You are on page 1of 79

‫‪http://www.shamela.

ws‬‬
‫مت إعداد هذا امللف آليا بواسطة املكتبة الشاملة‬

‫اسم الكتاب‪ :‬مذكرة فن املنطق‬


‫املؤلف‪ :‬فضيلة الشيخ حممد األمني بن املختار الشنقيطي حفظه هللا‬
‫مالحظة‪[ :‬هذا الكتاب من كتب املستودع مبوقع املكتبة الشاملة]‬

‫[‪]1 /1‬‬

‫كتاب مذكرة فن املنطق‬


‫لفضيلة الشيخ حممد األمني بن املختار الشنقيطي حفظه هللا‬

‫(‪)1/1‬‬

‫[‪]3 /1‬‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬


‫ترمجة الكتاب‬
‫اّلل وحده ال شريك له وأشهد أن حممداً عبده ورسوله‬
‫احلمد هّلل رب العاملني ‪ -‬وأشهد أن ال إله إال ه‬
‫صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه وسلم أمجعني‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإنه ملا كان من أهداف اجلامعة ا ِإلسالمية نشر العلم وتعليم أبناء املسلمني بصفة عامة وختريج الدعاة‬
‫اّلل من أهم أعمال املسلمني مجيعاً‪ .‬فإن اجلامعة ما زالت‬
‫اّلل بصفة خاصة‪ ،‬وكانت الدعوة إىل ه‬
‫إىل ه‬
‫وّلل احلمد يف املستوى املنهجي الالئق هبا وأبهدافها‪.‬‬
‫دائبة يف تدعيم مناهجها إىل أن أصبحت ه‬
‫وقد خترج أفواج من أبنائها من كلية الشريعة‪ ،‬شغلوا مناصب عدة من تدريس‪ ،‬وقضاء‪ ،‬ودعوة‪.‬‬
‫وملا كان من املتوقع أن يواجه الدعاة إىل احلق دعاة إىل الباطل مضللون جيادلون لشبه فلسفية‪،‬‬
‫ومقدمات سوفسطائية‪ ،‬وكانوا لشدة مترهنم على تلك احلجج الباطلة كثياً ما يظهرون احلق يف صورة‬
‫الباطل‪ ،‬والباطل يف صورة احلق‪ ،‬ويفحمون كثياً من طلبة العلم الذين مل يكن معهم سالح من العلم‬
‫يدفع ابطلهم ابحلق وكان من الواجب على املسلمني أن يتعلموا من العلم ما يتسىن هلم به إبطال‬
‫الباطل وإحقاق احلق على الطرق املتعارفة عند عامة الناس‪ ،‬محل ذلك اجلامعة على إنشاء كلية‬
‫الدعوة وأصول الدين‪.‬‬
‫ومهمتها ختريج دعاة قادرين على تبليغ الدعوة ابحلكمة واملوعظة احلسنة وعلى إقحام وإلزام الدعاة‬
‫املضللني ببيان ما يصحح أدلتهم ويظهر بطالن حجج خصومهم‪.‬‬

‫(‪)3/1‬‬

‫[‪]4 /1‬‬

‫ومن أجل ذلك قررت يف منهج هذه الكلية تدريس مادة «آداب البحث واملناظرة» ألنه هو العلم‬
‫الذي يقدر به من تعلمه على بيان مواضع الغلط يف حجة خصمه‪ ،‬وعلى تصحيح مذهبه إبقامة‬
‫الدليل املقنع على صحته أو صحة ملزومه أو بطالن نقيضه وحنو ذلك‪.‬‬
‫ومن املعلوم أن املقدمات اليت ترتكب منها األدلة اليت حيتج هبا كل واحد من املتناظرين إمنا توجه‬
‫احلجة هبا منتظمة على صورة القياس املنطقي‪ .‬ومن أجل ذلك كان فن آداب البحث واملناظرة‬
‫يتوقف فهمه كما ينبغي على فهم ما البد منه من فن املنطق‪ ،‬ألن توجيه السائل املنع على املقدمة‬
‫الصغرى أو الكربى مثالً أو القدح يف الدليل بعدم تكرار احل هد الوسط أو ابختالل شرط من شروط‬
‫ا ِإلنتاج وحنو ذلك ال يفهمه من ال إملام له بفن املنطق‪.‬‬
‫وكانت اجلامعة قد أسندت إلينا تدريس فن آداب البحث واملناظرة‪ ،‬وكان البد من وضع مذكرة متكن‬
‫طالب الفن من مقصودهم فوضعنا هذه املذكرة وبدأانها إبيضاح القواعد اليت البد منها من فن‬
‫املنطق آلداب البحث واملناظرة واقتصران فيها على املهم الذي البد منه للمناظرة‪ ،‬وجئنا بتلك‬
‫األصول املنطقية خالصة من شوائب الشبه الفلسفية فيها النفع الذي ال خيالطه ضرر البتة ألهنا من‬
‫الذي خلصه علماء ا ِإلسالم من شوائب الفلسفة كما قال العالمة شيخ مشاخينا وابن عمنا املختار‬
‫بن بونة شارح األلفية واجلامع معها ألفية أخرى من نظمه تكميالً للفائدة يف نظمه يف فن املنطق‪.‬‬
‫فإن تقل حرمه النواوي وابن ‪ ... ...‬الصالح والسيوطي الراوي‬
‫قلت نرى األقوال ذي املخالفة ‪ ... ...‬حملها ما صنف الفالسفة‬
‫أما الذي خلصه من أسلما ‪ ... ...‬البد أن يعلم عند العلما‬
‫وأما قول األخضري يف سلمه‪:‬‬

‫(‪)4/1‬‬

‫[‪]5 /1‬‬

‫فابن الصالح والنواوي حرما ‪ ... ...‬وقال قوم ينبغي أن يعلما‬


‫والقولة املشهورة الصحيحة ‪ ... ...‬جوازه لكامل ال َقرحية‬
‫ممارس السنة والكتاب ‪ ... ...‬ليهتدي به إىل الصواب‬
‫فمحله املنطق املشوب بكالم الفالسفة الباطل‪.‬‬
‫ومن املعلوم أن فن املنطق منذ ترجم من اللغة اليواننية إىل اللغة العربية يف أايم املأمون كانت مجيع‬
‫املؤلفات توجد فيها عبارات واصطالحات منطقية ال يفهمها إال من له إملام به‪ ،‬وال يفهم الرد على‬
‫املنطقيني يف ما جاؤوا به من الباطل إال من له إملام بفن املنطق‪.‬‬
‫وقد يعني على رد الشبه اليت جاء هبا املتكلمون يف أقيسة منطقية فزعموا أن العقل مينع بسببها كثيا‬
‫اّلل الثابتة يف الكتاب والسنة‪ ،‬ألن أكرب سبب ِإلفحام املبطل أن تكون احلجة عليه من‬‫من صفات ه‬
‫جنس ما حيتج به وأن تكون مركبة من مقدمات على اهليأة اليت يعرتف اخلصم املبطل بصحة إنتاجها‪.‬‬
‫وال شك أن املنطق لو مل يرتجم إىل العربية و مل يتعلمه املسلمون لكان دينهم وعقيدهتم يف غىن عنه‬
‫كما استغىن عنه سلفهم الصاحل‪ ،‬ولكنه ملا ترجم وتعلم وصارت أقيسته هي الطريق الوحيدة لنفي‬
‫بعض صفات هللا الثابتة يف الوحيني‪ ،‬كان ينبغي لعلماء املسلمني أن يتعلموه وينظروا فيه ليدوا حجج‬
‫املبطلني جبنس ما استدلوا به على نفيهم لبعض الصفات‪ ،‬ألن إفحامهم بنفس أدلتهم أدعى‬
‫النقطاعهم وإلزامهم احلق‪.‬‬
‫واعلم أن نفس القياس املنطقي يف ح هد ذاته صحيح النتائج إن ركبت مقدماته على الوجه الصحيح‬
‫صورة ومادة‪ ،‬مع شروط إنتاجه فهو قطعي الصحة وإمنا يعرتيه اخللل من جهة الناظر فيه‪ ،‬فيغلط‪،‬‬
‫فيظن هذا األمر الزماً هلذا مثال‪ ،‬فيستدل بنفي ذلك الالزم يف زعمه على نفي ذلك امللزوم مع أنه ال‬
‫مالزمة بينهما يف نفس األمر البتة‪.‬‬
‫(‪)5/1‬‬

‫[‪]6 /1‬‬

‫ومن أجل غلطه يف ذلك خترج النتيجة خمالفة للوحي الصحيح لغلط املستدل‪ .‬ولو كان استعماله‬
‫للقياس املنطقي على الوجه الصحيح لكانت نتيجته مطابقة للوحي بال شك‪ ،‬ألن العقل الصحيح ال‬
‫خيالف النقل الصريح‪.‬‬
‫وإيضاحه ابختصار أن القياس املنطقي نوعان‪:‬‬
‫‪ - 1‬األول‪ :‬االقَرتاين‪ ،‬وهو املعروف ابحلملي وقياس الشمول كما سيأيت إيضاحه إن شاء هللا‪ ،‬وسائر‬
‫أشكاله راجعة إىل الشكل األول‪ ،‬ووجه احلكم العقلي بصحة إنتاج الشكل األول هو أن احل هد‬
‫األصغر إذا اندرج يف احل هد األوسط واندرج األوسط يف األكرب لزم عقالً اندراج األصغر يف األكرب‬
‫وهذا أمر عقلي ال شك فيه‪ ،‬وال يتغي بتغي الزمان ألنه حكم عقلي قطعي اثبت‪.‬‬
‫وأما القياس االستثنائي إن كان مركباً من متصلة لزومية واستثنائية فال ينتج منه إال ضرابن‪،‬‬
‫وحاصلهما ابلتقريب للذهن أن نفي الالزم يقتضي نفي امللزوم وثبوت امللزوم يقتضي ثبوت الالزم‪،‬‬
‫وكالمها حكم عقلي قطعي اثبت ال ميكن تغيه‪.‬‬
‫واملركب من شرطية منفصلة إن كانت حقيقة مانعة مجع وخلو أنتجت ضروبه األربعة ألن نفي كل‬
‫واحد من النقيضني يستلزم وجود اآلخر‪ ،‬ووجود كل واحد منهما يستلزم نفي اآلخر‪ ،‬وهذه أحكام‬
‫عقلية قطعية ال تتغي حبال‪.‬‬
‫واملركب من مانعة اجلمع اجملوزة للخلو يقطع العقل بصحة إنتاج ضربيه املنتجني ألن مانعة اجلمع‬
‫املذكورة ال ترتكب إال من قضية وأخص من نقيضها فكال طرفيها أخص من نقيض اآلخر‪ ،‬ولذا كان‬
‫إثبات كل واحد من طرفيها يقتضي نفي اآلخر‪ ،‬ألن إثبات ما هو أخص من النقيض يستلزم إثبات‬
‫النقيض ألن ثبوت األخص يستلزم ثبوت األعم بال عكس‪.‬‬
‫وإذا ثبت النقيض علم انتفاء نقيضه قطعاً الستحالة اجتماع النقيضني فتعني أن ثبوت كل واحد من‬
‫طرفيها يقتضي نفي اآلخر‪ ،‬خبالف نفي أحد الطرفني‬

‫(‪)6/1‬‬
‫[‪]7 /1‬‬

‫فال يقتضي نفي اآلخر ألن نفي ما هو أخص من النقيض ال يستلزم نفي النقيض ألن نفي األخص ال‬
‫يستلزم نفي األعم‪ ،‬وكذلك املركب من مانعة اخللو اجملوزة للجمع‪ ،‬فإن العقل الصحيح يقطع بصحة‬
‫إنتاج الضربني املنتجني منه‪ ،‬ومها العقيمان يف الذي قبله ألن مانعة اخللو اجملوزة للجمع ال ترتكب إال‬
‫من قضية وأعم من نقيضها‪ ،‬فكال طرفيها أعم من نقيض اآلخر‪ ،‬ولذا كان نفي كل واحد منهما‬
‫يقتضي وجود اآلخر بال عكس‪ ،‬ألن نفي ما هو أعم من النقيض يستلزم نفي النقيض‪ ،‬ألن نفي‬
‫األعم يستلزم نفي األخص‪ ،‬وإذا لزم من انتفائه انتفاء النقيض علم قطعاً ثبوت النقيض اآلخر‬
‫الستحالة عدم النقيضني معاً‪.‬‬
‫فتبني أن نفي كل واحد من طرفيها يستلزم ثبوت اآلخر بال عكس‪ ،‬وكل ما ذكر حبكم العقل وأنه ال‬
‫يتغي بتغي الزمان‪.‬‬
‫وبعد االنتهاء مما البد منه من فن املنطق نذكر مجالً كافية من آداب البحث واملناظرة تعني من تعلمها‬
‫على تصحيح مذهبه وإبطال مذهب خصمه مع اآلداب الالزمة لذلك‪ ،‬مث نطبق ذلك يف مسائل من‬
‫القوادح يف أصول الفقه‪ ،‬ومسائل من مسائل الكالم اليت نفي فيها املعطلون بعض الصفات‪ ،‬ونوضح‬
‫كيفية تصحيح احلق يف ذلك وإبطال الباطل‪ ،‬ألن تطبيق ذلك عملياً يفيد الطالب إفادة أكرب‪.‬‬
‫وخنتتم الكالم ابملقارنة بني ما يسميه املتكلمون مذهب السلف‪ ،‬ومذهب اخللف مع إحقاق احلق‬
‫وإبطال الباطل على الطرق املعهودة‪ ،‬يف املناظرة ليفيد ذلك الطالب مترينا على رد الشبه وإبطال‬
‫الباطل بطريق املناظرة‪.‬‬
‫وهذا أوان الشروع يف ذكر ما البد منه من املسائل املنطقية‪.‬‬

‫املؤلف‬

‫(‪)7/1‬‬

‫[‪]8 /1‬‬

‫اّلل الرمحن الرحيم‬


‫بسم ه‬
‫مقدمة منطقية‬
‫احلمد هّلل والصالة والسالم على رسول هللا وعلى آله وصحبه ومن وااله‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫أنواع العلم احلادث‬
‫اّلل جل وعال‪ ،‬فإنه ال يوصف بصفات علم‬
‫أي وهو علم املخلوقني ألن الكالم فيه‪ ،‬احرتازاً عن علم ه‬
‫املخلوقني‪.‬‬
‫اعلم أوالً أان تركنا األحباث يف تعريف العلم ومناقشتها اختصاراً‪ ،‬وألن طالب العلم يفهم املراد ابلعلم‪.‬‬
‫اعلم أن العلم احلادث ينقسم أربعة أقسام‪ ،‬ألنه إما علم تصور‪ ،‬وإما علم تصديق‪ ،‬وكل واحد منهما‬
‫إما ضروري‪ ،‬وإما نظري‪ ،‬فاجملموع أربعة من ضرب اثنني يف اثنني‪.‬‬
‫األول‪ :‬علم تصور ضروري‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬علم تصور نظري‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬علم تصديق ضروري‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬علم تصديق نظري‪.‬‬
‫واعلم أن علم التصور يف االصطالح هو إدراك معىن املفرد من غي تعرض ِإلثبات شيء له‪ .‬وال لنفيه‬
‫عنه كإدراك معىن اللذة‪ ،‬واألمل‪ ،‬ومعىن املرارة‪ .‬ومعىن احلالوة‪ ،‬وإدراك معىن ا ِإلنسان‪ ،‬ومعىن الكاتب‪،‬‬
‫فإدراك كل مفرد مما ذكران وحنوه أي فهم املعىن املراد به ذلك املفرد من غي تعرض إلثبات شيء‬

‫(‪)8/1‬‬

‫[‪]9 /1‬‬
‫له‪ ،‬وال لنفيه عنه هو املسمى يف االصطالح بعلم التصور وهو تفعل من الصورة فكأن صورة الفرد‬
‫تنطبع يف الذهن ِإلدراك املتصور هلا معناها‪.‬‬
‫وا ِإلدراك يف االصطالح‪ :‬هو وصول النفس إىل املعىن بتمامه فإن وصلت إليه ال بتمامه فهو املسمى‬
‫يف االصطالح ابلشعور‪.‬‬
‫وأما علم التصديق فهو إثبات أمر ألمر ابلفعل‪ ،‬أو نفيه عنه ابلفعل‪ ،‬وتقريبه للذهن أنه هو املسمى‬
‫يف اصطالح البالغيني اب ِإلسناد اخلربي‪ ،‬ويف اصطالح النحويني ابجلملة االمسية اليت هي املبتدأ واخلرب‪،‬‬
‫أو الفعلية اليت هي الفعل والفاعل‪ ،‬أو الفعل وانئب الفاعل‪ .‬فلو قلت مثالً‪ ،‬الكاتب إنسان‪،‬‬
‫فإدراكك معىن الكاتب فقط علم تصور وإدراكك معىن ا ِإلنسان فقط علم تصور‪ ،‬وإدراكك كون‬
‫ا ِإلنسان كاتباً ابلفعل‪ ،‬أو ليس كاتباً ابلفعل‪ ،‬هو املسمى ابلتصديق‪ .‬وإمنا مسي تصديقاً ألنه خرب‪،‬‬
‫واخلرب ابلنظر إىل جمرد ذاته حيتمل التصديق والتكذيب فسموه تصديقاً‪ ،‬تسمية أبشرف االحتمالني‪.‬‬
‫وكون التصديق الذي هو إدراك وقوع نسبة ابلفعل أو عدم وقوعها ابلفعل من أنواع العلم هو قول‬
‫اجلمهور‪ ،‬وهو احلق‪ .‬وقد تركنا ذكر ما خالفه وإبطاله ألجل االختصار‪.‬‬
‫واعلم أنه ال ميكن إدراك نسبة وقوع األمر أو عدم وقوعها فعالً إال أبربعة تصورات هي‪:‬‬
‫األول‪ :‬تصور احملكوم عليه الذي هو املوضوع‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬تصور احملكوم به الذي هو احملمول‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬تصور النسبة احلكمية اليت هي مورد ا ِإلجياب والسلب من غي حكم بوقوعها وال عدم‬
‫وقَوعها كما يقع من الشاك يف قيام زيد فإنه يتصور معىن زيد‪ ،‬ويتصور معىن القيام‪ .‬ويتصور معىن‬
‫نسبة القيام إىل زيد مع أنه شاك يف وقوعها‪ ،‬فليس متصوراً لوقوعها وال لعدم وقوعها فإن تصور‬
‫وقوعها ابلفعل أو عدم وقوعها ابلفعل فهو التصديق‪.‬‬

‫(‪)9/1‬‬

‫[‪]10 /1‬‬

‫ومجهورهم يقول‪ :‬إن التصديق بسيط‪ ،‬وهو التصور الرابع وحده والثالثة قبله شروط فيه‪.‬‬
‫وقال الرازي‪ :‬التصديق مركب يعىن أنه مركب من أربعة تصورات فهو عنده جمموع التصورات األربعة‪.‬‬
‫والقوالن متفقان على أنه البد قبله من ثالثة تصورات إال أن من يقول هو بسيط يقول‪ :‬توقفه على‬
‫التصوارت الثالثة من توقف املاهية على شرطها ومن يقول هو مركب يقول هو من توقف املاهية‬
‫على أركاهنا اليت هي أجزاؤها‪ .‬فعلم أن كل تصديق تصور‪ ،‬وليس كل تصور تصديقاً‪.‬‬
‫واعلم أن املوضوع يف اصطالح املنطقيني‪ ،‬هو املعروف يف املعاين ابملسند إليه‪ .‬ويف النحو ابملبتدأ أو‬
‫الفاعل والنائب عن الفاعل‪ .‬واحملمول يف اصطالحهم هو املعروف يف املعاين ابملسند‪ ،‬ويف النحو‬
‫ابخلرب‪ ،‬أو الفعل‪ ،‬وإمنا مسي املوضوع موضوعاً ألن احملمول صفة من صفات املوضوع‪ ،‬أو فعل من‬
‫أفعاله‪ ،‬والصفة البد هلا من موصوف‪ ،‬والفعل البد له من فاعل فاألساس الذي وضع إلمكان إثبات‬
‫الصفات أو نفيها هو احملكوم عليه‪ .‬ولذا مسي موضوعاً كاألساس للبنيان‪ ،‬ومسي اآلخر حمموال ألنه‬
‫كسقف البنيان البد له من أساس يبىن عليه‪ .‬فلو قلت زيد عامل‪ ،‬أو زيد ضارب‪ ،‬فالعلم صفة زيد‪،‬‬
‫والضرب فعله‪ ،‬وال متكن صفة بدون موصوف‪ ،‬وال فعل بدون فاعل‪ ،‬فصار احملكوم عليه كأنه وضع‬
‫أساساً للحكم فسمي موضوعاً ومسي ما يسند إليه من صفات وأفعال حمموالً ألهنا ال تقوم بنفسها‬
‫فالبد هلا من أساس حتتمل عليه وإذا عرفت املراد ابلتصور‪ ،‬والتصديق وأن كالً منهما يكون ضرورايً‬
‫ونظرايً‪.‬‬

‫(‪)10/1‬‬

‫[‪]10 /1‬‬

‫فاعلم أن الضروري يف االصطالح هو ما ال حيتاج إدراكه إىل أتمل‪ .‬والنظري يف االصطالح هو ما‬
‫حيتاج إدراكه إىل التأمل‪ .‬فالتصور الضروري كتصور معىن الواحد ومعىن االثنني‪.‬‬
‫والتصديق الضروري كإدراك أن الواحد نصف االثنني‪ ،‬وأن الكل أكرب من اجلزء‪.‬‬
‫والتصور النظري مثل له بتصور املالئكة‪ ،‬واجلنة‪ ،‬فإنه ضروري ومن أمثلته تشخيص الطبيب لعني‬
‫املريض فهو تصور له بعد حبث وأتمل ونظر‪ .‬والتصديق النظري كقولك‪ :‬الواحد نصف سدس االثين‬
‫عشر وربع عشر األربعني‪.‬‬
‫والنظر يف االصطالح‪ :‬الفكر املؤدي إىل علم أو غلبة ظن‪.‬‬
‫والفكر يف االصطالح‪ :‬حركة النفس يف املعقوالت‪ ،‬أما حركتها يف احملسوسات فهو يف االصطالح‬
‫ختييل‪.‬‬
‫واعلم أن الطريق اليت يتوصل هبا إىل إدراك التصور النظري هي املعرفات أبنواعها فيدخل فيها احل هد‪،‬‬
‫اّلل‪.‬‬
‫والرسم‪ ،‬واللفظي‪ ،‬والقسمة‪ ،‬واملثال‪ ،‬وتسمى ابلقول الشارح كما سيأيت إيضاحه إن شاء ه‬
‫والطريق اليت يتوصل هبا إىل معرفة التصديق النظري هي احلجة وهو القياس املنطقي أبنواعه وسيأيت‬
‫اّلل‪ .‬وما تركب من مقدمات يقينية فهو املسمى منها ابلربهان‪.‬‬
‫إيضاحه إن شاء ه‬

‫(أنواع الداللة اللفظية)‬


‫اعلم أن ال َداللة مثلثة الدال‪ ،‬واألفصح فتحها‪ ،‬مث كسرها‪ ،‬وأردؤها الضم‪ ،‬وهي يف االصطالح‪ :‬فهم‬
‫أمر من أمر‪ .‬أو كون أمر حبيث يفهم منه أمر فهم ابلفعل أو مل يفهم‪.‬‬

‫(‪)11/1‬‬
‫[‪]11 /1‬‬
‫وقال بعضهم هي مشرتكة بني األمرين‪ .‬ومناقشات التعريفني كلها ساقطة‪ .‬وقد تركناها اختصاراً‪ .‬وفهم‬
‫األمر من األمر واضح كفهم املسميات من فهم املراد أبمسائها‪ .‬وكونه حبيث يفهم منه أمر أو مل يفهم‬
‫كعدم شق إخوة يوسف قميصه ملا جعلوا عليه دم السخلة ليكون الدم قرينة على صدقهم يف أنه‬
‫أكله الذئب‪ .‬فنظر يعقوب إِىل القميص فِإذا هو ملطخ ابلدم وال شق فيه فعلم أن عدم شق القميص‬
‫فيه الداللة الواضحة على كذهبم‪ .‬وإن مل يفهموا ابلفعل ذلك األمر الدال عليه‪ .‬فقال يعقوب سبحان‬
‫اّلل مىت كان الذئب حليماً كيساً يقتل يوسف وال يشق قميصه‪ .‬وكعدم فهم بعض الصحابة معىن‬
‫ه‬
‫الكاللة وأهنا الورثة الذين ليس فيهم ابن وال أب مع داللة آية الكاللة على ذلك ألنه تعاىل صرح‬
‫بنفي الولد بقوله {إن امرؤ هلك ليس له ولد}‪ ،‬ودل على أنه ليس له أب التزاماً بقوله تعاىل‪{ :‬وله‬
‫أخت فلها نصف ما ترك}؛ ألن اٍرث األخت يلزمه عدم وجود األب ألنه حيجبها‪.‬‬
‫واعلم أن أنواع الداللة حمصورة يف ستة أقسام ال سابع هلا وإيضاحه أن الدال إما (لفظي) أو (غي‬
‫لفظي) وال اثلث هلما‪ ،‬وقد دل االستقراء التام على أن داللته ثالثة أقسام ال رابع هلا وهي‪:‬‬
‫داللته وضعاً‪ ،‬داللته عقالً‪ ،‬وداللته طبعاً‪.‬‬
‫فتضرب حاليت الدال يف حاالت الداللة الثالث فاجملموع ستة من ضرب اثنني يف ثالثة‪.‬‬
‫األول ‪ -‬داللة اللفظ وضعاً كداللة (الرجل) على ا ِإلنسان الكبي الذكر‪ ،‬و (املرأة) على اإلنسان‬
‫األنثى‪ ،‬وهكذا يف داللة األلفاظ على معانيها املفردة واملركبة‪ .‬والوضع يف االصطالح هو‪ :‬تعيني أمر‬
‫للداللة على أمر‪.‬‬
‫الثاين ‪ -‬داللة اللفظ عقالً كداللته على الفظ به‪.‬‬

‫(‪)12/1‬‬

‫[‪]12 /1‬‬

‫الثالث ‪ -‬داللة اللفظ طبعاً أي عادة كداللة الصراخ على مصيبة نزلت ابلصارخ وداللة لفظة (أح)‬
‫ابملهملة على أمل ابلصدر‪.‬‬
‫الرابع ‪ -‬داللة غي اللفظ وضعاً كداللة املفهمات األربعة وهي‪ :‬اخلط و ا ِإلشارة‪ ،‬والعقد‪ ،‬والنصب‪.‬‬
‫فالنقوش اليت هي اخلط تدل على األلفاظ وضعاً‪ ،‬وليست لفظاً‪ .‬واملراد ابلعقد عقد األصابع لبيان‬
‫قدر العدد فهو يدل على قدر العدد وضعاً وليس ابللفظ‪ .‬وا ِإلشارة تدل على املعىن املشار إليه‬
‫وضعاً وليست لفظاً‪.‬‬
‫واملراد ابلنصب‪ :‬نصب احلدود بني األمالك‪ ،‬ونصب أعالم الطريق‪ ،‬وهو واضح مما تقدم‪.‬‬
‫اخلامس ‪ -‬داللة غي اللفظ عقالً كداللة املصنوعات على صانعها‪.‬‬
‫السادس ‪ -‬داللة غي اللفظ طبعاً أي عادة كداللة محرة الوجه على خجل صاحبه وداللة صفرة‬
‫الوجه على وجل صاحبه أي خوفه كما قال القائل‪:‬‬
‫تفاحة مجعت لونني خلتهما ‪ ... ...‬خدي حمب وحمبوب قد اعتنقا‬
‫تعانقا فرأاي ٍ‬
‫واش فراعهما ‪ ... ...‬فامحر ذا خجالً واصفر ذا فرقا‬
‫ومنه قول مسلم بن وليد األنصاري‪:‬‬
‫إذا شكوت إليها احلب خفرها ‪ ... ...‬شكواي فامحر خداها من اخلجل‬
‫إذا عرفت هذا فاعلم أن املقصود عند املنطقيني من هذه األقسام الستة هو واحد فقط وهو داللة‬
‫اللفظ وضعاً وهي تنقسم عندهم إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫داللة املطابقة‪ ،‬داللة التضمن‪ ،‬داللة االلتزام‪.‬‬
‫أما داللة املطابقة‪ :‬فهي داللة اللفظ على متام املعىن املوضوع له اللفظ‪ ،‬كداللة الرجل على اإلنسان‬
‫الذكر‪ ،‬واملرأة على اإلنسان األنثى‪ .‬وهكذا كدالالت األمساء على مسمياهتا اليت وضعت هلا‪ ،‬ومسيت‬
‫مطابقة لتطابق الوضع والفهم‪ ،‬فاملفهوم من اللفظ هو عني املعىن املوضوع له اللفظ‪.‬‬

