Professional Documents
Culture Documents
1
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
2
مقدمة
احلمد هلل والصالة والسالم عىل رسول اهلل وعىل آله وصحبه ومن اهتدى هبداه ،أمـا بعـدُ :
فهذا منهج دورة رشح كتاب التوحيد للمرحلة الثانية ،والذي بدأنا فيه من باب ماجاء يف السحر
حتى امتمنا دراسة أبواب الكتاب ،ووضعناه يف سؤال وجواب ،خمترص يف موانن ففيد
االختصار فيها وذلك تيسريا لطلبة العلم مراجعة وتثبيت مادة الرشح .
وألمهية ما ذكره الشيخ صالح حفظه اهلل يف مقدمة اجلزء األول من هذا الرشح ،نجدد ذكرها
يف هذا اجلزء ونبتدئ هبا حيث أنه الغنى لطالب علم عن الرتغيب والتذكري يف نرفقه للطلب،
قال الشيخ حفظه اهلل يف استهالله لرشح هذا الكتاب العظيم النفع :
والرغبة فيه ،واحلرص واإلقبال عليه ،دليل صحة القلوب؛ ألن القلب إذا
إن االهتامم بالعلمّ :
سيحرص عىل العلم؛ ذلك ألن اهلل جل جالله مدح أهل ِ صح لنفسه ،وعرف ما فنف ُعه فإنه َّ
العلم ،ورفعهم عىل غريهم درجات ،قال سبحانه ﴿ َف ْر َف ِع اهللَُّ ا َّل ِذف َن آ َمنُوا ِمنْك ُْم َوا َّل ِذف َن ُأوتُوا
ِ ِ ِ ٍ ِ
ا ْلع ْل َم َد َر َجات﴾ [املجادلة ،]11:وقال جل وعالَ ﴿ :أ َّم ْن ُه َو َقان ٌت آنَا َء ال َّل ْي ِل َساجدً ا َو َقائ ًام َ ْ
َي َذ ُر
ْح َة َر ِّب ِه ُق ْل َه ْل َف ْست َِوي ا َّل ِذف َن َف ْع َل ُمو َن َوا َّل ِذف َن َال َف ْع َل ُمو َن إِن ََّام َفت ََذك َُّر ُأو ُلو
ْاْل ِخ َر َة َو َف ْر ُجو َر ْ َ
ْاألَ ْل َب ِ
اب﴾[الزمر ،]9:فعدم استواء من فعلم مع من ال فعلم ،هذا إنام فذكره وفعيه أهل األلباب؛
(إِن ََّام َفت ََذك َُّر ُأ ْو ُلوا ْاألَ ْل َب ِ
اب).
وأما اجلاهل :فهو ال فعرف أنه جاهل ،وفقنع باجلهالة ،ثم هو ال فعلم معنى العلم وأمهية العلم،
وأن العلم هو الرشف األعظم يف هذه احلياة. َّ
وهلذا قال العلامءِ :من دالئل أمهية العلم أن اهلل جل جالله ما أمر نبيه أن فد ُع َو باالزدفاد من
﴿و ُق ْل َر ِّب ِز ْد ِِن ِع ْل ًام﴾[نه ،]111:وكفى بذلك رشفا.
يشء إال من العلم ،فقال سبحانه لنبيه َ
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
3
والعلم فشرتك كثريون يف االهتامم به :لكنهم ال فستوون يف أخذه ،وال يف نرفقة حتصيله.
ف ُهم يف هذا عىل نبقات:
املتعجل :الذي فظن أن العلم َُي َّصل يف أسابيع ،أو يف أههر ،أو يف سن ن معدودة ،وهذا
ِّ فمنهم
بعيد عن الصواب؛ ألن العلم ال ِ
فنتهي حتى فموت املرء ،وفبقى من العلم أهياء كثرية مل فعلمها،
فإن العلم واسع األنراف واجلنبات ،واهلل جل وعال هو ذو العلم الكامل ،وأعطى البرش
بمجموعهم بعض علمه ،فهذا ففوت عليه يشء من العلم ،وذاك ففوت عليه يشء من العلم؛
ولكن بمجموعهم لو ُُجع علمهم لكان هيئا قليال جدا من علم اهلل ،كام تضع اإلبرة يف البحر
ثم خترجها مل ت ِ
ُنقص من ماء البحر هيئا.
وإذا كان كذلك :فإن َر ْو َم العلم ال فمكن أن فكون بإنالق؛ بل فنبغي لطالب العلم أن فكون
متدرجا فيه؛ والتدرج ُسنة ال بد منها ،فهي سنة النبي ،وسنة أصحابه ،وهي سنة أهل العلم
من بعدهم؛ فالنبي ما ع ّلم الصحاب َة العلم ُجلة واحدة ،وإنام ع َّلمهم يف سن ن عددا ،يف مكة
علمهم أصل األصول ،الذي به سالمة القلب والعقل وصحتهام ،أال وهو توحيد اهلل جل
جالله ،والرباءة من كل ما سوى الرب جل وعال ،ثم بعد ذلك أتى العلم هيئا فشيئا لصحابة
رسول اهلل ٌّ ،
وكل أخذ من العلم بقدر ما ُف ِِّّس له و ُقدّ ر له.
هكذا أهل العلم من بعد الصحابة :ال جتد َّ
أن أولئك خاضوا العلم خوضا واحدا ،فمنهم من
ّبرز يف العربية ،ومنهم من ّبرز يف علم األصول ،ومنهم من ّبرز يف التفسري ،ومنهم من ّبرز يف
احلدفث ،ومنهم من ّبرز يف علوم اْللة األخرى كاملصطلح ونحوه ،ومنهم من ب ّرز يف الفقه،
وهكذا يف علوم هتى ،وقد كانت وصية ابن ههاب الزهري ،التي البد أن نحفظها ،حيث قال:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
4
(من رام ِ
العلم ُجلة ،ذهب عنه ُجلة ،إنام ُفطلب العلم عىل مر األفام والليايل) ،فاملتعجلون ال َ َ
َيص ّلون العلم ،فال بد -إذن -من التدرج.
املتذوق :أهل التذوق يف أخذ العلم؛ فأيت وفطلب علام ما مدة قليلة ،ثم فأيت وَيكم عىل
ِّ ومنهم
هذا العلم ،أو َيكم عىل من ُفع ّلم ذاك العلم ،وأفضا فنتقل إىل آخر ،ثم َيكم عىل ذلك العلم
ٍ
ونقص يف اإلدراك ٍ
نقص يف العلم، اْلخر ،وعىل من ُفع ّلم ذلك العلم اْلخر ،وهذا دليل
والعقل؛ ألن العلوم ال ََي ُكم عليها إال َمن حواها من ُجيع جنباهتا ،وأحاط من ورائها ،وهذا ال
فتأتى ألكثر الذفن فتذوقون؛ فتجد أنه يف مدة من الزمن أههر أو سنة حرض عند فالن من أهل
العلم ،أو ِمن املع ِّلم ن من نلبة العلم ،فحكم عىل نفسه ،أو عىل ذلك املُع ِّلم بأنه كذا وكذا ،ثم
انتقل إىل غريه.
تعجل ،وكان متذوقا يف
َيصل علام كثريا؛ ذلك ألنه َّ
ثم يف النهافة :جتد أن هذا النوع فيأس ،وال ّ
العلم ،والتذوق بمعنى كثرة التنقل ،واألخذ من هذا بيشء واألخذ من ذاك بيشء ،فهذا ال فكون
عرفوا األدب بأنه:
املرء به عاملا ،وال نالب علم ،وإنام كام قال األولون فكون (أدفبا)؛ ألهنم ّ
(األخذ من كل علم بطرف) ،وهذا مما ال فنبغي أن ُفسلك ،فعني :أن فكون نالب العلم الذي
أراد صحة العلم ،وصحة السلوك فيه ،ال فصلح أن فكون متذوقا.
عزفز جدا :بأن حتف كام حف األولون.
وتأصيل العلم ونلبه أمره ٌ
انظر إن كنت معتربا :لكتب الرتاجم ،حيث ترجم أولئك املصنفون ألهل العلم؛ يف ترُجة إمام
من األئمة ،أو حاف ٍ من احلفاظ ،جتد أهنم فذكرون يف أوائل ترُجته أنه قرأ الكتاب الفالِن من
الكتب القصرية من املتون املخترصة ،وقرأ الكتاب الفالِنِ ،
وحف كذا ،وحف كذا ،فذكرون
هذا وجيعلو نه منقبة ألولئك؟ ألن حف تلك املتون ،وقراءة تلك املخترصات هي نرفقة العلم
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
5
يف الواقع ،وهذه ُسنة العلامء ،و َمن تركها فقد ترك سنة العلامء يف العلم والتعليم ،منذ تش َّعب
العلم بعد القرن الرابع اهلجري ،وهلذا ف ينبغي لك أن تكون حرفصا عىل التأِن يف نلب العلم،
وأن ُحت ِكم ما تسمع وما تقرأ هيئ ًا فشيئا.
ومن املهامت أفضا :أالّ تُدخل عقلك إال صورة صحيحة من العلم ،فال َّ
هتتم بكثرة املعلومات،
بقدر ما هتتم ْ
بأن ال فدخل العقل إال صورة صحيحة للعلم ،إذا أردت أن تتناوهلا تناولتها
باالحتجاج أو الذكر أو االستفادة ،تناولتها تناوال صحيحا ،أما إذا كنت تُدخل يف عقلك مسائل
كثرية ،وإذا أتى النقاش حلظت من نفسك َّ
أن هذه املسألة فهمتها عىل غري وجهها ،والثانية
فهمتها عىل غري وجهها ،بأن كان هلا قيدٌ مل هتتم به ،وهلا ضوابط ما اعتنيت هبا ،فتكون الصور يف
الذهن كثرية ،وتكون املسائل كثرية؛ لكن غري منضبطة ،وليس ذلك بالعلم.
إنام العلم :أن تكون الصورة يف الذهن للمسألة العلمية منضبطة؛ من جهة (صورة املسألة)،
ومن جهة (احلكم عليها) ،ومن جهة (الدليل) ،ومن جهة (وجه االستدالل).
فهذه األربع هتتم هبا جدا:
األوىل :صورة املسألة .الثانية :حكم املسألة .الثالثة :دليلها ،بمعرفة دليل َمن قال كذا وكذا.
الرابعة :وجه االستدالل .بأن تعرف عندما استدل فالن بدليل ،كيف أعمل عقله فيه فاستنبط
منه احلكم؟.
عودت ذهنك عىل هذه األربعِِ :ست مسريا ج ّيدا يف فهم العلم ،والذي َييط باللغة
فإذا ّ
هيتم بألفاظ أهل العلم ،وبلغة العلم ،مل العربية ،وهيتم بألفاظ أهل العلم؛ وصل؛ َّ
ألن من مل ّ
فدرك مرادهم من كالمهم.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
6
السحر أحد نو اقض اللسام ألنه شرك باهلل لسبحانه وتعالى ،وكل لساحر مشرك؛ ألنه ل يمكن للساحر أن
يصل إلى روح وقلب من ُيراد صرفه أوالعطف إليه إل بالشرك؛ ألن الشيطان هوالذي يؤثرعلى النفس بالصرف
ُ
أو العطف ،ولن يخدم الشيطان هذا الساحر إل بعد أن يشرك باهلل جل وعا ،ويكفر به ،ويس َّبه جل وعا،
ول يصل الساحر إلى حقيقة السحر في جميع أنواعه إل بالستخدام الشياطين التي ل تخدم إل من يتقرب إليها
ً
بالذبح لها ،واللستعاذة واللستغاثة بها ،ويصرف إليها شيئا من أنواع العبادة.
والساحراشترى السحربدل توحيده ،فالثمن هو التوحيد واليمان باهلل وحده ،واملثمن هو السحرالذي اشتراه
َّ
وتعلمه وعمل به .
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
7
ََ َ
ووجه اللستدلل من هذه اليةَ ﴿ :ما ل ُه ِفي ال ِِخ َر ِة ِمن ِخاق﴾ يعني :من نصيب ،فاملشرك ليس له في الِخرة من
ً
عوضا عن هذا الذي اشتراه وتعلمه. نصيب ،ألنه جعل دينه
ً
اذكردليا في ذم أهل الكتاب الذين يؤمنون بالسحر ،مع بيان أقوال الصحابة فيها.
َ َّ ُ ُ ُ َ
وت﴾الية ،2وهذا في ذم أهل الكتاب ،ويكثر ذلك في اليهود .فإنهم ملاقوله تعالى﴿ :يؤ ِمنون ِبال ِجب ِت والطاغ ِ
آمنوا بالسحر ذمهم هللا جل وعا ولعنهم وغضب عليهم ،وهذا يفيد أنه من املحرمات ومن الكبائر ،و أنه شرك
باهلل جل وعا إذا كان فيه إشراك به تعالى وجميع أصناف السحركذلك.
الطاغوت :الشيطان ،وهو كل ما توجهوا إليه بالطاعةَ ،وب ُعد عن الحق والصواب.
ما الدليل على أن السحرهو أحد املوبقات السبع التي تجعل صاحبها في هاك وِخسارفي الدنيا والِخرة؟
بين متغايرين -في الحقيقة ،-و إنما هو عطف بين ِخاص وعام ،فالشرك باهلل يكون بالسحر ويكون بغيره،
َ
فعطف السحرعلى الشرك للتنصيص عليه.
[ 1النساء.]11:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
8
حد ردة؛ ألن حقيقة السحرل ّبد أن يكون فيه إشراك باهلل جل وعا،
والصحيح من هذه األقوال أنه في الجميع ّ
مفهوم له.
اذكرما يدل على فهم الصحابة رضوان هللا عليهم أن حد كل لساحرهو القتل مهما اِختلف نوع سحره.
ما جاء في صحيح البخاري عن بجالة ،قال :كتب عمربن الخطاب رض ي هللا عنه( :أن اقتلوا كل لساحرولساحرة،
قال :فقتلنا ثاث لسواحر) ،هذا ظاهر في األمر بقتل الساحر والساحرة بدون تفصيل؛ ألن حقيقة السحر ل
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
9
ً
تعزيرا ،فالصحابة رضوان هللا عليهم أفتوا بقتله وأمروا بقتله ،وذلك بدون تفريق ،وهذا هو لحد القتل أو ُيقتل
ً
وإنكارا للمنكر عن كل الواجب على املسلمين أن يحذروا السحر بأنواعه ،وأن يتعاونوا في الباغ براءة للذمة
ً
الستخداما لش يء من الخر افات أو السحرونحوذلك؛ ألنه كما قال األئمة :ما يدِخل من يعلمون عنده شعوذة أو
َ
السحرة إلى بلد إل ويفشون فيها الفساد والظلم والعتداء والطغيان ،ذلك ألنهم يستخدمون الشياطين التي
قد يأتي السحر في النصوص ول ُيراد منه السحرالذي يكون بالشرك باهلل جل وعاّ .
وضح ذلك.
ِ
السم السحرعام في اللغة ،يدِخل فيه ذلك اللسم الخاص الذي فيه الستعانة بالشياطين وتقرب إليها وعبادتها
ُ
لتخدم الساحر ،وقد يكون بألسماء أِخرى لكن الشارع يطلق عليها أنها سحر وليست كالسحر األول في الحقيقة
ليس فيه الستعانة بالشياطين ولكنه داِخل في حقيقة السحراللغوية؛ ألن له تأثيرِخفي على القلوب ،فإن الرجل
ً ََ
البليغ ذا البيان وذا اليضاح وذا اللسان الجميل الفصيح يؤثرعلى القلوب حتى يسبيها ،وربما قل َب الحق باطا
ً
حقا لبيانهُ ،
فسمي ً
سحرا لخفاء وصوله إلى القلوب ،وقلب رأي وفهم املخاطب من ش يء إلى آِخر ،كذلك والباطل
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
11
ما ذكر من أن (الطيرة من السحر) فالطيرة نوع اعتقاد ،كذلك (العيافة) وهي شبيهة بها أو ببعض أنواعها،
كذلك (الخط في الرمل) ،ونحو ذلك من األشياء التي ربما أطلق عليها أنها سحر وهي ليست كالسحر األول في
ّ
الحد ،ول الحقيقة ،ول في ُ
الحكم. ِ
ما منالسبة باب (بيان ش يء من أنواع السحر) للباب الذي قبله؟
بيان أن أنواع السحرمنها ما هو شرك أكبرباهلل جل وعا ،وهو املراد إذا قلنا السحروهذه هي الحقيقة
العرفية .وهناك في ألفاظ الشرع أشياء يكون املرجع فيها إلى الحقيقة اللغوية ،وهناك أشياء يكون
املرجع فيها إلى الحقيقة العرفية ،ويكون هناك أشياء املرجع فيها إلى الحقيقة الشرعية .وهنا في هذا
ً
عرفا أنه سحر ،ويطلق عليه ش ً ً
رعا الباب ذكرما يشمل كل ما يطلق عليه لغة أنه سحر ،ويطلق عليه
أنه سحر.
فالحد الذي فيه ّ
حد الساحر ضربه بالسيف ل ينطبق على كل هذه ّ التفريق بين هذه األنواع مهم،
) ً
لغة وليست بسحر ً
شرعا. األنواع؛ ألنها سحر
ً ً
واصطاحا؟ وما الدليل أنها من السحر؟ ما هي العيافة لغة
ّ
العيافة مأِخوذة من عياف الش يء وهو تركه ،عاف الش َيء يعافه إذا تركه فلم تب ِغ ِه نفسه .وهي َزج ُرالطي ِر ،وهذا
طيرا حتى ينظرإلى أين يتحرك ،ثم ينظربعد ذلك هل هذا األمرالذي ُ
لسيقدم أحد معانيها ،وزجرالطيرأن ّ
يحرك ً
ّ
عليه أمرمحمود أو أمرمذموم ،أو يطلع بزجرالطيرعلى مستقبل الحال.
ّ ّ
والدليل أنها من السحر ما روي عن النبي ﷺ أنه قال« :إن العيافة ،والطرق ،والطيرة من الجبت» .فهي نوع من
الجبت وهو السحر ،والسحر ش يء ِخفي يؤثر على النفوس ،والعيافة من التأثر بالطير وبزجرها وبانتقالها أو
ِ
بحركتها ش يء ِخفي دِخل في النفس فأثرعليها من جهة القدام أو الكف ،فصار ً
نوعا من السحرألجل ذلك ،وهو
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
11
السفر أو لسيصيبني مكروه فيرجع ،فمتى رده ما رآه عن حاجته أو جعله ُيق ِب ُل إلى حاجته ،ولسيطر التشاؤم على
ُ
متطيرا .وقد قال عليه الصاة والسام« :من ّردته الطيرة عن حاجته فقد
ً قلبه فجعله يقدم أو يحجم فإنه يكون
أشرك».
قد يتشاءم بحركة ش يء ،أو بكلمة يسمعها ،أو برؤية تصادم لسيارات أمامه،أو مشاهدة لسواد في الجو في ذلك
اليوم الذي لسينتقل فيه ،أو تشاءم بش يء حصل له في أول زواجه ،ومنه التشاؤم باألشهرأو باأليام ،ونحو ذلك
ما بقي فيقول للشخص :هذا الذي بقي يدل على كذا وكذا ،هذا الذي بقي يدل على أنك لستغتني ،أو على أنك
ّ ُ
الكهانة ،والكهانة ضرب من السحر ،قال هنا( :والطرق لسيصيبك كذا وكذا ونحو ذلك ،وهو نوع من أنواع ِ
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
12
َ ُّ َ ّ
ض ،والجبت :قال الحسن :رنة الشيطان) وهو من أنواع السحر؛ ألن الشيطان يدعو إلى ذلك
الخط يخط ِفي األر ِ
بصوته وبعويله.
من تعلم ً
بعضا من علم النجوم؛ ألن الشعبة هي "الطائفة من الش يء أو جزء من أجزائه" ،فكل جزء
من أجزاء علم النجوم -الذي هو علم التأثير -نوع من أنواع السحر.
من زاد في تعلم علم النجوم زاد في تعلم السحر حتى يصل إلى آِخر حقيقة علم التأثير -كما يسمونه-
ً
سحرا وكهانة على الحقيقة. فيصبح
والتنجيم منه (علم التأثير) وهو :جعل الكواكب والنجوم في حركتها والتقائها و افتر اقها وطلوعها وغروبها
مؤثرة في الحوادث األرضية أو دالة على ما لسيحدث في األرض ،فيجعلونها دالة على علم الغيب واملغيبات ،وفي
هذا قدرمن السحر؛ ألنه يشترك معه في حقيقته ألنه َجع )ل للتأثيرألمر ِخفي.
ما املراد ُ
بالعقدة؟ ومتى يتحول النفث في العقد إلى سحر؟
العقدة قد تكون عقدة حبل أو عقدة ِخيط أو نحو ذلك ،تارة تكون مرئية واضحة ،وتارة تكون صغيرة ً
جدا،
ضر الجن والشياطين عند تاوته وتخدم هذه ُينفث فيها لعقد السحر بأدعية ورقى شركية وتعويذات وكام َتح ُ
ً ُ ََ َ َ
عقد السحر .جاء من حديث أبي هريرةَ ( :من َعق َد ُعق َدة ث ّم نفث َ
العقدة السحرية ،وليس كل نفث في عقدة ي ِ
َ ّ َ ً ّ َ ََ َ ََ
موجودا في زمن النبي ﷺ ً ِف َيها فقد َس َح َرَ ،و َمن َس َح َر فقد أش َر َكَ ،و َمن ت َعل َق شيئا ُوك َل إلي ِه) ،وكان هذا األمر
َ َ َّ َّ َ
ات ِفي ال ُعق ِد﴾ ،3وهن السواحر. َ
ويتعاطاه الناس املردة في ذلك الزمان ،كما قال جل وعا﴿ :و ِمن ش ِّرالنفاث ِ
[ 3الفلق.]4:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
13
النفث فيها باألدعية الشركية واللستعانة بالشياطين ،فالجني يخدم السحربالنفث في العقدة.
ماذا ينبغي على من وجده مثل هذه العقد؟
ينبغي ملن اطلع عليها أو نظرفيها أن يحل العقدة فينتهي تأثيرالسحر -بإذن هللا -أو يضعف تأثيره.
ََ َ
ما دللة قوله ﷺ(َ :و َمن َس َح َرفقد أش َر َك)؟ وهل دِخل في الشرك حين عقد العقد أم قبل ذلك؟
هذا الحكم عام؛ ألنه َّرتب ً
جزاء على الفعل بصيغة َ(من) فكأنه قال" :كل من سحر فقد أشرك" ،يعني سحر
بأن يعقد عقدة ثم ينفث فيها ،ول يمكن أن يحدث السحر إل بالنفث في العقد أو بالستحضار الجن وبعبادتهم
وينفث ما دام أنه تعلم ذلك ليعمل به فإنه مشرك باهلل ألن تعلم السحرفيه الشرك باهلل عزوجل.
ما أثر التعلق باأللسباب الشركية؟ وما أثر التعلق باهلل تعالى؟
إن التعلق باأللسباب الشركية تعود على فاعلها أو على الراض ي بها بالضرر ل بالنفع ،والعبد إذا تخلى عن
هللا جل وعا ووكل إلى نفسه أووكل إلى غيرهللا جل وعا فقد ِخاب وِخسر ُ
وض َّرأعظم الضرر ،فسعادة العبد
وعظم صاح قلبه ،وعظم صاح روحه بأن يكون تعلقه باهلل جل وعا وحده ،قال رلسول هللا ﷺ( :ومن تعلق
ِ
ً
شيئا ُوكل إليه).
العبد-؛ فإن هللا جل وعا كافيه ومن يتوكل على هللا فهو حسبه ،والعباد فقراء إلى هللا وهللا جل وعا هو ولي
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
14
يد﴾ ،4فمن أنزل حاجته باهلل اس َأ ُنتم ال ُف َق َر ُاء إ َلى َّللا َو َّ ُ
للا ُه َو ال َغني ال َحم ُ َ َ َ َّ
الن ُ النعمة وولي الفضل ﴿يا أيها
ِ ِ ِ ِ
وتعلق قلبه به أفلحّ ،
وأما من تعلق بالخر افات أوتعلق باألمور الشركية كالسحروكالذهاب إلى األولياء وطلب
املدد منهم أو طلب الغاثة منهم فإنه يوكل إلى املخلوق ،ومن وكل إلى املخلوق فإنه يضره ذلك أعظم الضرر
َّ ََ َ َ
كما قال جل وعاَ ﴿ :يد ُعو ملن ضر ُه أق َر ُب ِمن نف ِع ِه﴾.5
ما املراد بالعضه كما بينها الرلسول ﷺ؟ وما حكمها؟ وما وجه الشبه بينها وبين السحر؟
َ
(العض ُه) هكذا تروى في كتب الحديث ،وفي كتب غريب الحديث واللغة تنطق هكذا (ال ِعضه) ألشباهها في َ
َ َ َُُّ ُ َ َ ُ َ ّ َ ُ َ َ ُ َ َ ّ
اس).6
ِ الن وزنها ،وهي كما فسرها النبي ﷺ قال( :أل هل أنبئكم ما العضه؟ ِهي الن ِميمة القالة بين
العضه في اللغة يطلق على أشياء منها السحر ،والنميمة القالة بين الناس نوع من أنواع السحر وهي وأصل َ
القلوب ِخفي ،وهذا عمل النمام فإنه يفرق بين األحباب؛ ألجل كام يسوقه لهذا وكام يسوقه لذاك فيفرق بين
ً
القلوب ويجعل العداوة والبغضاء بين قلب هذا وهذا ،فحقيقة النميمة كما قال جل وعا عن السحر:
َ َ َ َ ُ َ َ َ َّ َ
﴿ف َيت َعل ُمون ِمن ُه َما َما ُيف ِّرقون ِب ِه َبين املر ِء َوزو ِج ِه﴾.7
عد ً
ضربا من السحر؟ ما املقصود بــ(البيان) في قوله ﷺ( :إ ّن من ال َب َيان لسح ًرا)؟ وكيف يمكن أن ُي َّ
ِ ِ ِ
املقصود بالبيان هنا :التبيين عما في النفس باأللفاظ الفصيحة ّ
البينة التي تأِخذ املسامع والقلوب فتسحرها،
ً
حقا ،فيغدو قول ذلك الذي ُي ّ ً
عد من أهل البيان والفصاحة في قلوب حتى أنها ربما تقلب الحق باطا والباطل
[ 4فاطر.]11:
[ 1الحج.]13:
6رواه مسلم.
[ 7البقرة.]101:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
15
ََ ّ
لسح ًرا)؟
اذكر أقوال العلماء في تفسيرهذا الحديثِ ( :إن من البي ِان ِ
بعض أهل العلم قال أن هذا الحديث فيه ذم للبيان وليس ً
مدحا له ،وهذا هو القول الصحيح.
ً وبعض أهل العلم قال إن ذلك على جهة مدح البيان؛ ألنه يؤثر ً
تأثيرا بالغا كتأثير السحر في النفوس،
والتأثيرالبالغ إن كان من جهة البيان يقولون أنه جائز ،ولكن هذا القول فيه نظر.
على أنواع من املحرمات ،فالذي يستغل ما أتاه هللا جل وعا من اللسان والبيان والفصاحة في قلب الباطل
ً ً
حقا وفي قلب الحق باطا ،هذا ل شك أنه من أهل الوعيد ومذموم على فعله؛ ألن البيان إنما يقصد به نصرة
ً
الحق ل أن يجعل ما أبطله هللا جل وعا حقا في أنفس الناس وفي قلوبهم
هذا الباب أتى بعد أبواب السحر؛ ألن حقيقة عمل الكاهن أنه يستخدم الجن لِخباره باألمور املغيبة ،إما
التي غابت في املاض ي ،أو األمور املغيبة في املستقبل التي ل يعلمها إل هللا جل جاله ،فالكاهن يجتمع مع الساحر
ّ ً
في أن كا منهما يستخدم الجن ويستمتع به لغرضه.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
16
بش يء من العبادات كالذبح أو اللستغاثة أو بالكفر باهلل جل وعا بإهانة املصحف أو بسب هللا أو نحو ذلك من
الكاهن ل يصل إلى حقيقة عمله بأن يخبر عن األمور املغيبة إل بالستخدام الجن ،والتقرب إليهم التقربات
الشركية ،فتستمتع الجن من جهة ما يصرف لها من العبادة ،ويستمتع الكاهن من جهة ما يخبره به الجن من
األمور املغيبة.
أدرك الشهاب الجني بعد أن ألقى الكلمة ،فتأتي هذه الكلمة للجن فيعطونها الكاهن فيكذب معها الكاهن أو
تكذب معها الجن مائة كذبة حتى يعظم شأن الكاهن ،وتعظم عبادة النس للجن.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
17
الحالة الثانية :بعد بعثة النبي ﷺ ،ولم يحصل الستراق من الجن؛ ألجل تنزل القرآن والوحي ،وحتى ل
يقع الشتباه في أصل الوحي والنبوة ،وإن حصل فهو نادرفي غيروحي هللا جل وعا بكتابه لنبيه.
الحالة الثالثة :بعد وفاته عليه الصاة والسام ،رجع الستراق السمع ولكنه ليس بالكثرة التي كانت قبل
ً
وشهبا. ً
شديدا ذلك ألن السماء ملئت ً
حرلسا
َ َ َ َّ َ َ َّ
السم َع فأت َب َع ُه ذكر هللا جل وعا في آيات كثيرة أن النجوم والشهب ترمي الجن كما قال جل وعاِ ﴿ :إل َم ِن السترق
اب ُم ِب )ين﴾.8
ش َه )
ِ
ما الفرق بين الكاهن والعراف؟
الكاهن قد يطلق عليه العراف ،فهما السمان متداِخان أحدهما يدل على الِخر.
وعند بعض الناس أو في بعض الفئات ُيستخدم لفظ (الكاهن) لإلِخباربما يحصل في املستقبلُ ،ويستخدم لفظ
خبرعن الغائب عن األعين مما حصل في املاض ي من مثل مكان املسروق أو السارق من هو ،ونحو ُ
(العراف) ملن ي ِ
ذلك مما هو غائب عن األنظار ،و إنما يعلمه العراف بوالسطة الجن.
والصحيح ما ذكره شيخ اللسام ابن تيمية أن :العراف السم للكاهن واملنجم ّ
والرمال ونحوهم ،ممن يتكلمون في
معرفة األمور املغيبة إما املاضية أو املستقبلة بتلك الطرق( :طريق التنجيم ،أو طريق الخط في الرمل ،أو طريق
الطرق على الحص ى أو الودع ،أو بالخشبة املكتوب عليها أبا جاد ،أو قراءة الفنجان أو قراءة الكف) كل من يخبر
عر ًافا؛ ألنه ل يحصل له ُ
أمره
ً
كاهنا ويسمى ّ عن األمور املغيبة بش يء يجعله ولسيلة ملعرفة األمور املغيبة يسمى
ً
ما جزاء من أتى عر افا فسأله؟
6
[الحجر.]18:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
18
َّ
ويصدقه بما يقول ،فهذا يكون قد كفربما أنزل على النبي محمد الحالة األولى :من يأتي ّ
العراف فيسأله ▪
يوما ،ويدل ذلك على عظم جزاء من يأتي الكاهن أو العراف ليسأله ولو لم يصدقه .قال رلسول له صاة أربعين ً
َ ُ َ َ ُ َ َُ
صاة ص َا ُة َأرَبع َين ً
يوما) ،واملقصود من قوله( :لم تقبل له هللا ﷺَ ( :من َأ َتى َع ّر ًافا َف َس َأ َل ُه َعن َش يءَ ،لم ُتق َبل َل ُه َ
ِ
يوما) أن الصاة تقع ،وهي ُمجزئة ول يجب عليه قضاؤها؛ ولكن ل ثواب له فيها؛ ألن الذنب والثم الذي َأرَبع َين ً
ِ
العراف فسأله عن ش يء يقابل ثواب الصاة أربعين ً
يوما ،فألسقط هذا هذا. ّ
حصله حينما أتى ّ
الحالة الثالثة :من أتى العراف فسأله؛ لإلنكار عليه وحتى يتحقق أنه ّ
عراف فا يدِخل في ذلك؛ ألن ▪
يوما) يدل على أنه لم يخرج من اللسام، ص َا ُة َأرَبع َين ًَجم ًعا بين النصوص .فإن قول النبي ﷺَ ( :لم ُتق َبل َل ُه َ
ِ
َ ُ ََ ََ
والحديث الِخر وهو قوله ﷺ( :فقد كف َر ِب َما أن ِز َل َعلى ُم َح ّمد ﷺ) يدل على كفره ،فعلمنا بذلك على أن كفره
ص ّد َقه) ،وهي موجودة في مسند اإلمام أحمد ،والشيخ رحمه هللا ذكر - 9قد نبَّه ال ُّ
شراح على أن لفظ هذا الحديث في "مسلم" بدون كلمة (فَ َ
هذا اللفظ وعزاه لمسلم ،على طريقة أهل العلم ألحد صاحبي الصحيح إذا كان أصله فيهما؛ التحاد الطريق أو نحو ذلك.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
19
)
وِخارج من امللة فإن صاته كفرا أكبر )
ومرتد كفرأصغروليس كفرمخرج من امللة؛ ألن الذي يحكم عليه أنه كافر ً
ً
ل تقبل بتاتا حتى يرجع إلى اللسام.
القول الثاني :أنه ُي َت َو َّقف فيه ،فا يقال يكفر ً
كفرا أكبر ول يقال ً
كفرا أصغر ،و إنما يقال أن إتيان الكاهن
َ َ
وتصديقه كفر باهلل جل وعا ُويسكت عن ذلكُ ،ويطلق القول كما جاء إطاقه في األحاديث ألجل التهديد
والتخويف حتى ل يتجالسرالناس على هذا األمر .وهذا هو مذهب المام أحمد في املنصوص عنه.
القول الثالث :أن الذي يأتي الكاهن فيسأله ُوي ّ
صدقه كافر ً
كفرا أكبر ،كفره مخرج من امللة ،وهذا القول فيه ِ
نظرمن جهتين:
ص َا ُة َأرَبع َين ً
يوما) يدل على أنه لم يكفرالكفر الجهة األولى :ما ذكرناه من الدليل؛ من أن قوله ﷺَ ( :لم ُتق َبل َل ُه َ
ِ
ََ
األكبر ،ولو كفر الكفر األكبر لم يحدد تلك املدة من األيام في عدم قبول الصاة .والكافر الذي يحكم عليه أنه
ً كافرك ً
فرا أكبرومرتد وِخارج من امللة فإن صاته ل تقبل بتاتا حتى يرجع إلى اللسام.
ُ
الجهة الثانية :أن تصديق الكاهن فيه شب َهة ،فهذا الكاهن الذي َّيدعي علم الغيب ويخبرباألمور املغيبة -فيما
صدق فيه -عن طريق الستراق الجن للسمع ،فيكون قد نقل ذلك الخبرعن الجن ،والجن نقلوه عما لسمعوه في
ُ
السماء ،وهذه شب َهة ،فقد يقول الذي يأتي للكاهن أنا أصدقه فيما أِخبر من الغيب؛ ألنه قد جاءه علم ذلك
الغيب من السماء عن طريق الجن ،وهذه الشبهة تمنع من تكفيرمن ّ
صدق الكاهن الكفراألكبر.
فصار القول األظهر أن كفره كفرأصغروليس بأكبر؛ لدللة األحاديث ولظهور التعليل في ذلك.
َ ُ ََ َ َ
ومعنى قوله ﷺ( :فقد كف َر ِب َما أن ِز َل َعلى ُم َح ّمد ﷺ) أي :بالقرآن؛ ألنه قد جاء في القرآن والسنة أن الكاهن
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
21
(ليس منا) يدل على أن هذا الفعل محرم ،وبعض أهل العلم يقول :يدل على أنه من الكبائر.
ُ َ
(من تطيرأو تطيرله) والطيرة من الكبائر.
(أو تكهن) يعني ادعى علم الغيب وأِخبربأمور مغيبة ،أو َّادعى بأنه كاهن ليخدع من رآه بأنه كاهن ،فهذا مشرك
ُ
الشرك األكبرباهلل؛ ألنه ل يمكن له أن يخبرباألمور املغيبة إل بأن يشرك( .أو تكهن له) يعني من رض ي بأن يتكهن
وقال ابن عباس في قوم يكتبون (أبا جاد) وينظرون في النجوم( :ما أرى من فعل ذلك له عند هللا من o
َ
ِخاق) ذلك ألن كتابة (أبا جاد) والنظر في النجوم يعني للتأثير؛ نوع من أنواع الكهانة ،والكهانة محرمة وكفر
باهلل جل وعا.
اذكربعض ما ذكره أهل العلم في شرح معاني العر افة والكهانة.
العراف :الذي َي َّدعي معرفة األمور بمقدمات يستدل بها على املسروق ومكان َّ
الضالة ،ونحو قال البغويَّ ( :
ذلك) ،فالعراف عند بعض أهل العلم هو من يخبر بأمور لسبقت لكنها ِخفية غيبية عن الناس؛ وهي من حيث
وقيل( :هو الكاهن ،والكاهن :هو الذي يخبر عن املغيبات في املستقبل ،وقيل :هو الذي يخبر عن ما في الضمير).
وقال أبو العباس ابن تيمية :العراف السم للكاهن واملنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة األمور بهذه
الطرق).
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
21
(املنجم) هو الذي يستخدم علم التأثير ،يقول ظهر نجم كذا والتقى بنجم كذا فمعناه أنه لسيحدث كذا وكذا،
أو إذا ولد لفان ولد في برج كذا فإنه لسيحصل كذا وكذا له من الغنى والفقرأو السعادة أو الشقاوة ونحو ذلك،
فيستدلون على حركة النجوم على حال األرض وحال الناس فيها.
َ
الرمال هو :صاحب الط َرق ،أو هو :الذي يخط في الرمل ،أو يستخدم الحص ى على الرمل.
والرمال) َّ
( َّ
(ونحوهم) من مثل الذين يقرأون الكف ويقرأون الفنجان ،أو في هذا العصر الذين يكتبون في الصحف
والجرائد ومجات البروج وما يحصل في البروج ،و أنت إذا ولدت في هذا البرج معناه أنه لسيحصل لك في هذا
طريق الفنجان ،أوعن طريق الكف ،أوعن طريق النظرفي األرض في الحص ى ،أوعن طريق الخشب أوعن طريق
النظرفي البروج ،ونحو ذلك ،هذه كلها ولسائل يغربها الكاهن من يأتيه.
ُيظهر هذه األشياء حتى يحصل على املقصود ،ويصدق الناس أنه ولي من األولياء و أنه ل يستخدم الجن .وهذا
يحصل في بعض باد غرب إفريقيا وبعض شمالها ،ومنتشر ً
أيضا في الشرق ،وفي كثيرمن الباد ،يجعلون الساحر
والكاهن ً
وليا من األولياء ،ويقولون أنهم ل يفعلون الفعل إل بإرشاد من املائكة.
ولهذا ترى بعض الشراح يذكر في مقدمة هذه األبواب أن أولياء هللا جل وعا ل يتعاطون الشرك ول يتعاطون
مثل هذه األمور ،فأولياء هللا َّ
مقيدون بالشرع وليسوا من أولياء الجن.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
22
ما منالسبة باب (ما جاء في النشرة) لكتاب التوحيد؟ وما منالسبته لباب السحرالذي جاء قبله؟
منالسبته لكتاب التوحيد :السحر شرك باهلل جل وعا يقدح في أصل التوحيد ،والساحر مشرك الشرك األكبر
باهلل ،كذلك النشرة التي هي َحل السحر قد تكون من لساحر ،وقد تكون من غير لساحر باألدوية املأذون بها أو
األدعية ونحو ذلك ،فإذا كانت من لساحر فإنها مناقضة ألصل التوحيد ،وكثيرون ممن يستعملون النشرة
النشرة نوعان :النوع األول :النشرة الجائزة :هي ما كانت بالقرآن ،أو باألدعية املعروفة ،أو باألدوية املباحة عند
بسحرآِخر.
تزيل ذلك السحر ،ومما يزيله القرآن ،وهو أعظم ما ينفع في إزالته ،كذلك األدعية واألوراد ونحو ذلك مما هو
َ ً
.2بعض أنواع السحر تكون في البدن ،أي :من جهة عضوية ،فهذا أحيانا يعالج بالرقى واألدعية والقرآن،
ً َ
يعالج عن طريق األطباء العضويين ،وذلك ألن السحر ُ
مرض حقيقة ،فإذا أزيل املرض أو لسبب املرض ِ ي وأحيانا
فإن السحريبطل ،ولهذا قال ابن القيم في آِخرالكام( :والثاني :النشرة بالرقية والتعوذات واألدوية والدعوات
كذلك حل السحر بالسحر ل بد فيه من إزالة لسببه وهو ِخدمة شياطين الجن للسحرة ،وهذا ل يمكن إل
َ ّ
باللستعانة بالجن ،فالساحر الثاني الذي ُين ِشر السحر ويرفعه ل بد أن يستغيث أو يتوجه إلى بعض الجن
فصار إذن أن (السحر األول) من حيث العقد والبتداء ل يكون إل بالشراك باهلل ،و(السحر الثاني) من حيث
الرفع والنشر ل يكون إل بالشرك باهلل كذلك ،ولهذا قال الحسن( :ل يحل السحر إل لساحر) يعني :أنه ل يحل
النشرة عند العرب في الجاهلية هي :حل السحربمثله ،وقد قال رلسول هللا ﷺ عندما لسئل عن النشرة( :هي من
عمل الشيطان) ،ألن عقد السحر كان من عمل شيطان جني ،فكذلك رفع السحر بسحر مثله يكون من عمل
شيطان جني.
قال العلماء :لم التعريف في قوله (النشرة) للعهد؛ يعني النشرة املعهود الستعمالها وهي حل السحربمثله.
ما موقف ابن مسعود رض ي هللا عنه من النشرة عن طريق التمائم؟
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
24
قال رلسول هللا ﷺ عندما لسئل عن النشرة« :هي من عمل الشيطان» (رواه أحمد بسند جيد و أبو داود ،وقال
َّ َّ
لسئل أحمد عنها فقال :ابن مسعود يكره هذا كله)( ،يكره هذا كله) أي :أن تكون النشرة عن طريق التمائم التي
تعلق وفيها ش يء من القرآن ألي غرض :لدفع العين ،أو لزالة السحر ،ورفع الضرر .قال إبراهيم النخعي رحمه
هللا( :كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن ومن غيرالقرآن) يعني :ابن مسعود وأصحابه كذلك.
أما النشرة بالستخدام النفث والرقية من غير تعليق ،فا يمكن لإلمام أحمد ول لبن مسعود أن يكرهوا ذلك؛
ً
ألن النبي ﷺ الستخدم ذلك ،وأذن به عما في نفسه ،وكذلك في غيره عليه الصاة والسام.
ما نوع النشرة الذي أباح ابن املسيب الستخدامه في عاج املبتلى بالسحر؟
ّ ُّ جاء في البخاري عن قتادة( :قلت لبن املسيب) :
أويؤِخذ عن امرأته -بصرف القلب عنها ،-أيحل رجل به طب
عنه؟ أو ينشر؟ قال :ل بأس به ،إنما يريدون به الصاح ،فأما ما ينفع فلم ُي َ
نه عنه).
يريد ابن املسيب بذلك ما ينفع من النشرة بالتعوذات الشرعية واألدعية وقراءة القرآن والدواء املباح ونحو
ذلك فهذا لم ُين َه عنه بل أذن فيه ،أما النشرة التي هي بالسحر فابن املسيب أرفع من أن يقول :إنها جائزة ولم
الشيطان ،وعليه يحمل قول الحسن ،فيتقرب الناشر واملنتشر إلى الشيطان بما ُيحب ،فيبطل عمله عن
املسحور ،والثاني :النشرة بالرقية والتعوذات واألدوية والدعوات املباحة ،فهذا جائز) ،فالنوع األول هو حقيقة
النشرة الشركية.
ل يجوز ومحرم؛ بل هو شرك باهلل جل وعا؛ ألنه ل يحل السحرإل لساحر. -
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
25
بعض العلماء من أتباع املذاهب يرى جواز حل السحر بمثله إذا كان للضرورة كما قال فقهاء مذهب -
ً
المام أحمد في بعض كتبهم( :ويجوز حل السحربمثله ضرورة).
ّ ً
عوضا عنها .معروف أن وهذا القول ليس بصواب؛ ألن الضرورة ل تكون جائزة ببذل الدين والتوحيد
ً
الضروريات الخمسة التي جاءت بها الشرائع أولها (حفظ الدين) ،وما هو دونها مرتبة ل يبذل ما هو أعلى
لتحصيل ما هو أدنى ،وضرورة (الحفاظ على النفس) هذه ل شك أنها من الضروريات الخمس لكنها دون حفظ
ً
الدين مرتبة ،ولهذا ل يقدم ما هو أدنى على ما هو أعلى ،أو أن ُيبذل ما هو أعلى لتحصيل ما هو أدنى من
الضروريات الخمس.
