Professional Documents
Culture Documents
تعلّم وتعليم *
التّعريف :
-التّعلّم لغة :مصدر تعلّم .والتّعلّم مطاوع التّعليم ،يقال :علّمته العلم فتعلّمه . 1
والتّعليم مصدر علّم :يقال :علّمه إذا عرّفه ،وعلّمه وأعلمه إيّاه فتعلّمه ،وعلم المر
وتعلّمه :أتقنه .والعلم نقيض الجهل .والعلم أيضا :هو اعتقاد الشّيء على ما هو عليه
على سبيل الثّقة .وجاء بمعنى :المعرفة أيضا .
ن العلم اختصّ بما كان بإخبار سريع
قال الرّاغب :التّعليم والعلم في الصل واحد ،إل أ ّ
،والتّعليم اختصّ بما يكون بتكرير وتكثير ،حتّى يحصل منه أثر في نفس المتعلّم .
وربّما استعمل التّعليم بمعنى العلم إذا كان فيه تكرير نحو { أَ ُتعَّلمُونَ الّل َه بِدِي ِنكُمْ } .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ للتّعليم عمّا ذكر .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّثقيف :
-التّثقيف :مصدر ثقّف .يقال :ثقّفت الرّمح :أي سوّيته وأزلت عوجه ويقال :رجل 2
ثقف :إذا كان حاذقا فطنا سريع الفهم ،وثقّف النسان :أدّبه وعلّمه وهذّبه .
فالتّثقيف أع ّم من التّعليم .
ب -التّدريب :
-التّدريب :من الدّربة ،وهي :التّجربة والتّعوّد والجرأة على المر . 3
فيقال :أدّبته -بالتّشديد -إذا علّمته رياضة النّفس ومحاسن الخلق .والسم :الدب .
قال أبو زيد النصاريّ :الدب يقع على كلّ رياضة محمودة يتخرّج بها النسان في فضيلة
من الفضائل .ويأتي التّأديب أيضا بمعنى :العقوبة .يقال .أدّبته تأديبا :إذا عاقبته على
إساءته ،لنّه سبب يدعو إلى حقيقة الدب .
الحكم التّكليفيّ
أ -التّعلّم :
-تعلّم العلم تعتريه الحكام التية : 5
قد يكون التّعلّم فرض عين وهو تعلّم ما ل ب ّد منه للمسلم ،لقامة دينه وإخلص عمله للّه
ح به عقيدته
تعالى أو معاشرة عباده .فقد فرض على كلّ مكلّف ومكلّفة -بعد تعلّمه ما تص ّ
ح به العبادات والمعاملت من الوضوء والغسل والصّلة
من أصول الدّين -تعلّم ما تص ّ
والصّوم ،وأحكام الزّكاة ،والحجّ لمن وجب عليه ،وإخلص النّيّة في العبادات للّه .ويجب
تعلّم أحكام البيوع على ال ّتجّار ليحترزوا عن الشّبهات والمكروهات في سائر المعاملت ،
وكذا أهل الحرف ،وكلّ من اشتغل بشيء يفرض عليه تعلّم حكمه ليمتنع عن الحرام فيه .
وقد يكون التّعلّم فرض كفاية ،وهو تعلّم كلّ علم ل يستغنى عنه في قيام أمور الدّنيا كالطّبّ
والحساب والنّحو واللّغة والكلم والقراءات وأسانيد الحديث ونحو ذلك .
ومن التّعلّم ما هو مندوب ،ومنه التّبحّر في الفقه بالتّوسّع فيه ،والطّلع على غوامضه ،
وكذا غيره من العلوم الشّرعيّة .
وقد يكون التّعلّم حراما :ومنه تعلّم الشّعوذة .وضرب الرّمل ،والسّحر وكذا الكهانة ،
والعرافة .وقد يكون التّعلّم مكروها ،ومنه تعلّم أشعار الغزل ممّا فيه وصف النّساء
ص.
المعيّنات ،وتفصيل كلّ ما تقدّم في مصطلحه الخا ّ
وقد يكون التّعلّم مباحا ،ومنه الشعار الّتي ليس فيها ما ينكر من استخفاف بأحد المسلمين
أو ذكر عوراتهم أو نحو ذلك .
ب -التّعليم :
-قال النّوويّ :تعليم الطّالبين فرض كفاية ،فإن لم يكن هناك من يصلح إلّا واحد تعيّن 6
عليه .وإن كان جماعة يصلحون ،فطلب ذلك من أحدهم فامتنع فهل يأثم ؟ يجري في ذلك
وجهان .والصحّ :ل يأثم .هذا ويلزم تعليم العلم اللّازم تعليمه ،كاستعلم كافر يريد
السلم عن السلم ،أو استعلم حديث عهد بالسلم عن صلة حضر وقتها ،وكالمستفتي
في الحلل والحرام فإنّه يلزم في هذه المور الجابة ،ومن امتنع كان آثما .
وليس كذلك المر في نوافل العلم الّتي ل ضرورة بالنّاس إلى معرفتها .
ج :ينبغي للعالم ،أو يتعيّن عليه :إذا رأى النّاس قد أعرضوا عن العلم أن
قال ابن الحا ّ
يعرض نفسه عليهم ،لتعليمهم وإرشادهم وإن كانوا معرضين .
-وقد حثّ الشّرع على تعليم العلوم الّتي تحتاجها المّة في دينها ودنياها ،وجاءت اليات 7
والحاديث والخبار بذلك .ومن اليات قول اللّه تعالى { :فَلول َنفَ َر مِنْ ُكلّ فِرْ َق ٍة مِ ْن ُهمْ
ن وَلِيُنْذِرُوا قَومَهم إذا َرجَعُوا إليهم َلعَلّهم َيحْذَرُون } والمراد هو
طَا ِئ َفةٌ لِيَ َت َفقّهُوا في الدّي ِ
س وَل
ق الّذينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيّنُنّه للنّا ِ
التّعليم .وقوله جلّ شأنه { :وَإذْ َأخَذَ الّل ُه مِيثَا َ
َتكْ ُتمُونَه } وهو إيجاب للتّعليم .
وقوله تعالى { :وَإنّ فَرِيقَا مِنْهم لَ َيكْ ُتمُونَ الحقّ وهم َيعْلَمون } وهو تحريم للكتمان .
وقال صلى ال عليه وسلم « :من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة » .
وقال صلى ال عليه وسلم « :طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ،وإنّ طالب العلم يستغفر
له كلّ شيء حتّى الحيتان في البحر » .
وقوله عليه السلم « :طلب العلم فريضة على ك ّل مسلم » .
والتّحقيق حمل العلم في الحديثين السّابقين على المعنى العامّ ،فيشمل علوم الشّرع :علم
الكلم ،والفقه ،والتّفسير ،والحديث ،وعلوم الدّنيا .ومنها الزّراعة ،والصّناعة ،
والسّياسة ،والحرف ،والطّبّ ،والتّكنولوجيا ،والحساب ،والهندسة وغير ذلك من أنواع
العلوم ،وما يرتبط به مصالح أمور الدّنيا .
فضل التّعليم والتّعلّم :
-وردت اليات والخبار والثار ،وتطابقت الدّلئل ال صّريحة على فضيلة العلم ،والح ثّ 8
الصّغير ما تصحّ به عقيدته من إيمان باللّه وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر ،وما تصحّ
به عبادته ،ويعرّفه ما يتعلّق بصلته وصيامه وطهارته ونحوها ،وذلك لقول النّبيّ صلى
ال عليه وسلم « :مُرُوا أولدكم بالصّلة وهم أبناء سبع سنين ،واضربوهم عليها وهم
أبناء عشر سنين ،وفرّقوا بينهم في المضاجع » .
ويعرّفه تحريم الزّنا واللّواط والسّرقة وشرب المسكر والكذب والغيبة وشبهها ،كما يعلّم أنّه
بالبلوغ يدخل في التّكليف ،ويعرّف ما يبلغ به .
وقيل هذا التّعليم مستحبّ ،ونقل الرّافعيّ عن الئمّة وجوبه على الباء والمّهات ،وهذا ما
صحّحه النّوويّ .
ن آمَنُوا قُوا أَنْفسَكمْ َوأَهليكمْ
ودليل وجوب تعليم الصّغير :قول اللّه ع ّز وجلّ { :يا أيّها الّذي َ
ي بن أبي طالب رضي ال عنه ومجاهد وقتادة :معناه علّموهم ما ينجون به
نَارَا } قال عل ّ
من النّار " وهذا ظاهر " وثبت في الصّحيحين عن ابن عمر رضي ال عنهما عن رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :كلّكم راع ومسئول عن رعيّته » .
ي أمانة عند والديه ،وقلبه الطّاهر جوهرة نفيسة
قال القاضي أبو بكر بن العربيّ :إنّ الصّب ّ
ساذجة خالية عن كلّ نقش وصورة ،وهو قابل لك ّل نقش وقابل لكلّ ما يمال به إليه ،فإن
عوّد الخير وعلّمه نشأ عليه وسعد في الدّنيا والخرة ،يشاركه في ثوابه أبواه وكلّ معلّم له
ومؤدّب ،وإن عوّد الشّ ّر وأهمل شقي وهلك ،وكان الوزر في رقبة القيّم به والول يّ عليه .
ومهما كان الب يصون ولده من نار الدّنيا فينبغي أن يصونه من نار الخرة ،وهو أولى ،
وصيانته بأن يؤدّبه ويهديه ويعلّمه محاسن الخلق ،ويحفظه من قرناء السّوء ،ول يعوّده
التّنعّم ،ول يحبّب إليه الزّينة وأسباب الرّفاهية فيضيع عمره في طلبها إذا كبر ويهلك هلك
ال بد .وينب غي أن يعلّ مه أيضا من أمور الدّن يا ما يحتاج إل يه من :ال سّباحة والرّ مي وغ ير
ذلك ممّا ينف عه في كلّ زمان بح سبه .قال ع مر ر ضي ال ع نه " :علّموا أولد كم ال سّباحة
والرّماية ،ومروهم فليثبوا على الخيل وثبا ".
هذا وللتّف صيل في العلم المحمود والعلم المذموم ،وأق سامهما وأحكامه ما ،و ما هو يتعيّن
طلبه وتعلّمه وما هو فرض كفاية ( ر :علم ) .
تعليم النّساء :
-ل خلف بين الفقهاء في مشروعيّة تعليم النّساء القرآن والعلوم والداب . 12
ومن الفقهاء من قال بوجوب قيام المتأهّلة من النّساء بتعليم علوم الشّرع ،كما كانت
عائشة رضي ال عنها ونساء تابعات ،وقد قال اللّه تعالى لنساء نبيّه عليه الصلة والسلم
ح ْك َمةِ }
ت الّل ِه وَال ِ
ن مَا يُتْلَى في بُيُو ِتكُنّ مِنْ آيَا ِ
{ :وَا ْذكُرْ َ
ويجب أن يكون تعليم النّساء مع مراعاة آداب أمر الشّارع المرأة بالتزامها للحفاظ على
عرضها وشرفها وعفّتها ،من عدم الختلط بالرّجال وعدم التّبرّج ،وعدم الخضوع بالقول
إذا كانت هناك حاجة للكلم مع الجانب .
وللتّفصيل ( ر :اختلط ،أنوثة ،تبرّج ،حجاب ،عورة ) .
ويجب تعليم النّساء العلوم الّتي تعتبر ضروريّة بالنّسبة للنثى كطبّ النّساء .
قال في الجوهرة :إذا كان المرض في سائر بدن المرأة يجوز النّظر إليه عند الدّواء ،لنّه
موضع ضرورة ،وإن كان في موضع الفرج فينبغي أن يعلّم امرأة تداويها . .قال ابن
عابدين :والظّاهر أنّ " ينبغي " هنا للوجوب .وللتّفصيل ( ر :تطبيب ،وتداوي ) .
هذا ويرى أكثر الفقهاء عدم الكراهة في تعليم النّساء الكتابة كالرّجل .فقد أخرج أحمد وأبو
ي رسول
داود والنّسائيّ من حديث الشّفاء بنت عبد اللّه رضي ال عنها .قالت « :دخل عل ّ
اللّه صلى ال عليه وسلم وأنا عند حفصة فقال :أل تعلّمين هذه رقية النّملة كما علّمتها
الكتابة » .قال الشّيخ مجد الدّين بن تيميّة في المنتقى :وهو دليل على جواز تعلّم النّساء
الكتابة .وقد سرد ابن مفلح في الداب الشّرعيّة الحاديث الّتي يؤخذ من ظاهرها النّهي عن
تعليم النّساء الكتابة ،إل أنّه قد ضعّف هذه الحاديث ،أو أعلّها بالوضع .
الضّرب للتّعليم :
-للمعلّم ضرب الصّبيّ الّذي يتعلّم عنده للتّأديب .وبتتبّع عبارات الفقهاء يتبيّن أنّهم 13
ضمان عليه .وبهذا قال الحنفيّة .إل أنّهم يشترطون لنفي الضّمان أن يكون الضّرب قد
ي ،فضل عن كونه لم يخرج عن الضّرب المعتاد كمّا وكيفا ومحلّا
حصل بإذن الب أو الوص ّ
،فإذا ضرب المعلّم صبيّا يتعلّم منه بغير إذن الب أو الوصيّ ضمن عند الحنفيّة ،لنّه متعدّ
في الضّرب ،والمتولّد منه يكون مضمونا عليه .
وقال الشّافعيّة :لو مات المتعلّم من ضرب المعلّم ،فإنّه يضمن وإن كان بإذن الوليّ وكان
مثله معتادا للتّعليم ،لنّه مشروط بسلمة العاقبة إذ المقصود التّأديب ل الهلك ،فإذا حصل
به هلك تبيّن أنّه جاوز الحدّ المشروع .وللتّفصيل ( ر :تأديب .ضمان .قتل ) .
الستئجار لتعليم القرآن والعلم الشّرعيّ :
-ل خلف بين الفقهاء في جواز أخذ الرّزق من بيت المال على تعليم القرآن وتدريس 15
علم نافع من حديث وفقه ونحوهما ،لنّ هذا الرّزق ليس أجرة من كلّ وجه بل هو كالجرة.
وإنّما اختلفوا في الستئجار لتعليم القرآن والحديث والفقه ونحوهما من العلوم الشّرعيّة :
فيرى متقدّمو الحنفيّة -وهو المذهب عند الحنابلة -عدم صحّة الستئجار لتعليم القرآن
والعلم الشّرعيّ ،كالفقه والحديث .لحديث عبادة بن الصّامت رضي ال عنه قال « :علّمت
صفّة القرآن والكتابة ،فأهدى إليّ رجل منهم قوسا .قال :قلت :قوس ،
ناسا من أهل ال ّ
ي صلى ال عليه وسلم
وليس بمال .قال :قلت :أتقلّدها في سبيل اللّه ،فذكرت ذلك للنّب ّ
وقصصت عليه القصّة ،فقلت :يا رسول اللّه ،رجل أهدى إليّ قوسا ممّن كنت أعلّمه
ب أن تطوّق
الكتاب والقرآن ،وليست بمال ،وأرمي عنها في سبيل اللّه ،قال :إن كنت تح ّ
ي بن كعب رضي ال عنه ،أنّه علّم رجلً سورة من
طوقا من نار فأقبلها » .وحديث « أب ّ
القرآن ،فأهدى له خميصة أو ثوبا ،فذكر ذلك للنّبيّ صلى ال عليه وسلم فقال :إنّك لو
لبستها للبسك اللّه مكانها ثوبا من نار » ولنّه استئجار لعمل مفروض ،فل يجوز ،
كالستئجار للصّوم والصّلة ،ولنّه غير مقدور الستيفاء في حقّ الجير ،لتعلّقه بالمتعلّم ،
ن الستئجار على تعليم القرآن
فأشبه الستئجار لحمل خشبة ل يقدر على حملها بنفسه ،ول ّ
والعلم سبب لتنفير النّاس على تعليم القرآن والعلم ،لنّ ثقل الجر يمنعهم من ذلك ،وإلى
ن َمغْ َرمٍ مُ ْثقَلُونَ }
هذا أشار اللّه ج ّل شأنه في قوله عزّ وجلّ َ { :أمْ َتسْألهم أَجرا فَهم مِ ْ
فيؤدّي إلى الرّغبة عن هذه الطّاعة ،وهذا ل يجوز .
وذهب متأخّرو الحنفيّة -وهو المختار للفتوى عندهم -والمالكيّة في قول ،وهو القول
الخر عند الحنابلة -يؤخذ ممّا نقله أبو طالب عن أحمد -إلى جواز الستئجار على تعليم
القرآن والفقه ،لخبر « :إنّ أحقّ ما أخذتم عليه أجرا كتاب اللّه » ولما روي عن عبد
الجبّار بن عمر أنّه قال :كلّ من سألت من أهل المدينة ل يرى بتعليم الغلمان بالجر بأسا .
ولنّ الحفّاظ والمعلّمين -نظرا لعدم وجود عطيّات لهم في بيت المال -ربّما اشتغلوا
بمعاشهم ،فل يتفرّغون للتّعليم حسبة ،إذ حاجتهم تمنعهم من ذلك ،فلو لم يفتح لهم باب
التّعليم بالجر لذهب العلم وق ّل حفّاظ القرآن .
ي من أن يتوكّل لهؤلء السّلطين ،ومن أن يتوكّل لرجل
قال أحمد بن حنبل :التّعليم أحبّ إل ّ
من عامّة النّاس في ضيعة ،ومن أن يستدين ويتّجر ،لعلّه ل يقدر على الوفاء فيلقى اللّه
بأمانات النّاس .
والمذهب عند المالكيّة :جواز الستئجار على تعليم القرآن ،أمّا الجارة على تعليم الفقه
وغيره من العلوم ،كالنّحو والصول والفرائض فإنّها مكروهة عندهم .
وفرّق المالكيّة بين جواز الجارة على تعليم القرآن ،وكراهتها على تعليم غيره :بأنّ
ق والباطل.
ق ل شكّ فيه ،بخلف ما عداه ممّا هو ثابت بالجتهاد ،فإنّ فيه الح ّ
القرآن كلّه ح ّ
وأيضا فإنّ تعليم الفقه بأجرة ليس عليه العمل بخلف القرآن ،كما أنّ أخذ الجرة على
تعليمه يؤدّي إلى تقليل طالبه .
وذهب الشّافعيّة -على الصحّ -إلى جواز الستئجار لتعليم القرآن بشرط تعيين السّورة
ح .وقيل :ل يشترط تعيين واحد منهما .أمّا
واليات الّتي يعلمها ،فإن أخلّ بأحدهما لم يص ّ
الستئجار لتدريس العلم فقالوا :بعدم جوازه إل أن يكون الستئجار لتعليم مسألة أو مسائل
مضبوطة ،فيجوز .وقد فصّل الفقهاء القول في شروط الستئجار على تعليم القرآن
والعلم ،عند الكلم عن الستئجار على الطّاعات ،يرجع إليها في أبواب ( الجارة ) من كتب
الفقه.
الستئجار على تعليم الحرف والعلوم غير الشّرعيّة :
-ل خلف بين الفقهاء في جواز الستئجار على تعليم الحرف والصّناعات المباحة الّتي 16
تتعلّق بها المصالح الدّنيويّة ،كخياطة وحدادة وبناء وزرع ونسيج ونحو ذلك .
ويرى جمهور الفقهاء صحّة الجارة على تعليم العلوم سوى العلوم الشّرعيّة البحتة ،كاللّغة
والداب ،لنّها تارة تقع قربة وتارة تقع غير قربة ،فلم يمنع من الستئجار عليه لفعله ،
كغرس الشجار وبناء البيوت ،لكون فاعلها ل يختصّ أن يكون من أهل القربة .
وذهب المالكيّة إلى كراهة الجارة على تعليم مثل هذه العلوم .وللتّفصيل في شروط
ج.)1 151 الستئجار على تعليم الحرف والعلوم ( ر :مصطلح إجارة ف
تعليم علوم محرّمة :
-ل يجوز تعليم علوم محرّمة ،كالكهانة والتّنجيم والضّرب بالرّمل وبالشّعير 17
وبالحمّص ،والشّعبذة ،وعلوم طبائع وسحر وطلسمات بغير العربيّة لمن ل يعرف معناها
ص الحديث الصّحيح« في
وتلبيسات .فتعليم كلّ ذلك محرّم وأخذ العوض عليها حرام بن ّ
النّهي عن حلوان الكاهن » والباقي في معناه .
هذا ،وليس من المنهيّ عنه تعليم وتعلّم علم النّجوم ليستدلّ به على مواقيت الصّلة والقبلة
واختلف المطالع ونحو ذلك .وللتّفصيل ( ر :علم ) .
تعليم الجوارح :
-ل خلف بين الفقهاء في أنّه يشترط لحلّ ما قتلته الجوارح من الصّيد :كون الجارح 18
تعمّد *
انظر :عمد .
تعمّم *
انظر :عمامة .
تعمير *
انظر :عمارة .
تعميم *
التّعريف :
-التّعميم لغة :جعل الشّيء عامّا أي شامل ،يقال :ع ّم المطر الرض :إذا شملها . 1
إل في حالة التّعذّر والضّرورة .واتّفق الفقهاء -ما عدا الزّهريّ -على أنّ الذنين ليستا
من الوجه ،فل يجب غسلهما بالماء في الوضوء .
وخالف الحنابلة الئمّة الثّلثة في داخل الفم والنف ،وقالوا :إنّهما من الوجه ،فيفترض
غسلهما أي بالمضمضة للفم والستنشاق للنف .
والمعتبر عند الئمّة الثّلثة :غسل ظاهر النف .
-واتّفق الئمّة الربعة على وجوب تعميم اليدين والمرفقين بالماء ،وقالوا :إذا لصق 3
باليدين ،أو بأصل الظّفر طين أو عجين ،يجب إزالته وإيصال الماء إلى أصل الظّفر ،وإل
ن بعض الحنفيّة
بطل وضوءه .ويجب غسل تكاميش ( تجاعيد ) النامل ليعمّها الماء ،إل أ ّ
يرى ضرورة غسل الوساخ اللّاصقة بباطن الظّفر الطّويل ،فإن لم يفعل بطل وضوءه .
واغتفروا للخبّاز الّذي تطول أظفاره ،فيبقى تحتها شيء من العجين لضرورة المهنة .
وقال المالكيّة :إنّ وسخ الظفار يعفى عنه إلّا إذا تفاحش وكثر ،فيجب إزالته ليصل الماء
إلى ما تحت الظّفر .أمّا الشّافعيّة فقالوا :إنّ الوساخ الّتي تحت الظفار إن منعت من
وصول الماء إلى الجلد المحاذي لها من الصبع ،فإنّ إزالتها واجبة ليعمّ الماء الجلد ،ولكن
يعفى عن العمّال الّذين يعملون في الطّين ونحوه ،بشرط ألّا يكون كثيرا يلوّث رأس الصبع.
ب -الغسل :
ن من أركان الغسل
ن تعميم الجسد كلّه بالماء فرض في الغسل ،ل ّ
-اتّفق الفقهاء على أ ّ 4
:تعميم الجسد .واختلفوا في داخل الفم والنف ،فقال الحنفيّة والحنابلة :إنّه من البدن ،
فالمضمضة والستنشاق فرض عندهما في الغسل ،وقال المالكيّة والشّافعيّة :إنّ الفرض
هو غسل الظّاهر فقط ،فل تجب المضمضمة والستنشاق في الغسل .
ويجب تعميم شعره وبشره وإيصال الماء إلى منابت شعره وإن كثف .
ويجب نقض ضفائر ل يصل الماء إلى باطنها إلّا بالنّقض .
وقال بعض المالكيّة :يستثنى من وجوب غسل الرّأس في الغسل العروس إذا كان شعرها
مزيّنا ،فل يجب عليها غسله ،بل يكفيها المسح ،قالوا :لما في الغسل من إضاعة المال .
كما يجب غسل ما ظهر من صماخي الذنين ،وما يبدو من شقوق البدن الّتي ل غور لها .
واتّفقوا على ضرورة إيصال الماء إلى ما يمكن إيصاله إليه من أجزاء البدن ،ولو كانت
غائرة ،كعمق السّرّة ومح ّل العمليّات الجراحيّة الّتي لها أثر غائر .
ولكنّ الشّافعيّة اعتبروا شعب الذن يدخل فيه القرط من الباطن ،ل من الظّاهر ،فل يلزم
إدخال الماء إليه ولو أمكن ،واتّفقوا على إزالة كلّ حائل يمنع وصول الماء إلى ما تحته ،
كعجين وعماص في العين ليحصل التّعميم .
