‪ ،‬ويحتمل أن يكون النظر عن غير قصد‪ ،‬انظر فتح ابن حجر‬
‫)‪.(6/78‬‬
‫]‪ [123‬متفق عليه‪ ،‬البخاري ‪ 3/1055‬ومسلم ‪.3/1443‬‬
‫]‪ [124‬الفتح ‪.6/78‬‬
‫]‪ [125‬عمدة القاري ‪.14/166‬‬
‫]‪ [126‬سبل السلم ‪.2/461‬‬
‫]‪ [127‬مسند المام أحمد ‪ ،1/224‬والسنة لمحمد بن نصر ‪ ،1/48‬وأصله‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثابت من عدة طرق‪.‬‬


‫]‪ [128‬انظر شرح السير الكبير ‪ ،1/184‬وبدائع الصنائع ‪ ،7/98‬والمغني‬
‫‪ ،9/163‬وحاشية القيلوبي وعميرة ‪،4/217‬‬
‫وتحفة المحتاج ‪ ،9/231‬ومغني المحتاج ‪ ،6/18‬ونهاية المحتاج ‪،8/55‬‬
‫والفتاوى الهندية ‪ ،2/189‬ودقائق أولى النهى ‪،1/617‬‬
‫والتجريد لنفع العبيد ‪ ،4/250‬ومطالب أولي النهي في شرح غاية المنتهى‬
‫‪.2/500‬‬
‫]‪ [129‬شرح السير للسرخسي ‪ ،1/184‬وانظر كذلك البحر الرائق لبن نجيم‬
‫‪.5/83‬‬
‫]‪ [130‬نيل الوطار ‪ ،7/330‬وبعض أهل العلم أن من قاتلت لتعين القتال‬
‫عليها كمن فجأهم العدو فإنه يسهم لها بسهم‪.‬‬
‫]‪ [131‬انظر السير ‪ ،2/279‬والطبقات الكبرى لبن سعد ‪ ،415-8/413‬وقد‬
‫نقله عن محمد بن عمر المعروف بالواقدي‪ ،‬قال‬
‫عنه الذهبي‪" :‬جمع فأوعى‪ ،‬وخلط الغث بالسمين‪ ،‬والخرز بالدر الثمين‪،‬‬
‫فاطرحوه لذلك‪ ،‬ومع هذا فل يستغنى عنه في المغازي وأيام الصحابة‬
‫وأخبارهم" )السير ‪ ،(9/454‬وفسر عدم الستغناء عنه بقوله بعدها )‬
‫‪" : (9/468‬وقد تقرر أن الواقدي ضعيف يحتاج إليه‬
‫في الغزوات والتاريخ وتورد آثاره من غير احتجاج‪ ،‬أما في الفرائض فلينبغي‬
‫أن يذكر" ثم ذكر عدم العتبار بتوثيق من وثقه‪.‬‬
‫]‪ [132‬انظر السير ‪ 2/279‬وقد ذكره من طريق ابن سعد‪ ،‬وهو عنده في‬
‫الطبقات ‪ ،415-8/413‬وقد أورده الواقدي في‬
‫المغازي‪.‬‬
‫]‪ [133‬الم ‪.4/179‬‬
‫]‪ [134‬الفتاوى ‪.13/346‬‬
‫]‪ [135‬حراسة الفضيلة ص ‪.93-92‬‬
‫]‪ [136‬عن مقال المفتي حول منتدى جدة القتصادي نشر في الشرق‬
‫الوسط بتاريخ ‪21/4/2004‬م‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫]‪ [137‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪.14/151‬‬
‫]‪ [138‬فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم ‪.10/245‬‬
‫]‪ [139‬تفسير القرطبي ‪.14/227‬‬
‫]‪ [140‬فتاوى العلمة محمد بن إبراهيم ‪.247-10/245‬‬
‫]‪ [141‬اتفق الصوليون على أن العموم من عوارض اللفاظ‪ ،‬واختلفوا هل‬
‫يكون من عوارض المعاني‪ ،‬والصواب أنه يكون كذلك انظر‬
‫الفتاوى ‪ 2/162‬ومابعدها لشيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬وكذلك ‪ ،20/188‬وأيضا ً‬
‫منهاج السنة ‪ ،2/591‬وقد نص بعض الصليون على أنه‬
‫إذا نص الشارع على العلة على وجه ليقبل تأويلها فلبد أن يعم الحكم )البحر‬
‫المحيط للزركشي نقل ً عن أبي إسحاق ‪.(7/45‬‬
‫]‪ [142‬اللفظ قد يكون عاما ً بالعرف أو بالعقل انظر شرح الكوكب المنير ص‬
‫‪.360‬‬
‫ً‬
‫]‪ [143‬وبعضهم يجعل فروقا دقيقة‪ ،‬انظر البحر المحيط ‪.5/125‬‬
‫]‪ [144‬وهذا قد يسميه البعض قياس الولى‪ ،‬انظر في التفريق التقرير‬
‫والتحبير لبن أمير الحاج ‪ ،3/222‬ولعل القياس الجلي أعم من‬

‫)‪(27 /‬‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قياس الولى عند عامة الصوليين‪.‬‬


‫]‪ [145‬انظر كشف السرار‪ ،‬لعبدالعزيز بن أحمد البخاري ‪.2/252‬‬
‫]‪ [146‬قال ابن تيمية )الفتاوى ‪ 21/207‬والكبرى ‪" : (1/337‬وكذلك قياس‬
‫الولى وإن لم يدل عليه الخطاب‪ ،‬ولكن عرف‬
‫أنه أولى بالحكم من المنطوق بهذا‪ ،‬فإنكاره من بدع الظاهرية‪ ،‬التي لم‬
‫يسبقهم بها أحد من السلف"‪.‬‬
‫]‪ [147‬رواه مسلم ‪ ،3/1699‬وكذلك هو عند الترمذي وقال بعده‪ :‬حسن‬
‫صحيح )السنن ‪ ،(5/101‬ورواه غيرهم‪.‬‬
‫]‪ [148‬رواه الحاكم في مستدركه من طريق شريك ‪ 2/212‬وقال صحيح‬
‫على شرط مسلم ولم يخرجاه‪ ،‬ورواه أحمد في المسند‬
‫‪ ،3/357 ،5/353 ،5/351‬وكذا رواه الترمذي في السنن ‪ 5/101‬وقال حسن‬
‫غريب لنعرفه إل ّ من حديث شريك‪ ،‬ورواه أيضا ً‬
‫أبوداود ‪ 2/246‬والبيهقي في الكبرى ‪ ،7/90‬وفي الشعب ‪ ،4/364‬وكذلك‬
‫هناد في الزهد ‪ ،2/649‬وكذلك الطحاوي في شرح‬
‫معاني الثار ‪ ،3/15‬وكذلك الروياني في المسند ‪ ،1/22‬وذكر متابعة اسرائيل‬
‫لشريك في أبي ربيعة‪ ،‬ورواه من طريق حماد بن سلمة ابن أبي‬
‫شيبة في المصنف ‪ ،4/7‬وقال المقدسي في المختارة بعد أن ذكر طريق‬
‫حماد بن سلمة اسناده حسن ‪ 2/108‬ثم ذكر قول الطبراني في الوسط‬
‫‪ 1/209‬ليروى هذا الحديث عن علي إل ّ بهذا السناد تفرد به حماد بن سلمة‬
‫مختصرًا‪ ،‬وأخرجه البزار في مسنده من غير طريق حماد أو‬
‫شريك وقال‪ :‬لم نسمعه إل ّ من عباد عن محمد بن فضل‪ ،‬ورواه من طريقه‬
‫الدارمي ‪ ،2/386‬ورواه المام أحمد ‪ ،1/159‬وكذلك في‬
‫فضائل الصحابة ‪ ،2/601‬وقد حسن العلمة اللباني إسناده في غير موضوع‪.‬‬
‫]‪ [149‬صحيح البخاري ‪ ،5/2300‬ومسلم ‪.3/1675‬‬
‫]‪ [150‬انظر رسالة العلمة محمد بن إبراهيم في حكم الختلط ص ‪.4‬‬
‫]‪ [151‬خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله‪ ،‬للعلمة ابن باز رحمه‬
‫الله‪ ،‬وهي في مجموع الفتاوى والمقالت ‪ .1/420‬ط دار‬
‫القاسم ‪.1418‬‬
‫]‪ [152‬انظر البحر المحيط ‪.8/90‬‬
‫]‪ [153‬شعب اليمان ‪.412-7/411‬‬
‫]‪ [154‬صحيح بن خزيمة ‪ ،3/93‬ورواه أيضا ً في التوحيد من حديث قتادة عن‬
‫مورق وقد صحح رفعه المام الدارقطني كما في العلل له‬
‫)‪ ،(5/314‬وقد رواه أيضا ً ابن حبان في صحيحه من طريق ابن خزيمة‬
‫‪ ،12/413‬وكذلك الهيثمي في موارد الظمآن ‪،1/103‬‬
‫ورواه الترمذي في السنن وقال‪ :‬حسن غريب )‪ (3/476‬إل ّ أن المنذري قال‬
‫في الترغيب والترهيب ‪" :1/142‬رواه الترمذي‬
‫وقال حديث حسن صحيح غريب" وهذا تصحيح من المام الترمذي له‪ ،‬ولعله‬
‫كذلك في بعض نسخ الجامع ومما يؤيده نقله من قبل غير المنذري‬
‫كالزيلعي في نصب الراية ‪ 1/411‬وكذلك ابن الهمام في فتح القدير ‪1/259‬‬
‫وكذلك ابن حجر في الدراية في تخريج أحاديث الهداية‬
‫‪ 1/123‬نقل تصحيحه عنه ويبعد وهم هؤلء جميعًا‪ ،‬وقد عزاه المنذري في‬
‫الترغيب والترهيب ‪ 1/141‬للطبراني في الوسط وقال رجاله‬
‫رجال الصحيح‪ ،‬وكذا قال الهيثمي في مجمع الزوائد ‪ 2/34‬وقال في التي‬
‫بعدها‪ :‬رجاله موثوقون‪ ،‬وهو في الوسط للطبراني ‪،8/101‬‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفي الكبير ‪ ،10/108‬وقد صحح هذا الحديث الدارقطني والترمذي وابن‬


‫خزيمة وابن حبان وجوده ابن كثير )التفسير ‪(3/483‬‬
‫ً‬
‫والمنذري والهيثمي وغيرهم‪ ،‬والظاهر أنه صحيح وقد خالف هماما سليمان‬
‫بن المعتمر فرواه عن قتادة عن أبي الحوص‪ ،‬ولهذا شك ابن خزيمة في‬
‫سماع قتادة هذا الحديث خاصة عن مورق‪ ،‬ولعل الصواب صحة سماعه له‬
‫منه‪ ،‬فالرواي عن قتادة همام‪ ،‬ولئن كان سليمان أجل وأوثق في الجملة فإن‬
‫هماما ً من أوثق الناس في قتادة خاصة‪ ،‬فهو رابع أربعة في قتادة ل يقدم‬
‫عليه فيه إل ّ ابن أبي عروبة وهشام وشعبة )انظر الكامل ‪،7/129‬‬
‫وتهذيب الكمال ‪ ،30/306‬والجرح والتعديل ‪ 9/108‬وغيرها(‪ ،‬خاصة إذا حدث‬
‫عن همام من روى عنه متأخرا ً لكونه من كتابه‪ ،‬وعمرو‬
‫بن عاصم من طبقة من رووا عنه أخيرا ً كعفان بن مسلم وحبان وبهز‪ ،‬ووقد‬
‫احتج البخاري برواية عمرو بن عاصم عن همام عن قتادة في خمسة‬
‫مواضع من صحيحه‪ ،‬ويعزز صحة رواية همام أيضا ً متابعة سعيد بن بشير‬
‫وسويد بن إبراهيم –ولعل الصواب فيهما أنهما صالحين للعتضاد‪ -‬لها‬
‫فهو لم يتفرد بها عن قتادة والله أعلم‪ ،‬وقد صح الثر عن ابن مسعود موقوفا ً‬
‫كذلك‪ ،‬فلعل بعض الرواة مرة رفعه ومرة أخرى وقفه‪ ،‬ومثله إخبار عن‬
‫غيب لعله ليقال بالرأي والله أعلم‪.‬‬
‫]‪ [155‬وكذا جعله من أصله المباركفوري ‪ 4/283‬ولعله تبع المناوي‪ ،‬ولعله‬
‫ليلزم أصل معناه بسط الكف فوق الحاجب فهذا يصنع عادة‬
‫للبعيد‪ ،‬وقد ذكر أهل اللغة أن الشين والراء والفاء أصل يدل على علو‬
‫وارتفاع‪ ،‬ويقال استشرفت الشيء‪ ،‬إذا رفعت بصرك تنظر إليه‪.‬‬
‫]‪ [156‬فيض القدير ‪.6/226‬‬
‫]‪ [157‬متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري ‪ ،5/2005‬ومسلم ‪.4/1711‬‬
‫]‪ [158‬انظر البحر الزخار للمرتضي ‪.4/84‬‬
‫]‪ [159‬انظر البحر المحيط للزركشي ‪.7/45‬‬
‫]‪ [160‬ينظر شرح الكوكب المنير ‪ ،2/302‬وكذلك كشف السرار ‪،2/378‬‬
‫وأيضا ً البحر الزخار ‪ ،1/188‬والتقرير والتحبير‬
‫‪ ،2/198‬وإعلم الموقعين ‪ ،3/107‬وغير ذلك وهو معروف عند الصوليين‬
‫بشتى مذاهبهم‪.‬‬

‫)‪(28 /‬‬

‫]‪ [161‬ممن نتصر له ابن فورك انظر البحر المحيط ‪ ،7/237‬ونحوه قول‬
‫الغزالي والمدي وغيرهما انظر البحر الزخار ‪.1/190‬‬
‫]‪ [162‬اقتضاء الصراط المستقيم ‪.1/284‬‬
‫]‪ [163‬مسلم ‪.4/1883‬‬
‫]‪ [164‬تفسير ابن كثير ‪ ،3/484‬ومابعدها‪.‬‬
‫]‪ [165‬صحيح مسلم ‪ 4/2098‬برقم )‪.(2742‬‬
‫]‪ [166‬فيض القدير ‪.2/179‬‬
‫]‪ [167‬فتاوى ابن إبراهيم ‪.10/41‬‬
‫]‪ [168‬القصة في صحيح البخاري ‪ 5/1957‬رقم ‪ ،4800‬وانظر صحيح مسلم‬
‫‪.2/1077‬‬
‫]‪ [169‬السابق ‪.23-9/22‬‬
‫]‪ [170‬رواه البخاري في الصحيح ‪3/1159‬رقم )‪ ،(3107‬ومسلم ‪4/1712‬‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫برقم )‪.(2174‬‬
‫]‪.5/321 [171‬‬
‫]‪ [172‬انظر تفسير ابن كثير سورة البقرة }ولتباشروهن وأنتم عاكفون‪{ ..‬‬
‫الية ‪.1/225‬‬
‫]‪ [173‬أدب الدنيا والدين ص ‪.327‬‬
‫]‪ [174‬انظر عمدة القاري ‪.5/321‬‬
‫]‪ [175‬أفردت في رسالة مستقلة وهي في مجموع فتاواه رحمه الله‬
‫‪.10/35‬‬
‫]‪ [176‬السابق ‪.44-10/43‬‬
‫]‪ [177‬وهذا نظير ما ذكره شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله في كتابه‬
‫اقتضاء الصراط المستقيم بعد أن سرد جملة من أقوال الفقهاء في مسائل‬
‫يرون فيها مخالفة الكفار وأهل البدع؛ ثم قال رحمه الله‪" :‬وليس الغرض هنا‬
‫تقرير أعيان هذه المسائل‪ ،‬ول الكلم على ما قيل فيها بنفي ول‬
‫إثبات‪ ،‬وإنما الغرض ما اتفق عليه العلماء من كراهة التشبه بغير أهل‬
‫السلم"‪ .‬ينظر‪ :‬اقتضاء الصراط المستقيم ‪.2/401‬‬
‫ت فهي‬ ‫ّ‬
‫جِليلة ‪ ،‬و َتجال ْ‬
‫ت فهي َ‬‫جل ّ ْ‬
‫]‪ [178‬تجالت‪ :‬أي أسّنت وك َُبرت‪ ،‬يقال ‪َ :‬‬
‫مَتجاّلة‪.‬‬
‫ُ‬
‫]‪ [179‬انظر المدخل لبن الحاج فإن فيه مزيد تفصيل ‪.4/199‬‬
‫]‪ [180‬الطرق الحكمية ص ‪.240‬‬
‫]‪ [181‬أدب الدنيا والدين ص ‪.268‬‬
‫]‪ [182‬الفواكه الدواني ‪.2/322‬‬
‫]‪ [183‬انظر أنوار البروق في أنواع الفروق للقرافي ‪ ،4/156‬وكذلك تبصرة‬
‫الحكام في أصول القضية ومنهج الحكام لبن فرحون‬
‫‪ ،1/361‬والموسوعة الفقهية ‪.2/290‬‬
‫]‪ [184‬أحكام القرآن‪.3/428 ،‬‬
‫]‪ [185‬التاج والكليل لمختصر خليل‪ ،‬للمواق‪ :‬محمد بن يوسف العبدري‪،‬‬
‫‪ ،8/119‬وقد نبه على هذا في غير شرح لمختصر خليل‪،‬‬
‫وانظر منح الجليل لعليش ‪.8/306‬‬
‫]‪ [186‬السابق‪.‬‬
‫]‪ [187‬السابق‪.‬‬
‫]‪ [188‬البحر الرائق لبي نجيم ‪.1/380‬‬
‫]‪ [189‬غمز عيون البصائر في شرح الشباه والنظائر ‪.2/114‬‬
‫]‪ [190‬رد المحتار على الدر المختار ‪.6/355‬‬
‫]‪ [191‬بريقة محمودية للخادمي ‪.11-4/10‬‬
‫]‪ [192‬معالم القربة في معالم الحسبة‪ ،‬لمحمد بن الخوة القرشي‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫]‪ [193‬فتاوى الرملي ‪ ،2/41‬وانظر نهاية المحتاج شرح المنهاج ‪.3/10‬‬
‫]‪ [194‬المنتقى شرح الموطأ للباجي ‪.1/9‬‬
‫]‪ [195‬أشار إليه ابن حجر في الفتح ‪.2/336‬‬
‫]‪ [196‬شرح النووي ‪ 4/159‬وفيه تعليل استحباب تأخرها في الصفوف‬
‫الخلفية للمنع من الختلط‪ ،‬وتبعه المباركفوري في التحفة‬
‫‪ ،2/14‬وكذلك في عون المعبود ‪ ،2/264‬وانظر الديباج ‪ ،2/154‬وفيض‬
‫القدير ‪ ،3/487‬ونيل الوطار ‪.3/226‬‬
‫]‪ [197‬المدخل لبن الحاج ‪.2/297‬‬
‫]‪ [198‬عن فتاوى ابن إبراهيم ‪.3/61‬‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [199‬انظر حاشية قيلوبي وعميرة ‪ ،4/174‬وكذلك مغني المحتاج ‪،5/418‬‬


‫وكذلك نهاية المحتاج ‪.8/238‬‬
‫]‪ [200‬انظر الفتوى رقم )‪ ،10/44 ،(2641‬و)‪ ،10/46 ،(2643‬والتي تليها‪،‬‬
‫والتي تليهما‪ ،‬وكذلك الفتوى رقم‬
‫)‪ ،10/50 ،(2652‬بل راجع فتواه ‪/10‬من ‪ 35‬وإلى ‪.55‬‬
‫]‪ [201‬الفتاوى ‪.3/84‬‬
‫]‪ [202‬وهو ما يحصل من النساء هناك من خروجهن سافرات‪ ،‬واختلطهن‬
‫بالرجال في محافل الزواج‪ ،‬وعند القدوم من السفر‪ ،‬وعند حفل‬
‫الولدة‪ ،‬ونحو ذلك إلى آخر ما ذكرته )هذا نص السؤال(‪.‬‬
‫]‪ [203‬فتواه ‪.10/49‬‬
‫]‪ [204‬السابق ‪.10/244‬‬
‫]‪ [205‬السابق ‪.222-221‬‬
‫]‪ [206‬السابق ‪.13/221‬‬
‫]‪ [207‬السابق ‪.13/222‬‬
‫]‪ [208‬مجموع الفتاوى والمقالت ‪.1/420‬‬
‫]‪ [209‬السابق ‪ ،425‬وقد نقل قطعة من كلم الغربيين ليناسب تكرارها‬
‫فلتراجع‪.‬‬
‫]‪ [210‬السابق ‪.427‬‬
‫]‪ [211‬السابق ‪.4/248‬‬
‫]‪ [212‬السابق ‪.5/236‬‬
‫]‪ [213‬السابق ‪.5/234‬‬
‫]‪ [214‬السابق ‪ ،6/355‬وانظر كذلك ‪.1/418‬‬
‫]‪ [215‬السابق ‪.9/429‬‬
‫]‪ [216‬راجع موقعه على النترنت‪ ،‬على الرابط التالي‪:‬‬
‫‪ /http://www.binbaz.org.sa‬وابحث عن‬
‫"الختلط"‪.‬‬
‫]‪ [217‬سبق تخريجه‪ ،‬ينظر‪ :‬الحاشية رقم ‪ 70‬أو ‪.157‬‬
‫]‪ [218‬قال العلمة اللباني في الرد المفحم‪" :‬أخرجه الطبراني في المعجم‬
‫الكبير ) ‪ (311 / 24‬بإسناد جيد‪ ،‬قال الهيثمي‬
‫)‪ (9/264‬ورجاله ثقات"‪ ،‬وقد ذكر سمراء بنت نهيك المام ابن عبد البر في‬
‫الستيعاب )‪ (4/1863‬وذكر نحو هذا الثر‪ ،‬أما‬
‫ابن حجر –رحمه الله‪ -‬فقد ذكرها ثم قال في الصابة )‪" : (7/712‬تأتي في‬
‫القسم الثالث" فما أتت‪ ،‬وكأنه نسيها‪ ،‬وممن أشار إلى‬
‫صحبتها صاحب تاريخ واسط ‪ ،1/42‬ولعل الثر مختلف فيه لختلفهم في ابن‬
‫أبي سليم‪ ،‬ولكن ليس فيه أنها وليت السوق‪.‬‬
‫]‪ [219‬المعجم الكبير ‪.24/311‬‬
‫]‪ [220‬انظر تهذيب الكمال )‪.(25/207‬‬
‫]‪.9/429 [221‬‬
‫]‪ [222‬انظر شرح الزرقاني ‪.1/286‬‬
‫]‪.2/649 [223‬‬
‫]‪3/242 [224‬‬
‫]‪ [225‬راجع كتاب عبدالعزيز الرفاعي‪ :‬خولة بنت الزور‪.‬‬
‫]‪ [226‬البيات للنابغة الذبياني‪ ،‬والمستثفر الحامي‪ :‬أراد به الكلب يدخل ذنبه‬
‫بين فخذيه حتى يلزقه ببطنه‪ ،‬متأهبا ً للحماية‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(29 /‬‬

‫]‪ [227‬تأتي الشارة إليها في الفصل الثاني بمشيئة الله تعالى‪.‬‬


‫ً‬
‫]‪ [228‬منقول عن مقال لمروي مشالي‪ ،‬تأتي الشارة إليه قريبا‪ ،‬وقد ُيظن‬
‫أن هذه النسبة مبالغ فيها‪ ،‬ولكن الدراسات تفيد أن نسبة ‪%10‬‬
‫من مجموع السكان شذاذ ]عن مركز أبحاث الحرم الجامعي للشذوذ بجامعة‬
‫يوتا بولية سالت لك المريكية[‪ ،‬بالضافة إلى ‪ %8‬عندهم شذوذ‬
‫"مزدوجي الجنس"‪ ،‬وهذه النسبة تعادل )‪ (%18‬من مجموع السكان‪ ،‬ووفقا ً‬
‫لتعداد عام ‪2003‬م‪ ،‬فإن عدد هؤلء يصل إلى ما يربو على‬
‫الثنتين وخمسين مليونا‪ .‬ومع ذلك فهؤلء قلة إذا ما قورنوا بإحصاءات أخرى‬
‫أشارت إلى عدد الذين مروا بتجارب مقيتة حينا ً من الدهر‪ .‬ولعل‬
‫من الحكمة العراض عن الحالة على بعض منظمات الشذاذ والتي ربما‬
‫اعتنت بتكثير إحصائياتهم‪ ،‬وأكتفي بالحالة على موقع مركز جامعة يوتا‪،‬‬
‫وقد كان رابطه حتى تاريخ كتابة هذه السطر‪.http://www.sa.utah.edu/lgbt :‬‬
‫وكذلك راجع موقعة‬
‫جامعة دايتن الكاثوليكية على الرابط‪:‬‬
‫‪ .http://ministry.udayton.edu/diverse/bglad_group.htm‬التقرير‬
‫التمهيدي لبرامج التجمع الوطني لمكافحة الغتصاب )العنف( ‪National‬‬
‫‪-Coalition of Anti‬‬
‫‪.Violence Programs‬‬
‫]‪ [229‬وقد نشرت قناة الجزيرة الخبارية الخبر بتاريخ ‪ ،29/8/2001‬محاكمة‬
‫‪ 52‬بتهمة الشذوذ‪ ،‬وخصصت الهرام العربي‬
‫"حياة الناس" لهذا الحدث‪ ،‬في عددها ‪ ،231‬السبت ‪.25/8/2001‬‬
‫]‪ [230‬الهرام العربي "حياة الناس"‪ ،‬في عددها ‪ ،231‬السبت ‪.25/8/2001‬‬
‫]‪ [231‬الحوادث والرقام السابقة مستقاة من مقال بعنوان‪ :‬ثقافة الشذوذ‬
‫أحدث منتج أمريكي‪ ،‬لمروي مشالي‪ ،‬نشر في حياة الناس من‬
‫الهرام العربي يوم السبت ‪ 6‬جمادى الخرة‪ 1422 ،‬الموافق ‪ 25‬أغسطس‬
‫‪2001‬العدد رقم ‪.231‬‬
‫]‪ [232‬نقل ً عن جريدة المحايد في عددها رقم ‪ 81‬بتاريخ ‪،18/1/1425‬‬
‫الموافق ‪9/3/2004‬م‪.‬‬
‫]‪ [233‬انظر تقريرا ً عن هذا الحدث في "السي إن إن" يوم الربعاء الموافق‬
‫‪/6‬أغسطس‪ ،2003/‬وقد كان حتى كتابة هذه‬
‫السطر في موقعها على الرابط التالي‪:‬‬
‫‪.http://www.cnn.com/2003/US/08/06/bishop‬‬
‫]‪ [234‬عن تقرير لمفكرة السلم بعنوان‪ :‬حرية التردي وتقنين الفاحشة في‬
‫الوليات المتحدة المريكية‪ ،‬وقد كان على الرابط التالي‪:‬‬
‫‪. http://www.islammemo.cc/taqrer/one_news13.asp?IDnews=134‬‬
‫]‪ [235‬في ظلل القرآن‪ ،‬تفسير سورة العراف‪ ،‬الدرس الرابع اليات ‪-80‬‬
‫‪ 84‬لقطات من قصة لوط ‪.‬‬
‫]‪ [236‬السابق‪ ،‬سورة النور‪} :‬قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ‪{ ..‬اليات‪.‬‬

‫)‪(30 /‬‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الختلط وكشف العورات في المستشفيات ]‪[1/2‬‬


‫د‪ .‬يوسف بن عبد الله الحمد ‪16/5/1427‬‬
‫‪12/06/2006‬‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور أنفسنا‬
‫وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد‬
‫أل إله إل الله‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ‪.‬‬
‫أما بعد‪.‬‬
‫فهذه رسالة أتقدم بها إلى كل مسلم؛ من العاملين في الميدان الطبي‬
‫وغيرهم من العلماء والدعاة وعموم الناس‪ ،‬وهي تتضمن مشروعا ً إصلحيا ً‬
‫لعدد من جوانب النحراف الذي التصق بالقطاع الصحي‪ .‬وكانت بداية‬
‫ة ميدانية قمت بها داخل المستشفيات الكبرى‪،‬‬ ‫اهتمامي بهذا الموضوع‪ :‬رحل ٌ‬
‫وهذه الرحلة كانت من متطلبات بحث رسالة الدكتوراه والتي كان عنوانها‬
‫)نقل أعضاء النسان في الفقه السلمي( ودخلت خلل هذه الرحلة تسع‬
‫عمليات‪ :‬اثنتان في زراعة الكبد إحداهما من متبرع حي والخرى من ميت‬
‫دماغيًا‪ ،‬واثنتان في زراعة الكلى إحداهما من متبرع حي والخرى من ميت‬
‫دماغيًا‪ ،‬واثنتان في استئصال العضاء من ميت دماغيًا‪ ،‬واثنتان في جراحة‬
‫القلب المفتوح‪ ،‬وواحدة في جراحة باطنية بالمنظار‪.‬‬
‫والتقيت خلل هذه الرحلة بكثير من المرضى والطباء وعشت واقع‬
‫المستشفيات من الداخل‪ ،‬وقد يسر الله تعالى لي تقديم محاضرة بعنوان‬
‫)بين الطبيب والمريض( وقد كان لها بفضل الله تعالى انتشار طيب ولله‬
‫الحمد‪ ،‬وهذا الكتاب مستل بنصه من هذه المحاضرة مع بعض الضافات‪.‬‬
‫وقد أحببت ذكر هذه المقدمة حتى يتبن سبب اهتمامي بهذا الموضوع‪.‬‬
‫وسأبدأ بذكر موضوع كشف العورات‪ ،‬ثم الختلط‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬كشف العورات في المستشفيات ) الواقع والعلج (‪.‬‬
‫التفريط في حفظ العورات في المستشفيات قد يكون من المرضى‪ ،‬وقد‬
‫يكون من الطباء‪.‬‬
‫تقول إحدى النساء‪ :‬إذا دخلت على الطبيب كشفت وجهي حياًء منه‪ .‬وأخرى‬
‫تقول‪ :‬إن كان الطبيب ملتحيا ً لم أكشف وجهي‪ ،‬وإل كشفته‪ .‬وأخرى تقول‪:‬‬
‫أكشف وجهي‪ ،‬ول أدري ما الذي أوقعني في هذه الغفلة‪ .‬ويقول أحد الطباء‪:‬‬
‫بعض النساء إذا جاءت مع زوجها تسترت‪ ،‬وإذا جاءت بدون زوج تسامحت‪،‬‬
‫وتساهلت‪.‬‬
‫و بعض الرجال ضعيف الدين والغيرة‪ :‬ل يجد فرقا ً بين أن تدخل قريبته على‬
‫رجل أو امرأة‪ .‬وبعضهم تساوى عنده المران بسبب الغفلة ولكن إذا نبه تنبه‪.‬‬
‫فهذا رجل أدخل زوجته على طبيب السنان‪ ،‬وجلس ينتظر بالخارج‪ ،‬فقلت‬
‫له‪ :‬لماذا ل تدخل مع زوجتك؟ وكأنما استيقظ من النوم‪ ،‬فقام ودخل إلى‬
‫أهله في غرفة الطبيب‪.‬‬
‫وفي أحد المستشفيات الخاصة‪ ،‬في قسم النساء والولدة‪ ،‬يوجد فيها‬
‫ه‬
‫ل زوجت ِ‬ ‫عيادتان‪ ،‬الولى لطبيب‪ ،‬والخرى لطبيبة‪ .‬فاختار أحد الرجال إدخا َ‬
‫على الطبيب الرجل‪ ،‬وقد تناهت الغفلة مع هذا الرجل‪ ،‬فبقي على مقاعد‬
‫النتظار خارج غرفة الطبيب‪.‬‬
‫ومن المشاهد المؤسفة‪ :‬ازدحام عيادات النساء والولدة والذي يكون الطبيب‬
‫فيها رجل مع إمكان ذهاب المريضات إلى الطبيبات‪ ،‬أو رضى المرأة بأن‬
‫يباشر توليدها رجل‪ .‬فكيف ترضى المؤمنة أن تكشف عند طبيب رجل‬
‫بطوعها واختيارها مع إمكان الطبيبة؟!‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كثير من الرجال يحرصون على زوجاتهم أو بناتهم‪ ،‬ولكنهم يتساهلون مع‬


‫أنفسهم في الدخول على الطبيبة أو الكشف عليه من قبل الممرضة‪.‬‬
‫وهنا جانب آخر من كشف العورات والذي يتحمل الطباء جريرته‪.‬‬
‫في غرفة العمليات يمر المريض بعد التخدير بمرحلة التجهيز والعداد‪ ،‬ولم‬
‫أكن أدخل غرفة العمليات إل بعد تجهيز المريض غالبًا‪ ،‬حينما يكون مستورا ً إل‬
‫موضع الجراحة‪ ،‬ودخلت مرةً أثناء مرحلة التجهيز‪ ،‬فرأيت شابا ً قد تم تخديره‪،‬‬
‫ق على طاولة غرفة العمليات‪ ،‬وهو عار تماما ً ليس عليه شيء‬ ‫وهو مستل ٍ‬
‫ً‬
‫يستره‪ ،‬وازداد المر سوءا في عملية المنظار وقسطرة البول‪ ،‬وعند إزالة‬
‫الشعر من أسفل بطن المريض ‪ .‬ومن العسير أن أصف التفاصيل تأدبا ً مع‬
‫القارئين‪ ،‬وهذه المشاهد رآها جميع الحاضرين في الغرفة من الممرضات‪،‬‬
‫والفنيين وطبيب التخدير‪ .‬وهذا الموقف كان من أصعب اللحظات التي مرت‬
‫علي في هذه الرحلة وأصبحت مهموما ً بعدها لعدت أسابيع‪ ،‬ويعود إلي الهم‬
‫واللم كلما تذكرت هذا الموقف‪ .‬وبعد أيام سألت أحد الطباء فقلت له‪ :‬هل‬
‫ُيفعل بالمرأة ما رأيت من المنظار وقسطرة البول من قبل الرجال‪ ،‬وأمام‬
‫جميع الحاضرين؟‪ .‬فقال نعم‪ ،‬ول فرق‪.‬‬
‫وأخبرني أحد الطباء فقال‪ :‬لما كنت في سنة المتياز‪ ،‬وكنت في قسم‬
‫النساء والولدة‪ ،‬جاءت امرأة في حالة إسعافية وقد أصابها النزيف‪ ،‬فدعانى‬
‫الطبيب الستشاري لحضور الكشف عليها‪ ،‬فلما أتينا‪ .‬قالت المريضة‪ :‬ل أريد‬
‫أن يكشف علي إل امرأة‪ .‬فانزعج الستشاري مما قالت فطردها من القسم‬
‫أمامنا‪.‬‬
‫كتب إلي أحد أطباء المتياز‪" :‬دخلت ذات مرة على غرفة عمليات فوجدت‬
‫بها امرأة عارية تماما ً وفي حالة مزرية وحولها الطاقم الطبي من الرجال‬
‫والنساء‪ ،‬وذلك قبل بدء العملية "‪ .‬انتهى كلمه‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ويقول أحد الطباء‪ :‬يأتينا بعض النساء وهي في غاية الستر والحشمة‪،‬‬
‫وتطلب وتلح في أن يتولى إجراء عمليتها امرأة فنوافقها على ما تطلب‪ ،‬وبعد‬
‫التخدير نتولى نحن الرجال العملية الجراحية والتي تكون في العورة‬
‫المغلظة‪ ،‬وهي ل تعلم‪ .‬وحاُلها يكون مكشوفا ً أمام الجميع من ممرضين‪،‬‬
‫ة للتنظيف‪.‬‬ ‫ل النظافة إذا دخل الغرف َ‬
‫وفنيين‪ ،‬وطبيب التخدير‪ ،‬بل حتى عام ِ‬
‫وبعد ذلك يتم التوقيع في التقرير باسم إحدى الطبيبات‪ .‬فانظر إلى أخلقيات‬
‫المهنة‪.‬‬
‫وهذه استشارية في قسم النساء والولدة‪ ،‬تقول لمن معها من طلب المتياز‬
‫إذا جاءت حالة إسعافية وطلبت طبيبة‪ ،‬فقولوا لها‪ :‬ل يوجد طبيبة‪ .‬يحدثني‬
‫أحدهم فيقول‪ :‬كنا نكذب على المريضات‪ ،‬فنقول‪ :‬ل يوجد طبيبة‪ ،‬فبعضهن‬
‫ترضخ للواقع وهي تبكي‪ ،‬و بعضهن يذهبن إلى مستشفى آخر‪.‬‬
‫وحدثني أحد المشايخ الفضلء فذكر‪ :‬أنه ذهب بزوجته إلى مستشفى الولدة‪،‬‬
‫ورأى القابلت الحاجة إلى مجيء الطبيب‪ ،‬فأبت زوجته أن يأتيها رجل‪.‬‬
‫فقالوا‪ :‬ل يوجد طبيبات‪ ،‬فاتصلت بزوجها فجاء فأصر على مجيء طبيبة وإل‬
‫خرج بها إلى مستشفى آخر‪ ،‬فلما أراد إخراجها من المستشفى‪ ،‬أتوا له‬
‫بورقة إخراج المريض‪ ،‬وأنه بناًء على طلب المريض‪ .‬يقول وقعت عليها‪،‬‬
‫وكتبت أخرجتها بناًء على قولهم‪ :‬ل يوجد في المناوبة طبيبات‪ .‬يقول الشيخ‪:‬‬
‫فجاء في الحال طبيبتان‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كتبت إلي إحدى الطبيبات الصالحات في هذا‪ ،‬وأسجل كلمها هنا بحروفه؛‬
‫حيث قالت‪ .." :‬أما في غرفة العمليات فحدث ول حرج؛ فالمرأة توضع على‬
‫ة تمامًا‪ ،‬ويكون في غرفة العمليات‪ :‬أخصائي التخدير‪،‬‬ ‫طاولة العملية عاري ً‬
‫وطلب‪ ،‬وأطباء‪ .‬وعند قولنا‪ :‬قوموا بتغطيتها‪ .‬يرد الستشاري بقوله‪ :‬إننا‬
‫جميعا ً أطباء‪ .‬وأنا متأكدة أنها لو كانت زوجته لما سمح لحد بأن يراها" انتهى‬
‫كلم الطبيبة‪.‬‬
‫وكتبت إلي طبية أخرى في إحدى الستبانات التي وزعتها حول هذا‬
‫الموضوع‪ ،‬وهذا نص كلمها‪ " :‬تعرضت لهذا الحدث شخصيًا‪ ،‬وعندما أدخلت‬
‫إلى المستشفى في حالة نزيف‪ ،‬ولم يكن طبيب النساء ذلك اليوم إل دكتور‬
‫)وهو زميل( وكانت الساعة السابعة والنصف صباحًا‪ ،‬وكنت في وضع مستقر‬
‫ول مانع لدي من النتظار ربع إلى نصف ساعة لحضور الدكتورة لستلم‬
‫نوبتها‪ ،‬ولكن مع السف لم يقبل وبدأ في الصراخ‪ ،‬وبعض الكلم غير اللئق‪،‬‬
‫مثل ‪ :‬أنا دكتور‪ ،‬ومن حقي التدخل ‪ .‬إذا ما تبغي دكتور ليش جيتي إلى‬
‫المستشفى ـ هذه مسؤوليتي الن ولبد من التدخل ؟؟ اذهبي إلى طبيب‬
‫خاص وليس إلى مستشفى حكومي ‪ "..‬انتهى كلم الطبيبة‪.‬‬
‫وأخبرني عدد من الستشاريين‪ :‬أنهم في سنوات الدراسة يكلف الطالب‬
‫بحضور عدد من عمليات الولدة الطبيعية والقيصرية‪ ،‬فنجتمع نحن الطلب‬
‫مع أستاذنا لمشاهدة الحالة إلى تمام الولدة ‪.‬‬
‫وأخبروني أن المرأة تكون في حال كرب عظيم فندخل عليها من غير‬
‫استئذان‪ ،‬و نعتبر عدم رفضها الصريح لمجيئنا إذنا ً منها ‪ .‬فإذا انتهت من كربها‬
‫وعادت إلى طبيعتها كثير منهن يشتكين‪ ،‬ولكن دون جدوى‪.‬‬
‫وتقول إحدى النساء‪ :‬دخل علي الرجال في عملية الولدة‪ ،‬فأردت منعهم‪،‬‬
‫فانعقد لساني ولم أستطع الكلم‪ ،‬و مثيلتي كثير‪ ،‬تقول‪ :‬والقهر واللم يتردد‬
‫إلى الن في صدري ل يفارقني‪ .‬انتهى كلمها‪.‬‬
‫وبعض النساء مع أنها في هذه الكرب إل أنها ترفض وبشدة وترفع صوتها‪،‬‬
‫فيكون موقف الطبيب الستشاري هو إظهار التذمر الشديد منها‪ ،‬ومعاودة‬
‫المحاولة‪ ،‬والضغط عليها لتوليدها‪.‬‬
‫وأقوى وسيلة للضغط عليها قولهم لها‪ :‬إنك قد وقعت قبل الدخول بعدم‬
‫العتراض على العملية التعليمية‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إن كان المر كما قالوا؛ أي أنها وّقعت‪ ،‬فهو امتهان مقنن‪.‬‬
‫ومع ذلك كله فإن زوج هذه المريضة ممنوع من الدخول في غرفة عملية‬
‫الولدة‪.‬‬
‫ل على المرأة من غير إذنها‪،‬‬ ‫فقلت لهؤلء الستشاريين‪ :‬هل يجوز لكم الدخو ُ‬
‫ف عليها والنظُر إلى عورتها من غير إذنها؟! ‪ .‬فقالوا‪ :‬ل ندري‪.‬‬ ‫والكش ُ‬
‫ً‬
‫وسألتهم هل ترضون هذا لنسائكم؟ فأجابوا جميعا بأنهم ل يرضونه‪.‬‬
‫ن حق المريض‪،‬‬ ‫فانظر كيف يتربى طلب الطب من أساتذتهم على امتها ِ‬
‫وأنهم يرضون للمريض ما ل يرضون لنفسهم ونسائهم‪.‬‬
‫وهذا هو الذي يفسر عقدة الستعلء على المريض التي يشتكي منها كثير من‬
‫المرضى والتي يكثر حديث الناس عنها في المجالس‪ ،‬فينشأ الطبيب منذ‬
‫نعومة أظفاره على أن المريض له حق العلج في بدنه‪ ،‬ولكن ليس له حق‬
‫الستئذان‪ ،‬ول العتراض‪ ،‬ول حتى إبداِء الرأي في أخص خصائص النسان‬
‫ف عن عورته‪ .‬و مع ذلك فإنه ليس للزوج حق أن يدخل مع زوجته‬ ‫وهو الكش ُ‬
‫في غرفة الولدة أو غرفة العمليات‪ .‬مع أن دخوله مع وجود الطبيب الرجل‬
‫واجب شرعًا‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولحظ في المثلة السابقة كلها أن الطبيب ومن معه يدخلون من غير‬


‫استئذان‪.‬‬
‫ً‬
‫ورأيت بعيني طبيبا يدخل على غرفة تنويم للنساء في الزيارة الصباحية‪ ،‬ففتح‬
‫الباب‪ ،‬وأزال الستارة عنها من غير استئذان‪ ،‬ول كلم‪ .‬والستئذان واجب لو‬
‫كان المريض رجل ً فكيف وهي امرأة؟!‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وسمعت أحد الطباء‪ :‬عند الفحص على المرأة نحرص على عدم وجود‬
‫الزوج‪ ،‬بل أحيانا ً نمنعه حتى ل تثوَر غيرته‪.‬‬
‫وسمعت آخر يقول‪ :‬نحن الطباء ل ننظر إلى العورات بشهوة‪ ،‬فقد تبلد‬
‫الحس بسبب كثرة المساس‪ .‬فانظر كيف اعترف‪ ،‬واتهم نفسه وهو ل يشعر‪.‬‬
‫ويقول أحدهم‪ :‬ل نفرق بين المسلمة وغير المسلمة في تعاملنا‪ ،‬ولكن إن‬
‫كانت المرأة غربية وجدنا في أنفسنا احترما ً لمطالبها‪ ،‬وإن كانت شرقية لم‬
‫نجد في أنفسنا هذا التقدير‪.‬‬
‫ل بعضهم‪ :‬ل فرق في الطب بين المرأة والرجل‪.‬‬ ‫وأخطر مما تقدم كّله قو ُ‬
‫)الشرع يفرق‪ ،‬وهو يقول ل فرق( ‪.‬‬
‫ً‬
‫يقول أحد المشايخ الفضلء‪" :‬كنت منوما في المستشفى لمرض في‬
‫المسالك البولية‪ ،‬وذات مرة جاءني الطبيب ومعه مجموعة من طالبات‬
‫الطب وطلب مني أن أكشف عن العورة المغلظة أمامهن ليتم الفحص‪.‬‬
‫يقول الشيخ‪ :‬فامتنعت ووجهتهم برفق أن الطالبات ل يفحصن إل النساء‬
‫والطلب ل يفحصون إل الرجال" اهـ‪ .‬وأنا أتعجب أشد العجب كيف يقهر‬
‫الطبيب والطالبات حياءهم في هذا الموقف البشع‪.‬‬
‫أما واقع التعامل مع المريض الذي ستجرى له عملية فكالتي‪ :‬يلبس المريض‬
‫ثوبا ً واسعًا‪ ،‬ومفتوحا ً من الخلف ويربط بخيوط متدلية من الثوب‪ ،‬ويصل‬
‫طول الثوب إلى نصف الساق تقريبًا‪ ،‬ول فرق بين الرجل والمرأة في هذا‬
‫النوع من اللباس‪ ،‬ول يسمح بلبس شيء من اللباس دونه‪ ،‬ثم يطلب من‬
‫المريض أن ينتقل من سريره في غرفة التنويم إلى السرير المتحرك الذي‬
‫سينقله إلى غرفة العمليات‪ ،‬وبعد وصوله يتم تخديره‪ ،‬وبعد التخدير ينزع هذا‬
‫الثوب ويبقى المريض عريانًا‪ ،‬وتتم في هذه الفترة تجهيز المريض للعملية‪،‬‬
‫وهي حلق الشعر من منطقة العملية وما جاورها بمسافة كافية‪ ،‬وإذا كانت‬
‫العملية في أسفل البطن كزراعة الكلية ونحوها ؛ فالغالب أنه تحلق عانة‬
‫المريض‪ .‬وبعد ذلك يعقم المريض بمادة صفراء معروفه لمنطقة البطن‬
‫والصدر إذا كانت العملية في هذه المنطقة‪ ،‬ثم يوضع غطاء شفاف من‬
‫البلستك على بطن المريض‪ ،‬ثم يغطى المريض بعد ذلك بالغطاء الطبي‬
‫الخضر الذي يغطي جميع جسم إل موضع العملية‪ ،‬هذا العرض هو الغالب‪.‬‬
‫وفي كثير من العمليات يوضع للمريض أثناء التجهيز قسطرة للبول‪.‬‬
‫يحصل هذا التجهيز غالبا ً أمام جميع الحاضرين في الغرفة من رجال ونساء ‪.‬‬
‫وربما تولى نقل المرأة بالسرير المتحرك رجل‪ ،‬وربما نقلت الرجل امرأة ‪.‬‬
‫وفي كثير من الحوال ل يكون المريض أثناء النقل بالستر المطلوب‪،‬‬
‫وخصوصا ً إذا كان المريض في غير وعيه أو كان في مرحلة الفاقه من‬
‫المخدر بعد العملية‪.‬‬
‫ة كلها بل استثناء تدل على اعتداء صريح على حقوق المرضى‬ ‫والصوُر السابق ُ‬
‫التي أثبتها لهم السلم ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما علج هذه الظاهرة‪ .‬فيكون بالتي‪:‬‬


‫العلج الول‪ :‬معرفة الحكم الشرعي لهذه الممارسات‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬نظر الطبيب إلى عورة المريض بل ضرورة أو حاجة ملحة محرم‪،‬‬
‫وتعظم الحرمة مع اختلف الجنسين ‪ .‬ولُيعلم ‪ :‬أن المرأة كلها عورة عند‬
‫الرجل الجنبي‪ ،‬فالنظر إلى قدمها أو ساقها نظر إلى عورة ‪.‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ضوا ِ‬ ‫ن ي َغُ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬ ‫والدلة على حرمة النظر كثيرة منها‪ :‬قوله تعالى‪" :‬قُ ْ‬
‫ن* وَقُ ْ‬
‫ل‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫كى ل َهُ ْ‬ ‫ك أ َْز َ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫ظوا فُُرو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫صارِهِ ْ‬ ‫أب ْ َ‬
‫َ‬
‫ل ِل ْمؤْمنات يغْضضن م َ‬
‫ن ‪ "..‬الية ]النور‪. [31:‬‬ ‫جهُ ّ‬ ‫ن فُُرو َ‬ ‫فظ ْ َ‬ ‫ح َ‬‫ن وَي َ ْ‬ ‫صارِهِ ّ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫ُ ِ َ ِ َ ُ ْ َ ِ ْ‬
‫وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫مْرأ َةِ وََل‬ ‫مْرأة ُ إ َِلى عَوَْرةِ ال ْ َ‬
‫ل إَلى عَورة الرجل وَل ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َْ ِ ّ ُ ِ َ‬ ‫ج ُ ِ‬ ‫ظر الّر ُ‬ ‫قال ‪َ" :‬ل ي َن ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مْرأةِ ِفي‬ ‫مْرأة ُ إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ضي ال ْ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫حد ٍ وََل ت ُ ْ‬ ‫ب َوا ِ‬ ‫ل ِفي ث َوْ ٍ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل إ َِلى الّر ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ضي الّر ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫د" أخرجه مسلم ‪.‬‬ ‫ح ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ْ‬
‫ب ال َ‬ ‫الث ّوْ ِ‬
‫ما‬‫ل اللهِ عَوَْرات َُنا َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َيا َر ُ‬ ‫ْ‬
‫وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال ‪ " :‬قُل ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫مين ُك ‪.‬‬ ‫ت يَ ِ‬ ‫مل ك ْ‬‫َ‬ ‫ما َ‬ ‫جت ِك أوْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن َزوْ َ‬ ‫م ْ‬‫ك إ ِّل ِ‬ ‫ظ عَوَْرت َ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ل "ا ْ‬ ‫ما ن َذ َُر َقا َ‬ ‫من َْها وَ َ‬ ‫ن َأِتي ِ‬
‫حد ٌ َفافْعَ ْ‬ ‫ل إن استط َعت أ َن َل يرا َ َ‬ ‫ل يَ ُ‬
‫ل‪.‬‬ ‫ها أ َ‬ ‫ََ‬ ‫ل َقا َ ِ ِ ْ َ ْ َ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫معَ الّر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كو ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ل ‪ :‬الّر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه" أخرجه الترمذي‬ ‫من ْ ُ‬ ‫حَيا ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫حق ّ أ ْ‬ ‫هأ َ‬ ‫ل َفالل ّ ُ‬ ‫خال ًِيا َقا َ‬ ‫ن َ‬ ‫كو ُ‬‫ل يَ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ت َوالّر ُ‬ ‫قُل ْ ُ‬
‫وغيره بسند حسن ‪.‬‬
‫َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫سأل ْ ُ‬ ‫وعن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال ‪َ " :‬‬
‫فجاَءة ؟ فَأ َمرِني أ َ َ‬
‫ري " أخرجه مسلم ‪.‬‬ ‫ص ِ‬ ‫ف بَ َ‬ ‫صرِ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ن ن َظ َرِ ال ْ ُ َ ِ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫سل ّ َ‬‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أل ينس كل طبيب وكل مريض حديث معقل بن يسار رضي الله عنه‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬لن يطعن في رأس أحدكم بمخيط‬
‫من حديد خير من أن يمس امرأة ل تحل له" ‪ .‬رواه الروياني في مسنده‬
‫والطبراني في معجمه بسند جيد )الصحيحة ح ‪.(226‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ة نظر الطبيب إلى عورة المرأة من غير ضرورة‬ ‫ثالثا ً ‪ :‬مما تقدم يتبين حرم ُ‬
‫أو حاجة ملحة‪ ،‬والثم يتحمله الطرفان إذا كان الكشف برضاها فرضى‬
‫المريض ل يبيح المحرم‪ ،‬وإذا لم يكن برضاها و إذنها الصريح فحقها إن ضاع‬
‫في الدنيا‪ ،‬فإن الله ل يضيعه في الخرة ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬يجب على المريضة أل تذهب إلى طبيب رجل‪ ،‬وأن ترفض كشف‬
‫الطبيب عليها‪ ،‬وكذا الحال في حق المريض ؛ ليذهب إلى طبيبة ول يسمح‬
‫بفحص الطبيبة أو الممرضة له‪.‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬علج الطباء للنساء‪ ،‬ل يجوز إل بشروط ‪.‬‬
‫الول ‪ :‬أل يوجد طبيبة ‪.‬‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬وجود الضرورة‪ ،‬أو الحاجة الملحة ‪.‬‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬أن يكون الكشف بقدر الحاجة‪ ،‬فإذا وجدت الحاجة لكشف‬
‫ل‪ ،‬لم يجز الكشف أكثر من مقدار الحاجة فيه ‪ .‬وإذا كانت‬ ‫جزء من الساق مث ً‬
‫الحاجة تندفع برؤية طبيب واحد لم يجز أن ينظر إليها أكثُر من واحد ‪.‬‬
‫الشرط الرابع ‪ :‬وجود المحرم‪ ،‬فالكشف على المرأة الجنبية مظنة الفتنة‪ ،‬و‬
‫من أعظم وسائل دفعها وجود المحرم ‪ .‬قال النبي عليه الصلة والسلم‪" :‬ل‬
‫يخلون رجل بامرأة‪ ،‬إل ومعها ذو محرم" أخرجه مسلم من حديث ابن عباس‬
‫رضي الله عنه ‪.‬‬
‫ً‬
‫سألت أحد الطباء‪ :‬هل تجد فرقا في علج المرأة إذا كان معها محرم‪ ،‬أو لم‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يكن معها محرم‪ .‬فقال ‪ :‬أجد فرقا ً ل أستطيع دفعه‪ ،‬من حيث النظر‪ ،‬والجرأة‬
‫في الكلم والسؤال وغيُر ذلك‪.‬‬
‫سادسا ً ‪ :‬الستئذان أدب شرعي أثبته الشرع حقا لكل من أغلق بابه‪ ،‬أو‬ ‫ً‬
‫أرخى عليه ستره‪ .‬والستئذان شرع من أجل البصر‪ ،‬وقد عظم الله شأن‬
‫الستئذان حتى أهدر عين من نظر من غير اسئذان فعن سهل بن سعد رضي‬
‫سل ّ َ‬
‫م‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫جرِ الن ّب ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫حرٍ ِفي ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫الله عنه قال ‪ " :‬اط ّل َعَ َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ك‬‫م أن ّ َ‬ ‫ل "لوْ أعْل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ك ب ِهِ َرأ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫مد ًْرى ي َ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫معَ الن ّب ِ ّ‬ ‫وَ َ‬
‫ر" متفق عليه ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ست ِئ ْ َ‬ ‫جعِ َ‬ ‫ت ب ِهِ ِفي عَي ْن ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ص ِ‬ ‫ل الب َ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ل اِل ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫ت َن ْظُر لطعَن ْ ُ‬
‫و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫ن عَل َي ْ َ‬ ‫ف َ ْ‬ ‫جًل اط ّل َعَ عَل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫ت عَي ْن َ ُ‬ ‫قأ َ‬ ‫صاةٍ فَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫خذ َفْت َ ُ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫ك ب ِغَي ْرِ إ ِذ ْ ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫"ل َوْ أ ّ‬
‫جَناٍح" متفق عليه‪.‬‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫والستئذان يكون ثلثا فإن أذن له وإل انصرف‪ .‬والدليل حديث أبي موسى‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫الشعري رضي الله عنه قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ث فَإ ُ‬
‫ع" أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫ج ْ‬ ‫ك وَإ ِّل َفاْر ِ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫ن أذِ َ‬ ‫ن ث ََل ٌ ِ ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ست ِئ ْ َ‬ ‫يقول‪" :‬اِل ْ‬
‫م الشرعية التي تبين الحقوق‬ ‫سابعًا‪ :‬أن يدرس في كليات الطب ‪ :‬العلو َ‬
‫م والقواعد َ الشرعية لحكام التداوي وضوابطه‪.‬‬ ‫ة للمرضى‪ ،‬والحكا َ‬ ‫الشرعي َ‬
‫وقد تسمى هذه المادة بـ)فقه الطب(‪ ،‬أو )فقه الطبيب والمريض(‪ ،‬أو‬
‫)الضوابط الشرعية لمهنة الطب( أو )الحقوق الشرعية للمرضى( ‪ .‬وأن‬
‫ل الختصاص الشرعي ‪.‬‬ ‫يتولى تدريس هذه المادة ‪ :‬أه ُ‬
‫ثامنا ً ‪ :‬إعادة النظر في تدريس طلب الطب عمليا ً تخصص النساء والولدة‪،‬‬
‫فيكتفى بالجانب النظري لعدم وجود الضرورة الشرعية لكشف العورات حتى‬
‫مع رضى المريض‪ .‬وهذه الوجهة يتبناها عدد من أساتذة الطب الكبار ‪.‬‬
‫تاسعا ً ‪ :‬وهذا أهم العلجات‪ ،‬وهو المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪.‬‬
‫فبنوا إسرائيل استحقوا اللعن من الله بسب تركهم للنهي عن المنكر ‪ .‬قال‬
‫ن‬
‫سى اب ْ ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ن َداوُد َ وَ ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل عََلى ل ِ َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ن ب َِني إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫الله تعالى‪" :‬ل ُعِ َ‬
‫من ْك َرٍ فَعَُلوه ُ ل َب ِئ ْ َ‬
‫س‬ ‫ن ُ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫كاُنوا َل ي َت ََناهَوْ َ‬ ‫ن* َ‬ ‫دو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْت َ ُ‬ ‫وا وَ َ‬ ‫ص ْ‬‫ما عَ َ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫َ‬
‫ن" ]المائدة‪78:‬ــ ‪.[79‬‬ ‫فعَلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما كاُنوا ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وأمة السلم استحقت الخيرية بسبب المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَت َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫س ت َأ ُ‬ ‫ت ِللّنا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫مةٍ أ ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫خي َْر أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫قال الله تعالى‪" :‬ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ه" ]المائدة‪.[110 :‬‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫من ْك َرِ وَت ُؤْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬‫مُرو َ‬ ‫ض ي َأ ُ‬ ‫م أوْل َِياُء ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ت ب َعْ ُ‬ ‫مَنا ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫وقال تعالى ‪َ" :‬وال ْ ُ‬
‫ه‬‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫كاةَ وَي ُ ِ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫صَلة َ وَي ُؤُْتو َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬ ‫من ْك َرِ وَي ُ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫وَي َن ْهَوْ َ‬
‫م" ]التوبة ‪. [71‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫سي َْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫فإذا رأى الطبيب امرأة في العيادة كاشفة عن وجهها أمرها بستره‪ .‬وإن‬
‫جاءت بدون محرم أمرها به‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وجاءت ممرضة أو طبيبة للكشف‬ ‫والخطاب كذلك للمريض فإن كان رج ً‬
‫عليه‪ .‬امتنع‪ ،‬وطالب بمجيء رجل‪.‬‬
‫وإن كان المريض امرأة‪ ،‬امتنعت عن الرجل وطالبت بامرأة‪.‬‬
‫وإذا رأى أيّ واحد منا في ممرات المستشفيات تبرج بعض العاملت‪ ،‬أو‬
‫تبادل الضحكات بادرنا بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالرفق واللين‬
‫ل‪.‬‬‫والكلمة الطيبة‪ ،‬بما يناسب المقام‪ .‬ول تنتظر النتيجة عاج ً‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإذا رأى طالب الطب‪ ،‬أو طبيب المتياز أو غيرهما مخالفات شرعية‪ ،‬أنكر‬
‫بأسلوب مناسب حتى على أستاذه بالكلم الشفوي‪ ،‬أو بالكتابة إلى المسؤول‬
‫الداري‪ ،‬أو بالتواصل مع المشايخ‪.‬‬
‫عاشرًا‪ :‬النتفاع بقرار مجمع الفقه السلمي بشأن ضوابط كشف العورة‬
‫أثناء علج المريض‪ .‬وهذا نص القرار‪:‬‬
‫دنا ونبّينا محمد و‬ ‫"الحمد لله وحده والصلة والسلم على من ل نبي بعده سي ِ‬
‫على آله وصحبه وسلم‪ .‬أما بعد‪:‬‬
‫فإن مجلس المجمع الفقهي السلمي لرابطة العالم السلمي في دورته‬
‫ة عشر‪ ،‬المنعقدةِ بمكة المكرمة‪ ،‬والتي بدأت يوم السبت‪ ،‬العشرون‬ ‫الرابع َ‬
‫س عشرة َ للهجرة ‪ .‬قد نظر في هذا‬ ‫ف وأربعمائة وخم َ‬ ‫م أل ٍ‬
‫من شعبان‪ ،‬عا َ‬
‫الموضوع‪ ،‬وأصدر القرار التي‪:‬‬
‫‪ .1‬الصل الشرعي أنه ل يجوز كشف عورة المرأة للرجل‪ ،‬ول العكس‪ ،‬ول‬
‫كشف عورة المرأة للمرأة‪ ،‬ول عورة الرجل للرجل ‪.‬‬
‫‪ .2‬يؤكد المجمع على ما صدر من مجمع الفقه السلمي التابع لمنظمة‬
‫المؤتمر السلمي بقراره برقم وتاريخ وهذا نصه‪" :‬الصل أنه إذا توافرت‬
‫طبيبة مسلمة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة‪ ،‬وإذا لم‬
‫يتوافر ذلك‪ ،‬فتقوم طبيبة غير مسلمة ‪ .‬فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب‬
‫مسلم‪ ،‬وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم ‪.‬‬
‫على أن يطلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض‬
‫ومداواته‪ ،‬وأل يزيد عن ذلك‪ ،‬وأن يغض الطرف قدر استطاعته‪ ،‬وأن تتم‬
‫معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج‪ ،‬أو امرأة ثقة خشية‬
‫الخلوة "انتهى النقل‪.‬‬
‫‪ .3‬في جميع الحوال المذكورة‪ ،‬ل يجوز أن يشترك مع الطبيب إل من دعت‬
‫الحاجة الطبية الملحة لمشاركته‪ ،‬ويجب عليه كتمان السرار إن وجدت‪.‬‬
‫‪ .4‬يجب على المسؤلين في الصحة‪ ،‬والمستشفيات حفظ عورات المسلمين‬
‫ح وأنظمةٍ خاصة‪ ،‬تحقق هذا الهدف‪ .‬وتعاقب‬ ‫والمسلمات من خلل وضع لوائ َ‬
‫كل من ل يحترم أخلق المسلمين‪ ،‬وترتيب ما يلزم لستر العورة وعدم‬
‫ً‬
‫كشفها أثناء العمليات إل بقدر الحاجة من خلل اللباس المناسب شرعا ‪.‬‬
‫‪ .5‬و يوصي المجمع بما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يقوم المسؤولون عن الصحة بتعديل السياسة الصحية فكرا ً ومنهجا ً‬
‫وتطبيقا ً بما يتفق مع ديننا السلمي الحنيف وقواعده الخلقية السامية‪ ،‬وأن‬
‫يولوا عنايتهم الكاملة لدفع الحرج عن المسلمين‪ ،‬وحفظ كرامتهم وصيانة‬
‫أعراضهم ‪.‬‬
‫‪ .2‬العمل على وجود موجه شرعي في كل مستشفى للرشاد والتوجيه‬
‫للمرضى‪ .‬وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ً‬
‫كثيرًا‪ ،‬والحمدلله رب العالمين"‪ .‬انتهى قرار المجمع الفقهي السلمي التابع‬
‫لرابطة العالم السلمي‪ .‬وقد وقعه مجموعة من العلماء‪ ،‬وعلى رأسهم‬
‫رئيس المجلس سماحة المام عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله ‪.‬‬
‫حادي عشر‪ :‬وضع نظام صارم لحفظ عورة المريض وخصوصا ً في غرف‬
‫العمليات في اللباس وطريقة نقله من غرفة التنويم إلى غرفة العمليات‬
‫وتجهيزه للعملية وإعادته بعدها إلى غرفته أو غرفة العناية المركزة‪ ،‬وهو‬
‫كالتي‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يتولى نقل المريض إلى غرفة العمليات وإعادته بعد العملية إذا كان‬
‫ة‪ :‬امرأة‪ .‬وتزيد المريضة شيئا ً‬ ‫ل‪ :‬رجل‪ ،‬وإذا كان المريض امرأ ً‬ ‫المريض رج ً‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مهما ً وهو‪ :‬أن يوضع على جوانب السرير ساتر خشبي أو معدني على السرير‬
‫ويوضع عليه غطاء من القماش؛ لن الغطاء العادي )الشرشف( يصف‬
‫العضاء وربما تكشفت بعض أعضائها‪.‬‬
‫‪ .2‬أثناء التجهيز أن يتولى تجهيز المرضى من الرجال ‪ :‬رجال ‪ .‬وتجهيز‬
‫المريضات ‪:‬نساء ‪ .‬وأن يكون عدد الحاضرين في الغرفة حال التجهيز بقدر‬
‫الحاجة ‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يكون اللباس الذي يدخل به المريض إلى غرفة العمليات من قطعتين‪:‬‬
‫قميص وسراويل‪ ،‬وأن يكون بطريقة فنية‪ ،‬يتحكم من خللها في الكشف على‬
‫الجزء المقصود دون ما عداه ‪.‬‬
‫‪ .4‬أن تكون غرف العمليات قسمان‪ :‬قسم للنساء بطاقم نسائي‪ .‬وقسم‬
‫للرجال بطاقم رجالي‪.‬‬
‫‪ .5‬تكوين لجنة رقابية في كل مستشفى لمتابعة تطبيق النظام الشرعي في‬
‫حفظ العورات في غرف العمليات‪.‬‬
‫‪ .6‬السعي في تحقيق الفصل التام بين الرجال والنساء في الميدان الطبي‬
‫في كليات الطب والمستشفيات التعليمية‪ ،‬والمراكز الصحية الولية‪،‬‬
‫والمستشفيات‪ ،‬وهذا ما سنتناوله بالتفصيل إن شاء الله تعالى في موضوع‬
‫قادم‪.‬‬
‫‪ .7‬أن يسمح بدخول مرافق للمريض‪ ،‬كما هو واقع المستشفيات العالمية‬
‫)وهذا إذا كان المستشفى مختلطا ً كما هو الغلب( ‪.‬‬
‫وأخيرا ً أرجو أل يكون التنبيه على المخالفات الشرعية داٍع إلى التعميم أو‬
‫إساءة الظن‪ .‬وبهذا ينتهي القسم الول من الكتاب ‪.‬‬
‫الختلط وكشف العورات في المستشفيات ]‪[2/2‬‬
‫د‪ .‬يوسف بن عبد الله الحمد ‪23/5/1427‬‬
‫‪19/06/2006‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬الختلط في المستشفيات ) الواقع والعلج ( ‪:‬‬
‫من المخالفات الشرعية التي تعانيها المجتمعات المسلمة ‪ :‬الختلط في‬
‫المستشفيات‪ ،‬وما يجره هذا الختلط من فساد عريض على المرضى‬
‫والعاملين في هذه المستشفيات‪ ،‬ولعلي أن أتناول في هذا البحث وصف‬
‫ل‪ ،‬ومن ثم العلج الشرعي ‪.‬‬ ‫الواقع أو ً‬

‫)‪(5 /‬‬

‫فالختلط المحرم في المستشفيات بين الرجال والنساء له صور كثيرة ؛‬


‫منها ‪:‬‬
‫• أول مراحل الختلط يبدأ في كلية الطب في السنة الثالثة أو الرابعة أو‬
‫قبل ذلك‪ ،‬وفي كليات العلوم الطبية‪ ،‬ويتم ذلك من خلل ترويض الطلب‬
‫والطالبات عليه )الختلط في الممرات‪ ،‬وفي القاعات ؛ وتدريس الرجال‬
‫للطالبات‪ ،‬ويمكن أن تدرس الطلب امرأة ‪ .‬فينكسر بذلك حاجز النفرة من‬
‫الختلط‪ ،‬وتجرؤ المرأة على ترك عبائتها بين الرجال ‪.‬‬
‫فحقيقة الختلط في المستشفيات يبدأ من كليات الطب‪ ،‬فيصل طالب‬
‫وطالبة الطب إلى المستشفى وقد تروض على الختلط وقبوله وعدم النفرة‬
‫منه ‪.‬‬
‫• الختلط في اجتماعات القسام الطبية‪ ،‬وفي المحاضرات والندوات ‪.‬‬
‫• الختلط في قاعات الدراسات العليا في حلقات النقاش في برامج‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التدريب والزمالة‪ ،‬أو في دراسة الحالت المرضية‪ ،‬والتي تجمع عادةً عددا ً‬
‫قليل ً من الطباء والطبيبات‪ ،‬مع تبادل الحديث العلمي بينهم ‪.‬‬
‫ة في عيادته ‪.‬‬ ‫• اجتماع الطبيب بالممرضات‪ ،‬أو أن يكون لكل طبيب ممرض ٌ‬
‫• أن يكون للطبيب سكرتيرة من النساء ‪.‬‬
‫• اختلط الرجال بالنساء في العمال الدارية ‪.‬‬
‫• تمريض النساء للرجال‪ ،‬وتمريض الرجال للنساء ‪.‬‬
‫ب الرجال للنساء‪ ،‬وتطبيب النساء للرجال ‪.‬‬ ‫• و تطبي ُ‬
‫• الختلط في أقسام العمليات بين الطباء والفنيين والممرضين‪ ،‬وبين‬
‫الطبيبات والممرضات‪ ،‬في غرف العمليات‪ ،‬وغرفة الراحة ‪.‬‬
‫• تخيير المريض بين الطبيب الرجل أو المرأة ‪.‬‬
‫• تخيير طالبات الطب في فحص المرضى بين الرجل والمرأة‪ .‬ويقولون‪:‬‬
‫المرأة غير ملزمة بفحص الرجال‪) .‬والصواب أن يقال‪ :‬إن طالب الطب ل‬
‫يفحص إل الرجال‪ ،‬وطالبة الطب ل تفحص إل النساء(‪.‬‬
‫• إلزام الطبيبة بالكشف على الرجال ‪.‬‬
‫وكل ما تقدم من صور الختلط محرم ل يجوز ومن الدلة على تحريم‬
‫الختلط ‪:‬‬
‫ب‬ ‫جا‬ ‫ح‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫را‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫الدليل الول ‪ :‬قوله تعالى‪)) :‬وإَذا سأ َل ْتموهن متاعا َفاسأ َ‬
‫ِ َ ٍ‬ ‫ُ ّ ِ ْ ََ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ُ ُ ّ َ َ ً‬ ‫َِ‬
‫م وقلوبهن(( )الحزاب(‬ ‫قُلوب ِك ُ ْ‬ ‫م أ َط ْهَُر ل ِ ُ‬ ‫ذ َل ِك ُ ْ‬
‫الدليل الثاني ‪ :‬حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله‬
‫َ‬
‫صارِ َيا‬ ‫ن اْلن ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ساِء فَ َ‬ ‫ل عََلى الن ّ َ‬ ‫خو َ‬ ‫م َوالد ّ ُ‬ ‫عليه وسلم قال‪)) :‬إ ِّياك ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ت(( متفق عليه‪ .‬و ما يحصل في‬ ‫موْ ُ‬ ‫موُ ال َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل ال َ‬ ‫موَ َقا َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ل الل ّهِ أفََرأي ْ َ‬ ‫سو َ‬ ‫َر ُ‬
‫المستشفيات من اختلط مخالف صراحة لتحذير النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫الدليل الثالث على حرمة الختلط ‪ :‬حديث أسيد النصاري رضي الله عنه ‪":‬‬
‫خت َل َطَ‬ ‫جدِ َفا ْ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ج ِ‬ ‫خارِ ٌ‬ ‫ل وَهُوَ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫معَ َر ُ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ق فَ َ‬ ‫ّ‬ ‫جا ُ‬
‫َ‬ ‫ري ِ‬ ‫ساِء ِفي الط ِ‬ ‫معَ الن ّ َ‬
‫ْ‬
‫ل َ‬ ‫الّر َ‬
‫ق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ري ِ‬ ‫ت الط ِ‬ ‫حافا ِ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ريقَ عَلي ْك ّ‬ ‫ن الط ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫س لك ّ‬ ‫ه لي ْ َ‬ ‫ن فإ ِن ّ ُ‬ ‫خْر َ‬ ‫ست َأ ِ‬
‫َ‬
‫ساِء ))ا ْ‬ ‫ِللن ّ َ‬
‫ه((‬ ‫صوقَِها ب ِ ِ‬ ‫نل ُ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫دارِ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ن ثوْب ََها لي َت َعَلقُ ِبال ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حّتى إ ِ ّ‬ ‫دارِ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ْ‬
‫صقُ ِبال ِ‬ ‫ْ‬
‫مْرأة ُ ت َلت َ ِ‬ ‫ْ‬
‫ت ال َ‬ ‫كان َ ِ‬ ‫فَ َ‬
‫أخرجه أبو داود وغيره وإسناده حسن بمجموع طرقه كما قال اللباني في‬
‫الصحيحة ‪.‬‬
‫الدليل الرابع ‪ :‬حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله‬
‫ن(( أخرجه‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫شَرفََها ال ّ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫تا ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫مْرأ َة ُ عَوَْرة ٌ فَإ َِذا َ‬ ‫عليه وسلم قال‪)) :‬ال ْ َ‬
‫الترمذي بسند صحيح ‪.‬‬
‫الدليل الخامس ‪ :‬حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫ل‬‫خ ْ‬ ‫م ي َد ْ ُ‬ ‫ل َنافِعٌ فَل َ ْ‬ ‫ساِء(( ‪َ .‬قا َ‬ ‫ب ِللن ّ َ‬ ‫ذا ال َْبا َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪)) :‬ل َوْ ت ََرك َْنا هَ َ‬
‫ت" أخرجه أبو داود بسند صحيح ‪.‬‬ ‫ما َ‬ ‫حّتى َ‬ ‫مَر َ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ه اب ْ ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫ث أم سلمة رضي الله عنها قالت‪:‬‬ ‫الدليل السادس على تحريم الختلط‪ :‬حدي ُ‬
‫ضي‬ ‫ق ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫ساُء ِ‬ ‫م الن ّ َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫م إ َِذا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫" َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب )وهو الزهري( فَأَرى‬ ‫شَها ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫ل اب ْ ُ‬ ‫م " َقا َ‬ ‫قو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫سيًرا قَب ْ َ‬ ‫ث يَ ِ‬ ‫مك َ َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫سِلي َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ساُء قَب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫قوْم ِ ‪.‬‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ف ِ‬ ‫صَر َ‬ ‫ن ان ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ي ُد ْرِكهُ ّ‬ ‫لأ ْ‬ ‫فذ َ الن ّ َ‬ ‫ي ي َن ْ ُ‬ ‫ه ل ِك ْ‬ ‫م كث َ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ه أعْل ُ‬ ‫َوالل ُ‬
‫أخرجه البخاري‪.‬‬
‫ساُء‬ ‫ف الن ّ َ‬ ‫صرِ ُ‬ ‫م في َن ْ َ‬ ‫َ‬ ‫سل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫َ‬
‫وفي رواية له تعليقا بصيغة الجزم أنها قالت‪" :‬كا َ‬ ‫ً‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خل ْن بيوتهن من قَب َ‬
‫م"‪.‬‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ف َر ُ‬ ‫صرِ َ‬ ‫ن ي َن ْ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫فَي َد ْ ُ َ ُ ُ َ ُ ّ ِ ْ ْ ِ‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ساَء ِفي عَهْد ِ َر ُ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫دها جيد‪" :‬إ ّ‬ ‫ة الّنسائي وسن ُ‬ ‫ورواي ُ‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سل ّ َ‬
‫م‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬‫ت َر ُ‬ ‫ن وَث َب َ َ‬
‫م َ‬‫صَلةِ قُ ْ‬
‫ن ال ّ‬‫م َ‬
‫ن ِ‬‫م َ‬‫سل ّ ْ‬ ‫م كُ ّ‬
‫ن إ َِذا َ‬ ‫سل ّ َ‬‫وَ َ‬
‫م‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سول اللهِ َ‬‫ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫َ‬
‫ه فإ َِذا قا َ‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ما َ‬
‫شاَء الل ُ‬ ‫ل َ‬ ‫جا ِ‬
‫ن الّر َ‬ ‫م َ‬‫صلى ِ‬ ‫ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ُ‬
‫جال"‪.‬‬ ‫م الّر َ‬ ‫َقا َ‬
‫• فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن دخول الرجال على النساء‪.‬‬
‫ن لهم‪ ،‬ول تقيم‪.‬‬ ‫• وفي المسجد ل يجوز للمرأة أن تؤم الرجال‪ ،‬و ل تؤذ َ‬

‫)‪(6 /‬‬

‫• وجعل النبي صلى الله عليه وسلم صفوف الرجال في المام‪ ،‬وصفوف‬
‫النساء في الخلف‪ ،‬ونظم الخروج من المسجد؛ يخرج النساء أول ً بعد السلم‬
‫مباشرة قبل قيام المام‪ ،‬وما كان الناس يقومون حتى يقوم النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬بل كان النساء ينصرفن فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف‬
‫رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‪.‬‬
‫• ولما حصل الختلط مرة في الطريق نهى عنه النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وبين كيف يكون الحال إذا تقابل رجال ونساء في الطريق‪ :‬أن النساء‬
‫يكون لهن حافات الطريق‪.‬‬
‫ً‬
‫• وخصص عليه الصلة والسلم بابا للنساء في المسجد‪.‬‬
‫و لحظ أن هذا كان في التيان إلى المساجد‪ ،‬وفي زمن النبي صلى الله‬
‫عليه وآله وسلم والصحابة‪ ،‬والنساء في غاية الحشمة والحجاب ‪.‬‬
‫فهذه أدلة ظاهرة على حرمة الختلط لمن تجرد في ابتغاء الحق ‪ .‬أما‬
‫أصحاب الهواء فل يقنعهم شيء‪.‬‬
‫ومن أدلة حرمة الختلط‪ :‬الثار السلبية المترتبة عليه‪ ،‬فقد شاهدت تبادل‬
‫الضحكات بين الطباء والطبيبات؛ وبين الطباء وطالبات المتياز‪ ،‬وغير ذلك‬
‫مما يدل على أن الحواجز قد كسرت بينهم‪.‬‬
‫ف الحجاب و الوقوعُ في التبرج من بعض‬ ‫ومن الثار السلبية للختلط‪ :‬ضع ُ‬
‫النساء؛ فإن المرأة ضعيفة‪ ،‬يستشرفها الشيطان إذا خرجت بين الرجال كما‬
‫أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ‪ .‬فأول المر نقاب‪ .‬ثم المكياج لما‬
‫خرج من النقاب‪ .‬ثم اللثام‪ .‬ثم كشف الوجه‪ .‬ثم كشف الناصية‪ .‬ثم كشف‬
‫الرأس كام ً‬
‫ل‪.‬‬
‫والتدرج يحصل كذلك في نوع اللباس‪ :‬من اللون السود إلى اللوان الزاهية‬
‫الجميلة ولبس البنطال‪ .‬حتى الرداء الطبي البيض يحرص بعضهن أن يلبسنه‬
‫أقصر مما هو على الرجال‪.‬‬
‫ويتزامن غالبا ً ضعف الحجاب من بعضهن مع بداية الختلط أثناء الدراسة في‬
‫كلية الطب‪ ،‬وأول خطوة في الختلط هي أن يتولى تدريس طالبات الطب‬
‫رجل داخل القاعة‪.‬‬
‫وأصعب شيء تفعله طالبة الطب في السنة الرابعة هو طي عباءتها في‬
‫الحقيبة عند دخولها في أول يوم للكلية المختِلطة والمستشفى التعليمي‪،‬‬
‫وهو أخطر قرار تتخذه طالبة الطب في سلم التسامح في الحجاب‪.‬‬
‫وحدثني عدد من الستشاريين عن كثرة وجود العلقات العاطفية‪ ،‬والتي تبدأ‬
‫بأعلى درجاتها في سنة المتياز‪ ،‬ونهاياِتها المشؤومة داخل المستشفيات‬
‫وخارجها‪.‬‬
‫ومن الثار السلبية للختلط‪ :‬سلسلة طويلة من التحرش بالطبيبات‪،‬‬
‫والعاملت‪ ،‬والمريضات كما أخبرني بذلك عدد من الستشاريين‪ ،‬والداريين‬
‫في مستشفيات مختلفة‪ .‬و سمعت منهم قصصا ً يتفطر لها قلب المؤمن‪ .‬و‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ق البتزاز ويحصل‬ ‫ً‬


‫ش والعتداء يكون غالبا بأحد طريقين‪ :‬طري ِ‬ ‫ذكروا أن التحر َ‬
‫مع العاملت في الميدان الطبي‪ ،‬والثاني‪ :‬الستغفال‪ ،‬ويحصل مع المرضى‪.‬‬
‫ت العاطفية فله حديث آخر‪.‬‬ ‫أما التوافق والعلقا ُ‬
‫• وهذه المجتمعات الغربية‪ ،‬تئن بسبب كثرة حمل السفاح‪ ،‬وكثرة الجهاض‪،‬‬
‫والرقام والدراسات لمعدل الغتصاب والتحرش في الغرب ل تنقطع الصحف‬
‫والمجلت عن ذكرها‪ .‬كل ذلك بسبب الختلط‪.‬‬
‫وفي أحد التقارير السنوية لعدد الجريمة في الوليات المتحدة المريكية‪ :‬أن‬
‫ة يوميًا‪ .‬علما ً بأن‬‫عدد حالت الغتصاب المبلغ عنها )‪ (180‬مائة وثمانون حال ً‬
‫الحالت المبلغ عنها أقل من ‪ %10‬من الواقع الفعلي‪ .‬حتى بلغ عندهم عدد‬
‫مائةِ مركز لعلج‬ ‫المراكز الطبية لعلج آثار الغتصاب أكثر من )‪ (700‬سبعِ ِ‬
‫ضحايا الغتصاب‪.‬‬
‫وجاء في التقرير أن )‪ (2740‬ألفان وسبعمائة وأربعون مراهقة يحملن يوميا ً‬
‫من السفاح‪.‬‬
‫أما الوقوع في الزنا بالتراضي‪ ،‬فهذا ل يذكره الغرب في هذه الدراسات؛ لنه‬
‫م أسباب انتشار مرض‬ ‫ل يعتبر جريمة عندهم‪ ،‬ولكن بدأ التحذير منه لنه أعظ ُ‬
‫اليدز‪.‬‬
‫ونظرا ً لهذا كله بدأ التجاه في بعض المدارس والجامعات في الغرب إلى‬
‫فصل الرجال عن النساء تمامًا‪.‬‬
‫وي َرِد ُ على بعض العامة بشأن الختلط شبهتان‪:‬‬
‫الشبهة الولى‪ :‬أن الطواف بالبيت مختلط‪.‬‬
‫ف غيُر جائز‪.‬‬ ‫ط الواقعَ اليوم في الطوا ِ‬ ‫والجواب عن هذه الشبهة‪ :‬أن الختل َ‬
‫ن النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬فالنساء‬ ‫والطواف بالبيت لم يكن مختلطا ً زم َ‬
‫يطفن وحدهن دون الرجال‪ .‬كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها‪:‬‬
‫"كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫محرمات‪ ،‬فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها على وجهها‪ ،‬فإذا جاوزونا‬
‫كشفناه"‪ .‬أخرجه أحمد وأبو داود وسنده حسن‪ .‬وهذا ظاهر في أن النساَء‬
‫ن على هيئةِ الجماعة بعيدات عن الرجال‪.‬‬ ‫في مناسك الحج ك ّ‬
‫وقد حصل شيء من الختلط بعد النبي صلى الله عليه وسلم فأنكره‬
‫الخليفة‪ .‬قال ابن حجر‪" :‬روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي‬
‫قال ‪ :‬نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء‪ ،‬قال‪ :‬فرأى رجل ً معهن فضربه‬
‫بالد ّّرة"‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ط نساِء النبي صلى الله عليه‬ ‫ي الثقة ـ عن اختل ِ‬ ‫ن رباح ـ التابع ُ‬ ‫سئل عطاُء ب ُ‬ ‫و ُ‬
‫هّ‬
‫ي الل ُ‬
‫ض َ‬‫ة َر ِ‬ ‫عائ ِ َ‬
‫ش ُ‬ ‫ت َ‬ ‫ن َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫ْ‬
‫خال ِط َ‬ ‫م ي َك ُ ّ‬
‫ن يُ َ‬ ‫َ‬
‫وسلم بالرجال في الطواف فقال‪" :‬ل ْ‬
‫م" أخرجه البخاري ح ‪ .1618‬وهل‬ ‫ُ‬
‫خال ِطهُ ْ‬ ‫ل َل ت ُ َ‬‫جا ِ‬
‫ن الّر َ‬
‫م َ‬
‫جَرةً ِ‬‫ح ْ‬
‫ف َ‬ ‫عَن َْها ت َ ُ‬
‫طو ُ‬
‫أصرح من هذا الجواب‪ .‬ومعنى حجرة‪ :‬أي معتزلة في ناحية‪.‬‬
‫وقد صدر ‪-‬من اللجنة الدائمة‪ -‬رد ّ على من استدل على جواز الختلط‬
‫بالختلط في الطواف‪ ،‬وهذا نص الفتوى )رقم الفتوى ‪" :(6758‬أما قياس‬
‫ذلك على الطواف بالبيت الحرام فهو قياس مع الفارق‪ ،‬فإن النساء كن‬
‫يطفن في عهد النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬من وراء الرجال متسترات‪ ،‬ل‬
‫يداخلنهم ول يختلطن بهم ‪ "..‬وقد وقع على هذه الفتوى سماحة الشيخ‬
‫عبدالعزيز بن عبدالله بن باز‪ ،‬وعبدالرزاق عفيفي‪ ،‬وعبدالله بن قعود‪،‬‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعبدالله بن غديان‪.‬‬
‫أما الواقع الذي نراه من الختلط المزعج في المطاف والمسعى‪ ،‬فإن‬
‫الواجب إصلحه بما أمدنا الله جل وعل من وسائل وإمكانات‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ة‬ ‫مداوا‬ ‫الختلط‪:‬‬ ‫ض العامة في جوازِ‬ ‫ج على بع ِ‬ ‫والشبهة الثانية‪ :‬التي ترو ُ‬
‫النساء للجرحى من الرجال في الجهاد في سبيل الله زمن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫ً‬
‫والجواب عن هذه الشبهة يسير جدا‪ :‬فإن المداواة هنا للضرورة‪ ،‬أما الرجال‬
‫فالجيش بأمس الحاجة إليهم في قتال الكفار‪.‬‬
‫ن حجر في الفتِح تعليقا ً على حديث مداواة الجرحى‪" :‬وفيه جواُز‬ ‫قال اب ُ‬
‫ي للضرورة‪ .‬قال ابن بطال‪ :‬ويختص ذلك‬ ‫ل الجنب َ‬‫معالجةِ المرأةِ الجنبيةِ الرج َ‬
‫متجالت منهن )وهن كبيرات السن اللواتي ل يحتجبن‬ ‫بذوات المحارم‪ ،‬ثم بال ُ‬
‫َ‬
‫كالشابات( لن موضعَ الجرِح ل ُيلت َذ ّ بلمسه‪ ،‬بل َيقشعر منه الجلد‪ ،‬فإن دعت‬
‫ن بطال‬ ‫م اب ِ‬ ‫الضرورة لغير المتجالت فليكن بغير مباشرة‪ ،‬ول مس" اهـ كل ُ‬
‫نقل ً عن الفتح‪.‬‬
‫فانظر إلى فهم ِ العلماء وقيوِدهم‪.‬‬
‫مداواةِ الجرحى‬ ‫ّ‬
‫ن إلى هذه الدرجةِ من السذاجةِ حتى نستدل ب ِ ُ‬ ‫و هل نح ُ‬
‫للضرورة‪ ،‬على جواز الختلط في الجتماعات والندوات‪ ،‬والسكرتارية‪ ،‬وفي‬
‫كل ميادين التطبيب والتمريض بل ضرورة أو حاجة ملحة‪.‬‬
‫والسؤال هنا كيف يتم تصحيح حال المستشفيات من واقع الختلط؟‪.‬‬
‫ط‬
‫ت الخيرات‪ ،‬وغيُرهم‪ :‬منعَ الختل ِ‬ ‫يتمنى كثير من الطباء الخيار‪ ،‬والطبيبا ُ‬
‫في المستشفيات‪ ،‬لكنهم يشعرون بصعوبة التغيير‪ ،‬وبعضهم ليس في ذهنه‬
‫مشروع يطمح للوصول إليه وإن كان ينكر الواقع المنحرف‪.‬‬
‫وأطرح هنا مشروعا ً للمتفائلين‪ ،‬وهو أن يكون التصحيح على مرحلتين‪:‬‬
‫المرحلة الولى على المدى القريب‪ ،‬والمرحلة الثانية تكون على المدى‬
‫البعيد‪.‬‬
‫أما المدى البعيد فهو ما نادى به سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله‪،‬‬
‫ومن قبله سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله‪ ،‬وهو إيجاد ُ مستشفى‬
‫ة‬
‫ة خاص ٌ‬ ‫ص بالنساء‪ ،‬وآخُر بالرجال‪ .‬ويبدأ ذلك من دراسة الطب ‪ :‬كلي ٌ‬ ‫خا ٍ‬
‫للنساء‪ ،‬وأخرى للرجال‪ ،‬ومستشفى تعليمي للنساء‪ ،‬وآخُر للرجال‪.‬‬
‫أما الحل الذي يكون على المدى القريب فيكون بأمور‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬وجود ُ القناعةِ الشرعيةِ بحرمةِ الختلط بالدلةِ الشرعيةِ كما سبق‬
‫رهم‪.‬‬ ‫ن الطبي وغي ِ‬ ‫ذكره‪ .‬وتكراُر الوعي فيه بين العاملين في الميدا ِ‬
‫سهم ‪ .‬فلبد أن‬ ‫ب الطب الطباُء أنف ُ‬ ‫ن ذلك للطباِء و طل ِ‬ ‫ثانيًا‪ :‬أن يقو َ‬
‫م ببيا ِ‬
‫ً‬
‫م شرعا‪ ،‬وأن هذا‬ ‫ب من أستاِذه الصالح‪ :‬أن الختلط محر ٌ‬ ‫ب الط ِ‬ ‫يسمعَ طال ُ‬
‫حه ‪ .‬وأن الجميع يتحمل واجب تغييره‪ ،‬و أنه لبد أن‬ ‫الواقعَ لبد َ من إصل ِ‬
‫يتحقق إن شاء الله في يوم من اليام‪.‬‬
‫ب الطب‬ ‫وبيان ذلك من أساتذة الطب لطلبهم هو أفضل طريق لتخلص طل ِ‬
‫من عقدةِ النهزامية في طرح القضايا الشرعية نظريا ً أو عمليا ً كموضوع منع‬
‫الختلط‪ ،‬وحفظ العورات‪.‬‬
‫ض الطباء الصالحين ل يريد أن ينتقد فيسكت‪ ،‬أو يبرر واقع الختلط‪ ،‬أو‬ ‫وبع ُ‬
‫يقول بأن التغيير مستحيل فينشر التثبيط وهو ل يشعر‪ ،‬والصواب أن ل يذكر‬
‫ذلك حتى لو كانت هذه قناعته الشخصية‪ ،‬لن الله قد يفتح على غيره من‬
‫معرفة طرق الصلح ما ل يعلم‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬التدرج في منع الختلط‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نتدرج مع الناس‪ ،‬ومع الطباء‪ ،‬فإنهم بحاجة لن يتدرجوا مع أنفسهم في منع‬


‫الختلط‪ ،‬لطول ما نشأوا عليه‪ ،‬فيضع الخيار تخطيطا ً متدرجا ً حتى يتم قبوله‬
‫من الكثير‪.‬‬
‫فهناك أمور يسهل منع الختلط فيها في المراحل الولى؛ ومنها الدروس‬
‫النظرية التي يقدمها أساتذة الطب لطالبات الطب‪ ،‬فهذه يجب أن تكون من‬
‫وراء الهاتف أو الشبكة‪.‬‬
‫واجتماعات القسام اليومية أو الدورية‪ ،‬أو المحاضرات الطبية‪ ،‬ما المانع أيضا ً‬
‫أن تكون من وراء حجاب كما أمر الله تعالى‪ ،‬فيكون للنساء غرفة‪ ،‬وأخرى‬
‫للرجال‪ ،‬ويكون النقاش من خلل الهاتف‪.‬‬
‫ومن المور اليسيرة في قسم العمليات ‪ :‬أن تخصص غرف للمريضات‪،‬‬
‫وأخرى للرجال‪ .‬فالتي تكون للنساء ل يدخلها إل النساء من الطبيبات‬
‫والفنيات والممرضات‪ ،‬وما دعت إليه الضرورة من الرجال‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫وهكذا فهناك أمور يسهل منع الختلط فيها‪ ،‬وأخرى يسهل تقليل الختلط‬
‫فيها‪ ،‬فإذا كان عدد الرجال الذين يتولون تدريس الطالبات الدروس العملية‬
‫مثل ً خمسة‪ ،‬وأمكن تقليلهم إلى ثلثة فهذا نجاح وخطوة إلى المام‪.‬‬
‫ومن التدرج‪ :‬إلزام الطبيبات‪ ،‬والفنيات‪ ،‬والممرضات؛ المسلمات وغير‬
‫المسلمات لباسا ً ساترا ً وموحدا ً في لونه وصفته‪ ،‬وأن يكون التزامها بذلك‬
‫في تقويمها الداري أوالدراسي إن كانت طالبة‪.‬‬
‫وهذا كله كما بينت على سبيل التدرج‪ ،‬وليس هو المر المنشود‪ ،‬فالصل أل‬
‫تخالط المرأة ُ الرجال ‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬إنشاء مستشفيات رجالية من حيث المرضى والعاملين‪ ،‬وهو أمر في‬
‫غاية اليسر‪ .‬فبعض الناس يظن أن المشكلة متعلقة بالمريضة فقط‪،‬‬
‫والصواب أنها متعلقة بالمريض‪ ،‬والعاملت في الميدان الطبي أيضًا‪ .‬وإنشاء‬
‫مستشفيات نسائية كذلك‪ ،‬و من المستشفيات التي ظهرت في أرض الواقع‪:‬‬
‫مستشفى الوفاء النسائي بعنيزة )بطاقم نسائي متكامل( التابع لجمعية البر‬
‫الخيرية‪ ،‬وقد مضى عليه الن قرابة الربع سنوات‪ ،‬وهو في تقدم ونجاح‬
‫مستمر ولله الحمد‪ ،‬والصل فيه تخصص النساء والولدة والطفال ثم توسع‬
‫فأضاف تخصص السنان والباطنية والجراحة العامة ‪ .‬فبارك الله في جهودهم‬
‫في حفظ عورات المؤمنات‪.‬‬
‫والوقوع دليل الجواز وزيادة كما يقول الصوليون‪ ،‬ولن تعجز وزارة عما‬
‫استطاعته جمعية خيرية في إحدى المحافظات‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬السعي في إنشاء كليات طب النساء والولدة‪ ،‬كما هو الحال في‬
‫كليات طب السنان )ولكن تكون كليات طب النساء والولدة للطالبات فقط‪،‬‬
‫ويتبعها مستشفى تعليمي للنساء والولدة ( وهذه الفكرة يتبناها عدد من‬
‫أساتذة الطب الكبار عندنا‪) ،‬ويوجد في اليابان سبع عشرة كلية لطب النساء‬
‫والولدة‪ ،‬ول يدخلها إل الطالبات فقط( ‪ .‬والسعي في أن تكون جميع كليات‬
‫الطب على هذا الفصل‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬النتفاع بالتعاميم الدارية الصادرة من وزارة الصحة‪ ،‬والكليات‬
‫الطبية‪ ،‬وهي كثيرة ولله الحمد‪ ،‬وعلى رأسها تعميم رئيس مجلس الوزراء‬
‫وفقه الله رقم )‪ 759/8‬في ‪5/10/1421‬هـ( والمتضمن‪ :‬اعتماد منع الختلط‬
‫بين النساء والرجال في الدارات الحكومية‪ ،‬أو غيرها من المؤسسات العامة‪،‬‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة للمة‬‫ة المخالف كرام ً‬


‫أو الخاصة أو الشركات‪ ،‬أو المهن‪ ،‬ونحوها ومحاسب ُ‬
‫وإبعادا ً لها عن أسباب الفتن والشرور‪ .‬كما جاء في نص التعميم‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬النتفاع بفتاوى أهل العلم ونشرها بين طلب الطب‪ ،‬والعاملين في‬
‫المستشفيات‪ .‬وأنقل ثلث فتاوى‪:‬‬
‫الولى‪ :‬للمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله وجاء فيها‪ .. " :‬وذلك‬
‫أن الرجال والنساء الذين يرتادون المستشفيات للعلج ينبغي أن يكون لكل‬
‫منهم قسم خاص من المستشفى ؛ فقسم الرجال ل يقربه النساء بحال‪ ،‬و‬
‫مثله قسم النساء؛ حتى تؤمن المفسدة‪ ،‬وتسير مستشفيات البلد على وضع‬
‫سليم من كل شبهة‪ ،‬موافقا ً لبيئة البلد ودينها وطبائع أهلها‪ ،‬وهذا ل يكلف‬
‫شيئًا‪ ،‬ول يوجب التزامات مالية أكثر مما كان‪ ،‬فإن الدارة واحدة‪ ،‬والتكاليف‬
‫واحدة‪ ،‬مع أن ذلك متعين شرعا ً مهما كلف"‪ .‬انتهى كلم المام محمد بن‬
‫إبراهيم رحمه الله ‪.(13/221) .‬‬
‫والفتوى الثانية‪ ،‬فتوى المام عبدالعزيز بن باز رحمه الله‪ ،‬وهذا نص السؤال ‪:‬‬
‫" ما رأي سماحتكم في تطبيب المرأة للرجل في مجال طب السنان‪ ،‬هل‬
‫يجوز؟ علما ً بأنه يتوافر أطباء من الرجال في نفس المجال‪ ،‬ونفس البلد‪.‬‬
‫فأجاب الشيخ عبدالعزيز بن باز‪ " :‬لقد سعينا كثيرا ً مع المسؤلين لكي يكون‬
‫طب الرجال للرجال‪ ،‬وطب النساء للنساء‪ ،‬وأن تكون الطبيبات للنساء‪،‬‬
‫والطباء للرجال في السنان وغيرها‪ ،‬وهذا هو الحق؛ لن المرأة عورة وفتنة‬
‫إل من رحم الله‪ ،‬فالواجب أن تكون الطبيبات مختصات للنساء‪ ،‬والطباء‬
‫مختصين للرجال إل عند الضرورة القصوى إذا وجد مرض في الرجال ليس‬
‫له طبيب رجل‪ ،‬فهذا ل بأس به‪ ،‬والله يقول‪" :‬وقد فصل لكم ما حرم عليكم‬
‫إل ما اضطررتم إليه" )النعام ‪ . (119‬وإل فالواجب أن يكون الطباء للرجال‪،‬‬
‫والطبيبات للنساء‪ ،‬وأن يكون قسم الطباء على حدة‪ ،‬وقسم الطبيبات على‬
‫حدة‪ .‬أو أن يكون مستشفى خاصا ً للرجال‪ ،‬ومستشفى خاصا ً للنساء حتى‬
‫يبتعد الجميع عن الفتنة والختلط الضار ‪ .‬هذا هو الواجب على الجميع"‪.‬‬
‫انتهت فتوى المام عبدالعزيز بن باز رحمه الله‪.‬‬
‫والفتوى الثالثة ‪ :‬فتوى اللجنة الدائمة رقم )‪ (13947‬في جوابها على استفتاء‬
‫مدير جامعة الملك سعود عن حكم تدريس الرجل للطالبات وهي في غاية‬
‫الهمية‪ ،‬ونصها‪ ":‬الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على من لنبي بعده‪،‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء على ما ورد إلى سماحة‬
‫الرئيس العام من معالي مدير جامعة الملك سعود‪ ،‬والمحال إلى اللجنة من‬
‫المانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم )‪(432‬في ‪25/5/1411‬هـ‪.‬وقد سأل‬
‫معاليه سؤال هذا نصه‪:‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫تعلمون سماحتكم أن جامعة الملك سعود تستوعب العدد الكبر من‬


‫الطالبات‪ ،‬مقارنة بغيرها من جامعات المملكة‪ ،‬حيث تضم أكثر من )‪(11000‬‬
‫طالبة‪ ،‬وذلك انطلقا من حاجة هذا البلد لتاحة الفرصة للطالبات في مواصلة‬
‫تعليمهن‪ ،‬ولما للعلم من أهمية للمرأة المسلمة‪ ،‬ولسد حاجة هذا البلد من‬
‫المهن التي تحتاجها المرأة‪ ،‬والستغناء عن ظاهرة استقدام الجنبيات ؛‬
‫لتجنب السلبيات الناتجة عن ذلك‪ .‬وكذلك لتوفير التعليم للطالبات‬
‫السعوديات داخل المملكة ؛ حتى ل يضطرون إلى السفر خارجها‪ .‬والدراسة‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في بيئات مختلفة العقيدة والعادات والثقافة‪ ،‬وحرصا منا على سلمة منهج‬
‫الجامعة‪ ،‬ورغبة في أن تتم جميع أمورها في إطار من نظرة السلم الخالدة‬
‫للنسان‪ ،‬وتنظيمه لشؤون حياته كلها‪ ،‬واستكمال للمفاهمة مع سماحتكم‬
‫حول بعض المشكلت التي تواجهها الجامعة في تدريس الطالبات‪ ،‬ومنها‬
‫تدريس المقررات العلمية والطبية ومواد الدراسة العليا‪ ،‬والمواد الخرى التي‬
‫يصعب فيها شرح تلك العلوم بواسطة الدائرة التلفزيونية؛ حيث إن‬
‫المحاضرة تكون معتمدة على تجارب حيوية يصعب توصيلها بالصورة مثل‬
‫مادة التشريح وغيرها‪ ،‬إلى جانب السلبيات الكثيرة التي بدت للجامعة من‬
‫التدريس بواسطة التلفاز‪ ،‬ولما يرافقه من مشكلت‪ ،‬منها متعلقة بالتشغيل ؛‬
‫فكثيرا ماينقطع الرسال‪ ،‬أويشوش على الطالبات‪ ،‬مما يتأثر به الجدول‬
‫الدراسي‪ ،‬إذ تتداخل المحاضرات‪ ،‬ومنها تشويش الطالبات بعضهن على بعض‬
‫أثناء هذه المحاضرة‪ ،‬وعدم إيلئهن المحاضر الهتمام الكافي‪ ،‬وصعوبة ضبط‬
‫الفصل‪ ،‬وخاصة بالنسبة للمشرفات‪ ،‬وهن قلة في الجامعة‪ ،‬إلى جانب‬
‫التكاليف الكبيرة في إنشاء أماكن البث والستقبال‪ ،‬وهي كثيرة لكثرة أعداد‬
‫الطالبات‪ ،‬والمتاعب الوفيرة في الصيانة‪ ،‬وصعوبة استقدام الفنيين المؤهلين‬
‫بمرتبات عالية‪ ،‬أوالتعاقد مع شركات الصيانة الباهظة الثمن‪ ،‬مما يكلف‬
‫الجامعة الكثير‪ ،‬وحيث إن ذلك كله حادث بسبب قلة عضوات هيئة التدريس‬
‫وندرتهن‪ ،‬وعدم تمكن كثير منهن من الحضور إلى المملكة في الوقات‬
‫المحددة‪ ،‬إلى جانب عدم الثقة المطلقة بمن يستقدمن من الخارج‪ ،‬وخاصة‬
‫الجنبيات اللتي تختلف ديانتهن وأخلقهن‪ ،‬وعاداتهن عما نسير عليه في هذا‬
‫البلد المن‪ ،‬المر الذي يستدعي أن تكثف الجهود لتخريج عضوات هيئة‬
‫تدريس سعوديات مؤهلت لتولي مهام التدريس للطالبات في المستقبل‪،‬‬
‫وحتى نتمكن من الوصول إلى هذه المرحلة إن شاء الله‪ ،‬بزمن قصير ؛ ل بد‬
‫من تمهيد الطريق إلى تلك المرحلة بإعادة النظر في تدريس الطالبات بما‬
‫يتفق ونظر الشرع الكريم‪ ،‬سواء في المرحلة الجامعية أومابعد المرحلة‬
‫الجامعية‪ ،‬وحيث إن ديننا السلمي كما تعلمون سماحتكم يتميز ولله الحمد‬
‫عن الديان الخرى باليسر المتمثل في قوله تعالى‪) :‬فاّتقوا الله ما‬
‫استطعتم(؛ فإننا نعرض على سماحتكم هذه المشكلة ونود أن تفيدونا وفقكم‬
‫الله برأيكم الشرعي في إمكانية أن يقوم عضو هيئة التدريس الرجل )في‬
‫حالة الضرورة التي ل يتوفر فيها مدرسات( بتدريس الطالبات مباشرة على‬
‫ن هؤلء الطالبات محجبات حجابا كامل أومتنقبات تظهر أعينهن فقط‪،‬‬ ‫أن يك ّ‬
‫من أجل متابعة الشرح على السبورة وخاصة منهن في نهاية المقاعد‪ ،‬وكما‬
‫يحدث عند الوعظ في المساجد مع وضع الضوابط الكافية لحسن اختيار‬
‫عضو هيئة التدريس من حيث نزاهته واستقامته‪ ،‬ومراقبة الطالبات مراقبة‬
‫صارمة من حيث المحافظة على الحجاب‪ ،‬والحتشام الكامل‪ ،‬ومعاقبة‬
‫المخالفات منهن بالحرمان من المتحان‪ ،‬أوالطرد من الجامعة إذا تكررت‬
‫مخالفتهن‪ ،‬وغير ذلك من ضوابط يمكن أن تبحث عند تطبيق هذا النظام‪.‬‬
‫إننا نعتقد أن سماحتكم يشاركنا المشكلة التي يتعرض لها تعليم البنات في‬
‫جامعة الملك سعود‪ ،‬كما نعتقد أنكم حريصون على مصلحة هذه المة‪ ،‬نساء‬
‫ورجال‪ ،‬ومن هذا المنطلق فاتحنا سماحتكم بهذه الفكرة راجين التكرم‬
‫بالنظر فيها بما يحقق المصلحة للجميع‪ ،‬سائلين الله أن يثيبكم‪ ،‬وأن يوفقكم‬
‫لخير الدارين‪ ،‬إنه سميع مجيب‪ ،‬والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته ‪.‬‬
‫وبعد دراسة اللجنة للستفتاء أجابت بأنه ل يجوز للرجل تدريس البنات‬
‫مباشرة‪ ،‬لما في ذلك من الخطر العظيم والعواقب الوخيمة ‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء‬
‫عضو ‪ ...‬نائب رئيس اللجنة ‪ ...‬الرئيس‬
‫عبد الله بن غديان ‪ ...‬عبد الرزاق عفيفي ‪ ...‬عبد العزيز عبد الله بن باز‬
‫وبنهاية هذه الفتوى ينتهي الكتاب‪ ،‬والحمد لله رب العالمين ‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫الختلف في العمل السلمي السباب والثار‬


‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر*‬
‫ل‪ :‬العمل السلمي بين الختلف والفتراق‬ ‫أو ً‬
‫مقدمة‪ :‬الحمد لله‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬وبعد‪..‬‬
‫فل يخفى على كل مسلم بصير ما تعيشه أمة السلم من شتات وفرقة‪،‬‬
‫واختلفات أوجبت عداوة وشقاقًا‪ ،‬إذ تجاذبت أهلها الهواء‪ ،‬وتشعبت بهم‬
‫البدع‪ ،‬وتفرقت بهم السبل‪ ،‬فل عجب أن تراهم بين خصومة مذهبية‪ ،‬وحزبية‬
‫ورها قول المولى عز وجل‪:‬‬ ‫فكرية‪ ،‬وتبعية غربية أو شرقية‪ ..‬والنتيجة ص ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ذي‬‫ض ال ِ‬ ‫قُهم ب َعْ َ‬‫ذي َ‬
‫س ل ِي ُ ِ‬
‫دي الّنا ِ‬‫ت أي ْ ِ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫حرِ ب ِ َ‬‫ساد ُ ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫)ظ َهََر ال ْ َ‬
‫ن(‪.‬‬‫جُعو َ‬ ‫مُلوا ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َْر ِ‬ ‫عَ ِ‬
‫مسون الخروج من هذا المأزق فل سبيل إل ّ‬ ‫ّ‬ ‫يلت‬ ‫اليوم‬ ‫المسلمون‬ ‫كان‬ ‫وإذا‬
‫بالعتصام بحبل الله المتين وصراطه المستقيم‪ ،‬مجتمعين غير متفرقين‪،‬‬
‫متعاضدين غير مختلفين‪.‬‬
‫ويكون ذلك بتوحيد الهدف والغاية‪ ،‬مع حسن النية وسلمة القصد‪ ،‬قال ابن‬
‫القيم رحمه الله‪" :‬ووقوع الختلف بين الناس أمر ضروري ل بد منه؛ لتفاوت‬
‫إرادتهم وأفهامهم وقوى إدراكهم‪ ،‬ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض‬
‫وعدوانه‪ ،‬وإل فإذا كان الختلف على وجه ل يؤدي إلى التباين والتحزب‪ ،‬وكل‬
‫من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله؛ لم يضر ذلك الختلف فإنه أمر ل‬
‫بد منه في النشأة النسانية‪ ،‬ولكن إذا كان الصل واحدا ً والغاية المطلوبة‬
‫واحدة‪ ،‬والطريق المسلوكة واحدة؛ لم يكد يقع اختلف‪ ،‬وإن وقع كان اختلفا ً‬
‫ل يضر كما تقدم من اختلف الصحابة‪ ،‬فإن الصل الذي بنوا عليه واحد‪ ،‬وهو‬
‫كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والقصد واحد وهو طاعة الله‬
‫ورسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والطريق واحد وهو النظر في أدلة القرآن‬
‫والسنة‪ ،‬وتقديمها على كل قول ورأي وقياس وذوق وسياسة")]‪.([1‬‬
‫والختلف موضوع الحديث هو‪" :‬نقيض التفاق‪ .‬جاء في اللسان ما مفاده‪:‬‬
‫اختلف المران لم يتفقا‪ .‬وكل ما لم يتساو فقد اختلف‪ .‬والخلف‪ :‬المضادة‪،‬‬
‫وخالفه إلى الشيء عصاه إليه‪ ،‬أو قصده بعد أن نهاه عنه‪ .‬ويستعمل الختلف‬
‫عند الفقهاء بمعناه اللغوي وكذلك الخلف"‪ ،‬وبعض الفقهاء فّرق بين الختلف‬
‫والخلف باصطلحات خاصة‪ ،‬أما ")الفتراق( )والتفرق( )والفرقة( فبمعنى أن‬
‫يكون كل مجموعة من الناس وحدهم‪ .‬ففي القاموس‪ :‬الفريق القطيع من‬
‫الغنم‪ ،‬والفريقة قطعة من الغنم تتفرق عنها فتذهب تحت الليل عن جماعتها‪.‬‬
‫فهذه اللفاظ أخص من الختلف"‪.‬‬
‫فليس كل اختلف افتراقًا‪ ،‬وكل افتراق اختلف‪ ،‬وليس شرطا أن يكونا‬
‫ً‬
‫مذمومين على ما سيأتي بيانه وإن كان الغالب ذم أهل الفرقة والختلف‪.‬‬
‫أقسام الختلف‬
‫الختلف ينقسم إلى أقسام عدة باعتبارات مختلفة وفيما يلي أهمها‪:‬‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫انقسام الختلف باعتبار مدح أصحابه وذمهم‪:‬‬


