You are on page 1of 4

‫هل لك جمتهيد مصيب؟‬

‫المؤلف‪:‬‬
‫محمد علوين شابوترا‬
‫رقم الطالب‪171011149 :‬‬

‫المعهد العالي للدراسات اإلسالهية وللغة العربية سنة ‪ 1442 – 1443‬هـ‬


‫تعريف وأقسام االجتهاد‬

‫االجتهاد لغة ‪ :‬بذل الوسع والطاقة‪ ،‬وال يستعمل إال فيما فيه جهد ومشقة‪ ،‬يقال‪ :‬اجتهد يف محل الرحى‪ ،‬وال يقال‪ :‬اجتهد يف محل‬
‫‪1‬‬
‫النواة‬
‫ويف االصطالح‪« :‬بذل الوسع يف النظر يف األدلة الشرعية الستنباط األحكام الشرعية»‪ 2‬وقد اشتمل هذا التعريف على الضوابط‬
‫اآلتية‪:3‬‬
‫أ‪ -‬أن االجتهاد هو بذل الوسع يف النظر يف األدلة‪ ،‬فهو بذلك أعم من القياس؛ إذ القياس هو إحلاق الفرع ابألصل‪ ،‬أما االجتهاد‬
‫فإنه يشمل القياس وغريه‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن االجتهاد ال جيوز إال من فقيه‪ ،‬عامل ابألدلة وكيفية االستنباط منها؛ إذ النظر يف األدلة ال يتأتى إال ممن كان أهالً لذلك‪.‬‬
‫جـ‪ -‬أن االجتهاد قد ينتج عنه القطع ابحلكم أو الظن به‪ ،‬وذلك ما تضمنه قيد "الستنباط"‪.‬‬
‫أيضا بيان أن االجتهاد إمنا هو رأي اجملتهد واجتهاده‪ ،‬وذلك حماولة منه لكشف حكم هللا‪ ،‬وال‬
‫د‪ -‬وقد تضمن قيد "الستنباط" ً‬
‫يُسمى ذلك تشر ًيعا؛ فإن التشريع هو الكتاب والسنة‪ ،‬أما االجتهاد فهو رأي الفقيه أو حكم احلاكم‪.‬‬

‫املسألة‪ :‬هل كل جمتهد مصيب؟‬


‫اجلواب على هذا السؤال حيتاج إىل تفصيل‪ ،‬إذ إن اإلصابة لفظ جممل‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ذلك أن اإلصابة قد يراد هبا إصابة احلق‪ ،‬مبعىن‪ :‬جمانبة اخلطأ‪ .‬وقد يراد هبا إصابة األجر والثواب‪ ،‬مبعىن‪ :‬انتفاء اإلث‪.‬‬
‫فإذا أريد ابإلصابة إصابة احلق فهذا ال يتضح إال بعد معرفة‪ :‬هل احلق عند هللا واحد أو متعدد؟‬
‫متعددا فكل جمتهد‬
‫ً‬ ‫احدا فال شك أن بعض اجملتهدين مصيب وبعضهم خمطئ‪ ،‬وإن كان احلق عند هللا‬
‫فإن كان احلق عند هللا و ً‬
‫مصيب غري خمطئ‪ .‬وبيان هذا موضعه يف اجلانب األول‪.‬‬
‫وإذا أريد ابإلصابة إصابة األجر وانتفاء اإلث عن اجملتهدين فهذا حيتاج إىل تفصيل‪ ،‬وهذا بيانه يف اجلانب الثاين‪.‬‬
‫اجلانب األول‪ :‬هل احلق عند هللا واحد أو متعدد؟‬
‫طرح اإلمام الشافعي هذا السؤال ث أجاب عليه‪ ،‬قال رمحه هللا‪« :‬فإن قال قائل‪ :‬أرأيت ما اجتهد فيه اجملتهدون كيف احلق فيه عند‬
‫احدا؛ ألن علم هللا عز وجل وأحكامه واح ٌد‬
‫هللا؟ قيل‪ :‬ال جيوز فيه عندان ‪ -‬وهللا تعاىل أعلم ‪ -‬أن يكون احلق فيه عند هللا كله إال و ً‬
‫‪5‬‬ ‫الستواء السرائر والعالنية عنده‪ ،‬وأن علمه بكل و ٍ‬
‫احد جل ثناؤه سواء»‪.‬‬
‫وقد بوب ابن عبد الرب لذلك‪ ،‬فقال‪« :‬ابب ذكر الدليل يف أقاويل السلف على أن االختالف خطأ وصواب»‪.6‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫انظر‪" :‬منهاج السنة" (‪)28 ،27/6‬‬
‫‪5‬‬
‫"إبطال االستحسان" (‪)41‬‬
‫‪6‬‬
‫"جامع بيان العلم وفضله" (‪)85/2‬‬
‫آاثرا يف ذلك‪ ،‬قال رمحه هللا‪« :‬هذا كثري يف كتب العلماء‪ ،‬وكذلك اختالف أصحاب رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه‬
‫وبعد أن ذكر ً‬
‫وسلم ‪ -‬والتابعني ومن بعدهم من املخالفني‪ 7‬وما رد بعضهم على بعض؛ ال يكاد حييط به كتاب‪ ،‬فضالً عن أن ُجيمع يف ابب‪،‬‬
‫وفيما ذكران منه دليل على ما عنه سكتنا‪ ،‬ويف رجوع أصحاب رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬بعضهم إىل بعض‪ ،‬ورد بعضهم‬
‫على بعض دليل واضح على أن اختالفهم عندهم خطأ وصواب‪.‬‬
‫ولذلك كان يقول كل واحد منهم‪ :‬جائز ما قلت أنت‪ ،‬وجائز ما قلت أان‪ ،‬وكالان جنم يُهتدي به‪ ،‬فال علينا شيء من اختالفنا‬
‫بعضا يف اجتهادهم‬
‫والصواب مما اختلف فيه وتدافع وجه واحد‪ ،‬ولو كان الصواب يف وجهني متدافعني ما خطأ السلف بعضهم ً‬
‫وقضائهم وفتواهم‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫والنظر أيىب أن يكون الشيء وضده صو ًااب كله» ‪.‬‬

