You are on page 1of 10

‫إنتفاخ الودجين‬

‫عند مناظرة علماء حاجين في الرؤية بزجاج العينين‬

‫جمعو خويدـ اللجنة الرمزية لروضة المشاورة‬


‫الحاج محمد أحمد سهل بن‬
‫محفوظ الحاجيني‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫الحمد هلل الذي قرت برؤيتو عيوف كل ناظر وأزىق األباطيل بال منازع وال‬
‫مدافع وال مناظر‪ .‬والصالة والسالـ على نبيو الذي ىو معدف األسرار ومنبع‬
‫األنوار‪ .‬سيدنا محمد وعلى آلو وصحبو األفاضل األبرار‪.‬‬
‫أما بعد فهذه رسالة قليلة تشتمل على فوائد جليلة‪ ،‬جمعن فيها أقواؿ‬
‫علماء حاجين في مدافعتهم ومناظرتهم في رؤية نحو المبيع بالمنظرة المعروفة‬
‫بزجاج العين‪ ،‬وسميتها "إنتفاخ الودجين عند مناظرة علماء حاجين في رؤية‬
‫المبيع بزجاج العنين"‪ ،‬ورتبتها على مقدمة وأربعة مقاصد وخاتمة‪ .‬واهلل أسأؿ‬
‫وعليو أتوكل وبنبيو أتوسل أف ينفع بها وأعاد علينا من بركاتهم آمين‪.‬‬

‫المقدمة‬
‫اعلم أنو قد اختلف األئمة األربعة في رؤية المعقود عليو في البيع‪ ،‬فالثالثة‬
‫اكتفاء بذكر جنسو‪ .‬وأما إمامنا الشافعي فلو فيها‬
‫ً‬ ‫منهم على عدـ اشتراطها‬
‫قوالف‪ ،‬أظهرىما اشتراطها حذرا من وقوع الغرر المنهي عنو‪ ،‬وعليو نشأت‬
‫المسألة اآلتية‪ ،‬وثار فيها اختالؼ علماء حاجين‪ ،‬ما بين مصحح ومبطل لما قاـ‬
‫عندىم من المدارؾ‪.‬‬
‫المقصد األوؿ‪ :‬في التعريف بالروضة وحدوث المسألة‬
‫قد تأسست في حاجين منذ عاـ ‪ 8591‬ـ جمعية المشاورة في المسائل‬
‫الفقهية الملقبة بروضة المشاورة وتعضت ىذه الجمعية بمشيخة حاجين وما‬
‫حواليها وأساتذتها ومتخرجى المدارس الثانوية بها وخريجها‪ .‬وال تزاؿ منذ‬
‫تأسيسها اتخذت جلسات واجتماعات وصادقت على قرارات ومسائل فقهية‬
‫مقدمة فمن بينها ما قدمو بعض األعضاء من أف رؤية نحو المبيع بالمنظرة‬
‫(زجاج العين) على األظهر من قولي اإلماـ الشافعي ىل تكفي أوال ؟‪ .‬وعليهما‬
‫فهل مختص بضعفاء البصر أو بأقويائو أو ال ؟‪ .‬وىذه ىي المسألة التي تشعبت‬
‫فيها آرائهم كما سيأتي في المقصد الثالث‪.‬‬

‫المقصد الثاني‪ :‬في قرار الروضة وجوابها عن تلك المسألة‬


‫لم يأؿ األعضاء كلهم جهودىم في تحرير المسألة وشحذوا أفكارىم في‬
‫تحقيقها بالغين ما بلغوا فصادقوا بعدما جرى بينهم شيئ من المناظرات على‬
‫قرار واحد‪ ،‬وىو أف تلك الرؤية ال تكفي مطلقا أي سواء كانت لضعفاء البصر‬
‫أـ ألقويائو تمسكا بنصوص معظم الفقهاء أرباب الشروح والحواشي‪ ،‬فمنها قوؿ‬
‫الجماؿ الرملي في فتاويو لما سئل ىل يكفي رؤية المبيع بمرآة زجاج لضعف‬
‫البصر أو نحوه أـ ال ؟‪ .‬إنو ال يكفي رؤية المبيع من وراء مرآة الزجاج النتفاء‬