‫قال ابن القيم في الصواعق‪":‬الختلف في كتاب الله نوعان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يكون المختلفون كلهم مذمومين‪ ،‬وهم الذين اختلفوا بالتأويل‪،‬‬
‫وهم الذين نهانا الله سبحانه عن التشبه بهم في قوله‪) :‬ول تكونوا كالذين‬
‫تفرقوا واختلفوا( ]سورة آل عمران‪ ،[105:‬وهم الذين تسود ّ وجوههم يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وهم الذين قال الله تعالى فيهم‪) :‬ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق‬
‫وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد( ]سورة البقرة‪ ،[176:‬فجعل‬
‫المختلفين كلهم في شقاق بعيد‪ ،‬وهذا النوع هو الذي وصف الله أهله بالبغي‪،‬‬
‫وهو الذي يوجب الفرقة والختلف وفساد ذات البين‪ ،‬ويوقع التحّزب والتباين‪.‬‬
‫والنوع الثاني‪ :‬اختلف ينقسم أهله إلى محمود ومذموم‪ ،‬فمن أصاب الحق‬
‫فهو محمود‪ ،‬ومن أخطأه مع اجتهاده في الوصول إليه فاسم الذم موضوع‬
‫عنه‪ ،‬وهو محمود في اجتهاده معفوّ عن خطئه‪ ،‬وإن أخطأه مع تفريطه‬
‫وعدوانه فهو مذموم‪.‬‬
‫ومن هذا النوع المنقسم قوله تعالى‪) :‬ولو شاء الله ما اقتتل الذين من‬
‫بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من‬
‫كفر( ]سورة البقرة‪ ،[253:‬وقال تعالى‪) :‬وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه‬
‫إلى الله( ]سورة الشورى‪.[10:‬‬
‫والختلف المذموم كثيرا ً ما يكون مع كل فرقة من أهله بعض الحق فل يقّر‬
‫له خصمه به‪ ،‬بل يجحده إياه بغيا ً ومنافسة‪ ،‬فيحمله ذلك على تسليط التأويل‬
‫الباطل على النصوص التي مع خصمه‪ ،‬وهذا شأن جميع المختلفين بخلف‬
‫أهل الحق فإنهم يعلمون الحق من كل من جاء به‪ ،‬فيأخذون حق جميع‬
‫الطوائف ويردون باطلهم‪ ،‬فهؤلء الذين قال الله فيهم‪) :‬فهدى الله الذين‬
‫آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط‬
‫مستقيم( ]سورة البقرة‪ ،[213:‬فأخبر سبحانه أنه هدى عباده لما اختلف فيه‬
‫المختلفون‪.‬‬
‫وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه‪)) :‬اللهم رب جبريل‬
‫وميكائيل وإسرافيل‪ ،‬فاطر السموات والرض‪ ،‬عالم الغيب والشهادة‪ ،‬أنت‬
‫تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون؛ اهدني لما اختلف فيه من الحق‪،‬‬
‫بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم((‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فمن هداه الله سبحانه إلى الخذ بالحق حيث كان ومع من كان ولو كان مع‬
‫من يبغضه ويعاديه ورد الباطل مع من كان ولو كان مع من يحبه ويواليه فهو‬
‫ممن هدى لما اختلف فيه من الحق‪ ،‬فهذا أعلم الناس‪ ،‬وأهداهم سبي ً‬
‫ل‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وأهل هذا المسلك إذا اختلفوا فاختلفهم اختلف رحمة وهدى‪،‬‬ ‫وأقومهم قي ً‬
‫ً‬
‫يقّر بعضهم بعضا عليه ويواليه ويناصره‪ ،‬وهو داخل في باب التعاون والتناظر‬
‫الذي ل يستغني عنه الناس في أمور دينهم ودنياهم‪ ،‬بالتناظر والتشاور‬
‫وإعمالهم الرأي وإجالتهم الفكر في السباب الموصلة إلى درك الصواب‬
‫فيأتي كل منهم بما قدحه زناد فكره وأدركته قوة بصيرته‪ ،‬فإذا قوبل بين‬
‫عرضت على الحاكم الذي ل يجور وهو‬ ‫الراء المختلفة والقاويل المتباينة‪ ،‬و ُ‬
‫كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وتجرد الناظر عن التعصب‬
‫والحمية‪ ،‬واستفرغ وسعه‪ ،‬وقصد طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛‬
‫ل أن يخفى عليه الصواب من تلك القوال‪ ،‬وما هو أقرب إليه‪ ،‬والخطأ‪،‬‬ ‫فق ّ‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وما هو أقرب إليه‪ ،‬فإن القوال المختلفة ل تخرج عن الصواب‪ ،‬وما هو أقرب‬
‫إليه‪ ،‬والخطأ‪ ،‬وما هو أقرب إليه‪ ،‬ومراتب القرب والبعد متفاوتة‪ ،‬وهذا النوع‬
‫من الختلف ل يوجب معاداة‪ ،‬ول افتراقا ً في الكلمة‪ ،‬ول تبديدا ً للشمل؛ فإن‬
‫الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في مسائل كثيرة من مسائل الفروع‪،‬‬
‫كالجد مع الخوة‪ ،‬وعتق أم الولد بموت سيدها‪ ،‬ووقوع الطلق الثلث بكلمة‬
‫واحدة‪ ،‬وفي الخلية والبرية والبتة‪ ،‬وفي بعض مسائل الربا‪ ،‬وفي بعض‬
‫نواقص الوضوء وموجبات الغسل‪ ،‬وبعض مسائل الفرائض وغيرها‪ ،‬فلم‬
‫ينصب بعضهم لبعض عداوة‪ ،‬ول قطع بينه وبينه عصمة‪ ،‬بل كانوا كل منهم‬
‫يجتهد في نصر قوله بأقصى ما يقدر عليه‪ ،‬ثم يرجعون بعد المناظرة إلى‬
‫اللفة والمحبة والمصافاة والموالة‪ ،‬من غير أن يضمر بعضهم لبعض ضغنا‪ً،‬‬
‫ول ينطوي له على معتبة ول ذم‪ ،‬بل يدل المستفتي عليه مع مخالفته له‪،‬‬
‫ويشهد له بأنه خير منه وأعلم منه‪ ،‬فهذا الختلف أصحابه بين الجرين‬
‫والجر‪ ،‬وكل منهم مطيع لله بحسب نيته واجتهاده وتحريه الحق")]‪.([2‬‬
‫وهذا النوع من الختلف بهذا المسلك الذي ذكره يراه بعض أهل العلم ــ‬
‫كالشاطبي رحمه الله ــ يرجع في الحقيقة إلى وفاق‪" :‬فإن الختلف في‬
‫بعض المسائل الفقهية راجع إما إلى دورانها بين طرفين واضحين يتعارضان‬
‫في أنظار المجتهدين‪ ،‬وإما إلى خفاء بعض الدلة‪ ،‬أو إلى عدم الطلع على‬
‫الدليل‪ .‬وهذا الثاني ليس في الحقيقة خلفًا‪ ،‬إذ لو فرضنا اطلع المجتهد على‬
‫قض لجله قضاء القاضي‪ .‬أما الول فإن‬ ‫ما خفي عليه لرجع عن قوله‪ ،‬فلذا ي ُن ْ َ‬
‫تردده بين الطرفين تحرٍ لقصد الشارع المبهم بينهما من كل واحد من‬
‫المجتهدين‪ ،‬واتباع للدليل المرشد إلى تعرف قصده‪ .‬وقد توافقوا في هذين‬
‫القصدين توافقا ً لو ظهر معه لكل واحد منهما خلف ما رآه لرجع إليه‪،‬‬
‫ولوافق صاحبه‪ .‬وسواء قلنا بالتخطئة أو بالتصويب‪،‬إذ ل يصح للمجتهد أن‬
‫يعمل على قول غيره وإن كان مصيبا أيضًا‪ .‬فالصابة على قول المص ّ‬
‫وبة‬
‫إضافية‪ .‬فرجع القولن إلى قول واحد بهذا العتبار‪ .‬فهم في الحقيقة متفقون‬
‫ب والتآلف بين المختلفين في مسائل‬ ‫ل مختلفون‪ .‬ومن هنا يظهر وجه التحا ّ‬
‫ً‬
‫الجتهاد; لنهم مجتمعون على طلب قصد الشارع‪ ،‬فلم يصيروا شيعا‪ ،‬ول‬
‫تفرقوا فرقًا")]‪.([3‬‬
‫فلو نظرت هذا النوع من الختلف الذي حمده الشاطبي وابن القيم وغيرهم‬
‫من أهل العلم وجدت الحمد منصبا ً على اتفاق المختلفين في مراعاتهم قصد‬
‫الشارع‪ ،‬وطلبهم لمراده‪ ،‬واتباعهم الدليل الذي ظهر منهم‪ ،‬ومن هذه الجهة‬
‫جاء مدح مثل هؤلء المختلفين‪.‬‬
‫ويتبع للتقسيم الذي سبق "نوع آخر من الختلف‪:‬‬
‫وهو وفاق في الحقيقة‪ ،‬وهو اختلف في الختيار والولى‪ ،‬بعد التفاق على‬
‫جواز الجميع‪ ،‬كالختلف في أنواع الذان‪ ،‬والقامة‪ ،‬وصفات التشهد‪،‬‬
‫والستفتاح‪ ،‬وأنواع النسك الذي يحرم به قاصد الحج والعمرة‪ ،‬وأنواع صلة‬
‫الخوف‪ ،‬والفضل من القنوت أو تركه‪ ،‬ومن الجهر بالبسملة أو إخفائها‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك‪ ،‬فهذا وإن كان صورته صورة اختلف فهو اتفاق في الحقيقة")]‪.([4‬‬
‫انقسام الختلف باعتبار المسائل المختلف فيها‪:‬‬
‫)‪ (1‬اختلف صوري‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن قبيله اختلف التفاوت‪ ،‬كالذي يكون في الكلم‪ ،‬فيكون بعضه بليغا ً‬
‫وبعضه دون ذلك‪ ،‬ومنه كذلك اختلف التلؤم الذي يكون في الكلم‪ ،‬ومن‬
‫قبيله كذلك اختلف التنوع وهو "أن يذكر كل من المختلفين من السم العام‬
‫بعض أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع‪ ،‬ل على سبيل الحد المطابق‬
‫للمحدود في عمومه وخصوصه‪ .‬مثال ذلك تفسير قوله تعالى‪) :‬فمنهم ظالم‬
‫لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات( قال بعضهم‪ :‬السابق الذي‬
‫يصلي أول الوقت‪ ،‬والمقتصد في أثنائه‪ ،‬والظالم لنفسه الذي يؤخر العصر‬
‫إلى الصفرار‪ .‬وقيل‪ :‬السابق المحسن بالصدقة‪ ،‬والمقتصد بالبيع‪ ،‬والظالم‬
‫بأكل الربا‪ .‬واختلف التنوع في الحكام الشرعية قد يكون في الوجوب تارة‪،‬‬
‫وفي الستحباب أخرى‪ :‬فالول مثل أن يجب على قوم ٍ الجهاُد‪ ،‬وعلى قوم ٍ‬
‫مّثل‪ .‬وفي‬ ‫م العلم‪ .‬وهذا يقع في فروض العيان كما ُ‬ ‫ة‪ ،‬وعلى قوم ٍ تعلي ُ‬ ‫الصدق ُ‬
‫فروض الكفايات‪ ،‬ولها تنوع يخصها‪ ،‬وهو أنها تتعين على من لم يقم بها غيره‪،‬‬
‫فقد تتعين في وقت‪ ،‬أو مكان‪ ،‬وعلى شخص أو طائفة‪ ،‬كما يقع مثل ذلك في‬
‫الوليات والجهات والفتيا والقضاء‪ .‬قال ابن تيمية‪ :‬وكذلك كل تنوع في‬
‫الواجبات يقع مثله في المستحبات‪ .‬قد نظر الشاطبي في المسألة‪ ،‬وحصر‬
‫الخلف غير الحقيقي في عشرة أنواع‪ .‬منها ما تقدم من الختلف في‬
‫العبارة‪ ،‬ومنها أن ل يتوارد الخلف على محل واحد‪ ،‬ومنها اختلف أقوال‬
‫ل‪ ،‬ومنها أن‬ ‫المام الواحد‪ ،‬بناء على تغير الجتهاد‪ ،‬والرجوع عما أفتى به أو ً‬
‫يقع الختلف في العمل ل في الحكم‪ ،‬بأن يكون كل من العملين جائزًا‪،‬‬
‫كاختلف القراء في وجوه القراءات‪ ،‬فإنهم لم يقرءوا بما قرءوا به على إنكار‬
‫غيره‪ ،‬بل على إجازته والقرار بصحته‪ ،‬فهذا ليس في الحقيقة باختلف‪ ،‬فإن‬
‫المرويات على الصحة ل خلف فيها‪ ،‬إذ الكل متواتر‪ .‬وهذه النواع السابقة‬
‫تقع في تفسير القرآن‪ ،‬وفي اختلفهم في شرح السنة‪ ،‬وكذلك في فتاوى‬
‫الئمة وكلمهم في مسائل العلم‪ .‬وهي أنواع ــ وإن سميت خلفا ً ــ إل أنها‬
‫ترجع إلى الوفاق")]‪.([5‬‬
‫)‪ (2‬اختلف تضاد )حقيقي(‪ :‬وهو قسمان سائغ وغير سائغ‪ ،‬ولعله تأتي‬
‫الشارة إليهما)]‪.([6‬‬
‫انقسام الختلف باعتبار ما يوجبه‪:‬‬
‫ً‬
‫)‪ (1‬اختلف يقتضي عداوة وشقاقا كالختلف في الصول‪.‬‬
‫)‪ (2‬اختلف ل يقتضي عداوة وشقاقًا‪ ،‬كالختلف في الفروع باجتهاد سائغ‪.‬‬
‫انقسام الختلف باعتبار أثره‪:‬‬
‫)‪ (1‬اختلف مؤثر في الحكام والعمال المترتبة‪.‬‬
‫)‪ (2‬اختلف نظري ذهني ل ينبني عليه شيء في أرض الواقع‪ ،‬وهو من قبيل‬
‫اختلف السفسطائية هل البيضة قبل الدجاجة أم الدجاجة قبل البيضة! قال‬
‫شيخ السلم‪" :‬وأما ما يحتاج المسلمون إلى معرفته فإن الله نصب على‬
‫ل‪ ،‬فمثال ما ل يفيد ول دليل على الصحيح منه اختلفهم في لون‬ ‫الحق فيه دلي ً‬
‫كلب أصحاب الكهف‪ ،‬وفى البعض الذي ضرب به موسى من البقرة‪ ،‬وفى‬
‫مقدار سفينة نوح وما كان خشبها‪ ،‬وفى اسم الغلم الذي قتله الخضر‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك‪ .‬فهذه المور طريق العلم بها النقل‪ ،‬فما كان من هذا منقول ً نقل ً صحيحا ً‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم كاسم صاحب موسى أنه الخضر فهذا‬
‫معلوم‪ ،‬وما لم يكن كذلك بل كان مما يؤخذ عن أهل الكتاب كالمنقول عن‬
‫كعب ووهب ومحمد بن اسحق وغيرهم ممن يأخذ عن أهل الكتاب فهذا ل‬
‫يجوز تصديقه ول تكذيبه إل بحجة")]‪ .([7‬وقال‪" :‬وغالب ذلك مما ل فائدة فيه‬
‫تعود إلى أمر ديني‪ ،‬ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرًا‪ ،‬ويأتي‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن المفسرين خلف بسبب ذلك كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب‬
‫الكهف ولون كلبهم وعدتهم‪ ،‬وعصا موسى من أيّ الشجر كانت‪ ،‬وأسماء‬
‫الطيور التي أحياها الله لبراهيم‪ ،‬وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من‬
‫البقرة‪ ،‬ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى‪ ،‬إلى غير ذلك مما أبهمه الله‬
‫في القرآن مما ل فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ول دينهم‪،‬‬
‫ولكن نقل الخلف عنهم في ذلك جائز كما قال تعالى‪) :‬سيقولون ثلثة‬
‫رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما ً بالغيب ويقولون سبعة‬
‫وثامنهم كلبهم قل ربى أعلم بعدتهم ما يعلمهم إل قليل فل تمار فيهم إل‬
‫مراء ظاهرا ً ول تستفت فيهم منهم أحدًا‪.([8])"(.‬‬
‫والصل ذم الخلف وتجنبه‪ ،‬مادام اختلفا ً حقيقيا ً قد يسبب فرقة ويوقع في‬
‫تعارض‪ ،‬وهذا ما دلت عليه نصوص الوحيين؛ ففي السنة جاء النهي عن‬
‫"الذرائع التي توجب الختلف والتفرق والعداوة والبغضاء‪ ،‬كخطبة الرجل‬
‫على خطبة أخيه‪ ،‬وسومه على سومه‪ ،‬وبيعه على بيعه‪ ،‬وسؤال المرأة طلق‬
‫ضرتها‪ ،‬وقال إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الخر منهما سدا ً لذريعة الفتنة‬
‫والفرقة‪ ،‬ونهى عن قتال المراء والخروج على الئمة وإن ظلموا وجاروا ما‬
‫أقاموا الصلة؛ سدا ً لذريعة الفساد العظيم والشر الكبير بقتالهم كما هو‬
‫الواقع؛ فإنه حصل بسبب قتالهم والخروج عليهم من الشرور أضعاف أضعاف‬
‫ما هم عليه والمة في تلك الشرور إلى الن")]‪.([9‬‬
‫وأدلة القرآن كثيرة ومنها‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ة الل ّهِ‬ ‫م َ‬ ‫فّرُقوا ْ َواذ ْك ُُروا ْ ن ِعْ َ‬ ‫ميًعا وَل َ ت َ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫حب ْ ِ‬ ‫موا ْ ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫قال الله تعالى‪َ) :‬واعْت َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫كنت َ‬
‫ى‬
‫م عَل َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫واًنا وَ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫مت ِهِ إ ِ ْ‬ ‫حُتم ب ِن ِعْ َ‬ ‫صب َ ْ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫ن قُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫داء فَأل َ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫م إ ِذ ْ ُ ُ ْ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن وَل َ‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫م آَيات ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫من َْها ك َذ َل ِ َ‬ ‫كم ّ‬ ‫قذ َ ُ‬ ‫ن الّنارِ فَأن َ‬ ‫م َ‬ ‫فَرةٍ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫فا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫فّرُقوا َوا ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ت وَأوْلئ ِك لهُ ْ‬ ‫م الب َي َّنا ُ‬ ‫جاءهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫فوا ِ‬ ‫خت َل ُ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت َكوُنوا كال ِ‬
‫م(‪.‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫عَ ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫عوا فَت َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫حك ْ‬ ‫ب ِري ُ‬ ‫شلوا وَت َذ ْهَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه وَل ت ََناَز ُ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫طيُعوا الل َ‬ ‫وقال سبحانه‪) :‬وَأ ِ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صب ُِروا ْ إ ِ ّ‬ ‫َوا ْ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وقال عزوجل‪َ ) :‬‬
‫حي َْنا إ ِلي ْك وَ َ‬ ‫ذي أوْ َ‬ ‫حا َوال ِ‬ ‫صى ب ِهِ ُنو ً‬ ‫ما وَ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫شَرع َ لكم ّ‬
‫َ‬
‫فّرقوا ِفيهِ كب َُر عَلى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن وَل ت َت َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دي َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ن أِقي ُ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫عي َ‬ ‫سى وَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫هي َ‬ ‫صي َْنا ب ِهِ إ ِب َْرا ِ‬ ‫وَ ّ‬
‫ما‬ ‫و‬ ‫ب‬
‫ََْ ِ ِ ْ ِ َ ُِ ُ َ َ‬ ‫ني‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫دي‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫شاء‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫من‬
‫ُ َ ْ َِ ِ ْ ِ َ َ‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫بي‬ ‫ت‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫م ِ ِ َ َ َ ْ ُ ُ ْ ِ ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫عو‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫ن‬ ‫كي‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ك إ َِلى‬ ‫من ّرب ّ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬ ‫ة َ‬ ‫م ٌ‬ ‫م وَل َوْل َ ك َل ِ َ‬ ‫م ب َغًْيا ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫م ال ْعِل ْ ُ‬ ‫جاءهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫فّرُقوا إ ِل ّ ِ‬ ‫تَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫من ْ ُ‬ ‫ك ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫في َ‬ ‫م لَ ِ‬ ‫من ب َعْدِهِ ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أورُِثوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ق ِ‬ ‫مى ل ّ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ّ‬ ‫ج ٍ‬ ‫أ َ‬
‫ب(‪.‬‬ ‫ري ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫بل عمل الخير إذا قصد به التمييز والتفريق بين المؤمنين كان لصحابه نصيب‬
‫ن‬‫قا ب َي ْ َ‬ ‫ري ً‬ ‫ف ِ‬‫فًرا وَت َ ْ‬ ‫ضَراًرا وَك ُ ْ‬ ‫دا ِ‬ ‫ج ً‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا ْ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫من الذم‪ ،‬قال الله تعالى‪َ) :‬وال ّ ِ‬
‫ن أ ََرد َْنا إ ِل ّ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ف ّ‬ ‫حل ِ َ‬ ‫ل وَل َي َ ْ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ب الل ّ َ‬ ‫حاَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫صاًدا ل ّ َ‬ ‫ن وَإ ِْر َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫س عََلى الت ّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وى‬ ‫ق َ‬ ‫س َ‬ ‫جد ٌ أ ّ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫دا ل ّ َ‬ ‫م ِفيهِ أب َ ً‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ل َ تَ ُ‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م لَ َ‬ ‫شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫سَنى َوالل ّ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن أن ي َت َط َهُّروا ْ َوالل ّ ُ‬ ‫حّبو َ‬ ‫ل يُ ِ‬ ‫جا ٌ‬ ‫م ِفيهِ ِفيهِ رِ َ‬ ‫قو َ‬ ‫حقّ أن ت َ ُ‬ ‫ل ي َوْم ٍ أ َ‬ ‫ن أوّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫مطهّ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ال ُ‬ ‫ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ه ن َّز َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فوا ِفي‬ ‫خت َل ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫حقّ وَإ ِ ّ‬ ‫ب ِبال َ‬ ‫ل الك َِتا َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫وقال سبحانه‪) :‬ذ َل ِك ب ِأ ّ‬
‫د(‪.‬‬ ‫ق ب َِعي ٍ‬ ‫قا ٍ‬ ‫ش َ‬ ‫في ِ‬ ‫ب لَ ِ‬ ‫ال ْك َِتا ِ‬
‫فالختلف مادام اختلف تعارض ينقض بعضه بعضا ً شر ل يسلم منه إل ّ من‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كان معه الصواب‪ ،‬فإذا توزع الصواب بين المختلفين كان معهم من الخير‬
‫والبعد عن الذم بمقدار ما معهم من الحق‪ ،‬ومع ذلك قد يعذر فيه المجتهد‬
‫المخطئ بل يثاب لرادته الخير وقصده‪.‬‬
‫شاء‬ ‫وهو مع ذلك سنة كونية وقدر واقع ل محالة بمشيئة الله الكونية )وَل َوْ َ‬
‫ُ‬
‫ك وَل ِذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫م َرب ّ َ‬‫ح َ‬‫من ّر ِ‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬‫في َ‬
‫خت َل ِ ِ‬‫م ْ‬
‫ن ُ‬‫حد َة ً وَل َ ي ََزاُلو َ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬‫سأ ّ‬ ‫ل الّنا َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ك لَ َ‬‫َرب ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫مِعي َ‬‫ج َ‬‫سأ ْ‬ ‫جن ّةِ َوالّنا ِ‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫م َ‬‫م ِ‬
‫جهَن ّ َ‬‫ن َ‬ ‫مل ّ‬ ‫كل ْ‬ ‫ة َرب ّ َ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬
‫م ُ‬ ‫م ْ‬
‫م وَت َ ّ‬‫قهُ ْ‬‫خل َ َ‬
‫َ‬
‫والقدر الكوني إن كان شرا فيجب أن يسعى النسان للخروج منه وعدم‬ ‫ً‬
‫ب كل‬ ‫مطال َ ٌ‬ ‫الوقوع فيه‪ ،‬كالكفر فهو قدر كوني حكم الله بوجوده كونًا‪ ،‬و ُ‬
‫در شاء الله وقوعه كونا ً بناء‬ ‫إنسان أن يجتنبه وكذلك المعاصي‪ ،‬وكل ذلك مق ّ‬
‫ً‬
‫على علمه باختيار النسان‪ ،‬فالله عز وجل وهب خلقه مشيئة واختيارا خاضعة‬
‫لمشيئة الله مع علمه باختيارهم وكتابته له وتقدير كونه منهم‪.‬‬
‫فالخلف قد يكون قدرا ً ل يستسلم له العبد بل يقاومه بالقدر‪ ،‬فإن لم ي ُزِلهْ‬
‫ف من آثاره وخرج بأقل أضراره‪.‬‬ ‫ف َ‬ ‫خ ّ‬
‫فإذا تقرر ذلك الصل نأتي للحكم التكليفي للختلف بحسب أنواعه‪:‬‬
‫"أمور الدين التي يمكن أن يقع فيها الخلف إما أصول الدين أو فروعه‪ ،‬وكل‬
‫منهما إما أن يثبت بالدلة القاطعة أو ل‪ .‬فهي أربعة أنواع‪:‬‬
‫النوع الول‪ :‬أصول الدين التي تثبت بالدلة القاطعة‪ ،‬كوجود الله تعالى‬
‫ووحدانيته‪ ،‬وملئكته وكتبه‪ ،‬ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والبعث بعد‬
‫الموت ونحو ذلك‪ .‬فهذه أمور ل مجال فيها للختلف‪ ,‬من أصاب الحق فيها‬
‫فهو مصيب‪ ،‬ومن أخطأه فهو كافر‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬بعض مسائل أصول الدين‪ ،‬مثل مسألة رؤية الله في الخرة‪،‬‬
‫وخلق القرآن‪ ،‬وخروج الموحدين من النار‪ ،‬وما يشابه ذلك‪ ،‬فقيل يكفر‬
‫المخالف‪ ،‬ومن القائلين بذلك الشافعي‪ .‬فمن أصحابه من حمله على ظاهره‪.‬‬
‫ومنهم من حمله على كفران النعم‪ .‬وشرط عدم التكفير أن يكون المخالف‬
‫فر أن ينفي‬ ‫مصدقا ً بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم‪ .‬والتكذيب المك ّ‬
‫وجود ما أخبر به الرسول ويزعم أن ما قاله كذب محض أراد به صرف الناس‬
‫عن شيء يريده‪ ،‬كذا قال الغزالي‪.‬‬
‫النوع الثالث‪] :‬المور)]‪ [([10‬المعلومة من الدين بالضرورة كفرضية‬
‫الصلوات الخمس‪ ،‬وحرمة الزنا‪ ،‬فهذا ليس موضعا ً للخلف‪ .‬ومن خالف فيه‬
‫فقد كفر‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫النوع الرابع‪ :‬الفروع الجتهادية التي قد تخفى أدلتها‪ .‬فهذه الخلف فيها واقع‬
‫في المة‪ .‬ويعذر المخالف فيها ؛لخفاء الدلة أو تعارضها‪ ،‬أو الختلف في‬
‫ثبوتها‪ .‬وهذا النوع هو المراد في كلم الفقهاء إذا قالوا‪ :‬في المسألة خلف‪.‬‬
‫وهو موضوع هذا البحث على أنه الخلف المعتد به في المور الفقهية‪ .‬فأما‬
‫إن كان في المسألة دليل صحيح صريح لم يطلع عليه المجتهد فخالفه‪ ،‬فإنه‬
‫معذور بعد بذل الجهد‪ ،‬ويعذر أتباعه في ترك رأيه أخذا ً بالدليل الصحيح الذي‬
‫تبّين أنه لم يطلع عليه‪ .‬فهذا النوع ل يصح اعتماده خلفا في المسائل‬
‫الشرعية‪ ،‬لنه اجتهاد لم يصادف محل‪ ،‬وإنما يعد في مسائل الخلف القوال‬
‫الصادرة عن أدلة معتبرة في الشريعة")]‪.([11‬‬
‫عمل أهل العلم على الخروج من الخلف‬
‫لكون الختلف شرا ً وبلء؛ راعى كثير من أهل العلم الخروج من الخلف في‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعليل كثير من الحكام‪ ،‬ومن ذلك قول بعض فقهاء الحنابلة بكراهة الطهارة‬
‫بالماء المتغير بمجاورة أو بملح مائي مع أنه طهور‪ ،‬ولكنهم يعللون بمخالفة‬
‫غيرهم لهم فيما اختاروا‪ ،‬فاستحبوا الخروج من الخلف بكراهة استعمال ذلك‬
‫الماء)]‪.([12‬‬
‫ومنه كذلك قول بعض فقهاء الحناف بالندب للشهاد على الرجعة خروجا ً من‬
‫الخلف)]‪.([13‬‬
‫ً‬
‫ومنه قول بعض فقهاء المالكية بطواف القدوم بنية الركنية خروجا من‬
‫الخلف)]‪.([14‬‬
‫ومنه قول الشافعية باستحباب عدم القصر لسفر أقل من مسيرة ثلثة أيام‬
‫للخروج من الخلف)]‪.([15‬‬
‫ويكاد يطبق أرباب المذاهب الربعة على التعليل بالخروج من الخلف في‬
‫اختياراتهم الفقهية‪.‬‬
‫ولكنهم وضعوا لذلك ضوابط من أهمها ما قرره العز بن عبد السلم حيث‬
‫يقول‪" :‬والضابط في هذا أن مأخذ المخالف إن كان في غاية الضعف والبعد‬
‫عن الصواب فل نظر إليه‪ ،‬ول التفات عليه‪ ،‬إذ كان ما اعتمد عليه ل يصح نصه‬
‫دليل ً شرعًا")]‪ ([16‬ثم قال‪" :‬وإن تقاربت الدلة في سائر الخلف بحيث ل‬
‫يبعد قول المخالف كل البعد فهذا مما يستحب الخروج من الخلف فيه حذرا‬
‫ًمن كون الصواب مع الخصم‪ ،‬والشرع يحتاط لفعل الواجبات والمندوبات‪,‬‬
‫كما يحتاط لترك المحرمات والمكروهات"‪.‬‬
‫ظ من الّنظر‪ ،‬والدّلة تحتمله‪ ،‬فالمحققون يكرهون‬ ‫فالخلف إذا كان له ح ّ‬
‫ً‬
‫ن فيه خلفا بل هو من باب "د َع ْ ما َيريُبك‬ ‫ويستحبون لجل الخروج منه؛ ل ل ّ‬
‫إلى ما ل َيريُبك"‪ ،‬ويتأكد هذا‪ ،‬بل قد يتعين حتى مع الخلف الضعيف‪ ،‬إن‬
‫خشي َترّتب مفسدة أعظم على الخلف‪.‬‬
‫ل به المسائل ونأخذ‬ ‫ّ‬
‫ظ له من الّنظر فل ُيمكن أن نعل َ‬‫ح ّ‬‫أما إذا كان الخلف ل َ‬
‫منه حكمًا‪.‬‬
‫ن الحكام ل تثبت إل ّ بدليل‪ ،‬ومراعاة الخلف غير المعتبر ل تصلح دليل ً‬ ‫ول ّ‬
‫ّ‬
‫شرعيا‪ ،‬فيقال‪ :‬هذا مكروه‪ ،‬أو غير مكروه بناء عليه‪ ،‬إل إن خشي ترتب‬ ‫ً‬
‫مفسدة أعظم جراء الفرقة فتقدر حينها المور بقدرها‪ ،‬وذلك لمر خارج عن‬
‫مجرد الخلف غير المعتبر‪ ،‬مع العمل على إعادة الحق إلى نصابه وإقرار‬
‫المصيب على صوابه‪.‬‬
‫هل الختلف رحمة؟‬
‫ُرويت في ذلك أحاديث ل تثبت مثل حديث أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم‬
‫اهتديتم)]‪ ،([17‬وحديث اختلف أمتي رحمة)]‪.([18‬‬
‫ولعدم ثبوت نص تباينت أقوال السلف في المسألة فأثر‪":‬عن عمر بن عبد‬
‫العزيز قوله‪ :‬ما أحب أن أصحاب رسول الله لم يختلفوا ; لنه لو كان قول ً‬
‫واحدا ً كان الناس في ضيق‪ ،‬وأنهم أئمة يقتدى بهم‪ ،‬فلو أخذ أحد بقول رجل‬
‫منهم كان في سعة‪.‬‬
‫وعن يحيى بن سعيد أنه قال‪ :‬اختلف أهل العلم توسعة‪ ،‬وما برح المفتون‬
‫يختلفون‪ ،‬فيحلل هذا ويحرم هذا‪ ،‬فل يعيب هذا على هذا‪ ،‬ول هذا على هذا‪.‬‬
‫وقال ابن عابدين‪ :‬الختلف بين المجتهدين في الفروع ــ ل مطلق الختلف‬
‫ــ من آثار الرحمة فإن اختلفهم توسعة للناس‪ .‬قال‪ :‬فمهما كان الختلف‬
‫أكثر كانت الرحمة أوفر‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذه القاعدة ليست متفقا عليها‪ ،‬فقد روى ابن وهب عن إمام دار الهجرة‬
‫مالك بن أنس أنه قال‪ :‬ليس في اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم سعة‪ ،‬وإنما الحق في واحد‪.‬‬


‫م الله الختلف وأمر بالرجوع عنده إلى‬ ‫وقال المزني صاحب الشافعي‪ :‬ذ ّ‬
‫الكتاب والسنة‪.‬‬
‫وتوسط ابن تيمية بين التجاهين‪ ،‬فرأى أن الختلف قد يكون رحمة‪ ،‬وقد‬
‫يكون عذابًا‪.‬‬
‫ض إلى شر عظيم من خفاء‬ ‫ف ِ‬‫قال‪ :‬النزاع في الحكام قد يكون رحمة إذا لم ي ُ ْ‬
‫الحكم‪ .‬والحق في نفس المر واحد‪ ،‬وقد يكون خفاؤه على المكلف ‪ -‬لما في‬
‫ظهوره من الشدة عليه ‪ -‬من رحمة الله به‪ ،‬فيكون من باب )ل تسألوا عن‬
‫أشياء إن تبد لكم تسؤكم(‪ .‬وهكذا ما يوجد في السواق من الطعام والثياب‬
‫قد يكون في نفس المر مغصوبا‪ ،‬فإذا لم يعلم النسان بذلك كان كله حلل ً ل‬
‫شيء عليه فيه بحال‪ ،‬بخلف ما إذا علم‪ .‬فخفاء العلم بما يوجب الشدة قد‬
‫يكون رحمة‪ ،‬كما أن خفاء العلم بما يوجب الرخصة قد يكون عقوبة‪ ،‬كما أن‬
‫رفع الشك قد يكون رحمة وقد يكون عقوبة‪ .‬والرخصة رحمة‪ .‬وقد يكون‬
‫مكروه النفس أنفع كما في الجهاد")]‪.([19‬‬
‫حكم الختلف في العمل السلمي‬

‫)‪(5 /‬‬

‫إذا كان الختلف من قبيل التنوع كأن يتخصص كل فريق أو جماعة في عمل‪،‬‬
‫فهو اختلف مطلوب‪ ،‬أما إذا كان الختلف اختلف تحزب وتعصب يمنع‬
‫التعاون والتعاضد وسماع النصيحة من الخر فهو اختلف مذموم‪.‬‬
‫والذي ينبغي هو أن يكون اختلف المسلمين في العمل السلمي من القبيل‬
‫الول‪ ،‬ولسيما مع كثير من الشعارات المرفوعة‪ ،‬فالهدف السمى واحد‪،‬‬
‫ومجالت العمل متنوعة‪ ،‬والساحة تحتاج الجميع‪.‬‬
‫ولكن الواقع من الناحية العملية‪ :‬وجود التناحر والتحزبات والعصبيات التي‬
‫تشبه عصبيات عصور التعصب المذهبي‪ ،‬ولئن سأل بعض المقلدة المتعصبة‬
‫قديما ً عن حكم صلة الحنفي خلف المالكي أو العكس‪ ،‬فإن بعض جهلة‬
‫الحزبيين اليوم يسألون عن حكم الصلة خلف بعض إخوتهم المسلمين!‬
‫موا التعصب للمذهب وأنكروه فإن علينا أن نذم التعصب‬ ‫وكما أن أهل العلم ذ ّ‬
‫للجماعات أو الفراد وننكره‪ ،‬وكما أن الذم ل يتوجه للمذاهب المعتبرة‬
‫وأئمتها عند أهل التحقيق؛ فإن الذم قد ل يتوجه إلى الجماعات ورؤوسها‬
‫طالما كانت ملتزمة بالسنة في الجملة‪ ،‬وإن خرج بعض رجالتها عن ركب‬
‫السنة باجتهادات شخصية لم تؤثر على دعوة الجماعة كحال بعض رجالت‬
‫المذاهب الفقهية المتبوعة‪.‬‬
‫وقد يتوجه الذم إلى الجماعة جملة وتفصيل ً إن كان التحزب والتقوقع أساسا ً‬
‫من أسسها‪ ،‬أو كان من أسسها القول بمذاهب شاذة أو اجتهادات غير سائغة‬
‫عند أهل العلم‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أسباب الفتراق‬
‫السباب كثيرة ويمكن أن نقسمها إلى خمسة عوامل رئيسية تندرج تحتها‬
‫أنواع عدة‪ ،‬وبعض هذه الخمسة يتعلق ببعض ولكن أفردته لهميته‪ ،‬وهذه‬
‫العوامل هي‪:‬‬
‫ل‪ :‬تفاوت الناس في الطبائع والميول وتفاضلهم في العقول‬ ‫أو ً‬
‫قال ابن القيم رحمه الله‪" :‬ووقوع الختلف بين الناس أمر ضروري ل بد منه‬
‫لتفاوت إرادتهم وأفهامهم وقوى إدراكهم‪.([20])"..‬‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي في كثير من أشكال الختلف الواقع‪،‬‬ ‫ولعل أثر تباين الطبائع والمدارك جل ٌ‬


‫فانظر إلى اختلف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في شأن أسرى بدر تجد‬
‫كل واحد منهما نزع إلى ما يقارب طبعه‪ ،‬فأبو بكر الرقيق الشفيق مال إلى‬
‫ن أو الفداء‪ ،‬وعمر القوي الشديد جنح إلى الثخان‪ ،‬وهو الذي جاء به‬ ‫الم ّ‬
‫القرآن‪.‬‬
‫فطبيعة الخلقة والظروف الجتماعية والبيئية الخاصة بالشخص أو العامة في‬
‫المجتمع كلها تؤثر على نمط التفكير فيجنح كل طرف إلى ما ل يجنح إليه‬
‫الخر‪.‬‬
‫وفي بعض الحيان يتطلب الحكم موازنة بين أمور تحتاج إلى قوة العقل‬
‫وحضوره‪ ،‬والناس متفاوتون في ذلك‪ ،‬ول يعني هذا أن الكمل عقل ً هوالرجح‬
‫اختيارًا‪ ،‬أو هو الذي ينحو نحو الصواب دائمًا‪ ،‬وذلك لما يرد على الفراد من‬
‫أحوال وأوقات يتعكر فيها المزاج مع ازدحام الشغال‪ ،‬أو يذهل فيها المرء‬
‫لمؤثرات أثرت عليه دون الخر‪ ،‬سواء كانت هذه المؤثرات منبعثة من البيئة‬
‫الخارجية أو عوامل نفسية خاصة بالشخص‪ ،‬فيؤدي ذلك لن يخطئ الصواب‬
‫وإن كان هو الرجح عقل ً والحضر ذهنا ً من حيث الجملة‪ .‬ولعل من ذلك قصة‬
‫ل)]‪ ([21‬ــ مع المرأة في الميراث يوم قال‬ ‫عمر ــ على أن في ثبوتها مقا ً‬
‫أصابت امرأة وأخطأ عمر‪.‬‬
‫وربما تفاضل الناس في إدراك الصواب واختلفوا لتباين عقولهم ونفوسهم‬
‫ضعفا ً وقوة في جوانب مختلفة‪ ،‬فبعض الناس قد يحسن النظر في مسائل‬
‫لتساع معارفهم وتمرين عقولهم عليها‪ ،‬ول يحسنون الخوض في مسائل‬
‫أخرى‪ ،‬وكم من إنسان تكلم في غير ما يحسن فأضحك الناس‪ ،‬وشواهد هذا‬
‫كثيرة‪.‬‬
‫ولهذا ذكر الستاذ محمود الزحيلي أن أسباب الخلف تنحصر في سبعة وذكر‬
‫أولها‪:‬‬
‫ّ‬
‫الختلف في المور الجبلية‪ :‬إذ إن الئمة والعلماء يتفاوتون في ملكاتهم‬
‫وطبائعم وعقولهم‪ ،‬وهذا أمر طبعي ينتج عنه في بعض الحايين اختلف‬
‫الحكام المستنبطة من الدلة الشرعية‪.‬‬
‫ولعله قدم هذا لما له من أثر على البقية‪.‬‬
‫ومن هذا القبيل الختلف في الحكم بسبب النسيان‪:‬‬
‫كما نسي عمر قوله تعالى‪) :‬إنك ميت وإنهم ميتون(‪ ،‬ونسي قوله‪) :‬وآتيتم‬
‫إحداهن قنطارًا( في القصة التي تروى مع المرأة‪ ،‬ونسي فتوى النبي له‬
‫ولعمار بالتيمم للجنابة في السفر‪.‬‬
‫كر الزبير يوم الجمل شيئا عهده إليهما رسول الله‬ ‫وكذلك ما روي أن عليا ً ذ ّ‬
‫ً‬
‫فذكره فانصرف عن القتال‪ .‬قلت فيكون الناسي معذورا بفتواه‪.‬‬
‫كره‬‫م عمر رضي الله عنه أن يأخذ عيينة ابن حصن فذ ّ‬ ‫ومنه كذلك عندما ه ّ‬
‫حر بن قيس بقول الله عز وجل‪) :‬خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن‬ ‫ال ُ‬
‫الجاهلين( فأمسك‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬من أسباب الختلف تفاوت الناس في العلم والمعرفة‬
‫فأصل حدوث الختلف والتفرق في المة هو الجهل بالدين ولهذا قال‬
‫الشاطبي رحمه الله‪" :‬الختلف في القواعد الكلية ل يقع بين المتبحرين في‬
‫علم الشريعة الخائضين في لجتها العظمى‪ ،‬العالمين بمواردها ومصادرها‪،‬‬
‫والدليل على ذلك اتفاق العصر الول وعامة العصر الثاني")]‪.([22‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولهذا روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خل يوما ً فجعل يحدث نفسه‪:‬‬
‫كيف تختلف هذه المة ونبيها واحد وقبلتها واحدة وكتابها واحد؟ فأرسل إلى‬
‫ابن عباس رضي الله عنهما وسأله‪ ،‬فقال ابن عباس‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ :‬إنما‬
‫نزل القرآن علينا فقرأناه وعلمنا فيما نزل‪ ،‬وأنه سيكون بعدنا أقوام يقرؤن‬
‫القرآن ول يدرون فيما نزل فيكون لكل قوم فيه رأي‪ ،‬فإذا كان ذلك‬
‫اختلفوا)]‪.([23‬‬
‫ً‬
‫قال المام الشاطبي معلقا‪ :‬وما قاله ابن عباس رضي الله عنهما هو الحق‪،‬‬
‫فإنه إذا عرف الرجل فيما نزلت الية أو السورة عرف مخرجها وتأويلها وما‬
‫ُقصد بها‪ ،‬فلم يتعد ذلك فيها‪ ،‬وإذا جهل فيما أنزلت احتمل النظر فيها أوجهًا‪،‬‬
‫فذهب كل إنسان مذهبا ً ل يذهب إليه الخر‪.‬‬
‫فإذا وسد المر إلى غير أهله‪ ،‬وتصدر للتدريس والفتيا كل من وجد من نفسه‬
‫زيادة فهم وفضل ذكاء وذهن‪ ،‬مع أنه لم يأخذ العلم عن أهل التخصص‬
‫والصناعة‪ ،‬إذا كان ذلك كذلك وقع الفتراق والختلف‪.‬‬
‫وقد عد ّ أهل العلم من البليا "أن يعتقد النسان في نفسه أو ُيعتقد فيه أنه‬
‫من أهل العلم والجتهاد في الدين ولم يبلغ تلك الدرجة فيعمل على ذلك‪،‬‬
‫ويعد رأيه رأيا ً وخلفه خلفًا‪ ..‬فتراه آخذا ً ببعض جزئيات الشريعة في هدم‬
‫كلياتها‪ ،‬وعليه نبه الحديث الصحيح‪)) :‬ل يقبض الله العلم انتزاعا ً ينتزعه من‬
‫الناس‪ ،‬ولكن يقبض العلم بقبض العلماء‪ ،‬حتى إذا لم يبق عالما ً اتخذ الناس‬
‫رؤسا ً جهال ً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا((")]‪.([24‬‬
‫وأمثال هؤلء أبكوا قديما ً ربيعة الرأي‪ ،‬قال المام مالك ــ رحمه الله ــ‪:‬‬
‫أخبرني رجل أنه دخل على ربيعة بن أبي عبد الرحمن فوجده يبكي‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫ما يبكيك؟ وارتاع لبكائه‪ ،‬فقال له‪ :‬أمصيبة دخلت عليك؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن‬
‫استفتي من ل علم له‪ ،‬وظهر في السلم أمر عظيم‪ .‬وقال ربيعة‪ :‬ولبعض‬
‫من يفتي ههنا أحق بالسجن من السراق)]‪.([25‬‬
‫وإذا كان هذا في عصور التابعين والئمة المرضيين فماذا نقول في زمن‬
‫الغربة بعد أن أصبح مجاهيل النترنت مشايخ يؤخذ عنهم العلم في كثير من‬
‫الساحات‪ ،‬ويفتون في المدلهمات‪ ،‬والله المستعان‪.‬‬
‫ثم من أهم أسباب الختلف بسبب تباين العلوم والمعارف الختلف في‬
‫العلم بنصوص الوحيين أو دللتهما وهو ثلثة أنواع)]‪:([26‬‬
‫أحدها عدم اعتقاده أن النبي قاله أو لم يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قاله‪.‬‬
‫الثاني عدم اعتقاده أنه أراد تلك المسألة بذلك القول‪.‬‬
‫الثالث اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذه الثلثة تتفرع عنها أسباب عدة ولعل في النماذج السابقة شيئا من‬
‫البيان ويمكن أن نجملها فيما يلي‪:‬‬
‫)‪ (1‬قد يكون النص لم يبلغ بعض المخالفين فعمل بظاهر آية أو حديث آخر‪،‬‬
‫فمن لم يبلغه النص لم يكلف أن يكون عالما ً به‪ ،‬بل يكتفي المخالف أحيانا‬
‫بظاهر آية‪ ،‬أو بحديث‪ ،‬أو بموجب قياس‪ ،‬أو بموجب استصحاب)]‪ ،([27‬قال‬
‫شيخ السلم‪":‬وهذا السبب هو الغالب على أكثر ما يوجد من أقوال السلف‬
‫مخالفا ً لبعض الحاديث‪ ،‬فإن الحاطة بحديث رسول الله ــ صلى الله عليه‬
‫وسلم ــ لم تكن لحد من المة")]‪ ،([28‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫ل‪ :‬حكم أبي بكر الصديق ــ رضي الله عنه ــ في الجدة بأنها ل ترث مطلقا‪ً،‬‬ ‫أو ً‬
‫فعن قبيصة بن ذؤيب قال‪":‬جاءت الجدة إلى أبي بكر تسأله ميراثها‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فقال‪ :‬لها ما لك في كتاب الله شيء‪ ،‬وما لك في سنة رسول الله ــ صلى‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله عليه وسلم ــ شيء‪ ،‬فارجعي حتى أسأل الناس‪ ،‬فسأل الناس فقال‬
‫المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ فأعطاها‬
‫السدس فقال أبو بكر هل معك غيرك فقام محمد بن مسلمة النصاري‪،‬‬
‫فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة فأنفذه لها أبو بكر")]‪.([29‬‬
‫ثانيًا‪ :‬خفاء سنة الستئذان على عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ‪ ،‬فعن‬
‫أبي سعيد الخدري قال‪":‬كنت في مجلس من مجالس النصار‪ ،‬إذ جاء أبو‬
‫موسى كأنه مذعور‪ ،‬فقال‪ :‬استأذنت على عمر ثلثا ً فلم يؤذن لي فرجعت‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ما منعك؟ قلت‪ :‬استأذنت ثلثا فلم يؤذن لي فرجعت‪ ،‬وقال رسول الله‬
‫ــ صلى الله عليه وسلم ــ ))إذا استأذن أحدكم ثلثا فلم يؤذن له فليرجع((‪،‬‬
‫فقال‪ :‬والله لتقيمن عليه ببينة‪ ،‬أمنكم أحد سمعه من النبي ــ صلى الله عليه‬
‫وسلم ــ؟ فقال أبي بن كعب‪ :‬والله ل يقوم معك إل أصغر القوم‪ ،‬فكنت‬
‫أصغر القوم فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ‬
‫قال ذلك")]‪ ،([30‬فهذه سنة قد خفيت على عمر بن الخطاب ــ رضي الله‬
‫عنه ــ مع سعة علمه وفقهه في دين الله ــ تعالى ــ وليس في هذا مذمة‬
‫لعمر ــ رضي الله عنه ــ فإن الله ــ تعالى ــ يقول‪) :‬وفوق كل ذي علم‬
‫عليم()]‪ ،([31‬فمهما بلغ النسان من العلم فل شك أنه لن ينتهي‪ ،‬ولهذا‬
‫قالوا‪":‬العلم إن أعطيته كلك أعطاك بعضه‪ ،‬وإن أعطيته بعضك فاتك كله"‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ثالثًا‪ :‬خفاء الحكم على كثير من الصحابة في نزول الطاعون ببلد‪ ،‬فعن عبد‬
‫الله بن عباس ــ رضي الله عنهما ــ‪" :‬أن عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه‬
‫ــ خرج إلى الشام‪ ،‬حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الجناد أبو عبيدة بن‬
‫الجراح وأصحابه‪ ،‬فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام‪ ،‬قال ابن عباس‪:‬‬
‫فقال عمر‪ :‬ادع لي المهاجرين الولين‪ ،‬فدعاهم فاستشارهم‪ ،‬وأخبرهم أن‬
‫الوباء قد وقع بالشام‪ ،‬فاختلفوا فقال بعضهم‪ :‬قد خرجت لمر‪ ،‬ول نرى أن‬
‫ترجع عنه‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬معك بقية الناس وأصحاب رسول الله ــ صلى الله‬
‫عليه وسلم ــ ول نرى أن ُتقدمهم على هذا الوباء‪ ،‬فقال‪ :‬ارتفعوا عني‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬ادعوا لي النصار‪ ،‬فدعوتهم فاستشارهم‪ ،‬فسلكوا سبيل المهاجرين‪،‬‬
‫واختلفوا كاختلفهم‪ ،‬فقال‪ :‬ارتفعوا عني‪ ،‬ثم قال‪ :‬ادع لي من كان هاهنا من‬
‫مشيخة قريش من مهاجرة الفتح‪ ،‬فدعوتهم‪ ،‬فلم يختلف منهم عليه رجلن‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬نرى أن ترجع بالناس‪ ،‬ول تقدمهم على هذا الوباء‪ ،‬فنادى عمر في‬
‫الناس‪ :‬إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه‪ ،‬قال أبو عبيدة بن الجراح‪ :‬أفرارا ً‬
‫من قدر الله؟ فقال عمر‪ :‬لو غيرك قالها يا أبا عبيدة‪ ،‬نعم نفر من قدر الله‬
‫إلى قدر الله‪ ،‬أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا ً له عدوتان‪ ،‬إحداهما خصبة‬
‫والخرى جدبة‪ ،‬أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة‬
‫رعيتها بقدر الله؟ قال‪ :‬فجاء عبد الرحمن بن عوف ــ وكان متغيبا ً في بعض‬
‫حاجته ــ فقال‪ :‬إن عندي في هذا علمًا‪ ،‬سمعت رسول الله ــ صلى الله عليه‬
‫وسلم ــ يقول‪)) :‬إذا سمعتم به بأرض فل تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم‬
‫بها فل تخرجوا فرارا منه((‪ ،‬قال‪ :‬فحمد الله عمر ثم انصرف")]‪.([32‬‬
‫رابعًا‪ :‬أن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ كان يفتي في بداية أمره بمنع‬
‫الحائض من أن تنفر قبل أن تطوف طواف الوداع‪ ،‬ثم بلغه إذن النبي ــ صلى‬
‫الله عليه وسلم ــ في ذلك فرجع عن قوله)]‪.([33‬‬
‫خامسًا‪ :‬أن عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ كان يرى أن المرأة ل ترث‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دث بأمر النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ بتوريث المرأة‬ ‫من دية زوجها‪ ،‬فح ّ‬
‫من دية زوجها‪ ،‬فلم يكن منه ــ رضي الله عنه ــ إل أن ترك رأيه وصار إلى‬
‫السنة)]‪.([34‬‬
‫فهذه أمثلة من خفاء بعض النصوص الشرعية على بعض الناس‪ ،‬والذين هم‬
‫أفضل هذه المة على الطلق‪ ،‬ول يقولن قائل‪ :‬كيف يختلف الصحابة وقد‬
‫جمعت عندهم السنة‪ ،‬ود ُّونت الدواوين؟ فإن "هذه الدواوين المشهورة في‬ ‫ُ‬
‫السنن إنما جمعت بعد انقراض الئمة المتبوعين‪ ،‬ومع هذا فل يجوز أن يدعى‬
‫انحصار حديث رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ في دواوين معينة‪ ،‬ثم لو‬
‫ُفرض انحصار حديث رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ فليس كل ما في‬
‫الكتب يعلمه العالم‪ ،‬ول يكاد ذلك يحصل لحد‪ ،‬بل قد يكون عند الرجل‬
‫الدواوين الكثيرة وهو ل يحيط بما فيها ")]‪.([35‬‬
‫ومن هذا القبيل أيضًا‪:‬‬
‫أن يكون النص قد بلغ المخالف‪ ،‬لكنه منسوخ‪ ،‬بنص آخر ولم يعلم المخالف‬
‫بالناسخ)]‪.([36‬‬
‫ومن أمثلة ذلك‪ :‬أن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ أخذ بصفة التطبيق في‬
‫الركوع مع أنها منسوخة‪ ،‬فعن علقمة‪ ،‬والسود بن يزيد أنهما دخل على عبد‬
‫الله‪ ،‬فقال‪ :‬أصلى من خلفكم)]‪([37‬؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فقام بينهما وجعل أحدهما‬
‫عن يمينه والخر عن شماله‪ ،‬ثم ركعنا فوضعنا أيدينا على ركبنا فضرب أيدينا‬
‫ثم طبق بين يديه ثم جعلهما بين فخذيه‪ ،‬فلما صلى قال‪ :‬هكذا فعل رسول‬
‫الله ــ صلى الله عليه وسلم")]‪ ،([38‬وهذه الصفة منسوخة بدليل حديث‬
‫سعد بن أبي وقاص‪ ،‬فعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال‪":‬صليت إلى‬
‫جنب أبي‪ ،‬فلما ركعت شبكت أصابعي وجعلتهما بين ركبتي‪ ،‬فضرب يدي‪،‬‬
‫فلما صلى قال‪ :‬قد كنا نفعل هذا ثم أمرنا أن نرفع إلى الركب")]‪.([39‬‬
‫ومن أمثلته كذلك اللبس الذي حصل أول المر في ربا النسا‪ ،‬ونكاح المتعة‬
‫وغيرهما مما استقر الجماع عليه بعد‪.‬‬
‫)‪ (2‬أن يكون النص قد بلغه ولكنه لم يثبت عنده إما لن محدثه مجهول أو‬
‫سيء الحفظ أو متهم‪ ،‬ول يعلم أن له طرقا ً أخرى‪ ،‬ولهذا عّلق كثير من الئمة‬
‫العمل بموجب الحديث على صحته فكثيرا ً ما يقول المام‪ :‬قولي فيه كيت‬
‫وكيت‪ ،‬وقد روي فيه حديث بخلفه فإن صح فهو قولي‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫اعتقاد ضعف النص باجتهاد خالفه فيه غيره‪ ،‬كتضعيفه لراو وّثقه غيره‪ ،‬ومن‬
‫ذلك أن بعض الئمة كان ل يرى قبول حديث أصله غير حجازي )شامي أو‬
‫بصري‪ ،(..‬وبعضهم رأى هذا الرأي ثم رجع‪ ،‬ومما أثر في ذلك كلمة الشافعي‬
‫لحمد‪ :‬يا أبا عبد الله إذا صح الحديث فأعلمني حتى أذهب إليه شاميا ً كان أو‬
‫عراقيًا‪ .‬ولعل من ذلك مخالفة الحناف لغيرهم في القهقهة فالمام أبو حنيفة‬
‫أخذ بحديث القهقهة في الصلة‪ ،‬وجعل القهقهة من نواقض الوضوء‪ ،‬ومن‬
‫مبطلت الصلة)]‪ ،([40‬مع أن الحديث الذي استدل به ضعيف عند الئمة‪،‬‬
‫لكن عذره في ذلك ظنه أن الحديث صالح للحتجاج به‪ ،‬وهذا ليس فيه مذمة‬
‫له ــ رحمه الله ــ بل هو في العلم والفضل من هو‪ ،‬ولهذا قال شيخ السلم‬
‫ابن تيمية‪":‬ومن ظن بأبي حنيفة أو غيره من أئمة المسلمين أنهم يتعمدون‬
‫مخالفة الحديث الصحيح لقياس أو غيره فقد أخطأ عليهم‪ ،‬وتكلم إما بظن‪،‬‬
‫وإما بهوى‪ ،‬فهذا أبو حنيفة يعمل بحديث التوضي بالنبيذ في السفر)]‪([41‬‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مخالفة للقياس‪ ،‬وبحديث القهقهة في الصلة مع مخالفته للقياس)]‪،([42‬‬


‫لعتقاده صحتهما‪ ،‬وإن كان أئمة الحديث لم يصححوهما")]‪.([43‬‬
‫)‪ (3‬اشتراط بعضهم في قبول النص شروطا ً يخالفه فيها غيره‪ ،‬كاشتراط‬
‫بعضهم كون الراوي فقيها ً إذا روى ما يخالف القياس‪ ،‬واشتراط بعضهم‬
‫ظهور الحديث وانتشاره إذا كان فيما تعم به البلوى‪ ،‬وربما وقع الختلف في‬
‫بعض قواعد علوم اللة ومنها المصطلح‪ ،‬ومن ذلك توثيق ابن حبان لمن لم‬
‫يعرف بجرح‪ ،‬في مقابل طريقة ابن حزم في الرمي بالجهالة‪ ،‬وكتشدد أبي‬
‫حاتم في نقد الرجال‪ ،‬وتساهل الحاكم في توثيقهم‪ ،‬واشتراط بعضهم للصحة‬
‫اللقيا واكتفاء آخرين بالمعاصرة‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫)‪ (4‬أن ينسى البعض حديثا ً أو آية كما ذهل عمر رضي الله عنه عن قول الله‬
‫ما مات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫تعالى‪) :‬إنك ميت وإنهم ميتون( ل ّ‬
‫)‪ (5‬عدم معرفة دللة لفظ النص‪ :‬ومن الركائز الساسية في هذا‪ :‬العلم‬
‫ً‬
‫باللغة العربية‪ ،‬قال الشاطبي رحمه الله‪" :‬الله عز وجل أنزل القرآن عربيا ل‬
‫عجمة فيه‪ ،‬بمعنى أنه جارٍ في ألفاظه وأساليبه على لغة لسان العرب‪ ،‬قال‬
‫الله تعالى‪) :‬إنا جعلناه قرآنا ً عربيًا(‪ ..‬وكان المنّزل عليه القرآن عربيا ً أفصح‬
‫من نطق بالضاد‪ ،‬وهو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكان الذين‬
‫بعث فيهم عربا ً أيضًا‪ ،‬فجرى الخطاب به على معتادهم في لسانهم‪ ..‬وإذا كان‬
‫كذلك فل يفهم كتاب الله تعالى إل ّ من الطريق الذي نزل عليه‪ ،‬وهو اعتبار‬
‫ألفاظها ومعانيها وأساليبها")]‪ ،([44‬ولهذا قال الشافعي رحمه الله‪" :‬ما جهل‬
‫الناس ول اختلفوا إل ّ لتركهم لسان العرب وميلهم إلى لسان‬
‫أرسطاطاليس")]‪ ،([45‬وقال السيوطي معلقا ً بعد أن ذكره‪" :‬أشار الشافعي‬
‫بذلك إلى ما حدث في زمن المأمون من القول بخلق القرآن ونفي الرؤية‬
‫وغير ذلك من البدع وأن سببها الجهل بالعربية والبلغة الموضوعة فيها من‬
‫المعاني والبيان والبديع"‪ ،‬ومما يؤكد هذا أن عمرو بن عبيد)]‪ ([46‬جاء إلى‬
‫أبي عمرو بن العلء التميمي)]‪ ([47‬يناظره في وجوب عذاب الفاسق‪ ،‬فقال‬
‫يا أبا عمرو‪ :‬هل يخلف الله وعده؟ فقال‪ :‬لن يخلف الله وعده‪ ،‬فقال عمرو‪:‬‬
‫فقد قال‪ ،‬وذكر آية وعيد‪ ،‬فقال أبو عمر‪ :‬من العجمة أتيت‪ ،‬الوعد غير اليعاد‬
‫ثم أنشد‪:‬‬
‫وإني وإن أوعدته أو وعدته ** لمخلف إيعادي منجز له وعدي)]‪([48‬‬
‫ولهذا قال الحسن البصري رحمه الله‪" :‬إنما أهلكتهم العجمة‪ ،‬يتأولونه على‬
‫غير تأويله")]‪ .([49‬ولو نظرت في كثير من أهل البدع التي فرقت المسلمين‬
‫لوجدت أصول ً ل تنم عن أصالة في اللسان العربي‪ ،‬فغيلن الدمشقي‪ ،‬أول‬
‫من تكلم في القدر وقال بخلق القرآن‪ ،‬كان مولى لل عثمان بن عفان‪،‬‬
‫والجعد بن درهم كان مولى لبني الحكم‪ ،‬وجهم بن صفوان كان مولى لبني‬
‫راسب‪ ،‬وعمرو بن عبيد مولى لبني تميم‪ ،‬وواصل بن عطاء مولى لبني‬
‫مخزوم أو لبني ضبة على خلف في النسبة‪.‬‬
‫ولعل من أظهر عوامل الختلف بسبب عدم فهم دللة النصوص عاملين‪:‬‬
‫الول إما لكون اللفظ غريبًا‪ ،‬نحو لفظ المزابنة والمحاقلة والمنابذة‪ ،‬ومن هذا‬
‫القبيل اختلفهم في تفسير ل طلق ول عتاق في إغلق‪ .‬ففسره كثير من‬
‫الحجازيين بالكراه وفسره كثير من العراقيين بالغضب‪ ،‬ومنهم من فسره‬
‫بجمع الطلق في كلمة واحدة باعتبار أنه مأخوذ من غلق باب الطلق جملة‪.‬‬
‫أو لكون اللفظ مشتركا ً أو مجمل ً أو مترددا ً بين حمله على معناه عند الطلق‬
‫)الحقيقة( أو حمله على معناه عند التقييد )مجاز( كاختلفهم في القرء‬
‫ومعناه‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (6‬معرفة دللة اللفظ وموضوعه‪ ،‬ولكن ل يتفطن لدخول هذا الفرد المعّين‬
‫تحت اللفظ‪ ،‬إما لعدم تصوره لذلك الفرد‪ ،‬أو لعدم حضوره بباله‪ ،‬أو لعتقاده‬
‫أنه مختص بما يخرجه عن اللفظ العام‪.‬‬
‫)‪ (7‬عدم اعتقاد وجود دللة في لفظ النص على الحكم المتنازع عليه‪ ،‬وهذا‬
‫له أربع حالت‪:‬‬
‫‪ -‬أن ل يعرف مدلول اللفظ في عرف‪ ،‬الشارع فيحمله على خلف مدلوله‬
‫في العرف الشرعي‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫‪ -‬أن يكون له في عرف الشارع معنيان‪ ،‬فيحمله على أحدهما ويحمله‬


‫المخالف على الخر‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -‬أن يفهم من العام خاصا أو من الخاص عاما‪ ،‬أو من المطلق مقيدا أو من‬
‫المقيد مطلقًا‪.‬‬
‫‪ -‬أن ينفي دللة اللفظ مع أن اللفظ تارة يكون مصيبا ً في الدللة وتارة يكون‬
‫مخطئًا‪ ،‬فمن نفى دللة قول الله تعالى‪) :‬وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم‬
‫ل أكل ذي المخلب‬ ‫ح ّ‬
‫الخيط البيض من الخيط السود من الفجر( على ِ‬
‫والناب أصاب‪ ،‬ومن نفى دللة العام على ما عدا محل التخصيص غلط ومن‬
‫نفى دللته على ماعدا محل السبب غلط‪.‬‬
‫)‪ (8‬اعتقاد أن دللة النص عارضها ما هو مساوٍ لها فيجب التوقف‪ ،‬أو عارضها‬
‫ما هو أقوى فيجب تقديمه‪ ،‬ولهذا أقسام متعددة)]‪ .([50‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫ة بحديث عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنهم‬ ‫ل‪ :‬لما حدث ابن عباس عائش َ‬ ‫أو ً‬
‫ــ أن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال‪)) :‬إن الميت ليعذب ببكاء أهله‬
‫عليه(()]‪ ،([51‬أنكرت ذلك وقالت‪":‬إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين ول‬
‫مكذبين‪ ،‬ولكن السمع يخطئ‪ ،‬يرحم الله عمر‪ ،‬ل والله ما قاله رسول الله ــ‬
‫صلى الله عليه وسلم ــ قط إن الميت يعذب ببكاء أحد‪ ،‬ولكنه قال‪ :‬إن‬
‫الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذابا وإن الله لهو )أضحك وأبكى()]‪) ،([52‬ول‬
‫تزر وازرة وزر أخرى()]‪ ،([54])"([53‬فأنكرت عائشة ــ رضي الله عنها ــ‬
‫تحديث النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ بمثل هذا الحديث ظنا ً منها أنه‬
‫يخالف مقتضى القرآن الكريم‪ ،‬ومن ثم اختلف العلماء أيضا في معنى هذا‬
‫الحديث على أقوال‪ ،‬ليس هذا موضع بسطها)]‪.([55‬‬
‫ثانيًا‪ :‬اختلف العلماء في الجمع بين قوله تعالى‪) :‬ول تنكحوا المشركات حتى‬
‫يؤمن()]‪ ،([56‬وبين قوله تعالى‪) :‬والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من‬
‫قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن()]‪ ،([57‬فالية الولى تحرم على المسلمين‬
‫نكاح المشركات‪ ،‬والية الثانية تحلل نكاح الكتابيات‪ ،‬وقد اختلف العلماء في‬
‫نكاح الكتابيات‪ ،‬فالجمهور على جوازه‪ ،‬استنادا لية المائدة‪ ،‬وقال بعض‬
‫العلماء ل يجوز نكاح الكتابيات استنادا لية البقرة‪ ،‬ظنا ً منهم أن آية المائدة‬
‫معارضة بآية أصرح منها وهي آية البقرة)]‪.([58‬‬
‫ثالثًا‪ :‬اختلف العلماء في الجمع بين قوله تعالى‪) :‬حرمت عليكم أمهاتكم‬
‫وبناتكم( إلى قوله‪) :‬وأن تجمعوا بين الختين()]‪ ،([59‬وبين قوله تعالى‪:‬‬
‫)والذين هم لفروجهم حافظون إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم‬
‫غير ملومين()]‪ ،([60‬فالية الولى بعمومها تحرم الجمع بين الختين مطلقا‪ً،‬‬
‫بعقد نكاح أو بملك يمين‪ ،‬والية الثانية استثنت ما ملكت اليمين مطلقًا‪ ،‬ولهذا‬
‫اختلف العلماء‪ ،‬فمنهم من حمل الية الولى على غير المملوكتين‪ ،‬فأجاز‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجمع بين الختين بملك اليمين‪ ،‬ومنهم من رأى أن الية الولى ناسخة‬
‫للثانية‪ ،‬فمنع الجمع بينهما بملك اليمين‪ ،‬فالفريق الثاني رأى أن الية الثانية‬
‫معارضة بآية أقوى منها من حيث الدللة فجعلها منسوخة)]‪.([61‬‬
‫ومن أغرب ما نقل في هذا المقام‪ ،‬أن المام مالكا ً قال‪":‬ل أعلم أحدا ً أجاز‬
‫شهادة العبد")]‪ ،([62‬هذا مع قول أنس ــ رضي الله عنه ــ‪":‬ل أعلم أحدا ً رد ّ‬
‫شهادة العبد")]‪ ،([63‬فإذا نظر المجتهد إلى أحد هذين النقلين ظن أن‬
‫المسألة من مسائل الجماع‪ ،‬ثم بنى على ذلك أحكاما كثيرة)]‪.([64‬‬
‫ثالثًا‪ :‬ومن أسباب الختلف فساد الطوية وسوء النية‬
‫ومن هذا القبيل عدة أمور من أهمها ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬البغي‪.‬‬‫أو ً‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله ــ وهو صاحب تجربة واسعة مع‬
‫المخالفين ــ‪" :‬وأنت إذا تأملت ما يقع من الختلف بين هذه المة‪ ،‬علمائها‬
‫وعبادها وأمرائها ورؤسائها؛ وجدت أكثره من هذا الضرب الذي هو البغي‬
‫بتأويل أو بغير تأويل كما بغت الجهمية على المستنة في محنة الصفات‬
‫والقرآن‪ ،‬محنة أحمد و غيره‪ ،‬وكما بغت الرافضة على المستنة مرات‬
‫متعددة‪ ،‬وكما بغت الناصبة على علي وأهل بيته‪ ،‬وكما قد تبغي المشبهة على‬
‫المنزهة‪ ،‬وكما قد يبغي بعض المستنة إما على بعضهم‪ ،‬وإما على نوع من‬
‫المبتدعة بزيادة على ما أمر الله به وهو السراف المذكور في قولهم‪) :‬ربنا‬
‫اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا(")]‪.([65‬‬
‫والبغي ينجم عن أمور من أهمها‪:‬‬
‫الهواء والشهوات‪:‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫الهواء والشهوات تدفع إلى ظلم الغير في سبيل تحصيل الشهوة فيقع‬
‫الخلف وينشأ الفتراق "فما يتنازع الناس إل حين تتعدد جهات القيادة‬
‫والتوجيه؛ وإل حين يكون الهوى المطاع هو الذي يوجه الراء والفكار‪ .‬فإذا‬
‫استسلم الناس لله ورسوله انتفى السبب الول الرئيسي للنزاع بينهم ــ‬
‫مهما اختلفت وجهات النظر في المسألة المعروضة ــ فليس الذي يثير النزاع‬
‫هو اختلف وجهات النظر‪ ،‬إنما هو الهوى الذي يجعل كل صاحب وجهة يصر‬
‫عليها مهما تبين له وجه الحق فيها! وإنما هو وضع "الذات" في كفة‪ ،‬والحق‬
‫في كفة؛ وترجيح الذات على الحق ابتداء!‪ ..‬ومن ثم جاء هذا التعليم بطاعة‬
‫الله ورسوله عند المعركة‪ ..‬إنه من عمليات "الضبط" التي ل بد منها في‬
‫َ‬
‫م‬‫ه ك َِثيًرا ل ّعَل ّك ُ ْ‬
‫ة َفاث ْب ُُتوا ْ َواذ ْك ُُروا ْ الل ّ َ‬ ‫م فِئ َ ً‬ ‫مُنوا ْ إ َِذا ل َ ِ‬
‫قيت ُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫المعركة‪َ) ..‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫صب ُِروا ْ إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫م َوا ْ‬ ‫حك ُ ْ‬‫ب ِري ُ‬ ‫شُلوا ْ وَت َذ ْهَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫عوا ْ فَت َ ْ‬‫ه وَل َ ت ََناَز ُ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬‫طيُعوا ْ الل ّ َ‬ ‫ن وَأ ِ‬
‫حو َ‬‫فل َ ُ‬‫تُ ْ‬
‫ن(‪.‬‬
‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬
‫معَ ال ّ‬
‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫الل َ‬
‫الشبهات‪:‬‬
‫قد تدفع نحو البغي الشبهات والتأولت الفاسدة‪ ،‬ومن أظهر ذلك ما سجله‬
‫التاريخ من تأولت الحجاج بن يوسف الثقفي والتي دفعته للولوغ في الدماء‪،‬‬
‫وحجته حفظ هيبة السلطان وتوطيد أركان دولة السلم‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الغرور بالنفس‪.‬‬
‫فالغرور بالنفس يولد العجاب بالرأي‪ ،‬والكبر على الخلق‪ ،‬فيصر النسان‬
‫على رأيه‪ ،‬ولو كان خطأ‪ ،‬ويستخف بأقوال الخرين‪ ،‬ولو كانت صوابًا‪،‬‬
‫فالصواب ما قاله‪ ،‬والخطأ ما قاله غيره‪ ،‬ولو ارعوى قليل ً واتهم نفسه‪ ،‬وعلم‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أنها أمارة بالسوء‪ ،‬لدفع كثيرا ً من الخلف والشقاق‪ ،‬ولكان له أسوة بنبينا ــ‬
‫صلى الله عليه وسلم ــ الذي قال الله تعالى له‪) :‬فبما رحمة من الله لنت‬
‫لهم ولو كنت فظا ً غليظ القلب لنفضوا من حولك()]‪ ،([66‬وإذا كانت صفة‬
‫التواضع ولين الجانب من أوائل صفات المؤمنين‪ ،‬فإنها في حق من انتصب‬
‫للعلم والدعوة والفتوى والتعليم أوجب وأكثر ضرورة وإلحاحًا)]‪.([67‬‬
‫ثالثًا‪ :‬سوء الظن بالخرين‪.‬‬
‫فهو ينظر لجميع الناس بالمنظار السود‪ ،‬فأفهامهم سقيمة‪ ،‬ومقاصدهم‬
‫سيئة‪ ،‬وأعمالهم خاطئة‪ ،‬ومواقفهم مريبة‪ ،‬كلما سمع من إنسان خيرا ً كذبه‪،‬‬
‫أو أّوله‪ ،‬وكلما ُذكر أحد بفضل طعنه وجرحه‪ ،‬اشتغل بالحكم على النيات‬
‫والمقاصد‪ ،‬فضل ً عن العمال والظواهر‪ ،‬والمصادرة للخر قبل معرفة رأيه‪،‬‬
‫أو سماع حجته)]‪ ،([68‬ثم هو ل يتوقف عند هذا الحد‪ ،‬بل لسانه طليق في‬
‫أعراض إخوانه‪ ،‬بسبهم‪ ،‬واتهامهم‪ ،‬وتجريحهم‪ ،‬وتتبع عثراتهم‪ ،‬فإن َتوّرع عن‬
‫الكلم في أعراض غيره من الفضلء‪ ،‬سلك طريق الجرح بالشارة‪ ،‬أو‬
‫الحركة‪ ،‬بما يكون أخبث وأكثر إقذاعًا‪ ،‬مثل‪ :‬تحريك الرأس‪ ،‬وتعويج الفم‪،‬‬
‫وصرفه‪ ،‬والتفاته‪ ،‬وتحميض الوجه‪ ،‬وتجعيد الجبين‪ ،‬وتكليح الوجه‪ ،‬والتغير‪،‬‬
‫والتضجر)]‪" .([69‬وأنت ترى هؤلء الجراح القصاب‪ ،‬كلما مر على مل من‬
‫الدعاة اختار منهم )ذبيحًا( فرماه بقذيفة من هذه اللقاب المرة‪ ،‬تمرق من‬
‫فمه مروق السهم من الرمية‪ ،‬ثم يرميه في الطريق‪ ،‬ويقول‪ :‬أميطوا الذى‬
‫عن الطريق فإنه من شعب اليمان!")]‪.([70‬‬
‫رابعًا‪ :‬حب الظهور بالجدل والمماراة‬
‫ً‬
‫ويكون دافع ذلك في الغالب هوى مطاعا‪ ،‬وقد يكون قلة الفقه أوالفراغ‬
‫وترك الشتغال بما ينفع‪.‬‬
‫وقد روى المام أحمد)]‪ ([71‬وغيره عن أبي أمامة قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪)) :‬ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إل أوتوا الجدل ثم‬
‫قرأ‪) :‬ما ضربوه لك إل جدل ً بل هم قوم خصمون(((‪.‬‬
‫قال المام أبو يوسف صاحب المام أبي حنيفة رحمهما الله‪" :‬الخصومة في‬
‫الدين بدعة‪ ،‬وما ينقض أهل الهواء بعضهم على بعض بدعة محدثة‪ .‬لو كانت‬
‫فضل ً لسبق إليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعهم‪ ،‬فهم‬
‫كانوا عليها أقوى ولها أبصر‪ .‬وقال الله تعالى‪) :‬فإن حاجوك فقل أسلمت‬
‫وجهي لله ومن اتبعن()]‪ ،([72‬ولم يأمره بالجدل‪ ،‬ولو شاء لنزل حججًا‪،‬‬
‫وقال له‪ :‬قل كذا وكذا")]‪.([73‬‬
‫وقال ابن قتيبة رحمه الله يصف الحال في أيام السلف عليهم الرحمة‬
‫والرضوان‪" :‬كان المتناظرون في الفقه يتناظرون في الجليل من الواقع‬
‫والمستعمل من الواضح وفيما ينوب الناس فينفع الله به القائل والسامع‪،‬‬
‫فقد صار أكثر التناظر فيما دق وخفي‪ ،‬وفيما ل يقع وفيما قد انقرض‪ ..‬وصار‬
‫الغرض فيه إخراج لطيفة‪ ،‬وغوصا ً على غريبة‪ ،‬وردا ً على متقدم‪..‬‬
‫وكان المتناظرون فيما مضى يتناظرون في معادلة الصبر بالشكر وفي‬
‫تفضيل أحدهما على الخر‪ ،‬وفي الوساوس والخطرات ومجاهدة النفس‬
‫وقمع الهوى فقد صار المتناظرون يتناظرون في الستطاعة والتولد والطفرة‬
‫والجزء والعرض والجوهر‪ ،‬فهم دائبون يخبطون في العشوات‪ ،‬قد تشعبت‬
‫بهم الطرق‪ ،‬قادهم الهوى بزمام الردى‪.([74])"..‬‬
‫فلما وقع الناس في الجدل تفرقت بهم الهواء‪ ،‬قال عمرو بن قيس)]‪:([75‬‬
‫قلت للحكم بن عتبة)]‪ :([76‬ما اضطر الناس إلى الهواء؟ قال‪:‬‬
‫الخصومات)]‪.([77‬‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫وقد روي عن أبي قلبة ــ وكان قد أدرك غير واحد من أصحاب رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬ل تجالسوا أصحاب الخصومات فإني ل آمن أن‬
‫يغمسوكم في ضللتهم‪ ،‬أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون)]‪.([78‬‬
‫قال معن بن عيسى‪" :‬انصرف مالك بن أنس رضي الله عنه يوما ً من‬
‫المسجد وهو متكئ على يدي‪ ،‬فلحقه رجل يقال له أبو الحورية‪ ،‬كان يتهم‬
‫بالرجاء‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا عبد الله! اسمع مني شيئا ً أكلمك به‪ ،‬وأحاجك وأخبرك‬
‫برأيي‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإن غلبتني؟‬
‫قال‪ :‬إن غلبتك اتبعني‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإن جاء رجل آخر فكلمنا فغلبنا؟‬
‫قال‪ :‬نتبعه!‬
‫فقال مالك رحمه الله‪ :‬يا عبد الله بعث الله عز وجل محمدا ً صلى الله عليه‬
‫وسلم بدين واحد وأراك تنتقل من دين إلى دين"‪.‬‬
‫وقال عمر بن عبد العزيز‪ :‬من جعل دينه غرضا ً للخصومات أكثر التنقل‪.‬‬
‫وجاء رجل إلى الحسن فقال‪ :‬يا أبا سعيد تعال حتى أخاصمك في الدين‪،‬‬
‫فقال الحسن‪ :‬أما أنا فقد أبصرت ديني‪ ،‬فإن كنت أضللت دينك فالتمسه)]‬
‫‪!([79‬‬
‫وإذا كان الجدل والمراء والخصومة في الدين مذمومة على كل حال فإنها‬
‫تتأكد في حق المقلدة والجهال‪.‬‬
‫ويتأكد ترك المراء والجدل في كل ما ل طائل من ورائه كملح العلوم‬
‫والنوادر‪ ،‬وما ل يثمر عمل ً غير السفسطة والتلسن‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬هذا السبب من أعظم أسباب الختلف المذموم‪ ،‬بل ل يكاد ينجم عنه‬
‫اختلف يحمد‪ ،‬ولعله عامل رئيس في إذكاء نار الفرقة والفتنة بين المسلمين‪،‬‬
‫ولسيما أن التنظير العلمي مستقر عند كثيرين ولكن على الرغم من ذلك‬
‫يقع الفتراق لوقوع الخلل في هذا الجانب‪ ،‬والله المستعان‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬ومن عوامل الختلف والتفرق‪ :‬التعصب‬
‫سواء كان سياسيا ً أو مذهبيا ً أو حزبيا ً أو لفراد ورموز‪ ،‬وسواء كان لفرط حب‬
‫أو فرط بغض‪.‬‬
‫إن التعصب ران يطغى على القلب والعقل فيحجبهما‪ ،‬ومهما عرضت على‬
‫المتعصب من الحجج والبراهين فلن يراها‪.‬‬
‫ً‬
‫يقول الماوردي رحمه الله‪" :‬ولقد رأيت من هذه الطبقة رجل يناظر في‬
‫مجلس حفل وقد استدل عليه الخصم بدللة صحيحة فكان جوابه عنها أن‬
‫قال‪ :‬إن هذه دللة فاسدة‪ ،‬وجه فسادها أن شيخي لم يذكرها وما لم يذكره‬
‫الشيخ ل خير فيه‪ .‬فأمسك عنه المستدل تعجبًا‪ ،‬ولن شيخه كان محتشمًا‪.‬‬
‫وقد حضرت طائفة يرون فيه مثل ما رأى هذا الجاهل‪ ,‬ثم أقبل المستدل‬
‫ي وقال لي‪ :‬والله لقد أفحمني بجهله وصار سائر الناس المبرئين من هذه‬ ‫عل ّ‬
‫الجهالة ما بين مستهزئ ومتعجب‪ ,‬ومستعيذ بالله من جهل مغرب")]‪.([80‬‬
‫وما أقبح هذا الجهل يوم يسري إلى طوائف تعد ّ نفسها في عداد العاملين‬
‫للسلم الذائدين عن حياضه‪ ،‬ويزداد هذا القبح يوم يزعم أصحابها أنهم أهل‬
‫الفكر المستنير والعقول غير المنغلقة! ويتضاعف القبح يوم ينتسبون إلى‬
‫السلف أو السنة‪ ،‬والسلف والسنة من هذا التعصب المقيت براء‪.‬‬
‫يقول المام العلم ابن تيمية ممتدحا ً الئمة العلم‪" :‬فأئمة الدين هم على‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منهاج الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين‪ ،‬والصحابة كانوا مؤتلفين متفقين‪،‬‬
‫وإن تنازعوا في بعض فروع الشريعة في الطهارة أو الصلة أو الحج أو‬
‫الطلق أو الفرائض أو غير ذلك فإجماعهم حجة قاطعة‪ .‬ومن تعصب لواحد‬
‫بعينه من الئمة دون الباقين فهو بمنزلة من تعصب لواحد بعينه من الصحابة‬
‫دون الباقين‪ .‬كالرافضي الذي يتعصب لعلي دون الخلفاء الثلثة وجمهور‬
‫الصحابة‪ .‬وكالخارجي الذي يقدح في عثمان وعلي رضي الله عنهما‪ ،‬فهذه‬
‫طرق أهل البدع والهواء الذين ثبت بالكتاب والسنة والجماع أنهم‬
‫مذمومون‪ ،‬خارجون عن الشريعة والمنهاج الذي بعث الله به رسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ .‬فمن تعصب لواحد من الئمة بعينه ففيه شبه من هؤلء‪،‬‬
‫سواء تعصب لمالك أو الشافعي أو أبي حنيفة أو أحمد أو غيرهم‪ .‬ثم غاية‬
‫المتعصب لواحد منهم أن يكون جاهل ً بقدره في العلم والدين‪ ,‬وبقدر‬
‫الخرين‪ ،‬فيكون جاهل ً ظالمًا‪ ،‬والله يأمر بالعلم والعدل‪ ،‬وينهى عن الجهل‬
‫والظلم‪ .‬قال تعالى‪) :‬وحملها النسان إنه كان ظلوما ً جهول ً ليعذب الله‬
‫المنافقين والمنافقات( إلى آخر السورة‪ .‬وهذا أبو يوسف ومحمد‪ ،‬أتبع الناس‬
‫لبي حنيفة وأعلمهم بقوله‪ ،‬وهما قد خالفاه في مسائل ل تكاد تحصى‪ ،‬لما‬
‫تبين لهما من السنة والحجة ما وجب عليهما اتباعه‪ ،‬وهما مع ذلك معظمان‬
‫لمامهما‪ .‬ل يقال فيهما مذبذبان؛ بل أبو حنيفة وغيره من الئمة يقول القول‬
‫ثم تتبين له الحجة في خلفه فيقول بها‪ ،‬ول يقال له مذبذب؛ فإن النسان ل‬
‫يزال يطلب العلم واليمان‪ .‬فإذا تبين له من العلم ما كان خافيا ً عليه اتبعه‪،‬‬
‫وليس هذا مذبذبًا؛ بل هذا مهتد زاده الله هدى‪ .‬وقد قال تعالى‪) :‬وقل رب‬
‫زدني علمًا(‪ .‬فالواجب على كل مؤمن موالة المؤمنين‪ ،‬وعلماء المؤمنين‪،‬‬
‫وأن يقصد الحق ويتبعه حيث وجده‪ ،‬ويعلم أن من اجتهد منهم فأصاب فله‬
‫أجران‪ ،‬ومن اجتهد منهم فأخطأ فله أجر لجتهاده‪ ،‬وخطؤه مغفور له")]‪.([81‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫وأما أمراض الحزبية الضيقة التي تحصر الخوة السلمية في حدود النتماء‬
‫والولء ولو في الظاهر فكأنما كانت لها جذور منذ زمن ابن تيمية رحمه الله‬
‫حيث أشار إليها بقوله‪" :‬وأما رأس الحزب فإنه رأس الطائفة التي تتحزب أي‬
‫تصير حزبًا‪ ،‬فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ول‬
‫نقصان فهم مؤمنون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم‪ ،‬وإن كانوا قد زادوا في‬
‫ذلك ونقصوا مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل والعراض‬
‫عمن لم يدخل في حزبهم سواء كان على الحق والباطل‪ ،‬فهذا من التفرق‬
‫الذي ذمه الله تعالى ورسوله‪ ،‬فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والئتلف ونهيا‬
‫عن التفرقة والختلف‪ ،‬وأمرا بالتعاون على البر والتقوى ونهيا عن التعاون‬
‫على الثم والعدوان")]‪.([82‬‬
‫خامسًا‪ :‬عوامل خارجية قادت إلى تفاقم الختلف‬
‫وتتلخص في الحضارات والديانات التي ناصبت السلم العداء في القديم أو‬
‫الحديث‪ ،‬وحتى ل يتشعب الحديث أتناول بالبيان الثر النصراني فأقول‪:‬‬
‫لقد جاء السلم فألف بين أشتات العرب‪ ،‬بل ألف بين أهل الخير من‬
‫العالمين‪ ،‬فبلل رضي الله عنه حبشي‪ ،‬وصهيب رومي‪ ،‬وسلمان فارسي‪،‬‬
‫ومحمد بن إسماعيل شيخ المحدثين بخاري‪ ،‬وصلح الدين اليوبي بطل‬
‫الحروب الصليبية كردي‪ ،‬ومحمد بن إسحاق أول من دّون السيرة النبوية‬
‫فارسي‪ ،‬والطبري شيخ المؤرخين والمفسرين تركي‪ ،‬وإذا نظرت في سير‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تراجم أعلم السلم ومبدعيه وجدتهم من أقطار الرض وأطرافها‪.‬‬


‫ومع ائتلف هذه الخبرات المتنوعة وانسجامها ازدهرت حضارة السلم‬
‫وقويت شوكة أهله‪.‬‬
‫وكان لهذا الئتلف أثر في صد ّ الغزو الصليبي عن بلد المسلمين على مر‬
‫التاريخ‪ ،‬وباسترجاع سير أولئك الذين وقفوا في وجه المد الصليبي تتضح هذه‬
‫الحقيقة بجلء ولعل أشهر نموذج هو صلح الدين اليوبي عليه رحمة الله‪.‬‬
‫وقد أدرك أعداء السلم من النصارى واليهود هذه الحقيقة‪ ،‬فكانت الخطوة‬
‫الولى التي قاموا بها من أجل السيطرة على بلد السلم وجعلها تابعة ذليلة‬
‫هي العمل على تفكيك وحدتهم كما أشار قساوسة النصارى ورهبانهم‪.‬‬
‫ومن بعض أقوالهم في ذلك ما يلي)]‪:([83‬‬
‫")‪ (1‬يقول القس سيمون‪:‬‬
‫إن الوحدة السلمية تجمع آمال الشعوب السلمية‪ ،‬وتساعد التملص من‬
‫السيطرة الوربية‪ ،‬والتبشير عامل مهم في كسر شوكة هذه الحركة‪ ،‬من‬
‫ول بالتبشير اتجاه المسلمين عن الوحدة السلمية‪.‬‬ ‫أجل ذلك يجب أن نح ّ‬
‫)‪ (2‬ويقول المبشر لورنس براون‪:‬‬
‫ة على العالم‬ ‫إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية‪ ،‬أمكن أن يصبحوا لعن ً‬
‫وخطرًا‪ ،‬أو أمكن أن يصبحوا أيضا ً نعمة له‪ ،‬أما إذا بقوا متفرقين‪ ،‬فإنهم‬
‫يظلون حينئذ بل وزن ول تأثير‪.‬‬
‫ويكمل حديثه‪:‬‬
‫يجب أن يبقى العرب والمسلمون متفرقين‪ ،‬ليبقوا بل قوة ول تأثير‪.‬‬
‫)‪ (3‬ويقول أرنولد توينبى في كتابه السلم والغرب والمستقبل‪:‬‬
‫إن الوحدة السلمية نائمة‪ ،‬لكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد‬
‫يستيقظ‪.‬‬
‫)‪ (4‬وقد فرح غابرائيل هانوتو وزير خارجية فرنسا حينما انحل رباط تونس‬
‫الشديد بالبلد السلمية‪ ،‬وتفلتت روابطه مع مكة‪ ،‬ومع ماضيه السلمي‪ ،‬حين‬
‫فرض عليه الفرنسيون فصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية‪.‬‬
‫)‪ (5‬من أخطر ما نذكره من أخبار حول هذه النقطة هو ما يلي‪:‬‬
‫في سنة ‪ 1907‬عقد مؤتمر أوربي كبير‪ ،‬ضم أضخم نخبة من المفكرين‬
‫والسياسيين الوربيين برئاسة وزير خارجية بريطانيا الذي قال في خطاب‬
‫الفتتاح‪:‬‬
‫إن الحضارة الوروبية مهددة بالنحلل والفناء‪ ،‬والواجب يقضى علينا أن‬
‫نبحث في هذا المؤتمر عن وسيلة فعالة تحول دون انهيار حضارتنا‪.‬‬
‫واستمر المؤتمر شهرا ً من الدراسة والنقاش‪.‬‬
‫واستعرض المؤتمرون الخطار الخارجية التي يمكن أن تقضى على الحضارة‬
‫الغربية الفلة‪ ،‬فوجدوا أن المسلمين هم أعظم خطر يهدد أوربا‪.‬‬
‫فقرر المؤتمرون وضع خطة تقضي ببذل جهودهم كلها لمنع إيجاد أي اتحاد أو‬
‫اتفاق بين دول الشرق الوسط‪ ،‬لن الشرق الوسط المسلم المتحد يشكل‬
‫الخطر الوحيد على مستقبل أوربا‪.‬‬
‫وأخيرا ً قرروا إنشاء قومية غربية معادية للعرب والمسلمين شرقي قناة‬
‫السويس‪ ،‬ليبقى العرب متفرقين‪.‬‬
‫وبذا أرست بريطانيا أسس التعاون والتحالف مع الصهيونية العالمية التي‬
‫كانت تدعو إلى إنشاء دولة يهودية في فلسطين"‪.‬‬
‫وقد ترجم المنصرون وأتباعهم تلك التصورات إلى حركات ونعرات عنصرية‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أو قومية نجحت في التأليب على دولة الخلفة السلمية وفي تفكيك عرى‬
‫الخوة بين المؤمنين‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫وإذا تأملت رواد حركة القومية العربية وجدت "كثرة كبيرة من رجال الرعيل‬
‫الول في هذه الحركة وفي هذا البعث من مسيحيي لبنان‪ ،‬مثل البستاني‬
‫ميل وتقل ومشاقة وزيدان‬ ‫واليازجي والشدياق وأديب إسحاق ونقاش وش ّ‬
‫ونمر وصروف‪ .‬وأغلبهم ممن اتصلوا بالرساليات النجيلية المريكية التي‬
‫بدأت تتوارد على بيروت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لنشر‬
‫مذهبهم البروتستنتي‪ .‬وأكثرهم في الوقت نفسه قد رموا بالماسونية‪،‬‬
‫فإبراهيم اليازجي )‪1906 – 1847‬م( وأبوه ناصيف اليازجي )‪– 1800‬‬
‫‪1871‬م( كانا على صلة حسنة بالرساليات المريكية النجيلية‪ ،‬وكانا يترددان‬
‫على مطبعتهم في بيروت التي كان يشرف عليها وقتذاك الدكتور فانديك‪.‬‬
‫وقد علم اليازجي الكبير في مدارسهم‪ ،‬وأعان ابنه في ترجمتهم التوراة إلى‬
‫العربية‪ ،‬ثم قدم بعد ذلك إلى مصر ومات بها‪ ،‬واحتفلت المحافل الماسونية‬
‫في القاهرة والسكندرية بتأبينه‪ ،‬وهو صاحب قصيدتين مشهورتين في‬
‫استنهاض همم العرب ودعوتهم إلى إحياء أمجاد آبائهم‪ ،‬ورفض التجبر‬
‫والستبداد‪ ،‬وفيهما دعا قومه من العرب إلى الثورة على التراك‪ ،‬وختم‬
‫قصيدته مهددا ً الترك بقوله‪:‬‬
‫ومن مؤسسي هذه الدعوة أيضا ً بطرس البستاني )‪1883 – 1819‬م(‪ ،‬وقد‬
‫كان أيضا ً على صلة بدعاة المذهب النجيلي والبروتستانت من المريكان‪،‬‬
‫وتولى منصب الترجمة في قنصلية أمريكا ببيروت‪ .‬وأعان الدكتور سمث‬
‫المبشر المريكي ثم الدكتور فانديك من بعده في الترجمة البروتستانتية‬
‫للتوراة التي تمت في سنة ‪1864‬م‪ ،‬ثم طبعت في أمريكا سنة ‪1866‬م‪.‬‬
‫وأعان الدكتور فانديك أيضا ً في إنشاء مدرسة عبية المريكية‪ ،‬وهي مدرسة‬
‫عليا ترجع أهميتها إلى أنها كانت تقوم بتدريس العلوم الحديثة من جغرافيا‬
‫وطبيعة وكيمياء ورياضة باللغة العربية‪ .‬وقد وضعت لذلك كتبا ً خاصة قامت‬
‫بطبعها‪ ،‬فشاركت بذلك في حركة الحياء العربية‪ ..‬ومن الذين شاركوا في‬
‫هذه الدعوة أيضا ً من مسيحيي لبنان فارس الشدياق )‪1887 – 1801‬م(‪،‬‬
‫الذي تسمى بعد إسلمه‪ ..‬بأحمد‪ ،‬واتبع المذهب النجيلي على يد المرسلين‬
‫المريكان‪ ،‬فتولوا حمايته من بطش رجال الكليروس الذين حبسوا أخاه‪،‬‬
‫وعذبوه حتى مات في سجنهم بسبب تغييره مذهبه‪ .‬حضر على نفقتهم إلى‬
‫مصر في أيام محمد علي‪ ،‬ثم طوف كثيرا ً بين دول أوروبا والستانة وتونس‬
‫ومصر‪ .‬ووصف كثيرا ً من هذه السفار في صحيفته )الجوائب( التي أصدرها‬
‫سنة ‪1277‬هـ‪ .‬وقد استدعته جمعية ترجمة التوراة البروتستانتية في لندن‬
‫سنة ‪1848‬م فأعان في ترجمتها إلى العربية‪ .‬وله كتب كثيرة تغلب عليها‬
‫النزعة اللغوية أهمها )سر الليال في القلب والبدال( و)الساق على الساق‬
‫فيما هو الفارياق( و)الجاسوس على القاموس(‪ .‬وله مع ذلك شعر كثير في‬
‫مدح سلطين آل عثمان وباي تونس‪ ،‬وهو صاحب المقامات التي نالت في‬
‫زمانها شهرة كبيرة‪ ،‬والمعروفة باسم )مجمع البحرين(‪.‬‬
‫ومن دعائم هذه الدعوة أيضا ً سليم تقل مؤسس صحيفة )الهرام( المصرية )‬
‫‪1892 – 1849‬م(‪ .‬تلقى علومه في مدرسة عبية التي أنشأها المبشر‬
‫المريكي الدكتور فانديك أحد مؤسسي الجامعة المريكية‪ ،‬التي بدأت سنة‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪1866‬م باسم )الكلية السورية النجيلية(‪.‬‬


‫ومنهم جرجي زيدان )‪1914 – 1861‬م( كان على صلة بالمبعوثين‬
‫المريكان‪ .‬وكان يدعى إلى احتفالت الخريجين بكليتهم‪ ،‬ثم التحق بالجامعة‬
‫المريكية سنة ‪1881‬م لدراسة الطب‪ ،‬وغادرها دون أن يتم دراسته في‬
‫العام التالي‪ .‬وهو صاحب المباحث المعروفة في اللغة العربية وآدابها‪.‬‬
‫ومؤلف سلسلة من القصص التاريخية العربية‪ ..‬ومنذ ذلك الوقت نشأت‬
‫التفرقة بين العروبة والسلم على يد هذه الطائفة من المفكرين والكتاب‬
‫من نصارى الشام")]‪.([84‬‬
‫ولما أضحت دعوة دعاة القومية بهذه المثابة هاجم الشاعر العراقي معروف‬
‫الرصافي دعاة الجامعة العربية حين عقدوا مؤتمرهم في باريس سنة‬
‫‪1913‬م بعد أن كان مؤيدا ً لهم بشد أزر دعوتهم بشعره‪ ،‬وذلك في قصيدته‬
‫)ما هكذا( التي بدأها بقوله‪:‬‬
‫أصبحت أوسعهم لوما ً وتثريبا ً **لما امتطوا غارب الفراط مركوبا ً‬
‫وفيها يقول‪:‬‬
‫قوَبا)]‪([85‬‬ ‫رج ال ُ‬ ‫ة ** لل ّ‬ ‫َ‬ ‫إني ُ‬
‫خ ِ‬
‫نت ُ‬
‫ةأ ْ‬ ‫شك ً‬‫شرِ مو ِ‬ ‫لبصر في )بيروت( قائ ِب َ ً‬
‫ز( تأل َّبهم ** ما كنت أحسبهم قوما ً مناكيبا‬ ‫لو كان في غير )باري ٍ‬
‫مُعها ** ترنو إلى الشام تصعيدا ً وتصويبا‬ ‫ِ‬ ‫مطا‬ ‫لكن )باريَز( مازالت‬
‫ل فيها والعراقيبا‬ ‫ل يوم في سياستها ** تلقي العراقي َ‬ ‫ولم تزل ك ّ‬
‫ك من الشام الهاضيبا‬ ‫هل يأمن القوم أن يحتل ساحتهم ** جيش َيد ّ‬

‫)‪(14 /‬‬

‫وما قاله تحقق فما انتهت الحرب العالمية الولى إل ّ والشام وغيرها من بلد‬
‫السلم موزعة بحسب القسمة التي تنبأ بها شكيب أرسلن في خطابه‬
‫الموجه إلى الشريف حسين حين بلغه عزمه على غزو سوريا مع جيوش‬
‫الحلفاء في الحرب العالمية الولى‪ .‬فأرسل ينهاه عن المضي فيما هو فيه‬
‫من دعوة زعماء السوريين للخروج على الدولة العثمانية‪ ،‬واللتحاق بالجيش‬
‫الحسيني العربي‪ ،‬ويحذره عاقبة هذه الغارات التي يضرب فيها العرب‬
‫بالعرب‪ ،‬فيقول له فيما يقول‪" :‬أتقاتل العرب بالعرب أيها المير‪ ،‬حتى تكون‬
‫ثمرة دماء قاتلهم ومقتولهم استيلء إنجلترا على جزيرة العرب‪ ،‬وفرنسا على‬
‫سورية‪ ،‬واليهود على فلسطين؟" ثم يخاطب القائمين بالدعوة قائ ً‬
‫ل‪" :‬قل‬
‫لهؤلء القائمين بالدعوة العربية‪ ،‬الناهضين لحفظ حقوقها وأخذ تاراتها‪ :‬ماذا‬
‫إلى اليوم أمنوا من حقوق العرب بقيامهم؟‬
‫يقولوا لنا‪ :‬ماذا أقاموا للعرب من الملك حتى نشكرهم‪ ،‬ونقر بفضلهم‪ ،‬لننا‬
‫عرب نحب كل من أحب العرب‪ ،‬ونبغض كل من أبغض العرب‪ ،‬ول نبالي‬
‫بالقيل والقال أمام الحقائق")]‪.([86‬‬
‫وحتى ل نستغرق في الستطراد نرجع فنؤكد على التأثير النصراني في تفرقة‬
‫المسلمين‪ ،‬وننبه إلى أنه لم يكن وليد العصر الحديث ولكنه اشتد ونجح في‬
‫القرون الخيرة فآتى أكله وثماره المريرة‪ ،‬ول يعني ذلك بحال عدم وجود‬
‫محاولت قديمة من النصارى لتفريق صف المسلمين بل كانت لهم صولت‬
‫وجولت كان لها أثرها الفعال في شق صف أمة السلم‪.‬‬
‫فـ "المراجع القديمة تثبت لنا أن القدرية أخذوا أقوالهم في القدر عن‬
‫النصرانية‪ ،‬وتذكر لنا اسمين ارتبط بهما شيوع ذلك التجاه ونقله إلى‬
‫المسلمين‪ ،‬وهما معبد الجهني وغيلن الدمشقي‪ ،‬قال ابن قتيبة رحمه الله‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن غيلن‪ :‬كان قبطيا ً قدريًا‪ ،‬لم يتكلم أحد في القدر قبله‪ ،‬ودعا إليه معبد‬
‫الجهني")]‪.([87‬‬
‫ونحوا ً مما ذكره ابن قتيبة نقل عن الوزاعي وابن نباتة والمقريزي وغيرهم‪.‬‬
‫فأثر النصارى في اختلف المسلمين قديم‪ ،‬وأما أثر اليهود فهو أظهر وأخطر‬
‫في القديم والحديث‪ ،‬ولعله ل يتسع المقام لبسطه‪ ،‬وقد ركزت على الثر‬
‫النصراني لخفائه عن البعض‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬آثار الفتراق المذموم‬
‫لن يتناول الحديث آثار الفتراق المحمود والذي مضت الشارة إليه‪ ،‬فالغالب‬
‫أن آثاره حميدة‪ ،‬ومنها التنوع في أساليب عرض الخير‪ ،‬وتعدد التخصصات‬
‫الدعوية والسلمية‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫ولكني سأتناول الثار السلبية للفتراق المذموم‪ ،‬ولن أطيل في تفصيلها‬
‫خاصة وأن الواقع يحكيها ويلقي دروسا ً مفصلة فيها ويشرحها شرحا ً مسهبا‪ً،‬‬
‫ولعل من أهمها ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬الضعف والعجز‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫والنتيجة الطبيعية لذلك تخلف النصر وفشل المة وعجزها‪ ،‬قال الله تعالى‪:‬‬
‫)وأطيعوا الله ورسوله ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله‬
‫مع الصابرين(‪.‬‬
‫عوا( تنازعا ً يوجب تشتت القلوب وتفرقها‪،‬‬ ‫قال ابن سعدي‪)" :‬وَل َ ت ََناَز ُ‬
‫م( أي‪ :‬تنحل عزائمكم‪ ،‬وتفرق قوتكم‪،‬‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫شُلوا ( أي‪ :‬تجبنوا )وَت َذ ْهَ َ‬
‫ب ِري ُ‬ ‫)فَت َ ْ‬
‫ف َ‬
‫ويرفع ما وعدتم به من النصر على طاعة الّله ورسوله")]‪.([88‬‬
‫وفي الية السابقة "عوامل النصر الحقيقية‪ :‬الثبات عند لقاء العدو‪ .‬والتصال‬
‫بالله بالذكر‪ .‬والطاعة لله والرسول‪ .‬وتجنب النزاع والشقاق‪ .‬والصبر على‬
‫تكاليف المعركة‪ .‬والحذر من البطر والرئاء والبغي‪.([89])"..‬‬
‫وقد علم العقلء بأن الجتماع سبب قوة ومنعة‪..‬‬
‫ثانيًا‪ :‬هلك المة‪:‬‬
‫صح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫))ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلفهم على‬
‫أنبيائهم‪ ،‬فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء‬
‫فدعوه(()]‪.([90‬‬
‫قال في تحفة الحوذي‪" :‬واختلفهم عطف على الكثرة ل على السؤال لن‬
‫نفس الختلف موجب للهلك بغير الكثرة")]‪.([91‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫قال ابن القيم رحمه الله‪" :‬وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هلك‬
‫المم من قبلنا إنما كان باختلفهم على أنبيائهم‪ ،‬وقال أبو الدرداء وأنس‬
‫وواثلة بن السقع‪)) :‬خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع‬
‫في شيء من الدين فغضب غضبا ً شديدا ً لم يغضب مثله‪ ،‬قال ثم انتهرنا‪ ،‬قال‬
‫يا أمة محمد ل تهيجوا على أنفسكم وهج النار‪ ،‬ثم قال أبهذا أمرتم؟ أو ليس‬
‫عن هذا نهيتم؟ إنما هلك من كان قبلكم بهذا((‪ .‬وقال عمرو بن شعيب عن‬
‫أبيه عن ابني العاص أنهما قال‪)) :‬جلسنا مجلسا ً في عهد رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم كأنه أشد اغتباطًا‪ ،‬فإذا رجال عند حجرة عائشة يتراجعون‬
‫في القدر فلما رأيناهم اعتزلناهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلف‬
‫الحجرة يسمع كلمهم‪ ،‬فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا ً‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ُيعرف في وجهه الغضب حتى وقف عليهم وقال‪ :‬يا قوم بهذا ضلت المم‬
‫قبلكم باختلفهم على أنبيائهم وضربهم الكتاب بعضه ببعض وإن القرآن لم‬
‫ينزل لتضربوا بعضه ببعض ولكن نزل القرآن يصدق بعضه بعضًا‪ ،‬ما عرفتم‬
‫منه فاعملوا به وما تشابه فآمنوا به ثم التفت فرآني أنا وأخي جالسين‬
‫فغبطنا أنفسنا أن ل يكون رآنا معهم((‪ ،‬قال البخاري‪ :‬رأيت أحمد بن حنبل‬
‫وعلي ابن عبد الله والحميدي وإسحاق بن إبراهيم يحتجون بحديث عمرو بن‬
‫شعيب عن أبيه عن جده‪ ،‬وقال أحمد بن صالح‪ :‬أجمع آل عبد الله على أنها‬
‫صحيفة عبد الله")]‪.([92‬‬
‫ثالثًا‪ :‬العقوبات المعنوية‪:‬‬
‫روى البخاري وغيره عن عبادة بن الصامت‪)) :‬أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم خرج يخبر بليلة القدر فتلحى رجلن من المسلمين فقال إني خرجت‬
‫لخبركم بليلة القدر وإنه تلحى فلن وفلن فرفعت(()]‪ ([93‬الحديث‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬وفيه أن المخاصمة والمنازعة مذمومة وأنها سبب للعقوبة‬
‫المعنوية")]‪ ،([94‬وقال ابن حجر‪" :‬قوله )فتلحى( بفتح الحاء المهملة مشتق‬
‫من التلحي بكسرها وهو التنازع والمخاصمة‪ ..‬قال القاضي عياض‪ :‬فيه دليل‬
‫على أن المخاصمة مذمومة‪ ،‬وأنها سبب في العقوبة المعنوية أي الحرمان")]‬
‫‪.([95‬‬
‫رابعًا‪ :‬الجهل بالحق والبعد عنه‪:‬‬
‫فإذا رأى طالب الحق أن أهله مختلفون فيه على أقوال عديدة‪ ،‬وكل طرف‬
‫منهم شط فيما اختار‪ ،‬التبس المر عليه وربما نفر من الحق وأهله جراء‬
‫اختلفهم‪.‬‬
‫ونتيجة هذا أن يعيش أهل الحق غربة بين الناس‪:‬‬
‫م‬ ‫ّ‬
‫حك ُ‬ ‫وأي اغتراب فوق غربتنا التي** لها أضحت العداء فينا ت َ َ‬
‫رابعًا‪ :‬نماذج تاريخية ومعاصرة لمآسي الفتراق‬
‫نموذج من الماضي‪ :‬افتراق الصحابة رضوان الله عليهم جميعا ً يوم الجمل‪:‬‬
‫ذكر الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية فصل في أعيان من قتل يوم الجمل‬
‫من السادة النجباء من الصحابة من الفريقين رضي الله عنهم أجمعين‪ ،‬وقال‬
‫دمنا أن عدة القتلى نحو من عشرة آلف‪ ،‬وأما الجرحى فل‬ ‫فيه‪" :‬وقد ق ّ‬
‫يحصون كثرة ")]‪.([96‬‬
‫منهم المبشر بالجنة طلحة بن عبيد الله‪ ،‬وحواري رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم الزبير بن العوام‪ ،‬وعمار بن يسار رضي الله عنهم أجمعين‪.‬‬
‫ومما نجم عنها غرس بذرة الرفض وفي مقابلها بدعة النصب‪ ،‬وكذلك خروج‬
‫الخوارج الذين عانت أمة السلم من بغيهم قرون عددًا‪ ،‬ول يزالون يتجددون‬
‫حينا ً بعد حين‪.‬‬
‫ور ذلك ابن كثير‬ ‫هذا مع أن قصد المختلفين ومرادهم هو تحصيل الخير‪ ،‬يص ّ‬
‫فيما نقل حيث يقول‪" :‬وقد طاف علي بين القتلى فجعل كلما مر برجل‬
‫يعرفه ترحم عليه ويقول ‪ :‬يعز علي أن أرى قريشا ً صرعى ‪.‬‬
‫وقد مّر على ما ذكر على طلحة بن عبيد الله وهو مقتول‪ ،‬فقال ‪ :‬لهفي عليك‬
‫يا أبا محمد‪ ،‬إنا لله وإنا إليه راجعون‪ ،‬والله لقد كنت كما قال الشاعر ‪:‬‬
‫ى كان ُيدنيه الِغنى من صديقه** إذا ما هو استغنى وُيبعده الفقُر‬ ‫فت ً‬
‫ً‬
‫وأقام علي بظاهر البصرة ثلثا‪ ،‬ثم صلى على القتلى من الفريقين‪ ،‬وخص‬
‫قريشا ً بصلة من بينهم‪ ،‬ثم جمع ما وجد لصحاب عائشة في المعسكر‪ ،‬وأمر‬
‫به أن يحمل إلى مسجد البصرة‪ ،‬فمن عرف شيئا ً هو لهلهم فليأخذه‪ ،‬إل‬
‫سلحا ً كان في الخزائن عليه سمة السلطان ‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكان مجموع من قتل يوم الجمل من الفريقين عشرة آلف‪ ،‬خمسة من‬
‫هؤلء وخمسة من هؤلء‪ ،‬رحمهم الله‪ ،‬ورضي عن الصحابة منهم ")]‪.([97‬‬
‫وقال‪" :‬وقد ُرِوي من غير وجهٍ عن علي رضي الله عنه أنه قال‪ :‬إني لرجو‬
‫أن أكون أنا وطلحة والزبير وعثمان ممن قال الله‪) :‬ونزعنا ما في صدورهم‬
‫ل إخوانا ً على ُ‬
‫سُررٍ متقابلين(")]‪.([98‬‬ ‫من ِغ ّ‬
‫نموذج من الحاضر‪ :‬افتراق المسلمين في أفغانستان والعراق‪:‬‬
‫هل كان من المتصور ظهور المريكان في أفغانستان والعراق لول افتراق‬
‫المسلمين‪ ،‬واستعانتهم ببعضهم في ضرب بعض؟‬
‫وهل كان بإمكانهم البقاء محتلين غاصبين لو ل افتراق المسلمين؟‬
‫كرا ً بقول رب العالمين‪:‬‬
‫أترك الجواب للحاضرين مذ ّ‬

‫)‪(16 /‬‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬ ‫منك َرِ وَت ُؤْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن عَ َ ِ‬ ‫ف وَت َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫س ت َأ ُ‬ ‫ت ِللّنا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫مةٍ أ ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫خي َْر أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫) ُ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ن وَأك ْث َُرهُ ُ‬ ‫مُنو َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫من ْهُ ُ‬ ‫خي ًْرا ل ُّهم ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ب لَ َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ِبالل ّهِ وَل َوْ آ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت عَل َي ْهِ ُ‬
‫م‬ ‫ضرِب َ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل َ ُين َ‬ ‫م الد َُباَر ث ُ ّ‬ ‫م ي ُوَّلوك ُ ُ‬ ‫قات ُِلوك ُ ْ‬ ‫م إ ِل ّ أًذى وَِإن ي ُ َ‬ ‫ضّروك ُ ْ‬ ‫َلن ي َ ُ‬
‫َ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫ب ّ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ؤوا ب ِغَ َ‬ ‫س وََبآ ُ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ّ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬
‫حب ْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫حب ْ ٍ‬ ‫فوا ْ إ ِل ّ ب ِ َ‬ ‫ما ث ُقِ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ة أي ْ َ‬ ‫الذ ّل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن النب َِياء‬ ‫قت ُُلو َ‬‫ت الل ّهِ وَي َ ْ‬ ‫ن ِبآَيا ِ‬ ‫فُرو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َك ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ة ذ َل ِ َ‬ ‫سك َن َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ضرِب َ ْ‬ ‫وَ ُ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫دو‬ ‫ت‬
‫ّ ُ ََْ ُ َ‬‫ع‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ا‬‫نو‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫و‬ ‫صوا‬ ‫َ‬
‫ب ِغَي ْ ِ َ ّ ِ ِ َ َ َ‬
‫ع‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ر‬
‫هذا ما تيسر جمعه في عجالة‪ ،‬أسأل الله أن ينفع به‪ ،‬وأن يرزقنا وإياكم العلم‬
‫والعمل‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)]‪ ([1‬الصواعق المرسلة ‪.2/519‬‬
‫)]‪ ([2‬الصواعق المرسلة لبن القيم ‪.218-2/214‬‬
‫)]‪ ([3‬الموسوعة الفقهية ‪.2/295‬‬
‫)]‪ ([4‬الصواعق ‪.2/219‬‬
‫)]‪ ([5‬الموسوعة الفقهية ‪.293-2/292‬‬
‫)]‪ ([6‬ينظر كذلك فقه الئتلف لمحمود الخزندار ص ‪.34‬‬
‫)]‪ ([7‬الفتاوى ‪.13/345‬‬
‫)]‪ ([8‬الفتاوى ‪.13/367‬‬
‫)]‪ ([9‬إغاثة اللهفان ص ‪.369‬‬
‫)]‪ ([10‬في أصل الموسوعة الفروع‪ ،‬وهذا محل نظر وإن جرى على ألسنة‬
‫المتكلمين وقد بين ذلك المحققين من أهل العلم‪.‬‬
‫)]‪ ([11‬الموسوعة الفقهية ‪2/293‬ــ ‪ 294‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫)]‪ ([12‬الممتع شرح زاد المستقنع لبن عثيمين كتاب الطهارة‪.‬‬
‫)]‪ ([13‬البحر الرائق لبن نجيم ‪.4/55‬‬
‫)]‪ ([14‬منح الجليل شرح مختصر خليل‪ ،‬لعليش ‪.2/222‬‬
‫)]‪ ([15‬المجموع ‪.4/212‬‬
‫)]‪ ([16‬قواعد الحكام للعز بن عبد السلم‪.1/253 ،‬‬
‫)]‪ ([17‬نقل المام ابن تيمية تضعيفه عن الئمة في منهاج السنة ‪،4/238‬‬
‫وقال الحافظ العراقي في مختصر المنهاج‪ :‬إسناده ضعيف من أجل حمزة‬
‫فقد اتهم بالكذب‪ ،‬ص ‪ .55‬وقد حكم اللباني بوضعه في غير موضع انظر‬
‫الضعيفة ‪.58‬‬
‫)]‪ ([18‬ذكر اللباني أنه موضوع ل سند له انظر ضعيف الجامع ‪ ،230‬وبداية‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السول ص ‪ ،19‬وقد ذكر الحافظ العراقي أثر‪ :‬اختلف أصحابي لمتي رحمة‪،‬‬
‫وحكم بأنه مرسل ضعيف‪ ،‬مختصر المنهاج ص ‪.60‬‬
‫)]‪ ([19‬الموسوعة الفقهية ‪ 296-2/295‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫)]‪ ([20‬الصواعق ‪.2/519‬‬
‫)]‪ ([21‬ممن ضعفها اللباني في الرواء ‪ ،6/348‬وألف فيها نزار عرعور‬
‫رسالة بعنوان القول المعتبر وبّين ضعفها‪ ،‬وكذلك أفرد لها مقال ً يوسف‬
‫العتيق في كتابه قصص ل تثبت ص ‪ ،27‬على أن بعضهم صححها ومنهم‬
‫مصطفى العدوي في كتابه جامع أحكام النساء ‪ .3/301‬ولعل الصواب أن‬
‫القصة ل تتقوى بالشواهد التي ذكروها فهي إما معضلة أو في أسانيدها‬
‫ضعاف ل يحتمل جبر مروياتهم‪ ،‬وبخاصة الثار التي ورد فيها قول عمر رضي‬
‫الله عنه‪ :‬أخطأ عمر وأصابت امرأة‪.‬‬
‫)]‪ ([22‬العتصام ‪.2/172‬‬
‫)]‪ ([23‬العتصام ‪ 2/183‬باختصار يسير‪.‬‬
‫)]‪ ([24‬العتصام ‪ 173-2/172‬باختصار يسير‪.‬‬
‫)]‪ ([25‬جامع بيان العلم وفضله ص ‪.578‬‬
‫)]‪ ([26‬ملخص من الصواعق المرسلة ‪ 632-2/542‬وزيدت عليه صور من‬
‫مصادر أشير إليها في موضعها‪.‬‬
‫)]‪ ([27‬انظر مجموع الفتاوى ‪ ،20/233‬وانظر النكار في مسائل الخلف ص‬
‫‪ ،16‬للدكتور عبد الله بن عبد المحسن الطريقي‪.‬‬
‫)]‪ ([28‬مجموع الفتاوى ‪.20/233‬‬
‫)]‪ ([29‬سنن أبي داود‪ ،‬كتاب الفرائض‪ ،‬باب في الجدة‪ ،3/121 ،‬برقم‬
‫‪ .2894‬أبو داود سليمان بن الشعث‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬مراجعة‪ :‬محمد محيي الدين‬
‫عبد الحميد‪ .‬سنن ابن ماجة‪ ،‬أبواب الفرائض‪ ،‬باب ميراث الجدة‪.2/163 ،‬‬
‫سنن الترمذي‪ ،‬أبواب الفرائض‪ ،‬باب ما جاء في ميراث الجدة‪ ،4/420 ،‬برقم‬
‫‪ .2101‬وقال الحافظ في تلخيص الحبير ‪" :3/82‬إسناده صحيح لثقة رجاله‪،‬‬
‫إل أن صورته مرسل؛ فإن قبيصة ل يصح له سماع من الصديق‪ ،‬ول يمكن‬
‫شهوده للقصة قاله ابن عبد البر بمعناه‪ ،‬وقد اختلف في مولده‪ ،‬والصحيح أنه‬
‫ولد عام الفتح‪ ،‬فيبعد شهوده القصة‪ ،‬وقد أعله عبد الحق تبعا ً لبن حزم‬
‫بالنقطاع‪ ،‬وقال الدارقطني في العلل بعد أن ذكر الختلف فيه عن الزهري‬
‫يشبه أن يكون الصواب قول مالك ومن تابعه"‪.‬‬
‫)]‪ ([30‬صحيح البخاري كتاب الستئذان ــ باب التسليم واستئذان ثلثًا‪ ،‬انظر‬
‫الفتح ‪ 26 / 11‬برقم ‪ ،6245‬صحيح مسلم كتاب الداب ــ باب الستئذان‪،‬‬
‫انظر شرح النووي ‪ 381 / 7‬برقم ‪.2154‬‬
‫)]‪ ([31‬سورة يوسف‪.76 :‬‬
‫)]‪ ([32‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الطب ــ باب ما يذكر في الطاعون‪ ،‬انظر‬
‫الفتح ‪ 10/179‬برقم ‪ ،5729‬صحيح مسلم كتاب السلم ــ باب الطاعون‬
‫والطيرة والكهانة ونحوها‪ ،‬انظر شرح النووي ‪ 7/460‬ــ ‪ 462‬برقم ‪.2219‬‬
‫)]‪ ([33‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الحيض ــ باب المرأة تحيض بعد الفاضة‪ ،‬انظر‬
‫الفتح ‪ 1/428‬برقم ‪.330‬‬
‫)]‪ ([34‬سنن أبي داود‪ ،‬كتاب الفرائض ــ باب في المرأة ترث من دية زوجها‪،‬‬
‫‪ 3/129‬برقم ‪ ،2927‬سنن الترمذي‪ ،‬كتاب الفرائض ــ باب ما جاء في ميراث‬
‫المرأة من دية زوجها‪ 4/425 ،‬برقم ‪ ،2110‬وقال الترمذي‪" :‬حديث حسن‬
‫صحيح"‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫)]‪ ([35‬مجموع الفتاوى ‪.239 ،20/238‬‬