واألنفس ل يجوز حفظها بالشرك ،وهذا أن يموت وهو على التوحيد ل شك أنه ِخير له من أن يعافى وقد أتى
ن َّ
إل بشرك ،والذي يأتي الساحر ويطلب منه َّ
حل السحر هذا معناه أنه بشرك باهلل جل وعا .والسحر ل يكو
رض ي قوله وعمله ،ورض ي أن يعمل به ذاك ،ورض ي أن يشرك ذاك باهلل ألجل منفعته ،وهذا غيرجائز ،فا يجوز
أن يحل السحر بمثله ل من جهة الضرورة ول من غير الضرورة من باب أولى بسحر مثله بل يحل وينشر بالرقى
الشرعية.
جاء الشيخ رحمه هللا بهذا الباب بعد األبواب املتعلقة بالسحر ألن الطيرة نوع من أنواعه كما جاء في نص
الحديث.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
26
ّ
منالسبة هذا الباب لكتاب التوحيد :أن التطيرنوع من الشرك باهلل جل وعا بشرطه ،والشرك الذي يكون من
حقيقته أنه تشاؤم أو تفاؤل بحركة الطير من السوانح والبوارح أو النطيح أو القعيد ،أو بغير الطير ،فإذا أراد
)
أحد أن يذهب إلى مكان أو يمض ي في لسفرأو أن يعقد له ً
ِخيارا ،فيستدل بما يحدث له من أنواع حركات الطيور،
ّ
أو بما يحدث له من الحوادث أن هذا السفر لسفر لسعيد فيمض ى فيه ،أو أنه لسفر س يء وعليه فيه َو َبال فيرجع
عنه.
قال عليه الصاة والسام( :إنما الطيرة ما أمضاك ،أو ردك) فالطيرة شرك.
ً ً
مثا :إذا ِخرج الرجل من بيته وهو ينوي ً
لسفرا أورحلة ،أو ينوي القيام بصفقة تجارة أو نحو ذلك ،فحصل أمامه
حادث من تصادم لسيارة أو اعتداء من واحد على آِخر أو نحو ذلك ،فجعل من هذا الحادث في قلبه ً
شؤما ،ثم
الستدل بهذا الحادث على أنه لسيفشل في لسفره أو في تجارته أو أنه لسيصيبه مكروه في لسفره:
بالطيروحركاتها.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
27
العيافة متعلقة بالطير كما فسرها عوف األعرابي بقوله :العيافة زجر الطير ،فالشخص يحرك الطيرويزجرها
وأما الطيرة :أن يتشاءم أو يتفاءل ،ويمض ي أو يرجع ،بحركة تحصل أمامه من الطيرأو من غيره.
َ ) َّ ُ َُ َ ُ ََ َ َ
ما تفسير قوله تعالى في لسورة األعراف﴿ :ف ِإذا َج َاءت ُه ُم ال َح َسنة قالوا لنا َه ِذ ِه َو ِإن ت ِصب ُهم َلس ِّيئة َيط َّي ُروا
َ َ َ َ َّ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ ُ َ َ َّ َ َ ُ
كن أكث َر ُهم ل َيعل ُمون﴾10؟ ِبموس ى ومن معه أل ِإنما طا ِئ ُرهم ِعند ِ
هللا ول
َ ُ َ ُ َ َ
﴿ف ِإذا َج َاءت ُه ُم ال َح َس َنة﴾ أي :إذا أتاهم ِخصب ولسعة وزيادة في األرزاق ﴿قالوا ل َنا َه ِذ ِه﴾ يعني نحن املستحقون
وس ى َو َمن َم َع ُه﴾ أي :أصابهم جدب أو نقص في األرزاق أو باء قالوا :هذا لهاَ ﴿ .وإن ُتصب ُهم َلس ّي َئ )ة َي َّط َّي ُروا ب ُم َ
ِ ِ ِ ِ
بسبب شؤم موس ى ومن معه ،فهم الذين بسببهم وبسبب أقوالهم وأعمالهم حصل لنا هذا السوء وهذه الويات.
َ َ َ َّ َ َ ُ ً
فتطيروا بهم؛ أي أنهم جعلوهم لسببا ملا حصل لهم﴿ .أل ِإنما طا ِئ ُرهم ِعند ِ
هللا﴾ يعني:
)1ما يطير عنهم من عمل صالح أو طالح ،وأنهم يستحقون الحسنات أو يستحقون السيئات كل هذا عند هللا
جل وعا.
)2أن لسبب ما يأتيهم من الحسنات أو ما يأتيهم من السيئات قضاء وقدرفهو عند هللا جل وعا.
أن صفة التطير من صفات أعداء الرلسل ،ومن ِخصال املشركين الشركية ،وإذا كان كذلك فهو مذموم ،أما
أتباع الرلسل فإنهم يعلقون ذلك بما عند هللا من القضاء والقدر ،أو بما جعله هللا جل وعا لهم من ثواب
َ َ َ َّ َ َ ُ
أعمالهم أو العقاب على أعمالهم كما قال تعالى﴿ :أل ِإنما طا ِئ ُرهم ِعند ِ
هللا﴾.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
28
الذين ّ
تطيروا هم املشركون أصحاب القرية. -
ُ َ ُّ ُ َ ُ َ ُ
وقالت أتباع الرلسل﴿ :قالوا طا ِئ ُركم َّم َعكم أ ِئن ذ ِكرتم﴾ 12يعني لسبب وقوع السيئات عليكم ،أو لسبب -
قدوم الحسنات عليكم هذه من ش يء فيكم ،فالسوء والعقاب الذي لسينالكم مازم لكم مازمة ما تتطيرون به
ُ َ ُ
من عمل لسوء ومن معاداة للرلسل وتكذيب لهم هذا مازم لكم ولستتطيرون به﴿ ،طا ِئ ُركم َّم َعكم﴾ ألنه من جهة
ّ
أنهم فعلوا السيئات ،وكذبوا الرلسل وهذا لسيقع عليهم وباله.
َ َ ومنالسبة هذه الية للباب كمنالسبة الية قبلها من َّ
أن هذه هي قالة املشركين وأعداء الرلسل.
َ َ َى َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ
صف َر»؟ ما املراد من النفي في قوله ﷺ« :ل عدو ،ول ِطيرة ،ول هامة ،ول
من املعلوم أن املنفي هنا ليس هو وجود الطيرة؛ ألن الطيرة موجودة من جهة اعتقاد الناس ،ومن جهة
الستعمالها؛ ولكنها باطلة ،كذلك العدوى موجودة من جهة الوقوع .فالجاهليون ل ينازعون في أصل وجود هذه
األشياء ،فهم يؤمنون بوجودها ويؤمنون ً
أيضا بتأثيرها ،فاملنفي ليس هو وجودها و إنما هو تأثيرها ،وهم
ولهذا قال العلماء النفي هنا :راجع إلى ما تعتقده العرب ،ويعتقده أهل الجاهلية بأن (ل) نافية للجنس والسمها
البارح أو النطيح أو القعيد ل أثر لها في حكم هللا وفي ملكوت هللا وفي قضائه وقدره ،وتنتقل العدوى بإذن هللا
ما هو الفأل؟
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
29
َ ُ ّ ُ َ
قال ﷺَ «( :و ُيع ِج ُب ِني الفأل» ،قالوا :وما الفأل؟ قال« :الك ِل َمة الط ّي َبة») ،كان ﷺ يحبه وفسره بأنه (الكلمة
الطيبة)؛ ألنه إذا لسمعها فتفاءل بها في أنه لسيحصل له كذا وكذا من الخيرات ،ففي ذلك حسن ّ
ظن باهلل جل
الفأل حسن ظن باهلل وهذا مأمور العبد به ،والتشاؤم لسوء ظن باهلل جل وعا ،ولهذا صار الفأل
ً
مذموما. ممدوحا ومحمو ًدا ،وصارالشؤم
ً
جراء فعل حصل له .والدليل ما جراء كلمة لسمعها أو من َّ قلب النسان أنه لسيحصل له كذا وكذا من الخيرمن َّ
ّ ُ ُ
جاء عن أبي داود بسند صحيح عن عقبة بن عامر ،قال( :ذ ِك َر ِت الط َي َرة ِعن َد رلسول هللا ﷺ فقال« :أح َس ُن َها
َ
الفأ ُل»).
ً ً ملاذا كان الفأل ً
محمودا ومأذونا به؟ أمرا
َ ) ً الفأل أمر محمود وممدوح ومأذون به ً
الظن باهلل جل وعا. محسن شرعا ألن النسان إذا تطير متفائا فإنه
والفأل في نفسه مطلوب؛ ألن التفاؤل يشرح الصدرويؤنس العبد ُويذهب الضيق الذي ُيوحيه الشيطان ويسببه
في قلب العبد ،فالشيطان يأتي للعبد فيجعله َيتوهم أشياء وأشياء ،كلها في َّ
مضرته ،فإذا فتح العبد لنفسه باب
مسلما عن حاجته ،فإذا ّردته عن حاجته فقد حصل له الشرك بالتطير. ً ل ترد الطيرة
َ َ َ ُ
لقوله ﷺ بعد أن ذكرت عنده الطيرة« :أح َس ُن َها الفأ ُلَ ،ول ت ُرد ُمس ِل ًما».
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
31
ّ (ل َت ُر ّد ُمسل ًما) هذا ِخبر ،لكنه متضمن للنهي (ل) ،والنهي قد ُي َ َ
عدل عنه إلى الخبر لتأكيد النهي ،كما أن ِ قوله:
َ األمرقد ُي َ
عدل عنه إلى الخبرلتأكيد األمر ،قال هللا تعالىَ ﴿ :و َّلِل َيس ُج ُد َما في َّ َ
اوات َو َما في األرض من َدآ َّبة﴾13
ِ ِ ِ الس َم ِ ِ ِ ِ
َ َ
هذا ِخبر ُمث َبت لكنه كاألمر املؤكد ،وهنا( :ل ت ُرد ُمس ِل ًما) ِخبر منفي لكن فيه النهي عن أن ترد الطيرة مس ًلما عن
حاجته.
عما أراد عمله؛ بل عليه أن ُيعظم التوكل على الواجب على العبد إذا عرض له ش يء من التشاؤم أن ل يرجع ّ
هللا جل وعا؛ ألن هذه األشياء التي تحصل ل تدل على األمور املغيبة ألنها أمور طرأت وو افقت هكذا أمام
ً
العبد وليس لها أثرفيما لسيحصل مستقبا.
ّ ّ إل! َو َلك ّن َ
هللا ُيذ ِه ُب ُه ِبالت َوك ِل»).
) ََ ّ ّ ّ ُ
الط َي َرة ِشرك ،وما ِمنا ) َّ ُ ) مرفوعاَ ّ « :
ً
ِ الطي َرة ِشركِ ،
الطي َرة ِشركِ ، ِ فعن ابن مسعود
َّ ّ َّ ّ ُ
(الط َي َرة ِشر )ك) أي :الشرك األصغر باهلل جل وعا ،قال(َ :و َما ِمنا إل) أي :وما منا إل وقد عرض له و أتى ِلقلبه ِ
َ
بعض التطير؛ ألن هذا من الشيطان ،والشيطان يأتي القلوب فيغريها بما يفسدها ،ومن ذلك التطير(َ ،ول ِك ّن
َ ّ ّ
هللا ُيذ ِه ُب ُه ِبالت َوك ِل)؛ ألن َح َسنة التوكل و إتيان العبد بواجب التوكل ُيذهب عنه كيد الشيطان.
ً
متى تكون الطيرة شركا؟ وما كفارتها؟
ضابط كون الطيرة شركا أن ُتر َّد املتطيرعن حاجته ،فإذا لم ترده عن حاجته ولم يستأنس لها فا حرج عليه في
ُ ّ
ذهبه بالتوكل وتعظيم
ذلك ،إل أن عظمت في قلبه ،فربما دِخلت في أنواع محرمات القلوب ،والذي يجب أن ي ِ
الرغبة فيما عند هللا وحسن الظن باهلل جل وعا ،قال أحمد من حديث ابن عمرو« :من َّردته الطيرة عن حاجته
ّ
[ 13النحل.]94:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
31
فقد أشرك» ،قالوا :فما كفارة ذلك؟ قال :أن تقول :اللهم ل ِخيرإل ِخيرك ،ول طيرإل طيرك)( ،ل طيرإل ُ
طيرك)
أي :لن يحصل إل قضاؤك الذي قضيته َّ
وقدرته على العبد ،وعلم املغيبات إنما هو عند هللا جل وعا وحده.
النوع الثاني :هو ما يسمى "علم التأثير" ،وهو اللستدلل بحركة النجوم والتقائها و افتر اقها وطلوعها وغروبها
ً
على ما لسيحصل مستقبا في األرض.
ُ ُ َّ
الك َّهان؛ ألنه يخبر باألمور ّ
املغيبة عن طريق والذي يفعل هذه األشياء ُويحسنها يقال له "املن ِجم" وهو من
وحكم هذا النوع محرم وكبيرة من الكبائر ،وهو نوع من الكهانة ،وهو كفرباهلل جل وعا؛ ألن النجوم ما ِخلقت
ً
لذلك ،ولكن هؤلء تأتيهم الشياطين ويجعلون حركة النجوم دليا على ما توحي إليهم بما يريدون وبما لسيحصل
في املستقبل .وقد ُأبطل قول املنجمين في أشياء كثيرة من الو اقع ،وذلك نحو ما كان في فتح ّ
عمورية في قصيدة
أبي تمام املشهورة :السيف أصدق ً
إنباء من الكتب ....وغيرها.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
32
النوع الثالث :وهو أن يتعلم النجوم وحركات النجوم ألجل معرفة اتجاه القبلة ،ومعرفة األوقات ،وما يصلح من
األوقات للزرع وما ل يصلح ،واللستدلل بذلك على وقت هبوب الرياح ،وعلى الوقت الذي أجرى هللا فيه ُلسنته
أنه يحصل فيه من املطركذا ونحو ذلك ،فهذا يسمى "علم التسيير".
ّ
وحكم هذا النوع :رِخص فيه بعض العلماء ،ولسبب الترِخيص فيه :أن املتعلم يجعل النجوم وحركتها والتقاءها
ً
وعامة ول يجعله ً ً ً
لسببا ،وهللا جل وعا جعل النجوم عامات كما قال: و افتر اقها وطلوعها وغروبها وقتا وزمنا
َ َ َ َ َ َ َّ
النج ِم ُهم َيه َت ُدون﴾ ،14فهي عامة على حدوث أشياء ،مثل طلوع النجم الفاني عامة على دِخول﴿وعامات و ِب
وقت الشتاء ،وليس بسبب طلوعه دِخل الشتاء ،بل الستدللنا بطلوعه على دِخول الشتاء ،وإل فهو ليس بسبب
لحصول البرد ،وليس بسبب لحصول الحر ،وليس بسبب للمطر ،وليس بسبب ملنالسبة غرس النخل أو زرع
ً املزروعات ونحو ذلك؛ ولكنه )
وقت ،فإذا كان على ذلك فا بأس به قول أو تعل ًما ألنه يجعل النجوم وظهورها
ً
وغروبها أزمنة ،وذلك مأذون به.
[ 14النحل.]16:
[ 11فصلت.]11:
[ 16النمل.]66:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
33
يهتدى بها).
نصيبه ،وتكلف ما ل علم ُله به) وهذا صحيح؛ ألن ُ َ
وأضاع جاء في قول قتادة( :فمن تأو َل فيها غير َ
ذلك أِخطأ،
ُ ُ
النجوم ِخلق من ِخلق هللا ول نفهم لسرها إل بما أِخبر هللا جل وعا به ،فما أِخبرنا به أِخذناه ،وما لم نخبر به فا
ُ
يجوز أن نكلف فيه ذلك ،ولهذا قال عليه الصاة والسام« :إذا ذكر القدر فأمسكوا ،وإذا ذكر أصحابي
فأمسكوا ،وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا» ،واملراد هنا بذكرالنجوم يعني في غيرما جاء به الدليل ،إذا ذكرالقدر
في غير ما جاءت به األدلة فأمسكوا ،وإذا ذكرأصحابي في غيرما جاء به من فضلهم وحسن صحابتهم ولسابقتهم
ونحو ذلك من الدليل فأمسكوا ،وكذلك إذا ذكرت النجوم وما فيها بغير ما جاء به الدليل فأمسكوا؛ ألن ذلك
حرب عنهما.
الثاني :رِخص في تعلم املنازل طائفة من أهل العلم منهم أحمد وإسحاق .وهو الصحيح؛ ألنه جل وعا
ور َ َ َّ َ ُ َ َ َل َ َ ُ َ َ َ ّ َ
الشم َ َ َ َ َ ُ ً َ َ َ َّ َّ َّ
س ِضي ًاء والقم َر ن ا وقدره من ِاز ِلتعلموا عدد ِ
الس ِنين امتن على عباده بذلك فقالُ ﴿ :ه َو ال ِذي جعل
ّ َوالح َس َ
اب﴾ 18وظاهرالية أن حصول املنة به في تعلمه ،وذلك دليل الجواز. ِ
[ 17يس.]64:
[ 18يونس.]5:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
34
ّ
املصدق بالنجوم؟ ما حال
ِ
ََ َ ُ ً ََ َ ُ َ ً َ ّ ُ
س شع َبة ِم َن َ
التنجيم نوع من أنواع السحر كما قال رلسول هللا ﷺ« :م ِن اقتبس شعبة ِمن النج ِ
وم ،فقد اقتب
السح ِر َز َاد َما َز َاد» ،وإذا صدق بالنجوم فإنه مصدق بالسحر ،واملصدق بالسحر ل يدِخل الجنة ،فعن أبي ّ
َ َ َ ) َ َ ُ ُ َن َ َّ َ ُ ُ َ
الخمرَ ،و َق ِ ُ َّ
ص ِد )ق
الرحمَ ،و ُم َّ
اطع ِ ِ ِ موس ى رض ي هللا عنه ،قال رلسول هللا ﷺ« :ثاثة ل يدِخلو الجنة :مد ِمن
ب ّ
السح ِر» ،ووجه اللستدلل من هذا الحديث قوله( :ومصدق بالسحر) .قال( :مدمن الخمر) وإدمان الخمر
ِ ِ
من الكبائر ،قال( :وقاطع الرحم) وهو من الكبائر ،وقال( :ومصدق بالسحر) وهو ً
أيضا من الكبائر.
مما يدِخل من التنجيم في هذا العصر بوضوح مع غفلة الناس عنه :ما يكثر في املجات مما يسمونه البروج،
َ
يض ُعون صفحة أو أقل منها في الجرائد يجعلون عليها رلسم بروج السنة :برج األلسد والعقرب والثور إلى آِخره،
ً
مولودا في ذلك البرج يقول :لسيحصل لك في هذا ويجعلون أمام كل برج ما لسيحصل فيه ،فإذا كان املرء أو املرأة
الشهر كذا وكذا وكذا ،وهذا هو التنجيم الذي هو اللستدلل بالنجوم والبروج على التأثير في األرض ،وعلى ما
لسيحصل في األرض ،وهو نوع من الكهانة ،ووجوده في املجات والجرائد على ذلك النحو وجود للكهان فيها،
فهذا يجب إنكاره ً
إنكارا للشركيات ،ولدعاء معرفة الغيب ،وللسحر ،وللتنجيم؛ ألن التنجيم من السحر ،يجب
إنكاره على كل صعيد ،ويجب ً
أيضا على كل مسلم أن ل ُيدِخله بيته ،وأن ل يقرأه ول يطلع عليه؛ ألنه إن رأى تلك
البروج وما فيها ،ولو أن يعرف ذلك معرفة فإنه يدِخل في النهي من جهة أنه أتى إلى الكاهن غيرمنكرله.
إذا أتى إلى هذه البروج وهو يعرف البرج الذي ُولد فيه؛ ولكن يقول لسأطلع ماذا قالوا عني ،أو ماذا قالوا أنه
ً
لسيحصل ملن ولد في هذا البرج ،فإنه يكون كمن أتى كاهنا فسأله ،فا تقبل له صاة أربعين ليلة.
وإذا أتى وقرأ وهو يعلم برجه الذي ُولد فيه أو يعلم البرج الذي ينالسبه وقرأ ما فيه ،فهذا كسؤال الكاهن ،فإذا
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
35
يدل هذا املنكر على غربة التوحيد بين أهله ،وغربة فهم حقيقة هذا الكتاب -كتاب التوحيد -حتى عند أهل
ّ
يؤثم املرء نفسه ول من في بيته بإدِخالالفطرة وأهل هذه الدعوة ،فإنه يجب إنكارذلك على كل صعيد ،وأن ل ِ
ش يء من الجرائد التي فيها ذلك في البيوت؛ ألن هذا معناه إدِخال للكهنة إلى البيوت ،وهذا والعياذ باهلل من
الكبائر ،فواجب إنكارذلك وتمزيقه والسعي فيه بكل لسبيل حتى ُيدحض أولئك؛ ألن أهل البروج هم من الكهنة،
والتنجيم له معاهد يتعلم فيها الناس حركة النجوم وما لسيحصل بحسابات معروفة وجداول معينة ،ويخبرون
بأنه ما كان في البرج الفاني فإنه لسيحصل كذا وكذا عن طريق تعلم وهمي يغرهم به رؤولسهم وكهانهم .فالواجب
على طلبة العلم أن يسعوا في تبصير الناس في ذلك بالكلمات ،وبعد الصلوات ،وفي ِخطب الجمع؛ ألن هذا مما
(األنواء) هي :النجومُ ،يقال للنجم نوء .والعرب والجاهليون كانوا يعتقدون أن النجوم واألنواء لسبب في نزول
ً
ألسبابا ،ومنهم -وهم طائفة قليلة -من يجعل النوء والنجم هو الذي يأتي باملطر ،ويجعلون املطر فيجعلونها
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
36
منالسبة هذا الباب ملا قبله من األبواب أن اللستسقاء باألنواء نوع من التنجيم؛ ألنه نسبة السقيا إلى النجم؛
وذلك ً
أيضا من السحرألن التنجيم من السحربمعناه العام.
املسب َبات من نزول املطر ونحوه ،وهذا مناف لكمال التوحيد فإن كمال َّ ومعتقد أن النجوم ألسباب لهذه
ً ً
جميعا إلى هللا وحده وأن ل ينسب شيئا منها إلى غيرهللا ولو التوحيد الواجب يوجب على العبد أن ينسب النعم
لسببا ،فينسب النعمة إلى ُمسديها ولو كان من أجرى هللا على يديه تلك النعم ً
لسببا من األلسباب كان ذلك الغير ً
ً
فإنه ل ينسبها إلى غيرهللا جل وعا ،كيف وأن النجوم ليست بسبب أصا.
ّ
التعدي عند نسبة النعم إلى غيرهللا عزوجل؟ ما أنواع
ِ
في ذلك نوعان من التعدي:
قال علماء التفسير :معنى هذه الية :وتجعلون شكرما رزقكم هللا من النعم ومن املطرأنكم تكذبون بأن النعمة
من عند هللا تارة بنسبتها إلى األنواء ،وتارة بنسبتها إلى غيرهللا جل وعا.
[ 11الواقعة.]21:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
37
(من
والسنة وبيان األحكام فإنه مبتغ في اللسام لسنة الجاهلية ،وهو من أبغض الرجال إلى هللا جل وعا ،قولهِ :
َ
أم ِرال َج ِاه ِل ّي ِة) هذا دليل الذم وليس الِخباربأنها باقية دليل الباحة.
َ َ
( -الفخ ُر ِفي األح َساب( أي :على وجه التكبروالرفعة.
اب) :بالطعن في نسب فان وفان ،والتكذيب بنسب فان وفان بغير دليل شرعي ،ومن غير َ َ َ ّ ُ
( -والطعن ِفي األنس ِ
حاجة شرعية ،فإن القاعدة التي ذكرها المام مالك وغيره من أهل العلم أن الناس مؤتمنون على أنسابهم،
ً
فإذا كان ذكر النسب وأن فانا ينتسب إلى آل فان أو إلى القبيلة الفانية لم يترتب عليه أثر شرعي من إعطاء
حق لغيرأهله أو بميراث أو بعقد نسبة أو بزواج ونحو ذلك َّ
فإن الناس مؤتمنون على أنسابهم ،أما إذا كان له أثر
ً
فا ّبد من الثبات ،لسيما إذا كان مخالفا ملا هو شائع متواتر عند الناس ،فالطعن في األنساب من أمور
الجاهلية.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
38
َ ُ ّ
الن ُجوم( وهو نسبة السقيا إلى النجوم ،ويشمل ً
أيضا ما هو أعظم من ذلك كحال الذين ِ (َ -واللس ِتسقاء ِب
ُ
يعتقدون أن الحوادث األرضية تحصل بالنجوم نفسها ،وأن النجوم هي التي تحدث املقدرات األرضية
واملنفعات األرضية.
َ ام َيو َم ال ِق َيا َم ِة َو َع َلي َها ِلسرَب )
ال ِمن ق ِط َرانَ ،و ِدر )ع ِمن َج َرب( (النائ َح ُة إ َذا َلم َت ُتب َقب َل َموت َها ُت َق ُ
ِ
َ َ ّ َ ّ
الن َي َ
احة( ،قال: ( -و
ِ ِ
َّ َ ُ
احة من الكبائر وهي :رفع الصوت عند املصيبة وشق الجيب ونحو ذلك ،وهي منافية للصبر رواه مسلم .الني
لسماء :أي مطر ،املطريطلق عليه لسماء؛ ألنه يأتي من جهة العلو ،ويقال له لسماء
هذه من الكلمات التي تقال في حياته ﷺ ،ألن ذكرعلم النبي ﷺ مقيد بحياته الشريفة عليه الصاة والسام،
ُ َ َ ال َ ّب ُكم؟» َق ُالواُ : ََ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ََ ّ
هللا َو َر ُلسول ُه أعل ُم) .بعد وفاته ال« :هل تد ُرون َماذا ق َ راس فق
ِ الن كما جاء في قوله( :أقبل على
ﷺ إذا ُلسئل املرء عما ل يعلم فليقل( :ل أدري) أو فليقل( :هللا أعلم) ،ول يقل( :هللا ورلسوله أعلم).
ورد في السنة اِختاف أحوال العباد بعد نزول املطر ،وضح ذلك.
َ َ
في قوله( :أص َب َح ِمن ِع َب ِادي ُمؤ ِم )ن ِبي َوكا ِف )ر( هنا قسم العباد إلى قسمين:
القسم األول( :مؤمن باهلل جل وعا) ،وهو الذي نسب هذه النعمة وأضافها إلى هللا جل وعا ،وشكرهللا عليها،
َ َ (ف َأ ّما َمن َق َ
الُ :م ِطرنا ِبفض ِل هللا
َ وعرف أنها من عند هللا ،فشكر ذلك الرزق َ
وح ِمد هللا و أثنى عليه به .قال:
َ َ َ ََ
َو َرح َم ِت ِه فذ ِل َك ُمؤ ِم )ن ِبي كا ِف )ر ِبالكوك ِب) فنسبة النعمة هلل وحده دلت على إيمانه.
القسم الثاني (كافر) ،ولفظ كافر السم فاعل الكفر ،أو السم من قام به الكفر ،وهذا قد يصدق على الكفر
األصغرأو الكفراألكبر.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
39
َ َ َ َ َ َ
ما نوع الكفرالذي يقوم بالعبد الذي يقول(ُ :م ِطرنا ِبنو ِء كذا َوكذا)؟
)
لسبب في املطر ،فهذا كفره كفر أصغر؛ ألنه ما اعتقد النوع األول :الذي يعتقد أن النوء والنجم والكوكب
َ َ َ َ
لسببا ،ونسب النعمة إلى غيرهللا ،فقوله ُ(م ِطرنا ِبنو ِء كذا) إن
لسببا ً
التشريك واللستقال؛ ولكنه جعل ما ليس ً
كانت الباء للسببية يعني( :مطرنا بسبب نوء كذا وكذا) فهذا من أقوال أهل الكفر.
النوع الثاني :الذي اعتقد أن املطر أثر من آثار الكواكب والنجوم ،وأنها هي التي تفضلت باملطر ،وهي التي
تحركت بحركة ملا توجه إليها عابدها فأنزلت املطر إجابة لدعوة عابدها ،وهذا كفر أكبر بالجماع؛ ألنه اعتقاد
ما حكم قول بعض الناس عند هبوب الرياح املحملة باألمطار( :في الولسم يأتي مطر) ،و(طلع نجم لسهيل
والبرد والصيف ونحو ذلك ،فإذا كان هذا القول معناه (هذا وقت املطر ،وإن شاء هللا ينزل املطر ونحو ذلك)،
ً ً ً
فهذا جعل للولسم زمنا ووقتا وظرفا وهذا جائز.
) الحال الثانية :إذا قال ذلك بجعل هذا الفصل أو ذلك البرج أو النجم ً
لسببا ،فهذا كفر ،ونسبة للنعمة لغير
ً
هللا ،واعتقاد تأثير أشياء ل تأثير لها ،وهذا شرك وضال،ألنه نسب األفعال للنجوم إما الستقال وإما على وجه
التسبب.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
41
شرع المام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه هللا في هذا الباب واألبواب التي بعده في ذكرالعبادات القلبية،
وأنها يجب أن تكون هلل جل وعا ،فهي من واجبات التوحيد ومكماته ،فذكر بعض العبادات القلبية وكيف
و ابتدأها بباب املحبة ،وأن العبد يجب أن يكون هللا جل وعا أحب إليه من كل ش يء حتى من نفسه ،وهذه
فمحبة العبادة هي املحبة التي تكون في القلب ،يكون معها الرغب والرهب ،يكون معها الطاعة ،يكون معها
السعي في مراض ي املحبوب ،والبعد عما ل يحب املحبوب ،واملوحد ما أتى للتوحيد إل بش يء وقر في قلبه من
محبة هللا جل وعا؛ ألنه دلته ربوبية هللا جل وعا و أنه الخالق وحده ،و أنه ذو امللكوت وحده ،و أنه ذو الفضل
والنعمة على عباده وحده ،على أنه محبوب ،و أنه يجب أن ُيحب ،وإذا أحب العبد ربه فإنه يجب عليه أن يوحده
بأفعال العبد حتى يكون ً
محبا له على الحقيقة.
النوع األول :محبة هللا ،فمحبة هللا وحده محبة العبادة هذه من أعظم أنواع العبادات الجليلة ،ويجب إفراد
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
41
النوع الثاني :محبة في هللا ،وهو أن يحب الرلسل في هللا عليهم الصاة والسام ،وأن يحب الصالحين في هللا ،يحب
النوع الثالث :محبة مع هللا ،واملحبة مع هللا محبة العبادة هذه شركية ،وهي محبة املشركين للـهتهم؛ فإنهم
رغبا ً
ورهبا نتيجة ورهبا نتيجة محبة هللا ،ويتقربون إلى اللـهة ً
رغبا ً
يحبونها مع هللا جل وعا ،فيتقربون إلى هللا ً
يتضح املقام بتأمل حال املشركين وعبدة األوثان وعبدة القبور في مثل هذه األزمنة ،فإنك تجد املتوجه لقبر
الولي في قلبه من محبة ذلك الولي وتعظيمه ومحبة لسدنة ذلك القبر ما يجعله في رغب ورهب وفي ِخوف وفي
طمع وفي إجال حين يتوجه إلى ذلك الولي بأنواع العبادة؛ ألجل تحصيل مطلوبه ،فهذه هي محبة العبادة التي
هي عماد الدين؛ بل هي عماد صاح القلب ،فإن القلب ل يصلح إل بأن يكون ً
محبا هلل جل وعا وأن تكون محبته
النوع الثاني من أنواع املحبة وهي املحبة املتعلقة بغير هللا من جهة املحبة الطبيعية ،وهذا أذن فيه الشرع
وجائز؛ ألن املحبة فيها ليست محبة العبادة والرغب والرهب الذي هومن العبادة ،و إنما هي محبة للدنيا ،وذلك
كمحبة الوالد لولده والولد لوالده والرجل لزوجته واألقارب ألقربائهم والتلميذ لشيخه واملعلم ألبنائه ونحو
ذلك من األحوال ،هذه محبة طبيعية ل بأس بها؛ بل هللا جل وعا جعلها غريزة.
ُ َ َ ُ ّ َّ
ما معنى األنداد؟ وما تفسيراملساواة بحب هللا في قوله تعالى﴿ :ي ِحبون ُهم كح ِب ِ
للا﴾؟
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
42
تقديم محبة غير هللا على محبة هللا كبيرة من الكبائر ،ومحرم من املحرمات؛ ألن هللا توعد عليها ،وحكم على
َ َ َ ُ ّ َ َّ
للا َو َر ُلس ِول ِه
َ َ َ ُُ َ َ َ ُُ ُ
فاعلها بالفسق والضال ،لقوله تعالى﴿ :قل ِإن كان آباؤكم و أبناؤكم﴾ إلى قوله﴿ :أح َّب ِإليكم ِمن ِ
َ َ َ َّ ُ َ َّ َ َ َّ ُ َ
للا ِبأم ِر ِه﴾.22 َو ِج َهاد ِفي َلس ِب ِيل ِه فتربصوا حت ٰى يأ ِتي
هذا يدل على أن محبة هللا جل وعا واجبة ،ويجب أن تكون فوق كل محبوب ،ويدل على أن الواجب لتكميل
العبد َ
هللا أعظم من محبته ألي ش يء. ُ التوحيد أن يحب
ً
مستشهدا بقول شيخ اللسام في ذلك. ما حكم محبة النبي ﷺ؟ وما حقيقتها؟
محبة النبي ﷺ هي محبة في هللا وليست محبة مع هللا؛ ألن هللا هو الذي أمرنا بحب النبي ﷺ ،ومحبته ألجل
[ 10البقرة.]165:
[ 11الشعراء.]42 -49:
[ 11التوبة.]19:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
43
َ ّ ََ ََ َ ُ ُ َ َ ُ ُ َ ّ َ ُ َ َ َ َّ َ
عن أنس رض ي هللا عنه ،أن رلسول هللا ﷺ قال( :ل يؤ ِمن أحدكم حتى أكون أحب ِإلي ِه ِمن ول ِد ِه وو ِال ِد ِه والن ِ
اس
َ َُ َ َ َ َّ َ
أج َم ِعين( 23وفي حديث عمراملعروف (أنه قال للنبي ﷺِ :إل ِمن نف ِس ي ،فقال « َيا ُع َم ُر َح َّتى أكون أ َح َّب ِإلي َك ِمن
َ َ
الن َيا ُع َم ُر») أي :الن َّ
كملت إيمانك. نف ِس َك» ،فقال عمر :أنت الن أحب إلي من نفس ي ،قال «ف
قدم محبة النبي ﷺ على محبة الولد والوالد والناس فقولهَ ( :ل ُيؤم ُن َأ َح ُد ُكم) أي :ل يؤمن اليمان الكامل حتى ُي ّ
ِ ِ
َّ
محاب أجمعين ،وحتى يكون النبي ﷺ في نفسه أحب إليه وأعظم منهم ،ويظهر هذا بالعمل ،فإذا كان يقدم
هؤلء على ما فيه مرضاة هللا جل وعا وعلى ما أمر به النبي ﷺ ،فإن محبته للنبي ﷺ تكون ناقصة؛ ألن املحبة
ُ ّ
حركة ،كما قال شيخ اللسام في كتابه قاعدة في املحبة يقول( :املحبة هي التي تحرك ،الذي يحب الدنيا يتحرك
م ِ
إلى الدنيا ،والذي يحب العلم يتحرك للعلم ،والذي يحب هللا جل وعا محبة عبادة ورغب ورهب يتحرك ً
طالبا
ملرضاته ويتحرك ُمب ِع ًدا عما فيه مساِخط الرب جل وعا ،كذلك الذي يحب النبي ﷺ على الحقيقة فإنه الذي
يسعى في اتباع لسنته ،وفي امتثال أمره ،و في اجتناب نهيه ،والهتداء بهديه والقتداء بسنته عليه الصاة
والسام).
ما الدليل على أن محبة هللا ورلسوله يجب أن تكون مقدمة على محبة ما لسواهما؟
أحب إليه م ّما لس ُ
واهما ،وأن
ُ
ورلسوله َّ او َة اليمانَ :أن َيكو َن ّ ُ
للا
َ )
اث َمن ُك ّن فيه َو َج َد بهن َح َ قال رلسول ﷺ) :ث
ِ ِ ِ ِ
ّ َ َ أنق ُذه هللا منه كما َ
َ ُ َ ََ َ َ ُ ّ َ َ ُ ُّ ّ
يكر ُه أن ُيقذف في النا ِر). فربعد إذ
ي ِحب املرء ل ي ِحبه إل هلل ،وأن يكره أن يعود في الك ِ
ّ َ َ ُ َ َ ) َ ََ
اوة اليمان َحتى....إلى آِخره) املقصود بالحاوة هنا :الحاوة الناتجة عن تحصيل قال وفي رو اية(:ل ي ِجد أحد ح
كمال اليمان؛ ألن اليمان له حاوة توجد في الروح ،وكلما لسعى العبد في تكميل إيمانه كلما اشتد َوجده لهذه
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
44
املحبة في هللا راجعة إلى التقيد بأوامرهللا ونواهيه .قال ابن عباس رض ي هللا عنه( :من أحب في هللا ،و أبغض في
ُ
هللا ،ووالى في هللا ،وعادى في هللا ،فإنما تنال َولية هللا بذلك) .
● (أحب في هللا) أي :كانت محبته لذلك املحبوب ألجل تقيده بأمرهللا.
َ
● (أبغض في هللا) أي :كان بغضه لذلك املبغض ألجل عصيانه ألمرهللا.
● (ووالى في هللا) كانت موالته له ألجل العقد الذي بينهما في هللا جل وعا من أِخوة إيمانية.
● (وعادى في هللا) كانت معاداته له ملا حصل منه من مخالفة ألمرهللا إما بكفرأو بما دونه.
ُ
(فإنما تنال َولية هللا بذلك) أي :إنما يكون العبد َو ًليا من أولياء هللا ينال محبته ونصرته بهذا الفعل ،وهو أن
لِل ال َح ِ ّق﴾ ،24أي :املحبة والنصرة إنما هي هلل جل وعا وليست لغيره .وأماُ َ َ َ َ َ ُ َّ
قال جل وعا﴿ :هن ِالك الولية ِ ِ
الولية) بالكسر :فهي امللك والمارة.
( ِ
ما هي املحبة النافعة والتي تعود على صاحبها بالنفع العظيم؟
ُ
املؤاِخاة واملحبة التي تراد للدنيا لن تجدي على أهلها شيئا ،فالدنيا قصيرة زائلة ،و إنما يغتر بها أهل الغرور،
وهي مرتحلة عنهم ،وهم مقبلون على آِخرتهم ،إنما الذي ُيجدي هو الحب في هللا والرغب في الِخرة .فأهل املعرفة
كمال اليمان وتحقيق التوحيد إنما تكون َ
محابهم ومشاعرهم القلبية و أنواع العلوم ُ باهلل والعلم باهلل وأهل
واملعارف و أنواع العبادات واملقامات واألحوال التي تكون في قلوبهم يكون ذلك كله ً
تبعا ألمرهللا ونهيه ورغبة في
الِخرة.
[ 14الكهف.]99:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
45
قال ابن عباس رض ي هللا عنهما( :ولن يجد عبد طعم اليمان -وإن كثرت صاته وصومه -حتى يكون كذلك ،وقد
ً
صارت عامة مؤاِخاة الناس على أمرالدنيا وذلك ل ُيجدي على أهله شيئا).
ما هي عاقبة من اتخذ من دون هللا أولياء؟ اذكرما يدل على ذلك.
كان املشركون يحبون آلهتهم ويظنون أنها َلستشفع لهم يوم القيامة ألجل مودتهم ومحبتهم لها ،لكن تلك األلسباب
لسببا ً
نافعا لسينفعهم عند نصيرا ،وكل ما ظنوه ً وتلك الحبال املدعاة املوهومة َلستتقطع يوم القيامة ولن يجدوا ً
َ َّ َ َّ َ ُ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ َّ َ َ َّ َ َّ َ ُ
اب َوتقط َعت ين أت ِب ُعوا ِمن ال ِذين اتبعوا ورأوا العذهللا فإنه لسينقطع يوم القيامة كما قال تعالى﴿ :إذ تبرأ ال ِذ
ُ َ َ َ َّ ُ َ
اب﴾ .قال ابن عباس( :املودة) . األلس َب ُ اب﴾ ،25في قولهَ ﴿ :وتقط َعت ِب ِهم
األلس َب ُ ِب ِهم
ُ ُ َّ َ َ ُ ُ َّ َ ُ ُ َ ّ ُ َ َ َ ُ َ َ َ َ ُ ُ َ ُ
وهم َوِخافو ِن ِإن كنتم ما منالسبة باب (قول هللا تعالىِ :
﴿إنما ذ ِلكم الشيطان يخ ِوف أو ِلياءه فا تخاف
َ
مؤ ِم ِنين﴾) لكتاب التوحيد؟
هذا الباب في بيان عبادة الخوف ،ومنالسبته لكتاب التوحيد ظاهرة :وهي أن ِخوف العبد من هللا عبادة من
العبادات التي أوجبها هللا جل وعا ،فالخوف واملحبة والرجاء عبادات قلبية واجبة وتكميلها كمال للتوحيد،
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
46
القسم األول:
َ
امل ُخوف منه أن يمسه ً
لسرا بش يء ،أو أنه يملك ●الخوف الشركي :وهو ِخوف السر؛ أي أن يخاف في داِخله من
ضرا أو ً
نفعا. له في آِخرته ً
فالخوف الشركي:
متعلق بالدنياِ :خوف السربأن يخاف أن يصيبه ذلك الله ب َش ّر ً
لسرا. -
ِ ِ
متعلق بالِخرة؛ ِخاف غير هللا؛ ألنه يخاف أن ل ينفعه ذلك الله في الِخرة ،فألجل رغبته في أن ينفعه -
ذلك الله في الِخرة ،وأن يشفع له ،وأن يقربه منه وأن يبعد عنه العذاب في الِخرة ِخاف منه.
وهذا شرك؛ ألن الخوف أحد العبادات العظيمة التي يجب أن ُيفرد هللا جل وعا بها.
القسم الثاني:
●الخوف املحرم :وهو أن يخاف من مخلوق بامتثال واجب أوجبه هللا ،أو بالبعد عن محرم حرمه هللا ،مثل
ً
الذي يخاف من مخلوق في أداء فرض من فرائض هللا ،وفي أداء واجب من الواجبات ،فا يصلي ِخوفا من
ً
الستنقاصه له ،فهذا محرم ،قال بعض العلماء :وهو نوع
ِ مخلوق ،ول يحضر الجماعة ِخوفا من ذم املخلوق أو
ً
من أنواع الشرك ،يترك األمروالنهي الواجب بشرطه ِخوفا من ذم الناس أو من ترك مدحهم له ،أو من وصمهم
له بأشياء ،فهذا ِخوف رجع على الخائف بترك أمرهللا ،وهذا محرم؛ ألن الولسيلة إلى املحرم محرمة.
َّ َّ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ َّ َ َ ُ ُ َ َّ َّ َ َ ُ
للا﴾ جعل فتنة الناس
اب ِاس كعذ ِ الِل ف ِإذا أ ِوذ َي ِفي ِ
للا جعل ِفتنة الن ِ اس من يقول آمنا ِب ِ
قال تعالى﴿ :و ِمن الن ِ
كعذاب هللا :بأن ِخاف منهم وترك ما أوجب هللا عليه ،أو أقدم على ما حرم هللا عليه ِخشية من كام الناس.