ج -التّيمّم :
-اختلف الفقهاء في تعميم أعضاء التّيمّم بالمسح .فقال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : 5
يجب تعميم المسح على الوجه ويدخل فيه اللّحية ولو طالت ،لنّها من الوجه ،لمشاركتها
في حصول المواجهة .والمعتبر توصيل التّراب إلى جميع البشرة الظّاهرة من الوجه ،وإلى
ما ظهر من الشّعر .ول يجب إيصال التّراب إلى ما تحت الحاجبين والشّارب والعذارين
ي صلى ال عليه وسلم وصف التّيمّم ،واقتصر على ضربتين ،ومسح
والعنفقة لنّ النّب ّ
وجهه بإحداهما ،ومسح إحدى اليدين بالخرى وبذلك ل يصل التّراب إلى باطن هذه الشّعور
ن المعتبر هو تعميم المسح ل التّراب .ويجب تعميم
للمشقّة في إيصاله فسقط وجوبه ،ول ّ
مسح يديه وكوعيه مع تخليل أصابعه على الرّاجح عند المالكيّة .ويلزم نزع الخاتم -ولو
مأذونا فيه أو واسعا -وإلّا كان حائل ،وهذا عند المالكيّة ( .ر :تيمّم ) .
وقال الحنفيّة :تعميم الوجه واليدين بالمسح في التّيمّم شرط ل ركن .فإن كان المسح
بيده ،فإنّه يشترط أن يمسح بجميع يده أو أكثرها ،والمفروض المسح باليد أو ما يقوم
مقامها ،ويجب مسح الشّعر الّذي يجب غسله في الوضوء ،وهو المحاذي للبشرة ،فل
يجب مسح ما طال من اللّحية وقالوا :إنّ تحريك الخاتم الضّيّق والسّوار يكفي في التّيمّم ،
لنّ التّحريك مسح لما تحته ،والمفروض هو المسح ل وصول الغبار .
د -الدّعاء :
ن التّعميم في الدّعاء من السّنّة لقوله تعالى { وَاسْ َتغْفِ ْر لِذَنْبِكَ
-اتّفق الفقهاء على أ ّ 6
وللمؤمنينَ وَالمُؤمناتِ } ولخبر « ما من دعاء أحبّ إلى اللّه من أن يقول العبد :اللّهمّ
ارحم أمّة محمّد رحمة عامّة » ولحديث « العرابيّ الّذي قال :اللّهمّ ارحمني ومحمّدا ،ول
ترحم معنا أحدا فقال :لقد تحجّرت واسعا »
تعميم الصناف الثّمانية في الزّكاة :
-اختلف الفقهاء في وجوب تعميم الصناف الثّمانية في الزّكاة ،فالجمهور على أنّه غير 7
واجب ،وذهب الشّافعيّة إلى وجوبه على تفصيل ينظر في ( الزّكاة ) .
تعميم الدّعوة إلى الولئم :
-اختلف في حكم الدّعوة العامّة ،وهي الّتي تسمّى ( الجفلى ) فالجمهور على جواز 8
إجابتها ،
وذهب الحنابلة إلى جواز إجابتها مع الكراهة ،على تفصيل ينظر في مصطلح ( دعوة ) .
تعوّذ *
انظر :استعاذة .
تعويذ *
التّعريف :
-التّعويذ في اللّغة :مصدر عوّذ ،من عاذ يعوذ عوذا :بمعنى التجأ .قال اللّيث يقال : 1
فلن عوذ لك :أي ملجأ ويقال :عذت بفلن :استعذت به :أي لجأت إليه وهو عياذي :
أي ملجئي .والعوذة :ما يعاذ به من الشّيء ،والعوذة والتّعويذة والمعاذة كلّه بمعنى :
الرّقية الّتي يرقى بها النسان من فزع أو جنون .والجمع :عوذ وتعاويذ ،ومعاذات
والتّعويذ في الصطلح يشمل الرّقى والتّمائم ونحوها ممّا هو مشروع أو غير مشروع .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الرّقية :
-الرّقية في اللّغة :من رقاه يرقيه رقية بمعنى :العوذة والتّعويذ .قال ابن الثير : 2
الرّقية :العوذة الّتي يرقى بها صاحب الفة ،كالحمّى والصّرع وغير ذلك من الفات ،لنّه
يعاذ بها .ومنه قوله تعالى { :وَقِي َل :مَنْ رَاقٍ } أي من يرقيه ؟ تنبيها على أنّه ل راقي
يرقيه ،فيحميه .وعرّفها بعض الفقهاء :بأنّها ما يرقى به من الدّعاء لطلب الشّفاء .
فالرّقية أخصّ من التّعويذ ،لنّ التّعويذ يشمل الرّقية وغيرها ،فكلّ رقية تعويذ ول عكس .
ب -التّميمة :
-التّميمة في اللّغة :خيط أو خرزات كان العرب يعلّقونها على أولدهم ،يمنعون بها 3
العين في زعمهم ،فأبطلها السلم .قال الخليل بن أحمد :التّميمة قلدة فيها عوذ .
ومعناها عند أهل العلم :ما علّق في العناق من القلئد خشية العين أو غيرها .
وفي الحديث « :من تعلّق تميمة فل أتمّ اللّه له » أي :فل أتمّ اللّه صحّته وعافيته .
وهي عند الفقهاء :العوذة الّتي تعلّق على المريض والصّبيان ،وقد يكون فيها القرآن وذكر
اللّه إذا خرز عليها جلد .فالتّميمة عند الفقهاء أيضا :نوع من التّعويذ والفرق بينها وبين
الرّقية :أنّ الولى هي تعويذ يعلّق على المريض ونحوه ،والثّانية تعويذ يقرأ عليه
ج -الودعة :
-الودعة :شيء أبيض يجلب من البحر يعلّق في أعناق الصّبيان وغيرهم . 4
فالتّفل شبيه بالبزق ،وهو أقلّ منه ،أوّله البزق ،ثمّ التّفل ،ثمّ النّفث ،ثمّ النّفخ .
فكلّ من التّفل ،والنّفث ،والنّفخ قد يكون من ملبسات التّعاويذ .
و -النّشرة :
-النّشرة في اللّغة :كالتّعويذ والرّقية .يعالج بها المجنون والمريض وحلّ السّحر عن 7
المسحور ،وفي الحديث « فلعلّ طِبّا أصابه ،يعني سحرا ،ث ّم َنشّره ب قل أعوذ بربّ النّاس
» أي رقاه .والتّنشير :الرّقية أو كتابة النّشرة .
وفي الصطلح :هي أن يكتب شيئا من أسماء اللّه تعالى أو من القرآن ،ثمّ يغسله بالماء ،
ثمّ يمسح به المريض أو يسقاه .أو يكتب قرآن وذكر بإناء لحامل لعسر الولدة ،ولمريض
يسقيانه ونحو ذلك .
ز -الرّتيمة :
-الرّتيمة والرّتمة :خيط يربط بأصبع أو خاتم لتستذكر به الحاجة ،ويقال :أرتمه :إذا 8
شدّ في أصبعه الرّتيمة وقيل :هي خيط كان يربط في العنق أو في اليد في الجاهليّة لدفع
المضرّة عن أنفسهم على زعمهم .
الحكم التّكليفيّ للتّعويذ :
-يختلف حكم التّعاويذ باختلف ما تتّخذ منه التّعاويذ .وتنقسم إلى ثلثة أقسام : 9
ي :إنّ الجواز مقيّد باجتماع ثلثة شروط عند جميع العلماء وهي:
بذلك جائز ،وقال السّيوط ّ
أ -أن يكون بكلم اللّه أو بأسمائه وصفاته .
ي وبما يعرف معناه .
ب -أن يكون باللّسان العرب ّ
ن التّعويذ والرّقية ل تؤثّر بذاتها ،بل بتقدير اللّه تعالى .وقيل :إن كان مأثورا
ج -يعتقد أ ّ
ي :أنّه إذا كان مفهوم المعنى ،وكان فيه ذكر اللّه ،فإنّه يستحبّ .
فيستحبّ .وذكر الخطّاب ّ
وأنّ الرّقية الّتي أمر بها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم هو ما يكون بقوارع القرآن وبما
فيه ذكر اللّه تعالى .وما نهي عنه هو رقية العزّامين ،ومن يدّعي تسخير الجنّ .
وبالجواز قال أيضا الحسن البصريّ ،وإبراهيم النّخعيّ ،والزّهريّ والثّوريّ وآخرون .
-واحتجّ المجوّزون بأحاديث كثيرة منها : 12
الشّوكانيّ :بأنّه يكره من الرّقى ما لم يكن بذكر اللّه وأسمائه خاصّة ،ليكون بريئا من
شوب الشّرك قال :وعلى كراهة الرّقى بغير القرآن علماء المّة .وقال القرطبيّ :هذا ليس
من الواجب اجتنابه ول من المشروع الّذي يتضمّن اللتجاء إلى اللّه والتّبرّك بأسمائه ،
ي به ،فينبغي أن يجتنب كالحلف بغير اللّه .
فيكون تركه أولى ،إل أن يتضمّن تعظيم المرق ّ
الغرض من اتّخاذ التّعاويذ :
أ ّولً :الستشفاء :
أ -الستشفاء بالقرآن :
ح َمةٌ لِلْمؤمنين ،
شفَا ٌء وَ َر ْ
ن ما هو ِ
ن القُرْآ ِ
-الصل في هذا الباب قوله تعالى { وَنُنَ ّز ُل مِ َ 14
عائشة رضي ال عنها « أنّه صلى ال عليه وسلم كان يعوّذ أهل بيته ،يمسح بيده اليمنى ،
ويقول :اللّهمّ ربّ النّاس أذهب البأس واشف أنت الشّافي ،ل شفاء إلّا شفاؤك ،شفاء ل
يغادر سقما » وفي حديث آخر عن عثمان بن أبي العاص « رضي ال عنه أنّه شكا إلى
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وجعا يجده في جسده منذ أسلم ،فقال له رسول اللّه صلى
ال عليه وسلم :ضع يدك على الّذي تألّم من جسدك ،وقل :بسم اللّه ثلثا ،وقل سبع
مرّات :أعوذ بعزّة اللّه وقدرته من شرّ ما أجد وأحاذر » .
ثانيا :استمالة الزّوج :
-ما يستخدم لتحبيب الزّوجة أو الزّوج يسمّى " تولة " كما سبق ( ف . ) 5 - 16
ن ذلك حرام ل يحلّ ،وعلّل ابن وهبان بأنّه ضرب من السّحر ،والسّحر
صرّح الحنفيّة :أ ّ
حرام .ومقتضاه أنّه ليس مجرّد كتابة آيات ،بل فيه شيء زائد ،كما روي عن ابن مسعود
رضي ال عنه أنّه قال « :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول :إنّ الرّقى
والتّمائم والتّولة شرك » .
ن ذلك حرام ل يحلّ .
وفي الجامع الصّغير :امرأة أرادت أن تضع تعويذا ليحبّها زوجها ،أ ّ
عقّارٍ
وأمّا ما تتحبّب به المرأة إلى زوجها من كلم مباح أو ما تلبسه للزّينة ،أو تطعمه من ُ
مباح أكله ،أو أجزاء حيوان مأكول ممّا يعتقد أنّه سبب إلى محبّة زوجها ،لما أودع اللّه
تعالى فيها من الخواصّ بتقدير اللّه .ل أنّه يفعل بذاته .
ن هذا جائز ،ل أعرف الن ما يمنعه في الشّرع .
فقال ابن رسلن من الشّافعيّة :الظّاهر أ ّ
ثالثا :دفع ضرر العين :
الكلم هنا في مواضع :
أ -الصابة بالعين :
ن الصابة بالعين ثابتة موجودة ،ولها تأثير في النّفوس ،
-ذهب جمهور العلماء إلى أ ّ 17
ي ،والحيوان .
وتصيب المال ،والدم ّ
ق ،ولو
والصل في ذلك ما رواه مسلم من حديث ابن عبّاس رضي ال عنه رفعه « العين ح ّ
كان شيء سابق القَدَر سبقته العين ،وإذا اسْ ُت ْغسِلْتُم فاغسلوا » .وما روى أبو هريرة
ق .ونهى عن الوشم » .
رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :العين ح ّ
وأنكر طائفة من الطّبائعيّين وطوائف من المبتدعة العين لغير معنى ،وأنّه ل شيء إل ما
تدركه الحواسّ الخمس وما عداها فل حقيقة له .
والدّليل على فساد قولهم :أنّه أمر ممكن ،والشّرع أخبر بوقوعه فل يجوز ردّه .
ب -الوقاية من العين :
ذكر العلماء للوقاية من العين الطّرق التية :
أ -قراءة بعض الدعية والذكار من قبل العائن :
-ذهب جمهور العلماء إلى أنّ قراءة بعض الدعية المأثورة ،واليات القرآنيّة تدفع 18
ن ولد جعفر تسرع إليهم العين ،أونسترقي لهم ؟ قال :نعم » الحديث .
اللّه :إ ّ
وفي رواية عن جابر بن عبد اللّه رضي ال عنهما أنّه صلى ال عليه وسلم قال لسماء :
ن العين تسرع
« ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة ؟ أتصيبهم الحاجة ؟ قالت :ل ،ولك ّ
إليهم ،قال ارقيهم ،قالت :فعرضت عليه ،فقال :ارقيهم » .
ج -الستشفاء من إصابة العين :
-صرّح العلماء بوجوب الغتسال للستشفاء من إصابة العين ،فيؤمر العائن بالغتسال 20
،ويجبر إن أبى ،لما روي عن عائشة رضي ال عنها قالت « :كان يؤمر العائن فيتوضّأ ،
ثمّ يغتسل منه المعين » .والمر حقيقة للوجوب ،ول ينبغي لحد أن يمنع أخاه ممّا ينتقع
به ،ول يضرّه هو ،ول سيّما إذا كان هو الجاني عليه .
د -المعروف بالصابة بالعين وما عليه :
-نقل ابن بطّال عن بعض العلماء ،أنّه ينبغي إذا عرف واحد بالصابة بالعين أن يجتنب 21
ويحترز منه ،وينبغي للمام منعه من مداخلة النّاس ،ويلزمه بيته ،وإن كان فقيرا رزقه
ما يكفيه ،فضرره أكثر من ضرر آكل الثّوم والبصل الّذي منعه النّبيّ صلى ال عليه وسلم
من دخول المسجد لئل يؤذي النّاس ،ومن ضرر المجذوم الّذي منعه عمر رضي ال عنه .
وقال النّوويّ :هذا القول صحيح متعيّن ،ل يعرف عن غيره تصريح بخلفه .
رابعا :دفع البلء :
-كان أهل الجاهليّة يعلّقون التّمائم والقلئد ،ويظنّون أنّها تقيهم وتصرف عنهم البلء ، 22
فأبطلها السلم ،ونهاهم رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عمّا كانوا يصنعونه من ذلك في
جاهليّتهم بقوله « :من تعلّق تميمة فل أتمّ اللّه له ،ومن علّق ودعة فل ودع اللّه له »
وذلك لنّه ل يصرفه إل اللّه ع ّز وجلّ ،واللّه تعالى هو المعافي والمبتلي .
أ -تعليق التّعويذات على النسان :
ي صلى
-إن كان المعلّق خرزا أو خيوطا أو عظاما أو نحو ذلك فذلك حرام ،لقول النّب ّ 23
ال عليه وسلم « :من تعلّق شيئا وكل إليه » .ولحديث « أنّه صلى ال عليه وسلم أبصر
على عضد رجل حلقة -أراه قال من صفر -فقال :ويحك ما هذه ؟ قال :من الواهنة .
قال أمّا إنّها ل تزيدك إل وهنا ،انبذها عنك فإنّك لو متّ وهي عليك ما أفلحت أبدا » .
وإن كان المعلّق شيئا ممّا كتب فيه الرّقى المجهولة والتّعوّذات الممنوعة فذلك حرام أيضا .
لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :من تعلّق تميمة فل أتمّ اللّه له ،ومن تعلّق ودعة فل
ودع اللّه له » .وإن كان المعلّق شيئا كتب فيه شيء ممّا يجوز السترقاء به من القرآن أو
الدعية المأثورة ،فقد اختلف في جواز ذلك :
فقالت طائفة :يجوز ذلك .وهو قول عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي ال عنه ،وهو
ظاهر ما روي عن عائشة رضي ال عنها وبه قال أبو جعفر ،وأحمد في رواية .وحملوا
حديث النّهي عن التّمائم على ما فيه شرك ونحوه من الرّقى الممنوعة على ما تقدّم بيانه .
وقالت طائفة أخرى :ل يجوز ذلك ،وبه قال ابن مسعود وابن عبّاس ،وهو ظاهر قول
حذيفة وعقبة بن عامر وابن حكيم رضي ال عنهم ،وبه قال جمع من التّابعين ،منهم
أصحاب ابن مسعود .
قال إبراهيم النّخعيّ :كانوا -يعني أصحاب ابن مسعود -يكرهون التّمائم كلّها ،من
القرآن وغيره .وكرهه أحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه ،وجزم به المتأخّرون ،
لعموم النّهي عن التّمائم ،ولسدّ الذّريعة ،لنّ تعليقه يفضي إلى تعليق غيره ،ولنّه إذا
علّق فل ب ّد أن يمتهنه المعلّق ،بحمله معه في حال قضاء الحاجة والستنجاء ونحو ذلك .
والّذين ذهبوا من العلماء إلى جواز تعليق التّعويذ اشترطوا ما يلي :
- 1 -أن يكون في قصبة أو رقعة يخرز فيها .
- 2 -أن يكون المكتوب قرآنا ،أو أدعية مأثورة .
- 3 -أن يترك حمله عند الجماع أو الغائط .
- 4 -أل يكون لدفع البلء قبل وقوعه ،ول لدفع العين قبل أن يصاب ،قالت عائشة رضي
ال عنها :ما تعلّق بعد نزول البلء فليس من التّمائم .
ب -تعليق التّعويذات على الحيوان :
-وأمّا تعليق التّعويذ على الحيوان فل يخلو إمّا أن يكون الحيوان طاهرا ،فيكره لنّه 24
فعل غير مأثور ،ولما فيه من المتهان وملبسة النجاس والقذار ،وهذا بخلف الصّبيان
ونحوهم فلهم من يصونهم ويمنعهم من ذلك .
وإن كان الحيوان نجسا كالكلب ونحوه فل إشكال في التّحريم .
تعليق الجنب والحائض التّعاويذ :
-ذهب القائلون بجواز تعليق التّعاويذ إلى أنّه ل بأس بتعليق الجنب والحائض التّعاويذ 25
أو بشدّها على العضد إذا كانت ملفوفة ،أو خرز عليها أديم .
رقية الكافر للمسلم وعكسه :
أ -رقية الكافر للمسلم :
-اختلف الفقهاء في جواز رقية الكافر للمسلم فذهب الحنفيّة والمام الشّافعيّ ،وهو 26
رواية عن مالك إلى :جواز رقية اليهوديّ والنّصرانيّ للمسلم إذا رقى بكتاب اللّه وبذكراللّه.
ن أبا بكر رضي ال عنه دخل على عائشة رضي ال تعالى عنها
لما روي في موطّأ مالك :أ ّ
وهي تشتكي ،ويهوديّة ترقيها ،فقال أبو بكر :ارقيها بكتاب اللّه .
قال الباجيّ :يحتمل -واللّه أعلم -أن يريد بقوله " بكتاب اللّه " أي " بذكر اللّه ع ّز وج ّل "
أو رقية موافقة لما في كتاب اللّه ،ويعلم صحّة ذلك بأن تظهر رقيتها ،فإن كانت موافقة
لكتاب اللّه أمر بها .وفي رواية أخرى عن مالك أنّه قال :أكره رقى أهل الكتاب ،ول
أحبّه ،لنّنا ل نعلم هل يرقون بكتاب اللّه ،أو بالمكروه الّذي يضاهي السّحر .
ب -رقية المسلم للكافر :
-ل خلف بين الفقهاء في جواز رقية المسلم للكافر .واستدلّوا بحديث أبي سعيد 27
ي -الّذي
) ووجه الستدلل أنّ الح ّ 14 الخدريّ رضي ال عنه الّذي سبق ذكره ( ف -
ي صلى ال عليه
نزلوا عليهم فاستضافوهم فأبوا أن يضيّفوهم -كانوا كفّارا ،ولم ينكر النّب ّ
وسلم ذلك عليه .
أخذ الجرة على التّعاويذ والرّقى :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز أخذ الجرة على التّعاويذ والرّقى ،وإليه ذهب عطاء، 28
ي رضي ال عنه
وأبو قلبة ،وأبو ثور ،وإسحاق ،واستدلّوا بحديث أبي سعيد الخدر ّ
) واستدلّ الطّحاويّ للجواز وقال :يجوز أخذ الجر على الرّقى ، 14 الّذي سبق ذكره ( ف -
ن في ذلك تبليغا عن اللّه تعالى .
لنّه ليس على النّاس أن يرقي بعضهم بعضا ،ل ّ
وكره الزّهريّ أخذ الجرة على القرآن مطلقا ،سواء أكان للتّعليم أو للرّقية .
تعويض *
التّعريف :
-أصل التّعويض لغة :العوض ،وهو البدل تقول :عوّضته تعويضا إذا أعطيته بدل ما 1
ذهب منه .وتعوّض منه واعتاض :أخذ العوض ويفهم من عبارات الفقهاء أنّ التّعويض
ي بسبب إلحاق ضرر بالغير .
اصطلحا هو :دفع ما وجب من بدل مال ّ
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّثمين :
-التّثمين لغة :هو أن تجعل للشّيء ثمنا بالحدس والتّخمين وعلى هذا التّعريف ل يكون 2
الحد يث « :قالوا :يا ر سول اللّه لو قوّ مت ل نا ،فقال :إ نّ اللّه هو المقوّم » وأ هل مكّة
يقولون :استقمته بمعنى قوّمته .والتّقويم يستعمل في المعاوضات والتّعويضات .
ج -الرش :
-أرش الجراحة لغة :ديتها .والجمع أروش ،مثل :فلس وفلوس .وأصله :الفساد . 4
يقال :أرّشت بين القوم تأريشا :إذا أفسدت ثمّ استعمل في نقصان العيان لنّه فساد فيها .
ويقال :أصله هرش .واصطلحا :هو المال الواجب في الجناية على ما دون النّفس ،وقد
يطلق على بدل النّفس وهو الدّية وعلى هذا يكون التّعويض أعمّ من الرش .
د -الضّمان :
-الضّمان لغة :اللتزام .يقال :ضمّنته المال :ألزمه إيّاه . 5
ق ثابت في ذمّة الغير ،أو إحضار من هو عليه ،أو التزام عين مضمونة
وشرعا :التزام ح ّ
أعمـ مـن التّعويـض ،لنّه يكون فـي
،ويقال للعقـد الّذي يحصـل بـه ذلك فالضّمان على هذا ّ
الموال ،ويكون في غير الموال كما في كفالة الشّخص .
حكم التّعويض :
-التّعويض ل يكون إلّا مقابل ضرر ،ومن ثمّ فهو واجب الداء ،على خلف وتفصيل 6
والتّعويض ليس ملزما للتلف ،بحيث كلّما وجد التلف وجد التّعويض .
وذلك لنّ التلف ينقسم إلى :إتلف مشروع ،وإلى إتلف غير مشروع .
أمّا التلف غير المشروع فيترتّب عليه التّعويض بل خلف ،سواء أكان حقّا للّه ،كالصّيد
ق.
حالة الحرام أو في الحرم ،أم حقّا للعبد كإتلف أمواله بغير ح ّ
وأمّا التلف المشروع فيترتّب عليه التّعويض ،إن ترتّب عليه حقّ للغير في بعض الصّور ،
وإل فل .على تفصيل وخلف سبق في مصطلح ( إتلف ) .
التّعويض بتفويت العين :
-تقدّم في مصطلح ( إتلف ) أنّ العين المتلفة إن كانت مثليّة يضمن المتلف مثلها ،وإن 8
كانت قيميّة يضمن قيمتها ،ويراعى في تقدير القيمة مكان التلف .
التّعويض عن تفويت المنفعة :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ منافع الموال مضمونة بالتّفويت بأجرة المثل مدّة مقامها 9
جعل المسجد بيتا -يلزمه أجرة مثله مدّة شغله ،كما قاله ابن عابدين نقل عن الخيريّة
والحامديّة .
ب -مال اليتيم :
-قال ابن عابدين :وكذا اليتيم نفسه -لما في البزّازيّة -يتيم ل أب له ول أمّ ، 11
استعمله أقرباؤه مدّة في أعمال شتّى بل إذن الحاكم وبل إجارة ،له طلب أجر المثل بعد
البلوغ إن كان ما يعطونه من الكسوة والكفاية ل يساوي أجر المثل .