‫)]‪ ([36‬انظر الخلف بين العلماء أسبابه وموقفنا منه‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫)]‪ ([37‬قال النووي‪" :‬يعني المير والتابعين له‪ ،‬وفيه إشارة إلى إنكار‬
‫تأخيرهم الصلة "‪ ،‬انظر شرح النووي على مسلم ‪.3/20‬‬
‫)]‪ ([38‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب المساجد ومواضع الصلة ــ باب الندب إلى وضع‬
‫اليدي على الركب في الركوع ونسخ التطبيق‪ ،‬انظر شرح النووي ‪3/20‬‬
‫برقم ‪.534‬‬
‫)]‪ ([39‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب المساجد ومواضع الصلة ــ باب الندب إلى وضع‬
‫اليدي على الركب في الركوع ونسخ التطبيق‪ ،‬انظر شرح النووي ‪3/21‬‬
‫برقم ‪.535‬‬
‫)]‪ ([40‬انظر الهداية شرح بداية المبتدي ‪.1/106‬‬
‫)]‪ ([41‬الحديث رواه الدارقطني بسنده عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬إذا قهقه أعاد الوضوء وأعاد الصلة((‪،‬‬
‫ثم قال الدارقطني‪":‬فهذه أقاويل أربعة عن الحسن كلها باطلة؛ لن الحسن‬
‫إنما سمع هذا الحديث من حفص بن سليمان المنقري عن حفصة بنت‬
‫سيرين عن أبي العالية الرياحي مرسل ً عن النبي صلى الله عليه وسلم" ا‪.‬هـ‪،‬‬
‫انظر سنن الدارقطني‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب أحاديث القهقهة في الصلة‬
‫وعللها‪1/164 ،‬ــ ‪ ،165‬على بن عمر الدارقطني‪ ،‬مراجعة‪ :‬السيد عبد الله‬
‫هاشم يماني المدني‪ ،‬دار المحاسن للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة بدون‪،‬‬
‫والحديث له طرق أخرى‪ ،‬انظر نصب الراية للزيلعي مع الهداية ‪ 1/106‬ــ‬
‫‪.114‬‬
‫)]‪ ([42‬يشير ــ رحمه الله ــ إلى حديث عبد الله بن مسعود أن النبي ــ صلى‬
‫الله عليه وسلم ــ قال له ــ ليلة الجن ــ ))ما في إداوتك قال‪ :‬نبيذ‪ ،‬قال تمرة‬
‫طيبة وماء طهور((‪ ،‬مسند المام أحمد‪ ،‬مسند عبد الله بن مسعود‪1/663 ،‬‬
‫برقم ‪ .3800‬سنن أبي داود‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب الوضوء بالنبيذ‪،1/21 ،‬‬
‫برقم ‪ .84‬سنن ابن ماجة‪ ،‬كتاب الطهارة وسننها‪ ،‬باب الوضوء بالنبيذ‪،‬‬
‫‪ ،1/135‬برقم ‪ .384‬سنن الترمذي‪ ،‬أبواب الطهارة‪ ،‬باب ما جاء في الوضوء‬
‫بالنبيذ‪ ،1/147 ،‬برقم ‪ ،88‬قال الحافظ في الفتح ‪" :1/354‬وهذا الحديث‬
‫أطبق علماء السلف على تضعيفه"‪.‬‬
‫)]‪ ([43‬مجموع الفتاوى ‪.305 ،20/304‬‬
‫)]‪ ([44‬العتصام ‪2/293‬ــ ‪ 294‬باختصار‪.‬‬
‫)]‪ ([45‬صون المنطق ص ‪.15‬‬
‫)]‪ ([46‬أبو عثمان عمرو بن باب البصري ‪ 80‬ــ ‪ ،144‬أصله من الموالي‬
‫وولؤه لبني تميم‪ ،‬وهو شيخ المعتزلة‪.‬‬
‫)]‪ ([47‬أبو عمرو بن العلء التميمي المازني البصري ‪ 70‬ــ ‪ ،157‬شيخ قراء‬
‫العربية‪ ،‬اشتهر بالفصاحة والصدق وسعة العلم‪.‬‬
‫)]‪ ([48‬سير أعلم النبلء ‪ 6/408‬ــ ‪ ،409‬وقد ذكرها غير واحد من أهل‬
‫التراجم والخبار‪.‬‬
‫)]‪ ([49‬العتصام ‪.2/299‬‬
‫)]‪ ([50‬للستزادة في تفصيلها راجع الصواعق المحرقة لبن القيم ‪ 2/577‬ــ‬
‫‪.631‬‬
‫)]‪ ([51‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الجنائز ــ باب قول النبي ــ صلى الله عليه‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم ــ يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته‪ ،‬انظر‬
‫فتح الباري ‪ 3/151‬برقم ‪ .1286‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الجنائز ــ باب الميت‬
‫يعذب ببكاء أهله عليه‪ ،‬انظر شرح النووي ‪ 3/483‬برقم ‪.927‬‬
‫)]‪ ([52‬سورة النجم‪.43 :‬‬
‫)]‪ ([53‬سورة النعام‪.6 :‬‬
‫)]‪ ([54‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الجنائز ــ باب قول النبي ــ صلى الله عليه‬
‫وسلم ــ يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته‪ ،‬انظر‬
‫فتح الباري ‪ 3/151‬ــ ‪ 152‬برقم ‪ .1288‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب‬
‫الميت يعذب ببكاء أهله عليه‪ ،‬انظر شرح النووي ‪ 3/485‬ــ ‪ 486‬برقم ‪.928‬‬
‫)]‪ ([55‬انظر فتح الباري ‪ 3/152‬ــ ‪.156‬‬
‫)]‪ ([56‬سورة البقرة‪.221 :‬‬
‫)]‪ ([57‬سورة المائدة‪.5 :‬‬
‫)]‪ ([58‬انظر أسباب اختلف الفقهاء‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫)]‪ ([59‬سورة النساء‪.23 :‬‬
‫)]‪ ([60‬سورة المؤمنون‪.5،6 :‬‬
‫)]‪ ([61‬انظر أسباب اختلف الفقهاء‪ ،‬ص ‪.18 ،17‬‬
‫)]‪ ([62‬انظر الصواعق المرسلة ‪.2/583‬‬
‫)]‪ ([63‬المغني ‪.14/185‬‬
‫)]‪ ([64‬انظر مجموع الفتاوى ‪.20/248‬‬
‫)]‪ ([65‬الفتاوى ‪ 14/482‬ــ ‪.483‬‬
‫)]‪ ([66‬سورة آل عمران‪.159 :‬‬
‫)]‪ ([67‬أدب الخلف للقرني‪ ،‬ص ‪ 27‬ــ ‪ 29‬بتصرف‪.‬‬
‫)]‪ ([68‬أدب الخلف للقرني‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫)]‪ ([69‬انظر تصنيف الناس بين الظن واليقين ص ‪ 11‬بتصرف‪.‬‬
‫)]‪ ([70‬انظر تصنيف الناس بين الظن واليقين ص ‪ 22‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫)]‪ ([71‬المسند ‪ 2/252‬و ‪ 2/256‬وحسنه اللباني في غير موضع انظر صحيح‬
‫الجامع ‪.5633‬‬
‫)]‪ ([72‬سورة آل عمران‪.20:‬‬
‫)]‪ ([73‬الفتاوى ‪.16/476‬‬
‫)]‪ ([74‬الختلف في اللفظ ص ‪ 10‬ــ ‪.11‬‬
‫)]‪ ([75‬هو عمرو بن قيس الملئي أحد الثقات العباد‪ ،‬روى عن عطية العوفي‬
‫وغيره‪ ،‬توفي ‪146‬هـ‪.‬‬
‫)]‪ ([76‬هو أبو محمد الحكم بن عتبة الكندي الكوفي‪ ،‬ثقة ثبت فقيه‪ ،‬توفي‬
‫‪113‬هـ‪.‬‬
‫)]‪ ([77‬السنة لعبد الله بن المام أحمد ‪.1/137‬‬
‫)]‪ ([78‬سنن الدارمي ‪.1/120‬‬
‫)]‪ ([79‬راجع في النقول الثلثة السابقة الشريعة للجري ص ‪ 56‬ــ ‪.57‬‬
‫)]‪ ([80‬أدب الدنيا والدين ص ‪.70‬‬
‫)]‪ ([81‬الفتاوى ‪.22/252‬‬
‫)]‪ ([82‬الفتاوى ‪ ،11/92‬وينظر فقه الئتلف للخزندار‪.‬‬
‫)]‪ ([83‬مستقاة من كتاب‪ :‬قادة الغرب يقولون دمروا السلم أبيدوا أهله‪.‬‬
‫)]‪ ([84‬السلم والحضارة الغربية للدكتور محمد محمد حسين ص ‪225‬‬
‫باختصار وتصرف‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫)]‪ ([85‬لعله أراد بالقائبة التي تقوب‪ ،‬والتقويب فلق الطير بيضه‪ ،‬فشبه الشر‬
‫بتلك الحال للطائر‪ ،‬والقوبا‪ :‬الفراخ وأراد به طير الشر‪ .‬والعرب تقول‪:‬‬
‫ب‪ :‬أي بيضة من فرخ‪.‬‬ ‫ة من قُوَ ٍ‬
‫ت َقائ ِب َ ٌ‬ ‫خل ّ َ‬
‫ص ْ‬ ‫تَ َ‬
‫)]‪ ([86‬السلم والحضارة الغربية للدكتور محمد محمد حسين ص ‪225‬‬
‫بتصرف‪.‬‬
‫)]‪ ([87‬الماتوريدية للشيخ أحمد الحربي ص ‪.41‬‬
‫)]‪ ([88‬تيسير الكريم المنان في تفسير كلم الرحمن‪ ،‬سورة النفال‪.46 :‬‬
‫)]‪ ([89‬الظلل‪ ،‬سورة النفال‪ ،‬الية ‪.46‬‬
‫)]‪ ([90‬البخاري ‪ ،6/2658‬ومسلم ‪ ،2/975‬وغيرهما‪.‬‬
‫)]‪ ([91‬تحفة الحوذي ‪.7/372‬‬
‫)]‪ ([92‬إعلم الموقعين ‪.1/260‬‬
‫)]‪ ([93‬صحيح البخاري ‪.1/27‬‬
‫)]‪ ([94‬شرح النووي على مسلم ‪.8/63‬‬
‫)]‪ ([95‬الفتح ‪ 1/113‬باختصار‪ ،‬ومثلهما قال الشوكاني في النيل ‪.4/370‬‬
‫)]‪ ([96‬البداية والنهاية ‪.7/276‬‬
‫)]‪ ([97‬البداية والنهاية ‪.7/274‬‬
‫)]‪ ([98‬السابق ‪.7/249‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫ل‪ :‬مقدمات‪.‬‬ ‫أو ً‬


‫أقسام الختلف‪:‬‬
‫انقسام الختلف باعتبار ما يوجبه‬
‫انقسام الختلف باعتبار مدح أصحابه وذمهم‬
‫الختلف بين المشيئة الكونية والشرعية‪:‬‬
‫حكم الختلف في العمل السلمي؟‬
‫ثانيًا‪ :‬أسباب الفتراق‪.‬‬
‫من أسباب الختلف تفاوت الناس في العلم والمعرفة‬
‫الختلف في العلم بنصوص الوحيين أو دللتهما‬
‫ثالثًا‪ :‬ومن أسباب الختلف اتباع الشهوات أوالشبهات‬
‫ل‪ :‬مقدمات‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وبعد‪ ،‬فل يخفى على كل مسلم‬
‫بصير ما تعيشه أمة السلم من شتات وفرقة‪ ،‬واختلفات أوجبت عداوة‬
‫وشقاق‪ ،‬إذ تجاذبت أهلها الهواء‪ ،‬وتشعبت بهم البدع‪ ،‬وتفرقت بهم السبل‪،‬‬
‫فل عجب أن تراهم بين خصومة مذهبية‪ ،‬وحزبية فكرية‪ ،‬وتبعية غربية أو‬
‫ساد ُ ِفي ال ْب َّر‬ ‫ف َ‬ ‫شرقية‪ ..‬والنتيجة يخبر عنها قول المولى عز وجل‪) :‬ظ َهََر ال ْ َ‬
‫ن ظ َهََر‬ ‫َ‬
‫جُعو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫مُلوا ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ذي عَ ِ‬ ‫ض ال ّ ِ‬
‫قُهم ب َعْ َ‬ ‫ذي َ‬
‫س ل ِي ُ ِ‬
‫ِ‬ ‫دي الّنا‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫سب َ ْ‬‫ما ك َ َ‬
‫حرِ ب ِ َ‬‫َوال ْب َ ْ‬
‫مُلوا‬ ‫َ‬
‫ذي عَ ِ‬ ‫ض ال ّ ِ‬‫قُهم ب َعْ َ‬ ‫ذي َ‬
‫س ل ِي ُ ِ‬ ‫دي الّنا ِ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬‫حرِ ب ِ َ‬ ‫ساد ُ ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن(‪.‬‬‫جُعو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬‫ل َعَل ّهُ ْ‬
‫وإذا كان المسلمون اليوم يلتمسون الخروج من هذا المأزق فلسبيل إل ّ‬
‫بالعتصام بحبل الله المتين وصراطه المستقيم‪ ،‬مجتمعين غير متفرقين‪،‬‬
‫متعاضدين غير مختلفين‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويكون ذلك بتوحيد الهدف والغاية مع حسن النية وسلمة القصد قال ابن‬
‫القيم رحمه الله‪" :‬ووقوع الختلف بين الناس أمر ضروري ل بد منه لتفاوت‬
‫إرادتهم وأفهامهم وقوى إدراكهم ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض‬
‫وعدوانه وإل فإذا كان الختلف على وجه ل يؤدي إلى التباين والتحزب وكل‬
‫من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله لم يضر ذلك الختلف فإنه أمر ل بد‬
‫منه في النشأة النسانية ولكن إذا كان الصل واحدا والغاية المطلوبة واحدة‬
‫والطريق المسلوكة واحدة لم يكد يقع اختلف وإن وقع كان اختلفا ل يضر‬
‫كما تقدم من اختلف الصحابة فإن الصل الذي بنوا عليه واحد وهو كتاب الله‬
‫وسنة رسوله والقصد واحد وهو طاعة الله ورسوله والطريق واحد وهو‬
‫النظر في أدلة القرآن والسنة وتقديمها على كل قول ورأي وقياس وذوق‬
‫وسياسة")‪.(1‬‬
‫والختلف موضوع الحديث هو‪" :‬نقيض التفاق‪ .‬جاء في اللسان ما مفاده‪:‬‬
‫اختلف المران لم يتفقا‪ .‬وكل ما لم يتساو فقد اختلف‪ .‬والخلف‪ :‬المضادة‪،‬‬
‫وخالفه إلى الشيء عصاه إليه‪ ،‬أو قصده بعد أن نهاه عنه‪ .‬ويستعمل الختلف‬
‫عند الفقهاء بمعناه اللغوي وكذلك الخلف"وبعض الفقهاء فرق بين الختلف‬
‫والخلف باصطلحات خاصة‪ ،‬أما ")الفتراق( )والتفرق( )والفرقة( فبمعنى أن‬
‫يكون كل مجموعة من الناس وحدهم‪ .‬ففي القاموس‪ :‬الفريق القطيع من‬
‫الغنم‪ ،‬والفريقة قطعة من الغنم تتفرق عنها فتذهب تحت الليل عن جماعتها‪.‬‬
‫فهذه اللفاظ أخص من الختلف")‪.(2‬‬
‫فليس كل اختلف افتراق‪ ،‬وكل افتراق اختلف‪ ،‬وليس شرطا ً أن يكونا‬
‫مذمومين على ما سيأتي بيانه وإن كان الغلب ذم أهل الفرقة والختلف‪.‬‬
‫أقسام الختلف‪:‬‬
‫الختلف ينقسم إلى أقسام عدة بعتبارات مختلفة يتباين الحكم عليها فمنها‪:‬‬
‫النقسام الختلف باعتبار حقيقة المسائل المختلف فيها فمنه‪:‬‬
‫اختلف صوري‪ ،‬ومن قبيله اختلف التفاوت كالذي يكون في الكلم فيكون‬
‫بعضه بليغا ً وبعضه دون ذلك‪ ،‬ومنه كذلك اختلف التلؤم الذي يكون في‬
‫الكلم‪ ،‬ومن قبيله كذلك اختلف التنوع وهو "أن يذكر كل من المختلفين من‬
‫السم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع‪ ،‬ل على سبيل‬
‫الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه‪ .‬مثال ذلك تفسير قوله تعالى‪:‬‬
‫)فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات( قال بعضهم‪:‬‬
‫السابق الذي يصلي أول الوقت‪ ،‬والمقتصد في أثنائه‪ ،‬والظالم لنفسه الذي‬
‫يؤخر العصر إلى الصفرار‪ .‬وقيل‪ :‬السابق المحسن بالصدقة‪ ،‬والمقتصد‬
‫بالبيع‪ ،‬والظالم بأكل الربا‪ .‬واختلف التنوع في الحكام الشرعية قد يكون في‬
‫الوجوب تارة وفي الستحباب أخرى‪ :‬فالول مثل أن يجب على قوم الجهاد‪،‬‬
‫وعلى قوم الصدقة‪ ،‬وعلى قوم تعليم العلم‪ .‬وهذا يقع في فروض العيان كما‬
‫مثل‪ .‬وفي فروض الكفايات‪ ،‬ولها تنوع يخصها‪ ،‬وهو أنها تتعين على من لم‬
‫يقم بها غيره‪ :‬فقد تتعين في وقت‪ ،‬أو مكان‪ ،‬وعلى شخص أو طائفة كما يقع‬
‫مثل ذلك في الوليات والجهات والفتيا والقضاء‪ .‬قال ابن تيمية‪ :‬وكذلك كل‬
‫تنوع في الواجبات يقع مثله في المستحبات‪ .‬قد نظر الشاطبي في المسألة‪،‬‬
‫وحصر الخلف غير الحقيقي في عشرة أنواع‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الصواعق المرسلة ‪.2/519‬‬
‫)‪ (2‬الموسوعة الفقهية ‪.2/291‬‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫منها‪ :‬ما تقدم من الختلف في العبارة‪ .‬ومنها‪ :‬أن ل يتوارد الخلف على محل‬
‫واحد‪ .‬ومنها‪ :‬اختلف أقوال المام الواحد‪ ،‬بناء على تغير الجتهاد‪ ،‬والرجوع‬
‫عما أفتى به أول‪ .‬ومنها‪ :‬أن يقع الختلف في العمل ل في الحكم‪ ،‬بأن يكون‬
‫كل من العملين جائزا‪ ،‬كاختلف القراء في وجوه القراءات‪ ،‬فإنهم لم يقرءوا‬
‫بما قرءوا به على إنكار غيره‪ ،‬بل على إجازته والقرار بصحته‪ ،‬فهذا ليس في‬
‫الحقيقة باختلف‪ ،‬فإن المرويات على الصحة ل خلف فيها‪ ،‬إذ الكل متواتر‪.‬‬
‫وهذه النواع السابقة تقع في تفسير القرآن‪ ،‬وفي اختلفهم في شرح السنة‪،‬‬
‫وكذلك في فتاوى الئمة وكلمهم في مسائل العلم‪ .‬وهي أنواع ‪ -‬وإن سميت‬
‫خلفا ‪ -‬إل أنها ترجع إلى الوفاق")‪.(1‬‬
‫تنبيه الختلف الصوري‪ :‬منه المذموم وهو ماوقع في باطل‪.‬‬
‫اختلف حقيقي ومنه اختلف التضاد وهو قسمان سائغ وغير سائغ ولعله تأتي‬
‫الشارة إليهما)‪.(2‬‬
‫ومن أقسام الختلف انقسام الختلف باعتبار ما يوجبه فمنه‪:‬‬
‫اختلف يقتضي عداوة وشقاقا‪ ،‬ويقع في الختلف الحقيقي‪ ،‬كالختلف في‬
‫الصول المجمع عليها‪.‬‬
‫اختلف ليقتضي عداوة وشقاقا‪ ،‬ويقع في عامة الختلف الصوري وقد يقع‬
‫في الختلف الحقيقي كالختلف في كثير من الفروع باجتهاد سائغ‪.‬‬
‫ومن أقسام الختلف انقسام الختلف باعتبار أثره فمنه‪:‬‬
‫اختلف مؤثر في الحكام والعمال المترتبة‪.‬‬
‫اختلف نظري ذهني لينبني عليه شيء في أرض الواقع‪.‬‬
‫فالول اختلف مؤثر في العمل ومنه السائغ الذي ليضر ومنه غير السائغ‪،‬‬
‫والخر من قبيل اختلف السفسطائية هل البيضة قبل الدجاجة أم الدجاجة‬
‫قبل البيضة! قال شيخ السلم‪" :‬وأما ما يحتاج المسلمون إلى معرفته فان‬
‫الله نصب على الحق فيه دليل فمثال ما ل يفيد ول دليل على الصحيح منه‬
‫اختلفهم في لون كلب أصحاب الكهف وفى البعض الذي ضرب به موسى‬
‫من البقرة وفى مقدار سفينة نوح وما كان خشبها وفى اسم الغلم الذي قتله‬
‫الخضر ونحو ذلك فهذه المور طريق العلم بها النقل فما كان من هذا منقول‬
‫نقل صحيحا عن النبي ]صلى الله عليه وسلم[ كاسم صاحب موسى أنه‬
‫الخضر فهذا معلوم وما لم يكن كذلك بل كان مما يؤخذ عن أهل الكتاب‬
‫كالمنقول عن كعب ووهب ومحمد بن اسحق وغيرهم ممن يأخذ عن أهل‬
‫الكتاب فهذا ل يجوز تصديقه ول تكذيبه إل بحجة")‪ (3‬وقال‪" :‬وغالب ذلك مما‬
‫ل فائدة فيه تعود إلى أمر ديني ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا‬
‫كثيرًا‪.(4)"..‬‬
‫من أهم أقسام الختلف التي تحتاج إلى تحرير انقسام الختلف باعتبار مدح‬
‫أصحابه وذمهم‪:‬‬
‫وقد حرر ذلك ابن القيم –رحمه الله‪ -‬في الصواعق حيث قال‪":‬الختلف في‬
‫كتاب الله نوعان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يكون المختلفون كلهم مذمومين‪ ،‬وهم الذين اختلفوا بالتأويل‬
‫وهم الذين نهانا الله سبحانه عن التشبه بهم في قوله‪) :‬ول تكونوا كالذين‬
‫تفرقوا واختلفوا( ]آل عمران‪ ،[105:‬وهم الذين تسود وجوههم يوم القيامة‬
‫وهم الذين قال الله تعالى فيهم‪) :‬ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين‬
‫اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد( ]البقرة‪ ،[176:‬فجعل المختلفين كلهم‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في شقاق بعيد‪ ،‬وهذا النوع هو الذي وصف الله أهله بالبغي وهو الذي يوجب‬
‫الفرقة والختلف وفساد ذات البين ويوقع التحزب والتباين‪.‬‬
‫والنوع الثاني‪ :‬اختلف ينقسم أهله إلى محمود ومذموم‪ ،‬فمن أصاب الحق‬
‫فهو محمود‪ ،‬ومن أخطأه مع اجتهاده في الوصول إليه فاسم الذم موضوع‬
‫عنه‪ ،‬وهو محمود في اجتهاده معفو عن خطئه‪ ،‬وإن أخطأه مع تفريطه‬
‫وعدوانه فهو مذموم‪.‬‬
‫ومن هذا النوع المنقسم قوله تعالى‪) :‬ولو شاء الله ما اقتتل الذين من‬
‫بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من‬
‫كفر( ]البقرة‪ ،[253:‬وقال تعالى‪) :‬وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى‬
‫الله( ]الشورى‪.[10:‬‬
‫ً‬
‫والختلف المذموم كثيرا ما يكون مع كل فرقة من أهله بعض الحق فل يقر‬
‫له خصمه به‪ ،‬بل يجحده إياه بغيا ً ومنافسة‪ ،‬فيحمله ذلك على تسليط التأويل‬
‫الباطل على النصوص التي مع خصمه‪ ،‬وهذا شأن جميع المختلفين بخلف‬
‫أهل الحق فإنهم يعلمون الحق من كل من جاء به‪ ،‬فيأخذون حق جميع‬
‫الطوائف ويردون باطلهم فهؤلء الذين قال الله فيهم‪) :‬فهدى الله الذين‬
‫آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط‬
‫مستقيم( ]البقرة‪ ،[213:‬فأخبر سبحانه أنه هدى عباده لما اختلف فيه‬
‫المختلفون‪.‬‬
‫وكان النبي يقول في دعائه‪)) :‬اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر‬
‫السموات والرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه‬
‫يختلفون إهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى‬
‫صراط مستقيم((‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الموسوعة الفقهية ‪.293-2/292‬‬
‫)‪ (2‬ينظر كذلك فقه الئتلف لمحمود الخزندار ص ‪.34‬‬
‫)‪ (3‬الفتاوى ‪.13/345‬‬
‫)‪ (4‬الفتاوى ‪.13/367‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فمن هداه الله سبحانه إلى الخذ بالحق حيث كان ومع من كان ولو كان مع‬
‫من يبغضه ويعاديه ورد الباطل مع من كان ولو كان مع من يحبه ويواليه فهو‬
‫ممن هدى لما اختلف فيه من الحق‪ ،‬فهذا أعلم الناس وأهداهم سبيل‬
‫وأقومهم قيل وأهل هذا المسلك إذا اختلفوا فاختلفهم اختلف رحمة وهدى‬
‫يقر بعضهم بعضا ً عليه ويواليه ويناصره‪ ،‬وهو داخل في باب التعاون والتناظر‬
‫الذي ل يستغني عنه الناس في أمور دينهم ودنياهم‪ ،‬بالتناظر والتشاور‬
‫وإعمالهم الرأي وإجالتهم الفكر في السباب الموصلة إلى درك الصواب‬
‫فيأتي كل منهم بما قدحه زناد فكره وأدركته قوة بصيرته‪ ،‬فإذا قوبل بين‬
‫الراء المختلفة والقاويل المتباينة وعرضت على الحاكم الذي ل يجور وهو‬
‫كتاب الله وسنة رسوله وتجرد الناظر عن التعصب والحمية واستفرغ وسعه‬
‫وقصد طاعة الله ورسوله فقل أن يخفى عليه الصواب من تلك القوال‪ ،‬وما‬
‫هو أقرب إليه‪ ،‬والخطأ‪ ،‬وما هو أقرب إليه‪ ،‬فإن القوال المختلفة ل تخرج عن‬
‫الصواب‪ ،‬وما هو أقرب إليه‪ ،‬والخطأ‪ ،‬وما هو أقرب إليه‪ ،‬ومراتب القرب‬
‫والبعد متفاوتة‪ ،‬وهذا النوع من الختلف ل يوجب معاداة ول افتراقا ً في‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الكلمة ول تبديدا ً للشمل فإن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في مسائل‬
‫كثيرة من مسائل الفروع كالجد مع الخوة‪ ،‬وعتق أم الولد بموت سيدها‪،‬‬
‫ووقوع الطلق الثلث بكلمة واحدة‪ ،‬وفي الخلية والبرية والبتة‪ ،‬وفي بعض‬
‫مسائل الربا‪ ،‬وفي بعض نواقص الوضوء وموجبات الغسل‪ ،‬وبعض مسائل‬
‫الفرائض وغيرها‪ ،‬فلم ينصب بعضهم لبعض عداوة‪ ،‬ول قطع بينه وبينه عصمة‪،‬‬
‫بل كانوا كل منهم يجتهد في نصر قوله بأقصى ما يقدر عليه‪ ،‬ثم يرجعون بعد‬
‫المناظرة إلى اللفة والمحبة والمصافاة والموالة‪ ،‬من غير أن يضمر بعضهم‬
‫لبعض ضغنًا‪ ،‬ول ينطوي له على معتبة ول ذم‪ ،‬بل يدل المستفتي عليه مع‬
‫مخالفته له‪ ،‬ويشهد له بأنه خير منه وأعلم منه‪ ،‬فهذا الختلف أصحابه بين‬
‫الجرين والجر‪ ،‬وكل منهم مطيع لله بحسب نيته واجتهاده وتحريه الحق")‬
‫‪.(1‬‬
‫وهذا النوع من الختلف بهذا المسلك الذي ذكره يراه بعض أهل العلم‬
‫كالشاطبي –رحمه الله‪ -‬يرجع في الحقيقة إلى وفاق‪" ،‬فإن الختلف في‬
‫بعض المسائل الفقهية راجع إما إلى دورانها بين طرفين واضحين يتعارضان‬
‫في أنظار المجتهدين‪ ،‬وإما إلى خفاء بعض الدلة‪ ،‬أو إلى عدم الطلع على‬
‫الدليل‪ .‬وهذا الثاني ليس في الحقيقة خلفا‪ ،‬إذ لو فرضنا اطلع المجتهد على‬
‫ما خفي عليه لرجع عن قوله‪ ،‬فلذا ينقض لجله قضاء القاضي‪ .‬أما الول فإن‬
‫تردده بين الطرفين تحر لقصد الشارع المبهم بينهما من كل واحد من‬
‫المجتهدين‪ ،‬واتباع للدليل المرشد إلى تعرف قصده‪ .‬وقد توافقوا في هذين‬
‫القصدين توافقا لو ظهر معه لكل واحد منهما خلف ما رآه لرجع إليه‪،‬‬
‫ولوافق صاحبه‪ .‬وسواء قلنا بالتخطئة أو بالتصويب‪ ،‬إذ ل يصح للمجتهد أن‬
‫يعمل على قول غيره وإن كان مصيبا أيضا‪ .‬فالصابة على قول المصوبة‬
‫إضافية‪ .‬فرجع القولن إلى قول واحد بهذا العتبار‪ .‬فهم في الحقيقة متفقون‬
‫ل مختلفون‪ .‬ومن هنا يظهر وجه التحاب والتآلف بين المختلفين في مسائل‬
‫الجتهاد ; لنهم مجتمعون على طلب قصد الشارع‪ ،‬فلم يصيروا شيعا‪ ،‬ول‬
‫تفرقوا فرقا")‪.(2‬‬
‫فلو نظرت هذا النوع من الختلف الذي حمده الشاطبي وابن القيم وغيرهم‬
‫من أهل العلم وجدت الحمد منصبا ً على اتفاق المختلفين في مراعاتهم قصد‬
‫الشارع وطلبهم لمراده واتباعهم الدليل الذي ظهر منهم ومن هذه الجهة جاء‬
‫مدح مثل هؤلء المختلفين‪.‬‬
‫ويتبع للتقسيم الذي سبق "نوع آخر من الختلف‪:‬‬
‫وهو وفاق في الحقيقة وهو اختلف في الختيار والولى بعد التفاق على‬
‫جواز الجميع كالختلف في أنواع الذان والقامة وصفات التشهد والستفتاح‬
‫وأنواع النسك الذي يحرم به قاصد الحج والعمرة وأنواع صلة الخوف‬
‫والفضل من القنوت أو تركه ومن الجهر بالبسملة أو إخفائها ونحو ذلك فهذا‬
‫وإن كان صورته صورة اختلف فهو اتفاق في الحقيقة")‪.(3‬‬
‫والصل ذم الخلف وتجنبه‪ ،‬مادام اختلفا ً حقيقيا ً قد يسبب فرقة ويوقع في‬
‫تعارض‪ ،‬وهذا ما دلت عليه نصوص الوحيين ففي السنة جاء النهي عن‬
‫"الذرائع التي توجب الختلف والتفرق والعداوة والبغضاء كخطبة الرجل على‬
‫خطبة أخيه وسومه على سومه وبيعه على بيعه وسؤال المرأة طلق ضرتها‬
‫وقال إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الخر منهما سدا لذريعة الفتنة والفرقة ونهى‬
‫عن قتال المراء والخروج على الئمة وإن ظلموا وجاروا ما أقاموا الصلة‬
‫سدا لذريعة الفساد العظيم والشر الكبير بقتالهم كما هو الواقع فإنه حصل‬
‫بسبب قتالهم والخروج عليهم من الشرور أضعاف أضعاف ما هم عليه والمة‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في تلك الشرور إلى الن")‪.(4‬‬


‫وأدلة القرآن كثيرة ومنها‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الصواعق المرسلة لبن القيم ‪.218-2/214‬‬
‫)‪ (2‬الموسوعة الفقهية ‪.2/295‬‬
‫)‪ (3‬الصواعق ‪.2/219‬‬
‫)‪ (4‬إغاثة اللهفان ص ‪.369‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ة الل ّهِ‬ ‫م َ‬ ‫فّرُقوا ْ َواذ ْك ُُروا ْ ن ِعْ َ‬ ‫ميًعا وَل َ ت َ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫حب ْ ِ‬ ‫موا ْ ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫قال الله تعالى‪َ) :‬واعْت َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫كنت َ‬
‫ى‬
‫م عَل َ‬ ‫واًنا وَكنت ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫خ َ‬ ‫مت ِهِ إ ِ ْ‬ ‫حُتم ب ِن ِعْ َ‬ ‫صب َ ْ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن قُلوب ِك ْ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫داء فَأل َ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫م إ ِذ ْ ُ ُ ْ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن*‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫م آَيات ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫من َْها ك َذ َل ِ َ‬ ‫كم ّ‬ ‫قذ َ ُ‬ ‫ن الّنارِ فَأن َ‬ ‫م َ‬ ‫فَرةٍ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫فا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫فّرُقوا َوا ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت وَأوْلئ ِك لهُ ْ‬ ‫م الب َي َّنا ُ‬ ‫جاءهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫فوا ِ‬ ‫خت َل ُ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وَل ت َكوُنوا كال ِ‬
‫م(‪.‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عَ َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬‫حك ْ‬ ‫ب ِري ُ‬ ‫شلوا وَت َذ ْهَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫عوا فت َ ْ‬ ‫ه وَل ت ََناَز ُ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫طيُعوا الل َ‬ ‫وقال سبحانه‪) :‬وَأ ِ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صب ُِروا ْ إ ِ ّ‬ ‫َوا ْ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حي َْنا إ ِلي ْك وَ َ‬ ‫ذي أوْ َ‬ ‫حا َوال ِ‬ ‫صى ب ِهِ ُنو ً‬ ‫ما وَ ّ‬ ‫دين َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫وقال عزوجل‪) :‬شَرع َ لكم ّ‬
‫فّرُقوا ِفيهِ ك َب َُر عََلى‬ ‫ن وََل ت َت َ َ‬ ‫دي‬ ‫ال‬ ‫موا‬ ‫قي‬ ‫عيسى أ ِ َن أ َ‬
‫ّ َ‬ ‫ْ ِ ُ‬ ‫سى وَ ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫هي َ‬ ‫صي َْنا ب ِهِ إ ِب َْرا ِ‬ ‫وَ ّ‬
‫ب*‬ ‫من ي ُِني ُ‬ ‫دي إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫شاء وَي َهْ ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫جت َِبي إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫م إ ِل َي ْهِ الل ّ ُ‬ ‫عوهُ ْ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫من ّرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫ت ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬ ‫ة َ‬ ‫م ٌ‬ ‫م وَل َوَْل ك َل ِ َ‬ ‫م ب َغًْيا ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫م ال ْعِل ْ ُ‬ ‫جاءهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫فّرُقوا إ ِّل ِ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫ش ّ‬ ‫في َ‬ ‫م لَ ِ‬ ‫من ب َعْدِهِ ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أورُِثوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ق ِ‬ ‫مى ل ّ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ّ‬ ‫ج ٍ‬ ‫إ َِلى أ َ‬
‫ب(‪.‬‬ ‫ري ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫فوا ِفي‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫خت َل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نا ْ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫ّ‬ ‫ّ َِ‬‫إ‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ِ‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫تا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ل‬ ‫ز‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫أ‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ذ‬ ‫)‬ ‫سبحانه‪:‬‬ ‫وقال‬
‫د(‪.‬‬ ‫ق ب َِعي ٍ‬ ‫قا ٍ‬ ‫ش َ‬ ‫في ِ‬ ‫ب لَ ِ‬ ‫ال ْك َِتا ِ‬
‫بل عمل الخير إذا قصد به التمييز والتفريق بين المؤمنين كان لصحابه نصيب‬
‫ن‬‫قا ب َي ْ َ‬ ‫ري ً‬ ‫ف ِ‬ ‫فًرا وَت َ ْ‬ ‫ضَراًرا وَك ُ ْ‬ ‫دا ِ‬ ‫ج ً‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا ْ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫من الذم‪ ،‬قال الله تعالى‪َ) :‬وال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن أَرد َْنا إ ِل ّ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ف ّ‬ ‫حل ِ َ‬ ‫ل وَل َي َ ْ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ب الل ّ َ‬ ‫حاَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫صاًدا ل ّ َ‬ ‫ن وَإ ِْر َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫س عََلى‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫س َ‬ ‫جد ٌ أ ّ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫دا ل ّ َ‬ ‫م ِفيهِ أب َ ً‬ ‫ق ْ‬ ‫ن * ل َ تَ ُ‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م لَ َ‬ ‫شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫سَنى َوالل ّ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أن ي َت َط َهُّروا ْ َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫حّبو َ‬ ‫ل يُ ِ‬ ‫جا ٌ‬ ‫م ِفيهِ ِفيهِ رِ َ‬ ‫قو َ‬ ‫حقّ أن ت َ ُ‬ ‫ل ي َوْم ٍ أ َ‬ ‫ن أوّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وى ِ‬ ‫ق َ‬ ‫الت ّ ْ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫مطهّ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫فالختلف مادام اختلف تعارض ينقض بعضه بعضا ً شر ليسلم منه إل ّ من‬
‫كان معه الصواب‪ ،‬فإذا توزع الصواب بين المختلفين كان معهم من الخير‬
‫والبعد عن الذم بمقدار ما معهم من الحق‪ ،‬ومع ذلك قد يعذر فيه المجتهد‬
‫المخطئ بل يثاب لرادته الخير وقصده‪ ،‬ولهذا يسلم من آثار الختلف‬
‫المذموم المجتهدون الذين استفرغوا وسعهم في معرفة الحق والعمل به‪.‬‬
‫الختلف بين المشيئة الكونية والشرعية‪:‬‬
‫الختلف سنة كونية وقدر واقع ل محالة بمشيئة الله الكونية‪ ،‬قال الله تعالى‪:‬‬
‫ُ‬
‫م‬
‫ح َ‬ ‫من ّر ِ‬ ‫ن * إ ِل ّ َ‬ ‫في َ‬ ‫خت َل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫حد َة ً وَل َ ي ََزاُلو َ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬ ‫سأ ّ‬ ‫ل الّنا َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫شاء َرب ّ َ‬ ‫)وَل َوْ َ‬
‫َ‬ ‫ة رب ّ َ َ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫جن ّةِ َوالّنا ِ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مل ّ‬ ‫كل ْ‬ ‫م ُ َ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَت َ ّ‬ ‫قهُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ك وَل ِذ َل ِ َ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫والقدر الكوني إن كان شرا ً فيجب أن يسعى النسان للخروج منه وعدم‬
‫الوقوع فيه‪ ،‬كالكفر فهو قدر كوني حكم الله بوجوده كونًا‪ ،‬ومع ذلك واجب‬
‫على كل إنسان أن يجتنبه وكذلك المعاصي‪ ،‬وكل ذلك مقدر شاء الله وقوعه‬
‫كونا ً بناء على علمه باختيار النسان‪ ،‬فالله عز وجل وهب خلقه مشيئة‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واختيارا ً خاضعة لمشيئة الله مع علمه باختيارهم وكتابته له وتقدير كونه‬


‫منهم‪.‬‬
‫فالخلف قد يكون قدرا ً كونيا ً فيه شر وليخلو من خير –فالله ليخلق شرا ً‬
‫محضًا‪ -‬فليستسلم له العبد بل يقاومه بالقدر‪ ،‬فإن لم يزله خفف من آثاره‬
‫وخرج بأقل أضراره‪.‬‬
‫مسألة هل الختلف رحمة وخير أم عذاب وشر؟‬
‫ُرويت في ذلك أحاديث لتثبت مثل حديث أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم‬
‫اهتديتم)‪ ،(1‬وحديث اختلف أمتي رحمة)‪.(2‬‬
‫ومع عدم ثبوت نص تباينت أقوال السلف في المسألة فأثر ‪":‬عن عمر بن‬
‫عبد العزيز قوله‪ :‬ما أحب أن أصحاب رسول الله لم يختلفوا ; لنه لو كان‬
‫قول واحدا كان الناس في ضيق‪ ،‬وأنهم أئمة يقتدى بهم‪ ،‬فلو أخذ أحد بقول‬
‫رجل منهم كان في سعة‪.‬‬
‫وعن يحيى بن سعيد أنه قال‪ :‬اختلف أهل العلم توسعة‪ ،‬وما برح المفتون‬
‫يختلفون‪ ،‬فيحلل هذا ويحرم هذا‪ ،‬فل يعيب هذا على هذا‪ ،‬ول هذا على هذا‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬نقل المام ابن تيمية تضعيفه عن الئمة في منهاج السنة ‪ ،4/238‬وقال‬
‫الحافظ العراقي في مختصر المنهاج‪ :‬إسناده ضعيف من أجل حمزة فقد‬
‫اتهم بالكذب ص ‪ ،55‬وقد حكم اللباني بوضعه في غير موضع انظر الضعيفة‬
‫‪.58‬‬
‫)‪ (2‬ذكر اللباني أنه موضوع لسند له انظر ضعيف الجامع ‪ ،230‬وبداية‬
‫السول ص ‪ ،19‬وقد ذكر الحافظ العراقي أثر‪ :‬اختلف أصحابي لمتي رحمة‬
‫وحكم بأنه مرسل ضعيف‪ ،‬مختصر المنهاج ص ‪.60‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وقال ابن عابدين‪ :‬الختلف بين المجتهدين في الفروع ‪ -‬ل مطلق الختلف ‪-‬‬
‫من آثار الرحمة فإن اختلفهم توسعة للناس‪ .‬قال‪ :‬فمهما كان الختلف أكثر‬
‫كانت الرحمة أوفر‪.‬‬
‫وهذه القاعدة ليست متفقا عليها‪ ,‬فقد روى ابن وهب عن إمام دار الهجرة‬
‫مالك بن أنس أنه قال‪ :‬ليس في اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم سعة‪ ,‬وإنما الحق في واحد‪.‬‬
‫وقال المزني صاحب الشافعي‪ :‬ذم الله الختلف وأمر بالرجوع عنده إلى‬
‫الكتاب والسنة‪.‬‬
‫وتوسط ابن تيمية بين التجاهين‪ ,‬فرأى أن الختلف قد يكون رحمة‪ ,‬وقد‬
‫يكون عذابًا‪.‬‬
‫قال‪ :‬النزاع في الحكام قد يكون رحمة إذا لم يفض إلى شر عظيم من خفاء‬
‫الحكم‪ .‬والحق في نفس المر واحد‪ ،‬وقد يكون خفاؤه على المكلف ‪ -‬لما في‬
‫ظهوره من الشدة عليه ‪ -‬من رحمة الله به‪ ،‬فيكون من باب )ل تسألوا عن‬
‫أشياء إن تبد لكم تسؤكم(‪ .‬وهكذا ما يوجد في السواق من الطعام والثياب‬
‫قد يكون في نفس المر مغصوبا‪ ,‬فإذا لم يعلم النسان بذلك كان كله حلل ل‬
‫شيء عليه فيه بحال‪ ،‬بخلف ما إذا علم‪ .‬فخفاء العلم بما يوجب الشدة قد‬
‫يكون رحمة‪ ،‬كما أن خفاء العلم بما يوجب الرخصة قد يكون عقوبة‪ ،‬كما أن‬
‫رفع الشك قد يكون رحمة وقد يكون عقوبة‪ .‬والرخصة رحمة‪ .‬وقد يكون‬
‫مكروه النفس أنفع كما في الجهاد")‪.(1‬‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عمل أهل العلم على الخروج من الخلف‪:‬‬


‫لكون الختلف مذموم من حيث الجملة‪ ،‬فقد راعى كثير من أهل العلم‬
‫الخروج من الخلف في تعليل كثير من الحكام‪ ،‬ومن ذلك قول بعض فقهاء‬
‫الحنابلة بكراهة الطهارة بالماء المتغير بمجاورة أو بملح مائي مع أنه طهور‪،‬‬
‫ولكنهم يعللون بمخالفة غيرهم لهم فيما اختاروا‪ ،‬فاستحبوا الخروج من‬
‫الخلف بكراهة استعمال ذلك الماء)‪.(2‬‬
‫ً‬
‫ومنه كذلك قول بعض فقهاء الحناف بالندب للشهاد على الرجعة خروجا من‬
‫الخلف)‪.(3‬‬
‫ً‬
‫ومنه قول بعض فقهاء المالكية بطواف القدوم بنية الركنية خروجا من‬
‫الخلف)‪.(4‬‬
‫ومنه قول الشافعية باستحباب عدم القصر لسفر أقل من مسيرة ثلث أيام‬
‫للخروج من الخلف)‪.(5‬‬
‫ويكاد يطبق أرباب المذاهب الربعة على التعليل بالخروج من الخلف في‬
‫اختياراتهم الفقهية‪.‬‬
‫ولكنهم وضعوا لذلك ضوابط من أهمها ما قرره العز بن عبدالسلم حيث‬
‫يقول‪" :‬والضابط في هذا أن مأخذ المخالف إن كان في غاية الضعف والبعد‬
‫عن الصواب فل نظر إليه‪ ،‬ول التفات عليه‪ ،‬إذ كان ما اعتمد عليه ليصح نصه‬
‫دليل ً شرعًا")‪ (6‬ثم قال‪" :‬وإن تقاربت الدلة في سائر الخلف بحيث ل يبعد‬
‫قول المخالف كل البعد فهذا مما يستحب الخروج من الخلف فيه حذرا من‬
‫كون الصواب مع الخصم والشرع يحتاط لفعل الواجبات والمندوبات‪ ,‬كما‬
‫يحتاط لترك المحرمات والمكروهات"‪.‬‬
‫ّ‬
‫ظ من الّنظر‪ ،‬والدلة تحتمله‪ ،‬فالمحققون يكرهون‬ ‫فالخلف إذا كان له ح ّ‬
‫ن فيه خلفا ً بل هو من باب "د َع ْ ما َيريُبك‬ ‫ويستحبون لجل الخروج منه؛ ل ل ّ‬
‫إلى ما ل َيريُبك"‪ ،‬ويتأكد هذا بل قد يتعين حتى مع الخلف الضعيف إن خشي‬
‫ترتب مفسدة أعظم على الخلف‪.‬‬
‫ل به المسائل؛ ونأخذ‬ ‫ّ‬
‫ظ له من الّنظر فل ُيمكن أن نعل َ‬ ‫ح ّ‬ ‫أما إذا كان الخلف ل َ‬
‫منه حكمًا‪.‬‬
‫ظ من الّنظر‬‫ف له ح ّ‬‫معَتبرا ‪ ... ...‬إل خل ٌ‬ ‫ف جاء ُ‬ ‫ل خل ٍ‬ ‫فليس ك ّ‬
‫ن الحكام ل تثبت إل ّ بدليل‪ ،‬ومراعاة الخلف غير المعتبر لتصلح دليل ً‬ ‫ول ّ‬
‫شرعيًا‪ ،‬فيقال‪ :‬هذا مكروه‪ ،‬أو غير مكروه بناء عليه‪ ،‬إل ّ إن خشي ترتب‬
‫مفسدة أعظم جراء الفرقة فتقدر حينها المور بقدرها وذلك لمر خارج عن‬
‫مجرد الخلف غير المعتبر‪ ،‬مع العمل على إعادة الحق إلى نصابه وإقرار‬
‫المصيب على صوابه‪.‬‬
‫حكم الختلف في العمل السلمي؟‬
‫حكم الختلف على أنواع‪:‬‬
‫"النوع الول‪ :‬أصول الدين التي تثبت بالدلة القاطعة‪ ،‬كوجود الله تعالى‬
‫ووحدانيته‪ ،‬وملئكته وكتبه ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم والبعث بعد‬
‫الموت ونحو ذلك‪ .‬فهذه أمور ل مجال فيها للختلف‪ ,‬من أصاب الحق فيها‬
‫فهو مصيب‪ ،‬ومن أخطأه فهو كافر‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬بعض مسائل أصول الدين‪ ،‬مثل مسألة رؤية الله في الخرة‪،‬‬
‫وخلق القرآن‪ ،‬وخروج الموحدين من النار‪ ،‬وما يشابه ذلك‪ ،‬فقيل يكفر‬
‫المخالف‪ ،‬ومن القائلين بذلك الشافعي‪ .‬فمن أصحابه من حمله على ظاهره‪.‬‬
‫ومنهم من حمله على كفران النعم‪..‬‬
‫النوع الثالث‪] :‬المور)‪ [(7‬المعلومة من الدين بالضرورة كفرضية الصلوات‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخمس‪ ،‬وحرمة الزنا‪ ،‬فهذا ليس موضعا للخلف‪ .‬ومن خالف فيه فقد كفر‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الموسوعة الفقهية ‪ 296-2/295‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫)‪ (2‬الممتع شرح زاد المستقنع لبن عثيمين كتاب الطهارة ‪./1‬‬
‫)‪ (3‬البحر الرائق لبن نجيم ‪.4/55‬‬
‫)‪ (4‬منح الجليل شرح مختصر خليل‪ ،‬لعليش ‪.2/222‬‬
‫)‪ (5‬المجموع ‪.4/212‬‬
‫)‪ (6‬قواعد الحكام للعز بن عبدالسلم‪.1/253 ،‬‬
‫)‪ (7‬في أصل الموسوعة الفروع‪ ،‬وهذا محل نظر وإن جرى على ألسنة‬
‫المتكلمين وقد بين ذلك المحققين من أهل العلم‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫النوع الرابع‪ :‬الفروع الجتهادية التي قد تخفى أدلتها‪ .‬فهذه الخلف فيها واقع‬
‫في المة‪ .‬ويعذر المخالف فيها; لخفاء الدلة أو تعارضها ‪ ..‬فأما إن كان في‬
‫المسألة دليل صحيح صريح لم يطلع عليه المجتهد فخالفه‪ ،‬فإنه معذور بعد‬
‫بذل الجهد‪ ،‬ويعذر أتباعه في ترك رأيه أخذا بالدليل الصحيح الذي تبين أنه لم‬
‫يطلع عليه‪ .‬فهذا النوع ل يصح اعتماده خلفا في المسائل الشرعية‪ ،‬لنه‬
‫اجتهاد لم يصادف محل‪ ،‬وإنما يعد في مسائل الخلف القوال الصادرة عن‬
‫أدلة معتبرة في الشريعة")‪.(1‬‬
‫أما واقع العمل السلمي فإذا كان الختلف من قبيل التنوع كأن يتخصص كل‬
‫فريق أو جماعة في عمل‪ ،‬فهو اختلف صوري وهو مطلوب‪ ،‬أما إذا كان‬
‫الختلف اختلف تحزب وتعصب يمنع التعاون والتعاضد وسماع النصيحة من‬
‫الخر فهو اختلف مذموم‪ .‬وكثير منه يقع في مسائل اجتهادية أو فرعية‬
‫المخالف فيها معذور‪ ،‬ومثل هذا الخلف لينبغي أن يخرج بالناس إلى ساحة‬
‫احتراب وتناحر‪ ،‬بل لصحابه في صحابة رسول الله أسوة حسنة‪ ،‬فمع مخالفة‬
‫بعضهم لبعض بقي إقرارهم بفضل ذوي الفضل وتوقيرهم مع عمل كل برأيه‬
‫وسعيه لنشره‪.‬‬
‫والذي ينبغي هو أن يكون اختلف المسلمين في العمل السلمي من هذا‬
‫القبيل إن لم يكن من قبيل اختلف التنوع ولسيما مع كثير من الشعارات‬
‫المرفوعة‪ ،‬فالهدف السمى واحد‪ ،‬ومجالت العمل متنوعة‪ ،‬والساحة تسع‬
‫الجميع بل تحتاجهم‪.‬‬
‫ولكن الواقع من الناحية العملية وجود التناحر والتحزبات والعصبيات التي‬
‫تشبه عصبيات عصور التعصب المذهبي‪ ،‬ولئن سأل بعض المقلدة المتعصبة‬
‫قديما ً عن حكم صلة الحنفي خلف المالكي أو العكس‪ ،‬فإن بعض جهلة‬
‫الحزبيين اليوم يسألون عن حكم الصلة خلف بعض إخوتهم المسلمين!‬
‫وكما أن أهل العلم ذموا التعصب للمذهب وأنكروه فإن علينا أن نذم التعصب‬
‫للجماعات أو الفراد وننكره‪ ،‬وكما أن الذم ليتوجه للمذاهب المعتبرة وأئمتها‬
‫عند أهل التحقيق‪ ،‬فإن الذم قد ليتوجه إلى الجماعات ورؤوسها طالما كانت‬
‫ملتزمة بالسنة في الجملة وإن خرج بعض رجالتها عن ركب السنة باجتهادات‬
‫شخصية لم تؤثر على دعوة الجماعة كحال بعض رجالت المذاهب الفقهية‬
‫المتبوعة‪.‬‬
‫وقد يتوجه الذم إلى الجماعة جملة وتفصيل ً إن كان التحزب والتقوقع أساسا ً‬
‫من أسسها‪ ،‬أو كان من أسسها القول بمذاهب شاذة أواجتهادات غير سائغة‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عند أهل العلم‪.‬‬


‫ثانيًا‪ :‬أسباب الفتراق‪.‬‬
‫السباب كثيرة ويمكن أن نقسمها إلى خمسة عوامل رئيسية تندرج تحتها‬
‫أنواع عدة‪ ،‬وبعض هذه الخمسة يتعلق ببعض ولكن أفردته لهميته‪ ،‬وهذه‬
‫العوامل هي‪:‬‬
‫ل‪ :‬تفاوت الناس في الطبائع والميول وتفاضلهم في العقول‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫قال ابن القيم رحمه الله‪" :‬ووقوع الختلف بين الناس أمر ضروري ل بد منه‬
‫لتفاوت إرادتهم وأفهامهم وقوى إدراكهم‪.(2)"..‬‬
‫ولعل أثر تباين الطبائع والمدارك جلي في كثير من أشكال الختلف الواقع‪،‬‬
‫فانظر إلى اختلف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في شأن أسرى بدر تجد‬
‫كل واحد منهما نزع إلى ما يقارب طبعه‪ ،‬فأبوبكر الرقيق الشفيق مال إلى‬
‫المن أو الفداء‪ ،‬وعمر القوي الشديد جنح إلى الثخان‪ ،‬وهو الذي جاء به‬
‫القرآن‪.‬‬
‫فالطبيعة الخلقة والظروف الجتماعية والبيئية الخاصة بالشخص أو العامة‬
‫في المجتمع كلها تؤثر على نمط التفكير فيجنح كل طرف إلى ما ليجنح إليه‬
‫الخر‪.‬‬
‫وفي بعض الحيان يتطلب الحكم موازنة بين أمور تحتاج إلى قوة العقل‬
‫وحضوره والناس متفاوتون في ذلك‪ ،‬وليعني هذا أن الكمل عقل ً هوالرجح‬
‫اختيارا ً أو هو الذي ينحو نحو الصواب دائمًا‪ ،‬وذلك لما يرد على الفراد من‬
‫أحوال وأوقات يتعكر فيها المزاج مع ازدحام الشغال أو يذهل فيها المرء‬
‫لمؤثرات أثرت عليه دون الخر سواء كانت هذه المؤثرات منبعثة من البيئة‬
‫الخارجية أو عوامل نفسية خاصة بالشخص فيؤدي ذلك لن يخطئ الصواب‬
‫وإن كان هو الرجح عقل ً والحضر ذهنا ً من حيث الجملة‪ .‬ولعل من ذلك قصة‬
‫عمر –على أن في ثبوتها مقال)‪ -(3‬مع المرأة في الميراث يوم قال أصابت‬
‫امرأة وأخطأ عمر‪.‬‬
‫وربما تفاضل الناس في إدراك الصواب واختلفوا لتبيان عقولهم ونفوسهم‬
‫ضعفا ً وقوة في جوانب مختلفة فبعض الناس قد يحسن النظر في مسائل‬
‫لتساع معارفهم وتمرين عقولهم عليها‪ ،‬وليحسنون الخوض في مسائل‬
‫أخرى‪ ،‬وكم من إنسان تكلم في غير ما يحسن فأضحك الناس‪ ،‬وشواهد هذا‬
‫كثيرة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الموسوعة الفقهية ‪ 294-2/293‬بتصرف يسير واختصار‪.‬‬
‫)‪ (2‬الصواعق ‪.2/519‬‬
‫)‪ (3‬ممن ضعفها اللباني في الرواء ‪ ،6/348‬وألف فيها نزار عرعور رسالة‬
‫بعنوان القول المعتبر وبين ضعفها‪ ،‬وكذلك أفرد لها مقال ً يوسف العتيق في‬
‫كتابه قصص لتثبت ص ‪ ،27‬على أن بعضهم صححها ومنهم مصطفى العدوي‬
‫في كتابه جامع أحكام النساء ‪ .3/301‬ولعل الصواب أن القصة لتتقوى‬
‫بالشواهد التي ذكروها فهي إما معضلة أو في أسانيدها ضعاف ليحتمل جبر‬
‫مروياتهم‪ ،‬وبخاصة الثار التي ورد فيها قول عمر رضي الله عنه‪ :‬أخطأ عمر‬
‫وأصابت امرأة‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولهذا ذكر الستاذ محمود الزحيلي أن أسباب الخلف تنحصر في سبعة وذكر‬
‫أولها‪:‬‬
‫ّ‬
‫الختلف في المور الجبلية‪ :‬إذ أن الئمة والعلماء يتفاوتون في ملكاتهم‬
‫وطبائعم وعقولهم‪ ،‬وهذا أمر طبعي ينتج عنه في بعض الحايين اختلف‬
‫الحكام المستنبطة من الدلة الشرعية‪.‬‬
‫ولعله قدم هذا لما له من أثر على البقية‪.‬‬
‫ومن هذا القبيل الختلف في الحكم بسبب النسيان‪:‬‬
‫ومن قبيله ما يروى من أن عليا ً ذكر الزبير يوم الجمل شيئا عهده إليهما‬
‫رسول الله فذكره فانصرف عن القتال قلت فيكون الناسي معذورا ً بفتواه‪.‬‬
‫ومنه كذلك عندما هم عمر رضي الله عنه أن يأخذ عيينة ابن حصن فذ ّ‬
‫كره‬
‫حر بن قيس بقول الله عزوجل‪) :‬خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن‬ ‫ال ُ‬
‫الجاهلين( فأمسك‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬من أسباب الختلف تفاوت الناس في العلم والمعرفة‪.‬‬
‫فأصل حدوث الختلف المذموم والتفرق في المة هو الجهل بالدين ولهذا‬
‫قال الشاطبي رحمه الله‪" :‬الختلف في القواعد الكلية ليقع بين المتبحرين‬
‫في علم الشريعة الخائضين في لجتها العظمى‪ ،‬العالمين بمواردها‬
‫ومصادرها‪ ،‬والدليل على ذلك اتفاق العصر الول وعامة العصر الثاني")‪.(1‬‬
‫ولهذا روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خل يوما ً فجعل يحدث نفسه‪:‬‬
‫كيف تختلف هذه المة ونبيها واحد وقبلتها واحدة وكتابها واحد؟ فأرسل إلى‬
‫ابن عباس رضي الله عنهما وسأله‪ ،‬فقال ابن عباس‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ :‬إنما‬
‫نزل القرآن علينا فقرأناه وعلمنا فيما نزل‪ ،‬وأنه سيكون بعدنا أقوام يقرؤن‬
‫القرآن وليدرون فيما نزل فيكون لكل قوم فيه رأي‪ ،‬فإذا كان ذلك اختلفوا)‬
‫‪.(2‬‬
‫ً‬
‫قال المام الشاطبي معلقا‪ :‬وما قاله ابن عباس رضي الله عنهما هو الحق‪،‬‬
‫فإنه إذا عرف الرجل فيما نزلت الية أو السورة عرف مخرجها وتأويلها وما‬
‫ُقصد بها‪ ،‬فلم يتعد ذلك فيها‪ ،‬وإذا جهل فيما أنزلت احتمل النظر فيها أوجهًا‪،‬‬
‫فذهب كل إنسان مذهبا ً ليذهب إليه الخر‪.‬‬
‫فإذا وسد المر إلى غير أهله‪ ،‬وتصدر للتدريس والفتيا كل من وجد من نفسه‬
‫زيادة فهم وفضل ذكاء وذهن مع أنه لم يأخذ العلم عن أهل التخصص‬
‫والصناعة إذا كان ذلك كذلك وقع الفتراق والختلف‪.‬‬
‫وقد عد أهل العلم أن من البليا "أن يعتقد النسان في نفسه أو ُيعتقد فيه‬
‫أنه من أهل العلم والجتهاد في الدين ولم يبلغ تلك الدرجة فيعمل على ذلك‪،‬‬
‫ويعد رأيه رأيا ً وخلفه خلفًا‪ ..‬فتراه آخذا ً ببعض جزئيات الشريعة في هدم‬
‫كلياتها‪ ،‬وعليه نبه الحديث الصحيح‪) :‬ليقبض الله العلم انتزاعا ً ينتزعه من‬
‫الناس‪ ،‬ولكن يقبض العلم بقبض العلماء‪ ،‬حتى إذا لم يبق عالما ً اتخذ الناس‬
‫رؤسا ً جهال ً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا(")‪.(3‬‬
‫وأمثال هؤلء أبكوا قديما ً ربيعة الرأي قال المام مالك –رحمه الله‪ :-‬أخبرني‬
‫رجل أنه دخل على ربيعة بن أبي عبدالرحمن فوجده يبكي‪ ،‬فقال له‪ :‬ما‬
‫يبكيك؟ وارتاع لبكائه‪ ،‬فقال له‪ :‬أمصيبة دخلت عليك؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن استفتي‬
‫من لعلم له‪ ،‬وظهر في السلم أمر عظيم‪ .‬وقال ربيعة‪ :‬ولبعض من يفتي‬
‫ههنا أحق بالسجن من السراق)‪.(4‬‬
‫وإذا كان هذا في عصور التابعين والئمة المرضيين فماذا نقول في زمن‬
‫الغربة بعد أن أصبح مجاهيل النترنت مشايخ يؤخذ عنهم العلم في كثير من‬
‫الساحات‪ ،‬ويفتون في المدلهمات‪ ،‬والله المستعان‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثم من أهم أسباب الختلف بسبب تباين العلوم والمعارف الختلف في‬
‫العلم بنصوص الوحيين أو دللتهما وهو ثلثة أنواع)‪:(5‬‬
‫أحدها عدم اعتقاده أن النبي قاله أو لم يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قاله‪.‬‬
‫الثاني عدم اعتقاده أنه أراد تلك المسألة بذلك القول‪.‬‬
‫الثالث اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ‪.‬‬
‫وهذه الثلثة تتفرع عنها أسباب عدة ولعل في النماذج السابقة شيء من‬
‫البيان ويمكن أن نجملها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬قد يكون النص لم يبلغ بعض المخالفين فعمل بظاهر آية أو حديث آخر‪،‬‬
‫فمن لم يبلغه النص لم يكلف أن يكون عالما به‪ ،‬بل يكتفي المخالف أحيانا‬
‫بظاهر آية‪ ،‬أو بحديث‪ ،‬أو بموجب قياس‪ ،‬أو بموجب استصحاب)‪ ،(6‬قال شيخ‬
‫السلم‪":‬وهذا السبب هو الغالب على أكثر ما يوجد من أقوال السلف مخالفا‬
‫لبعض الحاديث‪ ،‬فإن الحاطة بحديث رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫لم تكن لحد من المة ")‪ ،(7‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬العتصام ‪.2/172‬‬
‫)‪ (2‬العتصام ‪ 2/183‬باختصار يسير‪.‬‬
‫)‪ (3‬العتصام ‪ 173-2/172‬باختصار يسير‪.‬‬
‫)‪ (4‬جامع بيان العلم وفضله ص ‪.578‬‬
‫)‪ (5‬ملخص من الصواعق المرسلة ‪ 632-2/542‬وزيدت عليه صور من‬
‫مصادر أشير إليها في موضعها‪.‬‬
‫)‪ (6‬انظر مجموع الفتاوى ‪ ، 233 / 20‬وانظر النكار في مسائل الخلف ص‬
‫‪ ، 16‬للدكتور عبد الله بن عبد المحسن الطريقي‪.‬‬
‫)‪ (7‬مجموع الفتاوى ‪233 / 20‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫أول‪ :‬حكم أبي بكر الصديق ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬في الجدة بأنها ل ترث مطلقًا‪،‬‬
‫فعن قبيصة بن ذؤيب قال‪":‬جاءت الجدة إلى أبي بكر تسأله ميراثها‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فقال‪ :‬لها ما لك في كتاب الله شيء‪ ،‬وما لك في سنة رسول الله ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬شيء‪ ،‬فارجعي حتى أسأل الناس‪ ،‬فسأل الناس فقال المغيرة‬
‫بن شعبة حضرت رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فأعطاها السدس فقال‬
‫أبو بكر هل معك غيرك فقام محمد بن مسلمة النصاري‪ ،‬فقال مثل ما قال‬
‫المغيرة بن شعبة فأنفذه لها أبو بكر ")‪.(1‬‬
‫ثانيا‪ :‬خفاء سنة الستئذان على عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي الله عنه‪ -‬فعن أبي‬
‫سعيد الخدري قال‪":‬كنت في مجلس من مجالس النصار‪ ،‬إذ جاء أبو موسى‬
‫كأنه مذعور‪ ،‬فقال‪ :‬استأذنت على عمر ثلثا فلم يؤذن لي فرجعت‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫منعك؟ قلت‪ :‬استأذنت ثلثا فلم يؤذن لي فرجعت‪ ،‬وقال رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم – )إذا استأذن أحدكم ثلثا فلم يؤذن له فليرجع(‪ ،‬فقال‪ :‬والله‬
‫لتقيمن عليه ببينة‪ ،‬أمنكم أحد سمعه من النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬؟‬
‫فقال أبي بن كعب‪ :‬والله ل يقوم معك إل أصغر القوم‪ ،‬فكنت أصغر القوم‬
‫فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ذلك ")‪،(2‬‬
‫فهذه سنة قد خفيت على عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬مع سعة علمه‬
‫وفقهه في دين الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬وليس في هذا مذمة لعمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪-‬‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإن الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬يقول‪) :‬وفوق كل ذي علم عليم( ]يوسف‪ ،[76:‬فمهما بلغ‬
‫النسان من العلم فل شك أنه لن ينتهي‪ ،‬ولهذا قالوا‪":‬العلم إن أعطيته كلك‬
‫أعطاك بعضه‪ ،‬وإن أعطيته بعضك فاتك كله"‪.‬‬
‫والمثلة كثيرة منها خفاء الحكم على كثير من الصحابة في نزول الطاعون‬
‫ببلد)‪ ،(3‬ومنها حكم عمر بمنع الحائض من النفرة قبل أن تطوف طواف‬
‫الفاضة ثم رجوعه لما بلغه الخبر )‪ ،(4‬فهذه أمثلة على خفاء بعض نصوص‬
‫الشريعة على من شهدوا الوحي وعاينوا التنزيل‪ ،‬فخفاء بعض الصول على‬
‫من بعدهم أولى وأحرى‪ ،‬ول يجوز لمن أتى بعدهم "أن يدعى انحصار حديث‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في دواوين معينة‪ ،‬ثم لو فرض انحصار‬
‫حديث رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فليس كل ما في الكتب يعلمه‬
‫العالم‪ ،‬ول يكاد ذلك يحصل لحد‪ ،‬بل قد يكون عند الرجل الدواوين الكثيرة‬
‫وهو ل يحيط بما فيها ")‪.(5‬‬
‫ومن هذا القبيل أيضًا‪:‬‬
‫أن يكون النص قد بلغ المخالف‪ ،‬لكنه منسوخ‪ ،‬بنص آخر ولم يعلم المخالف‬
‫بالناسخ)‪.(6‬‬
‫ومن أمثلة ذلك اللبس الذي حصل أول المر في ربا النسا‪ ،‬ونكاح المتعة‬
‫وغيرهما مما استقر الجماع عليه بعد‪.‬‬
‫أن يكون النص قد بلغه ولكنه لم يثبت عنده إما لن محدثه مجهول أو سيء‬
‫الحفظ أو متهم‪ ،‬وليعلم أن له طرقا ً أخرى‪ ،‬ولهذا علق كثير من الئمة العمل‬
‫بموجب الحديث على صحته فكثيرا ً ما يقول المام‪ :‬قولي فيه كيت وكيت‪،‬‬
‫وقد روي فيه حديث بخلفه فإن صح فهو قولي‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن أبي داود كتاب الفرائض ‪ 121 / 3‬رقم ‪ ، 2894‬وسنن ابن ماجة‬
‫أبواب الفرائض ‪ ،163 / 2‬سنن الترمذي ‪ 420 / 4‬رقم ‪ .2101‬وقال الحافظ‬
‫في تلخيص الحبير ‪": 82 / 3‬إسناده صحيح لثقة رجاله‪ ،‬إل أن صورته‬
‫مرسل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري كتاب الستئذان‪ ،‬باب التسليم واستئذان ثلثا‪ ،‬وانظر‬
‫الفتح ‪ 26 / 11‬برقم ‪ ، 6245‬وصحيح مسلم كتاب الداب‪ ،‬باب الستئذان‪،‬‬
‫انظر شرح النووي ‪ 381 / 7‬برقم ‪. 2154‬‬
‫)‪ (3‬ينظر صحيح البخاري كتاب الطب‪ ،‬باب ما يذكر في الطاعون‪ ،‬انظر‬
‫الفتح ‪ 179 / 10‬برقم ‪ ، 5729‬صحيح مسلم كتاب السلم باب الطاعون‬
‫والطيرة والكهانة ونحوها‪ ،‬انظر شرح النووي ‪ 462 - 460 / 7‬برقم ‪. 2219‬‬
‫)‪ (4‬ينظر صحيح البخاري كتاب الحيض‪ ،‬باب المرأة تحيض بعد الفاضة‪ ،‬انظر‬
‫الفتح ‪ 428 / 1‬برقم ‪. 330‬‬
‫)‪ (5‬مجموع الفتاوى ‪. 239 / 20‬‬
‫)‪ (6‬انظر الخلف بين العلماء أسبابه وموقفنا منه ص ‪. 23‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫اعتقاد ضعف النص باجتهاد خالفه فيه غيره‪ ،‬كتضعيفه لراو وثقه غيره‪ ،‬ومن‬
‫ذلك أن بعض الئمة كان ليرى قبول حديث أصله غير حجازي )شامي أو‬
‫بصري‪ (..‬وبعضهم رأى هذا الرأي ثم رجع ومما أثر في ذلك كلمة الشافعي‬
‫لحمد‪ :‬يا أبا عبدالله إذا صح الحديث فأعلمني حتى أذهب إليه شاميا ً كان أو‬
‫عراقيًا‪ .‬ولعل من ذلك مخالفة الحناف لغيرهم في القهقهة فالمام أبو حنيفة‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أخذ بحديث القهقهة في الصلة‪ ،‬وجعل القهقهة من نواقض الوضوء‪ ،‬ومن‬


‫مبطلت الصلة)‪ ،(1‬مع أن الحديث الذي استدل به ضعيف عند الئمة‪ ..،‬لكن‬
‫عذره في ذلك ظنه أن الحديث صالح للحتجاج به‪ ،‬وهذا ليس فيه مذمة له ‪-‬‬
‫رحمه الله ‪ -‬بل هو في العلم والفضل من هو‪ ،‬ولهذا قال شيخ السلم ابن‬
‫تيمية‪":‬ومن ظن بأبي حنيفة أو غيره من أئمة المسلمين أنهم يتعمدون‬
‫مخالفة الحديث الصحيح لقياس أو غيره فقد أخطأ عليهم‪ ،‬وتكلم إما بظن‪،‬‬
‫وإما بهوى‪ ،‬فهذا أبو حنيفة يعمل بحديث التوضي بالنبيذ في السفر)‪(2‬‬
‫مخالفة للقياس‪ ،‬وبحديث القهقهة في الصلة مع مخالفته للقياس)‪،(3‬‬
‫لعتقاده صحتهما‪ ،‬وإن كان أئمة الحديث لم يصححوهما ")‪(4‬‬
‫اشتراط بعضهم في قبول النص شروطا ً يخالفه فيها غيره‪ ،‬كاشتراط بعضهم‬
‫كون الراوي فقيها ً إذا روى ما يخالف القياس‪ ،‬واشتراط بعضهم ظهور‬
‫الحديث وانتشاره إذا كان فيما تعم به البلوى‪ ،‬وربما وقع الختلف في بعض‬
‫قواعد علوم اللة ومنها المصطلح ومن ذلك توثيق ابن حبان لمن لم يعرف‬
‫بجرح‪ ،‬في مقابل طريقة ابن حزم في الرمي بالجهالة‪ ،‬وكتشدد أبي حاتم في‬
‫نقد الرجال‪ ،‬وتساهل الحاكم في توثيقهم‪ ،‬واشتراط بعضهم للصحة اللقيا‬
‫واكتفاء آخرين بالمعاصرة‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫أن ينسى البعض حديثا ً أو آية كما ذهل عمر رضي الله عنه عن قول الله‬
‫ما مات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫تعالى‪) :‬إنك ميت وإنهم ميتون( ل ّ‬
‫عدم معرفة دللة لفظ النص‪ :‬ومن الركائز الساسية في هذا العلم باللغة‬
‫العربية‪ ،‬قال الشاطبي رحمه الله‪" :‬الله عزوجل أنزل القرآن عربيا ً لعجمة‬
‫فيه‪ ،‬بمعنى أنه جار في ألفاظه وأساليبه على لغة لسان العرب‪ ،‬قال الله‬
‫تعالى‪) :‬إنا جعلناه قرآنا ً عربيًا(‪ ...‬وكان المنزل عليه القرآن عربيا ً أفصح من‬
‫نطق بالضاد‪ ،‬وهو محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكان الذين بعث‬
‫فيهم عربا ً أيضًا‪ ،‬فجرى الخطاب به على معتادهم في لسانهم‪ ...‬وإذا كان‬
‫كذلك فل يفهم كتاب الله تعالى إل ّ من الطريق الذي نزل عليه وهو اعتبار‬
‫ألفاظها ومعانيها وأساليبها")‪ ،(5‬ولهذا قال الشافعي رحمه الله‪" :‬ما جهل‬
‫الناس ول اختلفوا إل ّ لتركهم لسان العرب وميلهم إلى لسان‬
‫أرسطاطاليس")‪ ،(6‬وقال السيوطي معلقا ً بعد أن ذكره‪" :‬أشار الشافعي‬
‫بذلك إلى ما حدث في زمن المأمون من القول بخلق القرآن ونفي الرؤية‬
‫وغير ذلك من البدع وأن سببها الجهل بالعربية والبلغة الموضوعة فيها من‬
‫المعاني والبيان والبديع"‪ ،‬ومما يؤكد هذا أن عمرو بن عبيد)‪ (7‬جاء إلى أبي‬
‫عمرو بن العلء التميمي)‪ (8‬يناظره في وجوب عذاب الفاسق‪ ،‬فقال يا أبا‬
‫عمرو‪ :‬هل يخلف الله وعده؟ فقال‪ :‬لن يخلف الله وعده‪ ،‬فقال عمرو‪ :‬فقد‬
‫قال وذكر آية وعيد‪ ،‬فقال أبوعمر‪ :‬من العجمة أتيت‪ ،‬الوعد غير اليعاد ثم‬
‫أنشد‪:‬‬
‫وإني وإن أوعدته أو وعدته ‪ ...‬لمخلف إيعادي منجز له وعدي)‪(9‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظر الهداية شرح بداية المبتدي ‪. 106 / 1‬‬
‫)‪ (2‬الحديث رواه الدارقطني بسنده عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال إذا قهقه أعاد الوضوء وأعاد الصلة ‪ ،‬ثم‬
‫قال الدارقطني‪":‬فهذه أقاويل أربعة عن الحسن كلها باطلة؛ لن الحسن إنما‬
‫سمع هذا الحديث من حفص بن سليمان المنقري عن حفصة بنت سيرين عن‬
‫أبي العالية الرياحي مرسل عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪" -‬ا‪.‬هـ‪ ،‬انظر‬
‫سنن الدارقطني كتاب الطهارة ‪ -‬باب أحاديث القهقهة في الصلة وعللها‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪، 165-1/164‬و انظر في تمام تخريجه نصب الراية للزيلعي مع الهداية‬


‫‪.114-1/106‬‬
‫)‪ (3‬يشير إلى حديث عبد الله بن مسعود أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫قال له ‪-‬ليلة الجن‪ -‬ما في إداوتك قال‪ :‬نبيذ‪ ،‬قال تمرة طيبة وماء طهور‪،‬‬
‫رواه المام أحمد في مسند ابن مسعود ‪ ،663 /1‬وأبو داود في سننه ‪،1/21‬‬
‫برقم ‪ ، 84‬وانظر سنن ابن ماجة ‪ ،1/135‬رقم ‪ ،384‬وسنن الترمذي‬
‫‪ ،1/147‬رقم ‪ ، 88‬قال الحافظ في الفتح ‪": 354 / 1‬وهذا الحديث أطبق‬
‫علماء السلف على تضعيفه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬مجموع الفتاوى ‪. 305 -304 / 20‬‬
‫)‪ (5‬العتصام ‪ 294-2/293‬باختصار‪.‬‬
‫)‪ (6‬صون المنطق ص ‪.15‬‬
‫)‪ (7‬أبوعثمان عمرو بن باب البصري ‪ ، 144-80‬أصله من الموالي وولؤه‬
‫لبني تميم‪ ،‬وهو شيخ المعتزلة‪.‬‬
‫)‪ (8‬أبوعمرو بن العلء التميمي المازني البصري ‪ ، 157-70‬شيخ قراء‬
‫العربية‪ ،‬اشتهر بالفصاحة والصدق وسعة العلم‪.‬‬
‫)‪ (9‬سير أعلم النبلء ‪ ،409-6/408‬وقد ذكرها غير واحد من أهل التراجم‬
‫والخبار‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫ولهذا قال الحسن البصري رحمه الله‪" :‬إنما أهلكتهم العجمة يتأولونه على‬
‫غير تأويله")‪ .(1‬ولو نظرت في كثير من أهل البدع التي فرقت المسلمين‬
‫لوجدت أصول ً لتنم عن أصالة في اللسان العربي‪ ،‬فغيلن الدمشقي أول من‬
‫تكلم في القدر وقال بخلق القرآن كان مولى لل عثمان بن عفان‪ ،‬والجعد‬
‫بن درهم كان مولى لبني الحكم‪ ،‬وجهم بن صفوان كان مولى لبني راسب‪،‬‬
‫وعمرو بن عبيد مولى لبني تميم‪ ،‬وواصل بن عطاء مولى لبني مخزوم أو‬
‫لبني ضبة على خلف في النسبة‪.‬‬
‫ولعل من أظهر عوامل الختلف بسبب عدم فهم دللة النصوص عاملن‪:‬‬
‫الول إما لكون اللفظ غريبًا‪ ،‬نحو لفظ المزابنة والمحاقلة والمنابذ‪ ،‬ومن هذا‬
‫القبيل اختلفهم في تفسير لطلق ولعتاق في إغلق‪ .‬ففسره كثير من‬
‫الحجازين بالكراه وفسره كثير من العراقيين بالغضب‪ ،‬ومنهم من فسره‬
‫بجمع الطلق في كلمة واحدة باعتبار أنه مأخوذ من غلق باب الطلق جملة‪.‬‬
‫أو لكون اللفظ مشتركا ً أو مجمل ً أو مترددا ً بين حمله على معناه عند الطلق‬
‫)الحقيقة( أو حمله على معناه عند التقييد )مجاز( كاختلفهم في القرء‬
‫ومعناه‪.‬‬
‫معرفة دللة اللفظ وموضوعه‪ ،‬ولكن ليتفطن لدخول هذا الفرد المعين تحت‬
‫اللفظ إما لعدم تصوره لذلك الفرد أو لعدم حضوره بباله أو لعتقاده أنه‬
‫مختص بما يخرجه عن اللفظ العام‪.‬‬
‫عدم اعتقاد وجود دللة في لفظ النص على الحكم المتنازع عليه‪ ،‬وهذا له‬
‫أربعة حالت‪:‬‬
‫أن ليعرف مدلول اللفظ في عرف الشارع فيحمله على خلف مدوله في‬
‫العرف الشرعي‪.‬‬
‫أن يكون له في عرف الشارع معنيين فيحمله على أحدهما ويحمله المخالف‬
‫على الخر‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن يفهم من العام خاصا ً أو من الخاص عامًا‪ ،‬أو من المطلق مقيدا ً أو من‬
‫المقيد مطلقًا‪.‬‬
‫أن ينفي دللة اللفظ مع أن اللفظ تارة يكون مصيبا ً في الدللة وتارة يكون‬
‫مخطئًا‪ ،‬فمن نفى دللة قول الله تعالى‪) :‬فكلوا واشربوا حتى يتبين لكم‬
‫الخيط البيض من الخيط السود من الفجر( على حل أكل ذي المخلب‬
‫والناب أصاب‪ ،‬ومن نفى دللة العام على ما عدا محل التخصيص غلط ومن‬
‫نفى دللته على ماعدا محل السبب غلط‪.‬‬
‫اعتقاد أن دللة النص عارضها ما هو مساو لها فيجب التوقف‪ ،‬أو عارضها ما‬
‫هو أقوى فيجب تقديمه‪ ،‬ولهذا أقسام متعددة)‪ .(2‬ومن أمثلة ذلك‬
‫ة بحديث عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي الله عنهم‬ ‫أول‪ :‬لما حدث ابن عباس عائش َ‬
‫‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم – قال‪" :‬إن الميت إن الميت ليعذب ببكاء‬
‫أهله عليه")‪ ،(3‬أنكرت ذلك وقالت‪":‬إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين ول‬
‫مكذبين‪ ،‬ولكن السمع يخطئ‪ ،‬يرحم الله عمر‪ ،‬ل والله ما قاله رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قط إن الميت يعذب ببكاء أحد‪ ،‬ولكنه قال‪" :‬إن‬
‫الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذابا‪ ،‬وإن الله لهو )أضحك وأبكى( ‪) ،‬ول تزر‬
‫وازرة وزر أخرى( ")‪ ،(4‬فظنت عائشة رضي الله عنها أن هذا النص يخالف‬
‫ما ثبت عندها من كلمه صلى الله عليه وسلم بل يخالف مقتضى القرآن‬
‫الكريم)‪.(5‬‬
‫ثانيا‪ :‬اختلف العلماء في الجمع بين قوله ‪ -‬تعالى ‪ ):-‬ول تنكحوا المشركات‬
‫حتى يؤمن( ]البقرة‪ ، [221:‬وبين قوله ‪ -‬تعالى ‪ ):-‬والمحصنات من الذين‬
‫أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن( ]المائدة‪ ،[5:‬فالية الولى‬
‫تحرم على المسلمين نكاح المشركات‪ ،‬والية الثانية تحلل نكاح الكتابيات‪،‬‬
‫وقد اختلف العلماء في نكاح الكتابيات‪ ،‬فالجمهور على جوازه‪ ،‬استنادا لية‬
‫المائدة‪ ،‬وقال بعض العلماء ل يجوز نكاح الكتابيات استنادا لية البقرة‪ ،‬وظنا‬
‫منهم أن آية المائدة معارضة بآية أصرح منها وهي آية البقرة)‪.(6‬‬
‫ثالثًا‪ :‬ومن أسباب الختلف اتباع الشهوات أوالشبهات‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬العتصام ‪.2/299‬‬
‫)‪ (2‬للستزادة في تفصيلها راجع الصواعق المحرقة لبن القيم ‪.631-2/577‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري كتاب الجنائز‪ ،‬باب قول النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته ‪ ،‬انظر فتح الباري‬
‫‪ 151 / 3‬رقم ‪ ، 1286‬صحيح مسلم كتاب الجنائز ‪ -‬باب الميت يعذب ببكاء‬
‫أهله عليه‪ ،‬انظر شرح النووي ‪ 483 / 3‬رقم ‪. 927‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري كتاب الجنائز‪ ،‬باب قول النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته ‪ ،‬انظر فتح الباري‬
‫‪ 152 - 151 / 3‬رقم ‪ ، 1288‬صحيح مسلم كتاب الجنائز ‪ ،‬باب الميت يعذب‬
‫ببكاء أهله عليه‪ ،‬انظر شرح النووي ‪ 486 - 485 / 3‬رقم ‪. 928‬‬
‫)‪ (5‬فتح الباري ‪ 156 – 152 / 3‬بتصرف يسير واختصار‪.‬‬
‫)‪ (6‬انظر أسباب اختلف الفقهاء ص ‪. 18‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫فالهواء والشهوات تدفع إلى ظلم الغير في سبيل تحصيل الشهوة فيقع‬
‫الخلف وينشأ الفتراق "فما يتنازع الناس إل حين تتعدد جهات القيادة‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والتوجيه; وإل حين يكون الهوى المطاع هو الذي يوجه الراء والفكار‪ .‬فإذا‬
‫استسلم الناس لله ورسوله انتفى السبب الول الرئيسي للنزاع بينهم ‪ -‬مهما‬
‫اختلفت وجهات النظر في المسألة المعروضة ‪ -‬فليس الذي يثير النزاع هو‬
‫اختلف وجهات النظر‪ ،‬إنما هو الهوى الذي يجعل كل صاحب وجهة يصر عليها‬
‫مهما تبين له وجه الحق فيها! وإنما هو وضع "الذات"في كفة‪ ،‬والحق في كفة‬
‫; وترجيح الذات على الحق ابتداء!‪ ..‬ومن ثم جاء هذا التعليم بطاعة الله‬
‫ورسوله عند المعركة‪ ..‬إنه من عمليات "الضبط"التي ل بد منها في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ه ك َِثيًرا لعَلك ُ ْ‬ ‫ة َفاث ْب ُُتوا ْ َواذ ْك ُُروا ْ الل ّ َ‬ ‫م فِئ َ ً‬‫قيت ُ ْ‬ ‫مُنوا ْ إ َِذا ل َ ِ‬
‫نآ َ‬
‫ذي َ‬ ‫المعركة‪َ)"..‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫صب ُِروا ْ‬ ‫َ‬
‫م َوا ْ‬ ‫حك ُ ْ‬‫ب ِري ُ‬ ‫شُلوا ْ وَت َذ ْهَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫عوا ْ فَت َ ْ‬ ‫ه وَل َ ت ََناَز ُ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫طيُعوا ْ الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫ن * وَأ ِ‬
‫حو َ‬ ‫فل َ ُ‬‫تُ ْ‬
‫ن(‬‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫معَ ال ّ‬
‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫إِ ّ‬
‫وأما الشبهات والتأولت الفاسدة‪ ،‬فتبعد الناس عن الحق إلى أقوال وآراء‬
‫متباينة‪ ،‬ومن أظهر ذلك الفتراق الذي وقع في المة بانحراف ثنتين وسبعين‬
‫فرقة عن الجادة‪.‬‬
‫كما أن اتباع الشهوات والشبهات سبب لعدد من ىلفات الكفيلة بتمزيق‬
‫الصف وتفريق المة‪ ،‬ولعل من أهما ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬البغي‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية وهو صاحب تجربة واسعة مع المخالفين‪ ،‬قال‬
‫رحمه الله )الفتاوى ‪":(483-14/482‬وأنت إذا تأملت ما يقع من الختلف‬
‫بين هذه المة علمائها وعبادها وأمرائها ورؤسائها وجدت أكثره من هذا‬
‫الضرب الذي هو البغي بتأويل أو بغير تأويل كما بغت الجهمية على المستنة‬
‫في محنة الصفات و القرآن محنة أحمد و غيره‪ ،‬وكما بغت الرافضة على‬
‫المستنة مرات متعددة‪ ،‬وكما بغت الناصبة على علي وأهل بيته وكما قد تبغى‬
‫المشبهة على المنزهة‪ ،‬وكما قد يبغي بعض المستنة إما على بعضهم‪ ،‬وإما‬
‫على نوع من المبتدعة بزيادة على ما أمر الله به وهو السراف المذكور في‬
‫قولهم‪) :‬ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا("‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الغرور بالنفس‪.‬‬
‫فالغرور بالنفس يولد العجاب بالرأي‪ ،‬والكبر على الخلق‪ ،‬فيصر النسان‬
‫على رأيه‪ ،‬ولو كان خطأ‪ ،‬ويستخف بأقوال الخرين‪ ،‬ولو كانت صوابا‪،‬‬
‫فالصواب ما قاله‪ ،‬والخطأ ما قاله غيره‪ ،‬ولو ارعوى قليل واتهم نفسه‪ ،‬وعلم‬
‫أنها أمارة بالسوء‪ ،‬لدفع كثيرا من الخلف والشقاق‪ ،‬ولكان له أسوة بنبينا ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬الذي قال الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬له‪) :‬فبما رحمة من الله لنت‬
‫لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك()‪ ،(1‬وإذا كانت صفة‬
‫التواضع ولين الجانب من أوائل صفات المؤمنين‪ ،‬فإنها في حق من انتصب‬
‫للعلم والدعوة والفتوى والتعليم أوجب وأكثر ضرورة وإلحاحا)‪.(2‬‬
‫ثالثًا‪ :‬سوء الظن بالخرين‪.‬‬
‫فهو ينظر لجميع الناس بالمنظار السود‪ ،‬فأفهامهم سقيمة‪ ،‬ومقاصدهم‬
‫سيئة‪ ،‬وأعمالهم خاطئة‪ ،‬ومواقفهم مريبة‪ ،‬كلما سمع من إنسان خيرا كذبه‪،‬‬
‫أو أّوله‪ ،‬وكلما ُذكر أحد بفضل طعنه وجرحه‪ ،‬اشتغل بالحكم على النيات‬
‫والمقاصد‪ ،‬فضل عن العمال والظواهر‪ ،‬والمصادرة للخر قبل معرفة رأيه‪،‬‬
‫أو سماع حجته)‪ ،(3‬ثم هو ل يتوقف عند هذا الحد‪ ،‬بل لسانه طليق في‬
‫أعراض إخوانه‪ ،‬بسبهم‪ ،‬واتهامهم‪ ،‬وتجريحهم‪ ،‬وتتبع عثراتهم‪ ،‬فإن تورع عن‬
‫الكلم في أعراض غيره من الفضلء‪ ،‬سلك طريق الجرح بالشارة‪ ،‬أو‬
‫الحركة‪ ،‬بما يكون أخبث وأكثر إقذاعا‪ ،‬مثل‪ :‬تحريك الرأس‪ ،‬وتعويج الفم‪،‬‬
‫وصرفه‪ ،‬والتفاته‪ ،‬وتحميض الوجه‪ ،‬وتجعيد الجبين‪ ،‬وتكليح الوجه‪ ،‬والتغير‪،‬‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والتضجر)‪" .(4‬وأنت ترى هؤلء الجراح القصاب‪ ،‬كلما مر على مل من الدعاة‬


‫اختار منهم )ذبيحا( فرماه بقذيفة من هذه اللقاب المرة‪ ،‬تمرق من فمه‬
‫مروق السهم من الرمية‪ ،‬ثم يرميه في الطريق‪ ،‬ويقول‪ :‬أميطوا الذى عن‬
‫الطريق فإنه من شعب اليمان!")‪(5‬‬
‫رابعًا‪ :‬حب الظهور بالجدل والمماراة‬
‫ويكون دافع ذلك في الغالب هوى مطاعًا‪ ،‬وقد يكون قلة الفقه أوالفراغ‬
‫وترك الشتغال بما ينفع‪.‬‬
‫وقد روى المام أحمد)‪ (6‬وغيره عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إل أوتوا الجدل ثم قرأ‪) :‬ما‬
‫ضربوه لك إل جدل بل هم قوم خصمون(‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة آل عمران‪ ،‬الية رقم ‪.159‬‬
‫)‪ (2‬أدب الخلف للقرني ص ‪ 29 - 27‬بتصرف‪.‬‬
‫)‪ (3‬أدب الخلف للقرني ص ‪. 35‬‬
‫)‪ (4‬انظر تصنيف الناس بين الظن واليقين ص ‪ 11‬بتصرف‪.‬‬
‫)‪ (5‬انظر تصنيف الناس بين الظن واليقين ص ‪ 22‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند ‪ 2/252‬و ‪ 2/256‬وحسنه اللباني في غير موضع انظر صحيح‬
‫الجامع ‪.5633‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫قال المام أبو يوسف صاحب المام أبي حنيفة رحمهما الله‪" :‬الخصومة في‬
‫الدين بدعة‪ ،‬وما ينقض أهل الهواء بعضهم على بعض بدعة محدثة‪ .‬لوكانت‬
‫فضل ً لسبق إليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعهم‪ ،‬فهم‬
‫كانوا عليها أقوى ولها أبصر‪ .‬وقال اله تعالى‪) :‬فإن حاجوك فقل أسلمت‬
‫وجهي لله ومن اتبعن( ]آل عمران‪ ،[20:‬ولم يأمره بالجدل‪ ،‬ولو شاء لنزل‬
‫حججًا‪ ،‬وقال له‪ :‬قل كذا وكذا")‪.(1‬‬
‫وقال ابن قتيبة رحمه الله يصف الحال في أيام السلف عليه الرحمة‬
‫والرضوان‪" :‬كان المتناظرون في الفقه يتناظرون في الجليل من الواقع‬
‫والمستعمل من الواضح وفيما ينوب الناس فينفع الله به القائل والسامع‪،‬‬
‫فقد صار أكثر التناظر فيما دق وخفي‪ ،‬وفيما ليقع وفيما قد انقرض‪ ..‬وصار‬
‫الغرض فيه إخراج لطيفة‪ ،‬وغوصا ً على غريبة‪ ،‬وردا ً على متقدم‪...‬‬
‫وكان المتناظرون فيما مضى يتناظرون في معادلة الصبر بالشكر وفي‬
‫تفضيل أحدهما على الخر‪ ،‬وفي الوساوس والخطرات ومجاهدة النفس‬
‫وقمع الهوى فقد صار المتناظرون يتناظرون في الستطاعة والتولد والطفرة‬
‫والجزء والعرض والجوهر‪ ،‬فهم دائبون يخبطون في العشوات‪ ،‬قد تشعبت‬
‫بهم الطرق‪ ،‬قادهم الهوى بزمام الردى‪.(2)"..‬‬
‫فلما وقع الناس في الجدل تفرقت بهم الهواء‪ ،‬قال عمرو بن قيس)‪ :(3‬قلت‬
‫للحكم بن عتبة)‪ :(4‬ما اضطر الناس إلى الهواء؟ قال‪ :‬الخصومات)‪.(5‬‬
‫وقد روي عن أبي قلبة –وكان قد أدرك غير واحد من أصحاب رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬لتجالسوا أصحاب الخصومات فإني ل آمن أن‬
‫يغمسوكم في ضللتهم‪ ،‬أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون)‪.(6‬‬
‫ً‬
‫قال معن بن عيسى‪" :‬انصرف مالك بن أنس رضي الله عنه يوما من‬
‫المسجد وهو متكئ على يدي‪ ،‬فلحقه رجل يقال له أبوالحورية‪ ،‬كان يتهم‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالرجاء‪ ،‬فقال‪ :‬ياعبدالله! إسمع مني شيئا ً أكلمك به‪ ،‬وأحاجك وأخبرك‬
‫برأيي‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإن غلبتني؟‬
‫قال‪ :‬إن غلبتك اتبعني‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإن جاء رجل آخر فكلمنا فغلبنا؟‬
‫قال‪ :‬نتبعه!‬
‫ً‬
‫فقال مالك رحمه الله‪ :‬يا عبدالله بعث الله عز وجل محمدا صلى الله عليه‬
‫وسلم بدين واحد وأراك تنتقل من دين إلى دين"‪.‬‬
‫وقال عمر بن عبدالعزيز‪ :‬من جعل دينه غرضا ً للخصومات أكثر التنقل‪.‬‬
‫وجاء رجل إلى الحسن فقال‪ :‬يا أباسعيد تعال حتى أخاصمك في الدين‪ ،‬فقال‬
‫الحسن‪ :‬أما أنا فقد أبصرت ديني‪ ،‬فإن كنت أضللت دينك فالتمسه)‪!(7‬‬
‫وإذا كان الجدل والمراء والخصومة في الدين مذمومة على كل حال فإنها‬
‫تتأكد في حق المقلدة والجهال‪.‬‬
‫ويتأكد ترك المراء والجدل في كل ما لطائل من ورائه كملح العلوم والنوادر‪،‬‬
‫وما ليثمر عمل ً غير السفسطة والتلسن‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬هذا السبب من أعظم أسباب الختلف المذموم‪ ،‬بل ليكاد ينجم عنه‬
‫اختلف يحمد‪ ،‬ولعله عامل رئيس في إذكاء نار الفرقة والفتنة بين المسلمين‪،‬‬
‫ولسيما أن التنظير العلمي مستقر عند كثيرين ولكن على الرغم من ذلك‬
‫يقع الفتراق لوقوع الخلل في هذا الجانب‪ ،‬والله المستعان‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬ومن عوامل الختلف والتفرق‪ :‬التعصب‪.‬‬
‫سواء كان سياسيا ً أو مذهبيا ً أو حزبيا ً أو لفراد ورموز‪ ،‬وسواء كان لفرط حب‬
‫أو فرط بغض‪.‬‬
‫إن التعصب ران يطغى على القلب والعقل فيحجبهما‪ ،‬ومهما عرضت على‬
‫المتعصب من الحجج والبراهين فلن يرها‪.‬‬
‫يقول الماوردي رحمه الله‪" :‬ولقد رأيت من هذه الطبقة رجل يناظر في‬
‫مجلس حفل وقد استدل عليه الخصم بدللة صحيحة فكان جوابه عنها أن‬
‫قال‪ :‬إن هذه دللة فاسدة‪ ,‬وجه فسادها أن شيخي لم يذكرها وما لم يذكره‬
‫الشيخ ل خير فيه‪ .‬فأمسك عنه المستدل تعجبا; ولن شيخه كان محتشما‪.‬‬
‫وقد حضرت طائفة يرون فيه مثل ما رأى هذا الجاهل‪ ,‬ثم أقبل المستدل‬
‫علي وقال لي‪ :‬والله لقد أفحمني بجهله وصار سائر الناس المبرئين من هذه‬
‫الجهالة ما بين مستهزئ ومتعجب‪ ,‬ومستعيذ بالله من جهل مغرب")‪.(8‬‬
‫وما أقبح هذا الجهل يوم يسري إلى طوائف تعد نفسها في عداد العاملين‬
‫للسلم الذائدين عن حياضه‪ ،‬ويزداد هذا القبح يوم يزعم أصحابها أنهم أهل‬
‫الفكر المستنير والعقول غير المنغلقة! ويتضاعف القبح يوم ينتسبون إلى‬
‫السلف أو السنة‪ ،‬والسلف والسنة من هذا التعصب المقيت براء‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الفتاوى ‪.16/476‬‬
‫)‪ (2‬الختلف في اللفظ ص ‪.11-10‬‬
‫)‪ (3‬هو عمرو بن قيس الملئي أحد الثقات العباد روى عن عطية العوفي‬
‫وغيره توفي ‪146‬هـ‪.‬‬
‫)‪ (4‬هو أبومحمد الحكم بن عتبة الكندي الكوفي تثقة ثبت فقيه توفي ‪113‬هـ‪.‬‬
‫)‪ (5‬السنة لعبد الله بن المام أحمد ‪.1/137‬‬
‫)‪ (6‬سنن الدارمي ‪.1/120‬‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (7‬راجع في النقول الثلثة السابقة الشريعة للجري ص ‪.57-56‬‬


‫)‪ (8‬أدب الدنيا والدين ص ‪.70‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫يقول العلم المام ابن تيمية ممتدحا ً الئمة العلم‪" :‬ومن تعصب لواحد بعينه‬
‫من الئمة دون الباقين فهو بمنزلة من تعصب لواحد بعينه من الصحابة دون‬
‫الباقين‪ .‬كالرافضي الذي يتعصب لعلي دون الخلفاء الثلثة وجمهور الصحابة‪.‬‬
‫وكالخارجي الذي يقدح في عثمان وعلي رضي الله عنهما فهذه طرق أهل‬
‫البدع والهواء الذين ثبت بالكتاب والسنة والجماع أنهم مذمومون‪ ،‬خارجون‬
‫عن الشريعة والمنهاج الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فمن‬
‫تعصب لواحد من الئمة بعينه ففيه شبه من هؤلء‪ ،‬سواء تعصب لمالك أو‬
‫الشافعي أو أبي حنيفة أو أحمد أو غيرهم‪ .‬ثم غاية المتعصب لواحد منهم أن‬
‫يكون جاهل بقدره في العلم والدين‪ ,‬وبقدر الخرين‪ ،‬فيكون جاهل ظالما‪،‬‬
‫والله يأمر بالعلم والعدل‪ ،‬وينهى عن الجهل والظلم")‪.(1‬‬
‫وقال مشيرا ً لفة التعصب للحزب أو الجماعة‪" :‬وأما رأس الحزب فإنه رأس‬
‫الطائفة التي تتحزب أي تصير حزبا ً فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به‬
‫ورسوله من غير زيادة ول نقصان فهم مؤمنون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم‪،‬‬
‫وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا مثل التعصب لمن دخل في حزبهم‬
‫بالحق والباطل والعراض عمن لم يدخل في حزبهم سواء كان على الحق‬
‫والباطل فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله‪ ،‬فإن الله ورسوله‬
‫أمرا بالجماعة والئتلف ونهيا عن التفرقة والختلف وأمرا بالتعاون على البر‬
‫والتقوى ونهيا عن التعاون على الثم والعدوان")‪.(2‬‬
‫خامسًا‪ :‬عوامل خارجية قادت إلى تفاقم الختلف‪.‬‬
‫وتتلخص في الحضارات والديانات التي ناصبت السلم العداء في القديم أو‬
‫الحديث‪ ،‬وحتى ليتشعب الحديث أتناول بالبيان العامل النصراني كمثال‬
‫فأقول‪:‬‬
‫لقد جاء السلم فألف بين أشتات العرب‪ ،‬بل ألف بين أهل الخير من‬
‫العالمين‪ ،‬فبلل رضي الله عنه حبشي‪ ،‬وصهيب رومي‪ ،‬وسلمان فارسي‪،‬‬
‫ومحمد بن إسماعيل شيخ المحدثين بخارى‪ ،‬وصلح الدين اليوبي بطل‬
‫الحروب الصليبية كردي‪ ،‬ومحمد بن إسحاق أول من دون السيرة النبوية‬
‫فارسي‪ ،‬والطبري شيخ المؤرخين والمفسرين تركي وإذا نظرت في سير‬
‫تراجم أعلم السلم ومبدعيه وجدتهم من أقطار الرض وأطرافها‪.‬‬
‫ومع ائتلف هذه الخبرات المتنوعة وانسجامها ازدهرت حضارة السلم‬
‫وقويت شوكة أهله‪.‬‬
‫وكان لهذا الئتلف أثر في صد الغزو الصليبي عن بلد المسلمين على مر‬
‫التاريخ‪ ،‬وباسترجاع سير أولئك الذين وقفوا في وجه المد الصليبي تتضح هذه‬
‫الحقيقة بجلء ولعل أشهر نموذج هو صلح الدين اليوبي عليه رحمة الله‪.‬‬
‫وقد أردك أعداء السلم من النصارى واليهود هذه الحقيقة‪ ،‬فكانت الخطوة‬
‫الولى التي قاموا بها من أجل السيطرة على بلد السلم وجعلها تابعة ذليلة‬
‫هي العمل على تفكيك وحدتهم عمل ً بمشورة القساوسة ووصيتهم للساسة‪،‬‬
‫ومن بعض أقوالهم في ذلك ما يلي)‪:(3‬‬
‫"‪ - 1‬يقول القس سيمون‪:‬‬
‫إن الوحدة السلمية تجمع آمال الشعوب السلمية‪ ،‬وتساعد التملص من‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السيطرة الوربية‪ ،‬والتبشير عامل مهم في كسر شوكة هذه الحركة‪ ،‬من‬
‫ول بالتبشير اتجاه المسلمين عن الوحدة السلمية‪.‬‬ ‫أجل ذلك يجب أن نح ّ‬
‫‪ -2‬ويقول المبشر لورنس براون‪:‬‬
‫ة على العالم‬ ‫ً‬ ‫لعن‬ ‫يصبحوا‬ ‫أن‬ ‫أمكن‬ ‫عربية‪،‬‬ ‫إمبراطورية‬ ‫إذا اتحد المسلمون في‬
‫وخطرًا‪ ،‬أو أمكن أن يصبحوا أيضا ً نعمة له‪ ،‬أما إذا بقوا متفرقين‪ ،‬فإنهم‬
‫يظلون حينئذ بل وزن ول تأثير‪.‬‬
‫ويكمل حديثه‪:‬‬
‫يجب أن يبقى العرب والمسلمون متفرقين‪ ،‬ليبقوا بل قوة ول تأثير‪.‬‬
‫‪ -3‬ويقول أرنولد توينبى في كتابه السلم والغرب والمستقبل‪:‬‬
‫إن الوحدة السلمية نائمة‪ ،‬لكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد‬
‫يستيقظ‪.‬‬
‫‪ -4‬وقد فرح غابرائيل هانوتو وزير خارجية فرنسا حينما انحل رباط تونس‬
‫الشديد بالبلد السلمية‪ ،‬وتفلتت روابطه مع مكة‪ ،‬ومع ماضيه السلمي‪ ،‬حين‬
‫فرض عليه الفرنسيون فصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية‪.‬‬
‫‪ -5‬من أخطر ما نذكره من أخبار حول هذه النقطة هو ما يلي‪:‬‬
‫في سنة ‪ 1907‬عقد مؤتمر أوربى كبير‪ ،‬ضم أضخم نخبة من المفكرين‬
‫والسياسيين الوربيين برئاسة وزير خارجية بريطانيا الذي قال في خطاب‬
‫الفتتاح‪:‬‬
‫إن الحضارة الوروبية مهددة بالنحلل والفناء‪ ،‬والواجب يقضى علينا أن‬
‫نبحث في هذا المؤتمر عن وسيلة فعالة تحول دون انهيار حضارتنا‪.‬‬
‫واستمر المؤتمر شهرا ً من الدراسة والنقاش‪.‬‬
‫واستعرض المؤتمرون الخطار الخارجية التي يمكن أن تقضى على الحضارة‬
‫الغربية الفلة‪ ،‬فوجدوا أن المسلمين هم أعظم خطر يهدد أوربا‪.‬‬
‫فقرر المؤتمرون وضع خطة تقضي ببذل جهودهم كلها لمنع إيجاد أي اتحاد أو‬
‫اتفاق بين دول الشرق الوسط‪ ،‬لن الشرق الوسط المسلم المتحد يشكل‬
‫الخطر الوحيد على مستقبل أوربا‪.‬‬
‫وأخيرا ً قرروا إنشاء قومية غربية معادية للعرب والمسلمين شرقي قناة‬
‫السويس‪ ،‬ليبقى العرب متفرقين‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الفتاوى ‪.22/252‬‬
‫)‪ (2‬الفتاوى ‪ ،11/92‬وينظر فقه الئتلف للخزندار‪.‬‬
‫)‪ (3‬مستقاة من كتاب‪ :‬قادة الغرب يقولون دمروا السلم أبيدوا أهله‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫وبذا أرست بريطانيا أسس التعاون والتحالف مع الصهيونية العالمية التي‬


‫كانت تدعو إلى إنشاء دولة يهودية في فلسطين"‪.‬‬
‫وقد ترجم المنصرون وأتباعهم تلك التصورات إلى حركات ونعرات عنصرية‬
‫أو قومية نجحت في التأليب على دولة الخلفة السلمية وفي تفكيك عرى‬
‫الخوة بين المؤمنين عربا ً وتركًا‪.‬‬
‫وإذا تأملت رواد حركة القومية العربية وجدت "كثرة كبيرة من رجال الرعيل‬
‫الول في هذه الحركة وفي هذا البعث من مسيحيي لبنان‪ ،‬مثل البستاني‬
‫ميل وتقل ومشاقة وزيدان‬ ‫واليازجي والشدياق وأديب إسحاق ونقاش وش ّ‬
‫ونمر وصروف‪ .‬وأغلبهم ممن اتصلوا بالرساليات النجيلية المريكية التي‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بدأت تتوارد على بيروت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لنشر‬
‫مذهبهم البروتستانتي‪ .‬وأكثرهم في الوقت نفسه قد رموا بالماسونية‪،‬‬
‫فإبراهيم اليازجي )‪1906 – 1847‬م( وأبوه ناصيف اليازجي )‪– 1800‬‬
‫‪1871‬م( كانا على صلة حسنة بالرساليات المريكية النجيلية‪ ،‬وكانا يترددان‬
‫على مطبعتهم في بيروت التي كان يشرف عليها وقتذاك الدكتور فانديك‪.‬‬
‫وقد علم اليازجي الكبير في مدارسهم‪ ،‬وأعان ابنه في ترجمتهم التوراة إلى‬
‫العربية‪ ،‬ثم قدم بعد ذلك إلى مصر ومات بها‪ ،‬واحتفلت المحافل الماسونية‬
‫في القاهرة والسكندرية بتأبينه‪ ،‬وهو صاحب قصيدتين مشهورتين في‬
‫استنهاض همم العرب ودعوتهم إلى إحياء أمجاد آبائهم‪ ،‬ورفض التجبر‬
‫والستبداد‪ ،‬وفيهما دعا قومه من العرب إلى الثورة على التراك‪ ،‬وختم‬
‫قصيدته مهددا ً الترك بقوله‪:‬‬
‫ب‬‫ل ُترفع الحج ُ‬‫صبرا ً هيا أمة الترك التي ظلمت ‪ ...‬دهرا ً فعما قلي ٍ‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫لنطلبن بحد السيف مأربنا ‪ ...‬فلن يخيب لنا في جنبه أَر ُ‬
‫ب‬
‫ونتركن علوج الترك تندب ما ‪ ...‬قد قدمته أياديها فتنتح ُ‬
‫ب‬‫ومن يعش يَر و اليام مقبلة ‪ ...‬يلوح للمرء في أحداثها العج ُ‬
‫ومن مؤسسي هذه الدعوة أيضا ً بطرس البستاني )‪1883 – 1819‬م(‪ ،‬وقد‬
‫كان أيضا ً على صلة بدعاة المذهب النجيلي والبروتستانت من المريكان‪،‬‬
‫وتولي منصب الترجمة في قنصلية أمريكا ببيروت‪ .‬وأعان الدكتور سمث‬
‫المبشر المريكي ثم الدكتور فانديك من بعده في الترجمة البروتستانتية‬
‫للتوراة التي تمت في سنة ‪1864‬م‪ ،‬ثم طبعت في أمريكا سنة ‪.1866‬‬
‫وأعان الدكتور فانديك أيضا ً في إنشاء مدرسة عبية المريكية‪ ،‬وهي مدرسة‬
‫عليا ترجع أهميتها إلى أنها كانت تقوم بتدريس العلوم الحديثة من جغرافيا‬
‫وطبيعة وكيمياء ورياضة باللغة العربية‪ .‬وقد وضعت لذلك كتبا ً خاصة قامت‬
‫بطبعها‪ ،‬فشاركت بذلك في حركة الحياء العربية‪ ...‬ومن الذين شاركوا في‬
‫هذه الدعوة أيضا ً من مسيحيي لبنان فارس الشدياق )‪ ،(1887 – 1801‬الذي‬
‫تسمى بعد إسلمه‪ ...‬بأحمد‪ ،‬واتبع المذهب النجيلي على يد المرسلين‬
‫المريكان‪ ،‬فتولوا حمايته من بطش رجال الكليروس الذين حبسوا أخاه‪،‬‬
‫وعذبوه حتى مات في سجنهم بسبب تغييره مذهبه‪ .‬حضر على نفقتهم إلى‬
‫مصر في أيام محمد علي‪ ،‬ثم طوف كثيرا ً بين دول أوروبا والستانة وتونس‬
‫ومصر‪ .‬ووصف كثيرا ً من هذه السفار في صحيفته )الجوائب( التي أصدرها‬
‫سنة ‪1277‬هـ‪ .‬وقد استدعته جمعية ترجمة التوراة البروتستانتية في لندن‬
‫سنة ‪1848‬م فأعان في ترجمتها إلى العربية‪ .‬وله كتب كثيرة تغلب عليها‬
‫النزعة اللغوية‪ ..‬ومن دعائم هذه الدعوة أيضا ً سليم تقل مؤسس صحيفة‬
‫)الهرام( المصرية )‪1892 – 1849‬م(‪ .‬تلقى علومه في مدرسة عبية التي‬
‫أنشأها المبشر المريكي الدكتور فانديك أحد مؤسسي الجامعة المريكية‪،‬‬
‫التي بدأت سنة ‪1866‬م باسم )الكلية السورية النجيلية(‪.‬‬
‫ومنهم جرجي زيدان )‪1914 – 1861‬م( الذي كان على صلة بالمبعوثين‬
‫المريكان‪ .‬وكان يدعى إلى احتفالت الخريجين بكليتهم‪ ،‬ثم التحق بالجامعة‬
‫المريكية سنة ‪ 1881‬لدراسة الطب‪ ،‬وغادرها دون أن يتم دراسته في العام‬
‫التالي‪ .‬وهو صاحب المباحث المعروفة في اللغة العربية وآدابها‪ .‬ومؤلف‬
‫سلسلة من القصص التاريخية العربية‪ ...‬ومنذ ذلك الوقت نشأت التفرقة بين‬
‫العروبة والسلم على يد هذه الطائفة من المفكرين والكتاب من نصارى‬
‫الشام")‪.(1‬‬
‫ولهذا لم يكن مستغربا ً أن ينقلب الشاعر العراقي معروف الرصافي على‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دعاة الجامعة العربية حين عقدوا مؤتمرهم في باريس سنة ‪ 1913‬بعد أن‬
‫كان مؤيدا ً لهم بشد أزر دعوتهم بشعره‪ ،‬وذلك في قصيدته )ما هكذا( التي‬
‫بدأها بقوله‪:‬‬
‫أصبحت أوسعهم لوما ً وتثريبا ً ‪ ...‬لما امتطوا غارب الفراط مركوبا ً‬
‫وفيها يقول‪:‬‬
‫قوَبا)‪(2‬‬ ‫رج ال ُ‬ ‫لبصر في )بيروت( َقائ ِب َ ً‬
‫ة ‪ ... ...‬لل ّ‬ ‫إني ُ‬
‫خ ِ‬
‫نت ُ‬
‫ةأ ْ‬
‫شك ً‬
‫شرِ مو ِ‬
‫ز( تأل َّبهم ‪ ... ...‬ما كنت أحسبهم قوما ً مناكيبا‬ ‫لو كان في غير )باري ٍ‬
‫ً‬
‫مُعها ‪ ... ...‬ترنو إلى الشام تصعيدا وتصويبا‬ ‫لكن )باريَز( مازالت مطا ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬السلم والحضارة الغربية للدكتور محمد محمد حسين ص ‪ 225‬باختصار‬
‫وتصرف‪.‬‬
‫)‪ (2‬لعله أراد بالقائبة التي تقوب والتقويب فلق الطير بيضه‪ ،‬فشبه الشر‬
‫بتلك الحال للطائر‪ ،‬والقوبا‪ :‬الفراخ وأراد به طير الشر‪ .‬والعرب تقول‪:‬‬
‫ب‪ :‬أي بيضة من فرخ‪.‬‬ ‫ة من قُوَ ٍ‬‫ت َقائ ِب َ ٌ‬
‫ص ْ‬‫خل ّ َ‬
‫تَ َ‬