القسم الثالث :الخوف الطبيعي :كخوف من عدو ،أو ِخوف من َلس ُبع ،أو ِخوف من نار ،أو ِخوف من مؤذ
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
47
َ ُ ُ َّ َ َ ُ ُ َّ َ ُ ُ َ ّ ُ َ َ َ ُ َ َ َ َ ُ ُ َ ُ
وهم َوِخافو ِن ِإن كنتم مؤ ِم ِنين﴾ ،26وجه اللستدللقول هللا تعالىِ ﴿ :إنما ذ ِلكم الشيطان يخ ِوف أو ِلياءه فا تخاف
نهي ،والنهي للتحريم ،فنهى عن إنزال عبادة الخوف بغيره وهذا وهم﴾ هذا ) من هذه الية أنه قالَ ﴿ :ف َا َت َخ ُاف ُ
ما لسبب الخوف من األعداء وترك فريضة الجهاد؟ وما الدليل على ذلك؟ وما الواجب ملنع هذا السبب؟
الخوف من األعداء في ترك فريضة الجهاد إنما يكون من ّ
جراء الشيطان ،فالشيطان هو الذي يخوف املؤمنين
حرما. أهل التوحيد وأهل اليمان من أوليائه أعداء هللا لكي يتركوا الفريضة ،فلهذا صارذلك الخوف ُم ً
َّ َ ُ َ ُ َ َّ َ ُ
قوله جل وعاِ ﴿ :إن َما ذ ِلك ُم الشيطان ُيخ ّ ِوف أو ِل َي َاء ُه﴾ معناه على الراجح :يخوفكم أولياءه ،أي :يخوف أهل
ُ َ ُ
اليمان من أولياء الشيطان ،ففاعل ( ُيخ ّ ِوف) محذوف َد َّل عليه السياق ،الفاعل هو الشيطان ،يخوف
َ َ ُ
أولياءه؛ أي :يجعل الشيطان أهل التوحيد في ِخوف من أعدائهم .وهذا ظاهرمن اليات قبلها: الناس الشيطان
يل﴾.27 اس َقد َج َم ُعوا َل ُكم َفاِخ َشو ُهم َف َز َاد ُهم إ َيم ًانا َو َق ُالوا َحس ُب َنا َّ ُ
للا َو ِنع َم ال َو ِك ُ َّ َ َ َ َ ُ ُ َّ ُ َّ َّ
الن َ ﴿ال ِذين قال لهم الناس ِإن
ِ
والواجب أن ل يخاف العبد إل ربه جل وعا ،وأن ُينزل ِخوفه به ،وأن ل يخاف أولياء الشيطان.
أِخص من الخوف ،وقد هللا أثنى على أولئك بأنهم جعلوا ِخشيتهم من هللا وحده دون ما لسواه ،فقال ّ الخشية
للا﴾ ،28ووجه َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ
ش إ َّل َّ َ للا َمن َآم َن ب َّ َ َ تعالى﴿ :إ َّن َما َيع ُم ُر َم َس َ َّ
الِل واليو ِم ال ِِخ ِر و أقام الصاة و آتى الزكاة ولم يخ ِ
ِ ِ اجد ِ ِ ِ
للا﴾ هذا نفي (ولم) والستثناء (إل) ،ومجيء أداة اللستثناء بعد النفي يدل على ََ َ َ
ش إ َّل َّ َ
الدللة قوله﴿ :ولم يخ ِ
الحصروالقصر ،فإذن الية دالة على أن الخشية يجب أن تكون من هللا وحده.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
48
اليمان يزيد بالطاعة وينقص باملعصية ،وإرضاء الناس بسخط هللا معصية وذنب ومحرم؛ ألن هذا الذي أرض ى
عليه الناس.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
49
َ ُ ُ َ َ َ َّ َ َ َّ ُ
للا فت َوكلوا ِإن كنتم ُمؤ ِم ِنين﴾؟
ما لسبب عقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب باب قول هللا تعالى﴿ :وعلى ِ
ّ
عقد الشيخ هذا الباب لبيان أن عبادة التوكل على هللا فريضة من الفرائض ،وواجب من الواجبات ،وعبادة
عبادة قلبية عظيمة وهي :تفويض األمرإلى هللا جل وعا واللتجاء إليه ،والعلم بأنه ل أمرإل أمره ول
ً
ش يء إل بما قدره وأذن به كونا.
فعل األلسباب :فترك فعل األلسباب أو العتماد على السبب وحده وترك تفويض األمرإلى هللا جل وعا
كل ذلك ينافي حقيقة التوكل الشرعية ،بل إن نفس اليمان )
لسبب من األلسباب التي يفعلها املتوكلون على هللا؛
وكذلك نفس التوكل على هللا )
لسبب من األلسباب.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
51
َّ
املسبب املتوكل في الشرع هو من عمل السبب ّ
وفوض األمرإلى هللا جل وعا في النتفاع بالسبب ،وفي حدوث
من ذلك السبب ،وفي توفيق هللا وإعانته ،فإنه ل حول ول قوة إل به جل وعا.
الحال األولى:
ً
أن يكون شركا أكبر ،وهو أن يتوكل على أحد من الخلق فيما ل يقدرعليه إل هللا جل جاله:
يتوكل على املخلوق في تحصيل ولد له ،أو تحصيل وظيفة له. o
يتوكل عليه بقلبه وهو ل يقدرعلى ذلك الش يء ،وهذا يكثر عند عباد القبورُ ،
وع ّباد األولياء فإنهم يتوجهون إلى
املوتى بقلوبهم ،يتوكلون عليهم؛ بمعنى أنهم يفوضون أمر صاحهم فيما يريدون في الدنيا والِخرة على أولئك
املوتى ،وعلى تلك اللهة واألوثان التي ل تقدرمن ذلك على ش يء.
حكمه :هذا عبادة صرفت لغيرهللا جل وعا وهو شرك أكبرباهلل جل وعا ،مناف ألصل التوحيد.
الحال الثانية:
أن يتوكل على املخلوق فيما أقدره هللا جل وعا عليه ،حكمه :هذا نوع شرك؛ بل هو شرك ِخفي وشرك أصغر،
ولهذا قال طائفة من أهل العلم( :إذا قال" :توكلت على هللا وعليك" فإن هذا شرك أصغر).
ُ
ما حكم قول( :توكلت على هللا ثم عليك)؟
ل يجوز أن يقول( :توكلت على هللا ثم عليك)؛ ألن املخلوق ليس له نصيب من التوكل؛ فإن التوكل إنما هو
تفويض األمر واللتجاء بالقلب وطمعه ورغبته في تحصيل املطلوب إلى من بيده األمر ومن يملكه وهو هللا جل
ً
وعا ،واملخلوق ل يستحق شيئا من ذلك.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
51
دلت اليتان على أن :التوكل عبادة ،وأن إفراد هللا به جل وعا واجب ،و أنه شرط في صحة اللسام وشرط في
صحة اليمان ،وهذا كله يدل على أن انتفاءه ُمذ ِهب ألصل التوحيد ومناف ألصله إذا توكل على غيرهللا فيما ل
باهلل جل وعا.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
52
َ ُ ُ َ ُ ُ
﴿إن كنتم مس ِل ِمين﴾؟ ما دللة الشرط في قولهِ :
﴿إن كنتم مؤ ِم ِنين﴾ ،وقولهِ :
َ َ َ َّ َ َ َّ ُ َ ُ ُ
للا فت َوكلوا﴾ ّ
جعل اليمان ل يصح إل بالتوكل ،فجعل (الشرط)ِ ﴿ :إن كنتم مؤ ِم ِنين﴾ ،و(جزاء الشرط) ﴿وعلى ِ
فأفردوا هللا بالتوكل.
َ َ َ ُ ُ َ َ َ َّ ُ ُ ُ َ ُ
اهلل ف َعلي ِه ت َوكلوا ِإن كنتم مس ِل ِمين﴾ قال﴿ :ف َعلي ِه وكذلك قوله جل وعا في آية لسورة يونسِ ﴿ :إن كنتم آمنتم ِب ِ
َ ُ ُ َ َّ ُ
ت َوكلوا﴾ ثم جعل إفراد التوكل به جل وعا شرط في صحة اللسام ،فقالِ ﴿ :إن كنتم مس ِل ِمين﴾.
َ ُ َّ َ ُ ُ َ َّ َ َ ُ َ َّ ُ َ ُ ُ
للا َو ِجلت قل ُوب ُهم َو ِإذا ت ِل َيت ﴿إنما املؤ ِمنون ال ِذين ِإذا ذ ِكر
ما صفات املؤمنين املذكورة في قال هللا تعالىِ :
َّ َ ُ ُ َ َّ َ َ َ َّ َ َ َ ُ ُ ُ َ َ ً َ َ َ ّ َ َ َ َّ ُ َ ََ َ ُ ُ َ َ
61
نفقون﴾؟ علي ِهم آياته زادت ُهم ِإيمانا وعلى َرِب ِهم يتوكلون()2ال ِذين ي ِقيمون الصاة و ِمما رزقناهم ي ِ
هي أعظم املقامات ،وكل أمور الدين والعبادات والفروع العملية التي يعملها العبد إنما هي فرع عن تحقيق
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
53
أن هللا َحس ُب من توكل عليه وفيه بيان لفضيلة التوكل وفضيلة املتوكلين عليه .فرتب الكفاية والحسب
العظيمة.
ُ
العبد التوكل على هللا ،وحقق في القلب معناه فإنه وإن كادته السماوات واألرض ومن فيهن فإن هللا فإذا تحقق
ً
مخرجا. لسيجعل له من أمره ُي ً
سرا ،ولسيجعل له من بينها
من توكل على هللا كفاه .أين نجد هذه الكفاية في لسيرة املصطفى العطرة ،وقصة إبراهيم الخليل عليهما
الصاة السام؟
يل﴾ قالها إبراهيم عليه السام حين ألقي في النار ،وقالها محمد ﴿حس ُب َنا َّ ُ
للا َو ِنع َم ال َو ِك ُ عن ابن عباس ،قالَ :
يل﴾.34 اس َقد َج َم ُعوا َل ُكم َفاِخ َشو ُهم َف َز َاد ُهم إ َيم ًانا َو َق ُالوا َحس ُب َنا َّ ُ
للا َو ِنع َم ال َو ِك ُ َّ َّ
الن َ ﷺ حين قالوا لهِ ﴿ :إن
ِ
[ 33الطالق.]6:
[ 34آل عمران.]196 :
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
54
ال َو ِك ُ
يل﴾ أي :ونعم الوكيل ربنا.
َ َ َ ُ َ َ َّ َ َ َ َ ُ َ َ َّ َّ َ ُ َ ُ َ
السرون﴾األعراف99:للا ِإل القوم الخ ِ
للا فا يأمن مكر ِ باب قوله تعالى﴿:أفأ ِمنوا مكر ِ
َّ َ َ َ ّ َّ ََ َ َ ُ
وقوله﴿ :ومن يقنط ِمن َّرحم ِة رب ِه ِإل الضالون﴾[الحجر.]56:
ِ
الخوف والرجاء هذا مناف لكمال التوحيد ،فالواجب على العبد أن يجعل ِخوفه مع الرجاء وأن يجعل رجاءه
وعا.
َ َ َ ُ َ َّ
قال لسبحانه ﴿أفأ ِمنوا مك َر ِ
للا﴾ من هم الذين أمنوا من مكرهللا؟ وما الذي أوقعهم في هذا املزلق الخطير؟
هم املشركون ،فإن من صفاتهم األمن من عقاب هللا ،وهذا األمن ناتج من ترك عبادة الخوف ،وعبادة الخوف
ّ
ولسيعظمه ويتقرب
ِ قلبية؛ فإذا كان الخوف في القلب فإن العبد لسيسعى في مراض ي هللا ويبتعد عن مناهيه،
إليه بالخوف.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
55
ً
يكون الخوف عبادة بمعاني ،منها:
-وأن يتقرب إلى هللا جل وعا بعدم األمن من مكرهللا ،وذلك أن هللا هو ذو الجبروت.
يمكن أن نحقق الخوف من هللا بفهم صفاته جل وعا وألسمائه التي منها :القهار والجبار ،وهو الذي يجير ول
من الصفات التي يوصف هللا بها على وجه التقييد صفة املكر ،ما معنى ذلك؟
املكر هي صفة نقص؛ ولكنها تكون صفة كمال إذا كانت باملقابلة ،لذا فهي تطلق ُمقيدة ،فاهلل جل وعا يمكر
بأوليائه و أنبيائه وبمن مكر بدينه ،وفي هذا التقييد إظهار العزة والقدرة والقهر والجبروت ولسائر
ِ بمن مكر
هللا جل وعا يستدرج العبد ُويملي له حتى إذا أِخذه لم يفلته ،يسرله األمور حتى يظن أنه في مأمن غاية املأمن،
فيكون ذلك الستدر ً
اجا في حقه .
قال النبي ﷺ« :إذا رأيتم هللا يعطي العبد وهو مقيم على معاصيه فاعلموا أن ذلك الستدراج» ،وهذا ظاهرمن
معنى املكر؛ ألن في معنى املكر والكيد وأمثالهما معنى اللستدراج ،ل ترادف في اللغة ،بل هناك فروق بين املكر
ُ
فاملكرفيه الستدراج ،وفيه زيادة واللستدراج ،والكيد واللستدراج ،ونحوذلك؛ لكن نقول هذا من جهة التقريب،
ً ً
أيضا على اللستدراج حتى يكون قلب ذلك املستدرج آمنا من كل جهة.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
56
رحمته جل وعا.
ّ
اِختلف العلماء في جمع الخوف والرجاء في القلب ،ومتى ِ
نغلب أحدهما على الِخر؟
الجمع بين الخوف والرجاء واجب ً
شرعا ،ألنهما عبادتان ،ول بد من اجتماعهما في القلب ،لكن تغليب أحدهما
على الِخريختلف باِختاف الحالت و أقوال العلماء فيهما متباينة ولكنها متفقة في الحقيقة وترجع إلى الحالت
التالة :
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
57
عقد الشيخ رحمه هللا هذا الباب لبيان وجوب أن يجتمع الخوف والرجاء في القلب ،وجاء بهذه األبواب متتالية
ما حكم القنوط من رحمة هللا واليأس من َروحه؟ مع ذكرالدليل ،والشاهد منه.
القنوط من رحمة هللا واليأس من َروحه من الكبائر ،فعن ابن عباس رض ي هللا عنهما :أن رلسول هللا ﷺ لسئل
عن الكبائر؟ فقال« :الشرك باهلل ،واليأس من روح هللا ،واألمن من مكرهللا» ،ووجه الشاهد من ذلك :أنه جعل
اليأس من روح هللا وهو :ذهاب الرجاء من هللا وعدمه من القلب من الكبائر ،وجعل األمن من مكر هللا وهو:
ً
جميعا كبيرة أعظم من كبيرة ذهاب الخوف من هللا من الكبائر ،فهي كبائرمن جهة أعمال القلوب .و انعدامهما
ترك الخوف وحده من هللا أو ترك الرجاء وحده من هللا جل وعا ،ولهذا قرنهما في هذا الحديث.
ما الفرق بين (اليأس من روح هللا والقنوط من رحمته) ،و(األمن من مكره لسبحانه)؟
الفرق بين اليأس من روح هللا أو القنوط من رحمة هللا ،وبين األمن من مكرهللا ،أن اليأس من روح هللا راجع إلى
ترك عبادة الرجاء ،واألمن من مكرهللا راجع إلى ترك عبادة الخوف ،واجتماعهما واجب من الواجبات ،وذهابهما
ما األثرالوارد عن ابن مسعود رض ي هللا عنه في ذلك ،وعلى ماذا يدل؟
عن ابن مسعود رض ي هللا عنه قال« :أكبر الكبائر :الشراك باهلل ،واألمن من مكرهللا ،والقنوط من رحمة هللا،
واليأس من روح هللا» .ويدل على الفرق بين (القنوط من رحمة هللا) و(اليأس من روح هللا) ،فجعل القنوط من
ً ً
رحمة هللا شيئا ،وجعل اليأس من روح هللا شيئا آِخر ،وهذا الفرق باعتباربعض الصفات ل باعتبارأصل املعنى،
فإن القنوط من الرحمة واليأس من الروح بمعنى واحد؛ لكن يختلفان من حيث ما يتناوله هذا ويتناوله هذا،
أو أن يكون هناك ترادف في أصل املعنى واِختاف في الصفات ،أو بعض ما يتعلق باللفظ.
فقوله( :القنوط من رحمة هللا) فالقنوط من رحمة هللا عام ولهذا قدمه؛ ألن (الرحمة) أعم من َ
الروح،
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
58
وقوله( :اليأس من روح هللا) هذا من عطف الخاص على العامَ ،
و(روح هللا) يطلق في الغالب في الخاص من
املصائب.
صبرا ،إذا ُحبس أو ُربط فقتل من دون ُمبارزة ول قتال. الصبر في اللغة :الحبس ،ومنه قولهم :قد ُقتل )
فان ً
وحقيقة الصبر الشرعي :هو صبر ألنه حبس ،فهو :حبس اللسان عن التشكي ،وحبس القلب عن التسخط،
وحبس الجوارح عن إظهار التسخط من لطم الخدود وشق الجيوب ونحو ذلك.
ُ ّ
ما مقصود املص ِنف رحمه هللا من عنوان الباب؟
لبيان أن الصبر من شعب اليمان قال) ( :
باب من اليمان باهلل) أي :من ِخصال اليمان باهلل (الصبر على أقدار
هللا).
ُ
واليمان له شعب ،كما أن الكفر له شعب ،فنبه بقوله أن (من اليمان باهلل الصبر) على أن من شعب اليمان
الصبر ،ونبه في الحديث الذي لساقه عن صحيح مسلم أن النياحة من شعب الكفر ،فيقابل كل شعبة من
شعب الكفر شعبة من شعب اليمان ،فالنياحة على امليت شعبة من شعب الكفر ،يقابلها الصبر على أقدار
ما منالسبة (باب من اليمان باهلل الصبر على أقدار هللا) لكتاب التوحيد؟
ً َّ
ملا كان الصبر على املصائب قليا عند الناس؛ أفرد الشيخ رحمه هللا تعالى هذا الباب لبيان أن الصبر من كمال
التوحيدَّ ،
ونبه أن الصبر على الطاعة واجب ،والصبر عن املعصية واجب ،ومن الواجب على العبد أن يصبر
على أقدار هللا املؤملة؛ ألن التسخط ً
كثيرا ما يظهر في حال البتاء باملصائب.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
59
الصبر من املقامات العظيمة والعبادات الجليلة التي تكون في القلب وفي اللسان وفي الجوارح ،وحقيقة
ُ
العبد األمرالشرعي ،وأن يجتنب النهي الشرعي ،وأن العبودية ل تثبت إل بالصبر؛ ألن العبادة تتحقق بأن يمتثل
ُ
يصبر على املصائب القدرية التي ابتلى هللا جل وعا بها العباد .قال المام أحمد رحمه هللا( :ذكر الصبر في
ّ ً
موضعا) ،والصبر من اليمان بمنزلة الرأس من الجسد؛ ألن من ل صبر له على الطاعة القرآن في أكثر من تسعين
ول صبر له عن املعصية ول صبر له على أقدار هللا املؤملة فإنه يفوته أكثر اليمان.
وحاصل باألقدار ،فحصوله بالدين كما قال جل وعا لنبيه ﷺ في الحديث القدس ي ) )
حاصل بالدين، البتاء
َ َ ُ َ َ ّ
اض ب ِن ِح َمارقال :قال رلسول هللا ﷺ« :قال هللا تعالى(ِ :إن َما َب َعثت َك ألبت ِل َي َك َو أبت ِل َي ِب َك). َ
الذي رواه مسلم عن ِعي ِ
فحقيقة بعثة النبي عليه الصاة والسام البتاء باألوامر والنواهي ،والبتاء يجب معه الصبر .فاألوامرتحتاج
[ 40التغابن.]11:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
61
َ ّ
يعظمه ويمتثل أمره ويجتنب نهيه ( َيه ِد قل َب ُه) للصبر ،ولعدم التسخط ،وللعبادات ،ولهذا قال( :هو الرجل
باهلل و ِ
تصيبه املصيبة فيعلم أنها من عند هللا) وهذا هو اليمان باهلل (فيرض ى ويسلم).
هل ُيعد إظهار التسخط عند املصائب من نقص اليمان؟ اذكر ما يدل على ذلك.
ودَ ،و َش ّق ال ُج ُي َ
وبَ ،و َد َعا ِب َدع َوى ض َر َب ال ُخ ُد َ
َ ً َ َ ّ
س ِمنا َمنجاء عن ابن مسعود رض ي هللا عنه مرفوعا« :لي
َ َ ّ
س ِمنا) تدل على أن من فعل هذه األفعال فهو ليس من أهل اليمان وأن فعله من الكبائر. ال َج ِاه ِل ّي ِة» ،وكلمة (لي
ُ
ولهذا نقول :ترك الصبر ،وإظهار التسخط كبيرة من الكبائر ،واملعاص ي تنقص اليمان؛ ألن اليمان يزيد
بالطاعة وينقص باملعصية ،و نقص اليمان قد ينقص كمال التوحيد ،بل إن ترك الصبر مناف لكمال التوحيد
الواجب.
كيف يمكن للعبد معرفة أن في حصول املصائب )
ِخيرله؟
املصائب هي من القدر الراجع إلى حكمة هللا ،والتي هي وضع األمور في مواضعها املو افقة للغايات املحمودة
منها.
ً
فمن وضع األمرفي غيرموضعه فقد ظلم ،ومن وضع األمرفي موضعه عدل ،وقد يكون عادل لكنه غيرحكيم،
فإذا وضع األمرفي موضعه املو افق للغاية املحمودة منه فذاك هو الحكيم.
فنعلم بذلك أن املصيبة إذا أصابت العبد فإن الخيرله فيها ،فإما أن يصبرفيؤجر ،وإما أن يتسخط فيؤزرعلى
هلل جل وعا الحكمة من البتاء باملصائب ،لهذا يجب على العبد أن يعلم أن ما جاء من عند هللا هو قدر هللا
جل وعا وقضاؤه املو افق لحكمته فيجب عليه الصبر على ذلك ،فقوله علقمة( :هو الرجل تصيبه املصيبة
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
61
ّ ً فيعلم أنها من عند هللا هو الذي أتى بها ،وهو الذي ِأذن بها ً
قدرا وكونا ،فيرض ى -أي :عن قضاء هللا -ويس ِلم)
-أن الصبرعلى املصائب واجب من الواجبات؛ ألن فيه ترك التسخط على قضاء هللا وقدره.
الجهة األولى :راجعة إلى فعل هللا جل وعا ،فيرض ى بقدرهللا ،ويرض ى بفعل هللا ،ويرض ى بحكمة هللا ،ويرض ى
بقسمة هللا ،هذا الرضا واجب من الواجبات ،وتركه محرم ومناف لكمال التوحيد.
الجهة الثانية :راجعة إلى الرضا باملقض ي وباملصيبة في نفسها ،هذا الرضا مستحب ،وهو رتبة الخاصة من
عباد هللا ،فليس ً
واجبا على العباد أن يرضوا باملرض ،وبفقد الولد ،وبفقد املال.
الجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب وحبس اللسان عن التشكي والعويل وهذا من النياحة ،فالنياحة من
شعب الكفر ألنها منافية للصبر ،وكونها من شعب الكفر ل يدل على أن من قامت به فهو كافر الكفر املطلق
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
62
املخرج من امللة ،بل يدل على أن من قامت به قد قامت به ِخصلة من ِخصال الكفار ،وشعبة من شعب الكفر،
ُ َّ ُ ّ ََ
اس ُه َما ِب ِهم كف )ر) فنكركلمة (كف )ر).
ِ الن يفِ ان
ِ ت ولهذا قال هنا( :اثن
ما هي القاعدة التي حررها األئمة رحمهم هللا كشيخ اللسام في التفريق بين كلمة (كفر) و (الكفر)
الكفار ،ونحو ذلك قوله« :لسباب املسلم فسوق وقتاله كفر» هذا كفرأصغر.
ً
اذكردليا يبين أن البتاءات من هللا هي محض ِخيرمن هللا بعبده.
َ َ عن أنس رض ي هللا عنه ،أن رلسول هللا ﷺ قال« :إ َذا َأ َر َاد هللا ب َعبده ال َخي َر َع ّج َل َل ُه ال ُع ُق َ
وب َة في ّ
الدن َياَ ،و ِإذا أ َرا َد ِ ِِ ِ
َ َ َّ َُ ّ َ َ َ َ ُ َ َ
الق َي َام ِة».ِبعب ِد ِه الش ّرأمسك عنه ِبذن ِب ِه حتى يوافى ِب ِه يوم ِ
ما أثرالستحضار املصاب لحكمة هللا من املصائب التي يصيب بها عباده؟
يعظم عنده الصبر ،ويتحلى بعبادة قلبية عظيمة أل وهي ترك التسخط والرضا بفعل هللا جل وعا وقضائه.
يعجل له العقوبة في الدنيا إن ِخالف أمره في ملكوته ؛ فيعاقب بمرض ،أو بفقد مال ،أو بمصيبة أي كان نوعها،
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
63
ألن الحمى لسبب لتكفير الذنوب ،قال ﷺ« :ل تسبوا الحمى ،فو الذي نفس ي بيده إنها لتنفي الذنوب عن العبد
لم كان بعض الصحابة يتهم نفسه إن لم يصبه هللا بباء أو محنة؟
فالرضا عبادة؛ فاهلل يرض ى عن عبده بفعله املحمود وهو رضاه عن أقداره.
َ َ َ َ ََ ُ ّ َ ُ
السخط)وهذا دليل على أن السخط ُمحرم من هللا جل وعا. (ومن س ِخط فله
وحقيقة السخط على هللا جل وعا أن يقوم في قلبه عدم محبة ذلك الش يء ،وكراهته وعدم الرضا به ،واتهام
يظهر أثر السخط على اللسان ،أو على الجوارح ،كما يظهر السخط في القلب من جهة عدم الرضا باألوامر ،أو
عدم الرضا بالنواهي ،أو عدم الرضا بالشرع ،فهذا كبيرة من الكبائر ،ألن تسخطه وعدم رضاه لدليل على انتفاء
َ َ
وسخطه
كمال التوحيد في حقه ،وقد يصل بالبعض إلى انتفاء التوحيد من أصله إذا لم يرض بأصل الشرعِ ،
بقلبه ،واتهم الشرع ،أو اتهم هللا جل وعا في حكمه الشرعي.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
64
صواب.
الرياء حقيقته من الرؤية وهي البصرية ،وذلك بأن يعمل العبادة :من صاة أو تاوة أو ذكر أو صدقة أو حج أو
جهاد أو أمرونهي أو صلة رحم أو نحو ذلك ل لطلب ما عند هللا ،ولكن ألجل أن ُيرى فيثني عليه الناس.
الرياء على درجتين :الدرجة األولى :رياء املنافقين ،بأن ُيظهراللسام ُويبطن الكفر؛ ألجل رؤية الخلق ،وهذا مناف
ُ َ ُ َن َّ َ َ َ َ ُ ُ َ
ون َّ َ
للا للتوحيد من أصله ،وكفرأكبرباهلل جل جاله ،لهذا وصف هللا املنافقين بقوله﴿ :يراءو الناس ول يذكر
َّ َ ً َ ُ َ ُ 41ن َّ
الن َ
اس﴾ أي :الرياء األكبر الذي هو إظهار أصل اللسام وشعب اللسام و إبطان الكفر ِإل ق ِليا﴾ ﴿ ،يراءو
وشعب الكفر.
مسلما ولكن يرائي بعمله أو ببعض عمله ،فهذا شرك ِخفي ،وذلك الشرك ً والنوع الثاني من الرياء :أن يكون
َ َ َ َ َ َّ َّ َ َ
للا ل َيغ ِف ُر أن ُيش َر َك ِب ِه َو َيغ ِف ُر َما ُدون ذ ِل َك ِملن َيش ُاء﴾ 42على مناف لكمال التوحيد ،وهللا جل وعا قالِ ﴿ :إن
َ َ
اِختيارمن قال إن قوله﴿ :ل َيغ ِف ُرأن ُيش َر َك ِب ِه﴾ يدِخل فيه الشرك الخفي واألصغر.
[ 41النساء.]191:
[ 41النساء.]92:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
65
كثير من أهل العلم يعبرون عن الشرك األصغر بيسير الرياء ،وتارة يعبرون عن الشرك الخفي بالرياء؛ ذلك ألن
َ َ َ َ َ
اح )د ف َمن كان َير ُجو ِلق َاء َرِّب ِه فل َيع َمل ُ َّ َ َ َ َ َ ّ ُ ُ ُ َ َ َ َّ َ َٰ ُ َٰ ) َ
قال هللا تعالى﴿ :قل ِإنما أنا بش )ر ِمثلكم يوح ٰى ِإل َّي أنما ِإل ُهكم ِإله و ِ
َ َ َع َم ًا َ
96
ص ِال ًحا َول ُيش ِرك ِب ِع َب َاد ِة َرِّب ِه أ َح ًدا﴾
عن أي نوع من أنواع الشرك جاء النهي في هذه الية؟ وعام يستدل السلف بها؟
َ
جميعا؛ ألن ﴿ ُيش ِرك﴾ نكرة جاءت في لسياق النهي فعمت أنواع
ً ﴿ َول ُيش ِرك﴾ هذا عموم يعم أنواع الشرك
َ
الشرك ،وقوله ﴿أ َح ًدا﴾ يعم جميع الخلق بمراءاة أو بتسميع أو بغيرذلك.
ّ
ويستدل السلف بهذه الية على مسائل الرياء. فالنهي هنا عام لجميع أنواع الشرك والتي منها "شرك الرياء".
ِ لم ينعت الرياء تارة بأنه شرك أصغر ،وتارة بأنه شرك ِخفي؟
ويقال شرك ِخفي؛ ألنه ليس بظاهرو إنما هو باطن ِخفي في قلب العبد.
ً
اذكردليا يبين أن هللا ل يقبل العمل الذي ِخالطه الرياء.
ّ َ َ ََ َ َ ّ َ َ َ ُّ َ
للا ت َب َار َك َوت َعال َى :أنا أغن َى الش َرك ِاء َع ِن الشر ِكَ ،من ً
مرفوعا :قال النبي ﷺ« :قال عن أبي هريرة رض ي هللا عنه
َ َ ُ َ ً َ
َع ِم َل َع َما أش َر َك ِف ِيه َم ِعي غي ِري ،ت َركت ُه َو ِشرك ُه» ،هذا الحديث يدل على أن الرياء مردود على صاحبه.
[ 43الكهف.]110:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
66
الحال األولى :إذا عرض للعبادة من أولها فإن العبادة كلها باطلة ،مثل أن املصلي لم ُيرد أن يصلي الراتبة
لكن ملا رأى فانا ينظر إليه صلى الراتبة لكي يراه ،فهذا عمله حابط ،وهو مأزور على مراءاته ،ومرتكب الشرك
والحال الثانية :أن يكون أصل العبادة هلل ،ولكن ِخلط ذلك العابد عمله برياء ،مثل :أطال الركوع وأكثر
التسبيح ،أطال القراءة والقيام ألجل من يراه ،فهذا القدر الواجب من العبادة له ،وما عدا ذلك فهو حابط؛
وهو آثم عليه ،ويؤزر على إشراكه وعلى مراءاته ،هذا في األعمال أو في العبادات البدنية ،أما العبادات املالية
البدنية :كالصاة والصيام ،واملالية :كالزكاة والصدقة ،واملشتملة على بدن ومال :كالحج والجهاد ونحو ذلك،
َ َ ً
هذا يعم الجميع َ(من َع ِم َل َع َما) أي أنشأه( ،أش َر َك ِف ِيه َم ِعي غي ِري) :جعله هلل ولغير هللا جميعا فإن هللا جل
وعا أغنى الشركاء عن الشرك ،ل يقبل إل ما كان له وحده لسبحانه وتعالى.
َ َ ُ َ ُ ً َ َ َ َ ُ ُ
ال« :أل أِخ ِب ُركم ِب َما ُه َو أِخ َوف َعليكم ِعن ِدي ِم َن امل ِس ِيح عن أبي لسعيد رض ي هللا عنه مرفوعا :ق
َ َ ّ ُ َ ّ َ ُ َ ّ ُ ُ َ ُ َ ّ َُ َّ ُ َ ََ َ الد ّجال؟» َقالواَ :ب َل َىَ .ف َق َ
صات ُه ِملا َي َرى ِمن نظ ِر َر ُجل» ال« :الشرك الخ ِفي :يقوم الرجل فيصلي فيزين ِ
ّ
ملاذا ِخاف الرلسول ﷺ على أصحابه من الشرك أكثرمن ِخوفه عليهم من املسيح الدجال؟ وكيف فسره
لهم؟
ذلك أن أمر املسيح أمر ظاهر ّبين ،والنبي ﷺ بين ما في شأنه وبين صفته ،وحذر األمة منه ،وأمرهم بأن يدعوا
آِخركل صاة باللستعاذة من ّ
شروفتنة املسيح الدجال ،لكن الرياء هذا يعرض للقلب كثيرا ،والشيطان يأتي إلى
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
67
املخلوقين ،لذلك صار أِخوف عند النبي صلى هللا عليه ولسلم من املسيح الدجال..
َ َ ّ ُ َ ّ َ ُ َ ّ ُ ُ ُ َ ّ َُ َّ ُ َ ََ َ
صات ُه ِملا َي َرى ِمن نظ ِر َر ُجل). و فسره ﷺ بقوله( :الشرك الخ ِفي :يقوم الرجل يصلي فيزين
أي شرك ذلك الذي ِخصص له الشيخ هذا الباب؟ وملاذا يعد هذا الشرك بإرادة النسان الدنيا أعم
من الرياء؟ وملاذا عطف الشيخ هذا الباب على الذي قبله؟
الشرك األصغر ،وإرادة النسان ثواب الدنيا أعم من حال الرياء؛ ألن الرياء حالة واحدة من أحوال إرادة
النسان الدنيا ،فهو يصلي أو يزيد ويزين في صاته ألجل الرؤية وألجل املدح ،لكن هناك أحوال أِخرى لرادة
وعطف الشيخ رحمه هللا هذا الباب على الذي قبله ليبين أن إرادة النسان الدنيا تأتي في أحوال كثيرة أعم من
حال الرياء بخاصة ،لكن الرياء جاء فيه الحديث وِخافه النبي ﷺ على أمته ،فهو في وقوعه كثير والخوف منه
جلل.
َ َ َ َ ُ ّ َ َ َ َ َ
﴿من كان ُي ِر ُيد ال َح َياة الدن َيا َو ِزين َت َها ن َو ِف ِإلي ِهم أع َمال ُهم ِف َيها َو ُهم ِف َيها ل قال هللا تعالى:
َ ُ َ ََ َّ َّ ُ َ َ َ َ َ َ ُ ُ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ
اط )ل َما كانوا الِخ َر ِة ِإل النار وح ِبط ما صنعوا ِفيها وب ِ س ل ُهم ِفي ِ ُيبخ ُسون()15أول ِئك ال ِذين لي
ً ً ً ُ َ
وقصدا وتحركا؟ وهل هذه َيع َملون﴾ ،99من الذين نزلت فيهم هذه الية وهم يريدون الحياة الدنيا أصا
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
68
عدد أحوال الناس من الوعيد كما جمعها الشيخ من أقوال السلف عند تفسيرهم لقوله تعالىَ :
﴿من ّ
ِ
َ َ َ َ ُ ّ َ َ َ َ َ َ
كان ُي ِر ُيد ال َح َياة الدن َيا َو ِزين َت َها ن َو ِف ِإلي ِهم أع َمال ُهم ِف َيها َو ُهم ِف َيها ل ُيبخ ُسون(﴾)15
النوع األول :يعمل العمل الصالح وهو فيه مخلص هلل جل وعا ،ولكن يريد به ثواب الدنيا ،ول يريد به ثواب
ً
الِخرة ،مثا :يتعبد هللا جل وعا بالصاة وهو فيها مخلص هلل أداها على طواعية واِختياروامتثال ألمرهللا؛ لكن
يريد منها أن يصح بدنه ،أو وصل رحمه وهو يريد منه أن يحصل له في الدنيا الذكر الطيب والصلة ونحو ذلك،
ً
أو عمل أعمال من التجارة والصدقات وهو يريد بذلك أن يكون عنده مال فيتصدق..
ً
اذكرأقسام األعمال التي يعملها العبد ويستحضرفيها ثواب الدنيا ،مبينا حكمها.
هما قسمان:
القسم األول :أن يكون العمل الذي عمله والستحضر فيه ثواب الدنيا وأراده ،ولم يرد ثواب الِخرة ،ولم
ّ
يرغب الشرع فيه بذكرثواب الدنيا ،مثل :الصاة والصيام ونحو ذلك من األعمال والطاعات ،فهذا ل يجوز له
ِ
أن يريد به الدنيا ،ولو أراد به الدنيا فإنه مشرك..
ّ القسم الثاني :أعمال رتب الشارع عليها ً
ثوابا في الدنيا ،ورغب فيها مثل :صلة الرحم وبر الوالدين ونحو ذلك،
لسره أن ُيبسط له في رزقه أو ُينسأ له في أثره فليصل رحمه» ،فهذا النوع إذا الستحضر في
وقد قال ﷺ« :من َّ
عمله ذلك الثواب الدنيوي ،وأِخلص هلل في العمل ،ولم يستحضرالثواب األِخروي ،فإنه داِخل في الوعيد ،فهو
من أنواع هذا الشرك ،لكن إذا الستحضرالثواب الدنيوي والثواب األِخروي ً
معا -له رغبة فيما عند هللا في الِخرة
يطمع الجنة ،ويهرب من النار ،والستحضرثواب هذا العمل في الدنيا -فإنه ل بأس بذلك؛ ألن الشرع ما رغب فيه
ً
بذكرالثواب في الدنيا إل للحض عليه «من قتل قتيا فله لسلبه» فقتل القتيل في الجهاد لكي يحصل على السلب
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
69
ً
مخلصا فيه لوجه هللا ،لكن أتى هذا من زيادة هذا ،ولكن قصده من الجهاد الرغبة فيما عند هللا جل وعا
الترغيب له ولم يقتصر على هذه الدنيا ،بل قلبه معلق أيضا بالِخرة ،فهذا النوع ل بأس به ول يدِخل في النوع
مثل من يدرس ويتعلم العلم الشرعي ألجل الوظيفة فقط ،وليس في همه رفع الجهالة عن نفسه واملعرفة بأمر
ربه ونهيه ،وليس من أجل الرغب في الجنة وما يقرب منها والهرب من الناروما يقرب منها.
ومثل من حفظ القرآن ليكون ً
إماما في املسجد ويكون له َّ
الرزق الذي يأتي من بيت املال ،فغرضه من هذا
النوع الرابع :الذين يعملون األعمال الصالحة ومعهم ناقض من نو اقض اللسام.
كمن يعمل أعمال صالحة :يصلي ويزكي ويتصدق ويقرأ القرآن ويتلو؛ ولكنه مشرك الشرك األكبر ،فهذا وإن
ً
صادقا ّ
لوحد هللا جل وعا. قال إنه مؤمن فليس بصادق في ذلك؛ ألنه لو كان
َ َ َ َ
فهذه بعض األنواع التي ذكرت في تفسيرهذه الية وكلها داِخلة تحت قولهَ ﴿ :من كان ُي ِر ُيد ال َح َياة الدن َيا َو ِزين َت َها﴾
جميعا أرادوا الحياة الدنيا وزينتها ،ولم يكن لهم َهم في رضا هللا جل وعا وطلب الِخرة بذلك العمل الذي
ً فهؤلء
عملوه.
َ َ َ َ
هل املسلم الذي قامت به إرادة الدنيا يدِخل في قوله تعالىَ ﴿ :من كان ُي ِر ُيد ال َح َياة الدن َيا َو ِزين َت َها﴾؟
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
71
وكما قال أهل العلم :إن العبرة هنا باللفظ ل بخصوص السبب ،فهي وإن كانت في الكفار لكن لفظها
من ليس معه أصل اليمان واللسام الذي يصح به عمله :وكانت إرادته الحياة الدنيا فلم يتقرب إلى هللا جل
وعا بش يء ،فهؤلء أرادوا الدنيا بكل عمل وليس معهم مصحح ألصل أعمالهم من اليمان واللسام ،فهم
مخلدون في النار.
فهذا ُيحبط عمله الذي أشرك فيه وأراد به الدنيا ،وما عداه ل ُيحبط؛ ألن معه أصل اليمان الذي يصحح
وعبد الدينارهو :الذي يعمل العمل ألجل الدينار ،ولول الدينارملا تحركت همته في العمل ،ولول الخميصة ملا
تحركت همته في العمل ،فأراد العمل َ
وع ِمله ألجل هذا الدينار ،ألجل هذه الدنيا ،ألجل الدراهم ،ألجل الجاه،
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
71
ألجل املكانة ،ألجل الخميصة والخميلة ونحو ذلك .وقد لسماه النبي ﷺ ً
عابدا للدينار ،فدل ذلك على أنه من
الشرك؛ ألن عبودية غيرهللا درجات منها :عبودية الشرك األصغر ،ومنها عبودية الشرك األكبر.
كيف يمكن أن يكون الشخص ً
عبدا للديناروالدرهم؟
)
نعلم أن الذي يشرك بغير هللا جل وعا الشرك األكبر فهو عابد له ،فأهل األوثان عبدة األوثان ،وأهل الصليب
)
عبدة للصليب.
وكذلك من يعمل الشرك األصغر ويتعلق قلبه بش يء من الدنيا فهو عابد له ،يقال عبد هذا الش يء؛ ألنه هو
الذي حرك همته ،ومعلوم أن العبد مطيع لسيده ،أينما وجهه توجه ،فهذا الذي حركته وهمته للدنيا وللدينار
ً
وللدرهم عبد لها؛ ألن همته ُمعلقة بتلك األشياء ،وإذا وجد لها لسبيا تحرك إليها ،بدون النظرهل يو افق ذلك
ما منالسبة باب (من أطاع العلماء واألمراء في تحريم ما أحل هللا ،أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم
ً
أربابا) لكتاب التوحيد؟
هذا الباب في بيان مقتضيات التوحيد ،ولوازم تحقيق شهادة أن ل إله إل هللا ،وشهادة أن ل إله إل هللا تقتض ي
وم ًحا للحال ُ َّ ُ ً ً
مطيعا هلل جل وعا فيما َّ
حرما للحرام ،ل يتحاكم إل أحل وفيما حرم ،م وتستلزم أن يكون العبد
ّ
إلى هللا ،ول ُي َح ِكم في الدين إل شرع هللا جل وعا ،ووظيفة العلماء تبيين معاني ما أنزل هللا جل وعا على رلسوله
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
72
ﷺ ،والجتهاد في فقه النصوص فيبينوا ما أحل وما حرم هللا جل وعا ،فهم أدوات وولسائل لفهم نصوص
الكتاب والسنة .وليست وظيفتهم التي أذن لهم بها في الشرع أنهم يحللون أو يحرمون ما يشاؤون .إذن ،عقد
الشيخ رحمه هللا هذا الباب ليبين أن الطاعة من أنواع العبادة ،وهذه العبادة يجب أن ُيفرد هللا جل وعا بها،
فمن أطاع غير هللا في التحليل وفي التحريم ،فقد أشرك الشرك األكبر باهلل جل وعا .وهذا معنى اتخاذ األرباب.
فيما كان من األمور الجتهادية؛ ألنهم هم أفقه في النصوص من غيرهم ،فتكون طاعة العلماء واألمراء من جهة
الطاعة التبعية هلل ولرلسوله،أما الطاعة اللستقالية فليست إل هلل جل وعا ،وهي نوع من أنواع العبادة يجب
إفراد هللا جل وعا بها ،وغير هللا ُيطاع ألن هللا أذن بطاعتهُ ،ويطاع فيما أذن هللا به في طاعته ،فاملخلوق ل يطاع
في معصية هللا؛ ألن هللا لم يأذن أن يطاع مخلوق في معصية الخالق جل وعا.
تبع لطاعة هللا جل وعا ،فإن هللا هو الذي أذن وأمر بطاعة رلسوله ﷺ ،وهذا معنى طاعة النبي ﷺ إنما هي )
َ َ الر ُلسو َل َف َقد َأ َط َ
اع َّ َ
للا﴾ ،45وقال جل وعاَ ﴿ :و َما أر َلسلنا الشهادة له بأنه رلسول هللا ،قال جل وعاَ ﴿ :من ُي ِطع َّ
ِ
َّ ُ َ َ ُ
ِمن َّرلسول ِإل ِليطاع ِب ِإذ ِن ِ
هللا﴾.46
[ 41النساء.]20:
[ 46النساء.]69:
[ 47النساء.]54:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
73
في معصية الخالق ،أما األمور الجتهادية التي ليس فيها نص من الكتاب والسنة فإنهم يطاعون فيها ملا أذن هللا
هللا.
ما معنى طاعة العلماء واألمراء في (تحليل ما َّ
حرم هللا)؟
َّ َّ ً َ
(أو تحليل ما حرم هللا) أي :أحلوا لهم ما ُيعلم أن هللا حرمه ،مثا :حرم هللا الخمرفأحله العالم ،أو أحله األمير،
ّ
أميرا في اعتقاد أن الخمرحال وهو يعلم أن هللا حرمها ،فقد اتخذه ًربا من دون هللا جل وعا.
فمن أطاع عاملا أو ً
اذكر موضع الشرط ،وجزاء الشرط ،وضابطه في قول املصنف( :من أطاع العلماء واألمراء في تحريم
ما أحل هللا ،أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم ً
أربابا).
وضابط هذا الشرط ما بينهما ،وهو قوله( :في تحريم ما أحل هللا ،أو تحليل ما حرمه) ويستفاد من هذا اللفظ
أنهم عاملون بما أحل هللا فحرموا طاعة لهم ،وعاملون بما حرم هللا فأحلوه طاعة لهم.