‫(‪)13/1‬‬

‫[‪]13 /1‬‬
‫وأما داللة التضمن‪ :‬فهي داللة اللفظ على جزء مسماه يف ضمن كله‪ ،‬وال تكون إال يف املعاين املركبة‬
‫كداللة األربعة على الواحد ربعها‪ ،‬وعلى االثنني نصفها‪ ،‬وعلى الثالثة ثالثة أرابعها‪ .‬فلو مسعت رجالً‬
‫قال‪ :‬عندي أربعة دانني‪ ،‬فقلت له‪ :‬أقرضين ديناراً أو دينارين أو ثالثة فقال لك‪ :‬ال شيء عندي من‬
‫ذلك‪ .‬فقلت له مسعتك تقول إن عندك أربعة دانني فقال‪ :‬نعم ولكن مل أقل واحداً أو اثنني أو ثالثة‪.‬‬
‫فإنك تقول له لفظ األربعة اليت ذكرت يدل على الواحد ربعها وعلى االثنني نصفها وعلى الثالثة‬
‫ثالثة أرابعها‪ ،‬بداللة التضمن ألن اجلزء يفهم يف ضمن الكل‪.‬‬
‫وأما داللة االلتزام‪ :‬فهي داللة اللفظ على خارج عن مسماه الزم له لزوماً ذهنياً حبيث يلزم من فهم‬
‫املعىن املطابقي فهم ذلك اخلارج الالزم كداللة (األربعة) على الزوجية‪ .‬والزوجية يف االصطالح هي‪:‬‬
‫االنقسام إىل متساويني‪.‬‬
‫واعلم أن اللوازم ثالثة ال رابع هلا‪:‬‬
‫الزم يف الذهن واخلارج معاً‪ .‬والزم يف الذهن فقط‪ .‬والزم يف اخلارج فقط‪.‬‬
‫أما األوالن ومها‪ :‬الالزم يف الذهن واخلارج معاً‪ .‬والالزم يف الذهن فقط فتسمى هبما داللة التزام‬
‫اب ِإلمجاع‪ .‬وأما الثالث‪ :‬وهو الالزم يف اخلارج فقط فال تسمى به داللة التزام عند املنطقيني‪ .‬وإمنا‬
‫تسمى بداللة التزام عند األصوليني والبيانيني‪.‬‬
‫مثال الالزم يف الذهن واخلارج معاً‪ :‬داللة األربعة على الزوجية اليت هي االنقسام إىل متساويني فيلزم‬
‫من فهم معىن األربعة فهم أهنا زوج أي منقسمة إىل متساويني فهذا الزم يف الذهن كما ذكران‪ .‬والزم‬
‫يف اخلارج أيضاً واملراد ابخلارج هنا‪ :‬الواقع يف نفس األمر‪ .‬فالزوجية الزمة لألربعة يف الذهن‪ ،‬ويف‬
‫الواقع يف نفس األمر‪.‬‬

‫(‪)14/1‬‬

‫[‪]14 /1‬‬
‫ومثال الالزم يف الذهن فقط‪ :‬دون اخلارج لزوم البصر للعمى ألن معىن العمى بداللة املطابقة هو‬
‫سلب البصر فمعناه املطابقي مركب إضايف أي مركب من مضاف هو سلب ومضاف إليه وهو‬
‫البصر‪ .‬وال يعقل سلب البصر حىت يعقل معىن البصر‪ .‬فظهر أنه ال يفهم أحد معىن العمى حىت يفهم‬
‫معىن البصر ألن معىن البصر جزء من معىن العمى‪ ،‬ألن معىن العمى مركب إضايف والبصر أحد‬
‫جزأيه‪ ،‬وهذا الالزم إمنا هو يف الذهن فقط ال يف اخلارج ألن العني اليت اتصفت ابلعمى انتفى عنها‬
‫البصر ضرورة ملا بني العمى والبصر من التنايف املعرب عنه مبقابلة العدم وامللكة‪.‬‬

‫(‪)15/1‬‬

‫[‪]15 /1‬‬
‫ومثال الالزم يف اخلارج فقط‪ :‬داللة لفظ الغراب على السواد ألنه ال يوجد يف اخلارج غراب إال هو‬
‫متصف ابلسواد ولكن هذا ال يفهم من فهم معىن الغراب ألن من مل ير الغراب قط‪ ،‬و مل خيربه أحد‬
‫بلونه قد يتصور أن الغراب طائر أبيض فالسواد إمنا يلزم الغراب يف اخلارج فقط‪ .‬ال يف الذهن فداللته‬
‫عليه التزامية عند األصوليني‪ ،‬والبيانيني وليست كذلك عند املنطقيني‪.‬‬
‫واعلم أن داللة املطابقة وضعية بال خالف وأما داللة التضمن‪ ،‬وداللة االلتزام ففيهما ألهل العلم‬
‫ثالثة مذاهب‪:‬‬
‫األول‪ :‬أهنما وضعيتان أيضاً‪ ،‬وعلى هذا القول عامة املنطقيني‪ ،‬ووجهه أن سبب السبب سبب‪ ،‬ألن‬
‫فهم املعىن املطابقي هو سبب فهم جزئه يف ضمن كله وهو داللة التضمن‪ ،‬وهو سبب فهم الالزم‬
‫اخلارج عن املسمى‪ ،‬وهو داللة االلتزام‪ .‬فلما كان وضع اللفظ سبباً لفهم املعىن املطابقي‪ ،‬وفهم‬
‫املعىن املطابقي سبباً يف فهم اجلزء يف ضمن الكل‪ ،‬وفهم اخلارج الالزم صارت كل من التضمن‬
‫وااللتزام وضعية ألن السبب األول يف فهمهما الوضع وسبب السبب سبب‪.‬‬
‫املذهب الثاين‪ :‬أهنما عقليتان‪ ،‬وعليه عامة البيانيني‪ ،‬ووجهه أن اللفظ إمنا وضع للمعىن املطابقي‪،‬‬
‫ولكن العقل هو الذي فهم منه اجلزء يف ضمن الكل‪ ،‬واخلارج الالزم‪.‬‬

‫(‪)16/1‬‬

‫[‪]16 /1‬‬
‫املذهب الثالث‪ :‬أن داللة التضمن وضعية وداللة االلتزام عقلية‪ ،‬ووجهه أن املدلول عليه ابلتضمن‬
‫جزء املدلول املطابقي واملطابقة وضعية بال خالف‪ ،‬وجزء الوضعي وضعي ألن اجلزء مندرج يف الكل‪،‬‬
‫أما داللة االلتزام فليست جزء الوضعي‪ ،‬ولكن العقل فهم من املعىن املطابقي الزمه اخلارج عن‬
‫مسماه‪ ،‬وعلى هذا مجاهي من األصوليني‪.‬‬

‫(‪)17/1‬‬

‫[‪]17 /1‬‬

‫مباحث األلفاظ‬
‫املباحث مجع مبحث‪ ،‬وهو اسم مكان مبعىن مكان البحث‪ ،‬و هو الفحص والتفتيش عن األلفاظ من‬
‫حيث الرتكيب وا ِإلفراد‪ ،‬وحنو ذلك كالكلية واجلزئية‪.‬‬

‫اعلم أوالً أن اللفظ املستعمل يف اللغة ال خيلو من أحد أمرين‪ ،‬إما أن يكون مركباً‪ ،‬وإما أن يكون‬
‫مفرداً‪ ،‬وهذا على قول اجلمهور أبن القسمة ثنائية‪ ،‬وضابط املركب عندهم‪ :‬هو ما يدل جزؤه على‬
‫جزء معناه داللة مقصودة خالصة فخرج بقوهلم‪ :‬ما دل جزؤه ما ال جزء له أصال كباء اجلر والمه وما‬
‫له جزء ال داللة له على شيء كبعض حروف (زيد) وخرج بقوهلم‪ :‬على جزء معناه‪ ،‬ما له جزء وله‬
‫داللة لكن ال على جزء معناه كأبكم‪ ،‬فإن نصفه األول وهو (أب) يدل على ذات متصفة ابألبوة‪،‬‬
‫ونصفه األخي وهو (كم) يدل على سؤال عن عدد أو أخبار بعدد كثي‪ ،‬ولكن ليس واحداً منهما‬
‫يدل على جزء املعىن املقصود ابألبكم‪.‬‬
‫وخرج بقوهلم‪( :‬مقصودة) العلَم ا ِإلضايف كعبد ه‬
‫اّلل‪ ،‬فإن جزؤه األول يدل على العبد والثاين يدل على‬
‫اخلالق جل وعال‪ ،‬ولكن هذه الداللة ليست مقصودة ألن املقصود جعل اللفظني علماً للشخص‬
‫معيناً له عن غيه من األشخاص‪ .‬وخرج بقوهلم‪( :‬خالصة) ما لو قصد يف تسمية ا ِإلنسان بعبد هللا‬
‫مثالً أنه متصف ابلعبودية هّلل فإن داللة جزء اللفظ على جزء املعىن حينئذ مقصودة لكنها غي‬
‫خالصة من شائبة العلمية‪.‬‬
‫وهبذا تعلم أن املفرد هو ما ال ُجزء له أصالً كباء اجلر والمه‪ ،‬أو له جزء ال داللة له على شيء‪ ،‬أو له‬
‫جزء وله داللة لكن ال على جزء معناه‪ ،‬أو له‬

‫(‪)18/1‬‬

‫[‪]18 /1‬‬
‫جزء وله داللة على جزء معناه ولكنها داللة غي مقصودة‪ ،‬أو له جزء وله داللة على جزء مسماه‬
‫داللة مقصودة لكنها غي خالصة من شائبة العلمية‪ .‬وقد تركنا املناقشات هنا لعدم اجتاهه عندان‪.‬‬
‫وقد عرفت من هذا التعريف الذي ذكروا أن املركب هنا صادق ابملركب اإلسنادي حنو‪ :‬زيد قائم‪،‬‬
‫واملركب اإلضايف كغالم زيد‪ .‬واملركب التقييدي كاحليوان الناطق‪ ،‬وأن املفرد هو االسم أو الفعل أو‬
‫احلرف‪ ،‬ويدخل يف االسم‪ ،‬العلم ا ِإلضايف كعبد هللا وعبد مشس وما تقدم يف حدهم للتصور‬
‫والتصديق‪ ،‬يدل على أن املركب ا ِإلضايف واملركب التقييدي من أنواع املفرد ألن إدراكهما تصور ال‬
‫تصديق‪ ،‬والتصور إدراك معىن املفرد‪ ،‬خالفاً ملا يذكرون هنا‪ .‬والظاهر أن بعض االصطالحات ختتلف‬
‫يف املفرد فهو يف التصور والتصديق‪ ،‬كل ما ليس إبسناد خربي اتم‪ ،‬ويف مبحث املركب واملفرد‪ :‬يكون‬
‫له اصطالح آخر‪ ،‬فيدخل فيه املركب ا ِإلضايف والتقييدي مثالً‪.‬‬
‫وإذا علمت هذا فاعلم أن املفرد ابالصطالح املذكور هنا ينقسم إىل قسمني ال اثلث هلما‪ :‬ألنه إما‬
‫أن يكون كلياً وإما أن يكون جزئياً‪ .‬وضابط الكلي يف االصطالح أنه هو ما ال مينع تعقل مدلوله من‬
‫وقوع الشركة فيه كا ِإلنسان واحليوان والرجل واملرأة واألسد وحنو ذلك‪ .‬فإنك إذ تعقلت معىن‬
‫ا ِإلنسان مل مينعك تعقله من وقوع الشركة فيه‪ ،‬فهو قدر مشرتك يشرتك فيه عمرو وزيد وخالد وهكذا‬
‫يف ابقي األمثلة‪ .‬وإن شئت قلت يف ح هد الكلي هو املفرد الذي ال مينع تعقل مدلوله من محله محل‬
‫مواطأة على أفراد كثية واملراد حبمل املواطأة هو محله عليها بنفسه من غي احتياج إىل اشتقاق أو‬
‫إضافة‪ ،‬فا ِإلنسان مثالً إذا تعقلت مدلوله مل مينعك ذلك من محله محل مواطأة على كثيين‪ ،‬كأن تقول‬
‫زيد إنسان وعمرو إنسان‪ ،‬وخالد إنسان‪ ،‬وهكذا وكذلك احليوان ال مينعك تعقل مدلوله من محله‬

‫(‪)19/1‬‬

‫[‪]19 /1‬‬
‫محل مواطأة على كثيين كقولك‪ :‬ا ِإلنسان حيوان والفرس حيوان واجلمل حيوان وهكذا‪ .‬أما إن كان‬
‫ال ميكن محله عليها محل مواطأة‪ ،‬بل محل اشتقاق أو إضافة فليس كلياً هلا فليس العلم مثال كلياً‬
‫ابلنسبة إىل األشخاص العلماء ألنك ال تقول‪ :‬مالك علم‪ .‬والشافعي علم‪ ،‬وإمنا يصح يف ذلك احلمل‬
‫ابالشتقاق كقولك‪ :‬مالك عامل والشافعي عامل أو ا ِإلضافة كقولك‪ :‬مالك ذو علم‪ ،‬والشافعي ذو علم‬
‫فالعلم كلي ابلنسبة إىل الفنون ألنك تقول‪ :‬النحو علم‪ ،‬والفقه علم‪ ،‬والتوحيد علم‪ .‬وهكذا ألنه‬
‫حيمل عليها محل مواطأة وليس العلم كلياً ابلنسبة إىل األشخاص املتصفني به كما بينا‪.‬‬
‫وتقريب الكلي للذهن‪ :‬أنه هو املشرتك بني اثنني فصاعداً‪ ،‬واجلزء هو ما مينع تعقل مدلوله من وقوع‬
‫الشركة فيه وهنا واسطة وطرفان‪ :‬طرف هو جزئي إمجاعاً مينع تعقل مدلوله من وقوع الشركة فيه وهو‬
‫العلم بنوعيه‪ ،‬أعين علم الشخص وعلم اجلنس‪ ،‬ألنك إذا تعقلت معىن زيد علماً لرجل معني منعك‬
‫تعقله من وقوع الشركة فيه ألنه وضع له خاصة ليعينه ومييزه عن غيه من األشخاص‪.‬‬
‫واعلم أن الفرق بني علم اجلنس واسم اجلنس يعسر فهمه على كثيين من طلبة العلم‪ .‬فقولك أسامة‪،‬‬
‫علماً جلنس األسد معرفة ألنه علم فيجوز االبتداء به‪ ،‬بدون احتياج إىل مسوغ وجيوز جميء احلال منه‬
‫متأخرة حنو هذا أسامة مقبالً‪ ،‬وال جيوز دخول األلف والالم عليه ألنه علم خبالف لفظة (أسد) امساً‬
‫جلنس األسد فإهنا نكرة ال جيوز االبتداء هبا إال مبسوغ وال جييء احلال فيها متأخرة إال مبسوغ‪ ،‬وجيوز‬
‫دخول األلف والالم عليها ألهنا نكرة‪ .‬فيعسر الفرق بني أسامة‪ ،‬علماً جلنس األسد‪ .‬وأسد امساً جلنسه‬
‫وأوضح الفوارق اليت فرقوا هبا بينهما بل ال يكاد يعقل غيه‪ ،‬هو أن علم اجلنس روعي فيه القدر‬
‫املشرتك‪ ،‬بقطع النظر عن األفراد‪ .‬واسم اجلنس روعي فيه القدر املشرتك ال‬

‫(‪)20/1‬‬

‫[‪]20 /1‬‬
‫بقطع النظر عن وجوده يف بعض األفراد‪ .‬وإيضاحه أن معىن األسد مثالً شيء واحد وهو جمموع‬
‫احليوانية واالفرتاسية مثالً‪ ،‬فاملعىن الذهين الذي هو القدر املشرتك بني أفراده شيء واحد ال تعدد فيه‬
‫وإمنا التعدد يف األفراد اخلارجية املشرتكة فيه فوضعوا علم اجلنس لذلك املعىن الذهين وهو شيء‬
‫واحد فشخصوا العلم يف الذهن ال يف اخلارج‪ ،‬كتشخيص املشخص بعلمه يف اخلارج‪ ،‬فعلم اجلنس‬
‫يشخص مسماه يف الذهن ال يف اخلارج وعلم الشخص يشخص مسماه يف اخلارج‪.‬‬
‫وأما لفظة أسد فإهنم أرادوا به املعىن الذهين املشرتك بني األفراد بدون قطع النظر عن وجود بعض‬
‫أفراده اخلارجية فيه اليت هي حمل التعدد‪.‬‬
‫وعلى قول من قال‪ :‬إن اسم اجلنس والنكرة شيء واحد أبن اسم اجلنس يراعى فيه وجود بعض‬
‫األفراد اخلارجية يف املعىن الذهين الذي هو القدر املشرتك وهو الفرد الشائع يف جنسه‪ .‬فقطع النظر‬
‫مطلقاً عن األفراد اخلارجية اليت هي حمل التعدد‪ .‬وقصد تشخيص املعىن الذهين الذي هو القدر‬
‫املشرتك بني األفراد‪ ،‬وهو واحد ال تعدد فيه هو الذي يكون به االسم املشخص لذلك املعىن الواحد‬
‫يف الذهن علم اجلنس‪ ،‬وما مل يقطع النظر فيه عن األفراد اخلارجية هو اسم اجلنس لتعدد األفراد‬
‫واحتاد املعىن الذهين املشرتك بينها‪.‬‬
‫واحلاصل أن علم الشخص وعلم اجلنس كالمها جزئي ابإلمجاع واسم اجلنس كأسد وإنسان ورجل‬
‫وفرس وحنو ذلك كلي إمجاعاً‪ .‬وهذان مها الطرفان‪ .‬طرف جزئي إمجاعاً وطرف كلي إمجاعاً‪.‬‬
‫وأما الواسطة‪ :‬فقد اختلف فيها وهي أمساء ا ِإلشارة والضمائر واملوصوالت فبعضهم يقول‪ :‬هي كلية‬
‫لصالحيتها لكل شيء وبعضهم يقول‪ :‬هي جزئية ألهنا ال تستعمل ابلفعل إال يف شيء معني خاص‪.‬‬
‫وبعضهم يقول‪ :‬هي كلية وضعاً جزئية استعماالً‪ .‬وأكثر من تكلموا يف علم الوضع خيتارون أهنا جزئية‪،‬‬
‫وهللا جل وعال أعلم‪.‬‬
‫(‪)21/1‬‬

‫[‪]21 /1‬‬
‫فإذا عرفت معىن الكلي واجلزئي اللذين مها قسما املفرد‪ ،‬فاعلم أان نريد هنا أن نبني بعض تقسيمات‬
‫اجلزئي والكلي ونبني معىن الكل واجلزء‪ .‬والكلية واجلزئية قبل الشروع يف مبادئ التصورات‪.‬‬
‫اجلزئي‪ :‬اعلم أوالً أن اجلزئي ينقسم إىل جزئي حقيقي‪ ،‬وجزئي إضايف‪ .‬أما اجلزئي احلقيقي فهو العلم‬
‫بنوعيه ويلحق به ما جرى جمراه عند من يقول به‪ ،‬وهو ا ِإلشارة والضمي‪ .‬واملوصول على قول من‬
‫يقول إهنا جزئية‪.‬‬
‫وأما اجلزئي اإلضايف‪ :‬فهو كل كلي مندرج يف كلي أعم منه فاإلنسان مثال كلي ابلنسبة إىل زيد‪،‬‬
‫وعمرو‪ .‬وجزئي إضايف ابلنسبة إىل احليوان‪ ،‬ألن احليوان ينقسم إىل إنسان وغي إنسان كالفرس مثالً‪.‬‬
‫فا ِإلنسان فرد من أفراد احليوان‪ .‬فهو جزئي إبضافته إليه‪ ،‬وهكذا احليوان فانه كلي ابلنسبة إىل‬
‫ا ِإلنسان والفرس مثالً‪ ،‬وجزئي إضايف ابلنسبة إىل النامي‪ .‬ألن النامي منه ما هو حيوان‪ ،‬ومنه ما ليس‬
‫حبيوان كالنبات‪ .‬والنامي هو الذي يكرب تدرجييا وقس على ذلك‪.‬‬
‫واعلم أن الكلي ينقسم تقسيمات خمتلفة ابعتبارات خمتلفة وسنذكر هنا بعض املهم منها‪.‬‬
‫اعلم أن الكلي ينقسم ابعتبار استواء معناه يف أفراده‪ ،‬وتفاوته فيها إىل متواطئ ومشكك‪.‬‬
‫املتواطئ‪ :‬فاملتواطئ هو الكلي الذي استوت أفراده يف معناه كا ِإلنسان والرجل واملرأة فإن حقيقة‬
‫ا ِإلنسانية والذكورة واألنوثة مستوية يف مجيع األفراد وإمنا التفاضل بينهم أبمور أخر زائدة على مطلق‬
‫املاهية‪.‬‬
‫املشكك‪ :‬واملشكك هو الكلي الذي تتفاوت أفراده يف معناه ابلقوة‬

‫(‪)22/1‬‬

‫[‪]22 /1‬‬

‫والضعف مثالً كالنور والبياض‪ ،‬فالنور يف الشمس أقوى منه يف السراج‪ ،‬والبياض يف الثلج أقوى منه‬
‫يف العاج وهكذا‪.‬‬
‫وينقسم الكلي‪ :‬أيضاً ابعتبار تعدد مسماه وعدم تعدده إىل مشرتك ومنفرد‪.‬‬
‫املشرتك‪ :‬فإن كان له مسميان فصاعداً يسمى بكل منهما بوضع خاص فهو املشرتك كالعني الباصرة‪،‬‬
‫واجلارية‪ ،‬والقرء‪ :‬للطهر واحليض‪ .‬وهكذا‪.‬‬
‫املنفرد‪ :‬وإن كان مسماه واحداً فهو املنفرد كا ِإلنسان واحليوان فإن احلقيقة الذهنية اليت هي مسمى‬
‫اللفظ واحدة وإمنا التعدد يف األفراد اخلارجية كما تقدم‪ .‬وينقسم الكلي ابعتبار وجود أفراده يف‬
‫اخلارج‪ ،‬وعدم وجودها فيه إىل ستة ألنه إما أَال يوجد منه يف اخلارج فرد أصالً أو يوجد منه فرد‬
‫واحد‪ ،‬أو توجد منه أفراد كثية‪ .‬وكل واحد من هذه الثالثة ينقسم إىل قسمني فاجملموع ستة‪:‬‬
‫األول ‪ -‬كلي مل يوجد من أفراده فرد واحد يف اخلارج‪ ،‬مع أن وجود فرد منها مستحيل عقالً كجمع‬
‫الضدين‪.‬‬
‫الثاين ‪ -‬كلي مل يوجد من أفراده فرد يف اخلارج مع جواز وجوده عقالً كبحر من زئبق وجبل من‬
‫ايقوت‪ ،‬والزئبق معدين سيال ال جيمد إال حتت الصفر يف درجة أربعني‪.‬‬
‫الثالث ‪ -‬كلي وجد منه فرد واحد مع استحالة وجود غيه من األفراد عقالً‪ ،‬كإله‪ ،‬فإنه كلي‪ ،‬ولذا مل‬
‫اّلل عنهم يف قوله‪{ :‬أجعل اآلهلة إهلاً واحداً إن‬
‫مينع العرب تعقل مدلوله من قبول الشركة كما ذكر ه‬
‫هذا لشيء عجاب}‪ .‬و من فوائد كون ا ِإلله كلياً حبسب الوضع أنه تدخل عليه (ال) النافية للجنس‬
‫اّلل) وهي ال تدخل إال على كلي من أمساء األجناس‪ ،‬إال إن هذا الكلي الذي هو‬ ‫يف كلمة (ال إله إال ه‬
‫ا ِإلله دل العقل الصحيح‪ ،‬والكتاب والسنة وا ِإلمجاع على أنه مل يوجد منه إال فرد واحد وهو خالق‬
‫السموات واألرض جل وعال‪ ،‬إذ ال معبود ابحلق موجوداً‬

‫(‪)23/1‬‬

‫[‪]23 /1‬‬

‫يستحق العبادة إال هو وحده جل وعال‪ .‬فكل معبود سواه عبادته كفر ووابل على صاحبها خيلد‬
‫بسببها يف النار‪ ،‬فهو ليس مبعبود حبق وال بشريك حقاً‪ .‬كما قال تعاىل‪{ :‬وما يتبع الذين يدعون من‬
‫اّلل من أنواع‬
‫دون هللا شركاء إن يتبعون إال الظن وإن هم إال خيرصون}‪ .‬فإن قيل‪ :‬املعبودات من دون ه‬
‫الطواغيت قد وجدت بكثرة‪.‬‬
‫اّلل‬
‫فاجلواب أن املعدوم شرعاً كاملعدوم حساً فهي ليست مبعبودات ولكن الكفار افرتوا ذلك على ه‬
‫واختلقوه كذابً من تلقاء أنفسهم بغي علم وال هدى وال كتاب مني أهنم شركاء له سبحانه وتعاىل عن‬
‫ذلك علواً كبياً‪.‬‬
‫الرابع ‪ -‬كلي وجد منه فرد واحد مع جواز وجود غيه من األفراد عقالً‪ ،‬كشمس فإن الشمس اليت‬
‫هي الكوكب النهاري ال مينع تعقل مدلوهلا من وقوع الشركة إال أن هذا الكلي مل يوجد منه إال فرد‬
‫اّلل من أفراد الشموس‪ ،‬كما أكثر من أفراد‬
‫واحد‪ ،‬وهو هذه الشمس املعروفة مع مكان أن يكثر ه‬
‫النجوم حىت تتشعشع الدنيا نوراً‪ ،‬وحيرتق العامل من شدة حر تلك الشموس الكثية‪.‬‬
‫اخلامس ‪ -‬كلي وجدت منه أفراد كثية لكنها متناهية‪ ،‬كا ِإلنسان واحليوان‪.‬‬
‫السادس ‪ -‬كلي وجدت منه أفراد كثية غي متناهية‪ ،‬كنعيم اجلنة وكالعدد‪ .‬وإذا عرفت معىن الكلي‬
‫واجلزئي وبعض تقسيماهتما فاعلم أان أردان هنا أن نبني معىن الكل واجلزء والكلية واجلزئية‪.‬‬
‫الكل‪ :‬اعلم أن الكل يف االصطالح هو ما تركب من جزئني فصاعداً‪ ،‬وضابطه أن احلكم عليه‬
‫ابحملمول إمنا يقع على جمموعه ال على مجيعه‪ .‬وإيضاحه‪ :‬أن احلكم يقع عليه يف حال كونه جمتمعاً‪،‬‬
‫فإذا فرضت تفرقة أجزائه مل يتبع احلكم كل واحد فيها ابنفراده وإمنا يقع عليها جمموعة‪ .‬ومثاله‪ :‬قوله‬
‫تعاىل‪{ :‬وحيمل عرش ربك فوقهم يومئذ مثانية}‪ ،‬ألن احلكم على الثمانية حبمل العرش هو على‬
‫جمموعها ال على مجيعها إذ لو كان على مجيعها لكان كل واحد من الثمانية مستقالً حبمل العرش‬
‫وحده‪ ،‬والواقع أن احلامل للعرش هو جمموع الثمانية‪،‬‬

‫(‪)24/1‬‬

‫[‪]24 /1‬‬

‫فلو فرضت تفرقة الثمانية مل يتبع احلكم حبمل العرش كل واحد منهم‪.‬‬
‫الكلية‪ :‬وأما الكلية فهي احلكم على كل فرد من أفراد املوضوع الداخلة حتت العنوان كقولك‪ :‬كل‬
‫إنسان حيوان فإن كل فرد من أفراد ا ِإلنسان مستقل ابحلكم عليه أبنه حيوان‪ ،‬فكل منهما يتبعه‬
‫احلكم ابنفراده‪.‬‬
‫وقد قرر علماء املعاين هنا قاعدة وهي‪ :‬أن لفظة (كل) إذا اقرتنت حبرف سلب أعين حرف نفي‪ .‬فإن‬
‫كان حرف النفي قبل لفظة (كل) فهو من الكل اجملموعي فال يقع احلكم على املوضوع إال جمموعاً‪.‬‬
‫وال يتبع كل فرد من أفراده كقوله‪:‬‬
‫ما كل ما يتمىن املرء يدركه ‪ ... ...‬جتري الرايح مبا ال تشتهي السفن‬
‫فإن املرء قد يتمىن شيئاً ويدركه وكم من منية أدركها صاحبها كما ال خيفى‪ .‬وكقوهلم‪« :‬ما كل بيضاء‬
‫شحمة‪ ،‬وما كل مدور كعكاً»‪ ،‬فقد تكون البيضاء شحمة‪ ،‬وقد يكون املدور كعكاً يف بعض األحوال‬
‫دون كلها‪.‬‬
‫وإن كان حرف النفي بعد لفظة (كل) فهو من الكلية‪ ،‬فاحلكم ابحملمول على املوضوع شامل لكل‬
‫فرد كقول أىب النجم‪:‬‬
‫على ذنباً كلُّه مل أصنع‬
‫قد أصبحت أم اخليار تدعي ‪َّ ... ...‬‬
‫برفع لفظة (كل) ألن مراده أنه مل يصنع شيئاً واحداً مما ادعت عليه‪ ،‬ومن هذا املعىن قوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم لذي اليدين ملا قال أقصرت الصالة أم نسيت (كل ذلك مل يكن) أي مل يكن شيء منه‪،‬‬
‫مل أنس و مل تقصر‪ ،‬يعين يف ظين‪ ،‬كما هو مقرر يف األصول يف مبحث داللة االقتضاء‪.‬‬
‫وهذه القاعدة أغلبية نورد آايت متعددة فيها حرف النفي قبل لفظة (كل) مع أهنا كلية ال كل‬
‫اّلل ال حيب كل خوان كفور}‪.‬‬
‫جمموعي كقوله تعاىل‪{ :‬إن ه‬

‫(‪)25/1‬‬

‫[‪]25 /1‬‬

‫وقوله‪{ :‬إن هللا ال حيب كل خمتال فخور}‪ ،‬وحنو ذلك من اآلايت ألن احلكم بنفي احملبة عام لكل فرد‬
‫من أفراد اخلوانني الكفورين واملختالني الفخورين كما ترى‪.‬‬

‫فقد عرفت أن الفرق بني الكل والكلية‪ ،‬أن الكل ال يتبع احلكم فيه كل فرد من أفراده وإن الكلية‬
‫يتبع احلكم فيها كل فرد من أفرادها‪ ،‬ومثاهلا‪:‬‬
‫أ ‪ -‬موجبة‪ :‬كل إنسان حيوان‪.‬‬
‫ب ‪ -‬وسالبة‪ :‬ال شيء من احلجر حبيوان‪ ،‬ألن إثبات احليوانية ل ِإلنسان شامل لكل فرد من أفراده‪،‬‬
‫ونفي احليوان عن احلجر شامل لكل فرد من أفراده‪.‬‬
‫الفرق بني الكل والكلي‬
‫وأما الفرق بني الكل والكلي فمن جهتني‪:‬‬
‫اجلهة األوىل‪:‬‬
‫أان قدمنا أن الكلي ال مينع تعقل مدلوله من محله على كثيين محل مواطأة فيجوز محل الكلي على‬
‫كل فرد من أفراده‪ ،‬محل مواطأة كقولك‪ :‬عمرو إنسان‪ ،‬وزيد إنسان‪ ،‬وخالد إنسان اخل‪ .‬فا ِإلنسان‬
‫كلي وقد صح محله على كل فرد من أفراده محل مواطأة كما تقدم إيضاحه‪.‬‬