ن تفويت منفعته يوجب التّعويض أيضا ،وذلك كما إذا سكنت أمّ اليتيم
وأمّا مال اليتيم ،فإ ّ
مع زوجها في بيت له ،فتجب الجرة على الزّوج .
وكذا إذا سكن الدّار شريك اليتيم ،فتجب الجرة على الشّريك أيضا ،على ما أفتى به ابن
نجيم في الصّورتين .وكذا ساكن الدّار إذا كان أجنبيّا من غير عقد ،فيجب عليه أجر المثل.
وذهب بعض الحنفيّة إلى التّفصيل .
ج -المعدّ للستغلل :
-من بنى بيتا أو اشتراه لجل الستغلل ،فإنّ على من يستغلّه -من غير إذن صاحبه 12
-أجر المثل بشرط علم المستعمل بكونه معدّا لذلك ،وبشرط أن ل يكون المستعمل مشهورا
بالغصب .وأمّا لو سكن في المعدّ للستغلل بتأويل ملك أو عقد فل ضمان عليه .
التّعويض بسبب التّعدّي والتّفريط في العقود :
أ -التّعويض في عقود المانات :
-عقود المانات كالوديعة والوكالة ،الصل فيها :أنّ محلّ العقد ل يضمنه من هو بيده 13
. -لقاعدة " :يضاف الفعل إلى الفاعل -ل المر -ما لم يكن مجبرا "
وقال المالكيّة :ل يتبع المغري إلّا بعد تعذّر الرّجوع على المغري ،وذلك لنّ المباشر يقدّم
على المتسيّب .وقال النّوويّ :لو فتح باب الحرز فسرق غيره ،أو دلّ سارقا فسرق ،أو
أمر غاصبا فغصب ،أو بنى دارا فألقت الرّيح فيها ثوبا وضاع ،فل ضمان عليه .
ن من أغرى ظالما بأخذ مال إنسان أو دلّه عليه ،فلصاحب المال
وذهب الحنابلة إلى أ ّ
تضمين المغري لتسبّبه أو الظّالم لظلمه .
التّعويض بسبب الكراه :
-تقدّم في مصطلحي ( إكراه وإتلف ) اختلف الفقهاء في التّعويض بسبب الكراه ،هل 17
يكون على المكرِه -بكسر الرّاء -فقط ،أو يكون على المكرَه -بفتح الرّاء -أيضا
لمباشرته للتلف ؟ انظر ( إكراه ،إتلف ) .
التّعويض بالمباشرة أو بالتّسبّب :
-إذا أتلف شخص لخر شيئا أو غصبه منه فهلك أو فقد ،وكذا إذا ألحق بغيره ضررا 18
بجناية في النّفس وما دونها ،أو تسبّب في شيء من ذلك ،فيجب عليه ضمان ما أتلفه
بمباشرته أو تسبّبه .
وقد سبق ذلك في مصطلح ( إتلف ) وانظر مصطلح ( جناية ،ضمان ،غصب ) .
تعويض ما تتلفه الدّوابّ :
تقدّم اختلف الفقهاء في ضمان ما تتلفه الدّوابّ من الزّروع .واتّفق الفقهاء على ضمان ما
تتلفه الدّوابّ من غير الزّرع إذا كان معها من له يد عليها ولم يمنعها ،أو راع فيه كفاية
الحفظ .واختلفوا فيما إذا لم يكن لها راع .وتفصيل ذلك في مصطلح ( إتلف ) .
ما يشترط لتعويض المتلفات :
-اشترط الفقهاء لضمان المتلفات أن يكون المتلف ما ًل متقوّما ،وأن يكون المتلف من 19
) أمّا إذا كان التلف جزئيّا ،ففيه أرش 36 ،وتفصيل ذلك في مصطلح ( إتلف ف
النّقص ،ويرجع في تقديره إلى أهل الخبرة .انظر مصطلح ( أرش ) .
أمّا إتلف النّفس فقد أوجب الشّارع فيه الدّية في الحالت الّتي ل يطلب فيها القصاص والدّية
تكون من البل ،أو البقر ،أو الغنم ،أو الذّهب ،أو الحلل على خلف بين الفقهاء في
بعضها .وفي إتلف العضو أو منفعته الدّية إن كانت له دية مقدّرة ،وإل فحكومة عدل كما
تجب كلّما سقط القصاص ،وفي الجناية خطأ على النّفس أو ما دونها .
ويرجع في تفصيل ذلك كلّه في مصطلحات ( أرش ،دية ،حكومة عدل ) .
التّعويض عن الضرار المعنويّة :
-لم نجد أحدا من الفقهاء عبّر بهذا ،وإنّما هو تعبير حادث .ولم نجد في الكتب الفقهيّة 21
أنّ أحدا من الفقهاء تكلّم عن التّعويض الماليّ في شيء من الضرار المعنويّة .
تعيّب *
انظر :خيار العيب .
تعيّن *
انظر :تعيين .
تعيين *
التّعريف :
-التّعيين :مصدر عيّن .تقول :عيّنت الشّيء تعيينا :إذا خصّصته من بين أمثاله . 1
وتعيّن عليه الشّيء :إذا لزمه بعينه قال الجوهريّ :تعيين الشّيء تخصيصه من الجملة .
وعيّنت النّيّة في الصّوم إذا نويت صوما معيّنا .
والتّعيين في الصطلح :جعل الشّيء متميّزا عن غيره ،بحيث ل يشاركه سواه .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -البهام :
-البهام مصدر أبهم الخبر إذا لم يتبيّنه .وطريق مبهم إذا كان خفيّا ل يستبين وكلم 2
مبهم ل يعرف له وجه يؤتى منه .وباب مبهم مغلق ل يهتدى لفتحه ،فهو ض ّد التّعيين .
ب -التّخيير :
-التّخيير :مصدر خيّرته بين الشّيئين أي فوّضت إليه الختيار . 3
طفِكُم » .
والتّخيّر الصطفاء ،وهو طلب خير المرين وفي الحديث « :تَخيّرُوا لِ ُن َ
ج -التّخصيص :
-التّخصيص قصر العامّ على بعض أفراده . 4
عن سائر الصّلوات .وذلك إذا كانت الصّلة فرضا اتّفاقا ،فيجب عليه نيّة الصّلة بعينها
ظهرا أو عصرا أو مغربا أو غيرها .أمّا السّنن ذوات الوقت أو السّبب ،ففي وجوب تعيينها
في النّيّة خلف وتفصيل ينظر في مصطلح ( :نيّة ،صلة ) .
-واتّفق الفقهاء على أنّ المأموم يجب عليه أن ينوي القتداء بالمام ،وليس عليه أن 8
يعيّن المام .وذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا عيّنه وأخطأ في تعيينه بطلت صلته .
وليس على المام أن يعيّن المأموم ،فإذا عيّنه وأخطأ في تعيينه فل تبطل صلته .
ب -في الصّوم :
-ذهب جمهور العلماء إلى وجوب تعيين النّيّة في كلّ صوم واجب ،من رمضان أو قضاء 9
أو كفّارة أو نذر .وذلك بأن ينوي أنّه صائم غدا عن رمضان مثلً ،لنّه عبادة مضافة إلى
وقت ،فوجب التّعيين في نيّتها .
وذهب الحنفيّة ،وهو رواية عن أحمد إلى أنّه يكفي مطلق النّيّة في رمضان كالنّفل ،لنّ
الحاجة إلى التّعيين عند المزاحمة ،ول مزاحمة ،لنّ الوقت ل يحتمل إل صوما واحدا ،فل
حاجة إلى التّميّز بتعيين النّيّة .أمّا صيام القضاء والنّذر والكفّارة فقول الحنفيّة في تعيين
النّيّة فيه كقول الجمهور في وجوب التّعيين .
ج -في البيع :
-ذهب الفقهاء إلى أنّه لو باع بنقد -وفي البلد نقد واحد أو نقدان فأكثر ،ولكنّ أحدها 10
غالب -تعيّن الواحد أو الغالب .وإن كان في البلد نقدان فأكثر ،ولم يغلب أحدها ،اشترط
التّعيين لفظا ،لختلف الواجب باختلف النّقود ،ول يكفي التّعلّم بالنّيّة .
أمّا إذا اتّفقت النّقود بأن ل تتفاوت في القيمة ول غلبة ،فإنّ العقد يصحّ بها من غير تعيين،
ويسلّم المشتري أيّها شاء .وذهبوا أيضا إلى وجوب تعيين الجل بالنّسبة للمسلم فيه في
بيع السّلم إذا كان مؤجّل ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :من أسلف في شيء فليسلف في
كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم » .
قال ابن قدامة :ل نعلم في اشتراط العلم في الجملة اختلفا .وذهب جمهور الفقهاء إلى
وجوب تعيين مكان اليفاء أيضا ،إن كان العقد بموضع ل يصلح للتّسليم ،سواء أكان حال
أم مؤجّل أو يصلح للتّسليم ،ولكن لحمله مئونة ،وهذا في المؤجّل دون الحالّ .
أمّا إذا كان المكان صالحا لليفاء ،وليس في حمله مئونة ،فل يجب تعلّم مكان لليفاء ،بل
يتعيّن مكان العقد للتّسليم عرفا بل خلف .وذهب أحمد وإسحاق ومحمّد وأبو يوسف ،وهو
قول مرجوح عند الشّافعيّة إلى :عدم وجوب تعيين مكان التّسليم ،سواء أكان في حمله
مئونة أم ل ،وسواء أكان مؤجّل أم حالّا ،لنّ مكان العقد هو الّذي يتعيّن .
وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لو عيّن المتعاقدان مكانا للتّسليم غير مكان العقد تعيّن .
د -تعيين المبيع والثّمن :
-يشترط لصحّة البيع معلوميّة المبيع .ومعلوميّة الثّمن بما يرفع المنازعة ،فل يصحّ 11
في جانب الثّمن -بيع -في جانب المبيع -بيع شاة من هذا القطيع ،ول يصح-
الشّيء بقيمته ،أو بحكم فلن ،أو برأس ماله ،أو بما يبيع به النّاس إل أن يكون شيئا ل
ن بعض علماء الحنابلة يرون أنّه يصحّ البيع
يتفاوت ،لئل يفضي ذلك إلى النّزاع .إل أ ّ
بثمن المثل .ويع ّد الحنفيّة هذا البيع من البيوع الفاسدة الّتي يمكن تصحيحها في المجلس ،
بخلف الجهالة في عين المبيع ،فإنّه يترتّب عليها بطلن العقد .
هذا ،وهل الدّراهم والدّنانير تتعيّن بالتّعيين في العقد أم ل ؟ اختلف الفقهاء في ذلك :فذهب
الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّها تتعيّن بالتّعيين ،لنّه عوض في عقد ،فيتعيّن بالتّعيين ،كسائر
العواض .ولنّه أحد العوضين فيتعيّن بالتّعيين كالخر .ولنّ للبائع غرضا في هذا التّعيين.
وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّها ل تتعيّن بالتّعيين لنّه يجوز إطلقها في العقد ،فل تتعيّن
بالتّعيين فيه كالمكيال .وهو رواية عن المام أحمد رحمه ال .
هـ -خيار التّعيين :
-نصّ الحنفيّة على صحّة خيار التّعيين في البيع . 12
وصورته أن يقول المشتري للبائع :اشتريت منك أحد هذين الثّوبين أو أحد هذه الثواب
الثّلثة من غير تعيين ،على أن يختار أيّها شاء .وذكروا له عدّة شروط منها :أن يكون
البيع فيه على واحد من اثنين أو ثلثة ل بعينه ،فل يزيد عن ثلثة ،فل يجوز على واحد
من أربعة ،فإنّ هذه الصّورة غير جائزة عندهم ،لندفاع الحاجة بالثّلثة ،لوجود جيّد
ورديء ووسط .ومنها :أنّه ل بدّ أن يقول بعد قوله :بعتك أحد هذين الثّوبين مثلً :على
أنّك بالخيار في أيّهما شئت أو على أن تأخذ أيّهما شئت ،ليكون نصّا في خيار التّعيين ،
ولنّه لو لم يذكر هذا يكون البيع فاسدا لجهالة المبيع .واختلفوا هل يشترط معه خيار
الشّرط أم ل ؟ والصحّ عدم اشتراطه معه ،وقال بعضهم :يشترط ذلك .
وذكر المالكيّة هذه الصّورة ،ولكنّهم لم يذكروا خيار التّعيين بالسم إل أنّهم أجازوها .
ويرى الشّافعيّة والحنابلة أنّ البيع بهذه الصّورة باطل ،لجهالة المبيع جهالة تفضي إلى
التّنازع .
و -التّعيين في المسلم فيه :
-ل يجوز تعيين المسلم فيه ،بل يجب أن يكون دينا في ال ّذمّة ،فإن أسلم في عين كدار 13
لغيره ،بل عليه أن يتقيّد بهذا التّعيين ،لنّه قد يكون له غرض في تمليكه إيّاه دون غيره
ي أو في المكان الفلنيّ يجب عليه أن
.وكذلك إذا قال :بع هذا الشّيء في الزّمن الفلن ّ
يتقيّد بهذا التّعيين ،إل إذا علم أنّه ل غرض للموكّل في هذا التّعيين ،فل يجب التّقيّد به .
ح -في الجارة :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب تعيين نوع المنفعة في الجارة وتعيين المدّة فيها . 15
وذلك إمّا بغايتها كخياطة الثّوب مثل ،وإمّا بضرب الجل إذا لم يكن لها غاية ككراء الدّور
ي.
والحوانيت ،وإمّا بالمكان المراد الوصول إليه ككراء الرّواحل إلى المكان الفلن ّ
ويرى بعض فقهاء السّلف جواز إجارة المجهولت ،مثل أن يعطي الرّجل حماره لمن
يحتطب عليه بنصف ما يعود عليه .والتّفاصيل في مصطلح ( :إجارة ) .
ط -في الطّلق :
-ذهب الفقهاء إلى أنّه لو قال رجل لزوجتيه :إحداكما طالق ،ونوى واحدة بعينها 16
تغريب *
التّعريف :
-التّغريب في اللّغة :النّفي عن البلد والبعاد عنها .أصله غرب .يقال :غربت الشّمس 1
غروبا :بعدت وتوارت .وغرب الشّخص :ابتعد عن وطنه فهو غريب .وغرّبته أنا تغريبا.
وقد يكون غرب لزما كما يقال :غرب فلن عن بلده تغريبا .
ول يخرج معناه الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ .
الحكام المتعلّقة بالتّغريب :
التّغريب يكون عقوبة في حدّ الزّنى ،وحدّ الحرابة ،كما يكون تعزيرا .
أوّلً :التّغريب في حدّ الزّنى :
-اتّفق الفقهاء على مشروعيّة التّغريب في الزّنى ،في الجملة على خلف بينهم في 2
لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام » .
ي من المالكيّة إلى وجوب
وأمّا المرأة غير المحصنة ،فقد ذهب الشّافعيّة والحنابلة ،واللّخم ّ
التّغريب عليها كذلك .قال الشّافعيّة والحنابلة :ويكون معها زوج أو محرم ،لقول النّبيّ
صلى ال عليه وسلم « :ل تسافر المرأة إل ومعها زوج أو محرم » وفي الصّحيحين :
« ل يحلّ لمرأة تؤمن باللّه واليوم الخر أن تسافر مسيرة يوم إلّا مع ذي محرم » .
ولنّ القصد تأديبها ،والزّانية إذا خرجت وحدها هتكت جلباب الحياء .وذهب المالكيّة إلى
أنّه ل تغريب على المرأة ،ولو مع محرم أو زوج ولو رضيت بذلك ،على المعتمد عندهم .
ثانيا :التّغريب في حدّ الحرابة :
-ورد النّفي في ح ّد الحرابة في قوله تعالى { :إ ّنمَا جَزَا ُء الّذينَ ُيحَارِبُونَ الّل َه وَ َرسُولَه 4
ف أو
ن ُيقَتّلُوا أو يُصَلّبُوا أو ُت َقطّعَ أيْدِيهمْ َوأَ ْرجُُل ُهمْ مِنْ خِل ٍ
ن في الَرضِ َفسَادَا أَ ْ
وَ َيسْعَو َ
يُ ْنفَوا ِمنَ الرضِ } وقد اختلف الفقهاء في المراد بالنّفي في الية :
ن النّفي من جميع الرض
ن المراد بالنّفي في حدّ الحرابة الحبس ،ل ّ
فذهب الحنفيّة إلى :أ ّ
محال ،وإلى بلد آ خر ف يه إيذاء لهل ها ،فلم ي بق إل الح بس ،والمحبوس ي سمّى منفيّا من
الرض ،لنّه ل ينتفع بطيّبات الدّنيا ولذّاتها ول يجتمع بأقاربه وأحبابه .
وذهب المالكيّة إلى :أنّه مثل التّغريب في الزّنى ،ولكنّه يسجن في حدّ الحرابة حتّى تظهر
توبته أو يموت .وذهب الشّافعيّة إلى أنّ قاطع الطّريق -إذا أخذ قبل أن يقتل نفسا أو يأخذ
مال -يعزّر بالحبس أو التّغريب .وقالوا :هذا تفسير النّفي الوارد في الية .
ن المراد بالنّفي في حدّ الحرابة تشريد قطّاع الطّريق في الرض ،وعدم
وذهب الحنابلة إلى أ ّ
تركهم يأوون إلى بلد حتّى تظهر توبتهم .
ثالثا :التّغريب على سبيل التّعزير :
-اتّفق الفقهاء على مشروعيّة التّعزير بالتّغريب . 5
تغرير *
انظر :غرر .
تغسيل الميّت *
التّعريف :
-التّغسيل في اللّغة :مصدر غسّل بالتّشديد ،بمعنى :إزالة الوسخ عن الشّيء ،بإجراء 1
البعض سقط عن الباقين ،لحصول المقصود بالبعض ،كسائر الواجبات على سبيل الكفاية.
ت وعدّ منها :أن يغسّله بعد موته »
لقوله عليه الصلة والسلم « :للمسلم على المسلم س ّ
والصل فيه « :تغسيل الملئكة عليهم الصلة والسلم لدم عليه السلم .ثمّ قالوا :يا بني
آدم هذه سنّتكم » .
وأمّا القول بسنّيّة الغسل عند بعض المالكيّة ،فقد اقتصر على تصحيحه ابن الحاجب وغيره.
ما ينبغي لغاسل الميّت ،وما يكره له :
-ينبغي أن يكون الغاسل ثقة أمينا ،وعارفا بأحكام الغسل . 3
المكلّفين ،فلو غسّل الميّت بغير نيّة أجزأ لطهارته ،ل لسقاط الفرض عن المكلّفين .
ي ،ورواية عن الحنابلة
وذهب المالكيّة ،وهو الصحّ عند الشّافعيّة ،وظاهر نصّ الشّافع ّ
ن كلّ ما يفعله في
ن الصل عند المالكيّة :أ ّ
إلى :عدم اشتراط النّيّة في تغسيل الميّت ،ل ّ
ن القصد التّنظيف ،
غيره ل يحتاج فيه إلى نيّة ،كغسل الناء من ولوغ الكلب سبعا ،ول ّ
فأشبه غسل النّجاسة .وذهب الشّافعيّة في قول آخر ،والحنابلة في رواية أخرى إلى وجوب
ن غسل الميّت واجب ،فافتقر إلى النّيّة كغسل الجنابة ،ولمّا تعذّرت النّيّة من
النّيّة ،ل ّ
الميّت اعتبرت في الغاسل ،لنّه المخاطب بالغسل .
تجريد الميّت وكيفيّة وضعه حالة الغسل :
-ذهب الحنفيّة والمالكيّة ،وهو أحد قولي الشّافعيّة ،ورواية عن أحمد إلى أنّه يستحبّ 5
ومحمّد .وأمّا إزالة النّجاسة وإنقاؤها فأبو حنيفة ومحمّد يقولن به بل إجلس وعصر في
أوّل الغسل ،وعند المالكيّة يندب عصر البطن حالة الغسل ،وعند الشّافعيّة والحنابلة يكون
إجلس الميّت وعصر بطنه في أوّل الغسل .
ثمّ يوضّئه وضوءه للصّلة ،ول يدخل الماء في فيه ول أنفه ،وإن كان فيهما أذى أزاله
بخرقة يبلّها ويجعلها على أصبعه ،فيمسح أسنانه وأنفه حتّى ينظّفهما .وهذا عند الحنفيّة
والحنابلة ،وإليه ذهب سعيد بن جبير والنّخعيّ والثّوريّ ،وقال شمس الئمّة الحلوانيّ :
وعليه عمل النّاس اليوم .
وأمّا عند المالكيّة والشّافعيّة فل يغني ذلك عن المضمضة والستنشاق .
ويميل رأس الميّت حتّى ل يبلغ الماء بطنه .وكذا ل يؤخّر رجليه عند التّوضئة .
وبعد الوضوء يجعله على شقّه اليسر فيغسل اليمن ،ثمّ يديره على اليمن فيغسل اليسر ،
وذلك بعد تثليث غسل رأسه ولحيته .
والواجب في غسل الميّت مرّة واحدة ،ويستحبّ أن يغسّل ثلثا كلّ غسلة بالماء والسّدر ،
أو ما يقوم مقامه ،ويجعل في الخيرة كافورا ،أو غيره من الطّيب إن أمكن .
وإن رأى الغاسل أن يزيد على ثلث -لكونه لم ينق ،أو غير ذلك -غسله خمسا أو
سبعا ،ويستحبّ أن ل يقطع إل على وتر .وقال أحمد :ل يزيد على سبع .
والصل في هذا قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم لغاسلت ابنته زينب رضي ال عنها
« ابْدَأْن بميامنها ،ومواضع الوضوء منها ،واغسِلْنَها ثلثا أو خمسا أو سبعا ،أو أكثر من
ذلك إن رأيتنّ ذلك ،بماء وسدر ،واجْعلْنَ في الخرة كافورا أو شيئا من كافور » .
ويرى ابن حبيب من المالكيّة أنّه ل بأس عند الوباء وما يشتدّ على النّاس من غسل الموتى
لكثرتهم ،أن يجتزئوا بغسلة واحدة بغير وضوء ،يصبّ الماء عليهم صبّا .
وإن خرج منه شيء وهو على مغتسله ،فيرى الحنفيّة والمالكيّة -ما عدا أشهب -وهو
الصحّ عند الشّافعيّة ،واختاره أبو الخطّاب من الحنابلة :أنّه ل يعاد غسله ،وإنّما يغسل
ي أيضا .
ذلك الموضع ،وإليه ذهب الثّور ّ
وذهب الحنابلة ،وهو قول آخر للشّافعيّة إلى أنّه إن خرج منه شيء وهو على مغتسله
غسّله إلى خمس ،فإن زاد فإلى سبع .وإليه ذهب ابن سيرين وإسحاق .
وللشّافعيّة قول ثالث ،وهو أنّه يجب إعادة وضوئه .هذا إذا خرجت النّجاسة قبل الدراج
في الكفن ،وأمّا بعده فجزموا بالكتفاء بغسل النّجاسة فقط .
ب أن يحمل الميّت إلى مكان خال مستور ل يدخله إل الغاسل ،ومن ل بدّ من
-يستح ّ 7
ب الحنفيّة أن يكون الماء ساخنا لزيادة النقاء ،ويغلى الماء بالسّدر أو
الغسال ،واستح ّ
غيره ،لنّه أبلغ في النّظافة وهو المقصود .
وعند المالكيّة يخيّر الغاسل في صفة الماء إن شاء باردا وإن شاء ساخنا .
ويرى الشّافعيّة والحنابلة عدم غسل الميّت بالماء الحارّ في المرّة الولى ،إل لشدّة البرد أو
لوسخ أو غيره .
واستحسن الشّافعيّة أن يتّخذ الغاسل إناءين ،والحنابلة أن يتّخذ ثلثة أوان للماء .
ما يصنع بالميّت قبل التّغسيل وبعده :
ن استعمال البخور عند تغسيل الميّت مستحبّ ،لئلّا تشمّ منه
-يرى جمهور الفقهاء أ ّ 9
أ -إذا مات رجل بين نسوة أجانب ،ولم توجد امرأة محرمة ،أو ماتت امرأة بين رجال
أجانب ،ولم يوجد محرم .وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة -في الصحّ -والحنابلة
ي ،وحمّاد ،وابن المنذر .