ما معنى األرباب في قوله( :فقد اتخذهم ً
أربابا)؟
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
74
األرباب جمع الرب( ،الرب) و(الله) لفظان يفترقان؛ ألن :الرب :هو السيد ،امللك ،املتصرف في األمر.
بماذا أجاب املصنف المام محمد بن عبد الوهاب رحمه هللا عندما ُلسئل عن الفرق بين الله والرب،
َ ُ َ َ َ َ َّ َ َ ُ َ َ َّ ُ ََ
﴿ول َيأ ُم ُركم أن تت ِخذوا املا ِئكة َوالن ِب ِّيين أرَب ًابا أ َيأ ُم ُركم وعن معنى الربوبية في نحو قول هللا تعالى:
َّ ُ َّ َ ُ َ َ ُ َ ُ َ َ َ َ ً ُ َ ُ َ َ َ ُ
للا﴾؟ ِبالكف ِربعد ِإذ أنتم مس ِلمون﴾ ،92وفي نحو قوله﴿ :اتخذوا أحب َارهم ورهبان ُهم أربابا ِمن دو ِن ِ
قال :الربوبية هنا بمعنى األلوهية ،والرب بمعنى املعبود؛ ألن من أطاع على ذلك النحو فقد َعبد ،وعن عدي
بن حاتم :أنه لسمع النبي ﷺ يقرأ هذه اليةَّ ﴿ :ات َخ ُذوا َأح َب َار ُهم َو ُره َب َان ُهم َأرَب ًابا من ُدون َّللا َواملَس َ
يح اب َن َمرَي َم َو َما ِ ِ ِ ِ
ُ َ َ َ َ َّ َّ َ ُ ُ َ َ ُ
اح ًدا ل ِإل َه ِإل َه َو ُلسب َحان ُه َع َّما ُيش ِركون﴾ ،49فقلت له :إنا لسنا نعبدهم ،قال « :أليس أ ِم ُروا ِإل ِليعبدوا ِإل ًها و ِ
يحرمون ما أحل هللا فتحرمونه ،ويحلون ما حرم هللا فتحلونه؟» ،فقلت :بلى .قال « :فتلك عبادتهم».50
َ َ
فحينما ف ِهم عدي رض ي هللا عنه من كلمة (أرَب ًابا) أنها :العبادة ،فقال( :إنا لسنا نعبدهم) ،قال له النبي ﷺ
مقررا لذلك« :أليس ُيحرمون»...إلى آِخره ،فهو إقرارمنه عليه الصاة والسام؛ ألن معنى الربوبية هنا العبودية.
ً
ألن لفظي األرباب واللهة من األلفاظ التي إذا اجتمعت افترقت ،وإذا افترقت اجتمعت ،كلفظ الفقير
وهذا الطاق قد يكون ألن أصله في اللغة أن يدِخل هذا في هذا ،وهذا في ذاك.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
75
لكن الظاهر -عندي -أن إطاق [ :الربوبية واأللوهية] أو كلمة [الرب والله] ألجل اللزوم والتضمن ،فإن
ُ
الربوبية مستلزمة لأللوهية ،واأللوهية متضمنة للربوبية ،فإذا ذكرالرب الستلزم ذلك ذكرالله ،وإذا ذكر الله
وكقوله ﷺ في مسائل القبر« :فيأتيه ملكان فيسألنه من ربك؟» أي من معبودك؟؛ ألن البتاء لم يقع في الرب
ما الواجب عند وجود تعارض بين قول النبي ﷺ وقول غيره؟
ً
أجمع أهل العلم على أن من الستبانت له لسنة من لسنن الرلسول ﷺ لم يكن له أن يتركها لقول أحد كائنا من
كان .قال ابن عباس رض ي هللا عنهما( :يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ،أقول :قال رلسول هللا ﷺ،
ً
فالواجب على املسلم أنه إذا لسمع حديثا عن النبي ﷺ وعلم فقهه أو َّبينه له أهل العلم ،وكان هذا الحديث
ً َ
ظاهرا في الدللة فإنه ل يترك ذلك الحديث والذي ف ِق َهه ألجل قول أحد كائنا من كان الذي ل دليل عليه .أما إذا
ً
من ّرد بعض قول النبي ﷺ بقول أحد فهذا ُيخش ى عليه أن يعاقب بأن يقع في قلبه زيغ،
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
76
اب َأ ِل )
يم﴾ ،قال المام أحمد: ين ُي َخال ُفو َن َعن َأمره َأن ُتص َيب ُهم فت َن )ة َأو ُيص َيب ُهم َع َذ )
ِ ِ
وهللا تعالى يقولَ ﴿ :فل َيح َذر َّالذ َ
ِ ِ
ِ ِ ِِ
(أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك ،لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه ش يء من الزيغ فيهلك) .فتنة :يعني نوع
شرك ،وقد يصل إلى الشرك األكبرباهلل جل وعا ،إذا كان في تحليل الحرام مع العلم بأنه حرام ،وتحريم الحال
َ َ َّ َ ُ َ َ َ َّ ُ ُ ُ
للا قل َوب ُهم﴾ ،فاليهود زاغوا بمحض مع العلم بأنه حال .كما قال هللا جل وعا عن اليهود﴿ :فلما زاغوا أزاغ
إرادتهم واِختيارهم مع بيان الحجج وظهور الدلئل والبراهين ،فأزاغ هللا قلوبهم عقوبة لهم.
ما الذي حمل ابن عباس رض ي هللا عنهما على قوله( :يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ،أقول:
قال رلسول هللا ﷺ ،وتقولون :قال أبو بكروعمر؟!)؟ وما املقصود من كامه هذا؟
ابن عباس رض ي هللا عنهما رد على الذين عارضوا قوله في (املتعة في الحج) بقول أبي بكروعمراملناقض لصريح
ّ
أن إفراد الحج أفضل من التمتع ،وكان ابن عباس يوجب التمتع ويسوق قول النبي ﷺ ،فقد كانا يذهبان إلى
األدلة في ذلك .وأِخذ طائفة من أهل العلم كمالك وغيره بقول أبي بكر وعمررض ي هللا عنهما؛ بل قال طائفة إن
إفراده في الحج ولسفره مرة أِخرى للعمرة )
ِخير له من أن يجمع بين حج وعمرة في لسفرة واحدة ،كما هو اِختيار
واملقصود من كام ابن عباس ليس في املسألة الفقهية (التمتع والفراد)؛ ولكن في مسألة عموم اللفظ ،وهو
أن قول النبي ﷺ الظاهر معناه يجب أن ل ُي َ
عارض بقول أحد ل دليل له على قوله ،ولو كان ذلك القائل أبا بكر
وعمررض ي هللا عنهما ،فكيف بمن دونهما من التابعين أو من الصحابة؟! ،وكيف بأئمة أهل املذاهب وأصحاب
أهل املذاهب رحمهم هللا تعالى؟! ،واحترام العلماء وأهل املذاهب واجب.
قال المام أحمد بن حنبل( :عجبت لقوم عرفوا اللسناد وصحته ،يذهبون إلى رأي لسفيان).
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
77
قوله( :عجبت لقوم عرفوا اللسناد وصحته) يعني :الحديث الذي تنازعوا فيه.
وقوله( :يذهبون إلى رأي لسفيان) يدل على أن لسفيان لم يكن له مستند على رأيه.
(لسفيان) هو لسفيان بن لسعيد بن مسروق الثوري أحد العلماء ّ
الزهاد الصالحين املشهورين وكان له مذهب
و أتباع ،ولكن قد تخفاه السنة فيكون قد حكم برأيه أو بتقعيد عنده ،لكن السنة جاءت بخاف ذلك الرأي،
أربابا ومعبودين ،األحبار :هم العلماء ،والرهبان: طاعة األحبار والرهبان قد تصل إلى الشرك األكبر لتخاذهم ً
َ َّ ُ َ
﴿ات َخذوا أح َب َار ُهم َو ُره َب َان ُهم أرَب ًابا ِمن ُدو ِن الع ّباد .فعن عدي بن حاتم :أنه لسمع النبي ﷺ يقرأ هذه الية: هم ُ
َّ َ ُ ُ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ
اح ًدا﴾ 51الية ،فقلت له( :إنا لسنا نعبدهم) ففهم من معنى للا وامل ِسيح ابن مريم وما أ ِم ُروا ِإل ِليعبدوا ِإل ًها و ِ
ِ
َ
قوله (أرَب ًابا) أنه معناه املعبودين( ،قال عليه الصاة والسام« :أليس يحرمون ما أحل هللا فتحرمونه ،ويحلون
ما حرم هللا فتحلونه؟» .فقلت :بلى .قال« :فتلك عبادتهم». .رواه أحمد والترمذي وحسنه).
جاء في كام شيخ اللسام ابن تيمية رحمه هللا على هذه الية أن طاعتهم تأتي على درجتين:
حال وفي جعل الحال ً ً ً
حراما، تعظيما لهم؛ أي في جعل الحرام الدرجة األولى :طاعتهم في تبديل الدين
َّ ً ّ
وتعظيما وهو يعلم أنه حرام( ،حلل) يعني :اعتقد أنه حال وأمض ى بذلك وهو حرام فحلل ما أحلوه طاعة لهم
وهذا هو الكفراألكبروالشرك األكبرباهلل جل وعا ،ألنه صرف عبادة الطاعة إلى غيرهللا.
[ 11التوبة.]61:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
78
ولهذا قال الشيخ لسليمان رحمه هللا في شرحه لكتاب التوحيد :الطاعة هنا -في هذا الباب -املراد بها طاعة ِخاصة
داِخله يعلم أن الحال هو الحال والحرام هو الحرام فما َّبدل الدين .قال شيخ اللسام رحمه هللا :هذا له حكم
حرم الحال ،ول ّ
أحل الحرام و إنما فعل الحرام من جهة العصيان، أمثاله من أهل الذنوب والعصيان؛ ألنه ما ّ
وجعل الحال ً
حراما من جهة العصيان ل من جهة تبديل أصل الدين.
ذكر الشيخ املصنف الرهبان وأراد بإيراده لهذه الية التنبيه على أن الطاعة في تحليل الحرام وتحريم الحال
جاءت ً
أيضا من جهة الرهبان ُ -
الع َّباد ،-وهذا عند املتصوفة والطرق الصوفية وأهل الغلو في التصوف وفي
تعظيم رؤلساء الصوفية؛ فإنهم أطاعوا مشايخهم ّ
والعباد والذين زعموا أنهم أولياء أطاعوهم في تغييرامللة ،فهم
ً ّ
تعظيما للشيخ وللعابد ،أو يعلمون أن هذا شرك في يعلمون أن السنة هي كذا وكذا وأن ِخافها بدعة ،فأطاعوا
القرآن والدلئل عليه ظاهرة لكنهم تركوها أباحوا ذلك الشرك وأحلوه؛ ألن شيخهم َّ
ومقدمهم ورئيس طريقتهم و
كثيرا َّإبان ظهور الشيخ بدعوته ،وهو موجود في كثيرمن األمصار ،وهذا املقام أي ً
ضا فيه أحله ،وهذا كان في نجد ً
تفصيل على نحو الدرجتين اللتين ذكرهما شيخ اللسام رحمه هللا.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
79
عقد الشيخ رحمه هللا هذا الباب ليبين أن الحكم بما أنزل هللا فرض ،وأن ترك الحكم بما أنزل هللا وتحكيم غير
ما أنزل هللا في شؤون املتخاصمين وتنزيل ذلك منزلة القرآن شرك أكبر باهلل جل وعا ،وكفر مخرج من ملة
فكما أنه جل وعا ل حكم إل حكمه في ملكوته ،فكذلك يجب أن يكون ل حكم إل حكمه فيما يتخاصم فيه
ً
محمدا رلسول هللا يلزم تحكيم شرع هللا. لتحقيق كمال توحيد هللا وتحقيق شهادة أن ل إله إل هللا وأن
وضح ذلك.
ً
محمدا رلسول هللا ل يكون إل بأن يكون توحيد هللا جل وعا في الطاعة وتحقيق شهادة أن ل اله إل هللا وأن
ُ ّ
حكمين ملا أنزل هللا تعالى على رلسوله ﷺ ،وترك التحكيم بحكم الجاهلية وبحكم القوانين وبحكم
العباد م ِ
[ 11غافر.]11:
[ 13يوسف.]67 :
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
81
لسواليف البادية ،أو بكل حكم مخالف لحكم هللا جل وعا ،هذا من الكفر األكبر باهلل ّ
جل جاله ومما يناقض
ً
محمدا رلسول هللا". كلمة التوحيد" :أشهد أن ل إله إل هللا وأن
قال المام الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه هللا في أول رلسالته "تحكيم القوانين"( :إن من الكفراألكبراملستبين،
تنزيل القانون اللعين ،منزلة ما نزل به الروح األمين ،على قلب محمد ﷺ ليكون من املنذرين ،بلسان عربي مبين،
َّ َّ َ َ َ ُ
وجل﴿ :ف ِإن تن َازعتم في الحكم به بين العاملين ،والرد إليه عند تنازع املتنازعين ،مناقضة ومعاندة لقول هللا عز
ما هي حقيقة التوحيد في طاعة هللا فيما يتعلق بمسائل التخاصم بين الخلق؟
الحكم بين املتخاصمين ل بد أن يرجع فيه إلى حكم من ِخلق املتخاصمين ،ومن ِخلق األرض والسماوات،
فالحكم الكوني القدري هلل جل وعا ،كذلك الحكم الشرعي هلل جل وعا ،فيجب أن يكون العباد ليس بينهم إل
الحكم بالقوانين الوضعية أو الحكم بسواليف البادية هذا كله من الكفر األكبر باهلل جل وعا ،وتحكيم
َ ُ ُ َ َ القوانين كفر باهلل جل وعا لقوله تعالى هنا في هذه اليةَ ﴿ :أ َلم َت َر إ َلى َّالذ َ
ين َيز ُع ُمون أ َّن ُهم َآمنوا ِب َما أ ِنز َل ِإلي َك ِ ِ
َّ ُ َ َ َ ُ ُ َ َ ََ َ َ ََ ُ َ
وت﴾ .وأن تحكيم القوانين أو لسواليف البادية أو أمور وما أ ِنزل ِمن قب ِلك ي ِريدون أن يتحاك ُموا ِإلى الطاغ ِ
ً
محمدا محمدا رلسول هللا ،فإن من مقتضيات شهادة أن ً الجاهلية هذا مناف لشهادة أن ل إله إل هللا ،وأن
رلسول هللا أن يطاع فيما أمر ،وأن يصدق فيما أِخبر ،وأن ُيجتنب ما عنه نهى وزجرـ وأن ل يعبد هللا إل بما شرع.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
81
قال الشعبي :كان بين رجل من املنافقين ورجل من اليهود ِخصومة ،فقال اليهودي :نتحاكم إلى محمد ﷺ؛ ألنه
عرف أنه ل يأِخذ الرشوة ،وقال املنافق :نتحاكم إلى اليهود؛ لعلمه أنهم يأِخذون الرشوة ،فاتفقا على أن يأتيا
َ كاهنا في جهينة فيتحاكما إليه ،فنزلت ﴿ َأ َلم َت َرإ َلى َّالذ َ
ين َيز ُع ُمون﴾الية..
ً
ِ ِ
وقيل نزلت في رجلين اِختصما ،فقال أحدهما :نتر افع إلى النبي ﷺ ،وقال الِخر :إلى كعب بن األشرف ،ثم تر افعا
إلى عمر ،فذكر له أحدهما القصة ،فقال للذي لم َ
يرض برلسول هللا ﷺ :أكذلك؟ قال :نعم ،فضربه بالسيف
فقتله.
هللا جل وعا ،فاألمر بالكفر بالتحاكم إلى الطاغوت أمر واجب ومن أفراد التوحيد ،ومن أفراد تعظيم هللا جل
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
82
َ َ ُ َّ َ َ َ َ َ َ َ ُ
ض قالوا ِإن َما نح ُن ُمص ِل ُحون﴾ 59في هذا
ِ راأل يل ل ُهم ل تف ِس ُدوا ِفي ملاذا لساق الشيخ قوله تعالى﴿ :و ِإذا ِق
الباب؟
لساق الشيخ هذه الية ألجل أن يبين أن صاح األرض بالتوحيد والذي منه إفراد هللا جل وعا بالطاعة ،وأن ل
َ
يحاكم إل إلى شرعه ،وأن إفساد األرض وبالشراك باهلل والذي منه أن ُيجعل حكم غير هللا جل وعا ً
جائزا في
التحاكم إليه؛ فاألرض إصاحها بالشريعة وبالتوحيد ،و إفسادها بالشرك بأنواعه الذي منه الشرك في الطاعة.
)
إفساد في األرض؟ ما الدليل على أن الحكم بغيرشرع هللا هو
نحن مصلحون ،وفي الحقيقة أنهم هم املفسدون ولكن ل يشعرون؛ ألنهم إذا أرادوا الشرك ورغبوا فيه وحاكموا
وتحاكموا إلى غيرشرع هللا فإن ذلك هو الفساد ،والسعي فيه لسعي في الفساد.
(حكم الجاهلية) هو :أن يحكم بعضهم على بعض؛ بأن يسن البشر"شريعة" فيجعلونها حاكمة.
[ 14البقرة.]11:
[ 11األعراف.]56:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
83
وهللا جل وعا هو الذي ِخلق العباد وهو أعلم بما يصلحهم ،وبما فيه العدل في الفصل في أقضيتهم
وِخصوماتهم.
ً ّ
حكم البشر؛ ومعنى ذلك أنه اتخذه ُم ً َ
طاعا من دون هللا ،أو جعله شريكا فمن حاكم إلى شرائع الجاهلية فقد
الواجب على العبد أن يجعل حكمه وتحاكمه إلى هللا دونما لسواه ،وحكم هللا جل وعا هو أحسن األحكام ،قال
ُ َ َّ َ َ َ َ ُ َ َّ
للا ُحك ًما ِلقوم ُيو ِقنون﴾.
َ َ َ َ َّ َ َ َ َ
للا أبت ِغي حك ًما﴾ ،57وقال هنا﴿ :ومن أحسن ِمن ِ
تعالى﴿ :أفغير ِ
ما لسبب الخلط الذي وقع في مسألة التحاكم إلى غيرشرع هللا؟ وما ِخطره؟
مسألة [التحاكم إلى غير شرع هللا] من املسائل التي يقع فيها ِخلط كثير ِخاصة عند الشباب؛ في هذه الباد وفي
تفرق املسلمين؛ ألن نظرالناس فيها لم يكن ً
واحدا ،ومن أوجه الخلط في ذلك أنهم جعلوا غيرها ،وهي من ألسباب ّ
ما الواجب على طالب العلم فعله حتى يتجنب هذا الخلط؟
يتحرى طالب العلم ما دلت عليه األدلة ،وما َّبينه العلماء من معاني تلك األدلة ،وما فقهوه من
الواجب أن ّ
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
84
الحال ـ ـ ـ ـ ــة الثانيـ ـ ـ ـ ـ ــة :الحاكم وهو من يحكم بهذا التشريع والقانون املستقل.
وفيه تفصيل:
ً
إن حكم بغير شرع هللا مرة أو مرتين أو أكثر من ذلك ،ولم يكن ذلك ديدنا له ،وهو يعلم أنه عاص ،فهذا )1
َ َّ
ستحل ،ولهذا تجد أن بعض أهل العلم يقول( :الحكم بغيرشرع له حكم أمثاله من أهل الذنوب ،ول يكفرحتى ي ِ
َُ
الستحل) ،وهذا صحيح؛ ولكن ل تن َّز ُل هذه الحالة على حالة التقنين والتشريع ،كما قال
َ هللا ل يكفر به إل إذا
ابن عباس( :كفردون كفر ،ليس بالكفرالذي يذهبون إليه) يعني :من حكم في مسألة ،أو في مسألتين بهواه بغير
شرع هللا ،وهو يعلم أنه عاص ولم يستحل ،فهذا كفردون كفر.
ً
دائما بغيرشرع هللا ُويلزم به الناس:
بتاتا ،ويحكم ً أما الحاكم الذي ل يحكم بشرع هللا )2
َ َ َ َ ً
لسن القانون؛ ألن هللا جل وعا قالُ ﴿ :ي ِر ُيدون أن َيت َحاك ُموا
مطلقا ككفرالذي ّ فمن أهل العلم من قال :يكفر
ً ُ َ َ ُ َّ ُ َ
وت َوقد أ ِم ُر ٓوا أن َيكف ُروا ِب ِه﴾ ،58فجعل الذي يحكم بغيرشرع هللا طاغوتا.
ِإلى الطاغ ِ
ومن أهل العلم من قال( :حتى هذا النوع ل يكفرحتى يستحل؛ ألنه قد يحكم وهو في نفسه عاص ،فله حكم
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
85
دائما بغير شرع هللا ُويلزم الناس به هو كافر ،وهذا قول الجد الشيخ
والصحيح :القول األول ،أن الذي يحكم ً
محمد بن إبراهيم رحمه هللا في رلسالته [تحكيم القوانين]؛ ألن ذلك الفعل ل يصدرفي الو اقع من قلب قد كفر
َّ َّ
بالطاغوت؛ بل ل يصدرإل ممن عظم القانون ،وعظم الحكم به.
الحال ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثالثـ ـ ـ ـ ــة :املتحاكم وهو من يتحاكم إلى هذا التشريع ،فيذهب هو وِخصمه فيتحاكما إلى هذا القانون.
فيه تفصيل:
الحالة األولى :إن كان يريد التحاكم إلى الطاغوت ،وله رغبة في ذلك ويرى أن الحكم بذلك لسائغ ول يكرهه،
فهذا (كافر)؛ ألنه داِخل في هذه الية ،كما قال العلماء( :ل تجتمع إرادة التحاكم إلى الطاغوت مع اليمان باهلل)،
َ بل هذا ينفي هذا ،وهللا -جل وعا -قالَ ﴿ :أ َلم َت َرإ َلى َّالذ َ
ين َيز ُع ُمون﴾ 59الية. ِ ِ
َ
الحالة الثانية :أنه ل يريد التحاكم إلى الطاغوت؛ ولكنه َحاكم إما بإجباره على ذلك كما يحصل في الباد
األِخرى أنه يجبرأن يحضر مع ِخصمه إلى قاض يحكم بالقانون ،أو أنه علم أن الحق له في الشرع فرفع األمرإلى
القاض ي في القانون لعلمه أنه يو افق حكم الشرع ،فهذا الذي رفع أمره في الدعوة على ِخصمه إلى قاض قانوني
لعلمه أن الشرع يعطيه حقه وأن القانون و افق الشرع في ذلك ،فهذا األصح عندي أنه جائز ،وبعض أهل العلم
يدِخل في إرادة التحاكم إلى الطاغوت ،هو كاره ولكنه حاكم إلى الشرع ،فعلم أن الشرع يحكم له فجعل الحكم
الذي عند القانوني ولسيلة ليصال الحق الذي ثبت له ً
شرعا إليه.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
86
الدول التي تحكم بالقانون بحسب تفصيل كام الشيخ محمد بن إبراهيم في هذه املسألة في فتاويه ،وِخاصة
تكون في األرض.
ً
فاشيا؛ فالدارداركفر؛ يعني الدولة دولة كفر). ً
ظاهرا • وإن كان
تضاده القلة.
وهذا التفصيل هو الصحيح؛ ألننا نعلم أنه في دول اللسام صار هناك تشريعات غير مو افقة لشرع هللا جل
وعا ،والعلماء في األزمنة األولى ما حكموا على الدار بأنها دار كفر ول على تلك الدول بأنها دول كفرية؛ ذلك ألن
ً ً ً ً
ظاهرا وينكرفاألرض فاشيا فالدولة دولة كفر ،ومتى كان قليا ظاهرا الشرك له أثرعلى الدار-الدولة -فمتى كان
ً
باب من جحد شيئا من األمساء والصفات
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
87
ما عاقة أنواع التوحيد الثاثة ببعضها (توحيد الربوبية -توحيد األلوهية -توحيد األلسماء
والصفات)؟
أن (توحيد الربوبية) برهان على (توحيد األلوهية) ،فمن أدلة توحيد األلوهية توحيد الربوبية ،كما لسبق في
َ َُ ُ َ َ َ َ ُ ُ َ
شي ًئا َو ُهم ُيخل ُقو َن﴾61 (باب قول هللا تعالى﴿ :أيش ِركون ما ل يخلق
برهان على (توحيد األلوهية) ،ومن حصل عنده ضال في توحيد األلسماء ) وكذلك (توحيد األلسماء والصفات)
والصفات ،فإن ذلك لسيتبعه ضال في توحيد األلوهية ،ولهذا تجد أن املبتدعة الذين ألحدوا في ألسماء هللا وفي
صفاته من هذه األمة من الجهمية واملعتزلة والر افضة واألشاعرة واملاتريدية ونحو هؤلء ،تجد أنهم ملا انحرفوا
في باب توحيد األلسماء والصفات لم يعلموا حقيقة معنى توحيد األلوهية؛ ففسروا (الله) بغيرمعناه ،وفسروا
(ل إله إل هللا) بغير معناها الذي دلت عليه اللغة ودل عليه الشرع ،وكذلك لم يعلموا متعلقات األلسماء
عقد الشيخ رحمه هللا هذا الباب لصلته بكتاب التوحيد من جهتين:
الجهة األولى :أن من براهين توحيد العبادة أي( :توحيد األلوهية) هو توحيد األلسماء والصفات ،وأن تعظيم
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
88
الواجب على العباد أهل هذه امللة أن يؤمنوا بتوحيد هللا جل وعا في ألسمائه وصفاته ،وأن يعلموا أن هللا جل
ً ً
جاله متصف باأللسماء الحسنى وبالصفات العا ،وأن ل يجحدوا شيئا منها ،ومن جحد شيئا من ألسماء هللا
وصفاته فهو كافر؛ ألنه تكذيب بالكتاب وبالسنة ،وذلك صنيع الكفار واملشركين.
ومعنى اليمان بتوحيد هللا في ألسمائه وصفاته أن يتيقن ويؤمن بأن هللا جل وعا ليس له مثيل في ألسمائه ،وليس
س َكمثله َش ي )ء َو ُه َو َّ َ
الس ِم ُيع ال َب ِص ُير﴾.63 له مثيل في صفاته ،كما قال جل وعا﴿ :لي َ ِ ِ ِ
س َكمثله َش ي )ء َو ُه َو َّ َ
الس ِم ُيع ال َب ِص ُير﴾؟ ما دللة تقديم النفي على الثبات في قوله تعالى﴿ :لي َ ِ ِ ِ
هنا نفى أثبت ،فنفى أن يماثل هللا جل وعا ش )يء ،أثبت له صفتي السمع والبصر ،قال العلماءَّ ( :
قدم النفي و و
على الثبات بناء على القاعدة العربية املعروفة أن التخلية تسبق التحلية؛ حتى يتخلى القلب من كل براثن
التمثيل ومن كل ما كان يعتقده املشركون الجاهلون من تشبيه هللا بخلقه أو تشبيه ِخلق هللا به) ،والنفي يكون
ً ً
مجما والثبات يكون مفصا.
فإذا ِخا القلب من براثن التشبيه والتمثيل أثبت ما يستحقه هللا جل وعا من الصفات ،فأثبت هنا صفتين
لسبب ذكر صفتي (السمع والبصر) هنا في مقام الثبات دون ذكر غيرهما من الصفات ،أو دون ذكر غير السمي
(السميع والبصير) من األلسماء؛ ألن صفتي السمع والبصرمشتركة بين أكثراملخلوقات الحيةُ ،
وجل املخلوقات
ً
جميعا ،فالنسان له لسمع الحية التي حياتها بالروح وليست حياتها بالنماء فإن السمع والبصر موجود فيها
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
89
وبصر ،ولسائر أصناف الحيوانات لها لسمع وبصر :الذباب له لسمع وبصر ينالسبه ،والبعير له لسمع وبصر
ينالسبه ،ولسائرالطيور ،والسمك في املاء ،والدواب الصغيرة والحشرات ،كل له لسمع وبصرينالسبه.
ً ً
ومن املتقرر عند كل عاقل أن لسمع هذه الحيوانات ليس متماثا ،وأن بصرها ليس متماثا ،وأن لسمع الحيوان
ً
ليس مماثا لسمع النسان ،فسمع النسان ربما كان أبلغ وأعظم من لسمع كثيرمن الحيوانات ،وكذلك البصر.
فإذا كان كذلك؛ كان اشتراك املخلوقات التي لها لسمع وبصر في السمع والبصر اشتر )
اك في أصل املعنى ،ولكل
ُ
لسمع وبصربما ق ِّدرله وما ينالسب ذاته ،فإذا كان كذلك ولم يكن وجود السمع والبصرفي الحيوان وفي النسان
ً
مقتضيا لتشبيه الحيوان بالنسان ،فكذلك إثبات السمع والبصر للملك الحي القيوم ليس على وجه املماثلة
للسمع والبصر في النسان أو في املخلوقات ،فلله جل وعا لسمع وبصر يليق به ،كما أن للمخلوق لسمع وبصر
يليق بذاته الحقيرة الوضيعة ،فسمع هللا كامل مطلق من جميع الوجوه ،ل يعتريه نقص ،وبصره كذلك ،والسم
هللا (السميع) هو الذي الستغرق كل الكمال من صفة السمع ،وكذلك السم هللا (البصير) هو الذي الستغرق كل
بمعرفة ألسمائه وصفاته ،وبمعرفة آثار األلسماء والصفات في ملكوت هللا جل وعا ،وهذا باب عظيم ربما يأتي
َ َّ َ
األلس َم ٓا ُء ال ُحس َن ٰى َفاد ُع ُ
وه ِب َها﴾.64 له زيادة إيضاح عند (باب قول هللا تعالى﴿ :وِ ِ
لِل
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
91
املبالغة.
املشركون والكفار في مكة قالوا :ل نعلم (الرحمن) إل رحمن اليمامة ،فكفروا بالسم هللا (الرحمن) وهذا )
كفر
َُ َ ُ ُ َ
الرح َم ِن﴾ ،65أي :يكفرون بالسم هللا (الرحمن).
ون ب َّ
بنفسه ،ولهذا قال جل وعا﴿ :وهم يكفر ِ
ما الفرق بين السمي (الرحمن) و(الرحيم)؟
َّ
يتسم بــ(الرحمن) على الحقيقة السم (الرحمن) أبلغ في اشتماله على صفة الرحمة من السم (الرحيم) ،ولهذا لم
ُ
إل هللا جل وعا؛ فهو من ألسماء هللا العظيمة التي ل َيش َرك ُه فيها أحد ،أما (الرحيم) فقد أطلق هللا جل وعا
َ َُ )
وف َّر ِح ) ُ
يم﴾.66 على بعض عباده بأنهم رحماء ،وأن نبيه ﷺ رحيم ،كما قالِ ﴿ :باملؤ ِم ِنين رء
ُ
ما هي أوجه الرتباط بين ألسماء هللا الحسنى وصفاته العلى؟
اللسم والصفة بينهما ارتباط ،فكل السم من ألسماء هللا مشتمل على صفة؛ وألسماء هللا ليست جامدة؛ فاللسم
يدل على مجموع شيئين باملطابقة ،وهما( :الذات ،والصفة التي اشتمل عليها اللسم).
من( :الذات املتصفة بالصفة ،وعلى الصفة) ،وجميع الصفات التي تتضمنها األلسماء دالة على كمال هللا جل
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
91
َ
السم (هللا) :هو َعل )م على املعبود بحق جل وعا.
ً ُ )
طلق (هللا) فحذفت الهمزة تخفيفا؛ لكثرة دعائه وندائه به في أصل العربية.
مشتق؛ ألن أصله (الله) ،ولكن أ ِ
)
مشتق على الصحيح من قولي أهل العلم. ً
جامدا؛ بل هو (هللا) ليس ً
السما
عظم العناية باأللسماء والصفات؛ ألن هذه األلسماء والصفات تؤثرفي ُ
العبد املؤمن إذا أراد أن يكمل توحيده فلي ِ
توحيده ،وقلبه ،وعلمه باهلل ومعرفته؛ ألن معرفة اللسم والصفة تجعل العبد ير اقب هللا جل وعا.
ً
ما القدرالواجب على العلماء تعليمه لعامة الناس فيما يخص مثا مباحث األلسماء والصفات؟
ً ً ُ
الناس باليمان بمسائل األلسماء والصفات املعروفة واملعلومة املشتهرة في الكتاب والسنة إجمال ،إيمانا يؤمر
أما دقائق البحث في األلسماء والصفات فإنما هي للخاصة ،ول تنالسب العامة ،ول تنالسب املبتدئين في طلب
ّ
العلم؛ حتى إن بعض املتجهين إلى العلم قد ل تطرح عليهم بعض املسائل الدقيقة في األلسماء والصفات.
َ َّ جاء في صحيح البخاري قال :قال علي رض ي هللا عنهّ ( :
حدثوا الناس بما يعرفون ،أتريدون أن ُيكذب هللا
ِ
ورلسوله؟!) هذا فيه دليل على أن بعض العلم ل يصلح لكل أحد ،فإن من العلم ما هو ِخاص ولو كان ً
نافعا في
ما األمر الذي ينبغي للمعلم وللمتحدث وللواعظ وللخطيب أن يعيه في حديثه للناس؟
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
92
الواجب على املسلم وِخاصة طالب العلم أن يجعل تقوية توحيد الناس وإكماله والزيادة في إيمانهم بما يعرفون
ً ُ ّ
كذبون شيئا مما قاله هللا جل وعا أو أِخبر به رلسوله ﷺ ،وولسيلة ذلك
ل بما ينكرون ،وأن ل يجعل الناس ي ِ
يحدث الناس بما ل يعرفون ،أو يحدثهم بحديث ل تبلغه عقولهم ،كما جاء في األثرعن ابن مسعود التكذيب أن ّ
ِ
ً
قوما حديثا ل تبلغه عقولهم إل كان لبعضهم فتنة» ،وقد َّبوب على ذلك رض ي هللا عنه قال« :ما أنت بمحدث ً
الواجب على املسلم أنه إذا لسمع صفة من صفات هللا في كتاب هللا أو في لسنة النبي ﷺ أن يجريها ُمجرى جميع
الصفات ،وهو إثبات الصفات هلل جل وعا )
إثبات با تكييف ول تمثيل ،فإثباتنا للصفات على وجه تنزيه هللا جل
وعا عن املثيل والنظيرفي صفاته وألسمائه ،فله من كل السم وصفة أعلى وأعظم ما يشتمل عليه من املعنى.
ً
فقد روى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس رض ي هللا عنهما :أنه رأى رجا انتفض
َ ُ ً
الستنكارا لذلك فقال :ما ف َرق هؤلء؟ يجدون رقة عند محكمه،
ً ملا لسمع حديثا عن النبي ﷺ في الصفات،
َّ
فهذا الرجل ملا لم يعرف هذه الصفة انتفض؛ ألنه فهم من هذه الصفة [املماثلة أو التشبيه] فخاف من تلك
َ ُ َ َ
الصفة.قول ابن عباس( :ما ف َرق هؤلء؟) يعني :ما لسبب ِخوف هؤلء؟! ،ملاذا ف َرقوا وِخافوا من هذه الصفة
ومن إثباتها؟! (يجدون رقة عند محكمه) أي :إذا ِخوطبوا باملحكم الذي يعرفونه وجدوا في قلوبهم رقة له.
َ ُ ً َ
(ويهلكون عند متشابهه) :فإذا لسمعوا في الكتاب أو السنة شيئا ل تعقله عقولهم هلكوا عنده وِخافوا وف َرقوا
ُ َّ
وأولوا ونفوا أو جحدوا ،وهذا من ألسباب الضال .املتشابه :هو الذي يشتبه علمه على لسامعه.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
93
بعضا ،فهذا الحكم وهذه املسألة تشبه تلك ألنها تجري معها في قاعدة واحدة ،فنصوص بمعنى أن بعضه ُيشبه ً
َ
يث ِكت ًابا َّ ُ َ َّ َ َ َ َ َ ً
الشريعة يصدق بعضها بعضا ،ويؤول بعضها إلى بعض ،وقد قال جل وعا﴿ :للا نزل أحسن الح ِد ِ
َ َ َ ُ ُ ُ ُ َّ َ َ َ َ َ َ َ َ
ين َيخشون َرَّب ُهم﴾ ،69قالِ ﴿ :كت ًابا متش ِاب ًها﴾ فالقرآن متشابه؛ يعني بعضه متش ِاب ًها َّمثا ِن َي تقش ِعر ِمنه جلود ال ِذ
بعضا ،وهذه قصة وهذه قصة فهذه تصدق يفصل ً بعضا ،فهذا ِخبرالجنة وهذا ِخبرالجنة وبعض األِخبار ّ يشبه ً
ِ
ً
وهذه تزيدها تفصيا ،وهكذا في كل ما في القرآن.
)
متشابه: )
محكم ومنه القسم الثالث :منه
ُ ات مح َك َم )
ات ُه َّن أم ُ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ َ
اب من ُه َآي )
املحكم واملتشابه هنا هو الذي جاء في آية آل عمران﴿ :هو ال ِذي أنزل عليك ال ِكت ِ
ات﴾ ،70منه محكم وهو الذي اتضح علمه ،ومنه متشابه وهو الذي اشتبه علمه ،وبهذا الك َتاب َو ُأ َِخ ُر ُم َت َشاب َه )
ِ ِ ِ
ً
نعلم أنه ليس عندنا في عقيدة أهل السنة والجماعة -أتباع السلف الصالح -شيئا من املتشابه املطلق الذي ل
يعلمه أحد ،بمعنى أنه ل توجد مسألة من مسائل التوحيد أو من مسائل العمل يشتبه علمها على كل األمة ،بل
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
94
َ َ َ َ ُ َ َ ُ َّ َّ ُ َ َّ ُ َ
اسخون ِفي
ربما اشتبه على بعض الناس وبعضهم يعلم املعنى ،كما قال جل وعا﴿ :وما يعلم تأ ِويله ِإل للا والر ِ
ال ِعل ِم﴾ ،71على أحد وجهي الوقف.
فهذا املتشابه املوجود يشتبه على بعض الناس ،فإذا اشتبه عليك علم ش يء من التوحيد أو من الشريعة فإن
َ
الواجب أن ل تفرق عنده ول تخاف ،وأن ل تتهم الشرع أويقع في قلبك ش يء من الزيغ؛ ألن الذين يتبعون املتشابه
بمعنى[ :ل يؤمنون به] هم الذين في قلوبهم زيغ ،وهذا هو الذي عناه ابن عباس رض ي هللا عنهما حين قال:
(ويهلكون عند متشابهه) ،يريد به من أن الذين يهلكون عند املتشابه هم أهل الزيغ الذين قال هللا جل وعا
َ َ َ َ ) َ َّ َ َ َ َ َ َّ َّ َ ُ ُ
ين ِفي قل ِوب ِهم َزيغ ف َيت ِب ُعون َما تش َاب َه ِمن ُه اب ِتغ َاء ال ِفتن ِة َو اب ِتغ َاء تأ ِو ِيل ِه﴾.72فيهم﴿ :فأما ال ِذ
بعض ،كالقاعدة املعروفة في الصفات التي ذكرها عدد من األئمة كالخطابي وشيخ اللسام في التدمرية( :أن
القول في بعض الصفات كالقول في بعض ،وأن القول في الصفات كالقول في الذات يحتذى في حذوه وينهج فيه
على منواله).
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
95
َُ َ ُ ُ َ
الرح َم ِن﴾ .فإنكار
ون ب َّ
ملا لسمعت قريش رلسول هللا ﷺ يذكر الرحمن ،أنكروا ذلك ،فأنزل هللا فيهم﴿ :وهم يكفر ِ
الصفة أو إنكار اللسم بمعنى عدم التصديق بذلك هذا (جحد) ،وهذا يختلف عن التأويل ،فالتأويل واللحاد
جاله.
ما الواجب على العبد فيما يخص نسبة النعم إلى ِخالقها هللا لسبحانه وتعالى؟
الواجب على العبد أن يعلم أن كل النعم من هللا جل وعا ،وأن كمال التوحيد ل يكون إل بإضافة كل نعمة إلى
هللا جل وعا ،وأن إضافة النعم إلى غيرهللا نقص في كمال التوحيد ،ونوع شرك باهلل جل وعا.
يستعملها كثيرمن الناس في مقابلة النعم ،أو في مقابلة اندفاع النقم ،فيكون ذلك القول منهم نوع شرك أصغر
باهلل جل وعا.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
96
َ
نك ُرون َها﴾ أن هناك فرق بين العلم الستفاد بعض أهل العلم من قوله تعالىَ ﴿ :يعر ُفو َن نع َم َت َّ ُ ُ
للا ث َّم ي ِ
ِ ِ ِ
واملعرفة ،وضح ذلك.
ّ
أِخذ بعض أهل العلم من هذه الية أن لفظ (املعرفة) إنما يأتي في الذم ،وأن النافع هو العلم ،وأن املعرفة
ين َآتين ُاه ُم الك َت َ َّ
﴿الذ َ ً
اب ِ تستعمل في القرآن وفي السنة غالبا فيما يذم من أِخذ املعلومات ،كقول هللا جل وعاِ :
َ
نك ُرون َها﴾. ون ُه َكما َيعرفو َن َأب َن َاء ُه ُم﴾ ،73وكقوله في هذه اليةَ ﴿ :يعر ُفو َن نع َم َت َّ ُ ُ
َ ُ َ
للا ث َّم ي ِ
ِ ِ ِ ِ يع ِرف
وهذا على جهة األكثرية ،وإل فقد ورد أن املعرفة بمعنى العلم كما جاء في صحيح مسلم في حديث ابن عباس
معاذا إلى اليمن قال لهّ « :إن َك َتأتي َقو ًما َأه َل ك َتابَ ،فل َي ُكن َأ ّو َل َما َتد ُع ُ
وهم
ً
رض ي هللا عنه أن النبي ﷺ ملا بعث
ِ ِ
َ
ِإلي ِه أن يعرفوا هللا فإن هم عرفوا هللا ،»....فهذا يدل أن بعض من روى الحديث من التابعين جعل معنى العلم
املعرفة ،وهم حجة في هذا املقام ،فيدل على أن الستعمال املعرفة بمعنى العلم ل بأس به.
هذا الباب معقود أللفاظ يكون الستعمالها من الشرك األصغر؛ ذلك أن فيها إضافة النعمة إلى غير هللا ،وهللا
للا﴾ ،74وهذا نص صريح في العموم بأن مجيء النكرة في لسياق النفي ّ َ َ َ َّ ََ ُ
جل وعا قال﴿ :وما ِبكم ِمن ِنعمة ف ِمن ِ
يدل على الظهور في العموم ،فإن ُلسبقت النكرة بـ(من) حرف جر الذي هو شبيه بالزائد فيكون العموم ً
نصا ِ
فيه ،والتنصيص في العموم بمعنى أنه ل َيخرج ش يء من أفراده ،فدلت الية على أنه ل يخرج ش يء من النعم أيا
ً جليا أو ًً ً صغيرا كان أو ً
ً
وضيعا -ل يكون إل من هللا جل وعا ،فكل النعم حقيرا عظيما كبيرا، كان ذلك الش يء -
صغرت أو عظمت هي من هللا جل وعا وحده ،وأما العباد فإنما هم ألسباب تأتي النعم على أيديهم ،يأتي أحدهم
لسببا في تعيينك ،أو ً
لسببا في نجاحك ،أو نحو لسببا في معالجتك ،أو ً
لسببا في إيصال النعمة إليك أو يكون ً
ويكون ً
ذلك ،ل يدل على أنه هوولي النعمة وهوالذي أنعم ،فإن ولي النعمة هوالرب جل وعا ،وهذا من كمال التوحيد،
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
97
ً َ
فإن القلب املوحد يعلم أنه ما ثم شيئا في هذا امللكوت إل وهللا جل وعا هو الذي يفتحه ،وهو الذي يغلق ما
َ ََ َ ََ َّ َ َ َّ ُ َّ
اس ِمن َّرح َمة فا ُمم ِس َك ل َها َو َما ُيم ِسك فا ُمر ِلس َل ل ُه ِمن َبع ِد ِه﴾.75
يشاء ،كما قال لسبحانه﴿ :ما يفت ِح للا ِللن ِ
فكل النعم من هللا جل وعا والعباد ألسباب في ذلك.