‫ومن األدلة على أن بعض اجملتهدين مصيب وبعضهم خمطئ‪:‬‬


‫قوله ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪« : -‬إذا حكم احلاكم فاجتهد ث أصاب فله أجران‪ ،‬وإذا حكم فاجتهد ث أخطأ فله أجر»‪ . 9‬فقسم‬
‫‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬اجملتهدين إىل مصيب له أجران‪ ،‬وخمطئ له أجر‪ ،‬فعُلم بذلك أن احلق عند هللا واحد‪ ،‬غري متعدد‪ ،‬وأن‬
‫املصيب من اجملتهدين واحد‪ ،‬وليس كل جمتهد مصيبًا‪. 10‬‬
‫اجلانب الثاين‪ :‬ال خالف بني أهل العلم يف أن اجملتهد ‪ -‬الذي توفرت الشروط يف اجتهاده ‪ -‬إذا أصاب احلق له أجران‪، 11‬‬
‫للحديث املتقدم‪ ،‬لكن املسألة اليت وقع فيها نزاع بني العلماء هي‪:‬‬
‫هل اجملتهد ‪ -‬الذي توفرت الشروط يف اجتهاده ‪ -‬املخطئ للحق‪ ،‬املخالف للصواب‪ ،‬معذور أو ال؟ وهل أيث أو ال أيث؟‬
‫مذهب السلف من الصحابة رضي هللا عنهم والتابعني هلم إبحسان‪: 12‬‬
‫أحدا من اجملتهدين املخطئني ال يف مسألة علمية وال عملية‪ ،‬وال يف األصول وال يف الفروع‪،‬‬
‫أهنم ال يكفرون‪ ،‬وال يفسقون‪ ،‬وال يؤمثون ً‬
‫وال يف القطعيات وال يف الظنيات‪.13‬‬

‫وذلك وفق الضوابط اآلتية‪: 14‬‬


‫مقدار ما من اإلميان ابهلل ورسوله ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ .-‬أما من مل يؤمن أصالً فهو كافر‪،‬‬
‫‪ -1‬أن يكون مع هذا اجملتهد املخطئ ٌ‬
‫ال يقبل منه االعتذار ابالجتهاد‪ ،‬لظهور أدلة الرسالة وأعالم النبوة‪.‬‬
‫وألن العذر ابخلطأ حكم شرعي خاص هبذه األمة كما جاءت النصوص بذلك‪. 15‬‬
‫فمن كان مؤمنًا ابهلل ُُجلة وثبت إميانه بيقني مل يزل ذلك عنه ابلشك‪ ،‬بل ال يزول إال بعد إقامة احلجة وإزالة الشبهة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫يف األصل‪" :‬املخالفني"‪ .‬والتصويب من الطبعة احملققة‪" )919/2( :‬حتقيق أيب األشبال الزهريي"‬
‫‪8‬‬
‫"جامع بيان العلم وفضله" (‪)88 ،87/2‬‬
‫‪9‬‬
‫سبق خترجيه انظر (‪)469‬‬
‫‪10‬‬
‫"روضة الناظر" (‪)414/2‬‬
‫‪11‬‬
‫"جمموع الفتاوى" (‪)124/13‬‬
‫‪12‬‬
‫"الفقيه واملتفقه" (‪)64/2‬‬
‫‪13‬‬
‫"جمموع الفتاوى" (‪)152 - 143/19‬‬
‫‪14‬‬
‫"جمموع الفتاوى" (‪)256/20 ،493/12‬‬
‫‪15‬‬
‫انظر ( ص ‪ )347‬وما بعدها من هذا الكتاب‬
‫‪ -2‬أن يكون ذا نية صادقة يف إرادة احلق والوصول إىل الصواب‪ .‬أما أهل اجلدال واملراء‪ ،‬وأصحاب األغراض السيئة واملقاصد‬
‫اخلبيثة‪ ،‬فلكل منهم ما نوى‪ ،‬واحلكم يف ذلك للظاهر‪ ،‬وهللا يتوىل السرائر‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يبذل اجملتهد وسعه‪ ،‬ويستفرغ طاقته‪ ،‬ويتقي هللا ما استطاع‪ ،‬ث إن أخطأ لعدم بلوغ احلجة‪ ،‬أو لوجود شبهة‪ ،‬أو ألجل أتويل‬
‫سائغ‪ ،‬فهو معذور ما مل يفرط‪ .‬أما إن فرط يف شيء من ذلك‪ ،‬فلم تبلغه احلجة بسبب تقصريه‪ ،‬أو بلغته لكنه أعرض عنها لشبهة‬
‫يعلم فسادها‪ ،‬أو أتول الدليل أتويالً ال يسوغ‪ ،‬فإنه واحلالة كذلك ال يُعذر‪ ،‬وعليه من اإلث بقدر تفريطه‪.‬‬