‫تماـ معرفتو بها ىػ‪ .‬ومنها قوؿ الشرقاوي في حاشيتو على شرح التحرير‪ :‬وتكفي‬
‫رؤية بعض المبيع أي وإف رأى من كوة ال من وراء زجاج كاآلالت المسماة‬
‫بالعيوف إلخ ىػ‪ .‬ومنها قوؿ العالمة الشيخ محمد محفوظ الترمسي المكي في‬
‫حاشيتو على تكملة المنهج القويم المسماة بالمنهل العميم‪ :‬قولو وال تكفي‬
‫الرؤية من وراء نحو زجاج أي فال يصح بيع ما رؤي من وراء قارورة مثال النتفاء‬
‫تماـ المعرفة وصالح إبقائو فيها وظاىر إطالقو ىنا أنو ال فرؽ بين كوف الزجاجة‬
‫صافية أوال‪ ،‬وىو واضح ويعلم منو أف الرؤية بالمنظرة ال تكفي ىنا‪ .‬فإف قلت‬
‫إنها قد تزيد المرئي بها وضوحا فالجواب أف ذلك نادر ال يكوف إال من ضعفاء‬
‫البصر كاألعمش واألمور النادرة غير معتبرة فإف العبرة ىنا كما نقل عن ابن‬
‫الصالح الرؤية العرفية أي وظاىر أف المراد بها العرفية العامة ال الخاصة‪ .‬ثم‬
‫رأيت في التحفة أف المراد بالرؤية العرفية ىي ما يظهر للناظر من غير مزيد تأمل‬
‫انتهى‪ .‬فالمتبادر أف مراده بالناظر الكامل في النظر ال نحو األعمش ومن بو أثر‬
‫رمد ممن يحتاج إلى المنظرة تدبر ىػ‪.‬‬

‫المقصد الثالث في اختالؼ علماء حاجين في المسألة ومناكرتهم‬


‫على ىذا القرار واحتجاجتهم عليو‬
‫ثم لما انعقد لروضة المشاورة اإلجتماع اإلمتيازي (وىو أوؿ نوع من‬
‫اإلجتماعات في تاريخ الروضة عقدتو في صورة ممتازة حيث حضر فيو سوى‬
‫األعضاء علماء منطقة فاطي من شتى النواحى) عرضت الروضة ذلك القرار‬
‫على المجلس فجعلوا يمدوف أعناقهم في رده وإنكاره وأخذوا ينفخوف الودجين‬
‫في مناظتهم ومطارحتهم في القرار المذكور حتى صارت المسألة منحلة فوضى‬
‫من عقدىا وقرارىا وعروتها الوثقى وعادت كما أتت قبل انعقاد القرار وقالوا بأف‬
‫الرؤية بالمنظرة تكفي بالنسبة لضعفاء البصر ولم يسلموا أقواؿ ىؤالء األئمة‬
‫الثالثة الرملي والشرقاوي والترمسي بل تكلفوا في اإلحتجاج عليهم بالدعاوى‬
‫والشبهات والتأويالت‪ ،‬فمن بينها ما كتبو بعض أعيانهم في رسالة قاؿ فيها ‪ :‬إف‬
‫الشيخ الرملي أفتى في فتاويو عند ما سئل ىل يكفي رؤية المبيع بمرآة زجاج‬
‫لضعف البصر أو نحوه أـ ال ؟ فأجاب رحمو اهلل بأنو ال يكفي رؤية المبيع من‬
‫وراء مرآة الزجاج النتفاء تماـ معرفتو بها أي الذي يستلزـ الغرر المنهي عنو في‬
‫حديث "نهى رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم عن بيع الغرر" وفهم منو أنو إف لم‬
‫ينتف تماـ معرفتو بها فكفت ألف العلة ىي الجالبة للحكم‪ ،‬فمتى انتفت انتفى‬
‫أو ألف الحكم يدور مع علتو وجودا وعدما‪ ،‬وإنما أجاب رحمو اهلل بال يكفي‬
‫إلخ كأنو قطع بعدـ الكفاية مطلقا وعلل بانتفاء تماـ المعرفة ألف كل الزجاج‬
‫الموجود في زمنو ينتفي بو تماـ المعرفة وىكذا الشرقاوي فكل أخبر بما رآه‪.‬‬