فالواجب -إذن -أن تنسب النعمة إلى املسدي ل إلى السبب؛ ألن السبب لو أراد هللا جل وعا ألبطل كونه ً
لسببا،
آدميا فقلبه بين أصبعين من أصابع هللا جل وعا ،لو شاء لصده عن أن يكون ً
لسببا أو أن وهذا السبب إذا كان ً
قال شيخ اللسام رحمه هللا تعالى( :ما من أحد تعلق بمخلوق إل وِخذل) ،ما من أحد تعلق بمخلوق في حصول
ّ
يعلق قلبه باهلل وأن
ش يء له أو اندفاع مكروه عنه إل ِخذل ،وهذا في غالب املسلمين ،فالواجب على املسلم أن ِ
يعلم أن النعم إنما هي من عند هللا ،وأن العباد ألسباب يسخرهم هللا جل جاله ،وهذا هو حقيقة التوحيد
ما حكم نسبة املال إلى النفس والباء بقول( :هذا مالي ،ورثته عن آبائي)؟
َ
هذا القول( :هذامالي ،ورثته عن آبائي) مناف لكمال التوحيد ،وهو نوع من أنواع الشرك؛ ألنه ن َسب هذا املال
إليه وإلى آبائه ،وفي الو اقع أن هذا املال أنعم هللا به على آبائه ،ثم أنعم هللا به على هذا املؤمن إذ جعل هللا
قسمة امليراث تصل إليه ،وهذا كله من فضل هللا جل وعا ومن نعمته ،والوالد لسبب في إيصال املال إليه ،ولهذا
في قسمة امليراث ل يجوز للوالد أو لصاحب املال أن يقسم امليراث على ما يريد هو؛ ألن املال في الحقيقة ليس
َ ُ َّ َّ َ ُ ُ ّ َّ ً
للا ال ِذي آتاكم﴾ ،76فهو مال هللا جل وعا يقسمه كيف يشاء، مال له ،كما قال جل وعا﴿ :و آتوهم ِمن م ِال ِ
"إن هللا قسم بينكم أِخاقكم كما قسم بينكم أرز اقكم".77
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
98
فالواجب على العبد أن يعلم أن ما وصله من املال أو وصله من النعمة عن طريق آبائه هو من فضل هللا جل
وعا ونعمته ،ووالده أو والدته أو قريبه لسبب من األلسباب ،فيحمد هللا جل وعا على هذه النعمة ،ويسأل هللا
جل وعا ذلك السبب ،ويقابل ذلك السبب بجزائه إما بدعاء وإما بغيره.
األلفاظ التي فيها تعليق حصول األمر بهذه الوالسطة ،و إنما حصل األمر بقضاء هللا وبقدره ،وبفضل هللا
هل ينطبق هذا املنع في الستعمال هذا اللفظ على النسان وغيره؟
جاء عن عون بن عبدهللا قوله( :يقولون :لول فان لم يكن كذا) إنما قال هنا( :فان) من جهة كثرة اللستعمال،
أما في الو اقع فإن الناس يستعملونها فيما يتعلقون به من الجمادات ك ـبيت أو بسيارة أو طيارة ،أو بقعة ،أو
مطر ،أو ماء ،أو سحاب ،أو هواء ،ونحو ذلك ،فنسبة النعمة إلى إنسان أو إلى بقعة أو إلى فعل فاعل أو إلى صنعة
أو إلى مخلوق كل ذلك من نسبة النعم إلى غيرهللا ،وهو نوع من أنواع الشرك في اللفظ ،وهو من الشرك األصغر
باهلل جل وعا.
هؤلء كانوا إذا حصلت لهم نعمة؛ أو جاءتهم أمطار ،أو مال،أو نجحوا في تجارتهم ،إذا حصل لهم ذلك تذكروا
ً
أنهم قد توجهوا لألولياء ،أو لألنبياء ،أو لألصنام ،أو لألوثان ،تذكروا أنهم قد توجهوا لهم وصرفوا لهم شيئا من
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
99
العبادة ،فقالوا( :اللهة شفعت لنا؛ فلذلك جاءنا هذا الخير) ،فيتذكرون آلهتهم وينسون أن املتفضل بذلك
هو هللا جل وعا ،وأن هللا لسبحانه ل يقبل شفاعة شركية من تلك الشفاعات التي يذكرونها.
قال أبو العباس بعد حديث زيد بن ِخالد( :وهذا كثير في الكتاب والسنة ،يذم لسبحانه من يضيف إنعامه إلى
ً َّ
غيره ،ويشرك به) ،قال بعض السلف( :هو كقولهم :كانت الريح طيبة واملاح حاذقا ،ونحو ذلك مما هو جار
وهذا باب ينبغي الهتمام به وتنبيه الناس عليه؛ ألن نعم هللا علينا -في هذه الباد؛ بل نعم هللا على أهل اليمان
في كل مكان -كثيرة ل حصرلها ،ولهذا الواجب أن تنسب النعم إلى هللا جل وعا وأن ُيذكربها وأن ُيشكر؛ ألن من
َ َ
درجات شكر النعمة أن تضاف إلى من ألسداها وهي أول الدرجات ﴿ َوأ َّما ِب ِنع َم ِة َرِّب َك ف َح ِّدث﴾ ،78أول درجات
التحديث بالنعمة أن تقول :هذا من فضل هللا ،هذه نعمة هللا ،فإذا التفت القلب إلى مخلوق فإنه يكون قد
َ ُ َ َ َ َ َ َ َ ُ َّ َ
لِل أ َند ًادا َو أنتم تعل ُمون﴾94؟
ما معنى التنديد في قوله تعالى﴿ :فا تجعلوا ِ ِ
التنديد معناه :أن تجعل غير هللا ًندا له ،فيكون التنديد في نسبة النعم إلى غير هللا ،ويكون التنديد في الحلف
بغير هللا ،ويكون التنديد في قول ما شاء هللا وشاء فان ،وغير ذلك من األلفاظ.
[ 78الضحى.]11:
[ 71البقرة.]11 :
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
111
ما أنواع التنديد؟ وما نوع التنديد الذي ألجله عقد هذا الباب؟
شرك أصغر هذا الباب فيه بيان أن التنديد يكون في األلفاظ ،والتنديد هنا املراد به التنديد األصغر الذي هو )
َ ُ َ َ َ َ ُ َّ َ
لِل أ َند ًادا َو أنتم
في األلفاظ ،وليس التنديد الكامل الذي هو :الشرك األكبر ،وقوله جل وعا﴿ :فا تجعلوا ِ ِ
أيضا اتخاذ األنداد في أنواع الشراك التي َتع َل ُمو َن﴾ ،هذا عام يشمل اتخاذ األنداد في الشرك األكبر ،ويشمل ً
َ
دون الشرك األكبر؛ ألن قوله (أ َند ًادا) هذا يعم جميع أنواع التنديد ،والتنديد منه ما هو مخرج من امللة ،ومنه
ولهذا لساق عن ابن عباس أنه قال( :األنداد هو الشرك ،أِخفى من دبيب النمل) فجعل مما يدِخل في هذه الية
األول ظاهروهو تبع للباب قبله؛ يعني كام ابن عباس على الية ،ثم قال في آِخره( :ل تجعل فيها فانا هذا كله به
شرك) أي :ل تقل لول هللا وفان ،قل "لول هللا لحصل كذا وكذا" ،هذا هو األكمل ،فالذي ينبغي في الستعمال
ً ُ
هذه األلفاظ أن تنسب إلى هللا .هذا من جهة الرشاد إلى ما ينبغي أن يقال ،فا تجعل مشيئة العبد مقارنة
ً
مشتركة مع مشيئة هللا ،فالواجب أن ينزه العبد لفظه حتى يعظم هللا جل وعا ،والقلب املعظم هلل جل وعا ل
ً
يمكن أن يستعمل لفظا فيه جعل ملخلوق في مرتبة هللا جل وعا في املشيئة أو في الحلف أو في الصفات ونحو
ذلك.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
111
الدرجة األولى :هي الكاملة ،وهي أن يقول( :لول هللا ملا حصل كذا).
الدرجة الثانية :وهي الجائزة ،وهي أن يقول( :لول هللا ثم فان ملا حصل كذا).
والثانية توحيد؛ بجعله مرتبة فان نازلة عن مرتبة إنعام هللا؛ ولكن هذا ليس هوالكمال ،ولهذا قال ابن عباس:
ً
(ل تجعل فيها فانا) ،ألن الكمال أن تقول( :لول هللا ألتانا اللصوص)( ،لول نعمة هللا ملا حصل كذا)( ،لول
وأما الذي ل يجوز والذي قال فيه ابن عباس( :كله به شرك) أن يقول( :لول هللا وفان) ،أو (ما شاء هللا وشاء
قول( :لول هللا وفان) بالواو ألن (الواو) تفيد التشريك بين املعطوف واملعطوف عليه دون تراخ في املرتبة،
) ُ
معلوم في هذا املبحث أما قول (لول هللا ثم فان) فإن (ث َّم) تفيد التراخي في املرتبة أو التراخي في الزمن ،وهذا
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
112
َّ
الواجب أن ل يؤكد الكام إل باهلل جل وعا؛ ألن املعظم على الحقيقة هو هللا جل وعا ،وأما البشر فليسوا
بمعظمين بحيث ُيحلف بهم ،و إنما ربما عظموا بش يء ينالسب ذاتهم ،تعظيم البشرالائق ،أما التعظيم الذي
يعبدون األوثان ويحلفون بأوثانهم فإنه شرك أكبر؛ ألنه يعظم ذلك الوثن أو ذلك القبر أو تلك البقعة أو ذلك
ً
املشهد أو ذلك الولي كتعظيم هللا في العبادة ،فيكون حلفه حلفا بمعظم به في العبادة.
ولكنه أِخطأ التعبير ،فالعبرة بما في النفس من املعاني ،وأما ما في اللفظ فإنه في هذا املقام يؤول إلى ما في
القلب.
-2من حلف بغيرهللا وكان يعبد هذا الذي حلف به فهو مشرك الشرك األكبر.
من حلف بغير هللا ولم يعقد القلب باليمين ،كمن يكون ً
دائما على لسانه الستعمال الحلف بالنبي أو -3
بالكعبة أو باألمانة أو بولي ونحو ذلك ،وهو ل يريد حقيقة اليمين ،و إنما يجري على لسانه مجرى في اللغو،
فهذا ً
أيضا شرك ألنه تعظيم لغير هللا جل وعا.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
113
ً ما مراد ابن مسعود رض ي هللا عنه من قوله( :ألن أحلف باهلل ً
كاذبا أحب ّ
إلي من أن أحلف بغيره صادقا)؟
ّ
هذا ألجل ِعظم الحلف بغيرهللا جل وعا ،وأن الحلف بغيرهللا شرك ،وأما الكذب فإنه كبيرة ،والشرك األصغر
أعظم من الكبائر ،فلهذا الستحب أن يكذب مع التوحيد ،وأن ل يصدق مع الشرك؛ ألن حسنة التوحيد أعظم
-الجهة الباطنة :وهي اللتجاء والعتصام والرغب والرهب و إقبال القلب على املستعاذ به ،فهذا ل تصلح إل
ّ
هلل ،،فقد جاء عن إبراهيم النخعي أنه يكره أن يقول( :أعوذ باهلل وبك)؛ ألن الواو تقتض ي التشريك في
اللستعاذة.
-الجهة الظاهرة :العتماد في اللستعاذة باملخلوق فيما أقدره هللا عليه هذا جائز ،قال( :ويجوز أن يقول باهلل ثم
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
114
ُ َ َ َ ُ
ومجيء الكراهة بمعنى التحريم في القرآن في قوله تعالى ملا ذكر الكبائر في لسورة اللسراء﴿ :كل ذ ِل َك كان َلس ِّيئ ُه
ً وها﴾ َ(مك ُر ً ى ُ َ َ َ َ
ان َلس ّي َئ ًة عن َد َرّب َك َمك ُر ً ند َرّب َك َمك ُر ً
َ
محرما التحريم وها) أي ِ ِ ِ وها﴾ ،83وفي القراءة األِخر ﴿ :كل ذ ِلك ك ِع ِ
الشديد.
ما الوجه الصحيح في قراءة السم املحدث (ابن ماجة) أم (ابن ماجه)؟
َ ً ً (ابن ماجه)َ :م َ
اجه أمه ،وآِخره هاء وصا ووقفا ،فا يقال( :رواه ابن ماجة بسند حسن) ،والصواب أن يقال:
(رواه ابن ماجه بسند حسن)؛ ألن الهاء هنا ليست ألجل السكون في التاء ،و إنما هي أصلية في السم أمه رحمه
ذكرفي الباب قبله (من حلف بغيرهللا) حكمه أنه مشرك ،فهذا فيه أنه يجب تعظيم الحلف باهلل ،وأن ل يحلف
ً
ً
تعظيما )
فواجب عليه الرضا املرء باهلل إل صادقا ،وأن ل يحلف بآبائه ،وأن ل يحلف بغيرهللا ،ومن ُحلف له باهلل
ً
وتعظيما لحق هللا جل وعا حتى ل يقع في قلبه الستهانة بالسم هللا األعظم وعدم اكتراث به أو بالكام للسم هللا
املؤكد به.
[ 83اإلسراء.]62:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
115
-1لفظ (لم يقنع) الستفاد منه كثير من الشراح بأن املراد بهذا الباب ما يكون عند ّ
توجه اليمين على أحد
َ
املتخاصمين ،فإنه إذا كان في الخصومة وتوجهت اليمين بالدعوى ،فإن الواجب على الِخر أن يقنع بما َحلف
عليه الِخر باهلل جل وعا ،فخصوا ما جاء من الدليل ،وِخصوا هذا الباب بمسألة الدعاوي :أي اليمين عند
القاض ي.
حسنه طائفة من أهل العلم ،كما ذكر الشيخ رحمه هللا، -2وقال بعض أهل العلم :إن الحديث عام ،والحديث َّ
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
116
صاحب الهوى قد يفهم الصواب ،فإذا فهم الصواب فإن الواجب أن ُيقبل منه؛ ألن املؤمن يجب عليه أن يقبل
ً
نصرانيا. الحق ممن جاء به ولو كان ً
يهوديا أو
َ َُ ُ َ ََ َ ُّ ُ ُ َ َُ ُ
ولو َنَ :ما َش َاء ّ ُ ََ ّ َّ َ
للا َو ِشئت َوتقولون: ود ًيا أتى الن ِب َّي ﷺ فقال :إنكم تش ِركون ،تق جاء في حديث قتيلة( :أن ي ُه ِ
َ ُ َ َ َ ُّ ُ َ َ ُ َ ُ ُ َ َ َ ّ ََ َ
للا ث ّم ِشئت) رواه َوالكع َب ِة ،فأ َم َر ُه ُم الن ِب ّي ﷺ إذا أ َر ُادوا أن َيح ِلفوا أن َيقولوا َو َرب الكع َب ِةَ ،وأن يقولوا ما شاء
النسائي وصححه.
فيه من الفوائد ما قاله الشيخ رحمه هللا في مسائل الباب قال فيه( :فهم النسان إذا كان له هوى) .فهؤلء
اليهود هم أهل الشرك يقولون عزيرابن هللا ويشركون باهلل جل وعا؛ لكنهم مع كونهم مشركين نقموا على أهل
اللسام أنهم يشركون ،وهذا ألجل الطعن فيهم ،فالهوى وطلب تنقص أهل اللسام والنقد عليهم ،أو مخاطبتهم
ُّ ً
قصدا لهم ،ولهذا فهموا من أين يدِخلون ،فأهل اللسام أهل التوحيد قالوا لهم (إنكم بما يسوؤهم هذا كان
ُ ُ َ
تش ِركون) وهم أهل الشرك ،فهذا اليهودي -أو النصارى كما لسيأتي -هؤلء توجهوا إلى املؤمنين بالقدح فيهم
َ َ
بالشرك ،ولم يمنع النبي ﷺ من قبول الحق الذي قالوه أنهم يهود؛ بل ق ِبل ما جاء به ذلك اليهودي ،فأوصاهم
وهذا فيه أن الحق هو ضالة املؤمن أين وجده أِخذه ،فا يمنعه من قبول الحق أن قاله مشرك أو قاله كافر ،أو
ً
قاله فالسق ،أو قاله مبتدع ،أو قاله ضال ،إذا كان الكام في نفسه حقا؛ ألنه كما قال النبي عليه الصاة
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
117
واجهه بذلك فالواجب عليه أن يتجرد للحق ،وأن ل يرد الحق ألجل أن من أتى به صاحب باطل.
لبن ماجه عن الطفيل -أخي عائشة ألمها -قال( :رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود ،قلت :إنكم ألنتم القوم
لول أنكم تقولون عزيرابن هللا ،قالوا :و إنكم ألنتم القوم لول أنكم تقولون ما شاء هللا وشاء محمد).
في تاريخ اللسام ،وحصلت الشبهات ،وقويت بعض الضالت بسبب أن من ُوو ِج َه بحق وكان الذي واجهه بذلك
صاحب باطل أنه ّرد عليه الحق ولم يقبله ،ثم صاريوجه األدلة في إبطال ذلك الحق ،وهذا كما فعله طائفة من
أهل البدع.
والواجب ً
أيضا أن ل ترد البدعة ببدعة ،و إنما ترد البدعة بحق ،وإذا جهل املرء كيف يرد البدعة بحق فليصبر
حتى يتعلم ،أويسأل أهل العلم ،وليس من الواجب عليك أن ترد مباشرة؛ بل إذا ُوو ِجهت بحق ولو كان من أضل
ُ َّ
الضال فاق َبل ،فإبليس -الشيطان -ق ِبل منه بعض الحق الذي جاء به وأرشد إليه أبا هريرة ،وهؤلء اليهود
ً
والنصارى في هذين الحديثين قبلنا منهما حقا أرشدونا إليه في أعظم املسائل وأجل املطالب وهو توحيد هللا جل
جاله.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
118
هل ُيعد قول القائل (ما شاء هللا وشئت) ،وألفاظ التشريك في املشيئة ،من الشرك األصغرأم األكبر؟
هذه املسائل ليست من الشرك األكبربل من األصغرّ ،
دل عليه قوله ﷺ( :قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن
ولبن ماجه عن الطفيل -أخي عائشة ألمها -قال( :رأيت كأني أتيت على نفرمن اليهود ،قلت :إنكم ألنتم القوم
لول أنكم تقولون :عزيرابن هللا ،قالوا :و أنتم ألنتم القوم لول أنكم تقولون :ما شاء هللا وشاء محمد ،ثم مررت
بنفرمن النصارى ،فقلت :إنكم ألنتم القوم لول أنكم تقولون :املسيح ابن هللا ،قالوا :و إنكم ألنتم القوم لول
أنكم تقولون :ما شاء هللا وشاء محمد) ،فلما أصبحت أِخبرت بها من أِخبرت ،ثم أتيت النبي ﷺ فأِخبرته ،قال :
ً «هل أِخبرت بها ً
أحدا؟» .قلت نعم ،قال :فحمد هللا ،و أثنى عليه ،ثم قال( :أما بعد ،فإن طفيا رأى رؤيا أِخبر
بها من أِخبرمنكم ،و إنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها ،فا تقولوا :ما شاء هللا وشاء محمد،
النهي عن الشرك في األلفاظ أتى بالتدريج في تاريخ بعثة النبي ﷺ وتبليغه أمته باألوامروالنواهي ،فكان (الحلف
بالباء) وقول( :ما شاء هللا وشئت) ً
جائزا ،ثم نهاهم عليه الصاة والسام عن ذلك ،ألن شرك األلفاظ فقد
تكون املصلحة وفقه الدعوة وفقه ترتيب األهم واملهم وتقديم األهم على املهم أن يؤِخر بعضه لتتم املصلحة
العظمى.
أما الشرك األكبرفقد نفاه من أول الرلسالة ،ولهذا قال املصنف في مسائل كتاب التوحيد :فيه أن الشرك فيه
أكبر وأصغر لقوله (كان يمنعني كذا وكذا) ،فا يجوز أن يؤِخر إنكار الشرك األكبر أو أن يمنع عنه مانع ،ألنه ل
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
119
ما هو الدهر؟
ُ
السنون ،والعقود ،هذا هو الدهر.
الدهرهو الزمان؛ واليوم ،والليلة ،واأللسابيع ،واألشهر،و ِ
كيف يكون لسب َّ
الدهر؟
السب في أصله التنقص أو الشتم ،فيكون بتنقص الدهر ،أو يكون بلعنه ،أو بشتمه ،أو بنسبة النقائص إليه،
السنين ل تأتي بش يء ،و إنما الذي يفعل هو هللا جل وعا في هذه األزمنة ،وهللا جل وعا هو الذي يقلب الليل
لسبا ملن تصرف فيها وهو هللا جل جاله .قال املصنف( :من لسب الدهرفقد آذى هللا)، لسبها ً والنهار؛ ولهذا صار ّ
ََ ولفظ (آذى هللا) كما جاء في حديث أبي هريرة رض ي هللا عنه( :قال ّ ُ
للا تعالىُ :يؤذيني اب ُن َآد َمَ ،ي ُس ّب ّ
الده َرَ ،و أنا ِ ِ
ّ ُ ُ َّ ُ ّ
اللي َل َو ّ
الن َه َار) ففيه رعاية للفظ الدهر ،أقلب
منالسبة هذا الباب لكتاب التوحيد ظاهرة ،وهو أن لسب الدهرمن األلفاظ التي ل تجوز ،والتخلص منها واجب،
والستعمالها مناف لكمال التوحيد ،وهذا يحصل من الجهلة ً
كثيرا ،فإنه إذا حصل لهم في زمان ش يء ل يسرهم
لسبوا ذلك الزمان ،ولعنوا ذلك اليوم أو لعنوا تلك السنة أو لعنوا ذلك الشهر ونحو ذلك من األلفاظ الوبيلة،
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
111
أو شتموا الزمان وهذا با شك ل يتوجه إلى الزمن؛ ألن الزمن ش يء ل َيفعل ،و إنما ُيفعل فيه ،وهذا أذية هلل جل
لسب الدهر محرم وهو درجات ،أعاها لعن الدهر؛ ألن توجه اللعن إلى الدهرأعظم أنواع املسبة ،وأشد أنواع
اليذاء ،فيسب الدهرألجل أنه فعل به ما يسوؤه فينسب الفعل إليه فهذا هو الذي يكون أذية هلل جل وعا.
وصف السنين بالشدة ،ووصف اليوم بالسواد ،ووصف األشهر بالنحس ونحو ذلك ،ليس من مسبة الدهر؛
مقيد ،وقد جاء في القرآن في نحو قوله جل وعا﴿ :في َأ َّيام َنح َسات ل ُنذ َيق ُهم َع َذ َ
اب ال ِخز ِي﴾ ،84فوصف ألن هذا ّ
ِ ِ ِ ِ
هللا األيام بالنحس؛ ألنه جرى عليهم فيها ما فيه نحس عليهم.
َ َ
ونحو ذلك قوله جل وعاِ ﴿ :في َيو ِم نحس ُمست ِم ّر﴾.85
أو يقول (يوم ألسود) أو (لسنة لسوداء) ،هذا ليس من لسب الدهر ألن املقصود بهذا الوصف ما حصل فيها كان
نسبة األشياء إلى الدهرمن ِخصال املشركين أعداء التوحيد ،فنفهم منه أن ِخصلة املوحدين أن ينسبوا األشياء
إلى هللا جل وعا ول ينسبوا الهاك إلى الدهر؛ بل هللا جل وعا هو الذي يحيي ويميت.
جاء في الصحيح عن أبي هريرة رض ي هللا عنه عن النبي ﷺ قال« :قال ّ ُ
للا تعالىُ :يؤ ِذ ِيني اب ُن َآد َمَ ،ي ُس ّب
الده َرَ ،فإ ّن ّ َ
للا ُه َو ّ الن َه َار» .وفي ايةَ « :ل َت ُس ّبوا ّ ّ َ َ ََ ّ ُ ُ َّ ُ ّ
اللي َل َو ّ
الده ُر» ،فهل الدهر السم ِ رو الدهر ،و أنا الدهر ،أقلب
[ 84فصلت.]16:
[ 81القمر.]14:
[ 86الجاثية.]19:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
111
و إنما الذي يفعل هذه األشياء هللا مالك امللك املتفرد بامللكوت وتدبيراألمرالذي يجيرول يجارعليه ،إذن فقوله
الده ُر) فيه نفي نسبة األشياء إلى الدهر ،وأن هذه األشياء تنسب إلى هللا جل وعا ،فيرجع مسبة الدهر( َ َأ َنا ّ
و
إلى مسبة هللا جل وعا؛ ألن الدهرل ملك له ،وهللا هو الفاعل.
ُ َّ ُ ّ
اللي َل َو ّ
الن َه َار) والليل والنهارهما الدهر ،فاهلل جل وعا هو الذي يقلبهما ،فليس لهما من األمرش يء. قال( :أقلب
التسمي باأللسماء التي معناها إنما هو هلل جل جاله ،وأن التوحيد يقتض ي أن ل ُيوصف بها إل هللا ،وأن ل يسمى
بها إل هللا ،فتسمية غير هللا بتلك األلسماء ل تجوز ومحرم ،بل هي أِخنع األلسماء وأوضع تلك األلسماء و أبغض
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
112
ّ
بالتسمي بتلك األلقاب؟ من هم الذين يلحقهم الوعيد
ِ
َّ
الت ّ
سمي بتلك األلقاب :من لسمى نفسه .ومن لسماه غيره به فرض ي.
ِ يشمل
يرض فإنه ل يدِخل في الذم؛ لعدم الرضا .ولكن يلحق الوعيد املُ ّ
سمي ومن رض ي أما من لسماه غيره به فلم َ
ِ
بذلك اللسم.
القضاة كثيرون ،وقاض ي القضاة هو الذي يقض ي بين القضاة ،تقول (قاض ي املسلمين) أي الذي يقض ي بين
)
املسلمين( ،قاض ي الرياض) أي الذي يقض ي في الخصومات التي بين أهل الرياض ،فـ(قاض ي القضاة) لفظ
حقيقة معناه :الذي يقض ي بين القضاة ،وهذا إنما هو هلل جل جاله ،فهو الذي يقض ي بين العباد :بين القضاة
ما املعنى الذي كان يقصده الناس عند إطاق لقب (قاض ي القضاة) في القرن الرابع الهجري؟
الذين أطلقوا هذه التسمية على كبير القضاة أو على كبير العلماء ل يعنون بها آنذاك أنه يقض ي بين القضاة،
و إنما يعنون بها أنه وصل إلى مرتبة في القضاء أو في العلم أعلى من درجة القاض ي ،فصار قاض ي القضاة ،كما
شاع في الزمن املتأِخر في الدولة العثمانية أنهم يسمون املفتي (شيخ اللسام) ،ووكيل املفتي (وكيل شيخ
اللسام) تسمية ِخاصة ،وهذا انتشرت في باد املسلمين التسمية بقاض ي القضاة ونحوه من نحو القرن الرابع
هذا اللفظ فيه تسمية البشر بما يختص باهلل ،فإن الذي يملك األماك هو هللا جل وعا ،واألماك والسعة،
ً
و إنما يطلق على البشر أنه مالك للش يء املعين ،وليس مالكا لكل ش يء ،فالذي يملك كل ش يء هو هللا وحده،
ُ
والبشر يملكون بالضافة بعض األشياء ،وكذلك امللك بالضم وهو نفاذ األمر والسيطرة ،فإنه يكون في بعض
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
113
ً
األرض وليس في كل األرض ،فالذي يملك يقال عنه ملك أو مالك إذا كان يملك ِملكا ،أو ملك إذا كان يملك ُملكا
بمعنى نفاذ األمروكان يضاف إلى بقعته ،فيقال ملك اململكة العربية السعودية ،ملك األردن ونحو ذلك.
ما هي ِخطورة الرضا بتسمية مثل هذه األلسماء على عقيدة املوحد؟ مع الدليل.
َ َ
الطاق العام (ملك األماك ،أو ش َاهان شاه) إنما هو هلل جل وعا ،فإن األماك منها ما هو على األرض ومنها
غير ذلك ،فالتوحيد يوجب أن ل يتسمى بذلك أحد ،وأن ل ُيرض ى بتسمية أحد بذلك ،حتى لو وجدته في بعض
ً
الكتب فا تنقله كما وجدته ،قد يغلط بعض الباحثين وبعض طلبة العلم فينقل قول عن بعض أهل العلم
املتقدمين ممن يتجوزون في مثل هذه األلفاظ ،وفيه[ :وقال قاض ي القضاة كذا ،وكان قاض ي القضاة كذا] ول
ً
تعظيما هلل جل وعا ،وأمانة النقل التي يدعون هي في مرتبة دون توحيد هللا جل وعا يغيره ،والواجب أن يغيره
بكثير ،فالواجب تغيير ذلك وهذا من توحيد هللا ،وتغيير اشتراك الخلق مع هللا جل وعا في حقه فيما يزعمه
البعض ،فإذن الواجب على العبد أن ل يجعل هذه التسمية جارية على لسانه ،ول أن يرض ى بها.
َ َ َ ّ ُ َ َ ّ َ َ َ ّ َ َ َ َ ُ َ َ ّ
اك) (أِخنع) أي: وفي الصحيح عن أ ِبي ه َري َرة ع ِن الن ِبي ﷺ قالِ ( :إن أِخنع السم ِعند ِ
للا َرج )ل تسم َى م ِلك األم ِ
ُ للا) وهذا حصراملُلك أو ا ِمللك إنما هو هلل وحدهَ .ق َ
ال ُلسف َيان: أوضع وأحقر أبعد األلسماء عند هللا )ل َمال َك إ َّل ّ ُ
و
ِ ِ
َ ُ َ َ ُ ُ ََ ّ َ َ َ
للا َيو َم ال ِق َي َام ِةَ ،وأِخ َبث ُه) لسبب كونه أغيض رجل وأِخبث رجل
ِمث ُل شاهان شاه ،وفي رو اية( :أغيظ َرجل على ِ
ً
أنه جعل نفسه مماثا هلل جل وعا في الحق بهذه التسمية.
وم ِلك،هذا في قول عدد من محققي أهل اللغة. هناك فرق بين َمالك َ
ِ
َ
ً
مختصا به ،وهذا ر )
اجع إلى التصرف (ا ِمللك) بالكسر ،السم الفاعل منه(َ :م ِالك)َ ،مل َك الش َيء أي :اقتناه وصار
باألعيان.
(املُلك) بالضم ،فاللسم منه( :املَلك) وهو الذي ينفذ أمره ونهيه ،وهذا ر )
اجع إلى املعاني. ِ
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
114
هذا الباب فيه الرشاد إلى األدب الذي يجب أن يصدر من قلب املوحد ومن لسانه ،فإن املوحد متأدب مع هللا
ً
جل جاله ،ومتأدب مع ألسمائه ،متأدب مع صفاته ،متأدب مع دينه ،فا يهزل -مثا -بش يء فيه ذكرهللا ،ول ُيلقي
الكلمة عن هللا جل وعا هكذا دون أن يتدبر ما فيها ،وكذلك ل يسمي ً
أحدا بألسماء هللا وعليه أن يغير اللسم
واجبا :فألسماء هللا تعالى يجب احترامها بأن ل تمتهن. وقد يكون ً
ُُ َ َ وهذا راجع إلى تعظيم شعائرهللا ،قال لسبحانهَ ﴿ :و َمن ُي َع ّظم َش َعائ َر َ َّ َ
وب﴾ ،87وقال جلهللا ف ِإنها ِمن تقوى القل ِ
ِ ِ ِ
ند َرِّب ِه﴾ ،88قال أهل العلم :الشعائر جمع شعيرة وهي :كل ما أشعر وعاَ ﴿ :و َمن ُي َع ّظم ُح ُر َمات هللا َف ُه َو َِخي )ر َل ُه ع َ
ِ ِ ِ
[ 87الحج.]61:
[ 88الحج.]60:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
115
هللا بتعظيمه ،أي كل ما أعلم هللا بتعظيمه فهو شعيرة ،ومما أشعر هللا بتعظيمه ألسمائه جل وعا ،فيجب
احترامها وتعظيمها .لهذا يستدل أهل العلم على وجوب أن ل تمتهن ألسماء هللا املوجودة في الجرائد وفي األوراق،
وأن ل ترمى ول توضع في أمكنة قذرة ،يستدلون على وجوب احترام ما فيه السم من ألسماء هللا بهاتين اليتين
ما الحديث الوارد في وجوب تعظيم ألسماء هللا بتغييراللسم ألجل ذلك التعظيم؟
كنى َأبا ال َح َكم ،فقال له النبي ﷺ( :إ ّن هللا ُه َو ال َح َكم َوإ َلي ِه ال ُحك ُم)َ ،ق َ
ال:
ُ َ
ي كان أنه عنه، هللا ي رض ح ي
ر عن أبي ُش َ
ِ ِ
َ َ َ ََ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ َُ َ ََ ُ ّ َ
(:ما أح َس َن َهذا ،ف َما ل َك ِم َن ( ِإن قو ِمي ِإذا اِختلفوا في ش ي ِء أتو ِني ف َحكمت َبي َن ُهم ف َر ِض َي ِكا الف ِريقي ِن) ،فقال
َ َ َ َ ُ ُ قالَ ( :فمن َأك َب ُ ال َو َل ِد؟) .قلتُ ( :ش َري )ح َو ُمس ِل )م َو َعب ُد هللا)َ .
قال( :فأنت أ ُبو ش َري ِح) رواه أبو رهم؟) .قلت( :ش َري )ح)
داود وغيره.
أيهما أفصح ،أن يقال ُ(يكنى) أم َّ
(يكنى)؟
َ َ َ
لساق في هذا الحديث قوله (:أنه كان ُيكنى أبا ال َحكم)
َ
( ُيكنى) بالتخفيف هي الفصيحة ،ألنها هي التي كان عليها غالب اللستعمال فيما ذكره أهل اللغة ،تقول( :فان
َ َ
ُيكنى بكذا)ّ ،أما ( ُيك َّنى) بالتشديد فهذه ضعيفة وليست بجيدة.
غيرلئقة.
الح َكم) وهو بلوغ الغاية في ُ
الحكم ،وهذا فيما فيه فصل بين املتخاصمين راجع إلى من له الحكم وهو هللا -2وألن ( َ
جل جاله ،وأما البشرفإنهم ل يصلحون أن يكونوا ُح ّكاما أو أن يكون الواحد منهم ً
حكما على وجه اللستقال،
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
116
الستحسن النبي ﷺ تعليل هذا الرجل لتسميته بأبي الحكم لكنه رغم ذلك أمره بتغييركنيته ،ملاذا؟
ََ َ َ َ َ َ ُ َ َُ َ ََ ُ ّ َ
ذاك الرجل علل فقالِ ( :إن قو ِمي ِإذا اِختلفوا في ش ي ِء أتو ِني ف َحكمت َبي َن ُهم ف َر ِض َي ِكا الف ِريقي ِن) ،فقال النبي
َ َ
ﷺَ ( :ما أح َس َن َهذا) وهذا اللستحسان راجع إلى الصلح ل إلى الحكم؛ حيث أنه يصلح بينهم بحكم فيرض ى كا
ولو كان الحكم بينهم بالشرع لجاز إطاق الحكم على من يحكم بين املتخاصمين بالشرع ،أما إطاقه على
ما هي الحالة التي يجوز فيها إطاق السم (الحكم) على أحد البشر؟ مع ذكراألدلة.
(حكم)؛ ألنه حكم بحكم من له ُ
الحكم وهو هللا جل جاله ،فيسوغ من يحكم بما حكم به هللا هوالذي يقال عنه َ
ّ ً ) َ َ
منفذا ألحكام هللاإطاق ذلك ول بأس به ،فمن األدب أن ل يسمى أحد بالحكم أو الحاكم أو نحو ذلك إل إذا كان ِ
َ َ َ َ َ ُ َ َ ُ
جل جاله ،لهذا قال لسبحانه ﴿ َو ِإن ِِخفتم ِشقاق َبي ِن ِه َما فاب َعثوا َحك ًما ِمن أه ِل ِه َو َحك ًما ِمن أه ِل َها﴾ّ ،89لسمى
[ 81النساء.]65:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
117
ووصف هللا من يحكم بشرعه بأنه حاكم ،والذين يحكمون بأنهم حكام وهم القضاة ،قال جل وعا في لسورة
ُ َّ َ ُ َ َ َ َّ الح َّكام ل َتأ ُك ُلوا َفر ًيقا من َأم َ
البقرةَ ﴿ :و ُتد ُلوا ب َها إ َلى ُ
الحك ِام) وهو الث ِم َو أنتم تعل ُمون﴾ ، 90قال) :
اس ِب ِ
ِ الن ال
ِ و ِ ِ ِ ِ ِ ِ
جمع (الحاكم) لساغ إطاق ذلك؛ ألنه يحكم بالشرع.
أتبع هذا الباب بالذي قبله ألن األدب في هذا الباب أن ل يسمى أحد بش يء يختص هللا جل وعا به ،فتسمية
(ملك األماك) مشابهة لتسمية (أبا الحكم) ألن في كل منهما اشتراك في التسمية؛ لكن فيها اِختاف :أن (أبا
الحكم) ر )
اجع إلى ش يء يفعله هو ،وهو أنه يحكم فيرضون بحكمه ،و(ملك األماك) ادعاء ليس له ش يء ،ولهذا
هل يمكن أن يجتمع في القلب توحيد هللا مع اللستهزاء به؟ وملاذا كان اللستهزاء باهلل وبالرلسول ﷺ
وبالقرآن ً
كفرا؟
التوحيد الخالص في القلب ل يجتمع مع اللستهزاء باهلل جل وعا وبرلسوله وبالقرآن؛ ألن اللستهزاء معارضة،
والتوحيد مو افقة.
[ 10البقرة.]122:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
118
ونحوه.
يذكرهذه األشياء.
[ 11األنبياء.]19:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
119
من الستهزأ بالدين يريد اللستهزاء باهلل وألسمائه وصفاته أوبآياته أوبرلسوله ﷺ -كما نصت الية ،-أوكان الستهزاؤه
كافرا ً
كفرا أكبر. يرجع إلى ذلك ،يكون ً
ً
من الستهزأ بالدين يريد دين املستهزأ به ،ول يريد دين اللسام أصا ،ول يرجع الستهزاؤه إلى هللا و آياته ورلسوله،
بل يريد اللستهزاء بتدين فان ،فهذا اللستهزاء محرم ،ول يكون ً
كفرا أكبر.
ً
مثال :يأتي أحد املسلمين ويستهزئ بهيئة أحد الناس التي يكون فيها التزام بالسنة ،فا يكون مستهزئا اللستهزاء
ً الذي يخرجه من امللة؛ ألن هذا اللستهزاء راجع إلى تدين هذا املرء وليس ً
راجعا إلى دين اللسام أصا.
) الرد عليهُ :ي َّ
عرف بأن هذه الهيئة لسنة عن النبي ﷺ ،فإذا علم أنها لسنة وأن النبي ﷺ فعلها ،و أقر بذلك ،ثم
الستهزأ والستنقص أو هزأ بالذي اتبع السنة مع علمه بأنها لسنة و إقراره بصحة كونها لسنة فهذا رجع إلى اللستهزاء
بالرلسول ﷺ.
[ 11التوبة.]66-65:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
121
هذا املستهزئ كافر .واملقصود بآيات هللا هي آيات هللا الشرعية" :القرآن".
ل ينفع املستهزئ بالدين اعتذاره بأنه كان في هزل ولعب؛ بل هو كافر؛ ألن تعظيم هللا جل وعا وتوحيده يوجب
عليه أل يستهزئ.
هذه الية نزلت في املنافقين ،وبعض أهل العلم قال :ليست في املنافقين ،وهذا ليس بصواب وذلك أللسباب،
/2أن السياق ِلسباقه ِولحاقه يدل على أن الضمائرفيها ترجع إلى املنافقين.
ُ ُُ ُ َ ) َُ َ َ َُ ُ َ َ ُ َ
ورة تن ِّب ُئ ُهم َبما في قل ِوب ِهم ق ِل قال جل وعا -قبل هذه الية في لسورة براءةَ ﴿ :-يحذ ُر املنا ِفقون أن تن َّـز َل َعلي ِهم لس
َ َ َ َ َ ُ َ َ ُ ُ َّ َّ َ ُ َّ َ ُ ُ َ َ َ َ الس َتهزُئوا إ َّن َ
وض َونل َع ُب﴾ ،فهذه ظاهرة في أن هللا ُمخ ِر )ج َما تحذ ُرون ( )64ول ِئن لسألتهم ليقولن ِإنما كنا نخ ِ ِ
ُ َ َ
لسباقها في املنافقين ،فالضميرفي قولهَ ﴿ :ول ِئن َلسأل َت ُهم﴾ يعني من ذكرقبل هذه الية.
َ ُ َ ُ َن َ ُ َ َ ُ
ات َب ُع ُ
ض ُهم ِمن َبعض َيأ ُم ُرون وكذلك ما بعدها من اليات في املنافقين في قوله جل وعا﴿ :املنا ِفقو واملنا ِفق
ُ َ ََ َ َ َ َ ُ ََ ُ َ َ
ضون أي ِد َي ُهم﴾ ،94واألدلة على ذلك كثيرة. ِباملنك ِروينهون ع ِن املعر ِ
وف ويق ِب
ً
)3أن أهل التوحيد ل يصدر منهم الستهزاء أصا ،ولو الستهزأ أحدهم لعلمنا أنه غير معظم هلل ،وأن توحيده قد
ً
ذهب أصا؛ ألن اللستهزاء يطرد التعظيم.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
121
أثناء هذا الكام فيه ذكرهللا ،أو فيه ذكرالقرآن ،أو فيه ذكربعض العلم ،وهذا مما ل يجوز ،وقد يدِخل أحدهم
ً ً
في قول النبي ﷺ (:وإن الرجل ليتكلم بالكلمة ل يلقي لها بال يهوي بها في النار لسبعين ِخريفا) .95نسأل هللا جل
(ثكلتك أمك يا معاذ ،وهل يكب الناس في النارعلى مناِخرهم -أو قال على وجوههم -إل حصائد ألسنتهم؟!).
ّ
ِخطرا ِم َّما يتساهل به أكثر الناس ،فاحذر ما تقول ِخاصة فيما يتعلق
فإنه أعظم الجوارح ً فاهلل هللا في اللسان
ّ
بالدين أو بالعلم أو بأولياء هللا أو بالعلماء أو بصحابة النبي ﷺ أو بالتابعين ،فإن هذا مورده ِخطير ،وهللا
املستعان ،وقد عظمت الفتنة ،والناجي من َّلس ُ
لمه هللا جل وعا.
َ ُ َ َ باب قول هللا تعالىَ ﴿ :و َلئن َأ َذق َن ُاه َ ح َم ًة ّم َّنا من َبعد َ
ض َّر َاء َم َّست ُه ل َيقول َّن َهذا ِلي َو َما ِ ِ ِ ر ِ
َ ُ َ ُ َ َ َ ُ َ ّ َ َّ َّ َ َ َ ُ َ َّ َ َ َ ً َ َ ُ
ين كف ُروا اعة قا ِئ َمة َول ِئن ر ِجعت ِإلى َرِّبي ِإ َّن ِلي ِعنده للحسنى فلنن ِبئن ال ِذ أظن الس
َ ََ َ ُ َ َ ُ َ َّ
ِب َما ع ِملوا ولن ِذيقن ُهم ّ ِمن عذاب غ ِليظ﴾[فصلت]50:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
122
عليها فتعزى إليه ،ويقول العبد هذا أنعم هللا علي به ،والكذب في هذه املسائل أو أن يتكلم املرء بكام ليس
ً
مو افقا للحقيقة ،أو هو مخالف ملا يعلمه من أن هللا جل وعا قد أنعم عليه بذلك ،هذا قد يؤديه إلى املهالك
على ماذا تدل عناية العبد بألفاظه وكلماته التي تتصل باهلل لسبحانه وتعالى؟
الواجب على العبد أن يتحرز في ألفاظه ِخاصة بما يتصل باهلل جل وعا أو بألسمائه وصفاته أوبأفعاله و إنعامه
ّ
أو بعدله وحكمته ،والتحرز في ذلك من كمال التوحيد؛ ألنه ل يصدر التحرز إل عن قلب معظم هللُ ،مج ّل هلل،
ّ
مخبت هلل؛ يعلم أن هللا جل جاله مط )لع عليه ،و أنه لسبحانه هو ولي الفضل ،وهو ولي النعام ،وهو الذي
ّ
يستحق أن ُي َج ّل فوق كل جليل ،وأن ُيحب فوق كل محبوب ،وأن ُيعظم فوق كل معظم.
ِلي﴾ ،96لتأكيد وجوب توقير هللا جل جاله وتعظيمه في األلفاظ ،ولتخليص القلب واللسان من ألفاظ
واعتقادات باطلة يظن املرء فيها أنه مستحق أشياء على هللا جل وعا.
ً ً والتوحيد هو أن يكون العبد ً
ِخاضعا بين يدي هللا ،يعلم أنه ل يستحق شيئا على هللا جل وعا و إنما هو ذليا
قال مجاهد رحمه هللا في تفسيرها( :هذا بعملي و أنا محقوق به).