‫ومن األدلة على ما ذهب إليه سلف هذه األمة ما أييت‪:‬‬


‫‪ -1‬أن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قال‪« :‬كان رجل ممن كان قبلكم يسيء الظن بعمله‪ ،‬فقال ألهله‪ :‬إذا أان مت فخذوين‪،‬‬
‫فذروين يف البحر يف يوم صائف‪ .‬ففعلوا به‪ .‬فجمعه هللا‪ ،‬ث قال‪ :‬ما محلك على الذي صنعت؟ قال‪ :‬ما محلين عليه إال خمافتك‪،‬‬
‫فغفر له»‪. 16‬‬
‫قال ابن تيمية‪« :‬فهذا الرجل ظن أن هللا ال يقدر عليه إذا تفرق هذا التفرق‪ ،‬فظن أنه ال يعيده إذا صار كذلك‪.‬‬
‫احد من إنكار قدرة هللا تعاىل‪ ،‬وإنكار معاد األبدان وإن تفرقت‪ ،‬كفر‪ ،‬لكنه كان مع إميانه ابهلل وإميانه أبمره وخشيته منه‬‫وكل و ٍ‬
‫جاهالً بذلك‪ ،‬ضاالً يف هذا الظن خمطئًا‪ ،‬فغفر هللا له ذلك»‪. 17‬‬
‫‪ -2‬ما تقدم من األدلة على اعتبار املقاصد والنيات يف األحكام الشرعية والثواب والعقاب‪. 18‬‬
‫نفسا إال وسعها وأن التكاليف الشرعية مشروطة ابملمكن من العلم والقدرة‪. 19‬‬‫‪ -3‬ما تقدم من األدلة على أن هللا ال يكلف ً‬
‫‪ -4‬ما تقدم من األدلة على أن اجلهل عذر شرعي‪ ،‬وأن احلكم ال يثبت يف حق املكلف واحلجة ال تقوم عليه إال بعد علمه ابألمر‬
‫والنهي‪. 20‬‬
‫وفروعا‪ ،‬مل يكن معروفًا لدي السلف‪ ، 21‬وكذلك تقسيم املسائل إىل قطعية وظنية ال يستقيم‪،‬‬ ‫‪ -5‬أن جعل الدين قسمني‪ :‬أصوالً ً‬
‫ألن كون املسألة قطعية أو ظنية أمر إضايف حبسب حال املعتقد‪ ، 22‬ث إن هللا رفع اخلطأ دون تفريق بني كونه يف مسألة قطعية أو‬
‫ظنية‪. 23‬‬

‫‪16‬‬
‫رواه البخاري (‪ )312/11‬برقم (‪)6480‬‬
‫‪17‬‬
‫"جمموع الفتاوى" (‪)409/11‬‬
‫‪18‬‬
‫انظر (ص ‪ )362‬من هذا الكتاب‬
‫‪19‬‬
‫انظر (ص ‪ )339‬من هذا الكتاب‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫انظر (ص‪ )345 -342‬من هذا الكتاب‬
‫‪21‬‬
‫"جمموع الفتاوى" (‪ ،212 - 207/19‬و‪)61 - 56/6‬‬
‫‪22‬‬
‫انظر (ص‪ )80‬من هذا الكتاب‬
‫‪23‬‬
‫"جمموع الفتاوى" (‪)211 ،210/19‬‬

You might also like