،وإليه ذهب سعيد بن المسيّب والنّخع ّ
وأضاف الحنفيّة قولهم :إذا كان بين النّسوة امرأته غسّلته ،فإن لم تكن وكانت معهنّ
صبيّة صغيرة ،لم تبلغ حدّ الشّهوة ،وأطاقت الغسل ،علّمنها الغسل ،ويخلّين بينه وبينها
ن حكم العورة في حقّها غير ثابت .وكذلك إذا ماتت امرأة بين
حتّى تغسّله ،وتكفّنه ،ل ّ
رجال أجانب ،وكان معهم صبيّ لم يبلغ حدّ الشّهوة ،وأطاق الغسل ،علّموه الغسل فيغسّلها.
والوجه الثّاني عند الشّافعيّة ،وإليه ذهب أبو الخطّاب من الحنابلة ،وهو قول الحسن ،
ن الميّت ل ييمّم في هذه الحالة ،بل
وإسحاق ،والقفّال ،ورجّحه إمام الحرمين والغزاليّ :أ ّ
يغسّل ويصبّ عليه الماء من فوق القميص ،ول يمسّ .
وحكى صاحب البيان من الشّافعيّة وجها ثالثا أنّه يدفن ول ييمّم ول يغسّل .قال النّوويّ :
وهو ضعيف جدّا .وأمّا كيفيّة التّيمّم ففيها خلف وتفصيل يرجع فيه إلى مصطلح ( تيمّم ) .
. 19/ ب -إذا مات خنثى مشكل وهو كبير ،على التّفصيل الّذي سيأتي في ف
ج -إذا تعذّر غسله لفقد ماء حقيقة أو حكما كتقطّع الجسد بالماء ،أو تسلّخه من صبّه
عليه .
من يجوز لهم تغسيل الميّت :
أ -الحقّ بتغسيل الميّت :
ن نظر النّوع إلى
-الصل أنّه ل يغسّل الرّجال إلّا الرّجال ،ول النّساء إلّا النّساء ،ل ّ 11
البينونة .فإن ثبتت البينونة بأن طلّقها بائنا ،أو ثلثا ثمّ مات ،ل تغسّله لرتفاع ملك
البضع بالبانة .وأضاف الشّافعيّة أنّه إن طلّقها رجعيّا -ومات أحدهما في العدّة -لم يكن
للخر غسله عندهم لتحريم النّظر في الحياة .
وكذا ل تغسّله عند جمهور الفقهاء إذا حدث ما يوجب البينونة بعد الموت ،كما لو ارتدّت
ن النّكاح كان قائما بعد الموت فارتفع بالرّدّة ،والمعتبر
بعده ثمّ أسلمت ،لزوال النّكاح ،ل ّ
بقاء الزّوجيّة حالة الغسل ل حالة الموت .ويرى زفر من الحنفيّة أنّ المعتبر بقاء الزّوجيّة
حالة الموت ،وعلى هذا فيجوز لها تغسيله عنده ،وإن حدث ما يوجب البينونة بعد موته .
ن عائشة رضي ال تعالى عنها قالت :
والصل في جواز تغسيل الزّوجة لزوجها ما روي أ ّ
« لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسّله إل نساؤه » .
ج -تغسيل الزّوج لزوجته :
-ذهب الحنفيّة في الصحّ ،وهو رواية عن أحمد إلى أنّه ليس للزّوج غسلها ،وإليه 13
ن الموت فرقة تبيح أختها وأربعا سواها ،فحرّمت الفرقة النّظر واللّمس
ذهب الثّوريّ ،ل ّ
كالطّلق .ويرى المالكيّة والشّافعيّة ،وهو المشهور عند الحنابلة أنّ للزّوج غسل امرأته ،
وهو قول علقمة وعبد الرّحمن وقتادة وحمّاد وإسحاق .لنّ عليّا رضي ال تعالى عنه غسّل
فاطمة رضي ال عنها واشتهر ذلك في الصّحابة فلم ينكروه ،فكان إجماعا .
ولنّ « النّبيّ عليه الصلة والسلم قال لعائشة رضي ال تعالى عنها :ما ضرّك لو متّ
قبلي فقمت عليك ،فغسّلتك وكفّنتك ،وصلّيت عليك ،ودفنتك » إل أنّه يكره مع وجود من
يغسّلها ،لما فيه من الخلف والشّبهة .قال ابن قدامة :وقول الخرقيّ :وإن دعت
الضّرورة إلى أن يغسّل الرّجل زوجته فل بأس .يعني به أنّه يكره له غسلها مع وجود من
يغسّلها سواه ،لما فيه من الخلف والشّبهة .وأمّا المالكيّة والشّافعيّة فقد أطلقوا الجواز .
ول يتأتّى ذلك عند الحنفيّة ،لنّه ليس للزّوج غسلها عندهم .
د -تغسيل المسلم للكافر وعكسه :
-اتّفق الفقهاء على أنّه ل يجب على المسلم تغسيل الكافر ،لنّ الغسل وجب كرامة 14
والحنابلة إلى أنّه ل يصحّ تغسيل الكافر للمسلم ،لنّ التّغسيل عبادة ،والكافر ليس من
أهلها ،فل يصحّ تغسيله للمسلم كالمجنون .وأيضا فإنّ النّيّة واجبة في الغسل والكافر ليس
من أهلها .وفي الصّحيح المنصوص عند الشّافعيّة أنّ الكافر لو غسّل مسلما فإنّه يكفي .
هـ – تغسيل الرّجال والنّساء للطفال الصّغار وعكسه :
- 1 -تغسيل الرّجال والنّساء للطفال الصّغار :
ن المرأة تغسّل الصّبيّ
-قال ابن المنذر :أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على أ ّ 16
الصّغير .وقيّده الحنفيّة والشّافعيّة بالّذي ل يشتهى ،والمالكيّة بثماني سنين فما دونها ،
والحنابلة بما دون سبع سنين .
ثمّ اختلفوا في تحديد السّنّ على أقوال كثيرة فصّلها الفقهاء في ( كتاب الجنائز ) .
أمّا تغسيل الرّجال للصّغيرة فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه ل بأس للرّجل أن يغسّل الصّبيّة
ي وأبو
الّتي ل تشتهى إذا ماتت ،لنّ حكم العورة غير ثابت في حقّها ،وإليه ذهب الثّور ّ
الخطّاب .
ويرى جمهور المالكيّة أنّه يجوز غسل صبيّة رضيعة وما قاربها كزيادة شهر على مدّة
الرّضاع ،ل بنت ثلث سنين .ويرى ابن القاسم منهم أنّه ل يغسّل الرّجل الصّبيّة وإن
صغرت جدّا .وقال عيسى :إذا صغرت جدّا فل بأس .
وصرّح أحمد أنّ الرّجل ل يغسّل الصّبيّة إل ابنته الصّغيرة ،فإنّه يروى عن ابن قلبة أنّه
غسّل بنتا له صغيرة ،وهو قول الحسن أيضا .قال ابن قدامة :الصّحيح ما عليه السّلف
من أنّ الرّجل ل يغسّل الجارية ،والتّفرقة بين عورة الغلم والجارية ،لنّ عورة الجارية
ن العادة معاناة المرأة للغلم الصّغير ،ومباشرة عورته في حال تربيته ،ولم
أفحش ،ول ّ
تجر العادة بمباشرة الرّجل عورة الجارية في الحياة ،فكذلك حال الموت .
تغسيل الصّبيّ للميّت :
ي إذا كان عاقل أن يغسّل الميّت ،لنّه تصحّ
-صرّح الحنفيّة والحنابلة بأنّه يجوز للصّب ّ 17
طهارته فصحّ أن يطهّر غيره ،وهو المتبادر من أقوال المالكيّة والشّافعيّة .
و -تغسيل المحرم الحلل وعكسه ،وكيفيّة تغسيل المحرم :
-ل خلف بين الفقهاء في جواز تغسيل المحرم الحلل وعكسه ،لنّ كلّ واحد منهما 18
مسّه والنّظر إليه .وأمّا إذا كان كبيرا أو مراهقا فذهب الحنفيّة ،وهو وجه عند الشّافعيّة
إلى أنّه ل يغسّل رجل ول امرأة ،ول يغسّله رجل ول امرأة ،بل ييمّم .
والصل عند الشّافعيّة أنّ الخنثى المشكل -إن كان له محرم من الرّجال أو النّساء -غسّله
بالتّفاق ،وإن لم يكن له محرم جاز للرّجال والنّساء غسله صغيرا .فإن كان كبيرا ففيه
وجهان :أحدهما :هذا ،والخر :أنّه يغسّل .قال أحمد :إذا لم تكن له أمة ،ييمّم ،وزاد
ن التّمييز ،وحرم بدون حائل على غير محرم .
:أنّ الرّجل أولى بتيميم خنثى في س ّ
ويرى المالكيّة :أنّه إن أمكن وجود أمة له -سواء أكانت من ماله أم من بيت المال ،أم
من مال المسلمين -فإنّها تغسّله ،وإلّا ييمّم ،ول يغسّله أحد سواها .
وذهب الشّافعيّة في وجه آخر إلى أنّه يغسّل إذا لم يكن له محارم .
وفيمن يغسّل أوجه :أصحّها :أنّه يجوز للرّجال والنّساء جميعا للضّرورة ،واستصحابا
لحكم الصّغر ،وبه قال أبو زيد .
والوجه الثّاني :أنّه في حقّ الرّجال كالمرأة ،وفي حقّ النّساء كالرّجل ،أخذا بالحوط .
والوجه الثّالث :وهو وجه ضعيف عندهم ،أنّه يشترى من تركته جارية لتغسّله ،فإن لم
تكن له تركة فمن بيت المال .
من يغسّل من الموتى ومن ل يغسّل :
أ -تغسيل الشّهيد :
ي صلى ال عليه وسلم
ن الشّهيد ل يغسّل ،لما روي « عن النّب ّ
-اتّفق الفقهاء على أ ّ 20
الغريق ،وصاحب الهدم ،والنّفساء ،ونحوهم يغسّلون ،وإن ورد فيهم لفظ الشّهادة .
ج -تغسيل من ل يدرى حاله :
-لو وجد ميّت أو قتيل في دار السلم .وكان عليه سيما المسلمين من الختان والثّياب 22
والخضاب وحلق العانة ،فإنّه يجب غسله عند جمهور الفقهاء ،سواء أوجد في دار السلم
أم دار الحرب .وأمّا إذا لم يكن عليه ذلك فالصّحيح عندهم :أنّه إن وجد في دار السلم
ن الصل أنّ من كان في دار فهو من
يغسّل ،وإن وجد في دار الحرب ل يغسّل ،ول ّ
أهلها ،يثبت له حكمهم ،ما لم يقم على خلفه دليل .
ن الميّت إن وجد بفلة ،ل يدرى أمسلم هو أم كافر ؟ فل
وصرّح ابن القاسم من المالكيّة بأ ّ
يغسّل .وكذلك لو وجد في مدينة من المدائن في زقاق ،ول يدرى حاله أمسلم أم كافر ؟
ن اليهود يختتنون ،وقال ابن حبيب :ومن
قال ابن رشد :وإن كان مختونا فكذلك ،ل ّ
النّصارى أيضا من يختتن .
د -تغسيل موتى المسلمين عند اختلطهم بالكفّار :
-لو اختلط موتى المسلمين بموتى المشركين ولم يميّزوا ،فل خلف بين جمهور 23
الفقهاء في أنّهم يغسّلون جميعا ،سواء أكان المسلمون أكثر أم أق ّل .أو كانوا على
ن غسل المسلم واجب ،وغسل الكافر جائز في الجملة ،فيؤتى بالجائز في
السّواء ،وهذا ل ّ
الجملة لتحصيل الواجب .
هـ -تغسيل البغاة وقطّاع الطّريق :
-ذهب الحنفيّة إلى أنّه ل يغسّل البغاة إذا قتلوا في الحرب ،إهانة لهم وزجرا لغيرهم 24
عن فعلهم .وأمّا إذا قتلوا بعد ثبوت يد المام عليهم فإنّهم يغسّلون .وفي رواية عن
الحنفيّة ،وهو ما ذهب إليه المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّهم يغسّلون .ولتفصيل ذلك يرجع
إلى مصطلح ( :بغاة ) .ولم يفرّق الحنفيّة بين البغاة وقطّاع الطّريق في عدم التّغسيل .
و -تغسيل الجنين إذا استهلّ :
-إذا خرج المولود حيّا ،أو حصل منه ما يدلّ على حياته من بكاء أو تحريك عضو أو 25
ن الطّفل
طرف أو غير ذلك ،فإنّه يغسّل بالجماع ،قال ابن المنذر :أجمع أهل العلم على أ ّ
إذا عرفت حياته واستهلّ ،يغسّل ويصلّى عليه .
كما أنّه يرى جمهور الفقهاء عدم تغسيل من لم يأت له أربعة أشهر ولم يتبيّن خلقه ،إل ما
روي عن ابن سيرين .وما ورد من الغسل في بعض كتب الحنفيّة ،فالمراد هو الغسل في
الجملة كصبّ الماء عليه ،من غير وضوء ول ترتيب .
واختلفوا في الطّفل الّذي ولد لربعة أشهر أو أكثر ،فالصحّ عند الحنفيّة ،وهو المذهب
للشّافعيّة والحنابلة أنّه يغسّل .وذهب الحنفيّة في رواية ،والمالكيّة ،وهو قول للشّافعيّة
إلى أنّه ل يغسّل ،بل يغسل دمه ،ويلفّ في خرقة ويدفن .
ز -تغسيل جزء من بدن الميّت :
-إذا بان من الميّت شيء غسّل وحمل معه في أكفانه بل خلف . 26
وأمّا تغسيل بعض الميّت ،فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه إن وجد الكثر غسّل ،وإل فل .
وذهب الشّافعيّة ،وهو المذهب عند الحنابلة إلى أنّه يغسّل سواء في ذلك أكثر البدن وأقلّه
ن طائرا ألقى يدا بمكّة زمن وقعة الجمل ،وكانت يد عبد الرّحمن بن عتّاب بن
لما روي أ ّ
أسيد ،فغسّلها أهل مكّة ،وصلّوا عليها .
أخذ الجرة على تغسيل الميّت :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ أخذ الجرة على تغسيل الميّت جائز ،وأنّه يؤخذ من 27
بعده ،فذهب الحنفيّة ،وهو قول للشّافعيّة إلى أنّه ل ينبش لجل تغسيله لنّ النّبش مثلة ،
وقد نهي عنها ،ولما فيه من الهتك .
ويرى المالكيّة ،وهو الصّحيح لدى الشّافعيّة والحنابلة أنّه ينبش ويغسّل ما لم يتغيّر ،
ويخاف عليه أن يتفسّخ ،وإليه ذهب أبو ثور .
وفي الموضوع تفصيل يرجع إليه إلى مصطلح ( نبش ) .
ما يترتّب على تغسيل الميّت :
-ذهب الحنفيّة ،وهو قول لمالك ،والشّافعيّة في الصّحيح عندهم ،والحنابلة إلى أنّه 29
يستحبّ لغاسل الميّت أن يغتسل .لحديث رواه التّرمذيّ وذكر أيضا في الموطّأ وهو « من
غسّل ميّتا فليغتسل » .وفي قول لمالك ،وهو قول جمهور فقهاء المالكيّة -ما عدا ابن
ن تغسيل الميّت ليس بحدث .
القاسم -أنّه ل غسل على غاسل الميّت ،ل ّ
ن « النّبيّ صلى ال عليه
وروي عن أحمد وجوب الغسل على من غسّل الكافر خاصّة ،ل ّ
وسلم أمر عليّا رضي ال عنه أن يغتسل ،لمّا غسّل أباه » .
وللتّفصيل يرجع إلى مصطلح ( غسل ) .
تغليظ *
التّعريف :
ق .وكذا استغلظ ،والتّغليظ التّوكيد والتّشديد وهو
-التّغليظ من غلظ غلظا خلف د ّ 1
مصدر غلّظ :أي أكّد الشّيء وقوّاه .وهو ضدّ التّخفيف .ومنه غلّظت عليه في اليمين
تغليظا أي شدّدت عليه وأكّدت .وغلّظت اليمين تغليظا أيضا قوّيتها وأكّدتها .
المغلّظ من النّجاسات :
-يقسّم الفقهاء النّجاسات إلى مغلّظة ومخفّفة .ث ّم اختلفوا في تحديد المغلّظ من النّجاسات 2
،فعند الشّافعيّة والحنابلة هي نجاسة الكلب والخنزير وما تولّد من كلّ منهما .وعند أبي
ص فمخفّفة .
حنيفة هي ما ورد في نجاستها نصّ لم يعارض بنصّ آخر ،فإن عارضه ن ّ
وعند أبي يوسف ومحمّد ما اتّفق العلماء على أنّه نجس ،فالرواث كلّها نجسة نجاسة
ص يدلّ على نجاستها ،وهو ما رواه ابن مسعود
غليظة عند أبي حنيفة ،لنّه ورد فيها ن ّ
ن أحجارا للستنجاء ،
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم طلب منه ليلة الج ّ
رضي ال عنه « ،أ ّ
فأتى بحجرين وروثة ،فأخذ الحجرين ،ورمى الرّوثة ،وقال :إنّها ركس » ولم يرد نصّ
يعارضه ،فكانت نجاستها مغلّظة .
أمّا عند الصّاحبين فمخفّفة لختلف العلماء في نجاستها .
وبول ما ل يؤكل لحمه نجس نجاسة مغلّظة بالتّفاق بين المام والصّاحبين ،لنعدام النّصّ
المعارض عند المام واتّفاق الفقهاء على نجاسته عندهما .
والنّجاسة المغلّظة عند المالكيّة هي ما عدا فضلت ما يؤكل لحمه من النّجاسات .
ويفرّق الحنابلة في النّجاسات بين كلّ من الخنزير والكلب وبين سائر النّجاسات ،فنجاسة
الخنزير والكلب أشدّ ،ويليها بول الدميّ وعذرته ،ثمّ سائر النّجاسات ،ثمّ بول الرّضيع .
واختلف الفقهاء في أحكام النّجاسة المغلّظة ،فذهب الحنفيّة إلى أنّه يعفى عن النّجاسة
المغلّظة قدر درهم إذا أصابت الثّوب أو البدن في الصّلة ،أمّا المخفّفة فيعفى ما ليس
بفاحش .
وقال المالكيّة :تطهر النّجاسة المخفّفة بالدّلك .أمّا المغلّظة فل تطهر إلّا بالغسل .
والتّفصيل في باب النّجاسة .
وقال الشّافعيّة والحنابلة :إنّ النّجاسة المغلّظة ل تطهر إل بسبع غسلت إحداهنّ بالتّراب ،
وما عداها فتطهر بغسلة واحدة .
وأنّه ل يعفى عن قليل النّجاسة المغلّظة وإن قلّت ،أو أصابت البدن ،أو الثّوب .
أمّا غير المغلّظة فيعفى عن قليلها على تفصيل ينظر في باب ( النّجاسة ) .
العورة المغلّظة :
-ل خلف بين الفقهاء في حرمة النّظر إلى العورة ،ووجوب سترها في الصّلة 3
على اختلف بينهم في الوجوب والستحباب والجواز .كأن يقول الحالف مثل :باللّه الّذي
ل إله إل هو عالم الغيب والشّهادة الرّحمن الرّحيم الّذي يعلم من السّ ّر ما يعلم من العلنية .
والصل في ذلك :حديث أبي هريرة رضي ال عنه « ،أنّ رجل حلف بين يدي الرّسول
صلى ال عليه وسلم بذلك » ،ولنّ في النّاس من يمتنع من اليمين إذا غلّظ عليه ،
ويتجاسر بدونها .واختلفوا في تغليظها بالزّمان والمكان .
فذهب المالكيّة إلى :أنّها تغلّظ بالمكان كالجامع ،وأداء القسم بالقيام ،وعند منبره صلى
ال عليه وسلم إن وقع اليمين في المدينة ،ول يغلّظ بالزّمان عندهم .
وعند الشّافعيّة :يغلّظ بالمكان والزّمان ،فيجري بعد صلة عصر يوم الجمعة مثل في
ي صلى ال عليه وسلم وعند الرّكن
الجامع في غير مكّة والمدينة ،وفيهما عند منبر النّب ّ
السود .وهل التّغليظ بالمكان مستحبّ أم واجب ل يعتدّ بالقسم إل به ؟ فيه قولن
للشّافعيّة ،أظهرهما :الوّل ،وعند المالكيّة :واجب .
ق المسلمين ،ل بالزّمان ول بالمكان
وذهب الحنفيّة والحنابلة إلى :أنّه ل تغلّظ اليمين في ح ّ
،لنّ المقصود هو تعظيم المقسم به ،وهو حاصل في غير المسجد كما يحصل في
ق المسلم إن رأى الحاكم في ذلك مصلحة ،
المسجد ،ولكنّ الحنابلة جوّزوا التّغليظ في ح ّ
وتغلّظ اليمين عند المذهبين في حقّ أهل ال ّذمّة .
-وهل يتوقّف تغليظ اليمين على طلب الخصم ،أم يغلّظ القاضي وإن لم يطلب الخصم ؟ 7
ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ التّغليظ إلى رأي القاضي ،ول دخل للخصم في التّغليظ .
ق للخصم ،فإن طلب الخصم غلّظت
وقال المالكيّة والشّافعيّة :إنّ التّغليظ في اليمين هو ح ّ
ل.
وجوبا ،فإن أبى من توجّهت عليه اليمين ممّا طلبه المحلّف من التّغليظ عدّ ناك ً
وانظر لمزيد من التّفصيل مصطلح ( أيمان ) .
التّغليظ في اللّعان :
-اختلف الفقهاء في تغليظ اللّعان بالزّمان والمكان فذهب الشّافعيّة والمالكيّة إلى 8
مشروعيّة تغليظه بالزّمان والمكان ،فيجري اللّعان عندهم في أشرف مواضع البلد ،فإن
كان في مكّة فبين الرّكن السود والمقام ،وفي المدينة عند منبر رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم وفي بيت المقدس عند الصّخرة ،وفي سائر البلدان في الجامع عند المنبر .
ويلعن غير المسلمين في الموضع الّذي يعظّمونه كالكنائس عند النّصارى ،وبيت النّار
للمجوس .وقال القفّال من الشّافعيّة :ل بل يلعن بينهما في المسجد أو مجلس الحكم .
قال النّوويّ :ول يؤتى بيت الصنام في لعان الوثنيّين ،لنّه ل أصل له في الحرمة ،
واعتقادهم غير معتبر .ويغلّظ بالزّمان بعد صلة العصر .
ويغلّظ بحضور جماعة من أعيان البلد وصلحائه .
ثمّ التّغليظ بهذه المور واجب عند المالكيّة ،إل وقوعه بعد صلة ،فهو مندوب عندهم ،
وعند الشّافعيّة فيه أقوال ،والمذهب عندهم الستحباب في الجميع .ول يغلّظ اللّعان بالزّمان
ن اللّه أطلق المر بذلك ،ولم
ول بالمكان عند الحنفيّة والقاضي أبي يعلى من الحنابلة ،ل ّ
ي صلى ال عليه وسلم أمر
يقيّده بزمن ول مكان فل يجوز تقييده إلّا بدليل ،ولنّ « النّب ّ
هللً بإحضار امرأته ،ولم يخصّه بزمن ول مكان » ،ولو خصّه بذلك لنقل ولم يهمل .
وقال أبو الخطّاب من الحنابلة :يستحبّ أن يتلعنا في الزمان والماكن الّتي تعظّم .
تغليظ عقوبة التّعزير :
ن تغليظ عقوبة التّعزير -وهي كلّ عقوبة شرعت في
-ل خلف بين الفقهاء في أ ّ 9
معصية ل حدّ فيها ول كفّارة -يكون باجتهاد الحاكم لنّ المقصود منها الزّجر وأحوال
النّاس تختلف في ذلك .
تغيّر *
انظر :تغيير .
تغيير *
التّعريف :
-من معاني التّغيير في اللّغة :التّحويل .يقال :غيّرت الشّيء عن حاله أي حوّلته 1
وأزلته عمّا كان عليه .ويقال :غيّرت الشّيء فتغيّر ،وغيّره إذا بدّله ،كأنّه جعله غير ما
ك ُمغَيّرَا ِن ْع َمةً أَ ْن َع َمهَا على قَومٍ حتّى
كان عليه .وفي التّنزيل العزيز { :ذَلكَ بَِأنّ الّل َه لمْ يَ ُ
ُيغَيّرُوا مَا ِبأَ ْن ُفسِهمْ } .قال ثعلب :معناه حتّى يبدّلوا ما أمرهم اللّه .وغيّر عليه المر حوّله
ي عند الفقهاء ل يخرج عن معناه اللّغويّ .