[ 16فصلت.]50:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
123
ٰ َ
﴿ َهذا ِلي﴾ يعني :نسب النعمة إلى نفسه ،أو نسب الستحقاق النعمة إليه ،و أنه يستحق ذلك وأن هللا جل وعا
لم يتفضل عليه بهذا الش يء ،أو أنه َّ
تفضل عليه ألنه مستحق لهذا النعام ،مستحق للمال ،مستحق للجاه،
مستحق لرفعة القدر عند الناس ،فصار إليه ذلك الش يء؛ من املال والرفعة والسمعة الطيبة ألنه مستحق
ملاذا قد ينسب أحدهم النعمة إلى نفسه وأن هللا لم يتفضل بها عليه؟
كيف يمكن للعبد أن يتخلص من ذلك الخلل الذي قد يقدح في لسامة عقيدته؟
الواجب على العبد أن يعلم أنه فقير غير مستحق لش يء على هللا جل وعا ،و أنه هللا هو الرب املستحق على
ً
العبد أن يشكره وأن يذكره وأن ينسب النعم إليه ،وأما العبد فليس مستحقا في الدنيا لحق واجب على هللا جل
يكثربين الناس الستعمال مقولة( :هذا بعملي و أنا محقوق به) ،اذكرمثال و اقعي من حياتنا.
ً
هذا القول يكثرفي ألفاظ الناس ،كقول الطبيب مثا :شفاء املريض بسبب عملي ،أو نجاحي ،وتولي هذا األمر،
بسبب جهدي وتعبي ،ونحو ذلك من الكام مما يجعل إنعام هللا على العبد بسبب الستحقاقه ،أو ينس ى هللا جل
قال ابن عباس رض ي هللا عنهما( :يريد :من عندي) يقول من عندي أنا الذي أتيت بهذا املال ،أو بهذه النعمة،
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
124
ً
الثاني :من ينسب الش يء إلى هللا تعالى،لكنه يرى نفسه مستحقا لذلك الش يء على هللا جل وعا ،كما يحصل
من بعض املغرورين أنه إذا أطاع هللا و اتقاه وحصلت له نعمة يقول( :حصلت لي هذه النعمة من جراء
ُ
حالسبه هللا على الستحقاقي للنعمة ،فأنا العابد هلل جل وعا) ،ول يستحضر أن هللا جل وعا يرحم عباده ،ولو
ُ
عباداته وأعماله بشكر نعمة من النعم التي ألسداها هللا جل وعا له. عمله لم تقم
ما الدعاء الذي علمه النبي ﷺ ألبي بكرالصديق رض ي هللا عنه ،والذي فيه بيان فقرالعبد إلى ربه؟
علم النبي عليه الصاة والسام أبا بكرالصديق رض ي هللا عنه أن يقول في آِخرصاته(:اللهم إني ظلمت نفس ي
ً
ظلما ً
كثيرا ول يغفر الذنوب إل أنت فاغفر لي) ،فكيف بحال املساكين أمثالنا أو أمثال أكثر هذه األمة؟ كيف
ً
يظنون في أنفسهم أنهم يستحقون على هللا شيئا؟
ً ً
جميعا هلل ،وأن يشعر بأنه ل يستحق شيئا على هللا ،و إنما هللا هو فالواجب إذن على العبد أن ينسب النعم
املستحق للعبودية ،وهو املستحق للشكر ،وهو املستحق لإلجال ،والعبد فقيرمذنب مهما بلغ.
فإذن تمام التوحيد أن ُي ِج َّل العبد هللا ،وأن يعظمه تبارك وتعالى ،وأن ل يعتقد أنه مستحق للنعم أو إنما أوتيها
بجهده وجهاده وعمله وذهابه ومجيئه؛ بل هو فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم.
مؤثرا ،وكان ً
مؤثرا بإذن هللا جل وعا ،فرجع األمر إلى أنه فعل العبد لسبب وهذا السبب قد يتخلف وقد يكون ً
ِعن ِدي﴾49؟
[ 17القصص.]92:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
125
وهذا يحصل لكثير ممن أغناهم هللا جل وعا وصاروا في تجارة عظيمة ،ينسب الش يء إلى نفسه ،فيقول :أنا
ِخبير ،أنا أفهم ،أنا عندي علم بوجوه املكالسب ،ونحو ذلك ،وينس ى أن هللا جل وعا هو الذي تفضل ،ولو منع
ً
هللا السبب الذي فعله من التأثيرلم يصرشيئا ،فاهلل جل وعا هو الذي تفضل عليه ،وهو الذي وفقه وهو الذي
ّ ابتداء ،وهو املنعم ً
ً هداه للفكرة ،وهو الذي جعل السبب ً
ِختاما ،فالواجب أن يتخلص مؤثرا ،فاهلل هو املنعم
العبد من رؤية نفسه ،وأن يعلم أنه ل حول ول قوة إل باهلل فإنها كنزمن كنوز الجنة.
على ماذا يدل الحديث الطويل الذي رواه لنا أبو هريرة رض ي هللا عنه؟
َّ
الدللة منه ظاهرة :وهي أن هللا جل وعا عافى الرجال الثاثة؛ ولكنه ملا عافاهم نسب اثنان منهم النعمة إلى
أنفسهما ،والثالث نسبها إلى هللا َفجزى هللا األِخير ً
ِخيرا وأدام عليه النعمة ،وعاقب الرجلين ،وهذا فضل هللا
َ
ينعم ثم ُيثبت النعمة فيمن شاء ويصرفها عمن يشاء.
ومن ألسباب ثبات النعمة :أن يعظم العبد ربه ،وأن يعلم أن الفضل بيد هللا ،وأن النعمة هي نعمة هللا .وأن ل
ّ ) حول ول قوة إل باهلل ،ولو لسلبه هللا العناية منه َّ
هالك ومن الخالسرين ،فإن العبد جل وعا طرفة عين لكان
أحوج ما يكون إلى العتراف والعلم بألسماء هللا وبصفاته وبأثار ذلك في ملكوته ،بربوبيته جل وعا على ِخلقه،
وبعبادته حق عبادته.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
126
منالسبة هذا الباب لألبواب قبله أنه وتلك األبواب في معنى واحد ،وذلك املعنى أن شكرالنعمة هلل جل وعا فيما
ُ
أنعم به يقتض ي أن تنسب إليه جل وعا ،وأن ُيحمد عليها ُويثنى عليه بها ،وأن تستعمل في مراضيه جل وعا،
وأن ُيتحدث بنعمة هللا .وأن من َّ
عبد لغيرهللا جل وعا فإن هذا ينافي شكرالنعمة ،ولهذا أتبع الشيخ رحمه هللا
هذا الباب األبواب قبله ملا يشترك معها في هذا املعنى ،وأن الواجب على العبد أن يحقق التوحيد ،وأن ل ينسب
النعم لغيرهللا جل وعا ،فإن وقع منه ذلك فواجب عليه أن يبادربالتوبة وأن ل يقيم على ذلك.
الذي ين سب النعم إلى نفسه هذا لم يحقق التوحيد ،فإنه جمع بين ترك تعظيم هللا جل وعا وما بين ادعاء
ش يء ليس له.
كذلك الذي يعتقد في غيره أنه هو املنعم عليه ،كقول القائل :لول فان لم يكن كذا ،أو نحو تلك العبارات التي
َ ُ َ َ َ َّ ُ َ َ َ َ ُ َّ َ َ ً َ َ ُ َ َ ُ َ
للا ث َّم
لِل أندادا و أنتم تعلمون﴾ [البقرة ،]22:وفي قوله﴿ :يع ِرفون ِنعمت ِ
تدِخل في قوله تعالى﴿ :فا تجعلوا ِ ِ
َ ُ
نك ُرون َها﴾ [النحل ،]83:هذه وأمثالها راجعة إلى عدم شكرالنعمة ،ومن شكرالنعم أن هللا جل وعا. ي ِ
ً
معافا ثم َّ ً
عبد هذا الولد لغيرهللا عزوجل؟ لسليما ما حكم من إذا أنعم هللا عليه بولد وجعله
من عدم شكر النعمة تلك نسبتها إلى غير هللا ،وأن ُي ّ
عبد الولد لغير هللا جل وعا ،فإن هذا مضاد لاعتراف بأن
ِ
َ
الولد لولي أو لعبد صالح، املنعم بذلك الولد هو هللا جل جاله ،وقد يصل ذلك إلى حد الشرك األكبر إذا َع َّبد
وهو يعني حقيقة العبودية التي هي أن هذا عبد لذاك؛ ألن ذاك إله ،كمن يعبد لبعض املشايخ فيقول عبد
السيد ويعنون به :السيد البدوي ،ويقولون عبد زينب وعبد علي وعبد عمرو ،ونحو ذلك من األلسماء التي فيها
اعتقادات.
َ
﴿ف َل َّما َء َات ُاه َما َ
ص ِال ًحا﴾؟ إلى من يرجع الضميرفي قوله تعالى:
الضمير هنا يرجع إلى آدم وحواء ،والذي عليه عامة السلف أن القصة في آدم وحواء ،حتى قال الشارح الشيخ
لسليمان بن عبد هللا رحمه هللا( :إن نسبة ذلك إلى غير آدم وحواء هو من التفالسير املبتدعة) ،ولسياق الية ل
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
127
يقتض ي غيرذلك إل بأوجه من التكلف ،ولهذا المام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه هللا اعتمد هذا الذي
عليه عامة السلف ،ففسرهذه الية بأن املراد بها آدم وحواء.
أو يكون ً
معيبا فيموت ،فاهلل جل وعا رزقهما هذا الولد الصالح السليم في ِخلقته ،السليم في بنيته ،وكذلك
في ش يء ،فجعا هلل جل وعا شركاء فيما آتاهما؛ حيث لسميا ذلك الولد "عبد الحارث" ،والحارث هو إبليس،
فأِخذتهما شفقة الوالد على الولد وِخافا من أن يتسلط عليه الشيطان باملوت أو الهاك ،الذي هدد بأن يشق
بطن األم فتموت ويموت ً
أيضا الولد ،فلما رأت حواء ذلك وأنها قد مات لها عدة بطون فأطاعا الشيطان في
ذلك ،فصارت الشركة (شركة في الطاعة) ،وذلك ِخاف شكر تلك النعمة؛ ألن من شكر نعمة الولد أن َّ
يعبد
َّ
وتفضل به. الولد هلل الذي أنعم به وأعطاه
وهذه القصة صحيحة ،و آثارالسلف الكثيرة ولسياق اليات في آِخرلسورة األعراف يدل عليها.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
128
عن ابن عباس رض ي هللا عنهما قال( :ملا تغشاها آدم ،حملت ،فأتاهما إبليس ،فقال" :إني صاحبكما الذي
َ
أِخرجتكما من الجنة ،لتطيعاني أو ألجعلن له قرني ِّأيل ،فيخرج من بطنه ،فيشقه ،وألفعلن وألفعلن -يخوفهما-
ً ً
لسمياه عبد الحارث" ،فأبيا أن يطيعاه ،فخرج ميتا ،ثم حملت ،فقال مثل قوله ،فأبيا أن يطيعاه ،فخرج ميتا،
ثم حملت فأتاهما ،فذكرلهما ،فأدركهما حب الولد ،فسمياه عبد الحارث ،فذلك قولهَ ﴿ :ج َع َا َل ُه ُش َر َك َاء ف َ
يما ِ
َ
َءات ُاه َما﴾.100)99
هل وقع آدم وحواء عليهما السام في طاعة الشيطان قبل هذه املرة؟
آدم وحواء عليهما السام قد أطاعا الشيطان من قبل حيث أمرهما بأن يأكا من الشجرة التي نهاهما هللا جل
وعا عنها ،كما جاء في الحديث أن النبي ﷺ قالِ« :خدعهما مرتين» 101وهذا هو املعروف عند السلف.
ملاذا أطلق هللا تعالى لفظ الشرك في قوله( :شركاء) على ما قام به آدم وحواء؟
َّ
قوله (شركاء فيما َءاتاهما) هنا املعنى :التشريك في الطاعة.
َ
ومعلوم أن كل عاص مطيع للشيطان ،وكل معصية ل تصدر من العبد إل وثم نوع تشريك حصل في الطاعة،
ألنه إما أن يطيع هواه وإما أن يطيع الشيطان ،ولهذا قال شيخ اللسام وغيره من املحققين( :إنه ما من معصية
يعص ي بها العبد ربه إل ولسببها طاعة الشيطان ،أو طاعة الهوى ،وذلك نوع تشريك).
على األنبياء ول تقدح في كمالهم؛ ألنهم ل يستقيمون عليها ،بل يسرعون وينيبون إلى هللا جل وعا ،ويكون حالهم
[ 11األعراف.]140:
100رواه ابن أبي حاتم.
101انظر تفسير القرطبي .338/7
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
129
بعد ما وقع منهم ذلك أعظم من حالهم قبل وقوعه؛ ألنه يكون لهم مقامات إيمانية واعتراف بالعبودية أعظم،
وِخضوع بين يدي هللا جل وعا أعظم ،ومعرفة في تحقيق ما يجب هلل جل وعا وما يستحب أعظم.
ما هوالرد على الشكال الذي أورده بعض أهل التفسيرمن املتأِخرين في أن آدم وحواء جعا هلل شركاء؟
ً ً
هذا نص الية ول يمنع؛ ألن التشريك هنا تشريك فيما يدل عليه املعنى اللغوي ليس شركا أصغر ،وليس شركا
َََ َ َ ُ ُ َ َّ َ َ َ َ َ َ
أعظم من ذلك ،و إنما هو تشريك في الطاعة ،كما قال جل وعا﴿ :أ َرأيت َم ِن اتخذ ِإل َه ُه َه َو ُاه أفأنت تكون َعلي ِه
َ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ ُ َ َ ُ َ َ َ َّ ُ ُ َ ً
هللا َعلى ِعلم﴾ ، 103فكل من جعل هواه َو ِكيا﴾ ،102وقال في آية أِخرى﴿ :أفر أيت م ِن اتخذ ِإلهه هواه وأضله
َّ متبعا فقد جعله ُم ً َّ
طاعا ،وهذا نوع تأليه؛ لكن ل يقال أنه عبد غيرهللا ،أو أله غيرهللا ،أو أشرك باهلل جل وعا؛
لكن هو نوع تشريك ،فكل طاعة للشيطان أو للهوى فيها هذا النوع من التشريك ،إذ الواجب على العبد أن
هل ذنبهما في التسمية بـ(عبد الحارث) أعظم من ذنب األكل من الشجرة؟ وملاذا؟
ظاهرأن هذه القصة ل تقتض ي ً
نقصا في مقام آدم عليه السام ول في مقام حواء؛ بل هو ذنب من الذنوب تابا
أكلهما من الشجرة ومخالفة أمر هللا جل وعا أعظم من هذا الذي حصل منهما هنا وهو تسمية الولد عبد
الحارث ،وذلك أن هللا ِخاطبه ونهاه عن أكل هذه الشجرة ،وهذا ِخطاب متوجه إلى آدم بنفسه .وأما هذه
التسمية فإنه لم ُي َ
نه عنها مباشرة ،و إنما يفهم النهي عنها من وجوب حق هللا جل وعا ،فذاك املقام زاد على
وهذا أمر معروف عند أهل العلم ولهذا فسر قتادة رحمه هللا كلمة (شركاء) بقوله( :شركاء في طاعته ،ولم يكن
[ 101الفرقان.]96:
[ 103الجاثية.]16:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
131
(قال ابن حزم :اتفقوا على تحريم كل السم معبد لغير هللا ،كعبد عمرو ،وعبد الكعبة ،وما أشبه ذلك ،حاشا
عبد املطلب) يعني أجمع أهل العلم أن التعبيد لغيرهللا محرم؛ ألن فيه إضافة النعم لغيرهللا وفيه إلساءة أدب
ً
أيضا فيه اهتضام أو نوع مع الربوبية واللهية فإن تعبيد الناس لغير هللا جل وعا هذا غلط من جهة املعنى ،و
ً
جميعا. اهتضام ملقام الربوبية ،فلذلك َح ُرم في هذه الشريعة هذه التسمية ،بل وفي شرائع األنبياء
لم ُيجمع العلماء عليه ،فإن من أهل العلم من قال :تكره التسمية بعبد املطلب ول تحرم.
الرد على هذا القول :هذا القول ليس بصحيح ،وما الستدلوا به ليس بوجيه ،وذلك أن قول النبي ﷺ( :أنا ابن
عبد املطلب) إِخبار ،والِخبارليس فيه تعبيرمباشربإضافة ذلك املخلوق إلى غيرِخالقه ،وباب الِخبارأولسع من
وأما تسمية بعض الصحابة رض ي هللا عنهم بـ(عبد املطلب) ،فاملحققون من الرواة يقولون :إن من ُلسمي بعبد
املطلب ،صحة السمه (املطلب) بدون التعبيد ،ولكن نقل لـ(عبد املطلب) ألنه شاع التسمية به دون (املطلب)
فوقع ِخطأ في ذلك ،وبحث هذه املسائل يطول ومحله كتب الحديث وكتب الرجال.
وقال بعده( :وعن ابن عباس رض ي هللا عنهما في معنى الية ،قال :ملا تغشاها آدم ،حملت ،فأتاهما إبليس فقال:
َ ََ َ ُ ُ ََ َ َ َ
يما َءات ُاه َما﴾ [األعراف ،]190:قال رواه إني صاحبكما) إلى آِخر القصة ،قال( :فذلك قوله﴿ :جعا له شركاء ِف
ابن أبي حاتم ،وله بسند صحيح عن قتادة ،قال :شركاء في طاعته ،ولم يكن في عبادته) وهذا دليل على التفريق
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
131
الشرك في العبادة :كفر أكبر مخرج من امللة .الشرك في الطاعة :له درجات يبدأ من املعصية واملحرم وينتهي
بالشرك األكبر ،وقد فرق أهل العلم بين شرك الطاعة وشرك العبادة ،مع أن العبادة مستلزمة للطاعة،
أيضا للعبادة ،لكن ليس في كل درجاتها.وقد جاء بسند صحيح عن قتادة قال( :شركاء في والطاعة مستلزمة ً
َ َ َ ُ َ
﴿ج َعا ل ُه ش َرك َاء﴾. طاعته ،ولم يكن في عبادته) في تفسيرقوله تعالى:
وهللا جل وعا له األلسماء الحسنى البالغة في الحسن نهايته ،وهي األلسماء املشتملة على صفات الكمال والجال
والجمال والقدرة والعزة والجبروت وغير ذلك ،وله من كل السم مشتمل على صفة أعلى وأعظم الصفة واملعنى
الخلق يتسمون بألسماء قد ل تكون حسنة ،أو قد تكون حسنة ولكن ليست بالغة في الحسن نهايته؛ ألن ال ُحسن
ً ّ
في األلسماء يكون راج ًعا إلى أن الصفة التي اشتمل عليها ذلك اللسم توجد حقا فيمن تسمى بها ،ويكون قد بلغ
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
132
ً
صالحا والنسان لو تسمى بالسم فيه معنى فإنه ل ُينظر فيه إلى أن املعنى قد اشتملت عليه ِخصاله ،فيسمى
ً
محمدا وقد ل يكون كثيرِخصال الحمد ،وهكذا ِخالدا وقد ل يكون ً
ِخالدا ،ويسمى صالحا ،ويسمى ً
ً وقد ل يكون
هل يمكن لنا إدراك مدى الحسن الذي تبلغه ألسماء هللا تعالى؟
قال عليه الصاة والسام في دعائه« :ل نحص ي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك».
َ
العلماء حين يفسرون ألسماء هللا جل وعا فإنهم يفسرونها بما ُيق ِّرب إلى األفهام أصل املعنى ،أما حقيقة املعنى
على كماله فإنهم ل يعونه ،وكذلك الكيفية ل يعونها؛؛ ألن ذلك من الغيب ل يعلمه أحد إل هللا جل جاله.
من ألسماء هللا املتكلم( .الصانع) :قد يصنع ِخ ًيرا وقد يصنع غير ذلك ،وهللا جل وعا ليس من ألسمائه الحسنى
(الصانع) لشتماله على هذا وهذا ،فإذا أطلق من جهة الخبرفيعني به ما يقيد باملعنى الذي فيه كمال.
مجبرعليها ،والكمال فعال) :فإن الفعال قد يفعل أشياء ل تو افق الحكمة ،وقد يفعل أشياء ل يريدها؛ بل ) (ال ّ
َ َّ ) َ
ال ِمل ـا ُي ِري ُد﴾ (،)104 أن يفعل ما يريد ول يكون ً
مجبرا لكمال عزته وقهره ،ولهذا قال هللا جل وعا عن نفسه﴿ :فع
ً
ألن تقييد كونه فعال ملا يريد ،هذا هو الكمال.
( )104الربوج.11:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
133
ألسماء الجمال :وألسماء الجمال هلل جل جاله هي األلسماء املشتملة على ُحسن في الذات ،أو ُحسن في املعنىِ ،وب ّر
مثل السم هللا "الجميل" و"البر" و"الرحيم" و"الودود" و"املحسن" وما أشبه ذلك.
ألسماء الجال :هي التي فيها ما يدل العباد على جال هللا ،وهو عظمته وعزته جل وعا وجاله حتى ُي َج ّل.
)2أن يسأل هللا جل وعا بألسمائه وصفاته بما يو افق مطلوبه؛ ألن األلسماء والصفات نتعبد هلل جل وعا بها
)3أن ينظر إلى آثار ألسماء هللا وصفاته في امللكوت ،فإذا نظر إلى آثار ها وتأمل ذلك علم أن كل ش يء ما ِخا هللا
باطل ،وأن الحقيقة أن الحق الثابت الازم هوهللا جل وعا ،وأما ما لسوى هللا فهوباطل وز ائل و آيل إلى الهاك،
َّ ُ َ
﴿كل ش يء َه ِال )ك ِإل َوج َه ُه﴾.105
[ 101القصص.]22:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
134
َ َّ
ما نوع الام في قوله تعالى( :وِ ِ
لِل)؟ وما دللتها؟
َ َ َ َّ َ
مستحقة لِل األلس َم ُاء ال ُحسنى) الام هنا لم اللستحقاق؛ يعني األلسماء الحسنى البالغة في الحسن نهايته،
(و ِ ِ
هلل جل وعا ،وهللا مستحق ذلك.
بماذا أمرنا هللا بما يخص ألسماءه الحسنى؟ قالَ ( :فاد ُع ُ
وه ِب َها) يعني إذا علمتم أن هللا هو املستحق
َ
(فاد ُع ُ
وه ِب َها)؟ ما معنى الدعاء في قوله تعالى:
التفسير األول :الثناء والعبادة.فإننا ندعو هللا بها ،أي :نحمده ونثني عليه بها ،فنعبده متولسلين إليه باأللسماء
التفسير الثاني :السؤال والطلب .فإذا كان لنا مطلوب نتوجه إلى هللا فنسأله بتلك األلسماء بما يو افق ذلك
املطلوب ،فإذا لسألنا هللا املغفرة نأتي بصفات الجمال ،وإذا لسألنا هللا النصرة نأتي بصفات الجال ،وهكذا
فيما ينالسب ،وهناك تفصيات ً
أيضا لهذا األمر.
ما نوع الباء في قولهِ ( :ب َها)؟ هي باء الولسيلة ،يعني :ادعوه متولسلين بها.
َ َ َّ ََ
﴿وذ ُروا ال ِذ َين ُيل ِح ُدون ِفي ألس َما ِئ ِه﴾؟ ما معنى قوله تعالى هنا:
(ذروا) أي :اتركوا ،وهذا يعني أن املسلم واجب عليه أن يبتعد عن حال الذين يلحدون في ألسماء هللا جل وعا.
اللحاد في ألسماء هللا :هو امليل والعدول بها عن حقائقها إلى ما ل يليق باهلل جل وعا.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
135
)1أن يسمي البشر املعبودين يسميهم بألسماء هللا ،كما لسموا الات من (الله) ،والعزى من (العزيز) ،ونحو
َ َ
﴿يل ِح ُدون ِفي ألس َما ِئ ِه﴾ :يشركون) ،وعنه( :يسمون الات من الله،
ذلك .قال ابن عباس رض ي هللا عنهماُ ( :
ً َّ
والعزى من العزيز) ،فينادون "الات" ،وعندهم أنهم نادوا "الله" ،فصارشركا.
)2أن ُي َ
جعل هلل جل وعا ولد ،وأن يضاف املخلوق إليه إضافة الولد إلى والده كحال النصارى.
)3إنكاراأللسماء والصفات ،أو إنكاربعضها ،كما فعلت الجهمية الغاة فإنهم ل يؤمنون بالسم من ألسماء هللا ول
بصفة من صفاته إل الوجود واملوجود؛ ألن هذه الصفة هي التي يستقيم معها برهانهم بحلول األعراض في
)4أن تؤول وتصرف عن ظاهرها إلى معاني ل يجوز أن تصرف إليها ،فيكون ذلك من التأويل.
)5من أدِخل ً
السما لم يثبت في الكتاب والسنة أنه من ألسماء هللا فقد ألحد؛ ألنه مال وعدل عن الحق الذي
يجب في األلسماء والصفات إلى غيره ،كمن قال في ألسماء هللا :املاكر واملستهزئ والصانع ،فإطاق هذه األلسماء
َ
﴿يل ِح ُدون ِفي
على هللا جل وعا ل يجوز ،ومنها ما يجوز بتقييد في باب الِخبار .ذكر عن األعمش في قوله تعالىُ :
َ
ألس َما ِئ ِه﴾( :يدِخلون فيها ما ليس منها ).
فالتأويل وادعاء املجازفي األلسماء والصفات هذه بدع وإلحاد ل يصل بأصحابه إلى الكفر.
أما نفي و إنكاروجحد األلسماء والصفات كحال الجهمية فهذا كفر ،وهكذا فعل النصارى ومشركي العرب.
أن الواجب اليمان باأللسماء والصفات ،و إثباتها ،واعتقاد ما دلت عليه ،وترك التعرض لها بتأويل ونحوه ،وهذه
هي قاعدة السلف ،فنؤمن بها ول نصرفها عن حقائقها بتأويل أو بمجاز أو نحو ذلك ،كما فعل املعتزلة،
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
136
ُ
والحق هو أن ت ِثبت هلل ما أثبته لنفسه إذ ل أحد أعلم باهلل من هللا جل جاله وتعاظم شأنه ،وكذلك ل أحد
منالسبته لكتاب التوحيد :أن األدب الواجب في جناب الربوبية مع ألسماء هللا جل وعا وصفاته أل يقال
ُ (السام على هللا)؛ ألن في هذا ً
نقصا في تحقيق التوحيد ،فتحقيق التوحيد الواجب أن ل تقال هذه الكلمة ألن
)2هو الذي يعطي السامة ،ويجعل السام ،وكل لسامة في ملكوت هللا من كل شريؤذي الخلق فإنها من آثارهذا
اللسم "السام" ،فإنه لكون هللا جل وعا هو السام فإنه يفيض السامة على العباد.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
137
ُ
السام) ،وهذا النهي للتحريم ،ول يجوز ألحد أن يقول: هو السام على هللا ،فإ ّن َ
هللا َ ُ قال النبي ﷺ( :ل تقولوا
ِ ِ
السام على هللا.
هللا جل جاله هو الذي يفيض السامة ،وليس العباد هم الذين يعطون هللا السامة ،فإن هللا جل وعا هو
َ َّ
للا َو َّ ُ َ َ َ َّ ُ َ ُ ُ ُ َ
للا اس أنتم الفق َر ُاء ِإلى ِالغني عن ِخلقه ،هو الغني بالذات ،والعباد فقراء بالذات ،قال تعالى﴿ :يا أيها الن
يد﴾ .106فذلك القول ُمقتض لهتضام جناب الربوبية ،وتوحيد األلسماء والصفات. ُه َو ال َغني ال َحم ُ
ِ ِ
ما الدليل على تحريم قول( :السام على هللا)؟
ُ ُ َّ ُ َّ
هللا من
الصاة قلنا( :السام على ِ
ِ في الصحيح عن ابن مسعود رض ي هللا عنه قال :كنا إذا كنا مع النبي ﷺ في
ُ
السام». هو السام على هللا ،فإ ّن َ
هللا َ ُ ُ
السام على فان وفان) ،فقال النبي ﷺ « :ل تقولوا باده،
ِ ِ ِع ِ
ُ
باده)؟ ما معنى قول الصحابة رضوان هللا عليهم هنا( :السام على ِ
هللا من ِع ِ
ً
صحيحا من حيث القصد لكنه ليس بصحيح من حيث كأنهم قالوا( :تحية هلل من عباده) ،وهذا املعنى وإن كان
اللفظ ول يجوز؛ ألن هللا جل وعا هو (السام) كما قال النبي ﷺ ،قالوها مع كونهم موحدين عاملين بحق هللا
ً
جل وعا ،ظنا منهم أنها تحية ل تحوي ذلك املعنى.
هللا) أي :السامة تكون على هللا من عباده ،وهذا ل شك أنه باطل ،وإلساءة في األدب مع ما ُ
معنى (السام على ِ
يجب هلل جل وعا في ربوبيته وألسمائه وصفاته.
َّ
والعباد ليسوا هم الذين يعطون هللا السام،بل هم مسلمون يسلمهم هللا جل وعا ويفيض عليهم السام،
[ 106فاطر.]15:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
138
ما معنى تحية املؤمنين لبعضهم( :السام عليكم ورحمة هللا وبركاته)؟
َ َ َ َ
هذه التحية هي تحية املؤمنين في الدنيا وفي الِخرة ﴿ت ِح َّي ُت ُهم َيو َم َيلقون ُه َلسا )م﴾.107
األول :الدعاء لك بالسامة في الدين وفي الدنيا و في األعضاء وفي الصفات والجوارح إلى آِخرذلك ،فكل السم هلل
ً
جل وعا عليكم؛ والسم السام عليكم ،فيكون ذلك تبركا بكل ألسماء هللا جل وعا وبصفاته ،ومنها السم هللا جل
وعا (السام).
والثاني :تعني السامة التي اشتمل عليها السم (السام) نسأل هللا أن يفيضها عليكم.
َُّ ّ
أو أن يكون املعنى :كل لسامة عليكم ِمني ،فإنكم لن تجدوا مني إل السامة ،وهذا يصدق حين تن ِكر ،فتقول:
هنا تنبيه على فائدة مهمة وهي :أن طالب العلم بالخصوص؛ بل كل عاقل بعامة ،إذا نطق بكام ل بد أن يتبين
ً معنى هذا الكام ،فإن كونه يستعمل ً
كاما ل يعي معناه هذا من العيب ،وليس من أِخاق الرجال أصا أن
يتكلموا بكام ول يعون معناه ،فيأتي بكام ثم ينقضه في فعله أو في قوله ،فكثير من املسلمين يقول ملن أتاه:
(السام عليكم) ،فهو كأنه عاهده بأنه لن تأتيه منه إل السامة ،ثم هو يخفر هذه الذمة وربما أضره أو تناول
ً
عرضه أو تناول ماله أو نحو ذلك ،فهذا ليس من أفعال الذين يعقلون ،فضا عن أن يكون من أفعال أهل العلم
[ 107األحزاب.]99:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
139
محرم ،ألنه ُيظهرمن قائلها عدم تحقيقه للتوحيد ،ومنافاته ملا يجب على العبد من إظهار فاقته وحاجته لربه،
و أنه ل غنى به عن مغفرة هللا وعن غنى هللا ،وعن عفوه وكرمه و إفضاله و ِنعمه طرفة عين.
ُ َ ً
محتاجا لك ياهلل ،إن شئت فحسن ،وإن لم تشأ فلست فقوله( :اللهم اغفر لي إن شئت) كأنه يقول :لست
عليه أن يعزم في املسألة ،أي يجب عليه أن يسأل لسؤال عازم ،لسؤال محتاج ،لسؤال متذلل ،ل لسؤال مستغن
ً
مستكبر ،فاهلل لسبحانه ل مكره له لتمام غناه ،وتمام عزته وقهره وجبروته ،وتمام كونه مقيتا لسبحانه وتعالى،
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
141
ملاذا أجازبعض العلماء قول( :رحمه هللا إن شاء هللا ،أو غفرهللا له إن شاء هللا) في حين ُح ِّرم قول
اللهم اغفرلي إن شئت)؟ وما األدب الذي يجب أن يلتزم به الداعي في دعائه؟ وملاذا؟)
ألن هذا الدعاء( :رحمه هللا إن شاء هللا ،أو غفر هللا له إن شاء هللا) ليس فيه ِخطاب هلل ،لذا يكون التعليق
َ ً ً
باملشيئة ليس تعليقا ألجل عدم الحاجة أو ُمن َّبئا بعدم الحاجة ،بل هو للتبرك.
ً
ولكن األدب يقتض ي أن ل يستعمل هذه العبارة في الدعاء مطلقا؛ ألنها وإن كانت ليست بمواجهة فإنها داِخلة
الستعماله.
هل في قوله عليه الصاة والسام ملن عاده وقد أصابته الحمى) « :
طهور إن شاء هللا» تعليق الدعاء
أيضا من أهل العلم من شراح البخاري( :وقد يكون قوله( :طهور إن شاء هللا) للبركة ،كقوله جل وقال طائفة ً
[ 108يوسف.]44:
[ 101الفتح.]19:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
141
يكون إل بالحتراس من األلفاظ التي يكون فيها إلساءة أدب مع ربوبية هللا جل وعا على ِخلقه أو مع ألسمائه
وصفاته.
ُ
ما لسبب النهي عن قول (عبدي وأمتي)؟ وبماذا الستبدل هذان اللفظان؟
ً
اِختيارا ،فكل من في ألن عبودية البشر هلل جل وعا عبودية حقيقية ،فاملخلوق عبد هلل جل وعا إما ً
قهرا أو
ََ َّ َ َ َ َ
األرض إ َّل آ ِتي َّ ُ َ
الرح َم ِن َعب ًدا ( )93لقد ات و ِ ِ
)
السماوات واألرض عبد هلل جل وعا كما قالِ ﴿ :إن كل من ِفي السمو ِ
َ ُُ َأح َ
ص ُاهم َو َع َّد ُهم َع َّدا (َ )94وكل ُهم آ ِت ِيه َيو َم ال ِق َي َام ِة فر ًدا﴾ ،110فعبودية الخلق هلل جل وعا ظاهرة؛ ألنه هو
الرب وهو املتصرف وهو لسيد الخلق وهو ّ
املدبرلشؤونهم ،فاهلل جل وعا هو املتفرد بذلك لسبحانه.
فإذا قال الرجل لرفيقه( :هذا عبدي ،وهذه أمتي) ،كان في نسبة عبوديتهم له منافاة لكمال األدب الواجب مع
هللا جل وعا ،ولهذا كان هذا اللفظان غيرجائزين عند كثيرمن أهل العلم ،ومكروه عند طوائف آِخرين.
ً
هات دليا على عدم جوازإطاق (الرب ،والعبد) على السيد وموله؟ وبماذا تم الستبدالهما؟
َ َ ُ َ ُ َ ُ َ
ومول َي، في الصحيح عن أبي هريرة أن رلسول هللا ﷺ قال( :ل َيقل أ َح ُدكم :أط ِعم َرّب َكَ ،و ّض ئ َرّب َكَ .ول َيقلَ :لس ّي ِدي،
ُ َ ََ َ َُ ََ َ ََ َ ُ َ ُ
اي ،وفتا ِتي ،وغا ِمي). َول َيقل أ َح ُدكمَ :عب ِدي ،وأم ِتي ،وليقل :فت
َ ُ َ ُ َ
ما قولي العلماء في النهي الوارد في قوله صلى هللا عليه ولسلم( :ل َيقل أ َح ُدكم :أط ِعم َرّب َكَ ،و ّض ئ َرّب َك.
ُ َ ََ َ َُ ََ َ ََ َ ُ َ ُ َ َ ُ
اي ،وفتا ِتي ،وغا ِمي) ومول َيَ ،ول َيقل أ َح ُدكمَ :عب ِدي ،وأم ِتي ،وليقل :فت َول َيقلَ :لس ّي ِدي،
هذا النهي في هذا الحديث اِختلف فيه أهل العلم على قولين:
[ 110مريم.]45-46:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
142
األول :أنه للتحريم؛ ألن النهي األصل فيه للتحريم إل إذا صرفه عن ذلك األصل صارف.
وقال آِخرون :النهي هنا للكراهة؛ وذلك ألنه من جهة األدب؛ وألنه جاء في القرآن من قول يولسف عليه السام:
َ َ َ ّ َ َ َ َ ُ َّ َ ُ
ان ذك َر َرّبه َف َلب َث في ّ ُ
السج ِن ِبض َع ِلس ِنين﴾ ،111وألن املقصود بالربوبية هنا بما
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ﴿اذكرِني ِعند رِبك فأنساه الشيط
ينالسب البشر ،فرب الدار ورب العبد هو الذي يملك أمره في هذه الدنيا ،فلهذا قالوا النهي للكراهة وليس
للتحريم ،مع ما جاء في بعض األحاديث من جوازأو من تجويزإطاق بعض تلك األلفاظ.
ً َ َ ُ
شخصا؟ ومول َي) السيد هو هللا ،فمتى يجوز أن أعرف به َ ( ول َيقلَ :لس ّي ِدي،
درجة وواضح أن فيها اِختصاص العبودية باهلل جل وعا ،وإطاق ذلك على البشرل يجوز.
ل بأس بذلك؛ ألن حقيقة العبودية ل تتصور فيها ،كأن نقول( :رب الدار) و(رب املنزل) و(رب املال) ونحو ذلك،
َّ
فإن الدارواملنزل واملال ليست بأشياء مكلفة باألمروالنهي ،فلهذا ل تنصرف األذهان أو يذهب القلب إلى أن ثمة
نوع من عبودية هذه األشياء ملن أضيفت إليه؛ بل إن ذلك معروف بأنه إضافة ملك؛ ألنها ليست مخاطبة باألمر
ُ
باب ال يرد من سأل اهلل
[ 111يوسف.]91:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
143
هذا الباب مع الباب الذي قبله ومع ما لسبق كلها في تعظيم هللا جل وعا وربوبيته وألسمائه وصفاته؛ ألن تعظيم
ومن لسأل باهلل جل جاله فقد لسأل بعظيم ،ومن الستعاذ باهلل فقد الستعاذ بعظيم؛ بل الستعاذ بمن له هذا
امللكوت وله تدبيراألمر ،كل ما تراه وما ل تراه )
عبد له جل وعا.
ً
ما الذي يدفع املسؤول أل يرد لسائا جعل هللا ولسيلته لبلوغ لسؤله؟
َ
تعظيم هللا جل وعا ،فالذي في قلبه تعظيم هلل جل وعا ينتفض إذا ذكرهللا ،كما قال لسبحانه ﴿ ِإ َّن َما املُؤ ِم ُنون
َ َّ َ َ ُ َ َّ ُ َ ُ ُ
للا َو ِجلت قل ُوب ُهم﴾ .112فكيف ُيرد من جعل مالك كل ش يء ولسيلة حتى تقبل لسؤاله. ال ِذين ِإذا ذ ِكر
أحدا جعل رادا له؛ ألنه معظم هلل مجل له جل وعا ،فا َيرد ً أحد باهلل فإن قلب املوحد ل يكون ً فإذا لسأل )
أهل العلم قالوا :السائل باهلل قد تجب إجابته َويحرم رده ،وقد ل يجب ذلك ،وهذا القول قول شيخ اللسام
[ 111األنفال.]1:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
144
oيحرم رد السائل باهلل إذا توجه ملعين في أمر معينِ ،خصه بهذا التوجه ولسأله باهلل أن يعينه ،وهو قادر على أن
يؤتيه مطلوبه ،أي أنه ل يكون قد لسأل ً
عددا من الناس باهلل ليحصل على ش يء ،فلهذا لم يدِخل فيه السائل
الفقيرالذي يأتي فيسأل هذا ويسأل هذا ويسأل هذا ويسأل هذا.
oويستحب فيما إذا كان التوجه ليس ملعين ،كان يسأل فان وفان وفان.
وقوله هنا (باب ل يرد من لسأل باهلل) فيه عموم ألجل الحديث الوارد.
َ
فأع ُط ُ َ
ً
تعظيما هلل جل وه) ملاذا؟ قال( :عن ابن عمر رض ي هللا عنهما ،قال :قال رلسول هللا ﷺَ ( :و َمن َلسأ َل باهلل
َ ُ
يذ ُ َ َ
وه) أي :من الستعاذ منك باهلل فيجب أن تعيذه ،فقال" :أعوذ باهلل منك"؛ وعا(َ ،و َم ِن الست َعاذ باهلل فأ ِع
ً
تعظيما هلل جل جاله ،تجيبه إلى ذلك وتتركه؛ ألن من الستعاذ باهلل فقد الستعاذ بأعظم مستعاذ به ،ولهذا في
قصة َ
الجونية التي دِخل عليها النبي ﷺ ،فلما اقترب منها عليه الصاة والسام قالت له( :أعوذ باهلل منك).
موه» .رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح. َل ُه َح ّتى َت َروا َأ ّن ُكم َقد َكافأ ُت ُ
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
145
يكافأ بجنس معروفه؛ إن كان معروفه من جهة املال فكافئه من جهة املال؛ يعني بما يشمل الهدايا املختلفة،
إن كان معروفه من جهة الجاه فكافئه من جهة الجاه ،وإذا لم تجد ما تكافئه من جهة الجاه فيكون من جهة
الهدية.
ن ّ
أن الذي ُ
صنع له معروف يكون في قلبه ميل ونوع تذلل وِخضوع في وعاقة ذلك بالتوحيد كما قال املحققو :
ُ
باب ال يسأل بوجه اهلل إال اجلنة
فيم يشابه الشيخ محمد بن عبد الوهاب -في تبويبه لكتابه -الشيخ البخاري؟
الشيخ رحمه هللا صنع كصنيع البخاري في صحيحه ،والبخاري في صحيحه على ثاثة أصناف:
باب) ُويكمل أو تقول (باب) وتسكت ،ثم تكمل الكام. ● تارة يضيف فيقول ( ُ
باب كذا) وتارة يقول ( )
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
146
منالسبته ظاهرة :وهي تعظيم صفات هللا جل وعا -لسواء في ذلك صفات الذات أو صفات الفعل -هذا من
تحقيق التوحيد ومن كمال األدب والتعظيم هلل جل وعا ،فإن تعظيم هللا جل جاله ،وتعظيم ألسمائه وتعظيم
صفاته يكون بأنحاء وأشياء متنوعة ،ومن ذلك أنك ل تسأل باهلل أو بوجه هللا أو بصفات هللا جل جاله إل
املطالب العظيمة التي أعاها الجنة ،فقال (باب ل ُيسأل بوجه هللا إل الجنة)) ،ل ُيسأل) هذا نفي ،والنفي هنا
َ
متضمن النهي املؤكد كأنه قال( :ل َيسأل) بوجه هللا إل الجنة ،أو (ل تسأل) بوجه هللا إل الجنة ،فعدل عن
النهي إلى النفي لكي يتضمن أن هذا منهي عنه ،و أنه ل يسوغ وقوعه أصا ،وفي ذلك تعظيم هللا جل جاله
الوجه في اللغة :ما يواجه به ،وهو مجمع أكثر الصفات في اللغة ،ووجه هللا جل جاله صفة ذات من صفاته
لسبحانه ..هلل جل وعا متصف بالوجه على ما يليق بجاله وعظمته ،نثبت ذلك إثباتا نعلم أصل املعنى ،ولكن
َ
كمال املعنى أو الكيفية فإننا ن ِكل ذلك إلى عامله وإلى املتصف به جل جاله؛ ولكن نثبت على أصل عدم التمثيل
س َكمثله َش ي )ء َو ُه َو َّ َ
الس ِم ُيع ال َب ِص ُير﴾.115 والتعطيل كما قال جل وعا﴿ :لي َ ِ ِ ِ
هل يسأل بوجه هللا بلوغ الجنة؟ اذكررأي العلماء في ذلك..
ً
صالحا. الجنة هي دارالكرامة التي أعدها هللا جل وعا للمكلفين من عباده الذين أجابوا رلسله ووحدوه وعملوا
والجنة هي أعظم مطلوب؛ ألن الحصول عليها حصول على أعظم ما يسربه العبد ،فلهذا كان من غيرالسائغ
والائق بل كان من غيرالجائزأن ُيسأل هللا جل وعا بنفسه أو بوجهه أو بصفة من صفاته أو بالسم من ألسمائه
[ 111الشورى.]11:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
147
الحسنى إل أعظم مطلوب ،فإن هللا جل جاله ل ُيسأل بصفاته األشياء الحقيرة الوضيعة؛ بل يسأل أعظم
قال العلماء :إن وجه هللا جل جاله ُيسأل به الجنة ،ول يجوز أن يسأل به غيرها إل ما كان ولسيلة إلى الجنة أو
كان من األمور العظيمة التي هي من جنس السؤال بالجنة ،أو من لوازم السؤال بالجنة كالنجاة من النار
وكالتثبيت عند السؤال ونحو ذلك ،فاألمراملطلوب الجنة أو ما قرب إليها من قول أو عمل ،والنجاة من النارأو
.ما قرب إليها من قول وعمل ،هذا يجوز أن تسأل هللا جل وعا إياه متولسا بوجهه العظيم لسبحانه وتعالى
وأما غيرالوجه من الصفات أو من األلسماء فاألدب أن ل تسأل إل في املطالب العظيمة ،وإذا كان ثم ش يء من
معناه أن تعظيم صفات هللا جل وعا في أل تدعو هللا بها إل في األمور الجليلة ،فا تسأل هللا جل وعا بوجهه أو
بالسمه األعظم أو نحو ذلك في أمور حقيرة وضيعة ل تنالسب تعظيم ذلك اللسم.