‫)‪(14 /‬‬

‫ل يوم في سياستها ‪ ... ...‬تلقي العراقي َ‬


‫ل فيها والعراقيبا‬ ‫ولم تزل ك ّ‬
‫ك من الشام الهاضيا‬ ‫هل يأمن القوم أن يحتل ساحتهم ‪ ... ...‬جيش َيد ّ‬
‫وما قاله تحقق فما انتهت الحرب العالمية الولى إل ّ والشام وغيرها من بلد‬
‫السلم موزعة بحسب القسمة التي تنبأ بها شكيب أرسلن في خطابه‬
‫الموجه إلى الشريف حسين حين بلغه عزمه على غزو سوريا مع جيوش‬
‫الحلفاء في الحرب العالمية الولى‪ .‬فأرسل ينهاه عن المضي فيما هو فيه‬
‫من دعوة زعماء السوريين للخروج على الدولة العثمانية‪ ،‬واللتحاق بالجيش‬
‫الحسيني العربي‪ ،‬ويحذره عاقبة هذه الغارات التي يضرب فيها العرب‬
‫بالعرب‪ ،‬فيقول له فيما يقول‪" :‬أتقاتل العرب بالعرب أيها المير‪ ،‬حتى تكون‬
‫ثمرة دماء قاتلهم ومقتولهم استيلء إنجلترا على جزيرة العرب‪ ،‬وفرنسا على‬
‫ل‪" :‬قل‬‫سورية‪ ،‬واليهود على فلسطين؟"ثم يخاطب القائمين بالدعوة قائ ً‬
‫لهؤلء القائمين بالدعوة العربية‪ ،‬الناهضين لحفظ حقوقها وأخذا تاراتها‪ :‬ماذا‬
‫إلى اليوم أمنوا من حقوق العرب بقيامهم؟‬
‫يقولوا لنا‪ :‬ماذا أقاموا للعرب من الملك حتى نشكرهم‪ ،‬ونقر بفضلهم‪ ،‬لننا‬
‫عرب نحب كل من أحب العرب‪ ،‬ونبغض كل من أبغض العرب‪ ،‬ول نبالي‬
‫بالقيل والقال أمام الحقائق")‪.(1‬‬
‫وحتى لنستغرق في الستطراد نرجع فنؤكد على التأثير النصراني في تفرقة‬
‫المسلمين‪ ،‬وننبه إلى أنه لم يكن وليد العصر الحديث ولكنه اشتد ونجح في‬
‫القرون الخيرة فأتى أكله وثماره المريرة‪ ،‬وليعني ذلك بحال عدم وجود‬
‫محاولت قديمة من النصارى لتفريق صف المسلمين بل كانت لهم صولت‬
‫وجولت كان لها أثرها الفعال في شق صف أمة السلم‪.‬‬
‫فـ"المراجع القديمة تثبت لنا أن القدرية أخذوا أقوالهم في القدر عن‬
‫النصرانية‪ ،‬وتذكر لنا اسمين ارتبط بهما شيوع ذلك التجاه ونقله إلى‬
‫المسلمين‪ ،‬وهما معبد الجهني وغيلن الدمشقي‪ ،‬قال ابن قتيبة رحمه الله‬
‫عن غيلن‪ :‬كان قبطيا ً قدريًا‪ ،‬لم يتكلم أحد في القدر قبله‪ ،‬ودعا إليه معبد‬
‫الجهني‪ ..‬ونحوا ً مما ذكره ابن قتيبة نقل عن الوزاعي وابن نباتة والمقريزي‬
‫وغيرهم")‪.(2‬‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فأثر النصارى في اختلف المسلمين قديم‪ ،‬وأما أثر اليهود فهو أظهر وأخطر‬
‫في القديم والحديث‪ ،‬ولعله ليتسع المقام لبسطه‪ ،‬وقد ركزت على الثر‬
‫النصراني لخفائه عن البعض‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬آثار الفتراق المذموم‪.‬‬
‫لن يتناول الحديث آثار الفتراق المحمود والذي مضت الشارة إليه‪ ،‬فالغالب‬
‫أن آثاره حميدة‪ ،‬ومنها التنوع في أساليب عرض الخير‪ ،‬وتعدد التخصصات‬
‫الدعوية والسلمية‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫ولكني سأتناول الثار السلبية للفتراق المذموم‪ ،‬ولن أطيل في تفصيلها‬
‫خاصة وأن الواقع يحكيها ويلقي دروسا ً مفصلة فيها ويشرحها شرحا ً مسهبا‪ً،‬‬
‫ولعل من أهمها ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬الضعف والعجز‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫والنتيجة الطبيعية لذلك تخلف النصر وفشل المة وعجزها‪ ،‬قال الله تعالى‪:‬‬
‫)وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا‬
‫إن الله مع الصابرين(‪.‬‬
‫عوا( تنازعا يوجب تشتت القلوب وتفرقها‪،‬‬ ‫قال ابن سعدي‪)" :‬وََل ت ََناَز ُ‬
‫م( أي‪ :‬تنحل عزائمكم‪ ،‬وتفرق قوتكم‪،‬‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫شُلوا ( أي‪ :‬تجبنوا )وَت َذ ْهَ َ‬
‫ب ِري ُ‬ ‫)فَت َ ْ‬
‫ف َ‬
‫ويرفع ما وعدتم به من النصر على طاعة الّله ورسوله")‪.(3‬‬
‫وفي الية السابقة "عوامل النصر الحقيقية‪ :‬الثبات عند لقاء العدو‪ .‬والتصال‬
‫بالله بالذكر‪ .‬والطاعة لله والرسول‪ .‬وتجنب النزاع والشقاق‪ .‬والصبر على‬
‫تكاليف المعركة‪ .‬والحذر من البطر والرئاء والبغي‪.(4)"..‬‬
‫وقد علم العقلء بأن الجتماع سبب قوة ومنعة‪..‬‬
‫كونوا جميعا ً يا بني إذا اعترى ‪ ...‬خطب و ل تتفرقوا أفرادا‬
‫تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا ً ‪ ...‬و إذا افترقن تكسرت آحادا‬
‫ثانيًا‪ :‬هلك المة‪.‬‬
‫صح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫)ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلفهم على‬
‫أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء‬
‫فدعوه()‪.(5‬‬
‫قال في تحفة الحوذي‪" :‬واختلفهم عطف على الكثرة ل على السؤال لن‬
‫نفس الختلف موجب للهلك بغير الكثرة")‪.(6‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬السلم والحضارة الغربية للدكتور محمد محمد حسين ص ‪ 225‬بتصرف‪.‬‬
‫)‪ (2‬الماتوريدية للدكتور أحمد الحربي ص ‪ 42-41‬باختصار‪.‬‬
‫)‪ (3‬تيسير الكريم المنان في تفسير كلم الرحمن‪ ،‬سورة النفال‪.46 :‬‬
‫)‪ (4‬الظلل‪ ،‬سورة النفال‪ ،‬الية ‪.46‬‬
‫)‪ (5‬البخاري ‪ ،6/2658‬ومسلم ‪ ،2/975‬وغيرهما‪.‬‬
‫)‪ (6‬تحفة الحوذي ‪.7/372‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫قال ابن القيم رحمه الله‪" :‬وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هلك‬
‫المم من قبلنا إنما كان باختلفهم على أنبيائهم وقال أبو الدرداء وأنس وواثلة‬
‫بن السقع خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في‬
‫شيء من الدين فغضب غضبا شديدا لم يغضب مثله قال ثم انتهرنا قال يا‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أمة محمد ل تهيجوا على أنفسكم وهج النار ثم قال أبهذا أمرتم أو ليس عن‬
‫هذا نهيتم إنما هلك من كان قبلكم بهذا وقال عمرو بن شعيب عن أبيه عن‬
‫ابني العاص أنهما قال جلسنا مجلسا في عهد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم كأنه أشد اغتباطا فإذا رجال عند حجرة عائشة يتراجعون في القدر‬
‫فلما رأيناهم اعتزلناهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلف الحجرة‬
‫يسمع كلمهم فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا يعرف في‬
‫وجهه الغضب حتى وقف عليهم وقال يا قوم بهذا ضلت المم قبلكم‬
‫باختلفهم على أنبيائهم وضربهم الكتاب بعضه ببعض وإن القرآن لم ينزل‬
‫لتضربوا بعضه ببعض ولكن نزل القرآن يصدق بعضه بعضا ما عرفتم منه‬
‫فاعملوا به وما تشابه فآمنوا به ثم التفت فرآني أنا وأخي جالسين فغبطنا‬
‫أنفسنا أن ل يكون رآنا معهم قال البخاري رأيت أحمد بن حنبل وعلي ابن‬
‫عبد الله والحميدي وإسحاق بن إبراهيم يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن‬
‫أبيه عن جده وقال أحمد بن صالح أجمع آل عبد الله على أنها صحيفة عبد‬
‫الله")‪.(1‬‬
‫ثالثًا‪ :‬العقوبات المعنوية‪.‬‬
‫روى البخاري وغيره عن عبادة بن الصامت‪" :‬أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم خرج يخبر بليلة القدر فتلحى رجلن من المسلمين فقال إني خرجت‬
‫لخبركم بليلة القدر وإنه تلحى فلن وفلن فرفعت")‪ (2‬الحديث‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬وفيه أن المخاصمة والمنازعة مذمومة وأنها سبب للعقوبة‬
‫المعنوية")‪ ،(3‬وقال ابن حجر‪" :‬قوله )فتلحى( بفتح الحاء المهملة مشتق من‬
‫التلحي بكسرها وهو التنازع والمخاصمة‪ ...‬قال القاضي عياض‪ :‬فيه دليل‬
‫على أن المخاصمة مذمومة‪ ،‬وأنها سبب في العقوبة المعنوية أي الحرمان")‬
‫‪.(4‬‬
‫رابعا‪ :‬الجهل بالحق والبعد عنه‪.‬‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫فإذا رأى طالب الحق أن أهله مختلفين فيه على أقوال عددا‪ ،‬وكل طرف‬
‫منهم شط فيما اختار‪ ،‬التبس المر عليه وربما نفر من الحق وأهله جراء‬
‫اختلفهم‪.‬‬
‫ونتيجة هذا أن يعيش أهل الحق غربة بين الناس‪:‬‬
‫م‬
‫حك ُ‬‫ّ‬ ‫وأي اغتراب فوق غربتنا التي ‪ ...‬لها أضحت العداء فينا ت َ َ‬
‫هذا والله نسأل أن يلم شعث المة‪ ،‬وأن يوحد صفها‪ ،‬وأن يجعل الدائرة لها‪،‬‬
‫إنه على ذلك قدير وبالجابة جدير‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من المفترقين‪:‬‬
‫يٍء(‪،‬‬‫ش ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ت ِ‬ ‫س َ‬ ‫شي ًَعا ل ّ ْ‬ ‫كاُنوا ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن فَّرُقوا ْ ِدين َهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫قال الله عزوجل‪) :‬إ ِ ّ‬
‫يقول القرطبي رحمه الله‪)" :‬إن الذين فرقوا دينهم( هم أهل البدع والشبهات‬
‫وأهل الضللة من هذه المة‪)،‬شيعًا( فرقا ً وأحزابا‪ ،‬وكل قوم أمرهم واحد يتبع‬
‫بعضهم رأي بعض؛ فهم شيع‪) ،‬لست منهم في شيء( فأوجب براءته منهم")‬
‫‪.(5‬‬
‫سادسا‪ :‬اسوداد وجوه طوائف من المفترقين يوم القيامة‪:‬‬ ‫ً‬
‫م‬‫جاءهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫فوا ْ ِ‬ ‫خت َل َ ُ‬‫فّرُقوا ْ َوا ْ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬
‫كوُنوا ْ َ‬ ‫كما قال الله تعالى‪) :‬وَل َ ت َ ُ‬
‫َ‬ ‫ت وَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ن‬ ‫ما ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫جوه ٌ فَأ ّ‬ ‫سوَد ّ ُ‬ ‫جوه ٌ وَت َ ْ‬ ‫ض وُ ُ‬ ‫م ت َب ْي َ ّ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬‫م عَ َ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬ ‫ال ْب َي َّنا ُ‬
‫َ‬ ‫م ت َك ْ ُ‬ ‫ذوُقوا ْ ال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ن وَأ ّ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫م فَ ُ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬ ‫فْرُتم ب َعْد َ ِإي َ‬ ‫م أك ْ َ‬ ‫جوهُهُ ْ‬ ‫ت وُ ُ‬ ‫سوَد ّ ْ‬ ‫ا ْ‬
‫ن(‪.‬‬‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ّ‬
‫مةِ اللهِ هُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫في َر ْ‬ ‫َ‬
‫مف ِ‬ ‫جوهُهُ ْ‬ ‫ت وُ ُ‬ ‫ض ْ‬ ‫ن اب ْي َ ّ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫هذا ما تيسر جمعه في عجالة‪ ،‬أسأل الله أن ينفع به وأن يرزقنا وإياكم العلم‬
‫والعمل‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫__________‬
‫)‪ (1‬إعلم الموقعين ‪.1/260‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري ‪.1/27‬‬
‫)‪ (3‬شرح النووي على مسلم ‪.8/63‬‬
‫)‪ (4‬الفتح ‪ 1/113‬باختصار‪ ،‬ومثلهما قال الشوكاني في النيل ‪.4/370‬‬
‫)‪ (5‬تفسير القرطبي ‪.7/150‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن‬
‫سيئات أعمالنا من يهده الله فل مضل له ومن يضلل فل هادي له وأشهد أن‬
‫ل إله إل الله وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله‬
‫عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا أما بعد السلم عليكم ورحمة‬
‫الله وبركاته وهذه ليلة الثنين الموافق للثالث والعشرين من الشهر العاشر‬
‫للعام الرابع عشر بعد الربعمائة واللف من الهجرة النبوية وعنوان هذا اللقاء‬
‫الخفياء ‪.‬‬
‫ولقد كنت تأملت ونظرت في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫الذي أخرجه ]مسلم[ في صحيحه في كتاب الزهد قوله "إن الله يحب العبد‬
‫التقي الغني الخفي" ولقد تأملت قوله صلى الله عليه وآله وسلم الخفي فما‬
‫زالت تلك الهواجس والفكار والسئلة تدور في الخاطر المكدود من هو هذا‬
‫العبد الخفي؟ من هو هذا الخفي الذي أحبه الله سبحانه وتعالى فقلت فلربما‬
‫أنه أو أنهم الذين قد عرفوا ربهم وعرفهم سبحانه وتعالى فأحبوه وأحبهم‬
‫وحرصوا أن يكون بينهم وبين الله أسرار وأسرار والله سبحانه وتعالى يعلم‬
‫أسرارهم فكان خيرا لهم وقلت ولربما أنهم هم النقياء التقياء فما اجتهدوا‬
‫في إخفاء أعمالهم إل لخوفهم من ربهم وخوفهم من فساد أعمالهم بالعجب‬
‫والغرور وهجمات الرياء وطلب الثناء والمحمدة من الناس فقلت فلربما أنهم‬
‫هم الجنود المجهولون الناصحون العاملون الذين قامت على سواعدهم هذه‬
‫الصحوة المباركة فكم ناصح وكم من مرب وكم من داع للحق وكم من كلمة‬
‫وكم من رسالة وكم من شريط طار في كل مطار وصارت فيه الركبان كانت‬
‫خلفه أخفياء وأخفياء فهنيئا لهم ثم هنيئا لهم وقلت فلربما أنهم أيضا هم‬
‫الساجدون الراكعون في الخلوات فكم من دعوة في ظلمة الليل شقت عنان‬
‫السماء وكم من دمعة بللت الرض وبهذه الدمعات وبهذه السجدات حفظنا‬
‫وحفظ أمننا ُرزِقَْنا وسقانا ربنا وقلت فلربما أن الخفياء هم الذين يسعون في‬
‫ظلمة الليل ليتحسسوا أحوال الضعفاء والمساكين والرامل واليتام لطعام‬
‫الطعام وبذل المال ليفكوا بها كربة مكروب وليفرجوا بها هم أرملة ضعيفة‬
‫شديدة الحال كثيرة العيال وقلت فلربما أن الخفياء هم أولئك الذين ل‬
‫يعرفهم الناس هم أولئك الذين ل يعرفهم الناس أو الذين ل يعرف أعمالهم‬
‫الناس ولكن الله سبحانه وتعالى يعرفهم وكفي بالله شهيدا فهنيئا لهم ثم‬
‫قلت وما الذي يمنع أن يكونوا أولئك جميعا ما الذي يمنع أن تكون هذه‬
‫الصفات كلها صفات لولئك الخفياء ولذلك ترددت كثيرا في الحديث عن هذا‬
‫الموضوع فما كان لمثلي أن يتحدث عن مثلهم وأستغفر الله جل وعل ونحن‬
‫أعرف بأنفسنا من جرأتنا مع قصورنا وتقصيرنا وقد قالها ]عبد الله بن‬
‫المبارك[ ردد ذلك البيت عندما قال‬
‫ل تعرضن بذكرنا في ذكرهم‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد‬


‫رحمك الله يا ابن المبارك عندما قلت هذا البيت تعني به نفسك فماذا نقول‬
‫نحن إذا ً عن أنفسنا ورحم الله القائل أحب الصالحين ولست منهم وأرجو أن‬
‫أنال بهم شفاعة وأكره من سجيته المعاصي وإن كنا سواء في الضاعة‬
‫ولماذا الحديث عن الخفياء؟ كان الحديث عن الخفياء لنني ولربما لنك أيضا‬
‫نظرت لحال أولئك الرجال الذين نسمع قصصهم بل ونري أثارهم ومصنفاتهم‬
‫ونري أنهم أحياء بذكرهم وبعلمهم وبنفعهم وإن كانوا في بطن الرض أموات‬
‫بتلك الجساد الطيبة الطاهرة فأسأل وتسأل معي ما هو السر في حياة‬
‫أولئك الرجال والسر هو توجه القلب كل القلب لله جل وعل توجهت قلوب‬
‫أولئك الرجال فنالوا ما نالوا ووصل سمعهم إلى عصرنا الحاضر فكان القلب‬
‫عمله وعلمه لله سبحانه وتعالى وكان حبه وبغضه لله وقوله وفعله لله‬
‫حركاته وثكناته لله دقه وجله لله سره وعلنيته لله يوم أن كانت اليات هي‬
‫الشعارات التي ترفع وهي الكلمات التي تتردد في القلب قبل اللسان وفي‬
‫كل مكان )قل إن صلتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين( هكذا‬
‫كانت اليات ترفع فامتلت بها القلوب أما اليوم فتعال وانظر لحالنا يا أخي‬
‫الكريم انظر لحالنا كأفراد فقلوبنا شذر مدر ونفوسنا عجب وكبر وأفعالنا‬
‫تزين وإظهار وأقوالنا لربما كانت طلب الشتهار‪ ،‬همومنا في الملذات وحديثنا‬
‫في الشهوات وصدق صلى الله عليه وآله وسلم بقوله" كثرة سؤال وإضاعة‬
‫ل وقال" إل من رحم الله منا وانظر لحالنا كأمة ذل ومهانة وهوان‬ ‫للمال وقي ٍ‬
‫واحتقار ول داعي إلى أن أواصل الكلم عن حال هذه المة في هذا العصر‬
‫ولكني أسوق لك دليل قريبا في شهر رمضان ثلث مذابح للمسلمين ثلث‬
‫مذابح للمسلمين مذبحة السوق في <سراييفو> ومذبحة البراهيمي في‬
‫فلسطين ومذبحة في السودان أكان يكون ذلك يا أخي الحبيب لو كانت‬
‫القلوب متوجهة إلى الله بصدق ل والله أقولها ثقة بالله سبحانه وتعالى ل‬
‫والله ل يكون هذا الذل وهذا الحتقار لهذه المة لو توجهت قلوب أصحابها‬
‫وتوجهت قلوب المسلمين إلى الله جل وعل ‪ ،‬ربما معتصماهم قلقت‬
‫‪،‬لمست ملء أفواه الصبايا اليتامى‪،‬‬
‫لمست أسماعهم لكنها‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ ...‬لم تلمس نخوة المعتصم‬


‫إذا ً فالسر في حياة أولئك هو التوحيد لله ليس التوحيد قول كلنا نقول ل إله‬
‫إل الله ولكنه التوحيد القلبي يوم أن تكون الفعال والقوال وحركات القلب‬
‫وثكناته كلها لله سبحانه وتعالى ‪،‬عرف هذا السر أولئك الخفياء فكانت الدنيا‬
‫لهم والخرة دارهم ثم أيضا سبب آخر ومهم جدا عن الحديث عن الخفياء فيا‬
‫أخي الحبيب ويا أختي المسلمة إن فقدت العمال والقوال أيا كان نوعها إن‬
‫فقدت خلوص النية لله جل وعل انتقلت من أفضل الطاعات إلى أحق‬
‫المخالفات والعياذ بالله ألم تسمع لذلك الحديث المفزع للقلوب الذي كلما‬
‫أراد ]أبو هريرة[ رضي الله تعالى عنه وأرضاه أن يرويه لنا أو يرويه لصحابه‬
‫وقع مغشيا عليه يفعل ذلك ثلث مرات أو أربعة من هول ذلك الحديث‬
‫المفزع حديث "أول ثلث تسعر بهم النار يوم القيامة قارئ القرآن ‪ ،‬المجاهد‬
‫‪ ،‬المتصدق بماله" أفضل الطاعات وأفضل القربات إلى الله جل وعل يوم‬
‫صرفت لغير الله أصبحت أحق المخالفات بل أصبحت هي التي تقود أصحابها‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى النار والعياذ بالله وهذا الحديث لما سمعه ]معاوية[ رضي الله تعالى عنه‬
‫وأرضاه قال قد فعل بهؤلء هذا فكيف بمن بعدهم فكيف بمن بعدهم أو‬
‫فكيف بمن بغي من الناس ثم بكي معاوية رضي الله تعالي عنه وأرضاه بكاءً‬
‫شديدا يقول الراوي حتى ظننا أنه هالك انظر صحابة رسول الله يغشون على‬
‫أنفسهم عندما يسمعون هذا الحديث فماذا نقول نحن عن أنفسنا يقول‬
‫الراوي حتى ظننا أنه هالك ثم أفاق معاوية ومسح وجهه ودمعه بيده رضي‬
‫الله تعالى عنه وقال صدق الله ورسوله صدق الله ورسوله )من كان يريد‬
‫الحياة الدنيا وزينتها نوفي إليهم أعمالهم بها وهم فيها ل يبخسون أولئك الذين‬
‫ليس لهم إل النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون( لنهم فعلوا‬
‫ذلك ليقال قارئ وليقال متصدق وليقال جريء ول شيء يحطم العمال مثل‬
‫الرياء ومثل التسميع بأن يقول فلن سمعت وعلمت وفعلت وجئت وذهبت‬
‫مسمعا للناس بأفعاله عياذا بالله فالتزم رعاك الله التزم التخلص من كل‬
‫الشوائب التي تشوب هذه النية كحب الظهور أو التفوق على القران أو‬
‫الوصول لغراض وأعراض من جاه أو مال أو سمعة أو طلب لمحمدة وثناء‬
‫الناس فإن هذه وأمثالها قاصمة للظهر متي شابت النية ‪.‬ولذلك النظر لحياة‬
‫الخفياء ولحوالهم ومدارسة أمورهم من أعظم السباب للوصول إلى طريق‬
‫المخلصين جعلني الله وإياك منهم ثم سبب ثالث لهمية الخلص ولخطر‬
‫الرياء ولرجوع الناس إلى الله جل وعل ولكثرة أعمال البر والخير والدعوة‬
‫إلى الله من الرجال والنساء في حد سواء ولقبال الناس عموما على‬
‫العبادات وحرصهم على الخيرات والحمد لله مما نراه من الناس في هذه‬
‫الفترة المتأخرة كان ل بد من طرح هذا الموضوع لئل تذهب هذه العمال‬
‫سد َىً من حيث ل يشعرون كان لزاما أن نتحدث في‬ ‫وهذه العبادات عليهم ُ‬
‫مثل هذا الموضوع وقد كان أهل العلم يحبون أن يتخصص أناس للحديث عن‬
‫النية وبيانها للناس ولذلك تكلمنا عن هذا الموضوع تذكيرا وتنبيها وتحذيرا‬
‫لشدة الحاجة إليه‪ ،‬والخفياء منهج شرعي ولذلك اسمع أيها المحب لقول‬
‫الحق عز وجل وإن تخفوها ـ الصدقة ـ )وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير‬
‫لكم( فهو خير لكم فهذه الية كما يقول الحافظ ] ابن حجر[ رحمه الله تعالى‬
‫ظاهرة في تفويض صدقة السر وإخفائها ويقول سبحانه ) ادعوا ربكم تضرعا‬
‫وخفية إنه ل يحب المعتدين( ويقول المصطفي صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم ل ظل إل ظله قال "ورجل‬
‫تصدق بصدقة فأخفاها حتى ل تعلم شماله ما صنعت يمينه" انظر لدقة‬
‫الخفاء في هذه الصدقة وقد أخرجه ]البخاري[ و]مسلم[ في حديث أبي‬
‫هريرة وقال أيضا الحافظ ابن حجر وهو من أقوى الدلة على أفضلية إخفاء‬
‫الصدقة وفي الحديث نفسه صورة أخري يذكرها صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫"ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" ثم حديث الرجل الذي تصدق ليل على‬
‫سارق وعلى زانية وعلى غني وهو ل يعلم بحالهم والحديث أخرجه البخاري‬
‫ومسلم من حديث أبي هريرة ووجه الدللة من هذا الحديث على أن الخفياء‬
‫منهج شرعي أن الصدقة المذكورة وقعت بالليل لقوله صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم في الحديث فأصبحوا يتحدثون بل وقع رواية أو لفظا صريحا كما في‬
‫مسلم لقوله صلى الله عليه وآله وسلم على لسان الرجل لتصدقن الليلة‬
‫لتصدقن الليلة فدل ذلك على أن صدقته كانت سرا في الليل إذ لو كانت‬
‫هذه الصدقة بالجهر نهارا لما خفي عنه حال من؟ حال من؟ حال الغني‬
‫بخلف حال الزانية وحال أيضا السارق فالغني ظاهرة حاله فلذلك كانت‬
‫الصدقة سرا ً في الليل وأيضا حديث النافلة صلة النافلة في البيوت فمن‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حديث ]زيد بن ثابت[ رضي الله تعالى عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم قال "صلوا أيها الناس في بيوتكم صلوا أيها الناس في بيوتكم‬
‫فإن أفضل صلة المرء في بيته إل المكتوبة" رواه ]النسائي[ و]ابن خزيمة[‬
‫في صحيحه وإسناده صحيح وروى ]البيهقي[ أيضا‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بإسناد جيد أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال "فضل صلة الرجل في بيته‬
‫على صلته حيث يراه الناس" انظر الشاهد حيث يراه الناس إذا فالختفاء‬
‫عن أعين الناس في صلة النافلة ل شك أنه أفضل يقول النبي صلى الله‬
‫عليه وآله وسلم" فضل صلة الرجل في بيته على صلته حيث يراه الناس‬
‫كفضل الفريضة على التطوع" كفضل الفريضة على التطوع ومن حديث‬
‫]جندب بن عبد الله[ رضي الله تعالى عنه كما أخرج البخاري ومسلم قال‬
‫مع الله به" من سمع أي‬ ‫قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم "من سمع س ّ‬
‫من سمع الناس بأعماله وأقواله التي ل يراها الناس رؤيا وإنما يسمعها لهم‬
‫معَ سمع الله به ومن يرائي يرائي الله به"‬ ‫س ّ‬
‫تسميعا في قوله يقول "من َ‬
‫ومن حديث ]عبد الله بن عمر[ رضي الله تعالى عنها قال سمعت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وآله وسلم يقول "من سمع الناس بعمله سمع الله به مسامع‬
‫خلقه وصغره وحقره " أخرجه أحمد في مسنده والطبراني والبيهقي وإسناده‬
‫صحيح وذكر الذهبي في السير في ترجمة ]عبد الله بن داود الخريبي[ أنه‬
‫رضي الله تعالى عنه قال كانوا يستحبون أي السلف الصالح كانوا يستحبون‬
‫أن يكون للرجل خبيئة كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح‬
‫ل تعلم به زوجته ‪،‬ول غيرها زوجته ول غيرها وذكر المام ]وكيع بن الجراحي‬
‫في كتابه الزهد والمام ]النجم السري[ في كتاب الزهد أيضا أن ]الزبير بن‬
‫العوام[ قال من استطاع منكم أن يكون له خبأ ُ من عمل صالح فليفعله من‬
‫استطاع منكم أن يكون خبأ من عمل صالح فليفعله وسنذكر بمشيئة الله‬
‫صور عديدة لحياة كثير من السلف تدل على أن هذا المر كان منهجا لهم‬
‫وكانوا يحرصون عليه ويتمسكون به وهل العمال تخفي دائما قد يقول قائل‬
‫بعد سماع ما تقدم وهل نخفي أعمالنا دائما فل نظهر منها شيئا أبدا منها إذا‬
‫الجابة على هذا السؤال يتفضل بها شيخ السلم ]ابن القيم[ رحمه الله‬
‫تعالى في كتابه مدارج السالكين الجزء الثاني صفحة أربع وثمانين عندما قال‬
‫‪-‬فصل‪ -‬قوله ول مشاهدا لحد فيكون متزينا بالمراءاة قال ابن القيم رحمه‬
‫الله تعالى هذا فيه تفصيل أيضا وهو أن المشاهدة والمشاهدة يقصد بها‬
‫مشاهدة الناس لك أثناء العمل وهو أن المشاهدة في العمل لغير الله نوعان‬
‫انتبه جيدا أول مشاهدة تبعث عليه أو تقوي باعثه تبعث على العمل أو تقويه‬
‫على العمل فهذه المراءاة خالصة أو مشوبة كما أن المشاهدة القاطعة عنه‬
‫من الفات والحجب كما أن المشاهدة تجعلك تقطع العمل بتاتا أيضا هي من‬
‫الفات والحجب ثم يقول ومشاهدة أي أخري ل تبعث عليه ول تعين الباعث‬
‫بل ل فرق عنده أي عند صاحبها بل ل فرق عنده بين وجودها وعدمها ل يهمه‬
‫يراه الناس أو ل يروه فهذه ل تدخله في التزين والمراءاة ‪،‬ولكنما عند‬
‫المصلحة الراجحة في المشاهدة إذا كان هناك مصلحة راجحة ما هي‬
‫المصلحة؟ يقول ابن القيم إما *** ورعاية كمشاهدة مريض أو مشرف على‬
‫هلكة يخاف وقوعه فيها أو مشاهدة عدو يخاف هجومه كصلة الخوف عند‬
‫المواجهة أو مشاهدة ناظر إليك يريد أن يتعلم منك يريد أن يتعلم منك‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فتكون محسنا إليه بالتعليم وإلى نفسك بالخلص فتكون محسنا إليه بالتعليم‬
‫وإلى نفسك بالخلص أو قرب منك للقتداء وتعريف الجاهل يقول ابن القيم‬
‫هذا رياء محمود فهذا رياء محمود والله عنده أو والله عند نية القلب وقصده‬
‫ثم يقول رحمه الله تعالى فالرياء المذموم أي يكون الباعث قصد التعظيم‬
‫والمدح أن يكون الباعث قصد التعظيم والمدح والرغبة فيما عند من ترائيه أو‬
‫الرهبة منه وأما ما ذكرنا من قصد رعايته أو تعليمه أو إظهار السنة وملحظة‬
‫هجوم العدو ونحوا ذلك فليس في هذه المشاهد رياء بل قد يتصدق العبد رياء‬
‫بل قد يتصدق العبد رياء مثل وتكون صدقته فوق صدقة صاحب السر اسمع‬
‫الكلم العجيب بل قد يتصدق العبد رياء فتكون صدقته فوق صدقة صاحب‬
‫السر مثال ذلك يقول ابن القيم رجل مغرور سأل قوما ما هو محتاج إليه‬
‫فعلم رجل منهم أنه إن أعطاه سرا حيث ل يراه أحد لم يقتدي به أحد ولم‬
‫يحصل له سوي تلك العطية وأنه إن أعطاه جهرا اقتدي به واتبع وأنف‬
‫الحاضرون من تفرده عنهم بالعطية فجهر له بالعطاء وكان الباعث له على‬
‫الجهر إرادة سعة العطاء عليه من الحاضرين فهذه مراءاة محمودة حيث لم‬
‫يكن الباعث عليها قصد التعظيم والثناء وصاحبها جدير بأن يحصل له مثل‬
‫أجور أولئك المعطيين انتهى كلمه الجميل رحمه الله تعالى وينقل لنا أيضا‬
‫الحافظ ابن حجر في فتح الباري لما تكلم عن صدقة الفرد وصدقة النفل‬
‫وهل الفضل إعلنهما أو إخفائهما قال رحمه الله تعالى ينقل عن] الزين[ في‬
‫المنير قال لو قيل إن ذلك يختلف ـ أي الخفاء أو الظهار ـ إن ذلك يختلف‬
‫باختلف الحوال لما كان بعيدا يختلف باختلف الحوال لما كان بعيدا فإذا‬
‫كان المام مثل جائرا ً ومال من وجبت عليه ـ أي الزكاة صدقة الفرد ـ ‪ ،‬ومال‬
‫من وجبت عليه مخفيا ً فالسرار أولى وإن كان المتبرع ممن يقتدى به ويتبع‬
‫وتنبعث الهمم على التطوع بالنفاق‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وسلم قصده فالظهار أولى… انتهى كلمه رحمه الله تعالى ومن هنا نعلم‬
‫أيها الحبة أنه ليس دائما تخفى العمال بل قد يظهر النسان أعماله لمصلحة‬
‫راجحة كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى أخفياء ولكن يكثر في هذا‬
‫الزمن الخفياء ولكنهم أخفياء من نوع آخر أخفياء يختفون عن أعين الناس‬
‫ويحرصون كل الحرص أل يتطلع أحد من الناس على أعمالهم هؤلء الخفياء‬
‫هم الذين أخبر عنهم النبي صلي الله عليه وآله وسلم بقوله "لعلمن أقواما‬
‫من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله عز‬
‫وجل هباء منثورا "أعوذ بالله أعوذ بالله يقول راوي الحديث ]ثوبان[ رضي‬
‫جل ِّهم لنا أل نكون منهم ونحن ل نعلم‬
‫الله تعالى عنه يا رسول الله صفهم لنا َ‬
‫اسمع ثوبان الصحابي الجليل والذي يقول أل نكون منهم ونحن ل نعلم‬
‫فرحمك الله يا ثوبان رضي الله تعالى عنك قال النبي صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم "أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون‬
‫ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارب الله انتهكوها" ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارب‬
‫الله انتهكوها أخرجه ابن ماجة من حديث ثوبان بسند صحيح وأخفياء من نوع‬
‫آخر وهم المقصرون الفاترون أهل الخمول والكسل فلو أنك نصحت أحدهم‬
‫وصارحته بحاله وسألته عن أعماله فقلت له مثل ماذا حفظت من القرآن؟‬
‫وهل تحرص على صيام النوافل أم ل؟ أنت تريد الخير بنصحه وتريد مكاشفته‬
‫بحاله حتى يري حاله على حقيقتها فتسأله هذه السئلة ليجيب هو على نفسه‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتقول له ماذا قدمت للسلم؟ وهل تنكر المنكرات؟ وهل وهل؟ إلى غيرها‬
‫من السئلة التي تبين حقيقته أمام نفسه لجابك هذا الشخص بقوله هذا بيني‬
‫وبين الله ‪ ،‬هذا بيني وبين الله وهل كل عمل أعمله ل بد أن أطلعك عليه‬
‫انظر هو الن ماذا يخفي هو يظهر لنا الخلص لكنه يخفي ما الذي يخفي؟‬
‫الحقيقة ما هي الحقيقة أنه قصر في أعماله وإنه قد ل يكون عنده شيء قد‬
‫ل يكون حفظ من القرآن شيئا وإن حفظ فالقليل قد ل يكون قدم للسلم‬
‫شيئا وإن قدم فالقليل القليل وهو يستحي أن يصارح الخرين بهذه العمال‬
‫التي هي ل شيء حقيقة فبالتالي ل يملك حتى يبرئ ساحته في هذه اللحظة‬
‫إل أن يقول لك هذا بيني وبين الله ‪ ،‬وهل كل عمل أعمله ل بد أن تطلع‬
‫عليه؟ فانظر كيف وقع هذا المسكين أظهر الخلص وأخفي حقيقة النفس‬
‫وتقصيرها فوقع في الرياء من حيث ل يشعر وما أكثر أولئك وللسف وهذا ل‬
‫شك خداع للنفس وتشبع بما لم ُيعطى وهكذا التصنع والتزين والتظاهر أما‬
‫الحقيقة التي أخفاها اليوم فإنه ل يستطيع أبدا أن يخفيها )يومئذ تعرضون ل‬
‫تخفي منكم خافية( يومئذ تعرضون ل تخفي منكم خافية فنعوذ بالله من‬
‫حالهم ونستغفر الله لحالنا ويقول ]ابن عمر[ يقول عمر بن الخطاب رضي‬
‫الله تعالى عنه اسمع لكلم المحدث الملهم رضي الله تعالى عنه وأرضاه‬
‫يقول فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين‬
‫الناس ومن تزين بما ليس فيه شانه الله ‪ ،‬شانه الله وذكر ذلك ابن القيم في‬
‫إعلم الموقعين عقبات في طريق الخفياء عقبات في طريق الخفياء وانتبه‬
‫لهذه العقبات والعقبات في طريق الخفياء يا أخي الحبيب ويا أختي المسلمة‬
‫جب وغيرهما مما ينال الخلص طويل جدا‬ ‫كثيرة جدا فالحديث عن الرياء والعُ ْ‬
‫ولكني أسوق هنا عقبتان من هذه العقبات بالختصار العقبة الولي هو ما‬
‫ذكره ]أبو حامد الغزالي[ في كتابه الحياء رحمه الله تعالى حيث قال أثناء‬
‫ذكره للرياء الخفي قال وأخفى من ذلك أن يختفي العامل بطاعته بحيث ل‬
‫يريد الطلع ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب‬
‫أن يبدءوه بالسلم وأن يقابلوه بالبشاشة والتوقير وأن يثنوا عليه وأن‬
‫ينشطوا في قضاء حوائجه وأن يسامحوه في البيع والشراء وأن يوسعوا له‬
‫في المكان فإن قصر مقصر ثقل ذلك على قلبه فإن قصر مقصر ثقل ذلك‬
‫على قلبه ووجد لذلك استبعادا لذي لنفسه كأنه يتقاضى الحترام مع الطاعة‬
‫التي أخفاها كأنه يريد ثمن هذا السر الذي بينه وبين الله احترام الناس ولم‬
‫يظهر العمل والعمل خفي بينه وبين ربه ولكنه يريد ما دام عمل نظر لنفسه‬
‫فيريد أن يكسب هذه المور من الناس فإن قصر الناس في هذه المور إذا ً‬
‫استبعد نفسه ونظر لحاله ولو لم يكن –يقول أبو حامد الغزالي‪ -‬ولو لم يكن‬
‫قد سبقت منه تلك الطاعة لما كان يستبعد تقصير الناس في حقه إلى آخر‬
‫كلمه هذه صورة وصورة أخرى من العقبات في طريق الخفياء وهي ما‬
‫أشار إليها ]ابن رجب[ رحمه الله تعالى في كتابه في شرح حديث ما ذئبان‬
‫جائعان في صفحة ‪ 46‬قال رحمه الله تعالى‪ :‬وهنا نقطة دقيقة وهي أن‬
‫النسان قد يذم نفسه بين الناس يريد بذلك أن يرى الناس أنه متواضع عند‬
‫نفسه يريد بذلك أن يرى الناس أنه متواضع عند نفسه فيرتفع بذلك عندهم‬
‫ويمدحونه به وهذا من دقائق أبواب الرياء وقد نبه عليه السلف الصالح قال‬
‫]مترف بن عبد الله بن الشخير[ كفي بالنفس إطراًء أن تذمها أن تذمها على‬
‫المل كأنك تريد‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بذمها زينتها وذلك عند الله سفه وذلك عند الله سفه ‪ ،‬ما هو المعيار في‬
‫الخلص والمعيار في الرياء ول بد أن ننتبه لهذا المر ولعلكم تتساءلون إذا ً‬
‫فالقضية حساسة والقضية قد تصيب النفس بالخواطر والهواجيس وقد‬
‫ينشغل النسان بملحظة نفسه في هذا الباب إذا ً ما هو المعيار والميزان‬
‫الدقيق والضابط الصحيح في أن أعرف أنني مخلص أو غير مخلص ‪ ،‬ذكر‬
‫ذلك أهل العلم فبينوا أن الضابط في الخلص هو استواء أعمال العبد في‬
‫الظاهر والباطن أن تستوي أعمالك في ظاهرك وباطنك هذا معيار الخلص‬
‫وأما الضابط في الرياء أن يكون ظاهرك خيٌر من باطنك وأما صفة الخلص‬
‫أن يكون الباطن خيرا من الظاهر ليست قضية سواء فقط ليست قضية في‬
‫السوي الظاهر والباطن هذا هو الخلص أما صدق الخلص أن يكون الباطن‬
‫أفضل من الظاهر وهنا تنبيه هام جدا ل بد أن ننتبه له عند الحديث أو الكلم‬
‫عن الخلص أو الرياء كما ذكرت لنه مسلك شائك ول ينبغي للنسان أن‬
‫يترك كثيرا من أعمال الخير بحجة الخوف من الرياء ‪ ،‬انتبه يا أخي الحبيب‬
‫وانتبهي أيتها الخت المسلمة ل ينبغي لكي ول ينبغي لك أن تترك كثير من‬
‫العمال بحجة الخوف من الرياء أو حتى أن تفتح على نفسك باب الهواجس‬
‫والوساوس فيقع النسان فريسة لهذا المر فيدخل الشيطان على القلب‬
‫فيصبح النسان دائما في وسواس وهواجس حول هذا الباب ولذلك اسمع‬
‫للمام النووي رحمه الله تعالى وهو يقول كلم جميل جدا حول هذا المر‬
‫المهم في كتاب الذكار يقول في صفحة أو في الصفحة الثامنة والتاسعة‬
‫ل الذكر يكون بالقلب ‪ ،‬فصل الذكر يكون بالقلب ويكون باللسان‬ ‫يقول فص ٌ‬
‫والفضل منه ما كان بالقلب واللسان جميعا فإن اقتصر على أحدهما فالقلب‬
‫أفضل ثم ل ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب خوفا من أن يظن به‬
‫الرياء خوفا من أن يظن به الرياء اسمع لكلم النووي رحمه الله تعالى ثم ل‬
‫ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب خوفا من أن يظن به الرياء بل يذكر‬
‫بهما جميعا ويقصد بها أو به وجه الله تعالى وقد قدمنا عن الفضيل رحمه الله‬
‫تعالى أن ترك العمل لجل الناس رياء ولو فتح النسان ـ اسمع لهذه الكلمات‬
‫واحفظها جيدا ـ احفظ هذه الكلمات كما تحفظ اسمك حتى تنجو من قضية‬
‫الوسواس والهواجس في الخلص والرياء ـ يقول ولو فتح النسان عليه باب‬
‫ملحظة الناس والحتراز من تفرق ظنونهم الباطلة لنسد عليه أكثر أبواب‬
‫الخير ‪ ،‬لنسد عليه أكثر أبواب الخير وضيع على نفسه وضيع على نفسه شيئا‬
‫عظيما من مهمات الدين وليس هذه أو وليس هذا طريقة العارفين انتهى‬
‫كلمه رحمه الله وهو كلم نفيس جدا واسمع لكلم ابن القيم كلم ابن تيميه‬
‫رحمه الله تعالى في الفتاوى في الجزء الثالث والعشرين صفح أربع وسبعين‬
‫ومائه عندما يقول ومن كان له ورد مشروع من صلة الضحى أو قيام ليل أو‬
‫غير ذلك فإنه يصليه حيث كان ول ينبغي له أن يدع ورده المشروع لجر كونه‬
‫بين الناس إذا علم الله من قلبه أنه يفعله سرا أنه يفعله سرا لله مع اجتهاده‬
‫في سلمته من الرياء ‪ ،‬لله مع اجتهاده لسلمته من الرياء ومفسدات‬
‫الخلص إلى أن قال ومن نهي عن أمر مشروع ـ اسمع ـ إن بعض الناس‬
‫يدخل على بعض الناس من هذا الباب فينهاه عن أمر ل يفعله أمام الناس‬
‫لماذا؟ يقول خشية الرياء يقول ابن تيميه رحمه الله تعالى ومن نهى عن أمر‬
‫مشروع بمجرد زعمه أن ذلك رياء فنهيه مردود عليه من وجوه ‪ ،‬الول أن‬
‫العمال المشروعة ل ينهي عنها خوفا من الرياء بل يؤمر بها بالخلص فيها‬
‫بل يؤمر بها وبإخلص فيها فالفساد في ترك إظهار المشروع أعظم من‬
‫الفساد في إظهاره رياء وثانيهما أو الثاني لن النكار إنما يقع على ما أنكرته‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشريعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "إني لم أؤمر أن‬
‫أنقي قلوب الناس ول أن أشق بطونهم" الثالث إن تسويغ مثل هذا يفضي‬
‫إلى أن أهل الشرك والفساد ينكرون على أهل الخير والدين إذا رأوا من‬
‫يظهر أمرا مشروعا قالوا هذا مراء فيترك أهل الصدق إظهار المور‬
‫المشروعة حذرا من لمزهم فيتعطل الخير فيتعطل الخير وهذه كلمات جميلة‬
‫جدا من ابن تيميه رحمه الله تعالى والرابع يقول إن مثل هذا إن مثل هذا‬
‫لنكار الناس على أمل مشروع بحجة أنه رياء يقول إن مثل هذا من شعائر‬
‫المنافقين وهو الطعن على من يظهر العمال المشروعة قال تعالى )الذين‬
‫يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين ل يجدون إل جهدهم‬
‫فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم( انتهي كلمه مختصرا من‬
‫الفتاوى‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫نأتي الن وبعد هذا المشوار للب هذا الدرس وهو صور من حياة الخفياء ‪،‬‬
‫صور من حياة الخفياء وأسوق إليكم أيها الحبة هذه الكوكبة وهذه المواقف‬
‫وهذه الحداث في حياة أولئك الخفياء وهي مليئة بالدروس والعبر لمن تفكر‬
‫ونظر وتدبر فسير الصالحين المخلصين مدرسة تخرج الرجال والجيال ولعلي‬
‫أكتفي بسرد هذه الصور طلبا للختصار وثانيا حتى ل أقطع عليك لذة هذه‬
‫المواقف والعيش معها برفعة إيمان وسمو روح ورقة في القلب فاسمع لهذه‬
‫القصص واسمع لهذه الحداث‪:‬‬
‫ل‪ :‬الخفياء والصدقة والقيام على الفقراء والمساكين ‪ ،‬خرج عمر بن‬ ‫أو ً‬
‫الخطاب يوما في سواد الليل وحيدا حتى ل يراه أحد دخل بيتا ثم دخل بيتا‬
‫آخر ورآه رجل لم يعلم عمر أن هذا الرجل رآه طلحة رضي الله تعالى عنه‬
‫وأرضاه فظن أن في المر شيئا أوجس طلحة في نفسه لماذا دخل عمر هذا‬
‫البيت ولماذا وحده ولماذا في الليل ولماذا يتسلل ولماذا ل يريد أن يراه‬
‫أحد ‪ ،‬ارتاب طلحة في المر والمر عند طلحة يدعو للريبة ولما كان الصباح‬
‫ذهب طلحة فدخل ذلك البيت فلم يجد إل عجوزا عمياء مقعدة فسألها ما بال‬
‫هذا الرجل يأتيك وكانت المرأة ل تعرف أن الرجل الذي يأتيها هو عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه قالت العجوز العمياء المقعدة إنه‬
‫يتعهدني منذ كذا وكذا بما يصلحني ويخرج الذى عن بيتي أي يكنس بيتها‬
‫ويقوم بحالها ويرعاها عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه ول نعجب ل نعجب‬
‫أن رئيس الدولة وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب يفعل ذلك فكم من‬
‫المرات فعل ذلك عمر رضي الله تعالى عنه فهذه المواقف ليست عجبا ً في‬
‫حياة عمر ولكننا نعجب من شدة إخفاء عمر لهذا العمل ‪ ،‬شدة إخفاء عمر‬
‫لهذا العمل حتى ل يراه أحد وفي الليل وفي سواد الليل ويمشي لواذا ً خشية‬
‫أن يراه أحد فيفسد عليه عمله الذي هو سر بينه وبين الله ومثل ذلك صار‬
‫عليه أيضا زين العابدين رضي الله تعالى عنه وأرضاه ]علي بن الحسين[ فقد‬
‫ذكر الذهبي في السير وابن الجوزي في صفة الصفوة أن عليا بن الحسين‬
‫كان يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به ويقول" إن صدقة‬
‫السر تطفئ غضب الرب عز وجل" وهذا الحديث مرفوع إلى النبي صلى الله‬
‫عليه وآله وسلم من طرق كثيرة ل يخلو أو ل تخلو أساليبها من مقال ولكنها‬
‫بمجموع الطرق صحيحة وقد صحح ذلك اللباني في الصحيحة وعن عمران‬
‫بن ثابت قال لما مات علي بن الحسين فغسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سود‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جُرب الدقيق يعني أكياس الدقيق‬ ‫في ظهره فقالوا ما هذا فقالوا كان يحمل ُ‬
‫ليل على ظهره يعطيه الفقراء في المدينة ‪ ،‬يعطيه فقراء أهل المدينة ‪ ،‬وذكر‬
‫ابن عائشة قال قال أبي سمعت أهل المدينة يقولون ما فقدنا صدقة السر‬
‫حتى مات علي بن الحسين رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعن محمد بن‬
‫عيسى قال كان ]عبد الله بن المبارك[ كثير الختلف إلى >برسوس< وكان‬
‫ينزل >الّرقة< في خان أي في فندق فكان شاب يختلف إليه ويقوم بحوائجه‬
‫ويسمع منه الحديث قال فقدم عبد الله الرقة مرة فلم ير ذلك الشاب وكان‬
‫مستعجل أي عبد الله بن المبارك فخرج في النفير أي في الجهاد فلما قفل‬
‫من غزوته ورجع إلى الرقة سأل عن الشاب فقالوا إنه محبوس لدين ركبه‬
‫فقال عبد الله وكم مبلغ دينه فقالوا عشرة آلف درهم فلم يزل يستقصي‬
‫ل على صاحب المال فدعي به ليل ووزن له عشرة آلف درهم وحلفه‬ ‫حتى د ُ ّ‬
‫ً‬
‫أل يخبر أحدا ما دام عبد الله حيا ما دام عبد الله حيا وقال إذا أصبحت فأخرج‬
‫ج الفتي من‬ ‫الرجل من الحبس وأدلج عبد الله أي سار في آخر الليل وأ ُ ْ‬
‫خرِ َ‬
‫الحبس وقيل له عبد الله بن المبارك كان هاهنا وكان يذكرك وقد خرج فخرج‬
‫الفتي في أثره فلحقه على مرحلتين أو ثلث من الرقة ‪ ،‬فقال يا فتي عبد‬
‫الله بن المبارك يقول للفتي أين كنت ـ شف ـ عبد الله يتصانع ـ رضي الله‬
‫عنه ـ أنه ما علم عن حال الفتى فقال عبد الله بن المبارك يا فتي أين كنت‬
‫لم أرك في الخان قال نعم يا أبا عبد الرحمن كنت محبوس بدين وقال وكيف‬
‫ت من‬ ‫ج ُ‬ ‫كان سبب خلصك قال جاء رجل وقضى ديني ولم أعلم به حتى أ ُ ْ‬
‫خرِ ْ‬
‫الحبس فقال له عبد الله يا فتى احمد الله على ما وفق إليك من قضاء دينك‬
‫فلم يخبر ذلك الرجل أحدا إل بعد موت عبد الله‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫والخفياء والعبادة ؛ففي الصلة مثل قالت امرأة ]حسان بن سنان[ كان يجئ‬
‫أي حسان فيدخل معي في فراشي ثم يخادعني كما تخادع المرأة صبيها فإذا‬
‫علم أني نمت سل نفسه فخرج ثم يقوم يصلي ثم يقوم فيصلي قالت فقلت‬
‫له يا أبا عبد الله كم تعذب نفسك كم تعذب نفسك ارفق بنفسك فقال‬
‫اسكتي ويحك فيوشك أن أرقد رقدة ل أقوم منها زمانا وعن] بكر بن ماعز[‬
‫قال ما رؤي الربيع متطوعا في مسجد قومه قط إل مرة واحدة وفي الصيام‬
‫فمن أعجب المواقف ما ذكره الذهبي في السير قال قال الفلس سمعت‬
‫ابن أبي علي يقول صام ]داود بن أبي هند[ صام داود بن أبي هند أربعين سنة‬
‫ل يعلم به أهله ل يعلم به أهله كان خزازا يحمل معه غداءه فيتصدق به في‬
‫هن ومسح‬ ‫الطريق ‪ ،‬فيتصدق به في الطريق وكان بعضهم إذا أصبح صائما ا ِد ّ َ‬
‫شفتيه من دهنه حتى ينظر إليه الناظر فل يراه أنه صائم وفي قراءة القرآن‬
‫ذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة عن سفيان قال أخبرتني مرية ]الربيع بن‬
‫خذيم[ قالت كان عمل الربيع كله سرا إن كان ل يجيء الرجل وقد نشر‬
‫المصحف فيغطيه بثوبه إذا قدم الرجل على الربيع قام الربيع فغطى‬
‫المصحف بثوبه حتى ل يري الرجل أنه يقرأ القرآن‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫أما الخفياء والبكاء ؛فقال ]محمد بن واسع[ لقد أدركت رجال كان الرجل‬
‫ل ما تحت خده من‬‫يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة قد ب َ ّ‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دموعه ‪ ،‬قد بل ما تحت خده من دموعه ل تشعر به امرأته ويقول رحمه الله‬
‫تعالى إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه ل تعلم ولقد أدركت‬
‫رجال يقوم أحدهم في الصف فتسيل دموعه على خده ول يشعر به الذي إلى‬
‫جنبه ول يشعر به الذي إلى جنبه وذكر الذهبي في السير عن ]حماد بن زيد[‬
‫رضي الله تعالى عنه ورحمه قال كان ]أيوب السختياني[ في مجلس فجاءته‬
‫عَب َْرة فجعل يمتخط ويقول ما أشد الزكام ما أشد الزكام يظهر رحمه الله‬
‫تعالى أنه مزكوم لخفاء البكاء هكذا كان حرصهم على هذه الصفة ‪ ،‬صفة‬
‫الخفاء في العمال تلك الصفة التي عشقوها رحمهم الله تعالى فإذا فشل‬
‫أحدهم في إخفاء دمعته أو بكائه أو اصطناع المرض لخفاء هذه الدمعة كان‬
‫يقوم من مجلسه مباشرة خشية أن يكشف أمره وذكر ذلك المام أحمد في‬
‫كتابه الزهد يوم قال إن كان الرجل ‪ ،‬إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه‬
‫عبرته فيردها فإذا خشي أن تسبقه قام ‪ ،‬فإذا خشي أن تسبقه قام واسمع‬
‫لهذه القصة العجيبة الغريبة ‪ ،‬ووالله لقد أدهشتني هذه القصة واسمع لها يا‬
‫أخي الحبيب وهي قصة طويلة فسر مع أحداثها وفصولها واسمع عن ]محمد‬
‫بن المنكدر[ وقد ذكر هذه القصة ابن الجوزي في صفة الصفوة وذكرها أيضا‬
‫الذهبي في سير أعلم النبلء عن محمد بن المنكدر وفي ترجمته قال أي‬
‫محمد بن المنكدر كانت لي سارية في مسجد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم أجلس أصلي إليها الليل فقحط أهل المدينة سنة فخرجوا‬
‫يستسقون فلم يسقوا فلما كان من الليل صليت عشاء الخرة في مسجد‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئت فتساندت إلى ساريتي فجاء رجل‬
‫خَرةٍ متزر بكساء وعلى رقبته كساء أصغر منه فتقدم إلى‬ ‫ص ْ‬
‫أسود تعلوه ُ‬
‫السارية التي بين يدي وكنت خلفه فقام فصلى ركعتين ثم جلس فقال أي‬
‫رب أي رب خرج أهل حرم نبيك يستسقون فلم تسقهم فأنا أقسم عليك لما‬
‫سقيتهم فأنا أقسم عليك لما سقيتهم يعني إل أن تسقيهم يقول ابن المنكدر‬
‫فقلت مجنون فقلت مجنون قال فما وضع يده حتى سمعت الرعد ثم جاءت‬
‫السماء بشيء من المطر أهمني الرجوع إلى أهلي يعني كثرة المطر أهمني‬
‫الرجوع إلى أهلي فلما سمع المطر حمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها قط‬
‫قال ثم قال ومن أنا وما أنا حيث استجبت لي ولكن عدت بحمدك وعدت‬
‫بقولك ثم قام فتوشح بكسائه الذي كان متزرا به وألقى الكساء الخر الذي‬
‫كان على ظهره في رجليه ثم قام فلم يزل قائما يصلي حتى إذا أحس الصبح‬
‫سجد وأوتر وصلى ركعتين الصبح ثم أقيمت صلة الصبح فدخل في الصلة‬
‫مع الناس ودخلت معه فلما سلم المام قام فخرج وخرجت خلفه حتى انتهى‬
‫إلى باب فلما كانت الليلة الثانية صليت العشاء في مسجد رسول الله ثم‬
‫جئت إلى ساريتي فتوسدت إليها وجاء فقام فتوشح بكسائه وألقى الكساء‬
‫الخر الذي كان على ظهره في رجليه وقام يصلي فلم يزل قائما حتى إذا‬
‫خشي الصبح سجد ثم أوتر ثم صلى ركعتي الفجر وأقيمت الصلة فدخل مع‬
‫الناس في الصلة ودخلت معه فلما سلم المام خرج من المسجد وخرجت‬
‫خلفه فجعل يمشي وأتبعه حتى دخل دار عرفتها من دور المدينة ورجعت إلى‬
‫المسجد فلما طلعت الشمس وصليت خرجت حتى أتيت حتى أتيت الدار فإذا‬
‫أنا به قاعد يخبز وإذا هو إسكافي يعني يرقع الحذية فإذا هو إسكافي فلما‬
‫رآني عرفني وقال أبا عبد الله مرحبا أبا عبد الله مرحبا ألك حاجة تريد أن‬
‫فا ً تريد أن أعمل لك خفا فجلست فقلت ألست صاحبي بارحة‬ ‫خ ّ‬
‫أعمل لك ُ‬
‫الولي ألست صاحبي بارحة الولي فاسود وجهه فاسود وجهه وصاح بي‬
‫وقال ابن المنكدر ما أنت وذاك ما أنت وذاك قال وغضب قال وغضب قال‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ففرقت والله منه أي خفت والله من غضبه وقلت أخرج من عنده الن أخرج‬
‫من عنده الن فلما كان في الليلة الثالثة صليت العشاء الخرة في مسجد‬
‫رسول الله ثم أتيت ساريتي فتساندت إليها فلم يجئ فلم يجئ فقلت إنا لله‬
‫ما صنعت إنا لله ما صنعت فلما أصبحت جلست في المسجد حتى طلعت‬
‫ح وإذا‬‫الشمس ثم خرجت حتى أتيت الدار التي كان فيها فإذا باب البيت مفتو ٌ‬
‫ليس في البيت شيء فقال لي أهل الدار يا أبا عبد الله ما كان بينك وبين ‪،‬‬
‫ما كان بينك وبين هذا أمس قلت ماله قالوا لما خرجت من عنده أمس بسط‬
‫كساءه في وسط البيت ثم لم يدع في بيته جلدا ثم لم يدع في بيته جلدا ول‬
‫قالبا إل وضعه في كساءه ثم حمله ثم خرج فلم ندر أين ذهب فلم ندر أين‬
‫ذهب يقول ابن المنكدر فما تركت في المدينة دارا أعلمها إل طلبته فيها فلم‬
‫أجده رحمه الله فلم أجده رحمه الله خشية أن يفتضح عمله ولجل أنه عرف‬
‫خرج من المدينة كلها فهو يريد أن يكون السر بينه وبين الله يا أخي الحبيب‬
‫يا أختي المسلمة أترك لكم هذه القصة العجيبة أتركها لكم لتعيشوا معها‬
‫ولتقفوا معها وانظروا إليها وانظروا إلى أنفسكم لنري من أنفسنا عجبا وذكر‬
‫الذهبي في السير بإسناده إلى ]جبير بن نفيل [أنه سمع أبي‬

‫)‪(8 /‬‬

‫الدرداء وهو في آخر صلته وقد فرغ من التشهد يتعوذ بالله من النفاق أبو‬
‫الدرداء يتعوذ بالله من النفاق فأكثر التعوذ فقال له جبير وما لك يا أبي‬
‫الدرداء أنت والنفاق وما لك يا أبي الدرداء أنت والنفاق فقال أبو الدرداء دعنا‬
‫عنك دعنا عنك فوالله إن الرجل ليقلب عن دينه في الساعة الواحدة فيخلع‬
‫منه فيخلع منه فقال الذهبي إسناده صحيح‪.‬‬
‫أما الخفياء والجهاد ؛فقد ذكر الذهبي أيضا عن ]أبي حاتم الرازي[ قال حدثنا‬
‫]عبدة بن سليمان المروزي[ قال كنا سرية كنا سرية مع ابن المبارك في بلد‬
‫الروم فصادفنا العدو فلما التقي الصفان خرج رجل من العدو فدعا إلى‬
‫الِبراز خرج رجل من العدو فدعا إلى الِبراز فرج إليه رجل فقتله ثم آخر‬
‫فقتله ثم آخر فقتله ثم دعا إلى الِبراز فخرج إليه رجل من المسلمين فطارده‬
‫ساعة فطعنه فقتله أي الرجل من المسلمين قتل وطعن الرجل من العدو‬
‫فقتله فازدحم إليه الناس فنظرت فإذا هو عبد الله بن المبارك فنظرت فإذا‬
‫هو عبد الله بن المبارك وإذا هو يكتم وجهه بكمه فأخذت بطرف كمه فمددته‬
‫فإذا هو هو فإذا هو هو فقال أي عبد الله بن المبارك لعبدة بن سليمان‬
‫المروزي وأنت يا أبا عمر ممن يشنع علينا وأنت يا أبا عمر ممن يشنع علينا‬
‫يعني يفضحنا ‪ ،‬وعن ]عبيد الله بن عبد الخالق[ قال سبى الروم نساء أو‬
‫نساء مسلمات فبلغ الخبر الرقة وبها ]هارون الرشيد [ أمير المؤمنين فقيل‬
‫]لمنصور بن عمار[ أحد العلماء لو اتخذت مجلسا بالقرب من أمير المؤمنين‬
‫فحرضت الناس على الغزو ففعل منصور بن عمار وبينما هو يذكر الناس‬
‫ويحرضهم يقول إذ نحن في خرقة مصرورة مختومة قد طرحت إلى منصور‬
‫بن عمار وإذ بكتاب مضموم إلى الصرة ففك الكتاب فقراءه فإذا فيه إني‬
‫امرأة من أهل البيوتات إني امرأة من أهل البيوتات من العرب بلغني ما فعل‬
‫الروم بالمسلمات وسمعت تحريضك الناس على الغزو وترغيبك في ذلك‬
‫فعمدت إلى أكرم شيء من بدني وهما ذؤابَتي يعني جديلَتي فعمدت إلى‬
‫أكرم شيء من بدني وهما ذؤابَتي فقطعتهما وصررتهما في هذه الخرقة‬
‫س غازٍ في سبيل الله‬ ‫المختومة وأناشدك بالله العظيم لما جعلتهما قيد فر ٍ‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي على تلك الحال فينظر إلي نظرة فيرحمني‬ ‫فلعل الله العظيم أن ينظر إل ّ‬
‫بها فيرحمني بها قال فبكى منصور بن عمار وأبكي الناس وأمر هارون أن‬
‫ينادي بالنفير فغزا بنفسه فأنكى بالروم وفتح الله عليهم وقد كان عبد الله بن‬
‫المبارك يردد هذه البيات دائما يقول‬
‫م‬
‫كيف القرار وكيف يهدأ مسل ٌ‬
‫والمسلمات مع العدو المعتدي‬
‫ة‬
‫الضاربات خدودهن برن ٍ‬
‫الدعيات نبيهن محمدِ‬
‫ة‬
‫القائلت إذا خشين فضيح ً‬
‫جهد المقالة ليتنا لم نولدِ‬
‫ما تستطيع وما لها من حيلة‬
‫إل التستر من أخيها باليد‬
‫أسوق هذا الموقف لنسائنا الصالحات لينظرن أن المرأة المسلمة إذا‬
‫أخلصت لله وكان همها العمل لله فإنها دائما ً تبحث عن العمل أيا ً كان هذا‬
‫العمل ل يقف أمامها ذلك السؤال ماذا أعمل وماذا أفعل وماذا بيدي أن أصنع‬
‫فإن من أهتم لمر عمل وفكر بالعمل ووجد ماذا يعمل هذه المرأة علمت‬
‫وسمعت واهتمت واحتار قلبها فما كان منها إل أن قدمت جديلتيها أكرم شيء‬
‫س غازٍ في سبيل الله‬‫في بدنها حتى يصنع من هاتين الجديلتين قيد لفر ٍ‬
‫وأقول ماذا قدمتي أيتها المسلمة للمسلمات وأنتي تسمعين الروم الن كيف‬
‫يفعلون بهن وماذا قدمت يا أخي الحبيب وماذا فعلنا وماذا فعلتي للمسلمين‬
‫في كل مكان والروم وغيرهم ترون وتسمعون بل وعلى مسامع العالم كله‬
‫ل بالمسلمات ‪.‬‬ ‫فعَ ُ‬
‫ماذا ي ُ ْ‬

‫)‪(9 /‬‬

‫والخفياء والعلم ؛فقد جاء في ترجمة ]المام الماوردي[ رحمه الله تعالى كما‬
‫ذكر ذلك ]ابن خلكان[ في كتاب وفيات العيان قال أن الماوردي لم يظهر‬
‫شيئا ً من تصانيفه في حياته لم يظهر شيئا ً من تصانيفه في حياته وإنما جمعها‬
‫كلها في موضع فلما دنت وفاته قال لشخص يثق إليه الكتب التي في المكان‬
‫الفلني كلها تصنيفي وإن عاينت الموت ووقعت في النزع فاجعل يدك في‬
‫دي فإن قبضت فإن قبضت عليها وعثرتها فاعلم أو فاعلم أنه لم‬ ‫ي َد َيّ أو في ي َ ِ‬
‫يقبل مني شيء منها فاعمد إلى الكتب وألقها في نهر دجلة ليل وألقها في‬
‫ت وإن بسطت يدي ولم أقبض على يدك فاعلم أنها‬ ‫سط ْ ُ‬
‫نهر دجلة ليل وإن ب َ َ‬
‫قبلت وإني قد ظفرت بما كنت أرجوه من النية الخالصة قال ذلك الشخص‬
‫فلما قارب الموت وضعت يدي في يده فبسطها ولم يقبض على يدي فعلمت‬
‫أنها علمة القبول فأظهرت كتبه بعده وقبله كان ]المام الشافعي[ رحمه الله‬
‫ي شيٌء منه أبدا‬ ‫تعالى يقول وددت أن الناس تعلموا هذا العلم ول ينسب إل ّ‬
‫فأوجر عليه ول يحمدوني فأوجر عليه ول يحمدوني فالمام الشافعي رحمه‬
‫الله تعالى يظن أن حمد الناس له منقصة في الجر ونقصا في صفة الخفاء‬
‫تلك الصفة التي عشقت منهم رحمهم الله تعالى وينقل الذهبي أيضا في‬
‫السير قول ]هشام الدستوائي[ واسمع لهذا القول يقول هشام والله ما‬
‫أستطيع أن أقول إني ذهبت يوما ً قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عز‬
‫وجل سبحان الله القائل هشام الدستوائي والله ما أستطيع أن أقول إني‬
‫ذهبت يوما ً قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عز وجل يقول الذهبي معلقا‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على هذا الكلم والله ول أنا والله ول أنا فقد كان السلف يطلبون العلم لله‬
‫فنبلوا وصاروا أئمة يقتدى بهم وطلبه قوم منهم أول ل لله وحصلوه ثم‬
‫استفاقوا وحاسبوا أنفسهم فجرهم العلم إلى الخلص في أثناء الطريق إلى‬
‫آخر كلمه الجميل في السير في الجزء السابع صفحة ‪5‬اثنين وخمسين ومائة‬
‫لمن أراد أن يرجع إليه فإذا كان هذا كلم هشام وكلم الذهبي رحمهم الله‬
‫تعالى ورضي عنهما فماذا يقول إذا ً طلب العلم اليوم بل ماذا يقول‬
‫المتعالمون أمثالنا في مثل هذه المواقف منهم رحمهم الله تعالى ويصل‬
‫الخفاء منتهاه عند ]أبي عبد الله البخاري محمد بن إسماعيل البخاري[ رحمه‬
‫الله تعالى ورضي عنه قال ]محمد بن منصور[ كنا في مجلس أبي عبد الله‬
‫البخاري فرفع إنسان قذاة من لحيته وطرحها إلى الرض يعني في المسجد‬
‫وطرحها إلى الرض فرأيت البخاري ـ انظر لحركة البخاري ـ فرأيت البخاري‬
‫ينظر إليها إلى القذاة وينظر إلى الناس فلما غفل الناس عنه رأيته مد يده‬
‫فرفع القذاة من الرض فأدخلها في كمه فلما خرج من المسجد رأيته أخرجها‬
‫وطرحها إلى الرض سبحان الله حتى القذاة وإخراجها من المسجد كانوا‬
‫يريدون إخفاءها بدقة رحمهم الله تعالى ورضي الله عنهم هذه المواقف‬
‫وهذه الصور من حياة أولئك العلم وحياة أولئك الخفياء الذين حرصوا أن‬
‫يكون لهم خبيئة من عمل‪ ،‬الذين حرصوا أن يكون بينهم وبين الله أسرار‬
‫وأسرار وتلك العمال هي المنجية يوم أن تقدم على الله جل وعل فتكشف‬
‫العمال وتكشف الصحف فإذا الصحف مليئة بتلك العمال وتلك السرار بينك‬
‫وبين الله عز وجل والقصص وهذه الصور ليست لمجرد القص أيها الخ‬
‫الصالح وليست لمجرد الحديث بل هي للعبرة والعظة يا أخي الحبيب أنت‬
‫تجلس في المجالس وتتحدث مع الخرين ما بال مجالسنا في هموم الدنيا‬
‫وملذاتها أو في الغيبة والنميمة والكلم عن فلن وعلن يا أختي المسلمة‬
‫لنعلم مثل هذه المواقف ولنحفظ شيئا منها وإن كان قليل ولنمل مجالسنا‬
‫بذكرها حتى يعلم الناس حقيقة هذه المور ويرتبط الناس وترتبط قلوبهم‬
‫بقلوب أولئك الرجال فيتخرج الجيال من مدارسهم رحمهم الله تعالى بالنظر‬
‫إلى سيرهم وأحوالهم ‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫الخفياء في كلمات‪ :‬قال ابن المبارك رحمه الله تعالى ما رأيت أحدا ارتفع‬
‫مثل ]مالك[ ليس له كثير صلة ول صيام إل أن تكون له سريرة إل أن تكون‬
‫له سريرة إذا ً فالقضية ليست قضية كثرة صيام ول صلة وإنما بالخلص‬
‫والخفاء لهذه العمال وقال ]ابن وهب[ ما رأيت أحدا ً أشد استخفاء بعمله‬
‫من ]حيوة بن شريح[ وكان يعرف بالجابة أي بإجابة الدعاء وقال ]يوسف بن‬
‫الحسين[ أعز شيٍء في الدنيا الخلص وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن‬
‫قلبي فكأنه ينبت على لون آخر فكأنه ينبت على لون آخر واسمع لقوله رحمه‬
‫الله وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي فالجتهاد في البعد عن الرياء‬
‫والتسميع وقال لمحمدة الناس وثنائهم أمر كانوا يعانون منه رحمهم الله‬
‫تعالى وقال ابن القيم أنفع العمل أن تغيب فيه عن الناس بالخلص وعن‬
‫نفسك بشهود المنة فل ترى فيه نفسك ول ترى الخلق وقال الخفياء رحمهم‬
‫الله تعالى وصاحوا بملء أفواههم بملء أفواههم لمن ل يخلص نيته ولمن‬
‫غفل عن هذا المر صاحوا بقولهم كما يقول ] مالك بن دينار[ قولوا لمن لم‬
‫يكن صادقا قولوا لمن لم يكن صادقا ل يتأنى ل يتعنى فقولوا أيها الحبة لمن‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لم يكن صادقا ً بعمله لله جل وعل ومخلصا ً لعمله لله سبحانه وتعالى ل يتعنى‬
‫ل يتعب نفسه قد رأيتم وسمعتم أولئك الثلثة وتلك الطاعات العظيمة التي‬
‫أصبحت وبان على أصحابها فكانوا أول ثلثة يسعر بهم النار يوم القيامة‬
‫والعياذ بالله فقولوا ورددوا وصيحوا بأعلى أصواتكم لمن لم يكن صادقا في‬
‫عمله وفي دعوته وفي أفعاله كلها ل يتعنى ‪ ،‬ل يتعب نفسه ثم أخيرا ً ‪:‬‬
‫ما هو الطريق للوصول إلى حياة الخفياء ما هو العلج والوصول لطريق‬
‫الخفياء رحمهم الله تعالى ألخصه بالنقاط السريعة التالية‪:‬‬
‫ل‪ :‬الدعاء واللحاح فيه ومواصلة هذا الدعاة وتحري ساعات الجابة وأهمه‬ ‫أو ً‬
‫الستمرار في الدعاء ‪،‬اللحاح والستمرار في الدعاء ل تمل ول تكل ولذلك‬
‫قال صلى الله عليه وآله وسلم وعلمنا بذلك الحديث الذي يذهب عنا كبار‬
‫الشرك وصغاره عندما قال "الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل وسأدلك‬
‫على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك وكباره تقول اللهم إني أعوذ‬
‫بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما ل أعلم" وأستغفرك لما ل أعلم‬
‫احفظ هذا الدعاء وكرره كثيرا واسأل الله بصدق أن يرزقنا الصدق والخلص‬
‫في القوال والفعال‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الكثار من مصاحبة المخلصين الناصحين الصادقين إن وجدت عليهم في‬
‫هذا الزمن فَِعض عليهم النواجذ وإن لم تجد فالجأ لحياة الخفياء والجأ‬
‫لمصاحبة المخلصين من السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم بقراءة‬
‫أحوالهم والنظر في الكتب والتراجم للطلع على تلك الحوال ول شك أن‬
‫القلب فيه حياة بالنظر لحياة أولئك‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬معرفة عظمة الله تعالى معرفة الله من خلل أسماءه وصفاته أعرف‬
‫من تعبد واعرف لمن تعمل واعرف عظمة الله جل وعل وامل قلبك بتوحيد‬
‫السماء والصفات تطبيقا ً عمليا ً حتى تعظم الله وقديما قالوا من كان بالله‬
‫أعرف كان لله أخوف ومن عظم الناس خاف من الناس وعمل للناس وسمع‬
‫للناس وطلب ثناء الناس ومحمدة الناس ولكن الله هو الذي سيجازيك وهو‬
‫الذي يحاسبك‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أحرص أن يكون لك خبء من عمل أحرص دائما أن يكون لك سر بينك‬
‫وبين الله جل وعل ل يعلمه أحد من الناس إن استطعت حتى ول زوجك حتى‬
‫ول زوجك إن استطعت أن تفعل عمل بينك وبين الله ل يعلم عنه أقرب‬
‫القربين إليك فل شك أن هذه العمال هي المنجية يوم تسود وجوه وتبيض‬
‫وجوه‪.‬‬
‫ل ‪ ،‬دائما ً‬ ‫خامسا‪ :‬دائما ً كن خائفا من الله دائما كن خائفا ً على عملك أل ي ُ ْ‬
‫قب َ َ‬
‫ة مع النتباه لذلك التنبيه المهم‬ ‫كن خائفا ً أن يخالط هذا العمل رياًء أو سمع ً‬
‫الذي أشرنا إليه في أثناء الموضوع وقد تقدم الكلم عن ذلك وأخشى أن‬
‫تقدم على الله جل وعل بتلك العمال الكثيرة والقوال الكثيرة فتكون ممن‬
‫ل فجعلناه هباًء منثورا(‬ ‫قال الله عز وجل فيهم )وقدمنا إلى ما عملوا من عم ٍ‬
‫عافانا الله وإياك من حال أولئك‪.‬‬
‫وسادسا وأخيرًا‪ :‬تذكر ثمرات الخلص تذكر هذه الثمرات تذكر حلوة القلب‬
‫تذكر حب أهل السماء للمخلص تذكر ***القبول له في الرض وتذكر محبة‬
‫الناس له وطمأنينة القلب وحسن الخاتمة واستجابة دعائه والنعيم له في‬
‫القبر وفي الخرة نسأل الله جل وعل نعيم جنات الفردوس ونسأل الله‬
‫سبحانه وتعالى أن يرزقنا إخلصا ً يخلصنا يوم أن نقف أمام الله سبحانه‬
‫وتعالى ونستغفر الله ونتوب من أحوالنا ومن تقصيرنا واللهم إنا نعوذ بك أن‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نشرك بك شيئا ً ونحن ل نعلم ونستغفرك ونحن نعلم ونستغفرك مما ل نعلم‬
‫وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أل إله إل أنت نستغفرك ونتوب إليك ‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫الستبداد عقلية فرعونية‬


‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر العمر‬
‫استوقفتني آيات كثيرة من القرآن الكريم تتناول موضوعا ً كثر طرقه‬
‫وعرضه‪ ،‬فيذكر أحيانا ً في معرض المر به وأخرى في سياق الخبار عنه‬
‫أوالتنويه به‪ ،‬وذلكم هو موضوع الستشارة‪ ،‬وقد كتبت عن الشورى في‬
‫القرآن الكريم رسالة ربت صفحاتها على المائة وفيها من الشواهد ما تحسن‬
‫مراجعته‪.‬‬
‫ثم تأملت السنة النبوية فوجدتها كذلك مليئة بالمثلة الدالة على حرصه‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬على استشارة أصحابه وأزواجه في دقيق المور‬
‫وجليلها‪.‬‬
‫ورغم كل هذا الرث النبوي الضخم الذي أمرنا بالتأسي به‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫الشادة بالشورى في القرآن الكريم‪ ،‬على الرغم من ذلك كله إذا تأملت‬
‫مجالس الشورى في جل البلد السلمية وجدتها صورية ل تستجلب آتيا ً ول‬
‫تذهب مقضيًا‪.‬‬
‫والدهى من ذلك أن ظاهرة الستبداد تعدت لتقتحم الحركات السلمية‪،‬‬
‫والمؤسسات الخيرية‪ ،‬التي ربما عانى كثير من الحادبين عليها من الستبداد‬
‫وانفراد شرذمة بالرأي‪ ،‬وربما عدم قبول النصح والمشورة‪ ،‬ولسان حال المل‬
‫م‬
‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك إ ِّل ال ّ ِ‬
‫ك ات ّب َعَ َ‬‫ما ن ََرا َ‬ ‫يقول مخاطبا ً المشير مرددا ً قول الهالكين‪..) :‬وَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن( ]هود‪.[27:‬‬ ‫كاذِِبي َ‬‫م َ‬ ‫ل ن َظ ُن ّك ُ ْ‬
‫ل بَ ْ‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ض ٍ‬ ‫م عَل َي َْنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫ما ن ََرى ل َك ُ ْ‬
‫ي وَ َ‬ ‫أَراذِل َُنا َبادِيَ الّرأ ِ‬
‫ثم نتساءل‪ :‬لماذا لم تكن القرارات رشيدة!‬
‫إن ما ينبغي هو أن تكون الشورى ديدن كل مؤسسة تريد أن يكتب لها‬
‫م إ ِلّ‬‫ما أ ُِريك ُْ‬‫النجاح‪ ،‬ابتداء من السرة وانتهاء بالدولة‪ .‬أما العقلية الفرعونية‪َ ? :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شاِد? فهي التي ضيعت العباد‪ ،‬وأضلت الناس‬ ‫ل الّر َ‬ ‫م إ ِّل َ‬
‫سِبي َ‬ ‫ديك ُ ْ‬‫ما أهْ ِ‬‫ما أَرى وَ َ‬ ‫َ‬
‫عن سبيل الرشاد‪.‬‬
‫وقد قيل من استقل بعقله ضل‪ ،‬ومن أعجب برأيه زل‪.‬‬
‫جنبنا الله وإياكم الزلل‪ ،‬والنسياق في طرق الضللة‪ ،‬ووفقنا للصواب‪ ،‬وللخذ‬
‫بأسبابه‪ ،‬وهو المستعان‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الستحياء من الرب العظيم تبارك وتعالى‬


‫وهذا من أعظم الدب مع الله تعالى فإن المؤمن متى وقر في نفسه أن الله‬
‫تعالى سميع لكل كلم بصير لكل عمل عالم بكل سر ورقيب عليه مطلع إليه‬
‫قائم على كل نفس بما كسبت حينئذِ يستحي من الله تعالى أن يراه متكلما ً‬
‫بسوء ‪ ،‬أو فاعل ً لشر‪ ،‬أو ساعيا ً في فساد ‪ ،‬ويكون هذا الستحياء من الله‬
‫تعالى ملزما ً له في كل أحواله ل ينفك عنه ‪..‬‬
‫ول يفارقه أبدا ولسيما في الخلوات إذا خل النسان بعيدا ً عن أعين الخلق‬
‫ونفرد بنفسه فإذا به يستشعر معية الله تعالى له وحينئذ يستحي من الله‬
‫تعالى أن يراه على معصية وهذا الستحياء من أنفع الشياء للعبد‪..‬‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وله آثار عظيمة جدا منها ‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ المسارعة إلى الطاعة والبعد عن المعاصي ‪:‬‬
‫وذلك حياء من الله تعالى أن يطلع على عبده المؤمن وهو تارك للمر أو‬
‫مرتكب للنهي فإن المؤمن يستحي من الله عز وجل أن يراه كذالك ‪...‬‬
‫‪ 2‬ـ غرس خلق الحياء في المؤمن ‪:‬‬
‫فإن من أعتاد الحياء من الله زجره ذلك الحياء لفعل القبيح فإن الحياء يصير‬
‫سجيه له وطبيعة فيه ل تفارقه فيصبح حييا مع الناس ويزجره ذلك الحياء عن‬
‫فعل ما يستقبح والحياء من اليمان كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن‬
‫أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ اليمان بضع وسبعون شعبة ‪ ،‬أفضلها‬
‫قول ‪:‬لإله إل الله ‪ ،‬وأدناها إماطة الذى عن الطريق ‪ ،‬والحياء شعبة من‬
‫اليمان ((رواه مسلم ‪.‬‬
‫من كتاب ‪ :‬موسوعة الداب الشرعية )بتصرف يسير (‬
‫الكاتب ‪ ::‬عبدالله العمري‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الستخارة في السنة النبوية‬


‫د‪ .‬بندر بن نافع العبدلي كلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم ‪25/6/1424‬‬
‫‪23/08/2003‬‬
‫*عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يعلمنا الستخارة في المور كما يعلمنا السورة من القرآن ‪ ،‬يقول‪" :‬‬
‫إذا هم أحدكم بالمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ‪ ،‬ثم ليقل‪ :‬اللهم إني‬
‫استخيرك بعلمك ‪ ،‬واستقدرك بقدرتك ‪ ،‬وأسألك من فضلك العظيم ‪ ،‬فإنك‬
‫تقدر ول أقدر ‪ ،‬وتعلم ول أعلم وأنت علم الغيوب ‪ ،‬اللهم إن كنت تعلم أن‬
‫هذا المر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري – أو قال‪ :‬عاجل أمري‬
‫سره لي ‪ ،‬ثم بارك لي فيه ‪ ،‬وإن كنت تعلم أن هذا‬ ‫وآجله – فاقدره لي ‪ ،‬وي ّ‬
‫المر شٌر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري – أو قال‪ :‬في عاجل أمري‬
‫وآجله– فاصرفه عني واصرفني عنه ‪ ،‬واقدر لي الخير حيث كان ‪ ،‬ثم أرضني‬
‫به" قال‪ :‬ويسمي حاجته‪.‬‬
‫فيه فوائد‪:‬‬
‫‪ -1‬هذا الحديث أخرجه البخاري في ثلثة مواضع من "صحيحه" ‪ :‬في التهجد –‬
‫باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى ‪ ،1162‬وفي الدعوات –باب الدعاء عند‬
‫الستخارة )‪ ، (6382‬وفي التوحيد –باب قول الله تعالى )) قل هو القادر (( ]‬
‫‪.[7390‬‬
‫وأخرجه‪ :‬أحمد ‪ ، 3/344‬وأبو داود ) ‪ (1538‬والترمذي ‪ ، 480‬والنسائي‬
‫‪ ، 3253‬وابن ماجه ‪. 1383‬‬
‫كلهم من طريق عبد ا لرحمن بن أبي الموالي ‪ ،‬عن محمد بن المنكدر ‪ ،‬عن‬
‫جابر بن عبد الله رضي الله عنه‪.‬‬
‫والحديث له شواهد أشار إليها ابن حجر" في الفتح ‪ 1/184 "1‬وقال‪ ":‬ليس‬
‫في شيء منها ذكر الصلة سوى حديث جابر‪ ،‬إل أن لفظ أبي أيوب‪" :‬أكتم‬
‫الخطبة وتوضأ فأحسن الوضوء ثم صل ما كتب الله لك((‪ ،‬فالتقييد بركعتين‬
‫خاص بحديث جابر"‬
‫قلت‪ :‬حديث أبي أيوب‪ :‬أخرجه أحمد ‪ ، 5/423‬والطبراني ‪ 4/3901‬وابن‬
‫حبان ‪ ، 4040‬والحاكم ‪ ، 1/314‬والبيهقي ‪ 7/147‬وإسناده ل بأس به‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -2‬الستخارة لغة‪ :‬طلب الخير في الشيء ‪ ،‬يقال ‪:‬استخر الله يخر لك)‪.(1‬‬
‫واصطلحًا‪ :‬طلب خير المرين لمن احتاج إلى أحدهما من الله جل وعل‪.‬‬
‫‪ -3‬فيه دليل على الهتمام بأمر الستخارة‪ :‬وأنه متأكد مرغب فيه‪ ،‬لقوله‬
‫"كما يعلمنا السورة من القرآن "‪.‬‬
‫قال العراقي ‪ " :‬ولم أجد من قال بوجوب الستخارة مستدل ً بتشبيه ذلك‬
‫بتعليم السورة من القرآن‪ ،‬كما استدل بعضهم على وجوب التشهد في‬
‫الصلة بقول ابن مسعود‪ ":‬كان يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن‬
‫"‪.‬‬
‫قال‪ :‬ومما يدل على عدم وجوب الستخارة‪ :‬الحاديث الصحيحة الدالة على‬
‫انحصار فرض الصلة في الخمس من قوله‪" :‬هل علي غيرها ؟ قال‪ :‬ل إل أن‬
‫تطوع " وغير ذلك )‪.(2‬‬
‫والحكمة من مشروعيتها‪ :‬التسليم لمر الله ‪ ،‬والخروج من الحول والطول ‪،‬‬
‫واللتجاء إليه سبحانه ‪ ،‬للجمع بين خيري الدنيا والخرة‪ ،‬ويحتاج في هذا إلى‬
‫قرع باب الملك ‪ ،‬ولشيء أنجع لذلك من الصلة والدعاء ‪ ،‬لما فيهما من‬
‫تعظيم الله ‪ ،‬والثناء عليه ‪ ،‬والفتقار إليه ‪ ،‬وقد كان النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم إذا حز به أمر فزع إلى الصلة ‪ ،‬لما فيها من التعلق بالله وسؤاله‬
‫ودعائه وخوفه ورجائه )‪.(3‬‬
‫‪ -4‬استحب بعض العلماء تقديم الستشارة على الستخارة ‪ ،‬قال النووي‬
‫رحمه الله‪" :‬يستحب أن يستشير قبل الستخارة من يعلم من حاله النصيحة‬
‫والشفقة والخبرة ‪ ،‬ويثق بدينه ومعرفته‪ ،‬قال تعالى‪) :‬وشاورهم في المر(‪،‬‬
‫وإذا استشار وظهر أنه مصلحة ‪ ،‬استخار الله تعالى في ذلك "‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والمر في هذا واسع‪ ،‬إن قدم الستشارة على الستخارة فحسن‪ ،‬وإن‬
‫قدم الستخارة أول ً فل بأس ‪ ،‬والمقصود هو الجمع بينهما‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪":‬وكان شيخ السلم ابن تيمية يقول‪ :‬ما ندم من استخار‬
‫الخالق ‪ ،‬وشاور المخلوقين وثبت في أمره ")‪.(4‬‬
‫‪ -5‬فيه دليل على أن الستخارة تكون عند الهم بالشيء ‪ ،‬لقوله " إذا هم‬
‫أحدكم بالمر "‪.‬‬
‫والهم‪ :‬هو أول العزم على الفعل إذا أردته ولم تفعله ‪ ،‬وهو‪ :‬عقد القلب على‬
‫فعل شيء خير أو شر قبل أن يفعل )‪.(5‬‬
‫عزما ً وعزيمة ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫زم‬
‫َ َ‬ ‫ع‬ ‫علىكذا‬ ‫عزمت‬ ‫بخلف العزم فهو القصد المؤكد‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫إذا أردت فعله‪ ،‬وصممت عليه)‪.(6‬‬
‫وحينئذ فينبغي أن يكون المستخير خالي الذهن ‪ ،‬غير عازم على أمر معين ‪،‬‬
‫هم" يشير إلى أن الستخارة‬ ‫لن قوله عليه الصلة والسلم في الحديث " إذا ّ‬
‫تكون عند أول مايرد على القلب ‪ ،‬فيظهر له ببركة الصلة والدعاء ماهو‬
‫الخير ‪ ،‬بخلف ما إذا تمكن المر عنده ‪ ،‬وقويت عليه عزيمته وإرادته ‪ ،‬فإنه‬
‫يصير إليه ميل وحب ‪ ،‬فيخشى أن يخفى عليه الرشاد لغلبة ميله إلى ما عزم‬
‫عليه)‪.(7‬‬
‫وفي "القناع مع شرحه"‪" :‬ول يكون ‪-‬يعني المستخير– وقت الستخارة عازما ً‬
‫على المر الذي يستخير فيه")‪.(8‬‬
‫‪ -6‬قال العلماء‪:‬والستخارة تكون في المور التي ليدري العبد وجه الصواب‬
‫فيها‪ ،‬أما ماهو معروف خيره كالعبادات وصنائع المعروف‪،‬أو معروف شره‬
‫كالمعاصي والمنكرات فإنه لحاجة إلى الستخارة فيها‪ ،‬إل إذا أراد بيان‬
‫خصوص الوقت كالحج مثل ً في هذه السنة‪ ،‬لحتمال عدو أو فتنة‪ ،‬والرفقة‬
‫فيه‪،‬أيرافق فلنا ً أم ل؟)‪.(9‬‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قال الشوكاني رحمه الله‪ " :‬قوله في المور كلها" دليل على العموم ‪ ،‬وأن‬
‫المرء ل يحتقر أمرا ً لصغره وعدم الهتمام به فيترك الستخارة فيه ‪ ،‬فرب‬
‫أمر يستخف بأمره فيكون في القدام عليه ضرر عظيم أو في تركه ‪ ،‬ولذلك‬
‫قال النبي صلى الله عليه وسلم‪ " :‬ليسأل أحدكم ربه حتى في شسع نعله")‬
‫‪.(10‬‬
‫قال محمود الوّراق‪:‬‬
‫توكل على الرحمن في كل حاجة ‪... ...‬‬
‫أردت فإن الله يقضي ويقدر‬
‫إذا ما يرد ذوالعرش أمرا ً بعبده ‪... ...‬‬
‫يصبه وما للعبد مايتخير‬
‫وقد يهلك النسان من وجه حذره ‪... ...‬‬
‫وينجو بحمد الله من حيث يحذر)‪(11‬‬
‫وحينئذ فتشرع الستخارة لمن أراد خطبة امرأة ‪ ،‬أو شراء سيارة ‪ ،‬أو شراء‬
‫بيت‪ ،‬أو الدخول في صفقة تجارية ‪ ،‬وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫‪ -7‬أن السنة في الستخارة كونها ركعتين ‪ ،‬لقوله " فليركع ركعتين من غير‬
‫الفريضة "‬
‫وحينئذٍ فل تجزئ الركعة الواحدة‪.‬‬
‫وأجاز بعض العلماء الزيادة على الركعتين ‪ ،‬لحديث أبي أيوب‪) :‬صل ماكتب‬
‫الله لك(‪.‬‬
‫قال ابن حجر ‪ ":‬والظاهر أنه يشترط إذا أراد أن يسلم من كل ركعتين‬
‫ليحصل مسمى ركعتين‪ ،‬ول يجزئ لو صلى أربعا ً مثل ً بتسليمة ‪ ،‬وكلم النووي‬
‫يشعر بالجزاء ")‪.(12‬‬
‫قلت ‪ :‬الفضل والكمل القتصار على ماورد في الحديث وهو صلة ركعتين‬
‫فقط ‪ ،‬ويكون مقيدا ً للطلق في حديث أبي أيوب رضي الله عنه‪.‬‬
‫وهل يجزئ لو دعا بدعاء الستخارة عقب راتبة الظهر مثل ً ‪ ،‬أو غيرها من‬
‫النوافل كتحية المسجد ؟‬
‫ظاهر كلم النووي رحمه الله الجزاء )‪.(13‬‬
‫وتعقبه ابن حجر فقال ‪" :‬كذا أطلق وفيه نظر‪ ،‬ويظهر أن يقال‪ :‬إن نوى تلك‬
‫الصلة بعينها وصلة الستخارة مما أجزأ ‪ ،‬بخلف ما إذا لم ينو ‪ ،‬ويفارق صلة‬
‫تحية المسجد ‪ ،‬لن المراد بها شغل البقعة بالدعاء ‪ ،‬والمراد بصلة الستخارة‬
‫أن يقع الدعاء عقبها أو فيها")‪.(14‬‬
‫وقال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله ‪ ":‬ول يقال دعاء الستخارة إذا صلى تحية‬
‫المسجد أو الراتبة ولم ينوه من قبل ‪ ،‬لن الحديث صريح بطلب صلة‬
‫الركعتين من أجل الستخارة ‪ ،‬فإذا صلهما بغير هذه النية لم يحصل‬
‫المتثال ‪ ،‬وأما إذا نوى الستخارة قبل التحية ‪ ،‬والراتبة ثم دعا بدعاء‬
‫الستخارة فظاهر الحديث أن ذلك يجزئه ‪ ،‬لقوله ‪" :‬فليركع ركعتين من غير‬
‫الفريضة " فإنه لم يستثن سوى الفريضة ‪ ،‬ويحتمل أن ليجزئه ‪ ،‬لن قوله ‪:‬‬
‫"إذا هم فليركع" يدل على أنه ل سبب لهاتين الركعتين سوى الستخارة ‪،‬‬
‫والولى عندي أن يركع ركعتين مستقلتين ‪ ،‬لن هذا الحتمال قائم ‪ ،‬وتخصيص‬
‫الفريضة بالستثناء قد يكون المراد به أن يتطوع بركعتين ‪ ،‬فكأنه قال ‪:‬‬
‫فليتطوع بركعتين‪ ،‬والله أعلم)‪.(15‬‬
‫‪ -8‬لم يرد في الحديث تعيين مايقرأ به في هاتين الركعتين ‪ .‬قال الزين‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العراقي رحمه الله‪:‬‬


‫"لم أجد في شيء من طرق الحديث مايقرأ في ركعتي الستخارة"‪.‬‬
‫واستحب النووي رحمه الله أن يقرأ في الولى بعد الفاتحة )قل يا أيها‬
‫الكافرون( وفي الثانية )قل هو الله أحد()‪.(16‬‬
‫قال العراقي‪ ":‬ماذكره النووي مناسب ‪ ،‬لنهما سورتا الخلص فناسب اليتان‬
‫بهما في صلة المراد منها إخلص الرغبة ‪ ،‬وصدق التفويض ‪ ،‬وإظهار العجز‬
‫")‪.(17‬‬
‫واستحب بعض السلف أن يزيد على القراءة بعد الفاتحة في الركعة الولى‬
‫بقوله تعالى‪:‬‬
‫)وربك يخلق مايشاء ويختار ماكان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما‬
‫يشركون * وربك يعلم ماتكن صدورهم ومايعلنون * وهو الله ل إله إل هو له‬
‫الحمد في الولى والخرة وله الحكم وإليه ترجعون ( اليات في سورة‬
‫القصص وفي الركعة الثانية بقوله تعالى )وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى‬
‫الله ورسوله أمرا ً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله‬
‫فقد ضل ضلل ً مبينا( الية في سورة الحزاب)‪.(18‬‬
‫قال ابن حجر‪" :‬والكمل أن يقرأ في كل منهما السورة والية الوليين في‬
‫الولى والخريين في الثانية "‪.‬‬
‫فكأنه رحمه الله رأى الجمع بين القولين ‪ ،‬لنه مناسب وإن لم يرد‪.‬‬
‫‪ -9‬ظاهر الحديث يدل على صلة هاتين الركعتين حتى في أوقات النهي ‪،‬‬
‫لسيما إذا كان المر المستخار له يفوت ‪ ،‬أول يمكن تأجيله إلى خروج وقت‬
‫النهي‪ .‬وأصحاب المذاهب على منعها في أوقات النهي )‪.(19‬‬
‫‪ -10‬ظاهر الحديث أن ا لدعاء يكون عقب الصلة ‪ ،‬وهو قول الجمهور‪.‬‬
‫قال القرطبي ‪ ":‬ثم يدعو بهذا الدعاء بعد السلم " ومثله قال الشوكاني)‬
‫‪.(20‬‬
‫وأجاز ابن حجر الدعاء في أثناء الصلة في السجود أو بعد التشهد )‪.(21‬‬
‫واختار شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله أن الدعاء يكون قبل السلم )‪.(22‬‬
‫قلت‪ :‬والقرب قول الجمهور لظاهر الحديث‪.‬‬
‫*ويستحب أن يستقبل القبلة في دعاء الستخارة ‪ ،‬وأن يرفع يديه‪،‬ويراعي‬
‫جميع آداب الدعاء‬
‫وهل يفتتح الدعاء بالحمد والصلة والسلم على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ؟‬
‫الجواب‪ :‬استحب ذلك بعض أهل العلم ‪،‬‬
‫قال ابن عابدين‪" :‬ويستحب افتتاح الدعاء وختمه بالحمد له والصلة" )‪(23‬‬
‫وقال النووي‪" :‬ويستحب إفتتاح الدعاء المذكور‪ ،‬وختمه بالحمد لله والصلة‬
‫والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم()‪.(24‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫قلت‪ :‬وقد يقال ‪ :‬إنه يقتصر على ماورد في الحديث من غير زيادة ‪ .‬والله‬
‫أعلم‬
‫ً‬
‫* ويستحب أن يكرر الدعاء ثلثا ‪ ،‬لن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا‬
‫دعا ثلثًا‪.‬‬
‫‪ -11‬علمة القبول هو انشراح الصدر ‪ ،‬والطمأنينة والسرور لما اسُتخير له‪.‬‬
‫فإن لم يظهر له شيء ‪ ،‬فقد قال العلماء رحمهم الله‪" :‬له أن يعيد الستخارة‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مرة وثانية وثالثة وهكذا ‪ ،‬وأوصلها بعضهم إلى سبع مرات‪ ،‬استدلل ً بحديث‬
‫أنس رضي الله عنه مرفوعًا‪" :‬يا أنس إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع‬
‫مرات ‪ ،‬ثم انظر إلى الذي يسبق إلى قلبك فإن الخير فيه " و هذا الحديث –‬
‫كما قال ابن حجر‪":‬لو ثبت لكان هو المعتمد‪ ،‬لكن سنده واهٍ جدا ً ")‪.(25‬‬
‫قال النووي رحمه الله ‪ :‬ينبغي أن يفعل بعد الستخارة ما ينشرح له ‪ ،‬فل‬
‫ينبغي أن يعتمد على انشراح كان له فيه هوى قبل الستخارة ‪ ،‬بل ينبغي‬
‫للمستخير ترك اختياره رأسا ً ‪ ،‬وإل فل يكون مستخيرا ً لله بل يكون مستخيرا ً‬
‫لهواه ‪ ،‬وقد يكون غير صادق في طلب الخيرة ‪ ،‬وفي التبرى من العلم‬
‫والقدرة واثباتهما لله تعالى ‪ ،‬فإذا صدق في ذلك تبرأ من الحول والقوة ‪،‬‬
‫ومن اختار نفسه()‪.(26‬‬
‫وفي قوله رحمه الله‪" :‬وقد يكون غير صادق مع الله في طلب الخيرة"‬
‫‪،‬إشارة إلى أنه ينبغي للمستخير أن يصدق مع الله في طلب الخيرة وأن‬
‫ُيظهر فقره وذله لربه جل وعل ‪ ،‬فإن لم يظهر ذلك منه فربما ل يوافق ‪ ،‬أول‬
‫يظهر له باستخارته ما يريد ‪ ،‬وهذا قد يحدث لبعض الناس تجده يستخير وهو‬
‫عازم على أمر من المور ‪ ،‬وإنما يريد فقط أن يأتي بسنة الستخارة ‪ ،‬فحال‬
‫هذا كما تقدم‪.‬‬
‫‪ -12‬عموم الحديث يشمل الرجال والنساء في مشروعية الستخارة ‪،‬‬
‫فالمرأة كالرجل إذا همت بالمر فإنها تستخير الله تعالى‪.‬‬
‫فإذا كانت معذورة بترك الصلة ‪ ،‬كما لو كانت حائضا ً أو نفساء واحتاجت‬
‫الستخارة ‪ ،‬فإنها تستقبل القبلة وترفع يديها وتدعو بهذا الدعاء من غير صلة‪.‬‬
‫لسيما إذا تقدم لها خاطب فإنها تستخير الله فيه ‪ ،‬وقد ثبت في "صحيح‬
‫مسلم "في قصة زواج زينب بنت جحش برسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫من حديث أنس رضي الله عنه قال" لما انقضت عدة زينب قال رسول الله‬
‫ي ‪ ،‬قال‪ :‬فانطلق زيد حتى أتاها وهي‬ ‫صلى الله عليه وسلم لزيدٍ فاذكرها عل ّ‬
‫خمر عجينها ‪ ،‬قال‪ :‬فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر‬ ‫ت ّ‬
‫إليها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها ‪ ،‬فوليتها ظهري ونكصت‬
‫على عقبي ‪ ،‬فقلت‪ :‬يا زينب أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يذكرك ‪ ،‬قالت‪ :‬ما أنا بصانعة شيئا ً حتى أوامر ربي ‪ ،‬فقامت إلى مسجدها ‪،‬‬
‫ونزل القرآن …()‪.(27‬‬
‫قال النووي رحمه الله في شرحه ‪ ":‬وفيه استحباب صلة الستخارة لمن هم‬
‫بأمر سواء كان ذلك المر ظاهر الخير أم ل ؟ ثم قال‪ :‬ولعلها استخارت‬
‫لخوفها من تقصير في حقه صلى الله عليه وسلم")‪.(28‬‬
‫وقد بوب النسائي على هذا الحديث في )سننه( فقال‪) :‬باب صلة المرأة إذا‬
‫خطبت واستخارتها ربها()‪.(29‬‬
‫________________________________________‬
‫)‪" –(1‬لسان العرب" ) ‪.(5/351‬‬
‫)‪" -(2‬نيل الوطار" )‪.(3/315‬‬
‫)‪" -(3‬الموسوعة الفقهية" )‪ (3/242‬بزيادة‪.‬‬
‫)‪" -(4‬الوابل الصيب" ص )‪.(175‬‬
‫)‪" -(5‬التعريفات للجرجاني" ص )‪" ، (320‬والمصباح المنير" مادة )همم((‪.‬‬
‫)‪" –(6‬التعريفات مادة" ‪:‬عزم‪.‬‬
‫)‪" -(7‬فتح الباري" )‪ " ،(11/185‬الموسوعة الفقهية " )‪.(3/243‬‬
‫)‪" –(8‬كشاف القناع" )‪.(1/443‬‬
‫)‪" –(9‬الموسوعة الفقهية" )‪" ،(3/242‬الفتوحات الربانية" )‪.(1/347‬‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪" –(10‬نيل الوطار" ‪.(3/315‬‬


‫)‪" –(11‬تفسير القرطبي " ‪.(13/306‬‬
‫)‪" –(12‬الفتح" )‪.(11/185‬‬
‫)‪" –(13‬الذكار" ص)‪(179‬‬
‫)‪" –(14‬الفتح" )‪.(11/185‬‬
‫)‪" –(15‬مجموع الفتاوي" )‪.(14/322‬‬
‫)‪" -(16‬الذكار" ص)‪.(180‬‬
‫)‪" -(17‬الفتوحات الربانية" )‪.(3/354‬‬
‫)‪" -(18‬تفسير القرطبي" )‪ (13/307‬والموسوعة الفقهية )‪.(3/245‬‬
‫)‪" -(19‬الموسوعة الفقهية" )‪.(3/244‬‬
‫)‪" -(20‬تفسير القرطبي" )‪ (13/307‬نيل الوطار )‪.(3/316‬‬
‫)‪" –(21‬الفتح" )‪.(11/186‬‬
‫)‪" –22‬مجموع الفتاوي" )‪.(23/2‬‬
‫)‪" –(23‬حاشية ابن عابدين" )‪.(1/461‬‬
‫)‪" –(24‬الذكار" ص)‪.(179‬‬
‫)‪ -(25‬الفتح )‪.(11/187‬‬
‫)‪" –(26‬نيل الوطار" )‪.(3/317‬‬
‫)‪" –(27‬صحيح مسلم" رقم )‪.(1428‬‬
‫)‪" –(28‬شرح صحيح مسلم" )‪.(9/228‬‬
‫)‪" –(29‬سنن النسائي" )‪.(6/79‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الستخلف ليس محل ّ للرث‬


‫بقلم ‪ :‬الشيخ الجليل المربي الكبير العلمة أشرف علي التهانوي‬
‫المعروف بـ ‪K‬حكيم المة ‪ J‬المتوفى ‪1362‬هـ ‪1943 /‬م‬
‫تعريب ‪ :‬أبو أسامة نور‬
‫ن المشايخ إرثا يتوارثونه ‪ ،‬ولو كان الخليفة‬ ‫ً‬ ‫ف مكا َ‬ ‫س اليوم الستخل َ‬ ‫اّتخذ النا ُ‬
‫ن شيٍخ أحمقَ كالحمار‪ .‬وقد كان في الماضي المشايخ‬ ‫الذي ينصبونه مكا َ‬
‫س ذلك ؛ فعاد‬ ‫م على رؤوس المريدين‪ ،‬وأصبح المُر اليوم عك َ‬ ‫يضعون العمائ َ‬
‫حّلون نجلهَ‬ ‫خ حتى ي ُ ِ‬ ‫خ بالعمائم ؛ فما إن مات الشي ُ‬ ‫مون المشاي َ‬ ‫المريدون ي ُك ْرِ ُ‬
‫خا لهم جميًعا ‪.‬‬ ‫موَنه بعمامة الخلفة ؛ فيصير شي ً‬ ‫ل أبيه ‪ ،‬وي ُك ْرِ ُ‬ ‫مح ّ‬
‫ي رحمه الله تعالى ‪1233‬هـ ‪/‬‬ ‫خنا )الحاج إمداد الله المهاجر المك ّ‬ ‫حا شي ُ‬ ‫م َ‬ ‫وقد َ‬
‫جادَته أحد ٌ‬ ‫ل اليوم س ّ‬ ‫حت َ ّ‬‫‪1817‬هـ = ‪1317‬هـ ‪1899 /‬م( هذا التقليد َ كلّيا ؛ فل ي َ ْ‬
‫جادة ٌ له في بلدة "كنكوه" – إشارة إلى مريده الشيخ الفقيه‬ ‫‪ .‬وكانت س ّ‬
‫دث العالم الرّباني رشيد أحمد الكنكوهي ‪1244‬هـ ‪1829 /‬م = ‪1323‬هـ‬ ‫المح ّ‬
‫جادة ٌ له في مدينة "ديوبند" – إشارة إلى الشيخ الناطق‬ ‫‪1905 /‬م – وكانت س ّ‬
‫بالسلم المام محمد قاسم النانوتويّ رحمه الله تعالى رئيس الطائفة‬
‫سة لجامعة دارالعلوم‪ /‬ديوبند ‪1248‬هـ ‪1832 /‬م = ‪1297‬هـ ‪/‬‬ ‫س َ‬ ‫مؤ َ ّ‬‫ال ُ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ة في أمكنة شّتى ‪ .‬وأوَد ّ أن أؤَكد أن هذا‬ ‫مت َوَّزعَ ً‬
‫جاداُته ُ‬ ‫‪1880‬م – فكانت س ّ‬
‫ة‪.‬‬‫عها المكن ُ‬ ‫جادات ت ََتوّز ُ‬ ‫ة قصوى؛ حيث الس ّ‬ ‫ة مزيدةٌ وأهمي ّ ٌ‬ ‫ف له قيم ٌ‬ ‫الموق َ‬
‫ن هذا‬‫مَركَزة في مكان واحد ‪ .‬إ ّ‬ ‫ّ‬ ‫جادةُ واحدة ً ُ‬ ‫وليس بشيء أن تكون الس ّ‬
‫ث‪.‬‬‫ث والتوار َ‬ ‫الشيَء وأمثاَله لتحتمل التوري َ‬
‫قصة وقعت لي ‪:‬‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن ‪ Thana bhawan‬بمديرية‬ ‫ه َبهوَ ْ‬ ‫ت مرة أهالي بلدتي – َتهان َ ْ‬ ‫ي ذا َ‬ ‫ب إل ّ‬ ‫ط َل َ َ‬


‫"مظفر نكر" ‪ Muzaffar Nagar‬بولية "أترابراديش" ‪ – Uttar Pardesh‬أن‬
‫ت طلَبهم بشروط ‪ ،‬كان من بينها‬ ‫قِبل ُ‬ ‫ة المامة بالمصلين ‪ ،‬ف َ‬ ‫مل مسؤولي ّ َ‬ ‫أتح ّ‬
‫خّلى‬ ‫ت‬‫قا من حقوقي ‪ ،‬وأني ل أكون مل ْزما بالمامة ‪ ،‬فأ َ‬ ‫ّ‬ ‫ح‬ ‫لتصير‬ ‫ة‬ ‫المام‬ ‫ن‬
‫َ َ‬ ‫ُ َ ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أ ّ‬
‫ة على‬ ‫ت المام َ‬ ‫ت على مرأى ومسمع منهم أني توّلي ُ‬ ‫دما أريد ‪ .‬ثم أعلن ُ‬ ‫عنها عن َ‬
‫قا لي‪ ،‬فل يجري فيه‬ ‫ضح أن ذلك ليكون ح ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫إلحاٍح من الناس ‪ ،‬و أوَد ّ أن أوَ ّ‬
‫ث ‪ .‬وعندما يكره أحد ٌ إمامتي مهما كان من الذين يعتبرهم الناس من‬ ‫التوار ُ‬
‫ة عن طريق البريد ‪ ،‬أني أكره إمامَتك ‪.‬‬ ‫ي بطاق ً‬ ‫الحشوة ‪ ،‬فله أن يكتب إل ّ‬
‫ت عنها‬ ‫جا للثياب أو جّزاًرا منعني من المامة ‪ ،‬لمتنع ُ‬ ‫ن ناس ً‬ ‫فأقول‪ :‬والله لو أ ّ‬
‫ت‬
‫ف ْ‬ ‫ت ان ْت َ َ‬ ‫ت بالمامة ؛ لنه بعدما صّرح ُ‬ ‫ت لهم بذلك قم ُ‬ ‫فوًرا ‪ .‬وعندما صّرح ُ‬
‫ت عنها بدوري ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ت التوارث ‪ .‬وبعد مدة تخلي ُ‬ ‫احتمال ُ‬
‫جادة‬ ‫توارث الس ّ‬
‫ة؛‬ ‫واَرث َ َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫فاليوم صار الستخلف إرثا يتوارثونه ‪ .‬والناس يحترمون السجادةَ ال ُ‬ ‫ً‬
‫ل بالتقليد ‪ .‬وقد وجدنا لدى هؤلء‬ ‫ت أهمّية ‪ .‬فذلك احتفا ٌ‬ ‫حيث يرون أّنها ذا ُ‬
‫جادة ليخرج من الزاوية ‪.‬‬ ‫ن الشيخ القابع في الس ّ‬ ‫دا آخر‪ ،‬وهو أ ّ‬ ‫الناس تقلي ً‬
‫ت مدينة "بهاكلبور" ‪ – Bhagal pur‬إحدى مدن ولية "بيهار" بالهند –‬ ‫زر ُ‬
‫َ‬
‫ما ‪ :‬منذ أن قب َعَ في‬ ‫خا لم يخرج من الزاوية منذ ‪ 40‬عا ً‬ ‫ت أن شي ً‬ ‫فسمع ُ‬
‫ت لهم‪ :‬هل هو من‬ ‫ُ‬ ‫قل‬ ‫‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ه‬
‫ُ ََ ِْ َ‬ ‫با‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ذلك‬ ‫عنه‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫و‬
‫َْ ُ ْ َ‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫مريدوه‬ ‫وكان‬ ‫‪.‬‬ ‫جادة‬ ‫الس ّ‬
‫قب ْعُ في مكان‬ ‫مد ِ ؛ فال َ‬ ‫مغْ َ‬ ‫وف بالخارج بالسيف غير ال ُ‬ ‫النثى؟ إن الرجل ي ُط َ ّ‬
‫ت به العذار أو الدواعي‬ ‫دا أو قَعَد َ ْ‬ ‫قعَ ً‬ ‫م ْ‬ ‫ما إذا كان أحد ٌ ُ‬ ‫ة‪.‬أ ّ‬ ‫واحد ليس رجول ً‬
‫الخرى ‪ ،‬فل بأس به‪.‬‬
‫ذل‬ ‫ه الضرورة ُ للمثول بين يدي المحكمة ‪ ،‬ت ُب ْ َ‬ ‫ل هذا الشيخ إذا د َعَت ْ ُ‬ ‫ومث ُ‬
‫ل لدى‬ ‫دون المثو َ‬ ‫ة لعفائه منه ؛ لن المشايخ اليوم عادوا ي َعُ ّ‬ ‫ف ٌ‬ ‫مك َث ّ َ‬ ‫ت ُ‬ ‫محاول ٌ‬
‫ب في كونه عيًبا ‪.‬‬ ‫المحكمة عيًبا ‪ .‬ولم أدرِ أنا السب َ‬
‫ة أخرى حدثت لي‬ ‫قص ٌ‬
‫ة جارية في مدينة "كانبور" بولية "أترابراديش" بالهند‬ ‫َ‬
‫حاكم ٌ‬ ‫م َ‬ ‫كانت هناك ُ‬
‫ما‬
‫حك ً‬‫َ‬ ‫صطن َِعا َ‬ ‫َ‬ ‫ن أن ت َ ْ‬ ‫سم بشكل ؛ فقال القاضي للخصمين ‪ :‬الحس ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وكانت لت ُ ْ‬
‫ضَيا باّتخاذ‬ ‫ة تتولى تنفيذ َ ما يحكم به هو ‪ .‬و َر ِ‬ ‫ّ‬ ‫يحكم في قضّيتكما ‪ ،‬ثم المحكم ُ‬
‫قا على أحد ٍ منهم ‪ ،‬ثم‬ ‫َ‬
‫ة عدًدا من العلماء لم يت ّفِ َ‬ ‫ت المحكم ُ‬ ‫م ِ‬ ‫س ّ‬ ‫حك َم ِ و َ‬ ‫ال َ‬
‫ة أمًرا رسمّيا بالمثول أمام‬ ‫ي المحكم ُ‬ ‫ت إل ّ‬ ‫جه ْ‬ ‫ضَيا ‪ ،‬وبالتالي وَ ّ‬ ‫مْتني فَر ِ‬ ‫س ّ‬‫َ‬
‫قد َ‬ ‫ن لي من الحكم في القضّية ‪ ،‬فاعْت َ َ‬ ‫ُ‬
‫ي بما ي َعِ ّ‬ ‫القاضي )‪ (Summons‬لد ْل ِ َ‬
‫ت لهم ‪ :‬ما هي المذلة في هذا‬ ‫ُ‬ ‫قل‬ ‫‪.‬‬ ‫لي‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫مذ‬ ‫القاضي‬ ‫ن مثولي بين يدي‬ ‫إخوا ٌ‬
‫ت لدى القضاء ‪،‬‬ ‫ة بشهادتي ‪ .‬على كل فمثل ُ‬ ‫سم قضي ّ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫المر؟ إّنها لعّزةٌ أن ت ُ ْ‬
‫ما بناءً‬ ‫م القضّية العالقة منذ الثمانية عشر عا ً‬ ‫م حس ُ‬ ‫ت بما كان عندي ‪ ،‬وت َ ّ‬ ‫وأدلي ُ‬
‫على تصريحاتي ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ت مرة إلى مدينة "بريلي" بولية "أترابراديش"‬ ‫ة ذا َ‬ ‫وكذلك كانت لي رحل ٌ‬


‫صا على‬ ‫َ‬
‫ة في الجتماع بي ؛ لّنه كان حري ً‬ ‫دى مديٌر للشرطة رغب ً‬ ‫بالهند ‪ ،‬فأب ْ َ‬
‫ض المحبين أن المديَر ينبغي‬ ‫َ‬
‫زيارة ذوي العلم والفضل ‪ .‬وعندها كذلك َرأى بع ُ‬
‫ما حضوري إليه فهو مذّلة ‪.‬‬ ‫ما لي ‪ ،‬أ ّ‬ ‫أن يحضر إلى منزلي ؛ لن في ذلك إكرا ً‬
‫قِبل له‬‫مست َ ْ‬ ‫ي أكون أنا ال ُ‬
‫ت أنه إذا جاء إل ّ‬ ‫ت غيَر ما َرأ َْوا ؛ حيث ف ّ‬
‫كر ُ‬ ‫أما أنا فرأي ُ‬
‫ت أنا إليه ‪،‬‬‫رم لي؛ فذهب ُ‬ ‫ْ‬
‫مك ِ‬‫ت إليه يكون هو ال ُ‬ ‫في به‪ ،‬وإذا حضر ُ‬ ‫حت َ ِ‬
‫م ْ‬
‫وال ُ‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فَت ََناَوني بحفاوة بالغة ‪.‬‬