‫ووجو ذلك أنو رحمو اهلل قد علم بأنا منهيوف عن بيع الغرر والنهي عن‬
‫الشيء أمر بضده فنحن ماموروف بمعرفة المبيع بال قيد آلة وال بغيرىا فلماذا‬
‫أفتى بذلك (كأنو قطع) لوكاف في زمنو زجاج متمم المعرفة كالمنظرة فلم يفت‬
‫بذلك أال ألف الزجاج في زمنو ينتفي بو تماـ المعرفة أي وإف كاف يزيد وضوحا‬
‫لضعيف البصر ولكن ال يرتقى إلى درجة الرؤية العرفية ثم إف الزجاج في ىذا‬
‫الزماف أنواع كثيرة منها ما يعمل بالمنظرة وتفصيلها كثير أيضا فمنها ما ينتفى بو‬
‫تماـ المعرفة فحكمو ال يكفى الرؤية بو ومنها ما ال ينتفى بو تماـ المعرفة‬
‫فحكمو خالؼ ومنها ما ىو متمم المعرفة لضعيف البصر أو نحوه فحكمو‬
‫واجب عليو أف يرى المبيع بو ألنو مأمور بمعرفة المبيع وال يتم المعرفة إال بو‬
‫فكاف من باب ما ال يتم الواجب إال بو فهو واجب أو وسيلة للمعرفة المأمورة‬
‫فللوسائل حكم المقاصد فعلم مما ذكر أف أخذ الحكم من مقابلة ثالثة أقواؿ‬
‫الفقهاء غير صائب ألف الحكم الحاصل منها يخالف دليلو وال يكوف في الفقو‬
‫حكم إال مأخوذا من أحد أربعة الدالئل الكتاب والسنة واإلجماع والقياس ومن‬
‫أجل ذلك استشكل صاحب المنهل في منهلو (بعد وجود المنظرة المتممة‬
‫للمعرفة) على ظاىر إطالؽ المتن‪ ،‬ألف الحكم المأخوذ منو يخالف دليلو فقاؿ‪:‬‬
‫وظاىر إطالقو إلى آخرما فرعو ولكن أجاب إشكالو بنفسو في قولو فإف العبرة‬
‫ىنا كما نقل عن ابن الصالح إلى أف قاؿ والمتبادر أف مراده بالناظر الكامل في‬
‫النظر ال نحو األعمش إلى أف قاؿ تدبر‪ .‬فإف تدبر فيو إشكاؿ وفيو جواب خفي‬
‫كما قرره بعض مشايخي عن شيخو فكاف حاصل الجواب أف إطالؽ الزجاج‬
‫مخصوص بالناظر الكامل في النظر وزيادة وضوح المنظرة مخصوص بضعفاء‬
‫البصر نادر للناظر الكامل فكاف خالصة الحكم عنده‪ :‬وال تكفى الرؤية من‬
‫وراء نحو زجاج مطلقا بالنسبة للناظر الكامل وإف زاده وضوح المرئي ألنو نادر‬
‫واألمور النادرة غير معتبرة إلى أف قاؿ ليس كل الحمراء لحمة وال كل البيضاء‬
‫شحمة ولكن اهلل يختص برحمتو من يشاء إنتهى‪ .‬ومنها ما قالو بعضهم من أف‬
‫تعليل الشرقاوي باإلحتياط غير مسلم ألنو غير مطابق للواقع إذ المطابق لو أف‬
‫اإلحتياط الرؤية بالمنظرة بالنسبة لضعيف البصر‪ .‬ومنها ما سرده بعضهم‬
‫مشافهة وغالبو مخترع من العقل ال مأخوذ بالنقل ولم يسمح بكتابتو الكتاب‬
‫لما فيو من اإلظطراب‪.‬‬

‫المقصد الرابع‪ :‬في الرد على تلك الدعاوى والشبهات‬


‫والتأويالت من طرؼ الروضة‬
‫ليس بمجهوؿ أنو ألغروا أف أىل الروضة ومن معهم لما قارعهم ىؤالء‬
‫بتلك اإلحتجاجات شمروا سواعدىم وسيقانهم للدفاع عن قرارىم المذكور في‬
‫المقصد الثاني وجعلوا يخطفوف ما ذكر من اإلحتجاجات بالردود والمنوعات ما‬