‫أما الكل فال جيوز محله على جزء من أجزائه محل مواطأة بل محل إضافة أو اشتقاق‪ ،‬فالكرسي مثالً‬
‫كل مركب من خشب ومسامي‪ ،‬فال جيوز أن تقول الكرسي مسمار‪ ،‬وال أن تقول الكرسي خشب‪،‬‬
‫ولكن يصح محله على أجزائه ابإلضافة واالشتقاق‪ ،‬فا ِإلضافة كأن تقول الكرسي ذو مسامي‪.‬‬
‫واالشتقاق كقولك‪ :‬الكرسي مسمر‪ ،‬وكالشجرة فإهنا كل مركب من جذوع وأغصان فال يقال‪:‬‬
‫الشجرة جذوع وال الشجرة أغصان وإمنا يقال‪ :‬الشجرة ذات جذوع وذات أغصان مثالً‪.‬‬

‫(‪)26/1‬‬

‫[‪]26 /1‬‬

‫اجلهة الثانية‪:‬‬
‫أن الكلي جيور تقسيمه أبداة التقسيم إىل جزئياته كأن يقول‪ :‬احليوان إما إنسان أو فرس وإما بغل‬
‫وإما محار اخل‪ .‬خبالف الكل فال جيوز تقسيمه إىل أجزائه أبداة التقسيم‪ .‬فال يصح أن يقال‪ :‬الكرسي‬
‫إما خشب وإما مسامي ‪ -‬وال أن يقال‪ :‬الشجرة إما جذوع وإما أغصان‪ ،‬و إمنا جيوز محل الكل على‬
‫أجزائه محل مواطأة مع العطف خاصة أعين عطف بعض أجزائه على بعضها كقولك‪ :‬الكرسي مسامي‬
‫وخشب‪ ،‬والشجرة جذوع وأغصان‪.‬‬
‫اجلزء‪:‬‬
‫وأما اجلزء فهو ما تركب منه ومن غيه كل‪ .‬كاملسامي ابلنسبة إىل الكرسي‪ ،‬وكاخلشب ابلنسبة إليه‪،‬‬
‫وكاجلذع ابلنسبة إىل الشجرة‪ ،‬واألغصان ابلنسبة إليها‪.‬‬
‫واجلزئية‪:‬‬
‫يف االصطالح هي القضية اليت حكم مبحموهلا على بعض أفراد موضوعها ال كلها سلباً أو إجياابً‬
‫اّلل يف‬
‫فمثاهلا موجبة‪ :‬بعض احليوان إنسان‪ .‬ومثاهلا سالبة‪ :‬بعض احليوان ليس إبنسان‪ .‬وسيأيت إن شاء ه‬
‫مبحث القضااي زايدة إيضاح للكلية واجلزئية‪.‬‬

‫النسب األربع‬
‫واعلم أن كل معقولني البد أن تكون بينهما إحدى نسب أربع ال خامسة هلا وهي‪ :‬املساواة‪،‬‬
‫والتباين‪ ،‬والعموم واخلصوص املطلق‪ ،‬والعموم واخلصوص من وجه‪ ،‬وبرهان احلصر يف األربع أن‬
‫املعقولني إما أال جيتمعا البتة أو ال يفرتقا البتة‪ .‬أو جيتمعا اترة ويفرتقا أخرى‪ ،‬فإن كاان ال جيتمعان البتة‬
‫فهما املتباينان كاإلنسان واحلجر فإن كل ذات ثبتت هلا اإلنسانية انتفت عنها احلجرية كعكسه‬
‫فالنسبة بني ا ِإلنسان واحلجر التباين‪.‬‬

‫(‪)27/1‬‬

‫[‪]27 /1‬‬

‫وإن كاان ال يفرتقان البتة فهما املتساواين كا ِإلنسان والناطق‪ ،‬فإن كل ذات هلا اإلنسانية ثبتت هلا‬
‫الناطقية كعكسه‪ ،‬فالنسبة بني ا ِإلنسان‪ ،‬والناطق املساواة‪ .‬وإن كان جيتمعان اترة ويفرتقان أخرى‬
‫فلهما حالتان‪:‬‬
‫األوىل ‪ -‬أن يكون أحدمها يفارق صاحبه واآلخر ال ميكن أن يفارقه‪.‬‬
‫الثانية ‪ -‬أن يكون كل واحد منهما يفارق اآلخر يف بعض الصور مع أن املفروض االجتماع يف بعضها‬
‫فإن كان الذي يفارق‪ ،‬واحد منهما فقط دون اآلخر فهما اللذان بينهما العموم واخلصوص املطلق‪،‬‬
‫والذي يفارق أعم مطلقاً والذي ال يفارق أخص مطلقاً كاحليوان وا ِإلنسان فإن احليوان يفارق ا ِإلنسان‬
‫لوجوده دونه يف الفرس والبغل مثالً‪ ،‬وا ِإلنسان ال ميكن أن يفارق احليوان إذ ال إنسان إال وهو‬
‫حيوان‪ ،‬فال يفارق ا ِإلنسان احليوان حبال‪ ،‬فاحليوان أعم مطلقاً‪ ،‬وا ِإلنسان أخص مطلقاً‪ ،‬فالنسبة‬
‫بينهما العموم واخلصوص املطلق وإن كان كل منهما يفارق اآلخر فهما اللذان بينهما العموم‬
‫واخلصوص من وجه كا ِإلنسان األبيض‪ ،‬فإهنما جيتمعان يف ا ِإلنسان األبيض كالعريب والرومي‪ ،‬وينفرد‬
‫األبيض عن ا ِإلنسان يف الثلج والعاج مثالً‪ ،‬وينفرد ا ِإلنسان عن األبيض يف الزجني مثالً فهو إنسان‬
‫أسود‪.‬‬
‫وإذا عرفت هذه النسب األربع فاعلم أهنا هي امليزان الذي يعرف به الصادق والكاذب من القضااي‪،‬‬
‫فكل قضية كانت النسبة بني طرفيها التباين فهي صادقة السلبني كاذبة ا ِإلجيابني أعين ابلسلبني‬
‫السلب الكلي واجلزئي‪ ،‬واب ِإلجيابني اإلجياب الكلي واجلزئي فال تكذب سالبة مطلقاً‪ ،‬وال تصدق‬
‫موجبة مطلقاً‪ ،‬فلو ركبت قضية من اإلنسان واحلجر صدقت يف كل سلب كقولك‪ :‬ال شيء من‬
‫احلجر إبنسان‪ ،‬وال شيء من ا ِإلنسان حبجر‪ ،‬وبعض احلجر ليس إبنسان‪ ،‬وبعض ا ِإلنسان ليس حبجر‬
‫كل ذلك صادق‪.‬‬

‫(‪)28/1‬‬

‫[‪]28 /1‬‬

‫وكذبت يف كل إجياب كقولك‪ :‬كل إنسان حجر‪ ،‬أو كل حجر إنسان‪ ،‬أو بعض ا ِإلنسان حجر‪،‬‬
‫وبعض احلجر إنسان‪ .‬كل ذلك كاذب‪ .‬وإن كانت النسبة بني طرفيها املساواة‪ .‬فهي صادقة ا ِإلجيابني‬
‫كاذبة السلبني‪ .‬أعىن ا ِإلجياب الكلي وا ِإلجياب اجلزئي‪ ،‬والسلب الكلي والسلب اجلزئي‪ ،‬فال تكذب‬
‫يف إجياب مطلقاً وال تصدق يف سلب مطلقاً‪.‬‬
‫فلو ركبت قضية من ا ِإلنسان والناطق فإهنا تصدق يف كل إجياب كقولك‪ :‬كل إنسان انطق‪ ،‬وكل‬
‫انطق إنسان وبعض ا ِإلنسان انطق وبعض الناطق إنسان فكله صادق‪ ،‬وتكذب يف كل سلب كقولك‪:‬‬
‫ال شيء من ا ِإلنسان بناطق وال شيء من الناطق إبنسان‪ .‬وبعض اإلنسان ليس بناطق وبعض الناطق‬
‫ليس إبنسان‪ ،‬فكل ذلك كاذب‪.‬‬
‫وإن كانت النسبة بني طرفيها العموم واخلصوص من وجه فهي صادقة اجلزئيتني أعين اجلزئية املوجبة‪،‬‬
‫واجلزئية السالبة‪ .‬كاذبة الكليتني‪ ،‬أعىن الكلية املوجبة والسالبة‪ ،‬فال تكذب يف جزئية مطلقاً‪ ،‬وال‬
‫تصدق يف كلية مطلقاً‪ ،‬فلو ركبت قضية من ا ِإلنسان واألبيض فإهنا تصدق يف كل جزئية كقولك‪:‬‬
‫بعض األبيض إنسان وبعض ا ِإلنسان أبيض‪ ،‬وبعض األبيض ليس إبنسان وبعض ا ِإلنسان ليس أببيض‬
‫فكل ذلك صادق وتكذب يف كلية كقولك كل إنسان أبيض وكل أبيض إنسان‪ ،‬أو ال شيء من‬
‫ا ِإلنسان أببيض‪ ،‬وال شيء من األبيض إبنسان فكل ذلك كاذب‪.‬‬
‫وإن كانت النسبة بني طرفيها العموم واخلصوص املطلق فلها حالتان‪:‬‬
‫األوىل ‪ -‬أن يكون املوضوع أخص واحملمول أعم‪.‬‬
‫الثانية ‪ -‬أن يكون املوضوع أعم واحملمول أخص‪.‬‬
‫فإن كان املوضوع أخص مطلقاً جرت على حكم املتساوين‪ .‬فلو ركبت قضية من ا ِإلنسان واحليوان‬
‫وجعلت ا ِإلنسان هو املوضوع فإهنا تصدق يف كل إجياب وتكذب‬

‫(‪)29/1‬‬

‫[‪]29 /1‬‬

‫يف كل سلب كاملتساوين فقولك‪ :‬كل إنسان حيوان أو بعض ا ِإلنسان حيوان كله صادق‪ .‬وقولك‪ :‬ال‬
‫شيء من ا ِإلنسان حبيوان أو بعض ا ِإلنسان ليس حبيوان كله كاذب‪.‬‬
‫وإن كان املوضوع أعم واحملمول أخص‪ ،‬كما لو ركبت قضية من ا ِإلنسان واحليوان وجعلت احليوان‬
‫موضوعاً وا ِإلنسان حمموالً فإهنا جتري على حكم األعمني من وجه فال تكذب يف جزئية وال تصدق يف‬
‫كلية‪ .‬فلو قلت‪ :‬بعض احليوان إنسان أو بعض احليوان ليس إبنسان فكل ذلك صادق‪ ،‬خبالف‬
‫الكلية فإهنا كاذبة هنا مطلقة كما لو قلت‪ :‬كل حيوان إنسان أو ال شيء من احليوان إبنسان فكله‬
‫كاذب‪.‬‬
‫واعلم أن التباين الذي هو إحدى النسب األربع ينقسم إىل قسمني ومها‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تباين املخالفة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬وتباين املقابلة‪.‬‬
‫وضابط تباين املخالفة‪ :‬هو أن احلقيقتني متباينتان يف ذاتيهما ولكنهما ليس بينهما غاية املنافاة مبعىن‬
‫أنه ميكن اجتماعهما يف ذات واحدة‪ ،‬فحقيقة الربودة مثالً تباين حقيقة البياض ألن كل معىن ثبت له‬
‫أنه الربودة انتفي أنه هو البياض كعكسه‪.‬‬
‫ولكن ال مانع من اجتماع الربودة والبياض يف ذات واحدة كالثلج فهو (أبيض ابرد) وكاحلالوة‬
‫والسواد وكالكالم والقعود فإن حقيقة احلالوة تباين حقيقة السواد ولكنهما ليس بينهما غاية املنافاة‪،‬‬
‫مبعىن أنه جيوز اجتماعهما يف حمل واحدة كالتمرة السوداء فهي جامعة بني احلالوة و السواد فالنسبة‬
‫اليت بني السواد واحلالوة هي تباين املخالفة‪ ،‬وكذلك حقيقة القعود‪ ،‬ولكن ال مانع من أن يكون‬
‫ا ِإلنسان الواحد قاعداً متكلماً يف وقت واحد‪.‬‬
‫وأما تباين املقابلة‪ :‬فضابطه أن تكون احلقيقتان متباينتني يف ذاتيهما مع أن بينهما غاية املنافاة مبعىن‬
‫أنه ال ميكن اجتماعهما يف حمل واحد يف وقت واحد‪،‬‬
‫(‪)30/1‬‬

‫[‪]30 /1‬‬

‫كالسواد والبياض واحلركة والسكون‪.‬‬


‫وتباين املقابلة ينقسم إىل أربعة أقسام وهى‪:‬‬
‫‪ - 1‬املقابلة بني النقيضني‪.‬‬
‫‪ - 2‬املقابلة بني الضدين‪.‬‬
‫‪ - 3‬املقابلة بن املتضائفني‪.‬‬
‫‪ - 4‬املقابلة بني العدم وامللكة‪.‬‬
‫أما مقابلة النقيضني‪ :‬فهي املقابلة بني السلب وا ِإلجياب أعين النفي وا ِإلثبات‪ ،‬كقولك زيد قائم اآلن‪،‬‬
‫زيد ليس بقائم اآلن‪.‬‬
‫فاملقابلة بني هذا النفي وا ِإلثبات مقابلة نقيضني‪ ،‬وهى واحد من أنواع تباين املقابلة‪.‬‬
‫وضابط النقيضني‪ :‬أهنما ال جيتمعان وال يرتفعان‪ ،‬بل البد من وجود أحدمها‪ ،‬وعدم اآلخر‪ .‬واملقابلة‬
‫بني الزوج والفرد مثالً‪ .‬من مقابلة الشيء ومساوي نقيضه ألن الفرد مساو لليس بزوج كعكسه‪.‬‬
‫وأما املقابلة بني الضدين‪ :‬فهي املقابلة بني أمرين وجوديني بينهما غاية املنافاة ال يتوقف إدراك‬
‫أحدمها على إدراك اآلخر كالسواد والبياض‪ ،‬واحلركة والسكون وحنو ذلك‪ ،‬فإن النقطة البسيطة من‬
‫اللون يستحيل أن تكون سوداء و بيضاء يف وقت واحد وكذلك اجلرم الواحد يستحيل أن يكون‬
‫متحركاً ساكناً يف وقت واحد فاملقابلة بني السواد والبياض وبني احلركة والسكون مثالً مقابلة‬
‫الضدين‪ ،‬وهى من أنواع تباين املقابلة خالفاً ملن زعم أن السكون ليس بوجودي‪.‬‬
‫وضابط الضدين‪ :‬أهنما ال جيتمعان ولكنهما قد يرتفعان وارتفاعهما إمنا يكون لواحد من سببني‪:‬‬
‫األول منهما‪ :‬وجود واسطة كضد اثلث فإن السواد والبياض مثالً ال جيتمعان يف نقطة بسيطة من‬
‫اللون ولكنهما قد يرتفعان عنها لوجود واسطة أخرى كاحلمرة والصفرة فتكون تلك النقطة محراء أو‬
‫صفراء‪.‬‬

‫(‪)31/1‬‬
‫[‪]31 /1‬‬
‫السبب الثاين‪ :‬هو ارتفاع احملل‪ ،‬فاجلرم الواحد املوجود يستحيل أن جيتمع فيه السكون واحلركة‬
‫فيكون متحركاً ساكناً يف وقت واحد ولكن احلركة والسكون قد يرتفعان عنه ابرتفاعه أي ابنعدامه‬
‫وزواله من الوجود‪ .‬فإنه إذا عدم ال يقال فيه ساكن وال متحرك‪.‬‬
‫وأما املقابلة بني املتضائفني‪ :‬فهي املقابلة بني أمرين وجوديني بينهما غاية املنافاة وال ميكن إدراك‬
‫أحدمها إال إبضافة اآلخر‪ ،‬كاألبوة والبنوة‪ ،‬والقبل والبعد والفوق والتحت فإن الذات الواحدة‬
‫يستحيل أن تكون جامعة بني كوهنا أابً وابناً لشخص واحد‪ .‬فكون الشخص أابً لشخص مع أنه ابن‬
‫لذلك الشخص بعينه مستحيل كاستحالة اجتماع السواد والبياض يف نقطة بسيطة واحدة‪ .‬إال أن‬
‫األبوة ال يدرك معناها إال إبضافة بنوة إليها كعكسه‪ .‬واملكان الذي فوقك يستحيل أن يكون حتتك‬
‫يف الوقت الذي هو فوقك فيه إال أنه ال يعقل فوق إال إبضافة حتت إليه كعكسه‪ .‬وكذلك الزمان‬
‫الذي قبل الوقت الذي أنت فيه يستحيل أن يكون بعده يف الوقت الذي هو قبله فيه مع أنه ال‬
‫يعقل قبل إال إبضافة بعد عليه كعكسه‪ ،‬وهكذا فاملقابلة بني األبوة والبنوة‪ ،‬والفوق والتحت‪ ،‬والقبل‬
‫والبعد‪ .‬مقابلة املتضائفني‪ .‬وهي من أنواع تباين املقابلة وهي املسماة يف االصطالح ابلصفات‬
‫ا ِإلضافية‪.‬‬
‫واعلم أن عامة املنطقيني على أن الصفات ا ِإلضافية وجودية كما ذكران أن املقابلة بني املتضائفني هي‬
‫املقابلة بني أمرين وجوديني ‪ ...‬اخل‪.‬‬
‫وعامة املتكلمني على أن الصفات ا ِإلضافية أمور اعتبارية ال وجود هلا يف اخلارج‪ .‬وقد سببوا هبذا‬
‫القول أنواعاً من ا ِإلشكال‪ ،‬معروفة يف علم الكالم ليس هذا حمل بسطها‪.‬‬
‫وأما املقابلة بني العدم وامللكة‪ :‬فهي املقابلة بني أمرين أحدمها وجودي واآلخر عدمي‪ .‬والطرف‬
‫العدمي سلب للطرف الوجودي عن احملل الذي شأنه أن يتصف به كاملقابلة‬

‫(‪)32/1‬‬

‫[‪]32 /1‬‬
‫بني البصر والعمى فهي مقابلة بني أمرين أحدمها وجودي وهو املعرب عنه ابمللكة كالبصر يف هذا‬
‫املثال‪ .‬والثاين عدمي وهو املعرب عنه ابلعدمي وهو العمى وهذا الطرف العدمي الذي هو العمى‬
‫سلب للطرف الوجودي الذي هو البصر عن احملل الذي شأنه أن يتصف به كاحليوان الذي هو من‬
‫جنس ما يبصر‪ .‬أما ما ليس من شأنه االتصاف ابمللكة فال ترد عليه عندهم مقابلة العدم وامللكة‬
‫كاحلائط‪ ،‬والغصن فال يقول هذا احلائط أعمى وال بصي وال هذا الغصن أعمى وال بصي ألنه ليس‬
‫من شأنه االتصاف ابلبصر حىت يسلب عنه العمى‪ .‬فتبني أن املقابلة بني النقيضني وبني العدم وامللكة‬
‫كلتامها مقابلة بني أمرين أحدمها وجودي واآلخر عدمي والفارق بينهما هو القيد الذي يف العدم‬
‫وامللكة الذي هو قوهلم عن احملل الذي شأنه أن يتصف به‪.‬‬
‫وأن املقابلة بني الضدين واملتضائفني كلتامها مقابلة بني أمرين وجوديني والفارق بينهما أن الضدين ال‬
‫يتوقف إدراك أحدمها على إضافة اآلخر إليه خبالف املتضائفني فال ميكن إدراك أحدمها إال إبضافة‬
‫اآلخر إليه كما تقدم إيضاحه‪.‬‬

‫(‪)33/1‬‬

‫[‪]33 /1‬‬

‫فصل يف مبادئ التصورات‬


‫اعلم أن مبادئ علم التصور هي الكليات اخلمس وهى‪ :‬اجلنس‪ ،‬والنوع‪ ،‬والفصل‪ ،‬واخلاصة‪،‬‬
‫والعرض العام‪ .‬والكليات يف هذا املبحث مجع كلي‪ ،‬وقد قدمنا أنه هو ما ال مينع تعقل مدلوله من‬
‫وقوع الشركة فيه‪.‬‬
‫اعلم أوالً أن السؤال يف فن املنطق إمنا يكون إبحدى أداتني ألهنما مها احملتاج‬
‫هلما يف فن املنطق ومها لفظة (ما) ولفظة (أي) أما لفظة (ما) فاألصل فيها أن يسأل هبا عن حقيقة‬
‫املسئول عنه أما السؤال هبا عن وصفه كقوهلم ما زيد أكرمي أم خبيل فهو خالف األصل‪.‬‬
‫أما لفظة (أي) فيسأل هبا عن ما مييز املسئول عنه ويفصله عما يشاركه ذاتياً كان أو عرضياً‪.‬‬
‫واعلم أن اجلواب عن السؤال مبا‪ :‬حمصور يف ثالثة أشياء ال رابع هلا وهو أهنا إما أن جياب عن‬
‫السؤال هبا ابجلنس أو ابلنوع‪ ،‬أو احل هد‪.‬‬
‫فإن كان السؤال هبا عن أشياء متعددة خمتلفة حقائقها فاجلواب ابجلنس‪ ،‬وإذاً فاجلنس هو ما صدق‬
‫يف جواب ما هو على كثيين خمتلفة حقائقهم‪ .‬والصدق هنا والقول مبعىن احلمل‪ ،‬فلو قلت مثالً ما‬
‫هو ا ِإلنسان‪ ،‬وما هو الفرس وما هو احلمار‪ ،‬وما هو البغل فاجلواب ابلقدر املشرتك بينهما وهو‬
‫احليوان فاحليوان إذاً قد صدق أي محل يف جواب ما هو على كثيين خمتلفة حقائقهم‪ .‬وإن شئت‬
‫قلت يف تعريف اجلنس هو جزء املاهية الذي هو أعم منها لصدقه عليها وعلى غيها كاحليوان فهو‬
‫جزء من ماهية ا ِإلنسان ألن ا ِإلنسان عندهم مركب من حيوان وانطق فاحليوان جزء ماهيته الصادق‬
‫هبا والفرس والبغل مثالً‪.‬‬

‫(‪)34/1‬‬

‫[‪]34 /1‬‬

‫وإن كان السؤال عن جزئي كزيد‪ .‬ومثله الصنف والزجني والرومي أو عن أشياء متعددة متحدة‬
‫حقائقها كزيد وعمرو الزجني والرومي فجواب ذلك ابلنوع‪ .‬فلو قلت مثالً ما هو زيد أو ما هو زيد‬
‫وعمرو أو ما هو الزجني وزيد وعمرو‪ .‬فاجلواب ابلقدر املشرتك بينهما وهو النوع الذي هو ا ِإلنسان‪.‬‬
‫فح هد النوع‪ :‬إذاً هو ما صدق يف جواب ما هو على كثيين متفقني ابحلقيقة وإمنا االختالف بينهم‬
‫ابلتشخيص الذايت فقولك ما هو زيد‪ ،‬وما هو عمرو‪ ،‬وما هو بكر‪ ،‬وما هو خالد‪ ،‬وما هي هند‪.‬‬
‫الكلمة اليت حتمل على اجلميع هي النوع فجواب ذلك أن تقول (ا ِإلنسان) ألنه القدر املشرتك بني‬
‫األفراد فا ِإلنسان نوع‪.‬‬
‫وإن شئت قلت يف تعريف النوع (هو الكلي) الذي هو متام ماهية أفراده‪.‬‬
‫وأما ح هد الفصل ‪ -‬فهو ما صدق يف جواب (أي ما هو صدقاً ذاتياً ال عرضياً) كأن يقول‪( :‬أي أنواع‬
‫احليوان هو ا ِإلنسان) فجواب هذا السؤال الصادق على املسئول عنه صدقاً ذاتياً هو الفصل‪ .‬وهو‬
‫الناطق يف هذا املثال ألن الناطق هو نوع من احليوان الذي هو اإلنسان‪.‬‬
‫وإن شئت قلت يف تعريف الفصل (هو جزء املاهية املساويها يف املا صدق الختصاصه هبا)‪.‬‬
‫وأما ح هد اخلاصة‪ :‬فهو ما صدق يف جواب أي ما هو صدقاً عرضياه ال ذاتياه‪ ،‬كأن تقول أي أنواع‬
‫احليوان هو ا ِإلنسان فجواب السؤال الصادق على املسئول عنه صدقاً عرضياً ال ذاتياً هو اخلاصة‪،‬‬
‫وهو يف هذا املثال الضاحك أو الكاتب مثالً ألن الضحك والكتابة خاصتان من خواص ا ِإلنسان‬
‫يتميز هبما من غيه من أفراد احليوان‪.‬‬
‫وإن شئت قلت يف تعريف اخلاصة هي‪ :‬الكلي اخلارج عن املاهية املختص هبا دون غيها كالضاحك‬
‫ابلنسبة إىل ا ِإلنسان‪.‬‬

‫(‪)35/1‬‬
‫[‪]35 /1‬‬

‫وأما العرض العام‪ :‬فهو الكلي اخلارج عن املاهية الشامل هلا ولغيها كاملاشي واملتحرك ابلنسبة إىل‬
‫ا ِإلنسان وإيضاح انقسام الكليات إىل مخس أن الكلي إما يكون متام املاهية أو ليس بتمامها فإن كان‬
‫متام املاهية فهو النوع وإن كان غي متامها فهو إما داخل فيها وإما خارج عنها‪.‬‬
‫فإن كان داخالً فيها فال خيلو إما أن يكون أعم منها وإما أن يكون مساوايً هلا فاألول اجلنس والثَاين‬
‫الفصل‪ ،‬وإن كان خارجاً عنها فال خيلو أيضاً من أن يكون أعم منها أو مساوايً هلا‪ :‬فإن كان أعم منها‬
‫فهو العرض العام وإن كان مساوايً هلا فهو اخلاصة وقد عرفت حدودها وأمثلتها‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬بقى كلي سادس مل يذكر وهو‪:‬‬
‫الصنف‪ :‬كالزجني‪ ،‬والرومي‪ .‬فقد أجاب بعضهم أبن الصنف خاصة غي شاملة‪ ،‬وعليه فاخلاصة‬
‫تنقسم إىل‪:‬‬
‫شاملة‪ ،‬وغي شاملة‪.‬‬
‫واعلم أن اجلنس والفصل عندهم ذاتيان بال خالف‪ ،‬واخلاصة والعرض العام عرضيان عندهم بال‬
‫خالف والنوع فيه ثالثة مذاهب‪:‬‬
‫أحدها ‪ -‬أنه ذايت‪ :‬بناء على أن كل ما ليس خبارج عن الذات فهو ذاتيي‪.‬‬
‫الثاين ‪ -‬أنه عرضي بناء على أن كل ما مل يدخل يف الذات فهو عرضي‪.‬‬
‫الثالث ‪ -‬وهو أقرهبا إىل الواقع‪ ،‬أنه ليس بذايت وال عرضي ألنه متام املاهية‪ ،‬فليس جزء منها حىت‬
‫يكون داخال ومعلوم أن متام املاهية ال ميكن خروجه عنها حىت يكون عرضياً‪.‬‬
‫واعلم أن الفصل إمنا مسي فصالً ألنه يفصل بني األنواع املشرتكة يف الصفات فا ِإلنسان والفرس مثال‬
‫يشرتكان يف اجلوهرية واجلسمية والنمائية واحلساسية‪ ،‬فالناطق يفصل اإلنسان عن الفرس املشارك له‬
‫فيما ذكر والصاهل يفصل الفرس عن ا ِإلنسان كذلك‪.‬‬

‫(‪)36/1‬‬

‫[‪]36 /1‬‬
‫تنبيه‪ :‬ال خيفى أان ذكران يف األمثلة املاضية أن الناطق فصل وأنه مميز ذايت وأنه جزء املاهية الداخل‬
‫فيها الصاد َق عليها صدقاً ذاتياً وأان ذكران أن الضاحك والكاتب مثال خاصتان وأهنما عرضيان‬
‫خارجان عن املاهية وليس واحد منهما جزءاً منها وال داخال فيها فقد يقول السامع‪ ،‬ما حقيقة الفرق‬
‫بني الناطق والضاحك حىت صار أحدمها جزءاً من املاهية عندهم والثاين خارجاً عنها‪.‬‬
‫واجلواب أن هلم أجوبة متعددة كثي منها ليس فيه مقنع‪ ،‬وأقرهبا عند الذهن ثالثة‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن الذايت هو املعروف عند املتكلمني ابلصفة النفسية وضابطه أنه ال ميكن إدراك حقيقة‬
‫املاهية بدونه والعرضي ميكن إدراكها بدونه‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن الذايت ال يعلل والعرضي يعلل‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن الذايت هو الذي ال تبقى الذات مع توهم رفعه‪ ،‬والعرضي خبالفه وإيضاح الفوارق الثالثة‬
‫ابألمثلة كما سيأيت‪:‬‬
‫كون الذات ال تعقل بدون الناطق‪ ،‬ولكن تعقل بدون الضاحك والكاتب فقد قالوا لو فرضنا أن‬
‫عاقال من العقالء مل ير ا ِإلنسان و مل يتصوره حبال فسأل عنه من يعرفه فإن عرفه له أبنه جسم دخل‬
‫يف التعريف (احلجر) مثال فإن زاد يف التعريف أنه (انم) دخل النبات والشجر‪ .‬فإن زاد أنه (حساس)‬
‫دخل الفرس مثال‪ .‬فإن زاد أنه (انطق) مثال انفصل عن غيه ومتيز عن كل ما سواه‪.‬‬
‫والنطق‪ :‬يف االصطالح عند املنطقيني (القوة العاقلة املفكرة اليت يقتدر هبا على إدراك العلوم واآلراء)‬
‫وليس املراد به عندهم الكالم‪.‬‬
‫وإن قال هو منتصب القامة ميشى على اثنتني دخل الطي فإن زاد (ال ريش له)‬