‫ت من السبب في حضوري إلى مدير الشرطة ‪ ،‬مبنّيا على‬ ‫وقد كان ما أبدي ُ‬
‫ة ‪ ،‬وجعله‬ ‫ن الله أكرمه بمنحه السلط َ‬ ‫فكرة الخوان ‪ .‬أما السبب الحقيقي أ ّ‬
‫ما ‪ .‬إن الله إذا جعله‬ ‫ً‬ ‫محكو‬ ‫الحاكم‬ ‫ت على أن أجعل‬ ‫مسيطًرا علينا ؛ فندم ُ‬
‫ة المحكوم مع الحاكم ‪ .‬فإذا‬ ‫ب التكويني يقتضي أن نعامله معامل َ‬ ‫ما فالد ُ‬ ‫حاك ً‬
‫ت‬ ‫ُ‬
‫م من الحكّام في لقائي أ ِ‬
‫ما اليوم فقد ساد ِ‬ ‫ب أن أزوره أنا ‪ .‬أ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ب حاك ٌ‬ ‫َرِغ َ‬
‫ة للُعلماء وذوي الفضل ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ن في ذلك مذل ً‬ ‫التقاليد ُ التي تجعل الناس يحسبون أ ّ‬
‫قصة أخرى‬
‫ة‬
‫جادات المشايخ ‪ ،‬فأشير إلى مفسد ٍ‬ ‫كان الحديث يدور أصل ً في توارث س ّ‬
‫ن قاضًيا‬ ‫أخرى من خلل قصة ممتعة ؛ ولكنها مثيرة لدرس كبير ‪ :‬يقال ‪ :‬ا ِ ّ‬
‫ب‬
‫ما صار مديًنا لمرا ٍ‬ ‫)مأذوًنا شرعّيا للمامة والمناكحة والطلق( مسل ً‬
‫ده دعوىً إلى المحكمة ‪ ،‬فأصدرت‬ ‫ي في مدينة ‪ ،‬فرفع المرابي ض ّ‬ ‫هندوس ّ‬
‫مت َلكاِته وأراضيه الزراعّية حتى ما كان يناله من المكافآت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫الحكم بمصادرة ُ‬
‫دا‬
‫ل أيام العيدين كبيًرا ج ّ‬ ‫ُ‬
‫النقدية لقاَء الخطابة والمامة ؛ فقد كان دخله الحاص ُ‬
‫م العيد أن المسلمين يتوافدون إلى‬ ‫‪ .‬قال الراوي ‪ :‬إنه رأى ذات مرة يو َ‬
‫َ‬
‫م المام ‪ ،‬فما لبثوا أن َرأْوا‬ ‫صّلى في ملبس جديدة وبدأوا ينتظرون مقد َ‬ ‫م َ‬ ‫ال ُ‬
‫مَراب ًِيا هندوسّيا ي ُغِذ ّ الخطى إليهم في "الدهوتي" – الزار الطويل البيض‬ ‫ُ‬
‫صّلى حتى ارتفع‬ ‫ُ َ‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫وصل‬ ‫إن‬ ‫وما‬ ‫–‬ ‫لهم‬ ‫را‬‫ً‬ ‫شعا‬ ‫الهندوس‬ ‫به‬ ‫تزر‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫الذي‬ ‫الرقيق‬
‫ت من عجبى – ليزال الحديث‬ ‫ُ‬ ‫وقضي‬ ‫‪.‬‬ ‫ر‬ ‫ض‬
‫َ َ َ‬ ‫ح‬ ‫قد‬ ‫المام‬ ‫السيد‬ ‫ج بأن‬ ‫الضجي ُ‬
‫ت في نفسي يا إلهى ! كيف هذا المام ؟ هل المرابي‬ ‫للراوي – وقل ُ‬
‫صعِد َ المرابي فعل ً‬ ‫صلي العيد َ بالناس ؟!‪ .‬وما هو إل ّ دقائق حتى َ‬ ‫ّ‬ ‫ي سي ُ َ‬ ‫الهندوس ّ‬
‫س ‪ :‬أّيها الناس ! هل تسمحون لي ؟‬ ‫ما وخاطب النا َ‬ ‫ب قائ ً‬ ‫ص َ‬ ‫المنبَر ‪ ،‬وان ْت َ َ‬
‫قالوا ‪ :‬نعم ‪ ،‬نسمح لك ‪ ،‬فبسط ثوًبا على الرض ‪ ،‬وبدأ الناس يقذفون عليه‬
‫معَ منها على‬ ‫ج ّ‬‫وا من دفع النقود ‪ ،‬عَد ّد َ ما ت َ َ‬ ‫ت ‪ .‬وعندما ان ْت َهَ ْ‬ ‫س والروبّيا ِ‬ ‫الفلو َ‬
‫م‬
‫م العيد هذا العا َ‬ ‫ل كان يو َ‬ ‫ن الدخ َ‬ ‫ل المجموع َ في دفتر حسابه بأ ّ‬ ‫ج َ‬‫س ّ‬ ‫ثوبه ‪ ،‬و َ‬
‫صّرة َ على إحدى كتفيه ‪ ،‬ثم‬ ‫صّرة ‪ ،‬وألقى ال ُ‬ ‫جعَلها في ُ‬ ‫َ‬ ‫كذا من الروبّيات ‪ ،‬ثم َ‬
‫ع‬
‫ج َ‬
‫ة ‪ ،‬وَر َ‬ ‫م إليهم التحي ّ َ‬ ‫َ‬
‫قال للناس ‪ :‬هل تأذنون ؟ قالوا ‪ :‬نأذن لك ‪ .‬ثم قد ّ َ‬
‫س إلى بيوتهم دونما صلة أو خطبة تتبعها‪ .‬وقد‬ ‫قه النا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫جه إلى بيته ‪ ،‬ثم ل َ ِ‬ ‫أدرا َ‬
‫صها ‪،‬‬ ‫سألهم الراوي‪ :‬أَول ت ُؤَّدى الصلة ُ ؟ ف َ‬ ‫َ‬
‫صها ون ّ‬ ‫ة بف ّ‬ ‫صوا عليه القص َ‬ ‫ق ّ‬
‫ل على قرار‬ ‫ص َ‬ ‫َ َ‬ ‫ح‬ ‫وقد‬ ‫‪،‬‬ ‫هذا‬ ‫الهندوسي‬ ‫للمرابي‬ ‫وقالوا ‪ :‬إن السيد المام مدين‬
‫فى هو‬ ‫خت َ َ‬
‫قضائي بمصادرة ما كان يناله المام من الدخل يومي العيدين ‪ ،‬فا ْ‬
‫ما نحن فنحضره كالعادة ‪ ،‬وهذا‬ ‫صّلى ‪ .‬أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫منذ سنوات ‪ ،‬فل ي َط ْل ُعُ إلى ال ُ‬
‫المرابي يواظب على استخراج النقود وجمعها ؛ فصلتا العيدين لت ُؤَد َّيان منذ‬
‫سنوات ‪.‬‬
‫ل به في أمثال هذه الشياء ‪ ،‬إحدى مفاسده أن الدخل‬ ‫ث المعمو ُ‬ ‫فالر ُ‬
‫ف‬
‫الحاصل بأسماء المشايخ والصالحين يضيع في غير موضعه ‪ ،‬فالوقا ُ‬
‫لت والحاصلت الموقوفه لصالح زوايا الصالحين تذهب‬ ‫ن الغ ّ‬ ‫الكثيرة ُ تضيع ؛ ل ّ‬
‫ّ‬
‫جاداتهم ‪ ،‬ليسمح بتولي القيام‬ ‫ثس ّ‬ ‫هدًرا ؛ لن تقليد استخلف المشايخ وتوار ِ‬
‫على الوقاف إل ّ لولد المشايخ سواء أكانوا صالحين أو طالحين ‪ ،‬ثم يمتد‬
‫ف من الوقا‬ ‫كها ‪ .‬وعلى ذلك فضاعت آل ٌ‬ ‫المُر إلى اّدعائهم مل َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الستراتيجية الميركية الجديدة لمنطقة العالم السلمي‬


‫جراء تمسك المسلمين بدينهم وعقيدتهم‪ ،‬وتطلعهم الجاد لعادة الحكم بما‬
‫أنزل الله‪ ،‬وبالتالي رجحان عودة السلم السياسي لواقع الحياة والتطبيق‬
‫العملي‪ ،‬صار الغرب الكافر وعلى رأسه الوليات المتحدة الميركية‪ ,‬يدرك‬
‫مدى هشاشة مخططاته التي وضعها وسار عليها منذ عقود مضت‪ ،‬لضرب‬
‫السلم والجهاز على عقيدته‪ .‬وأميركا على وجه الخصوص‪ ,‬بوصفها رأس‬
‫الكفر وحربته‪ ,‬وإحدى الدول الطامعة في بلد المسلمين وثرواتهم‪ ،‬ترى على‬
‫الدوام‪ ،‬في تمسك المسلمين بدينهم‪ ،‬وتحركهم الجاد للنهوض‪ ،‬تهديدا ً مباشرا ً‬
‫لمصالحها‪ ،‬ليس في مناطق المسلمين فحسب بل وفي العالم بأسره‪.‬‬
‫لقد قررت أميركا‪ ،‬منذ زوال الشيوعية واندحارها‪ ،‬اتخاذ السلم عدوا ً لها‪،‬‬
‫وذلك كمقدمة لعادة صياغة مخططاتها لمنطقة العالم السلمي‪ ،‬بما يحقق‬
‫لها إزالة أثر العقيدة السلمية من نفوس المسلمين‪ ،‬وتكريس هيمنتها‬
‫ونفوذها على هذا الجزء الحيوي من العالم‪.‬‬
‫وإنه‪ ،‬وإن كان لسقوط الشيوعية وانحنائها أمام الحضارة الغربية‪ ,‬أثر بالغ في‬
‫تنامي النزعة لدى صّناع القرار في الغرب‪ ،‬وفي أميركا تحديدًا‪ ،‬لجعل‬
‫الرأسمالية مبدأ لكافة شعوب وأمم الرض‪ ،‬بمن فيهم المة السلمية‪ ،‬إل أن‬
‫هذا السقوط للشيوعية قد ساهم إلى حد كبير في الكشف عن قوة السلم‪،‬‬
‫ومدى تمكنه من نفوس المسلمين‪ .‬إن الحداث الجسام التي عصفت بالمة‬
‫السلمية ردحا ً طويل ً من الزمن‪ ،‬لم تنل من إسلمية المة‪ ،‬المر الذي جعل‬
‫من المة السلمية هدفا ً لمخططات أميركا الجديدة‪ ،‬الهادفة لضرب السلم‪،‬‬
‫وجعل الرأسمالية دينا جديدا للمسلمين‪ ،‬هذا من حيث الدوافع الكامنة وراء‬
‫العداء الصليبي المتأصل في نفوس الكفر والكافرين تجاه السلم والمة‬
‫السلمية‪.‬‬
‫أما من حيث ترجمة هذا العداء إلى أقوال وأفعال ومخططات‪ ،‬ترسمها الدول‬
‫الكافرة بزعامة أميركا‪ ,‬بقصد التصدي للمسلمين ولعقيدتهم‪ ,‬فإن‬
‫الستراتيجية الميركية الجديدة لمنطقة العالم السلمي‪ ,‬إنما تنطلق من‬
‫مفاهيم القوة‪ ،‬وغطرسة القوة‪ .‬بمعنى محاولة فرض النظم والقيم الغربية‬
‫على شعوب المة السلمية‪ ,‬بواسطة القوة‪ ,‬وبما يلزم لهذه الستراتيجية من‬
‫دعاية مضّللة‪ ،‬وغزو‪ ،‬واحتلل‪ ،‬كلما لزم المر‪ .‬هذا فضل عن اتباع شتى‬
‫أساليب الضغط والتضييق على المسلمين‪ ،‬على مستوى العالم‪ ,‬وبالذات‬
‫البلد السلمية‪ ,‬لحمل المسلمين على نبذ عقيدتهم ودينهم‪ ,‬واتخاذ حضارة‬
‫الغرب حضارة لهم‪.‬‬
‫وإنه‪ ،‬وإن كانت الدارة الميركية السابقة بزعامة كلينتون‪ ,‬هي صاحبة‬
‫مشروع جعل الرأسمالية مبدأ لكافة شعوب وأمم الرض‪ ,‬بمن فيهم شعوب‬
‫المة السلمية‪ ,‬ولكن بأسلوب الدعاية والحوار واقتصاد السوق وغيره‪ ,‬إل أن‬
‫الجديد في الستراتيجية الميركية الحالية‪ ,‬هو عسكرة الحملة العالمية التي‬
‫خطها كلينتون‪ .‬وما نشاهده اليوم من غزو أميركا لفغانستان والعراق‪ ,‬وقتل‬
‫وتشريد للمسلمين في فلسطين وكشمير والعراق‪ ,‬لخير دليل على هذا‬
‫التوجه لدى صناع القرار في إدارة بوش الحالية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإن المجموعة المتشددة التي تتشكل منها إدارة بوش الحالية‪ ,‬تؤمن‬
‫بأن القوة العسكرية التي توفرت للوليات المتحدة في هذا الظرف التاريخي‬
‫النادر‪ ,‬يجب أن تسرع في حسم كل المعارك العسكرية منها والثقافية‪,‬‬
‫لصالح الوليات المتحدة والمعسكر الديمقراطي‪ ,‬وذلك قبل أن تزداد‬
‫المخاطر التي من شأنها أن تشكل تهديدا لمن الوليات المتحدة القومي‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه الفلسفة‪ ,‬التي تقوم على أساسها السياسة الخارجية للوليات المتحدة‬
‫اليوم‪ ,‬جراء تبني إدارة بوش البن لها‪ ,‬هي في واقعها مستوحاة من نظرة‬
‫الفيلسوف الميركي الياباني الصل‪ ,‬فرانسيس فوكوياما ‪-‬صاحب نظرية‬
‫نهاية التاريخ _على حد زعمه_ يقول فيها‪ :‬إن المعارك الكبرى التي دارت في‬
‫القرن العشرين‪ ،‬وهو يقصد منذ هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية‬
‫الولى‪ ،‬انتهت بنصر حاسم لقوى الحرية‪ ،‬وبروز نموذج واحد ومستدام‪,‬‬
‫وعناصره هي‪ :‬الحرية والديمقراطية والمشروع الحر؛ لهذا نجد أن وزير‬
‫الدفاع الميركي الحالي‪ ,‬دونالد رامسفيلد‪ ,‬يتبنى بل يعمل على مضاعفة‬
‫القوات المسلحة الميركية خارج الوليات المتحدة‪ ,‬إلى مستوى الضعف‪.‬‬
‫وكذلك يمكن ملحظة هذا الطراز من التفكير لدى المتنفذين في إدارة بوش‬
‫الحالية‪ ,‬من خلل الوثيقة الرسمية التي أعلنها البيت البيض رسميا في‬
‫‪20/9/2002‬م‪ ،‬تحت عنوان )الستراتيجية الميركية لمن الوليات المتحدة‬
‫القومي( ما نصه‪» :‬سوف تستخدم الوليات المتحدة قوتها العسكرية‬
‫والقتصادية‪ ,‬لتشجيع قيام المجتمعات الحرة والمفتوحة‪ ,‬وستعمل كل ما في‬
‫إمكانها‪ ،‬بوصفها الدولة العظمى الوحيدة في العالم‪ ,‬لستخدام المعونة‬
‫الخارجية‪ ،‬وصندوق النقد الدولي‪ ،‬والبنك الدولي‪ ,‬لكسب معركة الفكار‬
‫والقيم المتنافسة‪ ,‬بما في ذلك كسب معركة العالم السلمي«‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لهذا كله جاءت ردات فعل إدارة بوش البن‪ ,‬على أحداث الحادي عشر من‬
‫أيلول‪ ,‬سريعة وحاسمة‪ ,‬ودون تردد أو إبطاء‪ ,‬بخصوص عسكرة الحملة على‬
‫ما يسمى بالرهاب‪ ,‬أي عسكرة الحملة للقضاء على السلم‪ .‬تمخض عن‬
‫هذه العسكرة‪ :‬إعلن الحرب على أفغانستان البلد المسلم‪ ,‬وتعزيز التواجد‬
‫العسكري الميركي‪ ،‬حول أطراف بلد المسلمين‪ ،‬وفي منطقة الخليج على‬
‫وجه الخصوص‪.‬‬
‫ول يخفى على أحد أنه من خلل الممارسات الحاقدة التي تتزعمها أميركا‪,‬‬
‫بشأن ملحقة المسلمين‪ ،‬وتضييق الخناق عليهم‪ ،‬في أميركا‪ ،‬وفي كل أرجاء‬
‫العالم‪ ,‬والضغوط على معظم دول العالم‪ ،‬للوقوف معها وإلى جانبها‪ ،‬في‬
‫حملتها المسعورة لستئصال شأفة المسلمين وقتلهم‪ ،‬بحجة محاربة الرهاب‬
‫واستئصاله من جذوره‪ .‬إنه صار من نافلة القول إن الحرب التي أعلنها بوش‬
‫البن‪ ،‬على ما يسمى بالرهاب‪ ,‬هي في واقعها وحقيقتها حرب فعلية على‬
‫السلم والمة السلمية‪.‬‬
‫وبالرغم من أن للحملة الميركية اليوم على المسلمين دوافع أخرى منها‬
‫وضع اليد على الحتياط النفطي الهائل‪ ,‬إل أن العنوان الرئيس لهذه الحملة‬
‫المسعورة‪ ,‬هو فشل المخططات السابقة لثني المة عن دينها وعقيدتها‪,‬‬
‫إضافة إلى الخطر الكامن في المة السلمية‪ ,‬على مصالح الغرب ونفوذه‪،‬‬
‫عندما تنطلق المة وتنهض وتحمل رسالتها للعالم‪.‬‬
‫أما الستراتيجية الميركية الجديدة على المستوى الثقافي فإنها ل تنفك عن‬
‫مفاهيم القوة‪ ,‬وتجيير نتائج الحروب والغزو‪ ،‬لصالح بعث الديمقراطية‬
‫والرأسمالية في بلد المسلمين‪ .‬وبمعنى آخر محاولة فرض الديمقراطية‪,‬‬
‫بوصفها الطار السياسي للفكر الرأسمالي‪ ,‬والقيم الغربية على المة‬
‫السلمية‪ ,‬تحت طائلة الغزو والقوة العسكرية المتغطرسة‪ .‬إنها حملة صليبية‬
‫ثقافية في المقام الول‪ .‬ول أدل على هذه الحملة وهذه الستراتيجية مما‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جاء على لسان كونداليسارايس‪ ,‬بتاريخ ‪27/9/2002‬م قولها »إن الزلزال‬


‫الذي حدث في الحادي عشر من أيلول‪ ,‬قلب موازين السياسة الدولية‪ ,‬وإن‬
‫الفترة الحالية مع أخطارها‪ ,‬إل أنها تمثل فرصة عظيمة‪ ,‬تماثل الفترة التي‬
‫أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية‪ ,‬عندما تمكن العالم الحر من إعادة تأهيل‬
‫ألمانيا واليابان‪ ،‬وضمهما إلى معسكر الديمقراطية والحرية«‪ .‬إن مستشارة‬
‫المن القومي هذه‪ ,‬إنما تقصد‪ ،‬إعادة تأهيل العالم السلمي‪ ,‬أسوة بما آل به‬
‫حال ألمانيا واليابان بعيد الحرب العالمية الثانية‪ .‬بدليل أن تصريحها هذا قد‬
‫جاء في معرض الرد على سؤال وجهته إليها إحدى الصحف البريطانية‪ ,‬حول‬
‫المشروع الميركي المعلن‪ ,‬بشأن فرص نجاح إحلل الديمقراطية في الشرق‬
‫الوسط‪ ،‬بعيد النتهاء من نظام حكم صدام حسين في العراق‪ .‬وحول نفس‬
‫السؤال‪ ،‬أضافت رايس بقولها »إن الفترة النتقالية التي أعقبت انهيار التحاد‬
‫السوفيتي قد انتهت‪ ,‬المر الذي يتيح لواشنطن بصفته‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الستراتيجية العسرية بين السلم والغرب )‪(2/1‬‬


‫فهد بن عبدالرحمن الخريجي‬
‫ً‬
‫لم يظهر المفهوم المعاصر للستراتيجية العسكرية بوصفه علما من العلوم‬
‫بين عشية وضحاها؛ لن صياغة أية مجموعة من المفاهيم لبد أن يسبقها‬
‫تجميع الكثير من المعلومات فالنسان ينتقل من الملحظة والتجربة إلى‬
‫النظرية في دارسته للكون‪.‬‬
‫ولن الحرب واحدة من الظواهر الحتمية في حياة النسان‪ ،‬واكبت مسيرته‬
‫على هذه الرض وكانت معلما ً بارزا ً في تاريخه الطويل‪ ،‬فقد استحوذت ‪-‬‬
‫كسواها من فروع المعرفة النسانية ‪ -‬على اهتمام كثير من الدارسين‬
‫والمفكرين الذين حاولوا الوصول إلى استنتاجات ومبادئ وقوانين عامة لهذه‬
‫الظاهرة المعقدة ويمكن القول بأن القرن الخامس الميلدي هو بداية‬
‫المحاولت الولى لتنظيم معلومات التجارب والخبرات المكتسبة‪ ،‬وظهرت‬
‫عبارة "استراتيجية" النابعة من تعبير "ستراتيجوس" الغريقي الذي يعني‬
‫"القائد" أو "قائد القوات"‪.‬‬
‫ولم يتحقق حتى القرن السادس عشر أي مزيد من السهام في صياغة‬
‫الستراتيجية العسكرية باعتبارها علما ً حتى جاء مكيافلي)‪ (1‬اليطالي في‬
‫ذلك القرن وقام بمحاولت جادة للبحث في جميع القضايا المتعلقة بتسيير‬
‫دفة الحرب ووضع كتاب "فن الحرب" الذي اعتمد فيه على تجارب القادة‬
‫العسكريين القدامى‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن التاريخ العسكري للغرب يحدد نصف القرن الثامن عشر‬
‫كمستهل للعلم العسكري وذلك حين قام هنري لويد المؤلف العسكري‬
‫النجليزي بإعداد مجموعة من المفاهيم النظرية العامة ومبادئ الستراتيجية‬
‫العسكرية ومن ضمنها‪:‬مقدمة الكتاب الذي وضعه عن تاريخ حرب السنوات‬
‫السبع)‪.(2‬‬
‫تعريف الستراتيجية العسكرية‪:‬‬
‫كما ذكرنا سابقا ً بأن الكّتاب والمؤلفين لم يستطيعوا تحديد الهوية الصحيحة‬
‫للستراتيجية‪ ،‬وحيث إن لكل منهم وجهة نظره الشخصية ووجود الختلف‬
‫بين مفاهيم هؤلء الكتاب والمؤلفين فل يوجد تعريف واضح لمعنى‬
‫الستراتيجية ووسائلها مما يوحى بأن مفهوم هذه الكلمة أو الصطلح لم‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يتبلور بعد في أذهان رواد الستراتيجية ومفكريها‪.‬‬


‫ولكن سوف أورد بعض التعاريف التي يمكن أن تكون قريبة لمعنى‬
‫الستراتيجية حسب رأي أصحابها ومن هؤلء كلوزفتز حيث عرفها بأنها‪) :‬فن‬
‫استخدام المعارك كوسيلة للوصول إلى هدف الحرب( أما بالنسبة لمولتكه‬
‫فقد عرفها بأنها‪" :‬إجراء الملئمة العملية للوسائل الموضوعة تحت تصرف‬
‫القائد للوصول إلى الهدف المطلوب" بينما عرفها ليدل هارت بأنها‪" :‬فن‬
‫توزيع واستخدام مختلف الوسائط العسكرية لتحقيق هدف السياسة")‪ (3‬وأما‬
‫الجنرال باليت فقد عرفها بأنها‪" :‬فن تعبئة وتوجيه موارد المة أو مجموعة‬
‫من المم ‪ -‬بما فيها القوات المسلحة ‪ -‬لدعم وحماية مصالحها من أعدائها‬
‫الفعليين أو المحتملين")‪.(4‬‬
‫أنواع الستراتيجية العسكرية‪:‬‬
‫ل‪ :‬الستراتيجية العليا‪:‬‬‫أو ً‬
‫القيادة السياسية في الدولة هي التي تتولى الستراتيجية العليا في حين‬
‫تعتبر الستراتيجية العسكرية هي نطاق النشاط العملي للقيادة العسكرية‬
‫العليا‪ ،‬فالستراتيجية العليا هي التي تقدر وتنمي وتحشد كافة المكانات‬
‫والطاقات القتصادية والبشرية والعسكرية والمعنوية وسواها من قوى‬
‫الضغط للتأثير على عزيمة الخصم ومعنوياته وإرادته لجباره على الخضوع‬
‫والتسليم وبالتالي تحقيق هدف السياسة‪ ،‬كما تحدد كافة المهام والدوار‬
‫لمختلف الستراتيجيات العامة‪ ،‬وتؤمن توافقها وانسجامها‪ ،‬وتعالج كافة‬
‫مراحل الصراع‪ ،‬وتؤمن التوافق بين شتى وسائط وأسلحة الصراع‪ ،‬وتنظم‬
‫استخدامها وتوجيهها)‪.(5‬‬
‫وتحتوي الستراتيجية السياسية العليا على وجهين‪ :‬أحدهما سياسي والخر‬
‫عسكري غير أن كل الوجهين يشكل وحدة فكرية متجانسة ومترابطة ترمي‬
‫إلى تحقيق أهداف موحدة ومحددة‪:‬‬
‫‪ -1‬الوجه السياسي للسياسة العليا‪:‬‬
‫هو مجموع المبادئ ذات الصبغة السياسية التي تعالج المسائل المتعلقة‬
‫بالصراع المسلح والتطور العسكري ككل وتشمل‪:‬‬
‫أ‪ -‬الخواص السياسية المميزة للصراع المسلح وهي تشمل انعكاسات‬
‫السياسة العالمية والقليمية والمحلية على طبيعة الصراع المسلح‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المحتوى الجتماعي والسياسي للصراع المسلح وهو يشمل وجهة نظر‬
‫الدولة تجاه آثار النظم الجتماعية والسياسة القائمة لدى الطرفين على‬
‫الصراع المسلح‪.‬‬
‫ج ‪ -‬اتجاهات التحضير للحرب وإدارتها‪.‬‬
‫د‪ -‬اتجاهات إعداد الدولة للحرب اقتصاديا ً ومعنويا‪ً.‬‬
‫ه ‪ -‬احتمالت تجنب الحرب أو قيامها وذلك بناًء على دراسة الهداف‬
‫السياسية والقومية للجانبين والعوامل السياسية التي تؤدي إلى احتمال قيام‬
‫الحرب أو تجبنها‪.‬‬
‫و‪ -‬إمكانيات عقد معاهدات سياسية ‪ -‬عسكرية لتوحيد الجهود السياسية‬
‫والعسكرية تجاه هدف سياسي عسكري‪.‬‬
‫ز‪ -‬العوامل السياسية التي تحدد بداية الحرب وسيرها وتوقفها وهي تعني‬
‫دراسة للعوامل والشروط السياسية القليمية والعالمية التي تؤثر على تحديد‬
‫بداية الحرب وسيرها وتوقفها‪.‬‬
‫ح ‪ -‬وجهة نظر الدولة بالنسبة لستخدام السلحة الحديثة )كالسلح الذري‬
‫مث ً‬
‫ل()‪.(6‬‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -2‬الوجه العسكري للسياسة العليا‪:‬‬


‫هو مجموع المبادئ ذات الصفة العسكرية الخاصة التي تعالج المسائل‬
‫المتعلقة بإعداد واستخدام القوات المسلحة في الحرب‪ ،‬وتحدد مجالت‬
‫تطور فن الحرب بمستوياته الستراتيجية والتعبوية والتكتيكية بالضافة إلى‬
‫تطوير نظام تزويد القوات المسلحة بالمعدات الحربية وتشمل‪:‬‬
‫أ‪ -‬المعالم المميزة للحرب وتحديد الهدف الستراتيجي للحرب‪ ،‬وشكل‬
‫الحرب‪ ،‬وشكل المرحلة الفتتاحية‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أساليب دراسة القدرات العسكرية للعدو المنتظر ومستوى استعداده‬
‫للحرب‪.‬‬
‫ج ‪ -‬دراسة تأثير العوامل المؤثرة على شكل الحرب‪ ،‬ومنها‪ :‬المفاجأة والمدى‬
‫الزمني والمدى الجغرافي للحرب والسلحة الستراتيجية‪.‬‬
‫د ‪ -‬مطالب الكفاءة القتالية ومستوى الستعداد القتالي للقوات المسلحة‬
‫وتشمل وسائل إعداد الفرد المقاتل وتهيئة القوات بعناصرها المختلفة ومدى‬
‫استعدادها القتالي عند الحرب‪.‬‬
‫ه ‪ -‬المسائل الساسية في تنظيم وتطوير القوات المسلحة وتشمل قواعد‬
‫البناء التنظيمي للقوات وأساليب تطويرها‪.‬‬
‫و ‪ -‬الساليب الستراتيجية لدارة الحرب وتشمل الفكار الستراتيجية الحيوية‬
‫المتضمنة لنظريات فن الحرب وتطبيقها على مستوياته المختلفة‪.‬‬
‫ز‪ -‬التدابير الرئيسية لعداد الدولة اقتصاديا ً ومعنويا ً للحرب ويشمل العداد‬
‫الصناعي والزراعي وإعداد الدولة كمسرح للحرب‪ ،‬والعداد المعنوي‬
‫والوقائي لجماهير الشعب)‪.(7‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الستراتيجية العسكرية‪:‬‬
‫وهي تختص بمرحلة الصراع المسلح أي أن مداها ونطاقها محدودان بالحرب‬
‫واستخدام الوسائل والمكانات العسكرية لتحقيق هدف الستراتيجية العليا‬
‫معتمدة في ذلك على التقدير السليم والمواءمة الناجحة بين وسائلها‬
‫وإمكاناتها وبين غاياتها‪ ،‬فالستراتيجية العسكرية هي أداة الستراتيجية العليا‬
‫لحراز النصر في ميدان القتال وتحقيق هدف السياسة وهي تتبع لها وتعمل‬
‫وفق مخططهاومنهجها كما أنها)‪ (8‬تبحث في الساليب والوسائل المتعلقة‬
‫بالقضايا التية‪:‬‬
‫أ‪ -‬طبيعة الحرب وفن إدارة الصراع المسلح ‪ -‬قواعد شن الحرب ‪ -‬طاقتها ‪-‬‬
‫مداها الزمني ‪ -‬مداها الجغرافي‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الهداف والمهام الستراتيجية التي على القوات تنفيذها لكي تحدث‬
‫تغييرات حادة في الموقف العسكري والسياسي عموما ً أو في الموقف‬
‫الستراتيجي في جبهة القتال‪.‬‬
‫ج ‪ -‬كيف تبنى القوات المسلحة وكيف يتم تطويرها بحيث تستطيع تحقيق‬
‫المهام والهداف‪.‬‬
‫د ‪ -‬ماهو التوزيع المناسب للقوات جغرافيا ً وهو مايسمى بالتوزيع‬
‫الستراتيجي وهو أمر حيوي لكي تستطيع القوات مواجهة الضربات المفاجئة‬
‫للعدو أو مواجهة الفترة الولية للحرب عامة ويرتبط بذلك أن يبحث أيضا ً في‬
‫السلوب الستراتيجي لستخدام القوات‪.‬‬
‫ه ‪ -‬مبادئ التخطيط الستراتيجي للعمال القتالية وأساليب إدارة الصراع‬
‫المسلح‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫و ‪ -‬نظام إعداد الدولة للحرب الذي يمنحها القدرة على ردع العدوان في أية‬
‫لحظة وتحقيق النصر في أقل وقت ممكن‪ ،‬والصمود لحرب طويلة الجل‪،‬‬
‫والتقليل من الخسائر الناتجة من ضربات العدو والمحافظة على مستوى‬
‫عال من الروح المعنوية وتصميم الشعب على تحقيق النصر في الحرب‪.‬‬
‫ز‪ -‬دراسة المور المتعلقة باحتياجات القوات المسلحة في الحرب من‬
‫إمدادات وصناعات حربية وطرق وخطوط مواصلت‪.‬‬
‫ح ‪ -‬القيادة الستراتيجية للحرب التي سوف تسيطر باستمرار على إدارة‬
‫الحرب‪.‬‬
‫ط ‪ -‬دراسة العدو من جميع النواحي العسكرية والقتصادية والمعنوية‬
‫والجتماعية ودراسة أهدافه)‪.(9‬‬
‫وتشترك الستراتيجية العسكرية في تحديد وتقرير نمط الصراع‪ ،‬وهل‬
‫سيكون هجوما ً عنيفا ً مباشرا ً أم غير مباشر أم دفاعيا ً مخاتل ً في حين تنفرد‬
‫بالتحكم والتوجيه لمسيرة التكتيك بصفته تابعا ً لها وواحدا ً من وسائلها‬
‫التطبيقية العملية الحاسمة للوصول للهدف)‪.(10‬‬
‫أقسام الستراتيجية العسكرية أو ما يسمى ب )الفن العسكري(‪:‬‬
‫يقسم الستراتيجيون الغربيون الفن العسكري إلى فروع ثلثة يرتبونها تنازليا‪ً،‬‬
‫وهي‪ :‬الستراتيجية الكبرى)العليا(‪ ،‬والستراتيجية‪ ،‬والتكتيك)‪ (11‬ويقابلها في‬
‫المدرسة الشرقية الستراتيجية‪ ،‬والفن التعبوي )العمليات(‪ ،‬والتكتيك وسوف‬
‫نبين مفهوم هذه الفروع ومحتوياتها باختصار‪:‬‬
‫ل‪ :‬الستراتيجية الكبرى )العليا(‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫وهي تنسيق وتوجيه كافة مصادر ثروة أمة أو مجموعة من المم بهدف‬
‫تحقيق الغاية السياسية للحرب‪.‬‬
‫والستراتيجية الكبرى يجب أن تقدر الموارد القتصادية ‪ ،‬وكذا الموارد‬
‫البشرية للدولة ‪ ،‬وتستغل القوة المعنوية في المه باعتبارها المصدر‬
‫الحقيقي للصمود وإدارة القتال)‪.(12‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الستراتيجية‪:‬‬
‫وهي فن توزيع واستخدام الوسائل العسكرية مثل القوات المسلحة‬
‫والمدادات لتحقيق أهداف السياسة‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬التكتيك‪:‬‬
‫وهو عبارة عن التدابير أو الترتيبات الخاصة بالقوات المسلحة وقيادتها‬
‫والعمليات التكتيكية أثناء القتال الفعلي‪.‬‬
‫وخلصة القول وبعبارة موجزة يمكن التمييز بين أفرع الفن العسكري كما‬
‫يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الستراتيجية الكبرى )العليا( تختص بالمسائل العليا أو )سياسة الحرب(‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ب ‪ -‬الستراتيجية هي التطبيق العملي للستراتيجية العليا على المستوى‬


‫القل وهو )قيادة الحرب( ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬التكتيك‪ :‬هو التطبيق العملي للستراتيجية على المستوى القل‬
‫وهو)القتال الفعلي()‪.(13‬‬
‫أهداف الستراتيجية العسكرية ‪:‬‬
‫تهدف الستراتيجية إلى تحقيق هدف السياسة عن طريق الستخدام المثل‬
‫لكافة المكانات والوسائل المتوفرة ‪ ،‬وتختلف الهداف من سياسة لخرى‪،‬‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقد ل يتحقق الهدف إل باتباع أسلوب هجومي لحتلل أراضي الغير‪ ،‬أو باتباع‬
‫أسلوب دفاعي لحماية أرض الوطن ومصالح وقيم المة‪ .‬وقد يكون الهدف‬
‫سياسيا ً أو اقتصاديا ً أو عسكريا ً أو معنويا ً وقد يكون صغيرا ً كاحتلل جزء من‬
‫أرض دولة ما أو كبيرا ً كالقضاء على كيان تلك الدولة نهائيا ً ‪ ،‬وقد يكون من‬
‫الضروري أحيانا ً للوصول إلى الهدف النهائي للسياسة تحديد وتحقيق عدد من‬
‫الهداف المرحلية التي يؤدي تحقيقها إلى إحداث تغييرات حادة وهامة في‬
‫الموقف الستراتيجي أو إلى توجيه الوضع الستراتيجي باتجاه يؤدي حتما ً إلى‬
‫الهدف النهائي)‪.(14‬‬
‫وسائل الستراتيجية العسكرية‪:‬‬
‫ً‬
‫تتباين الوسائل التي تستخدمها الستراتيجية لتحقيق هدفها تبعا للتباين في‬
‫طبيعة وأهمية ذلك الهدف‪ ،‬وتبعا ً للمكانات والقدرات المتاحة‪ ،‬وللظروف‬
‫والجواء المحلية والدولية السائدة‪ .‬فلقد كان بعض الستراتيجيين القدماء‬
‫مثل كلوزفتز يرون أن الوسيلة العسكرية هي الوسيلة الوحيدة الحاسمة‬
‫للوصول للهدف في حين يرى المحدثون منهم أن الحل العسكري أو وسيلة‬
‫القوة العسكرية هي واحدة من الوسائل‪ ،‬وأن الفضل عدم اللجوء إليها فعل ً‬
‫إل بعد عجز واستنفاذ الوسائل الخرى من دبلوماسية وسياسية واقتصادية‬
‫ونفسية عن تحقيق الهدف)‪.(15‬‬
‫والستراتيجية الناجحة هي التي تنجح في تحقيق وتأمين التوافق والتلءم بين‬
‫الوسيلة والهدف‪ ،‬وفي خلق التأثير النفسي الكافي لزعزعة ثقة الخصم‬
‫بنفسه وتفتيت إرادته وعزيمته وحرمانه من حرية العمل مما سيؤدي حتما ً‬
‫إلى قبوله بالشروط المفروضة عليه‪ ،‬فمن الضروري عمل دراسة واعية‬
‫للموقف بشتى جوانبه لمعرفة العدد المطلوب قهره وتمييز نقاط ضعفه‬
‫الكثر حساسية مع تحليل عميق للتأثيرات الحاسمة التي يمكن أن تحدثها‬
‫الوسيلة المختارة ‪ ،‬وهذا يقتضي إنشاء مخطط استراتيجي يتضمن كافة‬
‫العمال الممكنة وردود الفعال المتوقعة عليها محليا ً ودوليا ً لوضع الحلول‬
‫المناسبة كي يكون المخطط مترابط الجزاء وقادرا ً على مواجهة أية‬
‫مفاجئات أو ردود فعل غير ملئمة)‪.(16‬‬
‫مبادئ الستراتيجية العسكرية ‪:‬‬
‫لكل موقف استراتيجية تلئمه ولكل دولة استراتيجية تناسبها وتتلئم مع‬
‫ظروفها وقد يكون اختيار هذه الستراتيجية أو تلك صائبا ً في مكان وزمان‬
‫معينين وغير صائب في زمان أو مكان آخر فالستراتيجية تتأثر بعوامل‬
‫الزمان والمكان وعقلية المخططين وظروف العصر وتقنيته وغير ذلك من‬
‫العوامل‪ ،‬ولقد حدد كلوزفتز مبادئ الستراتيجية بثلثة عوامل وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬تجميع القوى‪.‬‬
‫ب ‪ -‬عمل القوى ضد القوى‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الحل الحاسم عن طريق المعركة في الحقل الرئيسي‪.‬‬
‫ونلحظ أن كلوزفتز وهو العسكري اللماني يعبر من خلل مبادئه عن روح‬
‫العسكرية اللمانية العنيفة التي تعتمد على القوة‪.‬‬
‫أما ليدل هارت فقدم ثمانية عوامل هي‪:‬‬
‫أ‪ -‬مطابقة الجهد مع المكانات ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬متابعة الجهد وعدم إضاعة الهدف‪.‬‬
‫ج ‪ -‬اختيار الخط القل توقعًا‪.‬‬
‫د ‪ -‬استثمار خط المقاومة الضعف‪.‬‬
‫ه ‪ -‬اختيار خط عمليات يؤدي إلى أهداف متناوبة‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫و ‪ -‬المرونة في المخطط والتشكيل بحيث يتلءمان مع الظروف‪.‬‬


‫ز ‪ -‬عدم الزج بكافة المكانات إذا كان العدو محترسًا‪.‬‬
‫ح ‪ -‬عدم تسديد الهجوم على نفس الخط أو بنفس طريقة الهجوم السابق‪.‬‬
‫ونلحظ أن ليدل هارت صاحب العقلية النجليزية عبر عن مبادئه بالعقلية‬
‫المجبولة على الحرص والتي تسعى للحصول على الكثير بأقل الخسائر‪.‬‬
‫أما ماوتس تونج فقد حدد للستراتيجية ستة عوامل تختلف في كثير عن‬
‫سابقاتها هي‪:‬‬
‫أ‪ -‬النسحاب أمام تقدم العدو‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التقدم أمام العدو المتراجع‪.‬‬
‫ج ‪ -‬استراتيجية واحد ضد خمسة‪.‬‬
‫د ‪ -‬تكتيك خمسة ضد واحد‪.‬‬
‫ه ‪ -‬التمون من تموين العدو نفسه‪.‬‬
‫ز ‪ -‬تلحم تام بين الجيش والشعب‪.‬‬
‫ونلحظ عقلية ماوتس تونج الصينية المأخوذة من أفكار قدماء العسكريين‬
‫والمفكرين الصينيين التي تعتمد على المكانات البشرية الهائلة وإمكانيات‬
‫التقنية المحدودة‪.‬‬
‫أما لينين وستالين فوضعا ثلثة عوامل هي‪:‬‬
‫أ‪ -‬تلحم معنوي بين الجيش والشعب في حرب شاملة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أهمية حماسة المؤخرات‪.‬‬
‫ج ‪ -‬ضرورة القيام بإعدادات نفسية قبل البدء بالعمل العنيف‪.‬‬
‫ونلحظ أن المبادئ الروسية تهتم بقوة الشعب التي ل تقل عن القوة‬
‫العسكرية من أجل الدفاع عن الوطن‪.‬‬
‫أما الستراتيجيون المريكيون فوضعوا مبدأين فقط هما‪:‬‬
‫أ‪ -‬ردع متدرج‪.‬‬
‫ب ‪ -‬رد مرن‪.‬‬
‫وقد استوحوا ذلك من ظروفهم في ظل أوضاع التوازن النووي في العالم‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ومن خلل استعراضنا للمبادئ الموضوعة سابقا ً نلحظ بالضافة إلى اختلفها‬
‫تأثر واضعيها بظروف بلدهم وعقائدهم وقيمهم العسكرية الموروثة وتأثر‬
‫بعضهم بالوضاع الخاصة التي واجهت كفاح بلدهم وبذلك فهي ل تشكل‬
‫قوانين عامة يمكن تطبيقها بمجملها في جميع الظروف وعلى كافة الظروف‬
‫وعلى كافة الحالت)‪.(17‬‬
‫العوامل المؤثرة على الستراتيجية العسكرية‪:‬‬
‫تتأثر السياسة العسكرية بالعوامل السياسية والقتصادية والعسكرية وبما أن‬
‫هذه العوامل ليست ثابتة فإن قواعد الستراتيجية العسكرية قد تتغير هي‬
‫الخرى؛ لذلك فإن الستراتيجية الحديثة تتطور جنبا ً إلى جنب مع تطور‬
‫القتصاد والسياسة وكذلك فإن تطورات العلم والتكنولوجيا تؤثر تأثيرا ً‬
‫مباشرا ً في الستراتيجية فهي تعتمد على أحدث النجازات في العلوم الحديثة‬
‫وترتبط ارتباطا ً مباشرا ً بالعلوم الجتماعية والطبيعية)‪.(18‬‬
‫@ الهوامش‪:‬‬
‫‪ -1‬من أشهر الكتاب النظريين في العالم في مستهل القرون الحديثة ولد‬
‫في فلورنسه في عام ‪1469‬م وأصبح من كتابها ومن المقربين إلى أسرة‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مديشي الحاكمة فيها ومن أشهر كتبه )المير( و )المطارحات(‪.‬‬


‫‪ -2‬حرب السنوات السبع )‪ (1763-1756‬وقد دارت على القارة الوروبية‬
‫بين فريدريك الكبر ملك بروسيا ومعه بريطانيا وبين حلف يضم النمسا‬
‫وروسيا وفرنسا والسويد وسكسونيا وتحقق النصر لبروسيا‪.‬‬
‫‪ -3‬الستراتيجية وتاريخها في العالم ‪ -‬ليدل هارت‪ ،‬ص‪. 476:‬‬
‫‪ -4‬أصول المعرفة العسكرية ‪ -‬د‪.‬ك‪ .‬باليت ص‪. 91 :‬‬
‫‪ -5‬استراتيجية الفتوحات السلمية ‪ -‬وليد محمد جرادات‪ ،‬ص‪. 12 :‬‬
‫‪ -6‬المدخل إلى العقيدة والستراتيجية العسكرية السلمية ‪ -‬اللواء محمد‬
‫جمال الدين محفوظ‪ ،‬ص‪. 15 :‬‬
‫‪ -7‬المدخل إلى العقيدة والستراتيجية السلمية ‪ -‬اللواء محمد جمال الدين‬
‫محفوظ‪ ،‬ص‪. 15،16 :‬‬
‫‪ -8‬استراتيجية الفتوحات السلمية ‪ -‬الرائد وليد محمد جرادات ص‪. 12:‬‬
‫‪ -9‬المدخل إلى العقيدة والستراتيجية السلمية ‪ -‬اللواء محمد جمال الدين‬
‫محفوظ ص‪. 31-30 :‬‬
‫‪ -10‬مدخل إلى الستراتيجية العسكرية ‪ -‬أندريه بوفر‪ ،‬ص‪. 78 :‬‬
‫‪ -11‬هناك مدرسة تقسم الفن العسكري إلى فرعين فقط هما الستراتيجية‬
‫والتكتيك‪.‬‬
‫‪ -12‬مدخل إلى العقيدة والستراتيجية العسكرية السلمية ‪ -‬اللواء محمد‬
‫جمال الدين محفوظ‪ ،‬ص‪. 28 :‬‬
‫‪ -13‬مدخل إلى العقيدة والستراتيجية العسكرية السلمية ‪ -‬اللواء محمد‬
‫جمال الدين محفوظ‪ ،‬ص‪. 32 :‬‬
‫‪ -14‬استراتيجية الفتوحات السلمية ‪ -‬الرائد وليد محمد جرادات‪ ،‬ص‪. 13 :‬‬
‫‪ -15‬الستراتيجية وتاريخها في العالم ‪ -‬ليدل هارت‪ ،‬ص‪. 76 :‬‬
‫‪ -16‬مدخل إلى الستراتيجية العسكرية ‪-‬أندريه بوفر‪ ،‬ص‪. 34-33 :‬‬
‫‪ -17‬استراتيجية الفتوحات السلمية ‪ -‬الرائد وليد محمد جرادات‪ ،‬ص‪-14 :‬‬
‫‪. 16‬‬
‫‪ -18‬المدخل إلى العقيدة والستراتيجية العسكرية السلمية ‪ -‬اللواء محمد‬
‫جمال الدين محفوظ‪ ،‬ص‪30-29 :‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫الستسقاء في بلد الكفر‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬كتاب الصلة‪/‬مكروهات الصلة‬
‫التاريخ ‪8/11/1423 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته فضيلة الشيخ ‪ ...‬أصاب البلد هذه السنة‬
‫جدب وجفاف وقد أعلنت الحكومة حالة الجفاف هذا العام‪ .‬فضيلة الشيخ ما‬
‫حكم صلة الستسقاء في بلد الكفر؟؟ ل سيما وأن أحد المساجد لبى دعوة‬
‫الحكومة في طلب الستسقاء الجماعي مع أصحاب الديانات الخرى‬
‫كالنصرانية والبوذية واليهودية وغيرها‪ ،‬مما أدى إلى حدوث نزاع بين‬
‫المسلمين حول حل ذلك من عدمه‪ .‬فما حكم الستسقاء في بلد الكفر؟ وإن‬
‫كان الجواب بالجواز فما حكم المشاركة مع أصحاب الديانات الخرى في‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تأدية هذه الشعيرة؟ آمل الجابة بسرعة ليفض النزاع‪ .‬شكر الله سعيكم‪.‬‬
‫الجواب‬
‫صلة الستسقاء سنة ثابتة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا أجدبت‬
‫الرض وحل الجفاف وقلت المياه أو تأخر المطر عن وقت نزوله‪ ،‬والسنة أن‬
‫تصلى جماعة وإن قل العدد واحد يخطب واثنان يستمعان‪ ،‬وأجاز المام مالك‬
‫بن أنس وأحمد بن حنبل أن يخرج أهل الذمة مع المسلمين في الستسقاء‬
‫ليؤمنوا على الدعاء ول يجوز منعهم إذا طلبوا الخروج مع المسلمين )لنهم‬
‫يطلبون كما يقول بن قدامة في المغنى – أرزاقهم من ربهم سبحانه ول يبعد‬
‫أن يجيبهم الله لن الله ضمن أرزاقهم كما ضمن أرزاق المؤمنين( قال‬
‫تعالى‪" :‬وفي السماء رزقكم وما توعدون" ]الذاريات‪ [22:‬وقال "وما من‬
‫دابة في الرض إل على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب‬
‫مبين" ]هود‪ [6:‬وأجاز المام أبو حنيفة والشافعي أن يخرج أهل الذمة مع‬
‫المسلمين في صلة الستسقاء على أن يكون هؤلء في مكان وأولئك في‬
‫مكان فل يجتمع المسلمون والكفار في مصلى واحد‪ .‬هذا كله إذا كان‬
‫للمسلين دولة تحكمهم بالسلم وأهل الذمة من الرعية‪ ،‬أما إذا كان‬
‫المسلمون أقلية تحكمهم دولة كافرة ودعت هذه الحكومة المسلمين أن‬
‫يصلوا صلة الستسقاء فتجوز طاعتها في ذلك لنها أمرت بمعروف في‬
‫الشرع وكل من أمرنا بمعروف أو دعانا إليه وجبت طاعته مسلما ً كان أو‬
‫كافر‪ ،‬قال تعالى‪" :‬ول تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا ً تبتغون‬
‫عرض الحياة من الحياة الدنيا" ]النساء‪ [94:‬وفي الحديث الصحيح "ل طاعة‬
‫لمخلوق في معصية الخالق" البخاري )‪ ،(2955‬ومسلم )‪ (1839‬وهو عام‬
‫في كل أنواع الطاعات والمعاصي ولكل بشر لنهم مخلوقون لله وحده‬
‫فتجب طاعتهم لمره إذا أمروا به‪.‬‬
‫والكفار من أهل الكتاب أو غيرهم يدعون ربهم بل يخلصون له الدعاء عند‬
‫الشدائد ويجيبهم الله سبحانه كما قال تعالى عن المشركين‪" :‬فإذا ركبوا في‬
‫الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون"‬
‫]العنكبوت‪ [65:‬ويقول سبحانه عن نفسه "أمن يجيب دعوة المضطر إذا‬
‫دعاه ويكشف السوء " ]النمل‪ [62:‬فالضطرار وحصول السوء من المراض‬
‫والسقام والمجاعات والجفاف ليس خاصا ً بالكفار وحدهم ول بالمسلمين‬
‫دون غيرهم فالكل يطلب كشف الشدائد ورفع الضرار في حين الرخاء أو‬
‫الشدة والمسلمون هم الذين يوحدون الله في الدعاء في الرخاء والشدة‬
‫معًا‪.‬‬
‫وبعد هذا كله فيجوز لكم أن تصلوا صلة الستسقاء ولو أن الداعي لكم‬
‫حكومة كافرة أو يشارككم أهل الديانات الخرى‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الستشراق‬
‫الستاذ أنور الجندي‬
‫لقد تبين من الدراسات الواعية المتعددة مدى خطر الستشراق على الفكر‬
‫السلمي‪ ،‬ولم تبق إل دعوى "الدور الذي قاموا به في تحقيق التراث‬
‫السلمي" ومنها تبويب بعض كتب السنة وغيرها‪ .‬ول ريب أن الستشراق‬
‫يعمل على إيجاد حصيلة واسعة من مفاهيم السلم بدأها بترجمة القرآن‬
‫والحديث النبوي وبعض الكتب المعروفة‪ ،‬والهدف هو إحكام الرد على ما في‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه من قضايا معارضة للمسيحية من ناحية أو معارضة للنفوذ الجنيب من‬


‫ناحية أخرى والحقيقة أن هذه العمال لم تكن خاصة لوجه العلم وهل بالرغم‬
‫من ضآلتها بالنسبة لعمل الستشراق الواسع في ابتعاث كتب التراث‬
‫المتصلة بالفلسفة والتصوف الفلسفي والفرق المتصارعة والباطنية وغيرها‬
‫فإنها عمل مشكور لهم ولكنه ل يشكل ظاهرة يمكن أن تحول دون الغرض‬
‫الحقيقي للستشراق بما يخدع به دعاة التغريب ذوي النيات الجسنة منقومنا‪.‬‬
‫وهذه مجموعة من الحقائق‪:‬‬
‫ل‪ :‬المستشرقون يدرسون قضايا السلم )لغته وتاريخه وشريعته وتراثه(‬ ‫أو ً‬
‫بروح غير علمية‪ ،‬تقوم إما على سوء الفهم أو سوء النية‪ ،‬وهم ل يتصورون‬
‫أي شيء إل في حدود مفاهيمهم المسيحية اليونانية وعقليتهم الغربية التي‬
‫تعودت على ربط الظواهر النسانية بالجنس واللغة القومية والبيئة في حدود‬
‫المفهوم المادي القائم على المحسوس ومن هنا كان النسان عندهم ظاهرة‬
‫قومية نشأت عن ظروف اقتاصدية ومن شأن هذا التصور أن يجعل كا‬
‫أحكامهم على تاريخ السلم وشريعته وقيمه خائطة ومنحرفة لن السلم‬
‫يقوم على تصور جامع بين الروح والمادة والعقل والقلب‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬قدم المستشرقون كتابات أعطوها صفة العلم في مختلف المسائل‬
‫السلمية تدرس في بعض الجامعات على أنها صورة صحيحة لما جاء في‬
‫الشريعة السلمية من أحكام وقواعد‪ ،‬جاء بعضها محرفا ً وبعضها ل يقيد‬
‫حكمة الشارع ثم بولغ في تحريف مدلولتها ومعانيها على نحو يتعذر معه فهم‬
‫أحكام السلم على وجهها الصحيح‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أخضع المستشرقون تاريخ السلم لمفهوم المسيحية وتفسيراتها ثم‬
‫أخضعوها لتفسيرات المادية الغربية ثم التفسيرات الماركسية‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬دخل المستشرقون إلى مجامع اللغة وحولوا أهدافهم إلى مناهج براقة‬
‫سواء في أحياء العامات أو الدعوة إلى تعديل النحو أو اللغة الوسطى أو‬
‫الكتابة العربية المعاصرة وكلها محاولت ترمي إلى إيجاد فجوة بين لغة‬
‫القرآن ولغة الكتابة‪.‬‬
‫ومن قبل ذلك تسللوا للبحث عن العاميات ولبسوا ملبس التجار‬
‫والدبلوماسيين وصاروا يعملون بشتى الوسائل لجمع المثال العامية‬
‫والمواويل بهدف مسموم هو القول بأن العامية لغة لها تراث‪.‬‬
‫وقد أولوا اهتماما ً شديدا ً لدراسة اللهجات في البلد العربية وعقدوا مؤتمرا ً‬
‫خاصا ً لذلك في مدينة ميونخ بألمانيا ‪ 1957‬م وكتب المستشرقون في ذلك‬
‫كتبا ً منها‪ :‬كتاب في لغة الغجر في البلد العربية ودراسات في اللهجات‬
‫المهرية‪ .‬السحرية والقطرية وغيرها من اللهجات المستعملة في جنوب‬
‫الجزيرة العربية وعلى أطرافها‪.‬‬
‫والهدف في التركيز على اللهجات العامية واضح فهم الذين قدموا تلك‬
‫الفلسفة الضالةة التي تقول إن العامية أقدر على تصوير المشاعر‪ ،‬مع أن‬
‫هذه المشاعر التي تصورها العامية هي المشاعر الساذجة ومشاعر طفولة‬
‫البشرية أين منها ذلك الشعر الرصين والبيان العربي الذي يحمل صور‬
‫المجتمع السلمي والنفس السلمية في مراحل الرشد الفكري والهدف هو‬
‫إضعاف لغة القرآن وتمييعها بالتحريض على استعمال اللهجات وتحطيم‬
‫قواعد اللغة باسم التيسير‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬أثار الستشراق دعوات مسمومة للتشكيك في السلم والطعن في‬
‫مبادئه وتشويه الحضارة السلمية‪ .‬ومن ذلك دعوتهم إلى رفع لواء النسلخ‬
‫من الماضي والتراث وإحياء النزعات القديمة كالفرعونية والفينيقية‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والشورية وأمثالها والغض من شأن الشعوب الملونة في العالم السلمي‬


‫ووصفهم بأنهم أقل قدرة من الجنس البيض )الوربي( في مجال السياسة‬
‫والمدنية والعلم والفن‪ .‬والعمل على فصل الدين عن الدولة وإبطال فريضة‬
‫الجهاد وإثارة الشبهات حول القرآن بطرح سموم على أيدي مسلمين وتوحي‬
‫ببشرية القرآن للتشكيك في أنه من الله تبارك وتعالى والقول بتأثر الثقافة‬
‫السلمية بالعقلية الغريقية والفارسية‪ ،‬وهم في سبيل ذلك يعملون على‬
‫انتزاع نصوص معينة من سياق المصادر لتأييد وجهة نظرهم ويعملون على‬
‫إثارة التناقضات بين النصوص والمصادر‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬المبالغة في تمجيد الحضارات الشرقية القديمة السابقة للسلم‬
‫والدعاء بأن السلم أخذ منها والبحث عن الثر الغربي والوربي في الفكر‬
‫السلمي والمبالغة في تحديده وإكباره وجعله شيئا ً أساسيا ً بالرغم من أنه‬
‫أقل من ذلك ومحاولة إرجاع العلوم العربية إلى أصول يونانية‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫سابعًا‪ :‬دراسة الحركات المضادة للسلم والتوسع فيها كالفتن الهلية‬


‫والخلفات المذهبية ومظاهر التفسخ والنقسام والدعاء بأنها أبرز ظواهر‬
‫تاريخ السلم مع أن تاريخ السلم حافل باليجابيات ومراحل القوة والتمكن‬
‫وأن هذه الصور قليلة جدا ً وموجودة في تاريخ جميع المم والحضارات‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬يدرس الستشراق خصائص الفكر السلمي بروح خصومه وبفكرة‬
‫مسبقة قائمة على أحكام قوامها سوء نية وعجز عن النصاف‪ ،‬ويعجز‬
‫الستشراق عن أن يتخلص من عواطفه الخاصة وهو يدرس مجتمعا ً مختلفا ً‬
‫ومنهجا ً متباينا ً مع فكره ومنهجه‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬توسعة شقة الخلفات المذهبية بين المسلمين‪ ،‬بينما أن هذه الخلفات‬
‫لم تصل إلى ما وصلت إليه بين فرق الديان الخرى وخاصة المسيحية ل في‬
‫طبيعتها ول في مداها فل يوجد خلف بين المسلمين على المبادئ الساسية‬
‫للسلم مثل وحدانية الله ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم والعتقاد في أن‬
‫القرآن الكريم هو كلم الله واليمان باليوم الخر‪ .‬وإنما وجد الخلف في‬
‫المور التفصيلية فيما يعد أمرا ً طبيعيا ً في مجتمع إنساني يضم أناسا ً من‬
‫مختلف هذه الخلفات اختلفات مذهبية لنها ليست إل خلفات فقهية‬
‫محصورة في إطار ديني وقانوني عريض‪.‬‬
‫عاشرًا‪ :‬حاول الستشراق الغض من عظمة الدعوة السلمية بإثارة شبهات‬
‫متعددة منها محاولة الدعاء بوجود صلة بين الشريعة السلمية والقانون‬
‫الروماني )وقد كشفت البحوث عكس دعوى الستشراق فإن القانون‬
‫الروماني الحديث مأخوذ من مذهب مالك نقله نابليون معه إلى أوربا( كذلك‬
‫التشكيك في عالمية الرسالة السلمية بالقول بأن اليات جاءت بعد استقرار‬
‫الرسالة‪ ،‬والحقيقة أن آيات عالمية الرسالة كلها مكية‪ ،‬كذلك أثار الستشراق‬
‫الشكوك حول الكتب التي بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك‬
‫وزعموا أنها وضعت في صورتها الولى بعد قرن من حياة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وقد كذبتهم البحوث العلمية الحديثة التي أثبتت صحة هذه‬
‫الرسائل‪.‬‬
‫حادي عشر‪ :‬يذهب المستشرقون إلى أبعد حدود المغالطة حين يواجهون‬
‫تاريخ السلم بأهوائهم فهم معجبون ببني أمية لن أحدهم )أبا سفيان( كان‬
‫عدو الرسول )ما كتبه هنري لمانس عن معاوية ويزيد(‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما عهد العباسيين فالدولة السلمية خرجت من يد العرب‪.‬‬


‫أما المغرب فيسمونها بلد البربر وهذه التسمية دسيسة تافهة لن أهل‬
‫المغرب عرب وبربر ولكنهم مسلمون أو ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وهم ل يتحدثون عن الملوك الذين وطدوا الدولة بل عن الخارجين )بني‬
‫رستم الخارجين أيام عبد الرحمن الداخل وبني مدرار أصحاب سلجمار(‬
‫ويقولون عن المأمون أن دولته فارسية ونهضة العلوم في عصره نهضة غير‬
‫عربية‪ ،‬ول يتحدثون عن الرشيد إل عن نكبة البرامكة وينقلون رسالة مذوبة‬
‫عن أبي يوسف إلى ابن المقفع في معماملة أهل الذمة لكي يؤكدوا ما يدعيه‬
‫المستشرقون من سوء حالتهم في ظل السلم ويهتمون بمدرسة حران‬
‫الفلسفية ويقفون طويل ً عند المعتزلة وينقلون عنهم رأي المسعودي دون‬
‫غيره ويتحدثون عن المعتصم والتراك‪ ،‬ويتخيرون فقرأت من رسالة الجاحظ‬
‫في فضلهم ل يوردون فقرة واحدة عن فضل العرب‪ .‬أما القرامطة فهم‬
‫عندهم طلب عدل وإصلح ويروون قصة مصرع الخليفة المتوكل برواية‬
‫الطبري وتفاصيل فتنة الزنج في جنوب العراق بواية النويري وقصة‬
‫القرامطة برواية الطبري ويأتي بخطاب أحمد القرمطي إلى الخليفة المقتدر‬
‫وهو خطاب يصورهم في صورة طلب عدالة وإصلح وعندما يتحدثون عن‬
‫الدول المنشقة التي انتهت بالقضاء على وحدة الدولة العباسية‪ :‬الصفاريين‬
‫والسلمانيين والطاهريين والبوهيين ويطلبون الوقوف عندهم لنهم دول‬
‫فارسية‪ ،‬في كتابة تاريخ المغرب حاولوا الوقيعة بين البربر والعرب وفي‬
‫المشرق حاولوا اليقاع بين العرب والفرس‪ .‬ويعجبون بالفاطميين لن‬
‫مذهبهم لم يلق قبول ً من جماعة المسلمين وعندما يتحدثون عن الصليبيين‬
‫يفخرون بأنهم قتلوا عندما دخلوا القدس ‪) 65‬ألفًا( من المسلمين‪.‬‬
‫ثاني عشر‪ :‬وضعوا أساس الشبهات ثم نسبوها إلى كتاب عرب ومسلمين‬
‫فالشعر الجاهلي والدب الجاهلي أساسهما بحث عن انتحال الشعر‬
‫لمرجليوث‪ ،‬وكتاب السلم وأصول الحكم لعلي عبد الرازق أساسه كتاب عن‬
‫الخلفة السلمية لمرجليوث‪ .‬ومع المتنبي لطه حسين أساسه بحث لبلشير‪،‬‬
‫و‪...‬‬
‫ثالث عشر‪ :‬غلبة التفسير المسيحي على التحليل والعرض‪ ،‬فدرمنجم يقول‬
‫أن تعاليم أهل الكتاب هي التي لفتت نظر سيدنا محمد إلى الكمال الروحي‬
‫والمثل العلى وجعلته يتحنث في الغار وهذا كذب صراح‪ ،‬كما يحاولون تصور‬
‫أن القرآن جاء من الكتب السابقة وأن الهجرة كانت إلى الحبشة لنها‬
‫مسيحية‪ ،‬والحقيقة أن الدافع الحقيقي ليس لن النجاشي مسيحي بل لنه‬
‫كان عادل ً قال النبي‪ :‬لن فيها ملكا ً ل يظلم عنده أحد وهي أرض صدق(‬
‫ولذلك فليس للعاطفة الدينية أثر في تصرفاته وحاول درمنجم أن يستدل بأن‬
‫الله رضي للناس السلم دينا ً مع بقاء سائر الديان التي سبقت وحدة‬
‫مندمجة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وهذا غير صحيح‪ ،‬لن السلم جاء خاتما ً للرسالت وداعيا ً أهل الكتاب للدخول‬
‫فيه لن دين الله الحق وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن متصل ً بأهل‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫ً‬
‫ويدعي مرجليوث أن النبي محمدا كان يعرف القراءة والكتابة ويتخذ من آية‬
‫)اقرأ( مع أن اقرأ ل تعني قراءة المكتوب وإنما تعني قراءة ما يوحي إليه‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن أخطائهم إدعاؤهم بأن العرب كانوا قبل السلم على استعداد للملك‬
‫والنهضة وأن دور النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أكثر من قيادة جماعة‬
‫مهيأة‪ ،‬وذلك باطل صراح فإن العرب في مكة أمضوا ثلثة عشر عاما ً في‬
‫محاربة الدعوة السلمية والصرار على عبادة الصنام حتى هاجر النبي إلى‬
‫مجتمع آخر هو الذي تقبل دعوته‪ .‬ولقد كانت دراستهم لحوال العرب قبل‬
‫السلم هو الذي شكل للعرب وجودهم الحقيقي‪ ،‬وأن دعوة السلم غلى‬
‫التوحيد كانت شيئا ً جديدا ً بالنسبة للوثنية العربية‪.‬‬
‫وهذه محاولة مضللة في الهتمام بالغساسنة والمناذرة وإعلء الجاهلية‬
‫واعتبار السلم اقتباسا ً منها‪.‬‬
‫ومن ذلك إنكار الوحي للوصول إلى القول بأن القرآن من عمل محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وكل محاولت الستشراق في القول بأن الفكار الساسية للسلم مستقاة‬
‫من الكتاب المقدس‪ ،‬أو أن طابع النجيل موجود في القرآن أو ان هناك أصل ً‬
‫يهوديا ً للسلم )بروكلمان – فون كريمر – مونتجمري وات( أو بروكلمان فكل‬
‫هذا باطل‪.‬‬
‫ذلك لن مصدر الديان السماوية واحد ولذلك فلبد أن تكون هناك علقة‬
‫مشتركة لن الدين كله من عند الله وهو التوحيد ولكن رؤساء الديان حرفوه‪،‬‬
‫أما السلم فقد حفظه الله تبارك وتعالى‪.‬‬
‫وقد عجز المستشرقون مع السف – كما يقول محمد أسد )ليوبولد فابس(‬
‫عن استيعاب خصائص التصور السلمي ومقوماته الساسية ومن ثم فإنهم ل‬
‫يستطيعون أن ينفذوا إلى أعماق الحياة السلمية ويستحيل على المستشرق‬
‫أن يفهم الوحي‪ ،‬أو الهجرة‪ ،‬أو ينفذ إلى أعماقها لنه بعيد بحكم تكوينه‬
‫النفسي وتفكيره عن هذا النظام‪.‬‬
‫ولهذا اعتبر )توينبي( الهجرة مبدأ التدهور في تاريخ الرسالة المحمدية ويزعم‬
‫مونتجمري وات حين يتحدث عن المعاهدة التي عقدها بين المسلمين واليهود‬
‫بعد الهجرة أن كلمتي إسلم ومسلم لم تكن مستعملة في الفترة المبكرة‬
‫من العهد المدني ويرجع هذا إلى أنه تجاوز في الترجمة وحرف‪.‬‬
‫ومن الشبهات التي يثيرها المستشرق فون كريم الدعاء بأن المامين‬
‫الوزاعي والشافعي وقد ولدا في سوريا كانا على علم بكثير من قواعد‬
‫القانون الروماني البيزنطي وقد ثبت أن هذا القول مجرد أسطورة فمن‬
‫الثابت أن مدرسة بيروت لم تكت موجودة عند الفتح السلمي للشام وأن‬
‫الشافعي والوزاعي لم يعرفا القانون البيزنطي‪.‬‬
‫رابع عشر‪ :‬أن القول بأن مصادر النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن هي‬
‫التوراة والنجيل من المسائل التي يكاد الستشراق يجمع عليها ويرددها من‬
‫كانوا من مستشرقي اليهود أو النصارى والواقع أن هذا التهام باطل بدليل‬
‫واحد أن مفهوم القرآن للتوحيد يختلف عن مفهوم التوراة المكتوبة بأيدي‬
‫الحبار أو الناجيل الموجودة في أيدي الناس الن فقد دعا النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وحمل القرآن لواء الدعوة إلى التوحيد المطلق‪ ،‬كما يقول‬
‫الدكتور عبد الجليل شلبي‪ :‬إله العالم كله واحد‪ .‬إله مجرد من المادة وعن‬
‫التركيب‪ .‬كان الله عند اليهود )يهوه( وهو الههم وحدهم وقد ظلوا على ذلك‬
‫ردحا ً من الزمن حتى جاء النبي )إليجا( أول من جهر بأنه إله العالم كله وظهر‬
‫بشيء غريب أيضا ً على اليهود هو أن حكم الله يجري على الملوك كما يجري‬
‫على أبناء الشعب ولهذا لم تكن الديانة اليهودية موحدة بالمعنى الحقيقي‬
‫وإنما كانت ديانة توحيد بالنسبة لجيرانها فقد كان لدى الخرين آلهة متعددة‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للزرع والمطر والخصوبة والنجوم كل له إله خاص‪ ،‬وإذن فالتوحيد السلمي‬


‫نوع فريد في كل ما أعلن من صفات الله خالق الكون سبحانه‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬أن القرآن لم يذكر قط قصص السرائيليين بل ذكر قصص‬
‫داود وصالح والخضر وشعيب وسبأ‪ ،‬أما الكتاب المقدس فقد اقتصر على ذكر‬
‫شعيب المختار وتاريخه وهو لم يتم بوضعه الحالي إل بعد القرن الثاني‬
‫الميلدي‪.‬‬
‫ولنهم ينكرون الوحي السماوي فإنهم يبحثون عن مصدر معلومات الثرآن ول‬
‫يزالون مختلفين‪ .‬قال مونتجمري وآت‪ :‬أن محمدا ً نال معلومات ممتزجة من‬
‫اليهودية والمسيحية معًا‪ ،‬وبذل جهدا ً واسعا ً في سبيل الستدلل على ذلك‪،‬‬
‫كذلك فعل )درمنجم( ولكن الوقائع في المقارنة بين القرآن من ناحية وبين‬
‫التوراة والنجيل تكذبهم في هذا الدعاء العريض‪.‬‬
‫خامس عشر‪ :‬في محاولة لتأييد النفوذ الجنبي الذي فرض القانون الوضعي‬
‫كانت حملة الستشراق على الشريعة السلمية‪ ،‬جولدزيهر وشاحت وغيرهم‬
‫الذين كانوا ينشرون دعياتهم الرامية إلى القول بأن الفقه السلمي جامد‬
‫ولم يتطور وسيبقى جامدا ً إلى البد وأنه ل يحتوي على قواعد عامة وإنما‬
‫يتناول النوازل الخاصة‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وذهب بعضهم إلى القول بأنه ل يوجد فكر سياسي إسلمي‪ ،‬وإنما الذي عرفه‬
‫المسلمون هو الفكر الفارسي واليوناني وقد كذبت الحقائق الناصعة دعاوي‬
‫الستشراق وكتب كثيرين كاشفين عن عظمة الشريعة السلمية وقدرتها‬
‫على الستجابة للعصور والبيئات وكيف أن للمسلمين فكرهم السياسي‬
‫الخاص ومن أبرز هذه الدراسات كتابات الدكتور ضياء الدين الريس‪.‬‬
‫كذلك فإن مؤتمرات دولية من رجال القانون عقدت خلل القرن الرابع عشر‬
‫الهجري شهدت بأصالة واستقلل وعظمة الشريعة السلمية والفقه‬
‫السلمي‪ ،‬وأكدت أنها شريعة قائمة بنفسها ليست مأخوذة من غيرها وأنها‬
‫خلفا ً لما قال خصومها حية وقابلة لمسايرة الحياة الجتماعية في إطار‬
‫القواعد الثابتة وأن مبادئها لها قيمة حقوقية تشريعية ل مراء فيها‪.‬‬
‫سادس عشر‪ :‬كذبت الحقائق دعاوي الستشراق في أن التصوف السلمي‬
‫أخذ من الفلطونية الحديثة أو مذاهب المسيحية أو أن البلغة العربية أخذت‬
‫من كتاب الخطابة لرسطو أو أن الفقه السلمي أخذ من مدونة جوستنيات‪.‬‬
‫كذلك كذبت الوقائع دعاوي الستشراق وأتباعهم عن إسقاط الرواية‬
‫السلمية لشعر عصر البعثة النبوية وما كان منه طعنا ً على السلم وهجاء‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإن السلم لم يصادر هذا الدب‬
‫والدليل ما رواه ابن إسحاق في السيرة النبوية من قصائد المشركين واليهود‬
‫وهي ل تقل في الحصاء عن قصائد الشعراء مع النبي وخاصة في موقعتي‬
‫بدر وأحد‪.‬‬
‫سابع عشر‪ :‬ليس أدل على سوء نية الستشراق في البحث من إصرار لويس‬
‫ماسنيون على متباعة آثار الحلج خلل أربعين سنة حتى نشر ذلك المجلد‬
‫الضخم في ‪ 1400‬صفحة ثم أخذ يتتبع متروكاته فطبع ما ورد عنه في‬
‫الفقرات النثرية ثم نشر ديوانه الشعري وقد جمعها قطعا ً من نحو مائة‬
‫مؤلف بين مخطوط ومطبوع‪.‬‬
‫وقد ركز اهتمامه على المقاطع التي يوضح بها الحلج اتحاده بالله بل معادلته‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل( كذلك ما حرص الستشراق وأتباعه من‬ ‫له به )جل شأن الله عن ذلك وع ً‬
‫إبراز الشخصيات المعادية للسنة وللسلم مثل أبحاثهم عن مسيلمة الكذاب‪،‬‬
‫وعن عيلن الدمشقي والشادة بهما أو كذاب اليمن السود العنسي ووصف‬
‫كل منهم بالبطولة مع أنهم جميعا ً خارجون عن مفهوم السلم الصادق‪.‬‬
‫ثامن عشر‪ :‬لقد تجمع في تحرير دائرة المعارف السلمية أخبث وأخطر‬
‫رجال الستشراق من يهود وغيرهم ممن يكنون الكراهية للسلم ولذلك فقد‬
‫حرصوا على صنع مواد الدائرة بمفاهيم كنسية ويهودية وتأخذ دائرة المعارف‬
‫السلمية القصة اليهودية للعهد القديم في خلق آدم عليه السلم فيحيلها‬
‫مصدرا ً لقصة آدم في دائرة معارف إسلمية‪.‬‬
‫كذلك فهم يأخذون وجهة نظر اليهود في إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويزيفون‬
‫مفهوم فلسطين وعروبتها ويحاول الستشراق اليهودي إعطاء فكرة للعالم‬
‫أن فلسطين كانت يهودية قبل السلم‪.‬‬
‫ويعمل رونسون في ركتابه عن الرأسمالية والسلم تشويه التاريخ السلمي‬
‫ورفع العنصر اليهودي على حساب العرب‪.‬‬
‫تاسع عشر‪ :‬حرص الستشراق على تصوير المجتمع السلمي في مختلف‬
‫العصور وخاصة في العصر الول على أنه مجتمع متفكك تقتل النانية رجاله‪،‬‬
‫وهم في كل محاولتهم المسمومة للنتقاص من السلم ولغته وتاريخه‬
‫وتراثه يخضعون النصوص للفكرة التي يفرضونها مع تحريف حين ل يجدون‬
‫مجال ً للتحريف وتجمهم في المصادر التي ينقلون منها فهم ينقلون من كتب‬
‫الدب ما يحكمون به في تاريخ الحديث ومن كتب التاريخ ما يحكمون به في‬
‫تاريخه الفقه ويصححون ما نقله الدميري في كتاب الحيوان )وهو ليس ذا‬
‫ً‬
‫قيمة علمية صحيحة( ويكذبون ما يرويه مالك في الموطأ كل ذلك انسياقا مع‬
‫الهوى وانحرافا ً عن الحق‪.‬‬
‫وهم يستخدمون كتب التراث استخداما ً خبيثا ً فيبرزون كل ما يفرق ويخفون‬
‫كل ما يجمع ويغلب عليهم سوء الظن وسوء الفهم والهوى‪.‬‬
‫العشرون‪ :‬يحاول كل من الستشراق المسيحي خطة والستشراق الشيوعي‬
‫خطة مختلفة والستشراق الصهيوني خطة ثالثة‪ ،‬كل منها يهدف إلى تحقيق‬
‫غرض خاص ولكنها جميعا ً تطبق على السلم بالعداوة والخصومة والحقد‬
‫الدفين‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫الستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري‬


‫المؤلف ‪ :‬الدكتور محمود حمدي زقزوق‬
‫ينقسم الكتاب إلى ثلثة فصول ‪ :‬يتناول الول منها نظرة تاريخية لنشأة‬
‫الستشراق وتطوره‪ ،‬ثم يدرج المؤلف إلى تفصيل موقف المستشرقين من‬
‫السلم في الفصل الثاني‪ ،‬أما الفصل الخير فيوضح موقف المسلمين من‬
‫الستشراق‪.‬‬
‫المختصر المفيد للكتاب‪ :‬يشكل الستشراق الجذور الحقيقية التي كانت ول‬
‫تزال تقدم المدد للتنصير والستعمار‪ ،‬وتغذي عملية الصراع الفكري في البلد‬
‫المستعمرة‪ ،‬وتشكل المناخ الملئم من أجل فرض السيطرة الستعمارية‬
‫على الشرق السلمي وإخضاع شعوبه‪ ،‬فالستشراق هو المنجم والمصنع‬
‫وقونها في العالم‬
‫صرين والمستعمرين بالمواد يس ّ‬
‫الفكري الذي يمد المن ّ‬
‫السلمي لتحطيم عقيدته‪ ،‬وهدم عالم أفكاره‪ ،‬وقد جاء هذا الغزو الثقافي‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثمرة لخفاق الغزو العسكري وسقوطه‪ ،‬ولتربية جيل ما بعد الستعمار ‪ ..‬لقد‬
‫تطورت الوسائل وتعددت طرق المواجهة الثقافية الحديثة‪ ،‬ففي القارة‬
‫المريكية وحدها حوالي تسعة آلف مركز للبحوث والدراسات ‪ ،‬منها حوالي‬
‫خمسين مركزا ً مختصا ً بالعالم السلمي‪ ،‬ووظيفة هذه المراكز تتبع ورصد كل‬
‫ما يجري في العالم‪ ،‬ثم دراسته وتحليله مقارنا ً مع أصوله التاريخية ومنابعه‬
‫العقائدية‪ ،‬ثم مناقشة ذلك مع صانعي القرار السياسي‪ ،‬ومن ثم ُتبنى على‬
‫أساس ذلك الخطط والستراتيجيات‪ ،‬وتحدد وسائل التنفيذ‪ .‬لقد أصبح كل‬
‫شيء خاضعا ً للدراسة والتحليل‪ ،‬ولعل المختبرات التي تخضع لها القضايا‬
‫الفكرية والدراسات النسانية أصبحت توازي تلك المختبرات التي تخضع لها‬
‫العلوم التجريبية‪ ،‬إن لم تكن أكثر دقة حيث ل مجال للكسالى والنيام‬
‫والعاجزين الغبياء في عالم المجدين الذكياء‪ .‬لقد اكتفينا بمواقف لرفض‬
‫والدانة للستشراق‬
‫ً‬
‫والتنصير‪ ،‬اكتفينا بالنتصار العاطفي للسلم‪ ،‬وخطبنا كثيرا ول نزال في‬
‫التحذير من الغارة على العالم السلمي القادمة من الشرق والغرب دون أن‬
‫تكون عندنا القدرة على إنضاج بحث في هذا الموضوع‪ ،‬أو إيجاد وسيلة‬
‫صحيحة في المواجهة‪ ،‬أو تحقيق البديل الصحيح للسيل الفكري والغزو‬
‫الثقافي من هناك‪ ..‬إل من رحم الله من جهود فردية ل تفي بالغرض‪ ،‬فإذا كّنا‬
‫ل نزال في مرحلة العجز عن تمثل تراثنا بشكل صحيح حيث يحاول بعضنا‬
‫الوقوف أمامه للتبرك والمفاخرة دون أن تكون لدية القدرة على العودة من‬
‫خلله إلى أصولنا الثقافية المتمثلة في الكتاب والسنة‪ ،‬ويحاول آخرون القفز‬
‫من فوقه ضاربين بعرض الحائط ُفهوم علماء وجهود أجيال‪ ،‬بدعوى التناول‬
‫المباشر‪ ،‬دون امتلك القدرة على ذلك‪ ،‬فكيف يمكننا ‪ ،‬وهذا واقعنا وموقعنا‪،‬‬
‫أن نواجه معركة الصراع الفكري‪ ،‬ونقدم فيها شيئًا؛ وإذا كان الكثير منا ما‬
‫يزال يعيش على مائدة المستشرقين لفقر المكتبة السلمية للكثير من‬
‫سبقنا إليها‪ ،‬وإذا كانت مناهج النقد والتحليل‪ ،‬وقواعد‬ ‫الموضوعات التي ُ‬
‫التحقيق‪ ،‬ووسائل قراءة المخطوطات من وضعهم‪ ،‬كما أن الكثير من‬
‫المخطوطات السلمية لم تر النور إل بجهودهم على ما فيها ‪ ،‬فأّنى لنا‬
‫النتصار في معركة المواجهة العقائدية ؟ ! ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ويمكن لنا إذا تجاوزنا جهود علمائنا القدمين في تدوين السنة ووضع ضوابط‬
‫النقل الثقافي‪ ،‬وقواعد الجرح والتعديل‪ ،‬وتأصيل علم مصطلح الحديث الذي‬
‫حفظ لنا السّنة إلى جانب بعض الدراسات الجادة في هذا الموضوع‪ ،‬فإننا ل‬
‫نكاد نرى شيئا ً يذكر‪ ،‬فقد اقتصر عمل معظم المشتغلين بالحديث والسنة‬
‫عندنا على تحقيق بعض الحاديث‪ ،‬تضعيفا ً أو تقوية لثبات حكم فقهي أو‬
‫إبطاله‪ ،‬أو إثبات سّنة ومواجهة بدعة‪ ،‬وهذا العمل على أهميته يبقى جهدا ً‬
‫فرديا ً فكريا ً دون سوّية المر المطلوب الذي يمكن من النتفاع بكنوز‬
‫التراث ‪ ..‬وأين هذا من عمل المستشرقين في إعداد المعجم المفهرس‬
‫للفاظ الحديث النبوي‪ ،‬كعمل ضخم وكدليل علمي ل يستغني عنه أي مشتغل‬
‫بالحديث ‪ ..‬لقد نجحت العقلية الوربية بداية في السيطرة على مصادر‬
‫التراث العربي السلمي‪ ،‬وعن طريق الستشراق والمستشرقين إلى‬
‫التحقيق والتمحيص والطبع والنشر لمجموعة من أكبر وأهم المصادر التراثية‪،‬‬
‫وعلى الرغم من أن بعض الدراسات كانت تقترب من صفة النزاهة والحياد‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إل ّ أنها في النهاية وبكل المقاييس تبقى مظهرا ً من مظاهر الحتواء الثقافي ‪.‬‬
‫ولقد نجحت العقلية الوروبية‪ ،‬كما أسلفنا ‪ ،‬في فرض شكلية معينة من‬
‫التحقيق والتقويم والنقد‪ ،‬وأوجدت القدوة والنموذج‪ ،‬ويمكن القول‪ :‬إن‬
‫معظم الكتابات العربية المعالجة للتراث قد سارت على هذا النهج ولم‬
‫تتجاوزه إل في القليل النادر‪ ،‬إلى درجة إيجاد ركائز ثقافية عربية معبرة‬
‫ومتبنية لوجهة نظرها‪ ،‬ومدافعة عن المواقع الثقافية التي احتلتها؛ حتى في‬
‫الجامعات والمؤسسات العلمية ل يزال الخضوع والحتكام للقوالب الفكرية‬
‫التي اكتسبها المثقفون المسلمون من الجامعات الوروبية ‪..‬ونستطيع القول‪:‬‬
‫إن آثار الستشراق وإنتاج المستشرقين ل يزال يحتل الكثير من مواقعنا‬
‫الثقافية‪ ،‬وسوف ل يفيدنا في المواجهة مواقف الرفض والدانة أو الهروب‬
‫من المشكلة‪ ،‬من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب في أنه ل يقتصر على تشخيص‬
‫العّلة ورصد آثارها فقط‪ ،‬وإنما يتجاوز ذلك إلى تحديد السباب التي أوجدتها‪،‬‬
‫ومن ثم يصف العلجيون الخطة التي ل مناص من التزامها في معركتنا‬
‫الفكرية التي تستهدف وجودنا حيث نكون أو ل نكون ‪ ..‬وميزة هذا الكتاب‬
‫الذي نقدمه اليوم أن له صفة الكاديمية‪ ،‬فقد اعتمد مؤلفه المنهج العلمي‬
‫الوثائقي في التناول‪ ،‬وناقش المقدمات‪ ،‬وعقد المقارنات‪ ،‬وانتهى إلى‬
‫النتائج‪ ،‬وقدم الحلول اللزمة بعيدا ً عن النفعال والرتجال‪ ،‬لذلك نقول‪ :‬إنها ل‬
‫تكفي القراءة للكتاب بل ل بد من الدارسة له ‪ ..‬ومن ميزاته أيضا ً أنه ُيمكن‬
‫أن يصل بالمثقف بشكل عام‪ ،‬والمثقف المسلم غير المخصص بشكل خاص‬
‫إلى حد الكفاية في هذا الموضوع حيث إن الطلع على هذا القدر من‬
‫المعلومات عن الستشراق ومناهج المستشرقين يشكل ضرورة لكل مسلم‪،‬‬
‫يبصره بالساحة الثقافية التي يتعامل معها‪ ،‬والخلفية الفكرية للصراع‬
‫الحضاري‪ ..‬خاصة وأن مؤلفه الخ الدكتور محمود حمدي زقزوق يمكن أن‬
‫يعتبر إلى حد بعيد متخصصا ً في هذه القضية الهامة‪ ،‬بعد أن عََرف‬
‫المستشرقين واطلع على إنتاجهم عن قرب بطبيعة متابعة دراساته العليا في‬
‫الغرب‪ ،‬وأنه كان مقررا ً للندوة التي دعت إليها المنظمة العربية للتربية‬
‫والثقافة والعلوم في القاهرة لمناقشة إعداد موسوعة الرد على‬
‫المستشرقين‪ ،‬وأعد التقرير عن المنهج العلمي الواجب اتباعه في إعداد‬
‫الموسوعة ‪ ..‬وتبقى حاجة المكتبة السلمية قائمة لمجموعة من الكتب التي‬
‫تعرض للقضايا الفكرية التي يعاني منها عالم المسلمين ‪ ،‬وتصل إلى حد‬
‫الكفاية بالنسبة للمسلم غير المتخصص على حو هذا الكتاب بعيدا ً عن‬
‫النفعال والعاطفية وإثقال ذهنه بما ينفع وما ل ينفع‪ .‬بقلم الدكتورعمر عبيد‬
‫حسنة‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الستعاضة عن المسجد بقاعة‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪...‬‬
‫التاريخ ‪20/8/1423 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫هل يجوز تأجير قاعة البلدية لقامة صلة الجمعة؟ في حين يوجد مسجد ل‬
‫يبعد ‪ 500‬متر‪ ،‬وذلك لخلفات شخصية مع إدارة المسجد‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن مثل هذه الخلفات تحدث الن بين مسلمين في الغربة من أجل التسلط‬
‫والتحكم بدون عمل حساب أن أعمال المسلمين يجب أن تكون خالصة لوجه‬
‫الله‪ .‬رجاء توجيه كلمة بهذا الشأن‪ ،‬وجزاكم الله خيرًا‪.‬‬
‫الجواب‬
‫سبق أن أجبت على سؤال يقول‪ :‬هل يجوز استئجار قاعة البلدية لقامة صلة‬
‫الجمعة إذا لم يوجد مسجد؟ مع العلم أن هذه القاعة يمارس فيها اللعاب‬
‫وغيرها قبل الصلة أو بعدها‪.‬‬
‫فأجبت بالجواز ما دام ل يوجد مسجد تقام فيه صلة الجمعة‪ ،‬والقاعة في‬
‫مثل هذه الحال هي مصلى‪ ،‬وليست مسجدا ً تأخذ أحكام المسجد كصلة‬
‫الركعتين عند الدخول ونحو ذلك‪.‬‬
‫ثم جاء سؤال آخر يعقب على ذلك السؤال‪ ،‬ويقول‪ :‬هل يجوز تأجير قاعة‬
‫البلدية لقامة صلة الجمعة في حين يوجد مسجد ل يبعد )‪ (500‬متر‪ ،‬وذلك‬
‫لخلفات شخصية مع إدارة المسجد؟‬
‫وأقول‪ :‬إذا كانت الحال –كما ذكر السائل‪ -‬في توضيحه فل يجوز استئجار‬
‫قاعة البلدية لغرض صلة الجمعة حينئذ‪ ،‬والخلفات الشخصية مع مسؤولي‬
‫المركز أو المسجد ل يجوز أن تكون سببا ً لترك الجمعة أو تفويت فضل‬
‫الصلة في المسجد المبني لهذا الغرض‪ ،‬وتكثير سواد المصلين‪ ،‬وصلة‬
‫الجمعة إنما شرعت لغرض التعبد وسماع الخطبة لما فيها من أحكام‬
‫ومواعظ واجتماع للمصلين‪ ،‬وتفقد أحوال بعضهم لبعض؛ ل سيما في ديار‬
‫الغربة‪ ،‬وما دام المام –الخطيب‪ -‬تصح الصلة خلفه فل يجوز التفرق نتيجة‬
‫آراء شخصية‪ ،‬أو مذاهب فقهية‪ ،‬أو انتماءات سياسية‪ ،‬وفق الله الجميع‪،‬‬
‫وهدانا لطاعته‪ ،‬آمين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الستعجال‬
‫معنى الستعجال ‪:‬‬
‫جل كلها بمعنى واحد‪ ،‬وهو‪ :‬الستحثاث‪،‬‬ ‫لغة ‪ :‬الستعجال‪ ،‬والعجال‪ ،‬والتع ّ‬
‫وطلب العجلة أي السرعة‪ ،‬واستعجل الرجل الرجل حّثه‪ ،‬وأمره أن يعجل في‬
‫المر ‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م]‪[11‬‬ ‫جلهُ ْ‬‫مأ َ‬‫ي إ ِلي ْهِ ْ‬‫ض َ‬ ‫ق ِ‬
‫خي ْرِ ل ُ‬
‫م ِبال َ‬
‫جالهُ ْ‬
‫ست ِعْ َ‬ ‫س ال ّ‬
‫شّر ا ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه ِللّنا ِ‬ ‫{وَل َوْ ي ُعَ ّ‬
‫ج ُ‬
‫عوا به على أنفسهم عند‬ ‫} ]سورة يونس[ أي‪ :‬لو عجل الله للناس الشّر إذا د َ َ‬
‫الغضب‪ ،‬وعلى أهليهم‪ ،‬وأولدهم‪ ،‬واستعجلوا به كما يستعجلون بالخير‪،‬‬
‫فيسألونه الخير والرحمة؛ لقضي إليهم أجلهم‪ ،‬فماتوا‪.‬‬
‫حا ‪ :‬ومعناه في اصطلح الدعاة‪ :‬إرادة تغيير الواقع الذي يحياه‬ ‫اصطل ً‬
‫المسلمون اليوم في لمحة‪ ،‬أو في أقل من طرفة عين دون نظر في‬
‫العواقب‪ ،‬ودون فهم للظروف والملبسات المحيطة بهذا الواقع‪ ،‬ودون إعداد‬
‫جيد للمقدمات‪ ،‬أو للساليب‪ ،‬والوسائل‪ ،‬بحيث يغمض الناس عيونهم ثم‬
‫يفتحونها‪ ،‬أو ينامون ليلة ثم يستيقظون‪ ،‬فإذا بهم يرون كل شيء عاد إلى‬
‫وضعه الطبيعي في حياتهم‪ :‬زالت الجاهلية من طريقهم‪ ،‬ورفعت الراية‬
‫ن كل ما‬ ‫السلمية من جديد‪ ،‬ووجد كل إنسان إنسانيته‪ ،‬وخلصت الفطرة م ْ‬
‫يكدرها ويعكر صفوها‪.‬‬
‫نظرة السلم إلى الستعجال‪:‬‬
‫ولما كانت العجلة والستعجال من طبيعة النسان بشهادة خالقه وصانعه‪،‬‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جوًل]‪[11‬‬ ‫ن عَ ُ‬ ‫سا ُ‬ ‫ن اْل ِن ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫خي ْرِ وَ َ‬ ‫عاَءهُ ِبال ْ َ‬ ‫شّر د ُ َ‬ ‫ن ِبال ّ‬ ‫سا ُ‬ ‫ومدبر أمره‪{ :‬وَي َد ْعُ اْل ِن ْ َ‬
‫ل} ]سورة النبياء[ فإن السلم‬ ‫ج ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا ُ‬ ‫خل ِقَ اْل ِن ْ َ‬ ‫}]سورة السراء[ { ُ‬
‫ينظر إلى الستعجال نظرة عدالة وإنصاف‪ ،‬فل يحمده بالمرة‪ ،‬ول يذمه‬
‫بالمّرة‪ ،‬وإنما يحمد بعضه‪ ،‬ويذم البعض الخر‪:‬‬
‫فالمحمود منه‪ :‬ما كان ناشئا ً عن تقدير دقيق للثار والعواقب‪ ،‬وعن إدراك‬
‫تام للظروف والملبسات‪ ،‬وعن حسن إعداد وجودة ترتيب‪.‬ولعل هذا النوع‬
‫ي في قوله تعالى ‪ -‬حكاية عن موسى عليه السلم‬ ‫من الستعجال هو المعن ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫سى]‪َ[83‬قا َ‬ ‫م َ‬ ‫جل َ َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫جل ُ‬ ‫ري وَعَ ِ‬ ‫م أولِء عَلى أث َ ِ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ك َيا ُ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫ما أعْ َ‬ ‫‪ {: -‬وَ َ‬
‫ضى]‪] }[84‬سورة طه[إذ الظروف مناسبة‪ ،‬والفرصة مواتية‪،‬‬ ‫ب ل ِت َْر َ‬ ‫ك َر ّ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫والعاقبة محمودة‪ ،‬والنفس صافية مشرقة‪ ،‬فما الذي يحمل موسى على‬
‫التواني‪ ،‬والتأخير؟‬
‫والمذموم منه‪ :‬ما كان مجرد فورة نفسية‪ ،‬خالية من تقدير العاقبة‪ ،‬ومن‬
‫الحاطة بالظروف والملبسات‪ ،‬ومن أخذ الهبة والستعداد‪.‬‬
‫وهذا النوع الخير هو الذي عناه الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال‬
‫لخّباب بن الرت رضي الله تعالى عنه ‪ -‬وقد جاء إلى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يشكو ما يلقاه هو وإخوانه من الذى والضطهاد‪ ،‬ويطلب منه أن‬
‫ه ِفي‬ ‫فُر ل َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن قَب ْل َك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِفي َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫يستنصر ربه‪ ،‬وأن يدعوه ‪ -‬قال له ‪َ ] :‬‬
‫ْ‬ ‫اْل َْر‬
‫ما‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ِ‬ ‫شقّ ِباث ْن َت َي ْ‬ ‫سهِ فَي ُ َ‬ ‫ضعُ عََلى َرأ ِ‬ ‫شارِ فَُيو َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫جاُء ِبال ْ ِ‬ ‫ل ِفيهِ فَي ُ َ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫ض فَي ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن عَظ ْم ٍ أ َْو‬ ‫ش ُ َ‬
‫م ْ‬ ‫مهِ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ما ُدو َ‬ ‫ديد ِ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ط ال ْ َ‬ ‫شا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ط ب ِأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِدين ِهِ وَي ُ ْ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫صد ّه ُ ذ َل ِ َ‬ ‫يَ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫سيَر الّراك ِ ُ‬ ‫حّتى ي َ ِ‬ ‫مَر َ‬ ‫ذا اْل ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِدين ِهِ َوالل ّهِ ل َي ُت ِ ّ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫صد ّه ُ ذ َل ِ َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ص ٍ‬ ‫عَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جلون‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫مهِ وَلك ِن ّك ُ ْ‬ ‫ب عَلى غَن َ ِ‬ ‫ه أوْ الذ ّئ ْ َ‬ ‫ف إ ِل الل َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ت ل يَ َ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫ضَر َ‬‫ح ْ‬ ‫صن َْعاَء إ ِلى َ‬ ‫َ‬
‫َ[رواه البخاري وأبوداود وأحمد‪ .‬وهو الذي نعنيه نحن هنا أيضا‪ً.‬‬
‫مظاهر الستعجال ‪:‬‬
‫م أشخاص إلى قافلة الدعاة قبل الستيثاق ‪ ،‬والتأكد من مواهبهم‪،‬‬ ‫‪ -1‬ض ّ‬
‫وقدراتهم‪ ،‬واستعداداتهم‪.‬‬
‫‪ -2‬الرتقاء ببعض الدعاة إلى مستوى رفيع قبل اكتمال نضجهم‪ ،‬واستواء‬
‫شخصيتهم ‪.‬‬
‫‪ -3‬القيام بتصرفات طائشة صغيرة تضر بالدعوة‪ ،‬ول تفيدها ‪.‬‬
‫آثار الستعجال ‪:‬‬
‫ن‬ ‫‪ -1‬قد يؤدى إلى الفتور ‪ :‬وقليل دائم خير من كثير منقطع‪...] :‬واعْل َموا أ َ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل [رواه البخاري ومسلم وأبوداود والنسائي‬ ‫ن قَ ّ‬ ‫ه وَإ ِ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ل إ َِلى الل ّهِ أد ْوَ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ال ْعَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫أ َ‬
‫وأحمد ‪.‬‬
‫‪ -2‬وقد يؤدي إلى موتة غير كريمة‪ ،‬وذلك حين ل يكون من ورائها عائد أو‬
‫ثمرة‪ :‬وهناك تكون المسئولية والمعاتبة بين يدي الجبار العلى‪ ،‬يوم ل تملك‬
‫نفس لنفس شيًئا‪ ،‬والمر يومئذ لله‪.‬‬
‫‪ -3‬تعطيل العمل‪ ،‬أو على القل‪ ،‬الرجوع به إلى الوراء عشرات السنين‪:‬‬
‫وذلك فيه ما فيه من استمرار تدنيس الحياة‪ ،‬والمضي في العتداء على‬
‫الدماء‪ ،‬والموال‪ ،‬والعراض‪ ،‬وزيادة وضع الحجار‪ ،‬والعقبات على الطريق‪.‬‬
‫أسباب الستعجال‪:‬‬
‫‪ -1‬الدافع النفسي ‪ :‬ذلك أن الستعجال طبيعة مركوزة في فطرة النسان‪،‬‬
‫ل]‪] }[37‬سورة النبياء[ {وَي َد ْعُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا ُ‬ ‫خل ِقَ اْل ِن ْ َ‬ ‫كما قال تعالى‪ُ { :‬‬
‫جول]‪] }[11‬سورة السراء[{‬ ‫ً‬ ‫ن عَ ُ‬ ‫سا ُ‬ ‫ن ال ِن ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫خي ْرِ وَكا َ‬ ‫ْ‬
‫عاَءهُ ِبال َ‬ ‫شّر د ُ َ‬ ‫ن ِبال ّ‬ ‫سا ُ‬ ‫اْل ِن ْ َ‬
‫َ‬
‫م ]‪[11‬‬ ‫جل ُهُ ْ‬ ‫مأ َ‬ ‫ي إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ق ِ‬ ‫خي ْرِ ل َ ُ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫جال َهُ ْ‬ ‫ست ِعْ َ‬ ‫شّر ا ْ‬ ‫س ال ّ‬ ‫ه ِللّنا ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫وَل َوْ ي ُعَ ّ‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫} ]سورة يونس[ وإذا لم يعمل الداعية على ضبط نفسه‪ ،‬وإلجامها بلجام‬
‫العقل‪ ،‬والتخفيف من غلوائها؛ فإنها تدفعه إلى الستعجال‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -2‬الحماس أو الحرارة اليمانية ‪ :‬ذلك أن اليمان إذا قوى‪ ،‬وتمكن من‬


‫النفس؛ ولد طاقة ضخمة‪ ،‬تندفع ‪ -‬ما لم يتم السيطرة عليها وتوجيهها ‪ -‬إلى‬
‫أعمال تؤذي أكثر مما تفيد وتضر أكثر مما تنفع‪.‬‬
‫ولعل هذا هو السر في أن الله سبحانه تولى توجيه النبي صلى الله عليه‬
‫مل‬‫وسلم والمؤمنين في المرحلة المكية إلى الصبر‪ ،‬والجلد‪ ،‬وقوة التح ّ‬
‫ميًل]‪]}[10‬سورة المزمل[{‬ ‫ج ِ‬‫جًرا َ‬ ‫م هَ ْ‬ ‫جْرهُ ْ‬ ‫ن َواهْ ُ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫صب ِْر عََلى َ‬ ‫فقال {َوا ْ‬
‫ن]‪] }[60‬سورة‬ ‫ن ل ُيوقُِنو َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ك ال ِ‬ ‫فن ّ َ‬‫خ ّ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫َ‬
‫حقّ وَل ي َ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن وَعْد َ اللهِ َ‬ ‫َفا ْ‬
‫صب ِْر إ ِ ّ‬
‫صيًرا]‪] }[20‬سورة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن َرب ّك ب َ ِ‬ ‫ن وَكا َ‬ ‫صب ُِرو َ‬ ‫ة أت َ ْ‬ ‫ض فِت ْن َ ً‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ْ‬ ‫جعَلَنا ب َعْ َ‬ ‫الروم[ {وَ َ‬
‫الفرقان[إلى غير ذلك من اليات‪.‬‬
‫‪ -3‬طبيعة العصر‪ :‬فإننا نعيش في عصر يمضي بسرعة‪ ،‬ويتحرك فيه كل‬
‫شيء بسرعة‪ ،‬فالنسان يكون هنا وبعد ساعات يكون في أقصى أطراف‬
‫الرض‪ ،‬بسبب التقدم في وسائل المواصلت‪ ،‬والنسان يضع أساس بيته‬
‫اليوم‪ ،‬ويسكنه غدًا‪ ،‬بسبب التمكن من وسائل العمارة الحديثة‪ ،‬وقس على‬
‫ذلك أشياء كثيرة في حياة النسان‪ ،‬فلعل ذلك مما يحمل بعض العاملين على‬
‫شي معها‪.‬‬ ‫الستعجال لمواكبة ظروف العصر‪ ،‬والتم ّ‬
‫‪ -4‬واقع العداء ‪ :‬وقد يكون واقع العداء هو السبب في الستعجال‪ ،‬ذلك أنه‬
‫ما يمر يوم الن إل وأعداء الله يحكمون القبضة‪ ،‬ويمسكون بزمام العالم‬
‫السلمي‪ ،‬ويلحقون العمل السلمي في كل مكان؛ لسكات كل صوت حر‬
‫نزيه‪ ،‬وحسبنا أن إسرائيل كانت بالمس فكرة في الذهان‪ ،‬فإذا بها اليوم‬
‫واقع يحكم القبضة على جزء غال عزيز من ديار السلم هو فلسطين‪،‬‬
‫وينطلق منه إلى لبنان‪ ،‬وسائر بلدان العالم العربي ليحقق حلم اليهود‪:‬‬
‫'إسرائيل من النيل إلى الفرات' فلعل ذلك مما يحمل بعض العاملين على‬
‫الستعجال‪ ،‬قبل أن يتفاقم الخطر‪ ،‬ويصعب الخلص‪.‬‬
‫‪ -5‬الجهل بأساليب العداء ‪ :‬فأعداء الله لهم أساليبهم الخبيثة‪ ،‬والمتنوعة‪،‬‬
‫في الوصول إلى قلب العالم السلمي‪ ،‬وإحكام القبضة عليه‪ ،‬وأخطر هذه‬
‫الوسائل‪ ،‬وأشدها دهاء ومكرًا‪ :‬أن يواجه المسلمين نفر من بينهم يعلنون‬
‫السلم‪ ،‬ويبطنون الكفر‪ ،‬والحقد‪ ،‬والضلل‪ ..‬إن مثل هذا السلوب من الكيد‬
‫يحول دون تعبئة العامة في المة‪ ،‬بل إنه ليجعل العامة معهم وفي صفهم‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ومرات‬ ‫ولقد لجأ أعداء الله لمثل هذا السلوب‪ ،‬بعد أن جربوا زمانا ً طوي ً‬
‫عديدة‪ ،‬أسلوب المواجهة الصريحة السافرة‪ ،‬ورأوا أنه لن يغني عنهم من الله‬
‫شيئًا‪ ،‬وأنه يحمل المسلمين‪ -‬حتى المفرطين المستهترين منهم‪ -‬على‬
‫التصدي وبذل الغالي والرخيص؛ فلعل الجهل بمثل هذا السلوب وفي غيره‬
‫من الكيد يكون سبًبا من السباب التي توقع في الستعجال‪.‬‬
‫‪ -6‬شيوع المنكرات مع الجهل بأسلوب تغييرها ‪ :‬فالنسان ل يتحرك حركة‬
‫فته من كل جانب‪ ،‬وواجب المسلم حين‬ ‫الن إل وقد أحاطت به المنكرات‪ ،‬ول ّ‬
‫يرى ذلك أن يعمل على تغيير المنكر وإزالته ما في ذلك شك‪ ،‬لئل تتحول‬
‫الرض إلى بؤرة من الشر والفساد‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وَل َوَْل د َفْعُ الل ّهِ الّنا َ‬
‫س‬
‫َ‬
‫ض ]‪]}[251‬سورة البقرة[ {وَل َوَْل د َفْعُ الل ّهِ الّنا َ‬
‫س‬ ‫ت اْلْر ُ‬ ‫سد َ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ض لَ َ‬‫م ب ِب َعْ ٍ‬‫ضهُ ْ‬ ‫ب َعْ َ‬
‫هّ‬
‫م الل ِ‬ ‫َ‬
‫جد ُ ي ُذ ْكُر ِفيَها ا ْ‬
‫س ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ٌ‬‫صل َ‬ ‫َ‬ ‫معُ وَب ِي َعٌ وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ص َ‬‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ض لهُد ّ َ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬‫ضهُ ْ‬ ‫ب َعْ َ‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫زيٌز]‪] }[40‬سورة الحج[‪.‬وقال‬ ‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صُرهُ إ ِ ّ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬


‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬‫صَر ّ‬‫ك َِثيًرا وَل َي َن ْ ُ‬
‫َ‬
‫ع‬
‫ست َط ِ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫من ْك ًَرا فَل ْي ُغَي ّْره ُ ب ِي َدِهِ فَإ ِ ْ‬‫م ُ‬‫من ْك ُ ْ‬‫ن َرأى ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪َ ] :‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن[رواه مسلم والترمذي‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ضعَ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قلب ِهِ وَذل ِك أ ْ‬ ‫ست َط ِعْ فَب ِ َ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫سان ِهِ فَإ ِ ْ‬ ‫فَب ِل ِ َ‬
‫وأبوداود وابن ماجه والنسائي وأحمد‪ .‬بيد أنه ليس كل منكر تجب إزالته أو‬
‫تغييره على الفور‪ ،‬وإنما ذلك مشروط بأل يؤدي إلى منكر أكبر منه‪ ،‬فإن أدى‬
‫إلى منكر أكبر منه؛ وجب التوقف بشأنه‪ ،‬مع الكراهية القلبية له‪ ،‬ومع‬
‫مقاطعته‪ ،‬ومع البحث عن أنجع الوسائل لزالته‪ ،‬والخذ بها‪ ،‬ومع العزم‬
‫الصادق على الوقوف في أول الصف حين تتاح فرصة التغيير‪ ،‬وفي السنة‬
‫والسيرة النبوية شواهد على ذلك‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث والصنام تمل جوف الكعبة‪،‬‬
‫وتحيط بها وتعلوها من كل جانب‪ ،‬ثم ل يقبل على إزالتها بالفعل إل يوم فتح‬
‫مكة‪ ،‬في العام الثامن من الهجرة‪ ،‬أي أنها بقيت منذ بعث إلى يوم تحطيمها‬
‫إحدى وعشرين سنة؛ ليقينه بأنه لو قام بتحطيمها من أول يوم‪ ،‬قبل أن‬
‫تحطم من داخل النفوس لقبلوا على تشييدها وزخرفتها بصورة أبشع‪،‬‬
‫وأشنع‪ ،‬فيعظم الثم‪ ،‬ويتفاقم الضرر‪ ،‬لذلك تركها‪ ،‬وأقبل يعد الرجال‪ ،‬ويزكي‬
‫النفوس‪ ،‬ويطهر القلوب حتى إذا تم له ذلك أقبل بهم يفتح مكة‪ ،‬ويزيل‬
‫هوًقا]‪[81‬‬ ‫ن َز ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ال َْباط ِ َ‬ ‫ل إِ ّ‬‫حقّ وََزهَقَ ال َْباط ِ ُ‬ ‫جاَء ال ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫الصنام‪ ،‬مرددًا‪{ :‬وَقُ ْ‬
‫} ]سورة السراء[ وها هو صلى الله عليه وسلم يخاطب أم المؤمنين عائشة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قال َ ْ‬
‫ت‬ ‫م[ فَ َ‬ ‫هي َ‬ ‫عد ِ إ ِب َْرا ِ‬ ‫وا ِ‬‫ن قَ َ‬ ‫صُروا عَ ْ‬ ‫ة اقْت َ َ‬ ‫وا ال ْك َعْب َ َ‬ ‫ما ب َن َ ْ‬ ‫ك لَ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن قَوْ َ‬ ‫م ت ََريْ أ ّ‬ ‫قائل‪ ] :‬أل َ ْ‬
‫ك‬‫م ِ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫حد َْثا ُ‬ ‫ل ‪ ] :‬ل َوَْل ِ‬ ‫م َقا َ‬ ‫هي َ‬‫عد ِ إ ِب َْرا ِ‬
‫وا ِ‬ ‫ها عََلى قَ َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ََل ت َُرد ّ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ة‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ت[رواه البخاري ومسلم ‪ .‬فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا توقف‬ ‫ْ‬
‫فعَل ُ‬ ‫َ‬
‫فرِ ل َ‬ ‫ْ‬
‫ِبالك ُ ْ‬
‫ً‬
‫في شأن تجديد الكعبة‪ ،‬وإعادتها إلى قواعد إبراهيم خوفا من أن يؤدي ذلك‬
‫إلى منكر أكبر‪ ،‬وهو الفرقة والشقاق‪ ،‬بدليل قوله في رواية أخرى‪...] :‬وَل َوْلَ‬
‫خا ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م[ رواه البخاري‬ ‫ن ت ُن ْك َِر قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫فأ ْ‬ ‫جاهِل ِي ّةِ فَأ َ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫ث عَهْد ُهُ ْ‬ ‫دي ٌ‬ ‫ح ِ‬
‫ك َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن قَوْ َ‬ ‫أ ّ‬
‫ومسلم‪ .‬بل إن المسلم حين يسكت عن منكر؛ خوفا ً من أن يؤدي إلى منكر‬
‫أكبر‪ -‬مع الرفض القلبي والمقاطعة‪ ،‬ومع البحث عن أفضل السبل للتغيير‪،‬‬
‫ومع العزم الصادق على أنه حين تتاح الفرصة لن يكون هناك توان ول تباطؤ‪-‬‬
‫سعََها]‬ ‫سا إ ِّل وُ ْ‬ ‫ف ً‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫ما بذلك‪ ،‬وصدق الله الذي يقول‪َ{ :‬ل ي ُك َل ّ ُ‬ ‫ل يكون آث ً‬
‫قوا‬ ‫َ‬
‫طيُعوا وَأن ْفِ ُ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫عوا‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ت‬‫س‬ ‫ا‬ ‫ما‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫{‬ ‫البقرة[‪،‬‬ ‫}]سورة‬ ‫‪[286‬‬
‫َ ِ‬ ‫ْ َ ْ ُ ْ َ ْ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫م]‪]}[16‬سورة التغابن[‪ .‬فإذا نسي العامل أو الداعية فقه‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خي ًْرا ِلن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫أسلوب تغيير المنكر وإزالته‪ ،‬وقع في الستعجال لظنه‪ ،‬أو لتصوره أن المر‬
‫يجب تنفيذه فورا ً وأنه آثم ومذنب إن لم يقم بذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -6‬العجز عن تحمل مشاق ومتاعب الطريق ‪ :‬ذلك أن بعضا من العاملين‬
‫يملك جرأة وشجاعة‪ ،‬وحماسا ً لعمل وقتي‪ ،‬ولو أّدى به إلى الموت‪ ،‬لكنه ل‬
‫مل مشاق ومتاعب الطريق لزمن طويل‪ ،‬مع أن‬ ‫يملك القدرة على تح ّ‬
‫الرجولة الحقة هي التي يكون معها صبر‪ ،‬وجلد‪ ،‬وتحمل‪ ،‬ومثابرة‪ ،‬وجد‪،‬‬
‫ل؛ ليجّنب نفسه المشاق‬ ‫واجتهاد حتى تنتهي الحياة‪ ،‬لذلك تراه دائما مستعج ً‬
‫والمتاعب‪ ،‬وإن تذرع بغير ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد أفرزت الحركة السلمية في العصر الحاضر صنفا من هذا عجز عن‬
‫التحمل والستمرار فاستعجل‪ ،‬وانتهى‪ ،‬وصنفا ً آخر أوذي في الله عشرات‬
‫السنين‪ ،‬فصبر‪ ،‬وتحمل‪ ،‬واحتسب؛ لن الظروف غير ملئمة‪ ،‬والفرص غير‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مواتية‪ ،‬والعواقب غير محمودة‪ ،‬والمقدمات ناقصة أو قاصرة‪ ،‬وكانت العاقبة‬