عقد املصنف هذا الباب؛ ألن كثيرمن الناس يعترضون على القدرمن جهة أفعالهم؛ يظنون أنهم لوفعلوا أشياء
قدرالفعل ّ
وقدرنتيجته فالكل مو افق لحكمته لسبحانه وتعالى. لتغيرالحال ،وهللا جل وعا قد ّ
ما الواجب على املسلم أمام قضاء هللا وقدره؟ وما أثرترداده قول (لو) على قلبه؟
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
148
الواجب عليه أن يعلم أن قضاء هللا نافذ وأن قدره ماض وأن ما لسبق من الفعل قد قدره هللا جل وعا وقدر
-الستعمال لفظ )لو) أو لفظ )ليت) وما أشبهها من األلفاظ التي تدل على الندم وعلى التحسر على ما فات
ً ً
ُيضعف القلب ،ويجعله متعلقا باأللسباب منصرفا عن اليقان بتصريف هللا جل وعا في ملكوته.
لسبب من األلسباب ،وهللا جل وعا مض ى قدره في ِخلقه ،و أنه مهما فعل فإنه لن يحجز قدرهللا جل وعا ،فإذا
ّ
معظما هلل جل وعا في تصرفه في ملكوته ،وكان القلب ل يخالطه تمني أن يكون ش يء فات
كان كذلك كان القلب ِ
على غيرما كان ،و أنه لو فعل أشياء لتغيرذلك السابق.
كيف يمكن للمسلم أن يجعل من ماضيه املؤلم منحة يتقلب في أجورها وحسناتها؟
إن كان قد أصيب بمصيبة فعليه أن يصبر عليها ،وأن يرض ى بفعل هللا جل وعا ،ويبتعد عن التمني وقول :لو
وإذا كان ما أصابه في املاض ي معصية فإن عليه أن يسارع في التوبة والنابة ،وأن ل يقول لو كان كذا لم يكن
الشيطان قد يدِخل على القلب فيجعله يس يء الظن بربه جل وعا وبقضائه وقدره ،وإذا دِخلت إلساءة الظن
باهلل ُ
ضعف التوحيد ولم يحقق العبد ما يجب عليه من اليمان بالقدرواليمان بأفعال هللا جل جاله..
[ 116طه.]21:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
149
منالسبة اليتين للباب ظاهرة ،وهو أن التحسرعلى املاض ي بالتيان بلفظ (لو) إنما كان من ِخصال املنافقين.
ّ ََ َ َ َ ُ َ َ َ
قال( :في الصحيح عن أبي هريرة رض ي هللا عنه ،أن رلسول هللا ﷺ قال« :اح ِرص عل َى ما ينفعك والست ِعن ِب ِ
الِل.
َ ّ َ َ ص َاب َك َش ي )ء َف َا َت ُقلَ :لو َأ ّني َف َعل ُت كذا َلك َان كذا َوك َذاَ .و َلكن ُقلَ :ق َّد ُر ّ ُ
للاَ .و َما ش َاء ف َع َل .ف ِإن َو َل َتعج َزنَ .وإن َأ َ
ِ ِ ِ
ّ َ َ َ َ
لو تفت ُح َع َم َل الشيط ِان»)
(فا تقل) هذا نهي للتحريم ،ألن فيه لسوء ظن باهلل ،وألنه فتح عمل الشيطان ،فالشيطان يأتي املصاب فيغريه
بـ(لو) حتى إذا الستعملها ضعف قلبه وعجزوظن أنه لسيغيرمن قدرهللا شيئا ،وهو ل يستطيع ذلك ،بل قدرهللا
َ َ ماض ،ولهذا أرشده عليه الصاة والسام أن يقولَ ( :ق َّد ُر ّ ُ
للا َو َما ش َاء ف َع َل).
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
151
الستعمال (لو) في املستقبل إذا كانت في الخير ،مع رجاء ما عند هللا بالعانة على ألسباب الخير ،فهذا جائزفقد
الستعملها النبي عليه الصاة والسام حين قال« :لو الستقبلت من أمري ما الستدبرت ملا لسقت الهدي ولجعلتها
عمرة» .أما إذا كان على وجه التجبرواللستعظام فإنه ل يجوز؛ ألن فيه نوع تحكم على القدر
ً
والستعظاما لفعلهم وقدرتهم ،فإن هذا كقول بعض الجاهليين :لو حصل لي كذا لفعلت كذاً .
تكبرا و أنفة
يكون من املنهي؛ ألن فيه تجبرا ،وفيه تعاظما ،والواجب على العبد أن يكون ذليا؛ ألن القضاء والقدرماض،
َ ُ َّ َ َ َ َ َ
هللا ل ِئن وقد يحصل له الفعل ،ولكن ينقلب على عقبيه ،كحال الذي قال هللا جل وعا فيه﴿ :و ِمنهم من عاهد
ُ َ َ َّ ُ َ َ ََ َ ص َّد َق َّن َو َل َن َك ُو َن َّن م َن َّ َء َات َانا من َفضله َل َن َّ
ضون الص ِال ِحين ( )75فل َّما َءات ُاهم ِّمن فض ِل ِه َب ِخلوا ِب ِه َوت َولوا َّو ُهم مع ِر ِ ِِ ِ
َ َ ُ
وه َو ِب َما كانوا َيك ِذ ُبون﴾ ،119فإنهم قالوا :لو (َ )76ف َأع َق َب ُهم ن َف ًاقا في ُق ُلوبهم إ َلى َيوم َيل َقو َن ُه ب َما َأِخ َل ُفوا َ
هللا َما َو َع ُد ُ
ِ ِ ِِ ِ ِ ِ
ُ َ َ َّ ُ
ضون﴾، كان لنا كذا وكذا وكذا لفعلنا كذا وكذا ،فلما أعطاهم هللا جل وعا املال ﴿ َب ِخلوا ِب ِه َوت َولوا َّو ُهم مع ِر
[ 111التوبة.]99-95:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
151
يصرف الريح كيف يشاء ،لذا ُح ِرم لسبها ،وقد أفرد الشيخ هذا الباب لكثرة وقوعه ،وللحاجة إلى التنبيه
ّ
هوالذي ِ
على حكمه.
كيف يكون لسب الناس للريح؟ لسب الريح يكون بشتمها أو بلعنها.
هل وصف الريح ،أو وصف األضرارالذي نتجت عنها يعد ً
لسبا لها؟ هات دليا على ذلك.
َ َ َّ
صر َعا ِت َية (َ )6سخ َر َها َعلي ِهم َلسب َع ل َيال
صر َ
ل ،ليس من لسبها أن توصف بالشدة كقول هللا جل وعا﴿ :بريح َ
ِِ
)
صر َعا ِت َية﴾ هذا وصف لها ،ووصفها باألوصاف التي يكون فيها شر على صر َ
وما﴾﴿ ،110بريح َ َو َث َمان َي َة َأ َّيام ُح ُس ً
ِِ ِ
الر ِم ِيم﴾ ،111ليس هذا من املنهي عنه. من أتت عليه كقولهَ ﴿ :ما َت َذ ُر ِمن َش يء َأ َتت َع َلي ِه إل َج َع َلت ُه َك َّ
ِ
ما الذكرالوارد عن الرلسول ﷺ عند هبوب الريح؟
ّ َ َُ ُ ّ َ ّ َ َ َ ُ َ َ ُ
يحِ ،فإذا َرأيتم ما تك َر ُهون فقولوا :ال ُله ّم ِإنا
عن أ َب ّي ِبن كعب رض ي هللا عنه ،أن رلسول هللا ﷺ قال( :ل ت ُس ّبوا الر
ُ َ َ َنس َأ ُل َك من َِخير َه ِذ ِه ّ
الر ِيح َوِخي ِرما ِف َيها َوِخي ِرما أ ِم َرت ِب ِه) ِ ِ
من الذي يأمرالريح؟ ومن الذين يصرفونها؟
ُ
الريح ل تكون إل بأمر هللا ،وهو الذي يرلسلها كيف يشاءَ ،ويص ِرفها -أيضا -جل وعا عمن يشاء ،فهي مسخرة
بأمره جل وعا..
[ 110الحاقة.]9-6:
[ 111الذاريات.]91:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
152
ّ
تصرف الريح بأمره جل وعا ،فللريح مائكة تصرفها كيف شاء ربنا جل وعا وتقدس وتعاظم،
واملائكة هي التي ِ
فيها ِخيروقد يكون فيها عذاب.
َ َُ ُ َ َ َ ُ
قال عليه الصاة والسامِ ( :إذا َرأيتم ما تك َر ُهون فقولوا) ما الذي قد يكرهه الناس في الريح؟
قد يكرهون صفة الريح ،وقد يكرهون جهة الريح -يعني صفتها من جهة السرعة أو التجاه ،-وقد يكون من جهة
ِخشية أن تكون الريح مرلسلة بالعذاب ..ويسر عندما تمطر السماء ،والدليل :كان النبي عليه الصاة والسام
كان إذا رأى شيئا في السماء أقبل وأدبرودِخل وِخرج ُورؤي ذلك في وجهه حتى تمطرالسماء ُ
في َس َّرعنه ويسرعليه
الصاة والسام ،قالت له عائشة :يا رلسول هللا ملا ذاك؟ قال( :ألم تسمعي لقول أولئك -أوكما قال عليه الصاة
يح ف َيها َع َذ )
) َ َ ُ َ َ ُ َ َ َ َ َ ُ َ َ َ ) ُ ََ َ ُ َ ً ُ َ
اب والسام﴿ -فل َّما َرأوه ع ِارضا مستق ِب َل أو ِدي ِت ِهم قالوا هذا ع ِارض مم ِط ُرنا بل هو ما الستعجلتم ِب ِه ِر ِ
َ ُ َ ُ َأ ِل )
يم ( )24ت َد ِّم ُرك َّل ش يء ِبأم ِر َرِّب َها﴾.122
يتعرف إلى عباده بالشدة حتى يعرفوا ويعلموا ربوبيته وقهره يتعرف إلى عباده بالرِخاء ،كما أنه َّ هللا جل وعا ّ
وجبروته ويعلموا حلمه وتودده ورحمته أيضا لعباده ،فيجب على املسلم الخوف من هللا جل جاله إذا ظهرت
ّ ّ
هذه الحوادث أو التغيرات في السماء أو في األرض ،وعليه أن يدعو هللا ويستغيث به ويسأله بقوله( :ال ُله ّم ِإنا
ُ َ َ ََ ُ
وذ ب َك من َش ّر َه ِذ ِه ّ
الر ِيح َوش ّر ما ِف َيها َوش ّر ما أ ِم َرت ُ َ َ َ َ ّ َ َ َ َ َ َُ َ
نسألك ِمن ِخي ِر ه ِذ ِه الر ِيح وِخي ِر ما ِفيها وِخي ِر ما أ ِمرت ِب ِه ونع ِ ِ
ِب ِه) صححه الترمذي.
[ 111األحقاف.]15-19:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
153
َ ُ َ َّ َ َ َ ّ َ َّ َ َّ َ ُ ُ َ َ َّ َ َ َ
اه ِلي ِة يقولون هل لنا ِمن األم ِر الِل غير الح ِق ظن الج ِ باب قول هللا تعالى﴿ :يظنون ِب ِ
الظ ّان َين باهلل َظ َّن َّ
َّ َ ُ َّ َ
األم َر ُك َّل ُه َّ
السو ِء ِ ِ ِ ﴿ :وقوله ، ]154: ان
ر عم آل [ الية ﴾ لِل
ِ ِ ِمن ش يء قل ِإن
ما هو ظن السوء الذي ظنه املنافقون واملشركون باهلل لسبحانه وتعالى كما ذكره ابن القيم؟ وملاذا ُعد
ُ ُ
قال ابن القيم في الية( :ف ِ ّسرهذا الظن بأنه لسبحانه:ل ينصررلسوله ﷺ ،وأن أمره لسيضمحل ،وفسربأن
ما أصابه لم يكن بقدرهللا وحكمته ،ففسر بإنكارالحكمة ،و إنكارالقدر ،و إنكارأن ي ِت َّم َ
أمررلسوله ﷺ ،وأن
يظهره هللا على الدين كله ،وهذا هو ظن السوء الذي ظنه املنافقون واملشركون في لسورة الفتح.
و إنما كان هذا ظن السوء؛ ألنه ظن غيرما يليق به لسبحانه وما يليق بحكمته وحمده ووعده الصادق. -
فمن ظن أنه يديل الباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها الحق ،أو أنكرأن يكون ما جرى بقضائه
وقدره ،أو أنكرأن يكون قدره لحكمة بالغة يستحق عليها الحمد؛ بل زعم أن ذلك ملشيئة مجردة ،فذلك ظن
من الذي يسلم من الظن باهلل ظن السوء؟ وماذا يتوجب على الناصح لكي يسلم من الوقوع في هذا
املزلق؟
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
154
أكثر الناس يظنون باهلل ظن السوء فيما يختص بهم ،وفيما يفعله بغيرهم ،ول يسلم من ذلك إل من عرف
جل وعا ،فهو لسبحانه كامل في ألسمائه ،كامل في صفاته ،كامل في ربوبيته ،ومن كماله في ربوبيته وفي ألسمائه
وصفاته أنه ل يفعل الش يء إل لحكمة بالغة ،والحكمة في ذلك هي أنه جل وعا يضع األمور مواضعها التي
تو افق الغايات املحمودة منها ،وهذا دليل الكمال ،فاهلل جل وعا له صفات الكمال وله نعوت الجال
السوء؛ يعني أن ُيعتقد فيه ما والجمال ،فلهذا وجب لكماله جل وعا أن ُي ّ
ظن به ظن الحق ،وأن ل يظن به ظن َّ
يجب لجاله جل وعا من تمام الحكمة وكمال العدل وكمال الرحمة جل وعا ،وكمال ألسمائه وصفاته لسبحانه
َّ
وتعالى ،فالذي يظن به جل وعا أنه يفعل األشياء ل عن حكمة ،فإنه قد ظن به ظن النقص وهو ظن السوء
ومنه ما هو مناف لكمال التوحيد بأن يكون غيرمؤمن بالحكمة ،أو بأفعال هللا جل وعا املنوطة بالعلل التي هي
َ َ َّ ُ َّ ُ َ َ ُ َ َ َ َ ُ َ
الب ِالغة فلو ش َاء ل َه َداكم أج َم ِعين﴾ ،123في منوطة بحكمته لسبحانه البالغة ،ولهذا قال جل وعا﴿ :ف ِلل ِه الحجة
[ 113األنعام.]194:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
155
ُ ) َ) َ ُ
الرد على القدرية املشركة ،وقد قال أيضا جل وعاِ ﴿ :حك َمة َب ِالغة ف َما تغ ِن النذ ُر﴾ ،124فاهلل جل وعا موصوف
أفعال هللا جل وعا قسمان :أفعال ترجع إلى الحكمة والعدل و أفعال ترجع إلى الفضل والنعمة والرحمة والبر
َ
بالحكم العظيمة .
بالخلق .فاهلل جل وعا يفعل هذا وهذا ،وحتى أفعاله التي هي أفعال بروإحسان هي منوطة ِ
ما الذي يتوجب على النسان تجاه أفعال هللا التي قد يظهرله أنها ليست في صالحه؟
إن َّ
ظن الحق باهلل جل وعا أن ُيظن به وأن يعتقد أنه ليس ثم ش يء من أفعاله إل وهو مو افق لحكمته جل
ما املراد بالظن؟ وماذا كان ظن أهل الجاهلية بربهم؟ وما هو ظن أهل التوحيد به لسبحانه؟
الو َهم؛ أي :ما يسبق إلى الذهن ،فهم يعتقدون أو يسبق
الظن يطلق ويراد به :العتقاد ،أو يراد به :ما يسبق إلى َ
ّ
إلى أذهانهم ملا معهم من الشرك أن هللا جل وعا ليست أفعاله أفعال حق ،وهللا لسبحانه هو الحق و أفعاله كلها
[ 114القمر.]5:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
156
أفعال الحق ،وذلك الظن ظن الجاهلية ،فكل من ظن باهلل غير الحق فقد َّ
ظن ظن الجاهلية؛ بمعنى :ظن باهلل
-وظن أهل التوحيد واللسام -يعني يعتقدون ويعلمون ويسبق إلى أذهانهم في أي فعل يحصل لهم -أن هللا جل
هذا القول فيه إنكارللحكمة أو إنكارللقدر ،فيرد عليهم :بإن األمركله هلل.
السو ِء َع َليهم َدائ َر ُة َّ
السو ِء﴾ الظ ّان َين باهلل َظ َّن َّ
َّ
ِ ِ قال تعالىِ ِ ِ ﴿ :
ما هو ظن السوء الذي ظنه املنافقون واملشركون باهلل لسبحانه وتعالى كما فسره السلف وذكره ابن
القيم؟
السلف فسروا هذا الظن السوء بأحد ثاثة أشياء ،وكلها صحيح ،فظن َّ
السوء الذي يظنه الجاهليون يشمل
ً
جميعا: هذه األشياء الثاثة
وأما الثالث :فهو إنكارنصرهللا جل وعا لرلسوله صلى هللا عليه ولسلم أو لدينه أو لعباده الصالحين.
ملاذا ُعد إنكارالقدرمن الظن باهلل ظن َّ
السوء؟
ألن فيه نسبة النقص هلل جل وعا ،وهللا جل وعا هو الكامل في ألسمائه ،الكامل في صفاته جل وعا ،الذي
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
157
ً
الستئنافا عن غير تقدير لسابق ،وأما الذي ل يحصل معه أمر حتى ّ
يقد َره قبل
ِ العاجز هو الذي تقع معه األمور
َ أن َ
يوقعه فيقع على وفق ما قدر ،فهو ذو الكمال وهو ذو العزة وهو الذي ل يغالب في ملكوته ،ولهذا قال الشاعر
الخلق هنا بمعنى التقدير؛ أي :ألنت تقطع ما قدرت ،وبعض القوم -وهم الناقصون إما لعدم قدرتهم أو لعدم
عزتهم أو لجهلهم -وبعض القوم يخلق؛ يعني ّ
يقدر األشياء ثم ل يفري ،ثم ل يستطيع أن يقطعها على وفق ما
ِ
يريد.
ُ َّ َ ُ َّ ُ َّ
والذي إليه األمركله ،كما قال هنا﴿ :قل ِإن األم َر كله ِ ِ
لِل﴾ ،فلهذا كان كل ما يحصل من الرب جل وعا في بريته
َ
هو مو افق لق َد ِره السابق الذي هو دليل كمال حكمته وعلمه وِخلقه وعموم مشيئته.
حكمة هللا جل وعا ثابتة بالكتاب والسنة وبإجماع السلف ،والسم هللا (الحكيم) مشتمل على صفة الحكمة،
محكم لألمور ،وبمعنى أنه ذو الحكمة البالغة ،فهذه ثاث تفسيرات للسم هللا الحكيم،
بمعنى حاكم ،وبمعنى ِ
وكلها صحيحة وكلها يستحقها هللا جل وعا.
ُ َ ) ُ
اب أح ِك َمت َآيات ُه﴾ ،125وقالَ ﴿ :ما محكم كما قالِ ﴿ :كت
فإنه جل وعا حكيم بمعنى حكم وحاكم ،وحكيم بمعنى ِ
الرح َمن من َت َف ُاوت﴾ 126ألجل إحكامه ،وقال لسبحانه وتعالى أيضاُ ﴿ :قل ُان ُظ ُروا َم َاذا في َّ َ َ ََ
الس َماو ِ
ات ِ ِ ترى ِفي ِخل ِق َّ ِ ِ
[ 111هود.]1:
[ 116الملك.]6:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
158
َ َ
ض﴾ ،127ونحو ذلك من دليل إحكامه جل وعا ملا ِخلق .والثالث أنه ذو الحكمة ،والحكمة في صفة هللا جل
واألر ِ
َُ
وعا تف َّس ُر-كما ذكرت لكم :-بأنها وضع األمور في مواضعها املو افقة للغايات املحمودة منها.
ماذا قال أهل السنة والجماعة عن أفعال هللا؟ وهل و افقهم املعتزلة واألشاعرة في ذلك؟
أهل السنة والجماعة-أهل األثر ،الفقهاء بالكتاب والسنة -قالوا :إن أفعال هللا جل وعا معللة ،وكل فعل
يفعله هللا جل وعا لعلة من أجلها فعل ،وهذه العلة هي حكمته لسبحانه وتعالى ،فإن أفعال هللا جل وعا منوطة
بالعلل.
وهذا أنكره املعتزلة ألنهم قدرية ،و أنكره األشاعرة ألنهم جبرية ،فقالوا :إن أفعال هللا جل وعا ليست مرتبطة
َ
بالحكم ،وهو يفعل ل عن حكمة ،وهذا لسوء ظن باهلل جل وعا.
ِ
ملاذا أورد الشيخ هذا الباب؟
أورد الشيخ رحمه هللا هذا الباب ليبين لك أن تحقيق التوحيد ،وتحقيق كمال التوحيد أن توقن بالحكمة
البالغة هلل جل وعا ،ومن نفى الحكمة في أفعال هللا فهو مبتدع ،توحيده قد انتفى عنه كماله؛ ألن بدعته
شنيعة ،وكل البدع تنفي كمال التوحيد ومنها ما ينفي أصل التوحيد..
بماذا نرد على من ظن باهلل أنه ل ينصر رلسوله ،و أنه جل وعا ل ينصر كتابه ،أو أنه جل وعا يجعل رلسوله أو
[ 117يونس.]101:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
159
على الظلم فإنه أيضا لسوء ظن باهلل جل وعا وغروربالقوة وبالنفس ،وهللا جل وعا ناصررلسله ،وهللا جل وعا
ً ً
ناصر عباده املؤمنين؛ ولكن قد يبتلي هللا جل وعا املؤمنين بأن يكونوا في غير نصر زمنا طويا ،قد يبلغ مئات
السنين كما حصل في قصة نوح عليه السام لبث في قومه ألف لسنة إل ِخمسين ً
عاما ثم بعد ذلك نصره هللا
جل وعا.
ما لسبب الظن باهلل ظن السوء من بعض املنتسبين إلى العلم كما بينه ابن القيم؟
ذكرابن القيم من كثيرمن أهل الصاح؛ بل من كثيرمن الناس؛ بل قد يحصل من بعض املنتسبين إلى العلم في
أنواع شتى من لسوء الظن باهلل جل وعا ،ولسبب حدوث ذلك الظن الس يء في القلوب عدم العلم بما يستحقه
هللا جل وعا وما أوجبه هللا جل وعا من الصبرواألناة ونحو ذلك من الواجبات.
فإذن املسألة متصل بعضها ببعض ،فالذي يخالف ما أمر هللا جل وعا به ً
شرعا فيما يتصل بنصرة [الدين
فإنه قد يقع في لسوء ظن باهلل جل جاله ،وهذا مما ينافي كمال التوحيد الواجب.
فهذه -إذن -ثاثة أشياء ظنها أهل الجاهلية ،وكلها باطلة ،وكام ابن القيم رحمه هللا يدور على ذلك ،ولهذا يجب
[ 118غافر.]54:
[ 111الصافات.]196-191:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
161
أنه يستحق أكثر منه.وقد يحصل له الش يء بقضاء هللا وبقدره فيظن أنه ل يستحق ذلك الش يء .أو أن ذلك
يخلص قلبه من كل ظن باهلل غير الحق ،وأن يتعلم ألسماء هللا جل وعا وأن يتعلم الصفات .وأن يتعلم آثار ذلك
في ملكوت هللا؛ حتى ل يقوم بقلبه إل أن هللا جل جاله هو الحق ،وأن فعله حق ،حتى ولو كان في أعظم شأن،
ُ
وأصيب بأعظم مصيبة ،أو أهين بأعظم إهانة ،فإنه يعلم أنما أصابه لتمام ملك هللا جل وعا و أنه يتصرف في
ِخلقه كيف يشاء ،وأن العباد مهما بلغوا فإنهم يظلمون أنفسهم ،وهللا جل وعا يستحق الجال والتعظيم.
َ ّ
فخلص َ
طالب العلم من كل ظن َلسوء باهلل جل وعا بأن قلت :هذا ل يصلح ،وهذا
َ قلبك أيها املسلم وِخاصة ِ
الفعل عليه كذا وكذا ،ول يصلح أن يعطى هذا املال ،أو أن تحسد فانا وفانا فإن كل ذلك لسوء ظن باهلل جل
وعا.
قال ﷺ« :إياكم والحسد فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النارالحطب» ما عاقة الحسد بالظن باهلل ظن
قالوا لسبب ذلك :أن الحالسد ظن أن هذا الذي أعطاه هللا جل وعا ما أعطاه ل يستحق هذه النعمة ،فحسده
وتمنى زوالها عنه فصارفي ظن لسوء باهلل جل وعا ،فلهذا أكل الحسنات ظنه كما أكلت النارالحطب.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
161
ما منالسبة باب( :ما جاء في منكري القدر) بالباب الذي قبله؟ وما منالسبته لكتاب التوحيد؟
ذكرنا أن إنكارالقدرلسوء ظن باهلل جل وعا ،ويكون هذا الباب كالتفصيل ملا اشتمل عليه الباب الذي قبله.
ومنالسبته لكتاب التوحيد ظاهرة وهي :أن اليمان بالقدرواجب ،ول يتم توحيد العبد حتى يؤمن بالقدر ،و إنكار
فإذا كذب بالقدر معنى ذلك انقطع السلك ،فنقض ذلك التكذيب أمور التوحيد ،وهذا ظاهر؛ فإن أصل
اليمان أن يؤمن باألركان الستة التي منها اليمان بالقدركما ذكرذلك الشيخ في حديث ابن عمر.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
162
oاألولى منهما :هي مرتبة عموم املشيئة ،فإن هللا جل وعا ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ،والعبد ل يشاء
َ َ َ َ ُ َن َّ َ َ َ َ َّ ُ َّ َّ َ َ َ
ان َع ِل ً
يما َح ِك ً ً
يما﴾،130 شيئا فيحصل إل إذا كان هللا جل وعا قد شاءه ﴿وما تشاءو ِإل أن يشاء للا ِإن للا ك
َ َ َ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ َّ ُ
املين﴾،131فمشيئة العبد تابعة ملشيئة هللا جل وعا. وقال﴿ :وما تش ُاءون ِإل أن يش َاء للا َرب الع ِ
oوكذلك املرتبة األِخيرة التي تقارن وقوع املقدر :اليمان بأن هللا جل وعا ِخالق لكل ش يء ،لألعيان
األعيان مثل الذوات هذه هللا جل وعا هو ِخالقها ،هذا باتفاق أهل اللسام؛ أي أن هللا جل وعا هو الخالق
لإلنسان ،الخالق للحيوان ،الخالق للسماء ولألرض ،وكذلك اليمان أن الصفات التي تقوم بتلك األعيان هللا
جل وعا هو الخالق لها ،ومن ذلك أفعال العباد ،فأفعال العباد معان ،ففعل العبد داِخل في عموم ِخلقه جل
وعا.
ُ َ َّ ُ َ
للا ِخ ِال ُق ك ِ ّل ش يء﴾ 132؟ ما املراد بش يء في قوله تعالى﴿:
[ 130اإلنسان.]60:
[ 131التكوير.]14:
[ 131الزمر.]61:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
163
ُ َ
كلمة (ش يء) عندنا ت َع َّرف بأنها ما يصح أن يعلم ،فكل ما يصح أن يعلم يقال له ش يء ولهذا نقول يدِخل في عموم
ُ َ َّ ُ َ
﴿للا ِخ ِال ُق ك ِ ّل ش يء﴾ العباد و أفعال العباد. قوله:
هل يشترط اليمان بجميع مراتب القدر؟ وماذا يطلق على من ينكرمرتبة منها؟
ً
جميعا لدللة النصوص على ذلك. ً
جميعا وآمن بها نعم ،،ول يقال عن أحد أنه مؤمن بالقدرإل إذا لسلم بها
فإنكارالقدرالذي بوب له الشيخ رحمه هللا يصدق على إنكارأي مرتبة من هذه ،أنكراملرتبة األولى فهو منكر ،أو
إذا قيل القدرية -يعني نفاة القدر -الذين نفوا العلم ،أنكروا العلم السابق ،فهم كفارينافي فعلهم أصل التوحيد
فمن أنكرالعلم السابق هذا أنكرالقدر ً
إنكارا انتفى معه أصل التوحيد.
من ينكرالكتابة مع العلم بالنصوص الدالة عليها مناف ألصل التوحيد ول يستقيم معه اليمان.
من الذين أنكروا املرتبتين األِخيرتين من مراتب اليمان بالقدر؟ وهل يحكم عليهم بالكفرلذلك؟
املعتزلة هم الذين أنكروا املرتبتين األِخيرتين -عموم املشيئة وعموم الخلق -وفي ذلك إنكار عموم ِخلق هللا
ُ
وظللوا ُ
وجعل إنكارهم لتلك املرتبة ينافي كمال التوحيد ول ُيحكم عليهم بالكفر لألفعال ،وقد ُب ِّدعوا بذلك
فإذن إنكارالقدرصارمنه:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
164
ً
ما الذي يشترط لقبول األعمال؟ هات دليا على ذلك.
هللا جل وعا ل يقبل إل من مسلم ،اللسام شرط لصحة قبول األعمال ،ومن أنكرالقدرولم يؤمن بالقدرفإنه
ل يقبل منه ولو أنفق مثل ُأ ُحد ً
ذهبا.
َ َ َ َ َ ُ َ قال ابن عمر) :والذي نفس ابن عمربيدهَ ،لو كان َ
ألح ِد ِهم ِمث َل أ ُحد ذ َه ًبا ثم أنفق ُه في لسبيل هللا َما ق ِبل ُه هللا ِمن ُه
َ ّ
َحتى ُيؤ ِم َن بالق َد ِر) .
ً
ما نوعا القدر؟ وماذا يتوجب على النسان تجاه أقدارهللا؟ هات دليا على ذلك.
متى نقول أن هذا القدرشر؟ وهل يمكن أن نقول عن أفعال هللا شر؟ ملاذا؟
َّ
فاملكلف قد يكون عليه َ
قدر هو بالضافة إذا اِختص بابن آدمِ ،خير بالنسبة لبن آدم وشر بالنسبة لبن آدم،
-ل نقول عن أفعال هللا أنها شر؛ ألن أفعاله كلها ِخير؛ ألنها مو افقة لحكمته العظيمة ،فلهذا جاء في الحديث
أن النبي صلى هللا عليه ولسلم قال في ثنائه على ربه« :الشرليس إليك» فاهلل جل وعا ليس في فعله شر ،فالشر
بما يضاف إلى العبد ،أصيب العبد بمصيبة فهي شر بالنسبة إليه ،أما بالنسبة لفعل هللا فهي ِخير؛ ألنها
مو افقة لحكمة هللا جل وعا البالغة وهللا لسبحانه وتعالى له األمركله.
متى يمكن لإلنسان أن يجد طعم اليمان كما بينه عباده بن الصامت رض ي هللا عنه لبنه؟ وملاذ؟
ّ
عن عبادة بن الصامت أنه قال لبنه :يا بني! إنك لن تجد طعم اليمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك،
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
165
ُ
-وهذا ألن القضاء والقدرقد فرغ منه -أي تقديراألمور قد فرغ منه -وهللا جل وعا قد قدراألشياء وقدرألسبابها..
هل النسان مخيرأم مسيرفي أفعاله؟ وما عاقة ذلك باليمان بالقضاء والقدر؟
السبب الذي لسيفعله املختار من عباد هللا ُم َّ
قدر كما أن نتيجته مقدرة ،ومن اليمان بالقدر :اليمان بأن هللا
ً
مجبورا ،فالقول بالجبرمناف للقول بالقدر؛ يعني القول بالجبرل يستقيم ً
مختارا و أنك لست جل وعا جعلك
مع اليمان بالقدرَّ ،
ألن اليمان بالقدرإيمان معه اليمان بأن العبد مختارليس بمجبر؛ ألن التكليف وقع بذلك.
الجبرية طائفتان:
طائفة غاة :وهم الجهمية ،وغاة الصوفية الذين يقولون إن العبد كالريشة في مهب الريح ،وحركاته حركات
اضطرارية.
تقوم الساعة») ،هذا فيه دليل على مرتبة الكتابة. وماذا َأك ُت ُب؟ قال :اك ُتب مقاديركل ش يء حتى َ
َ
ََ ََ ّ َ
ما املقصود بقوله ﷺ(ِ :إن أ ّو َل َما ِخل َق هللا القل َم)؟ ومن أول املخلوقات التي ِخلقها هللا تعالى؟ هات
ً
دليا على ذلك.
معناه على الصحيح عند املحققين :إنه حين ِخلق هللا القلم..
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
166
ّ
و(إن) السمها ضمير الشأن محذوف ،إنه أول ما ِخلق هللا القلم فقال له اكتب؛ َّ َ
فـ(أول) هنا ظرف بمعنى حينِ ،
أي :حين ِخلق هللا القلم قال له :اكتب ،فيكون قول أكتب هذا من جهة الظرفية؛ يعني حين ِخلق هللا القلم قال
له أكتب.
ولهذا نقول الصحيح :أن العرش مخلوق قبل القلم كما قال ابن القيم رحمه هللا في النونية:
قولن عند أبي العا الهمذاني هل كان قبل العرش أو هو بعده
عند الكتابة كـ ـ ـ ـ ـان ذا أركـ ـ ـ ـ ـ ـ ـان والح ـ ـ ـق أن العـ ـ ـ ـرش قبـ ـل ألن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه
ِّ
باب ما جاء يف املصورين
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
167
ً
لغير آدمي من حيوان أو لنبات أو لجماد أو لسماء أو أرض ،فكل هذا يقال له مصور ،إذا كان يشكل بيده شيئا
على هيئة صورة -صورة معروفة .-وأراد بقوله (باب ما جاء في املصورين) أي :من الوعيد لهم .
كان من كمال التوحيد أن ل ُيرض ى بالتصوير ،وأن ل يفعل أحد هذا الش يء؛ ألن ذلك هلل جل وعا ،فالتصوير
من حيث الفعل مناف لكمال التوحيد ،وهذا هو منالسبة إيراد هذا الباب في هذا الكتاب.
واملنالسبة الثانية له :أن التصوير ولسيلة من ولسائل الشرك باهلل جل وعا ،والشرك وولسائله يجب وصدها
ُ
وغلق الباب؛ ألنها تح ِدث في الناس الشراك أو ولسائل الشراك.
التصويرله جهتان:
ّ
الجهة األولى :جهة املضاهاة بخلق هللا والتمثل بخلق هللا جل وعا ،وبصفته والسمه.
الثانية :أنه ولسيلة لإلشراك ،الصورة من حيث هي ولسيلة ،قد ل يشرك بالصورة املعينة التي عملت؛ ولكن
الصورة من حيث الجنس هي ولسيلة -ول شك -من ولسائل الشراك ،وشرك كثير من املشركين كان من جهة
الصور ،فكان من تحقيق التوحيد أن ل ّ
تقرالصور ألجل أن الصورة ولسيلة من ولسائل املشركين في عباداتهم.
[ 133البقرة.]11:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
168
َ ُ ُ َ َ َ َ َ َ َ ُّ َ َ
للا ت َعالىَ :و َمن أظل ُم ِم ّمن ذ َه َب َيخل ُق كخل ِقي؟ فل َيخلقوا عن أبي هريرة قال :قال رلسول هللاﷺ " :قال
ُُ َ ً ً َ ُُ َ ً َ
ذ ّرة ،أو ِل َيخلقوا َح ّبة ،أو ِل َيخلقوا ش ِع َيرة" هذا الحديث فيه معنى ،وفيه تمثيل ..وضح ذلك..
َّ ً ُ َ َ َ َ َ
املعنى في قوله ﷺَ ( :و َمن أظل ُم ِم ّمن ذ َه َب َيخل ُق كخل ِقي) فصار الظلم ُم َعلقا بأن العبد يخلق كخلق هللا جل
إذا وضع في األرض الذي هومن ِخلق هللا جل وعا ،أما ما صنعه املخلوق فإنه ل تكون فيه الحياة ،فالرز الصناعي
ََ
مثا -الذي تأكلونه -لو ُرمي في األرض ملا ِخرج منه لساق ،وملا ِخرج له جذر ،وملا كانت منه حياة ،،وأما الذي يكون
ً ُُ َ ُ َ ً َ
من ِخلق هللا جل وعا فهو الذي أودع فيه لسرحياة ذلك الجنس من املخلوقات( .فل َيخلقوا ذ ّرة ،أو ِل َيخلقوا َح ّبة،
ُُ َ ً َ
أو ِل َيخلقوا ش ِع َيرة)
ُُ َ ً ً َ ُُ َ ُ َ ً َ
عام يدل قوله ﷺ( :فل َيخلقوا ذ ّرة ،أو ِل َيخلقوا َح ّبة ،أو ِل َيخلقوا ش ِع َيرة)؟
قال بعض أهل العلم :إن هذا على وجه التعجيز ،فالذي يخلق كخلق هللا جل وعا فهذا من جهة ظنه ،أما من
مشب ًها نفسه باهلل جل وعا ،فصار أظلم الخلق. جهة الحقيقة فإنه ل أحد يخلق كخلق هللا ،ولهذا صارذلك ّ
ِ
ً َ ُُ َ ُ َ ً َ
ما الحكم الذي الستنبطة مجاهد وغيره من السلف من قوله ﷺ( ( :فل َيخلقوا ذ ّرة ،أو ِل َيخلقوا َح ّبة ،أو
ُُ َ ً
ِل َيخلقوا ش ِع َيرة)؟ وهل و افقهم جمهور العلماء في ذلك؟ ما الدليل الذي الستدلوا به؟
ُُ َ ً ً َ ُُ َ ُ َ ً َ
أن تصويرما ل حياة فيه أو ما ل روح فيه محرم؛ ألنه هنا قال (فل َيخلقوا ذ ّرة ،أو ِل َيخلقوا َح ّبة ،أو ِل َيخلقوا ش ِع َيرة)
فذكرالحبة والشعيرة ،قالوا :فتصويراألشجاروتصوير َ
الح ّب ونحو ذلك ل يجوز..
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
169
ّ
-جمهور العلماء على ِخاف ذلك ،فهم يرون أن األمر في هذا الحديث للتعجيز وليس لجهة التعليل ،ولهذا قال في
ُّ َ َ ّ َ ُّ َ َ َ ُ َ َ ّ َ ََ َ َ َ ََّ ُ ًَ
س ِبنا ِفخ) فلما قال( :كلف أنورة ِفي الدنيا كلف أن ينفخ ِفيها الروح وليالحديث الذي بعده قال( :من صور ص
نصبا على ما فيه روح ،أي على ما حياته بحلول الروح وح) علمنا َّ
أن النهي من جهة التصوير كان ُم ً َين ُف َخ ِف َيها ّ
الر َ
ألجل أنه :يضاهي بخلق هللا جل وعا ،وألن الصورة ولسيلة للشرك.
املضاهاة بخلق هللا جل وعا التي ُرّتب عليها بأن يكون فاعلها أشد الناس ً
عذابا يوم القيامة في هذا الحديث ِ
عند كثيرمن العلماء أنها ما كانت على وجه الكفر..
متى تكون املضاهاة في التصوير ً
كفرا؟
oالحالة األولى :أن يصور صنما ُليعبد ،أو يصور إلها يعبد في الو اقع ،فيصور ألهل البوذية صورة بوذا ،أو يصور
للنصارى املسيح ،أو يصور أم املسيح ونحو ذلك ،فتصويرما ُيعبد من دون هللا جل وعا مع العلم بأنه ُيعبد هذا
ً
شركا أكبرً ، صور ً
وكفرا باهلل جل وعا. وثنا ليعبد وهو يعلم أنه يعبد ،فيكون كفرباهلل جل وعا؛ ألنه
oوالحالة الثانية :أن يصور الصورة ويزعم أنها أحسن من ِخلق هللا جل وعا ،فيقول هذه أحسن من ِخلق هللا،
ُ ُ
أو أنا فقت في ِخلقي وتصويري ما فعل هللا جل وعا ،فهذا كفرأكبر ،وشرك أكبرباهلل جل جاله.
ّ َ َ ََ ً َ َ َ َ ّ َ ُ َ َ َ ّ ُ
اس عذابا يوم القيام ِة؛ ال ِذين يض ِاهئون ِبخل ِق ِ
للا). وهذا هو الذي حمل عليه الحديث وهو قوله (أشد الن ِ
ً ً
مخرجا من امللة؟ متى يكون التصويركبيرة من الكبائر ول يعد شركا
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
171
حين يرلسم الشخص بيده ،أو ينحت التمثال ،وينحت الصورة ،مما ل يدِخل في الحالتين السابقتين فهو كبيرة
ص َّو َر َها
ورة َ النارُ ،يج َع ُل َل ُه ب ُك ّل ُ
ص َ ّ ُ ّ ُ َّ
ِ عن ابن عباس رض ي هللا عنهما :لسمعت رلسول هللا ﷺ يقول" :كل مصور ِفي ِ
ّ س ُي َع ّذ ُب بها في َج َه ّن َم") قولهَ ( :نف )
س) أفاد أن ذلك التصوير وقع لش يء تحله النفس وهو الحيوانات أو َنف )
ِ
الدمي ،ولهذا صارالوعيد منصبا على ذلك..
ّ -قولهُ ( :ك ّل ُم َ
ص ّور ِفي الن ِار) يفيد أن التصويركبيرة من الكبائر.
ّ َ ُّ َ َ َ ُ َ َ ّ َ ََ َ َ َ ََّ ُ ًَ
س ِبنا ِفخ")؛ ألن الروح إنما هيورة ِفي الدنيا كلف أن ينفخ ِفيها الروح وليقال( :ولهما عنه مرفوعا "من صور ص
هلل جل وعا.
َََ َ ُ َ ً َ َّ َُ َ ََ َ َ ََ ََ ُ ُ ملسلم َعن َأبي ال َه ّياج ،قالَ ( :ق َ َ
ورة ال ِلي ع ِل ّي" :أل أبعثك عل َى ما بعث ِني علي ِه َرلسول ِ
هللا ﷺ :أن ل تدع ص ِ ِ
َ ً ّ َ َ ً ّ َ
ِإل ط َمس َت َهاَ ،ول قبرا ُمش ِرفا ِإل َلس ّويت ُه") ما وجه اللستدلل بتحريم التصويرمن هذا الحديث؟
وجه اللستدلل من هذا الحديث أنه قرن في األمر بين الصورة والقبر املشرف ،وبقاء القبر املشرف ولسيلة من
أيضا ولسيلة من ولسائل الشرك ،فالنبي عليه الصاة والسامولسائل الشرك ،وكذلك لاقتران بقاء الصورة ً
ً بعث ً
عليا بأن ل يدع صورة إل طمسها؛ ألن الصورة من ولسائل الشرك ،وأل يدع ً
قبرا مشرفا إل لسواه؛ ألن بقاء
هناك ِخاف في بعض مسائل التصويرمحله كتب الفقه ،والفتوى من جهة التصويرالحديث ،هذا الذي يكون
ً ً
باللت ،إما ما يخرج منها ثابتا كالكاميرا الفورية ،أو ما يبقى على الورق ،أو ما يكون منها متحركا كالتصوير
بالفيديو أو التلفزيون أو نحو ذلك ،وهذا محل الكام عليه كتب الفقه.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
171
من الظاهر والبين أن القلب املعظم هلل جل جاله -الذي إذا ذكر هللا َوجل قلبه -أنه ل يستعمل الحلف ،وكثرة
ً َ
الحلف ل تجامع كمال التوحيد ،فإن من ك ُمل التوحيد في قلبه ،أو قارب الكمال ل يكون جاعا هلل جل وعا في
أيمانه :يجعل هللا جل وعا في يمينه :إذا تكلم تكلم بالحلف ،وإذا باع باع بالحلف ،وإذا اشترى اشترى بالحلف
ما الواجب على العبد لكي يعظم هللا جل وعا حق التعظيم؟ ما املراد باليمين؟ وما حكم اليمين اللغو؟ وما
املستحب منه؟
يجب على العبد أل يكثراليمين ..واملقصود باليمين والحلف هنا اليمين املنعقدة التي عقدها صاحبها ،أما لغو
ّ
يخلص املوحد لسانه وقلبه من كثرة الحلف في اليمين فإن هذا معفو عنه مع أن الكمال فيه واملستحب أن ِ
الكرام ونحوه بلغو اليمين.