‫(‪)37/1‬‬

‫[‪]37 /1‬‬
‫دخل منتوف الريش من الطيور وساقطه‪ .‬فإن زاد أنه (انطق) حصل التمييز وا ِإلدراك‪.‬‬
‫فإن قيل كذلك حيصل التمييز وا ِإلدراك فيما لو قال‪( :‬أنه ضاحك)‪ .‬أو كاتب ألنه ال يشاركه غيه يف‬
‫الضحك والكتابة‪.‬‬
‫فاجلواب‪ :‬أن يقولون الضحك حالة تعرض عند التعجب من أمر بعد أن تتفكر فيه القوة الناطقة‬
‫والكتابة نقوش على هيئات ومقادير معلومة ال حتصل بتفكي القوة الناطقة‪ ،‬فظهر أن الضحك‬
‫والكتابة فرعان عن النطق ال يوجدان إال تبعاً له‪ .‬وال يعقالن إال تبعاً له فلم تعقل حقيقة ا ِإلنسان‬
‫دون النطق‪ ،‬خبالف الضحك‪ ،‬والكتابة‪ ،‬فإن احلقيقة تعقل بدوهنما كذا قالوا‪.‬‬
‫وأما الفرق الثاين‪ :‬الذي هو كون الذايت ال يعلل‪ ،‬والعرضي يعلل‪ ،‬فواضح فإنك ال تقول‪ :‬مل كان‬
‫ا ِإلنسان ذا قوة مفكرة يقتدر هبا على إدراك العلوم واآلراء تعين النطق ولكن إذا رأيته يضحك أو‬
‫يكتب شيئاً فإنك قد تقول له ما هو السبب الذي أضحكك وما هو السبب الذي محلك على كتابة‬
‫هذا الذي كتبت‪.‬‬
‫وأما الفرق الثالث‪ :‬الذي هو أن الذايت ال تبقى الذات مع توهم رفعه أي عدمه فواضح‪ .‬ألنك لو‬
‫فرضت خلو حيوان من القوة العاقلة املفكرة اليت يقتدر هبا على إدراك العلوم واآلراء ال ميكن أن‬
‫يكون ذلك احليوان إنساانً‪ .‬وال يرد على ذلك املعتوه الذي ال عقل له‪ .‬واجملنون الفاقد العقل ابلكلية‬
‫ألن املراد بكونه انطقاً أن ذلك هو طبيعته وجبلته اليت جبل عليها‪ .‬ولو زالت عن بعض األفراد‬
‫لسبب خاص‪.‬‬
‫فبهذه الفوارق الثالثة تعرف الفرق بني الذايت والعرضي‪.‬‬
‫وإذا عرفت ح هد اجلنس والنوع والفصل واخلاصة والعرض العام‪.‬‬

‫(‪)38/1‬‬

‫[‪]38 /1‬‬

‫فاعلم أن اجلنس‪ :‬ينقسم إىل جنس قريب وجنس متوسط‪ ،‬وجنس بعيد‪.‬‬
‫وضابط اجلنس القريب‪ :‬أنه هو متام القدر املشرتك بني األنواع كاحليوان ابلنسبة إىل ا ِإلنسان والفرس‬
‫فإن احليوان والفرس يشرتكان يف اجلوهرية واجلسمية والنمائية واحلساسية وكل هذه الصفات داخلة يف‬
‫احليوان‪ .‬فهو متام القدر املشرتك بينهما وقد يتميز كل منهما عن اآلخر بفصله أو خاصته كتمييز‬
‫ا ِإلنسان أبنه الناطق إن كان املميز ذاتياً أو أبنه الضاحك أو الكاتب إن كان املميز عرضياً وكتمييز‬
‫الفرس ابلصاهل مثالً‪.‬‬
‫وضابط اجلنس املتوسط‪ :‬أنه هو ما ليس متام القدر املشرتك مع اندراجه يف جنس فوقه‪ .‬وهو‬
‫مرتبتان‪:‬‬
‫األوىل ‪ -‬كالنامي ابلنسبة إىل ا ِإلنسان والفرس مثالً فإنه جنس متوسط ابلنسبة إليهما ألهنما يشرتكان‬
‫يف النامي‪ .‬وليس متام القدر املشرتك بينهما الشرتاكهما يف احلساسية أو التحرك اب ِإلرادة‪.‬‬
‫ومها خارجان عن النامي وهو الذي يكرب تدرجيياً مع أن النامي داخل يف جنس فوقه وهو اجلسم‬
‫مثالً‪.‬‬
‫املرتبة الثانية ‪ -‬من مرتبيت اجلنس املتوسط (كاجلسم) ابلنسبة إىل ا ِإلنسان والفرس فإهنما يشرتكا ن يف‬
‫اجلسمية وليست متام القدر املشرتك بينهما الشرتاكهما يف النمائية واحلساسية مثالً‪ .‬وكلتامها خارجة‬
‫عن اجلسم ال يتحقق مشوله هلا‪ .‬إذ ليس كل جسم انمياً وال كل جسم حساساً‪ .‬فإن احلجر ليس بنام‬
‫وال حساس مع أنه جسم واجلسم داخل يف جنس فوقه وهو اجلوهر‪.‬‬
‫وأما ضابط اجلنس البعيد‪ :‬فهو ما ليس متام القدر املشرتك بني األفراد مع أنه ليس فوقه جنس‬
‫كاجلوهر وهو ما يستحيل قبوله االنقسام لقلته فاجلوهر مثالً هو اجلنس األبعد ويسمى اجلنس العايل‬
‫وجنس األجناس‪ .‬ومناقشات املتكلمني‬

‫(‪)39/1‬‬

‫[‪]39 /1‬‬
‫يف إمكان وجوده وعدم إمكانه معروفة وليس هذا حمل بسطها‪.‬‬
‫وأما اجلواب عن السؤال (مبا) ابحل هد فهو يف السؤال عن كلى واحد‪ .‬فقولك ما هو اإلنسان جوابه‬
‫حبده الذي هو احليوان الناطق وهكذا‪ .‬وهذا هو حاصل ما البد منه من مبادئ التصورات‪ ،‬فتحصل‬
‫أن احليوان مثالً جنس قريب لإلنسان والفرس مثالً‪ ،‬وأن النامي واجلسم كالمها جنس متوسط ابلنسبة‬
‫هلما‪ .‬وأن اجلوهر جنس أبعد‪.‬‬

‫(‪)40/1‬‬

‫[‪]40 /1‬‬

‫فصل يف مقاصد التصورات‬


‫اعلم أن مقاصد التصورات هي (املعرفات) بصيغة اسم الفاعل‪ .‬وضابط املعرف ابسم الفاعل هو‬
‫اجلامع جلميع أفراد املعرف ابسم املفعول حبيث ال خيرج عنه منها فرد واحد املانع لكل ما سواها من‬
‫الدخول فيها فكل جامع مانع معرف‪.‬‬
‫واعلم أن اجلمع واملنع مها املعرب عنهما يف االصطالح ابلطرد والعكس‪ .‬فاملنع هو الطرد واجلمع هو‬
‫العكس‪ .‬ومثال اجلامع املانع تعريف ا ِإلنسان أبنه احليوان الناطق وتعريف الفرس أبنه احليوان‬
‫الصاهل‪.‬‬
‫واعلم أن النسبة بني املعرف ابسم الفاعل واملعرف ابسم املفعول أبن كانت املساواة فهو جامع مانع‬
‫كاملثالني املذكورين فإن احليوان الناطق مسا ٍو ل ِإلنسان واحليوان الصاهل مسا ٍو للفرس‪.‬‬
‫واعلم أن أنواع املعرفات ابسم الفاعل سبعة وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬احل هد التام‪.‬‬
‫‪ - 2‬واحلد الناقص‪.‬‬
‫‪ - 3‬والرسم التام‪.‬‬
‫‪ - 4‬والرسم الناقص‪.‬‬
‫‪ - 5‬واللفظي‪.‬‬
‫‪ - 6‬والقسمة‪.‬‬
‫‪ - 7‬واملثال‪.‬‬
‫فاحل هد التام‪ :‬هو تعريف املاهية ابجلنس القريب والفصل‪ ،‬كتعريف ا ِإلنسان أبنه احليوان الناطق‪.‬‬
‫واحل هد الناقص‪ :‬هو تعريف املاهية ابلفصل مع اجلنس املتوسط أو البعيد‪ ،‬أو ابلفصل وحده‪ .‬كتعريف‬
‫ا ِإلنسان أبنه النامي الناطق‪ .‬أو اجلسم الناطق‪ .‬أو اجلوهر الناطق أو تعريفه أبنه الناطق‪.‬‬
‫والرسم التام‪ :‬هو تعريفها ابخلاصة مع اجلنس القريب كتعريف ا ِإلنسان أبنه‬

‫(‪)41/1‬‬

‫[‪]41 /1‬‬
‫احليوان الضاحك أو احليوان الكاتب‪.‬‬
‫والرسم الناقص‪ :‬هو التعريف ابخلاصة مع اجلنس املتوسط أو البعيد‪ ،‬أو اخلاصة وحدها كتعريف‬
‫ا ِإلنسان أبنه‪ :‬النامي الضاحك أو الكاتب أو اجلسم الضاحك أو الكاتب أو اجلوهر الضاحك أو‬
‫الكاتب‪ .‬أو تعريفه أبنه الضاحك فقط أو الكاتب فقط‪.‬‬
‫واللفظي‪ :‬هو تعريف اللفظ بلفظ مرادف له أشهر منه كتعريف الغضنفر أبنه األسد وتعريف الزخيخ‬
‫أبنه النار‪ .‬وكتعريف اخليتعور أبنه السراب وكل زائل مضمحل ومنه قوله‪:‬‬
‫كل أنثى وإن بدا لك منها ‪ ... ...‬آية احلب حبها خيتعور‬
‫أي زائل مضمحل غي دائم‪.‬‬
‫وأما القسمة‪ :‬فكقولك يف تعريف العلم‪ :‬االعتقاد إما جازم وإما غي جازم‪ .‬واجلازم إما مطابق أو غي‬
‫مطابق‪ .‬واملطابق إما اثبت ال يقبل التشكيك حبال‪ ،‬وإما أال يكون كذلك‪ .‬فخرج عن القسمة اعتقاد‬
‫جازم مطابق اثبت ال يقبل التشكيك حبال وهو العلم‪.‬‬
‫وخرج ابجلازم غي اجلازم‪ ،‬كالظن والشك والوهم‪ .‬وخرج ابملطابق غي املطابق وهو االعتقاد الفاسد‬
‫كاعتقاد الفالسفة قدم العامل‪ .‬وخرج ابلثابت الذي ال يقبل التشكيك حبال اجتهاد اجملتهد املصيب‬
‫ألن االجتهاد قابل للتغيي والتشكيك‪.‬‬
‫وأما املثال‪ :‬فكقولك يف تعريف العلم هو إدراك‪ .‬كإدراك أن الواحد نصف االثنني وأن الكل أكرب من‬
‫اجلزء‪ .‬وإدراك البصية الذي هو كإدراك الباصرة ‪ ...‬وكقولك (االسم كزيد والفعل كضرب)‪.‬‬
‫واعلم أن احل هد‪ :‬يف اللغة املنع ومنه قول انبغة ذبيان‪:‬‬
‫وال أرى فاعال يف الناس يشبه ‪ ... ...‬وال أحاشي من األقوام من أحد‬
‫إال سليمان إذ قال ا ِإلله له ‪ ... ...‬قم يف الربية فاحددها عن الفند‬

‫(‪)42/1‬‬

‫[‪]42 /1‬‬

‫فقوله‪ :‬فاحددها أي أمنعها ومسي احل هد حداً ألنه مينع أفراد احملدود من اخلروج ومينع غيها من‬
‫الدخول وهو عندهم متييز املاهية أبجزائها الذاتية ألهنا مرتكبة عندهم من جنس وفصل‪.‬‬
‫واجلنس عندهم جزؤها الذي هو أعم منها والفصل عندهم هو جزؤها املساويها كما تقدم‪ .‬إن مل‬
‫يشتمل احل هد على مجيع الذاتيات كالتعريف ابلفصل وحده أو مع اجلنس املتوسط أو البعيد فهو‬
‫عندهم انقص لعدم اشتماله‪ .‬على مجيع الذاتيات‪.‬‬
‫والرسم‪ :‬أصله العالمة ومنه رسوم الدار أي عالماهتا كقوله‪:‬‬
‫وهل عند رسم دارس من معول‬
‫وإمنا مسوه رمساً ألن التعريف فيه ابخلاصة وهي من عالمات الذات املختصة هبا اخلارجة عن ماهيتها‬
‫‪ -‬عندهم كما تقدم إيضاحه‪.‬‬
‫واعلم أن مجيع املعرفات يشرتط فيها شروط‪:‬‬
‫الشرط األول‪:‬‬
‫أن يكون املعرف ابسم الفاعل مطرداً‪ .‬أي مانعاً من دخول غي املعرف ابسم املفعول‪.‬‬
‫الشرط الثاين‪:‬‬
‫أن يكون منعكساً أي جامعاً جلميع أفراده والتحقيق أن الطرد هو املنع والعكس هو اجلمع خالفاً ملن‬
‫عكس ذلك‪.‬‬
‫وإيضاح أن الطرد هو املنع والعكس هو اجلمع‪.‬‬

‫(‪)43/1‬‬

‫[‪]43 /1‬‬

‫هو أن تعلم أوال أن الطرد يف االصطالح‪ :‬هو املالزمة يف الثبوت‪ .‬وقضيته كلما وجد احل هد وجد‬
‫احملدود والعكس يف االصطالح املالزمة يف االنتفاء وقضيته كلما انتفى احل هد انتفى احملدود فإذا‬
‫صدقت قضية كلما وجد احل هد وجد احملدود لزم منع غي احملدود من الدخول قطعاً كقولك‪ :‬كلما وجد‬
‫احليوان الناطق وجد اإلنسان فهذا احل هد مطرد أي مانع من دخول غي ا ِإلنسان فإن اختلت قضية‬
‫املالزمة يف الثبوت اختل املنع‪ .‬فلو قلت كلما وجد احليوان وجد ا ِإلنسان فهذا ليس بصحيح ألن‬
‫وجود ا ِإلنسان ال يلزم من وجود احليوان فلو عرفت ا ِإلنسان أبنه حيوان كان احل هد غي مانع من‬
‫دخول غي ا ِإلنسان كالفرس وإمنا كان غي مطرد أي غي مانع الختالل املالزمة يف الثبوت‪ ،‬وكذلك‬
‫املالزمة يف االنتفاء إن اختلت لزم من ذلك اختالل مجع مجيع أفراد احملدود‪ .‬فلو قلت مثالً كلما‬
‫انتفى الناطق انتفى احليوان فهذا ليس بصادق‪ .‬ولذلك لو عرفت احليوان أبنه الناطق كان غي جامع‬
‫جلميع أفراد احليوان ألن فيها ما ليس انطقاً‪.‬‬
‫وحاصل إيضاح هذا أن النسبة بني احل هد واحملدود إن كانت املساواة كان جامعاً مانعاً‪.‬‬
‫وإن كان احل هد أعم من احملدود كان جامعاً غي مانع كتعريف ا ِإلنسان أبنه احليوان‪ .‬وإن كان احل هد‬
‫أخص من احملدود كان مانعاً غي جامع كتعريف احليوان أبنه الناطق‪ ،‬فإنه مانع من دخول غي احليوان‬
‫إذ ال انطق إال وهو حيوان ولكنه غي جامع‪ ،‬ألن من أفراد احليوان ما ليس بناطق‪.‬‬
‫وإن كانت النسبة بينهما العموم واخلصوص من وجه أو التباين كان غي جامع وال مانع كتعريف‬
‫اإلنسان أبنه األبيض‪ ،‬أو أبنه احلجر‪ ،‬كما ال خيفى‪.‬‬
‫واملراد ابحل هد هنا مطلق التعريف‪ ،‬فيدخل فيه مجيع املعرفات واحلاصل أن كل مانع من دخول غي‬
‫احملدود جامع جلميع أفراد احملدود فإنه هو املطرد‬

‫(‪)44/1‬‬

‫[‪]44 /1‬‬

‫املنعكس واالطراد واالنعكاس شرطان يف كل تعريف‪.‬‬


‫الشرط الثالث‪:‬‬
‫أن يكون املعرف ابسم الفاعل أظهر وأوضح عند السامع من املعرف ابسم املفعول كتعريف الغضنفر‬
‫ابألسد فإن األسد أظهر وأوضح عند السامع من الغضنفر وهكذا‪.‬‬
‫وال جيوز أن يكون املعرف ابسم الفاعل مساوايً للمعرف يف الظهور أو أخفى منه ومثال املساوي‬
‫تعريف الزوج مبا ليس فرداً كعكسه‪ ،‬وتعريف الساكن مبا ليس مبتحرك كعكسه‪ .‬ومثال ما هو أخفى‬
‫منه‪ :‬تعريف النار أبهنا جسم كالنفس فالنفس أخفى من النار عند العقل‪ ،‬وكتعريف الذهب ابلنضار‬
‫أو العسجد‪ ،‬وتعريف القمر أبنه الزبرقان‪.‬‬
‫الشرط الرابع‪:‬‬
‫أن ال يكون املعرف ابسم الفاعل جمازاً إال مع قرينة تعني املقصود ابلتعريف‪ ،‬فإن وجدت قرينة تدل‬
‫على ذلك جاز التعريف به كتعريف البليد أبنه محار يكتب فإن قيل اجملاز البد له من قرينة صارفة‬
‫عن قصد املعىن احلقيقي إىل املعىن اجملازي فإهنم جييبون أبن قرينة اجملاز ال تكفي وحدها هنا ألن قرينة‬
‫اجملاز إمنا تدل على استعمال اللفظ يف غي ما وضع له‪ .‬والقرينة املشرتطة هنا هي الدالة على تعيني‬
‫املراد ابلتعريف‪ .‬ومن الفوارق بينهما أن قرينة اجملاز من حيث هو قد تكون خفية وقرينته يف التعريف‬
‫البد أن تكون واضحة ألن املقصود ابلتعريف اإليضاح‪.‬‬
‫الشرط اخلامس‪:‬‬
‫أن ال يكون التعريف فيه دور سبقي ومعناه أن تكون معرفة احل هد يشرتط هلا سبقية معرفة بعض ألفاظ‬
‫احملدود ألن الغرض توقف معرفة احملدود على معرفة‬

‫(‪)45/1‬‬
‫[‪]45 /1‬‬

‫احلد فإن توقفت معرفة احل هد على معرفة احملدود كان دوراً سبقياً ألن معرفة كل منهما تتوقف على‬
‫سبق معرفة اآلخر فال ميكن ا ِإلدراك كتعريف العلم أبنه معرفة املعلوم على ما هو به ألن املعلوم‬
‫مشتق من العلم واملشتق ال يعرف إال بعد معرفة املشتق منه‪.‬‬
‫أما الدور املعي فال حمال فيه ككون ما يسمونه اجلرم متصفاً مبا يسمونه العرض إذ ال يعقل جرم خال‬
‫من مجيع األعراض كاحلركة والسكون واالجتماع واالفرتاق واللون وحنو ذلك كما ال يعقل عندهم‬
‫عرض قائم بنفسه دون جرم فمعرفة كل منهما تتوقف على معرفة اآلخر إال أنه ال يشرتط سبق‬
‫أحدمها لآلخر بل يعلمان معاً يف وقت واحد وذلك هو معىن كونه دوراً معياً‪.‬‬
‫واألربع األول اليت هي احلركة والسكون واالجتماع واالفرتاق هي املعروفة عند املتكلمني ابألكوان‬
‫ويدخل يف الدور املمنوع إدخال األحكام يف احلدود ألن احلكم على الشيء فرع تصوره‪.‬‬
‫الشرط السادس‪:‬‬
‫أن ال يكون املعرف مشرتكاً بني معنيني فصاعداً ألن االشرتاك مانع من فهم املراد ابلتعريف ما مل‬
‫توجد قرينة تعني املراد فإن وجدت جاز التعريف به‪.‬‬
‫فمثال التعريف ابملشرتك دون القرينة تعريف الشمس أبهنا عني‪ .‬ومثال القرينة املعينة للمراد تعريف‬
‫الشمس أبهنا عني تضيء مجيع آفاق الدنيا‪ .‬فهذه الشروط تشرتط يف كل تعريف من أنواع التعاريف‬
‫املذكورة‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬قد عرفتم لنا املعرف ابسم الفاعل أبنه اجلامع املانع أي املنعكس املطرد‪ .‬مث ذكرمت لنا‬
‫اجلمع واملنع من شروط املعرفات ابسم الفاعل ومعلوم أن الشرط خارج عن املاهية‪.‬‬
‫فاجلواب أن ذلك التعريف رسم ألنه تعريف ابخلاصة وهي خارجة عن‬

‫(‪)46/1‬‬

‫[‪]46 /1‬‬

‫املاهية‪ ،‬والواحد ابلشخص له جهتان فاخلاصة من جهة تعريف املاهية هبا يف معرف ابسم الفاعل وقد‬
‫تكون شرطاً يف التعريف إذا عرف بشيء آخر غيها كالفصل‪ .‬وحنن راعينا كليهما من جهة فعرفنا هبا‬
‫مث جعلناها شرطاً ابالعتبار اآلخر ومقصودان ابخلاصة هنا هو كل من اجلمع واملنع فمجموعهما خاصة‬
‫واّلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫للمعرف ابسم الفاعل ه‬

‫(‪)47/1‬‬

‫[‪]47 /1‬‬

‫فصل‬
‫يف مبادئ التصديقات‬
‫اعلم أن مبادئ التصديقات هي القضااي وأحكامها‪.‬‬
‫والقضية يف االصطالح هي التصديق‪ ،‬وقد تقدم إيضاحه وتسمى ‪ -‬القضية ‪ -‬واخلرب‪ ،‬والتصديق‪،‬‬
‫وقد قدمنا أنه هو ما يعرب عنه يف املعاين اب ِإلسناد اخلربي ويف النحو ابجلملة االمسية أو الفعلية‪.‬‬
‫واعلم أن القضااي ابلتقسيم األول تنقسم إىل قسمني ال اثلث هلما ومها‪:‬‬
‫‪ - 1‬القضية احلملية‪.‬‬
‫‪ - 2‬والقضية الشرطية‪.‬‬
‫وضابط القضية احلملية أمران‪:‬‬
‫األول‪ :‬أهنا ينحل طرفاها إىل مفردين أو ما يف قوة املفردين‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن احلكم فيها ليس معلقاً على شيء‪.‬‬
‫ومثاهلا‪ :‬زيد قائم‪ ،‬وعمرو جالس‪ ،‬وا ِإلنسان حيوان‪ ،‬وحنو ذلك‪ .‬فإن كل واحد من هذه األمثلة ينحل‬
‫طرفاه إىل مفردين وليس احلكم فيها معلقاً‪.‬‬
‫وما يف قوة املفرد ثالثة أقسام‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون املوضوع مفرداً أو احملمول مجلة يف قوة املفرد‬
‫اّلل‪ .‬فإنه يف قوة‬
‫كقولك زيد قام أبوه ألن قام أبوه يف قوة قائم األب‪ .‬وقولك خي الذكر ال إله إال ه‬
‫اّلل‪.‬‬
‫خي الذكر كلمة ال إله إال ه‬
‫الثاين‪ :‬عكسه وهو أن يكون املوضوع مجلة يف قوة املفرد واحملمول مفرداً كقولك ال حول وال قوة إال‬
‫ابّلل كنز من كنوز اجلنة‪.‬‬
‫ه‬
‫الثالث‪ :‬أن يكون كل من املوضوع واحملمول مجلة يف قوة املفرد‪،‬‬

‫(‪)48/1‬‬

‫[‪]48 /1‬‬

‫كقولك زيد عامل نقيض زيد ليس بعامل ألنه يف قوة‪ :‬قضية زيد عامل نقيض قضية زيد ليس بعامل‪.‬‬
‫فتحصل أن األقسام أربعة‪:‬‬
‫مفردان كزيد قائم‪ ،‬وأقسام ما يف قوة املفرد الثالثة املذكورة أبمثلتها آنفا ومسيت محلية للحكم‬
‫مبحموهلا على أفراد موضوعها‪.‬‬
‫الشرطية‪:‬‬
‫وأما القضية الشرطية فضابطها أمران‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن ينحل طرفاها إىل مجلتني أعين أنه إن أزيلت أداة الربط يف املتصلة أو أداة العناد يف‬
‫املنفصلة بني طرفيها يصي كل من طرفيها أعين مقدمها واتليها مجلة مستقلة‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أن احلكم فيها معلق‪ .‬فقولك مثال‪ :‬لو كانت الشمس طالعة لكان النهار موجوداً‪ ،‬قضية‬
‫شرطية متصلة‪ ،‬ألنك لو أزلت أداة الربط مقدمها وهو الطرف املقرتن بلو‪ ،‬وبني اتليها‪ ،‬وهو الطرف‬
‫املقرتن ابلالم يف املثال املذكور‪ ،‬ونعين أبداة الربط لفظ (لو) والالم‪ :‬صار املقدم كانت الشمس طالعة‬
‫وهي قضية محلية ألهنا مبتدأ وخرب دخل عليها فعل انسخ كان التايل النهار موجود وهو قضية محلية‬
‫ألنه مبتدأ وخرب مع أن احلكم لوجود النهار معلق على طلوع الشمس‪ ،‬وكل قضية كان احلكم فيها‬
‫معلقاً كانت ينحل طرفاها إىل مجلتني‬
‫فهي القضية الشرطية‪ .‬وكذلك لو قلت‪ :‬العدد إما زوج وإما فرد فهذه شرطية منفصلة‪ ،‬فلو زالت‬
‫أداة العناد بني طرفيها وهي لفظة (أما) صار الطرف األول العدد زوج والطرف الثاين العدد فرد‪.‬‬
‫وكالمها قضية محلية‪.‬‬
‫ووجه تعليق احلكم يف املنفصلة أن كون العدد مثال زوجاً معلقاً على نفي الفردية عنه كعكسه‪ .‬واعلم‬
‫أن القضية الشرطية تنقسم ابلتقسيم األول إىل قسمني‪:‬‬

‫(‪)49/1‬‬
‫[‪]49 /1‬‬

‫أحدمها الشرطية املتصلة‪ .‬والثاين الشرطية املنفصلة‪ .‬وإِيضاح كل واحدة منهما‪:‬‬


‫إن الشرطية املتصلة‪ :‬هي اليت جيتمع طرفاها يف الوجود وجيتمعان يف العدم مبعىن أهنما جيوز عدمهما‬
‫معاً وجيوز وجودمها معاً‪ .‬واجتماعهما يف الوجود اجتماعهما يف العدم ‪ ..‬هو العدم هو معىن االتصال‬
‫فسميت متصلة التصال طرفيها يف كوهنما موجودين واتصاهلما يف كوهنما معدومني‪.‬‬
‫فقولك لو كانت الشمس طالعة لكان النهار موجوداً جيتمع طرفاها يف الوجود فتكون الشمس طالعة‬
‫والنهار موجوداً‪ .‬وجيتمعان يف العدم فتكون الشمس ليست بطالعة والنهار ليس مبوجود كما يقع يف‬
‫زمن الليل‪ ،‬واجتماعهما يف الوجود والعدم هو معىن االتصال الذي مسيت بسببه متصلة‪.‬‬
‫واعلم أن الشرطية املتصلة تنقسم إىل قسمني ومها‪:‬‬
‫‪ - 1‬الشرطية املتصلة اللزومية‪.‬‬
‫‪ - 2‬والشرطية املتصلة االتفاقية‪.‬‬
‫وحتقيق الفرق بينهما ال يستغين عنه طالب علم‪ .‬وقد ارتبك خلق كثي من أهل العلم يف حتقيق معىن‬
‫اّلل مل يعصه) وحنوها من القضااي بسبب عدم الفرق بني اللزومية‬
‫الشرط واجلزاء يف حنو (لو مل خيف ه‬
‫واالتفاقية‪ ،‬ولو فرقوا بينهما مل يرتبكوا‪.‬‬
‫وإيضاح الفرق بينهما هو أن‬
‫اللزومية‪ :‬البد أن يكون اتصال مقدمها بتاليها يف الوجود والعدم ملوجب يقتضي ذلك ككون أحدمها‬
‫سبباً لآلخر واآلخر سبباً له‪ .‬أو كون أحدمها ملزماً لآلخر واآلخر الزماً له‪ .‬وبذلك املوجب املقتضي‬
‫لالرتباط بينهما يف الوجود والعدم مسيت لزومية‪ ،‬وسواء كان ذلك االرتباط بينهما املذكور عقلياً أو‬
‫شرعياً أو عادايً‪ .‬ومثال العقلي عندهم كلما كان هذا إنساانً كان حيواانً ألن احليوان عندهم جزء‬
‫ا ِإلنسان الذي هو أعم منه‪ .‬والعقل مينع انفكاك الكل عن جزئه فكونه إنساانً ملزوم لكونه حيواانً‬