‫بين نقلي وعقلي وقالوا‪ :‬قوؿ صاحب الرسالة أي الذي يستلزـ الغرر إلخ تفسير‬
‫مصرح بأف الغرر المنهي عنو الزـ وانتفاء تماـ المعرفة بها ملزوـ لو ال يلزـ منو‬
‫نفي الالزـ كما ال يخفى‪ ،‬لجواز أف يكوف الالزـ أعم فال يلزـ من نفي اإلنتفاء‬
‫نفي الغرر الذي ىو مقتضى قولو فكفت فالغرر موجود في الجملة‪ .‬وقولو‪ :‬وإنما‬
‫أجاب رحمو اهلل إلى قولو ألف كل الزجاج الموجود في زمنو ينتفى بو تماـ‬
‫المعرفة دليل احتمالي محتمل لكن كما أنو يحتمل أف يكوف كل الزجاج في‬
‫زمنو ينتفى بو تماـ المعرفة كذلك يحتمل أف يكوف بعضها ينتفى بو تماـ المعرفة‬
‫وبعضها تتم بو المعرفة إال أنو أي الرملي يلحق الثاني لندرتو حيث كاف مقصورا‬
‫على ضعيف البصر باألوؿ من باب الحاؽ النادر باألغلب ويصير تقدير قولو‬
‫رحمو اهلل النتفاء تماـ معرفتو بها أي غالبا أو في الجملة وىذا التقدير أقرب‬
‫وأسلم من تقديره بقولو أي الذي يستلزـ إلخ وتقريره بقولو ألف كل الزجاج إلخ‬
‫والدليل إذا تطرؽ إليو اإلحتماؿ ال يتجو إليو اإلستدالؿ‪ .‬وقولو وىكذا‬
‫الشرقاوي تشبيو مع الفارؽ ألف تعليل الشرقاوي باإلحتياط يدؿ لزوما بل‬
‫صريحا على أف زجاج زمنو بعضها ينتفى بو تماـ المعرفة وبعضها ال ينتفى‪،‬‬
‫فمقتضى التشبيو الذي ىو دعوى أف كل زجاج في زمنو أي الشرقاوي ينتفى بو‬
‫تماـ المعرفة غير مسلم أيضا‪ ،‬وذلك ألنو أي الشرقاوي لما علم أف زجاج زمنو‬
‫بعضها ينتفى بو التماـ وبعضها ال ينتفى احتاط بالحكم بعدـ الكفاية مطلقا دفعا‬
‫لوقوع الغرر بكل حاؿ‪ ،‬بخالؼ ما إذا حكم بالكفاية في بعض وبعدمها في‬
‫بعض فإنو ال يندفع بو وقوع الغرر بكل حاؿ بل قد وقد‪ .‬وىذا معنى تعليلو‬
‫باإلحتياط الذي ىو طلب األحظ واألخذ بأوثق الوجوه ال ما ىو زعمو من أف‬
‫اإلحتياط ىو اإلحتراز عن الغرر حيث قاؿ في رد تعليل الشرقاوي باإلحتياط‪:‬‬
‫أف المنظرة يحترز بها عن الغرر وقولو والنهي عن الشيئ إلى قولو فنحن‬
‫مأموروف بمعرفة المبيع بال قيد آلة وال بغيرىا‪ ،‬قد يقاؿ فيو إف المعرفة حقيقة‬
‫فيما ليس بآلة وىو الذي انصرؼ إليو لفظ المعرفة حيث أطلق ألنو المتبادر‪،‬‬
‫والمتبادر عالمة الحقيقة ومجاز فيما عداه والحقيقة أولى بالعمل بها وال يصار‬
‫إلى المجاز إال لدليل وال دليل ىنا متجو على أف األصح من أقواؿ األصوليين‬
‫أف النهي عن الشيئ ليس بأمر بضده وال يستلزمو‪ .‬وقولو ومنها ما ىو متمم‬
‫المعرفة إلى قولو فكاف من باب ما ال يتم الواجب إال بو فهو واجب فيو أنا ال‬
‫نسلم انحصار تماـ المعرفة في الزجاج ألف تماـ المعرفة غير مقصور على‬
‫الزجاج بل لو ثبت أف الزجاج يتم بو تماـ المعرفة فهو فرد من أفراد ما بو التماـ‬