‫أن وفقهم الله‪ ،‬وأعانهم‪ ،‬فثبت أقدامهم على الطريق‪ ،‬ول تزال‪.‬‬
‫‪ -8‬الظفر ببعض المقدمات أو ببعض الوسائل مع عدم تقدير العواقب ‪ :‬وقد‬
‫يكون الظفر ببعض المقدمات‪ ،‬أو ببعض الوسائل مثل العدد البشري‪ ،‬ومثل‬
‫الدوات مع عدم تقدير العواقب‪ ،‬من زيادة تسلط أعداء الله‪ ،‬ومن حدوث‬
‫فتنة وردة فعل لدى جماهير الناس‪ ،‬قد يكون كل ذلك هو السبب في‬
‫الستعجال‪ .‬ولعل هذا هو السر في أمر السلم بالصبر على جور الئمة‪ ،‬ما‬
‫لم يصل المر إلى الكفر الصريح‪ ،‬والخروج السافر عن السلم‪ ،‬يقول عبادة‬
‫م فََباي َعَْناه ُ فَ َ‬
‫قا َ‬
‫ل‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬
‫عاَنا الن ّب ِ ّ‬
‫بن الصامت رضي الله عنه‪ :‬د َ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ما أ َ َ‬
‫ْ‬
‫مكَرهَِنا‬ ‫شط َِنا وَ َ‬ ‫من ْ َ‬
‫مِع َوالطاعَةِ ِفي َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن َباي َعََنا‪ ] :‬عََلى ال ّ‬ ‫خذ َ عَل َي َْنا أ ْ‬ ‫ِفي َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حا‬
‫وا ً‬ ‫فًرا ب َ َ‬ ‫ن ت ََرْوا ك ْ‬ ‫ه إ ِل أ ْ‬ ‫مَر أهْل ُ‬ ‫ن ل ن َُنازِعَ ال ْ‬ ‫سرَِنا وَأث ََرة ً عَلي َْنا وَأ ْ‬‫سرَِنا وَي ُ ْ‬ ‫وَعُ ْ‬
‫هان[رواه البخاري ومسلم‪ .‬بل حتى الكفر البواح ل‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ ِفيهِ ب ُْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫عن ْد َك ْ‬‫ِ‬
‫يكون معه خروج إل إذا أمنت الفتنة‪ ،‬وتوفرت القدرات‪ ،‬والمكانات‪ ،‬وهذا ل‬
‫يمنع أن ننكر عليهم باللسان وبالقلب ‪ .‬يقول المام النووي ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في‬
‫شرح حديث عبادة‪ ] :‬معنى الحديث‪ :‬ل تنازعوا ولة المور في وليتهم‪ ،‬ول‬
‫تعترضوا عليهم إل أن تروا منهم منكرا ً محققا ً تعلمونه من قواعد السلم‪،‬‬
‫فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم‪ ،‬وقولوا بالحق حيثما كنتم‪ ،‬وأما الخروج عليهم‪،‬‬
‫وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين‪ ،‬وان كانوا فسقة ظالمين'‪ .‬ونقل ابن التين‬
‫عن الداودي قال‪' :‬الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه‬
‫بغير فتنة ول ظلم وجب‪ ،‬وإل فالواجب الصبر' ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫دتها وغلوائها ‪:‬‬ ‫‪ -9‬عدم وجود برنامج أو منهاج يمتص الطاقات‪ ،‬ويخفف من ح ّ‬
‫ذلك أن نفس النسان التي ببن جنبيه إن لم يشغلها بالحق؛ شغلته بالباطل‪.‬‬
‫ولعل ذلك هو السر في أن السلم غمر المسلم ببرنامج عمل في اليوم‬
‫والليلة‪ ،‬وفي السبوع‪ ،‬وفي الشهر‪ ،‬وفي السنة‪ ،‬وفي العمر كّله‪ ،‬بحيث إذا‬
‫ضا في‬ ‫حافظ عليه كانت خطواته دقيقة وكانت جهوده مثمرة‪ ..‬ولعّله السر أي ً‬
‫تشديد السلم على الئمة أن يستفرغوا كل ما في وسعهم وكل ما في‬
‫طاقتهم لستنباط ما يمل حياة المسلمين بالعمل الجاد المثمر الخالي من‬
‫ر‬ ‫الضرر والشرر وإل حرموا الجنة‪ ،‬يقول صلى الله عليه وسلم‪] :‬ما م َ‬
‫مي ٍ‬ ‫نأ ِ‬ ‫َ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ة[رواه‬ ‫م ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫معَهُ ْ‬‫ل َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ح إ ِّل ل َ ْ‬
‫م ي َد ْ ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫جهَد ُ ل َهُ ْ‬
‫م وَي َن ْ َ‬ ‫م َل ي َ ْ‬
‫ن ثُ ّ‬‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬‫مَر ال ْ ُ‬
‫ي َِلي أ ْ‬
‫البخاري ومسلم‪-‬واللفظ له‪ -‬والدارمي وأحمد‪.‬‬
‫‪ -10‬العمل بعيدا ً عن ذوي الخبرة والتجربة ‪ :‬ذلك أن النسان يولد ول علم له‬
‫طو ُ‬ ‫ه أَ ْ‬
‫مَهات ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫نأ ّ‬ ‫ن بُ ُ ِ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫جك ُ ْ‬‫خَر َ‬ ‫بشيء في هذه الحياة كما قال سبحانه‪َ{ :‬والل ّ ُ‬
‫شي ًْئا]‪] }[78‬سورة النحل[‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫َل ت َعْل َ ُ‬
‫ثم يبدأ ‪ -‬عن طريق ما وهبه الله من السمع‪ ،‬والبصار‪ ،‬والفئدة ‪ -‬التعّلم‪،‬‬
‫ضا بواسطة التجربة‪ ،‬والممارسة‪،‬‬ ‫والتعلم ل يكون من الكتب وحدها‪ ،‬بل يتم أي ً‬
‫والعامل الواعي هو الذي ينتفع بخبرات وتجارب من سبقوه على الطريق‪،‬‬
‫ليوفر على نفسه الجهد‪ ،‬والوقت‪ ،‬والتكاليف‪ ،‬أما إذا شمخ بأنفه‪ ،‬ونأى‬
‫بنفسه‪ ،‬وبدأ العمل بعيدا ً عن ذوى الخبرة‪ ،‬والتجربة‪ ،‬فستكون له أخطاء‪ ،‬وقد‬
‫يكون الستعجال واحدا ً منها‪ .‬ولعل هذا هو السر في وصية السلم باحترام‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫العلماء‪ ،‬وكبار السن الصالحين‪ ،‬وذوي الفضل‪ ،‬حيث يقول َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫قو َ‬
‫م‬
‫مهُ ْ‬‫واًء فأعْل ُ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫قَراَءةِ َ‬ ‫كاُنوا ِفي ال ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ب الل ّهِ فَإ ِ ْ‬ ‫م أقَْرؤُهُ ْ‬
‫م ل ِك َِتا ِ‬ ‫م ال ْ َ ْ َ‬
‫م‪ ] :‬ي َؤُ ّ‬ ‫سل ّ َ‬‫وَ َ‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫جَرةِ‬ ‫كاُنوا ِفي ال ْهِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫جَرة ً فَإ ِ ْ‬ ‫م هِ ْ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫واًء فَأقْد َ ُ‬ ‫س َ‬‫سن ّةِ َ‬ ‫كاُنوا ِفي ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫سن ّةِ فَإ ِ ْ‬ ‫ِبال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫قعُد ْ ِفي ب َي ْت ِ ِ‬ ‫سلطان ِهِ وَل ي َ ْ‬ ‫جل ِفي ُ‬ ‫جل الّر ُ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م ّ‬‫ما وَل ي َؤُ ّ‬ ‫سل ً‬ ‫م ِ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫واًء فأقد َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ه[رواه مسلم والترمذي وأبوداود وابن ماجه والنسائي‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫مت ِهِ إ ِل ب ِإ ِذن ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫عَلى ت َكرِ َ‬ ‫َ‬
‫وأحمد‪ .‬ولعل السر في ذلك إنما هو الظفر بثمار تجارب هؤلء‪ ،‬وخبرتهم‬
‫بدرب الحياة الطويل؛ نظرا ً لن النسان غالًبا ما يعطي من يعرف له حقه‪،‬‬
‫ويضن ويبخل على من يهدر هذا الحق ول يرعاه‪.‬‬
‫‪ -11‬الغفلة عن سنن الله في الكون‪ ،‬وفي النفس‪ ،‬وفي التشريع ‪ :‬ذلك أن‬
‫من سنن الله في الكون‪ :‬خلق السموات والرض في ستة أيام‪ ،‬وخلق‬
‫النسان والحيوان والنبات على مراحل‪ ،‬مع أنه قادر على خلق ذلك كّله‬
‫َ‬ ‫مُرهُ إ َِذا أ ََراد َ َ‬ ‫َ‬
‫ن]‪[82‬‬ ‫كو ُ‬ ‫ن فَي َ ُ‬ ‫ه كُ ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫شي ًْئا أ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫وغيره بكلمة 'كن'‪ {:‬إ ِن ّ َ‬
‫حي‪ ،‬ول تبذل‪ ،‬ول تعطي‬ ‫} ]سورةيس[‪ .‬ومن سنن الله في النفس‪ :‬أّنها ل تض ّ‬
‫إل إذا عولجت من داخلها‪ ،‬واقتلعت منها كل الحظوظ‪ ،‬وأدركت قيمة وفائدة‬
‫َ‬
‫ها]‪[10‬‬ ‫سا َ‬ ‫ن دَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫خا َ‬ ‫ها]‪[9‬وَقَد ْ َ‬ ‫كا َ‬‫ن َز ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ح َ‬ ‫التضحية‪ ،‬والبذل‪ ،‬والعطاء‪ { :‬قَد ْ أفْل َ َ‬
‫} ]سورة الشمس[وذلك ل يتم بسهولة ويسر‪ ،‬وإنما لبد له من جهد‪ ،‬ووقت‬
‫وتكاليف‪.‬ومن سنن الله في التشريع‪ :‬أن الخمر حرمت على مراحل‪ ،‬وكذلك‬
‫الربا‪.‬وإذا نسي العامل أو الداعية هذه السنن؛ كانت السرعة‪ ،‬والعجلة‪ ،‬أما‬
‫حين تظل ماثلة أمام عينيه‪ ،‬حاضرة في ذهنه‪ ،‬وفؤاده‪ ،‬فإنها تهدئ من نفسه‬
‫وتضبط حركته‪ ،‬وتبصره بموضع قدميه‪.‬‬
‫‪ -12‬نسيان الغاية التي يسعى إليها المسلم ‪ :‬فالمسلم يسعى أساسا ً لتحقيق‬
‫مرضات الله‪ ،‬وهذا إنما يتحقق بالتزام منهجه‪ ،‬وعدم التفريط فيه‪ ،‬والثبات‬
‫حى‬ ‫م ُيو َ‬ ‫مث ْل ُك ُ ْ‬ ‫شٌر ِ‬ ‫ما أ ََنا ب َ َ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫عليه إلى يوم اللقاء قدر الطاقة مع الخلص‪{ :‬قُ ْ‬
‫حا وَلَ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫إل َ َ‬
‫صال ِ ً‬‫مل َ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫م ْ‬‫قاَء َرب ّهِ فَلي َعْ َ‬ ‫جوا ل ِ َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫حد ٌ ف َ َ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫م إ ِل َ ٌ‬ ‫ما إ ِل َهُك ُ ْ‬ ‫ي أن ّ َ‬‫ِ ّ‬
‫ك بعِبادة ربه أ َ‬
‫م]‬ ‫ست َط َعْت ُْ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ما‬ ‫َ َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫{‬ ‫الكهف[‬ ‫]سورة‬ ‫[}‬ ‫‪110‬‬ ‫دا]‬‫ً‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ش ِ‬
‫ر‬ ‫يُ ْ‬
‫‪]}[16‬سورة التغابن[‪.‬وتلك مقدمات يسأل عنها المسلم بين يدي الله يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وعليها تكون النجاة أو عدم النجاة‪ ،‬أما النتائج من التمكين أو عدم‬
‫التمكين‪ ،‬فل يسأل عنها‪ ،‬لنها بيد الله يأتي بها حيث يشاء وكما يشاء ‪ .‬فإذا‬
‫حدث‪ ،‬ونسي العامل أو الداعية هذه الحقيقة؛ فإنه يقع ل محالة في‬
‫الستعجال‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪ -13‬الغفلة عن سنة الله مع العصاة والمكذبين ‪ :‬وقد تكون الغفلة عن سنة‬


‫الله مع العصاة والمكذبين هي السبب في الستعجال‪ ،‬ذلك أن من سّنة الله‬
‫ُ‬
‫دي‬ ‫ن ك َي ْ ِ‬‫م إِ ّ‬ ‫مِلي ل َهُ ْ‬ ‫مع العصاة والمكذبين‪ :‬المهال‪ ،‬وعدم الستعجال‪{:‬وَأ ْ‬
‫ما‬‫م بِ َ‬ ‫خذ ُهُ ْ‬ ‫ؤا ِ‬ ‫مةِ ل َوْ ي ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫فوُر ُذو الّر ْ‬ ‫ك ال ْغَ ُ‬ ‫ن]‪] }[183‬سورة العراف[ {وََرب ّ َ‬ ‫مِتي ٌ‬ ‫َ‬
‫موْئ ِل]‪[58‬‬‫ً‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ْ ُ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫دوا‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫ُ ْ َ ْ ٌ ْ َ ِ ُ‬‫ل‬ ‫د‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ب‬
‫َ َ‬‫ب‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ع‬ ‫ْ‬
‫ُ ُ َ‬‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ج‬‫َ ّ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫بوا‬ ‫ك َ ُ‬
‫س‬ ‫َ‬
‫} ]سورة الكهف[ ومن سنته كذلك معهم‪ :‬أنه إذا أخذهم لم يفلتهم‪{ :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك‬
‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ي َ‬ ‫خذ َ ال ْ ُ‬ ‫ك إ َِذا أ َ َ‬ ‫خذ ُ َرب ّ َ‬ ‫أَ ْ‬
‫د]‪] }[102‬سورة هود[‬ ‫دي ٌ‬ ‫ش ِ‬ ‫خذ َه ُ أِلي ٌ‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫م ٌ‬ ‫ظال ِ َ‬ ‫قَرى وَهِ َ‬
‫ن]‪]}[59‬سورة النفال[ ‪ .‬ومن‬ ‫جُزو َ‬ ‫م َل ي ُعْ ِ‬ ‫قوا إ ِن ّهُ ْ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫فُروا َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سب َ ّ‬‫ح َ‬ ‫{وََل ي َ ْ‬
‫ف‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫ب وَل َ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ك ِبال ْعَ َ‬ ‫جُلون َ َ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫ضا‪ :‬أن أيامه ليست كأيامنا هذه‪{ :‬وَي َ ْ‬
‫َ‬
‫سنته أي ً‬
‫ن]‪] }[47‬سورة الحج[‪.‬‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعُ ّ‬ ‫م ّ‬‫سن َةٍ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عن ْد َ َرب ّك كأل ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن ي َوْ ً‬ ‫ه وَعْد َه ُ وَإ ِ ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫وإذا غفل العامل أو الداعية عن هذه السنن تعجل‪ ،‬قائل‪ :‬نناجزهم قبل أن‬
‫يستفحل شأنهم‪ ،‬وقبل أن يمسكوا بزمام المور‪ ،‬فتستحيل إزاحتهم بعد ذلك‬
‫من طريق الناس‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -14‬صحبة نفر من ذوي العجلة وعدم التأني‪ :‬فالطبع يعدي‪ ،‬والمرء على دين‬
‫خليله‪ ،‬وإذا لم يحسن المسلم اختيار صاحبه‪ ،‬فإنه يقتدي به ل محالة فيما‬
‫يعتنق‪ ،‬وفي كل ما يسلك ‪ -‬لسيما إذا كان هذا الصاحب قوي الشخصية ‪-‬‬
‫وقد يكون من بين ذلك الستعجال‪ .‬ولعل هذا هو سر تأكيد السلم على‬
‫دمنا‬ ‫ضرورة مراعاة الدقة‪ ،‬والمانة في اختيار الصديق والصاحب‪ ،‬وقد ق ّ‬
‫طرفا ً من الحاديث الدالة على ذلك في أثناء الحديث عن 'الفتور'‪.‬‬
‫طريق علج الستعجال‪:‬‬
‫‪ -1‬إمعان النظر في الثار والعواقب المترتبة على الستعجال‪ :‬فإن ذلك مما‬
‫يهدئ النفس‪ ،‬ويحمل على التريث والتأّني‪.‬‬
‫‪ -2‬دوام النظر في كتاب الله عز وجل‪ :‬فإن ذلك يبصرنا بسنن الله في الكون‬
‫وفي النفس‪ ،‬وفي التشريع‪ ،‬ومع العصاة والمكذبين‪ ،‬والبصيرة بهذه السنن‬
‫م َءاَياِتي فَلَ‬ ‫ُ‬
‫سأِريك ُ ْ‬ ‫دئ النفس‪ ،‬وتساعد على التأني‪ ،‬والترّوي‪ ،‬قال تعالى‪َ {:‬‬ ‫ته ّ‬
‫ن]‪[2‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫دى ل ِل ُ‬ ‫ب ِفيهِ هُ ً‬ ‫َ‬
‫ب ل َري ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن]‪] }[37‬سورة النبياء[ {ذ َل ِك الك َِتا ُ‬ ‫جلو ِ‬ ‫ُ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫م ]‪] }[9‬سورة‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ن هَ َ‬
‫ي أقوَ ُ‬ ‫دي ل ِلِتي هِ َ‬ ‫ن ي َهْ ِ‬‫قْرَءا َ‬ ‫ذا ال ُ‬ ‫} ]سورة البقرة[ {إ ِ ّ‬
‫السراء[‪.‬‬
‫‪ -3‬دوام المطالعة في السنة‪ ،‬والسيرة النبوية‪ :‬فإن ذلك مما يوقعنا على‬
‫مقدار ما لقى النبي صلى الله عليه وسلم من الشدائد والمحن‪ ،‬وكيف أنه‬
‫مل‪ ،‬وصبر‪ ،‬ولم يستعجل‪ ،‬حتى كانت العاقبة له‪ ،‬وللمنهج الذي جاء به‪،‬‬ ‫تح ّ‬
‫ومعلوم أن الوقوف على ذلك مما يضبط حركة المسلم‪ ،‬اقتداء‪ ،‬وتأسيا ً به‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة لِ َ‬ ‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬
‫سوَة ٌ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫م ِفي َر ُ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬‫كا َ‬‫قد ْ َ‬‫صلى الله عليه وسلم‪ {:‬ل َ َ‬
‫ه ك َِثيًرا]‪] }[21‬سورة الحزاب[‪.‬‬ ‫ّ‬
‫خَر وَذ َك ََر الل َ‬‫م اْل ِ‬
‫ه َوال ْي َوْ َ‬ ‫جو الل ّ َ‬ ‫ي َْر ُ‬
‫‪ -4‬مطالعة كتب التراجم‪ ،‬والتاريخ‪ :‬فإن ذلك مما يعرفنا بمنهج أصحاب‬
‫مكن‬ ‫ّ‬ ‫الدعوات والسلف في مجابهة الباطل‪ ،‬وكيف أنهم تأنوا‪ ،‬وتريثوا حتى ُ‬
‫سي‪ ،‬أو على القل‪ ،‬المحاكاة‬ ‫لهم؛ وهذا بدوره يحمل على القتداء‪ ،‬والتأ ّ‬
‫والمشابهة ‪.‬‬
‫‪ -5‬العمل في أحضان وفي ظل ذوي الخبرة والتجربة ممن سبقوا على‬
‫الطريق‪ :‬فإن ذلك من شأنه أن بجعل خطوات العاملين دقيقة محسوبة‪ ،‬وأن‬
‫يوفر عليهم كثيرا ً من الجهد‪ ،‬والوقت‪ ،‬وباقي التكاليف‪ ،‬وقد لفت النبي صلى‬
‫حد ٍ‬ ‫حرٍ َوا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫ن ُ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬
‫م ُ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫الله عليه وسلم النظر إلى ذلك حين قال‪َ] :‬ل ي ُل ْد َغُ ال ْ ُ‬
‫ن[رواه البخاري ومسلم وأبوداود وابن ماجه والدارمي وأحمد‪.‬‬ ‫مّرت َي ْ ِ‬‫َ‬
‫‪ -6‬العمل من خلل منهاج أو برنامج واضح الركان‪ :‬محدد المعالم‪ ،‬يستوعب‬
‫الحياة كلها‪ ،‬ويأخذ بيد العامل من طور إلى طور‪ ،‬ومن مرحلة إلى مرحلة‪،‬‬
‫فيشبع تطّلعاته‪ ،‬ويجيب على تساؤلته‪ ،‬ويرفع من مستواه‪.‬‬
‫‪ -7‬الفهم الدقيق لساليب‪ ،‬ومخططات العداء‪ :‬فإن ذلك من شأنه أن يحمل‬
‫العامل على النظر في عواقب المور‪ ،‬وعلى التريث‪ ،‬والتأني‪ ،‬والتصرف‬
‫بحكمة وعلى بينة‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪ -8‬عدم الرهبة أو الخوف من تسلط العداء‪ ،‬وإحكامهم القبضة على العالم‬


‫السلمي‪ :‬لن ذلك يمكن أن يزول في لحظات‪ ،‬وما هو على الله بعزيز‪ {:‬لَ‬
‫ل ث ُم ْ‬
‫م وَب ِئ ْ َ‬
‫س‬ ‫جهَن ّ ُ‬
‫م َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬ ‫مَتاع ٌ قَِلي ٌ ّ َ‬ ‫فُروا ِفي ال ْب َِلِد]‪َ [196‬‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قل ّ ُ‬ ‫ي َغُّرن ّ َ‬
‫ك تَ َ‬
‫َ‬
‫ض ّ‬
‫ل‬ ‫ل الل ّهِ أ َ‬ ‫سِبي ِ‬‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬‫فُروا وَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫مَهاُد]‪] }[197‬سورة آل عمران[ {ال ّ ِ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬‫م ل ِي َ ُ‬‫وال َهُ ْ‬
‫م َ‬
‫نأ ْ‬ ‫قو َ‬‫فُروا ي ُن ْفِ ُ‬‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫م]‪] }[1‬سورة محمد[ {إ ِ ّ‬ ‫مال َهُ ْ‬
‫أعْ َ‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فُروا إ َِلى‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬ ‫م ي ُغْل َُبو َ‬


‫سَرةً ث ُ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫قون ََها ث ُ ّ‬ ‫سي ُن ْفِ ُ‬‫ل الل ّهِ فَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫ن]‪] }[36‬سورة النفال[ ‪ .‬بيد أن هذا مشروط بأن نقيم السلم‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬ ‫في أنفسنا‪ ،‬وفيمن حولنا بكل ما نملك‪ ،‬وبكل ما نستطيع‪َ {:‬ياأي َّها ال ِ‬
‫َ‬
‫م]‪]} [7‬سورة محمد[ {‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫دا َ‬ ‫ت أقْ َ‬ ‫م وَي ُث َب ّ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫ه ي َن ْ ُ‬‫صُروا الل ّ َ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬ ‫مُنوا إ ِ ْ‬ ‫َءا َ‬
‫زيٌز]‪] }[40‬سورة الحج[ {وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صُره ُ إ ِ ّ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫وَل َي َن ْ ُ‬
‫خل َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ف‬ ‫ست َ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫فن ّهُ ْ‬‫خل ِ َ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫مُنوا ِ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن ب َعْدِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَلي ُب َد ّلن ّهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ضى لهُ ْ‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫ّ‬
‫م ال ِ‬ ‫م ِدين َهُ ُ‬ ‫َ‬
‫ن لهُ ْ‬ ‫مك ّن َ ّ‬ ‫َ‬
‫م وَلي ُ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫شي ًْئا ‪] }[55]...‬سورة النور[‪.‬‬ ‫ن ِبي َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫دون َِني َل ي ُ ْ‬ ‫خوفه َ‬
‫كو َ‬ ‫مًنا ي َعْب ُ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ ْ ِ ِ ْ‬
‫‪-9‬مجاهدة النفس‪ ،‬وتدريبها على ضرورة التريث‪ ،‬والتأني‪ ،‬والتروي ‪ :‬فإنما‬
‫الحلم بالتحلم‪ ،‬ومن يتصبر؛ يصبره الله‪ ،‬والرجولة الحقة ل تكون إل بذلك‪.‬‬
‫‪ -10‬النتباه إلى الغاية أو الهدف الذي من أجله يحيا المسلم ‪ :‬فإن ذلك يحول‬
‫دون الستعجال‪ ،‬ويحمل على إتقان المقدمات‪ ،‬والوقوف عندها‪ ،‬وعدم‬
‫تجاوزها إلى النتائج‪.‬‬
‫‪ -11‬النتباه إلى موقف المسلم من المنكرات‪ ،‬وأسلوب تغييرها‪ :‬فإن ذلك‬
‫صره بمعالم الطريق‪ ،‬ويحول بينه‪ ،‬وبين الستعجال‪ ..‬تلك خطوات لبد منها‬ ‫يب ّ‬
‫على طريق العلج‪.‬‬
‫الداعية بين الفتور والستعجال ‪:‬‬
‫ويظهر من حديثنا عن الفتور والستعجال‪ :‬تحديد موقع الداعية‪ :‬إن موقعه‬
‫يجب أن يكون وسطا ً بين الفتور والستعجال‪ ،‬على معنى أنه مع المقدمات‬
‫كخلية النحل دائب النشاط‪ ،‬والحركة‪ ،‬ليقصر‪ ،‬ول يتوانى لحظة من ليل أو‬
‫ما مع النتائج فهو هادئ متريث‪ ،‬متأن‪،‬‬ ‫من نهار‪ ،‬ول يضيع فرصة تتاح له‪ ،‬أ ّ‬
‫مترٍو‪ ،‬ل يستعجل شيئا ً قبل أوانه؛ إل عوقب بحرمانه‪.‬‬
‫تمت‬
‫من كتاب'آفات على الطريق' للدكتور‪/‬السيد محمد نوح‬

‫)‪(6 /‬‬

‫الستعداد الفقهي‬
‫محمد بن صالح الدحيم ‪6/4/1426‬‬
‫‪14/05/2005‬‬
‫التغّيرات العالمية )القوية والسريعة والمصلحية( و )الخطيرة( لم تعد سرا ً‬
‫من السرار‪ ،‬ول الدخول في معمعتها خيارا ً من الختيارات‪ ،‬و ربما كان كذلك‬
‫حينما كانت أفكارا ً وخططًا‪ ،‬ولكنها وقد أصبحت اليوم واقعا ً متسارعا ً يطال‬
‫تأثيره العالم كله –إن خيرا ً فخير وإن شرا ً فشر‪ -‬فل ينفع إل الحضور والتأثر‬
‫ن لم تكن له روح العصر كانت له شروره(‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫والتأثير‪ ،‬وإل فـ ) َ‬
‫وقد كان في الناس مبادرون فاعلون‪ ،‬وكان فيهم متباطئون‪ ،‬وشر من‬
‫الصنفين متفرجون متهالكون‪.‬‬
‫لست أريد هنا الحديث عن الفاعلية القتصادية أو الجتماعية أو السياسية‬
‫البحتة‪ ،‬ولكنني وأنا أرى رقما ً كبيرا ً من المسلمين يشكل شريحة مؤثرة‬
‫ومتأثرة في ذلك المجتمع العالمي؛ فهي بحاجة إلى الرأي السلمي في‬
‫قضايا لم تعد قضية أقليات إسلمية كما كانت من قبل‪.‬‬
‫وأنا أرى ذلك أطرح السؤال التي‪ :‬ما هو الستعداد الفقهي لهذا العالم‬
‫الجديد بتغّيراته كلها )القتصادية والسياسية والجتماعية(؟‬
‫وقبل أن يصدر الجواب البدائي )يتمثل الستعداد بوجود مراكز الفتاء ومجامع‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفقه السلمية العالمية‪ ...‬الخ( فإنني أستبق وأقول‪ :‬ليس هذا إل جواب‬
‫ل‪ ،‬ول يروي غلي ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫الدبلوماسية )الدينية والسياسية( الذي ل يشفي علي ً‬
‫سأضطر إلى تفكيك السؤال السابق إلى أسئلة‪:‬‬
‫‪ (1‬هل تم النتهاء من رصد الموروث الفقهي السلمي في جميع مذاهبه‬
‫الموافق والمخالف؟‬
‫‪ (2‬هل تم ربط دوائر الفتاء ومجامع الفقه السلمي بشبكة عالمية تتيح‬
‫للجميع التواصل والّتفاُقه أم أن‪...‬؟‬
‫‪ (3‬هل تتيح النظمة للمنظمات الهلية فرصة تأسيس الكيانات الفقهية‪.‬‬
‫‪ (4‬ثم هل يشارك المال السلمي في دعم وتنشيط تلك الكيانات لو قامت‪،‬‬
‫أم أن الحس القائل بمجانبة الفقه –في سذاجة عن تكاليف تحصيل وتوصيل‬
‫المعلومة‪ -‬ل يزال مسيطرا ً على الفكر التجاري؟‬
‫‪ (5‬متى سيغادر الفقهاء القاعدون إلى العالم لينطلقوا في فقههم من واقع‬
‫العالم ومتغّيراته‪ ،‬وحتى لو غادروا وهم جالسون عبر الطلع المكثف على‬
‫الشبكة العنكبوتية؟‬
‫ربما ل يكون ذلك في المنظور القريب‪ ،‬وأنت ترى بعض المراجع الفتائية ل‬
‫تستخدم )الكمبيوتر( إل في الطباعة )بعد النتهاء من عمليتي التسويد‬
‫والتبييض(‪.‬‬
‫‪ (6‬متى سنسمع المراجعة الصريحة لبعض المسائل والفتاوى التي ُبنيت على‬
‫ور قاصر ومعطيات ناقصة‪ ،‬وأولى بالطمس تلك الفتاوى التي غاب عنها‬ ‫تص ّ‬
‫النظر المآلي‪ ،‬أو ل تنسجم مع روح الشريعة )التيسير ورفع الحرج(؟‬
‫ولماذا تتم الن إعادة طباعة وتوزيع تلك الموضوعات؟‬
‫ولماذا ل ُتطرح بعض المسائل على طبيعتها مسائل خلفية اجتهادية ومتغيرة‬
‫أيضا ً بتغّير الزمان والمكان والحوال والشخاص؟‬
‫ولماذا ل ُيعاد النظر في أحكام الضرورات الخذة بالتوسع‪ ،‬والذي لم يعد‬
‫مق( ليطال مسائل في الموال‬ ‫محصورا ً في )أكل الميتة وسد الر ّ‬
‫والعراض‪...‬؟‬
‫‪ (7‬لماذا ل يمتلك الفقهاء ومؤسساتهم روح المبادرة‪ ،‬أي لماذا العناد الذي ل‬
‫ككه إل قرار السلطان أو نسيان الزمان؟‬ ‫يف ّ‬
‫‪ (8‬ليس العالم لغة واحدة بل لغات متعددة؛ فأين هي التعددية في اللغة التي‬
‫تتيح للنجليزية والصينية والهندية و‪ ...‬و‪...‬و‪ ...‬الفادة من الفقه السلمي؟‬
‫في تفاعل مع هدف الرسالة ومقصد النبوة )كافة للناس( )رحمة للعاملين(‪.‬‬
‫هذه وغيرها أسئلة ستتوارد في فكر المهتم بنشر السلم الصحيح والمهتم‬
‫أيضا ً بواقع المسلمين والمدرك لحياة الناس‪.‬‬
‫هذه أسئلة نطرحها غير متجاهلين لجهود شخصيات علمية وهيئات‬
‫ومؤسسات تحاول جاهدة احتواء هذه الشكالية‪ ،‬ولكن ما جد ّ اليوم هو أضخم‬
‫من هذه الجهود وأكبر من هذه المكانات‪.‬‬
‫ً‬
‫نطرح هذه‪ ،‬ول نزعم أننا نملك الجواب فضل عن الحل لكن طرح السؤال هو‬
‫تمهيد الطريق لوضع الجواب‪.‬‬
‫هذه السئلة ليس الغرض منها بيان المثالب‪ ،‬ولكن غايتها النهوض بالفقه‬
‫السلمي في مقابل الحدث‪ ،‬والمساهمة في حضوره ولمعانه ليمثل السلم‬
‫العظيم والنبوة الخالد‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الستعصام من الفتن بالخلص*‬


‫أ‪.‬د ناصر العمر‬
‫إن الخلص مما ُيكسى العبد به ثوب العفة‪ ،‬وبه ينجو من الفتنة‪ ،‬فمن كان‬
‫أشد حبا ً لله قدم محبوب الله على حظ نفسه‪ ،‬واضمحل عنده حب غيره‬
‫جا الله ‪ -‬تعالى‪ -‬عبده يوسف ‪ -‬عليه‬ ‫مهما تعارض الحبان واعتركا‪ ،‬وبهذا ن ّ‬
‫السلم‪ -‬من هذه الفتنة العظيمة‪ ،‬لنه كان عبدا ً مخَلصًا‪" ،‬إنه من عبادنا‬
‫المخلصين" خّلص قلبه من الشرك ومن اتباع الهوى‪ ،‬فخّلصه الله ‪ -‬تعالى‪-‬‬
‫بفضله من الفتن‪ .‬وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر )المخِلصين(‪ ،‬بكسر‬
‫اللم‪ ،‬وذلك شأن الموحدين الذين هم أشد حبا ً لله‪ ،‬فهواهم تبع لمره ونهيه‪،‬‬
‫وهكذا بتحقيق التوحيد والخلص ينجي الله الذين آمنوا كما نجى الرسل‬
‫ن"‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫قا ً عَل َي َْنا ن ُن ِْج ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ك َ‬ ‫مُنوا ك َذ َل ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬ ‫جي ُر ُ‬ ‫م ن ُن َ ّ‬ ‫وأتباعهم‪" :‬ث ُ ّ‬
‫]يونس‪ ،[103:‬ينجون من الفتن ومن كل غم وبلء في الدنيا والخرة كما قال‬
‫ن" ]النبياء‪،[88:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫جي ال ْ ُ‬ ‫ك ن ُن ْ ِ‬ ‫م وَك َذ َل ِ َ‬ ‫ن ال ْغَ ّ‬ ‫م َ‬ ‫جي َْناه ُ ِ‬ ‫ه وَن َ ّ‬ ‫جب َْنا ل َ ُ‬
‫ست َ َ‬ ‫– تعالى‪"َ :-‬ا ْ‬
‫ويوم القيامة يهديهم ربهم ويقيهم عذاب الجحيم كما قال – سبحانه‪" :-‬ث ُ ّ‬
‫م‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫جي الل ّ ُ‬ ‫جث ِي ًّا" ]مريم‪" ،[72:‬وَي ُن َ ّ‬ ‫ن ِفيَها ِ‬ ‫مي َ‬ ‫وا وَن َذ َُر ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫جي ال ّ ِ‬ ‫ن ُن َ ّ‬
‫ن" ]الزمر‪ ،[61:‬بل الله ينجي‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫سوُء َول هُ ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫سهُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م ل يَ َ‬ ‫فاَزت ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وا ب ِ َ‬
‫ق ْ‬ ‫ات ّ َ‬
‫أهل الشرك في الدنيا –مع ما يدخره لهم في الخرة من العذاب العظيم‪ -‬إذا‬
‫ركبوا في الفلك وجاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنه‬
‫أحيط به فدعو الله مخلصين له الدين‪ ،‬فهنا عند إخلصهم الدين –وقد كانوا‬
‫ذي‬ ‫مشركين‪ -‬ينجيهم الله – تعالى‪ -‬برحمته‪ ،‬كما قال – سبحانه‪" : -‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ريٍح ط َي ّب َ ٍ‬
‫ة‬ ‫ِ‬ ‫م بِ‬ ‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫جَري ْ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫فل ْ ِ‬ ‫م ِفي ال ْ ُ‬ ‫حّتى إ َِذا ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫حرِ َ‬ ‫م ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫سي ُّرك ُ ْ‬‫يُ َ‬
‫حيطَ‬ ‫كان وظ َنوا أ َنهم أ ُِ‬ ‫ْ‬
‫ُّ ْ‬ ‫م َ ٍ َ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫مو ْ ُ‬
‫م ال َ‬ ‫جاَءهُ ُ‬ ‫ف وَ َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫عا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫جاَءت َْها ِري ٌ‬ ‫حوا ب َِها َ‬ ‫وَفَرِ ُ‬
‫ن"‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن هَذِهِ لن َكون َ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫جي ْت ََنا ِ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫ن لئ ِ ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫نل ُ‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫وا الل َ‬ ‫م د َعَ ُ‬ ‫ب ِهِ ْ‬
‫ُ‬
‫نك ّ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬ ‫من َْها وَ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫جيك ْ‬ ‫ه ي ُن َ ّ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫]يونس‪ ،[22:‬وقال عز من قائل في النعام‪" :‬قُ ِ‬
‫ن" ]النعام‪.[64:‬‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫ك َرب ث ُ َ‬
‫كو َ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫ْ ٍ ّ‬
‫فالخلص والتوحيد من أعظم أسباب العصمة من الفتن‪ ،‬والنجاة من‬
‫الشهوات والشبهات‪ ،‬وتحقيقه كافل العفة ضامن السلمة والعصمة‪ .‬ومن‬
‫كمال تحقيقه حفظ أوامر الله ونواهيه‪ ،‬وهذه السيرة الطاهرة لهذا النبي‬
‫الكريم تدل على ذلك وتذكرنا بوصية رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫لبن عباس ‪ -‬رضي الله عنه‪) :-‬احفظ الله يحفظك‪ ،‬احفظ الله تجده أمامك‪،‬‬
‫تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة‪ ،‬وإذا سألت فاسأل الله‪ ،‬وإذا‬
‫استعنت فاستعن بالله‪ ،‬قد مضى القلم بما هو كائن؛ فلو جهد الناس أن‬
‫ينفعوك بما لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه‪ ،‬ولو جهد الناس أن يضروك بما‬
‫لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه‪ ،‬فإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين‬
‫فافعل‪ ،‬فإن لم تستطع فاصبر‪ ،‬فإن في الصبر على ما تكرهه خيرا ً كثيرًا‪،‬‬
‫واعلم أن مع الصبر النصر‪ ،‬واعلم أن مع الكرب الفرج‪ ،‬واعلم أن مع العسر‬
‫اليسر( )‪. (1‬‬
‫ي لفح الفتن في‬ ‫وينبغي لكل مسلم أن يتفيأ ظلل هذه النصيحة الغالية‪ ،‬ليتق َ‬
‫ميت فيه رمضاء البتعاد‬ ‫هذا الزمان الذي اشتد فيه هجير الجهل بدين الله‪ ،‬وح ِ‬
‫عن منهجه‪.‬‬
‫‪-----------‬‬
‫* مستل من كتاب الشيخ‪) :‬آيات للسائلين( تحت الطبع‪.‬‬
‫)‪ (1‬رواه المام أحمد ‪ ،1/307 ،1/303 ،1/293‬ورواه الترمذي ‪) 4/667‬‬
‫‪ (2516‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ ،‬ورواه الحاكم في المستدرك على‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصحيحين ‪ (6303)3/623‬والذي بعده‪ ،‬وجمع غيرهم‪ ،‬وقد حسن ابن رجب‬


‫إسناده في رسائله ‪ ،3/91‬وابن حجر في موافقة الخبر الخبر ‪ ،1/327‬وجمع‬
‫من المتأخرين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الستغفار ثماره العقدية وآثاره النفسية والجتماعية‬


‫د‪ .‬محمد عمر دولة*‬
‫ّ‬
‫الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب‪ ،‬شديد العقاب ذي الطول‪ .‬والصلة‬
‫والسلم على رسول الله المين‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫قه الله‬ ‫ة‪ ،‬يعلمها من وفّ َ‬ ‫ت ظاهر ٌ‬ ‫ة وبركا ٌ‬ ‫ة وآثاٌر نافع ٌ‬ ‫وبعد‪ ،‬فِللستغفار ِثماٌر يانع ٌ‬
‫فار؛ معترفا بالمعاصي‬ ‫ً‬ ‫ل على العزيز الغ ّ‬ ‫إلى الكثارِ من الستغفارِ فأقب َ‬
‫متبّرئا ً من كل ذنب‪ ،‬يلهج بالتوبة‪ :‬يا رب يا رب!‬ ‫ل القلب ُ‬ ‫والوزار‪ ،‬ذلي َ‬
‫ل الله عّز‬ ‫ن ما رواه القرطبي عن الحسن بن الفضل في تفسيرِ قو ِ‬ ‫وما أحس َ‬
‫فُروا ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ست َغْ َ‬ ‫ه َفا ْ‬ ‫م ذ َكُروا الل َ‬ ‫َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫موا أن ْ ُ‬ ‫ة أوْ ظل ُ‬ ‫ش ً‬ ‫ح َ‬ ‫ن إ َِذا فَعَلوا َفا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫وجل‪َ) :‬وال ّ ِ‬
‫ن(‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬ ‫ما فَعَُلوا ْ وَهُ ْ‬ ‫صّروا ْ عََلى َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ه وَل َ ْ‬ ‫ب إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫من ي َغْ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ل ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬
‫ن لهم ربا يغفر‬ ‫ّ‬ ‫ه"أ ّ‬ ‫ّ‬
‫ب إ ِل الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫من ي َغْ ِ‬ ‫)آل عمران ‪ .(135‬أنه قال‪ " :‬وَ َ‬
‫الذنب"!]‪ [1‬قال القرطبي رحمه الله‪" :‬وهذا أخذه من حديث أبي هريرة‬ ‫َ‬
‫رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكى عن ربه عّز وجل‬
‫قال‪) :‬أذنب عبد ذنبا فقال اللهم اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى أذنب‬
‫عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب فقال أي‬
‫ت‬
‫رب أغفر لي ذنبي فذكر مثله مرتين وفي آخره اعمل ما شئت فقد غفر ُ‬
‫ف بالذنب‬ ‫ث على عظيم ِ فائدةِ العترا ِ‬ ‫ة والحدي ُ‬ ‫لك( أخرجه مسلم‪ ...‬ودلت الي ُ‬
‫ف بذنِبه ثم تاب‬ ‫ن العبد َ إذا اعتر َ‬ ‫والستغفارِ منه قال صلى الله عليه وسلم‪) :‬إ ّ‬
‫إلى الله؛ تاب الله عليه( أخرجاه في الصحيحين‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ف‬ ‫ف ** بما جنى من الذنوب واقتر ْ‬ ‫يستوجب العفو الفتى إذا اعتر ْ‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ب ذنبان!‬ ‫جحود َ الذن ِ‬ ‫حود َ ُ‬ ‫ج ُ‬‫ن ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ب تجاوَُزه ** إ ّ‬ ‫أقْرِْر بذنِبك ثم اطل ْ‬
‫وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫ب الله بكم وجاء بقوم ُيذن ُِبون‬ ‫وسلم‪) :‬والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذه َ‬
‫ويستغفرون؛ فيغفر لهم(؛ وهذه فائدة اسم الله تعالى )الغفار( و)التواب("‪].‬‬
‫‪[2‬‬
‫ما‬ ‫ل َ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م َ‬‫كاُنوا قَِليل ً ّ‬ ‫فرين الذين أثنى عليهم رّبهم بأنهم ‪َ ) :‬‬ ‫مستغ ِ‬ ‫طوَبى لل ُ‬ ‫ف ُ‬
‫َ‬
‫حهم بأنهم ‪:‬‬ ‫مد َ َ‬‫ن ( )الذاريات ‪ 0(18-17‬و َ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫حارِ هُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن ‪ .‬وَِباْل ْ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ي َهْ َ‬
‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬
‫م‬ ‫م ّ‬ ‫معا ً وَ ِ‬ ‫وفا ً وَط َ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫جِع ي َد ْ ُ‬ ‫ضا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫جُنوب ُهُ ْ‬ ‫جاَفى ُ‬ ‫)ت َت َ َ‬
‫ُ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن(‬ ‫ملو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫جَزاء ب ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫من قُّرةِ أعْي ُ ٍ‬ ‫ي لُهم ّ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ف ٌ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ن ‪ .‬فَل ت َعْل ُ‬ ‫قو َ‬ ‫ُينفِ ُ‬
‫)السجدة ‪0(17-16‬‬
‫ف بالستغفاِر‪:‬‬ ‫عنايةِ السل ِ‬ ‫شدة ُ ِ‬
‫س‬
‫ف بالستغفارِ مع كوِْنهم من البرار؛ لنهم أكثُر النا ِ‬ ‫َ‬ ‫ة السل ِ‬ ‫عناي ُ‬ ‫وقد عظمت ِ‬
‫ة لنفسهم؛ فهم من‬ ‫م محاسب ً‬ ‫عيوِبهم‪ ،‬وأعظ ُ‬ ‫ذنوِبهم و ُ‬ ‫مب ُ‬ ‫علما ً برّبهم وأعل ُ‬ ‫ِ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫الممدوحين المحمودين‪ ،‬كما قال الله عّز وجل في صفات المتقين‪َ) :‬وال ِ‬
‫فُر‬ ‫من ي َغْ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فُروا ْ ل ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫ست َغْ َ‬ ‫ه َفا ْ‬ ‫م ذ َك َُروا ْ الل ّ َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫موا ْ أ َن ْ ُ‬ ‫ة أوْ ظ َل َ ُ‬
‫ش ً َ‬ ‫ح َ‬ ‫إ َِذا فَعَُلوا ْ َفا ِ‬
‫ن ‪ .‬أوْل َئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫فَرةٌ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫هم ّ‬ ‫جَزآؤُ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬ ‫ما فَعَُلوا ْ وَهُ ْ‬ ‫صّروا ْ عََلى َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ه وَل َ ْ‬ ‫ب إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫الذ ُّنو َ‬
‫ن ( )آل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مِلي َ‬ ‫جُر الَعا ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن ِفيَها وَن ِعْ َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر َ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٌ‬ ‫م وَ َ‬ ‫من ّرب ّهِ ْ‬ ‫ّ‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عمران ‪.(136-135‬‬
‫ه أي‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ب إ ِل الل ُ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫من ي َغْ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ْ‬
‫فُروا ل ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫ست َغْ َ‬ ‫َ‬
‫قال القرطبي رحمه الله‪ :‬فا ْ‬
‫طلبوا الغفران لجل ذنوبهم‪ ،‬وكل دعاٍء فيه هذا المعنى أو لفظه فهو‬ ‫ّ‬
‫استغفاٌر‪ .‬وقد تقدم في صدر هذه السورة]‪ [3‬سيد الستغفار وأن وقته‬
‫سيم؛ حتى لقد روى الترمذي عن النبي‬ ‫ج ِ‬ ‫م وثواُبه َ‬ ‫السحار؛ فالستغفاُر عظي ٌ‬
‫من قال‪ :‬أستغفُر الله الذي ل إله إل هو الحي‬ ‫صلى الله عليه وسلم أنه قال‪َ ) :‬‬
‫القيوم وأتوب إليه؛ غفر له وإن كان قد فّر من الزحف(‪ ،‬وروى مكحول عن‬
‫ت أكثَر استغفارا ً من رسول الله صلى الله عليه‬ ‫أبي هريرة قال‪ :‬ما رأي ُ‬
‫ت أكثَر استغفارا من أبي هريرة‪ ،‬وكان مكحو ُ‬
‫ل‬ ‫ً‬ ‫وسلم! وقال مكحول‪ :‬ما رأي ُ‬
‫كثير الستغفار"‪[4].‬‬
‫ة‪.‬‬ ‫ة واجتماعي ٌ‬ ‫ة‪ ،‬وِثماٌر نفسي ٌ‬ ‫عقدي ٌ‬ ‫وللستغفاِر‪ :‬آثاٌر َ‬
‫)‪ (1‬الثمار العقدية للستغفار‬
‫ه‪،‬‬ ‫ة‪ :‬منها‪ :‬إنابة العبد ِ إلى رب ّ ِ‬ ‫ة جليل ٌ‬ ‫ة وثماٌر إيماني ٌ‬ ‫فللستغفارِ آثاٌر عقدي ّ ٌ‬
‫واعترافه بذنبه وإقراره بـ)أن له رب ّا يغفر الذنوب(‪ ،‬وتربية الخشوع والخضوع‬ ‫ً‬
‫في نفس المسلم‪ ،‬وتلذ ِّذه بالتذّلل بين يدي رّبه كما قال نبي الله صالح عليه‬
‫ن إ ِل َ ٍ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬‫كم ّ‬ ‫ما ل َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫دوا ْ الل ّ َ‬‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫صاِلحا ً َقا َ‬ ‫م َ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫مود َ أ َ َ‬ ‫السلم ‪ ) :‬وَإ َِلى ث َ ُ‬
‫م ُتوُبوا ْ إ ِل َي ْهِ إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫فُروهُ ث ُ ّ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫م ِفيَها َفا ْ‬ ‫مَرك ُ ْ‬ ‫ست َعْ َ‬ ‫ض َوا ْ‬
‫َ‬ ‫شأ َ ُ‬‫غَي ُْره ُ هُوَ َأن َ‬
‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫كم ّ‬
‫ب ( )هود ‪.(61‬‬ ‫جي ٌ‬‫م ِ‬‫ب ّ‬ ‫ري ٌ‬ ‫َرّبي قَ ِ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫من دعاه ُدعاَء مسألة أو ُدعاءَ‬ ‫م ّ‬ ‫فُروهُ ِ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫قال السعدي رحمه الله‪" :‬أي‪َ :‬فا ْ‬
‫ن‬
‫مأ ّ‬ ‫َ‬
‫ل الثواب‪ .‬واعل ْ‬ ‫عبادِته وإثابِته عليها أج ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫سؤاَله وقبو ِ‬ ‫عبادةٍ يجيبه بإعطائه ُ‬ ‫ِ‬
‫مه من جميِع الخلق‪،‬‬ ‫ب العام‪ُ :‬قرُبه ب ِِعل ِ‬ ‫قر ُ‬ ‫ص‪ ،‬فال ُ‬ ‫م وخا ّ‬ ‫ُقرَبه تعالى نوعان‪ :‬عا ّ‬
‫ه‬
‫س بِ ِ‬ ‫سو ِ ُ‬ ‫ما ت ُوَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن وَن َعْل ُ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫ْ‬
‫قَنا ا ِ‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫َ‬
‫وهو المذكوُر في قوله تعالى‪) :‬وَل َ‬
‫فسه ونح َ‬
‫ص‪ُ :‬قرُبه من‬ ‫ب الخا ّ‬ ‫ل ال ْوَِريد ِ ( )ق ‪ 0(16‬والقر ُ‬ ‫حب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب إ ِل َي ْهِ ِ‬ ‫ن أقَْر ُ‬ ‫نَ ْ ُ ُ َ َ ْ ُ‬
‫جد ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫حّبيه‪ ،‬وهو المذكوُر في قوله تعالى‪ ) :‬كل ل ت ُط ِعْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ديه وسائليه و ُ‬ ‫عاب ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عَباِدي‬ ‫سألك ِ‬ ‫ب ( )العلق ‪0(19‬وفي هذه الية وفي قوله تعالى‪) :‬وَإ َِذا َ‬ ‫َواقْت َرِ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مُنوا ِبي‬ ‫جيُبوا ِلي وَلي ُؤْ ِ‬ ‫ست َ ِ‬‫ن فلي َ ْ‬ ‫عا ِ‬‫داِع إ َِذا د َ َ‬ ‫ب د َعْوَةَ ال ّ‬ ‫جي ُ‬ ‫بأ ِ‬ ‫ري ٌ‬ ‫عَّني فَإ ِّني ق ِ‬
‫َ‬
‫ن ( )البقرة ‪ .(186‬وهذا النوع قرب يقتضي إلطافه تعالى‬ ‫دو َ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ي َْر ُ‬‫ل َعَل ّهُ ْ‬
‫وإجابته لدعواتهم وتحقيقه لمراداتهم؛ ولهذا يقرن باسمه القريب اسمه‬
‫المجيب"‪[5].‬‬
‫ب ول يستغفر الله عّز وجل‬ ‫ف الذن َ‬ ‫وأعظم ما ُيصاب به العبد ُ حين يقتر ُ‬
‫ص‬
‫ق ُ‬ ‫ت وين ُ‬ ‫ن يزيد ُ بالطاعا ِ‬ ‫ن اليما َ‬ ‫ل السنةِ على أ ّ‬ ‫ن إيمانه‪ ،‬فقد أجمعَ أه ُ‬ ‫نقصا ُ‬
‫م البخاري رحمه الله في كتاب )اليمان( ترجمَته‬ ‫بالمعاصي‪ .‬حتى ترج َ‬
‫ً‬
‫ل ويزيد وينقص‪ ،‬قال الله تعالى‪) :‬ل ِي َْزداُدوا إيمانا مع‬ ‫ل وفع ٌ‬ ‫الوافية‪" :‬هو قو ٌ‬
‫دى(‪) [8]،‬والذين‬ ‫ه الذين اهْت َد َْوا هُ ً‬ ‫دى(‪) [7]،‬وَيزيد ُ الل ُ‬ ‫إيماِنهم(‪) [6]،‬وزِْدناهم هُ ً‬
‫مُنوا إيمانا(‪[10]،‬‬ ‫قواهم(‪) [9]،‬ويزداد َ الذين آ َ‬ ‫دى وآتاهم ت َ ْ‬ ‫اهْت َد َْوا زاَدهم هُ ً‬
‫مُنوا فزاد َْتهم إيمانا(‪ [11]،‬وقوله‬ ‫ه هذه إيمانا فأما الذين آ َ‬ ‫ً‬ ‫وقوله‪) :‬أّيكم زاد َت ْ ُ‬
‫م فزاَدهم إيمانا(‪ [12]،‬وقوله تعالى )وما زاَدهم إل إيمانا ً‬ ‫شوْهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ل ذِك ُْره‪) :‬فا ْ‬ ‫ج ّ‬
‫وتسليما(]‪[14]."[13‬‬ ‫ً‬
‫فالستغفار يتضمن شهادةَ العبدِ برحمةِ رب ّهِ وتوبته على عباده؛ واستحضاِره‬
‫ب عليه‬ ‫ي الله شعي ٌ‬ ‫ل نب ّ‬ ‫عباَده‪ ،‬كما قا َ‬ ‫قرَبه وإجابَته من دعاه‪،‬ورحمَته ومحب َّته ِ‬
‫م وَُدود ٌ ( )هود ‪0(90‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ن َرّبي َر ِ‬ ‫م ُتوُبوا ْ إ ِل َي ْهِ إ ِ ّ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫فُروا ْ َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫السلم‪َ) :‬وا ْ‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ث سي ّدِ الستغفار ُيدرك هذه الصلة الوثيقة بين ما بين‬ ‫ل في حدي ِ‬ ‫م َ‬‫ل المتأ ّ‬ ‫ولع ّ‬
‫سّر الوعدِ‬ ‫الدعية والذكار وبين الصول العقدّية والمعاني اليمانّية؛ وهذا ِ‬
‫ت يقوُلها العبد ُ يسيرةٍ في حروِفها ومبانيها كبيرةٍ في ُروحها‬ ‫بالجّنة لكلما ٍ‬
‫ومعانيها‪ ،‬فقد روى البخاري رحمه الله في كتاب )الدعوات( باب )أفضل‬
‫داد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه‬ ‫الستغفار( حديث ش ّ‬
‫م أنت رّبي ل إله إل أنت‪ ،‬خلقَتني‬ ‫وسلم قال‪) :‬سي ّد ُ الستغفار أن تقول‪ :‬الله ّ‬
‫ت‪،‬‬‫ت؛ أعوذ بك من شّر ما صنع ُ‬ ‫دك ما استطع ُ‬ ‫دك ووع ِ‬ ‫دك‪ ،‬وأنا على عه ِ‬ ‫وأنا عب ُ‬
‫ب إل أنت‪.‬‬ ‫ي‪ ،‬وأبوء بذنبي؛ فاغفر لي؛ فإنه ل يغفر الذنو َ‬ ‫أبوء لك بنعمِتك عل ّ‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن ُيمسي؛ فهو من‬
‫ن بها فمات قبل أن ُيصبح؛ فهو من‬ ‫أهل الجّنة‪ ،‬ومن قالها من الليل وهو موق ٌ‬
‫أهل الجنة(‪[15].‬‬
‫ن به جل‬ ‫ن الظ ّ‬ ‫حس ِ‬ ‫ل على إظهارِ الرجاِء في الله عز وج ّ‬
‫لو ُ‬ ‫فالستغفاُر يشتم ُ‬
‫جلله؛ وهذه المعاني ظاهرةٌ في أذكار الستغفار‪ ،‬كما روى الترمذي عن أنس‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم يقول‪) :‬قال‬ ‫ت رسو َ‬ ‫رضي الله عنه قال‪ :‬سمع ُ‬
‫ت لك ما كان منك ول‬ ‫ن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني؛ غفر ُ‬ ‫الله تعالى‪ :‬يا اب َ‬
‫ت لك ما‬ ‫ن السماء ثم استغفرتني غفر ُ‬ ‫ت ذنوُبك عنا َ‬ ‫ن آدم لو بلغ ْ‬ ‫أبالي‪ ،‬يا اب َ‬
‫ن آدم إنك لو أتيتني بقراب الرض خطايا ثم لقيتني ل‬ ‫َ‬ ‫اب‬ ‫يا‬ ‫أبالي‪،‬‬ ‫ول‬ ‫كان منك‬
‫ة(‪.‬‬ ‫تشرك بي شيئا ً لتيتك بقرابها مغفر ً‬
‫وقد أحسن التعبيَر عن هذا المعنى يحيى بن معاذ رحمه الله حين قال‪" :‬يكاد‬
‫لك رجائي مع الذنوب يغلب رجائي لك مع العمال! لّني أجدني أعتمد في‬
‫فيها وأحزرها وأنا بالفات معروف؟! وأجدني‬ ‫العمال على الخلص وكيف أص ّ‬
‫وك وكيف ل تغفرها وأنت بالجود موصوف؟!"‪].‬‬ ‫في الذنوب أعتمد على عف ِ‬
‫‪[16‬‬
‫ث‬‫حه الجامع‪ ،‬وهو آخُر حدي ٍ‬ ‫م البخاريّ به صحي َ‬ ‫وأما حديث أبي هريرة الذي خت َ‬
‫في كتاب )التوحيد(‪ ،‬فهو ناطقٌ بهذا المعنى حيث قال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪) :‬كلمتان خفيفتان على الّلسان‪ ،‬ثقيلتان في الميزان‪ ،‬حبيبتان إلى‬
‫الرحمن‪ :‬سبحان اللهِ وبحمده‪ ،‬سبحان الله العظيم(‪ .‬وقد ذكَر الحافظ ابن‬
‫ل‬
‫م في فض ِ‬ ‫ذكر‪ ،‬وقد تقد ّ َ‬ ‫ن من فوائد الحديث "الحث على إدامة هذا ال ّ‬ ‫حجر أ ّ‬
‫ث آخر لفظه‪) :‬من قال‪ :‬سبحان‬ ‫التسبيح من وجهٍ آخر عن أبي هريرة حدي ٌ‬
‫ت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد‬ ‫حط ّ ْ‬ ‫ة؛ ُ‬ ‫الله وبحمده في يوم ٍ مائة مّر ٍ‬
‫مت‬ ‫البحر(‪ ،‬وإذا ثبت هذا في قول )سبحان الله وبحمده( وحدها؛ فإذا انض ّ‬
‫إليها الكلمة الخرى فالذي يظهر أنها تفيد تحصيل الثواب الجزيل المناسب‬
‫ن من قال الكلمة الولى وليست له خطايا مثل ً فإنه يحصل له من‬ ‫لها‪ ،‬كما أ ّ‬
‫الثواب ما يوازن ذلك"‪[17].‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ة‬
‫ة نفيس ً‬ ‫م في كتاب )الدعوات( ترجم ً‬ ‫ي؛ فقد ترج َ‬ ‫م البخار ّ‬ ‫حم الله الما َ‬ ‫وَر ِ‬
‫فُروا‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫تا ْ‬ ‫قل ُ‬‫ْ‬ ‫ة بهذا الغرض‪)] :‬باب أفضل الستغفار‪ ،‬وقوله تعالى‪) :‬فَ ُ‬ ‫وافي ً‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ل وَب َِني َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫م ب ِأ ْ‬ ‫مدِد ْك ْ‬ ‫مد َْرارا ‪ .‬وَي ُ ْ‬ ‫ماء عَلي ْكم ّ‬ ‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫س ِ‬‫فارا ‪ .‬ي ُْر ِ‬ ‫ن غَ ّ‬ ‫ه كا َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫َرب ّك ُ ْ‬
‫ن إ َِذا فَعَُلوا ْ‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬ ‫م أن َْهارا ً ( )نوح ‪َ) ،(12-10‬وال ّ ِ‬ ‫جَعل ل ّك ُ ْ‬ ‫ت وَي َ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫جَعل ل ّك ُ ْ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫من ي َغْ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فُروا ل ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬‫ست َغْ َ‬ ‫ه َفا ْ‬ ‫م ذ َكُروا الل َ‬ ‫سهُ ْ‬
‫ف َ‬ ‫موا أن ْ ُ‬ ‫ة أوْ ظل ُ‬ ‫ش ً‬ ‫ح َ‬ ‫َفا ِ‬
‫ن ( )آل عمران ‪.[(135‬‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫م ي َعْل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ما فعَلوا وَهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صّروا عَلى َ‬ ‫ْ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫َ‬
‫ه وَل ْ‬ ‫ّ‬
‫إ ِل ّ الل ُ‬
‫ب التوبة‬ ‫ح له من أبوا ِ‬ ‫ده خيرا ً فت َ‬ ‫قال ابن القّيم رحمه الله‪" :‬إذا أراد الله بعب ِ‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ق اللجوء إليه‪ ،‬ودوام ِ‬ ‫ل والفتقار والستعانة وبه وصد ِ‬ ‫والندم ِ والنكسارِ والذ ّ ّ‬
‫التضرع والدعاء والتقرب إليه بما أمكن من الحسنات؛ ما تكون تلك السيئة‬
‫ه! وهذا معنى‬ ‫ُ‬
‫ه ولم أوقِعْ ُ‬ ‫ه؛ حتى يقول عدوّ الله‪ :‬ليتني تركت ُ ُ‬ ‫به سبب رحمت ِ ِ‬
‫ب يدخل به الجّنة! ويعمل الحسنة‬ ‫َ‬ ‫الذن‬ ‫ليعمل‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫العب‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ف‪:‬‬
‫ِ‬ ‫السل‬ ‫ض‬‫ل بع ِ‬ ‫قو ِ‬
‫ب عينيهِ خائفا ً‬ ‫يدخل بها النار! قالوا‪ :‬كيف؟ قال‪ :‬يعمل الذنب؛ فل يزال نص َ‬
‫س بين يديه‬ ‫س الرأ ِ‬ ‫حيا ً من رب ّهِ تعالى ناك َ‬ ‫مست َ ِ‬ ‫جل ً باكيا ً نادما ً ُ‬ ‫فقا ً وَ ِ‬ ‫مش ِ‬ ‫منه ُ‬
‫ت كثيرةٍ بما ترتب‬ ‫ب أنفعَ له من طاعا ٍ‬ ‫سَر القلب له؛ فيكون ذلك الذن ُ‬ ‫منك ِ‬
‫ب‬
‫ه؛ حتى يكون ذلك الذن ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫عليه من هذه المور التي بها سعادةُ العبد وفل ُ‬
‫ن بها على رب ّهِ ويتكب ُّر بها‪،‬‬ ‫م ّ‬ ‫لي ُ‬ ‫ة؛ فل يزا ُ‬ ‫ب دخول ِهِ الجنة! ويفعل الحسن َ‬ ‫سب َ‬
‫ه من‬ ‫ت؛ فُيورِث ُ ُ‬ ‫ت وفعل ُ‬ ‫ب بها ويستطيل بها‪ ،‬ويقول‪ :‬فعل ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ه وُيع َ‬ ‫س ُ‬‫ويرى نف َ‬
‫ه تعالى‬ ‫ه؛ فإذا أراد الل ُ‬ ‫ب هلك ِ ِ‬ ‫ب والك ِب ْرِ والفخر والستطالة؛ ما يكون سب َ‬ ‫ج ِ‬ ‫العُ ْ‬
‫سه‬ ‫ه وُيصغُّر به نف َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ل به عُن ُ َ‬ ‫بهذا المسكين خيرا ابتله بأمرٍ يكسُرهُ بهِ وي ُذِ ّ‬ ‫ً‬
‫ب‬‫ج ُ‬ ‫مو ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ه؛ وهذا هو الخذل ُ‬ ‫ه وك ِب َْر ُ‬ ‫عجب َ ُ‬‫عنده! وإذا أراد به غيَر ذلك؛ خله و ُ‬
‫ه"!]‪[18‬‬ ‫لهلك ِ ِ‬
‫الستغفار توحيد وتمجيد‪:‬‬
‫َلما كان الدعاُء قائما ً على توحيدِ الله عّز وجل وإظهارِ الذل والفتقارِ إلى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الله؛ فقد نادى أيوب عليه السلم‪) :‬أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين(]‬
‫فقرِ والفاقةِ إلى رّبه‬ ‫‪ [19‬و"جمع في هذا الدعاِء بين حقيقةِ التوحيدِ وإظهارِ ال َ‬
‫م‬‫ح ُ‬ ‫ق له‪ ،‬والقرارِ له بصفةِ الرحمةِ وأنه أر َ‬ ‫ّ‬
‫وُوجودِ طعم ِ المحبةِ في التمل ِ‬
‫ره‪ .‬ومتى وجد‬ ‫ل إليه بصفاِته سبحانه وشدةِ حاجِته هو وَفق ِ‬ ‫س ِ‬ ‫الراحمين‪ ،‬والتو ّ‬
‫فت عنه بلواه‪ ،‬وقد جرب أنه من قالها سبعَ مرات ولسيما‬ ‫ش َ‬‫المبتلى هذا ك ُ ِ‬
‫ضّره"‪[20].‬‬ ‫ف الله ُ‬ ‫مع هذه المعرفة كش َ‬
‫مفَزعُ أعدائه وأوليائه‪ ،‬فأما‬ ‫حيد ُ َ‬ ‫ن القيم رحمه الله؛ حيث قال‪" :‬التو ِ‬ ‫ولله د َّر اب ِ‬
‫فلك دعوا الله‬ ‫ب الدنيا وشدائدها‪) ،‬فإذا ركبوا في ال ُ‬ ‫ُ‬
‫جيهم من كَر ِ‬ ‫أعداؤه فُين ِ‬
‫دين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون(‪ .‬وأما أولياؤه‬ ‫صين له ال ّ‬ ‫مخل ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫فينجيهم من كربات الدنيا والخرة وشدائدها؛ ولذلك فزعَ إليه يونس فنجاه‬ ‫ُ‬
‫ل فنجوا به مما عذب به‬ ‫الله من تلك الظلمات‪ ،‬وفزع إليه أتباعُ الّرس ِ‬
‫المشركون في الدنيا وما أعد ّ لهم في الخرة‪ .‬ولما فزعَ إليه فرعون عند‬
‫ن اليمان عند المعاَينة ل يقبل‪ ،‬هذه‬ ‫معاينة الهلك وإدراك الغرق لم ينفعه؛ ل ّ‬ ‫ُ‬
‫عباده؛ فما ُدفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد؛ ولذلك كان دعاُء‬ ‫ِ‬ ‫في‬ ‫الله‬ ‫ة‬‫ُ ُ‬ ‫سن‬
‫ج الله كرَبه‬ ‫ّ َ‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫إل‬ ‫ب‬ ‫َ ُ ٌ‬ ‫رو‬ ‫مك‬ ‫بها‬ ‫دعا‬ ‫ما‬ ‫التي‬ ‫النون‬ ‫ذي‬ ‫ُ‬ ‫ة‬ ‫ودعو‬ ‫بالتوحيد‪،‬‬ ‫ب‬‫ِ‬ ‫الكر‬
‫جي منها إل التوحيد؛‬ ‫ُْ ِ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ول‬ ‫شرك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫إل‬ ‫عظام‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ْ ِ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫يلقي‬ ‫ُ‬ ‫فل‬ ‫بالتوحيد؛‬
‫صُنها وِغياثها"‪[21].‬‬ ‫ْ‬ ‫ح‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫ملجؤها‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ليقة‬ ‫ِ‬ ‫مفَزعُ ال ْ َ‬
‫خ‬ ‫فهو َ‬
‫ف‬‫ل وَرجائه والخو ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫م ت َعِْبيرٍ عن السِتعانةِ بالله عّز و َ‬ ‫ن ُدعاَء الله تعالى أعظ ُ‬ ‫إ ّ‬
‫ة(]‬ ‫في ً‬‫خ ْ‬ ‫ضّرعا و ُ‬ ‫ً‬ ‫جيب َدعوة َ الداعي إذا َدعاه )ت َ َ‬ ‫منه؛ فهو )سميعُ الدعاء(]‪ [22‬ي ُ ِ‬
‫ن ت َْعبي ِرٍ عند‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫معًا(‪ [24].‬وقد عب َّر الطّيبي عن هذا المعنى أ ْ‬ ‫خوفا ً وط َ َ‬ ‫‪ [23‬و) َ‬
‫دعاُء هو إظهاُر‬ ‫ه‪" :‬ال ّ‬ ‫ب لكم( فقال رحمه الل ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫عوني ا ْ‬ ‫ل الله تعالى‪) :‬اد ْ ُ‬ ‫قو ِ‬
‫ت إل‬ ‫ت العبادا ُ‬ ‫رع ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫ل والفتقارِ إلى الله والستكانةِ إليه؛ وما ُ‬ ‫ّ‬
‫غايةِ التذل ِ‬
‫ن الذين‬ ‫ة بقوله تعالى‪) :‬إ ّ‬ ‫م الي َ‬ ‫خت َ َ‬ ‫خضوِع للباري وإظهارِ الفتقارِ إليه؛ ولهذا َ‬ ‫لل ُ‬
‫ل بالستكباِر‪,‬‬ ‫ّ‬
‫يستكبرون عن عبادتي( حيث عب َّر عن عَد َم ِ الخضوِع والتذل ِ‬
‫صغاَر‬ ‫جزاَء ذلك السِتكباَر وال ّ‬ ‫ل َ‬ ‫جع َ‬ ‫عبادتي( موضع )ُدعائي(‪ ,‬و َ‬ ‫ضع َ ) ِ‬ ‫ووَ َ‬
‫والَهوان"‪[25].‬‬
‫الستغفار استحضاٌر لمعاني العبودية‪:‬‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫معاني الُعبوديةِ لله‬ ‫م الستحضارِ ل ِ َ‬ ‫ن الذاكَر المستغفَر دائ ُ‬ ‫ن المؤم َ‬ ‫بأ ّ‬ ‫ول ري َ‬
‫من ُذنوِبه؛ اقتداًء برسول الله‬ ‫ب ِ‬ ‫ه وُينيب إليه‪ ،‬ويتو ُ‬ ‫فُر الل َ‬ ‫ل؛ فهو َيسَتغ ِ‬ ‫عَّز وج ّ‬
‫ت رسو َ‬
‫ل‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقد قال أبو هريرة رضي الله عنه‪ :‬سمع ُ‬
‫ب إليه في‬ ‫ه وأُتو ُ‬ ‫فُر الل َ‬ ‫ستغ ِ‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم يقول‪) :‬والله إّني ل ْ‬
‫ة(!]‪[26‬‬ ‫سبعين مّر ً‬ ‫من َ‬ ‫اليوم ِ أكثَر ِ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل الله عّز وجل‪) :‬كاُنوا قِليل ّ‬ ‫حم الله الرازي حيث قال في تفسيرِ قو ِ‬ ‫وَر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫مأ ّ‬ ‫ن ( )الذاريات ‪" :(18-17‬اعل ْ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫م يَ ْ‬ ‫حارِ هُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن ‪ .‬وَِبال ْ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ما ي َهْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫الل ّي ْ ِ‬
‫ل الُعبودية من‬ ‫حر له مزيد ُ أث َرٍ في قوةِ اليمان وفي كما ِ‬ ‫س َ‬ ‫الستغفاَر بال ّ‬
‫سحر يطلع نوُر الصبح بعد أن كانت الظلمة‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫وق‬ ‫في‬ ‫أن‬ ‫ه‪ :‬الول‪:‬‬ ‫جو ٍ‬ ‫وُ ُ‬
‫شاملة للكل؛ وبسبب طلوع نورِ الصبح كأن الموات يصيرون أحياء؛ فهناك‬
‫ن عند طلوِع صبِح العالم‬ ‫ض التام؛ فل يبعد أن يكو َ‬ ‫ت الجود العام والفي ِ‬ ‫وق ُ‬
‫ل الله تعالى في القلب‪.‬‬ ‫ح العال َم ِ الصغير‪ :‬وهو ظهوُر نورِ جل ِ‬ ‫الكبير يطلع صب ُ‬
‫ض العبد ُ عن تلك اللذةِ‬ ‫ت النوم؛ فإذا أعر َ‬ ‫ب أوقا ِ‬ ‫حر أطي ُ‬ ‫س َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ن وق َ‬ ‫والثاني‪ :‬أ ّ‬
‫ل على الُعبودية؛ كانت الطاعة أكمل"‪ [27].‬وقال البغوي رحمه الله‪:‬‬ ‫وأقب َ‬
‫ديك‪:‬‬ ‫جَز من هذا ال ّ‬ ‫ن أع َ‬ ‫ي ل تك ْ‬ ‫ن لقمان قال لبنه‪ :‬يا ب ُن َ ّ‬ ‫ي عن الحسن أ ّ‬ ‫حك ِ َ‬ ‫" ُ‬
‫شك"!]‪[28‬‬ ‫م على فرا ِ‬ ‫ت نائ ٌ‬ ‫وت بالسحارِ وأن َ‬ ‫ص ّ‬ ‫يُ َ‬
‫وروى البخاري رحمه الله عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله‬
‫جهلي‬ ‫ب اغفْر لي خطيئتي و َ‬ ‫عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء‪) :‬ر ّ‬
‫وإسرافي في أمري كله‪ ،‬وما أنت أعلم به مني‪ ،‬اللهم اغفْر لي خطاياي‬
‫ت وما‬ ‫دم ُ‬ ‫وعمدي وجهلي وهزلي؛ وكل ذلك عندي‪ ،‬اللهم اغفر لي ما ق ّ‬
‫خر؛ وأنت على كل‬ ‫دم وأنت المؤ ّ‬ ‫ت‪ ،‬أنت المق ّ‬ ‫ت وما أعل َن ْ ُ‬ ‫ت‪ ،‬وما أسَرْر ُ‬ ‫خر ُ‬ ‫أ ّ‬
‫ة‪) :‬اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطاياي‬ ‫شيء قدير(‪ [29].‬وفي رواي ٍ‬
‫مدي(‪[30].‬‬ ‫وع َ ْ‬
‫وقد روى البخاري رحمه الله عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال‬
‫عو به في صلتي‪ .‬قال‪:‬‬ ‫مني ُدعاًء أد ْ ُ‬ ‫ل الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬عَل ّ ْ‬ ‫لرسو ِ‬
‫فْر لي‬ ‫ب إل أنت؛ فاغ ِ‬ ‫ت نفسي ظلما كثيرا‪ ،‬ول يغفر الذنو َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ل اللهم إني ظلم ُ‬ ‫قُ ِ‬
‫دك‪ ،‬وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم(‪ [31].‬وقد روت عائشة]‬ ‫من عن ِ‬ ‫مغفرةً ِ‬ ‫َ‬
‫ت‪ :‬اللهم‬ ‫ن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلء الدعوا ِ‬ ‫‪) [32‬أ ّ‬
‫من شّر‬ ‫ب القبرِ و ِ‬ ‫ب النار وفتنةِ القبر وعذا ِ‬ ‫من فتنةِ النارِ وعذا ِ‬ ‫فإني أعوذ ُ بك ِ‬
‫من شّر ِفتنةِ المسيح الدجال؛‬ ‫ر‪ ،‬وأعوذ ُ بك ِ‬ ‫من شّر ِفتنةِ الفق ِ‬ ‫ِفتنةِ الغَِنى و ِ‬
‫ت‬ ‫قي َ‬ ‫من الخطايا كما ن َ ّ‬ ‫خطاياي بماِء الثلِج والب ََرد‪ ،‬ون َقّ قلبي ِ‬ ‫ل َ‬ ‫س ْ‬ ‫اللهم اغْ ِ‬
‫ق‬‫ت بين المشر ِ‬ ‫عد ْ بيني وبين خطاياي كما باعَد ْ َ‬ ‫من الد َّنس‪ ،‬وبا ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ب البي َ‬ ‫الثو َ‬
‫ْ‬
‫م(‪[33].‬‬ ‫ل والهََرم ِ والمأث َم ِ والمْغر ِ‬ ‫من الكس ِ‬ ‫ب‪ ،‬اللهم فإني أعوذ بك ِ‬ ‫والمغر ِ‬
‫وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله‪" :‬اسُتشك ِل دعاؤه صلى الله عليه وسلم‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ة‪ ،‬أحدها‪:‬‬ ‫ب بأجوب ٍ‬ ‫جي َ‬ ‫خَر؟ وأ ِ‬ ‫دم وما تأ ّ‬ ‫مغفوٌر له ما تق ّ‬ ‫م َ‬ ‫معصو ٌ‬ ‫بما ذ ُك َِر مع أنه َ‬
‫مِته؛ فيكون المعنى‬ ‫ُ‬ ‫ن المراد َ السؤا ُ‬
‫ل منه ل ّ‬ ‫م لمته‪ ،‬ثانيها‪ :‬أ ّ‬ ‫أنه قصد َ التعلي َ‬
‫م‬
‫ضِع وإظهاُر الُعبوديةِ وإلزا ُ‬ ‫ق التوا ُ‬ ‫ك طري ِ‬ ‫سلو ُ‬ ‫هنا‪ :‬أعوذ بك لمتي‪ ،‬ثالثها‪ُ :‬‬
‫ره في الرغبةِ إليه‪ ،‬ول يمتنع‬ ‫م ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫مه والفتقارِ إليه وامتثا ِ‬ ‫ف اللهِ وإعظا ِ‬ ‫خو ِ‬ ‫َ‬
‫ت ويرفع الدرجات‪.‬‬ ‫ل الحسنا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ق الجابة؛ لن ذلك ي ُ َ‬ ‫ب مع تحق ِ‬ ‫تكراُر الطل ِ‬
‫ق المغفرةِ ل يترك‬ ‫ق ِ‬ ‫مع تح ّ‬ ‫ملَزمةِ ذلك؛ لنه إذا كان َ‬ ‫مِته على ُ‬ ‫ضل ّ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫وِفيهِ ت َ ْ‬
‫حَرى بالملَزمة"‪[34].‬‬ ‫ققْ ذلك أ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن لم ي َت َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫التضرع؛ ف َ‬
‫شي َِته‪:‬‬ ‫خ ْ‬ ‫لو َ‬ ‫ل معرفةِ الله عّز وج ّ‬ ‫الستغفار دلي ُ‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن مسعود رضي الله عنه خيَر تعِبيرٍ فيما رواه البخاري‬ ‫وقد عّبر عن ذلك اب ُ‬
‫عد ٌ‬‫ن يرى ُذنوَبه كأنه قا ِ‬ ‫ن المؤم َ‬ ‫ن مسعوٍد‪) :‬إ ّ‬ ‫ل اب ِ‬ ‫في )كتاب اليمان( من قو ِ‬
‫فه‬ ‫مّر على أن ْ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫جَر يرى ذنوَبه كذبا ٍ‬ ‫ن الفا ِ‬ ‫ف أن يقعَ عليه‪ ،‬وإ ّ‬ ‫ل يخا ُ‬ ‫جب ٍ‬ ‫تحت َ‬
‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ذلك‬ ‫في‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫"السب‬ ‫الله‪:‬‬ ‫رحمه‬ ‫مرة‬ ‫ج‬
‫َ ْ‬ ‫أبي‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫اب‬ ‫قال‬ ‫[‬ ‫‪35‬‬ ‫هكذا(‪].‬‬ ‫به‬ ‫فقال‬
‫م المُر‬ ‫ور به قلُبه عَظ ُ َ‬ ‫ف ما ُين ّ‬ ‫سه ما يخال ِ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫من ن َ ْ‬ ‫من َوٌّر؛ فإذا رأى ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ب المؤم ِ‬ ‫قل َ‬
‫ب‬ ‫ل التسب ّ ُ‬ ‫من المهِلكات قد يحص ُ‬ ‫غيَره ِ‬‫ن َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫ل بالجب ِ‬ ‫ة في التمثي ِ‬ ‫عليه! والحكم ُ‬
‫ة‪.‬‬
‫ص ل ينجو منه عاد ً‬ ‫ف الجبل إذا سقط على الشخ ِ‬ ‫ة‪ ،‬بخل ِ‬ ‫إلى النجاةِ منه عاد ً‬
‫ن‬ ‫ده من اليمان؛ فل يأم ُ‬ ‫وة ما عن َ‬ ‫ب عليه الخوف؛ لق ّ‬ ‫ن يغل ُ‬ ‫ن المؤم َ‬ ‫وحاصُله أ ّ‬
‫ف والمراقبةِ يستصغُر عمَله‬ ‫ن المسلم أنه دائم الخو ِ‬ ‫ة بسبِبها‪ .‬وهذا شأ ُ‬ ‫الُعقوب َ‬
‫يء"‪ [36].‬وقال المحب الطبري رحمه‬ ‫مِله الس ّ‬ ‫صغيرِ عَ َ‬ ‫من َ‬ ‫الصالح‪ ،‬ويخشى ِ‬
‫عقوب َِته؛ لنه‬ ‫من ُ‬ ‫من اللهِ و ِ‬ ‫خوِفه ِ‬ ‫ن؛ ِلشدةِ َ‬ ‫ة المؤم ِ‬ ‫صف ُ‬ ‫الله‪" :‬إنما كانت هذه ِ‬
‫ة‬
‫ل المعرف ِ‬ ‫جُر قلي ُ‬ ‫ن من المغفرة‪ ,‬والفا ِ‬ ‫ن من الذنب‪ ,‬وليس على َيقي ٍ‬ ‫على يقي ٍ‬
‫صية"]‪[37‬‬ ‫ن بالمع ِ‬ ‫خوُفه واستها َ‬ ‫ل َ‬ ‫بالله؛ فَِلذلك قَ ّ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ن إ َِذا‬ ‫ذي َ‬ ‫حم الله القرطبي حيث قال في تفسير قول الله عز وجل‪َ) :‬وال ّ ِ‬ ‫وَر ِ‬
‫فُر‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فَعَُلوا فا ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫من ي َغْ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فُروا ل ِذُنوب ِهِ ْ‬ ‫ست َغْ َ‬ ‫ه فا ْ‬ ‫م ذكُروا الل َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬‫موا أن ْ ُ‬ ‫ة أوْ ظل ُ‬ ‫حش ً‬
‫ن ( )آل عمران ‪(135‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬ ‫ما فَعَُلوا ْ وَهُ ْ‬ ‫صّروا ْ عََلى َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ه وَل َ ْ‬ ‫ب إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫الذ ُّنو َ‬
‫ه( أي‪ :‬ليس أحد ٌ يغفر المعصية ول‬ ‫ب إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫من ي َغْ ِ‬ ‫"قوله تعالى ‪)):‬وَ َ‬
‫صّروا ْ عََلى‬ ‫م يُ ِ‬ ‫صّروْا( أي‪ :‬ولم يثبتوا ويعزموا )وَل َ ْ‬ ‫م يُ ِ‬‫قوبَتها إل الله )وَل َ ْ‬ ‫يزيل ع ُ ُ‬
‫ن( وقال مجاهد أي ولم يمضوا‪ ...‬الصرار هو العزم‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬ ‫ما فَعَُلوا ْ وَهُ ْ‬ ‫َ‬
‫صّر الدنانير‪ :‬أي الربط عليها‪...‬‬ ‫َ‬ ‫ومنه‬ ‫عنه‪،‬‬ ‫القلع‬ ‫وترك‬ ‫المر‬ ‫على‬ ‫بالقلب‬
‫قال سهل بن عبد الله‪ :‬الصرار هو التسويف‪ ،‬والتسويف‪ :‬أن يقول‪ :‬أتوب‬
‫غدا‪ ،‬وهذا دعوى النفس كيف يتوب غدا وغدا ل يملكه سهل؟!‪ ...‬قال‬
‫علماؤنا‪ :‬الباعث على التوبة وحل الصرار إدامة الفكر في كتاب الله العزيز‬
‫الغفار وما ذكره الله سبحانه من تفاصيل الجنة ووعد به المطيعين وما وصفه‬
‫من عذاب النار وتهدد به العاصين ودام على ذلك حتى قوي خوفه ورجاؤه‬
‫ف والرجاء‪ ،‬يخاف من‬ ‫فدعا الله َرغبا ً وَرهبًا‪ ،‬والرغبة والرهبة ثمرةُ الخو ِ‬
‫ث على ذلك‬ ‫ن الباع َ‬ ‫العقاب ويرجو الثواب والله الموفق للصواب‪ .‬وقد قيل‪ :‬إ ّ‬
‫م‬ ‫سمو ٌ‬ ‫ضَرِرها؛ إذ هي ُ‬ ‫بو َ‬ ‫قبِح الذنو ِ‬ ‫ي ُينّبه به من أراد سعادَته ل ِ ُ‬ ‫ه إَله ّ‬ ‫تنبي ٌ‬
‫ن ل يتفكُر في‬ ‫َ‬ ‫النسا‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫فإ‬ ‫المعنى‬ ‫في‬ ‫ل‬ ‫اللفظ‬ ‫في‬ ‫خلف‬ ‫وهذا‬ ‫قلت‪:‬‬ ‫ة‪.‬‬ ‫َ‬
‫مهل ِ ٌ‬‫ك‬ ‫ُ‬
‫سه؛‬ ‫ِ‬ ‫نف‬ ‫إلى‬ ‫تعالى‬ ‫الله‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫بتوفي‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫العب‬ ‫نظر‬ ‫فإذا‬ ‫هه؛‬ ‫ِ‬ ‫بتنبي‬ ‫إل‬ ‫ده‬ ‫عي‬
‫َ ِ ِ‬ ‫و‬ ‫و‬ ‫الله‬ ‫د‬
‫َ ِ‬‫وع‬
‫م على ما‬ ‫ُ‬ ‫الند‬ ‫منه‬ ‫ث‬ ‫َ‬ ‫وانبع‬ ‫فها‬ ‫َ‬ ‫اقتر‬ ‫ت‬ ‫ٍ‬ ‫وسيئا‬ ‫بها‬ ‫َ‬ ‫اكتس‬ ‫ب‬‫ٍ‬ ‫بذنو‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫مشحون‬ ‫فوجدها‬
‫ب؛ فإن‬ ‫ٌ‬ ‫تائ‬ ‫أنه‬ ‫عليه‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫صد‬ ‫تعالى‬ ‫الله‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫عقوب‬ ‫ُ‬ ‫ة‬‫َ‬ ‫مخاف‬ ‫سبق‬ ‫ما‬ ‫ط وترك مثل‬ ‫فر َ‬
‫ب الهَلكة‪ ،‬قال سهل بن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ملِزما لسبا ِ‬ ‫ً‬ ‫صرا على المعصية و ُ‬ ‫ّ‬ ‫م ِ‬ ‫لم يكن كذلك كان ُ‬
‫ب عن الطعام والشراب كالثلثة الذين‬ ‫عبد الله‪ :‬علمة التائب أن يشغله الذن ُ‬
‫خّلفوا"‪[38].‬‬ ‫ُ‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الثمار النفسية للستغفار‪:‬‬
‫درات‪:‬‬ ‫فَتن والمك ّ‬ ‫من آثارِ السِتغفارِ النجاة ُ من ال ِ‬
‫هّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬ ‫ن يحفظ النسان‪ ،‬كما قال الله عّز وجل‪ ) :‬وَ َ‬ ‫فالسِتغفاُر أما ٌ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ( )النفال ‪(33‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫معَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫ما كا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ت ِفيهِ ْ‬ ‫م وَأن َ‬ ‫ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ‬
‫ب‬
‫صي ُ‬ ‫معوّذ َت َْين‪" :‬الشّر الذي ي ُ ِ‬ ‫ْ‬
‫سيرِ ال ُ‬ ‫ن القيم حيث قال في تف ِ‬ ‫م الله اب َ‬ ‫ح َ‬ ‫‪0‬وَر ِ‬
‫ب عليها؛ فيكون ُوقوعُ‬ ‫َ‬
‫ت منه؛ ُيعاق ُ‬ ‫ب وَقعَ ْ‬ ‫َ‬ ‫مين‪ :‬إما ُذنو ٌ‬ ‫العبد ُ ل يخلو من قس َ‬ ‫ُ‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م‬
‫موجباِتها وهو أعظ ُ‬ ‫بو ُ‬ ‫ن هذا الشّر هو الذنو َ‬ ‫سعِيه؛ ويكو ُ‬ ‫ده و َ‬ ‫فعِْله وَقص ِ‬ ‫ذلك ب ِ ِ‬
‫ره‪...‬‬ ‫َ‬
‫من غي ِ‬ ‫دهما اتصال بصاحِبه؛ وإما شّر واقِعٌ به ِ‬ ‫ش ّ‬‫مهما وأ َ‬ ‫شّرين وأد ْوَ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ظ‬
‫جزِ لف ٍ‬ ‫ّ‬
‫من هذه الشرورِ كلها بأو َ‬ ‫ت هاتان السورتان السِتعاذة َ ِ‬ ‫من َ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫فت َ َ‬
‫من الشرورِ إل‬ ‫ّ ِ‬ ‫ر‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ق‬
‫َ َ‬ ‫يب‬ ‫لم‬ ‫بحيث‬ ‫ة؛‬‫ً‬ ‫استعاذ‬ ‫مه‬‫َ ّ‬ ‫ع‬ ‫وأ‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫المرا‬ ‫على‬ ‫ّ‬
‫له‬ ‫َ‬ ‫د‬‫وأ‬ ‫عه‬ ‫ج َ ِ‬‫م‬ ‫وأ ْ‬
‫مَنت السِتعاذةَ‬ ‫سورة )الفلق( تض ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫ل تحت الشّر المستعاذ ِ منه فيهما؛ فإ ّ‬ ‫خ َ‬ ‫دَ َ‬
‫شّر‬‫عموما‪ ،‬الثاني‪َ :‬‬ ‫شّر ُ‬ ‫ة‪ :‬أحدها‪ :‬شر المخلوقات التي لها َ‬ ‫مورٍ أربع ٍ‬ ‫من أ ُ‬ ‫ِ‬
‫سدِ إذا‬ ‫شّر الحا ِ‬ ‫د‪ ،‬الرابع‪َ :‬‬ ‫ق ِ‬
‫ت في العُ َ‬ ‫فاثا ِ‬ ‫شّر الن ّ ّ‬ ‫سق إذا وََقب‪ ،‬الثالث‪َ :‬‬ ‫الغا ِ‬
‫سد"‪[39].‬‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫الستغفار استقرار نفسي‪:‬‬
‫من َنفِعه؛‬ ‫ب ِ‬‫ضّره أْقر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ل على َ‬ ‫ض عن َرحمةِ رّبه وأقب َ‬ ‫ن من أعَر َ‬ ‫بأ ّ‬ ‫ل ري َ‬
‫ة إليه‬‫ة والناب َ‬ ‫ل على اللهِ واستغفاَره والتوب َ‬ ‫مها لذةَ القبا ِ‬ ‫سه وحر َ‬ ‫م نف َ‬ ‫فقد ظل َ‬
‫ل على الله‪ ،‬وفيه‬ ‫مه إل القبا ُ‬ ‫ُ‬
‫ث ل يل ّ‬ ‫شعَ ٌ‬ ‫ب َ‬ ‫ديه؛ "ففي القل ِ‬ ‫والسِتسلم ِ بين ي َ‬
‫هبه إل السروُر‬ ‫ن ل ُيذ ِ‬ ‫حز ٌ‬ ‫س به في خلوته‪ ،‬وفيه ُ‬ ‫ُ‬
‫ة ل ُيزيلها إل الن ُ‬ ‫حش ٌ‬ ‫وِ ْ‬
‫فراُر منه‬ ‫ّ‬
‫معاملِته‪ ،‬وفيه قلقٌ ل ُيسكنه إل الجتماعُ عليه وال ِ‬ ‫َ‬ ‫بمعرفته وصدقُ ُ‬
‫ره وَنهِيه وقضائه‪ ،‬ومعانقة‬ ‫ت ل ُيطفئها إل الّرضا بأم ِ‬ ‫حسرا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫إليه‪ ،‬وفيه نيرا ُ‬
‫ب شديد ٌ ل يقف دون أن يكون هو‬ ‫الصبر على ذلك إلى وقت لقائه‪ ،‬وفيه طل ٌ‬
‫دها إل محّبته والنابة إليه ودوام ذكره‪ ،‬وصدق‬ ‫ة ل يس ّ‬ ‫مطُلوَبه‪ ،‬وفيه فاق ٌ‬ ‫ده َ‬ ‫وح َ‬
‫ة منه أبدا"! ]مدارج‬ ‫الخلص له؛ ولو أعطي الدنيا وما فيها لم ُتسد ّ تلك الفاق ُ‬ ‫ُ‬
‫السالكين لبن القّيم ‪.[3/164‬‬
‫الستغفار سعادة ورضوان‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ن العزيزِ الغفار‪ ،‬ويا فوَز‬ ‫ب رضوا ِ‬ ‫ح له با ُ‬ ‫من هُدِيَ إلى الستغفاِر؛ فقد فُت ِ َ‬ ‫ف َ‬
‫سهم ويعترفون بذنوِبهم؛‬ ‫ف َ‬ ‫سُبون أن ُ‬ ‫قين الخيارِ الذين ُيحا ِ‬ ‫فرين الموفّ ِ‬ ‫المستغ ِ‬
‫ل والنكساَر والفتقاَر‬ ‫َ‬ ‫جب له الذ ّ‬ ‫ل ُتو ِ‬ ‫س والعم ِ‬ ‫ب النف ِ‬ ‫عي ِ‬ ‫ة َ‬ ‫مطالع َ‬ ‫ن" ُ‬ ‫ذلك أ ّ‬
‫ل منه‬ ‫ب دخ َ‬ ‫ب با ٍ‬ ‫مفِلسا‪ ،‬وأقر ُ‬ ‫ً‬ ‫سه إل ُ‬ ‫ت؛ وأن ل يرى نف َ‬ ‫ل َوق ٍ‬ ‫ة في ك ّ‬ ‫والتوب َ‬
‫سهِ حال ً ول مقاما ً ول سببا ً‬ ‫العبد ُ على الله تعالى هو الفلس؛ فل يرى لنف ِ‬
‫ب الفتقاِر‬ ‫من با ِ‬ ‫ل على اللهِ تعالى ِ‬ ‫ن بها! بل يدخ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ة منه ي َ ُ‬ ‫سيل ً‬ ‫يتعّلق به ول وَ ِ‬
‫ة قلَبه؛ حتى‬ ‫فقُر والمسكن ُ‬ ‫سَر ال َ‬ ‫من قد ك َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫خو َ‬ ‫ض دُ ُ‬ ‫س المح ِ‬ ‫ف والفل ِ‬ ‫صر ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ل كلّ‬ ‫من ك ّ‬ ‫ه الكسرة ُ ِ‬ ‫ملت ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ش َ‬ ‫صدعَ و َ‬ ‫سوَْيدائه؛ فان ْ َ‬ ‫سرة ُ إلى ُ‬ ‫َ‬
‫ت تلك الك ْ‬ ‫صل ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ن في‬ ‫ّ‬ ‫وأ‬ ‫إليه‪،‬‬ ‫ه‬
‫ِ ِ‬ ‫ر‬‫فق‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫ِ ِ‬ ‫ت‬ ‫فاق‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫وكما‬ ‫ل‪،‬‬‫ّ‬ ‫وج‬ ‫ز‬ ‫ع‬
‫ّ ِ ّ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫إلى‬ ‫ته‬
‫َ‬ ‫ضرور‬ ‫ِ َ َ‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫و‬ ‫ه‪،‬‬‫ِ ِ‬ ‫ت‬ ‫جها‬
‫ة إلى رب ّهِ تبارك‬ ‫ً‬ ‫كامل‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫وضرور‬ ‫ة‪،‬‬ ‫م‬
‫ً ّ ً‬‫تا‬ ‫ة‬‫فاق‬ ‫والباطنة‬ ‫الظاهرة‬ ‫ه‬ ‫ت‬
‫ّ ِ ِ‬ ‫را‬ ‫ذ‬ ‫من‬ ‫ل ذَ ّ ٍ‬
‫ة‬ ‫ر‬ ‫ك ّ‬
‫ن‬ ‫خسارةً ل ُتجب َُر؛ إل أ ْ‬ ‫سَر َ‬ ‫خ ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن هَل َ َ‬ ‫ة عي ٍ‬ ‫ن َتخّلى عنه طرف َ‬ ‫وتعالى‪ ،‬وأنه إ ْ‬
‫من‬ ‫ب ِ‬ ‫ه؛ ول طريقَ إلى الله تعالى أْقر َ‬ ‫كه ب َِرحمت ِ ِ‬ ‫يعود َ الله تعالى عليه وي ََتداَر َ‬
‫من الدعوى!"]‪[40‬‬ ‫ظ ِ‬ ‫غل َ‬‫بأ ْ‬ ‫حجا َ‬ ‫الُعبودّية‪ ،‬ول ِ‬
‫بيان القرآن أن الذنوب سبب الهزائم والمصائب‪:‬‬
‫ب المسِلمين في‬ ‫مصا َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م المعركة لم ي َعُْز القرآ ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫خ َ‬ ‫ضع الحرب وفي ِ‬ ‫ففي وَ ْ‬
‫دد! بل إلى‬ ‫ُ‬
‫ف العُ َ‬ ‫ضع ِ‬ ‫ط العسكرية ول إلى قلةِ العَد َدِ و َ‬ ‫حد( إلى الخط ِ‬ ‫غزوة )أ ُ‬
‫سبب‬ ‫السباب النفسية؛ فقد جاءت الجابة على استفهام الصحابة عن َ‬
‫ة قد‬ ‫صيب ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ما أصاب َْتكم ُ‬ ‫ل‪) :‬أول َ ّ‬ ‫حد‪) :‬أّنى هذا(؟ بقول الله عّز وج ّ‬ ‫مصاِبهم في أ ُ‬ ‫ُ‬
‫سكم(!]‪[41‬‬ ‫ف ِ‬ ‫من عندِ أن ُ‬ ‫ل هو ِ‬ ‫مث ْليها قُلتم أّنى هذا قُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫صب ُْتم ِ‬ ‫أ َ‬
‫ب‬ ‫ً‬
‫ب ليس عسكريا محضا؛ بل هو سب ٌ‬ ‫فتلك هي الجابة الوافية الشافية؛ فالسب ُ‬
‫ْ‬
‫ي في الساس‪ .‬قال الطبري رحمه الله‪)" :‬قلُتم أّنى هذا(؟ يعني قلتم‬ ‫ُ‬ ‫س ّ‬ ‫نف ِ‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لما أصابتكم مصيبتكم بأحد‪ :‬أّنى هذا من أيّ وجهٍ هذا؟ ومن أين أصابنا هذا‬
‫الذي أصابنا ونحن مسلمون وهم مشركون؟ وفينا نبي الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يأتيه الوحي من السماء وعدونا أهل كفر بالله وشرك؟! قل يا محمد‬
‫للمؤمنين بك من أصحابك‪) :‬هو من عند أنفسكم( يقول‪ :‬قل لهم أصابكم هذا‬
‫ككم طاعتي ل من عند‬ ‫الذي أصابكم )من عند أنفسكم( بخلفكم أمري وت َْر ِ‬
‫سواكم"‪[42].‬‬ ‫ل أحد ٍ ِ‬ ‫ركم ول من قِب َ ِ‬ ‫غي ِ‬
‫جل‬ ‫ن‪ ..‬ويجلب عليه المصائب والمتاعب‪ ..‬وُيع ّ‬ ‫ب هو الذي ُيردي النسا َ‬ ‫فالذن ُ‬
‫ذنِبه‬ ‫ذنا ب ِ َ‬
‫خ ْ‬‫ط الله وعقوبته‪ ،‬والعياذ بالله‪ ،‬فقد قال الله عّز وجل‪) :‬فكل أ َ‬ ‫بسخ ِ‬
‫فنا به‬ ‫س ْ‬ ‫خ َ‬‫من َ‬ ‫من أخذ َْته الصيحة ومنهم َ‬ ‫صبا ومنهم َ‬ ‫ً‬ ‫سلنا عليه حا ِ‬ ‫ْ‬ ‫من أْر َ‬ ‫منهم َ‬ ‫ف ِ‬
‫سهم‬ ‫ف َ‬ ‫مهم ولكن كانوا أن ُ‬ ‫ض ومنهم من أغَرْقنا وما كان الله لَيظل ِ َ‬ ‫الر َ‬
‫يظلمون(‪[43].‬‬
‫ن حال الثلثة من الصحابة‬ ‫فتن‪ ،‬وقد حكى القرآ ُ‬ ‫قي صاحَبه في ال ِ‬ ‫ب ُيل ِ‬ ‫والذن ُ‬
‫ت وضاقت عليهم‬ ‫حب َ ْ‬‫ض بما َر ُ‬ ‫)ضاقت عليهم الر ُ‬ ‫رضي الله عنهم الذين‬
‫سهم وظ ّّنوا أن ل ملجأ من اللهِ إل إليه(‪ [44]،‬قال ابن حجر رحمه الله‪:‬‬ ‫َ‬
‫ف ُ‬ ‫أن ُ‬
‫ن‬
‫جه اب ُ‬ ‫ن البصري على ذلك فيما أخر َ‬ ‫ه الحس ُ‬ ‫ة‪ ،‬وقد ن َب ّ َ‬ ‫م أمرِ المعصي ِ‬ ‫َ‬
‫عظ ُ‬ ‫"فيها ِ‬
‫ُ‬
‫فكوا‬ ‫س َ‬ ‫حراما ول َ‬‫ً‬ ‫ً‬
‫ة مال َ‬ ‫َ‬
‫ن الله! ما أكل هؤلء الثلث ُ‬ ‫َ‬ ‫سْبحا َ‬ ‫أبي حاتم عنه قال‪ :‬يا ُ‬
‫ض‬ ‫ُ‬ ‫الر‬ ‫يهم‬ ‫َ‬
‫ْ َ ْ‬‫ل‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫وضا‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ع‬
‫َ ِ ُْ ْ‬‫م‬ ‫س‬ ‫ما‬ ‫بهم‬ ‫َ‬ ‫أصا‬ ‫ض؛‬ ‫الر‬ ‫في‬ ‫دوا‬
‫س ُ‬ ‫حراما ً ول أفْ َ‬ ‫دما ً َ‬
‫ِ‬
‫ر؟!"‪[45].‬‬ ‫ش والكبائ ِ‬ ‫ح َ‬‫فوا ِ‬ ‫ن ُيواقِعُ ال َ‬ ‫م ْ‬
‫ف بِ َ‬‫ت؛ فكي َ‬ ‫حب َ ْ‬ ‫ِبما َر ُ‬
‫العمر ينقص والذنوب تزيد ** وتقال عثرات الفتى فيعوُد!‬
‫د** رجل جوارحه عليه شهوُد!‬ ‫ب واح ٍ‬ ‫هل يستطيع جحود ذن ٍ‬
‫د!]‪[46‬‬ ‫والمرء يسأل عن سنيه فيشتهي ** تقليلها وعن الممات يحي ُ‬
‫ف العظيمة‪ ،‬ويرغمه على‬ ‫ل بيَنه وبين الهدا ِ‬ ‫فالذنب ُيشقي صاحبه ويحو ُ‬
‫ل العرفان ومراقي السعود‪ ،‬كما قال الله عز وجل‪:‬‬ ‫ده عن مناز ِ‬ ‫القعود وُيبعِ ُ‬
‫)ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب‬
‫إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث(؛ فليس أضر على العبد من الذنب؛ فإنه‬
‫حه‪ ...‬ويضيق عليه أمره‪ ،‬وينغص عليه‬ ‫ده‪ ،‬ويقلق ُرو َ‬ ‫يخدش قلبه‪ ،‬وُيمرض جس َ‬
‫ق‬
‫حياته‪ ..‬فكما أن الطاعة راحة وسعادة ٌ وطمأنينة‪ ..‬فكذلك الذنب قلقٌ وضي ٌ‬
‫وشقاء‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ب‬ ‫ده أن يدّله على ذنِبه‪ ،‬وُيطل َِعه على عيِبه؛ لعله يتو ُ‬ ‫ومن توفيق الله لعب ِ‬
‫مُعون‬ ‫ج ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن العارِِفين كّلهم ُ‬ ‫ن القّيم حيث قال‪" :‬إ ّ‬ ‫م الله اب َ‬ ‫ح َ‬ ‫ويفيء إلى رّبه‪ .‬وَر ِ‬
‫سك‪ ،‬والخذلن‪ :‬أن ي َك َِلك الله‬ ‫ه تعالى إلى َنف ِ‬ ‫ك الل ُ‬ ‫ق‪ :‬أن ل ي َك ِل َ َ‬ ‫ن التوفي َ‬ ‫على أ ّ‬
‫ل والنكسارِ ودوام ِ‬ ‫ب الذ ُ ّ‬ ‫ح له با َ‬ ‫ه به خيرا ً فت َ‬ ‫سك؛ فمن أراد الل ُ‬ ‫تعالى إلى نف ِ‬
‫دواِنها‪،‬‬ ‫جهِْلها وعُ ْ‬ ‫سهِ و َ‬ ‫ب َنف ِ‬ ‫عيو ِ‬ ‫الّلجوِء إلى الله تعالى والفتقارِ إليه‪ ،‬ورؤيةِ ُ‬
‫ف‬‫ده‪ .‬فالعار ُ‬ ‫م ِ‬‫ح ْ‬
‫جودِهِ وبّرهِ وِغناه و َ‬ ‫مت ِهِ و ُ‬‫ح َ‬‫حسان ِهِ وَر ْ‬ ‫ل رب ّهِ وإ ْ‬ ‫هدةِ َفض ِ‬ ‫مشا َ‬ ‫و ُ‬
‫حْين؛ ل ُيمكنه أن يسيَر إل بهما؛ فمتى‬ ‫سائٌر إلى الله تعالى بين هذين الجنا َ‬
‫حْيه"‪[47].‬‬ ‫قد َ أحد َ جنا َ‬ ‫فاَته واحد ٌ منهما فهو كالطيرِ الذي ف َ‬
‫ُ‬
‫جد ُ ك ّ‬
‫ل‬ ‫ن قوَله في تفسيرِ قوله تعالى‪) :‬يو َ‬
‫م تَ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫م الله السعدي ما أ ْ‬ ‫ح َ‬
‫وَر ِ‬
‫ن ب َي َْنها وب َي َْنه‬ ‫سوٍء ت َوَد ّ لو أ ّ‬ ‫من ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫مل ْ‬ ‫َ‬ ‫ضرا وما عَ ِ‬ ‫ً‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬‫من خيرٍ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫َ‬
‫مل ْ‬ ‫س ما عَ ِ‬ ‫َنف ٍ‬
‫ذر العبد ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬
‫حْزِنها؛ فلي َ ْ‬ ‫شد ّةِ ُ‬‫فها و ِ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ة؛ ل ِعِظم ِ أ َ‬ ‫ة بعيد ً‬ ‫مساف ً‬ ‫مدا ً ب َِعيدا(]‪" :[48‬أي َ‬ ‫ً‬ ‫أ َ‬
‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫سوء التي ل ب ُد ّ أن يحزن عليها أشد ّ الحزن‪ ،‬وليتركها وق َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫عما ِ‬ ‫من أ ْ‬ ‫ِ‬
‫مئذ ي َوَد ّ‬ ‫ب الله(‪) ،‬يو َ‬ ‫جن ْ ِ‬ ‫ت في َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سرَتى على ما فّرط ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن يقول‪) :‬يا َ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ن قبل أ ْ‬ ‫المكا ِ‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م على‬ ‫ض الظال ِ ُ‬ ‫وى بهم الرض(‪) ،‬ويوم ي َعَ ّ‬ ‫ل ل َوْ ُتس ّ‬ ‫صوا الرسو َ‬ ‫الذين كفروا وعَ َ‬
‫خذ ْ ُفلنا ً‬ ‫ل سبيل يا وَي ْلَتا لي ْت َِني لم أت ّ ِ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫مع الرسو ِ‬ ‫ت َ‬ ‫خذ ْ ُ‬ ‫ل يا ل َي ْت َِني ات ّ َ‬ ‫ي َد َي ْهِ يقو ُ‬
‫رين(؛‬ ‫ق ِ‬ ‫س ال َ‬ ‫ت ب َي ِْني وب َي َْنك ب ُعْد َ المشرِقَْين فِبئ َ‬ ‫ل(‪) ،‬حتى إذا جاءنا قال يا ل َي ْ َ‬ ‫خِلي ً‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫د‬ ‫الشدائ‬ ‫تلك‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫معانا‬ ‫ُ‬ ‫من‬ ‫ُ ِ‬ ‫ر‬ ‫أيس‬ ‫كها‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ت‬
‫ْ َ ُ َ َْ‬‫ر‬ ‫س‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫وإ‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ول‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫شهو‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ك‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ر‬ ‫ِ َْ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫فوالل‬
‫ضر؛‬ ‫ِ‬ ‫الحا‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫الم‬ ‫إل‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫َ ُ‬ ‫ظ‬ ‫ين‬ ‫ل‬ ‫له‬ ‫ه‬
‫َ ْ ِ‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫مه‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫من‬ ‫د‬
‫ّ َ َ ِ‬ ‫عب‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ولك‬ ‫الفضائح؛‬ ‫تلك‬ ‫ل‬‫واحتما ِ‬
‫جل ً‬ ‫فُعه عا ِ‬ ‫م على ما ي َن ْ َ‬ ‫قد ِ ُ‬ ‫مور؛ في ُ ْ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫عواقِ َ‬ ‫حظ به َ‬ ‫ل ي َل ْ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ل كا ِ‬ ‫عق ٌ‬ ‫فليس له َ‬
‫ل!"]‪[49‬‬ ‫ج ً‬ ‫جل ً وآ ِ‬ ‫ضّره عا ِ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫م عَ ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ل‪ ،‬وي ُ ْ‬ ‫ج ً‬ ‫وآ ِ‬
‫قال ابن القيم رحمه الله‪" :‬الشرور هي اللم‪ ،‬وأسبابها فالمعاصي والكفر‬
‫ة؛‬‫ض ولذ ٍ‬ ‫غر ٍ‬ ‫ن كان لصاحِبها فيها نوع ُ َ‬ ‫شروٌر وإ ْ‬ ‫والشرك وأنواع الظلم هي ُ‬
‫ن هذه السباب‬ ‫ة إليها‪ ...‬والمقصود ُ أ ّ‬ ‫ضي ٌ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬‫ب اللم ِ و ُ‬ ‫شروٌر لنها أسبا ُ‬ ‫لكنها ُ‬
‫ة‬
‫ة‪ ،‬وهي بمنزل ِ‬ ‫جل ً‬ ‫مسّرة ً عا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ت بها النف ُ‬ ‫ن نال ْ‬ ‫التي فيها لذة ٌ ما‪ :‬هي شّر وإ ْ‬
‫غه؛‬ ‫مسا ُ‬ ‫ل لذ ّ لكِله وطاب له َ‬ ‫م إذا تناوله الك ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫مسمو ٌ‬ ‫ي لكنه َ‬ ‫طعام ٍ لذيذٍ شه ّ‬
‫ب ول بد؛ حتى لو لم‬ ‫وبعد قليل يفعل به ما يفعل؛ فهكذا المعاصي والذنو ُ‬
‫يخبر الشارع بذلك لكان الواقع والتجربة الخاصة والعامة من أكبر شهوده‪.‬‬
‫عبدٍ‬ ‫م على َ‬ ‫ن الله إذا أن ْعَ َ‬ ‫مْعصي َِته؛ فإ ّ‬ ‫شؤم ِ َ‬ ‫ة إل ب ِ ُ‬ ‫حدٍ قط ِنعم ٌ‬ ‫ت عن أ َ‬ ‫وهل زال َ ْ‬
‫رها عن‬ ‫ظها عليه‪ ،‬ول يغيرها عنه حتى يكون هو الساعي في تغيي ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ح ِ‬ ‫بنعمةٍ َ‬
‫ٍ‬ ‫م‬ ‫بقو‬ ‫الله‬ ‫أراد‬ ‫وإذا‬ ‫سهم‬ ‫ِ‬ ‫بأنف‬ ‫ما‬ ‫يروا‬ ‫ُ ّ‬ ‫يغ‬ ‫حتى‬ ‫ٍ‬ ‫م‬ ‫بقو‬ ‫ِ‬ ‫ما‬ ‫ر‬ ‫ي‬
‫َُُّ‬‫غ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫الله‬ ‫ن‬‫ّ‬ ‫)إ‬ ‫سه‬ ‫نف ِ‬
‫ص الله‬ ‫مل ما ق ّ‬ ‫من تأ ّ‬ ‫من وال(‪ [50].‬و َ‬ ‫من ُدوِنه ِ‬ ‫مَرد ّ له وما لهم ِ‬ ‫سوءا ً فل َ‬
‫ب ذلك‬ ‫جد َ سب َ‬ ‫مه عنهم؛ وَ َ‬ ‫ُ‬
‫مم ِ الذين أزال ن ِعَ َ‬ ‫ل ال َ‬ ‫من أحوا ِ‬ ‫تعالى في كتاِبه ِ‬
‫ل‬‫ل أه ِ‬ ‫ن نظَر في أحوا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن رسِله‪ .‬وكذلك َ‬ ‫ره وعصيا ُ‬ ‫ة أم ِ‬ ‫مخالف ُ‬ ‫جميَعه إنما هو ُ‬
‫ب الذنوب‪،‬‬ ‫سوِء عواق ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ّ‬
‫جد َ ذلك كله ِ‬ ‫مه؛ وَ َ‬ ‫من ن ِعَ ِ‬ ‫ره وما أزال الله عنهم ِ‬ ‫عص ِ‬
‫كما قيل‪:‬‬
‫م!‬ ‫ل الن ّعَ ْ‬ ‫ن المعاصي تزي ُ‬ ‫عها ** فإ ّ‬ ‫ت في ِنعمةٍ فاْر َ‬ ‫إذا كن َ‬
‫ل‬ ‫ت فيها الزيادة ُ بمث ِ‬ ‫صل ْ‬ ‫َ‬ ‫ح َ‬ ‫ة الله بشيٍء قط مثل طاعِته‪ ،‬ول َ‬ ‫ت نعم ُ‬ ‫فظ ْ‬ ‫َ‬ ‫ح ِ‬
‫فما ُ‬
‫معصيِته لرّبه؛ فإنها ناُر الن ّعَم ِ التي تعمل فيها‬ ‫ت عن العبد ِ بمثل َ‬ ‫ره‪ ،‬ول زال ْ‬ ‫شك ِ‬ ‫ُ‬
‫ب الياِبس"‪[51].‬‬ ‫ل الناُر في الحط ِ‬ ‫كما تعم ُ‬
‫ن ما قال الشاعر‪:‬‬ ‫وما أحس َ‬
‫تتوب من الذنوب إذا مرضتا * وترجع للذنوب إذا برئتا!‬
‫ك ** وأخبث ما تكون إذا قويتا!‬ ‫سك أنت با ٍ‬ ‫إذا ما الضّر م ّ‬
‫كربةٍ نجاك منها ** وكم كشف البلء إذا بليتا!‬ ‫فكم من ُ‬
‫أما تخشى بأن تأتي المنايا ** وأنت على الخطايا قد ُدهيتا!‬
‫ثالثا‪ :‬الثارالجتماعية لللستغفار‪:‬‬
‫ل التوبة إل‬ ‫عدم ِ قبو ِ‬ ‫ل العلم على َ‬ ‫ط التوبة التي اتفق أه ُ‬ ‫ولو استحضرنا شرو َ‬
‫فينا الثاَر الجتماعية ظاهرة ً فيها‪.‬‬ ‫رها؛ لل ْ َ‬ ‫بتوفّ ِ‬
‫ل ذنب‪ :‬فإن‬ ‫ة من ك ّ‬ ‫ة واجب ٌ‬ ‫فقد قال النووي رحمه الله‪" :‬قال العلماء‪ :‬التوب ُ‬
‫ي فلها ثلثة‬ ‫كانت المعصية بين العبدِ وبين الله تعالى ل تتعلقُ بحقّ آدم ّ‬
‫شروط‪ :‬أحدها‪ :‬أن يقلع عن المعصية‪ ،‬والثاني‪ :‬أن يندم على فعلها‪ ،‬والثالث‪:‬‬
‫قد أحد الثلثة لم تصح توبته‪ .‬وإن كانت‬ ‫أن يعزم أن ل يعود إليها أبدا‪ .‬فإن فُ ِ‬
‫طها أربعة‪ :‬هذه الثلثة وأن يبرأ من حق صاحبها‪:‬‬ ‫ي فشرو ُ‬ ‫المعصية تتعلق بآدم ّ‬
‫ف ونحوه مكنه منه أو طلب‬ ‫ّ‬ ‫فإن كانت مال أو نحوه رّده إليه‪ ،‬وإن كان حد ّ قذ ٍ‬
‫وه‪ ،‬وإن كان غيبة استحله منها"‪[52].‬‬ ‫عف َ‬
‫)‪(7 /‬‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م‬‫م على ِفعِلها في الماضي‪ ،‬والَعز ُ‬ ‫فالقلع ُ عن المعصية في الحاضر‪ ،‬والند ُ‬