‫(‪)50/1‬‬

‫[‪]50 /1‬‬
‫وكونه حيواانً الزم لكونه إنساانً وذلك اللزوم عقلي‪.‬‬
‫ومثال الشرعي‪ :‬قولك كلما زالت الشمس وجبت صالة الظهر‪ ،‬وكلما وجد شهر رمضان وجب‬
‫الصوم ألن كال من زوال الشمس ووجود رمضان سبب شرعي للعبادة املذكورة من صالة أو صيام‪.‬‬
‫ومثال العادي‪ :‬قولك كلما مل يكن ماء مل يكن نبات ألن هللا أجرى العادة أبن وجود املاء سبب‬
‫لوجود النبات وعدمه سبب لعدمه‪.‬‬
‫وأما الشرطية املتصلة االتفاقية‪ :‬فضابطها أهنا ال ربط بني مقدمها واتليها أي ال عالقة بينهما أصال ال‬
‫عقالً وال شرعاً وال عادة ولكن اتفق يف اخلارج أن صدق كل منهما مع صدق األخرى أي اجتمعا يف‬
‫الوجود مع أنه ال أثر لنفي أحدمها لو فرض‪ ،‬يف نفي اآلخر‪ .‬وال عدمه إذ ال عالقة بينهما أصال‪.‬‬
‫كقولك كلما كانت الشمس طالعة كان ا ِإلنسان انطقاً فال عالقة أصال بني طلوع الشمس وبني نطق‬
‫ا ِإلنسان‪ .‬ومن أمثلتها يف القرآن قوله تعاىل‪{ :‬قل لو كنتم يف بيوتكم لربز الذين كتب عليهم القتل إىل‬
‫مضاجعهم}‪ ،‬ألن كينونتهم يف بيوهتم‪ .‬وبروزهم إىل مضاجعهم ال عالقة بينهما وال يستلزم أحدمها‬
‫اآلخر وال عدمه ‪ ..‬وكقوله تعاىل‪{ :‬قل لو كان البحر مداداً لكلمات ريب لنفد البحر قبل أن تنفد‬
‫كلمات ريب}‪ ،‬ألن كون الرب مداداً هلا ال عالقة له بنفادها وال عدمه‪ .‬وكقوله تعاىل‪{ :‬وإن تدعهم إىل‬
‫اهلدى فلن يهتدوا إذاً أبداً}‪ ،‬ألن دعاءه إايهم إىل اهلدى ال عالقة بينه وبني عدم اهتدائهم ومن هذا‬
‫اّلل ال أثر له يف عدم عصيانه بل قد يكون‬
‫اّلل مل يعصه ألن عدم خوفه من ه‬
‫القبيل قوهلم لو مل خيف ه‬
‫سبباً لعصيانه فيما يظهر للناظر‪.‬‬
‫وقد نبهنا يف كتابنا «أضواء البيان» على غلط الزخمشري وأىب حيان يف آية {وإن تدعهم إىل اهلدى‬
‫فلن يهتدوا إذاً أبداً}‪ ،‬فقد ظنا هذه الشرطية يف هذه اآلية لزومية حيث زعما أنه جعل فيها سبب‬
‫عدم اهتدائهم هو دعوته هلم‬

‫(‪)51/1‬‬

‫[‪]51 /1‬‬
‫إىل اهلدى‪ .‬واملعىن أن الكفار عندمها جعلوا ما يكون سبباً لالهتداء سبباً النتفائه وكل ذلك غلط‪،‬‬
‫ألن الشرطية املذكورة يف اآلية اتفاقية ال ربط أصال بني مقدمها واتليها‪.‬‬
‫واعلم أن الشرط احلقيقي يف االتفاقية ليس هو املذكور مع اجلزاء بل سبب اجلزاء شيء آخر غي‬
‫اّلل مل يعصه) فعدم العصيان الذي هو اجلزاء يف‬
‫مذكور معه يف الشرطية املذكورة كقوهلم‪( :‬لو مل خيف ه‬
‫مثل هذا املثل سببه غي مذكور معه‪ ،‬فليس سببه عدم اخلوف الذي هو الشرط يف املثال املذكور‬
‫ولكنه شيء آخر مل يذكر وهو تعظيمه هّلل وحمبته له املانعة من معصيته له‪ ،‬ولو مل يكن خائفاً وكذلك‬
‫قوله تعاىل‪{ :‬فلن يهتدوا إذاً أبداً}‪ ،‬سببه احلقيقي غي مذكور معه فليس هو قوله‪{ :‬وإن تدعهم إىل‬
‫اّلل تعاىل عدم اهتدائهم على وفق‬
‫اهلدى}‪ ،‬كما ظنه الزخمشري وأبو حيان وغيمها بل سببه هو إرادة ه‬
‫ما سبق يف علمه أزالً‪ .‬وكذلك قوله تعاىل‪{ :‬قل لو كنتم يف بيوتكم لربز الذين كتب عليهم القتل إىل‬
‫مضاجعهم}‪ ،‬ألن سبب بروزهم إىل مضاجعهم شيء آخر غي مذكور يف اآلية وهكذا‪.‬‬
‫ومن األسباب املستوجبة لكون الشرطية اتفاقية هو رفع ما حيصل يف الوهم من املنافاة بني قضيتني‬
‫فيبني ابملتصلة االتفاقية أهنما ال منافاة بينهما فالكفار مثالً كانوا يتومهون أن كينونتهم يف بيوهتم تنايف‬
‫بروزهم إىل مضاجعهم ويظنون أهنا تنجيهم من القتل كما ذكر تعاىل عنهم بقوله‪{ :‬يقولون لو كان لنا‬
‫من األمر شيء ما قتلنا هاهنا}‪ .‬وقوله تعاىل‪{ :‬الذين قالوا ِإلخواهنم و قعدوا لو أطاعوان ما قتلوا}‪،‬‬
‫فبني تعاىل عدم املنافاة بني بقائهم يف بيوهتم وبني بروزهم إىل مضاجعهم اليت كتب عليهم أن يقتلوا‬
‫فيها وهكذا‪.‬‬
‫تنبيهات‪:‬‬
‫األول‪ :‬اعلم أن التحقيق أن الصدق والكذب يف الشرطية املتصلة إمنا‬

‫(‪)52/1‬‬

‫[‪]52 /1‬‬
‫يكون حبسب صحة الربط بني املقدم والتايل وعدم صحته‪ ،‬فإن كان الربط صحيحاً كانت صادقة وإن‬
‫كان الربط غي صحيح كانت كاذبة‪ ،‬ومن أجل أن الصدق والكذب إمنا يتواردان على الربط بني‬
‫املقدم والتايل يصح أن تكون صادقة مع كذب طرفيها لو أزيلت أداة الربط فقوله تعاىل‪{ :‬لو كان‬
‫اّلل لفسدات}‪ ،‬شرطية متصلة لزومية يف غاية الصدق مع أنك لو أزلت أداة الربط بني‬
‫فيهما آهلة إال ه‬
‫طرفيها كان كل من الطرفني قضية كاذبة‪ ،‬فيصي الطرف األول عند إزالة الربط‪ :‬كان فيهما آهلة إال‬
‫اّلل‪ :‬وهذه قضية كاذبة سبحانه وتعاىل‪ .‬عن أن يكون معه إله علواً كبياً ويصي الطرف الثاين يف املثال‬
‫ه‬
‫املذكور {فسدات} أي السموات واألرض وهي أيضاً قضية كاذبة‪ .‬وكقولك‪( :‬لو كان زيد حجراً) لكان‬
‫مجاداً‪ .‬فهذه لزومية صادقة مع كذب الطرفني‪ .‬ألن زيداً مل يكن حجراً و مل يكن مجاداً وقال بعض‬
‫أهل العلم‪ :‬أن مورد الصدق والكذب يف الشرطية املتصلة هو التايل فقط الذي هو اجلزاء فهو‬
‫احملتمل للصدق والكذب عندهم‪ .‬والشرط الذي هو املقدم قيد فيه‪ .‬وزعموا أن هذا قول أهل العربية‬
‫والصواب فيما يظهر أن أهل اللغة موافقون للمنطقيني يف أن الصدق والكذب يف الشرطية املذكورة‬
‫إمنا يتواردان على الربط بني طرفيها لصدقها مع كذب الطرفني كما مثلنا‪ .‬ولصدقها أيضا مع كذب‬
‫أحدمها وصدق اآلخر لو أزيل الربط كقوله لو كان زيد يف السماء ما جنا من املوت فهذه شرطية‬
‫صادقة واتليها الذي هو ما جنا من املوت صادق‪ ،‬ومقدمها الذي هو كونه يف السماء كاذب‪.‬‬

‫التنبيه الثاين‪:‬‬
‫اعلم أن الطرف األول من طريف الشرطية يسمى مقدماً والثاين يسمى اتلياً‪ .‬وهذا يف املتصلة ال‬
‫خالف فيه‪ .‬وقيل يف املنفصلة أيضاً كذلك‪ .‬وقيل ال يسمى جزآها مقدماً واتلياً ألهنا مل يكن أحد‬
‫طرفيها مرتبا على اآلخر فالتقدمي والتأخي فيها موكول إىل اختيار املتكلم‪ .‬فلو قلت العدد إما زوج‬
‫وإما فرد فال فرق‬

‫(‪)53/1‬‬

‫[‪]53 /1‬‬
‫بني ذلك وبني قولك العدد إما فرد وإما زوج‪ .‬فلك أن تقدم من الطرفني ما شئت وتؤخره‪ .‬خبالف‬
‫املتصلة فإنه لو أخر املقدم مل تصدق لزوماً‪ .‬ولو صدقت يف بعض الصور خلصوص املادة‪ .‬فقولك لو‬
‫كان هذا إنساانً لكان حيواانً صحيح لو عكست فقلت‪ :‬لو كان هذا حيواان لكان إنساانً كان كاذابً‪.‬‬
‫فتبني أن كونه إنساانً مقدم وكونه حيواانً اتل على احلقيقة‪ .‬خبالف املنفصلة كما مثلنا‪.‬‬
‫التنبيه الثالث‪:‬‬
‫اعلم أنه أتيت يف اللغة العربية قضااي على هيئة الشرطية املتصلة وهي مقبولة يف اللغة العربية بل‬
‫معدودة من بديعها املعنوي عند أهلها‪ .‬مع أن الربط بني طرفيها كاذب‪ .‬وذلك لسر آخر من أسرار‬
‫العربية ال جيري مثله يف فن املنطق‪.‬‬
‫فقول انبغة ذبيان‪:‬‬
‫ولو أهنا عرضت ألمشط راهب ‪ ... ...‬عبد ا ِإلله صرورة متعبد‬
‫لران لبهجتها وحسن حديثها ‪ ... ...‬وخلاله رشداً وإن مل يرشد‬
‫فيستبعد صدق الشرطية فيه فكون عروض املرأة لألمشط الراهب العابد يستوجب رنوه إليها وغيبوبته‬
‫عن رشده وعبادته مستبعد الوقوع‪ ،‬وإن كان غي مستحيل عقالً وال عادة‪.‬‬
‫وقول قيس بن امللوح‪:‬‬
‫ولو تلتقي أصداؤان بعد موتنا ‪ ... ...‬ومن دون رمسينا من األرض سبب‬
‫لظل صدى صويت وإن كنت رمة ‪ ... ...‬لصوت صدى ليلى يهش ويطرب‬
‫يستحيل عادة صدق الشرطية فيه‪ ،‬وإن أمكن عقالً‪.‬‬
‫وإمنا ساغ حنو هذا يف اللغة ألن نوع من أنواع البديع املعنوي يسمى املبالغة‪ .‬وهي يف اصطالح‬
‫البالغيني أن يدعي لوصف بلوغه يف الشدة أو الضعف ح هداً‬

‫(‪)54/1‬‬

‫[‪]54 /1‬‬

‫مستبعداً أو مستحيالً لئال يظن أنه غي متناه فيه‪ ،‬وهي ثالثة أنواع‪:‬‬
‫األول‪ :‬نوع مستبعد الوقوع ولكنه ال مينعه العقل وال العادة وال العادة كالشرطية‪ .‬يف بييت انبغة ذبيان‬
‫املذكورين‪ .‬وهذا النوع من أنواع املبالغة هو املعروف عندهم ابلتبليغ‪ ،‬وإمنا ساغ مع عدم صدقه‬
‫للغرض املذكور يف قوهلم لئال يظن أنه غي متناه فيه‪.‬‬
‫النوع الثاين‪ :‬هو املستحيل عادة وإن كان جيوز عقالً‪ .‬ومن أمثلته الشرطية يف بييت قيس بن امللوح‬
‫املذكورين‪ .‬ألن طرب صدى صوته‪ .‬بعد املوت لصدى صوت ليلى حتيله العادة وإن أمكن عقالً‪.‬‬
‫وإمنا جاز مع عدم صدقه للغرض املذكور وهذا النوع من أنواع املبالغة هو املعروف عندهم ‪-‬‬
‫اب ِإلغراق‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬ما استحال عقالً وعادة وهو املعروف ابلغلو‪ ،‬وأمثلته والتفصيل بني املقبول منه وغي‬
‫املقبول معروفة يف البديع من فن البالغة ولسنا نريد تفاصيل ذلك هنا‪ .‬وقد فصلناها يف رسالتنا يف‬
‫منع اجملاز يف القرآن‪ .‬وأما الشرطية املنفصلة فضابطها أهنا البد أن يكون بني طرفيها عناد يف اجلملة‪.‬‬
‫واعلم أن املراد ابلعناد هنا والتنافر شيء واحد وهو تنايف الطرفني واستحالة اجتماعهما والعناد‬
‫املذكور بني الطرفني هو معىن كوهنا منفصلة والتقسيم العقلي الصحيح حيصر العناد املذكور ثالثة‬
‫أقسام ال رابع هلا‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون يف الوجود والعدم معاً‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن يكون يف الوجود فقط‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يكون يف العدم فقط‪.‬‬
‫فإن كان العناد بني طرفيها يف الوجود والعدم معاً مبعىن أن طرفيها ال ميكن اجتماعهما يف الوجود وال‬
‫يف العدم فال يوجدان معاً وال يعدمان معاً بل البد من وجود أحدمها وعدم اآلخر فهي املعروفة‬
‫ابلشرطية املنفصلة احلقيقية وتسمى‬

‫(‪)55/1‬‬

‫[‪]55 /1‬‬

‫مانعة اجلمع واخللو معاً وال ترتكب إال من النقيضني أو من الشيء ومساوي نقيضه ومثاهلما يف‬
‫النقيضني قولك العدد إما زوج أو ليس بزوج ومثاهلا يف الشيء ومساوي نقيضه‪ :‬العدد إما زوج وإما‬
‫فرد ألن لفظة (فرد) مساوية لليس بزوج وهي نقيض العدد زوج‪.‬‬
‫وإن كان العناد بني طرفيها يف الوجود فقط فهي مانعة اجلمع اجملوزة للخلو ال ترتكب إال من قضية‬
‫وأخص من نقيضها كقولك‪ :‬اجلسم إما أبيض وإما أسود فهذه شرطية منفصلة مانعة مجع ألنه‬
‫يستحيل اجتماع طرفيها يف الوجود أبن يكون اجلسم الواحد أبيض أسود يف وقت واحد من جهة‬
‫واحدة‪ .‬ولكنها جتوز اخللو من الطرفني ألهنا ال عناد بني طرفيها يف العدم فيجوز أن يكون اجلسم غي‬
‫أبيض وغي أسود لكونه أمحر أو أصفر مثالً‪ .‬وجواز عدم طرفيها معاً هو معىن كوهنما ال عناد بني‬
‫طرفيها يف العدم بل مها مصطحبان فيه النعدام كالمها‪.‬‬
‫وإن كان العناد بني طرفيها يف العدم فقط فهي مانعة اخللو اجملوزة للجمع‪ .‬عكس اليت قبلها‪ .‬وال‬
‫ترتكب إال من قضية وأعم من نقيضها كقولك‪ :‬اجلسم إما غي أبيض وإما غي أسود فهذه شرطية‬
‫منفصلة مانعة خلو جموزة مجع فال ميكن اجتماع طرفيها يف العدم البتة‪ ،‬ولكن ميكن اجتماعهما يف‬
‫الوجود إذ ال عناد بينهما يف الوجود وإمنا العناد بينها يف العدم فطرفا هذه املنفصلة اللذان مها غي‬
‫أبيض وغي أسود جيوز اجتماعهما يف الوجود فتقول‪ :‬هذا اجلسم غي أبيض وغي أسود وأنت صادق‬
‫لكونه أمحر أو أصفر مثالً ولكن ال ميكن اجتماعهما يف العدم حبال بل إذا عدم أحدمها لزم وجود‬
‫اآلخر ضرورة ألنك لو حكمت بنفي غي األبيض فقد جزمت أبنه أبيض ألن نفي النفي إثبات وإذا‬
‫جزمت أبنه أبيض لزم ضرورة حصول الطرف الثاين الذي هو غي أسود ألن األبيض غي أسود قطعاً‬
‫كما هو ضرورة‪ .‬وإذا علمت مما ذكران أن القضية تنقسم إىل محلية وشرطية ابلتقسيم األول وأن‬
‫الشرطية تنقسم إىل متصلة ومنفصلة وأن‬

‫(‪)56/1‬‬

‫[‪]56 /1‬‬
‫املتصلة تنقسم إىل لزومية واتفاقية‪ .‬وأن املنفصلة تنقسم إىل حقيقة مانعة مجع وخلو معاً‪ .‬ومانعة مجع‬
‫جموزة خلو‪ .‬ومانعة خلو جموزة مجع‪ ،‬وعرفت أَان بينا كل قسم أبمثلته فاعلم أان أردان هنا أن نقتصر‬
‫على ما البد منه يف علم املناظرة فلم نذكر الرابطة لعدم االحتياج هلا يف اللغة العربية لالكتفاء عنها‬
‫ابالشتقاق وا ِإلضافة مثال‪ .‬و مل نتعرض للجهة‪ ،‬وال للقضااي املوجبة وال ملنحرفات السور وال‬
‫للحقيقيات واخلارجيات وال للمحصالت واملعدوالت إىل غي ذلك من أحكام القضااي‪ ،‬ولكنا أردان‬
‫هنا أن نبني ما البد للمناظرة منه‪:‬‬
‫وهو ثالثة أشياء وهبا ينتهي حبثنا يف مبادئ التصديقات‪:‬‬
‫األول‪ :‬تقسيم القضااي ابعتبار الكم والكيف خاصة‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬العكس‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬التناقض‪.‬‬
‫مث نذكر مقاصد التصديقات مث نشرع يف املقصود من آداب البحث واملناظرة‪.‬‬
‫اعلم أوالً أن الكم يف االصطالح هو‪ :‬الكلية واجلزئية‪ ،‬وقد أوضحنا فيما سبق أن الكلية هي احلكم‬
‫ابحملمول على كل فرد من أفراد املوضوع الداخلة‪ .‬حتت العنوان‪ .‬إجياابً أو سلباً‪ .‬وأن اجلزئية هي‬
‫احلكم ابحملمول على بعض أفراد املوضوع ال كلها إجياابً أو سلباً‪ .‬خالفاً للسنوسي يف خمتصره فقد‬
‫غلط يف هذا املوضع‪.‬‬
‫املراد ابلكيف يف االصطالح هو‪ :‬ا ِإلجياب والسلب ومها ا ِإلثبات والنفي‪ .‬واعلم أن السور يف‬
‫االصطالح هو اللفظ الدال على ا ِإلحاطة جبميع األفراد أو‪ .‬بعضها إجياابً أو سلباً وأقسامه أربعة‪:‬‬
‫األول‪ :‬سور كلي إجيايب حنو‪ :‬كل وعامة وحنومها‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬سور كلي سليب حنو الشيء وال واحد‪ ،‬وحنومها‪.‬‬

‫(‪)57/1‬‬
‫[‪]58 /1‬‬

‫تنبيهات‬
‫التنبيه األول‪ :‬اعلم أنه جرى عرف املنطقيني يف التقسيم املذكور أن القضااي ابعتبار الكم والكيف‬
‫مثانية ألهنم يزيدون على الستة اليت ذكران‪ ،‬املهملة املوجبة حنو‪ :‬ا ِإلنسان حيوان‪ .‬واملهملة السالبة حنو‬
‫ليس احليوان إبنسان‪ .‬وإمنا جعلناها ستة ال مثانية ألن املهملة يف قوة اجلزئية‪ .‬ال قسم زائد عليها‪.‬‬
‫فصارت القضااي ابعتبار الكم والكيف ستا على التحقيق كما ذكران‪.‬‬
‫التنبيه الثاين‪ :‬وهو مهم جداً وهو أن تعلم أن املراد ابملوضوع مناف للمراد ابحملصول يف القضية‬
‫احلملية ألن املراد ابملوضوع مجيع أفراده اخلارجة الداخلة حتت العنوان‪ .‬سواء اعتربان الوجود اخلارجي‬
‫لكوهنا خارجية‪ .‬أو اعتربان تقدير الوجود لكوهنا حقيقة‪ .‬وال يراد ابملوضوع القدر املشرتك الذي هو‬
‫املعىن الذهين خبالف احملمول‪ ،‬فإنه ال يقصد به األفراد اخلارجية وإمنا يراد به مطلق املاهية الذهنية‪.‬‬
‫اليت هي القدر املشرتك بني األفراد‪ .‬فقولك‪ :‬كل إنسان حيوان قضية محلية‪ .‬موضوعها ا ِإلنسان‪.‬‬
‫وحمموهلا احليوان‪ .‬فاملوضوع الذي ا ِإلنسان يراد به أفراده الداخلة يف لفظه فكل فرد من أفراد‬
‫ا ِإلنسان حمكوم عليه أبنه حيوان خبالف احملمول الذي هو احليوان يف هذا املثال‪ .‬فإمنا يراد به معناه‬
‫الذهين الذي هو القدر املشرتك بني أفراده‪ .‬وال جيوز أن تقصد أفراده ألنك لو قصدت أفراد احليوان‬
‫كالفرس والبغل كنت حاكما على ا ِإلنسان أبنه فرس أو بغل‪ .‬وقد قدمنا أن احلكم على املباين مبباينه‬
‫إجيااب أنه كاذب‪ .‬أو احلكم على السليب بنفسه وهو حتصيل احلاصل إن قصدت احليوان احملمول على‬
‫ا ِإلنسان (ا ِإلنسان)‪.‬‬
‫وإن قصدت ابملوضوع القدر املشرتك الذي هو احلقيقة الذهنية مسيت القضية طبيعية كقولك‪ :‬احليوان‬
‫جنس‪ .‬وا ِإلنسان نوع‪ .‬وهكذا‪.‬‬

‫(‪)58/1‬‬

‫[‪]59 /1‬‬
‫التنبيه الثالث‪ :‬اعلم أن السور الذي هو لفظة (كل) أو (بعض) وحنومها‪ .‬ليس هو املوضوع‪ .‬وإمنا هو‬
‫بيان للقدر احملكوم عليه من أفراد املوضوع‪ .‬فقولك‪ :‬كل إنسان حيوان أو بعض ا ِإلنسان حيوان‪،‬‬
‫املوضوع فيها املضاف إليه الذي هو اإلنسان‪ .‬وأما السور الذي هو لفظة (كل و بعض) وإن أعربت‬
‫مبتدأ فليست هي السور وإمنا هي لفظ مبني للكمية احملكوم عليها من أفراد املوضوع هل هي مجيعها‬
‫أو بعضها‪.‬‬
‫التنبيه الرابع‪ :‬اعلم أن السور أبقسامه األربعة يدخل على الشرطيات املتصلة واملنفصلة فمثال‬
‫الشرطية املتصلة املسورة بسور كلي إجيايب قولك‪ :‬كلما كان هذا إنساانً كان حيواانً‪ .‬ومهما كان‬
‫الشيء مفتقرا يف وجوده للفاعل فهو خملوق‪ .‬ومن كان خملوقاً فالبد له من خالق‪( .‬فكلما ومهما)‬
‫ومىت وحنوها سور كلي إجيايب للشرطية املتصلة ومثال السور اإلجيايب الكلي للشرطية املنفصلة (دائما)‬
‫وما يف معناها كقولك‪ :‬دائما إما أن يكون العدد زوجاً أو ليس بزوج‪ .‬ودائما إما أن يكون الشيء‬
‫غنيا عن اخلالق وإما أن يكون خملوقاً‪.‬‬
‫ومثال السور الكلي السليب للمتصلة واملنفصلة معاً (ليس البتة)‪.‬‬
‫ومثاله يف املتصلة (ليس البتة) إذا كان الشيء إنساانً كان حجراً‪.‬‬
‫ومثاله يف املنفصلة (ليس البتة) إما أن يكون الشيء أبيض‪ .‬وإما أن يكون ابرداً‪ .‬ألن الصدق فيها‬
‫حبسب صدق العناد وهو هنا كاذب‪ .‬إذ ال عناد بني البياض والربودة ألن بينهما تباين خمالفة‪ .‬فيجوز‬
‫اجتماعهما‪ .‬كالواقع يف الثلج‪.‬‬
‫ومثال السور اجلزئي اإلجيايب للمتصلة واملنفصلة معاً‪ .‬قد يكون كقولك يف املتصلة قد يكون إذا كان‬
‫الشيء حيواانً كان إنساانً‪ .‬وكقولك يف املنفصلة قد‬

‫(‪)59/1‬‬

‫[‪]60 /1‬‬

‫يكون إما أن يكون الشيء حيواانً وإما أن يكون فرساً ألنه يف حال كون احليوان غي الفرس يصح‬
‫العناد‪ .‬وابعتبار صدق احليوان على الفرس يبطل العناد‪ .‬فصح أن صدق العناد جزئي‪.‬‬
‫ومثال السور اجلزئي السليب هلما معاً قد ال يكون وللمتصلة فقط (ليس كلما) وللمنفصلة فقط (ليس‬
‫دائماً) فتقول يف املتصلة‪ .‬قد ال يكون إذا كان هذا حيواانً كان إنساانً وتقول يف املنفصلة‪ :‬قد ال‬
‫يكون إما أن يكون الشيء حيواانً وإما أن يكون إنساانً‪ .‬ألنه يف بعض األحوال يكون جامعاً بني كونه‬
‫إنساانً وحيواانً فال عناد وتقول يف املتصلة‪ :‬ليس كلما كان الشيء حيواانً كان فرساً ويف املنفصلة‪:‬‬
‫ليس دائماً إما أن يكون الشيء حيواانً وإما أن يكون فرساً‪.‬‬
‫والشرطية املهملة‪ :‬هي اليت جترد ربطها أو عنادها عن مجيع األسوار‪ .‬ومثاهلا متصلة‪ :‬إن كان هذا‬
‫حيواانً كان إنساانً ومثاهلا منفصلة‪ .‬إما أن يكون هذا حيواانً وإما يكون فرساً‪.‬‬
‫واملهملة يف قوة اجلزئية كما تقدم‪.‬‬
‫وأما الشرطية املخصوصة‪ :‬فهي الشرطية اليت حكم فيها على وضع معني من األوضاع املمكنة أي‬
‫حال من األحوال املمكنة‪ .‬ومثاهلا متصلة‪ :‬إن جئتين اآلن أكرمتك‪ .‬فتخصيص ربطها ابلوقت احلاضر‬
‫دون غيه من األزمنة صيها خمصوصة‪.‬‬
‫ومثاهلا منفصلة‪ :‬زيد اآلن إما كاتب أو غي كاتب‪ .‬فتبني مبا ذكران أن الشرطية كاحلملية تنقسم إىل‬
‫خمصوصة وكلية وجزئية ومهملة‪ .‬وكل واحدة منها تكون موجبة أو سالبة فاألقسام مثانية وهي يف‬
‫احلقيقة ستة ألن املهملة السالبة واملهملة املوجبة راجعتان إىل اجلزئية ألهنا يف قوهتا فتصي األقسام يف‬
‫احلقيقة ستة كما تقدم‪ .‬واعلم أن مشول الكلية احلملية إمنا هو لألفراد الداخلة‪.‬‬

‫(‪)60/1‬‬

‫[‪]61 /1‬‬

‫حتت لفظ املوضوع‪ .‬ومشول اجلزئية احلملية إمنا هو لبعض األفراد املذكورة‪ .‬وأما الشرطية الكلية‬
‫فشموهلا حبسب األوضاع واألحوال ال األفراد وكذلك الشرطية اجلزئية فشموهلا لبعض األوضاع‬
‫واألحوال ال األفراد‪ .‬وقد قدمنا أمثلة اجلميع‪.‬‬

‫(‪)61/1‬‬

‫[‪]62 /1‬‬

‫فصل يف التناقض‬
‫وهو يف اللغة كون شيئني ينقض كل واحد منهما اآلخر ويف االصطالح‪ :‬هو اختالف قضيتني يف‬
‫الكيف‪ .‬أعين السلب وا ِإلجياب على وجه يلزم منه أن تكون إحدامها صادقة واألخرى كاذبة‪ .‬فإن‬
‫كذبتا معاً أو صدقتا معاً فال تناقض وقد علمت مما مر أن القضااي أربع‪ :‬شخصية‪ .‬ومهملة‪ .‬وكلية‪.‬‬
‫وجزئية‪ :‬وأن املهملة يف قوة اجلزئية فهي يف احلقيقة ثالث‪.‬‬
‫أما تناقض الشخصية فال حيتاج إال إىل تبديل الكيف فقط‪ .‬فنقيض الشخصية املوجبة شخصية سالبة‬
‫كعكسه فقولك زيد قائم نقيض زيد ليس بقائم‪ .‬وزيد ليس بقائم نقيضه زيد قائم‪.‬‬
‫وإن كانت مسورة فإهنا يلزم تبديل كمها مع تبديل كيفها‪ .‬فنقيض الكلية املوجبة حنو كل إنسان‬
‫حيوان جزئية سالبة وهي بعض ا ِإلنسان ليس حبيوان‪ .‬كعكسه ونقيض الكلية السالبة حنو الشيء من‬
‫ا ِإلنسان حبجر‪ ،‬جزئية موجبة وهي‪ .‬بعض ا ِإلنسان حجر كعكسه‪.‬‬
‫واملهملة يف قوة اجلزئية فإن كانت مهملة موجبة فنقيضها سالبة كلية‪ .‬وإن‪ :‬كانت مهملة سالبة‬
‫فنقيضها كلية موجبة كما هو واضح‪.‬‬
‫فظهر أن االختالف يف الكيف بني القضيتني البد منه يف التناقض‪ .‬وأن تبديل السور الكلي ابجلزئي‬
‫كعكسه أيضاً البد منه يف املسورات ألن السور الكلي إذا مل يبدل ابجلزئي‪ .‬ومل يبدل اجلزئي ابلكلي‬
‫جاز صدقهما معاً وكذهبما معاً فيما إذا كان احملمول أخص من املوضوع‪.‬‬
‫فلو قلت كل حيوان إنسان‪ .‬وال شيء من احليوان إبنسان فهما كليتان‬