‫فإنو قد حصل بو التماـ بغير الزجاج بأف يوكل في المعرفة مثال وكيال كامال في‬
‫النظر فال يتوقف التماـ حينئذ على الزجاج فقط فال يصح الحصر المذكور‪.‬‬
‫وعلى تقدير تسليمو ال نسلم صحتو أيضا ألف ما ال يتم الواجب إال بو مشروط‬
‫بكونو مقدورا للمكلف حسا وشرعا واستعماؿ المنظرة في معرفة المبيع وإف‬
‫كاف مقدورا حسا لكنو غير مقدور شرعا لما تقدـ من أف الغرر موجود في‬
‫الجملة حتى كاف العلماء أرباب الشروح والحواشى يحكموف بعدـ كفاية الرؤية‬
‫من وراء نحو زجاج على سبيل اإلطالؽ ال على التقييد والتفصيل‪ ،‬وأيضا المراد‬
‫بالمعرفة المأمور بها كما قاؿ المعرفة الصحيحة المعتبرة كما ىو ظاىر‪ ،‬إذ‬
‫الفاسد غير مأمور بو فاألمر حينئذ ال يتناوؿ من ال معرفة لو أصالً وال من لو‬
‫معرفة غير معتبرة كالضعفاء بدليل أف األعمى ال يؤمر بالمعرفة بل حقو أف يوكل‬
‫فيما اشترطت فيو المعرفة‪ .‬ومثلو ضعيف البصر إذ وجود معرفتو الغير المعتبرة‬
‫كالعدـ فكاف كاألعمى فال يتناولو األمر بالمعرفة فال تجب عليو‪.‬‬
‫ومعلوـ أف وجوب ما اليتم الواجب إال بو تابع لوجوب ذلك الواجب‪ ،‬وإذا‬
‫سقط وجوب المتبوع سقط وجوب التابع كما ىو مقتضى قاعدة "التابع‬
‫ينسحب عليو حكم المتبوع"‪ .‬وقولو فعلم مما ذكر أف أخذ الحكم من مقابلة‬
‫ثالثة أقواؿ الفقهاء غير صائب ألف الحكم إلخ تغليط وتخطئة ألقوالهم ألف‬
‫غير صائبية أخذ الحكم منها يستلزـ غير صائبية المأخوذ منها التي ىي أقوالهم‬
‫فحاشا وكال‪ ،‬بل يتعين للمقلد مثلنا األخذ بأقوالهم‪ ،‬فقد قاؿ في الفوائد المكية‬
‫في بياف مراتب العلماء‪ :‬الخامسة نظار في ترجيح ما اختلف فيو الشيخاف‬
‫كاألسنوي وأضرابو‪ .‬السادسة حملة فقو إلى أف قاؿ وقد نصوا على أف المراتب‬
‫األربعة األُوؿ يجوز تقليدىم‪ ،‬وأما األخيرتاف (الخامسة والسادسة) فاإلجماع‬
‫الفعلي من زمنهم إلى اآلف األخذ بقولهم وترجيحاتهم في المنقوؿ حسب‬
‫المعروؼ في كتبهم ىػ‪ .‬فالقطع بغير الصائب فيما ذكر خرؽ لهذا اإلجماع‪.‬‬
‫وقاؿ في البغية فإف كتب األئمة األربعة ومقلديهم جل مأخذىا من الكتاب‬
‫والسنة ىػ‪ .‬فدعوى أف الحاصل منها يخالف دليلو دعوى بال بينة بل بشبهة‪.‬‬
‫وقولو وال يكوف في الفقو حكم إال مأخوذا إلخ مسلم لكن في حق المجتهد‬
‫المطلق‪ ،‬وأما في حق المقلد فال‪ ،‬بل الدليل في حقو قوؿ المجتهدين فهو‬
‫الذي يتعين عليو أخذه‪ .‬ومعلوـ لدى أىل السنة والجماعة أنو لن يوجد اآلف‬
‫مجتهد بأنواعو النقضاء القدرة على اإلجتهاد كائنة ما كانت وبالغة ما بلغت بل‬
‫كل مقلد صرؼ‪ .‬وقولو من أجل ذلك استشكل إلى قولو فقاؿ وظاىر إطالقو‬
‫إلخ يقاؿ فيو من أين وجو اإلستشكاؿ ؟‪ .‬فإف كاف من قولو وظاىر إطالقو إلخ‬