‫ة للتوبة‬ ‫ة ونفسي ً‬ ‫عدم ِ العودةِ إليها في المستقَبل ُتمث ّل ِثمارا إيماني ً‬ ‫ُ‬ ‫على َ‬
‫ُ‬
‫ق والمظال ِم ِ فتمثل الثاَر‬ ‫النصوح والستغفار الصادق‪ ،‬وأما رد ّ الحقو ِ‬
‫ق المسلمين؛ ول‬ ‫ِ‬ ‫حقو‬ ‫ُ‬ ‫عن‬ ‫ب‬‫ُ ْ‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫لم‬ ‫ة من‬ ‫ب حقيق ً‬ ‫الجتماعية للتوبة‪ .‬فليس بتائ ٍ‬
‫ق المسلمين!‬ ‫دي على حقو ِ‬ ‫متع ّ‬ ‫ة ولل ُ‬ ‫ح للظالم توب ٌ‬ ‫تص ّ‬
‫ب هو الذي‬ ‫م الله القرطبي حيث قال‪" :‬قال علماؤنا‪ :‬الستغفاُر المطلو ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وَر ِ‬
‫قد َ الصرارِ ويثبت معناه في الجنان ل التلفظ باللسان‪ ،‬فأما من قال‬ ‫ل عُ َ‬ ‫يح ّ‬
‫بلسانه‪ :‬أستغفر الله وقلبه مصر على معصيته؛ فاستغفاُره ذلك يحتاج إلى‬
‫ة بالكبائر‪ .‬وروي عن الحسن البصري أنه قال‪:‬‬ ‫استغفار‪ ،‬وصغيرُته لحق ٌ‬
‫ت‪ :‬هذا يقوله في زمانه فكيف في زماننا‬ ‫ُ‬ ‫استغفاُرنا يحتاج إلى استغفار! ًقل ُ‬
‫كبا ّ على الظلم حريصا عليه ل ُيقل ِعُ والسبحة في‬ ‫ً‬ ‫م ِ‬ ‫هذا الذي يرى فيه النسان ُ‬
‫يده زاعما ً أنه يستغفر الله من ذنبه! وذلك استهزاء منه واستخفاف‪ ،‬وفي‬
‫التنزيل )ول تتخذوا آيات الله هزوا("‪[53].‬‬
‫ً‬
‫ب التي ُيتاب منها تمييزا ِلحقّ لله‬ ‫ن الذنو ِ‬ ‫قال القرطبي رحمه الله في بيا ِ‬
‫ره "وأما حقوق الدميين فل بد من إيصالها إلى مستحقيها؛‬ ‫تعالى عن حقّ غي ِ‬
‫فإن لم يوجدوا تصدق عنهم"‪[54].‬‬
‫ف من ذنِبه أبعد ُ الناس عن الوقوِع‬ ‫ُ‬ ‫الخائ‬ ‫ب إلى رّبه‬ ‫ب المستغفُر المني ُ‬ ‫فالتائ ُ‬
‫سه وتوّقيه‬ ‫مراَقبِته نف َ‬ ‫ضهم وحقوِقهم والساءة إليهم؛ ل ِ ُ‬ ‫ل الناس وأعرا ِ‬ ‫في أموا ِ‬
‫ة‬
‫ة للستغفار وعلم ٌ‬ ‫من معاصي الله والوقوع في سخطه؛ وتلك ثمرة ٌ اجتماعي ٌ‬
‫ة على التوبة النصوح المباركة‪.‬‬ ‫صادق ُ‬
‫ن‬‫ن نستحضَر أ ّ‬ ‫ويكفي من بركة الستغفار وآثاره الجتماعية الطّيبة أ ْ‬
‫ب المستغفُر ول يحتقُر‬ ‫ب للتواضِع لله وِلعباِده؛ فل يتكبُر المذن ُ‬ ‫الستغفاَر سب ٌ‬
‫حه! فيا سعادةَ‬ ‫غيَره بل يوّقره‪ ،‬ول يتطاول عليه بل يخفض له جنا َ‬
‫ضعين! ويا شقاَء المتكبرين الغافلين الذين يفعل الواحد‬ ‫فرين المتوا ِ‬ ‫المستغ ِ‬
‫ب بها‬ ‫ج ُ‬ ‫ه وُيع َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن بها على رب ّهِ ويتكب ُّر بها‪ ،‬ويرى نف َ‬ ‫م ّ‬ ‫ُ‬ ‫ل يَ ُ‬ ‫منهم حسنة "فل يزا ُ‬
‫ب والك ِب ْرِ والفخر‬ ‫ج ِ‬ ‫ه من العُ ْ‬ ‫ت؛ فُيورِث ُ ُ‬ ‫ت وفعل ُ‬ ‫ويستطيل بها‪ ،‬ويقول‪ :‬فعل ُ‬
‫ه تعالى بهذا المسكين خيرا ً‬ ‫ه؛ فإذا أراد الل ُ‬ ‫ب هلك ِ ِ‬ ‫والستطالة؛ ما يكون سب َ‬
‫سه عنده"!]‪[55‬‬ ‫ه وُيصغُّر به نف َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ل به عُن ُ َ‬ ‫ابتله بأمرٍ يكسُرهُ بهِ وي ُذِ ّ‬
‫ل اليمانية والنفسية والجتماعية‪ :‬صبرا ً‬ ‫ة اجتماِع الشمائ ِ‬ ‫ن روع َ‬ ‫ن تتبي ّ َ‬ ‫ولك أ ْ‬
‫ط القرآن بين الستغفار والنفاق يمثل‬ ‫ن رب َ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫يخفى‬ ‫ول‬ ‫ا‪.‬‬‫ً‬ ‫وإنفاق‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫وقنوت‬ ‫صدقا ً‬ ‫و ِ‬
‫ل‬‫ل‪) :‬قُ ْ‬ ‫إشارة ً إلى الثمرات الجتماعية للستغفار‪ ،‬كما قال الله عّز وج ّ‬
‫َ‬
‫حت َِها الن َْهاُر‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫عند َ َرب ّهِ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ل ِل ّ ِ‬ ‫من ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫خي ْرٍ ّ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫أ َؤُن َب ّئ ُ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫صيٌر ِبال ْعَِبادِ ‪ .‬ال ّ ِ‬ ‫ه بَ ِ‬ ‫ن الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ّ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ض َ‬ ‫مط َهَّرةٌ وَرِ ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫ن ِفيَها وَأْزَوا ٌ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫صادِِقي َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫ب الّنارِ ‪ .‬ال ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫فْر لَنا ذ ُُنوب ََنا وَقَِنا عَ َ‬ ‫َ‬ ‫مّنا َفاغْ ِ‬ ‫ن َرب َّنا إ ِن َّنا آ َ‬ ‫قولو َ‬ ‫ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫حارِ ( )آل عمران ‪0(17-15‬‬ ‫س َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ِبال ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َوال ُ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫من ِ‬ ‫ن َوال ُ‬ ‫قان ِِتي َ‬ ‫َوال َ‬
‫ة‬
‫س وإقال ُ‬ ‫ظ والعفوُ عن النا ِ‬ ‫م الغي ِ‬ ‫ت الجتماعيةِ للستغفارِ كظ ُ‬ ‫ومن الثمرا ِ‬
‫ة‬
‫جن ّ ٍ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ُ‬
‫من ّرب ّك ْ‬ ‫فَرةٍ ّ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫عوا إ ِلى َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫عََثراِتهم‪ ،‬كما قال الله عّز وجل‪) :‬وَ َ‬
‫سّراء‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫قو َ‬ ‫ن ُينفِ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ‪ .‬ال ِ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬ ‫عد ّ ْ‬ ‫ض أُ ِ‬ ‫ت َوالْر ُ‬
‫َ‬
‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ضَها ال ّ‬ ‫عَْر ُ‬
‫ن‪.‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫س َوالل ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ن الغَي ْظ َوالَعاِفي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مي َ‬ ‫ضّراء َوالكاظ ِ ِ‬ ‫َوال ّ‬
‫فُروا ل ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫ست َغْ َ‬ ‫ه َفا ْ‬ ‫ّ‬
‫م ذ َكُروا الل َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫موا أن ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة أوْ ظل ُ‬‫َ‬ ‫ش ً‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬
‫ن إ َِذا فَعَلوا َفا ِ‬‫ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ن ( )آل‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬ ‫ما فَعَُلوا ْ وَهُ ْ‬ ‫صّروا ْ عََلى َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ه وَل َ ْ‬ ‫ب إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫من ي َغْ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ن كثير رحمه الله‪" :‬قوله تعالى‪:‬‬ ‫عمران ‪ .(135-133‬قال الحافظ اب ُ‬
‫ن ))آل عمران‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫س َوالل ُ‬ ‫ظ َوال َْعاِفي َ‬ ‫ن ال ْغَي ْ َ‬ ‫)َوال ْ َ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫كاظ ِ ِ‬
‫وا مع‬ ‫ف ْ‬‫ملوه‪ ،‬وع َ‬ ‫ظ كظموه‪ :‬بمعنى كتموه؛ فلم ي ُعْ ِ‬ ‫‪ ،(134‬أي‪ :‬إذا ثار بهم الغي ُ‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن آدم‬
‫ض الثار )يقول الله تعالى‪ :‬يا اب َ‬
‫ن أساء إليهم‪ .‬وقد ورد في بع ِ‬ ‫م ْ‬
‫ذلك ع ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت؛ فل أهْل ِكك فيمن أهْلك( رواه ابن أبي‬‫ضب ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اذك ُْرني إذا غضب َ‬
‫ت؛ أذ ْكْرك إذا غ ِ‬
‫حاتم"‪[56].‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫سطح عّنا‬ ‫م ْ‬ ‫ديق رضي الله عنه مع ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫ت الجتماعية في قصة ال ّ‬ ‫وما الثمرا ُ‬
‫مغفرِته لخيه‪ ،‬في قول الله عّز‬ ‫فرةِ اللهِ ِللَعبد ِ على َ‬ ‫مغ ِ‬ ‫ببعيدة! إذ ْ وََرد َ َتعِليقُ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل أ ُوُْلوا ال َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫كي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫قْرَبى َوال َ‬ ‫سعَةِ أن ي ُؤُْتوا أوِْلي ال ُ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫وجل‪) :‬وََل ي َأت َ ِ‬
‫حبو َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫فَر الل ّ ُ‬ ‫ن أن ي َغْ ِ‬ ‫حوا أَل ت ُ ِ ّ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ص َ‬ ‫فوا وَل ْي َ ْ‬ ‫ل الل ّهِ وَل ْي َعْ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫ث‬‫م ( )النور ‪ 0(22‬فقد روت عائشة رضي الله عنها في حدي ِ‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ة‬
‫صب َ ٌ‬ ‫ك عُ ْ‬ ‫ؤوا ِباْل ِفْ ِ‬ ‫جا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫الفك أنه لما أنزل الله عز وجل في براءِتها‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما اكت َ َ‬ ‫ْ‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫ئ ّ‬ ‫مرِ ٍ‬ ‫لا ْ‬ ‫م ل ِك ُ ّ‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬ ‫ل هُوَ َ‬ ‫كم ب َ ْ‬ ‫شّرا ً ل ّ ُ‬ ‫سُبوه ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫م َل ت َ ْ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫م ( )النور ‪ (11‬العشر اليات كلها؛‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫مل ُ‬ ‫َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ذي ت َوَلى ك ِب َْرهُ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ال ِث ْم ِ َوال ِ‬ ‫ْ‬
‫سطح بن أثاَثة؛‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫فق على ِ‬ ‫]‪) [57‬قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ُين ِ‬
‫طح شيئا أبدا؛ بعد الذي قال‬ ‫ً‬ ‫س َ‬ ‫ُ‬ ‫قرابِته منه وفَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫فقُ على ِ‬ ‫ره‪ :‬والله ل أن ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫لِ َ‬
‫سعَةِ أن ي ُؤُْتوا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م َوال ّ‬ ‫منك ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ل أوْلوا ال َ‬ ‫لعائشة ما قال‪ .‬فأنزل الله ))وَل ي َأت َ ِ‬
‫حوا أ َلَ‬ ‫ف ُ‬ ‫ص َ‬ ‫فوا وَلي َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ل اللهِ وَلي َعْ ُ‬ ‫ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫كي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫قْرَبى َوال ْ َ‬ ‫أ ُوِْلي ال ْ ُ‬
‫حبو َ‬
‫م ( )النور ‪ [58]،(22‬قال أبو بكر‪:‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫فَر الل ّ ُ‬ ‫ن أن ي َغْ ِ‬ ‫تُ ِ ّ َ‬
‫ة التي كان‬ ‫مسطح النفق َ‬ ‫ُ‬
‫فَر الله لي؛ فرجع إلى ِ‬ ‫ن َيغ ِ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫بلى والله؛ إني أ ِ‬
‫مسلم عن عبد‬ ‫عها منه أبدا(؛]‪ [59‬ولذلك روى ُ‬ ‫فق عليه‪ .‬وقال‪ :‬والله ل أن ْزِ ُ‬ ‫ُين ِ‬
‫ب الله(‪[60].‬‬ ‫جى آيةٍ في كتا ِ‬ ‫الله بن المبارك قال‪) :‬هذه أْر َ‬
‫ومن الثمرات الجتماعية للستغفار‪ :‬المتاع الحسن والرزق الطيب المبارك‪،‬‬
‫سنا ً‬ ‫َ‬
‫ح َ‬ ‫مَتاعا ً َ‬ ‫كم ّ‬ ‫مت ّعْ ُ‬ ‫م ُتوُبوا ْ إ ِل َي ْهِ ي ُ َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫فُروا ْ َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫كما قال الله عز وجل‪) :‬وَأ ِ‬
‫م‬ ‫ف عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ي أَ َ‬ ‫ه وَِإن ت َوَل ّوْا ْ فَإ ِن ّ َ‬ ‫ضل َ ُ‬ ‫ل فَ ْ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ل ِذي فَ ْ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫مى وَي ُؤْ ِ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ّ‬ ‫ج ٍ‬
‫َ‬
‫إ َِلى أ َ‬
‫ب ي َوْم ٍ ك َِبيرٍ ( )هود ‪ .(3‬وتلك وصية نبي الله هود عليه السلم حين قال‪:‬‬ ‫ذا َ‬ ‫عَ َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫مد َْرارا وَي َزِد ْك ْ‬ ‫ً‬ ‫ماء عَلي ْكم ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫س ِ‬ ‫م ُتوُبوا إ ِلي ْهِ ي ُْر ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ُ‬
‫فُروا َرب ّك ْ‬ ‫ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫)وََيا قَوْم ِ ا ْ‬
‫ن ( )هود ‪(52‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫م وَل ت َت َوَلوْا ُ‬ ‫َ‬ ‫قُوّة ً إ َِلى قُوّت ِك ْ‬
‫ُ‬
‫فارا ً ‪.‬‬ ‫ن غَ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫فُروا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫تا ْ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ووصية نوح عليه السلم حين قال‪) :‬فَ ُ‬
‫َ‬
‫ت‬
‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫جَعل ل ّك ُ ْ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫ل وَب َِني َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫م ب ِأ ْ‬ ‫مدِد ْك ُ ْ‬ ‫مد َْرارا ً ‪ .‬وَي ُ ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ماء عَل َي ْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫س ِ‬ ‫ي ُْر ِ‬
‫م أن َْهارا ( )نوح ‪0(12-10‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫جَعل لك ْ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫وقد روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫من‬ ‫مخَرجا ً و ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ضي ٍ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل الله له من ك ّ‬ ‫الله عليه وسلم‪) :‬من لزم الستغفاَر جع َ‬
‫م فََرجًا‪ ،‬ورزَقه من حيث ل يحتسب(‪ .‬قال ابن القيم رحمه الله في‬ ‫له ّ‬ ‫ك ّ‬
‫الفصل الثامن عشر من )الوابل الصّيب( في الذكار الجالبة للرزق الدافعة‬
‫للضيق والذى‪" :‬قال الله سبحانه وتعالى عن نبيه نوح صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫مد َْرارا ً ‪.‬‬ ‫كم ّ‬ ‫ماء عَل َي ْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫س ِ‬ ‫فارا ً ‪ .‬ي ُْر ِ‬ ‫ن غَ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫فُروا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫تا ْ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫))فَ ُ‬
‫م أن َْهارا ( )نوح ‪(12-10‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جَعل لك ْ‬ ‫ت وَي َ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫جَعل لك ْ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫ل وَب َِني َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫م ب ِأ ْ‬ ‫مدِد ْك ْ‬ ‫وَي ُ ْ‬
‫ن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫‪0‬وفي بعض المسانيد عن ابن عباس أ ّ‬
‫مخَرجا ً‬ ‫ق َ‬ ‫م فََرجا ومن ك ّ‬ ‫ً‬
‫ضي ٍ‬ ‫ل ِ‬ ‫قال‪) :‬من لزم الستغفار جعل الله له من كل هَ ّ‬
‫وَرزَقه من حيث ل يحتسب("‪" [61].‬وفي الترمذي عن سعد بن أبي وقاص‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬دعوة ُ ذي النون إذ ْ دعا ربه وهو‬
‫في بطن الحوت )ل إله سبحانك إني كنت من الظالمين( لم يدع بها رج ٌ‬
‫ل‬
‫م في شيء قط إل استجيب له(‪ .‬وفي رواية )إني لعلم كلمة ل يقولها‬ ‫مسل ٌ‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مكروب إل فرج الله عنه‪ :‬كلمة أخي يونس("‪[62].‬‬


‫فرين التائبين‬‫ب العرش الكريم أن يجعَلنا من المستغ ِ‬ ‫أسأل الله العظيم ر ّ‬
‫ضعين‪ ،‬كما قال القرطبي رحمه الله في تفسير قول الله عز وجل‪:‬‬ ‫المتوا ِ‬
‫)فاستجاب لهم ربهم(‪" :‬أي‪ :‬أجابهم‪ ،‬قال الحسن‪ :‬مازالوا يقولون‪ :‬رّبنا رّبنا!‬
‫س مرات‪:‬‬ ‫حَزَبه أمٌر‪ ،‬فقال خم َ‬
‫من َ‬‫حتى استجاب لهم‪ ،‬وقال جعفر الصادق‪َ :‬‬
‫ف‪ ،‬وأعطاه ما أراد قيل وكيف ذلك قال‪ :‬اقرءوا إن‬ ‫رّبنا! أْنجاه الله مما يخا ُ‬
‫شئتم )الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم( إلى قوله‪) :‬إنك ل‬
‫تخلف الميعاد("‪[63].‬‬
‫والحمد لله‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن واله‪.‬‬
‫‪--------‬‬
‫]‪ [1‬الجامع لحكام القرآن ‪.4/212‬‬
‫]‪ [2‬الجامع لحكام القرآن ‪.4/212‬‬
‫]‪ [3‬أي سورة آل عمران‪.‬‬
‫]‪ [4‬الجامع لحكام القرآن ‪.4/210‬‬
‫]‪ [5‬تفسير السعدي ‪.385-1/384‬‬
‫]‪ [6‬الفتح ‪.4‬‬
‫ة آمنوا برّبهم وزدناهم هدى(‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فتي‬ ‫)إنهم‬ ‫‪.‬‬‫‪13‬‬ ‫]‪ [7‬الكهف‬
‫]‪ [8‬مريم ‪.76‬‬
‫]‪ [9‬محمد ‪.17‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫]‪ [10‬المدثر ‪.31‬‬


‫من يقول أّيكم زاد َْته هذه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫منهم َ‬ ‫ت سورةٌ ف ِ‬ ‫]‪ [11‬التوبة ‪) .124‬وإذا ما أنزِل ْ‬
‫إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون(‪.‬‬
‫س قد جمعوا لكم‬ ‫ن النا َ‬‫سإ ّ‬‫]‪ [12‬آل عمران ‪) .173‬الذين قال لهم النا ُ‬
‫م فزاَدهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل(‪.‬‬ ‫خ َ‬
‫شوْهُ ْ‬ ‫فا ْ‬
‫ه‬
‫دنا الل ُ‬
‫ب قالوا هذا ما وَعَ َ‬ ‫]‪ [13‬الحزاب ‪) .22‬ولما رأى المؤمنون الحزا َ‬
‫ه ورسوُله وما زاَدهم إل إيمانا وتسليما(‪.‬‬ ‫ورسوُله وصدقَ الل ُ‬
‫]‪ [14‬صحيح البخاري ‪.1/11‬‬
‫]‪ [15‬فتح الباري ‪.98-11/97‬‬
‫]‪ [16‬مدارج السالكين لبن القّيم ‪ .37-2/36‬دار الفكر ‪1412‬هـ‪.‬‬
‫]‪ [17‬فتح الباري ‪.13/548‬‬
‫]‪ [18‬الوابل الصّيب لبن القيم ص ‪.13‬‬
‫]‪ [19‬النبياء ‪.83‬‬
‫]‪ [20‬الفوائد لبن القيم ص ‪.223-222‬‬
‫]‪ [21‬الفوائد لبن القيم ص ‪.61‬‬
‫]‪ [22‬آل عمران ‪.38‬‬
‫]‪ [23‬النعام ‪.63‬‬
‫]‪ [24‬العراف ‪.56‬‬
‫]‪ [25‬نقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري ‪.11/95‬‬
‫]‪ [26‬فتح الباري ‪.11/101‬‬
‫]‪ [27‬التفسير الكبير للرازي ‪.7/176‬‬
‫]‪ [28‬تفسير البغوي ج ‪/1‬ص ‪.285‬‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [29‬صحيح البخاري باب قول النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬اللهم اغفر لي‬
‫ما قدمت وما أخرت(‪ .‬حديث ‪.6035‬‬
‫]‪ [30‬حديث ‪.6036‬‬
‫]‪ [31‬صحيح البخاري ‪.1/286‬حديث ‪.799‬‬
‫]‪ [32‬ونحوه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال‪) :‬أقبل علينا بوجهه فقال‪:‬‬
‫تعوذوا بالله من عذاب النار! قالوا‪ :‬نعوذ بالله من عذاب النار فقال‪ :‬تعوذوا‬
‫بالله من عذاب القبر! قالوا‪ :‬نعوذ بالله من عذاب القبر‪ ،‬قال‪ :‬تعوذوا بالله‬
‫من الفتن ما ظهر منها وما بطن! قالوا‪ :‬نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها‬
‫وما بطن‪ ،‬قال‪ :‬تعوذوا بالله من فتنة الدجال! قالوا‪ :‬نعوذ بالله من فتنة‬
‫الدجال( ‪.4/2199‬‬
‫]‪ [33‬صحيح البخاري ‪ .4/2078‬حديث ‪.589‬‬
‫]‪ [34‬فتح الباري ‪.2/319‬‬
‫]‪ [35‬المرجع السابق ‪.11/105‬‬
‫]‪ [36‬المرجع السابق‪.‬‬
‫]‪ [37‬المرجع السابق‪.‬‬
‫]‪ [38‬الجامع لحكام القرآن ‪.412-4/411‬‬
‫]‪ [39‬بدائع الفوائد ‪.2/431‬‬
‫]‪ [40‬الوابل الصّيب ص ‪.15-14‬‬
‫]‪ [41‬آل عمران ‪.165‬‬
‫]‪ [42‬جامع البيان للطبري ‪.4/164‬‬
‫]‪ [43‬العنكبوت ‪.40‬‬
‫]‪ [44‬التوبة ‪.118‬‬
‫شد ّ مما‬‫خذ ُ ِبأ َ‬
‫ن ُيؤا َ‬
‫ن القويّ في الدي ِ‬
‫]‪ [45‬فتح الباري ‪ .8/123‬قال‪" :‬وفيها أ ّ‬
‫طه وعن‬ ‫ره وتفري ِ‬ ‫ن‪ ،‬وجواز إخبار المرء عن تقصي ِ‬ ‫خذ ُ الضعيف في الدي ِ‬ ‫يؤا َ‬
‫سبب ذلك‪ ،‬وما آل إليه أمره تحذيرا ونصيحة"‪.‬‬
‫]‪ [46‬البيات لعبد العلى الشامي‪.‬‬
‫]‪ [47‬الوابل الصّيب لبن القيم ص ‪.14‬‬
‫]‪ [48‬آل عمران ‪.30‬‬
‫]‪ [49‬تيسير الكريم الرحمن ص ‪.128‬‬
‫]‪ [50‬الرعد ‪.11‬‬
‫]‪ [51‬بدائع الفوائد ‪.432-2/431‬‬
‫]‪ [52‬رياض الصالحين للنووي ص ‪ .47-46‬المكتب السلمي بيروت‪.‬‬
‫]‪ [53‬الجامع لحكام القرآن ‪.211-4/210‬‬
‫]‪ [54‬الجامع لحكام القرآن ‪.4/212‬‬
‫]‪ [55‬الوابل الصّيب لبن القيم ص ‪.13‬‬
‫]‪ [56‬تفسير القرآن العظيم لبن كثير ‪.1/527‬‬
‫]‪ [57‬النور ‪.21-11‬‬
‫]‪ [58‬النور ‪.22‬‬
‫]‪ [59‬صحيح البخاري ‪.4/1777‬‬
‫]‪ [60‬فتح الباري ‪.8/478‬‬
‫صّيب من الكلم الطّيب ‪ ،1/161‬دار الكتاب العربي‪ ،‬ط ‪،1‬‬ ‫]‪ [61‬الوابل ال ّ‬
‫‪ 1405‬هـ‪.‬‬
‫]‪ [62‬زاد المعاد في هدي خير العباد ‪ ،4/199‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫]‪ [63‬الجامع لحكام القرآن ‪.4/318‬‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫الستقامة مفهومها وأحوالها‬


‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله‪ ،‬نبينا‬
‫محمد وآله وصحبه وبعد‪.‬‬
‫ة‪ ،‬مرةً بالمر‬ ‫فلقد ورد ذكر الستقامة في القرآن الكريم‪ ،‬في مواطن كثير ٍ‬
‫ك )) )هود ‪(112 :‬‬ ‫معَ َ‬ ‫بها كما في قوله تعالى‪َ(( :‬فاستقم ك َ ُ‬
‫ب َ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ َ‬‫مْر َ‬
‫ما أ ِ‬ ‫ْ َِ ْ َ‬
‫‪.‬‬
‫ومرة ً بالثناِء على أهلها‪ ،‬وذكر ما أعد لهم من الخير والثواب‪ ،‬كما في قوله‬
‫تعالى‪:‬‬
‫ن‬ ‫نو‬ ‫ز‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ول‬ ‫م‬
‫َ ْ ٌ َ ِْ ْ َ ُ ْ َ ْ َ ُ َ‬‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫خ‬ ‫فل‬‫َ‬ ‫موا‬ ‫قا‬
‫َ‬
‫ُ ّ ْ َ ُ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫نا‬ ‫ب‬
‫َ َّ‬‫ر‬ ‫لوا‬‫ُ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ن‬
‫ن ِ َ‬
‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫(( إ ِ ّ‬
‫))) الحقاف‪. (13 :‬‬
‫دقًا(( )‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ماًء غَ َ‬
‫م َ‬‫قي َْناهُ ْ‬ ‫قةِ َل ْ‬
‫س َ‬ ‫موا عََلى الط ّ ِ‬
‫ري َ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬‫وكما في قوله تعالى‪ )) :‬وَأل ّوِ ا ْ‬
‫الجن‪. ( 16 :‬‬
‫ب الهدايةِ إلى الطريق المستقيم‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ )) :‬اهْدَِنا‬ ‫ومرةً بطل ِ‬
‫م (( ) الفاتحة‪. ( 6 :‬‬ ‫قي َ‬
‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ط ال ْ ُ‬
‫صَرا َ‬ ‫ال ّ‬
‫كما جاء في السنة الحث على لزوم الستقامة كما في قوله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ )) :‬قل آمنت بالله ثم استقم (( ‪.[1‬‬
‫فما هو مفهوم الستقامة وضابطه ؟‬
‫إن الستقامة في أبسط معانيها‪ ،‬تعني لزوم الطريق المستقيم الذي ل‬
‫اعوجاج فيه ول ميل‪ ،‬ول إفراط ول تفريط‪.‬‬
‫وهذا ل يتأتى إل باتباع الرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والستسلم لما جاء‬
‫به من ربه عز وجل‪ ،‬وبالطريقة التي فهمها أصحابه‪ -‬رضي الله عنهم‪ -‬وساروا‬
‫على نهجها‪ ،‬والخلص لله عز وجل فيها‪.‬‬
‫ول تكتمل الستقامة إل بأمورٍ أربعة‪:‬‬
‫المر الول‪ :‬معرفة طريقها‪ ،‬والعلم بها‪ ،‬واستبانتها بالدليل الشرعي الصحيح‪.‬‬
‫المر الثاني‪ :‬العمل بها‪ ،‬والتزام تطبيقها ظاهًرا وباطًنا‪.‬‬
‫المر الثالث‪ :‬الدعوة إليها‪ ،‬والتواصي بلزومها‪ ،‬ومدافعة ما يضعفها ويعيقها‪.‬‬
‫المر الرابع‪ :‬الثبات عليها‪ ،‬والصبر على لزومها‪ ،‬ومدافعة ما يضادها حتى‬
‫الممات‪ ،‬دون زيادة ول نقصان‪.‬‬
‫ولو تأملنا هذه المور الربعة‪ ،‬لرأيناها هي المذكورة في سورة العصر‪.‬‬
‫والتي هي مقومات الستقامة‪ ،‬وبالتالي هي أسباب الفوز والنجاة من‬
‫الخسران‪ ،‬فمن كملها كلها فقد كملت استقامته‪ ،‬ومن لم ُيكملها نقصت‬
‫استقامته بحسب ذلك‪.‬‬
‫ّ‬
‫ول يصدقُ وصف الستقامة على عبدٍ إل بتحقيق أمرين كبيرين‪.‬‬
‫المر الول ‪ :‬الستقامة على أمر الله عز وجل ظاهًرا وباطًنا‪ ،‬بالخلص لله‬
‫تعالى‪ ،‬ومتابعة لرسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬في ذلك دون إفراط ول‬
‫تفريط‪ ،‬ول جفاٍء ول غلو‪.‬‬
‫المر الثاني ‪ :‬الثبات على هذا المر وعدم اتباع السبل‪ ،‬والصبر على لزومه‬
‫حتى الممات‪.‬‬
‫ه ل ب ُد ّ‬ ‫ونظًرا لهمية التوسط بين الفراط والتفريط في تحقيق الستقامة‪ ،‬فإن ّ ُ‬
‫من تفصيل القول في هذا الضابط‪ ،‬وذلك لن كثيًرا ممن يتحدث عن‬
‫الستقامة‪ ،‬ل يتطرق إلى أهمية التوسط في تحقيق وصف الستقامة‪ ،‬وإنما‬
‫يقصُر أكثر الحديث عنها‪ ،‬على لزوم طاعة الله عز وجل وعدم التقصير فيها‪،‬‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والستمرار على ذلك إلى الموت‪.‬‬


‫ضا الغلو والزيادة‪ ،‬ولو‬ ‫ل منهم من يشير إلى أن مما يضاد الستقامة أي ً‬ ‫وقلي ٌ‬
‫ح في الستقامة التفريط‪،‬‬ ‫ن مما يقد ُ‬‫كان بنية الطاعة والعبادة‪ ،‬فكما أ ّ‬
‫وارتكاب المعاصي‪ ،‬فكذلك مما يقدح فيها الزيادة والطغيان‪ ،‬والغلو والفراط‪.‬‬
‫ن‬ ‫قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ‪َ )) :‬فاستقم ك َ ُ‬
‫م ْ‬
‫ت وَ َ‬‫مْر َ‬
‫ما أ ِ‬
‫ْ َ ِ ْ َ‬
‫وا(( ) هود ‪. ( 112 :‬‬‫ك َول ت َط ْغَ ْ‬
‫معَ َ‬‫ب َ‬ ‫َتا َ‬
‫ما يضاد الستقامة‪ ،‬وبناًء على هذا‬ ‫ن الزيادة والطغيان م ّ‬ ‫ففهم من الية أ ّ‬
‫ن العبد مأموٌر بالستقامة في دينه كله‪ ،‬عقيدة‬ ‫الفهم الشامل للستقامة‪ ،‬فإ ّ‬
‫كا‪ ،‬وأن يلزم الوسطية في كل أمور دينه‪ ،‬ويحذر من الميل إلى‬ ‫وعبادة وسلو ً‬
‫أحد الطرفين‪ ،‬طرف التفريط والتقصير‪ ،‬أو طرف الغلو والفراط‪.‬‬
‫ولو تأملنا مذهب أهل السنة والجماعة‪ ،‬لرأيناه رمز الستقامة في أبواب‬
‫ط في أبواب العتقاد بين الغالين والجافي‪،‬ن وفي أبواب‬ ‫الدين كله؛ فهم وس ٌ‬
‫العبادات بين المبتدعين الزائدين فيها‪ ،‬ما لم يأذن به الله عز وجل ‪ ،‬وبين‬
‫المفرطين المضيعين لها من أهل الفساد والفجور‪ ،‬وكذلك في أبواب الخلق‬
‫والسلوك فهم وسط في أخلقهم بين الفراط والتفريط إذ أن كل خلق‬
‫محمود فهو مكتنف بخلقين ذميمين أحدهما غلو وإفراط والخر تقصير‬
‫وتفريط‪،‬‬
‫وهذا ما يوضحه المام ابن القيم رحمه الله تعالى بقوله ‪« :‬وكل خلق محمود‬
‫ف بخلقين ذميمين‪ .‬وهو وسط بينهما‪ .‬وطرفاه خلقان ذميمان‪ ،‬كالجود‪:‬‬ ‫مكتن َ ٌ‬
‫الذي يكتنفه خلقا البخل والتبذير‪ ،‬والتواضع الذي يكتنفه خلقان الذل والمهانة‪،‬‬
‫والكبر والعلو‪.‬‬
‫ن النفس متى انحرفت عن (التوسط» انحرفت إلى أحد الخلقين الذميمين‬ ‫فإ ّ‬
‫ولبد‪ ،‬فإذا انحرفت عن خلق «التواضع»‪ ،‬انحرفت إما إلى كبرٍ وعلو‪ ،‬وإما‬
‫ل ومهانة وحقارة‪.‬‬ ‫إلى ذ ٍ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫ز‬
‫حةٍ وجرأة‪ ،‬وإما إلى عج ٍ‬ ‫وإذا انحرفت عن خلق «الحياء» انحرفت‪ :‬إما إلى قِ َ‬
‫وخور ومهانة‪ ،‬وإذا انحرفت عن خلق الحلم‪ ،‬انحرفت إما إلى الطيش‬
‫والترف‪ ،‬والحدة والخفة‪ ،‬وإما إلى الذل والمهانة والحقارة‪ ،‬وإذا انحرفت عن‬
‫ط‬‫ش وعنف‪ ،‬وإما إلى تفري ٍ‬ ‫خلق الناة والرفق‪ ،‬انحرفت إما إلى عجلةٍ وطي ٍ‬ ‫ُ‬
‫ب محبوب‪ ،‬عزيز‬ ‫ٌ‬ ‫مهي‬ ‫الوسط‬ ‫الخلق‬ ‫وصاحب‬ ‫بينهما‪،‬‬ ‫والناة‬ ‫والرفق‬ ‫وإضاعة‪،‬‬
‫ب لقاؤه‪ ،‬وفي صفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ‪«:‬من رآه‬ ‫جانبه‪ ،‬حبي ٌ‬
‫بديهة هابه‪ ،‬ومن خالطه عشرة أحبه(( أهـ ]‪[2‬‬
‫ل أن الستقامة هي‪ :‬التزام دين الله عز وجل‪ ،‬بلزوم الوسطية التي‬ ‫والحاص ُ‬
‫ل اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان‬ ‫هي سمة هذا الدين‪ ،‬وهي دلي ٌ‬
‫عليه أصحابه‪ -‬رضي الله عنهم‪ ،‬مع الخلص لله عز وجل في ذلك كله‪ ،‬ولزوم‬
‫ه في حياة العبد‪ ،‬حتى يتوفاه الله عز وجل‪.‬‬ ‫ذلك كل ُ‬
‫__________________‬
‫‪ [1] -‬مسلم جـ ‪ 2‬ص ‪ 8‬باب جامع أوصاف السلم ) كتاب اليمان ( ‪.‬‬
‫]‪ - [2‬مدارج السالكين ‪ ، 311 ، 310 ، 309 / 2‬باختصار ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الستقامة‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫د‪.‬ياسر برهامي‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ,‬ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن‬
‫سيئات أعمالنا‪ ,‬من يهده الله فل مضل له‪ ,‬ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد‬
‫أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫أما بعد‪..‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ما‬‫ه بِ َ‬ ‫وا إ ِن ّ ُ‬ ‫ك َول ت َطغَ ْ‬ ‫معَ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫يقول الله عز وجل‪َ) :‬فا ْ‬
‫ن‬‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما لك ْ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م الّناُر وَ َ‬ ‫سك ُ‬‫ُ‬ ‫م ّ‬ ‫موا فَت َ َ‬ ‫ن ظل ُ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫صيٌر‪َ ،‬ول ت َْرك َُنوا إ ِلى ال ِ‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ت َعْ َ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ل إِ ّ‬ ‫ن اللي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ي الن َّهارِ وَُزلفا ِ‬ ‫صلة َ طَرفَ ِ‬ ‫ن‪ ،‬وَأقِم ِ ال ّ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل ت ُن ْ َ‬ ‫ن أوْل َِياَء ث ُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫الل ّهِ ِ‬
‫َ‬
‫جَر‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صب ِْر فَإ ِ ّ‬ ‫ن‪َ ،‬وا ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ذاك ِ ِ‬ ‫ك ذِك َْرى ِلل ّ‬ ‫ت ذ َل ِ َ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ت ي ُذ ْهِب ْ َ‬ ‫سَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫سادِ ِفي‬ ‫ف َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫قي ّةٍ ي َن ْهَوْ َ‬ ‫م أوُلو ب َ ِ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قُرو ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ول َ‬ ‫ن‪ ،‬فَل َ ْ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫اْل َْر‬
‫كاُنوا‬ ‫ما أت ْرُِفوا ِفيهِ وَ َ‬ ‫موا َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوات ّب َعَ ال ّ ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫جي َْنا ِ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ض إ ِّل قَِليل ً ِ‬ ‫ِ‬
‫ن‪ ،‬وَل َوْ َ‬ ‫َ‬
‫شاَء َرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫حو َ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫قَرى ب ِظ ُل ْم ٍ وَأهْل َُها ُ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫ك ل ِي ُهْل ِ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن‪ ،‬وَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫قهُ ْ‬ ‫خل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َرب ّك وَل ِذل ِك َ‬ ‫َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن‪ ،‬إ ِل َ‬ ‫في َ‬ ‫خت َل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫حد َة ً َول ي ََزالو َ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬ ‫سأ ّ‬ ‫جعَل الّنا َ‬ ‫َ‬ ‫لَ َ‬
‫ص عَل َي ْ َ‬ ‫ن‪ ،‬وَك ُّل ً ن َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ق ّ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫جن ّةِ َوالّنا ِ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مَل ّ‬ ‫ك َل ْ‬ ‫ة َرب ّ َ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬
‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وَت َ ّ‬
‫عظ َ ٌ‬ ‫َ‬
‫ة وَذِك َْرى‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫حقّ وَ َ‬ ‫ك ِفي هَذِهِ ال ْ َ‬ ‫جاَء َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ؤاد َ َ‬ ‫ت ب ِهِ فُ َ‬ ‫ما ن ُث َب ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫س ِ‬ ‫أن َْباِء الّر ُ‬
‫ن‪َ ،‬وان ْت َظ ُِروا‬ ‫مُلو َ‬ ‫عا ِ‬ ‫م إ ِّنا َ‬ ‫كان َت ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مُلوا عََلى َ‬ ‫ن اعْ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫ن‪ ،‬وَقُ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه َفاعْب ُد ْهُ‬ ‫مُر ك ُل ّ ُ‬ ‫جعُ اْل ْ‬ ‫ض وَإ ِل َي ْهِ ي ُْر َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬
‫ْ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ن‪ ،‬وَل ِل ّهِ غَي ْ ُ‬ ‫من ْت َظ ُِرو َ‬ ‫إ ِّنا ُ‬
‫ن( ]هود‪.[123 -112:‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ل عَ ّ‬ ‫ك ب َِغافِ ٍ‬ ‫ما َرب ّ َ‬ ‫ل عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫وَت َوَك ّ ْ‬
‫من أعظم ِ التوجيهات اليمانية التي‬ ‫هذه التوجيهات التي تضمنتها تلك اليات ِ‬
‫من يتساقط فيها‬ ‫ة في زمان الفتن التي يتساقط َ‬ ‫ص ً‬ ‫خا ّ‬ ‫يحتاجها أهل اليمان َ‬
‫من أهل الضللة‪ ،‬فتتحير‬ ‫من يبتعد ِ‬ ‫من أهل الغواية‪ ،‬ويبتعد بسبِبها عن الحق َ‬ ‫ِ‬
‫من‬ ‫العقول وتتقلب القلوب‪ ،‬في ُث َّبت الله عز وجل قلوب المؤمنين بما أنزل ِ‬ ‫ّ‬
‫من آيات هي نور وهدى وشفاء لما في الصدور ورحمة لقوم‬ ‫كتابه الكريم ِ‬
‫يؤمنون‪ ..‬فاللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك‪.‬‬
‫وهذه الوامر القرآنية التي تضمنتها اليات أمر الله عز وجل نبيه صلى الله‬
‫عليه وسلم والمؤمنين فيها بتوجيهات عظيمة وآداب حكيمة أولها الستقامة‬
‫مْرت(‪.‬‬ ‫)َفاستقم ك َ ُ‬
‫ما أ ِ‬ ‫ْ َِ ْ َ‬
‫وقد فسرها السلف بعدة تفسيرات كلها من الحق‪ ،‬منها وأعظمها‪ :‬الستقامة‬
‫على التوحيد واليمان وعدم الرتداد إلى الشرك؛ فإن الذي قال‪ :‬ربي الله‪،‬‬
‫صل أصل الستقامة‪ ,‬ول‬ ‫ثم استقام على ذلك فلم يرجع ولم يبتعد قد ح ّ‬
‫تحصل الستقامة إل بالستقامة على التوحيد واليمان والبتعاد عن الشرك‬
‫والطغيان الذي هو مجاوزة الحد والذي هو أعظم الظلم والعياذ بالله‪.‬‬
‫وأصل الستقامة في القلب‪ ،‬فيستقيم القلب على اليمان حبا ً لله عز وجل‪،‬‬
‫ة‪ ،‬وشوقا ً إليه سبحانه‪ ،‬وزهدا ً في الدنيا‪ ،‬ورغب ً‬
‫ة‬ ‫ل‪ ،‬وإناب ً‬ ‫وخوفًا‪ ،‬ورجاًء‪ ،‬وتوك ً‬
‫في ما عند الله‪ ،‬وشكرا ً لنعمه‪ ،‬وصبرا ً على بلئه‪ ،‬ورضا ً بقضائه‪ ..‬فاستقامة‬
‫القلب على اليمان هو أصل الستقامة التي أمر الله عز وجل بها‪ ،‬وهو الذي‬
‫مهتما ً بحال قلبه‬ ‫يتفرع عليه بعد ذلك أنواعها‪ ,‬ولذلك فلبد أن يكون المؤمن ُ‬
‫وبما ي َرِد ُ عليه مفّتشا ً فيما يقع في نفسه من خواطر وإرادات وعزائم ينظر‬
‫فيها مستبصرًا‪ :‬من أين أتته؟ أهي مما أمر الله عز وجل به وذلك من فضله‬
‫سبحانه؟ أم هي مما يلقي الشيطان من بذور الشر والفساد لُتنبت في القلب‬
‫أنواعَ المراض التي يريد أن يهلك بها النسان من إرادات العلو والفساد في‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرض‪ ,‬إرادة العلو بالرياسة والملك والسلطان‪ ,‬وإرادة الفساد باتباع‬


‫الشهوات الدنيئة الخسيسة ذلك الذي يضل به الناس عن الستقامة‪ ,‬وقد‬
‫سادا(ً‬ ‫َْ‬ ‫دو َ ُ ً‬ ‫جعل الله عز وجل الدار الخرة )ل ِل ّ ِ‬
‫ض َول فَ َ‬
‫ن عُلوّا ِفي الْر ِ‬ ‫ري ُ‬
‫ن ل يُ ِ‬
‫ذي َ‬
‫]القصص‪ :‬من الية ‪ ,[83‬فمن الناس من يريد العلو ومنهم من يريد الفساد‬
‫ومنهم من يريد العلو والفساد‪.‬‬
‫فالذين يريدون العلو ‪-‬وإن لم يريدوا الفساد‪ -‬يريدون ملكا ً ورياسة على أي‬
‫حال‪ ،‬ول مانع عندهم أن يكون ذلك بالدين‪ ,‬وهذا ُيخشى منه على الصالحين‬
‫وذلك أنه ل يلزم أن يكونوا مفسدين‪ ،‬ولكن إذا أرادوا العلو لم يكونوا من أهل‬
‫الخرة‪.‬‬
‫وكذلك من الناس من يريد الفساد ولو لم يرد العلو‪ ,‬يريد أن يتمتع بالشهوات‬
‫ولو كان في أذل حال ولو كان على أضل طريق وأخبثه والعياذ بالله‪ ,‬فليس‬
‫إل نوال خبيث وشهوة دنيئة ولو كان في أحواله كلها بأقذر مكان وعلى أضل‬
‫سبيل‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فتجد كثيرا ً من الناس وقد جمع ذل ً وهوانا ً مع شهوات مستقذرة منحطة‬


‫مترديا ً لم ينل من الحظوظ إل أوهاها‪ ،‬ول من المذاهب إل أرداها‪ ،‬قد فاته عز‬
‫الدنيا وكرامتها مع فناء أيامها وانصرام مهامها‪ ،‬لم ينل منها إل منال البهائم‪،‬‬
‫وربما كانت البهائم أحسن حال ً منه حيث ل تتحمل الهم ول تخاف فتغتم‪ ,‬فل‬
‫مخافة من نائبة‪ ,‬ول حساب في العاقبة‪.‬‬
‫ومن الخلق من يريد العلو والفساد معا ً كإبليس واليهود‪ ,‬ومنهم من ل يريد‬
‫نل‬ ‫علوا ً في الرض ول فسادا ً وهم القلة فتلك الدار الخرة يجعلها الله )ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َْ‬
‫ن( ]القصص‪ :‬من الية ‪.[83‬‬ ‫قي َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫سادا ً َوال َْعاقِب َ ُ‬‫ض َول فَ َ‬ ‫ن عُلوّا ِفي الْر ِ‬
‫دو َ ُ ً‬ ‫ري ُ‬
‫يُ ِ‬
‫فأصل الستقامة على الصراط استقامة القلب وحسن توجهه إلى الله‪ ,‬فلبد‬
‫أن يبحث النسان في قلبه‪ :‬هل يحب الله عز وجل حقًا؟ وهل يرجوه وحده‬
‫ول يرجو سواه؟ وهل يخافه وحده ول يخاف سواه؟ وهل يخلص له سبحانه‬
‫ن( ]غافر‪ :‬من الية ‪[65‬؟‬ ‫دي َ‬‫ه ال ّ‬‫ن لَ ُ‬
‫صي َ‬‫خل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫كما أمر )َفاد ْ ُ‬
‫عوه ُ ُ‬
‫وكذلك يفتش في نفسه عن ضد ذلك‪ :‬هل يقع منه من عمله ما يرائي به‬
‫الناس ويقصد به غير وجه الله؟ هل يقع منه من الحقد والحسد والبغضاء‬
‫والشحناء ما يصرفه عن الستقامة على الصراط؟ هل يقع منه إرادة الدنيا‬
‫وابتغاؤها وانشغال الهم بها وأن تكون هي أكبر الهم ومبلغ العلم؟‬
‫ينظر في حاله ويفتش في نفسه‪ ،‬والمر يبدأ ببذور الخواطر وتنبت بعد ذلك‬
‫الرادات من الخواطر‪ ،‬فعندما يفكر النسان كثيرا ً في أمر معين ويسيطر‬
‫ل‪ -‬يبدأ بنظرة‬ ‫ذلك على قلبه تنبت الرادات الجازمة‪ ,‬فمرض العشق ‪-‬مث ً‬
‫تورث خاطرا ً يخطر بالقلب‪ ،‬ثم يستمر الفكر فتستمر سقى الشيطان لهذه‬
‫البذرة‪ ،‬ثم تسيطر على القلب حتى ل يستطيع منها حراكا ً ول عنها انفكاكًا‪,‬‬
‫ول يتخيل الحياة بدونها‪.‬‬
‫وكذلك حب المال‪ ،‬فالنسان يولد وليس في قلبه حب المال‪ ،‬حتى ما عرفه‬ ‫َ‬
‫صغيرًا‪ ،‬فلو أعطيت طفل ًَ صغيرا ً مائة من الجنيهات أو أكثر لمّزقها بيده‬
‫ولربما ألقاها‪ ،‬ثم ينمو معه حب المال فيكثر التفكير فيه‪ ،‬ويزداد بتخيل الكنوز‬
‫والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة وغيرها من الموال‪ ،‬حتى يجعل‬
‫العبد عبدا ً لهذا المال عظيم الرغبة فيه‪ ,‬لذلك نقول لبد حتى يستقيم القلب‬
‫لبد من تطهيره من الرادات الفاسدة‪ ,‬وملئه بالرادات اليمانية والخواطر‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرحمانية التي تشغل فكر النسان بالخرة فيفكر في الدنيا‪ ..‬في خلق‬
‫ل‪ ،‬وينزهه عن ذلك‪،‬‬ ‫السماوات والرض‪ ،‬ويعلم أن الله ما خلق هذا باط ً‬
‫ويدعوه أن يقيه عذاب النار‪ ,‬ويفكر كثيرا ً في الموقف بين يدي الله تعالى‪،‬‬
‫وفي قيام الناس لرب العالمين‪ ،‬والشمس دانية فوق رءوسهم‪ ..‬يفكر كثيرا ً‬
‫في الحساب‪ ،‬وفي الميزان‪ ،‬وفي الصراط وكيف سيمر عليه بعمله وكيف‬
‫م ْ‬
‫ل‬ ‫ن ي َعْ َ‬
‫م ْ‬‫سيجازى على أعماله كلها بميزان الحق والقسطاس المستقيم‪) :‬فَ َ‬
‫ه( ]الزلزلة‪.[8 ،7:‬‬‫شّرا ً ي ََر ُ‬ ‫قا َ‬
‫ل ذ َّرةٍ َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ل ِ‬‫م ْ‬‫ن ي َعْ َ‬
‫م ْ‬ ‫خْيرا ً ي ََر ُ‬
‫ه‪ ،‬وَ َ‬ ‫قا َ‬
‫ل ذ َّرةٍ َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ِ‬
‫ويفكر في الجنة‪ ،‬وفي أحوال أهلها‪ ،‬ونعيمهم‪ ،‬وما يتمتعون به من مجاورة‬
‫الرب الكريم سبحانه وتعالى‪ ،‬والنظر إلى وجهه عز وجل في جنات عدن التي‬
‫مل ويفكر‬ ‫فيها ما ل عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على قلب بشر‪ ،‬ويتأ ّ‬
‫ذبون بأنواع الحرمان وأنواع‬ ‫كثيرا ً في أهل النار وهم يتضاغون فيها وُيع ّ‬
‫العذاب الليم في طعامهم‪ ،‬وشرابهم‪ ،‬ولباسهم‪ ،‬وأحوالهم كلها‪ ..‬ذلك الفكر‬
‫الذي يثمر استقامة القلب؛ لن هذه الخواطر تثمر الرادات التي تجعل العبد‬
‫يطلب الجنة ويبتعد ويفر من النار‪.‬‬
‫ويفكر في وحدانية الله عز وجل في‪ :‬أسمائه‪ ،‬وصفاته‪ ،‬وأفعاله‪ ،‬وقضائه‪،‬‬
‫وقدره‪ ،‬وقدرته‪ ،‬وعظيم صنعه‪ ,‬ويفكر في ربوبيته وألوهيته؛ فيكون على‬
‫أكمل الحوال‪ ,‬ثم ُيطّهر قلبه من كل ما يضاد ذلك ويخالفه حتى يستقيم على‬
‫جة‪.‬‬ ‫سبيل غير معو ّ‬
‫ثم الستقامة بعد ذلك للسان فإنه رأس الجوارح بعد القلب‪ ,‬والعضاء به‪,‬‬
‫جت فلينظر النسان فيما يتكلم به‬ ‫فإن استقام استقامت وان اعوج اعو ّ‬
‫وليحذر مما حّرم الله عز وجل من الكذب‪ ،‬والغيبة‪ ،‬والنميمة‪ ،‬والسب‪،‬‬
‫والبذاء‪ ،‬والطعن في الناس‪ ،‬وأذيتهم بلسانه ذلك مما يكب الناس على‬
‫وجوههم في النار‪ ،‬كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه‪:‬‬
‫"وهل يكب الناس على وجوههم أو قال على مناخرهم في النار إل حصائد‬
‫ألسنتهم" صحيح رواه الترمذى وغيره‪.‬‬
‫فلبد من استقامة اللسان لستقامة القلب والجوارح‪ ،‬ولبد من انشغاله بذكر‬
‫الله تعالى؛ فإن أهل الجنة ليسوا يتحسرون إل على ساعة مرت عليهم لم‬
‫ف لسانه إل من خير فهو إما ذاكر غانم أو‬ ‫يذكروا الله فيها‪ ,‬ولبد أن يك ّ‬
‫ساكت سالم‪ ،‬وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬من كان يؤمن بالله‬
‫واليوم الخر فليقل خيرا ً أو ليصمت"‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ثم استقامة الجوارح بعده‪ ،‬وأهمها العين؛ فإنها أسرع المنافذ إلى القلب‬
‫وأقصر الطرق إليه‪ ,‬والنظر دائما ً يورث تقّلب القلوب وتغيرها سريعًا‪ ،‬فليحذر‬
‫النسان من النظر إلى ما حرم الله عز وجل‪ ،‬وكم من الناس سيطر عليهم‬
‫الشيطان بالنظر إلى ما حّرم الله من خلل ما تعرضه وسائل الفساد التي‬
‫يقوم عليها الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا‪.‬‬
‫وفساد النظر في زماننا أعظم بكثير منه في الزمنة الماضية حيث لم يكن‬
‫الناس بهذه الكثرة‪ ،‬وما كانوا بهذا الفجور‪ ،‬وما كان الفساد بهذا التساع‪ ,‬كان‬
‫غض البصر أمرا ً ُيحتاج إليه رغم قلة الفساد‪ ،‬فكيف حين ازداد؟ وكيف إذا‬
‫كان الشر يأتيك من المشرق والمغرب ومن العالم كله من خلل أجهزة‬
‫الفساد ومن خلل الجرائد والمجلت؟‬
‫وتأملوا كيف يسعى الشباب والرجال والنساء إلى النظر إلى الصور المحرمة‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والعورات المكشوفة‪ ،‬وأن المجلت التي تتضمن ذلك والجرائد هي أكثر‬


‫الجرائد والمجلت مبيعًا‪ ،‬والفلم التي تعرض فيها تلك الصور هي أكثرها‬
‫جار يأتون الفاحشة وهم يبصرون ويأتون في‬ ‫عرضا ً وانتشارًا‪ ،‬فصار الف ّ‬
‫نواديهم المنكر‪ ،‬فهذا وأمثاله مما يمرض القلوب ويميتها ويمنعها الستقامة‬
‫مما ل يجعلها ثابتة على الحق‪ ،‬فلبد من استقامة النظر بغض البصر‪ ،‬والكف‬
‫عن المحارم‪ ،‬وأن يستعمل العبد نظره في طاعة الله عز وجل‪ ،‬فينظر في‬
‫كتاب الله تعالى متدبرًا‪ ،‬وفي ملكوت السماوات والرض متفكرًا‪ ،‬وذلك من‬
‫ك‬‫ل ُأول َئ ِ َ‬
‫ؤاد َ ك ُ ّ‬‫ف َ‬‫صَر َوال ْ ُ‬ ‫معَ َوال ْب َ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عبودية العين‪ ,‬والله عز وجل يقول‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ل( ]السراء‪ :‬من الية ‪.[36‬‬ ‫ؤو ً‬
‫س ُ‬‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن عَن ْ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫وبعد ذلك استقامة الذن أيضا‪ ،‬وهي من أقصر الطرق إلى القلب بعد العين‬ ‫ً‬
‫وربما تسبقها عند كثير من الناس‪ ،‬ولذلك تجد السماع المحرم من أعظم ما‬
‫ُيضل الشيطان به الناس‪ ,‬فيعكفون على سماع المعازف المحرمة والغاني‬
‫الفاسدة‪ ,‬لُيمنع القلب وُيحرم من استقامته على الصراط كي ل تفيق القلوب‬
‫بعد لهوها من غفلتها‪ ,‬وكي ل تدرك أفضل ما يمكنها إدراكه بعد استقامتها من‬
‫حب الله ومعرفته والنس به والشوق إلى لقائه وإفراده بالخوف والرجاء‬
‫والتوكل وسائر العبادات‪ ،‬فيمنعهم الشيطان أن يسمعوا كتاب الله عز وجل‬
‫إل في حالت الهم والغم والكرب والحزن‪ ,‬وإذا قيل لهم اسمعوا لهذا القرآن‬
‫قالوا‪ :‬أنحن في مأتم؟!‪ ،‬فجعلوا القرآن ‪-‬الذي هو هدى وشفاء لما في‬
‫الصدور‪ -‬للمآتم والحزان ل يذكرهم مفازع الخرة‪ ،‬ولقد يسره الله للذكر‬
‫ولكنهم كانوا قد أدمنوا سماع المعازف واللحان المطربة وسماع الغاني‬
‫حيل بينهم وبين طعوم اليمان‬ ‫السخيفة السمجة التي تحث على الفساد ف ِ‬
‫وملذه بالذكر الحكيم‪ ,‬وحرمت تلك القلوب ابتغاؤها أن تستقيم‪.‬‬
‫لماذا يصعب على النسان أن يستجيب للحق؟ لماذا ل يتأثر بسماع الموعظة‬
‫من كتاب الله عز وجل ومن كلم رسوله صلى الله عليه وسلم بل ربما ل‬
‫وَ‬
‫ل؟‪ ,‬قلة الفهم هذه سببها قلة الخير في القلب‪ ،‬كما قال تعالى‪) :‬وَل ْ‬ ‫يفهما أص ً‬
‫َ‬
‫ن( ]النفال‪:‬‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫وا وَهُ ْ‬ ‫م ل َت َوَل ّ ْ‬
‫معَهُ ْ‬‫س َ‬‫م وَل َوْ أ ْ‬‫معَهُ ْ‬ ‫خْيرا ً َل ْ‬
‫س َ‬ ‫م َ‬‫ه ِفيهِ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫عَل ِ َ‬
‫‪.[23‬‬
‫فكثير من الناس ل يفهم‪ ،‬وذلك لندرة الخير في قلبه‪ ،‬فمتى وجدت كلم الله‬
‫عز وجل وكلم رسوله صلى الله عليه وسلم صعبا ً على الفهوم فاعلم أن‬
‫ن ِللذ ّك ْرِ فَهَ ْ‬
‫ل‬ ‫قْرآ َ‬ ‫سْرَنا ال ْ ُ‬ ‫قد ْ ي َ ّ‬ ‫الخير قليل في القلوب لن الله تعالى يقول‪) :‬وَل َ َ‬
‫ر( ]القمر‪ ،[17:‬يعني هل من متذكر‪.‬‬ ‫مد ّك ِ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ولذلك نقول‪ :‬أصل الستقامة استقامة القلب ثم استقامة اللسان والجوارح‬
‫تؤثر على القلب بغير شك ويدخل إلى القلب منها ما يؤذيه كما قال ابن‬
‫مسعود رضي الله عنه‪) :‬والله الذي ل إله إل هو إن الغناء لينبت النفاق في‬
‫القلب كما ينبت الماء البقل(‪ ,‬ولقد صدق رضي الله عنه عنه ويعني به الغناء‬
‫المحرم الفاحش المشتمل على العبارات المنكرة والمعاني الفاسدة‬
‫والمعازف المحرمة‪ ،‬وهذا كلم مجرب‪ ،‬وكلم ناصح عارف لما ينبت النفاق‬
‫في القلوب‪.‬‬
‫ومن عجب أن الناس ل يستغنون عن الملهي والمعازف ليل نهار‪ ,‬فكيف‬
‫يمكن للقلب أن يستقيم؟ لبد أن يشغل العبد سمعه بذكر الله عز وجل‬
‫ليستقيم على طاعته سبحانه‪ ..‬لبد أن ينشغل بسماع القرآن‪ ،‬وسماع‬
‫الموعظة الحسنة‪ ،‬وسماع دروس العلم حتى ينتفع بذلك ويهتدي إلى سواء‬
‫السبيل‪.‬‬
‫وكذلك استقامة باقي الجوارح من‪ :‬اليد‪ ،‬والرجل‪ ،‬والبطن‪ ،‬والفرج‪ ،‬فإن كل ً‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منها له أثره في استقامة القلب وصلحه‪.‬‬


‫ً‬
‫ت( فلبد إذا من المتابعة‪ ،‬وإذا كان النسان قد‬ ‫يقول تعالى‪َ) :‬فاستقم ك َ ُ‬
‫مْر َ‬
‫ما أ ِ‬
‫ْ َِ ْ َ‬
‫عزم على أن يسير في الطريق فلبد أن يعلم معالمه وحدوده‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ت( لبد من متابعة المر‪ ,‬إذا ً لبد أن نتعلم أمر الله تعالى وأمر‬ ‫)ك َ ُ‬
‫مْر َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫َ‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لن كيفية الستقامة ل يكفي فيها مجرد العزم‬
‫حتى نتعلم ما أمرنا به‪ ,‬فلبد أن نسمع أوامر الله بتفهم وتدبر لتعرف ما‬
‫أمرك به عز وجل‪ ,‬ولبد إذا ً من قراءة القرآن‪ ،‬ومعرفة سيرة النبي صلى الله‬
‫دد حدود المر الذي أمرنا به؛ فإن‬ ‫عليه وسلم‪ ..‬لبد من تعلم العلم لكي نح ّ‬
‫كثيرا ً من الناس يريد أن يسلك إلى الله عز وجل ولكنه يخطئ الطريق‬
‫فيسير في طريق غير الطريق المأمور به‪ ،‬ويبتدع في دين الله‪ ،‬فيرد عليه‬
‫عمله‪ ،‬كما قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو‬
‫رد" رواه مسلم‪.‬‬
‫معَك( وصف‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب َ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬‫ت وَ َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫مك َ‬ ‫ق ْ‬‫ست َ ِ‬ ‫يقول الله عز وجل في هذه الية‪) :‬فا ْ‬
‫سبحانه المؤمنين هنا بالتائبين‪ ،‬وهو وصف تكّرر ذكره مع الستقامة في‬
‫ن(‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ل ل ِل ْ ُ‬‫فُروهُ وَوَي ْ ٌ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫موا إ ِل َي ْهِ َوا ْ‬ ‫قي ُ‬ ‫مواضع‪ ،‬كما في قوله تعالى‪َ) :‬فا ْ‬
‫ست َ ِ‬
‫ُ‬
‫ك( ]هود‪:‬‬ ‫معَ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ست َ ِ‬‫]فصلت‪ :‬من الية ‪ ،[6‬وقال هنا‪َ) :‬فا ْ‬
‫من الية ‪ ،[112‬إذا ً لبد من زلت وأخطاء‪ ،‬وليس الشأن في وقوع تلك‬
‫الخطاء إنما الشأن في عدم تداركها؛ فإن كل بني آدم خطاء‪ ،‬وخير الخطائين‬
‫التوابون‪ ،‬وقد علمنا قول النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن عبدا ً أذنب ذنبًا‪،‬‬
‫فقال‪ :‬رب أذنبت ذنبا ً فاغفره لي‪ ،‬فقال الله‪ :‬علم عبدي أن له ربا ً يغفر‬
‫الذنب ويأخذ به‪ ،‬قد غفرت لعبدي‪ ,‬ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا ً فقال‪:‬‬
‫رب أذنبت ذنبا ً فاغفر لي‪ ،‬قال الله‪ :‬علم عبدي أن له ربا ً يغفر الذنب ويأخذ‬
‫به‪ ،‬قد غفرت لعبدي" ويقول في الثالثة‪" :‬قد غفرت لعبدي‪ ،‬فليعمل ما شاء"‪.‬‬
‫فالشأن إذا ً أن نكون دائما ً من التائبين كما قال الله تعالى‪) :‬وَُتوُبوا إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه‬
‫َ‬
‫حون( ]النور‪ :‬من الية ‪ ،[31‬لم يقل أيها‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫ن ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م تُ ْ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ميعا ً أي َّها ال ْ ُ‬ ‫ج ِ‬‫َ‬
‫العاصون ول أيها الفاسقون‪ ،‬وإنما ُدعى التقياء إلى مقام التوبة‪ :‬مقام‬
‫البتداء ومقام النتهاء‪ ..‬مقام لبد أن يصحبك منذ البداية منذ أن تعزم على‬
‫جاعين إلى الله‬ ‫الستقامة حتى تصل إلى الجنة إن شاء الله‪ ،‬لبد أن نكون ر ّ‬
‫تائبين دائمًا‪ ,‬تحاسب نفسك فتدرك التقصير فتستغفر الله وتتوب إليه‪ ,‬وقد‬
‫قال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه‬
‫فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة" متفق عليه‪.‬‬
‫وقد أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم بعد إكمال جهاده في‬
‫رسالته ودعوته‪ ،‬وبعد أن تحققت الغاية المقصودة من حياته وبعثته‪ ،‬وجاء‬
‫جاَء‬ ‫نصر الله والفتح‪ ،‬ودخل الناس في دين الله أفواجًا‪ ،‬أنزل الله تعالى‪) :‬إ َِذا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مد ِ َرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫ح ْ‬‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫واجًا‪ ،‬فَ َ‬ ‫ن الل ّهِ أفْ َ‬ ‫ن ِفي ِدي ِ‬ ‫خُلو َ‬ ‫س ي َد ْ ُ‬ ‫ت الّنا َ‬ ‫ح‪ ،‬وََرأي ْ َ‬ ‫فت ْ ُ‬‫صُر الل ّهِ َوال ْ َ‬ ‫نَ ْ‬
‫وابا( ]النصر‪.[3 -1:‬‬ ‫ً‬ ‫ن تَ ّ‬ ‫َ‬
‫ه كا َ‬ ‫فْرهُ إ ِن ّ ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫َوا ْ‬
‫فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى الستغفار ويؤمر به‪ ،‬وقد غفر‬
‫له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪ ،‬وكان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده‪:‬‬
‫"سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"‪ ,‬وإذا كان الصحابة يعدون له‬
‫في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة‪" :‬رب اغفر لي وتب علي إنك أنت‬
‫التواب الرحيم"‪ ،‬وليس استغفاره صلى الله عليه وسلم كاستغفارنا الذي‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يحتاج إلى استغفار‪ ,‬إنما هو استغفار نابع من شهود حقيقي للتقصير‪,‬‬


‫وتقصيره صلى الله عليه وسلم بمنزلة الحسنات لنا فإن حسنات البرار‬
‫سيئات المقربين‪.‬‬
‫ثم تأمل قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي‬
‫وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني‪ ،‬اللهم اغفر لي جدي وهزلي‬
‫وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي‪ ،‬اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما‬
‫أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني‪ ،‬أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت‬
‫على كل شيء قدير"‪.‬‬
‫فإذا كان صلى الله عليه وسلم يتوب إلى الله هذه التوبة‪ ،‬ويستغفر هذا‬
‫الستغفار‪ ،‬وهو أعلم الخلق بالله وأشدهم له خشية‪ ،‬فما الظن بأحوالنا؟ ربما‬
‫ن الواحد منا أنه غاية في الستقامة وبحر من بحور العلم وقدوة في‬ ‫ظ ّ‬
‫الدعوة والبذل والجهاد وآية في المر بالمعروف والنهي عن المنكر نسأل‬
‫الله العافية‪ ,‬وهذا كله من الخلل الذي يؤدي بنا إلى أنواع الفشل وأنواع‬
‫الفساد‪ ،‬لذلك لبد من تحقيق التوبة في هذا المقام؛ لن الستضعاف إنما‬
‫يحصل بالذنوب‪ ,‬ويتسلط الظلمة على المسلمين باقتراف الذنوب ووجود‬
‫التقصير‪ ,‬فُيستدرك المر بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى ولذلك قال‬
‫صْرَنا عََلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَنا َوان ْ ُ‬ ‫ت أقْ َ‬
‫دا َ‬ ‫مرَِنا وَث َب ّ ْ‬ ‫سَرافََنا ِفي أ ْ‬ ‫فْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنا وَإ ِ ْ‬
‫المؤمنون‪َ) :‬رب َّنا اغْ ِ‬
‫رين( ]آل عمران‪ :‬من الية ‪ ،[147‬وقالوا لما دعوا ربهم أل‬ ‫قوْم ِ ال ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫فْر ل ََنا َرب َّنا إ ِن ّ َ‬
‫ك‬ ‫فُروا َواغْ ِ‬‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ة ل ِل ّ ِ‬‫جعَل َْنا فِت ْن َ ً‬
‫يجعلهم فتنة للذين كفروا‪َ) :‬رب َّنا ل ت َ ْ‬
‫َ‬
‫م( ]الممتحنة‪.[5:‬‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ت ال ْعَ ِ‬‫أن ْ َ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وقد جعل الله سبحانه الستغفار سببا ً لتفريج الكروب‪ ،‬وأمر بالستغفار‬
‫والتوبة في خواتيم العبادات ليس فقط بعد ارتكاب السيئات والوقوع في‬
‫ضوا‬ ‫الزلت‪ ،‬فكان بعد الوقوف بعرفة المر بالستغفار‪ ،‬قال عز وجل‪) :‬ث ُ َ‬
‫م أِفي ُ‬ ‫ّ‬
‫من ح ي ُ َ‬
‫م( ]البقرة‪,[199:‬‬ ‫حي ٌ‬
‫فوٌر َر ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه غَ ُ‬ ‫ه إِ ّ‬‫فُروا الل ّ َ‬‫ست َغْ ِ‬
‫س َوا ْ‬
‫ض الّنا ُ‬‫ث أَفا َ‬ ‫ِ ْ َ ْ‬
‫وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بعد الصلة‪" :‬أستغفر الله أستغفر‬
‫الله أستغفر الله"‪ ,‬وبعد التشهد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي‬
‫الله عنه أن يقول‪" :‬اللهم إني ظلمت نفسي ظلما ً كثيرا ً ول يغفر الذنوب إل‬
‫أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم"‪.‬‬
‫فالتوبة إلى الله عز وجل مقام ل يستغني عنه النبياء والصديقون‪ ،‬فضل ً عن‬
‫المقصرين والمفرطين‪.‬‬
‫إذا ً لبد من وقوع التفريط‪ ،‬ولبد من معالجة التفريط‪ ،‬فل تيأس من تكرار‬
‫أخطائك وكثرتها‪ ،‬وعليك أن تستدرك تلك الخطاء‪ ،‬وأل تصر عليها‪ ،‬هذا هو‬
‫الداء فإنما يأتي البلء من إهمال العبد معالجة نفسه‪ ،‬وما من مرض تبادر إلى‬
‫علجه ومداواة نفسك منه إل زال بإذن الله؛ فإنك إذا أهملت أدمنت‪.‬‬
‫ول يزال الوقوع في المعاصي والذنوب بالعبد وتركه الطاعات والقبال عليها‬
‫حتى يعضل به الداء فلبد من الرجوع والتوبة‪.‬‬
‫معَك(‪ ،‬لكي تنتبه إلى أمر عظيم‬ ‫َ‬ ‫ب َ‬ ‫ن َتا َ‬‫م ْ‬ ‫ك( في قوله‪) :‬وَ َ‬ ‫معَ َ‬
‫ثم تأمل قوله‪َ ) :‬‬
‫ً‬
‫وهو أنه لبد من معية الصالحين‪ ,‬لبد أن نكون أول مع الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم بمتابعة سنته وأن نكون معه عبر الزمان وعبر المكان‪ ،‬وهذا‬
‫يحصل باللتزام بدينه نصرة ومحبة وصدقًا‪ ،‬واللتزام بسنته تعلما ً وتعليما ً‬
‫وتطبيقًا‪ ،‬ول نعني بالسنة النوافل ولكن طريقة النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والمنهج الذي جاء به فهذا طريق النجاة وأصحابه هم الفرقة الناجية الذين‬
‫أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم‪" :‬من كانوا على مثل ما أنا عليه‬
‫وأصحابي"‪ ،‬وهذا يحصل بدراسة السيرة والسنة حتى يحب النسان هذه‬
‫الطريقة بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيثبت على الصراط‪,‬‬
‫ودراسة هذا وتأمله وتدبره يجعلنا نسير على طريق الحق ونستقيم بإذن الله‪.‬‬
‫وكذلك لبد من معية الصالحين‪ :‬معية من يكونون على نفس الطريق؛ فتلك‬
‫المعية وهذه الصحبة من أعظم أسباب الستقامة‪ ,‬أن تكون مع إخوانك في‬
‫الله عز وجل‪ ,‬وكلما ابتعدت عن إخوانك كلما تفرد بك الشيطان‪ ،‬فالشيطان‬
‫ذئب النسان‪ ،‬وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية‪ ،‬فعليكم بالجماعة فإن‬
‫الشيطان مع الواحد وهو من الثنين أبعد‪.‬‬
‫وصلة الجماعة أحد مظاهر صحبة الصالحين حيث نراهم ويروننا‪ ،‬وننصحهم‬
‫وينصحوننا‪ ،‬ونذكرهم ويذكروننا‪ ،‬فأنت عون لهم وهم عون لك على طاعة الله‬
‫عز وجل‪ ,‬وصلة الجماعة فرض على العيان على الصحيح‪ ،‬وذلك إشارة إلى‬
‫أهمية تلك المعية وفضل تلك الصحبة‪.‬‬
‫ثم إياك وصحبة الشرار فإن جليس السوء إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد‬
‫منه ريحا ً خبيثة‪.‬‬
‫ولبد أن يكون لك مع إخوانك أوقات تقضيها في طاعة الله عز وجل‪ ،‬ول‬
‫أعني بصحبة الصالحين مجرد قضاء الوقت بل فائدة مع من تظن صلحهم‪،‬‬
‫شرع الجتماع‬ ‫بل لبد أن تكون معهم على الطاعة فتجتمع معهم على طاعة ُ‬
‫فيها‪ :‬كصلة الجماعة‪ ،‬ومجالس الذكر‪ ،‬ودروس العلم‪ ،‬وحفظ القرآن‪ ،‬وزيارة‬
‫الخوان‪ ،‬وعيادة المريض‪ ،‬وكل ما كان من أسباب الجتماع مع أهل الخير‬
‫والصلح تكون فيه معهم ومنهم‪ ،‬وإياك أن تبتعد عنهم فإن غاية ما يريده‬
‫العداء لكي يضلوا عباد الله رجال ً ونساًء أن يبتعدوا عن إخوانهم في اللتزام‪،‬‬
‫وأن يتفرقوا في أهواء متعددة ومناهج متفرقة‪ ،‬فإن ذلك يؤدي إلى ضعف‬
‫اليمان والتردي بعيدا ً عن حقيقة الستقامة‪.‬‬
‫ولذلك نقول مرارا ً لبد في الستقامة من صحبة صالحة وهم القوم ُينتفع بهم‬
‫بصلحهم‪ ،‬وهم القوم ل يشقى بهم جليسهم‪ ،‬ويغفر للعبد بوجوده معهم‪ ،‬ولو‬
‫لم يكن منهم كما في الحديث الصحيح "أن الله عز وجل يشهد ملئكته أنه‬
‫غفر للذين يسبحونه ويحمدونه ويهللونه ويكبرونه ولم يروه ويسألونه الجنة‬
‫ويعوذون به من النار فيقول الله عز وجل‪ :‬أشهدكم أني قد غفرت لهم‪,‬‬
‫فيقول واحد من الملئكة‪ :‬يا رب فيهم فلن عبد خطاء ليس منهم‪ ,‬إنما جلس‬
‫لحاجة‪ ،‬فيقول الله‪ :‬وله غفرت هم القوم ل يشقى بهم جليسهم"‪.‬‬
‫فكن مع هؤلء الذين ل تشقى بهم تكن من المستقيمين على أمر الله عز‬
‫وجل‪ ,‬وإن عدمت في محلتك من يعينك على الخير فلن تعدم في كتاب الله‬
‫وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفي سيرة الصالحين من تعيش‬
‫معهم أوقاتا ً تتذكر من خللها طريق الهدى‪ ,‬وكلما نقرأ في سير الصالحين‬
‫كلما نزداد استقامة على صراط الله ونعلم من أنفسنا مدى التقصير الذي‬
‫نحن عليه‪ ،‬فنستغفر الله ونعاود العزم والهمة على السير على طريق الله‬
‫سبحانه وتعالى‪ ,‬ولو نظر كل واحد منا في أسباب التزامه ابتداء ربما وجد‬
‫صديقا ً صالحا ً كان عونا ً له على طاعة الله‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويكفي في شرف صحبة الصالحين أن الله عز وجل عندما ذكر أصحاب‬


‫الكهف ذكر معهم كلبهم الذي صحبهم في المواضع المختلفة التي ذكرهم الله‬
‫ب صحب الصالحين ذكره الله معهم‪ ،‬فما الظن‬ ‫عز وجل فيها‪ ،‬فإذا كان كل ٌ‬
‫بمؤمن صادق اليمان صحب الصالحين من المؤمنين؟‬
‫م‬
‫سهُ ْ‬ ‫سادِ ُ‬‫ة َ‬‫س ٌ‬
‫م َ‬‫خ ْ‬ ‫ن َ‬‫قوُلو َ‬ ‫م وَي َ ُ‬‫م ك َل ْب ُهُ ْ‬‫ة َراب ِعُهُ ْ‬ ‫ن َثلث َ ٌ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫سي َ ُ‬ ‫قال الله عز وجل‪َ ) :‬‬
‫م( ]الكهف‪ :‬من الية ‪,[22‬‬ ‫م ك َل ْب ُهُ ْ‬‫من ُهُ ْ‬ ‫ة وََثا ِ‬ ‫سب ْعَ ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ب وَي َ ُ‬‫جما ً ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫ك َل ْب ُهُ ْ‬
‫م َر ْ‬
‫د( ]الكهف‪ :‬من الية ‪ ،[18‬فهذا‬ ‫صي ِ‬ ‫ْ‬
‫سط ذَِراعَي ْهِ ِبالوَ ِ‬ ‫ٌ‬ ‫م َبا ِ‬ ‫ْ‬
‫ويقول سبحانه‪) :‬وَك َلب ُهُ ْ‬
‫ونحوه مما يدلنا على أن النسان إذا صحب الصالحين كان ذلك أكبر عون له‬
‫على طاعة الله عز وجل‪.‬‬
‫وقد أمر المؤمنون أن يكونوا مع النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فلنكن معه‬
‫دائما ً على كل حال‪ ،‬ولنكن مع من كان معه؛ لن العلماء ورثة النبياء‪،‬‬
‫والصالحون نؤمر بمتابعتهم ومعيتهم لنكون دائما ً ذاكرين لله عز وجل‪.‬‬
‫قال تعالى‪َ) :‬فاستقم ك َ ُ‬
‫وا(‪ ،‬والطغيان مجاوزة‬ ‫ك َول ت َط ْغَ ْ‬ ‫معَ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬‫ت وَ َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫ْ َِ ْ َ‬
‫الحد‪ ،‬فل تتجاوز حدود الله عز وجل‪ ،‬ول تبغ ول تتعد‪ ،‬فالتعدي والتجاوز لحدود‬
‫الشرع هو الذي يؤدي إلى الحرمان حتى ولو كان في مرحلة الستضعاف‪,‬‬
‫وكل مجاوزة لحدود الله هي من أسباب تأخير التمكين ومن أسباب البعد عن‬
‫الستقامة‪ ,‬فإذا كنت على طريق مستقيم ثم تجاوزت الحد خرجت عن‬
‫الطريق‪ ,‬لبد أن تظل على الصراط‪ ..‬وهذا مما يؤكد أهمية معرفة حدود الله‬
‫حتى ل يطغى النسان‪ ،‬وحتى ل يظلم‪ ،‬وحتى ل يتجاوز كما قال تعالى‪:‬‬
‫ه(‬‫سول ِ ِ‬‫ه عََلى َر ُ‬‫ل الل ّ ُ‬‫ما أ َن َْز َ‬ ‫دود َ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫موا ُ‬
‫َ‬
‫جد َُر أّل ي َعْل َ ُ‬
‫َ‬
‫فاقا ً وَأ ْ‬ ‫فرا ً وَن ِ َ‬‫شد ّ ك ُ ْ‬ ‫ب أَ َ‬‫)اْل َعَْرا ُ‬
‫]التوبة‪ :‬من الية ‪.[97‬‬
‫والطغيان سببه أساسا الرغبة في الدنيا‪ ،‬وهذه الرغبة تحث المرء على تطلعه‬ ‫ً‬
‫فيها تطلعا ً ل ينقضي معه الطمع‪ ،‬وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬لو‬
‫كان لبن آدم واديان من ذهب لتمنى أن يكون له ثالثًا‪ ,‬ولن يمل فاه ابن آدم‬
‫إل التراب ويتوب الله على من تاب"‪.‬‬
‫وظلم الناس من أعظم مظاهر الطغيان فاحذر أن تظلم إخوانك المسلمين‪،‬‬
‫بل احذر أن تظلم أحدا ً قط أبدًا؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة‪ ,‬والطغيان‬
‫ولو على مشرك من أسباب الحرمان ومن أسباب الفساد وتأخير النصر‬
‫والتمكين‪.‬‬
‫صيٌر( فهذا ترغيب وترهيب‪ :‬ترغيب في الكتفاء‬ ‫َ َ ِ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫ب‬
‫ِّ ُ ِ َ َ ْ َ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫)‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫قال‬
‫برؤية الله عز وجل إياك في استقامتك وتوبتك ومعيتك للصالحين؛ فإن كثيرا ً‬
‫من الناس إنما ينظر في ذلك إلى نظر الناس لنه لم يستشعر نظر الرب عز‬
‫وجل إليه‪ ..‬لو استحضر أن الله يبصر عمله والله ما التفت إلى الخلق طرفة‬
‫عين‪ ..‬إذا استحضر أن مالك الملك يراه ويطلع على عمله ماذا ينتظر بعد‬
‫ذلك من رؤية الناس؟‬
‫والرياء طلب الرؤية‪ ،‬وإنما يحصل للعبد بالنظر إلى الناس ليروا عمله فهو‬
‫يرائيهم أي يطلب رؤيتهم عمله ومن هنا سمي رياًء‪ ،‬وكذلك السمعة يطلب‬
‫أن يسمعوه يطلب أن يتكلموا عنه وأن ُيسمع بعضهم بعضا ً مدحه وحسن‬
‫الثناء عليه‪.‬‬
‫فمتى علمت أن الله سميع بصير كفاك نظر الله تعالى إليك‪.‬‬
‫وإذا قيل لحد من الناس إن الرئيس أو الملك يقرأ تقارير عملك في خدمته‬
‫بنفسه‪ ,‬هل يبحث عن الحراس الذين يحرسون الملك أو عن الخدم الذين‬
‫يخدمون الرئيس أو عن التباع؟ ل شك أنه سوف يكون مهتما ً جدا ً بأن أعماله‬
‫سوف تعرض على هذا مباشرة‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما بصر الرب سبحانه وتعالى وسمعه وشهادته فبغير وسائط كما في الية‪:‬‬
‫صيٌر( فإذا ما استحضر العبد بصر الرب عز وجل عمله لم‬ ‫ن بَ ِ‬‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫ه بِ َ‬
‫)إ ِن ّ ُ‬
‫يطلب قطعا رؤية الناس‪ ،‬ول سمعهم فأخلص لله عز وجل‪ ..‬وفي هذا التنبيه‬ ‫ً‬
‫على شرط الخلص‪ ،‬وفيه الترهيب من أن تعمل خلف ما أمرك به فإنه بما‬
‫تعملون بصير‪.‬‬
‫فإذا راقبت الله سبحانه وتعالى واستحضرت أنه يبصر أعمالك فلن تعصيه بل‬
‫ستخلص وتتابع وتطيع‪ ،‬وهذا أثر من آثار اليمان بأسماء الله وصفاته‪ ،‬فهذه‬
‫شروط العبادة كلها من إخلص وإتباع وطاعة تحصل كثمرة من ثمرات‬
‫اليمان باسم الله البصير‪.‬‬
‫وأنت ترى في الواقع مثل ً أن الطالب في المتحان عندما يكون مستحضرا ً‬
‫بصر المراقب له هل سيغش؟ لن يفعل بل سيكون حريصا ً على النظر في‬
‫حال نفسه مراعيا ً ما يؤمر به منتهيا ً عما ينهى عنه‪ ,‬لذلك نقول هذا ترغيب‬
‫وترهيب‪ ,‬ترغيب لتخلص لله وحده وترهيب من أن تخالف أمره أو أن تبتغي‬
‫بصر غيره‪.‬‬
‫ثم ننتقل إلى أدب آخر من تلك الداب التي تضمنتها هذه اليات في قوله‬
‫سك ُ ُ‬
‫م الّناُر(‪ ،‬وهو النهي عن الميل‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬
‫موا فَت َ َ‬
‫م ّ‬ ‫تعالى‪َ) :‬ول ت َْرك َُنوا إ َِلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫والركون إلى الظلمة‪.‬‬
‫وفترة الستضعاف التي تمر بها المة فترة حرجة خطيرة فإن ثمة ضغوطا ً‬
‫شديدة تدفعك إلى أن تميل مع الباطل‪ ،‬وتركن إلى الظلمة‪ ،‬وتطمئن إليهم‪،‬‬
‫وترضى بفعلهم‪ ،‬وتتمنى أن تكون مثلهم‪ ,‬وكم من أناس إنما صاروا مع‬
‫الظلمة بالرضا بأفعالهم والمتابعة لهم والركون إليهم‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وكثير من الناس من يقول‪" :‬أنا أريد الحق ولكن ماذا أصنع؟ الناس يأمرونني‬
‫بغير ذلك"‪ ،‬وكثير منهم من يضحي بدينه في سبيل أن يعيش ‪-‬بزعمه‪ -‬وهو‬
‫في الحقيقة يموت‪ ..‬يقولون نريد أن نعيش ونربي أبناءنا‪ ،‬ولذلك يتابعون‬
‫على الظلم ويركنون إلى الذين ظلموا‪ ،‬ويأكلون السحت‪ ،‬ويشهدون الزور‪،‬‬
‫ويربون أبناءهم على ذلك وبه‪ ،‬فيكونون سببا ً لعذابهم لنهم لم يربوهم على‬
‫اليمان والتوحيد‪ ,‬لم يربوهم على طاعة الله عز وجل ولو في مخالفة الناس‬
‫ومفارقتهم إرضاًء لله؛ فإن من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه‬
‫وأرضى عنه الناس‪ ،‬ومن أسخط الله برضى الناس سخط الله عليه وأسخط‬
‫عليه الناس‪.‬‬
‫ولذلك فالركون إلى الذين ظلموا يكون بمتابعتهم على أي نحو فمن الناس‬
‫من يتابعهم حتى ل يكون غريبا ً بينهم‪ ،‬كالذي يتابع الناس على شرب الدخان‬
‫مثل ً مع أن الدخان ليس شهيا ً أو لذيذا ً فإن من ل عادة له بشربه إذا اشتمه‬
‫كرهه‪ ،‬ومع ذلك فالمبتلون به في ازدياد‪ ..‬لماذا؟ يبدأ المر بالتقليد العمى‬
‫حتى يكون الشاب مثل الرجل ومقارعا ً له‪ ..‬يريد الفتى أن يكون مثل الرجال‬
‫فيفعل مثل فعلهم فيركن إليهم فيكون ظالما ً مثلهم فيصيبه من بلئهم ما ل‬
‫يستطيع معه أن يمتنع منه‪ ،‬ومثل ذلك في الخمر والمخدرات وغيرها من‬
‫الفواحش التي هي من أخبث الشياء رائحة وطعمًا‪ ،‬ومع ذلك يدمنها كثير من‬
‫الناس‪.‬‬
‫والعلة في مصاحبة أهل السوء ومتابعة الظالمين على ظلمهم حتى ل يكون‬
‫المرء غريبا ً فبدل ً من أن يأنس بصحبة التقياء ومتابعة الصالحين هوى هوى‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشقياء وتزّيا بزيّ الظالمين‪.‬‬


‫ومنهم من يتابع على الباطل وعلى الظلم لنه يؤمر به؛ فإن حقيقة التبعية‬
‫استعداد التبيع لمتابعة المتبوع على كل حال‪ ،‬قال تعالى‪) :‬وََقاُلوا َرب َّنا إ ِّنا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ب َوال ْعَن ْهُ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫في ْ ِ‬‫ضعْ َ‬‫م ِ‬ ‫سِبيل‪َ ،‬رب َّنا آت ِهِ ْ‬ ‫ضّلوَنا ال ّ‬ ‫ساد َت ََنا وَك ُب ََراَءَنا فَأ َ‬ ‫أط َعَْنا َ‬
‫َ‬
‫ن ات ّب َُعوا‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ات ّب ُِعوا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل َْعنا ً ك َِبيرًا( ]الحزاب‪ ،[67،68:‬وقال‪) :‬إ ِذ ْ ت َب َّرأ ال ّ ِ‬
‫ل ال ّذين اتبعوا ل َو أ َن ل َنا ك َرةً فَنتبرأ َ‬ ‫َ‬ ‫وََرأ َُوا ال ْعَ َ‬
‫َََّ‬ ‫ْ ّ َ ّ‬ ‫ِ َ َُّ‬ ‫ب‪ ،‬وََقا َ‬ ‫سَبا ُ‬ ‫م اْل ْ‬ ‫ت ب ِهِ ُ‬ ‫قط ّعَ ْ‬ ‫ب وَت َ َ‬ ‫ذا َ‬
‫ك يريهم الل ّ َ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫ما هُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫سَرا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫ه أعْ َ‬ ‫ُ‬ ‫مّنا ك َذ َل ِ َ ُ ِ ِ ُ‬ ‫ما ت َب َّرأوا ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن الّناِر( ]البقرة‪ ،[167 ،166:‬فذلك النصيب الوكس عاقبة الخزي‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫جي َ‬ ‫خارِ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫بما ظلموا‪.‬‬
‫ولو أنك تأملت أنواع المخالفات المنافية للفطرة لما وجدت إل الركون للذين‬
‫ظلموا سببا ً لها؛ ولذلك كان هذا من أعظم أسباب النحراف وعدم‬
‫الستقامة‪.‬‬
‫ومن تلك النواع هذا التبرج الذي ينافي الفطرة النسانية وما فطر الله‬
‫الناس عليه مما يدعو إليه السلم من التستر والحياء وحفظ العورات‪ ,‬وهذا‬
‫أصل النوع النساني آدم وزوجه ‪-‬عليهما السلم‪ -‬ما إن بدت لهما سوءاتهما‬
‫مل‬ ‫حتى طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة‪ ،‬قال الله عز وجل‪َ) :‬يا ب َِني آد َ َ‬
‫خر َ‬ ‫طان ك َ َ‬
‫ما‬
‫ما ل ِي ُرِي َهُ َ‬ ‫سهُ َ‬ ‫ما ل َِبا َ‬ ‫جن ّةِ ي َن ْزِع ُ عَن ْهُ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ج أب َوَي ْك ُ ْ‬ ‫ما أ ْ َ َ‬ ‫شي ْ َ ُ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫فت ِن َن ّك ُ ُ‬‫يَ ْ‬
‫م( ]العراف‪ :‬من الية ‪،[27‬‬ ‫ث ل ت ََروْن َهُ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م هُوَ وَقَِبيل ُ ُ‬ ‫ه ي ََراك ُ ْ‬ ‫ما إ ِن ّ ُ‬ ‫وآت ِهِ َ‬ ‫س ْ‬ ‫َ‬
‫فالشيطان هو الذي يأمر بالعري‪ ،‬إذا ً فطرة النسان السوية ليست في‬
‫ما َذاَقا‬ ‫التعري وإنما في التستر؛ لذلك قال الله عز وجل عن آدم وزوجه‪) :‬فَل َ ّ‬
‫ة(‬‫جن ّ ِ‬ ‫ق ال ْ َ‬ ‫ن وََر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن عَل َي ْهِ َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫خ ِ‬ ‫قا ي َ ْ‬ ‫ما وَط َفِ َ‬ ‫وآت ُهُ َ‬
‫س ْ‬‫ما َ‬ ‫ت ل َهُ َ‬ ‫جَرةَ ب َد َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ال ّ‬
‫]العراف‪ :‬من الية ‪ [22‬كان هو وزوجه فقط ومع ذلك طفقا يخصفان حياًء‪،‬‬
‫فهذا هو الصل في النسان وتلك فطرته‪.‬‬
‫ً‬
‫فلما تغيرت الفطرة وتبدلت تجد الرجل يمشي عاريا بين الناس‪ ،‬وهكذا‬
‫المرأة مع أنها أكثر حياًء بل المرأة أكثر تهّتكا ً مع أنها في الصل أكثر حياًء‬
‫على ما تنزع إليه هرموناتها النوثية‪ ،‬ولذلك كان حياء العذراء في خدرها‬
‫يضرب مثل ً لحياء رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ولكن لماذا ينافون الفطرة ويخالفونها؟ الجواب‪ :‬لن الناس كذلك يفعلون‪،‬‬
‫وهذا هو الركون إلى الذين ظلموا‪ :‬ركون القلب ثم ركون الجوارح‪ ..‬يريدون‬
‫أن يتابعوهم على ما هم عليه حتى في المور التي يتأذون منها‪ ،‬وتضيق‬
‫صدورهم بها‪ ،‬ولكن سرعان ما تتوق إليها نفوسهم‪ ،‬وتنفرج لها صدورهم‪،‬‬
‫وهذا كلبس الملبس الضيقة التي يقضون فيها الساعات الطويلة أمام الناس‬
‫مع قبح الصورة وتجسيم العورة الذي ينافي الفطرة السوية ولكنه التقليد‬
‫العمى واتباع الكبراء‪.‬‬
‫فلبد من مراعاة هذين المرين المتلزمين‪ :‬أن تبتعد عن الذين ظلموا‪ ،‬ول‬
‫تركن إليهم‪ ،‬ول تحبهم‪ ،‬ول تتابعهم‪ ،‬ول تواليهم‪ ،‬ول ترضى بفعلهم‪ ،‬ول‬
‫تنصرهم على باطلهم‪ ،‬وفي نفس الوقت تكون مع الذين تابوا‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ح بدينك‬‫فمتى تحقق الستقامة في نفسك ل بد من المرين جميعًا‪ ،‬فل تض ّ‬


‫من أجل موافقة الناس‪ ،‬وفارق الناس وأنت تحتاج إليهم حتى تكون يوم‬
‫القيامة بعيدا ً عنهم إذا ُذهب بهم إلى النار‪ ,‬وتقول مع المؤمنين‪" :‬ربنا‬
‫فارقناهم أفقر ما كنا إليهم" فل تتبعهم يوم القيامة يوم ينادي مناد ٍ من قبل‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله‪" :‬أن تتبع كل أمة ما كانت تعبد‪ ،‬فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس‪،‬‬
‫ويتبع من كان يعبد القمر القمر‪ ،‬ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت‪ ,‬ثم‬
‫يؤتى باليهود فيقول الله عز وجل‪" :‬ماذا كنتم تعبدون؟"‪ ،‬فيقولون‪" :‬كنا نعبد‬
‫عزير ابن الله"‪ ،‬فيقول الله‪" :‬كذبتم‪ ،‬ما اتخذ الله صاحبة ول ولدًا"‪ ،‬فيقال‪:‬‬
‫"ماذا تريدون؟"‪ ،‬فيقولون‪" :‬عطشنا يا ربنا؛ فاسقنا"‪ ،‬فيقال‪" :‬أل تردون؟"‬
‫فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضًا‪ ،‬ثم يؤتى بالنصارى‬
‫فيقال‪" :‬ما كنتم تعبدون؟"‪ ،‬فيقولون‪ :‬كنا نعبد المسيح ابن الله‪ ،‬فيقال‪:‬‬
‫كذبتم‪ ،‬ما اتخذ الله صاحبة ول ولدًا‪ ,‬فيقول‪ :‬ماذا تريدون؟‪ ،‬فيقولون‪ :‬عطشنا‬
‫يا ربنا فاسقنا‪ ،‬فيقال‪ :‬أل تردون؟ فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم‬
‫بعضها بعضا ً فيتساقطون فيها‪ ،‬وتبقى هذه المة فيها منافقوها فيأتيهم ربهم‬
‫عز وجل فيقول‪ :‬ماذا تنتظرون لتتبع كل أمة ما كانت تعبد‪ ,‬فيقولون‪ :‬ربنا‬
‫فارقنا الناس أفقر ما كنا إليهم‪ "..‬يعني أحوج ما كنا إليهم‪) ..‬فارقنا الناس(‬
‫أي في الدين‪ ..‬من أجل الدين‪ ..‬من أجل طاعة الله ومرضاته‪ ..‬فارقناهم‬
‫ونحن نحتاج إلى موافقتهم‪ ،‬فنحن الن في غنى عن موافقتهم التي تؤدي بنا‬
‫إلى النار‪ ،‬فيكرمهم الله بأن يهديهم إلى الصراط المستقيم كما هداهم‬
‫سبحانه في دنياهم إلى صراطه المستقيم فيمرون عليه إلى جنات النعيم‪.‬‬
‫فكل تعاون على ظلم وكل موالة لظالم محرمة في هذه المرحلة وفي‬
‫غيرها‪.‬‬
‫َ‬
‫ن(‪ ،‬وهذا بيان أن‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل ت ُن ْ َ‬‫ن أوْل َِياَء ث ُ ّ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬‫م ْ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ثم قال تعالى‪) :‬وَ َ‬
‫موالة الظلمة تفقد ولية الله عز وجل‪ ،‬وتفقد نصرته سبحانه‪ ،‬وأن الستقامة‬
‫على أمره سبحانه بها ينصر أولياءه ويعينهم ويثبتهم‪.‬‬
‫ن(‪ ،‬فإن ثم للعطف مع التراخي‪ ،‬والمعنى‪ :‬أنهم‬ ‫صُرو َ‬‫م ل ت ُن ْ َ‬ ‫وتأمل قوله‪) :‬ث ُ ّ‬
‫سوف يكونون معا فيما يبدو للناس منتصرين مدة من الزمن‪ ،‬لكن عاقبة‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫المر إلى الخزي وعدم النصر‪.‬‬
‫وأنت إذا تأملت وتساءلت‪" :‬أين الكبراء والرؤساء والوزراء؟" وجدت أنهم‬
‫كلهم عباد مأمورون‪ ،‬يقول أحدهم‪" :‬أنا أنفذ الوامر‪ ،‬أنا عبد مأمور"‪ ،‬فهذا‬
‫يركن إلى الذين ظلموا فيفقد ولية الله عز وجل‪ ..‬هو في أعين الناس وزير‬
‫أو مشير‪ ،‬وهو في الحقيقة ما يقوله عن نفسه‪) :‬عبد مأمور(‪ ..‬وفي نهاية‬
‫المر ل ينصر هذا المجموع‪.‬‬
‫ولكن لبد للطريق من معالم يصل بها القلب إلى الستقامة وهذه المعالم‬
‫هي العبادات الظاهرة التي شرعها الله عز وجل لتتحقق بها عبودية العبد‪،‬‬
‫َ‬
‫ل( وصلة‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬‫م َ‬‫ي الن َّهارِ وَُزَلفا ً ِ‬ ‫صلة َ ط ََرفَ ِ‬ ‫وأهمها الصلة قال تعالى‪) :‬وَأقِم ِ ال ّ‬
‫طرفي النهار‪ :‬صلة الصبح في الطرف الول‪ ،‬وصلة الظهر وصلة العصر‬
‫في الطرف الخر؛ لن ما بعد زوال الشمس يكون نصف النهار الخر‪.‬‬
‫ً‬
‫ل(‪ :‬المغرب والعشاء‪ ،‬وفيه إشارة إلى صلة الليل أيضا ولكن‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬‫م َ‬‫)وَُزَلفا ً ِ‬
‫الصل الواجب الصلوات الخمس‪.‬‬
‫ن‬
‫ولبد من التقصير في سلوك الطريق‪ ،‬ولبد من تدارك هذا التقصير‪) :‬إ ِ ّ‬
‫سي َّئات( فالصلوات الخمس‪ ،‬والجمعة إلى الجمعة‪،‬‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ت ي ُذ ْهِب ْ َ‬‫سَنا ِ‬‫ح َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر كما قال صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬لو أن‬
‫نهرا ً غمرا ً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات في اليوم والليلة‬
‫أيبقي ذلك من درنه شيء؟"‪ ،‬قالوا‪ :‬ل يا رسول الله ل يبقي ذلك من درنه‬
‫شيء‪ ،‬قال‪" :‬فكذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا"‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فر الله بها من سيئات العبد‪ ،‬والعبد الذي‬ ‫فإذا أقيمت الصلة فعل ً بتمامها ك ّ‬
‫يواظب على الصلة في أوقاتها‪ ،‬وعلى خشوعها‪ ،‬وركوعها‪ ،‬وسجودها يغفر‬
‫له‪ ،‬وترجح كفة حسناته‪ ،‬وتذهب الحسنات بالسيئات‪ ،‬وقد ورد في الصحيح‬
‫)أن رجل ً نال من امرأة بالمدينة قبلة أو مسا ًً فأتى النبي صلى الله عليه‬
‫ي"‪ ،‬فسكت عنه النبي صلى الله عليه‬ ‫وسلم فقال‪" :‬أصبت حدا ً فأقمه عل ّ‬
‫وسلم حتى صلى معه ثم قال له‪" :‬هل صليت معنا؟"‪ ،‬قال‪" :‬نعم"‪ ،‬فتلى‬
‫َ‬
‫ت‬
‫سَنا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫ي الن َّهارِ وَُزَلفا ً ِ‬
‫م َ‬ ‫صلة َ ط ََرفَ ِ‬ ‫عليه هذه الية‪) :‬وَأقِم ِ ال ّ‬
‫ن(‪ ،‬فقال‪" :‬ألي خاصة أم للناس عامة؟"‪،‬‬ ‫ري َ‬ ‫ك ذِك َْرى ِلل ّ‬
‫ذاك ِ ِ‬ ‫ت ذ َل ِ َ‬
‫سي َّئا ِ‬ ‫ي ُذ ْهِب ْ َ‬
‫ن ال ّ‬
‫فقال‪" :‬بل للناس عامة"(‪ ،‬فهي عامة لكل مؤمن فالمحافظة على الصلوات‬
‫الخمس في أوقاتها مع التيان بخشوعها الباطن والظاهر وأركانها وشروطها‬
‫وواجباتها تذهب بها الخطايا وتكفر بها السيئات‪ ،‬فحسنات العبد في مقابلة‬
‫سيئاته فكل حسنة تذهب سيئة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬اتق‬
‫الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها(‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ولما كانت الصلوات الخمس ونوافلها في كل وقت لم تزل تتبع السيئات‬


‫فتمحوها‪ ,‬فجنودك من الحسنات هي التي تقضي على عدوك من جنود‬
‫السيئات‪.‬‬
‫ولكن لماذا نعجز عن الطاعات؟ لننا فرطنا في الطاعات قبلها؛ فإن الحسنة‬
‫دليل الحسنة‪ ,‬وأنت إذا أطعت الله عز وجل وفقك إلى طاعة أخرى وأذهب‬
‫عنك السيئات‪.‬‬
‫وصاحب السيئات يعجز لنه مثقل بالجراح تلك الجراح التي تؤذي القلب‪،‬‬
‫وتشغله بالهوى عن الهدى‪ ،‬وبملذ الشهوات عن نور اليمان‪ ،‬فينأى وقد أخلد‬
‫إلى الرض واتبع هواه‪.‬‬
‫ولبد حتى تكف عن السيئات أن تنشغل بفعل الحسنات التي تذهب برجسها‬
‫وتحفظك من شرها‪ ،‬ول شيء أعظم من الصلوات المكتوبات وما يتلوها من‬
‫النوافل المستحبات يمحو تلك السيئات الضخام ويذهب بالمخازي والثام‪.‬‬
‫ن( وهذا أعظم من تكفير السيئات كما قال الله عز وجل‪:‬‬ ‫ري َ‬ ‫ذاك ِ ِ‬‫ك ذِك َْرى ِلل ّ‬ ‫)ذ َل ِ َ‬
‫َ‬
‫من ْك َرِ وَل َذِك ُْر الل ّهِ أك ْب َُر(‬ ‫َ‬
‫شاِء َوال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ف ْ‬ ‫صلة َ ت َن َْهى عَ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫صلة َ إ ِ ّ‬ ‫)وَأقِم ِ ال ّ‬
‫]العنكبوت‪ :‬من الية ‪ ،[45‬فذكر الله الذي في الصلة أكبر من محوها‬
‫للسيئات‪ ،‬فالصلة فيها فائدتان عظيمتان‪:‬‬
‫الولى‪ :‬ذكر الله‪ ،‬وهو مادة حياة القلب وأصل هدايته وصلحه‪ ،‬فذكر الله‬
‫الذي يسبق العبد به إلى ربه‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬تكفير السيئات‪ ،‬وذكر الله أكبر من تكفير السيئات‪ ،‬ومن ذلك النهي‬
‫عن الفحشاء والمنكر‪ ،‬وبالصلة التامة تنال الفائدتين وتحصل المنفعتين‪ ،‬وهذا‬
‫كله في الواجب‪ ,‬والمستحب زيادة في الخير‪.‬‬
‫فكثرة صلتك بالليل مما يزيد نصيبك من تكفير السيئات لن الحسنات لديك‬
‫ن(‪،‬‬‫ري َ‬ ‫ذاك ِ ِ‬ ‫ك ذِك َْرى ِلل ّ‬ ‫بفضل الله وهكذا تجد التوافق بين قوله تعالى‪) :‬ذ َل ِ َ‬
‫ك( في مثل هذه العبادة الجامعة‪ ،‬فالصلة أعظم ذكر‬ ‫معَ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬
‫وقوله‪) :‬وَ َ‬
‫لله‪ ،‬وهي مع ذلك مكفرة للسيئات‪ ،‬وهذا هو غاية مراد التائبين‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن(‬‫سِني َ‬
‫ح ِ‬‫م ْ‬
‫جَر ال ُ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫صب ِْر فَإ ِ ّ‬
‫ثم أمر الله بالصبر والحسان فقال‪َ) :‬وا ْ‬
‫أمر بالصبر حتى يحمل العبد نفسه على طاعة الله‪ ،‬ويمنعها عن معاصيه‪،‬‬
‫ويتحمل ما يصيبه في سبيل الله عز وجل؛ فإن الطريق إليه سبحانه محفوف‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من أن يصاب بأنواع المحن‬ ‫بالمكاره لبد لمن يسير عليه ويخالف الناس ِ‬
‫والبتلءات‪ ،‬وفي خيرة الخلق أسوة؛ فقد أوذوا واتهموا وجرح منهم من جرح‬
‫وقتل منهم من قتل‪ ،‬وقد حكى رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيا ً من‬
‫النبياء ضربه قومه حتى أدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول‪" :‬اللهم‬
‫اغفر لقومي فإنهم ل يعلمون"‪ ،‬وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كسروا‬
‫رباعيته يوم أحد وشجوا وجهه فيقول‪" :‬كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫ك ِ‬‫س لَ َ‬
‫رباعيته وهو يدعوهم إلى الله عز وجل؟"‪ ،‬فأنزل الله عز وجل‪) :‬ل َي ْ َ‬
‫م َ‬ ‫شيٌء أ َو يتوب عَل َيه َ‬ ‫َ‬
‫ن( ]آل عمران‪،[128:‬‬ ‫مو َ‬
‫ظال ِ ُ‬ ‫م فَإ ِن ّهُ ْ‬
‫م أوْ ي ُعَذ ّب َهُ ْ‬
‫ِْ ْ‬ ‫ْ َُ َ‬ ‫اْل ْ‬
‫مرِ َ ْ‬
‫ل وهو يقسم قسما ً فقال‪" :‬إن هذه قسمة‬ ‫وجاءه صلى الله عليه وسلم رج ٌ‬
‫ما أريد بها وجه الله"‪ ،‬وقال له‪" :‬اتق الله يا محمد"‪ ،‬وقال له‪" :‬اعدل فإن‬
‫هذه قسمة ما أريد بها وجه الله"‪ ،‬فقال‪" :‬ويحك أولست أحق أهل الرض أن‬
‫يتقي الله؟"‪ ،‬وقال‪" :‬ويحك فمن يعدل إن لم أعدل"‪ ،‬ثم قال صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬رحم الله أخي موسى‪ ،‬لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر"‪.‬‬
‫فلبد من الصبر على ما ينال النسان من الذى‪ ،‬وإذا لم يدرك النسان بأنه‬
‫سوف يصاب بأنواع الذى فإن ذلك سوف يؤدي به إلى تخليه عن الطريق‬
‫وإيثاره السلمة وليست بالسلمة فإنه كالمستجير من الرمضاء بالنار‪ ..‬لبد‬
‫أن تخالف وت ُّتهم وُتبت ََلى كما فعل بمن قبلك ممن أمرت أن تكون معهم في‬
‫التائبين والصابرين والمحسنين‪.‬‬
‫ول تظنن بالطريق الخرى الحسنى‪ ،‬فإنما يصارع أهلها بعضهم بعضًا‪ ،‬ويكره‬
‫بعضهم بعضًا‪ ،‬وذلك دأبهم في السر والجهار بالليل والنهار‪ ..‬وإنما يكيد‬
‫بعضهم بعضا ً بما أشربته قلوبهم من حب الدنيا‪ ،‬وأنت إنما يكاد بك لجل‬
‫طاعتك واستقامتك‪ ،‬فأي شرف لك أكرم من هذا؟‪ ،‬وإنك إذا ً على الله لكريم‬
‫إذ يقيمك على طاعته فُتضطَهد لنك التزمت بالدين‪ ،‬وأظهرت السنة‪ ،‬ولنك‬
‫تحافظ على الصلة‪ ،‬وتتلو القرآن‪ ،‬ولنك تدعو إلى الله عز وجل وليس بك‬
‫قصد إلى من سواه وإنه لشرف عظيم ومنزل كريم‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫م‬
‫سب ُهُ ْ‬
‫ح َ‬‫واعلم أن الناس الكائدين الماكرين بالمؤمنين كما قال تعالى‪) :‬ت َ ْ‬
‫شّتى( ]الحشر‪ :‬من الية ‪ ،[14‬فالكفرة والمنافقون ليل نهار‬ ‫م َ‬ ‫ميعا ً وَقُُلوب ُهُ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫يكيد بعضهم بعضا‪ ،‬ويكره بعضهم بعضا؛ فإن المعصية تجر إلى المقت‬ ‫ً‬
‫حك ٌَ‬
‫م‬ ‫والكراهية‪ ،‬وإن رؤية بعضه لبعض لتشقي بعضهم بعضا ً والله عز وجل َ‬
‫ن‬
‫ل جعل الخير في طاعته والشر في معصيته‪ ،‬وكما قال عز وجل‪) :‬إ ِ ّ‬ ‫عد ٌ‬ ‫َ‬
‫ن إ َِلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سك ُ ْ‬
‫م إ ِذ ْ ت ُد ْعَوْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫قت ِك ُ ْ‬
‫م أن ْ ُ‬ ‫م ْ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬‫ت الل ّهِ أك ْب َُر ِ‬
‫ق ُ‬ ‫ن لَ َ‬
‫م ْ‬ ‫فُروا ي َُناد َوْ َ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن( ]غافر‪ ،[10:‬فهم في الحقيقة يمقتون أنفسهم‪ ،‬وتمقتهم‬ ‫فُرو َ‬ ‫ن فَت َك ْ ُ‬ ‫ما ِ‬‫لي َ‬‫اِْ‬
‫الرض التي يحيون عليها‪ ،‬ويمقتهم الزرع الذي يزرعون‪ ،‬والماء الذي‬
‫يشربون‪ ،‬والنار التي يورون‪ ،‬ويستريح العباد من الكافر إذا مات‪ ،‬وتستريح‬
‫البلد والشجر والدواب‪ ،‬وإذا استراحت الرض نفسها من نفسه أظهر ذلك‬
‫أنها كانت تمقته‪ ،‬وما من بغيض إل والراحة منه تحصل بهلكه‪.‬‬
‫وعلى قدر المعصية يكون المقت والكراهية‪ ،‬وتكون البغضاء في القلوب‪ ،‬ثم‬
‫يكون ذلك الشقاء‪ ،‬وإنما تكون هذه النفرة بمخالفة الفطرة‪ ،‬ذلك بأن الله‬
‫تعالى حّبب إلينا اليمان وزّينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق‬
‫والعصيان‪.‬‬
‫فل تظن أنك وحدك الذي ُيكاد بك‪ ،‬بل إنما يكيد بعضهم لبعض أعظم الكيد‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في مجتمعاتهم المنحرفة وأجوائهم الفاسدة‪ ,‬وكما قال عز وجل‪َ) :‬ول ت َهُِنوا‬
‫ن اللهِّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫جو َ‬ ‫ن وَت َْر ُ‬
‫مو َ‬‫ما ت َأل َ ُ‬‫ن كَ َ‬‫مو َ‬ ‫م ي َأل َ ُ‬
‫ن فَإ ِن ّهُ ْ‬
‫مو َ‬ ‫كوُنوا ت َأل َ ُ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫قوْم ِ إ ِ ْ‬‫ِفي اب ْت َِغاِء ال ْ َ‬
‫ن( ]النساء‪ :‬من الية ‪ ،[104‬ولكن شرف لك أنت أن يكون ابتلؤك‬ ‫جو َ‬ ‫ما ل ي َْر ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ِ َ‬‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬
‫ِ ّ‬ ‫إ‬‫)‬ ‫إيمانك‪:‬‬ ‫أجل‬ ‫من‬ ‫منك‬ ‫السخرية‬ ‫تكون‬ ‫وأن‬ ‫طاعتك‪،‬‬ ‫أجل‬ ‫من‬
‫َ‬
‫ن( ]المطففين‪ ،[29:‬بلؤهم بأنفسهم‬ ‫كو َ‬ ‫ح ُ‬‫ض َ‬
‫مُنوا ي َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫كاُنوا ِ‬ ‫موا َ‬ ‫جَر ُ‬‫أ ْ‬
‫أضعاف مضاعفة‪ ..‬الشقاء في النظر إلى وجوههم‪ ..‬وأم جريج العابد إذ‬
‫سخطت دعت على ابنها وقالت‪" :‬اللهم ل تمته حتى ينظر في وجوه‬
‫المومسات"‪ ،‬فمجرد النظر معرة وبلء‪.‬‬
‫ً‬
‫هذا جريج اتهمته امرأة أنه زنا بها وأولدها غلما‪ ،‬فضربه الناس وهدموا‬
‫صومعته‪ ،‬وقالوا‪" :‬زنيت بهذه المرأة؟"‪ ،‬فقال‪" :‬دعوني حتى أصلي ركعتين"‬
‫فصلى ركعتين ثم طعن في بطن الغلم فقال‪" :‬يا غلم من أبوك؟" فقال‪:‬‬
‫"أبي الراعي فلن"‪ ,‬فجعلوا يقّبلون يديه ورجليه ويقولون‪" :‬نبني لك صومعتك‬
‫من ذهب"‪ ,‬قال‪" :‬أعيدوها من طين كما كانت"‪.‬‬
‫فاضطر أن ينظر إلى وجه المرأة المومسة ليبرئ نفسه‪ ,‬واليوم ينظر الرجل‬
‫من هو شر منهن من‬ ‫ليل نهار إلى وجوه المومسات‪ ،‬وينظر إلى وجوه َ‬
‫الكفرة والمنافقين‪.‬‬
‫فمتى صبر العبد على طاعة الله وعلى ما يصيبه في سبيله أثابه الله مثوبة‬
‫حسنة وأنزله منزل ً كريما ً وأناله شرفا ً عظيمًا‪ ..‬وأما الناس ففي مشقة‬
‫وتعب‪ ،‬متألمين بغير احتساب‪ ،‬راجعين بغير ثواب‪ ،‬والمؤمن يحتسب المصيبة‪،‬‬
‫ويدخر الثواب‪ ،‬ولذلك يزول عنه ألمها‪ ،‬وتذوب مرارة الصبر في حلوة‬
‫الطاعة وطعم اليمان‪ ،‬فيذهب أثر المصيبة بعيدا ً بحيث ل يضر المرء ثم‬
‫يكون الحسان‪.‬‬
‫والحسان يكون فيما بينك وبين الله ويكون فيما بينك وبين الناس‪ ،‬وأصله‬
‫الذي بينك وبين الله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬الحسان أن‬
‫تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك(‪ ،‬ولو استحضر العبد هذا‬
‫المقام‪ ،‬وأقام هذا المقام لما شعر بضغطة البلء‪ ،‬ول شدة المحنة؛ فإنه إذا‬
‫كان مع الله عز وجل أي شيء يضره؟ يعبد الله كأنه يراه‪ ،‬فلو وصل إلى هذه‬
‫الدرجة من القرب واستحضر معية الله في كل حال لم ت َعِْنه الدنيا بأسرها فل‬
‫هي التي تفتنه بحسنها ول هي التي تضره بسوئها‪.‬‬
‫وهذا نبي الله موسى عليه السلم والبحر أمامه قد تلطمت أمواجه واشتد‬
‫غضبه وكثر زبده‪ ،‬ومن ورائه فرعون وجنوده‪ ..‬ملك كفور متكبر مغرور‪ ،‬وجند‬
‫ب قليلون خائفون وجلون يقولون‪) :‬إ ِّنا‬ ‫كثير‪ ،‬وشر مستطير‪ ,‬ثم أصحا ٌ‬
‫دين(‬ ‫سي َهْ ِ‬ ‫ي َرّبي َ‬ ‫معِ َ‬ ‫ن َ‬‫ن( ]الشعراء‪ :‬من الية ‪ ،[61‬فيقول‪) :‬ك َّل إ ِ ّ‬ ‫كو َ‬ ‫مد َْر ُ‬‫لَ ُ‬
‫]الشعراء‪ :‬من الية ‪.[62‬‬
‫فهو بما وصل إليه من مقام الحسان مطمئن غاية الطمئنان فيضرب بعصاه‬
‫البحر الكبير لينجو ويغرق الملك المغرور‪.‬‬
‫وإبراهيم خليل الرحمن عليه السلم عندما ألقي في النار يستحضر معية الله‬
‫ويقول‪" :‬حسبنا الله ونعم الوكيل"‪.‬‬
‫ونبينا صلى الله عليه وسلم وهو في الغار‪ ،‬والمشركون لو نظر أحدهم إلى‬
‫موضع قدمه لبصره وصاحبه فيقول لصاحبه‪ :‬يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله‬
‫معََنا( ]التوبة‪ :‬من الية ‪.[40‬‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫حَز ْ‬‫ثالثهما )ل ت َ ْ‬