‫(‪)62/1‬‬

‫[‪]63 /1‬‬

‫كاذبتان لعدم تبديل الكم وكذلك لو قلت بعض احليوان إنسان وبعض احليوان ليس إبنسان فهما‬
‫جزئيتان صادقتان لعدم تبديل الكم وقد عرفت أن ال تناقض بني كاذبتني وال بني صادقتني‪.‬‬

‫****‬

‫واعلم أن املنطقيني يقولون إنه يشرتط لتحقيق التناقض بني القضيتني االحتاد يف تسعة أُمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬احتاد احملمول فلو اختلف جاز كذهبما وصدقهما كقولك زيد ضاحك زيد ليس بكاتب‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬احتاد املوضوع‪ .‬فلو اختلف جاز صدقهما وكذهبما كقولك‪ :‬زيد عامل وعمرو ليس بعامل‪.‬‬
‫اّلل عليه وسلم‬
‫الثالث‪ :‬احتاد الزمان‪ :‬فإن اختلف الزمان جاز صدقهما وكذهبما كقولك‪ :‬النيب صلى ه‬
‫صلى إىل بيت املقدس النيب ص مل يصل إىل بيت املقدس فإن قصدت ابألول ما قبل النسخ وابلثاين‬
‫ما بعده صدقتا وإن عكست كذبتا‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬احتاد املكان‪ :‬فإن اختلف جاز صدقهما وكذهبما كقولك‪ :‬زيد صلى ‪ -‬تعين يف املسجد ‪-‬‬
‫زيد مل يصل تعين يف الدار‪.‬‬
‫اخلامس‪ :‬الفعل والقوة‪ :‬فإن قصد إبحدى القضيتني الفعل وابألخرى القوة جاز صدقهما وكذهبما‬
‫كقولك اخلمر يف الدن مسكرة تعين ابلقوة واخلمر يف الدن ليست مبسكرة تعين ابلفعل فهما‬
‫صادقتان ولو عكست يف القصد لكانتا كاذبتني‪.‬‬
‫السادس‪ :‬الكل والبعض‪ :‬فإن اختلفا يف الكل والبعض جاز صدقهما وكذهبما كقولك‪ :‬الزجني أبيض‬
‫تعين بعضه وهو أسنانه‪ .‬وبياض عينيه‪ .‬الزجني ليس أببيض تعين سائر بدنه‪.‬‬
‫السابع‪ :‬ا ِإلضافة‪ :‬فإن اختلفتا يف ا ِإلضافة جاز كذهبما وصدقهما كقولك زيد أب وزيد ليس أبب‬
‫تعين ابألول أنه أب لعمرو ‪ ..‬و ابلثاين لبكر‪ .‬أنه ليس أابً لبكر‪.‬‬

‫(‪)63/1‬‬

‫[‪]64 /1‬‬

‫الثامن‪ :‬الشرط‪ .‬فإن اختلفتا يف الشرط جاز كذهبما وصدقهما كقولك‪ :‬زيد يدخل اجلنة وزيد ال‬
‫يدخل اجلنة تعين ابألول بشرط موته على ا ِإلميان وابلثاين بشرط موته على الكفر‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬احتادمها يف التحصيل والعدول فإن كانت إحدامها حمصلة واألخرى معدولة مل يتناقضا لصدق‬
‫السالبة احملصلة مع صدق املوجبة املعدولة كما هو معروف يف حمله‪ .‬وكذلك تصدق احملصلة املوجبة‬
‫مع صدق السالبة املعدولة‪ .‬هكذا يقولون‪.‬‬
‫والتحقيق أن التناقض بني القضيتني يتحقق ابلوحدة يف شيء واحد وهو النسبة احلكمية‪ .‬أبن تكون‬
‫النسبة املثبتة هي بعينها النسبة املنفية‪.‬‬
‫تنبيهان مهمان‪- :‬‬
‫األول‪ :‬اعلم أن ما ذكران هنا من أنه يشرتط يف التناقض بني النقيضني إجياد احتاد الزمان أمر حق‬
‫صحيح ال شك فيه وبه يظهر غلط مجاهي علماء األصول يف قوهلم‪ :‬إن املتواترات ال تنسخ أبخبار‬
‫اآلحاد الثابت أتخرها عنها مع أن خرب الواحد املتأخر عن املتواتر ال يناقضه الختالف زمنيهما‬
‫وكالمها حق يف وقته‪ .‬فقوله تعاىل‪{ :‬قل ال أجد يف فيما أوحي إيل حمرماً على طاعم يطعمه ‪} ...‬‬
‫اآلية‪ .‬إذ أنزل بعده أبكثر من سبع سنني حترمي احلمر األهلية خبيرب مثال فال يكون حترمي احلمر الطارئ‬
‫بعد اآلية بسنني مناقضاً هلا ألهنا وقت نزوهلا مل يكن حمرماً إال ما ذكر فيها من احملرمات األربعة‪ .‬وحترمي‬
‫احلمر طارئ بعد ذلك‪.‬‬
‫فاآلية صادقة يف وقتها وأحاديث حترمي احلمر األهلية صادقة يف وقتها‪ .‬فتبني أن التحقيق الذي ال‬
‫شك فيه هو جواز نسخ املتواتر أبخبار اآلحاد الثابت أتخرها عنه لعدم املنافاة مع اختالف الزمن‪.‬‬
‫وقد أوضحنا هذا يف كتابنا أضواء البيان يف سورة األنعام يف الكالم على قوله تعاىل‪{ :‬قل ال أجد يف‬
‫ما أوحي إيل حمرماً‪ }. . .‬اآلية‪.‬‬

‫(‪)64/1‬‬

‫[‪]65 /1‬‬

‫وقد غلط يف هذه املسألة مجاهي علماء األصول مع كثرهتم و جاللتهم يف العلم والفهم والعلم عند‬
‫هللا تعاىل‪.‬‬
‫التنبيه الثاين‪ :‬قد علمت مما ذكران يف التناقض أن الكلية املوجبة يتحقق نقضها ابجلزئية السالبة‪ .‬وهذا‬
‫يف فن املنطق أمر معروف مطرد ال نزاع فيه ولكن مثله ال يتحقق به التناقض يف فن األصول ألنه كم‬
‫من نص من كتاب أو سنة هو كلية موجبة مع وجود نص آخر من كتاب أو سنة يتضمن جزئية سالبة‬
‫مع أنه ال تناقض بني النصني اللذين أحدمها كلية موجبة واآلخر جزئية سالبة ووجه عدم التناقض‬
‫بينهما أن اجلزئية السالبة تكون خمصصة للكلية املوجبة والتخصيص يف االصطالح هو قصر العام‬
‫على بعض أفراده بدليل قوله‪ .‬تعاىل‪{ :‬واملطلقات يرتبصن أبنفسهن ثالثة قروء}‪ .‬األلف والالم يف‬
‫املطلقات سواء قلنا أهنا موصولة وصلتها اسم املفعول املقرتن هبا أو قلنا إهنا تعريفية نظراً إىل تناسي‬
‫الوصفية‪ .‬أو على رأي من يرى أهنا تعريفية فهو يف قوة كلية موجبة‬
‫هي كل مطلقة ترتبص ثالثة قروء‪.‬‬
‫وقوله يف املطلقات احلوامل {وأوالت األمحال أجلهن أن يضعن محلهن}‪ .‬يف قوة جزئية سالبة هي‬
‫قولك بعض املطلقات ال يرتبصن أبنفسهن ثالثة قروء‪ .‬بل ينتظرن وضع محلهن فهذه اجلزئية السالبة‬
‫مل تناقض تلك الكلية املوجبة‪ .‬بل هي خمصصة لعمومها‪.‬‬
‫وكذلك قوله تعاىل‪{ :‬اي أيها الذين آمنوا إذا نكحتم املؤمنات مث طلقتموهن من قبل أن متسوهن فما‬
‫لكم عليهن من عدة تعتدوهنا}‪ .‬اآلية‪ .‬فهو أيضاً يف قوة جزئية سالبة هي قولك‪ :‬بعض املطلقات ال‬
‫يرتبصن أبنفسهن ثالثة قروء ألهنن ال عدة عليهن أصال وهن املطلقات قبل الدخول‪.‬‬
‫وكل املخصصات املنفصلة املعروفة يف فن األصول أمثلة ملا ذكران كقوله تعاىل‪{ :‬وأحل لكم ما وراء‬
‫ذلكم}‪ ،‬فإنه كلية موجبة ألن لفظة (ما) يف‬

‫(‪)65/1‬‬

‫[‪]66 /1‬‬

‫اآلية صيغة عموم‪ .‬فهو يف قوة وأحل لكم كل امرأة سوى ما ذكر من احملرمات يف قوله‪{ :‬حرمت‬
‫عليكم أمهاتكم} إىل قوله‪{ :‬واحملصنات من النساء} اآلية‪.‬‬
‫وحترمي النيب ص لنكاح املرأة على عمتها أو خالتها يف قوة جزئية سالبة هي قولك بعض ما وراء ذلك‬
‫ليس حبالل لكم كجمع املرأة وعمتها وخالتها‪ .‬فهو ختصيص ال تناقض‪ ،‬وهكذا فافهمه فإنه مهم‬
‫واعلم أن التناقض ابعتبار اجلهة مل نذكره ألان مل نتعرض للجهة وال للقضااي املوجهة أصال كغيها من‬
‫أحكام القضااي اختصاراً كما أشران إليه سابقاً‪.‬‬
‫ونقيض الشرطية يعرف من نقيض احلملية‪ ،‬ويشرتط لتناقضهما إجياد املقدم والتايل والزمان واملكان‬
‫واختالف الكيف مع اختالف الكم يف املسورات‪ .‬فقولك مثال‪ :‬كلما كان هذا إنساانً كان حيواانً‪.‬‬
‫نقيض قد ال يكون إذا كان هذا إنساانً كان حيواانً وقولك ليس البتة إذا كان هذا إنساانً كان حجراً‪.‬‬
‫نقيضه قد يكون إذا كان هذا إنساانً كان حجراً‪ .‬وابلعكس فيهما وقس على ذلك ابقيها‪.‬‬
‫ومن فوائد معرفة التناقض أنك إذا أقمت الدليل على صحة نقيض قول‪ :‬اخلصم فكأنك أقمته على‬
‫بطالن دليله ألن صحة النقيض يلزمها بطالن نقيضه‪ .‬وإذا أقمت الدليل على بطالن نقيض قولك‬
‫فكأنك أقمته على صحته ألن بطالن النقيض يلزمه صحة نقيضه وهكذا‪.‬‬

‫(‪)66/1‬‬
‫[‪]67 /1‬‬

‫فصل يف العكس‬
‫وهو يف اللغة قلب الشيء جبعل أوله آخره وأعاله أسفله مثالً وهو يف االصطالح ثالثة أقسام‪.‬‬
‫العكس املستوى وإليه ينصرف اسم العكس عند اإلطالق‪.‬‬
‫وعكس النقيض املوافق‪.‬‬
‫وعكس النقيض املخالف‪.‬‬
‫وهذا تعريف كل واحد منها مع إيضاحه ابألمثلة‪.‬‬
‫أما العكس املستوى‪ :‬فضابطه هو تبديل كل واحد من طريف القضية ذات الرتتيب الطبيعي بعني‬
‫اآلخر مع بقاء الكيف والكم على وجه يلزم معه الصدق وال يلزم الصدق يف عكس املوجبة الكلية‬
‫إال مع تبديل السور الكلي بسور جزئي‪.‬‬
‫وإيضاحه أن احملمول يصي موضوعاً مقصوداً به أفراده واملوضوع يصي حمموال مقصوداً به املاهية‬
‫الذهنية اليت هي القدر املشرتك‪ .‬فالسالبة الكلية تنعكس كنفسها فقولك ال شيء من ا ِإلنسان حبجر‬
‫عكسه ال شيء من احلجر إبنسان‪.‬‬
‫واملوجبة الكلية تنعكس إىل جزئية موجبة فقولك كل إنسان حيوان عكسه بعض احليوان إنسان‪.‬‬
‫واملوجبة اجلزئية تنعكس إىل موجبة جزئية فقولك بعض ا ِإلنسان حيوان عكسه بعض احليوان إنسان‪.‬‬
‫واملهملة يف قوة اجلزئية والشخصية‪ ،‬إذا كان كل من موضوعها وحمموهلا شخصية انعكست إىل‬
‫شخصية‪ :‬فقولك هذا زيد عكسه زيد هذا‪ .‬وإذا كان حمموهلا كلياً انعكست إىل جزئية‪ .‬فقولك زيد‬
‫كاتب عكسه بعض الكاتب‬

‫(‪)67/1‬‬

‫[‪]68 /1‬‬

‫زيد وإن كان احملمول شخصياً واملوضوع كلياً انعكست شخصية‪ ،‬فقولك‪ :‬ا ِإلنسان زيد عكسه زيد‬
‫إنسان‪.‬‬
‫أما السالبة اجلزئية فال عكس هلا الجتماع اخلستني فيها ومها‪ :‬اجلزئية والسلب فلو قلت‪ :‬بعض‬
‫احليوان ليس إبنسان وأردت أن تعكس لكان عكسه بعض ا ِإلنسان ليس حبيوان وهو ابطل كما ترى‪.‬‬
‫ومن فوائد العكس‪ .‬أنك إذا أقمت الدليل على صحة األصل املنعكس لزم من ذلك صحة عكسه‬
‫والعكس إمنا يكون يف القضااي ذات الرتتيب الطبيعي وهي احلمليات والشرطيات املتصلة وقد‬
‫تقدمت أمثلته يف احلمليات‪.‬‬
‫وأما يف الشرطيات فهو كاحلمليات فعكس املتصلة الكلية املوجبة جزئية موجبة فقولك‪ :‬كلما كان‬
‫الشيء إنساانً كان حيواانً‪ ،‬عكسه قد يكون إذا كان الشيء حيواانً كان إنساانً وقس على ذلك‬
‫ابقيها‪.‬‬
‫أما القضااي اليت ترتيبها ليس بطبيعي بل ابختيار املتكلم يف التقدمي والتأخي وهي الشرطيات املنفصلة‬
‫فال عكس فيها أصال‪ :‬ألن التقدمي والتأخي فيها حبسب اختيار املتكلم فليس يف عكسها حكم الزم‪.‬‬
‫واملعروف عندهم أن صدق العكس إن كان على الوجه الذي ذكران تدل عليه ثالثة أدلة وهي‬
‫االفرتاض واخللف وطريق العكس‪ .‬وسنكتفي منها هنا بواحد‪ .‬وهو االفرتاض ألجل االختصار وهو‬
‫أن نفرض لفظاً مرادفاً ملوضوع القضية اليت هي األصل املنعكس مث حتمل عليه نفس حمموهلا يف قضية‬
‫وحتمل عليه نفس موضوعها يف قضية أخرى فإنه ينتج من الشكل الثالث عني العكس املستوى‬
‫املذكور يف املثال السابق فلو قلت مثال كل إنسان حيوان فهذا هو األصل املنعكس‪ .‬وهو كلية‬
‫موجبة تنعكس إىل جزئية‪ ،‬موجبة فإذا فرضت مرادف موضوعها كالناطق املرادف ل ِإلنسان ومحلت‬
‫عليه كال من طريف األصل املنعكس ابدائً ابحملمول فقلت كل انطق حيوان وكل انطق إنسان فإنه ينتج‬
‫من‬

‫(‪)68/1‬‬

‫[‪]69 /1‬‬

‫الشكل الثالث بعض احليوان إنسان‪ .‬وهو عني عكس األصل الذي هو كل إنسان حيوان فهذا دليل‬
‫واضح على صدق العكس‪.‬‬
‫واعلم أن ما يذكره بعض املنطقيني من أن ما جيري يف االفرتاض من القضااي تشرتط فيه كون القضااي‬
‫فعلية واملراد هبا ما عدى املمكنات من املوجهات فيصدق ابلضرورايت والدوائم واملطلقات‪ .‬وكون‬
‫احملمول وجودايً تركنا إيضاحه ألنه يتعلق ببحث القضااي املوجهة‪ .‬وقد تركناها رأساً‪ ،‬والشروط‬
‫املذكورة ال تشرتط إال مع اجلهة فال وجه لذكرها مع تركنا الكالم على اجلهة واملوجهات‪.‬‬
‫وأما عكس النقيض املوافق فضابطه هو أن تبدل كل واحد من طريف القضية بنقيض اآلخر فتبدل‬
‫ع مع بقاء الكيف‪.‬‬
‫املوضوع بنقيض احملمول واحملمول بنقيض املوضو َ‬
‫فإن كانت كلية موجبة انعكست كلية موجبة كنفسها وإن كانت كلية سالبة فالبد من تبديل السور‬
‫الكلي بسور جزئي فتنعكس من الكلية السالبة إىل جزئية عكس الواقع يف العكس املستوى فإن‬
‫الكلية السالبة فيه تنعكس كنفسها والكلية املوجبة تنعكس فيه جزئية موجبة‪.‬‬
‫أما يف املستوى فقد تقدمت األمثلة قريباً‪.‬‬
‫وأما عكس النقيض املوافق فمثاله‪ :‬أنك لو قلت مثال كل إنسان حيوان وأردت أن تعكسه بعكس‬
‫النقيض املوافق فإنك تقول كل ال حيوان ال إنسان فإن (ال حيوان) يف هذا املثال هو املوضوع وهو‬
‫نقيض احملمول يف األصل املنعكس ألنه فيه هو لفظة حيوان‪ .‬ونقيض احليوان ال حيوان ملا قدمنا يف‬
‫أقسام التباين من أن النقيضني مها السلب واإلجياب ولفظة (ال إنسان) يف هذا املثال هي احملمول‬
‫وهو نقيض املوضوع يف األصل املنعكس ألن املوضوع فهي لفظة (إنسان) ونقيض ا ِإلنسان ال إنسان‬
‫وقد انعكست فيه املوجبة الكلية إىل موجبة كلية كنفسها‪.‬‬

‫(‪)69/1‬‬

‫[‪]70 /1‬‬

‫أما الكلية السالبة فيه فال تنعكس إال جزئية سالبة‪ .‬فلو قلت ال شيء من ا ِإلنسان حبجر وأردت أن‬
‫تعكسه بعكس النقيض املوافق فإنك تقول‪ :‬بعض ال حجر ال إنسان وهو واضح مما تقدم‪ .‬فلو‬
‫عكست فيه الكلية السالبة إىل كلية سالبة مل يلزم الصدق بل رمبا كذبت‪ .‬فلو عكست املثال املذكور‬
‫الذي هو (ال شيء من ا ِإلنسان حبجر) إىل كلية فقلت‪ :‬ال شيء من ال حجر ال إنسان فإنه يكون‬
‫كذابً ألن بعض ال حجر إنسان فانتفاء احلجرية عن شيء ال يلزم منه كونه غي إنسان فقد يكون‬
‫إنساانً وقد يكون غي إنسان كما ال خيفى‪.‬‬
‫وعكس املوجبة اجلزئية فيه موجبة جزئية‪ .‬فلو قلت بعض احليوان إنسان فعكس نقيض املوافق بعض‬
‫ال إنسان ال حيوان وهو صادق‪ .‬وال يصدق إال جزئياً ألن ما انتفت عنه ا ِإلنسانية قد تنتفي عنه‬
‫احليوانية كاحلجر‪ .‬وقد تثبت له احليوانية كالفرس‪.‬‬
‫واعلم أن الشرطيات يف عكس النقيض كاحلمليات أيضاً‪ .‬فقولك يف الشرطية املتصلة اللزومية اليت‬
‫هي كلية موجبة‪ :‬كلما كان الشيء إنساانً كان حيواانً ينعكس لعكس النقيض املوافق إىل قولك‪ :‬كلما‬
‫مل يكن الشيء حيواانً‪ .‬مل يكن إنساانً‪ .‬وكقولك يف الشرطية املتصلة اللزومية اليت هي كلية سالبة‪:‬‬
‫ليس البتة إذا كان الشيء إنساانً كان حجراً فعكس نقيض املوافق جزئية سالبة فيه ال تنعكس إال‬
‫جزئية وهو يف املثال املذكور قد ال يكون إذا مل يكن الشيء حجراً مل يكن إنساانً‪.‬‬
‫وأما عكس النقيض املخالف فهو أن تبدل الطرف األول من القضية ذات الرتتيب الطبيعي بنقيض‬
‫الطرف األخي‪ ،‬وتبدل الطرف األخي بعني الطرف األول مع تبديل الكيف الذي هو السلب‬
‫واإلجياب فتبدل السلب اب ِإلجياب‬

‫(‪)70/1‬‬

‫[‪]71 /1‬‬

‫وا ِإلجياب ابلسلب مع لزوم الصدق‪ .‬فلو قلت كل إنسان حيوان وأردت عكسه بعكس النقيض‬
‫املخالف فإنك تقول ال شيء من ال حيوان إبنسان فقد أبدلت األول بنقيض األخي وأبدلت األخي‬
‫بعني األول‪ ،‬وأبدلت ا ِإلجياب ابلسلب‪.‬‬

‫(‪)71/1‬‬

‫[‪]72 /1‬‬

‫فصل يف مقاصد التصديقات‬


‫وهي القياس املنطقي وهو املقصود األصلي من فن املنطق ألنه هو العمدة عندهم يف حتصيل املطالب‬
‫التصديقية اليت هي أشرف من التصورية والقياس يف اللغة‪ ،‬مصدر قاس الشيء على الشيء إذا قدره‬
‫بقدره وهو يف اصطالح املنطقيني‪ :‬قول مؤلف من قضية فأكثر على وجه يستلزم لذاته قضية أخرى‬
‫فخرج بقوهلم (مؤلف من قضيتني إخل ‪ ) ...‬ما ليس مبؤلف‪ ،‬كالقضية ولو كانت من املوجهات املركبة‬
‫اليت هي يف قوة قضيتني ألهنا تسمى قضية واحدة‪ ،‬وإن كانت ابلرتكيب تكون يف قوة اثنني ودخل‬
‫اّلل‪.‬‬
‫بقوهلم فأكثر‪ :‬القياس املركب كما سيأيت إيضاحه إن شاء ه‬
‫وخرج بقوهلم‪ :‬يستلزم لذاته قضية أخرى ما مل يستلزم قضية أصال‪ .‬كما لو قلت‪ :‬اإلنسان حيوان‬
‫واحلجر مجاد‪ ،‬فإهنما ال يستلزمان قضية‪ .‬وخرج بقوهلم‪ :‬لذاته ما استلزم قضية أخرى ال لذاته بل من‬
‫أجل قضية أجنبية أو خلصوص املادة‪.‬‬
‫فمثال ما استلزم قضية ال لذاته بل ملقدمة أجنبية قياس املساواة كقولك‪ :‬زيد مساو لعمرو وعمرو‬
‫مساو لبكر‪ .‬فإنه ينتج‪ :‬زير مساو لبكر‪ .‬وذلك بواسطة مقدمة أجنبية وهي مساوي املساوي بشيء‬
‫مساو لذلك الشيء‪ .‬فلو مل تكن هناك قضية أجنبية صادقة مل يستلزم شيئاً‪ .‬كما لو قلت ا ِإلنسان‬
‫مباين للفرس والفرس مباين للناطق فال يستلزم كون ا ِإلنسان مبايناً للناطق ألنك لو قلت‪ :‬مباين‬
‫املباين لشيء مباين لذلك الشيء مل تصدق ألنه قد يكون غي مباين له كاملثال املذكور‪ .‬وكذلك‬
‫قياس النصفية فإنه ال يستلزم شيئاً كقولك االثنان نصف األربعة‪ ،‬واألربعة نصف الثمانية‪ ،‬فال يستلزم‬
‫أن االثنني نصف‬

‫(‪)72/1‬‬

‫[‪]73 /1‬‬

‫الثمانية لعدم صدق نصف النصف نصف‪ .‬ومثال االستلزام خلصوص املادة قولك ال شيء من‬
‫ا ِإلنسان حبجر وال شيء من احلجر بصاهل فإنه ينتج‪ :‬ال شيء من اإلنسان بصاهل‪ .‬وهو صادق‬
‫خلصوص املادة ال لذات املقدمتني‪ ،‬بدليل أنك لو جعلت‪ :‬الناطق يف الكربى مكان الصاهل ملا كانت‬
‫صادقة‪ ،‬كما لو قلت‪ :‬ال شيء من ا ِإلنسان حبجر وال شيء من احلجر بناطق فإنه ينتج ال شيء من‬
‫اإلنسان بناطق وهو كاذب وهيأة تركيب املقدمتني هي هي‪ .‬وصدقها يف الصاهل‪ .‬وكذهبا يف الناطق‬
‫يدل على أن ذلك الصدق إمنا لزم املقدمتني خلصوص املادة ال لذات املقدمتني كما ترى‪.‬‬
‫وإذا علمت املراد ابلقياس عند املنطقيني‪ .‬فاعلم أنه ابلتقسيم األول ينقسم إىل قسمني‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬هو املسمى ابلقياس االقرتاين ويسمى القياس احلملي‪ ،‬وقياس الشمول‪ .‬وهو يكون يف‬
‫القضااي احلملية‪ .‬والشرطيات املتصلة‪.‬‬
‫والقسم الثاين‪ :‬هو املسمى ابلقياس االستثنائي‪ ،‬ويسمى الشرطي‪ .‬وال يكون إال يف القضااي الشرطية‬
‫خاصة‪ ،‬وهو يكون يف الشرطيات املتصلة‪ ،‬والشرطيات املنفصلة‪ .‬وال يكون يف احلمليات البتة وإذا‬
‫علمت هذا فدونك تفاصيل مجيعه إبيضاح‪.‬‬
‫اعلم أوالً أن القياس احلملي إمنا مسي اقرتانياً القرتان حدوده الثالثة من غي أن يتخللها حرف استثناء‬
‫الذي هو (لكن) ومسي محلياً ألن احلمليات ختتص به ويسمى مشولياً ألن احل هد األصغر إذا اندرج يف‬
‫األوسط واندرج األوسط يف األكرب لزم اندماج األصغر يف األكرب ومشوله له كما أييت إيضاح ذلك كله‬
‫اّلل تعاىل‪.‬‬
‫قريباً إن شاء ه‬
‫وقد أردان هنا أن نبدأ إبيضاح االقرتاين وأقسامه يف القضااي احلملية ونبني أن ذلك يفهم منه حنوه يف‬
‫الشرطيات املتصلة مث نعقد فصال مستقال للقياس االستثنائي فنوضح فيه مجيع أقسامه‪.‬‬

‫(‪)73/1‬‬

‫[‪]74 /1‬‬

‫اعلم أوال أان ذكران يف تعريف القياس أنه قول مؤلف من قضيتني‪ . .‬إخل وقد علمت مما مضى أن‬
‫احلملية مركبة من موضوع وحممول فإذاً البد يف القياس االقرتاين من أربع كلمات‪.‬‬
‫‪ - 1‬موضوع القضية األوىل‪.‬‬
‫‪ - 2‬وحمموهلا‪.‬‬
‫‪ - 3‬وموضوع األخية‪.‬‬
‫‪ - 4‬وحمموهلا‪.‬‬
‫فهذه أربع كلمات هي موضوعان‪ ،‬وحمموالن وهذه الكلمات األربع البد أن تكون واحدة منها مكررة‬
‫أبن تكون هي إحدى كلميت القضية األوىل وهي بعينها أيضاً إحدى كلميت القضية األخرى‬
‫فالكلمات يف احلقيقة ثالث ألن واحدة من األربع البد من تكرارها فالكلمة املتكررة اليت هي جزء‬
‫كل واحدة من القضيتني هي اليت تسمى ابحل هد الوسط والكلمة اليت ختتص هبا القضية األوىل هي اليت‬
‫تسمى ابحل هد األصغر‪ .‬والكلمة اليت ختتص هبا القضية األخية هي اليت تسمى ابحل هد األكرب‪.‬‬
‫والقضية اجملعولة‪ .‬جزء دليل كما هنا تسمى يف اصطالحهم مقدمة فاملقدمة املشتملة على احل هد‬
‫األصغر تسمى يف االصطالح مقدمة صغرى‪ ،‬واملقدمة املشتملة على احل هد األكرب تسمى يف‬
‫االصطالح مقدمة كربى‪ .‬واحلد األصغر هو موضوع النتيجة دائماً‪ .‬واحلد األكرب هو حمموهلا‪ .‬واحلد‬
‫الوسط يلغى عند اإلنتاج فيحذف وتكون النتيجة متألفة من األصغر واألكرب‪ .‬فاألصغر موضوعها‪،‬‬
‫واألكرب حمموهلا‪.‬‬
‫فلو قلت مثال‪ :‬كل إنسان حيوان‪ ،‬وكل حيوان حساس‪ .‬فهذا قياس اقرتاين يتألف من ثالث كلمات‪.‬‬
‫‪ - 1‬األوىل‪ :‬ا ِإلنسان وقد اختصت هبا املقدمة األوىل فلفظة اإلنسان يف هذا‬