‫فغير صحيح إذ ذكر الظهور ال يشعر باإلستشكاؿ فضال عن أف يدؿ عليو‬
‫بالصراحة بل إنما ىو دليل في اصطالح الفقهاء على أف المأتي بذكر الظهور‬
‫بحث وتفقو من عند القائل ال نقل من غيره وىو نوع من التوجيهات‪ ،‬فقد قاؿ‬
‫في الفوائد المكية‪ :‬إذا قالوا والذي يظهر مثال أي بذكر الظهور فهو بحث لهم‬
‫ىػ‪ .‬كما قلت وأنا جامع ىذه الرسالة في منظومتي الثمرات الحاجينية‪:‬‬
‫وظاىر كذا أو الذي ظهر ‪ #‬كذا فبحث القائل الذي نظر‪.‬‬
‫وإف كاف من قولو فإف قلت إنها قد تزيد إلخ فذاؾ‪ ،‬ومع ذلك ىو إشارة‬
‫إلى اإلستشكاؿ الضعيف كما قاؿ في الفوائد‪ :‬وإذا كاف ضعيفا يقاؿ فإف قلت‬
‫وجوابو قلنا أو قلت ىػ‪ .‬فالجواب حينئذ قوي‪ .‬وقولو ولكن أجاب إلى قولو فإف‬
‫العبرة إلخ فيو أنو لما قدر اإلستشكاؿ في قولو وظاىر إطالقو إلخ (وقد مر‬
‫أف ىذا التقدير غير صحيح) قدر جوابو في قولو فإف العبرة إلخ لكن تقدير‬
‫الجواب فيو ال يساعده السياؽ الذي ىو سابق الكالـ والحقو‪ ،‬والذي يساعده‬
‫السياؽ أف الفاء في قولو فإف العبرة تعليلية لما قبلو من قولو واألمور النادرة غير‬
‫معتبرة أي ألف العبرة ىنا إلخ‪ .‬وقولهفإف تدبر فيو إشكاؿ إلخ مخالف لما في‬
‫اإلصطالح‪ ،‬ألف األمر بالتدبر كما في الفوائد المكية إف كاف بفاء يكوف بمعنى‬
‫التحقيق وإف كاف بدونها فللسؤاؿ لكن السؤاؿ بنحو تدبر الذي ختم بو‬
‫المبحث ال يلزـ منو اإلستشكاؿ الذي ىو نوع من اإلعتراض بل إنما قصد بو‬
‫تزكية النفس من دعوى الحقية في بحثو تأدبا‪ ،‬إذ الحق كلو هلل تعالى بل ربما‬
‫يقصد بو تقرير بحثو وتحقيقو‪ ،‬وذلك ألف الشخص ال يعترض على نفسو ما‬
‫بحثو ىو واعتقده إال على سبيل الفرض‪ .‬قولو فكاف خالصة الحكم عنده وال‬
‫تكفي إلخ ىذه الخالصة ال يساعدىا السياؽ أيضا كما ال يخفى بأدنى تأمل‪،‬‬
‫إذ السياؽ يقتضى أف الرؤية بالمنظرة ال تكفى مطلقا‪ ،‬سواء كاف لضعيف البصر‬
‫أـ لقويّو وسواء زاد بها وضوح المرئي أـ ال‪ ،‬إذ ليس المراد أف الزيادة نادرة‬
‫لكامل النظر فال تكفى رؤيتو بها غير نادرة للضعفاء فتكفى رؤيتهم بها للقطع‬
‫بازدياد رؤيتهم بها وضوحا بل المراد أف الزيادة نادرة حيث كانت مقصورة على‬
‫الضعفاء فال عبرة بها ال في الضعفاء وال في األقوياء‪ ،‬ألنها وإف كانت مقطوعة‬
‫في الضعفاء نادرة بالنسبة لغيرىم فال عبرة فيهم أيضا إذ األمور النادرة غير‬
‫معتبرة ألف العبرة ىنا كما نقل إلى آخر قوؿ الترمسي‪.‬‬
‫وقولو في أوائل رسالتو ألف الحكم يدور مع علتو وجودا وعدما غير مسلم‬
‫ألف ىذه القائدة مشروطة بواحدية العلة‪ ،‬وإال فال تصح إذ ال يلزـ من انتفاء علة‬
‫انتفاء حكم ثبت بعلل كوجوب القتل فإنو معلل بردة وترؾ صالة وقتل محرـ‬