،وتغايرت الشياء اختلفت .ومعناه الصطلح ّ
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّبديل :
-التّبديل من بدّلت الشّيء تبديل بمعنى غيّرت صورته تغييرا ،وأبدلته بكذا إبدالً نحّيت 2
الوّل ،وجعلت الثّاني مكانه .وفرّق الصوليّون من الحنفيّة بين بيان التّغيير وبيان التّبديل.
فقالوا :بيان التّغيير هو البيان الّذي فيه تغيير لموجب اللّفظ من المعنى الظّاهر إلى غيره.
وذلك كالتّعليق بالشّرط المؤخّر في الذّكر ،كما في قول الرّجل لمرأته :أنت طالق إن دخلت
ي بدليل شرعيّ متراخ ،وهو النّسخ
الدّار .وبيان التّبديل بيان انتهاء حكم شرع ّ
الحكم التّكليفيّ :
يختلف حكم التّغيير باختلف موضعه ،وبيان ذلك فيما يأتي :
تغيّر أوصاف الماء في الطّهارة :
-أجمع العلماء على أنّ الماء الّذي غيّرت النّجاسة طعمه أو لونه أو ريحه أو أكثر من 3
واحد من هذه الوصاف أنّه ل يجوز الوضوء ول التّطهّر به ،كما أجمعوا على أنّ الماء
الكثير المستبحر ل تضرّه النّجاسة الّتي لم تغيّر أحد أوصافه الثّلثة .
ن كلّ ما يغيّر الماء -ممّا ل ينفكّ عنه غالبا كالطّين -أنّه ل يسلبه
كذلك أجمعوا على أ ّ
صفة الطّهارة أو التّطهير ،إل خلفا شاذّا روي عن ابن سيرين في الماء السن .
وأمّا الماء الّذي خالطه زعفران أو غيره من الشياء الطّاهرة الّتي تنفكّ عنه غالبا متى
غيّرت أحد أوصافه الثّلثة ،فإنّه طاهر عند جميع العلماء .
ولكنّهم اختلفوا في طهوريّته ،فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه غير مطهّر لنّه ل يتناوله اسم
الماء المطلق ،بل يضاف إلى الشّيء الّذي خالطه ،فيقال مثل :ماء زعفران .
وذهب الحنفيّة إلى أنّه مطهّر ما لم يكن التّغيّر عن طبخ .
أمّا المتغيّر بالطّبخ مع شيء طاهر فقد أجمعوا على :أنّه ل يجوز الوضوء ول التّطهّر به .
واختلفوا في الماء غير المستبحر إذا خالطته نجاسة ولم تغيّر أحد أوصافه ،فذهب الجمهور
إلى الفرق بين الماء القليل والماء الكثير ،فقالوا :إن كان قليل أصبح نجسا ،وإن كان
كثيرا لم يكن نجسا .وهؤلء اختلفوا في الحدّ بين القليل والكثير ،فذهب المام أبو حنيفة
إلى أنّ الح ّد بينهما هو أن يكون الماء من الكثرة بحيث إذا حرّكه آدميّ من أحد طرفيه لم
تسر الحركة إلى الطّرف الثّاني منه ،أمّا إذا سرت الحركة فيه فهو قليل .
ن الحدّ في ذلك هو قلّتان من قلل هجر ،مستدلّين بحديث
وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ
النّبيّ صلى ال عليه وسلم « إذا كان الماء قلّتين لم يحمل الخبث » وفي لفظ « لم ينجس ».
ن النّجاسة تفسد قليل الماء وإن لم تغيّر أحد
ومن العلماء من لم يحدّ في ذلك حدّا وقال :إ ّ
أوصافه ،وهذا مرويّ عن المام مالك ،وروي عنه أيضا أنّ هذا الماء مكروه .
وذهب بعض العلماء -ومنهم المالكيّة ،وأهل الظّاهر -إلى أنّه طاهر سواء كان قليل أو
كثيرا .وانظر لتفصيل ذلك الخلف في بحث ( مياه ) .
تغيير ال ّنيّة في الصّلة :
ن تغيير النّيّة في الصّلة ،ونقلها من فرض إلى آخر ،أو من
-أجمع الفقهاء على أ ّ 4
فرض إلى نفل عالما عامدا من غير عذر يبطل الصّلة .
وتنظر تفاصيل هذه المسألة في مصطلح ( تحويل ،ونيّة ) .
تغيّر حالة النسان التّكليفيّة في العبادات :
-أجمع الفقهاء على أنّه إذا تغيّرت حالة النسان التّكليفيّة ،كأن طهرت الحائض أو 5
النّفساء ،أو بلغ الطّفل ،أو أسلم الكافر ،أو أفاق المجنون أو المغمى عليه ،أو أقام
المسافر وقد بقي من الوقت مقدار ما يمكن فيه أداء العبادة ،فإنّه يجب عليه الداء .
ولكنّهم اختلفوا فيما إذا حصل هذا التّغيّر في العصر أو العشاء ،هل تجب عليهم صلة
الظّهر في الحالة الولى ،وصلة المغرب في الثّانية ؟ .
ذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب الظّهر والمغرب ،لنّ وقت الثّانية وقت الولى حال العذر .
وذهب الحنفيّة والحسن البصريّ والثّوريّ إلى أنّه ل تجب عليهم إلّا الصّلة الّتي زالت في
وقتها السباب المانعة ،لنّ وقت الولى خرج في حال عذرهم .
واختلفوا كذلك في القدر الّذي يتعلّق به الوجوب ،فذهب الجمهور إلى أنّه بمقدار تكبيرة
الحرام ،فمن أدرك من آخر الوقت ما يسع التّحريمة فقد وجبت عليه الصّلة ،وإل فل .
وذهب المالكيّة إلى أنّه بمقدار ركعة فأكثر ،وهو قول مرجوح عند الشّافعيّة ،فمن أدرك من
آخر الوقت ما يسع ركعة فأكثر فقد وجبت عليه الصّلة ،وإلّا فل يجب عليه شيء .
وتجب صلة الظّهر والمغرب عند المالكيّة ،إذا أدرك من آخر العصر أو العشاء ما يتّسع
لخمس ركعات في الحضر وثلث ركعات في السّفر .
واختلفوا كذلك فيما إذا حاضت المرأة أو نفست أو جنّ العاقل أو أغمي عليه -وقد مضى
من الوقت قدر يتّسع للفرض -فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى وجوب الصّلة الّتي أدرك
بعض وقتها ،وكذلك الّتي قبلها إن كانت تجمع معها وأدرك قدر ما يتّسع لها أيضا ،لنّ
وقت الثّانية وقت الولى في حال الجمع .
ن حدوث هذه العذار يسقط الفرض ،وإن طرأت في آخر
وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أ ّ
الوقت .ويتصوّر في هذه المسألة حدوث الجنون والغماء والحيض والنّفاس ،بخلف
الكفر والصّبا فل يتصوّر حدوث الصّبا ،لستحالة ذلك ،أمّا حدوث الكفر -والعياذ باللّه -
فهو ردّة ل تسقط لزوم القضاء إلّا عند الحنفيّة .واختلفوا في مسألة بلوغ الطّفل في وقت
الصّلة -وقد صلّاها وفرغ منها -أو بلغ وهو في الصّلة ،وكذلك في صومه .
انظر مصطلح ( بلوغ ،صلة ،صوم ) .
تغيّر الجتهاد في القبلة :
-ذهب جمهور العلماء إلى أنّه إذا تغيّر اجتهاد المصلّي في القبلة من جهة إلى جهة 6
أخرى -وكان في الصّلة -استدار إلى الجهة الثّانية وأت ّم الصّلة ،لما روي « أنّ أهل
قباء لمّا بلغهم تحويل القبلة من بيت المقدس استداروا كهيئتهم إلى الكعبة ،وأتمّوا
ن الصّلة المؤدّاة
صلتهم ،ولم يأمرهم رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بالعادة » ،ول ّ
إلى جهة التّحرّي مؤدّاة إلى القبلة لنّها هي القبلة ،حال الشتباه ،ولنّ تبدّل الرّأي في
معنى انتساخ النّصّ ،وهذا ل يوجب بطلن العمل بالمنسوخ في زمان ما قبل النّسخ .
ويشترط المالكيّة لهذا شرطين أوّلهما :أن يكون المصلّي أعمى ،وثانيهما :أن يكون
انحرافه عن القبلة قبل تغيّر الجتهاد يسيرا ،أمّا إذا كان بصيرا أو كان انحرافه عن القبلة
كثيرا ،فيقطع صلته وجوبا ،ويصلّي إلى الجهة الثّانية .
ويرى بعض العلماء ،ومنهم المديّ أنّه ل ينقل من جهته الولى ،ويمضي على اجتهاده
الوّل ،لئل ينقض الجتهاد بالجتهاد .وإن كان تغيّر الجتهاد بعد الفراغ من الصّلة ،ولم
يتبيّن الخطأ يقينا ،فل يعيد ما صلّى بالوّل بل خلف .
أمّا إذا ثبت الخطأ يقينا فقال المالكيّة والشّافعيّة :يعيدها إن فرغ منها ولم يزل في وقتها ،
ويقضيها بعد الوقت عند الشّافعيّة .وعند الحنفيّة والحنابلة ،وفي قول مرجوح للشّافعيّة :
ل يعيدها إن فرغ منها سواء كان في الوقت أو بعده .
تغيير نصاب الزّكاة في الحول :
-أجمع أهل العلم على أ نّ بيع النّصاب من عروض التّجارة بمثله أثناء الحول ل يقطع 7
فقال الحنفيّة والمالكيّة :إن غيّر المغصوب فزال اسمه وأعظم منافعه ،كطحن حنطة ،
ضمنه الغاصب وملكه ،بل حلّ انتفاع قبل أداء ضمانه .
وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إن كان التّغيير قد زاد من قيمة المغصوب ،فهو للمالك
ول شيء للغاصب بسببها ،إن كانت الزّيادة أثرا محضا ،وإن نقص من المغصوب فعلى
الغاصب ردّه وأرش النّقص .والتّفاصيل في مصطلح ( :غصب ) .
تغيّر حالة الجاني أو المجنيّ عليه :
-إذا تغيّر حال الجاني أو المجنيّ عليه من السلم إلى الكفر أو العكس ،ففي وجوب 10
القصاص أو عدمه ،ومقدار الدّية مذاهب يرجع إليها في مباحث ( الدّية ،والقصاص ) .
تفاؤل *
التّعريف :
-التّفاؤل :أن تسمع كلما حسنا فتتيمّن به ،وإن كان قبيحا فهو الطّيرة ،يقال :فأل به 1
تفئيل جعله يتفاءل به ،وتفأّل به بالتّشديد تفؤّل .وتفاءل تفاؤل ،ويستعمل غالبا في الخير
،وفي الثر « :ل عدوى ،ول طيرة ،ويعجبني الفأل الصّالح » .
وقد يستعمل في الشّ ّر أيضا ،يقال :ل فأل عليك أي ل ضير عليك ،وجاء في الثر :
« ذكرت الطّيرة عند النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقال :خيرها الفأل » .وصحّ عنه عليه
الصلة والسلم « :ل طيرة ويعجبني الفأل الكلمة الحسنة الكلمة الطّيّبة » .
ول يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ .وقد عرّفه القرافيّ بأنّه :ما يظنّ عنده
الخير .عكس الطّيرة والتّطيّر .غير أنّه تارة يتعيّن للخير ،وتارة للشّرّ ،وتارة يتردّد
بينهما ،فالمتعيّن للخير مثل الكلمة الحسنة يسمعها الرّجل من غير قصد .نحو :يا فلح ،
يا مسعود .
اللفاظ ذات الصّلة :
التّبرّك :
-التّبرّك :طلب ثبوت الخير اللهيّ في الشّيء .سمّيت بركة لثبوت الخير فيه ،كما 2
لذلك صدره .ول خلف بين الفقهاء في جواز التّفاؤل بالكلمة الحسنة من غير قصد ،كأن
يسمع المريض يا سالم ،أو يسمع طالب الضّالّة يا واجد فتستريح نفسه لذلك .
لخبر « ل عدوى ،ول طيرة ،ويعجبني الفأل الصّالح والكلمة الحسنة » .
وكان النّبيّ عليه الصلة والسلم يعجبه :أن يسمع يا راشد يا نجيح إذا خرج لحاجته .
وكان ل يتطيّر من شيء ،وكان إذا بعث عامل سأل عن اسمه فإذا أعجبه اسمه فرح به
ورئي بشر ذلك في وجهه ،وإن كره اسمه رئي كراهية ذلك في وجهه ،وإذا دخل قرية
سأل عن اسمها فإن أعجبه اسمها فرح ورئي بشر ذلك في وجهه وإن كره اسمها رئي
كراهية ذلك في وجهه .
وإنّما كان يعجبه الفأل ،لنّه تنشرح له النّفس وتستبشر بقضاء الحاجة فيحسن الظّنّ باللّه .
ي « :أنا عند ظنّ عبدي بي ،فل يظنّنّ بي إل خيرا » .
وقال ع ّز من قائل في حديث قدس ّ
بخلف الطّيرة فإنّها من أعمال أهل الشّرك حيث كانوا يعتقدون حصول الضّرر بما يتطيّر به.
التّفاؤل المباح :
-التّفاؤل المباح :أن يسمع الرّجل الكلمة الطّيّبة من غير قصد ،أو يسمّي ولده اسما 4
حسنا فيفرح عند سماعه .أمّا أخذ الفأل من المصحف ،كأن يفتحه فيتفاءل ببعض اليات
في أوّل الصّفحة ،أو يتفاءل بضرب الرّمل ،فيتفاءل ببعض رموزه فحرام .
وانظر أيضا مصطلح ( :تطيّر ،وتسمية ) .
تفرّق *
التّعريف :
-التّفرّق في اللّغة :مصدر :تفرّق ضدّ تجمّع ،يقال :تفرّق القوم تفرّقا ،ومثله افترق 1
القوم افتراقا والتّفريق :خلف التّجميع ،يقال :فرّق الشّيء تفريقا وتفرقة :بدّده ،وهو
متعدّ ،أمّا التّفرّق فلزم .والتّفريق أبلغ من الفرق ،لما فيه من معنى التّكثير .
والتّفرّق في الصطلح ل يخرج معناه عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
التّجزّؤ :
-التّجزّؤ :من تجزّأ الشّيء تجزّؤا ،وجزّأ الشّيء تجزئة :حمله أجزاء . 2
من يجيز خيار المجلس من الفقهاء .ويبطل العقد بالتّفرّق قبل القبض فيما يشترط في
ي بمثله ،أو بمتّحدّ معه في
صحّته التّقابض في المجلس .كرأس مال السّلم ،وبيع الرّبو ّ
العلّة ،على اختلف بين الفقهاء في بعض التّفاصيل .
التّفرّق المؤثّر وحكمه :
-التّفرّق المؤثّر هو :أن يتفرّقا بأبدانهما ،ول خلف في ذلك بين الفقهاء ،والمرجع 4
فيه عرف النّاس ،وعادتهم فيما يعدّونه تفرّقا ،لنّ الشّارع ناط عليه حكما ولم يبيّنه ،فدلّ
ذلك على أنّه أراد ما يعرفه النّاس ،ككلّ ما أطلقه الشّارع في المعاملت كالقبض ،والحراز.
هذا ويسقط بالتّفرّق خيار المجلس ،ويلزم العقد في غير الصّرف والرّبويّ ،ويبطل بالتّفرّق
بيع الرّبويّ قبل القبض .
أمّا هل يقوم التّخاير مقام التّفرّق في إسقاط خيار المجلس ؟ وهل يجوز التّخاير قبل القبض
في بيع الرّبويّ ،وآراء الفقهاء في ذلك ؟ فيرجع فيها إلى مصطلح ( خيار المجلس ) .
تفرّق المتعاقدين بعد انعقاد البيع :
-ذهب الشّافعيّة ،والحنابلة إلى أنّ التّفرّق بعد انعقاد البيع يسقط حقّه في خيار المجلس 5
لخبر « :البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا » .قال ابن قدامة :وهذا قول أكثر أهل العلم .
وإن لم يتفرّقا ،وأقاما مدّة طويلة ،فالخيار بحاله ،وإن طالت المدّة لعدم التّفرّق .
لما روى أبو الوضيء -عبّاد بن نسيب « : -غزونا غزوة ،فنزلنا منزل ،فباع صاحب
لنا فرسا بغلم ،ثمّ أقاما بقيّة يومهما وليلتهما ،فلمّا أصبحا من الغد حضر الرّحيل ،فقام
إلى فرسه يسرّجه فندم ،فأتى الرّجل وأخذه بالبيع ،فأبى الرّجل أن يدفعه إليه ،فقال :
ي صلى ال عليه وسلم فأتيا أبا برزة في ناحية العسكر
بيني وبينك أبو برزة صاحب النّب ّ
فقال له هذه القصّة فقال :أترضيان أن أحكم بينكما بقضاء رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم ؟ قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا وما أراكما
افترقتما » .
الكراه على التّفرّق :
-إن أكره الشّخص على التّفرّق ففيه وجهان للشّافعيّة -وهما روايتان للحنابلة - 6
أحدهما :أنّه يبطل الخيار ،لنّه كان يمكنه الفسخ بالتّخاير ،وهو أن يقول لصاحبه :اختر
فيلزم العقد ،فحيث لم يفعل ذلك فقد رضي بإسقاط الخيار .
الثّاني :ل يبطل الخيار لنّه لم يوجد منه أكثر من السّكوت ،والسّكوت ل يسقط الخيار .
ولم يأخذ أبو حنيفة ومالك بخيار المجلس أصل .وتفصيله في مصطلح ( خيار المجلس ) .
التّفرّق قبل القبض في بيع الرّبويّ :
-أجمع الفقهاء على أنّه إذا بيع أحد النّقدين بمثله ،أو بالخر يجب التّقابض في المجلس 7
ل بمثل ،ول
.وإل يبطل العقد لخبر « :ل تبيعوا الذّهب بالذّهب والفضّة بالفضّة إل مث ً
شفّوا بعضها على بعض ،ول تبيعوا الورق بالورق إلّا مثل بمثل ،ول تشفوا بعضها على
ُت ِ
بعض ،ول تبيعوا منها غائبا بناجز » .
أمّا غير النّقدين من الرّبويّات فقد اختلف الفقهاء في حرمة التّفرّق قبل القبض فعند
المالكيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة ،يشترط التّقابض ويحرم التّفرّق قبل القبض ،إن اتّحد
الجنس ،أو اتّحدت علّة الرّبا فيهما ،ويبطل العقد بالتّفرّق قبل القبض .
وذهب الحنفيّة إلى عدم اشتراط التّقابض في المجلس في الموزون والمكيل المعيّن ،ويجوز
التّفرّق قبل القبض ،ول يبطل العقد به .وتفصيله في ( ربا ،قبض ) .
التّفرّق قبل قبض رأس مال السّلم :
-يشترط لصحّة عقد السّلم قبض رأس مال السّلم قبل التّفرّق ،فإن تفرّقا قبل القبض بطل 8
في الشّجر بزبيب فيما دون خمسة أوسق .ويشترط في صحّة بيع العرايا عند القائل به
التّقابض قبل التّفرّق .وتقدّم تفصيله في بيع العرايا .
تفرّق المتناضلين قبل انتهاء المشروط :
-ل يجوز أن يفترق المتناضلن حتّى يستوفيا المقدار المشروط التّناضل به في الزّمن 10
المحدّد إلّا لعذر كمرض ،أو ريح عاصفة أو بالتّراضي .والتّفصيل في مناضلة .
تفرّق الصّفقة :
-تتفرّق الصّفقة بتفصيل الثّمن كأن يقول :بعتك هذا بكذا ،وهذا بكذا ،فيقبل الخر ، 11
وبتعدّد المشتري ،أو البائع ،وبالجمع في صفقة بين ما يجوز بيعه وما ل يجوز بيعه
كخلّ ،وخمر .ومعنى تفرّق الصّفقة تفريقها في الحكم .
ففي حالة تفصيل الثّمن مثل يجوز للمشتري قبول أحد المبيعين وردّ الخر ،وفي حالة تعدّد
العاقدين ،له ر ّد نصيب أحدهما بالعيب وإبقاء الخر ،وفي حالة الجمع بين الحلل والحرام
ح العقد في الحلل ،ويبطل في الحرام .والتّفصيل في تفرّق الصّفقة .
في صفقة ،يص ّ
تفرّق المجتمعين في أثناء خطبة الجمعة :
-إذا تفرّق المجتمعون أثناء الخط بة ،أو ن قص عدد هم لم يح سب الجزء المؤدّى من 12
تفريط *
التّعريف :
-التّفريط في اللّغة :التّقصير والتّضييع ،يقال فرّط في الشّيء وفرّطه :إذا ضيّعه وقدّم 1
العجز فيه ،وفرط في المر يفرط فرطا أي :قصّر فيه وضيّعه حتّى فات .
واصطلحا :ل يخرج عن هذا المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
الفراط :
-الفراط لغة :السراف مجاوزة الح ّد والفراط كذلك :الزّيادة على ما أمرت ،يقال أفرط 2
إفراطا :إذا أسرف وجاوز الحدّ .ول يخرج استعمال الفقهاء له عن معناه اللّغويّ .قال
ن الفراط يستعمل في تجاوز الحدّ
الجرجانيّ في التّعريفات :الفرق بين الفراط والتّفريط ،أ ّ
من جانب الزّيادة والكمال ،والتّفريط يستعمل في تجاوز الحدّ من جانب النّقصان والتّقصير ،
فالنّسبة بين الفراط والتّفريط التّضادّ .
الحكم الجماليّ :
-الصل في التّفريط التّحريم لما فيه من التّضييع لحقوق اللّه تعالى وحقوق الدميّين ، 3
ومن ذلك عدم أداء الصّلة حتّى يخرج وقتها إهمال ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :أما
إنّه ليس في النّوم تفريط ،إنّما التّفريط على من لم يص ّل الصّلة حتّى يجيء وقت الصّلة
الخرى » .
أ -التّفريط في العبادات :
-هو صورة من صور التّفريط في حقوق اللّه تعالى ،والتّفريط في العبادة إمّا أن يكون 4
بتركها بالكلّيّة ،أو بترك ركن من أركانها ،أو واجب من واجباتها ،أو سنّة من سننها ،أو
يكون بأدائها في غير وقتها المحدّد لها شرعا .
فإن كان التّفريط بتركها بالكلّيّة ،فل خلف بين الفقهاء في تفسيق تاركها وتأثيمه وتعزيره
ل ،وتكفيره إن كان تركها جحودا .
إن كان تركها تهاونا وكس ً
وإن كان التّفريط بترك ركن من أركان العبادة فإنّه يؤدّي إلى بطلنها ،ويجب عليه
العادة ،وذلك كمن ترك تكبيرة الحرام في الصّلة ،أو المساك في الصّوم ،أو الوقوف
بعرفة في الحجّ .
وإن كان التّفريط بترك واجب من واجباتها ،فتبطل العبادة إن تركه عمدا ،كمن ترك التّشهّد
الوّل في الصّلة -عند من يقول بوجوبه في الصّلة -فإن تركه سهوا أو جهلً فيمكن
تدارك هذا التّفريط بالجبر فيسجد سجود السّهو لترك واجب الصّلة .
ويجب في ترك الواجب في الحجّ دم حدّا له .
وترك سنّة من سنن العبادة ،ليس تفريطا عند الجمهور ،ول إثم فيه ،ول شيء عليه
غير نقصان الثّواب ،وعبادته تقع صحيحة .
ويرى المالكيّة والشّافعيّة مشروعيّة سجود السّهو لترك سنّة من سنن الصّلة ،أمّا عند
الحنفيّة لترك السّنّة تفريط لكنّه ل يوجب فسادا ول سهوا ،بل إساءة لو عامدا غير مستخفّ
،وقالوا :الساءة أدون من الكراهة التّحريميّة ،وحكم السّنّة أنّه يندب إلى تحصيلها ،
ويلم على تركها مع لحوق إثم يسير .
وهناك تفصيل وخلف بين المذاهب ينظر في مصطلح ( سجود السّهو ) .وإن كان التّفريط
ح منه لتخلّف
بأداء العبادة في غير وقتها المحدّد لها شرعا ،فإن أدّاها قبل وقتها فل تص ّ
الشّرط عنها ،وإن أدّاها بعد خروج وقتها بغير عذر فإنّه آثم ،كأداء الصّلة بعد خروج
الوقت ،وتأخير الزّكاة عن الحول عند من يرى وجوب إخراجها على الفور .