‫(‪)74/1‬‬

‫[‪]75 /1‬‬
‫املثال هو احل هد األصغر‪ ،‬املقدمة املشتملة عليه اليت هي‪ :‬كل إنسان حيوان هي املقدمة الصغرى‪.‬‬
‫‪ - 2‬الثانية احليوان‪ :‬وهي متكررة ألهنا يف هذا املثال حممول يف األوىل‪ ،‬وموضوع يف األخرى فلفظة‬
‫احليوان يف هذا املثال هو املسمى ابحل هد الوسط‪.‬‬
‫‪ - 3‬والثالثة احلساس‪ :‬وقد اختصت هبا املقدمة األخية واحلساس يف هذا املثال هو احل هد األكرب‬
‫واملقدمة املشتملة عليه هو املقدمة الكربى اليت هي‪ :‬كل حيوان حساس‪.‬‬
‫أما لفظة كل يف املقدمتني فإمنا هي سور جيء به لبيان كمية األفراد احملكوم عليها فليست موضوعاً‬
‫كما قدمنا إيضاحه‪ ،‬وإن أعرهبا النحويون مبتدأ‪ ،‬ولذا مل نعدها يف املثال املذكور من الكلمات ألهنا‬
‫ليست مبحمول وال موضوع‪ .‬وإمنا هي لفظ جيء به لبيان الكمية احملكوم عليها من أفراد املوضوع‬
‫ابحملمول‪ .‬وإذا نظران هذا املثال الذي ذكران للقياس االقرتاين الذي هو قولنا‪ :‬كل إنسان حيوان وكل‬
‫حيوان حساس‪ :‬وعرفت أن ا ِإلنسان حداً أصغر‪ ،‬واحلساس حداً أكرب‪ ،‬واحليوان حداً وسطاً‪.‬‬
‫فاعلم أن القياس املذكور ينتج كل إنسان حساس‪ .‬فصار (ا ِإلنسان) الذي هو احل هد األصغر موضوع‬
‫هذه النتيجة واحلساس الذي هو احل هد األكرب حمموهلا واحليوان الذي هو احل هد الوسط ألغي وحذف‬
‫لدى ا ِإلنتاج‪ ،‬واعلم أن الكلمات املذكورة إمنا مسيت حدودا ألهنا أطراف القياس ومنتهاه‪ ،‬وحد‬
‫الشيء طرفه ومنتهاه‪.‬‬
‫واعلم أن ضابط القياس االقرتاين هو أنه يشتمل على النتيجة ابلقوة دون الفعل أبن يكون مشتمالً‬
‫على مادهتا دون صورهتا‪ .‬فقولك كل إنسان حيوان‪ .‬وكل حيوان حساس قياس اقرتاين‪ ،‬ينتج كل‬
‫إنسان حساس‪ ،‬وهذا اللفظ الذي‬

‫(‪)75/1‬‬
‫[‪]76 /1‬‬

‫هو‪ :‬كل إنسان حساس مل يكن مذكوراً يف هذا القياس بصورته بل مبادته ألن اإلنسان مذكور يف‬
‫املقدمة الصغرى‪ .‬واحلساس مذكور يف الكربى‪ ،‬والشيء يوجد مع مادته ابلقوة قبل حصول صورته‪.‬‬
‫وإذا عرفت هذا فاعلم أن القياس االقرتاين تنحصر أشكاله أي هيآته اليت أييت عليها يف أربعة أشكال‬
‫وذلك حبسب هيآت احل هد الوسط فإهنا حمصورة يف أربع حصراً قطعياً ألنه البد له من واحدة من أربع‬
‫حاالت‪ ،‬ال خامسة هلا البتة‪-:‬‬
‫األوىل‪ :‬أن يكون احل هد الوسط حمموالً يف الصغرى موضوعاً يف الكربى‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يكون حمموال فيهما‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يكون موضوعاً فيهما‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬أن يكون موضوعاً يف الصغرى حمموال يف الكربى‪ .‬وال خامسة البتة كما ترى‪.‬‬
‫أ ‪ -‬فإن كان احل هد األوسط حمموال يف الصغرى موضوعاً يف الكربى فهو املسمى ابلشكل األول‬
‫ببني اإلنتاج‪ .‬ومثاله‪ :‬كل إنسان حيوان وكل حيوان حساس ينتج من الشكل األول‪ :‬كل‬
‫ويُعرف ه‬
‫إنسان حساس‪.‬‬
‫ب ‪ -‬وإن كان احل هد الوسط حمموال فيهما فهو املسمى ابلشكل الثاين‪ :‬ومثاله‪ :‬كل إنسان حيوان‪ ،‬وال‬
‫شيء من احلجر حبيوان ينتج من الشكل الثاين ال شيء من اإلنسان حبجر‪.‬‬
‫ج ‪ -‬وإن كان احل هد الوسط موضوعاً فيهما فهو املسمى ابلشكل الثالث‪ .‬ومثاله كل إنسان حيوان‬
‫وكل إنسان انطق ينتج من الشكل الثالث‪ :‬بعض احليوان انطق‪.‬‬
‫د ‪ -‬وإن كان موضوعاً يف الصغرى حمموال يف الكربى فهو املسمى ابلشكل الرابع وهو أبعدها من‬
‫الشكل األول الذي هو هبني اإلنتاج‪ .‬ومثاله‪ :‬كل إنسان حيوان‪ ،‬وكل انطق إنسان ينتج من الشكل‬
‫الرابع بعض احليوان انطق‪.‬‬

‫(‪)76/1‬‬

‫[‪]77 /1‬‬

‫واعلم أن الصور الداخلة حتت األشكال األربعة ابعتبار الكم والكيف تسمى ضروابً‪ ،‬فكل شكل‬
‫مشتمل على ستة عشر ضرابً‪ .‬ألن صغرى مقدميت الشكل إما أن تكون كلية وإما أن تكون جزئية‪،‬‬
‫ويف كل منهما إما أن تكون سالبة وإما أن تكون موجبة‪ .‬فصورها أربعة من ضرب حاليت الكم يف‬
‫حاليت الكيف‪ ،‬وهذه الصور األربعة يف املقدمة الكربى أيضاً فتضرب حاالت الصغرى األربع يف‬
‫حاالت الكربى األربع فيكون اجملموع ستة عشر ضرابً‪ .‬منها املتكرر ومنها العقيم‪ .‬قصدان هنا أن نبني‬
‫شروط ا ِإلنتاج وعدد الضروب املنتجة يف كل شكل أبمثلتها‪ .‬ونرتك ذكر الضروب العقيمة واملتكررة‬
‫اختصاراً‪ .‬اعلم أن الشكل األول الذي هو أفضل األشكال وأظهرها نتيجة يشرتط ِإلنتاجه شرطان‪:‬‬
‫األول‪ :‬حبسب الكيف وهو كون صغراه موجبة‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬حبسب الكم وهو كون كرباه كلية والشرطان املذكوران ال ينطبقان إال على أربع صور‪ ،‬وبه تعلم‬
‫أن الشكل األول ال ينتج من ضروبه إال أربعة فقط وا ِإلثنا عشر الباقية ال إنتاج فيها‪.‬‬
‫‪ - 1‬الضرب األول‪ :‬كليتان موجبتان ينتجان كلية موجبة‪ .‬مثاله‪ :‬كل إنسان حيوان‪ ،‬وكل حيوان‬
‫حساس ينتج‪ :‬كل إنسان حساس‪ .‬وال ينتج كلية موجبة من األشكال إال الشكل األول‪ :‬ومثاله يف‬
‫العقليات قولك‪ :‬كل العوامل كالسموات واألرض ومن فيهما خملوقة‪ ،‬وكل خملوق البد له من خالق‪.‬‬
‫ينتج‪ :‬كل العوامل البد هلا من خالق‪.‬‬
‫ومثاله يف الفقهيات قول احلنبلي واحلنفي‪ :‬كل بُر مكيل‪ ،‬وكل مكيل حيرم فيه الراب ينتج كل بُر حيرم‬
‫فيه الراب‪ .‬وقول الشافعي كل بُر مطعوم‪ ،‬وكل مطعوم حيرم فيه الراب ينتج كل بُر حيرم فيه الراب‪ .‬وقول‬
‫املالكي‪ :‬كل بُر مقتات مدخر‪،‬‬

‫(‪)77/1‬‬

‫[‪]78 /1‬‬
‫وكل مقتات مدخر حيرم فيه الراب ينتج كل بُر حيرم فيه الراب‪ .‬ومثاله يف النحوايت‪ :‬كل فاعل مرفوع‬
‫وكل مرفوع عمدة‪ ،‬ينتج كل فاعل عمدة‪.‬‬
‫‪ - 2‬الضرب الثاين‪ :‬كليتان صغرامها موجبة‪ ،‬وكربامها سالبة‪ .‬ينتج كلية سالبة‪ ،‬كقولك‪ :‬كل إنسان‬
‫حيوان وال شيء من احليوان حبجر ينتج ال شيء من ا ِإلنسان حبجر ومثاله يف العقليات‪ :‬كل بشر‬
‫خملوق وال شيء من املخلوق بغين عن الفاعل‪ ،‬ينتج ال شيء من البشر بغين عن الفاعل ومثاله يف‬
‫الفقهيات كل صوم شرعي عبادة‪ ،‬وال شيء من العبادة يصح بال نية ينتج ال شيء من الصوم‬
‫الشرعي يصح بال نية‪.‬‬
‫ومثاله يف النحوايت‪ :‬كل فاعل مرفوع وال شيء من املرفوع بفضلة‪ ،‬ينتج‪ :‬ال شيء من الفاعل‬
‫بفضلة‪.‬‬
‫‪ - 3‬الضرب الثالث‪ :‬موجبتان صغرامها جزئية‪ ،‬وكربامها كلية ينتج‪ :‬جزئية موجبة كقولك‪ :‬بعض‬
‫احليوان إنسان‪ ،‬وكل إنسان انطق‪ ،‬ينتج‪ :‬بعض احليوان انطق‪ ،‬ومثاله يف العقليات‪ ،‬بعض الصفات‬
‫خملوق تعين صفات اخللق‪ ،‬وكل خملوق البد له من خالق ينتج بعض الصفات البد هلا من خالق‪.‬‬
‫ومثاله يف الفقهيات‪ :‬بعض الطعام مكيل وكل مكيل حيرم فيه الراب‪ ،‬ينتج‪ :‬بعض الطعام حيرم فيه الراب‪،‬‬
‫وهذا على رأي من يعلل ابلكيل‪.‬‬
‫ومثاله يف النحوايت‪ :‬بعض املرفوع فاعل‪ ،‬وكل فاعل جيب أتخيه عن عامله ينتج‪ :‬بعض املرفوع جيب‬
‫أتخيه عن عامله‪.‬‬
‫‪ - 4‬الضرب الرابع‪ :‬جزئية موجبة صغرى‪ ،‬وكلية سالبة كربى‪ ،‬ينتج جزئية سالبة كقولك‪ :‬بعض‬
‫احليوان إنسان‪ ،‬وال شيء من اإلنسان بفرس ينتج‪ :‬بعض احليوان ليس بفرس‪.‬‬
‫ومثاله يف العقليات بعض الصفات أزيل أي ال أول لوجودها‪ .‬تعين صفة‬

‫(‪)78/1‬‬

‫[‪]79 /1‬‬
‫اخلالق‪ .‬والشيء من األزيل مبخلوق ينتج بعض الفقهيات الصفات ليس مبخلوق‪.‬‬
‫ومثاله يف الفقهيات بعض العبادة صالة‪ ،‬والشيء من الصالة بقابل للنيابة ينتج بعض العبادة ليس‬
‫بقابل للنيابة‪.‬‬
‫ومثاله يف النحوايت‪ ،‬بعض املرفوع فاعل‪ ،‬وال شيء من الفاعل جبائز التقدمي على عامله ينتج بعض‬
‫املرفوع ليس جبائز التقدمي على عامله‪.‬‬
‫فهذه الضروب األربعة املنتجة من الشكل األول وإيضاح كونه ال ينتج من ضروبه إال أربعة حبسب‬
‫الشرطني ‪ -‬املشرتطني إلنتاجه اللذين قدمنا أهنما إجياب صغراه وكلية كرباه‪ .‬إن إجياب الصغرى‬
‫يستلزم أهنا ليس هلا إال حالتان‪ ،‬ومها كوهنا كلية موجبة أو جزئية موجبة‪ .‬وكلية الكربى تستلزم أهنا‬
‫ليس هلا إال حالتان ومها كوهنا كلية موجبة أو كلية سالبة فتضرب حاليت الصغرى يف حاليت الكربى‬
‫أبربع وهي‪ :‬الضروب املنتجة اليت أوضحناها أبمثلتها‪.‬‬
‫واعلم أنه ال تنتج الكلية املوجبة من األشكال إال الشكل األول فهو ينتج مجيع املطالب األربعة أعين‬
‫الكليتني املوجبة والسالبة‪ ،‬واجلزئيتني املوجبة والسالبة‪.‬‬
‫الشكل الثاين‪.‬‬
‫أما الشكل الثاين‪ :‬فال ينتج من الكليات إال السالبة‪ ،‬والثالث والرابع ال ينتجان إال اجلزئيات وقد‬
‫اّلل‬
‫يوجد ضرب من الرابع ينتج كلية كاملركب من كليتني صغرامها سالبة‪ ،‬كما سرتى إيضاحه إن شاء ه‬
‫تعاىل‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬اعلم أن النتيجة تتبع ما يف القياس من اخلستني‪ .‬واخلستان مها السلب واجلزئية فكل قياس فيه‬
‫سالبة فنتيجته سالبة‪ ،‬وكل قياس فيه جزئية فنتيجته جزئية‪ ،‬وكل قياس فيه جزئية وسالبة‪ ،‬فنتيجته‬
‫جزئية سالبة‪ .‬فالنتيجة تتبع‬

‫(‪)79/1‬‬

‫[‪]80 /1‬‬

‫اخلسة دائما‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬


‫إن الزمان لتابع أرذاله ‪ ... ...‬تبع النتيجة لألخس األرذل‬
‫والسلب خسة الكيف‪ ،‬واجلزئية خسة الكم‪ .‬وال نريد اآلن أن نتبع مجيع الضروب العقيمة اخلارجة‬
‫ابلشرطني املذكورين ولكنا أردان أن منثل هلا دون تتبع مجيعها لالختصار‪.‬‬
‫فوجه اشرتاط ا ِإلجياب يف الصغرى أهنا إذا كانت سالبة ال تلزم املقدمتني نتيجة صادقة بل قد تكون‬
‫كاذبة مع أن القياس على هيئته الصحيحة‪ ،‬وإمنا تطرق إليه اخللل من جهة كون صغراه سالبة‬
‫كقولك‪ :‬ال شيء من احليوان حبجر وكل حجر جسم‪ ،‬فإنه ينتج‪ .‬ال شيء من احليوان جبسم‪ ،‬وهو‬
‫كاذب‪ ،‬وذلك لكون الصغرى سالبة وكذلك لو جعلت الكربى جزئية مل يلزم صدق النتيجة كما لو‬
‫قلت كل إنسان حيوان وبعض احليوان فرس‪ ،‬فإنه ينتج بعض ا ِإلنسان فرس‪ ،‬وهو كاذب فتبني أنه إن‬
‫اختل أحد الشرطني مل يلزم ا ِإلنتاج‪ :‬واعلم أن هذه الطريقة اليت أردان سلوكها يف بيان املنتج من‬
‫الضروب والعقيم هي املعروفة بطريق التحصيل‪.‬‬
‫ولبيان العقيم طريقة أخرى تسمى طريق اإلسقاط كأن يقال‪ :‬يسقط ابلشرط األول الذي هو إجياب‬
‫الصغرى مثانية ضروب ألهنا إن مل تكن موجبة فهي إما أن تكون سالبة كلية أو سالبة جزئية‪ ،‬وكل‬
‫واحدة منهما إنتاجها مع الكربايت‪ . .‬األربع‪ . . .‬إخل‪.‬‬
‫فقد تركنا هذه الطريقة املعروفة بطريقة اإلسقاط وبينا املقصود ابلطريقة املسماة طريق التحصيل‬
‫اختصارا‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬اعلم أن وجه احلكم العقلي يصدق نتيجة هذا الشكل الذي هو الشكل األول إن كان تركيبه‬
‫على اهليئة الصحيحة املستوفية للشروط هو أن‬

‫(‪)80/1‬‬

‫[‪]81 /1‬‬

‫العقل حيكم قطعياً أبن األصغر إذا اندرج يف األوسط واندرج األوسط يف األكرب أن األصغر مندرج‬
‫يف األكرب وهذا مما ال يشك فيه عاقل‪ ،‬وسرتى أن مجيع األشكال راجعة إىل األول ابستعمال الزم‬
‫عقلي من لوازم القضااي وهو العكس املستوي أو بتبديل ‪ -‬إحدى املقدمتني ابألخرى كما سرتى‬
‫اّلل تعاىل‪.‬‬
‫إيضاحه إن شاء ه‬
‫وأما الشكل الثاين هو كون احل هد الوسط حمموال فيهما فيشرتط ِإلنتاجه أيضا شرطان‪:‬‬
‫األول حبسب الكيف وهو اختالف مقدمتيه يف الكيف فالبد من كون إحدامها موجبة واألخرى‬
‫سالبة‪ .‬فال ينتج سالبتان وال موجبتان‪.‬‬
‫والشرط الثاين‪ :‬حبسب الكم‪ ،‬وهو كون كرباه كلية‪ ،‬فال ينتج مع جزئية الكربى‪.‬‬
‫وضروبه املنتجة حبسب الشرطني أربعة أيضاً فلو فرضت أن الصغرى هي املوجبة لزم أن تكون‬
‫الكربى سالبة كلية فيدخل يف ذلك صوراتن أوالمها كلية موجبة صغرى‪ :‬وكلية سالبة كربى‪.‬‬
‫واثنيهما جزئية موجبة صغرى‪ ،‬وكلية سالبة كربى‪.‬‬
‫ولو فرضت أن الصغرى هي السالبة لزم أن تكون الكربى كلية موجبة‪ :‬فيدخل يف ذلك صوراتن‬
‫أوالمها كلية سالبة صغرى‪ ،‬وكلية موجبة كربى‪.‬‬
‫واثنيهما جزئية سالبة صغرى‪ ،‬وكلية موجبة كربى‪ .‬وهذه هي ضروبه األربعة املنتجة وسنذكر بعض‬
‫األمثلة ابختصار ألنه يفهم منه غيه يف العقليات والفقهيات‪ ،‬والنحوايت‪.‬‬
‫‪ - 1‬الضرب األول‪ :‬كليتان صغرامها موجبة و كربامها سالبة‪ .‬ينتج كلية سالبة ومثاله‪ :‬كل ايقوت‬
‫حجر‪ ،‬وال شيء من إنسان حبجر‪ ،‬ينتج‪ :‬ال شيء من الياقوت إبنسان‪.‬‬

‫(‪)81/1‬‬
‫[‪]82 /1‬‬

‫‪ - 2‬الضرب الثاين‪ :‬كليتان صغرامها سالبة وكربامها موجبة ينتج كلية سالبة ومثاله‪ :‬ال شيء من‬
‫اإلنسان حبجر‪ ،‬وكل ايقوت حجر‪ ،‬ينتج‪ :‬ال شيء من ا ِإلنسان بياقوت‪.‬‬
‫‪ - 3‬الضرب الثالث‪ :‬جزئية موجبة صغرى‪ ،‬وكلية سالبة كربى ومثاله‪ :‬بعض احليوان إنسان وال شيء‬
‫من الفرس إبنسان ينتج‪ :‬بعض احليوان ليس بفرس‪.‬‬
‫‪ - 4‬الضرب الرابع‪ :‬جزئية سالبة صغرى وموجبة كلية كربى ينتج جزئية سالبة‪ .‬ومثاله‪ :‬ليس بعض‬
‫احليوان بناطق وكل إنسان انطق ينتج ليس بعض احليوان إبنسان‪ .‬وغي هذه األربعة عقيم‪.‬‬
‫تنبيهان‪ :‬يتعلقان هبذا الشكل الذي هو الشكل الثاين‪.‬‬
‫‪ - 1‬األول‪ :‬اعلم أن وجه احلكم العقلي يف إنتاجه أن احملمول فيه مثبت ألحد موضوعني وهو أي‬
‫احملمول بعينه منفي عن املوضوع اآلخر‪ ،‬فيلزم عقالً اختالف املوضوعني إذ لو مل خيتلفا ملا ثبت‬
‫ألحدمها شيء منتف عن اآلخر وذلك ألن احملمول يف الشكل الثاين واحد يف املقدمتني‪ ،‬وأن‬
‫اختالفهما يف الكيف الذي هو أحد شرطي إنتاجه يلزمه ثبوته ألحدمها ونفيه عن اآلخر‪ .‬وذلك يلزمه‬
‫اختالفهما أعىن موضوعي املقدمتني يف اجلملة ولذلك ال ينتج الشكل الثاين إال سالبة‪.‬‬
‫‪ - 2‬التنبيه الثاين‪ :‬اعلم أن هذا الشكل الثاين إذا عكست كرباه ابلعكس املستوى رجع إىل الشكل‬
‫األول بعينه‪ .‬فاملثال األول الذي مثلنا به وهو‪ :‬كل ايقوت حجر وال شيء من ا ِإلنسان حبجر لو‬
‫عكست كرباه ابلعكس املستوي فقلت كل ايقوت حجر وال شيء من احلجر إبنسان‪ ،‬رجع إىل‬
‫الشكل األول كما ترى والنتيجة فيهما كلية سالبة إال أهنا يف األول‪ :‬ال شيء من الياقوت‬

‫(‪)82/1‬‬

‫[‪]83 /1‬‬

‫إبنسان‪ ،‬ويف الثاين‪ :‬ال شيء من ا ِإلنسان بياقوت‪ .‬فانعكست النتيجة بعكس الكربى ولو اختل أحد‬
‫الشرطني املذكورين يف هذا الشكل الذي هو الثاين‪ :‬مل تلزم نتيجة‪ ،‬فمثال املوجبتني‪ :‬كل إنسان حيوان‬
‫وكل فرس حيوان نتج كل إنسان فرس وهو كذب كما ترى‪ ،‬ومثال السالبتني ال شيء من ا ِإلنسان‬
‫حبجر وال شيء من الناطق حبجر ينتج‪ :‬ال شيء من ا ِإلنسان بناطق وهو كذب كما ترى‪ ،‬وذلك لعدم‬
‫اختالف الكيف‪.‬‬
‫ولو اختل الشرط الثاين‪ ،‬وهو كون كرباه كلية مل يلزم ا ِإلنتاج أيضاً كما لو قلت كل إنسان حيوان‬
‫وبعض اجلسم ليس حبيوان ينتج بعض اإلنسان ليس جبسم وهو كذب كما ترى‪ .‬وذلك لعدم كلية‬
‫الكربى‪ ،‬وقس على ذلك‪.‬‬
‫وأما الشكل الثالث‪ :‬وهو ما كان احل هد الوسط فيه موضوعاً يف كلتا املقدمتني فيشرتط ِإلنتاجه أيضاً‬
‫شرطان األول حبسب الكيف وهو كون صغراه موجبة‪ .‬و الثاين حبسب الكم وهو كون إحدى‬
‫مقدمتيه كلية‪ .‬والصور الداخلة فيه حبسب الشرطان ستة فضروبه املنتجة ستة‪ .‬وإيضاحه أن الصغرى‬
‫ال تكون إال موجبة وحينئذ إما كلية فتنتج مع الكربايت األربع ألن الصغرى إن كانت كلية موجبة‬
‫اجتمع فيها الشرطان فأنتجت مع صور الكربى األربع‪ .‬وإما جزئية موجبة فيلزم كون الكربى كلية‪.‬‬
‫وهي إما موجبة وإما سالبة فتضم هاتني الصورتني إىل األربع اليت قبلها فيكون اجملموع ستة أضرب‪:‬‬
‫‪ - 1‬الضرب األول‪ :‬كليتان موجبتان‪ .‬ينتج جزئية موجبة‪ .‬كقولك‪ :‬كل إنسان حيوان‪ .‬وكل إنسان‬
‫انطق‪ ،‬ينتج بعض احليوان انطق‪.‬‬
‫‪ - 2‬الضرب الثاين‪ :‬كليتان صغرامها موجبة‪ ،‬وكربامها سالبة‪ ،‬ينتج جزئية سالبة كقولك‪ :‬كل إنسان‬
‫حيوان وال شيء من اإلنسان بفرس ينتج‪ :‬ليس بعض احليوان بفرس‪.‬‬
‫‪ - 3‬الضرب الثالث‪ :‬موجبتان صغرامها جزئية‪ ،‬وكربامها كلية‪ ،‬ينتج‬

‫(‪)83/1‬‬

‫[‪]84 /1‬‬

‫جزئية موجبة‪ ،‬ومثاله‪ :‬بعض احليوان إنسان وكل حيوان حساس ينتج‪ :‬بعض ا ِإلنسان حساس‪.‬‬
‫‪ - 4‬الضرب الرابع‪ :‬موجبتان صغرامها كلية‪ ،‬وكربامها جزئية‪ ،‬ينتج جزئية موجبة مثاله‪ :‬كل إنسان‬
‫حيوان‪ ،‬وبعض ا ِإلنسان انطق ينتج‪ :‬بعض احليوان انطق‪.‬‬
‫‪ - 5‬الضرب اخلامس‪ :‬موجبة جزئية صغري وسالبة كلية كربى ينتج‪ :‬جزئية سالبة‪ ،‬مثاله‪ :‬بعض‬
‫احليوان انطق‪ ،‬وال شيء من احليوان جبماد‪ .‬ينتج‪ :‬بعض الناطق ليس جبماد‪.‬‬
‫‪ - 6‬الضرب السادس‪ :‬موجبة كلية صغرى وجزئية سالبة كربى ينتج‪ :‬جزئية سالبة‪ .‬مثاله‪ :‬كل إنسان‬
‫حيوان‪ ،‬وبعض ا ِإلنسان ليس بفرس‪ .‬ينتج‪ :‬بعض احليوان ليس بفرس‪.‬‬
‫تنبيهات‪ :‬تتعلق هبذا الشكل الثالث‪:‬‬
‫التنبيه األول‪ :‬اعلم أن كون هذا الشكل ال ينتج إال جزئية سببه يف احلقيقة أن نتيجته مرتكبة من‬
‫حممول الصغرى‪ ،‬وحممول الكربى‪ ،‬وحممول الصغرى هو موضوع النتيجة ومن اجلائز عقالً أن يكون‬
‫حممول الصغرى أعم من حممول الكربى‪ .‬وقد قدمنا أن احلكم على األعم ابألخص ال يصدق إال‬
‫جزئياً‪ .‬وإذا كان حممول الصغرى الذي هو موضوع النتيجة أعم من حممول الكربى الذي هو حممول‬
‫النتيجة تبني من ذلك أن احلكم ابألخص على األعم ال يصدق إال جزئياً سلباً كان أو إجياابً كما‬
‫قدمنا إيضاحه يف الكالم على النسب األربع فقولك مثال‪ :‬كل إنسان حيوان‪ ،‬وكل إنسان انطق هو‬
‫الضرب األول من هذا الشكل الثالث‪ ،‬واملوضوع يف كلتا املقدمتني الذي هو ا ِإلنسان هو احل هد‬
‫الوسط امللغى لدى ا ِإلنتاج‪ ،‬والنتيجة مرتكبة من حممول الصغرى احليوان وهو يف هذا املثال وحممول‬
‫الكربى وهو الناطق يف هذا املثال وموضوعهما هو احليوان وحمموهلا هو الناطق‪ .‬واحليوان أعم من‬
‫الناطق فال يصح احلكم عليه به إال جزئياً سلباً‬

‫(‪)84/1‬‬

‫[‪]85 /1‬‬

‫كان أو إجياابً ولذا كانت نتائج هذا الشكل كلها جزئيات وال تنتج كلية كما تقدم‪.‬‬
‫التنبيه الثاين‪ :‬اعلم أنك إذا عكست صغرى هذا الشكل الثالث يف العكس املستوي رجع إىل‬
‫الشكل األول بعينه يف غالب أحواله‪ .‬فاملثال املذكور الذي هو قولنا كل إنسان حيوان وكل إنسان‬
‫انطق لو عكست صغراه فقط فقلت‪ :‬بعض احليوان إنسان وكل إنسان انطق لكان راجعاً إىل الشكل‬
‫األول ونتيجته بعض احليوان انطق‪.‬‬
‫التنبيه الثالث‪ :‬اعلم أن وجه احلكم العقلي يف إنتاج هذا الشكل يف اجلملة أن املوضوع الواحد إذا‬
‫ثبت له حمموالن يف حالة كون هذا الشكل مرتكباً من موجبتني لزم عقالً جواز احلكم أبحد احملمولني‬
‫على اآلخر يف اجلملة ألن جواز محلهما إجياابً على شيء واحد يدل على محل آخرمها على أوهلما يف‬
‫اجلملة وإن كانت إحدى مقدمتيه سالبة واألخرى موجبة لزم من نفي أحد احملمولني عن املوضوع يف‬
‫السالبة وإثباته له يف املوجبة حصول التغاير بني احملمولني‪ ،‬وجواز احلكم بسلب إحدامها عن اآلخر‬
‫سلباً جزئياً لنفي أحدمها عن املوضوع الذي ثبت له اآلخر‪ .‬وقد تقدمت أمثلة اجلميع‪.‬‬
‫وأما الشكل الرابع‪ :‬فيشرتط ِإلنتاجه أال جيتمع فيه خستان سواء كانتا من جنسني أو من جنس واحد‬
‫ومها اجلزئية والسلب‪ .‬إال صورة واحدة فيغتفر فيها اجتماع اخلستني وهي كون صغراه‪ ،‬جزئية موجبة‪،‬‬
‫وكرباه كلية سالبة وضروبه املنتجة حبسب ما ذكر مخسة‪.‬‬
‫وإيضاحه بطريق التحصيل أن الصغرى ال تكون جزئية سالبة أبداً‪ ،‬وإذاً إما أن تكون موجبة كلية‬
‫وهي تنتج من املوجبة الكلية واملوجبة اجلزئية‪ ،‬والسالبة الكلية من الكربايت إذ ليس يف شيء من‬
‫تلك الصور اجتماع اخلستني‪.‬‬
‫وإما أن تكون الصغرى موجبة جزئية وهي تنتج مع السالبة الكلية الكربى فقط‪ .‬وهي الصورة‬
‫املستثناة‪.‬‬