‫فال يلزـ من انتفاء واحدة من الثالث انتفاء الوجوب‪ .‬وىذا أعنى عدـ كفاية‬
‫الرؤية بها فيو علتاف انتفاء تماـ المعرفة واإلحتياط فال يلزـ من انتفاء األولى‬
‫انتفاء عدـ الكفاية لثبوتو باإلحتياط الذي ىو أعم منها إذ اإلحتياط شامل لما‬
‫فيو تماـ المعرفة وما ال إال أنو مما يخفى على العواـ ويقصر فهمهم عنو ويكفى‬
‫في خفائو كونو أعم ألف األعم بما فيو من اإلحتماالت خفي بالنسبة للخاص‬
‫لعدـ اإلحتماالت فيو‪ .‬فمن ثم يحتمل أف للرملي ىذه العلة (اإلحتياط) أيضا‬
‫غير أنو لم يبينها لخفائها بل آثر بالعلة األولى الخاصة لوضوحها‪ ،‬وذلك ألف‬
‫المفتي اليجوز لو بياف مدرؾ الحكم الذي أفتى بو لمستفتيو إذا كاف خفيا صونا‬
‫لنفسو عن التعب بخالؼ ما إذا كاف جليا فإنو يندب لو ذكره تحصيال لإلرشاد‪.‬‬
‫فإف قيل إنما للرملي علة واحدة وىي التي ذكرىا وإنما اإلحتياط للشرقاوي‬
‫فالجواب عنو ما مر آنفا من اإلحتماؿ مع أف ذكر شيئ ال يستلزـ نفي غيره من‬
‫الذاكر كما أف شخصا إذا قاؿ عندى قلم ال يستلزـ نفي غير القلم عنو من‬
‫كتاب ومحبرة وغيرىما من سائر ما يملكو‪ ،‬ويمكن أف يجاب أيضا بأف العلتين‬
‫ال تتنافياف بل ىما متفقتاف على إثبات حكم واحد فتعتبراف جميعا لجواز أف‬
‫يكوف للحكم علتاف فأكثر‪ .‬وال فرؽ بين صدورىما من شخص واحد وصدور‬
‫أحدىما من شخص واألخرى من آخر‪ ،‬ألنهما وإف اختلفا في العلة متفقاف في‬
‫حكم واحد وأصل واحد ومذىب واحد وألف الحكم بعد ثبوتو ال فرؽ فيو بين‬
‫أف يكوف معلال وأف ال‪ ،‬إذ الحكم في نفسو ثابت‪ ،‬علل أولم يعلل‪ ،‬والمثبت‬
‫ىو اهلل تعالى وإنما العلة عالمة لثبوتو استنبطها الفقهاء‪ ،‬فال يلزـ من انتفاء‬
‫عالمة انتفاء الحكم المعلم ثبوتو بتلك العلة وبغيرىا على أف األوصاؼ‬
‫المستنبطة كما ىنا الصالح كل منها للعلية يجوز أف يكوف مجموعها علة عند‬
‫الشارع كما في شرح اللب‪.‬‬
‫وأما قوؿ بعضهم أف تعليل الشرقاوي باإلحتياط غير مطابق للواقع إلخ‬
‫فسهو من قائلو وغفلة عن معنى اإلحتياط وقد مر‪ .‬وأما قوؿ صاحب الرسالة‬
‫في بعض مناظراتو أيضا‪ :‬يفهم من قوؿ الرملي النتفاء تماـ معرفتو بها أنو إف لم‬
‫ينتف التماـ كفت فغير مسلم ألف األخذ بالمفهوـ والعمل بو من شروطو أف‬
‫اليظهر لتخصيص المنطوؽ بالذكر فائدة غير نفي حكم المسكوت‪ ،‬فإذا‬
‫ظهرت انتفى العمل بالمفهوـ كأف خرج المنطوؽ لجواب سؤاؿ‪ ،‬ومعلوـ أف‬
‫ذلك المنطوؽ وىو قوؿ الرملي النتفاء تماـ معرفتو بها خرج لجواب سؤاؿ‬
‫سائل استفتى منو بقولو ىل يكفى رؤية إلخ‪ .‬ثم من القواعد الفقهية أف السؤاؿ‬
‫معاد في الجواب المطلق كما ىنا عموما وخصوصا وقد كاف معلوما أف ذلك‬
‫السؤاؿ عاـ في ضعيف البصر وغيره فكذلك الجواب عاـ في ذلك جريا على‬