ب -التّفريط في عقود المانات :
-وهو من صور التّفريط في حقوق العباد .إنّ التّفريط والتّقصير في عقود المانات 5
كالوديعة يوجب الضّمان فيها .أمّا إن تلفت العين بغير تع ّد أو تفريط فل ضمان عليه .
ومن صور التّفريط في المانات إهمال حفظها في حرز مثلها ،أو أن يودعها عند غير أمين
.وكذلك العاريّة والرّهن عند من يعدّها من المانات .
وهناك خلف وتفصيل في المذاهب ينظر في مصطلح ( ضمان ،وتعدّ ،وإعارة ) .
ج -التّفريط في الوكالة :
ن الصل في الوكيل أنّه أمين ،فل ضمان عليه فيما تلف في يده
-ذهب الفقهاء إلى أ ّ 6
بغير تفريط منه ول تعدّ ،وذلك لنّه في مقام المالك في اليد والتّصرّف ،فكان الهلك في
ن الوكالة عقد إرفاق ومعونة ،والضّمان
يده كالهلك في يد المالك ،فأصبح كالمودع ،ول ّ
ي كتفريطه وتعدّيه .وللتّفصيل انظر مصطلح ( ضمان ،وكالة ).
مناف لذلك بدون موجب قو ّ
د -تفريط الجير :
-إذا فرّط الجير فيما وكّل إليه من عمل فتلف ما في يده وجب عليه الضّمان ،ل فرق 7
فللزّوجة أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وأولدها عرفا بغير إذنه « ،لقول النّبيّ صلى
ال عليه وسلم لهند بنت عتبة .حين قالت له :إنّ أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني
من النّفقة ما يكفيني وولدي :خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف » وإن لم تقدر على أخذ
كفايتها وكفاية ولدها من ماله رفعت أمرها للحاكم .
وهناك تفصيل وخلف بين المذاهب ينظر في مصطلح ( :نفقة ) .
و -تفريط الوصيّ :
ي أمين .فل يضمن ما هلك في يده من مال الموصى عليه ،ويقبل قوله مع
-الوص ّ 9
ذلك ،فهلك النسان ،فإنّه آثم ل محالة لوجوب المحافظة على النفس ،واختلفوا في ترتّب
الضّمان عليه في ذلك .
فذهب الجمهور " الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة في وجه " إلى أنّه ل ضمان عليه لنّه لم
يهلكه ،ل عن طريق المباشرة ،ول عن طريق التّسبّب .وذهب المالكيّة والحنابلة في وجه
إلى وجوب الضّمان عليه ،لنّه لم ينجه من الهلك مع إمكانه .
تفريق *
التّعريف :
-التّفريق لغة واصطلحا خلف الجمع يقال :فرّق فلن الشّيء تفريقا ،وتفرقة إذا 1
بدّده ،وفي الحديث « :ل يجمع بين متفرّق ،ول يفرّق بين مجتمع خشية الصّدقة » .
الحكم التّكليفيّ :
يختلف حكم التّفريق باختلف متعلّقه :
أ -تفريق المال المختلط خشية الصّدقة :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل يجوز لرباب الموال من أهل الزّكاة ،أن يفرّقوا 2
أموالهم المختلطة ،الّتي وجب فيها باجتماعها فرض الزّكاة ،ليسقط عنها الفرض ،أو ليقلّ
الواجب .كأن يكون لهما أربعون شاة مختلطة خلطة اشتراك ،أو خلطة جوار فيفرّقاها قبل
نهاية الحول ليسقط عنها الفرض بالتّفرقة ،ول يجوز لرباب الموال أن يجمعوا أموالهم
المتفرّقة ليقلّ الواجب .وكذا السّاعي ل يجوز له أن يجمع المتفرّق خشية سقوط الصّدقة أو
قلّتها لحديث « ل يجمع بين متفرّق ول يفرّق بين مجتمع خشية الصّدقة » .
وانظر تفصيل هذه المسألة في مصطلح ( زكاة ) .
ب -تفريق أيّام الصّوم ،في التّمتّع :
-اختلف الفقهاء في جواز وصل المتمتّع صوم اليّام العشرة إذا لم يصم الثّلثة في وقتها 3
.وجوّز الحنابلة والمالكيّة الوصل بين الثّلثة والسّبعة ،أمّا عند الحنفيّة إن لم يصم الثّلثة
في وقتها -وهو يوم قبل التّروية ،ويوم التّروية ،ويوم عرفة -يسقط عنه الصّوم ويعود
إلى الهدي .وذهب الشّافعيّة -في الظهر عندهم -إلى لزوم التّفريق بين الثّلثة
والسّبعة ،والظهر على هذا -في مدّة التّفريق -أنّها تكون بقدر أربعة أيّام ،ومدّة إمكان
السّير إلى أهله على العادة لتت ّم .ولو صام عشرة أيّام متوالية حصلت له الثّلثة ،ول يعتدّ
بالبقيّة لعدم التّفريق .ويراجع التّفصيل في مصطلح ( :تمتّع ) .
ج -تفريق صوم جزاءات الحجّ :
-ل خلف بين الفقهاء في جواز تفريق أيّام الصّوم في جزاءات الحجّ بأنواعها 4
المختلفة ،لنّ اللّه تعالى أمر به مطلقا في أنواعها كلّها ،فل يتقيّد بالتّتابع من غير دليل .
وينظر للتّفصيل مصطلح ( تتابع ) .
د -تفريق أشواط الطّواف :
-ل خلف بين الفقهاء في أنّه إذا تلبّس بالطّواف ثمّ أقيمت المكتوبة ،فإنّه يقطع الطّواف 5
ويصلّي مع الجماعة ،ويبني على طوافه ،لنّه فعل مشروع في أثناء الطّواف ،فلم يقطعه
كاليسير .
وفي غير المكتوبة اختلف الفقهاء تضييقا وتوسيعا .ويرجع إلى مصطلح ( طواف ) .
هـ – التّفريق بين المّ وولدها :
– ل خلف بين الفقهاء في حظر التّفريق بين المة المملوكة وولدها الصّغير بالبيع حتّى 6
يميّز أو يثغر أو يبلغ ،على اختلف بين الفقهاء .لحديث « من فرّق بين الوالدة وولدها
فرّق اللّه بينه وبين أحبّته يوم القيامة » .
واختلفوا في التّفريق بين الصّغير وبين غير المّ من المحارم .
فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه يحرم التّفريق بين الصّغير وبين محرمه المنفرد ،لحديث
ي رضي ال عنه ،قال « :أمرني رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أن أبيع غلمين
عل ّ
ي صلى ال عليه وسلم فقال أدركهما
أخوين فبعتهما ،ففرّقت بينهما فذكرت ذلك للنّب ّ
فأرجعهما ،ول تبعهما إل جميعا » ولنّ بينهما محرميّة ،فلم يجز التّفريق بينهما كالمّ
ص بالمّ وولدها للحديث السّابق .
ن التّحريم خا ّ
وولدها .وقال المالكيّة والشّافعيّة :إ ّ
ن التّفريق بين البهيمة وولدها حرام ،إل إن استغنى عنها ،أو بذبحه
وصرّح الشّافعيّة بأ ّ
هو ل بذبحها ،ول ببيعه للذّبح .
و -تفريق الصّفقة لتعدّد أحد الطّرفين أو تعدّد المبيع :
-تفرّق الصّفقة بتفصيل الثّمن من الموجب أو القابل ،كأن يقول في عقد البيع مثلً : 7
بعتك هذا الثّوب بمائة ،وهذا بخمسين ،فيقبل الخر فيهما ،سواء فصّل القابل أم لم يفصّل
،فيجوز ر ّد أحدهما بعيب ،واستبقاء الخر .تفريقا للصّفقة لتعدّدها بتفريق الثّمن .
وكذا إن تعدّد البائع ،أو المشتري ،فيجوز ردّ نصيب أحدهما بعيب ،تفريقا للصّفقة .
أمّا إذا قبل أحد المبيعين ،أو نصيب أحد الطّرفين فل تفرّق الصّفقة ،لختلف اليجاب
والقبول ،فيبطل العقد .هذا التّفصيل للشّافعيّة .
ومذهب الحنفيّة أنّه إذا اتّحد الموجب ،وتعدّد المخاطب ،لم يجز التّفريق بقبول أحدهما ،
سواء أكان الموجب بائعا أم مشتريا ،وعلى عكسه لم يجز القبول في حصّة أحدهما .
وإن اتّحدا لم يصحّ قبول المخاطب في البعض ،فلم يصحّ تفريقها مطلقا في الحوال
الثّلثة ،لتّحاد الصّفقة في الكلّ .وكذا إن اتّحد العاقدان وتعدّد المبيع ،كأن يوجب بيع
ي ومثليّ ،لم يجز تفريقها بالقبول في أحدهما إل أن يرضى الخر بذلك بعد
مثليّين ،أو قيم ّ
القبول في البعض ،ويكون المبيع ممّا ينقسم الثّمن عليه بالجزاء ،كدار واحدة ،أو
موزون ،أو مكيل ،فيكون القبول إيجابا جديدا والرّضا قبول .
أمّا إن كان المبيع ممّا ل ينقسم إل بالقيمة كثوبين أو دارين ،فل يجوز التّفريق في القبول .
فإن بيّن ثمن كلّ واحد منهما بأن كرّر لفظ البيع كأن يقول :بعتك هذين الثّوبين :بعتك هذا
ح التّفريق بالقبول .
بألف وبعتك هذا بألف ،يص ّ
أمّا إذا لم يكرّر لفظ البيع وفصّل الثّمن ،قال بعض الحنفيّة تعدّدت الصّفقة ،فيجوز تفريقها
ن اشتراط تكرار لفظ البيع للتّعدّد استحسان .وهو قول
بالقبول ،ومنعه آخرون .وقيل :إ ّ
أبي حنيفة .وعدم اشتراطه قياس .وهو قول الصّاحبين .
ومذهب الحنابلة أنّ تفرّق الصّفقة يكون بتعدّد البائع أو المشتري أو المبيع أو بتفصيل الثّمن
،على الصّحيح عندهم .فإذا اشترى اثنان شيئا ،وشرطا الخيار ،أو وجداه معيبا فرضي
أحدهما فللخر الفسخ بناء على تعدّد الصّفقة بتعدّد الطّرفين .وهو الصّحيح عندهم ،وفي
قول ل تفرّق بناء على أنّ الصّفقة ل تتعدّد بتعدّد الطّرفين .
وكذلك لو اشترى واحد من اثنين شيئا وظهر به عيب فله ر ّد نصيب أحدهما وإمساك الخر
،تفريقا للصّفقة ،وهو رأي المالكيّة والتّفصيل في مصطلح ( الرّ ّد بالعيب ) .
تفريق الصّفقة المشتملة على ما يجوز بيعه ،وما ل يجوز :
إذا اشتملت الصّفقة على ما يجوز بيعه وما ل يجوز ،فقد اختلف الفقهاء في حكمها على
النّحو التّالي :
مذهب الحنفيّة :
-ذهب الحنفيّة إلى جواز تفريق الصّفقة ،إذا جمع فيها بين ما يملكه وما ل يملكه ، 8
كداره ودار غيره ،فيصحّ البيع ،وينفذ في ملكه بقسطه من الثّمن باتّفاق أئمّتهم ،ويصحّ
في ملك غيره موقوفا على الجازة .أمّا إذا جمع فيها بين ميتة ومذكّاة أو خ ّل وخمر ،
فيبطل فيهما ،إن لم يسمّ لكلّ واحد ثمنا عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد .
ن البيع يبطل
أمّا إذا سمّى لكلّ واحد منهما ثمنا فاختلفوا فيها :فذهب المام أبو حنيفة إلى أ ّ
فيهما ،لنّ الميتة والخمر ليسا بمال ،والبيع صفقة واحدة ،فكان القبول في الميتة
كالمشروط للبيع في المذبوحة ،وهو شرط فاسد مفسد للعقد في المذبوحة ،بخلف بيع ما
يملكه وما ل يملكه فالبيع موقوف ،وقد دخل تحت العقد لقيام الماليّة .
وذهب الصّاحبان إلى صحّة العقد في الحلل بقسطه من الثّمن ،إذا سمّي لكلّ منهما قسط
ن الفساد ل يتعدّى المحلّ الفاسد ،وهو عدم الماليّة في الميتة ،فل يتعدّى إلى
من الثّمن .ل ّ
غيرها إذ ل موجب لتعدّيه ،لنّ كلّا منهما قد انفصل عن الخر بتفصيل الثّمن ،بدليل ما لو
كانتا مذكّاتين فتلفت إحداهما قبل القبض بقي العقد في الخرى .
مذهب المالكيّة :
-إذا جمعت الصّفقة بين حلل وحرام بطلت فيهما عندهم ،إذا علم العاقدان الحرام أو 9
علمه أحدهما .أمّا إذا لم يعلما ،كأن باع قلّتي خلّ وخمر على أنّهما خلّ ،فبانت إحداهما
خمرا ،أو باع شاتين على أنّهما مذبوحتان فبانت إحداهما ميتة ،فله التّمسّك بالباقي بقسطه
ص الخمر والميتة من الثّمن لفساد بيعه .
من الثّمن ،يرجع على البائع بما يخ ّ
مذهب الشّافعيّة :
-ذهب الشّافعيّة إلى أنّ تفريق الصّفقة ثلثة أقسام : 10
أحدها :أن يبيع معلوما ومجهول في صفقة واحدة بثمن واحد ،كأن يقول بعتك هذه الفرس
ح بيعه
،وما في بطن هذه الفرس الخرى ،بألف .فهذا باطل .لنّ المجهول ل يص ّ
لجهالته ،فيصير المبيع المعلوم مجهول الثّمن ول سبيل إلى معرفته ،لنّ المعرفة إنّما
تكون بتقسيط الثّمن على المبيعين ،والمجهول ل يمكن تقويمه فيتعذّر التّقسيط .
ثانيها :أن يكون المبيعان ممّا ينقسم الثّمن عليهما بالجزاء ،كدار مشتركة بينه وبين غيره
باعها بغير إذن شريكه ،ففي ذلك عند الحنابلة وجهان :
ن لكلّ واحد
أحدهما :يصحّ البيع في ملكه بقسطه من الثّمن ،ويبطل فيما ل يملكه .ل ّ
منهما حكم المستقلّ لو انفرد ،فإذا جمع بينهما ثبت لك ّل واحد منهما حكمه .وهو كما سبق
قول أبي حنيفة وأحد قولي الشّافعيّ .
والوجه الثّاني :ل يصحّ البيع ،لنّ الصّفقة جمعت حللً وحراما ،فغلب التّحريم ،ولنّ
الصّفقة إذا لم يمكن تصحيحها في جميع المعقود عليه بطلت في الكلّ ،كالجمع بين الختين
.وهو قول للشّافعيّة .
ثالثها :أن يكون المبيعان معلومين ممّا ل ينقسم عليهما الثّمن بالجزاء ،وأحدهما ممّا
يصحّ بيعه والخر ممّا ل يصحّ ،كخلّ وخمر ،وميتة ومذكّاة ،ومقدور التّسليم وغير
مقدور التّسليم ،فيبطل البيع فيما ل يصحّ بيعه ،وفي الخر روايتان :
إحداهما :يصحّ فيه البيع بقسطه من الثّمن ،وهو الظهر من قولين للشّافعيّة ،لنّه يصحّ
بيعه منفردا فلم يبطل بانضمام غيره إليه .
ن الثّمن مجهول ،لنّه يتبيّن بتقسيط
والثّاني :يبطل فيه أيضا ،وهو قول الشّافعيّة ،ل ّ
الثّمن على القيمة ،وذلك مجهول حين العقد .
ز -تفريق الصّوم في الكفّارات :
-ل خلف بين الفقهاء في وجوب التّتابع في صوم كفّارتي القتل والظّهار ،لثبوت 12
شهْرَينِ
التّتابع فيهما بنصّ القرآن ،في قوله تعالى في كفّارة القتل َ { :فمَنْ ل ْم َيجِدْ فَصِيا ُم َ
شهْرينِ
ن َلمْ َيجِدْ فَصِيامُ َ
مُتَتَا ِبعَينِ تَو َب ًة مِنَ الّلهِ } وفي كفّارة الظّهار في قوله تعالى َ { :فمَ ْ
مُتَتَابِعينِ مِنْ قَ ْب ِل أَنْ يَ َتمَاسّا } وثبت التّتابع في صيام كفّارة الوطء في رمضان بالسّنّة
ن النّبيّ صلى ال
الصّحيحة .وذهب إلى ذلك عامّة أهل العلم لما في حديث أبي هريرة « أ ّ
عليه وسلم جاء إليه رجل فقال :هلكت يا رسول اللّه قال :وما أهلكك ؟ قال :وقعت على
امرأتي في رمضان ،فقال :هل تجد ما تعتق ؟ قال :ل .قال :هل تستطيع أن تصوم
شهرين متتابعين » . . .إلى آخر الحديث .والتّفصيل في مصطلح ( تتابع ) .
-أمّا كفّارة اليمين فقد اختلف الفقهاء في جواز تفريق الصّوم فيها فذهب الحنفيّة 13
والحنابلة إلى أنّه ل يجوز تفريق الصّوم في كفّارة اليمين ،واستدلّوا بقراءة ابن مسعود ،
ن َلمْ َيجِدْ فَصِيامُ ثَل َث ِة أَيّامٍ مُتتَا ِبعَات } .
وأبيّ ،وقد قرآ َ { :فمَ ْ
ن التّتابع في كفّارة اليمين غير واجب ،وهو قول عند
وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أ ّ
ن المر بالصّوم فيها مطلق ،ول يجوز تقييده إل بدليل .
الحنابلة ،ل ّ
وقد سبق تفصيل هذه المسألة في مصطلح ( تتابع ) .
تتابع قضاء رمضان :
-ل يجب التّتابع في قضاء رمضان باتّفاق المذاهب الربعة . 14
تفسير *
التّعريف :
-التّفسير في اللّغة :الكشف والظهار والتّوضيح . 1
وفي الصطلح :ل يخرج عن المعنى اللّغويّ ،وغلب على تفسير القرآن ،والمراد به ،
كما قال الجرجانيّ :توضيح معنى الية ،وشأنها ،وقصّتها ،والسّبب الّذي نزلت فيه ،
بلفظ يدلّ عليه دللة ظاهرة
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّأويل :
-التّأويل مصدر أوّل .يقال :أوّل الكلم تأويل :دبّره وقدّره وفسّره ،وفي الصطلح : 2
صرف اللّفظ عن معناه الظّاهر إلى معنى يحتمله إذا كان المحتمل الّذي يراه موافقا للكتاب
ج الحَيّ مِن المَيّتِ } إن أراد به إخراج الطّير من البيضة
والسّنّة ،مثل قوله تعالى ُ { :يخْرِ ُ
ل.
كان تفسيرا ،وإن أراد إخراج المؤمن من الكافر ،أو العالم من الجاهل كان تأوي ً
ن التّفسير أعمّ من التّأويل ،وأكثر استعمال التّفسير في
والفرق بين التّفسير والتّأويل أ ّ
اللفاظ ومفرداتها ،وأكثر استعمال التّأويل في المعاني والجمل .
وأكثر ما يستعمل التّأويل في الكتب اللهيّة .أمّا التّفسير فيستعمل فيها وفي غيرها .
ن معناه
وقال قوم :ما وقع مبيّنا في كتاب اللّه ،ومعيّنا في صحيح السّنّة سمّي تفسيرا ،ل ّ
قد ظهر ،وليس لحد أن يتعرّض له باجتهاد ول غيره ،بل يحمله على المعنى الّذي ورد ل
يتعدّاه ،والتّأويل ما استنبطه العلماء العالمون بمعاني الخطاب ،الماهرون بآلت العلوم .
ن المراد من اللّفظ هو هذا ،والشّهادة على اللّه أنّه
قال الماتريديّ :التّفسير القطع على أ ّ
عنى باللّفظ هذا المعنى ،فإن قام دليل مقطوع به فصحيح ،وإل فتفسير بالرّأي ،وهو
المنهيّ عنه .والتّأويل ترجيح أحد الحتمالت بدون القطع والشّهادة على اللّه .
ب -البيان :
-البيان :إظهار المتكلّم المراد للسّامع ،وهو أعمّ من التّفسير ،لشموله -عدا بيان 3
التّفسير -كلً من بيان التّغيير ،وبيان التّقرير ،وبيان الضّرورة ،وبيان التّبديل .
حكم تفسير القرآن :
-ل خلف بين الفقهاء في جواز تفسير القرآن بمعنى اللّغة ،لنّه عربيّ . 4
وقال السّيوطيّ :قد أجمع العلماء على أنّ التّفسير من فروض الكفايات ،وأجلّ العلوم
الثّلثة الشّرعيّة -أي :التّفسير والحديث والفقه . -
ي -أشرف صناعة يتعاطاها النسان تفسير القرآن .
وقال - :نقل عن الصفهان ّ
كما أجمعوا على حظر تفسير القرآن بالرّأي من غير لغة ول نقل ،واستدلّوا بقوله تعالى :
{ ُقلْ إ ّنمَا حَ ّرمَ رَبّي ال َفوَاحِشَ } إلى قوله { وَأنْ َتقُولُوا على الّلهِ مَا ل َتعْ َلمُونَ } وقوله صلى
ال عليه وسلم « :من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النّار » والمراد منه
التّفسير بالرّأي من غير لغة ،ول نقل .
أقسام تفسير القرآن :
-قسّم العلماء معاني القرآن إلى ثلثة أقسام : 5
أ -ما ل سبيل إلى الوصول إليه ،وهو الّذي استأثر اللّه بعلمه ،وحجب علمه عن جميع
خلقه ،ومنه أوقات وقوع المور الّتي أخبر اللّه في كتابه أنّها كائنة ،مثل وقت قيام السّاعة
،ووقت نزول عيسى ،ووقت طلوع الشّمس من مغربها ،وما أشبه ذلك ،فهذا القسم ليس
لحد أن يتعرّض له بالتّأويل .
ص اللّه نبيّه صلى ال عليه وسلم بعلم تأويله دون سائر أمّته ،ويحتاج العباد
ب -ما خ ّ
إلى تفسيره لمور دينهم ،ودنياهم ،فل سبيل لهم أيضا إلى علم ذلك إل ببيان الرّسول
صلى ال عليه وسلم لهم تأويله .
ج -ما كان علمه عند أهل اللّسان الّذي نزل به القرآن ،وذلك علم تأويل عربيّته
وإعرابه ،فل يوصل إلى علم ذلك إل من قبلهم .
طرق التّفسير :
-قال السّيوطيّ : 6
قال العلماء :من أراد تفسير القرآن الكريم طلبه أوّل من القرآن نفسه ،فما أجمل منه في
مكان بسط في موضع آخر ،وما اختصر في مكان بسط في موضع آخر منه .
فإن أعياه ذلك طلبه من السّنّة ،فإنّها شارحة للقرآن ،ومبيّنة له .
وقال الشّافعيّ رضي ال عنه :كلّ ما حكم به رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فهو ممّا
س ِبمَا أَرَاكَ
ن النّا ِ
ب بِالحَقّ لِ َتحْ ُكمَ بَي َ
فهمه من القرآن .لقوله تعالى { :إنّا أَنْزَلْنَا إليكَ الكِتَا َ
الّلهُ } .وقال عليه الصلة والسلم « :أل إنّي قد أوتيت القرآن ومثله معه » .
وقالوا :فإن لم يوجد في القرآن ،ول في السّنّة ما يوضّح المعنى ،يرجع إلى أقوال
الصّحابة في تفسيره ،فإنّهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والحوال عند نزوله ،ولما
اختصّوا به من الفهم الصّحيح والعمل الصّالح ،وقد قال الحاكم في كتاب معرفة علوم
ي الّذي شهد الوحي والتّنزيل ،فأخبر عن آية من القرآن أنّها نزلت في
الحديث :إنّ الصّحاب ّ
كذا وكذا ،فإنّه حديث مسند .
وقال صاحب كشّاف القناع :يلزم الرّجوع إلى تفسير الصّحابيّ لنّهم شاهدوا التّنزيل ،
وحضروا التّأويل .فتفسيره أمارة ظاهرة .
ي ما يخالف القياس فهو توقيف .وقال القاضي ،وغيره من الحنابلة :إن
وإذا قال الصّحاب ّ
ن نقل كلم العرب في ذلك صيّر
قلنا :إنّ قول الصّحابيّ حجّة لزم قبول تفسيره ،وإل فإ ّ
إليه ،وإن فسّره اجتهادا أو قياسا على كلم العرب لم يلزم قبول تفسيره .