‫(‪)85/1‬‬

‫[‪]86 /1‬‬

‫وإما أن تكون الصغرى كلية سالبة وهي تنتج مع الكلية املوجبة الكربى‪ .‬فتبني أن الصغرى إن كانت‬
‫موجبة كلية أنتجت مع ثالث كربايت‪ .‬وإن كانت جزئية موجبة أنتجت مع كربى واحدة‪.‬‬
‫وإن كانت كلية سالبة أنتجت مع كربى واحدة كما أوضحنا‪.‬‬
‫وهذه هي الضروب اخلمسة املنتجة من الشكل الرابع‪ .‬الذي هو ما كان احل هد الوسط فيه موضوعاً يف‬
‫الصغرى حمموال يف الكربى‪.‬‬
‫‪ - 1‬الضرب األول‪ :‬موجبتان كليتان ينتج‪ ،‬موجبة جزئية‪ .‬ومثاله‪ :‬كل إنسان حيوان وكل انطق‬
‫إنسان ينتج بعض احليوان انطق‪.‬‬
‫‪ - 2‬الضرب الثاين‪ :‬موجبتان صغرامها كلية وكربامها جزئية‪ ،‬ينتج جزئية موجبة مثاله‪ :‬كل إنسان‬
‫حيوان‪ ،‬وبعض الناطق إنسان ينتج بعض احليوان انطق‪.‬‬
‫‪ - 3‬الضرب الثالث‪ :‬كليتان صغرامها سالبة وكربامها موجبة ينتج كلية سالبة‪ .‬مثاله‪ :‬ال شيء من‬
‫ا ِإلنسان بفرس وكل انطق إنسان ينتج‪ :‬ال شيء من الفرس بناطق‪.‬‬
‫‪ - 4‬الضرب الرابع‪ :‬موجبة كلية صغرى‪ ،‬وسالبة كلية كربى ينتج جزئية سالبة‪ .‬مثاله‪ :‬كل إنسان‬
‫حيوان‪ ،‬وال شيء من الفرس إبنسان ينتج بعض احليوان ليس بفرس‪.‬‬
‫‪ - 5‬الضرب اخلامس‪ :‬موجبة جزئية صغرى‪ ،‬وسالبة كلية كربى وهي الصورة املستثناة من اجتماع‬
‫اخلستني ينتج جزئية سالبة‪ ،‬مثاله‪ :‬بعض احليوان إنسان‪ ،‬وال شيء من اجلماد حبيوان ينتج بعض‬
‫ا ِإلنسان ليس جبماد‪ .‬واعلم أان تركنا خالف املتأخرين يف هذا الشكل وقول مجاعات منهم‪ :‬إن شرط‬
‫إنتاج هذا الشكل الرابع هو إجياب مقدمتيه‪ ،‬أو اختالفهما يف الكيف مع كلية إحدامها‪ .‬وبنوا على‬
‫ذلك أن املنتج‬

‫(‪)86/1‬‬

‫[‪]87 /1‬‬
‫من ضروبه مثانية تركنا ذلك كله اختصاراً ألن مقصودان هبذه املقدمة إيصال طالب العلم إىل إدراك فن‬
‫آداب البحث واملناظرة ولذلك تركنا كثياً من املناقشات يف تقدمي بعض الضروب على بعض يف‬
‫تعريف القياس وغيه‪ .‬اختصاراً كما أشران إليه يف الرتمجة‪.‬‬
‫تنبيهات‪ :‬تتعلق هبذا الشكل الرابع‪- :‬‬
‫‪ - 1‬األول‪ :‬أعلم أن بعض األقدمني حذفه لبعد إنتاجه عن الطبع وجعل األشكال ثالثة‪.‬‬
‫‪ - 2‬الثاين‪ :‬اعلم أن سبب كون هذا الشكل ال ينتج إال جزئية إال يف ضرب واحد من ضروبه هو أن‬
‫احل هد الوسط فيه هو موضوع الصغرى وحممول الكربى‪ ،‬والنتيجة فيه مرتكبة من حممول الصغرى‬
‫وموضوع الكربى وموضوع نتيجته هو حممول الصغرى‪ ،‬وحمموهلا هو موضوع الكربى‪ .‬ومن اجلائز‬
‫عقالً أن يكون حممول الصغرى الذي هو موضوع النتيجة أعم من موضوع الكربى الذي هو حممول‬
‫النتيجة‪.‬‬
‫وإذا كان املوضوع أعم مل يصدق عليه احلكم ابحملمول إال جزئياً كما تقدم إيضاحه يف النسب األربع‬
‫ويف الكالم على الشكل الثالث‪ .‬وإمنا كانت نتيجته كلية فيما إذا تركب من كليتني صغرامها سالبة‬
‫وكربامها موجبة كما تقول يف قولك‪ :‬ال شيء من ا ِإلنسان بفرس وكل انطق إنسان فإنه ينتج كلية‬
‫سالبة هي‪ .‬ال شيء من الفرس بناطق ألن املقدمة الصغرى السالبة سلبت الفرسية عن كل فرد من‬
‫أفراد ا ِإلنسان‪ ،‬واملقدمة الكربى أثبتت ا ِإلنسانية لكل انطق فلزم سلب الناطقية عن كل فرس كما‬
‫ترى‪.‬‬
‫‪ - 3‬الثالث‪ :‬هذا الشكل الرابع يرجع يف الغالب إىل الشكل األول اترة تبديل مقدمته مع عكس‬
‫النتيجة كاملرتكب من كليتني موجبتني‪ ،‬فلو قلت‪ :‬كل إنسان حيوان وكل انطق إنسان فهذا هو‬
‫الضرب األول من الرابع ونتيجته‬

‫(‪)87/1‬‬

‫[‪]88 /1‬‬

‫جزئية موجبة هي بعض احليوان انطق فلو جعلت صغراه هي الكربى‪ ،‬وكرباه هي الصغرى وعكست‬
‫النتيجة ابلعكس املستوي رجع إىل األول‪ .‬كما لو قلت كل انطق إنسان وكل إنسان حيوان ينتج من‬
‫الشكل األول كل انطق حيوان وهي عكس نتيجته قبل تبديل كل من املقدمتني ابألخرى‪ ،‬واترة‬
‫ابستعمال العكس‪.‬‬
‫واحلاصل أن هذا الشكل ترجع ضروبه كلها للشكل األول‪ ،‬إما بتبديل املقدمتني وعكس النتيجة وإما‬
‫ابستعمال العكس املستوي يف مقدمتيه كما يدركه من فهم ما سبق وليس قصدان إطالة الكالم يف‬
‫ذلك ألن املقصود من هذه العجالة املنطقية هو التوصل إىل معرفة آداب البحث واملناظرة ونظم‬
‫بعضهم وجه رد األشكال الثالثة إىل الشكل األول بقوله‪:‬‬
‫وغي أول من األشكال ‪ ... ...‬إليه مردود بال إشكال‬
‫فالثاين مردود بعكس الكربى ‪ ... ...‬والثالث أردده بعكس الصغرى‬
‫ورابع بعكس ترتيب يرد ‪ ... ...‬أو املقدمات هكذا ورد‬
‫وأول منها هو املعيار ‪ ... ...‬ألنه من بينها املدار‬
‫مسألة‪ :‬اعلم أن القياس املذكور يكون بسيطاً‪ ،‬ويكون مركبا‪ ،‬فالبسيط هو ما أتلف من قضيتني فقط‪:‬‬
‫كقولك‪ :‬كل إنسان حيوان وكل حيوان حساس‪ ،‬واملركب هو ما أتلف من أكثر من قضيتني‪ .‬وضابطه‬
‫أن جتعل النتيجة مقدمة صغرى وتضم إليها كربى مث جتعل النتيجة أيضاً صغرى وتضم هلا كربى‬
‫وهكذا‪ .‬ولذلك طريقان‪ :‬إحدامها أن تذكر النتيجة بلفظها فتجعلها صغرى وتضم هلا كربى‪ ،‬كما لو‬
‫قلت‪ :‬كل إنسان حيوان‪ ،‬وكل حيوان حساس فالنتيجة كل إنسان حساس‪ ،‬فتضم هلا كربى فتقول كل‬
‫إنسان حساس وكل حساس انم ينتج كل إنسان انم فتضم هلا كربى بعد التلفظ هبا وهي كل انم‬
‫جسم‪ ،‬ينتج كل إنسان جسم‪ ،‬ويسمى هذا القسم متصل النتائج‪.‬‬

‫(‪)88/1‬‬
‫[‪]89 /1‬‬

‫‪ - 2‬والثاين‪ :‬أن ال تذكر النتائج كأن تقول كل إنسان حيوان وكل حيوان حساس وكل حساس انم‪،‬‬
‫وكل انم جسم ينتج كل إنسان جسم‪ ،‬ويسمى هذا النوع مفصول النتائج‪.‬‬

‫(‪)89/1‬‬

‫[‪]90 /1‬‬

‫فصل يف القياس االستثنائي‬


‫وهو املعروف ابلشرطني‪:‬‬
‫اعلم أوالً أن ضابط القياس االستثنائي أنه هو الذي يدل على النتيجة مبادهتا وصورهتا أبن يكون لفظ‬
‫النتيجة مذكوراً فيه بصورته ومادته أو يكون داالً على نقيض النتيجة أبن يكون نقيضها مذكوراً فيه‬
‫مبادته وصورته فالبد من أن يكون فيه لفظ النتيجة أو نقيضها ابملادة والصورة‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬يف تعريف القياس االستثنائي هذا سؤال معروف وهو أن يقال تقدم يف تعريف القياس أن‬
‫النتيجة قول آخر مغاير ملقدميت القياس يف الصورة واملادة فشكل على ذلك أن نتيجة االستثنائي قد‬
‫تكون مذكورة فيه مبادهتا وصورهتا‪ ،‬وإذاً فليست النتيجة قوال آخر غي القياس مع لزوم مغايرة النتيجة‬
‫للقياس‪ .‬واجلواب عن هذا السؤال معروف وهو‪ :‬أن تعلم أوالً أن القضية احلملية تكون كالماً‬
‫مستقال اتم الفائدة‪ ،‬وإذا ربطت أبداة شرط أو عناد زال استقالهلا بكوهنا قضية وصارت غي كالم‬
‫مفيد ألهنا حينئذ تصي جزء قضية شرطية ال قضية محلية مستقلة‪ ،‬فقولك مثال قام زيد‪ ،‬قضية محلية‬
‫اتمة املعىن‪ ،‬ولو أدخلت عليها أداة شرط فقلت‪ :‬إن قام زيد‪ ،‬زال استقالهلا بكوهنا قضية‪ ،‬وصارت‬
‫غي كالم مفيد لتوقف فهم الشرط على اجلزاء‪.‬‬
‫فإذا عرفت هذا فلفظ النتيجة يف القياس جزء قضية ال قضية مستقلة‪ ،‬ولفظها ابعتبار كوهنا نتيجة‬
‫قضية مستقلة ال جزء قضية‪.‬‬
‫ومن هنا حصل التغاير بني القياس والنتيجة‪ ،‬وسيتضح ذلك أبمثلة القياس الشرطي‪ ،‬وقد علمت مبا‬
‫مر أن الشرطية تنقسم إىل متصلة ومنفصلة وال ينتج القياس املركب من املتصلة إال إذا كانت لزومية‪،‬‬
‫أما االتفاقية فال ذكر هلا يف القياس إذ ال إنتاج هلا‪.‬‬

‫(‪)90/1‬‬

‫[‪]91 /1‬‬

‫وإذا علمت ذلك فاعلم أن القياس االستثنائي املركب من الشرطية املتصلة اللزومية واالستثنائية‬
‫تنحصر ضروبه يف أربعة ال خامس هلا‪ .‬اثنان منا منتجان واثنان عقيمان‪.‬‬
‫واعلم أن حرف االستثناء يف هذا الفن هو لفظة (لكن) خاصة وإطالق االستثناء عليه اصطالحاً‬
‫منطقي‪ ،‬و وجه مناسبته للغة أن االستثناء استفعال من االنثناء و هو الرجوع‪ .‬والشرطية مل حيكم فيها‬
‫بوجود مقدمها وال عدمه وال جود اتليها و ال عدمه فينثين املستدل إليها حبرف االستثناء الذي هو‬
‫لكن ويثبت مقدمها أو ينفيه‪ ،‬أو يثبت اتليها أو ينفيه‪ ،‬وال خامس البتة‪ ،‬ومن هنا كانت ضروهبا أربعة‬
‫فقط‪:‬‬
‫‪ - 1‬فنفي التايل يسمى استثناء نقيض التايل‪.‬‬
‫‪ - 2‬وإثبات التايل يسمى استثناء عني التايل‪.‬‬
‫‪ - 3‬و نفي املقدم يسمى استثناء نقيض املقدم‪.‬‬
‫‪ - 4‬وإثبات املقدم يسمى استثناء عني املقدم‪.‬‬
‫فكل واحد من طرفيها أثبته فقد استثنيت عينه‪ ،‬وكل واحد من طرفيها نفيته فقد استثنيت نقيضه‪.‬‬
‫وإذا علمت ذلك فاعلم أن الضربني املنتجني يف القياس الشرطي املتصل مها استثناء نقيض التايل‪،‬‬
‫واستثناء عني املقدم‪ .‬أما الضرابن العقيمان منه فهما استثناء عني التايل‪ ،‬واستثناء نقيض املقدم فلو‬
‫قلت مثال‪ :‬لو كان هذا إنساانً لكان حيواانً لكنه غي حيوان فإنه ينتج (فهو غي إنسان) ألن استثناء‬
‫نقيض (التايل)! املقدم ينتج نقيض (املقدم)! التايل‪ .‬وبعبارة أوضح نفي الالزم يقتضي نفي امللزوم‪،‬‬
‫ولو قلت يف املثال املذكور‪ :‬لكنه إنسان أنتج فهو حيوان ألن استثناء عني املقدم ينتج عني التايل‪.‬‬
‫وبعبارة أوضح وجود امللزوم يقتضي وجود الالزم فهذان مها الضرابن‬

‫(‪)91/1‬‬
‫[‪]92 /1‬‬

‫املنتجان منه وأما العقيمان فاألول فيهما هو استثناء عني التايل كما لو قلت يف املثال املذكور الذي‬
‫هو‪ :‬لو كان هذا إنساانً لكان حيواانً لكنه حيوان فال ينتج كونه إنساانً جلواز أن يكون حيواانً آخر‬
‫غي ا ِإلنسان كالفرس مثالً ألن استثناء عني التايل ال ينتج عني املقدم وبعبارة أوضح وجود الالزم ال‬
‫يقتضي وجود امللزوم الحتمال كون الالزم أعم من امللزوم ووجود األعم ال يقتضي وجود األخص‪.‬‬
‫الضرب الثاين من العقيمني هو استثناء نقيض املقدم فإنه ال ينتج نقيض التايل كما لو قلت يف املثال‬
‫املذكور لكنه غي إنسان فال ينتج ذلك كونه غي حيوان الحتمال أن يكون حيواانً آخر غي اإلنسان‬
‫كالفرس أو البغل مثالً‪.‬‬
‫وبعبارة أوضح‪ :‬نفي امللزوم ال يقتضي نفي الالزم‪ ،‬فهذه الضروب األربعة اليت ذكرانها أبمثلتها وبيَّنا‬
‫املنتجني منها والعقيمني تنحصر فيها ضروب الشرطي املتصل املرتكب من شرطية متصلة لزومية‬
‫واستثنائية‪.‬‬
‫تنبيه يتعلق هذا القياس االستثنائي‪ :‬قد علمت أن هذا النوع يرتكب قياسه من مقدمتني‪:‬‬
‫األوىل منهما تسمى الشرطية وهي قضية شرطية‪.‬‬
‫والثانية تسمى االستثنائية وهي قولك‪ :‬لكنه غي حيوان مثالً أو لكنه إنسان مثال‪ .‬والقضية اليت هي‬
‫االستثنائية محلية‪ .‬ونقل ابن عرفة عن الفارايب‪ .‬أن الشرطية فيه هي الكربى واالستثنائية هي الصغرى‬
‫عكس االقرتاين فإن أواله هي الصغرى وأخراه هي الكربى‪.‬‬

‫وأما القياس الشرطي املركب من الشرطيات املنفصلة واالستثنائية‪ :‬فهو ثالثة أقسام ألن الشرطية‬
‫املنفصلة تنقسم إىل ثالثة أقسام كما تقدم إيضاحه‪.‬‬
‫فإن كان القياس مركبا من منفصلة حقيقية مانعة مجع وخلو معاً فإن ضروبه األربعة منتجة و ال عقيم‬
‫فيه البتة‪ .‬فاستثناء نقيض كل واحد من طرفيها ينتج‬

‫(‪)92/1‬‬
‫[‪]93 /1‬‬

‫عني اآلخر لعنادمها يف العدم‪ ،‬واستثناء عني كل واحد من طرفيها ينتج نقيض اآلخر لعنادمها يف‬
‫الوجود‪.‬‬
‫فلو قلت‪ :‬العدد إما زوج وإما فرد لكنه غي زوج أنتج فهو فرد‪ .‬ولو قلت لكنه غي فرد أنتج فهو‬
‫زوج‪ ،‬ولو قلت‪ :‬لكنه زوج أنتج فهو غي فرد ولو قلت لكنه فرد أنتج فهو غي زوج وهكذا يف كل‬
‫قياس مركب من مانعة مجع وخلو معاً‪.‬‬
‫وأما القياس الشرطي املنفصل املركب من مانعة اجلمع اجملوزة للخلو فإنه ينتج من ضروبه األربعة‬
‫اثنان واآلخران عقيمان‪.‬‬
‫فاملنتجان منهما مها‪ :‬استثناء عني املقدم‪ ،‬فإنه ينتج نقيض التايل‪ ،‬واستثناء عني التايل فإنه ينتج نقيض‬
‫املقدم للعناد بني طرفيها يف الوجود‪ .‬والضرابن العقيمان مها استثناء نقيض التايل واستثناء نقيض‬
‫املقدم‪ ،‬فال ينتجان لعدم العناد بني طرفيها يف العدم‪ ،‬فلو قلت‪ :‬اجلسم إما أبيض وإما أسود لكنه‬
‫أبيض أنتج فهو غي أسود‪ .‬ولو قلت لكنه أسود أنتج فهو غي أبيض ولو قلت لكنه غي أبيض مل‬
‫ينتج شيئاً لصدق غي األبيض ابألسود وبغيه‪.‬‬
‫وأما القياس الشرطي املنفصل املركب من مانعة‪ .‬اخللو اجملوزة للجمع فإنه ينتج فيه الضرابن العقيمان‬
‫يف الذي قبله‪ ،‬والضرابن املنتجان يف الذي قبله عقيمان فيه فهو عكسه يف احلقيقة وا ِإلنتاج‪ .‬فاستثناء‬
‫نقيض كل واحد من الطرفني فيه ينتج عني اآلخر‪.‬‬
‫واستثناء عني كل واحد من الطرفني ال ينتج شيئاً‪.‬‬
‫وقد علمت أن نقيض النفي ا ِإلثبات‪ ،‬ونقيض ا ِإلثبات النفي‪ .‬فلو قلت‪ :‬اجلسم إما غي أبيض وإما‬
‫غي أسود‪ ،‬واستثنيت نقيض املقدم فقلت لكنه أبيض أنتج عني التايل الذي هو غي أسود ألن‬
‫األبيض غي أسود ابلضرورة‪ ،‬وكذلك لو استثنيت نقيض التايل فقلت لكنه أسود أنتج عني املقدم‬
‫الذي هو غي أبيض ألن األسود غي أبيض ضرورة‪.‬‬

‫(‪)93/1‬‬

‫[‪]94 /1‬‬
‫أما لو استثنيت عني املقدم فقلت لكنه غي أبيض مل ينتج شيئاً ألن غي األبيض صادق ابألسود وغي‬
‫األسود‪.‬‬
‫وكذلك لو استثنيت‪ .‬عني التايل فقلت لكنه غي أسود مل ينتج شيئاً ألن غي األسود صادق ابألبيض‬
‫وغي األبيض وهكذا‪.‬‬
‫وهذه العجالة هي اليت أردان أن نذكرها قبل الشروع يف أدب البحث واملناظرة ألن أدب البحث‬
‫ابّلل التوفيق)‪.‬‬
‫واملناظرة ال يفهمه إال من له إملام مبا ذكران يف هذه العجالة (و ه‬

‫(‪)94/1‬‬

‫[‪]95 /1‬‬

‫فهرست املقدمة املنطقية‬


‫الصفحة املوضوع‬

‫‪ ... 3‬الرتمجة‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------‬‬
‫‪ ... 8‬أنواع العلم احلادث وأقسامه‪.‬‬
‫‪ ... 10‬املوضوع واحملمول‪ .‬انظر يف االصطالح‪ .‬الفكر يف االصطالح‪.‬‬
‫‪ ... 11‬أنواع الداللة الوضعية اللفظة‪.‬‬
‫‪ ... 12‬أقسام الدال اللفظي‪ :‬عقالً‪ ،‬طبعا‪ ،‬وضعا‪.‬‬
‫‪ ... 13‬أقسام الدال غي اللفظي‪ :‬عقالً‪ ،‬طبعا‪ ،‬وضعا‪.‬‬
‫‪ ... 13‬داللة اللفظي وضعا وأقسامها‪ :‬مطابقة تضمن التزام‪.‬‬
‫‪ ... 14‬أقسام اللوازم‪ :‬ذهين‪ ،‬خارجي‪ ،‬ذهين وخارجي معاً‪.‬‬
‫‪ ... 17‬مباحث األلفاظ‪.‬‬
‫‪ ... 17‬تقسيم اللفظي إىل مفرد ومركب‪.‬‬
‫‪ ... 18‬أقسام املفرد‪ :‬كلي‪ ،‬جزئي‪.‬‬
‫‪ ... 19‬مبحث الفرق بني اسم اجلنس وعلم اجلنس‪.‬‬
‫‪ ... 21‬تقسيم اجلزئي إىل حقيقي وإضايف‪.‬‬
‫‪ ... 21‬تقسيمات الكلي إىل‪:‬‬
‫ا ‪ -‬متواطئ‪ ،‬ومشكك‪.‬‬
‫ب ‪ -‬وإىل مشرتك ومنفرد‪.‬‬
‫‪ ... 22‬ج ‪ -‬وجود أفراده وعدم وجودها‪.‬‬
‫‪ ... 23‬الكل واجلزء‪ ،‬والكلية واجلزئية‪.‬‬
‫‪ ... 24‬اقرتان لفظة كل حبرف السلب‪.‬‬
‫‪ ... 25‬إيضاح الفوارق بني الكل والكلي وبني الكل والكلية‪.‬‬

‫(‪)95/1‬‬

‫[‪]96 /1‬‬

‫‪ ... 26‬النسب األربع‪.‬‬


‫‪ ... 26‬ا ‪ -‬املساواة‪ ،‬التباين‪ ،‬العموم واخلصوص املطلق‪ ،‬العموم واخلصوص من وجه‪.‬‬
‫‪ ... 27‬متييز القضااي يف الصدق والكذب ابلنسب األربع‪.‬‬
‫‪ ... 29‬ا ‪ -‬تباين املخالفة‪.‬‬
‫‪ ... 29‬ب ‪ -‬تباين املقابلة‪.‬‬
‫‪ ... 30‬أقسام تقابل املقابلة األربعة‪.‬‬
‫‪ ... 30‬ا ‪ -‬مقابلة النقيضني‪.‬‬
‫‪ ... 30‬ب ‪ -‬مقابلة الضدين‪.‬‬
‫‪ ... 30‬ج ‪ -‬مقابلة املتضائفني‪.‬‬
‫‪ ... 30‬د ‪ -‬مقابلة العدم وامللكة‪.‬‬
‫‪ ... 31‬مناقشة املتكلمني يف الصفات ا ِإلضافية‪.‬‬
‫‪ ... 33‬فصل يف مبادئ التصورات‪:‬‬
‫‪ ... 33‬الكليات اخلمسة‪:‬‬
‫‪ ... 33‬ا ‪ -‬اجلنس‪.‬‬
‫‪ ... 33‬ب ‪ -‬النوع‪.‬‬
‫‪ ... 33‬ج ‪ -‬الفصل‪.‬‬
‫‪ ... 33‬د ‪ -‬اخلاصة‪.‬‬
‫‪ ... 33‬هـ ‪ -‬العرض العام‪.‬‬
‫‪ ... 33‬أدوات السؤال يف املنطق (ما)‪( ،‬أي) وما يسأل عنه بكل منهما‪.‬‬
‫‪ ... 35‬تقسيم الكليات إىل ذايت وعرضي‪.‬‬
‫‪ ... 38‬مراتب اجلنس‪ :‬بعيد‪ ،‬قريب‪ ،‬متوسط‪.‬‬
‫‪ ... 40‬مقاصد التصورات‪:‬‬
‫‪ ... 40‬ا ‪ -‬املعرفات‪.‬‬
‫‪ ... 40‬ب ‪ -‬احل هد‪.‬‬
‫‪ ... 40‬ج ‪ -‬الرسم‪.‬‬
‫‪ ... 41‬د ‪ -‬اللفظي‪.‬‬
‫‪ ... 41‬هـ ‪ -‬القسمة‪.‬‬
‫‪ ... 41‬و ‪ -‬املثال‪.‬‬

‫(‪)96/1‬‬

‫[‪]97 /1‬‬

‫‪ ... 42‬شروط املعرفات‪.‬‬


‫‪ - 1 ... 42‬االطراد واالنعكاس‪.‬‬
‫‪ - 2 ... 44‬وضوح املعرف‪.‬‬
‫‪ - 3 ... 44‬خلو التعريف من اجملاز‪.‬‬
‫‪ - 4 ... 44‬خلو التعريف من الدور السبقي‪.‬‬
‫‪ - 5 ... 45‬خلو التعريف من االشرتاك‪.‬‬
‫‪ ... 47‬مبادئ التصديقات‪.‬‬
‫‪ ... 47‬ا ‪ -‬القضااي وأحكامها‪.‬‬
‫‪ ... 47‬ب ‪ -‬تقسيم القضية إىل محلية وشرطية‪.‬‬
‫‪ ... 48‬ج ‪ -‬تقسيم الشرطية إىل متصلة ومنفصلة‪.‬‬
‫‪ ... 49‬د ‪ -‬تقسيم املتصلة إىل لزومية واتفاقية‪.‬‬
‫‪ ... 51‬تنبيهات ا ‪ -‬مدار الصدق والكذب يف الشرطية املتصلة‪.‬‬
‫‪ ... 52‬ب ‪ -‬تعريف جزأي الشرطية‪.‬‬
‫‪ ... 53‬قضااي مقبولة لغة مردودة منطقيا‪.‬‬
‫‪ ... 54‬الشرطية املنفصلة وتقسيمها إىل‪:‬‬
‫ا ‪ -‬حقيقة مانعة مجع وخلو معاً‪.‬‬
‫ب ‪ -‬مانعة مجع جموزة خلو‪.‬‬
‫‪ ... 55‬ج ‪ -‬مانعة خلو جموزة مجع‪.‬‬
‫‪ ... 56‬تقسيم القضااي ابعتبار الكم والكيف‪.‬‬
‫‪ ... 56‬تعريف السور وتقسيمه إىل‪:‬‬
‫‪ ... 56‬ا ‪ -‬كلي وجزئي‪ ،‬سليب وإجيايب‪.‬‬
‫‪ ... 58‬تنبيهات أربعة‪.‬‬
‫‪ ... 62‬فصل يف التناقض‪.‬‬
‫‪ ... 62‬ا ‪ -‬تناقض القضية الشخصية‪.‬‬

‫(‪)97/1‬‬

‫[‪]98 /1‬‬

‫‪ ... 63‬حتقق وجود التناقض ابلوحدات التسع‪.‬‬


‫‪ ... 64‬تنبيهان‪.‬‬
‫‪ ... 67‬العكس وأقسامه الثالثة‪.‬‬
‫‪ ... 67‬ا ‪ -‬العكس املستوي‪. .‬‬
‫‪ ... 67‬ب ‪ -‬عكس النقيض املوافق‪.‬‬
‫‪ ... 67‬ج ‪ -‬عكس النقيض املخالف‪.‬‬
‫‪ ... 67‬القضااي اليت يدخلها العكس‪.‬‬
‫‪ ... 72‬مقاصد التصديق‪.‬‬
‫‪ ... 72‬القياس املنطقي وتقسيمه إىل‪:‬‬
‫‪ ... 73‬ا ‪ -‬اقرتاين وما يدخله من القضااي‪.‬‬
‫‪ ... 73‬ب ‪ -‬استثنائي وما يدخله من القضااي‪.‬‬
‫‪ ... 74‬أشكال االقرتاين األربعة‪.‬‬
‫‪ ... 74‬ا ‪ -‬الشكل األول وشروط إنتاجه‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ضروبه األربعة املنتجة‪.‬‬
‫‪ ... 79‬ا ‪ -‬الشكل الثاين وشروط إنتاجه‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ضروبه األربعة املنتجة‪.‬‬
‫‪ ... 83‬الشكل الثالث وشروط إنتاجه‪.‬‬
‫ضروب إنتاجه الستة‪.‬‬
‫‪ ... 85‬الشكل الرابع وشروط إنتاجه‪.‬‬
‫‪ ... 86‬ب ‪ -‬ضروبه اخلمسة املنتجة‪.‬‬
‫‪ ... 90‬القياس االستثنائي املتصل وضروبه األربعة املنتجان منها والعقيمان‪.‬‬
‫‪ ... 92‬القياس االستثنائي املنفصل وأقسامه الثالثة‪.‬‬
‫‪ ... 92‬األول وبيان ضروبه األربعة املنتجة‪.‬‬
‫‪ ... 93‬الثاين وبيان ضروبه األربعة واملنتجان منها والعقيمان‪.‬‬
‫‪ ... 93‬الثالث وبيان ضروبه األربعة واملنتجان منها‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫الشنقيطي‬

‫(‪)98/1‬‬

You might also like