‫ىذه القاعدة بل يعلم ضرورة أف تعليلو بتلك العلة يقتضى عدـ الفرؽ بين‬
‫ضعيف البصر وغيره في انتفاء تماـ المعرفة إذ لولم ينتف في حق الضعيف مثال‬
‫لما أجاب بهذا الجواب ولَما عللو بهذه العلة بل البد لو أي الرملي من‬
‫تفصيل‪ ،‬ولكنو لم يفصل‪ .‬وأيضا فتوى الرملي ىذه قد أقرىا معاصروه ومماثلوه‬
‫وسكتوا عليها فإف ابن حجر مثال مع أنو لم يزؿ يخالفو في معظم فروع الفقو‬
‫ىو ساكت عليها ولو فرض أف لو وجها مخالفا لذكر أو فصل‪ ،‬لكنو لم يذكر‬
‫ولم يفصل وكذلك من بعده من أصحاب المتوف والشروح والحواشي كالشيخ‬
‫المجدد الشرقاوي والعالمة شيخ مشيخة جاوه (إندونيسيا) الترمسي فإنهما‬
‫على أكبر الظن بل على يقين قد اطلعا على تلك الفتوى ومع ذلك ىما ساكتاف‬
‫عليها ولم يذكرا لها تفصيال فضال عن اإلعتراض بل جزما بها مع زيادة تحقيق‬
‫قامت عندىما ولو فرض أف األخذ بالمفهوـ لو مدخل في تلك العلة لخرجا‬
‫عليها تفصيال أو وجها على حسب ما يقتضيو المفهوـ ولكنهما لم يخرجا شيئا‬
‫بل أيداىا وأظهرا لها مدارؾ بحسب ما أدى إليو علمهما الصائب وفهمهما‬
‫الثاقب فللو درىما وكفى بهما اعتمادا وإلى كالمهما استنادا ولمن بعدىما‬
‫فيهما أسوة حسنة واهلل أعلم بالصواب وإليو المرجع والمآب ىػ‬
‫خاتمة‬
‫نسأؿ اهلل حسنها‪ .‬فيما اتفق عليو الفريقاف وصادقوا عليو من البالغ‬
‫النهائي في موعد ذكرى حوؿ ولي اهلل الشيخ أحمد متمكن الحاجيني عقدت‬
‫الروضة اجتماعها اإلمتيازي في جامع حاجين‪ ،‬شهد فيو جم غفير من المدعوين‬
‫وغيرىم فبفضل اهلل وكرامة وليو الذي وااله قد اتفق الفريقاف في ىذا اإلجتماع‬
‫المبارؾ بعد ما جرى بينهما مناظرات في نحو خمس جلسات على أف المسألة‬
‫خالفية بين الوجهين كفاية الرؤية بالمنظرة لضعيف البصر وغيره وعدمها كذلك‬
‫ومما تمسك بو األوؿ ما نص عليو في شرح عمدة السالك‪ :‬وقد يقاؿ بصحة‬
‫البيع بشيء يراه بمرآة زجاج لضعف البصر ونحوه إلخ وقد مر كثيرا ما تمسك‬
‫بو الثاني مستوفى فالحمد هلل وكفى‪.‬‬

‫تذنيب‬
‫ذكر في الفوائد المكية أف قولهم قد يقاؿ كذا من صيغ التمريض وىو إنما‬
‫يقاؿ لما فيو ضعف شديد‪ ،‬فبذلك وبما صرح بو األئمة الثالثة المذكوروف يعلم‬
‫أف الراجح وعليو الجمهور الثاني وىو عدـ الكفاية وأف ما عليو صاحب شرح‬
‫العمدة ضعيف شديد‪.‬‬
‫ىذا ما تيسر للفقير جمعو ورجي لو ولألمثالو نفعو فالحمد هلل على كل‬
‫حاؿ‪ .‬والصالة والسالـ على نبيو محمد وعلى جميع الصحب واآلؿ من ىذه‬
‫الدار إلى يوـ ال بيع فيو وال خالؿ‪ .‬جمعو وكتبو خويدـ اإلدارةالرمزية لروضة‬
‫المشاورة أحمد سهل بن أبي ىاشم محمد محفوظ سالـ الحاجيني بتمامو في‬
‫ليلة الخميس الخامس والعشرينشعباف سنة ‪ 8818‬ىجرية‬

You might also like