منالسبته ظاهرة وهي :أن تحقيق التوحيد وكمال التوحيد ل يجامع كثرة الحلف ،فكثرة الحلف منافية لكمال
َّ
التوحيد ،والحلف هو -كما ذكرنا -تأكيد األمربمعظم وهو هللا جل جاله ،فمن أكد وعقد اليمين باهلل جل وعا
ّ
وأكثر من ذلك وأكثر فإنه ل يكون ِ
معظما هلل جل جاله ،إذ هللا لسبحانه وتعالى يجب أن يصان السمه ويصان
الحلف به واليمين به إل عند الحاجة إليها ،أما كثرة مجيئه على اللسان فهو ليس من صفة أهل الصاح.
ّ
هات دليا على وجوب حفظ اليمين..
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
172
َ َ ُ َ َُ
﴿واحفظوا أيمانكم﴾ 134وهذا األمرللوجوب.. أمرهللا جل وعا بحفظ اليمين ،فقال:
ل يحلف عاقدا اليمين إل على أمر شرعي ّبين ،أما أن يحلف دائما ويجعل هللا جل وعا في يمينه فهذا ليس من
من هم الثاثة الذين توعدهم الرلسول باحتجاب هللا عنهم ،وعدم تزكيتهم ،وبالعذاب األليم؟
أشيمط زان ،وعائل مستكبر ،ورجل جعل هللا بضاعته ،ل يشتري إل بيمينه ،ول يبيع إل بيمينه..
أي من شمطه الشيب وقلبه متعلق بالزنا -والعياذ باهلل -والسبب في هذا العقاب أنه ليس عنده من الدواعي
َ َ
للزنا ما يجعله يقبل عليه- ،ليس كحال من كان شابا ،فهو قد َوِخط ُه الشيب) ،(137فيكون إذن في قلبه حب
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
173
املعصية وليست مسألة غلبة الشهوة ،ولهذا كان من أهل هذا الوعيد العظيم؛ بأن ل يكلمهم هللا ول يزكيهم وله
عذاب أليم.
قال العلماء :يكون الستكبارا للذات ،ويكون الستكبارا للصفات ،فإذا كان (الستكبارا للصفات) فهذا محرم
َ
ولكنه أهون ،كمن يكون ذا جاه ورفعة فيتكبرألجل ما له من الجاه والرفعة ،فهذا ل يجوز ،لكن عنده ما ُيوقع
في قلبه الشبهة والفتنة بالتكبرأو اللستكبار ،أو يكون ذا مال ،أو يكون ذا جمال ،أو يكون ذا لسمعة ونحو ذلك،
فعنده لسبب يجعله يتكبر ،وهذا يكثر في أهل الغنى ،فإن أهل الغنى يكون ً
كثيرا عندهم نوع تكبر على من كانوا
من أهل الفقر ،أو ليسوا من أهل الغنى ،فهذا عنده وصف جعله يتكبر..
لكن األعظم أن يكون تكبره في الذات؛ ألنه ليس عنده صفة تجعله متكبرا ،وهذا هو النوع األول وهو (الستكبار
للذات) ،يرى نفسه كبيرا ويتعاظم وهو ليس عنده ش يء من الصفات يجعله كذلك ،فهذا يكون ِفعله كبيرة من
الكبائر العظيمة ويدِخل في هذا الحديث ،ولهذا قال( :وعائل مستكبر) ،فهو ليس عنده من الصفات ما يكون
َ
اللستكبارشبهة عنده أو ألجل تلك الصفات أو يكون ثم فتنة عنده إل ملا قام في نفسه الخبيثة من الكبر.
"ورجل جعل هللا بضاعته ،ل يشتري إل بيمينه ،ول يبيع إل بيمينه"
ألنه مذموم وهو صاحب كبيرة؛ ألنه جعل هللا بضاعته يبيع باليمين ،ويشتري باليمين وهذا ل يجامع كمال
ً
مرتكبا ملحرم. التوحيد؛ بل ل يجامع تعظيم هللا جل وعا التعظيم الواجب ،فيكون
َ
بوننا على الشهادة َ َ
والعهد ونحن صغار) ِ ضر
قال إبراهيم النخعي( :كانوا ي ِ
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
174
كان السلف يؤدبون أولدهم وذراريهم على تعظيم هللا جل وعا ،فالشهادة والعهد واجب أن تكون مع التعظيم
هلل جل وعا والخوف من لقائه والخوف من الظلم ،فكانوا ّ
يؤدبون أولدهم على ذلك حتى يتمرنوا وينشأوا على
ِ
تعظيم توحيد هللا وتعظيم أمرهللا ونهيه.
هذا ابب عظيم من األبواب األخرية يف هذا الكتاب وهو (ابب ما جاء يف ذمة هللا وذمة نبيه صلى هللا عليه وسلم)
ِ ِ
ص ٍن فَأ ََر ُ
ادو َك أ ْن ََتْ َع َل ت أ َْه َل ح ْ
اص ْر َ
وذ ْك ُر اإلمام رمحه هللا هلذا الباب ألجل حديث بريدة الذي ساقه ،وفيه" :وإذا َح َ
(ابب ما جاء يف كثرة احللف) متعلق بتعظيم هللا جل وعال حني التعامل م الاا ،،و(ابب ما جاء يف ذمة هللا وذمة
الع ِسرة الصعبة وهي حال اجلهاد ،فاَ بَّه يف ذلك على أن تعظيم الرب جل
نبيه) متعلق ابلتعامل م الاا ،يف احلاالت َ
وعال يكون يف التعامل يف أعصب( )1احلاالت وهو اجلهاد ،فإن العبد يكون ُم َوقِّرا هللُِ ،مال هلل ،معظما ألامساهه وصفاته،
...
ومن ذاك أن يعظم ذمة هللا وذمة نبيه
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
175
ملاذا يتوجب على العبد أال يعطي الاا ،بذمة هللا وذمة نبيه ﷺ؛ بل يُعطي بذمته هو؟ وما املقصود ابلذمة؟
هذا ألجل تعظيم الرب جل وعال وتعظيم رسوله ﷺ ،فإن تعظيم هللا جل وعال يف مااجاته ،ويف سؤاله ،ويف العبادة له
جل وعال ،ويف التعامل م الاا ،هذا كله من كمال التوحيد ،والواجب على العبد أن يُ َع ِظّم هللا جل جالله وأن ال خيفر
عهده وذمته؛ ألنه إذا أعطى بذمة هللا فإنه جيب عليه أن يويف هبذه الذمة مهما كان حىت ال يُاسب الاقص لعدم تعظيم
والذمة مبعىن :العهد ،وذمة هللا أي :عهد هللا وعهد نبيه ،فإنه إذا كان يعطي بعهد هللا مث خيفر فقد خفر عهد هللا جل
. وعال وفجر يف ذلك ،وهذا ٍ
مااف لكمال التوحيد الواجب
هلذا كان إعطاء مثل هذه الكلمة مثل كثرة احللف ،فال جيوز أن َتعل يف العهد ذمة هللا وذمة نبيه صلى هللا عليه وسلم
كما ال جيوز كثرة األميان؛ ألن يف كل ماهما نَقصا يف تعظيم الرب جل جالله.
ِ
سر ابليمني ،فالعهد مبعىن العقد كما قال جل وعال﴿ :وأَ ْوفُوا ِ ِ ِ ِ
سر ابلعقد ،وفُ ّ
العهد يف قوله تعاىلَ ﴿ :وأ َْوفُوا ب َع ْهد هللا﴾ فُ ّ
ِابلع ْه ِد إِ َّن الع ْهد َكا َن مسئُوال﴾ ،139وقال جل وعالَ﴿ :ي أَيمها الَّ ِذين آماُوا أَوفُوا ِابلع ُق ِ
ود﴾ ،140فالعقد والعهد مبعىن؛ ُ َ َ ْ َ َ َْ َ َ
فلهذا فسر ﴿وأَوفُوا بِعه ِد ِ
هللا﴾ أبهنا العقود اليت تكون بني الاا.، َ ْ َْ
ُوا األ َْميَا َن ب ع َد تَوكِ ِ
يد َها﴾. ودل عليه قوله بعدها ﴿ َوَال تَ ْا ُق ُ ِ
سر العهد هاا أبنه اليمنيّ ،
َْ ْ ف ُف ّ
[.138النحل]19:
[. 131اإلسراء42:
[ 140المائدة9:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
176
وجيب على من أعطى عهدا الوفاء به ،وجيب الوفاء ابليمني تعظيما حلق هللا جل وعال ،ألن من أعطى اليمني هلل فإن
ُوا
هللا جل جالله تعظيما خاف بسببه من أن ال يقيم ما جيب هلل جل وعال من الوفاء ابليمني ،وهلذا قالَ ﴿ :وَال تَ ْا ُق ُ
يد َها َوقَ ْد َج َعلْتُ ُم هللاَ َعلَْي ُك ْم َك ِفيال ﴾ حني استشهدُّت هللا جل جالله أو حني حلفتم ابهلل جل جالله،
األ َْميَا َن ب ع َد تَوكِ ِ
َْ ْ
وهلذا ك ّفارة اليمني واجبة على ما هو مفصل يف موضعه من كتب الفقه.
واحلديث ظاهر ال ِّداللة على ما ذكران؛ ففيه تعظيم هللا جل جالله أبن ال يعطي العبد الاا ،بذمة هللا وذمة نبيه صلى
ما التابيه الذي جيب على أهل التوحيد وطالب العلم األخذ به يف تعاملهم م الاا،؟
هذا تابيه عظيم ألهل التوحيد وطلبة العلم الذين يهتمون بعلم التوحيد ،ويعرف الاا ،ماهم أهنم يهتمون
تدل على عدم َتََثملِهم ِهبذا العلم ،فإن التوحيد هو مقام األنبياء
هبذا العلم أال يب ُدر ماهم ألفاظ أو أفعال ّ
واملرسلني ومقام أولياء هللا الصاحلني ،فأن يتعلم طالب العلم مساهل التوحيد مث ال تظهر على لسانه ،أو على
جوارحه ،أو على تعامله ال شك أن هذا -ولو مل يشعر -يرج إىل اهتام ذلك الذي محله من التوحيد أو من
وذ ّمةَ نَبِيّ ِه" ألجل أنه قد يُدخل على أهل اإلسالم أو على الدين يف نفسه من جهة فعلهم ،فيخفرون هذه
َهلم ِذمةَ هللا ِ
ُْ ّ
الذمة ،فريج إخفار ذلك إىل اهتام ما محلوه من اإلسالم ومن الدين ،فهذه مسألة عظيمة ،فتستَُر أن الاا،
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
177
ياظرون إليك خاصة يف هذا الزمان -الذي هو زمان ُشبه وزمان فنت -ياظرون إليك أنك حتمل ُساّة ،حتمل توحيدا،
حتمل علما شرعيا ،فال تعاملهم إال بشيء يكون معه تعظيم الرب جل وعال ،وَتعل أولئك يعظمون هللا جل وعال
بتعظيمك له ،وال تفر يف اليمني ،وال تفر يف ذمة هللا ،أو تكون يف الشهادة حاهفا ،أو يف التعامل حاهفا؛ ألن ذلك
يب ُح ْك َم هللا في ِه ْم أم ال" وذلك حىت إذا كان ِ فال تُ ْا ِزُهلُ ْم على ُح ْك ِم هللا ولكن أنْ ِزْهلُ ْم على ُح ْك ِم َ
ك فَِإنّ َ
ك الَ تَ ْد ِري أتُص ُ
غلط فيكون الغلط ماسواب إىل من َح َك َم -إىل هذا البشر ، -وال يكون ماسواب إىل ُح ْكم هللا ،فيصد الاا ،عن دين
هللا ،وكم من الاا ،ممن محملون ساة ،أو علما ،أو محملون استقامة يسيئون أبفعاهلم وأقواهلم؛ ألجل عدم تعلمهم أو
فهمهم ما جيب هلل جل وعال ،وما جيب لساة الايب صلى هللا عليه وسلم ،وما يدعوهم إليه الرب الكرمي جل وعال
وتعاىل وتقد.،
نربأ إىل هللا جل وعال من كل نقص ،ونسأله أن يعفو ويتجاوز ويرمحاا مجيعا.
اّللُ لُِفالَ ٍن ،فقال هللاُ عز ال رجل :و ِّ
اّلل الَ يَغْ ِف ُر ّ َع ْن ُج ْا َدب بن عبد هللا رضي هللا عاه قال :قال رسول هللا ﷺ" :قَ َ َ ُ َ
ك" رواه مسلم.
ْت َع َملَ َ
َحبَط ُ الذي ي تأ ََّىل علَي أَ ْن الَ أَغْ ِفر لُِفالَ ٍن ،إِّن قَ ْد غَ َفر ُ ِ
وجل :من ذَا ِ
ت لهَُ ،وأ ْ ْ ّ َ ََ َ ّ َْ
ت دنْ ياه و ِ
آخ َرتَهُ. ويف حديث أيب هريرة أن القاهل رجل عابد ،قال أبو هريرة :تَ َكل ِ ِ ٍ
ّم ب َكل َمة أ َْوبَ َق ْ ُ َ ُ َ
َ
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
178
اإلقسام على هللا يكون على جهتني :اجلهة األوىل جهة فيها التأيل والتكرب والتجرب ،ورفعة هذا املتأيل نفسه حىت جيعل
احلديث ،فهذا يتأىل ،فيجعل هللا جل وعال محكم مبا اختاره هو من احلكم ،فيقول :وهللا ال محصل لفالن كذا ،تكربا
واحتقارا لآلخرين ،فرييد أن جيعل حكم هللا جل وعال كَكمه أتليا واستبعادا أن يفعل هللا جل وعال ما ظاه هو ،فهذا
التأيل واالستبعاد نوع حتكم يف هللا جل وعال ويف فعله ،وهذا ال يصدر من قلب معظم هلل جل وعال.
واجلهة الثانية :أن يقسم على هللا جل جالله ال على جهة التأيل؛ ولكن على جهة أن ما ظاه صَيح ،يف أمر وق
له ،أو يف أمر يواجهه ،فهذا يقسم على هللا أن يكون كذا يف املستقبل على جهة التذلل واخلُوع هلل ال على جهة
ألبره"
التأيل ،وهذا هو الذي جاء فيه احلديث "ومن عباد هللا من لو أقسم على هللا َّ
َقس َم
ألن الثاّن أقسم على هللا ال على جهة التعاظم والتكرب والتأيل؛ ولكن على جهة احلاجة واالفتقار إىل هللا ،فَني أ َ
َقس َم حمتاجا إىل هللا ،وأكد ذلك ابهلل وأبامساهه من جهة ظاه احلسن ابهلل جل وعال ،فهذا جاهز ،ومن عباد هللا من لو
أ َ
أقسم على هللا ألبره؛ ألنه قام يف قلبه من العبودية هلل والذل اخلُوع ما جعل هللا جل وعال جييبه يف سؤاله ويعطيه
وأما احلال األوىل فهي حال املتكرب املرتفِّ الذي يظن أنه بلغ مقاما حبيث يكون فعل هللا جل وعال تبعا لفعله ،فتكرب
واحتقر غريه.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
179
ِ
اّلل الَ ي غْ ِفر ّ ِ ٍ
اّللُ ل ُفالَن ،فقال هللاُ ال َر ُجلَ :و ّ َ ُ
َع ْن ُج ْا َدب بن عبد هللا رضي هللا عاه قال :قال رسول هللا ﷺ" :قَ َ
إىل هللا جل وعال بلغ مقاما يكون متَكما فيه أبفعال هللا جل وعال ،وأال يُرد شيء طلبه ،أو له أن يتَكم يف اخللق،
()1
وهذا ياايف حقيقة العبودية اليت هي التذلل هلل جل وعال
ِِ ِ
علي؛ ألن يتأىل من األليَّة وهي احللف ،وماه قوله تعاىل﴿ :للَّذ َ
ين يُ ْؤلُو َن علي ،ومحلف علي فيقسم َّ
أي :يتعاظم ويتكرب ّ
يم﴾ ،141واإليالء :من األلية وهي احللف ،ف (يَتَأ ََّىل) أي: ِمن نِّساهِ ِهم تَربص أَرب ع ِة أَ ْشه ٍر فَِإ ْن فَاءو فَِإ َّن هللا غَ ُف ِ
ور َرح ٌ
َ ٌ ُ َ ُ ُ َْ َ ُ َ
..
محلف على جهة التكرب والتعاظم
الرجل الطاحل ،الرجل الفاسق أاته خري من حيث ال يشعر ،وقيلت يف حقه كلمة -حبسب الظاهر -أهنا مؤذية له ،وأهنا
[141البقرة]442:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
181
فيها من االحتقار و االزدراء له ما جيعله يف ضعة بني الاا ،،حيث شهد عليه هذا الصاحل بقوله" :و ِّ
اّلل الَ يَغْ ِف ُر ّ
اّللُ َ َ
لُِفالَ ٍن"؛ فكانت هذه الكلمة اليت ساءته ،وكان فيها إيذاء له ،كانت فيها مصلَة عظيمة له أن غفر له ذنبه.
كيف ميكن أن يكون كالم الاا ،عن الشخص من أسباب اخلري له؟
لقد نبه الشيخ يف مساهل الباب مبسألة معااها :أن من االبتالء واإليذاء وكالم الاا ،يف املكلَّف -يف الشخص -ما
يكون أعظم أسباب اخلري له ،فالعربة ليس ابحتقار الاا ،،وال بكالمهم ،وال إبيذاههم ،وال بتصايفهم ،أو بقوهلم هذا
فالن كذا ،وهذا فالن كذا ،العربة حبقيقة األمر مبا عاد هللا جل جالله.
الواجب على العباد مجيعا أن يعظّموا هللا ،وأن خيبتوا إليه ،وأن يظاموا أهنم أسوأ اخللق حىت يكون يف قلوهبم أهنم أعظم
أما التعاظم يف الافس ،والتعاظم ابلكالم ،واملدح ،والثااء وحنو ذلك فليس من صاي اجمللِّني هلل جل وعال ،اخلاهفني من
تقلمب القلوب ،فاهلل جل وعال يقلب القلوب ،ويصرفها كيف يشاء ،فالقلب املخبت املايب محذر وخياف داهما من
لَظه ،وياتبه لسمعه ،وياتبه حلركاته؛ لعل هللا جل وعال أن مييته غري مفتون والِ
أن يتقلب قلبه ،فياتبه لافسه ،وياتبه ل ْ
خيزيه.
ُ
باب ال يستشفع باهلل على خلقه
ما املقصود من قوله صلى هللا عليه وسلم( :ال يستشف )؟ و ملاذا ال جيوز ؟
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
181
(ال يستشف ) أي :ال ُجيعل هللا شفيعا على اخللق ،وال جيوز ألن شأن هللا جل وعال أعظم وأجلم من أن يستشف به،
وجيعل واسطة لالنتفاع أبحد من اخللق ،فالشفاعة املعروفة :أتيت إىل أحد وتطلب أن يكون شفيعا عاد آخر؛ ألن ذلك
ُ
اآلخر هو الذي ميلك ما تريد والاف عاده ،وهذا يكون واسطة وال يستطي أن يافعك هو بافسه إال أبن يتوسط ،وهللا
جل جالله ال جيوز أن يظن به ذلك الظن ألنه ظن َسوء ابهلل جل جالله ،وهللا سبَانه ال يصلح أن ُجيعل واسطة ألحد
أو إىل أحد من اخللق ،أو على أحد من اخللق؛ بل هو جل وعال الذي ميلك األمور مجيعا.
ذكر الشيخ رمحه هللا حديث جبري بن مطعم كان الشاهد ماه أنه قال األعرايب للايب عليه الصالة والسالم:
ك َعلَى هللا" ماذا أراد األعرايب من قوله( :نَ ْستَ ْش ِف ُ ابهلل)؟ استَ ْس ِق لَاَا ربَّك فِإ ّان نَ ْستَ ْش ِف ُ ابهلل َعلَْي َ
ك وبِ َ "فَ ْ
....
أي جنعل هللا جل وعال واسطة يتوسط لاا عادك حىت تدعو
وهللا جل وعال هو امللك احلي القيوم ،امللك احلق املبني ،الذي نواصي العباد بيديه يصرفها كيف يشاء ،شأن هللا أعظم
من أن يستشف به على أحد من خلقه؛ بل الرجل أو املكلف يستشف أبحد من اخللق عاد خملوق آخر محتاجه يف
شيء ،وهللا جل وعال هو الذي ميلك األشياء مجيعا ،وهو الذي يصرف القلوب ،هو الذي بيده امللك وامللكوت ،هو
الذي بيده مقاليد السموات واألرض ،وبيده خزاهن كل شيء ﴿ َوإِن ِّم ْن َش ْي ٍء إَِّال ِع ْا َد َان َخ َزاهِاُهُ َوَما نُاَ ِّزلُهُ إَِّال بَِق َد ٍر
وم﴾ ،142فالعباد هم احملتاجون إىل هللا ،وشأن هللا أعظم من ذلك ِإذ املخلوق حقري وضي ابلاسبة إىل الرب جل معلُ ٍ
َْ
[ 141الحجر]49:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
182
جالله ،وهو -هذا املخلوق -ال يصلح أن ُجيعل هللا جل وعال واسطة عاده حىت يقبل هذه الواسطة؛ بل شأن هللا جل
مباذا كان رد الرسول صلى هللا عليه على قول األعرايب؟ وما معىن ذلك وملاذا كرره ؟
سبّ ُح :سبَان هللا؛ يعين تازيها وتعظيما هلل ،تازيها وإبعادا هلل
ال يُ َ
ول هللا" :سبَان هللا! سبَان هللا!" ،فَ َما َز َ
قال َر ُس ُ
َ
عن كل وصف سوء ،أو شاهبة نقص ،وعن كل ظن سوء به جل وعال ،وما زال يكررها حىت ُعرف ذلك يف وجوه
أصَابه من شدة تسبيَه وتازيهه لربه جل وعال ،وهذا من الغُب هلل جل جالله ،صلى هللا وسلم على نبياا حممد،
َح ٍد"
أَ
ما أثر تعلم أامساء هللا وصفاته؟
َمن علم أامساء هللا جل وعال وصفاته املستَقة له فإنه لن يدور خباطره ظ من َس ْوء به أو استاقاص له جل وعال.
إذن هذا الباب فيه كما يف األبواب قبله ما يتَرز به املوحد من األلفاظ اليت فيها ُسوء ظن ابهلل جل وعال ،وتاقص
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
183
ِّ
باب ما جاء يف محاية النبي ﷺ محى التوحيد وسده طرق الشرك
ما دور النبي ﷺ في ترلسيخ عقيدة التوحيد؟ وما السبيل لننجو بأنفسنا من الوقوع في الشرك؟
لقد حمى وحرس جناب التوحيدَ ،
وحمى ِحمى التوحيد ،ولسد كل طريق توصل إلى الشرك.
إن في لسنة النبي عليه الصاة والسام من الدلئل على قاعدة لسد الذرائع ما يبلغ مائة دليل أو أكثر ،وأعظم
من تلك الذرائع قول القائل :أنت لسيدنا و ابن لسيدنا ،وِخيرنا و ابن ِخيرنا ونحو ذلك ،فإن هذا فيها التعظيم
الذي ل يجوز أن َ
يواجه به بشر ،فإن النبي صلى هللا عليه ولسلم هو لسيد ولد آدم كما أِخبر به عليه الصاة
.
والسام؛ لكن كره املواجهة
ما الجو انب التي حرص الرلسول ﷺ على حمايتها حماية لجناب التوحيد؟ مع إعطاء مثال على كل جانب ؟
َ
كانت حماية النبي ﷺ ِحمى التوحيد ولسده طرق الشرك:
فإذا تأملت لسنته وما جاء في هذا الكتاب -كتاب التوحيد -وجدت أنه عليه الصاة والسام :لسد الباب في
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
184
األقوال التي توصل إلى الغلو املذموم فقال) :ل تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ،إنما أنا عبد،
في بيان حماية النبي ﷺ ِحمى التوحيد فيما يتعلق بالقول الذي قد يتبعه اعتقاد.
َُ َ َ َ ََ ُ
قال( :عن عبد هللا بن الشخيررض ي هللا عنه ،قال :انطلقت في َوف ِد َب ِني َع ِامر ِإلى َر ُلسو ِل هللا ﷺ ،فقلنا :أنت َلس ّي ُدنا.
ولوا ب َقولكم َأو َببعض َقول ُ
كم
ُ َ َ َُ َ ً ََ ََُ َ ً َ َ َ ُ ُ
الس ّي ُد هللا تبارك وتعالى) ،قلنا :و أفضلنا فضا وأعظمنا طول .فقال (ق ال ّ (: َ
فق َ
ِ ِ ِ ِ
ّ َ ُ َ َ ّ
َول َيستج ِرَينكم الشيطان) .رواه أبو داوود بسند جيد)
إن إطاق لفظ (السيد) على البشر هذا مكروه ،ومخاطبته بذلك يجب لسدها ،فا يخاطب أحد بأن يقال له:
أنت لسيدنا ،على جهة الجمع؛ وذلك ألن فيها نوع تعظيم :من جهة املخاطبة ،أي الخطاب املباشر ،والجهة
ما لسبب نهي النبي ﷺ للصحابة عن مخاطبتهم له بقولهم" :لسيدنا" على الرغم من أنه قد قال عن
كره عليه الصاة والسام مخاطبته (بسيدنا) مع كونه لسيدهم وِخيرهم؛ لكنه منع ذلك لئا تؤدي إلى ما هو
منالسبة هذا الحديث لهذا الباب ،أن من صدق قوله ﷺ السيد هللا تبارك وتعالى ،مع كونه عليه الصاة والسام
هو لسيد ولد آدم ما يفيد أنه عليه الصاة والسام حمى ِحمى التوحيد ،ولسد الطرق املوصلة الى الشرك ومنها
القول للرجل بأنه لسيد ونحو ذلك إذا كان على وجه املخاطبة له والضافة إلى الجمع فهذا أشدها.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
185
...
وإذا كان بدون املخاطبة له ولفظ الجمع فإنه أهون منه
ومما َذكر العلماء :أن قوله عليه الصاة والسام ّ
(الس ّي ُد هللا تبارك وتعالى) أنه ُيكره كراهة شديدة أن يقال
لبشر إنه السيد هكذا باأللف والام وكلمة لسيد؛ ألن هذا قد يفهم منه الستغراق معاني السيادة؛ ألن البشر له
لسيادة تخصه؛ لكن األلف والام هنا قد ُيفهم منه الستغراق ألفاظ السيادة.
...
ولهذا ترى أن الذين يشركون ببعض األولياء كالسيد البدوي يعظمون كلمة السيد
من املقصود بالسيد في ألسماء من تسموا (بعبد السيد)؟ وما اعتقادهم فيمن ِخاطبوه بذلك؟
ً
معبودا، يكثر عندهم (عبد السيد) ونحو ذلك ،ول يريدون به هللا جل وعا ولكن يريدون به ذلك الذي اتخذوه
وتوجهوا إليه ببعض أنواع العبادة ،فيفهمون من كلمة السيد أنه ذو السيادة وذو التصرف في األمر ،وهذا هو
ً ّ
الذي اعتقدوه من أن للبدوي وألمثاله أن لهم تصرفا في األرض وقبول للمطالب في الحاجات.
َ َُ َ ً َ َ َ َ ً
لم نهى الرلسول ﷺ عن قولهمَ ( :و أفضلنا فضا َوأعظ ُمنا طول) ؟
ألن هذا فيه الثناء واملدح باملواجهة ،وهذا من الشيطان ،فالشيطان هو الذي يفتح هذا الباب أن ُيمدح أحد
... َّ
ويعظم في مواجهته ،وذلك حتى يعظم في نفسه فيأتيه الخذلن
ولهذا نهى النبي ﷺ أن يقال بمثل ذلك القول مواجهة ،ونهى عن املدح؛ ألن فيه إضرارا باملتكلم وإضرارا باملقول
كل أحد تخلى عن (ل حول ول قوة إل باهلل) وتخلى عن الزدراء بالنفس والذل والخضوع الذي يعلمه هللا من
َ
قلبه فإنه ُيخذل ويأتيه األمرعلى ِغرة والعياذ باهلل .
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
186
هات دليا يوضح نهي الرلسول ﷺ عن النجراف ِخلف مغريات الشيطان ،م بيان سبب هنيه صلى هللا
عن ذلك ؟
نالسا قالوا :يا تعظيم الشخص ،ورفعه فوق منزلته إن هو إل من عمل الشيطان .عن أنس رض ي هللا عنه :أن ً
ُّ ُ ّ ُ ُ ُ
قولكم ول َيس َته ِو َينكم
اس قولوا ِب ِ رلسول هللا ،يا ِخيرنا و ابن ِخيرنا! ولسيدنا و ابن لسيدنا! فقال( :يا ّأيها الن
َ َ َ َ َ ) َ ّ َ ُ
أح ّب أن ترف ُعوني فوق َمن ِزل ِتي التي أنزلني هللا َع ّز َو َج ّل) .رواه النسائي ََ ُ
الشيطان ،أنا محمد عبد هللا ورلسوله ،ما ِ
...
بسند جيد
كان عليه الصاة والسام كما وصفوه؛ هو ِخيرهم وهو لسيدهم ؛ لكنه حمى ذلك الجناب ،جناب التوحيد وحمى
ِحمى التوحيد حتى ل يستدل أحد بعده عليه الصاة والسام بهذا الكام على أنه يجوز أن يقال ملن ظن الناس
فيه ذلك؛ بل لسد الباب في نفسه وهو لسيد ولد آدم وهو ِخيرهم عليه الصاة والسام و أفضلهم؛ ولكن لسد
َّ
املعظم
ِ الباب حتى ل يدِخل أحد منه بإقراره هذا الفعل فيعظم أحد ويدِخل الشيطان إلى ذلك املعظم وإلى
فيجعل القلوب تتعلق بذلك املعظم حتى ُي َ
شرك به ،فقد يعظم بما ل يجوز له من التعظيم.
كل طريق أو لسبيل يجعل النفس تتعاظم -من نفسه لنفسه أو من الخلق له -يجب على املسلم أن يسده؛ ألن
وجل تدعوه
أعظم مقامات الشرف لك أن يعلم هللا جل وعا منك أنك متذلل ِخاضع بين يديه ،و أنك ِخائف ِ
ُ َّ
﴿إ َّن ُهم
راغبا راهبا ،هذه صفة الخلص من عباد هللا جل وعا الذين وعدهم هللا جل وعا بالخيرات قال لسبحانهِ :
َ َ َ ََ ُ ََ ًَ ََ َ ً ََ ُ ََ َ َ ُ ُ َ ُ َ
ات ويدعوننا َرغبا ورهبا وكانوا لنا ِخ ِ
اش ِعين﴾.143 كانوا يس ِارعون ِفي الخير ِ
ما أنواع الخشوع؟ وكيف يمكن بلوغ كل نوع؟
[ 143األنبياء.]40:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
187
َ َ َّ َ َ َ ُ َ ً َ َ ُ َ
ضت ُه باب ما جاء في قول هللا تعالىَ ﴿ :و َما ق َد ُروا هللا حق قد ِر ِه واألرض ج ِميعا قب
ُ َ َ ُ َ َ َ َ َ َّ ُ ُ َ َّ َ َ ُ َ َ ) َ َ َ َ َ
يوم ال ِقيام ِة والسموات مط ِويات ِبي ِمي ِن ِه لسبحانه وتعالى عما يش ِركون﴾[الزمر]67 :
ُ
ِ ختم املصنف رحمه هللا الكتاب بهذا الباب وتعد منقبة للكتاب يحمد الشيخ عليها ،،،ملاذا؟
َ َ َّ َ َ َ ُ َ ً َ َ ُ َ
يعا قبضت ُه لقد أحسن الشيخ حينما جعل باب ما جاء في قول هللا تعالىَ ﴿ :و َما ق َد ُروا هللا حق قد ِر ِه واألرض ج ِم
ُ َ َ َ َ َّ َ َ ُ
ات َمطو َي )
ات ِب َي ِمي ِن ِه ُلسب َحان ُه َوت َعالى َع َّما ُيش ِركون﴾ .)145هو آِخرأبواب الكتاب؛ ألن من علم ِ َيو َم ال ِق َي َام ِة والسمو
ُ ً
حقيقة ما اشتمل عليه هذا الباب من وصف هللا جل وعا ،وعظمة هللا جل وعا فإنه ل يملك إل أن َيذ َّل ذل
ً
عظيما للرب جل جاله ،والصحيح والو اقع من حال الخلق أنهم لم يوقروا هللا جل ً
ِخضوعا ً
حقيقيا ويخضع
وعا ،وما قدروا هللا جل وعا :ل من جهة ذاته وقدرته وصفاته ،ول من جهة حكمته وبعثه لرلسله .قال جل
َ َ ُ َ َ ََ ُ َ َ َ وعاَ ﴿ :و َما َق َد ُروا َ
هللا َعلى َبشر ِمن ش يء﴾ ، 146فهذا في إنزال الكتاب ،وفي إرلسال هللا َح َّق قد ِر ِه ِإذ قالوا ما أنزل
الرلسول ﷺ.
َ ما املقصود من قوله تعالىَ ( :و َما َق َد ُروا َ
هللا َح َّق قد ِر ِه (؟
[ 144فصلت.]64:
[ 141الزمر.]69 :
[ 146األنعام.]41:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
188
َّ
يعني ما عظموه حق تعظيمه ،ولو عظموه حق تعظيمه ملا عبدوا غيره ،وملا أطاعوا غيره ،ولعبدوه حق العبادة،
َ َ ً
دائما و أنابوا إليه بخشوع وِخشية؛ ولكنهم َ(ما ق َد ُروه َح َّق قد ِر ِه) يعني ما عظموه حق ً
وِخضوعا ً و لذلوا له ذل
تعظيمه الذي يجب لقدره جل وعا ،وعظم ذاته لسبحانه وتعالى وصفاته.
َّ َ َ ُ
ات َمطو َي ) َ َ ُ َ ً َ َ
ض ُت ُه َيو َم الق َي َ َ ﴿و َما َق َد ُروا َ
ات ِب َي ِمي ِن ِه ِ و م والس ة
ِ ام ِ هللا َح َّق قد ِر ِه واألرض ج ِميعا قب في قوله تعالىَ :
ُ َ َ َ َ
ُلسب َحان ُه َوت َعالى َع َّما ُيش ِركون﴾ اشتملت الية الكريمة على صفة ذاتية هلل تعالى فماهي ؟
إن عقل النسان ل يمكن أن يتحمل صفة هللا جل وعا على ما هو عليه ،لذا فإن هللا جل وعا ّبين لك بعض
َّ َ َ ُ
ات َمطو َي ) َ َ ُ َ ً َ َ
ض ُت ُه َيو َم الق َي َ
ات ِب َي ِمي ِن ِه﴾ ،فإذا نظرت إلى هذه ِ و م والس ة
ِ ام ِ صفاته فقال لسبحانه﴿ :واألرض ج ِميعا قب
األرض -على ِعظمها ،وعلى غرور أهلها فيها ،-ونظرت إلى حجمها وإلى لسعتها وإلى ما فيها فهي قبضة الرحمن جل
َ َ ُ َ ً َ َُ
يعا قبضت ُه َيو َم وعا؛ يعني في داِخل قبضة الرحمن جل وعا يوم القيامة كما وصف ذلك بقوله﴿ :واألرض ج ِم
ال ِق َي َام ِة﴾ فنفهم من ذلك أن كف الرحمن جل وعا وأن يد الرحمن جل وعا أعظم من هذا ،وكذلك السماوات
َ َّ َ َ ُ
ات َمطو َي )
ات ِب َي ِمي ِن ِه﴾ وقال في ِ مطويات كطي السجل في كف الرحمن جل وعا ،كما قال لسبحانه هنا﴿ :والسمو
يد ُه﴾ ،147فهذه صفات هللا السج ّل لل ُك ُتب َك َما َب َدأ َنا َأ َّو َل َِخلق ُنع ُ
َّ َ َ َ َ ّ ّ َ َ َ
ِ آية لسورة األنبياء﴿ :يوم نط ِوي السماء كط ِي ِ ِ ِ ِ ِ
جل جاله ،فإن األرض التي يتعاظمها أهلها ،والسماوات التي يتعاظمها من نظرفيها هي صغيرة و آيلة في الصغر
ّ
وأجل؛ بل هولسبحانه وتعالى الوالسع إلى أن تكون في كف الرحمن جل وعا ،وهللا لسبحانه وتعالى أعظم من ذلك
الحميد ،الذي له الحمد كله وله الثناء كله .ويبين لك ذلك عظمة الرب جل وعا في ذاته ،وعظمة الرب جل
...
وعا في صفاته
[ 147األنبياء.]109:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
189
إذا تأملت في األحاديث النبوية ،ونظرت إلى هذه األرض ،ونظرت إلى لسعتها ،وغرورأهلها بها ،وبقواهم فيها ،نظرت
إلى أن األرض بالنسبة إلى السماء أنها صغيرة ،وأن بين األرض وبين السماء األولى مسيرة ِخمسمائة لسنة في مسير
الراكب السريع ،وكذلك بين السماء األولى والسماء الثانية مسيرة ِخمسمائة لسنة ،وهكذا حتى تنتهي السبع
السماوات.
كيف بين لنا النبي صلى هللا عليه ولسلم عظمة الكرس ي؟
َّ
مثل النبي عليه الصاة والسام السماوات السبع في الكرس ي -الذي هو فوق ذلك وهو أكبربكثيرمن السماوات-
بقوله (إن السماوات السبع كدراهم لسبعة ألقيت في ترس) أي :هذه السماوات صغيرة جدا بالنسبة إلى
الكرس ي؛ بل كدراهم لسبعة ألقيت في ترس ،والترس مكتنفها متقوس عليها ،فهي صغيرة فيه ،وهو والسعها ،كما
ُ الس َم َاو َ َ َ َ َ َ ُ ُ
ود ُه حفظ ُه َما﴾ 148 قال جل وعا عن الكرس ي ﴿ َولس َع ُكرلسي ُه َّ
ات واألرض ول يؤ ِ ِ ِ ِ
فاألرض التي أنت فيها ،و أنت فيها في نقطة صغيرة ،صغيرة هي بالنسبة إلى السماء ،هذا وصفها ،واألرض
....
والسماوات بالنسبة للكرس ي هذا وصفه ،والكرس ي أيضا فوقه ماء ،وفوق ذلك عرش الرحمن جل وعا
الكرس ي بالنسبة إلى العرش كحلقة ألقيت في فاة من األرض ،فهو متناهي الصغر بالنسبة إلى عرش الرحمن،
هذه املخلوقات جميعا تتناهى في الصغر ،فأنت على هذه األرض التي تتعاظمها تتناهى في الصغر ،فما بقي إل
أن تعلم أن هللا جل جاله املستوي على عرشه الذي له علو الذات على ِخلقه ،وعلو الصفات ،وعلو القهر،
وعلو القدر ،أنه هو العظيم وهو الوالسع وهو الحميد ،وأن الخلق ما قدروه حق قدره جل وعا ،كما قال
[ 148البقرة.]155:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
191
لسبحانه( :وما قدروا هللا حق قدره) ما عظموه حق تعظيمه؛ ألنهم تعاظموا وتكبروا وتجبروا ،ونظروا ألنفسهم
لو تأمل العباد صفة الرب جل وعا وما يجب له من الجال ،وما هو عليه لسبحانه وتعالى من صفات الذات،
َ
ومن صفات الفعل ،وما هو في ذلك على الكمال األعظم ،فإنهم لسيحتقرون أنفسهم ،ولسيعلمون أنه ما ثم
الحقيق بأن يذل له ،وان يطاع و أن ُيجل أن ُيسأل ،وأن يبذل كل ما يملكه العبد في لسبيل مرضاته جل وعا،
فإذا تأمل العبد صفات الربوبية وصفات الجال وصفات الجمال هلل جل وعا ،وأن ذات هللا جل وعا عظيمة،
َ
و أنه لسبحانه وتعالى مستو على عرشه ،بائن من ِخلقه على هذا العظم ،وجد أنه ما ثم إل أنه يتوجه إليه
إن من عبد املخلوق الحقير الوضيع فإنه قد نازع هللا جل وعا في ملكه ،و في إلهيته ،ولهذا يحق أن يكون من
أهل الناراملخلدين فيها ً
عذابا دائما؛ ألنه توجه إلى هذا املخلوق الضعيف وترك الرب العلي القادرعلى كل ش يء
لسبحانه وتعالى.
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
191
َ
إذا تأملت ربك العزيزالحكيم املتصف بصفات الجال وهو جل وعا فوق عرشه يأمروينهى في ملكوته الوالسع
ولي النعمة والفضل ،فترى أفعال هللا جل وعا في السماوات ،وترى عبودية املائكة في السماوات ،تراها متجهة
َ َ َ ّ إلى هذا الرب العظيم املستوي على عرشه ،كما قال عليه الصاة والسامَ « :أ ّطت ّ
الس َم ُاء َو ُح ّق ل َها أن ت ِئطَ ،ما ِ
اجد» وهذا ألجل تعظيمهم ألمر هللا ،فتنظر إلى ََ ) َ ََ ) ّ َََ ) َ َ ُ َ َ َ َ
ِفيها مو ِضع أرب ِعة أص ِابع ِإل وملك قائم أو ملك راكع أو ملك لس ِ
نفوذ أمرهللا في ملكوته الوالسع الذي ل نعلم منه إل ما حولنا من هذه األرض ،وما هو قريب منها؛ بل نعلم بعض
ثم تنظرإلى أن هللا جل وعا ،هذا الجليل العظيم املتصف بهذا امللك العظيم أنه يتوجه إليك أيها العبد الحقير
الوضيع فيأمرك بعبادته ،وهي شرف لك لو شعرت ،ويأمرك بتقواه و بطاعته وذاك شرف لك لو شعرت ،فإنه
إذا علمت حق هللا ،وعلمت صفات هللا ،وما هو عليه من العلو املطلق في ذاته وصفاته جل وعا ،وفي نفوذ أمره
في هذه السموات السبع التي هي في الكرس ي كدراهم ألقيت في ترس ،ثم ما فوق ذلك ،والجنة والناروما في ذلك،
وجدت أنك ل تتمالك إل أن تخضع له جل وعا ِخضوعا اِختياريا ،وأن تذل له ،وأن تتوجه إلى طاعته ،وأن
تتقرب إليه بما يحب ،و أنك إذا تلوت كامه تلوت كام من يخاطبك به ويأمر وينهى به ،فيكون عندك حينئذ
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
192
اذكرلسببا من ألسباب رلسوخ اليمان في القلب ،،وهات دليا يدعو املؤمنين لألِخذ بهذا السبب ؟
من ألسباب رلسوخ اليمان في القلب وتعظيم الرب جل وعا أن يتأمل العبد ويتفكرفي ملكوت السموات واألرض
ُ َ َ َّ َ َ َ َ ُ َ َ ُ
ض﴾ ،149وقال جل وعا﴿ :أ َولم َينظ ُروا ات و ِ
راأل كما أمرهللا جل وعا بذلك حين قال﴿ :ق ِل انظ ُروا ماذا ِفي السماو ِ
ُ َّ هللا من َش يء﴾ ،150وقال ً األ َ َ َ َ َ ُ َّ َ َ َ َ ََُ
أيضا جل وعا في وصف الخلص من عبادهِ ﴿ :إ َّن ض وما ِخلق ِ ات و ر ِ وت السماو ِ ِفي ملك ِ
وداللا ق َي ًاما َو ُق ُع ً َّ َ َ ُ ُ َ
ون َّ َ اب ( )190ال ِذين يذكر َ َ ُ َّ َ َّ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ
ِ ض واِخ ِتا ِف اللي ِل والنه ِار ليات ِألو ِلي األلب ِات واألر ِ
ِفي ِخل ِق السماو ِ
َّ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ َ ً ُ َ َ َ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َّ َ َ َ ََ ُ ُ
اب النا ِر ()191 اطا لسبحانك ف ِقنا عذ ض ربنا ما ِخلقت هذا ب ِ وعلى جن ِوب ِهم ويتفك ُرون ِفي ِخل ِق السماو ِ
ات واألر ِ
نصار﴾ ،151إلى آِخر دعواتهم وهم يذكرون هللا ً
قياما لظامل َين من َأ َ َّ َّ َ َ َ َ َ َ ُ َ َ َ َّ َ َّ َ َ ُ
ربنا ِإنك من تد ِِخ ِل النار فقد أِخزيته وما ِل ِ ِ ِ
وقعودا وعلى جنوبهم يتفكرون ،ومع ذلك يسألون النجاة من النار ،فهم في ذل وِخضوع ملا عرفوا من آثارتوحيد ً
[ 141يونس.]101:
[ 110األعراف.]125:
[ 111آل عمران.]141 -140:
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ
.
193
دورة
حفظه اهلل
عرب مواقع التواصل االجتامعي دورة رشح كتاب التوحيد -املرحلة الثانية /لفضيلة الشيخ :صالح آل الشيخ