‫)‪(10 /‬‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فاستحضار معية الله عز وجل هو الحسان‪ ،‬وهؤلء الذين يرجح الله بهم‬
‫الكفة هم المحسنون‪ ,‬وربما تجد الواحد منهم بألف ألف من ضعاف اليمان‪,‬‬
‫وإنما تثقل كفة الصالحين بقلة من المحسنين وكثرة من البرار‪ ..‬ولو كان‬
‫أولئك الضعاف اليمان أمما ً ليس فيهم من البرار والمحسنين لما كانوا إل‬
‫غثاء كغثاء السيل وعددا ً بل حول ول طول إذا ً لن ترجح الكفة ولن ت َغِْلب المة‬
‫وستعمل فيها السلحة الذرية والكيماوية وكثرة العدة والعدد وستغلب هذه‬
‫المة‪ ،‬ولكن متى تثقل الكفة وَتغلب المة؟ الجواب‪ :‬حينما يكون فيهم طائفة‬
‫من المحسنين وثلة من البرار‪ ،‬فينصر الله من ينصره‪ ،‬ويعز من يؤمن به ول‬
‫يكفره‪ ،‬ويذل من يكفره ويفجره‪.‬‬
‫إذا ً فما لواجبات الشرعية في هذه المرحلة الحرجة هذه المرحلة التي نزلت‬
‫على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها سورة هود‪ ،‬فإن سورتي هود‬
‫ويوسف من السور التي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما‬
‫مات عمه أبو طالب وماتت زوجته خديجة فتعرض صلى الله عليه وسلم لذى‬
‫المشركين‪ ,‬وما كانوا ينالون منه قبل ذلك‪.‬‬
‫نزلت هذه اليات مثبتة أوامر واضحة‪ :‬الستقامة على المر‪ ,‬التوبة‪ ,‬معية‬
‫الصالحين‪ ,‬عدم مجاوزة الحد بالطغيان‪ ,‬العلم بالله *سبحانه وبأنه مطلع على‬
‫العمال‪,‬عدم الميل إلى الظلمة وعدم موالتهم ومتابعتهم وعدم الرضا‬
‫بأفعالهم فيفقد العبد ولية الله التي يفقد بفقدها نصرته سبحانه‪ ,‬وأيضا ً المر‬
‫بإقامة الصلة والصلوات الخمس على الخصوص وفعل الحسنات التي تذهب‬
‫السيئات وذكر الله عز وجل والصبر‪ ،‬ثم الحسان‪.‬‬
‫وهذا المقام الرفيع وهذه الدرجة العالية وهذا مقام الحسان هو غاية مراد‬
‫الطالبين ومنتهى قصد السالكين الذي يؤتي ثماره في كل حين‪ ،‬ومن ثماره‬
‫الحسان مع الناس بتحمل أذاهم وكف الذى عنهم‪ ،‬فإن آذوه عفى وصبر‬
‫وصفح وغفر‪ ،‬وإذا عامل الناس عاملهم بالفضل والحسان فيعطيهم وإن‬
‫منعوه‪ ،‬ويصلهم وإن قطعوه‪ ،‬ويمن عليهم وإن حرموه‪ ،‬وإنما يستخلص له‬
‫ذلك ويصطفى له بأنه كان بالله غنيًا‪ ،‬وبه راضيًا‪ ،‬ومنه قريبًا‪ ،‬ولديه حبيبًا‪،‬‬
‫ضاضة‪.‬‬ ‫ن بل غَ َ‬ ‫م ّ‬‫فصارت الدنيا كجناح بعوضة فَ َ‬
‫فمن أحسن مع الله أحسن مع الناس ووجد في قلبه سهولة الحسان إليهم‬
‫َ‬
‫ن فَإ َِذا‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬‫يأ ْ‬ ‫ة اد ْفَعْ ِبال ِّتي هِ َ‬ ‫سي ّئ َ ُ‬
‫ة َول ال ّ‬ ‫سن َ ُ‬
‫ح َ‬ ‫وي ال ْ َ‬‫ست َ َ ِ‬
‫كما قال تعالى‪َ) :‬ول ت َ ْ‬
‫ها‬
‫َ‬ ‫قا‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫ما‬
‫َ َ ُ‬ ‫و‬ ‫روا‬ ‫ب‬‫ص‬
‫ِ َ َ َُ‬‫ن‬ ‫ذي‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫إ‬
‫َ ِ‬‫ها‬ ‫قا‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫داوَة ٌ ّ ُ َ ِ ّ َ ِ ٌ َ َ ُ‬
‫ي‬ ‫ما‬‫و‬ ‫م‪،‬‬ ‫مي‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ه‬‫ن‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ه عَ َ‬
‫ك وَب َي ْن َ ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي ب َي ْن َ َ‬
‫م( ]فصلت‪.[34،35:‬‬ ‫ح ّ‬ ‫إ ِّل ُذو َ‬
‫ظي ٍ‬‫ظ عَ ِ‬
‫فنسأل الله أن يجعلنا من ذوي الحظ العظيم وأن يجعلنا من عباده المحسنين‬
‫الصابرين‪.‬‬
‫وكتبه‬
‫ياسر برهامي‬

‫)‪(11 /‬‬

‫الستمرار في قنوت النازلة‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬كتاب الصلة‪ /‬صلة التطوع‪/‬الوتر والقنوت‬
‫التاريخ ‪16/3/1424 ...‬هـ‬
‫السؤال‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هل لقنوت النوازل زمن معين ينتهي بانتهائه؟ أم أنه يستمر إلى أن تزول‬
‫النازلة‪ ،‬وسؤال يتعلق بما نعيشه الن في العراق هل نستمر في القنوت أم‬
‫ل؟‬
‫والله يحفظكم ويرعاكم‪.‬‬
‫الجواب‬
‫القنوت في النوازل سنة ثابتة‪ ،‬وليس لها زمن معين تنتهي عنده غير ارتفاع‬
‫النازلة نفسها‪ ،‬والنبي – صلى الله عليه وسلم – كما في حديث أبي داود)‬
‫‪ (1443‬عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنه – قال‪" :‬قنت رسول الله –‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬شهرا ً متتابعا ً في الظهر والعصر‪ ،‬والمغرب‪ ،‬والعشاء‪،‬‬
‫وصلة الصبح في دبر كل صلة إذا قال‪ :‬سمع الله لمن حمده من الركعة‬
‫من من‬ ‫صية ويؤ ّ‬
‫ل وذكوان وعُ ّ‬
‫الخرة يدعو على أحياء من بني سليم على رِعْ ٍ‬
‫خلفه" ‪ ،‬ووصف قنوته – صلى الله عليه وسلم – بشهر متتابعة أيامه وفي كل‬
‫الصلوات الجهرية والسرية – يدل على استمرارية القنوت‪ ،‬وكون القنوت‬
‫الوارد في السنة لمدة شهر ل يعني القتصار على الشهر فقط‪ ،‬بل إنه بعد‬
‫مضي هذا ارتفعت النازلة فأسلمت هذه الحياء من العرب )رعل‪ ،‬وذكوان‪،‬‬
‫وعصية( فانتهي الغرض من القنوت عليهم‪ ،‬ولو لم يسلموا في هذا الوقت‬
‫لستمر النبي – صلى الله عليه وسلم – في القنوت )أما القنوت للنازلة التي‬
‫حلت بالعراق فينبغي الستمرار في القنوت وعدم قطعه‪ ،‬لن النازلة التي‬
‫من أجلها شرع القنوت ‪-‬نصرة لخواننا العراقيين‪ -‬ل تزال باقية ما بقي‬
‫المريكان وحلفاؤهم يعيثون فيها الفساد‪ ،‬وينشرون الكفر والفواحش‪ ،‬بل لو‬
‫قيل إن مشروعية القنوت لم تبدأ إل ّ الن لكان لذلك وجهًا؛ لن احتلل الكافر‬
‫واستعماره لبلد المسلمين أعظم نازلة تلحق بهم‪ ،‬وإذا ضم إلى ذلك ما‬
‫تخطط له أمريكا وما تنوي فعله في البلد المجاورة للعراق مما صرحت به‬
‫ونشر في وسائل العلم ‪ -‬لتعين استمرار القنوت وعدم التوقف عنه‪،‬‬
‫فالواجب أن يستمر المسلمون في القنوت حتى يكشف ما بهم‪ ،‬وترفع عنهم‬
‫هذه النازلة‪ ،‬كما قال الرسول – صلى الله عليه وسلم – في صلة الكسوف‬
‫"صلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم" رواه البخاري )‪ ،(1041‬ومسلم )‪،(911‬‬
‫من حديث أبي مسعود النصاري – رضي الله عنه‪ . -‬والله أعلم وصلى الله‬
‫على نبينا محمد‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الستنساخ البشري هل هو قادم ؟‬


‫الدكتور حسان شمسي باشا‬
‫ما أن أطلت النعجة " دولي " ‪ -‬وهو اسم النعجة التي ظهرت بطريقة‬
‫الستنساخ ‪ -‬تغازل البشرية وتتحداها في شهر فبراير ‪ ، 1997‬حتى ملت‬
‫الدنيا وشغلت الناس ‪ .‬والكل يسأل عن الستنساخ ‪ .‬والستنساخ باختصار هو‬
‫الحصول على عدد من النسخ طبق الصل من نبات أو حيوان أو إنسان بدون‬
‫حاجة إلى تلقح خليا جنسية ذكرية أو أنثوية ‪.‬‬
‫ورغم أن الستنساخ موجود أصل في الطبيعة التي حولنا ‪ ،‬إل أنه أخذ بعدا‬
‫آخر عندما حاول العلماء تطبيقه على الحيوان ‪ .‬ففي عالم النبات حالت‬
‫عديدة من الستنساخ ‪ ،‬كما في الصفصاف والتين البنغالي والتوت وغيرها‬
‫من النباتات التي يمكن فيها أخذ جزء من النبات وزرعه ‪ ،‬فنحصل على نبات‬
‫كامل مماثل للصل ‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كيف تمت عملية استنساخ " دولي " ؟‬


‫أخذت خلية من ثدي شاة عمرها ست سنوات ‪ .‬ثم نزعت نواة هذه الخلية ‪.‬‬
‫ثم غرسوا هذه النواة في ببيضة من شاة أخرى مفرغة من نواتها ‪ .‬وبعد ذلك‬
‫زرعت هذه البييضة بالنواة الجديدة في رحم شاة ثالثة بعد أن مرت بعملية‬
‫حضانة مخبرية ‪.‬‬
‫هذا هو الستنساخ بإيجاز شديد ‪ .‬ولكن ما فعله العالم السكتلندي ) إيان‬
‫ولموت ( وفريقه ‪ ،‬لم يكن بالطبع بهذه البساطة فقد قاموا بالخطوات التالية‬
‫‪:‬‬
‫‪.1‬أخذوا ‪ 277‬بييضة مما أفرزه مبيض النعجة النثى ذات الرأس السود ‪ ،‬وتم‬
‫تفريغها من نواتها ‪ .‬وأبقوا على السيتوبلزم والغشاء الواقي ‪.‬‬
‫‪.2‬أخذوا من ضرع نعجة بيضاء الرأس عددا من الخليا ‪.‬‬
‫‪.3‬نزعوا من كل خلية من خليا الضرع نواتها ‪ ،‬ثم خدروا نشاطها ‪.‬‬
‫‪.4‬غرسوا داخل كل بييضة مفرغة من نواتها نواة من خلية الضرع ‪ ..‬وهذه‬
‫النواة تحتوي على الـ ‪ 46‬صبغيا وهي ما يسمى بالحقيبة الوراثية التي تعطي‬
‫جميع الخصائص الذاتية للمخلوق ‪.‬‬
‫‪.5‬وضعت كل خلية في أنبوب اختبار ‪.‬‬
‫‪.6‬سلطوا على الخلية في أنبوب الختبار صعقة كهربائية ‪ ،‬فتحركت الخليا‬
‫للنقسام ‪.‬‬
‫‪.7‬حدث النقسام في ‪ 29‬خلية فقط من أصل ‪ 277‬خلية ‪ ،‬وبلغت هذه الخليا‬
‫مرحلة ) ‪ 10 - 8‬خليا متماثلة (‬
‫‪.8‬قاموا بزرع هذه العلقة ) ‪ 10 - 8‬خليا متماثلة ( في مكانها في الرحم ‪.‬‬
‫‪.9‬من بين الـ ‪ 29‬علقة ‪ ،‬واحدة فقط وصلت إلى إتمام النمو فولدت سخلة )‬
‫نعجة صغيرة ( تامة الخلق في شهر تموز ) يوليو ( ‪ ، 1996‬وكانت تزيد‬
‫‪ 6.600‬كيلو غراما ‪ ،‬وهي مماثلة لمها ذات الرأس البيض ‪.‬‬
‫‪.10‬راقب الباحثون نموها حتى بلغت الشهر السابع من العمر ‪ ،‬وعندها أعلنوا‬
‫نجاحهم العلمي للعالم ‪.‬‬
‫وانطلقت وسائل العلم تدوي عبر العالم ‪ ،‬وانقسمت ردود الفعل الولى من‬
‫مصفف للنجاح وبين رافض له ‪.‬‬
‫وحققت شركة ‪ P . P . L‬النجليزية لصناعة الدوية مكاسب كبيرة ‪ .‬وهي‬
‫الشركة التي مولت مخبر بحوث روزلن في اسكتلندة ‪ ،‬حيث ولدت دولي ‪.‬‬
‫وارتفعت أسهم هذه الشركة غداة العلن بـ ‪ %13‬في بورصة لندن ‪.‬‬
‫ولما ظهرت صورة " دولي " على شاشات التلفاز في العالم أجمع ثار سيل‬
‫عارم من السئلة ‪:‬‬
‫فهل يعتبر هذا العمل تحديا للقدرة اللهية ‪ ،‬وهل أصبح النسان خالقا ؟‬
‫فتصور ما قام به هؤلء العلماء أنه خلق هو تصور وهمي بعيد جدا عن‬
‫الحقيقة ‪ .‬وهو تصور يبنى عن سذاجة من توهمه فالستنساخ ليس خلقا‬
‫جديدا ‪ ،‬والعالم السكتلندي لم يخلق خلية ول نواة ول كروموسوما ) صبغيا (‬
‫واحدا ‪ .‬ولكنه وفريقه ‪ ،‬عرفوا كيف يدخلون على الخلية عوامل من خلق الله‬
‫وصنعه ‪ ،‬فقد درسوا قوانين الخلق اللهي ووعوها ‪ ،‬وقاموا بتطبيق ما علموا‬
‫على ما عملوا ‪ .‬وما عملية الستنساخ إل صورة فوتوغرافية للصل ‪ .‬فهل‬
‫نستطيع الحصول على هذه الصورة بدون الصل ؟‬
‫قال تعالى ‪ } :‬أم جعلوا لله شرعا خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله‬
‫خالق كل شيء وهو الواحد القهار { الرعد ‪. 16‬‬
‫وسؤال آخر ورد على ذهن كثير من الناس هو ‪ " :‬هل يمكن استنساخ الموتى‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫؟ وراحت خيالت الكتاب تسرح وتمرح ‪ ،‬فمن قائل باستنساخ هتلر وأنشتاين‬
‫والمتنبي ومارلين موزو وغيرهم من الرجال والنساء ‪ ،‬إلى من قائل‬
‫باستنساخ فراعنة حصر من المومياء !!‬
‫والحقيقة أنه ل بد في الستنساخ من وجود خلية حية يمكن من خللها إجراء‬
‫عملية الستنساخ ‪.‬‬
‫ورغم عدم العلن حتى الن عن تجارب على استنساخ البشر ‪ ،‬إل أن هناك‬
‫من يقول بأن تلك التجارب قد بدأت بالفعل ‪ ،‬إحداهما في أمريكا والثانية في‬
‫بريطانيا ‪ ،‬وذلك تحت سرية تامة ‪.‬‬
‫ما هي ردود الفعل العالمية تجاه الستنساخ ؟‬
‫ما أن تم العلن عن بلوغ " دولي " شهرها السابع وانتشرت صورها في‬
‫أرجاء العالم حتى أصدر البرلمان النرويجي قرارا يمنع منعا باتا إجراء‬
‫التجارب أو القيام باستنساخ النسان ‪.‬‬
‫ودعا رئيس الجمهورية الفرنسية في نفس اليوم المجلس الستشاري‬
‫القومي للخلق إلى دراسة القانون الفرنسي ليطمئن على سلمته من وجود‬
‫ثغرات يمكن للباحثين الفرنسيين أن يقوموا في يوم من اليام بالستنساخ‬
‫البشري ‪ .‬وتباينت الراء من الستنساخ البشري إلى ثلثة موافق ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الول يشجعه ‪ ،‬وهو موقف المتخصصين في علج العقم ‪.‬‬


‫والثاني يعارضه ‪ ،‬وهو الموقف الذي اتخذته حكومات إنجلترا وألمانيا‬
‫وفرنسا ‪.‬‬
‫والثالث يرى عدم التسرع في الرفض أو القبول ‪ ،‬بل تحديد فترة مؤقتة‬
‫توقف فيها البحاث حتى تستكمل دراسة النواحي الجتماعية والخلقية‬
‫للستنساخ ‪ .‬وبعدها يقرر استئنافه أو توقيفه ‪ .‬وهو موقف الوليات المتحدة‬
‫المريكية التي دعت إلى إيقاف تمويل البحاث المستخدمة في الستنساخ‬
‫البشري لمدة خمس سنوات ‪ .‬وستحدد هذه المواقف الثلثة الفترة الزمنية‬
‫التي ستمر قبل أن يصبح الستنساخ البشري حقيقة ‪.‬‬
‫الستنساخ الحيواني " الستنساخ البشري " ‪:‬‬
‫ول بد من التفريق بين " الستنساخ الحيواني " و " الستنساخ على البشر " ‪.‬‬
‫فللستنساخ الحيواني مزايا وعيوب ‪ .‬ولكن مزاياه ربما قامت عيوبه ‪ .‬فمن‬
‫مزاياه أنه يمكن استنساخ أعداد هائلة من الخراف والبقر لتوفير الغذاء في‬
‫العالم ‪ ،‬واستنساخ أبقار تنتج حليبا ربما يعادل حليب الم مثل ‪ ،‬وقد يسهل‬
‫الستنساخ عند الحيوان الدراسات الجارية الن للتعرف على مسببات‬
‫السرطان وعلجه ‪.‬‬
‫" الهندسة الوراثية " و " الستنساخ " ‪:‬‬
‫وهناك أيضا فرق هام جدا بين " الهندسة الوراثية " و " الستنساخ " ‪.‬‬
‫فالهندسة الوراثية في النبات والحيوان تهدف إلى التعرف على المورثات‬
‫وعلقتها بالمراض الوراثية ومن ثم معالجتها ‪ .‬وهذا عمل جيد ومحمود ‪ .‬كما‬
‫أنه يمكن بواسطة الهندسة الوراثية الحصول على عقاقير جديدة ومفيدة‬
‫للنسان ‪ ،‬كالنسولين البشري الذي تم الحصول عليه وغيره من الدوية‬
‫كالسوماتاستاتين ‪ ،‬والنترفيرون المستخدم في علج السرطان والمراض‬
‫الفيروسية وغيرها ‪.‬‬
‫ما هي الستخدامات التي يقترحها أنصار الستنساخ البشري ؟‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقول أنصار الستنساخ البشري بأن هناك استخدامات متوقفة للستنساخ‬


‫البشري ومنها ‪:‬‬
‫‪.1‬زوجان مصابان بالعقم ول يصلحان لطفل النابيب ‪.‬‬
‫‪.2‬أبوان لهما طفل واحد أصيب بمرض خطير وتوفي ‪ ،‬أو سنهما ل يسمح‬
‫بالنجاب بعد ذلك ‪.‬‬
‫‪.3‬زوجان مصابان بمرض وراثي واحتمال حدوثه عال جدا عند البناء ‪.‬‬
‫‪.4‬طفل أصيب بمرض خطير ويلزمه نقل نخاع عظمي ) مثل ( دون أي فرصة‬
‫أن يرفض جسمه النخاع الجديد ‪.‬‬
‫وهذه بعض المثلة للستخدامات المحتملة للستنساخ البشري ‪ .‬وبما كان‬
‫هناك الكثير من الستخدامات الخرى والخطيرة ‪.‬‬
‫ما هي مخاطر الستنساخ البشري ؟‬
‫إذا قدر للستنساخ البشري أن يظهر للوجود ‪ ،‬وهو أمر محتمل جدا ‪ ،‬وربما‬
‫في وقت قريب ‪ ،‬فإن ذلك سيترافق بمشاكل عديدة اجتماعية وإنسانية‬
‫ونفسية ‪.‬‬
‫فسيكون هناك اضطراب في النساب ‪ ،‬وما يتبعه من اضطراب في‬
‫المجتمع ‪ ،‬وقد يضطرب أعداد الذكور أو الناث ‪ ،‬فتخيلوا مثل أن‬
‫المستنسخين كلهم كانوا جميعا من الذكور ‪ ،‬فماذا سيحدث ؟ ولن يكون‬
‫هناك مفهوم الفرد بذاته ‪ ،‬بل ستميع ذاتية الفرد ‪ ،‬وتختل المواريث ‪ ،‬ويتزلزل‬
‫كيان‬
‫السرة ‪ .‬وقد يلجأ في الستنساخ إلى طرق إجرامية كاستنساخ شخص بدون‬
‫إذنه ‪ ،‬أو بيع أجنة مستنسخة ‪ ،‬أو الحصول على نسخ متماثلة من أشد‬
‫المجرمين عنوة ووحشية ‪ ،‬أو اختيار سللة متميزة تعتبر هي الجنس الرقى ‪،‬‬
‫وسللة أخرى من العبيد ‪ ،‬وهكذا ‪..‬‬
‫الموقف الشرعي من الستنساخ البشري ‪:‬‬
‫لما كثرت التساؤلت عن حكم الشرع في الستنساخ البشري ‪ ،‬ولما كان من‬
‫الصعب جدا على فقيه واحد أن يدلي برأيه في مسألة مستحدثة ومعقدة‬
‫كالستنساخ ‪ ،‬فقد دعت المنظمة السلمية للعلوم الطبية إلى عقد ندوة‬
‫تضم فريقا من الفقهاء الجلء ‪ ،‬والطباء المتخصصين لدراسة أمر الستنساخ‬
‫البشري ‪.‬‬
‫وقد عقدت الندوة في الدار البيضاء في المملكة المغربية ما بين ‪17 - 14‬‬
‫يونيو ) حزيران ( ‪ ، 1997‬ودرست الموضوع دراسة جدية وعميقة ‪ ،‬وصدر‬
‫في ختامها التوصيات التالية ‪:‬‬
‫" أول ‪ :‬تجريم كل الحالت التي يقحم فيها طرف ثالث على العلقة الزوجية‬
‫سواء أكان رحما أم‬
‫بويضة أم حيوانا منويا أم خلية جسدية للستنساخ ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬منع الستنساخ البشري العادي ‪ ،‬فإن ظهرت مستقبل حالت استثنائية‬
‫عرضت لبيان‬
‫حكمها الشرعي من جهة الجواز ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬مناشدة الحكومات من التشريعات القانونية اللزمة لغلق البواب‬
‫المباشرة وغير المباشرة أمام‬
‫الجهات الجنبية والمؤسسات البحثية والخبراء الجانب للحيلولة دون اتخاذ‬
‫البلد السلمية ميدانا لتجارب الستنساخ البشري والترويج لها ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬متابعة المنظمة السلمية للعلوم الطبية وغيرها لموضوع الستنساخ‬
‫ومستجداته العلمية‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وضبط مصطلحاته ‪ ،‬وعقد الندوات واللقاءات اللزمة لبيان الحكام الشرعية‬


‫المتعلقة به ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬الدعوة إلى تشكيل لجان متخصصة في مجال الخلقيات الحياتية‬
‫لعتماد بروتوكولت البحاث في الدول السلمية إعداد وثيقة عن حقوق‬
‫الجنين ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الستنساخ‬
‫د‪.‬عبد الرشيد قاسم ‪25/10/1425‬‬
‫‪08/12/2004‬‬
‫المبحث الول‪ ... :‬حقيقة الستنساخ‬
‫المبحث الثاني‪ ... :‬كيف تمت عملية الستنساخ‬
‫المبحث الثالث‪ ... :‬الحكم الشرعي في الستنساخ‬
‫المطلب الول‪ ... :‬الستنساخ الجنيني ) الستتآم (‬
‫المطلب الثاني‪ ... :‬الحكم الشرعي في الستنساخ الخلوي‬
‫تمهيد ‪:‬‬
‫تطور العلم في القرن العشرين الميلدي فقفز قفزات جبارة في شتى‬
‫العلوم وكان لها تأثير كبير في تغيير مجريات الحداث وأنماط الحياة ومن‬
‫أبرز ما ظهر في هذا القرن ما يلي ‪:‬‬
‫‪ – 1‬الثورة الذرية‪ :‬حيث تمت صناعة قنابل ذرية واستخدمت على اليابان في‬
‫مدينتي هيروشيما ونجازاكي عام ‪ 1945‬م ‪ ،‬معلنا ً بذلك النتقال من عصر‬
‫الكهرباء والسلحة التقليدية إلى عصر الذرة بكل مخاوفه وهواجسه وويلته ‪.‬‬
‫وتمتلك عدد من الدول قنابل ذرية تقدر قوتها بما يكفي لتدمير الرض ست‬
‫مرات ‪.‬‬
‫‪ – 2‬ثورة اللكترونيات ‪:‬‬
‫حيث ظهر علم السيبرنطيقا ‪ Cybernetics‬وكان ظهوره بمثابة الساس لتقنية‬
‫الحاسوب ) الكمبيوتر ( فيما بعد ‪ ،‬ومن ثم ثورة النترنت ‪ Internet‬الذي أورث‬
‫ثورة عارمة في المعلومات المختلفة في شتى الميادين بل ضابط وتنشأ يوما ً‬
‫بعد يوم مئات المواقع وتدخل يوميا ً مليين المعلومات المختلفة في شتى‬
‫الميادين وبعدة لغات ‪.‬‬
‫‪ – 3‬غزو الفضاء ‪:‬‬
‫حيث تمكن الروس من إطلق أول قمر صناعي )سبوتنيك ‪ (1‬عام ‪ 1957‬م ‪،‬‬
‫وتوالت بعدها المحاولت التي كان منها هبوط النسان على سطح القمر‬
‫وإرسال مركبات للمريخ وزحل والكوكب الخرى لدراسة أحوالها ‪ ،‬وتم وضع‬
‫أقمار صناعية حول الرض لغراض متعددة منها تسهيل التصالت والتجسس‬
‫ونقل الحداث من شتى بقاع العالم مباشرة ‪.‬‬
‫‪ – 4‬الثورة البيوتكنولوجية ) الحيوية ( ‪:‬‬
‫واتخذت عدة أشكال أشهرها ‪:‬‬
‫‪ – 1‬زراعة العضاء‪ :‬حيث تم عام ‪1967‬م أول عملية زرع قلب بشري‬
‫وحظيت بالنجاح ‪ ،‬ثم توسعت عمليات النقل والزرع حتى سجلت الكلى‬
‫والبنكرياس والكبد والقلب والرئة معا ً ‪،‬وقد تطور المر في البلد السلمية‬
‫ليشمل إنشاء مراكز للتبرع بالعضاء بعد الموت ‪.‬‬
‫‪ – 2‬التلقيح الصناعي ‪:‬‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حيث نجحت أول عملية للخصاب الصناعي عام ‪1978‬م وكانت ولدة أول‬
‫طفلة سميت لويزا براون ‪ ،‬ثم أنشئ بعدها بعامين بنك المني حيث يودع فيه‬
‫مني الرجل وبييضات المرأة لغراض مختلفة وتوالت بعدها التقنيات‬
‫المستجدة كتأجير الرحام والم البديلة والتحكم في جنس الجنين وبنك‬
‫العباقرة وغيره ‪.‬‬
‫‪ – 3‬الهندسة الوراثية ‪:‬‬
‫حيث تم الكشف عن الحمض الريبي النووي ‪ DNA‬ونال صاحبه جائزة نوبل‬
‫عام ‪1962‬م ثم تم الكشف عن أنزيمات التحديد أو التقييد اللزمة لقص ذلك‬
‫الحمض في مواقع محددة ‪ ،‬وتدريجيا ً بدأ مصطلح هندسة وراثية ‪Genetic‬‬
‫‪ Engineering‬يتداول بين الناس لتشكل تلك الهندسة في ذاتها ثورة من أخطر‬
‫الثورات العلمية وهي ثورة حقيقية تعتمد على مادة الحياة وهي الخلية‬
‫وبداخلها الجينات وهي ثورة تشارك فيها ثلثة علوم أساسية هي علوم‬
‫الوراثة والخلية والجنة وتقوم على فكرة التحكم في الجهاز الوراثي للنسان‬
‫ومن ثم إمكانية برمجة الجنس البشري وفق تصميمات معدة سلفا ً ‪ ،‬وبذلك‬
‫بدأ العلماء في تعديل أو العبث في أهم خصوصيات النسان وهي الشفرة‬
‫الوراثية ‪.‬‬
‫‪ – 4‬الستنساخ ‪:‬‬
‫حيث فوجئ العالم عام ‪ 1997‬م باستنساخ النعجة ) دوللي ( على يد العالم‬
‫إيان ويلمت وتوالت بعدها التجارب حتى أعلن في اكريكا عن استنساخ اثنين‬
‫من القرود من خليا جنينيه أعلن في أمريكا عن استنساخ اثنين من القرود‬
‫من خليا جنينية وأعلن في اليابان عن نجاح استنساخ ضفادع وقد وقف‬
‫العالم ضد فكرة سريان الستنساخ لعالم البشر حتى سمحت بريطانيا لحقا ً‬
‫بإجراء التجارب تحت ضوابط معينة لغراض خاصة)‪.(1‬‬
‫فما هي حقيقة الستنساخ وما هي آثاره ولماذا وقف العالم ضده ؟ وما هو‬
‫الموقف الشرعي منه ؟ هذا ما سيكون الجابة عليه في المباحث التالية ‪:‬‬
‫المبحث الول ‪ :‬حقيقة ا لستنساخ‬
‫ً‬
‫الستنساخ في اللغة بمعنى ‪ :‬النقل ‪ ،‬يقال نسخت الكتاب نسخا أي ‪ :‬نقلته‬
‫من صورته المجردة إلى كتاب آخر ‪ ،‬ويأتي أيضا ً بمعنى الزالة ‪ ،‬يقال نسخت‬
‫الشمس الظل أي ‪ :‬أزالته)‪. (2‬‬
‫أما معناها في الصطلح فهو عبارة عن ‪ :‬زرع خلية إنسانية أو حيوانية‬
‫جسدية تحتوي على المحتوى الوراثي كامل ً في رحم طبيعي أو صناعي وذلك‬
‫بغرض إنتاج كائن حي ) حيوان أو إنسان ( صورة طبق الصل من نظيره‬
‫صاحب الخلية الولى)‪.(3‬‬
‫أقسامه ‪:‬‬
‫ينقسم الستنساخ إلى قسمين ‪:‬‬
‫أ – الستنساخ الحيواني والنباتي‬
‫ب – الستنساخ البشري وهو ثلثة أنواع ‪:‬‬
‫‪ – 1‬الستنساخ الجنيني ) الستتآم (‬
‫وهو العمل على فصل خليا بييضة ملقحة بخلية منوية بعد انقسامها إلى‬
‫خليتين أو أكثر لتصبح كل خلية منها أيضا ً صالحة للنقسام أيضا ً بعد تهيئة‬
‫ظروف نموها وانقسامها ‪ ،‬وهكذا يتوالى النقسام والفصل في كل خلية ثم‬
‫تزرع بعض هذه الخليا في رحم الم ‪ ،‬ويتم تبريد الباقي ليحتفظ به إلى وقت‬
‫اللزوم ‪.‬‬
‫‪ – 2‬الستنساخ العضوي ‪:‬‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وهو العمل على استنساخ العضو الذي يحتاج إليه النسان في حياته حال‬
‫حدوث عطب في هذا العضو ‪.‬‬
‫‪ – 3‬الستنساخ الخلوي ) التنسيل (‬
‫وهو زرع خلية جسدية ) تحتوي على ‪ 46‬كروموزوم ( مكان نواة منزوعة من‬
‫بيضة ليتولى السيتوبلزم المحيط بالنواة الجديدة حثها على النقسام‬
‫والتنامي من طور إلى طور من أطوار الجنين الذي يكون بعد ولدته صورة‬
‫مطابقة لصاحب تلك الخلية الجسمية من الناحية المظهرية)‪. (4‬‬
‫كيف بدأ الستنساخ ؟‬
‫عندما نجح العلماء في معالجة البقرة ) روزي ( التي يمكنها إفراز حليب‬
‫مقارب لحليب الم البشرية بعد القيام بهندستها وراثيا ً هي وثمان بقرات أخر‬
‫لنتاج البروتين الدمي ألفا لكتالبومين ‪ ، Alpha-Human Lactalbumin‬وقد‬
‫كلفت عملية إنتاج ) روزي ( وحدها ‪ 4‬مليين دولر أمريكي ‪.‬‬
‫فكر ) ويلموت ( و ) كامبل ( في الحفاظ على هذه الخاصية في البقرة حيث‬
‫أنه إذا تم التزاوج الطبيعي بين ) روزي ( وذكر آخر فقد تفقد الجين الوراثي‬
‫الذي تم تهجينها به أثناء عملية اندماج الخلية المنوية بالبييضة لتكوين‬
‫النطفة ‪ ،‬وبالتالي يضيع كل الجهد الذي بذله للوصول إلى هذا الكتشاف ‪،‬‬
‫ومن هنا بدأ العالم ) ويلموت ( يفكر في إمكانية حل المشكلة عن طريق‬
‫الستنساخ الجسدي أي من خلل أخذ نواة خلية من ثدي روزي تحتوي على‬
‫كل صفاتها الوراثية بما في ذلك الجنين الذي يضع بروتين ) لكتالبومين (‬
‫وتفرزه في لبنها ‪ ،‬ودمج هذه النواة مع بييضة نعجة أخرى بعد تفريغها من‬
‫النواة التي تحمل كل صفاتها الوراثية ‪ ،‬لكي يكون الناتج جنينا ً يحمل كل‬
‫الصفات الوراثية لروزي التي أخذت منها الخلية الجسدية ‪ ،‬وهو مال يمكن أن‬
‫نضمنه لو تم تلقيح بييضة روزي التي تحمل نصف صفاتها الوراثية بخلية‬
‫منوية من ذكر يحمل النصف الخر وهكذا بدأت فكرة الستنساخ)‪.(5‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬كيف تمت عملية الستنساخ‬
‫إن العتقاد الطبي السائد كان يقوم على فكرة حصر عملية التكاثر عن‬
‫طريق الخليا الجنسية فقط إل أن تقنية الستنساخ صححت هذه الفكرة ‪:‬‬
‫وقد تمت العملية على النحو التالي ‪:‬‬
‫‪ – 1‬تم أخذ خلية لبنية من ضرع النعجة ) أ ( وعمرها ست سنوات ووضعت‬
‫في المعمل لتنميتها ووضعت في وسط حامضي يحتوي على نسب قليلة من‬
‫المواد اللزمة لنموها لمدة خمسة أيام وبذلك تخرج الخلية من طور النمو‬
‫إلى طور الراحة والتجويع ‪.‬‬
‫‪ – 2‬تم سحب بييضة من مبيض النعجة ) ب ( بواسطة إبرة خاصة ‪ ،‬ثم‬
‫تفريغها من نواتها ووضعها في سائل كيميائي لبطاء حركة نموها ‪.‬‬
‫‪ – 3‬تم حقن خلية ثدي النعجة ) أ ( في البييضة المفرغة للنعجة ) ب ( ثم‬
‫تسليط كهربائي ضعيف عليها لتمام عملية اللتحام والندماج ‪ ،‬حيث تقوم‬
‫الجزيئات في البييضة عندئذ ببرمجة الجينات في الخلية الثديية لنتاج الخلية‬
‫الولية للجنين ‪.‬‬
‫‪ – 4‬تم وضع هذه الخلية المندمجة في محلول كيميائي لتنميتها ‪.‬‬
‫‪ – 5‬عند بلوغها مرحلة معينة من النمو والنقسام إلى خليا متعددة تم نقلها‬
‫إلى رحم النعجة ) ج ( لحتضانها ‪.‬‬
‫‪ – 6‬بعد ‪ 160‬يوما ً تم ولدة النعجة التي سميت دوللي وعند تحليلها‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كروموزميا ً ثبت أنها صورة طبق الصل من النعجة ) أ ( التي أخذ منها الخلية‬
‫الصلية وليس من النعجة ) ب ( التي أعطت البييضة أو النعجة ) ج ( التي‬
‫احتضنت البييضة طوال فترة الحمل)‪.(6‬‬
‫وفي ‪ 24‬شباط ‪1997‬م أعلن الدكتور ) أيان ويلموث ( وفريقه عن استنساخ‬
‫شاة استنساخا ً جسديا وأسموها " دوللي " حيث أن هذه النعجة صارت أشهر‬
‫نعجة في التاريخ حيث اشترك في وجودها ) ثلث أمهات ( بدون أب الولى‬
‫أعطت الخلية المانحة للمورثات من ضرعها والثانية أعطت البييضة والثالثة‬
‫حملت البييضة في رحمها حتى ولدت جنينيها الكامل وقد جاء هذا النجاح بعد‬
‫‪ 277‬مرة وقد لوحظ على النعجة ما يلي ‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ - 1‬أن تركيبها الكروموزومي يتطابق تماما مع النعجة ) أ ( التي أخذت الخلية‬
‫منها ‪.‬‬
‫‪ – 2‬أنها كائن ثدي كامل سليم التكوين وقد ولدت ابنتها في نيسان ‪1998‬م‬
‫بشكل طبيعي ‪.‬‬
‫‪ – 3‬أن الخليا التي تحملها عمرها ) ‪( 6‬سنوات وليست كالنعاج الطبيعية‬
‫وبالتالي ستصل لمرحلة الشيخوخة مبكرا ً ‪.‬‬
‫وقد كانت المواقف متباينة تجاه الستنساخ كما هو الشأن في عامة القضايا‬
‫العلمية فالفريق المؤيد للستفادة من الستنساخ بضوابط يرى أنها ذات‬
‫فوائد للسباب التالية ‪:‬‬
‫‪ – 1‬أنه حل فاعل للرجال المصابين بالعقم الذين ل يوجد في منيهم خليا‬
‫منوية وكذلك للنساء اللواتي ل تقبل بييضاتهن التلقيح ‪ ،‬فالستنساخ هو الحل‬
‫الوحيد حتى الن لمثال هؤلء)‪. (7‬‬
‫أما المجتمع الغربي الكافر فمشاكل العقم عندهم تحل عن طريق التبني أو‬
‫أخذ خليا منوية أو بييضات من متبرعين ‪.‬‬
‫‪ – 2‬أن بعض الرجال والنساء يفقدون قدرتهم على النجاب نتيجة تلقيهم‬
‫علجا ً كيميائيا ً أو إشعاعيا ً بسبب إصابتهم بمرض السرطان ‪ ،‬وتعتبر هذه‬
‫الوسيلة الوحيدة لهم كي ينجبوا كما في الحالة الولى ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ – 3‬أن الستنساخ يمكن أن يكون حل لبعض المرضى من الرجال والنساء‬


‫الذين يعانون من الفشل الكلوي حيث أن هؤلء يعانون بشدة من نقص‬
‫العضاء المتوفرة ويحتاجون لثلث جلسات أسبوعية على القل لعمل‬
‫الغسيل الكلوي الذي يستغرق ساعات طويلة ‪ ،‬ولو حالفهم الحظ ووجدوا‬
‫متبرعين للكلية فسوف تعمل بأجسادهم لعدة سنوات فقط ثم سيحتاجوا‬
‫بعدها لعملية نقل كلى أخرى بسبب رفض جسمهم لها بسبب اختلف فصائل‬
‫النسجة ‪.‬‬
‫بينما لو تمكن النسان من عمل نسخة منه فإنه يضمن الحصول على أعضاء‬
‫كثيرة خلقها الله مزدوجة عند النسان مثل الكلى والرئتين والمبايض أو‬
‫الخصيتين بل حتى يمكنه الحصول على جزء من الكبد أو نخاع العظم دون‬
‫التأثير على النسان المنسوخ مع ضمان استمرار عمل العضاء المنقولة في‬
‫المريض بكفاءة ؛ لنها من نفس الفصيلة)‪.(8‬‬
‫‪ – 4‬أن العباقرة في عالمنا محدودين ‪ ،‬وهم يقدمون للبشر خدمات كبيرة ‪،‬‬
‫وربما مات العالم وترك فراغا ً ل يسد إل بعد فترة من الزمان ‪ ،‬فلو أمكن أخذ‬
‫عدة نسخ منه لمكن إنجاب عباقرة آخرين لمصلحة البشرية ‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ – 5‬في حالة فقدان أي زوجين لطفل أو أكثر من أطفالهم بسبب المرض أو‬
‫الحوادث يمكن التخفيف من هذه المصيبة بأخذ خلية ومن ثم زرعها في‬
‫الرحم بعد إجراء العمليات المناسبة فتحصل على نسخة طبق الصل من‬
‫الطفل المفقود ‪.‬‬
‫‪ – 6‬اختيار جنس الجنين في المستقبل حسب الظروف العائلية ؛ لن الطفل‬
‫يكون نسخة طبق الصل من الخلية الملقحة بالبييضة)‪.(9‬‬
‫هذه أبرز الفوائد التي يمكن الحصول عليها من خلل هذه التقنية – بغض‬
‫النظر عن حكمها الشرعي – ‪.‬‬
‫العتراضات الواردة على تقنية الستنساخ ‪:‬‬
‫‪ – 1‬أن الستنساخ مدعاة لتكثير الجريمة وانتشار الفساد وتضييع الحقوق‬
‫حيث يصعب التعرف على الجاني في الجريمة التي يكون الدليل فيها بصمات‬
‫الصابع أو حمض النوويك وهو دليل يفي بتحديد شخص واحد تماما ً حتى‬
‫الن ‪ ،‬وكذلك في القضاء حيث يلتبس على الشهود الجاني ‪ ،‬والزوجة قد‬
‫يتعذر عليها التفريق ل سيما إذا كانت حديثة الزواج وهكذا المور الخرى ‪.‬‬
‫‪ – 2‬أن هناك التباس وإشكال كبير في علقة المستنسخ فلو صنعت عذراء‬
‫نسخة لها من أحد خلياها ثم أودعت الزريعة في رحمها لتنمو حتى الميلد ‪،‬‬
‫كيف يكون الحمل شرعيا ً وهي ل زوج لها ؟ وما علقتها بالمولودة ؟ هل‬
‫ولدت نسختها أو توأمتها ) أختها ( أو ابنتها ؟‬
‫‪ – 3‬أن الستنساخ مدعاة لفتح أبواب شائكة وقضايا معقدة وأمور تتنافى مع‬
‫الشرع ومن ذلك ‪:‬‬
‫‪ – 1‬إحداث نسخة بعد موت الشخص ولو بعد عشرات السنين وبعد توزيع‬
‫التركة ‪.‬‬
‫‪ – 2‬قد تستغني المرأة عن الزواج الشرعي للحصول على الولد حيث يتم‬
‫تخصيب بييضتها بخلية من جسدها ثم الحصول على الطفل بل حاجة للب‬
‫وهذا يؤدي لخلخلة‬
‫اجتماعية ونفسية معقدة حيث يفقد الطفل العواطف البوية)‪.(10‬‬
‫‪ – 3‬أن ذلك مدعاة لشيوع الفاحشة ‪ ،‬حيث ترغب النساء في الحصول على‬
‫طفل لها طبق الصل من رجل مميز كلعب أو فنان أو عالم بالحصول على‬
‫خلية منه والقيام بالتخصيب كما هو حاصل في بنوك العباقرة في الغرب ‪..‬‬
‫‪ – 4‬ينجم عن الستنساخ اختلل التوازن السكاني بسبب الستغناء عن أحد‬
‫الجنسين وفقدان التنوع الذي هو أساس المجتمع فالختلف حكمة إلهية "ولو‬
‫شاء لجعلكم أمة واحدة " )‪.(11‬‬
‫‪ – 5‬قد يؤدي الستنساخ إلى إنتاج أشخاص مشوهين أو مجرمين لديهم‬
‫الستعداد للفساد أو التخريب ‪.‬‬
‫أو تتسابق الدول لستنساخ أفراد ذوي صفات معينة مما يمهد للحروب‬
‫واعتبار هؤلء أسلحة تهدد الشعوب الخرى)‪.(12‬‬
‫‪ – 6‬إمكانية التلعب بالجينات والخليا والجنة حسب الرغبات والهواء‬
‫واستعمالها للكسب والتجارة وهذا كله مسخ للنسان وامتهان لكرامته ‪.‬‬
‫‪ – 7‬احتمال حدوث خلل تقني أثناء إجراء عملية الستنساخ مما ينتج عنه‬
‫تشوهات جسمية وعقلية ونفسية لم نسمع بها من قبل ‪.‬‬
‫‪ – 8‬استبدال الطريقة الطبيعية للتكاثر وعمارة الرض واختلل النظم‬
‫الجتماعية كالزواج والسرة والبوة والبنوة والميراث وغير ذلك من أسس‬
‫النسيج الجتماعي)‪.(13‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬الحكم الشرعي في الستنساخ‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لبد من إفراد كل نوع من الستنساخ بحكمه الخاص ‪ ،‬ومن الخطأ تعميم‬


‫فكرة الستنساخ ابتداء ‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬الستنساخ النباتي والحيواني‬
‫يختلف الستنساخ النباتي والحيواني كثيرا ً عن الستنساخ البشري ‪ ،‬لن هذه‬
‫المخلوقات جاءت لمصلحة البشر ومسخرة لخدمته والنتفاع بها ‪ ،‬بخلف بني‬
‫آدم الذي كرمه الله سبحانه ‪.‬‬
‫وقد ذهب عامة الفقهاء المعاصرين إلى جواز الستفادة من تقنية الستنساخ‬
‫في غير البشر بما يعود عليهم بالنفع ؛ لن الشريعة جاءت بتحصيل مصالح‬
‫العباد وتكثيرها ودفع المفاسد وتقليلها ‪.‬‬
‫ويستدل للجواز بما يلي ‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ – 1‬قوله تعالى ‪" :‬هو الذي خلق لكم ما في الرض جميعا " )‪.(14‬‬
‫‪ – 2‬قوله تعالى ‪":‬ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الرض‬
‫")‪.(15‬‬
‫ف ومنافع ومنها تأكلون ")‪.(16‬‬
‫‪ – 3‬قوله تعالى ‪" :‬والنعام خلقها لكم فيها د ٌ‬
‫وجه الدللة ‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫أن الرض وما فيها من نبات ودواب وغير ذلك مسخرة لنفع النسان ‪ ،‬فيجوز‬
‫النتفاع بتكثيرها باستنساخها وغير ذلك ‪.‬‬
‫‪ – 4‬حديث ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال ‪ ،‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ " :-‬إن الله‬
‫عز وجل فرض فرائض فل تضيعوها وحرم حرمات فل تنتهكوها وحد حدودا ً‬
‫فل تعتدوها وسكت عن أشياء من غير نسيان فل تبحثوا عنها ")‪.(17‬‬
‫‪ – 5‬قاعدة " الصل في الشياء الباحة ")‪.(18‬‬
‫حيث أن كل عمل يصب في دائرة الباحة حتى يأتي الدليل المانع لذلك ‪.‬‬
‫‪ – 6‬قاعدة " الضرر يزال ")‪.(19‬‬
‫ً‬
‫حيث تبين أن الستنساخ الحيواني والنباتي سيكون سببا في توفر الثمار‬
‫الكثيرة واللحوم الوفيرة واللبان بكميات هائلة مما يدفع ضرر التخوف من‬
‫نقص موارد الرض ‪ ،‬إضافة إلى تطلع العلماء إلى أنه سيكون سببا ً في درء‬
‫العديد من المضار والمفاسد نحو مقاومة بعض المراض المورثة والتغلب‬
‫على نقص الدم وقلة العضاء ‪.‬‬
‫وقد جاء في قرار مجمع الفقه السلمي بجدة عام ‪1418‬هـ ‪1997 -‬م "‬
‫يجوز شرعا ً الخذ بتقنيات الستنساخ والهندسة الوراثية في مجالت الجراثيم‬
‫وسائر الحياء الدقيقة والنبات والحيوان في حدود الضوابط الشرعية بما‬
‫يحقق المصالح ويدرأ المفاسد ")‪.(20‬‬
‫وجاء في قرار الحكم الشرعي للجنة الطبية الفقهية بالردن ‪ " :‬أول ً ‪:‬‬
‫استنساخ أو تنسيل النبات و الحيوان جائز ضمن الضوابط الشرعية التالية ‪:‬‬
‫‪ – 1‬أن تتحقق المصلحة الشرعية المفيدة من هذه الجراءات ‪.‬‬
‫‪ – 2‬أن ل تدخل تحت باب العبث وتغيير خلق الله ‪ ،‬بمعنى العمل على إيجاد‬
‫المسخ ‪.‬‬
‫‪ – 3‬أن ل يترتب عليها ضرر يربو على المصلحة المرتجاة ‪.‬‬
‫‪ – 4‬أن ل يترتب عليها إيذاء أو تعذيب للحيوان ‪.‬‬
‫وقد خالف في هذا القرار الستاذ الدكتور عمر الشقر حيث رأى حرمة‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫استنساخ الحيوان لمخالفته سنة الله في التكاثر والخلق ")‪.(21‬‬


‫وهذه المخالفة التي انفرد بها عمر الشقر مبنية على أن سنة الله في التكاثر‬
‫تكون بين الذكر والنثى حتى في الحيوان ‪ ،‬ووضع خلية جسدية في بييضة‬
‫منزوعة النواة أمر مخالف لسنة الله في التكاثر ويخشى أن تظهر مفاسد‬
‫وأضرار لهذا النوع ‪ ،‬لن فتح باب الجواز في الحيوان قد يفتح المجال لجرائه‬
‫في النسان ‪.‬‬
‫وقد أجيب عن هذا العتراض بأن التفريق بين خلق الله وسنن الله ليس له‬
‫مستند شرعي يدل على التحريم وفرق عظيم بين قياس النسان على‬
‫الحيوان فالجواز في الحيوان ل يعني البتة جوازه في النسان ‪.‬‬
‫والرسول عليه الصلة والسلم قال في قضية تأبير النخل حيث لم تثمر ‪" :‬‬
‫أنتم أعلم بأمور دنياكم ")‪. (22‬‬
‫فهذه قاعدة في جواز استخدام العقول والوسائل المختلفة التي تحسن شأن‬
‫الحيوان والنبات ضمن الحدود الشرعية ل سيما أن الله أمرنا بإعمار الرض‬
‫واستخلفنا فيها)‪.(23‬‬
‫وهذا التفريق يلزم منه تحريم أشياء كثيرة استجدت في حياتنا مثل حرمة‬
‫أكل الدجاج الذي خرج بالفقس الصناعي ‪ ،‬لنه لم يخرج عن طريق رقاد‬
‫الدجاجة على البيض كما هو معهود ‪ ،‬وهو نوع من التكاثر الصناعي وهذا‬
‫التحريم لم يقل به أحد من العلماء فيما أعلم والعلم عند الله ‪.‬‬
‫ومن ثمرات تطبيق هذه التقنية ‪:‬‬
‫‪ – 1‬نجح اليابانيون في إنتاج سللة من البقار كلها إناث في المختبر –‬
‫فانتفت الحاجة إلى الذكور وبالتالي الستمرار في إنتاج الحليب وتحقيق‬
‫الكفاية من اللحوم ‪.‬‬
‫‪ – 2‬زراعة حقول ذات مساحات شاسعة من خليا نبتة واحدة ‪ ،‬حيث تكون‬
‫جميع النباتات الناتجة نسخا ً متشابهة تماما ً ولها نفس الخصائص من حيث كبر‬
‫الثمرة وطعمها ومدى مقاومتها للمراض ‪.‬‬
‫‪ – 3‬مواجهة مشكلة التلوث بإيجاد سللت من البكتريا تقوم بتخليص البيئة‬
‫من الملوثات بعد التحكم الجيني بها ‪.‬‬
‫‪ – 4‬تمكن العلماء باستخدام الكائنات الدقيقة الحية من إنتاج أصعب الدوية‬
‫وأندرها مثل النسولين المنظم لسكر الدم والسوماتاستاتين المنظم لعمال‬
‫بعض الغدد في الجسم والنترفيرونات التي تستخدم في علج السرطان)‬
‫‪.(24‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬الستنساخ البشري ‪:‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬الستنساخ الجنيني ) الستتآم (‬
‫وصورته تكون بتلقيح البييضة بماء الزوج وعند النقسام تفصل الخليا كل‬
‫خلية على حده لتكون نسخا ً متعددة ثم تودع في رحم الزوجة)‪.(25‬‬
‫وقد بدأت فكرة هذا النوع عام ‪ 1993‬م من العالمين المريكيين ستيلمان‬
‫وهول حيث أخذا ) خلية منوية تحتوي على ‪ 23‬كروموزوم ( ولقحا بييضة‬
‫) تحتوي على ‪ 23‬كروموزوم ( لينتجا بييضة ملقحة بنواة ذات ‪ 46‬كروموزوم‬
‫ثم انقسمت هذه الخلية الملقحة لتعطي أربع خليا ‪.‬‬
‫والمر الجديد في بحثهما ما يلي ‪:‬‬
‫‪ – 1‬أنهما توصل إلى أنزيم ومواد كيميائية استطاعت أن تذيب الغشاء‬
‫البروتيني السكري المحيط بهذه الخليا فانفصلت عن بعضها البعض ‪.‬‬
‫‪ – 2‬توصل إلى مادة جديدة من الطحالب البحرية لصلح جدار الخليا‬
‫المنفصلة وتغطيتها حتى ل تتأثر ‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ – 3‬أخذا كل خلية من هذه الخليا وقاما باستنساخ كل واحدة على حدة لتنتج‬
‫) ‪ ( 4‬خليا مرة أخرى أي الناتج ) ‪ ( 16‬خلية ثم فصل هذه الخليا‬
‫واستنساخها على ) ‪. ( 64‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ثم جمدوا هذه الخليا التي هي البداية الولى للجنين وأخذوا واحدة فقط‬
‫لتنميتها حتى وصلت إلى ‪32‬خلية ولم يكمل العمل خوفا ً من الجوانب‬
‫الخلقية وهذا البحث جرى بعيدا ً عن أعين اللجان الخلقية وأذيع في أحد‬
‫المؤتمرات عام ‪1993‬م وأثار زوبعة من الخلف من علماء الدين وعلماء‬
‫الخلقيات إل أن علماء الخليا والبيولوجيا منحوهما جائزة أحسن بحث في‬
‫المؤتمر)‪.(26‬‬
‫وقد اختلف العلماء المعاصرون في حكم هذه الصورة على النحو التالي ‪:‬‬
‫القول الول ‪ :‬التحريم وعليه جمهور العلماء المعاصرين وعليه قرر مجمع‬
‫الفقه السلمي بجدة ‪.‬‬
‫وقد جاء في قرار المجمع الفقهي " تحريم الستنساخ البشري بطريقتيه‬
‫المذكورتين‬
‫أو بأي طريقة أخرى تؤدي إلى التكاثر البشري ")‪.(27‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬جواز استنساخ الجنين وعليه قرار اللجنة الطبية الفقهية‬
‫بالردن ‪.‬‬
‫وقد جاء في ملخص الحكم الشرعي للستنساخ الجنين البشري ‪ " :‬فصل‬
‫الخليا من البييضة الملقحة بعد النقسام الول أو الثاني أو الثالث أو بعد ذلك‬
‫بقصد استعمالها لحداث الحمل في فترة الزوجية جائز شرعا ً ‪ ،‬وتحكمه‬
‫القواعد ذاتها التي تحكم موضوع التلقيح الصطناعي الخارجي ) طفل‬
‫النابيب ( ‪ (In-Vitor-Fertilization (IVF‬وقد وافق الفقهاء الحضور بالجماع‬
‫على ذلك … وقد تحفظ على هذا الرأي كل من الشيخ الدكتور راجح الكردي‬
‫والشيخ الدكتور عبد الناصر أبو البصل ‪ ،‬الذي كان رأيه أن الستنساخ الجنيني‬
‫غير جائز إل في حالة امرأة لديها مشكلة في ثبات الحمل ‪ ،‬فيجيز الستنساخ‬
‫والتجميد لهذه الغاية فقط ")‪. (28‬‬
‫المناقشة ‪:‬‬
‫استدل المانعون بالدلة والعتراضات التي تمنع الستنساخ ) الجسدي ( ورأوا‬
‫أنها تأخذ نفس الحكم لكونها كالستنساخ الجسدي من حيث الصل ‪.‬‬
‫أما القائلين بالجواز فرأوا أنها تأخذ حكم التلقيح الصناعي الخارجي لن هذه‬
‫العملية قائمة بين رجل وزوجته في ظل العلقة الزوجية ول علقة لطرف‬
‫ثالث في العملية ولها فوائد وهذه التقنية تفيد في التي ‪:‬‬
‫‪ – 1‬أنها علج لبعض حالت العقم لدى المرأة والرجل فالمرأة التي تعاني‬
‫مشكلة الفقر في التبويض ‪ ،‬والرجل الذي تكون خلياه المنوية ميتة أو بها‬
‫تشوهات إل القليل منها فإن هذه التقنية تساعده في النجاب ‪.‬‬
‫‪ – 2‬أنه يمكن الستفادة منها في تشخيص المراض الوراثية في المختبر‬
‫فالنسخة التي تم استنساخها يمكن فحصها فإن كان ثمة مرض وراثي أهملت‬
‫جميع النسخ ولم تودع في الرحم وبذلك نتحاشى ولدة أطفال مشوهين ‪.‬‬
‫أدلة المانعين ‪:‬‬
‫‪ – 1‬قاعدة " يتحمل الضرر الخاص أمام الضرر العام ")‪.(29‬‬
‫حيث أن المصلحة الجزئية لحالت محدودة ممن ابتلوا بالعقم والتي تحل‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مشكلة بعض السر ل تعارض هذه المفسدة بالمفاسد المترتبة بفتح أبواب‬
‫الستنساخ الجنيني حيث أن احتمال الختلط والعبث بالخليا وارد خاصة في‬
‫هذا الزمان الذي ضعفت فيه المانة وقاعدة سد الذرائع أخذ بها عامة العلماء‬
‫‪.‬‬
‫‪ – 2‬أن النطفة أصل النسان ‪ ،‬والنسان مكرم وهو جنين منذ تكونه فل يصح‬
‫العبث بالنطفة ول مساسها دون حاجة داعية لذلك واحتمال إجهاض النطفة‬
‫أثناء العملية وارد)‪.(30‬‬
‫‪ – 3‬إن المحاذير الواردة في الستنساخ الخلوي أكثرها موجود في الستنساخ‬
‫الجنيني ‪.‬‬
‫الترجيح ‪:‬‬
‫يظهر لي جواز الستنساخ الجنيني عند وجود الحاجة الماسة أو الضرورة إليها‬
‫كما هو الشأن في علج بعض مشاكل العقم لكون الطريقة من حيث المبدأ‬
‫سليمة ‪.‬‬
‫أما في الحوال العادية كالرغبة في الحصول على أجنة متشابهة فل يجوز ؛‬
‫لن الصل في التلقيح الصناعي الجواز عند الضرورة و " الضرورة تقدر‬
‫بقدرها " فل يتوسع في استباحة المحظور والله أعلم ‪.‬‬
‫وقد جاء في البيان الختامي لندوة ) رؤية إسلمية لبعض المشكلت الطبية‬
‫المعاصرة ( الصادر عن المنظمة السلمية للعلوم الطبية المنعقدة في الدار‬
‫البيضاء في صفر – ‪1418‬هـ – يونيو ‪1997‬م في شأن استنساخ الجنين‬
‫البشري " ترى الندوة أن الطريقة من حيث مبدأ التلقيح سليمة ‪ ،‬لكن‬
‫تقويمها من ناحية النفع والضرر ل يزال في حوزة المستقبل ‪ ،‬ومن منافعها‬
‫القريبة المنال إمكان تطبيق الوسائل التشخيصية على أحد الجنينين أو خليا‬
‫منه ‪ ،‬فإن بانت سلمته سمح بأن يودع في الرحم ‪ ،‬وكذلك التغلب على بعض‬
‫مشاكل العقم وينطبق عليها كل الضوابط المتعلقة بطفل النابيب ")‪.(31‬‬
‫الستنساخ والعقيدة السلمية ‪:‬‬
‫توهم بعض الناس أن الستنساخ يتصادم مع العقيدة السلمية القاضية بأن‬
‫الخلق واليجاد لله وحده ‪ ،‬وأن هذا الستنساخ الذي هو من فعل البشر‬
‫يضاهي خلق الله ‪.‬‬
‫وقد جاء هذا التوهم نتيجة الثارة الهائلة التي واكبت عملية الستنساخ‬
‫والعبارات التي صدرت بها بعض الصحف الغربية والعلمانية هذا الكتشاف‬
‫مما جعل البعض ينكر الستنساخ أصل ً أو يظن أن في ذلك تحدي للخالق‬
‫وهذا وهم ظاهر ‪.‬‬
‫ويمكن الجابة على هذه الشبه بما يلي ‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪ – 1‬أن الستنساخ ليس خلقا ً ‪ ،‬بل هي طريقة جديدة للتكاثر غير الطريقة‬
‫المعهودة في البشر فالخلية المستنسخة والبييضة كلها من خلق الله ‪ ،‬ولم‬
‫تكن معدومة فأوجدت ‪ .‬بل غايته التلقيح بصورة جديدة فقط ‪ .‬فالعلماء‬
‫يتعاملون مع عناصر مخلوقة من عند الله فالخلية من النعجة والنعجة لم‬
‫يوجدها العلماء بل هي من خلق الله ‪ ،‬وعملية النقسام الخلوي التي تتم‬
‫بوسائل حيوية بالغة التعقيد داخل الخلية نفسها وكلها موجودة ولم يخلقها‬
‫العلماء ‪.‬‬
‫والخلق عند الطلق يدل على اليجاد من العدم ويدل لذلك ‪:‬‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أ – قوله تعالى ‪" :‬وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئًا" )‪.(32‬‬


‫ب – قوله تعالى ‪" :‬أول يذكر النسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئًا" )‪.(33‬‬
‫ج – قوله تعالى ‪" :‬إنه يبدأ الخلق ثم يعيده")‪.(34‬‬
‫‪ – 2‬أن الله سبحانه أوجد القابلية للتكاثر في خلقه بهذه الطريقة وغاية ما‬
‫فعله النسان هو اكتشاف هذه الخاصية وتسخيرها لخدمته ول يعد هذا خلقا ً‬
‫كما هو الشأن في النبات حيث يمكن غرس غصن البرتقال في شجرة ليمون‬
‫لتحمل شجرة واحدة ثمرتين أو تهجين نباتين مع بعضها لينتج ثمرة تحمل‬
‫صفتين مثل ) الليم ( وكذلك الشأن في الحيوان مثل البغل الناتج من‬
‫الحصان والحمار ‪ ،‬فكل هذا ل يعد خلقا ً ول يتعارض مع سنن الله ‪.‬‬
‫‪ – 3‬أن العمل لو كان فيه معنى الخلق ‪ ،‬فليوجد العلماء خلية أو بييضة من‬
‫العدم أو من التراب كما هو شأن الخالق وهذا ما يستحيل تصوره عقل ً فضل ً‬
‫عن إمكانية تحقيق ذلك لدى البشر ‪.‬‬
‫وقد أعلمنا الله أن اللهة التي يعبدها البعض لن تستطيع أن تخلق ذبابة‬
‫صغيرة ولو اجتمعوا لذلك وإن سلب الذباب منهم شيئا ً لن يستطيعوا رده‬
‫البتة ‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذا التحدي قائم أبدا ل يمكن للبشر أو غيرهم خرق هذا التحدي)‪ ،(35‬قال‬
‫تعالى ‪" :‬يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله‬
‫لن يخلقوا ذبابا ً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا ً ل يستنقذوه منه‬
‫ضعف الطالب والمطلوب " )‪.(36‬‬
‫هل يتنافى وقوع الستنساخ في البشر مع العقيدة السلمية ؟؟‬
‫ظن البعض أن عملية الستنساخ يستحيل وقوعها في البشر لن ذلك يتنافى‬
‫مع دللة بعض النصوص كقوله تعالى ‪" :‬يخرج من بين الصلب والترائب " )‬
‫‪ ، (37‬أي صلب الرجل وترائب ) صدر ( المرأة ‪ .‬والستنساخ البشري قد يقع‬
‫من أي خلية من الرجل مع بييضة المرأة أو خلية من المرأة نفسها مع‬
‫بييضتها دون الرجل ‪.‬‬
‫والجواب على هذا التوهم ما يلي ‪:‬‬
‫‪ – 1‬أن ولدة الطفل بالطريقة المعهودة ل يعني عدم وقوع غيرها ‪،‬‬
‫فالنصوص دلت على الطريقة المعروفة ولم تنف ما سواها ‪ ،‬فالية في سياق‬
‫الخبر ل الحصر ‪.‬‬
‫‪ – 2‬أن المراد بقوله تعالى يخرج من بين الصلب والترائب ) النسان ( وليس‬
‫كما هو مشهور أن ذلك مني الرجل من الصلب وماء المرأة من الصدر فالية‬
‫في سياق الخبر عن النسان ويفهم هذا من السياق على النحو التالي ‪:‬‬
‫"فلينظر النسان مم خلق" ‪ -‬الخبر عن النسان –‬
‫"خلق من ماء دافق" ‪ -‬أي النسان –‬
‫"يخرج من بين الصلب والترائب" ‪ -‬أي النسان –‬
‫"إنه على رجعه لقادر" ‪ -‬أي النسان –‬
‫وهذا التفسير يدل عليه علم الجنة حيث أن وضع الجنين في البطن عند‬
‫خروجه يكون رأسه لسفل ويمتد جسمه ليصل الصدر مع الظهر فهو يخرج‬
‫من بين الصلب والترائب)‪. (38‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬الحكم الشرعي في الستنساخ الخلوي‬
‫والمراد به إحداث تلقيح بالبييضة عن طريق خلية من الجسم غير منوية كما‬
‫تقدم ‪ ،‬وهذا النوع هو الذي تناولته وسائل العلم والكتاب وعليه العتراضات‬
‫الكثيرة وقد نجحت في مجال الحيوان ويتوقع نجاحه في النسان ‪ ،‬وقد تقدم‬
‫بيان موقف المؤيدين والمعارضين لقضية الستنساخ ‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما الحكم الشرعي يمكن تلخيصه على النحو التالي ‪:‬‬


‫القول الول ‪ :‬التحريم وهو رأي عامة الفقهاء المعاصرين منهم محمد بن‬
‫صالح العثيمين ‪ ،‬وعبد الكريم زيدان ‪ ،‬ويوسف القرضاوي ‪،‬ونصر فريد‬
‫واصل ‪ ،‬ومحمد سيد طنطاوي ‪ ،‬ومحمد سعيد البوطي ‪ ،‬ومحمود‬
‫السرطاوي ‪ ،‬وعجيل النشمي ‪ ،‬وعبد الستار أبو غدة ‪ ،‬وعبد الله بن منيع ‪،‬‬
‫ومحمد الشقر ‪ ،‬ووهبه الزحيلي)‪.(39‬‬
‫وعليه قرار مجمع الفقه السلمي الدولي وقرار اللجنة الفقهية الطبية‬
‫بالردن)‪.(40‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬التوقف‬
‫وهو رأي محمد تقي الدين العثماني والشمري ‪.‬‬
‫وهذا القول جاء بناء على أن الستنساخ البشري ليس إل نظرية وخيال ‪ ،‬ولم‬
‫يأت إلى حيز الوجود ‪ ،‬ولكون المعلومات والصورة الحقيقية بهذا النوع لم‬
‫تتضح بعد وقد كان بعض السلف يقول ‪ " :‬ل تعجلوا بالبلء قبل نزوله ")‪.(41‬‬
‫القول الثالث ‪ :‬تأييد الستنساخ البشري‬
‫ً‬
‫وهذا الرأي ذهب إليه من ل يعتد بقوله شرعا من الشيعة والصحفيين‬
‫والطباء وغيرهم فل يعول عليه)‪.(42‬‬
‫الدلة ‪:‬‬
‫استدل القائلون بتحريم الستنساخ البشري ) الخلوي ( بالدلة التالية ‪:‬‬
‫‪ – 1‬قوله تعالى ‪" :‬ومن آياته خلق السموات والرض واختلف ألسنتكم‬
‫وألوانكم ")‪.(43‬‬
‫وجه الدللة ‪:‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫أن التمايز بين أبناء البشر ضرورة للناس اقتضتها حكمة الباري سبحانه‬
‫وتعالى والستنساخ وشيوعه ينافي هذه الحكمة ‪.‬‬
‫‪ – 2‬قوله تعالى ‪" :‬إنا خلقنا النسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا ً‬
‫بصيرا ً " )‪.(44‬‬
‫وجه الدللة ‪:‬‬
‫المشاج هو المزيج المختلط بين ماء الرجل وماء المرأة وهذا الخليط في‬
‫الستنساخ ينتهي بنزع النواة من البييضة ‪ ،‬فيكون خصائص النثى معدومة‬
‫وهذا نوع من تغيير خلق الله)‪.(45‬‬
‫‪ – 3‬قوله تعالى ‪" :‬وأنه خلق الزوجين الذكر والنثى من نطفة إذا تمنى ")‬
‫‪.(46‬‬
‫‪ – 4‬قوله تعالى ‪" :‬فلينظر النسان مم خلق * خلق من ماء دافق * يخرج من‬
‫بين الصلب والترائب" )‪.(47‬‬
‫وجه الدللة ‪:‬‬
‫أن الستنساخ يتعارض مع النصوص الشرعية الدالة على طريق معهود‬
‫للتكاثر عن طريق الزوجين بمائهما فقط)‪.(48‬‬
‫ً‬
‫‪ – 5‬قوله تعالى ‪" :‬ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها‬
‫وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك ليات لقوم يتفكرون" )‪.(49‬‬
‫وجه الدللة ‪:‬‬
‫أن الزواج هو أساس التكاثر في الشرع وهو سبيل إيجاد المودة والرحمة ‪،‬‬
‫وفي الستنساخ مساس بالعلقة التي أوجدها الله في النكاح ليكون من آثاره‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حصول الولد وانتسابهم ‪ ،‬إضافة إلى أن الستنساخ يخالف معنى التخليق‬


‫الشرعي )من أنفسكم ( لن‬
‫ً‬
‫الكائن الجديد ل يحمل صفات البوين معا)‪.(50‬‬
‫‪ – 6‬قوله تعالى ‪" :‬فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة‬
‫الخلد وملك ل يبلى" )‪.(51‬‬
‫وجه الدللة ‪:‬‬
‫أن النسخ يصطدم بفكرة الموت وهو سبيل الخلود عند بعض الباحثين عنه ‪،‬‬
‫والخلود من الفكار الشيطانية وكل سبيل يؤدي إليه له حكمه)‪.(52‬‬
‫‪ – 7‬قوله تعالى ‪" :‬يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة‬
‫وخلق منها زوجها وبث منهما رجال ً كثيرا ً ونساء" )‪.(53‬‬
‫وجه الدللة ‪:‬‬
‫الية تقرر أن بث الرجال والنساء وهم الذرية ناتج من الزوجين لقوله سبحانه‬
‫‪" :‬وبث منهما" والقول بأن النجاب يصح من المرأة نفسها يعارض هذه الية)‬
‫‪.(54‬‬
‫‪ – 8‬حكاية الجماع ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حيث انعقد إجماع المة سلفا وخلفا على المعاني المتصلة بطريقة التكاثر‬
‫البشري من خلل التصال الجنسي بين الزوجين ‪.‬‬
‫قال نور الدين الخادمي‪" :‬إن الجماع لم يكن شرعيا ً فقط إن لم يصدر من‬
‫علماء الشرعية ومجتهديها فحسب ‪ ،‬وإنما صدر من جهات فكرية وسياسية‬
‫مختلفة وانعقد من قبل هيئات ومنابر ومؤسسات وهياكل متعددة التخصصات‬
‫والفنون والمعارف والهتمامات ‪ ،‬فقد كان إجماعا ً شرعيا ً وعالميا ً ‪،‬واتفاقا ً‬
‫عاما ً على وجوب منع هذا النوع من الستنساخ الخسيس ‪ ،‬ولزوم حظر‬
‫تجاربه ومنجزاته ")‪.(55‬‬
‫‪ – 7‬قاعدة " سد الذرائع " وقواعد الشريعة الخرى " الضرر يزال " و " كل‬
‫ما أدى إلى الحرام فهو حرام ")‪.(56‬‬
‫حيث أن الستنساخ يؤدي إلى مفاسد كثيرة سبق بيانها ومن أعظمها علقة‬
‫المستنسخ بالصل هل هي البنوة أم الخوة وإذا كانت الخوة هل سيكون‬
‫مثل الخ الشقيق أم كالخ لم ‪ ،‬وكذا البنوة هل يتساوى مع ابن الصلب مما‬
‫يؤثر على قضية الميراث والولية والمحرمية والوصية وأحكام عديدة ‪.‬‬
‫إضافة إلى اختلل الناحية المنية إذا حصلت جريمة حيث تتشابه بصمات‬
‫الصابع وكذلك البصمة الوراثية وكذلك يضطرب أمر القضاء إذا تعدد الشهود‬
‫المتشابهين تماما ً وفي حالة النكاح ل تدري المرأة زوجها من شبيهه‬
‫المستنسخ إذا كانوا متعددين وأمور عديدة تنتج من ا لستنساخ ‪.‬‬
‫ً‬
‫قال ابن تيمية ‪ " :‬ليس كل سبب نال به النسان حاجته يكون مشروعا ول‬
‫مباحا ً وإنما يكون مشروعا ً إذا غلبت مصلحته على مفسدته مما أذن فيه‬
‫الشرع‬
‫ً‬
‫والمسلم يعلم أن الله لم يحرم شيئا إل ومفسدته محضة أو غالبة ")‪.(57‬‬
‫ويظهر لي ‪:‬‬
‫أن الدلة التي ساقها الجمهور لتحريم الستنساخ ل يخلوا من نظر ؛ لن‬
‫الشرع إذا أخبر عن طريق معهود للتكاثر ل يعني تحريم غيره فطفل النبوب‬
‫جائز عند الجمهور رغم مجيئه بطريقة غير معهودة بل بتلقيح صناعي وليس‬
‫هناك ثمة دليل يمنع إنجاب الولد بخلية جسدية إذا تعطلت الخلية المنوية ‪.‬‬
‫لذا أرى أن التحريم للستنساخ ليس في ذاته بل لغيره وذلك لما تجره من‬
‫المفاسد الكثيرة للقاعدة الفقهية "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح "‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما المصالح الفردية التي يمكن أن يستفاد منها فل تعارض المصلحة العامة‬
‫للبشر لكونها هي المقدمة عند التعارض للقاعدة الفقهية " يتحمل الضرر‬
‫الخاص لدفع الضرر العام ")‪.(58‬‬
‫ومع هذا فل شك أن الطباء سيمضون في تجاربهم ل سيما وأن بعض الدول‬
‫كبريطانيا سمحت بإجراء هذه التجارب رسميا ً ‪ ،‬ولعلهم ينجحون في تجاربهم‬
‫في استنساخ البشر فإذا تم ذلك فيرى بعض الباحثين أنه ل مانع من إعطاء‬
‫فرصة وحيز من الجتهاد في إعادة النظر في حكم بعض الحالت الفردية‬
‫كأخذ خلية جسدية من زوج عقيم ل يمكن النجاب إل عن طريق الستنساخ‬
‫وتوضع في رحم زوجته أثناء قيام الزوجية والله أعلم‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫)‪ (1‬انظر ‪ :‬الستنساخ قنبلة العصر لصبري الدمرداش ص ‪ ، 19 – 13‬حول‬


‫الهندسة الوراثية وعلم الستنساخ لمحمد صالح المحب ‪ ، 180 – 143‬عصر‬
‫الهندسة الوراثية لعبد الباسط الجمل ص ‪ ، 99 – 11‬ثبت علميا ً حقائق طبية‬
‫جديدة لموسى محمد ص ‪ ، 125‬آيات الله المبصرة لتوفيق علوان ص ‪.131‬‬
‫)‪ (2‬انظر ‪ :‬مادة ) نسخ ( ‪ :‬معجم مقاييس اللغة لبن فارس ص ‪، 1026‬‬
‫المصباح المنير للفيومي ص ‪ ، 310‬المعجم الوسيط ص ‪. 917‬‬
‫)‪ (3‬انظر ‪ :‬ا لستنساخ البشري لتوفيق علوان ص ‪. 13‬‬
‫)‪ (4‬انظر ‪ :‬رؤية إسلمية لبعض المشكلت الطبية المعاصرة بحث الستنساخ‬
‫لحسن الشاذلي ‪ 267 / 2‬وبحث الستنساخ البشري بين القدام والحجام‬
‫لحمد رجائي الجندي ‪ 135 – 133 / 2‬بحث الستنساخ ) الكلونة ( لصديقة‬
‫العوضي ‪ – 165 / 2‬ضمن مطبوعات المنظمة السلمية للعلوم الطبية ‪. -‬‬
‫)‪ (5‬انظر ‪ :‬الستنساخ البشري لفوزي محمد ص ‪. 130‬‬
‫)‪ (6‬انظر ‪ :‬الستنساخ البشري لفوزي محمد ص ‪ ، 144‬اعطني طفل ً بأي‬
‫ثمن لسمير عباس ص ‪ ، 303‬آيات الله المبصرة لتوفيق علوان ص ‪. 146‬‬
‫)‪ (7‬وقد تقدم أن الطباء استطاعوا بفضل الله مساعدة زوجين في النجاب‬
‫عن طريق خليا مستديرة من أنسجة خصية الزوج وحقنها في بييضات‬
‫الزوجة بواسطة الحقن المجهري وذلك لعدم وجود أي خليا منوية لدى الزوج‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (8‬انظر ‪ :‬أعطني طفل بأي ثمن لسمير عباس ص ‪ ، 306‬مجلة مجمع‬
‫الفقه السلمي العدد العاشر ‪ 324 / 3‬بحث الستنساخ لصالح الكريم ‪.‬‬
‫)‪ (9‬انظر ‪ :‬الستنساخ البشري لفوزي محمد ص ‪ ،194 – 186‬أعطني طفل‬
‫بأي ثمن لسمير عباس ص ‪.307‬‬
‫)‪ (10‬انظر ‪ :‬بين جنون البقر واستنساخ البشر للسيد وجيه ص ‪، 133 – 127‬‬
‫البيولوجيا ومصير النسان لسعيد الحفار ص ‪ ، 109‬عصر الهندسة الوراثية‬
‫لعبد الباسط الجمل ص ‪. 130‬‬
‫)‪ (11‬سورة النحل ‪. 93 :‬‬
‫)‪ (12‬انظر ‪ :‬حول هندسة الوراثة وعلم الستنساخ لمحمد صالح ص ‪، 183‬‬
‫الستنساخ قنبلة العصر لصبري الدمرداش ص ‪. 92‬‬
‫)‪ (13‬انظر ‪ :‬قضايا طبية معاصرة ‪ ، 98 – 97 / 2‬مجلة مجمع الفقه‬
‫السلمي العدد العاشر ‪ 327 – 324 / 3‬بحث الستنساخ لصالح الكريم ‪.‬‬
‫)‪ (14‬سورة البقرة ‪. 29 :‬‬
‫)‪ (15‬سورة لقمان ‪. 20 :‬‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (16‬سورة النحل ‪. 5 :‬‬


‫)‪ (17‬أخرجه الدارقطني ‪ 184 / 4‬برقم ‪ ، 42‬وحسنه ابن رجب في جامع‬
‫العلوم والحكم ص ‪. 275‬‬
‫)‪ (18‬انظر ‪ :‬الضرر في الفقه السلمي لحمد موافي ‪ ، 935 / 2‬قاعدة‬
‫اليقين ل يزول بالشك للباحسين ‪ ،107‬رفع الحرج في الشريعة السلمية‬
‫لصالح بن حميد ص ‪ 107‬بلفظ " الصل في المنافع الباحة " قواعد الفقه‬
‫للبركتي ص ‪. 59‬‬
‫)‪ (19‬انظر ‪ :‬الشباه والنظائر لبن السبكي ‪ ، 41 / 1‬المبادئ الفقهية لمحمد‬
‫درويش ص ‪ ، 19‬القواعد الكبرى للعجلن ص ‪ 90‬الستنساخ لنور الدين‬
‫الخادمي ص ‪ 133‬ويرى أن هذا النوع يمكن أن يكون مندوبا ً أو واجبا ً حسب‬
‫الحاجة إليه ‪.‬‬
‫)‪ (20‬انظر ‪ :‬قرارات وتوصيات مجمع الفقه السلمي ص ‪. 216‬‬
‫)‪ (21‬انظر ‪ :‬قضايا طبية معاصرة ‪. 119 / 2‬‬
‫ً‬
‫)‪ (22‬أخرجه مسلم كتاب الفضائل باب وجوب امتثال ما قاله شرعا برقم‬
‫‪. 2363‬‬
‫)‪ (23‬انظر ‪ :‬قضايا طبية معاصرة ‪ 117 – 114 / 2‬المناقشات الفقهية‬
‫لموضوع الستنساخ والرد لبراهيم الكيلني وزير الوقاف السابق بالردن ‪.‬‬
‫)‪ (24‬انظر ‪ :‬الستنساخ لنور الدين الخادمي ص ‪ ، 147‬الستنساخ قنبلة‬
‫العصر لصبري الدمرداش ص ‪ ، 79‬الهندسة الوراثية والخلق لناهد البقمي‬
‫ص ‪ ، 96‬مجلة مجمع الفقه السلمي العدد العاشر ‪ 283 ، 244 / 3‬بحث‬
‫الستنساخ البشرى لحمد الجندي و الستنساخ لصالح الكريم ‪.‬‬
‫)‪ (25‬انظر ‪ :‬الستنساخ البشري لتوفيق محمد ص ‪. 29‬‬
‫)‪ (26‬انظر ‪ :‬مجلة المجمع الفقهي العدد العاشر ‪ 243 – 242 / 3‬بحث‬
‫الستنساخ البشري لحمد الجندي ‪.‬‬
‫)‪ (27‬انظر ‪ :‬مجلة مجمع الفقه السلمي العدد العاشر ‪ 421 / 3‬والطريقتين‬
‫هي الستنساخ الجنيني والستنساخ الخلوي ) الجسدي ( ‪.‬‬
‫)‪ (28‬انظر ‪ :‬قضايا طبية معاصرة ‪ ، 173 / 2‬والفقهاء الموافقون محمد‬
‫الشقر ومحمد شبير وعمر الشقر وهمام سعيد وفضل عباس ‪.‬‬
‫)‪ (29‬انظر ‪ :‬الشباه والنظائر لبن نجيم ص ‪ ، 87‬شرح المجلة للباز ص‬
‫‪ ، 31‬النظريات الفقهية للزحيلي ص ‪. 226‬‬
‫)‪ (30‬انظر ‪ :‬دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة بحث عمليات التنسيل‬
‫) الستنساخ ( وأحكامها الشرعية لعبد الناصر أبو البصل ‪. 657 / 2‬‬
‫)‪ (31‬انظر ‪ :‬رؤية إسلمية لبعض المشكلت الطبية المعاصرة ‪– 509 / 2‬‬
‫‪. 510‬‬
‫)‪ (32‬سورة مريم ‪. 9 :‬‬
‫)‪ (33‬سورة مريم ‪. 67 :‬‬
‫)‪ (34‬سورة يونس ‪. 4 :‬‬
‫)‪(35‬انظر‪:‬الستنساخ البشري بين القرآن والعلم الحديث لتوفيق علوان ص‬
‫‪،38–35‬الستنساخ البشري لفوزي محمد ص ‪ ، 214‬موقع السلم على‬
‫النترنت ‪ islamonline.net‬مقالة نحو اجتهاد لضبط قضية الستنساخ ‪.‬‬
‫)‪ (36‬سورة الحج ‪. 73 :‬‬
‫)‪ (37‬سورة الطارق ‪. 8-5:‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (38‬انظر ‪ :‬القرار المكين لمأمون شقفة ص ‪ 34‬ويبدو لي أن البار تكلف‬


‫في تفسير الية علميا ً حين ذكر أن التغذية الحاصلة للخصية والمبيض بالدماء‬
‫والعصاب واللمف تبقى من حيث أصلها أي من بين الصلب والترائب لذا‬
‫فتكون المني في الخصية نسب للصلب باعتبار أنه استقى مواد التكوين من‬
‫العروق والعصاب المتدلية من الظهر وكذلك الشأن بالنسبة للمرأة وهذا‬
‫خلف الظاهر والله أعلم انظر كتابه خلق النسان ص ‪. 116‬‬
‫)‪ (39‬انظر ‪ :‬مجلة مجمع الفقه السلمي – المناقشات الفقهية – العدد‬
‫العاشر ‪ ، 371 ، 412 ، 392 / 3‬جريدة المسلمون العدد ‪ 647‬في ‪ 27‬يونيو‬
‫‪1997‬م ‪.‬‬
‫)‪ (40‬انظر ‪ :‬قرارات وتوصيات مجمع الفقه السلمي ص ‪ ، 216‬قضايا طبية‬
‫معاصرة ‪. 157 / 2‬‬
‫)‪ (41‬انظر ‪ :‬مجلة مجمع الفقه السلمي – المناقشات الفقهية – العدد‬
‫العاشر ‪ 373 ، 368 / 3‬ولحظ أن هذه المناقشات كانت عام ‪1418‬هـ ‪/‬‬
‫‪1997‬م ‪.‬‬
‫)‪ (42‬انظر ‪ :‬أعطني طفل بأي ثمن لسمير عباس ص ‪ ، 308‬مجلة مجمع‬
‫الفقه السلمي العدد العاشر ‪ ، 226 – 220 / 3‬جريدة الشرق الوسط‬
‫مقال الستنساخ البشري بين الحرمة والباحة لعبد الهادي الحكيم بتاريخ‬
‫‪2001 / 6 / 23‬م ‪.‬‬
‫)‪ (43‬سورة الروم ‪. 22 :‬‬
‫)‪ (44‬سورة النسان ‪. 2 :‬‬
‫)‪ (45‬انظر ‪ :‬قضايا طبية معاصرة ‪ ، 137 / 2‬المناقشات الفقهية –‬
‫والستدلل لبراهيم الكيلني ‪.‬‬
‫)‪ (46‬سورة النجم ‪. 45 :‬‬
‫)‪ (47‬سورة الطارق ‪. 7 – 5 :‬‬
‫)‪ (48‬انظر ‪ :‬قضايا طبية معاصرة ‪ – 128 / 2‬المناقشات الفقهية ‪. -‬‬
‫)‪ (49‬سورة الروم ‪. 21 :‬‬
‫)‪ (50‬انظر ‪ :‬الحكام الطبية المستجدة لمحمد النتشة ‪ ، 247 / 1‬قضايا طبية‬
‫معاصرة ‪ – 131 / 2‬المناقشات الفقهية ‪. -‬‬
‫)‪ (51‬سورة طه ‪. 120 :‬‬
‫)‪ (52‬المصدر السابق ‪.‬‬
‫)‪ (53‬سورة النساء ‪. 1 :‬‬
‫)‪ (54‬انظر ‪ :‬دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة بحث عمليات التنسيل‬
‫) الستنساخ ( وأحكامها الشرعية لعبد الناصر أبو البصل ‪. 678 / 2‬‬
‫)‪ (55‬انظر ‪ :‬الستنساخ لنور الدين الخادمي ص ‪ 85 – 84‬وهذا الجماع الذي‬
‫حكاه غريب جدا ً ‪ ،‬وأعجب منه أن يدعي أنه على مستوى جميع التخصصات‬
‫والفنون وهناك عدد كبير من الطباء المسلمين وغيرهم يرحبون بهذا النوع‬
‫ويؤيدونه ومن المؤيدين من الغرب الباحث فليتشر من جامعة فرجينا وادوارد‬
‫من جامعة كامبردج – وهو أول من أجرى عمليات طفل النبوب – والباحث‬
‫فيشل من إنجلترا وسيدل من جامعة كولورادو والباحث الشهير دات من كندا‬
‫ودواكن من أكسفورد وديش من بريطانيا وهولمان وفليك ودوكاس من‬
‫أمريكا ‪ ،‬انظر ‪ :‬الستنساخ البشري بين التحليل والتحريم لفوزي محمد ص‬
‫‪. 249 – 248‬‬
‫)‪ (56‬انظر هذه القواعد ‪ :‬النظريات الفقهية لمحمد الزحيلي ص ‪، 223‬‬
‫الوجيز للبورنو ص ‪ ، 201‬روضة الفوائد لمصطفى مخدوم ص ‪ ، 51‬قواعد‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحكام للعز بن عبد السلم ‪ ، 328 / 2‬مجلة المجمع الفقهي العدد العاشر ‪3‬‬
‫‪ 378 /‬المناقشات الفقهية ‪.‬‬
‫)‪ (57‬انظر ‪ :‬طريق الوصول إلى العلم المأمول جمع عبد الرحمن السعدي‬
‫ص ‪. 203‬‬
‫)‪ (58‬انظر القاعدة ‪ :‬الشباه والنظائر لبن نجيم ص ‪ ، 87‬شرح المجلة للباز‬
‫ص ‪ 31‬القاعدة ‪ ،26‬الضرر في الشريعة السلمية لحمد موافي ‪، 944 / 2‬‬
‫النظريات الفقهية للزحيلي ص ‪. 226‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ول عدوان إل على الظالمين وأشهد‬
‫أن ل إله إل الله وحد ل شريك له رب السماوات والرض وما بينهما ورب‬
‫العرش العظيم ‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبدالله ورسوله المبشر النذير والسراج‬
‫المنير – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى‬
‫يوم الدين ‪ .‬أما بعد ‪:‬‬
‫فإن من العقائد والصول المقررة في السلم حب الصحابة من المهاجرين‬
‫والنصار والذين اتبعوهم بإحسان واعتقاد فضيلتهم وصدقهم والترحم على‬
‫صغيرهم وكبيرهم وأولهم وآخرهم وصيانة أعراضهم وحرماتهم فذلك أمر‬
‫ضروري وهو أحد الضروريات الخمس – الدين والنفس والنسل والعقل‬
‫والمال – التي جاءت الشريعة بالمحافظة عليها وضبط حقوقها )‪ (1‬والخذ‬
‫على يد من هتكها ‪ ،‬وقد قال النبي – صلى الله عليه – وسلم في مجمع‬
‫عظيم من أعظم مجامع المسلمين ) إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم‬
‫حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا فليبلغ الشاهد‬
‫الغائب ( رواه البخاري )‪ (67‬ومسلم )‪ (1679‬من طريق ابن سيرين عن‬
‫عبدالرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة رضي الله عنه ‪.‬‬
‫فهتك عرض المسلم والجناية عليه عظيم عند الله ورسوله والمؤمنين ‪ ،‬وهو‬
‫من كبائر الذنوب ومن التشبه بالمنافقين وأعظم منه غمس اللسنة والقلم‬
‫في أهل العلم ومحاولة إسقاط قدرهم بأوهام من هنا وهناك واليغال‬
‫بالدخول في نياتهم ومقاصدهم والصد عن سبيلهم والستخفاف بحقوقهم ‪.‬‬
‫قال المام عبدالله بن المبارك رحمه الله ) من استخف بالعلماء ذهبت آخرته‬
‫( )‪.(2‬‬
‫وقال المام الطحاوي في عقيدته ‪ ) :‬وعلماء السلف من السابقين ومن‬
‫بعدهم من التابعين أهل الخير والثر وأهل الفقه والنظر – ل يذكرون إل‬
‫بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير سبيل ( )‪. (3‬‬
‫وقال الحافظ ابن عساكر ‪ ) :‬واعلم يا أخي ‪ -‬وفقنا الله وإياك لمرضاته‬
‫وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته ‪ -‬أن لحوم العلماء ‪ -‬رحمة الله ‪ -‬عليهم‬
‫مسمومة ‪ ،‬وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة ؛ لن الوقيعة فيهم‬
‫بما هم منه براء أمره عظيم ‪ ،‬والتناول لعراضهم بالزور والفتراء مرتع وخيم‬
‫‪ ،‬والختلق على من اختاره الله منهم لنعش العلم خلق ذميم ( )‪. (4‬‬
‫وأكبر ظلما ً وأسوأ حال ً من هذه البلية العظيمة احتراف هذه الظاهرة في‬
‫الصحابة الكرام وإطلق العنان للسان يفري في أعراضهم وعدالتهم ويحطم‬
‫حقائق تاريخهم ‪.‬‬
‫وقد عد ّ أهل العلم ذلك زندقة وقرروا أنه ) ل يبسط لسانه فيهم إل من‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ساءت طويته في النبي – صلى الله عليه وسلم – وصحابته والسلم‬


‫والمسلمين ( )‪. (5‬‬
‫فهم خير الناس للناس وأفضل تابع لخير متبوع وهم الذين فتحوا البلد‬
‫بالسنان والقلوب باليمان ‪ ،‬ولم يعرف التاريخ البشري منذ بدايته تاريخا ً‬
‫أعظم من تاريخهم ول رجال ً دون النبياء أفضل منهم ول أشجع ‪ ،‬ومن داخله‬
‫شك في هذا فلينظر في سيرهم على ضوء الحاديث الصحيحة والثار الثابتة‬
‫يرى أمرا ً هائل ً من حال القوم وعظيم ما آتاهم الله من اليمان والحكمة‬
‫والشجاعة والقوة ‪.‬‬
‫وحين ضن غيرهم بالنفس والمال واستثقلوا مفارقة الهل والولدان‬
‫استرخصوها في إقامة الدين وتمكين المم والشعوب من العيش في أمن‬
‫ورغد تحت حكم السلم فل كان ول يكون مثلهم فهم غيض العداء وأهل‬
‫الولء والبراء وأنصار الدين ووزراء رسول رب العالمين ‪.‬‬
‫وقد اصطفاهم الله لصحبة نبيه ونشر دينه فأخرجوا من شاء الله من عبادة‬
‫العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور أهل‬
‫الطغيان إلى عدل السلم ‪ ،‬وعلى أيديهم سقطت عروش الكفر وتحطمت‬
‫شعائر اللحاد وذلت رقاب الجبابرة والطغاة ودانت لهم الممالك ‪.‬‬
‫ولذا رأيت أن من خير الزاد ليوم المعاد تحريك القلم بلطائف من الشارات‬
‫المهمة وشذرات من المعارف المختصرة لدفع عدوان الظالمين وكشف‬
‫زوبعة المتعالمين وتبرئة الصحابة المتقين ومناصرتهم من أقلم الحاقدين‬
‫وجهلة الدباء والمؤرخين الخائضين في هذا المقام الكبير بالجهل والهوى‬
‫وقلب الحقائق والعتماد في ذلك على الثار الضعيفة والخبار الواهية‬
‫والمتروكة ‪.‬‬
‫وقد زاد جرم هؤلء وعظم فعلهم حين طعنوا في كوكبة من الصحابة وأوغروا‬
‫الصدور عليهم بسوء الظن وفرض احتمالت وتكهنات ليس لها أصل في‬
‫الشرع ول مكان في العقل في حين ترى بعضا ً من أولئك يحسنون الظن‬
‫بالرافضة ودعاتهم والمعتزلة والشاعرة والماتريدية ومدارسهم ويعظمون‬
‫رجالت الفكر المنحرفين وزعماء الفساد الملحدين ويحتفون بكتبهم وآرائهم‬
‫ويضفون عليها الدقة في التحقيق والسلمة في القصد والعظمة في النصاف‬
‫‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظر الموافقات )‪ (1/31‬للشاطبي ‪.‬‬
‫)‪ (2‬سير أعلم النبلء )‪. (17/251 _ 8/408‬‬
‫)‪ (3‬العقيدة الطحاوية ) ص ‪ ( 58‬بتعليق الشيخ اللباني رحمه الله ‪.‬‬
‫)‪ (4‬تبيين كذب المفتري ) ص ‪.( 49‬‬
‫)‪ (5‬كتاب المامة ) ص ‪ ( 376‬للمام أبي نعيم الصبهاني ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقد لقيت نفرا ً ممن تشبعت نفوسهم بهذا الفكر ‪ ،‬فكانت بداية الحديث عن‬
‫العدل والنصاف وحفظ حقوق العلماء والمجتهدين وأهل الفكر والدب من‬
‫المسلمين فّعمت الرتياحية وه ّ‬
‫شوا وبشوا وبلغ التفاعل والحماس أشده ‪،‬‬
‫وكنت أوافقهم على هذا الصل ومشروعية العدل في تقويم الناس والحديث‬
‫عن جهودهم بيد أن القوم يرمون إلى شيء ‪ ،‬فحين جاء الحديث عن الصحابة‬
‫ومنزلتهم وضلل أعدائهم غاب العدل عن وعيهم وعميت بصيرتهم عن ذلك ‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فتسارعوا في الكذب ورواية الباطيل وجهدوا في تنقص أفراد من مسلمة‬


‫قبل الفتح وجماعات ممن أسلم بعد ذلك ‪ ،‬وبالخص معاوية ‪ -‬رضي الله عنه‬
‫‪ -‬فتعجبت حينئذ من دعواهم النصاف والمطالبة بالعدل في الحكم على‬
‫الخرين ‍ وهم يلوكون ألسنتهم في جند الله المفلحين الذين أقام الله بهم‬
‫دينه ودفع بهم بأس أعدائه ‪.‬‬
‫وعجلت آنذاك إلى الله وجهدت في الهرب من غضبه وسخطه فأطلقت‬
‫العنان لّلسان يبين سوء منهجهم ويبدي عظيم فعلهم وفساد أفكارهم ‪.‬‬
‫وبسطت القول في حقوق الصحابة وكبير منزلتهم ول سيما معاوية ‪ -‬رضي‬
‫الله عنه ‪ -‬فقد ناله من سلطة ألسنتهم ما لم ينل غيره ‪.‬‬
‫فما كان جوابهم إل أن قالوا هذه المسألة اجتهادية وليست من القطعيات‬
‫فعلمت حينئذ أنهم دعاة هدم وفساد وليسوا من الصلح والعدل بشيء ‪.‬‬
‫فإلى البيان في نصرة أئمة الدين وحماية أعراض زعماء تاريخ المة السلمية‬
‫من مفتريات المفتونين بتصيد العثرات والتجريح بالشهوات ‪.‬‬
‫فصل‬
‫من سمات أهل السنة والجماعة وعلمات أهل الثر والتباع سلمة قلوبهم‬
‫وألسنتهم للصحابة الخيار وحملة الشريعة التقياء البرار والذب عن حرماتهم‬
‫وأعراضهم من رموز الجراحين وثلب العابثين وألسنة الحاقدين ‪ ،‬والزجر‬
‫والتغليظ على من تعلق بخيوط الوهام وبات في أودية الظلم فغمس لسانه‬
‫في البهت والثام وسلب من الصحابة العدالة وجعلهم كسائر النام لهم‬
‫مالهم وعليهم ما عليهم فولغ في حرماتهم وأعراضهم وجمع مساويهم‬
‫وعثراتهم ‪.‬‬
‫وقد أنكر المام أحمد – رحمه الله – على من جمع الخبار التي فيها طعن‬
‫على بعض أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وغضب لذلك غضبا ً‬
‫شديدا ً وقال ‪ ) :‬لو كان هذا في أفناء الناس لنكرته ‪ ،‬فكيف في أصحاب‬
‫رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقال ‪ :‬أنا لم أكتب هذه الحاديث ‪ ،‬قال‬
‫المروذي ‪ :‬قلت لبي عبدالله ‪ :‬فمن عرفته يكتب هذه الحاديث الرديئة‬
‫ويجمعها أيهجر؟ قال ‪ :‬نعم يستأهل صاحب هذه الحاديث الرديئة الرجم (‬
‫رواه الخلل في السنة )‪ (3/501‬بسند صحيح )‪.(1‬‬
‫وقد امتطى هذه الخبار المروية في مساويهم دعاة الفتنة والضللة‬
‫فاستخفوا بحرمات المؤمنين ووزراء رسول رب العالمين فبسطوا ألسنتهم‬
‫في تجريحهم والتشفي منهم بضروب من التطاول والقذف بالباطل ‪ ،‬وهذه‬
‫التربص منتهاه نزع الثقة عن خيار المة والتشكيك في أعمالهم وفتوحاتهم‬
‫وعلومهم وعدالتهم ‪ ،‬وقد مضت المة خيارا ً عن خيار على مدح الصحابة‬
‫والثناء عليهم وحسن الظن بهم والكف عن مساويهم وسوء الظن بهم ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬وانظر الشرح والبانة لبن بطة ص )‪ (269-268‬والحجة في بيان‬
‫المحجة للمام الصبهاني )‪ (371-2/368‬وشرح أصول اعتقاد أهل السنة‬
‫للمام الللكائي )‪ (1270-7/1241‬وعقيدة السلف وأصحاب الحديث للمام‬
‫أبي عثمان الصابوني = ص )‪ (81-80‬والعقيدة الطحاوية ص )‪ (57‬بتحقيق‬
‫الشيخ اللباني ‪-‬رحمه الله ‪ -‬والصارم المسلول على شاتم الرسول لشيخ‬
‫السلم )‪(3/1085‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيا ويل من تعرض لهم بسوء وأوقد نار الفتنة وجرأ السفهاء والغوغاء على‬
‫الوقيعة فيهم وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم ‪ ) : -‬ل تسبوا أصحابي‬
‫فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ً ‪ ،‬ما بلغ مد ّ أحدهم ول نصيفه ( رواه‬
‫البخاري ومسلم في صحيحيهما من طريق العمش عن أبي صالح عن أبي‬
‫سعيد به )‪ ، (1‬ورواه مسلم في صحيحه من طريق جرير عن العمش‬
‫بلفظ ‪ ) :‬كان بين خالد بن الوليد وبين عبدالرحمن بن عوف شيء فسبه خالد‬
‫فقال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم – ل تسبوا أحدا ً من أصحابي ‪( ...‬‬
‫وهذه الزيادة في سبب ورود الحديث غير محفوظة ‪ ،‬فقد رواه عن العمش‬
‫سفيان الثوري )‪ (2‬وشعبة ووكيع وأبو معاوية وغيرهم وهم أضبط وأحفظ‬
‫الناس لحديث العمش ولم يذكروا هذه الزيادة على أنه قد اختلف على جرير‬
‫فيها فقد رواه ابن ماجه ) ‪ (161‬عن محمد بن الصباح عن جرير )‪(3‬بدونها‬
‫ولذا أعرض عنها البخاري – رحمه الله – وقال مسلم – رحمه الله ‪ -‬في‬
‫صحيحه ) ‪ (4/1968‬بعد ذكر الرواة عن العمش ) وليس في حديث شعبة‬
‫ووكيع ذكر عبدالرحمن بن عوف وخالد بن الوليد ( وهذا هو الصواب ‪ ،‬وروى‬
‫أحمد في فضائل الصحابة )‪ (4‬وابن ماجه )‪ (5‬بسند صحيح من طريق سفيان‬
‫عن ُنسيرين ُذعُلوق وهو ثقة ‪ ،‬قال ‪ :‬كان ابن عمر يقول ‪ ) :‬ل تسبوا أصحاب‬
‫محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم – فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم‬
‫عمَره ( ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫صبيح بن السماك )‪ " (6‬علمت أن اليهود ل يسبون‬ ‫وقال المام محمد بن ُ‬
‫أصحاب موسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وأن النصارى ل يسبون أصحاب عيسى ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم – فما بالك يا جاهل سببت أصحاب محمد – صلى الله‬
‫ت من أين ُأتيت ‪ ،‬لم يشغلك ذنبك ‪ ،‬أما لو شغلك ذنبك‬ ‫عليه وسلم – وقد علم ُ‬
‫ت ربك ‪ ،‬لقد كان في ذنبك شغل عن المسيئين فكيف لم يشغلك عن‬ ‫لخف َ‬
‫المحسنين ‪ ،‬أما لو كنت من المحسنين لما تناولت المسيئين ولرجوت لهم‬
‫أرحم الراحمين ‪ ،‬ولكنك من المسيئين ‪ ،‬فمن ّثم عبت الشهداء والصالحين ‪،‬‬
‫أيها العائب لصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – لو نمت ليلك وأفطرت‬
‫نهارك لكان خيرا لك من قيام ليلك وصوم نهارك مع سوء قولك في أصحاب‬
‫ل ول صوم نهار وأنت تتناول الخيار ‪ ،‬فأبشر بما‬ ‫محمد ‪ ،‬فويحك ‍! ل قيام لي ٍ‬
‫ُ‬
‫ليس فيه البشرى إن لم تتب مما تسمع وترى ويحك ! هؤلء شرفوا في أحد‬
‫م‬
‫م ي َوْ َ‬‫من ْك ُ ْ‬‫وا ِ‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وهؤلء جاء العفو عن الله تعالى فيهم فقال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫فا الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫قد ْ ع َ َ‬ ‫سُبوا وَل َ َ‬ ‫ما ك َ َ‬‫ض َ‬
‫ن ب ِب َعْ ِ‬
‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ست ََزل ّهُ ْ‬
‫م ال ّ‬ ‫ما ا ْ‬
‫ن إ ِن ّ َ‬
‫مَعا ِ‬ ‫قى ال ْ َ‬
‫ج ْ‬ ‫ال ْت َ َ‬
‫م تحتج يا‬ ‫تقول فيمن عفا الله عنه ؟ وب َ‬ ‫م { آل عمران آية )‪ (155‬فما ُُ‬ ‫عَن ْهُ ْ‬
‫ف شتم السلف ‪ ،‬والله لواحد من السلف‬ ‫ُ‬ ‫جاهل إل بالجاهلين ‪ ،‬شر الخلف خل ُ‬
‫خير من ألف من الخلف " )‪. (7‬‬
‫وقد اتفق أهل العلم على أنهم خير الناس بعد النبياء فقد جاء في الصحيحين‬
‫من طريق إبراهيم عن عبيدة عن عبدالله ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن النبي – صلى‬
‫الله عليه وسلم – قال ) خير الناس قرني ‪ (8) ( ...‬وأفضل الصحابة أبو بكر‬
‫ثم عمر ثم عثمان ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين وأدلة هذا‬
‫كثيرة وعامة أهل العلم على هذا ‪ ،‬وقد جعل الله جل وعل بقاء الصحابة أمنة‬
‫للمة فإذا ذهب قرنهم وانقرض جيلهم حلت بمن بعدهم الفتن وظهرت البدع‬
‫وفشا الجور والفساد ففي صحيح مسلم )‪(9‬من طريق سعيد بن أبي بردة‬
‫عن أبي بردة عن أبيه قال ‪ :‬صلينا المغرب مع رسول الله – صلى الله عليه‬
‫وسلم – ثم قلنا ‪ :‬لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء ‪ ،‬قال ‪ :‬فجلسنا فخرج‬
‫علينا فقال ‪ ) :‬ما زلتم ههنا ؟( قلنا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬صلينا معك المغرب ‪ .‬ثم‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قلنا ‪ ،‬نجلس حتى نصلي معك العشاء ‪،‬قال ‪ ) :‬أحسنتم أو أصبتم ( قال فرفع‬
‫رأسه إلى السماء وكان كثيرا ً مما يرفع رأسه إلى السماء فقال ) النجوم‬
‫أمنة للسماء ‪ .‬فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ‪ .‬وأنا أمنة لصحابي فإذا‬
‫ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لمتي ‪ ،‬فإذا ذهب أصحابي أتى‬
‫لصحابي متى ما يوعدون ( ‪.‬‬
‫وهذا دليل على فضلهم وعظيم ما دفع الله بهم من البدع والفتن والجور‬
‫والفساد فل جرم أن جعلهم الله وزراء نبيه وحزب خليله ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬البخاري رقم )‪ (3673‬ومسلم رقم ) ‪ (2541‬ج )‪(1967 /4‬‬
‫)‪ (2‬رواه ابن أبي عاصم في السنة )‪ (988‬عن عباس بن الوليد حدثنا بشر‬
‫بن منصر عن سفيان به ‪ ،‬وجاء في زيادات القطيعي على فضائل الصحابة‬
‫لحمد ) ‪ (1/365‬رواية الخبر من طريق سفيان عن العمش بالزيادة والول‬
‫أصح ‪.‬‬
‫)‪ (3‬وقد جعله من مسند أبي هريرة وهذا غلط ‪.‬‬
‫)‪ (4‬ج)‪. ( 1/57‬‬
‫)‪ (5‬رقم )‪. (162‬‬
‫)‪ (6‬انظر ترجمته في تاريخ بغداد )‪. (5/368‬‬
‫)‪ (7‬رواه المعافى بن زكريا الجريري في كتابه الجليس الصالح )‪(2/392‬‬
‫بأطول من هذا ‪.‬‬
‫)‪ (8‬البخاري )‪ (2652‬ومسلم )‪.(2533‬‬
‫)‪ (9‬رقم )‪. (2531‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫قال عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – ) إن الله نظر في قلوب العباد‬
‫فوجد قلب محمد – صلى الله عليه وسلم – خير قلوب العباد فاصطفاه‬
‫لنفسه فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب‬
‫الصحابة خير قلوب العباد فجعلهم الله وزراء نبيه يقاتلون على دينه ( رواه‬
‫المام أحمد )‪ (1/379‬من طريق عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن‬
‫عبدالله وسنده حسن ‪.‬‬
‫وذكر قتادة عن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – قال ‪ ) :‬من كان منكم‬
‫متأسيا ً فليتأس بأصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – فإنهم كانوا أبّر هذه‬
‫المة قلوبا ً وأعمقها علما ً وأقلها تكلفا ً وأقومها هديا ً وأحسنها حال ً ‪ ،‬قوما ً‬
‫اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه – صلى الله عليه وسلم – فاعرفوا لهم‬
‫فضلهم واتبعوهم في آثارهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ( رواه ابن‬
‫عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله )‪ (1‬وفيه انقطاع ‪ ،‬فقد توفي ابن‬
‫مسعود قبل أن يولد قتادة ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم –رحمه الله ‪ ) : -‬وقول عبدالله بن مسعود ‪ :‬كانوا أبر هذه‬
‫ن فيه حسن قصدهم‬ ‫المة قلوبا ً وأعمقها علما ً وأقلها تكلفا ً ؛ كلم جامع بي ّ َ‬
‫ونياتهم ببر القلوب وبين فيه كمال المعرفة ودقتها بعمق العلم ‪ ،‬وبين فيه‬
‫تيسر ذلك عليهم وامتناعهم من القول بل علم بقلة التكلف ( )‪. (2‬‬
‫وقال المام ابن أبي حاتم – رحمه الله – ) فأما أصحاب رسول الله – صلى‬
‫الله عليه وسلم – فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل وعرفوا التفسير‬
‫والتأويل وهم الذين اختارهم الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬لصحبة نبيه – صلى الله عليه‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم – ونصرته وإقامة دينه وإظهار حقه فرضيهم له صحابة وجعلهم لنا‬
‫أعلما ً وقدوة فحفظوا عنه – صلى الله عليه وسلم – ما بلغهم عن الله ‪ -‬عز‬
‫وجل ‪ -‬وماسن وما شرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وأدب ‪ ،‬ووعوه‬
‫وأتقنوه ففقهوا في الدين وعلموا أمر الله ونهيه ومراده بمعاينة رسول الله –‬
‫صلى الله عليه وسلم – ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله وتلقفهم منه‬
‫ن عليهم وأكرمهم به من‬ ‫م ّ‬‫واستنباطهم عنه ‪ ،‬فشرفهم الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬بما َ‬
‫وضعه إياهم موضع القدوة فنفى عنهم الشك والكذب والغلط والريبة والغمز‬
‫ك‬ ‫وسماهم عدول المة ‪ ،‬فقال ‪ -‬عز ذكره ‪ -‬في محكم كتابه ‪ } :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫س { )البقرة آية )‪ (143‬ففسر‬ ‫َ‬ ‫كوُنوا ُ‬ ‫طا ل ِت َ ُ‬‫س ً‬ ‫جعل ْناك ُ ُ‬
‫داَء عَلى الّنا ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫م ً‬ ‫مأ ّ‬ ‫َ َ َ ْ‬
‫ً‬
‫النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الله ‪ -‬عز ذكره ‪ -‬قوله ‪ ) :‬وسطا قال ‪:‬‬
‫عدل ً ‪ ،‬فكانوا عدول المة وأئمة الهدى وحجج الدين ونقلة الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫وندب الله ‪-‬عز وجل ‪ -‬إلى التمسك بهديهم والجري على منهاجهم والسلوك‬
‫ما ت َوَّلى‪{ ...‬‬ ‫ن ن ُوَل ّهِ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫لسبيلهم والقتداء بهم فقال ‪ } :‬وَي َت ّب ِعْ غَي َْر َ‬
‫) النساء آية )‪( . (3) (115‬‬
‫وقال المام أبو نعيم الصبهاني – رحمه الله – عن الصحابة ‪ ) :‬سمحت‬
‫نفوسهم – رضي الله عنهم – بالنفس والمال والولد والهل والدار ‪ ،‬ففارقوا‬
‫الوطان وهاجروا الخوان وقتلوا الباء والخوان وبذلوا النفوس صابرين‬
‫وأنفقوا الموال محتسبين وناصبوا من ناوأهم متوكلين ‪ ،‬فآثروا رضاء الله‬
‫على الغناء ‪ ،‬والذل على العز ‪ ،‬والغربة على الوطن ‪ ،‬هم المهاجرون الذين‬
‫أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضل ً من الله ورضوانا ً وينصرون الله‬
‫ورسوله أولئك هم الصادقون حقا ً ‪ ،‬ثم إخوانهم من النصار أهل المواساة‬
‫واليثار أعز قبائل العرب جارا ً ‪ ،‬واتخذ الرسول – عليه السلم ‪ -‬دارهم أمنا ً‬
‫وقرارا ً ‪ ،‬ا َ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ما َ‬ ‫لي َ‬ ‫داَر َوا ْ ُ ِ‬‫ن ت َب َوُّءوا ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫فاء الصبر والصدقاء الزهر } َوال ّ ِ‬ ‫لع ّ‬
‫ما أوُتوا‬ ‫م ّ‬
‫ة ِ‬ ‫ج ً‬
‫حا َ‬‫م َ‬ ‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن ِفي ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م وَل َ ي َ ِ‬ ‫جَر إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬‫حّبو َ‬ ‫قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م يُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة { ) الحشر آية )‪. (9‬‬ ‫ص ٌ‬‫صا َ‬
‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫م وَلوْ كا َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن عَلى أن ْ ُ‬ ‫وَي ُؤْث ُِرو َ‬
‫__________‬
‫)‪ (2/97 (1‬ورواه أبو نعيم في الحلية )‪ (1/305‬من طريق عمر بن نبهان عن‬
‫الحسن عن عبدالله ابن عمر ‪ -‬رضي الله عنه – وسنده ضعيف ‪ ،‬عمر بن‬
‫نبهان ‪ :‬ضعفه يعقوب بن سفيان والعقيلي وجماعة ‪ ،‬وقال يحيى بن معين ‪:‬‬
‫ليس بشيء ‪ ،‬وعنه ‪ :‬ثقة ‪ ،‬وقال البخاري ‪ :‬ل يتابع على حديثه ‪ ،‬وقال ابن‬
‫حبان في المجروحين )‪ : (2/90‬يروي المناكير عن المشاهير فلما كثر ذلك‬
‫في حديثه استحق الترك ‪.‬‬
‫وقال ابن حجر في التقريب )‪ (4975‬ضعيف ‪ ،‬وهذا العدل فيه ‪.‬والحسن عن‬
‫ابن عمر قيل ‪:‬لم يسمع ‪ ،‬وفيه نظر ‪ .‬قال بهز ‪ :‬سمع حديثا ً " المراسيل لبن‬
‫أبي حاتم ص ‪. " 43‬‬
‫وقال أحمد وأبو حاتم ‪ :‬سمع الحسن من ابن عمر " المراسيل ص ‪44-43‬‬
‫" ‪ .‬وقيل لبي زرعة ‪ :‬الحسن لقي ابن عمر ؟ قال ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫وروى الخبر الجري في الشريعة )‪ (1161‬وابن عبدالبر )‪ (2/97‬من طريق‬
‫كام بن سلم الرازي عن عمرو بن أبي قيس عن عبدربه قال‬ ‫الدورقي نا ح ّ‬
‫كان الحسن في مجلس فذكر أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫فقال ) إنهم أبّر هذه المة قلوبا ً ‪ ( ...‬وهذا أصح ‪.‬‬
‫)‪ (2‬منهاج السنة )‪. ( 2/79‬‬
‫)‪ (3‬انظر كتاب الجرح والتعديل )‪. (1/7‬‬

‫‪205‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪206‬‬

You might also like