-أمّا تفسير التّابعيّ فل يلزم الرّجوع إليه ،لنّه ليس حجّة بالتّفاق ،ونقل عن المام 7
قال الغزاليّ :ثبت أنّه ليس في القرآن ما ل تفهمه العرب .فإن قيل :العرب إنّما تفهم من
ن على العَرْشِ اسْتَوى } الجهة ،
ق عِبَادِه } و { الرّحمَ ُ
قوله تعالى { :وهو القَاهِرُ فَو َ
والستقرار .وقد أريد به غيره فهو متشابه .قلنا هيهات ،فإنّ هذه كنايات ،واستعارات
ن اللّه تعالى ليس كمثله شيء ،وأنّها مؤوّلة
يفهمها المؤمنون من العرب المصدّقون بأ ّ
تأويلت تناسب تفاهم العرب .وهناك من يرى إثبات هذه السماء والصّفات على ظاهرها ،
مع التزام التّنزيه .والتّفصيل في علم العقيدة .
ي :وفي حثّ اللّه تعالى عباده على العتبار بما في آي القرآن من المواعظ ،
وقال الطّبر ّ
ك لِيَدّبّرُوا آيَاتِه وَلِيَتَ َذكّ َر أُولوا اللْبِابِ }
ب أَنْزَلْنَاه إليكَ مُبَارَ ٌ
والبيانات في قوله تعالى { :كِتَا ٌ
وما أشبهها من آي القرآن الّتي أمر اللّه عباده ،وحثّهم فيها على العتبار بأمثال آي
القرآن والتّعاظ به ،ما يد ّل على أنّ عليهم معرفة تأويل ما لم يحجب عنهم تأويله من آيه ،
لنّه محال أن يقال -لمن ل يفهم ما يقال له ،ول يعقل تأويله -اعتبر بما ل فهم لك به ،
ول معرفة من القول والبيان والكلم على معنى المر بأن يفهمه ،ويفقهه ث ّم يتدبّره ،
ويعتبر به .فأمّا قبل ذلك فمستحيل أمره بتدبّره وهو جاهل عن معناه .
ح هذا فقد فسد قول من أنكر تفسير المفسّرين في كتب اللّه ،ما لم يحجب
ثمّ قال :وإذا ص ّ
ن النّهي عن تفسير القرآن ،إنّما ينصرف إلى
اللّه تأويله عن خلقه .وقال العلماء :إ ّ
المتشابه منه ل إلى جميعه لنّ القرآن نزل حجّة على الخلق ،فلو لم يجز التّفسير لم تكن
الحجّة بالغة .فإذا كان كذلك ،جاز لمن عرف لغات العرب وأسباب النّزول أن يفسّره ،أمّا
من لم يعرف وجوه اللّغة فل يجوز أن يفسّره إلّا بمقدار ما سمع ،فيكون ذلك على وجه
ن المراد من الية كذا -وهو ل يعرف اللّغة
الحكاية ،ل على وجه التّفسير ،ولو قال :إ ّ
العربيّة ،ولم يسمع فيه شيئا ،فل يحلّ له ذلك ،وهو الّذي نهى عنه .وقال مجاهد :ل
يحلّ لحد يؤمن باللّه ،واليوم الخر ،أن يتكلّم في كتاب اللّه إذا لم يكن عالما بلغات العرب.
شروط المفسّر للقرآن ،وآدابه :
-يشترط فيمن يفسّر القرآن أن يكون عالما بلغة العرب لنّ القرآن نزل بها ،فبالعلم بها 9
الصّحيح عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ثمّ عن الصّحابة ومن عاصرهم من التّابعين ،وأن
يتجنّب المحدثات -أي القوال المبتدعة -وإذا تعارضت أقوال الصّحابة ،وأمكن الجمع
بينها فعل .وإن لم يمكن الجمع بينها ر ّد المر إلى ما ثبت فيه السّمع .فإن لم يجد سمعا ،
وكان للستدلل طريق إلى تقوية أحدهما رجّح ما قوي الستدلل فيه ،إذا كان ممّا يمكن
معرفة صحيحه من ضعيفه بطرق الستدلل ،لنّه قد ثبت أن ليس في القرآن ما ل تفهمه
العرب ،أمّا ما ل يمكن معرفته بطرق الستدلل ول نقل فيه فل سبيل إلى تفسيره .
وعامّة هذا النّوع ممّا ل فائدة فيه ،ول حاجة بنا إلى معرفته كلون كلب أصحاب الكهف ،
واسمه ،والبعض الّذي ضرب به الميّت من البقرة ،واسم الغلم الّذي قتله صاحب موسى
عليه السلم ،ونحو ذلك ،ول ينبغي أن نشغل أنفسنا بذلك .
وينبغي أن يكون المفسّر سليم المقصد فيما يقول ،ليلقى التّسديد من اللّه ،قال تعالى :
حسِنينَ } وقال { :وَاتّقُوا الّلهَ وَ ُيعَّل ُم ُكمْ
ن جَاهَدُوا فِينَا لَ َنهْدِيَ ّن ُهمْ سُبُلَنَا وَإنّ الّل َه َلمَ َع ال ُم ْ
{ وَالّذِي َ
الّلهُ وَالّل ُه ِبكُ ّل شَيءٍ عَليمٌ }
مسّ المحدث كتب التّفسير وحمله لها :
س كتب التّفسير وإن كان فيها آيات من القرآن
-يجوز عند جمهور الفقهاء للمحدث م ّ 11
وحملها والمطالعة فيها ،وإن كان جنبا ،قالوا :لنّ المقصود من التّفسير :معاني
القرآن ،ل تلوته ،فل تجري عليه أحكام القرآن .
ن الجواز مشروط فيه أن يكون التّفسير أكثر من القرآن لعدم الخلل
وصرّح الشّافعيّة بأ ّ
بتعظيمه حينئذ ،وليس هو في معنى المصحف .وخالف في ذلك الحنفيّة ،فأوجبوا الوضوء
لمسّ كتب التّفسير .والتّفصيل في مصطلح ( مصحف ،وحدث ) .
قطع سارق كتب التّفسير :
ي والحنابلة وأبو
-اختلف الفقهاء في قطع سارق كتب التّفسير ،فذهب مالك والشّافع ّ 12
ثور إلى وجوب القطع بسرقتها إذا تمّت شروط القطع .
وذهب الحنفيّة إلى عدم القطع على تفصيل يرجع فيه إلى مصطلح ( سرقة ) .
تفسير المقرّ ما أبهمه في القرار :
ي شيء ،ونحو ذلك ،صحّ
-إذا قال ابتداء أو جوابا عن دعوى صحيحة :لفلن عل ّ 13
القرار باتّفاق الفقهاء ،ويجب عليه تفسير المبهم ،فإن فسّره بما يتموّل قبل تفسيره ،قلّ
أو كثر .وإن فسّره بما ل يتموّل ولكنّه من جنس ما يتموّل ،كحبّة حنطة يقبل عند الشّافعيّة
،لنّه شيء يحرم أخذه بغير إذن ،ويجب ردّه على آخذه .
ويشترط الحنفيّة أن يفسّر بذي قيمة ،وهو الرّاجح عند الحنابلة ،ووجه عند الشّافعيّة .
وإن لم يكن من جنس ما يتموّل فإن كان ممّا يجوز اقتناؤه لمنفعته كالكلب المعلّم أو القابل
للتّعليم ،والسّرجين ،فيقبل تفسيره به ،وإن فسّره بما ل يجوز اقتناؤه ،كخمر غير
ال ّذمّيّ ،أو ككلب ل يجوز اقتناؤه ،فل يقبل تفسيره به .
ق الشّفعة قبل .
وإن فسّره بوديعة ،أو بح ّ
ن التّفسير واجب عليه ،فيصير بامتناعه عن
وإن امتنع عن التّفسير حبس حتّى يفسّر ،ل ّ
تفسير ما أق ّر به مجمل -كمن امتنع عن أداء حقّ وجب عليه .
وفي وجه عند الشّافعيّة ل يحبس ،فإن وقع القرار المبهم في جواب دعوى ،وامتنع عن
التّفسير جعل منكرا ،ويعرض اليمين عليه ،فإن أصرّ ولم يحلف جعل ناكل ،وحلف
المدّعي ،وإن كان ابتداء بل سبق دعوى ادّعى عليه المقرّ له بالحقّ ،وقالوا :حيث أمكن
حصول الغرض فل يحبس .والتّفصيل في مصطلح ( إقرار ) .
تفسيق *
التّعريف :
-التّفسيق :مصدر فسّق ،يقال :فسّقه إذا نسبه إلى الفسق ،والفسق -في الصل - 1
الخروج ،وغلب استعماله في الخروج عن الستقامة والطّاعة ،يقال :فسقت الرّطبة ،أي
:خرجت عن قشرتها .
والفسق هو الفجور والخروج عن طريق الحقّ والتّرك لمر اللّه ،والعصيان ،وفي التّنزيل
{ وَإنّه َل ِفسْقٌ } أي خروج عن الحقّ .وقال العسكريّ :الفسق الخروج من طاعة اللّه
بكبيرة ،والفجور النبعاث في المعاصي والتّوسّع فيها .
ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّعديل :
-من معاني التّعديل النّسبة إلى العدالة ،يقال عدلت الشّاهد إذا نسبته إلى العدالة 2
ووصفته بها .والعدالة لغة الستقامة ،وفي الشّريعة :عبارة عن الستقامة على طريق
الحقّ باجتناب ما هو محظور في الدّين .فالتّعديل ضدّ التّفسيق .
ب -التّكفير :
-من معاني التّكفير النّسبة إلى الكفر ،والكفر لغة التّغطية والسّتر ،يقال :فلن كفر 3
النّعمة إذا سترها ولم يشكرها ،وشرعا هو :تكذيب النّبيّ صلى ال عليه وسلم في أمر من
المور المعلومة من الدّين بالضّرورة ( ر :كفر ) .
والفرق بين التّفسيق والتّكفير أنّ التّفسيق أعمّ من التّكفير بهذا المعنى .
الحكم الجماليّ :
-تفسيق المجلود في حدّ القذف :يفسّق المجلود في ح ّد القذف ،لقوله تعالى { وَالّذينَ 4
شهَادَةً
شهَدَاءَ فَاجْلِدُوهم َثمَانِينَ جَلْدَ ًة وَل َتقْبَلُوا لَهمْ َ
ن ال ُمحْصَنَاتِ ثمّ ل ْم يَأتُوا بِأَرْ َب َعةِ ُ
يَ ْرمُو َ
سقُونَ } فقد تعلّق بالقذف -إذا لم يأت القاذف ببيّنة -ثلثة أحكام :
ك هم الفَا ِ
أَبَدَا وَأولئ َ
الحدّ ،ور ّد الشّهادة ،والتّفسيق ،تغليظا لشأن القذف ،وقوّة في الرّدع عنه .
وفي قبول شهادة الفاسق بعد التّوبة ،وشروط توبته ،تفصيل ينظر في مصطلحات ( توبة ،
شهادة ،فسق ،وقذف ) .
تفسيق مرتكب الكبائر :
-ل خلف بين الفقهاء في تفسيق مرتكب الكبائر كالزّاني ،واللّائط ،والقاتل ،ونحوهم ، 5
لنّ تفسيق القاذف ور ّد شهادته ثبت بنصّ القرآن فيقاس عليه كلّ مرتكب كبيرة .
ن َيجْتَنِبُونَ كَبَائِ َر الِ ْثمِ وَالفَوَاحِشَ إل الّل َممَ }.
أمّا الصّغائر فل يفسّق بها ،لقوله تعالى {:الّذِي َ
أمّا تفسير الكبيرة ففيه خلف وتفصيل ينظر في ( كبائر ،عدالة ،فسق ،ومعصية ) .
تفسيق أهل البدع :
-البدع إمّا عمليّة أو اعتقاديّة ،فأمّا البدع العمليّة ،فيرى المالكيّة والحنابلة وشريك 6
وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد وأبو ثور تفسيق أهلها ،وعدم قبول شهادتهم لنّ البتداع
فسق من حيث العتقاد ،وهو شرّ من الفسق من حيث التّعاطي ،ول فرق بين كون أهل
البدع متعمّدين للبدعة أو متأوّلين ،لنّهم ل يعذرون بالتّأوّل .
أمّا الحنفيّة والشّافعيّة فيقولون بقبول شهادة أهل البدع إل الخطّابيّة فإنّهم ل تقبل شهادتهم ،
لنّهم يرون إباحة الكذب على خصومهم لتأييد مذهبهم .
أمّا البدع العتقاديّة غير المكفّرة ،فقد اتّفق الفقهاء على تفسيق أهلها .إل أنّهم ل يعتبرون
هذا النّوع من الفسق مانعا من قبول الشّهادة ،لنّ أهل البدع ما أوقعهم في البدعة والهوى
إل التّعمّق والغلوّ في الدّين ،فمنهم من يعظّم الذّنب حتّى يجعله كفرا ،فيكون ممتنعا عن
الكذب ،فصار هذا كمن يشرب المثلّث من الحنفيّة ،أو يأكل متروك التّسمية عامدا من
الشّافعيّة معتقدا إباحته ،فإنّه ل تر ّد شهادته كذا هذا ،بخلف الفسق من حيث التّعاطي
والفعال حيث تر ّد الشّهادة به .
أمّا البدع المكفّرة فتر ّد شهادة أهلها عند الجمهور ،وتفصيل ذلك ينظر في ( أهل الهواء ،
بدعة ،شهادة ،عدالة ،وفسق ) .
تفسيق من ليس فاسقا :
-من فسّق مسلما بأن قذفه ب ( يا فاسق ) .وهو ليس بفاسق عزّر ،وهذا ما ل خلف 7
تفضيل *
التّعريف :
-التّفضيل في اللّغة :مصدر فضّله ،يقال :فضّلت فلنا على غيره تفضيلً ،أي ميّزته ، 1
وحكمت له بالفضل ،أو صيّرته كذلك والفضل والفضيلة .ض ّد النّقص والنّقيصة .
ول يخرج استعمال الفقهاء لكلمة تفضيل عن هذا المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
التّسوية :
-التّسوية من سوّيت الشّيء فاستوى ،أي :قوّمته فاستقام ،وقسم الشّيء بين الرّجلين 2
بالسّويّة ،أي :على سواء ،ومن معانيها أيضا :العدل ،يقال :سوّيت بين الشّيئين :إذا
عدلت بينهما ،وسوّيت فلنا بفلن :ماثلته به .فالتّسوية ض ّد التّفضيل .
الحكم الجماليّ :
-يختلف حكم التّفضيل باختلف مواضعه :فقد يكون واجبا كتفضيل الفارس على الرّاجل 3
في تقسيم الغنيمة .فقد اتّفق الفقهاء على أنّه يعطى الفارس أكثر من الرّاجل ،ثمّ اختلفوا
في مقدار ما يعطاه الفارس ،والفرس ،والرّاجل .
فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ،وأبو يوسف ،ومحمّد من الحنفيّة إلى أنّه يعطى
ي صلى ال عليه
الفارس ثلثة أسهم ،سهما له وسهمين لفرسه لحديث ابن عمر « أنّ النّب ّ
وسلم أسهم يوم خيبر للفارس ثلثة أسهم :سهمان لفرسه ،وسهم له » .
ويعطى الرّاجل سهما ،وقال أبو حنيفة بإعطاء الفارس سهمين ،والرّاجل سهما ،لحديث
مجمّع بن جارية « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قسم خيبر على أهل الحديبية ،
فأعطى الفارس سهمين ،وأعطى الرّاجل سهما » .
وأمّا تفضيل بعض الغانمين على بعض فالصل أنّه ل يجوز ،وفي المسألة تفصيل يرجع فيه
إلى مصطلح ( غنيمة ) .
-واختلف الفقهاء في جواز التّفضيل بين الصناف المختلفة وآحاد الصّنف الواحد في 4
إعطاء الزّكاة يرجع فيه إلى مصطلح ( تسوية ) وقد فصّل الفقهاء الكلم فيه في كتاب الزّكاة
عند الكلم عن ( مصرف الزّكاة ) .
-وقد يكون التّفضيل مكروها كتفضيل بعض الولد على بعض في العطيّة عند جمهور 5
الفقهاء ،إن وقع جاز ،وروي عن مالك المنع ،وذهب الحنابلة إلى أنّه يجب التّسوية بين
الولد ،فإن خصّ بعضهم بعطيّة ،أو فاضل بينهم فيها ،دون معنى يقتضي ذلك أثم ،
وهناك خلف بين الفقهاء في معنى التّسوية ،هل تكون على حسب قسمة اللّه تعالى
الميراث ،أو تعطى النثى مثل ما يعطى الذّكر ؟ يرجع فيه إلى مصطلح ( تسوية وهبة ) .
-وقد يكون التّفضيل حراما كتفضيل زوجة على أخرى . 6
فقد اتّفق الفقهاء على حرمة التّفضيل بين الزّوجات في القسم ،وإن ترجّحت إحداهنّ بشرف
أو غيره ،وفي تفضيل الجديدة على القديمة ،وفي كيفيّة القسم خلف وتفصيل .
يرجع إليه في مصطلحي ( تسوية وقسم ) .
-وللفقهاء أقوال وآراء حول تفضيل مكّة على المدينة المنوّرة ،وتفضيل قبره المكرّم 7
صلى ال عليه وسلم وتفضيل الصّلة في المسجد الحرام ،والمسجد النّبويّ على غيرهما
من المساجد ،وتفضيل إدراك الجماعة على تثليث الوضوء وسائر آدابه ،والتّفضيل بين
آحاد ك ّل صنف في الوصيّة ذكر في موطنه ويرجع أيضا إلى مصطلحات ( المدينة المنوّرة ،
مكّة المكرّمة ،قبر ،مساجد ،وصيّة ) .
ج الفقير ،وحجّ الفرض على
-وأيضا ينظر تفصيل الكلم في تفضيل حجّ الغنيّ على ح ّ 8
طاعة الوالدين ،وبناء الرّباط على حجّ النّفل ،والحجّ تطوّعا على الصّدقة ،ويوم عرفة إذا
وافق يوم الجمعة على غيره ،وتفضيل مجاورة المدينة على مكّة ،أو العكس في ( كتاب
الحجّ ) .ومصطلحي ( حجّ ،وجوار ) كما فصّل القرافيّ الكلم في التّفضيل بين العلوم في
الفرق الثّالث عشر والمائة .
تفليج *
التّعريف :
-التّفليج لغة هو التّفريق بين السنان سواء ،أكان خلقة ،أم بتكلّف ،بأن يبردها 1
بالمبرد ونحوه طلبا للحسن ،ويقال :رجل أفلج السنان وامرأة فلجاء السنان .
ورجل مفلج الثّنايا أي منفرجها .والمتفلّجة هي الّتي تتكلّف ،بأن تفرّق بين السنان لجل
الحسن .وهو من الفلج ( بفتح الفاء واللم ) وهو الفرجة بين الثّنايا والرّباعيّات .
وفي صفته صلى ال عليه وسلم أنّه كان مفلّج السنان ،وفي رواية أفلج السنان ،وعن
ابن عبّاس قال « :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :أفلج الثّنيّتين ،وإذا تكلّم رئي
كالنّور يخرج من بين ثناياه » .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّفريق :
-التّفريق في اللّغة :خلف الجمع ،وهو الفصل بين الشياء ،أو الفصل بين أبعاض 2
وفاعلته ،وذلك لما ثبت عن عبد اللّه بن مسعود رضي ال عنه أنّه قال « :لعن اللّه
الواشمات ،والمستوشمات ،والنّامصات ،والمتنمّصات ،والمتفلّجات للحسن المغيّرات خلق
اللّه قال :فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أ ّم يعقوب .وكانت تقرأ القرآن فأتته .
فقالت :ما حديث بلغني عنك أنّك لعنت الواشمات ،والمستوشمات ،والمتنمّصات
والمتفلّجات للحسن المغيّرات خلق اللّه ،فقال عبد اللّه :وما لي ل ألعن من لعن رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم وهو في كتاب اللّه .فقالت المرأة :قرأت ما بين لوحي المصحف فما
وجدته .فقال :لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه .قال اللّه عزّ وجلّ َ { :ومَا آتَاكُمْ ال ّرسُولُ
َفخُذُوه َومَا َنهَاكُمْ عَنْه فَانْ َتهُوا } فقالت المرأة :إنّي أرى شيئا من هذا على امرأتك الن .
قال :اذهبي فانظري .قال :فدخلت على امرأة عبد اللّه فلم تر شيئا ،فجاءت إليه فقالت :
ما رأيت شيئا فقال :أما لو كان ذلك لم نجامعها » أي لم نجتمع معها .
وعنه رضي ال عنه أنّه قال « :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يلعن المتنمّصات ،
والمتفلّجات ،والمتوشّمات اللتي يغيّرن خلق اللّه ع ّز وجلّ » .ثمّ إنّ هذه الحرمة ليست
ن اللم في قوله « :للحسن »
مطلقة ،وإنّما هي مقصورة على من تفعل ذلك للحسن .ل ّ
ن ونحوه فل بأس به .
للتّعليل ،أمّا لو احتيج إليه لعلج أو عيب في السّ ّ
-والتّفليج عادة يكون ما بين الثّنايا والرّباعيّات من السنان . 5
ي :ل يفعل ذلك إل في الثّنايا والرّباعيّات .وكان التّفليج يستحسن في المرأة ،
وقال العين ّ
فربّما صنعته المرأة الّتي تكون أسنانها متلصقة لتصير متفلّجة .
قال النّوويّ :وتفعل ذلك العجوز ومن قاربتها في السّنّ إظهارا للصّغر وحسن السنان ،
لنّ هذه الفرجة اللّطيفة بين السنان تكون للبنات الصّغار ،فإذا عجزت المرأة وكبرت سنّها
فتبردها بالمبرد لتصير لطيفة حسنة المنظر وتوهّم كونها صغيرة .
تفليس *
انظر :إفلس .
تفويض *
التّعريف :
-التّفويض لغة مصدر فوّض ،يقال :فوّضت إلى فلن المر أي صيّرته إليه وجعلته 1
ي عبدي » .
الحاكم فيه .ومنه حديث الفاتحة « فوّض إل ّ
واصطلحا يستعمل في باب النّكاح .يقال :فوّضت المرأة نكاحها إلى الزّوج حتّى تزوّجها
من غير مهر ،وقيل :فوّضت أي أهملت حكم المهر ،فهي مفوّضة -بكسر الواو -
ي بل مهر .ومفوّضة -بفتح الواو -من فوّضها وليّها
لتفويضها أمرها إلى الزّوج أو الول ّ
إلى الزّوج بل مهر .وهو في باب الطّلق :جعل أمر طلق الزّوجة بيدها .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -توكيل :
-وكل إليه المر :سلّمه إليه ،والتّوكيل هو النابة في تصرّف جائز معلوم . 2
وتوكيل الزّوجة تطليق نفسها هو بعينه التّفويض في الطّلق في القول القديم للشّافعيّة ،
وهو عند المالكيّة أحد أنواع التّفويض الثّلثة :التّوكيل ،والتّمليك ،والتّخيير ،وجعل
الحنابلة حمل أمر الزّوجة بيدها ،وتعليق الطّلق على مشيئتها ،من باب التّوكيل .
ب -التّمليك :
-أملكه الشّيء وملّكه إيّاه تمليكا جعله ملكا له . 3
واعتبر الحنفيّة والشّافعيّة في الجديد تفويض الطّلق للزّوجة من التّمليك ،وهو أحد أنواع
التّفويض الثّلثة عند المالكيّة ،وجعله الحنابلة خاصّا بصيغة الختيار دون غيرها من الصّيغ.
ج -التّخيير :
-التّخيير من خيّرته بين الشّيئين فوّضت إليه الختيار فاختار أحدهما وتخيّره ،وحقيقة 4
التّفويض هو تخيير الزّوجة بين البقاء في عصمة الزّوج ،أو الفراق ،سواء عن طريق
تمليكها للطّلق أو توكيلها في إيقاعه ،قالت عائشة رضي ال عنها « لمّا أمر النّبيّ صلى
ال عليه وسلم بتخيير نسائه وبدأ بي » الحديث
ويعتبر الفقهاء لفظ ( اختاري ) أحد صيغ التّفويض .
الحكام المتعلّقة بالتّفويض :
أوّل :التّفويض في النّكاح :
حقيقة التّفويض وحكمه :
-المراد بالتّفويض في النّكاح السّكوت عن تعيين الصّداق حين العقد ،ويفوّض ذلك إلى 5
أحد الزّوجين أو إلى غيرهما .وقد أجمع العلماء على جواز نكاح التّفويض لقوله تعالى :
ضةً } ولما روى
{ ل جُنَاحَ عَليكُ ْم إنْ طَّلقْ ُتمْ ال ّنسَاءَ مَا َلمْ َت َمسّو ُهنّ ،أو َتفْرِضُوا َل ُهنّ َفرِيْ َ
معقل بن سنان أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « قضى في بروع بنت واشق ،وكان
زوجها مات ،ولم يدخل بها ،ولم يفرض لها صداقا ،فجعل لها مهر نسائها ل وكس ول
ن القصد من النّكاح الوصلة والستمتاع دون الصّداق ،فصحّ من غير ذكره .
شطط » ول ّ
-واختلف الفقهاء في بعض الصّور الّتي يخلو العقد فيها من تسمية المهر هل تعتبر 6
تفويضا فتأخذ حكمه أو ل ؟ كاشتراط عدم المهر ،والتّراضي على إسقاطه .
فيرى جمهور الفقهاء أنّ هذه الصّور من التّفويض ،ومن ث ّم يصحّحون عقد الزّواج فيها ،
وذلك لنّ المهر ليس ركنا في العقد ول شرطا له ،بل هو حكم من أحكامه ،فالخلل فيه ل
تأثير له على العقد .
وأمّا المالكيّة فيرون فساد النّكاح في هذه الصّور ،ويوجبون فسخه قبل الدّخول ،فإن دخل
ثبت العقد ووجب لها مهر المثل .
أنواع التّفويض :
- 7التّفويض في النّكاح على ضربين :
أ -تفويض المهر :وهو أن يتزوّجها على ما شاءت ،أو على ما شاء الزّوج أو الوليّ ،
أو على ما شاء غيرهم ،والمالكيّة ل يسمّون هذا النّوع تفويضا بل يسمّونه التّحكيم .
ب -تفويض البضع :وهو أن يزوّج الب ابنته المجبرة بغير صداق ،أو تأذن المرأة
لوليّها أن يزوّجها بغير صداق .
ما يجب في نكاح التّفويض :
ن مهر المثل في
-ذهب الحنفيّة والحنابلة -وهو مقابل الظهر عند الشّافعيّة -إلى أ ّ 8
« دخل أبو بكر يستأذن على رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فوجد النّاس جلوسا ببابه ،لم
يؤذن لحد منهم .قال :فأذن لبي بكر فدخل ،ثمّ جاء عمر فاستأذن فأذن له ،فوجد النّبيّ
صلى ال عليه وسلم جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا ،قال :فقال واللّه لقولن شيئا أضحك
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول اللّه ،لو رأيت بنت خارجة سألتني النّفقة
ن حولي كما
فقمت إليها فوجأت عنقها ،فضحك رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وقال :ه ّ
ترى يسألنني النّفقة فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها ،وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها ،
كلهما يقول :تسألن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ما ليس عنده ،فقلن :واللّه ل نسأل
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم شيئا أبدا ليس عنده ،ثمّ اعتزلهنّ شهرا أو تسعا وعشرين
ن تُرِ ْدنَ الحَيَاةَ الدّنيَا وَزِينَ َتهَا
،ثمّ نزلت عليه اليات { :يَا أَيّها النّبيّ ُقلْ ل ْزوَاجِكَ إنْ كُنْتُ ّ
ن تُرِ ْدنَ الّل َه وَ َرسُولَه وَالدّا َر الخِرَةَ فَإنّ
جمِيلً ،وَإنْ كُنْتُ ّ
سرَاحَا َ
حكُنّ َ
ن ُأمَتّ ْعكُنّ َوُأسَ ّر ْ
فَ َتعَالَي َ
عظِيمَا } قال :فبدأ بعائشة فقال :يا عائشة إنّي أريد أن
ن َأجْرَا َ
حسِنَاتِ مِ ْنكُ ّ
الّلهَ أَعَ ّد لِل ُم ْ
أعرض عليك أمرا أحبّ أل تعجلي فيه حتّى تستشيري أبويك ،قالت :وما هو يا رسول اللّه
؟ فتل عليها الية .قالت :أفيك يا رسول اللّه أستشير أبويّ ،بل أختار اللّه ورسوله والدّار
الخرة ،وأسالك أل تخبر امرأة من نسائك بالّذي قلت .قال :ل تسألني امرأة منهنّ إل
ن اللّه لم يبعثني معنّتا ول متعنّتا ،ولكن بعثني معلّما ميسّرا » .
أخبرتها ،إ ّ
حقيقة التّفويض في الطّلق وصفته :
-ذهب الحنفيّة ،والشّافعيّ في الجديد ،إلى أنّ التّفويض تمليك للطّلق ،وعلى هذا قال 10
الحنفيّة بعدم صحّة رجوع الزّوج عنه ،وذلك لنّ التّمليك يتمّ بالملك وحده بل توقّف على
ن التّمليك يجوز
ي في القديم له الرّجوع قبل تطليقها ،بناء على أ ّ
القبول .وقال الشّافع ّ
الرّجوع فيه قبل القبول ،وبناء على اشتراطهم لوقوعه تطليقها على الفور ،وذلك لنّ
التّطليق عندهم جواب للتّمليك ،فكان كقبوله ،وقبوله فور .
وأمّا المالكيّة فقد جعلوا التّفويض جنسا تحته أنواع ثلثة :تفويض توكيل ،وتفويض تخيير
،وتفويض تمليك .ويمكن التّمييز بينها من خلل اللفاظ الصّادرة عن الزّوج .
فكلّ لفظ دلّ على جعل إنشاء الطّلق بيد الغير مع بقاء حقّ الزّوج في المنع من إيقاعه فهو
تفويض توكيل ،وك ّل لفظ دلّ على أنّ الزّوج فوّض لها البقاء على العصمة أو الخروج منها
فهو تفويض تخيير ،وكلّ لفظ دلّ على جعل الطّلق بيدها أو بيد غيرها دون تخيير فهو
تفويض تمليك .وله الرّجوع في تفويض التّوكيل دونهما ،لنّه في التّوكيل جعلها نائبة عنه
في إنشائه ،وأمّا فيهما فقد جعل لها ما كان يملك ،فهما أقوى .
وفرّق الحنابلة بين صيغ التّفويض ،فجعلوا صيغتين " أمرك بيدك " " ،وطلّقي نفسك " من
التّوكيل ،فيكون لها على التّراخي ما لم يفسخ أو يطأ ،وجعلوا صيغة " اختاري " من خيار
التّمليك ،فهو لها على الفور إل أن يجعله لها على التّراخي .
ألفاظ التّفويض في الطّلق :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى تقسيم ألفاظ التّفويض في الطّلق إلى صريح وكناية ، 11
فالصّريح عندهم ما كان بلفظ الطّلق ،كطلّقي نفسك إن شئت ،والكناية ما كان بغيره
كاختاري نفسك وأمرك بيدك .
وفرّق الحنابلة بينهما ،فجعلوا لفظ المر من باب الكناية الظّاهرة ،ولفظ الخيار من باب
الكناية الخفيّة .وتفتقر ألفاظ التّفويض الكنائيّة إلى النّيّة بخلف الصّريح منها .
زمن تفويض الزّوجة :
-صيغة التّفويض إمّا أن تكون مطلقة ،أو تكون مقيّدة بزمن معيّن ،أو تكون بصيغة 12
نفسها بتفويض الزّوج لها الطّلق بصريحه ،فإنّ طلقها يقع طلقة واحدة رجعيّة ،إل أن
يجعل لها أكثر من واحدة ،كقوله :طلّقي نفسك ما شئت .
وإن كان التّفويض بالكناية كقوله :أمرك بيدك أو اختاري نفسك ،فاختارت الزّوجة الفرقة
فإنّها تقع طلقة واحدة بائنة بينونة صغرى ،إل أن ينوي الكبرى فتوقعها بلفظها أو بنيّتها .
ن المفيد للبينونة إذا قرن بالصّريح صار رجعيّا .
وعندهم أ ّ
ن هذه اللفاظ جواب الكناية
وإنّما كان الطّلق بائنا في التّفويض بالكناية دون الصّريح ،ل ّ
والكنايات على أصلهم مبينات ،ولنّ قوله :أمرك بيدك جعل أمر نفسها بيدها ،فتصير عند
اختيارها نفسها مالكة نفسها ،وإنّما تصير مالكة نفسها بالبائن ل بالرّجعيّ .
وأمّا المالكيّة فقد فصّلوا القول بناء على تقسيمهم التّفويض إلى أنواع ثلثة .
ففي تفويض التّوكيل -للزّوجة أن توقع من الطّلقات ما وكّلها به من طلقة واحدة أو أكثر ،
وهو كذلك في تفويض التّمليك ،فلها أن توقع من الطّلقات ما جعل بيدها من طلقة واحدة أو
أكثر ،وله أن يناكرها فيما زاد على الطّلقة الواحدة إذا أطلق .
وأمّا في تفويض التّخيير ،فيقع طلقها ثلثا إن اختارت الفراق ،فإن قالت اخترت واحدة أو
اثنتين لم يكن لها إلّا أن يخيّرها في طلقة واحدة أو طلقتين خاصّة فتوقعها .
ن تفويض الطّلق للزّوجة يقع به طلقة واحدة رجعيّة ،إن كانت
وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ
الزّوجة محلً للرّجعة ،إل أن يقول لها :طلّقي ونوى ثلثا فقالت :طلّقت ونوتهنّ فيقع ثلثا.
وذهب الحنابلة إلى أنّ الزّوجة لها أن تطلّق نفسها ثلثا في التّوكيل والتّمليك ،وأمّا في
الختيار فليس لها أن تطلّق نفسها أكثر من واحدة ،إل أن يجعل لها أكثر من ذلك ،سواء
جعله لها بلفظه ،أو بنيّته ،وتقع رجعيّة .
ثالثا :التّفويض في الوزارة :
أنواع الوزارة :
-يقسّم الفقهاء الوزارة إلى ضربين :وزارة تفويض ،ووزارة تنفيذ ،وسيأتي الكلم 14
ن َأخِي اشْدُدْ ِب ِه أَزْ ِريْ َوَأشْ ِركْه في َأمْرِي } فإذا جاز ذلك في النّبوّة
لِي وَزِيرَا مِنْ أَهْلِي هَارُو َ
ن ما وكّل إلى المام من تدبير المّة ل يقدر على مباشرة جميعه
كان في المامة أولى ،ول ّ
إل باستنابة ،ونيابة الوزير المشارك له في التّدبير أجدى في تنفيذ المور من تفرّده بها ،
ليستظهر به على نفسه ،وبها يكون أبعد من الزّلل وأمنع من الخلل .قال الماورديّ وأبو
يعلى ما مفاده :يشترط في لفظ تولية وزارة التّفويض اشتماله على أمرين :أحدهما :
عموم النّظر ،والثّاني :النّيابة ،فإن اقتصر على عموم النّظر دون النّيابة فكان بولية
ص فلم تنعقد به الوزارة ،وإن اقتصر به على النّيابة فقد أبهم ما استنابه فيه من
العهد أخ ّ
عموم وخصوص أو تنفيذ وتفويض فلم تنعقد به الوزارة ،وإذا جمع بينهما انعقدت وتمّت .
شروط وزارة التّفويض :
-يعتبر في تقليد وزارة التّفويض ،شروط المامة إل النّسب وحده . 17
ويزاد على المامة شرط ،وهو أن يكون من أهل الكفاية فيما وكّل إليه من أمر الحرب
والخراج خبيرا بهما ،فإنّه مباشر لهما تارة بنفسه ،وتارة يستنيب فيهما .
اختصاصات وزير التّفويض :
-لوزير التّفويض اختصاصات واسعة فكلّ ما صحّ من المام صحّ من هذا الوزير إل 18
ل يجوز للخليفة أن يقلّد وزيري تفويض على الجتماع لعموم وليتهما ،كما ل يجوز تقليد
إمامين لنّهما ربّما تعارضا في العقد والحلّ ،والتّقليد والعزل .
فإن قلّد وزيري تفويض لم يخل حال تقليده لهما من ثلثة أقسام :
ح لما ذكر ،وينظر في
أحدها :أن يفوّض إلى كلّ واحد منهما عموم النّظر فل يص ّ
ح تقليد
تقليدهما ،فإن كان في وقت واحد بطل تقليدهما معا ،وإن سبق أحدهما الخر ص ّ
السّابق وبطل تقليد المسبوق .
القسم الثّاني :أن يشرك بينهما في النّظر على اجتماعهما فيه ،ول يجعل إلى واحد منهما
أن ينفرد به ،فهذا يصحّ وتكون الوزارة بينهما ل في واحد منهما ،ولهما تنفيذ ما اتّفق
رأيهما عليه ،وليس لهما تنفيذ ما اختلفا فيه ،ويكون موقوفا على رأي الخليفة وخارجا
عن نظر هذين الوزيرين ،وحينئذ تكون هذه الوزارة قاصرة على وزارة التّفويض المطلقة
من وجهين :
أحدهما :اجتماعهما على تنفيذ ما اتّفقا عليه .
والثّاني :زوال نظرهما عمّا اختلفا فيه .
القسم الثّالث :أن ل يشرك بينهما في النّظر ويفرد ك ّل واحد منهما بما ليس فيه للخر
نظر ،وهذا يكون على أحد وجهين :إمّا أن يخصّ كلّ واحد منهما بعمل يكون فيه عامّ
ص العمل ،مثل أن ير ّد إلى أحدهما وزارة بلد الشّرق وإلى الخر وزارة بلد
النّظر خا ّ
ص النّظر ،مثل أن
الغرب .وإمّا أن يخصّ كلّ واحد منهما بنظر يكون فيه عامّ العمل خا ّ
يستوزر أحدهما على الحرب والخر على الخراج ،فيصحّ التّقليد على كل الوجهين ،غير
أنّهما ل يكونان وزيري تفويض ويكونان واليين على عملين مختلفين ،لنّ وزارة التّفويض
ما عمّت ،ونفذ أمر الوزيرين بها في كلّ عمل وكلّ نظر ،ويكون تقليد كلّ واحد منهما
ص به ،وليس له معارضة الخر في نظره وعمله .
مقصورا على ما خ ّ
تقابض *
التّعريف :
-التّقابض :صيغة تقتضي المشاركة في القبض .وهو في اللّغة :أخذ الشّيء وتناوله 1
باليد ،ويقال :قبض عليه بيده :ضمّ عليه أصابعه ،وقبض عنه يده :امتنع عن إمساكه .
ويستعمل القبض لتحصيل الشّيء وإن لم يكن فيه أخذ بالكفّ ،نحو قبضت الدّار والرض
جمِيعَا قَبْضَتُه يَومَ القِيا َمةِ } أي في حوزه ،
ض َ
من فلن أي :حزتهما .قال تعالى { :وَالرَ ُ
حيث ل تملك لحد غير اللّه تعالى .ويستعمل القبض ضدّ البسط أيضا .
والقبض في اصطلح الفقهاء :حيازة الشّيء والتّمكّن من التّصرّف فيه ،سواء أكان ممّا
يمكن تناوله باليد أم لم يمكن .وقد غلب عند المالكيّة ،التّعبير عن القبض ،بالحوز
والحيازة .فالتّقابض أن يأخذ كلّ من المتعاقدين العوض .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّعاطي :
-التّعاطي صيغة تقتضي المشاركة بمعنى حصول العطاء من طرفين ومنه التّعاطي في 2
البيع ،وهو إعطاء البائع المبيع للمشتري على وجه البيع والتّمليك ،وإعطاء المشتري
الثّمن للبائع دون تلفّظ بإيجاب أو قبول .
ب -التّخلية :
-التّخلية :مصدر خلّى ،ومن معانيها :التّرك ،يقال :خلّيت الشّيء وتخلّيت عنه ، 3
ومنه إذا تركته .وفي اصطلح الفقهاء :تمكين الشّخص من التّصرّف في الشّيء دون حائل
وإذا مكّن البائع المشتري من التّصرّف في المبيع حصلت التّخلية .
ن الوّل من طرف المعطي ،والثّاني من طرف القابض .
والفرق بين التّخلية والقبض :أ ّ
الحكم الجماليّ :
-ذهب المالكيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة ،إلى أنّه يشترط التّقابض قبل التّفرّق من 4
المجلس في الصّرف ،وذلك لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :الذّهب بالذّهب ،والفضّة
بالفضّة ،والبرّ بالب ّر ،والشّعير بالشّعير ،والتّمر بالتّمر ،والملح بالملح ،مثل بمثل سواء
بسواء يدا بيد ،فإذا اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد » أي مقابضة .
وإذا بيع المال الرّبويّ بجنسه اشترط الحلول والمماثلة والتّقابض قبل التّفرّق ،فإن اختلف
الجنس جاز التّفاضل ،واشترط الحلول والتّقابض قبل التّفرّق ،وقال الحنابلة :ل يشترط
ذلك إلّا إن اتّحدت علّة الرّبا في العوضين من كيل أو وزن .
وذهب الحنفيّة إلى أنّه ل يشترط التّقابض قبل التّفرّق إلّا في الصّرف ،أمّا في غيره من
ن البدل في
الرّبويّات فيمتنع النّساء ،ول يشترط فيها التّقابض .بل يكتفى فيها بالتّعيين ،ل ّ
غير الصّرف يتعيّن بمجرّد التّعيين قبل القبض ويتمكّن من التّصرّف فيه ،فل يشترط
ن القبض شرط في تعيينه ،فإنّه ل يتعيّن بدون القبض
قبضه ،بخلف البدل في الصّرف ،ل ّ
،إذ الثمان ل تتعيّن مملوكة إلّا به ،ولذلك كان لكلّ من المتعاقدين تبديلها .
-والتّقابض المعتدّ به عند الفقهاء في عقد الصّرف .هو ما كان قبل الفتراق بالبدان . 5
واستثنى الفقهاء أيضا من جواز التّصرّف في الثمان ،الثّمن في عقد الصّرف لشتراط
التّقابض .وإنّما جاز التّصرّف في الثمان عدا الصّرف لنّها ديون يجوز التّصرّف فيها قبل
القبض كسائر الدّيون -مثل المهر ،والجرة ،وضمان المتلفات وغيرها -لما روي عن
ابن عمر رضي ال عنهما قال « :كنت أبيع البل بالبقيع ،فأبيع بالدّنانير وآخذ الدّراهم ،
وأبيع بالدّراهم وآخذ الدّنانير ،آخذ هذه من هذه ،وأعطي هذه من هذه ،فأتيت رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم وهو في بيت حفصة ،فقلت :يا رسول اللّه ،رويدك أسألك ،إنّي
أبيع البل بالبقيع ،فأبيع بالدّنانير وآخذ الدّراهم ،وأبيع بالدّراهم وآخذ الدّنانير ،آخذ هذه
من هذه ،وأعطي هذه من هذه ،فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :ل بأس أن تأخذها
بسعر يومها ،ما لم تفترقا وبينكما شيء » .
وذكر الفقهاء جواز التّصرّف في الثمان ،واستثنوا الصّرف والسّلم ،وقالوا :ل يجوز
فيهما التّصرّف في الثّمن قبل القبض .
أمّا الصّرف فلن كل من بدلي الصّرف مبيع من وجه وثمن من وجه ،فباعتبار كونه مبيعا
ح لشتراط التّقابض في
ل يجوز التّصرّف فيه قبل القبض ،وباعتبار كونه ثمنا أيضا ل يص ّ
الصّرف ،ولقول عمر رضي ال عنه :وإن استنظرك أن يدخل بيته فل تنظره .
وأمّا السّلم :فالمسلم فيه ل يجوز التّصرّف فيه ،لنّه مبيع ،ورأس المال ( الثّمن ) ألحق
بالمبيع المعيّن في حرمة الستبدال شرعا .
وينظر التّفصيل ( في الصّرف ،والرّبا ،والسّلم ) .
تقادم *
التّعريف :
-التّقادم لغة :مصدر تقادم يقال :تقادم الشّيء أي :صار قديما . 1
ق ل يسقط
منع سماع الدّعوى في بعض الحالت بعد مدّة محدّدة معلومة ،ومع أنّ الح ّ
بتقادم الزّمان ،إل أنّ وجه هذا المنع هو تلفي التّزوير والتّحايل ،لنّ ترك الدّعوى زمانا
مع التّمكّن من إقامتها ،يدلّ على عدم الحقّ ظاهرا .
ق في ذاته وإنّما هو
وعدم سماع الدّعوى بعد المدّة المحدّدة ليس مبنيّا على سقوط الح ّ
مجرّد منع القضاة عن سماع الدّعوى مع بقاء الحقّ لصاحبه حتّى لو أقرّ الخصم يلزمه ،
ولو كان التّقادم مسقطا للحقّ لم يلزمه .
مدّة التّقادم المانع من سماع الدّعوى :
-فقهاء الحنفيّة مختلفون في تعيين المدّة الّتي ل تسمع بعدها الدّعوى في الوقف ومال 3
اليتيم والغائب والرث ،فجعلها بعضهم ستّا وثلثين سنة ،وبعضهم ثلثا وثلثين ،
وبعضهم ثلثين فقط ،إل أنّه لمّا كانت هذه المدد طويلة استحسن أحد السّلطين فيما سوى
ذلك جعلها خمس عشرة سنة فقط ،وحيث كان القضاء يتخصّص بالزّمان والمكان
والخصومة ،ويقبل التّقييد والتّعليق ،فقد نهي قضاة ذلك السّلطان عن سماع دعوى تركها
المدّعي خمس عشرة سنة بل عذر ،لكنّه استثنى من ذلك المنع بعض مسائل ،وعلى هذا
النّهي استقرّ خلفاؤه في الدّولة العثمانيّة ،لما فيه من المصلحة العامّة ،ومن ذلك يظهر أنّ
التّقادم بمرور الزّمان مبنيّ على أمرين :
الوّل :حكم اجتهاديّ ،نصّ عليه الفقهاء .
والثّاني :أمر سلطانيّ يجب على القضاة في زمنه اتّباعه ،لنّهم بمقتضاه معزولون عن
سماع دعوى مضى عليها خمس عشرة سنة بدون عذر ،والقاضي وكيل عن السّلطان ،
والوكيل يستم ّد التّصرّف من موكّله ،فإذا خصّص له تخصّص ،وإذا عمّم تعمّم ،كما نصّ
عليه في الفتاوى الخيريّة وغيرها .
وقد فرّق فقهاء الحنفيّة بين هذين المرين بأنّ منع سماع الدّعوى بعد خمس عشرة سنة
مبنيّ على النّهي السّلطانيّ ،فمن نهى عن سماع الدّعوى له أن يأمر بسماعها ،وأمّا عدم
سماع الدّعوى بعد ثلثين سنة فهو مبنيّ على منع الفقهاء ،فليس للسّلطان أن ينقضه ،
لنّ أمر السّلطان إنّما ينفذ إذا وافق الشّرع وإل فل .
ودعاوى الدّين الوديعة والعقار المملوك والميراث وما ل يعود من الدّعاوى إلى العامّة ول
إلى أصل الوقف في العقارات الموقوفة بعد أن تركت خمس عشرة سنة بل عذر ل تسمع ،
وأمّا إذا كانت الدّعوى تعود إلى أصل الوقف فتسمع ،ولو تركت المدّة المذكورة بل عذر .
-ومدّة المنع مع سماع الدّعوى تحسب بالتّاريخ القمريّ ( الهجريّ ) كما قرّرت ذلك 4
جمعيّة المجلّة اتّباعا للعرف الشّرعيّ إل إذا اتّفق على خلفه وعيّنا تاريخا شمسيّا ،والمنع
من سماع الدّعوى إنّما هو للقضاة ،أمّا المحكّمون فل يشملهم النّهي ،فلو حكّم اثنان
ن المحكّم يسعه أن
شخصا في نزاع مضى عليه أكثر من خمس عشرة سنة ولو بل عذر فإ ّ
يحكم بينهما ول يمتنع عليه النّظر في النّزاع .
وأمّا ما يتعلّق بالنّزاع في أصل الوقف -وهو كلّ ما تتوقّف عليه صحّة الوقف -فتسمع
ت وثلثين سنة ،وأمّا ما يتعلّق بالنّزاع في غير أصل الوقف كأجرة النّاظر
دعواه حتّى س ّ
والّذين يعملون في الوقف فتسمع دعواهم حتّى خمس عشرة سنة فقط .
العذار المبيحة لسماع الدّعوى بعد خمس عشرة سنة :
-أوردت مجلّة الحكام العدليّة من العذار الّتي يباح معها سماع الدّعوى بعد مدّة خمس 5
عشرة سنة ،الصّغر ،والجنون ،والغيبة عن البلد الّذي فيه موضوع النّزاع مدّة السّفر ،
أو كون خصمه من المتغلّبة ،وفيما يلي تفصيلها :
ن المدّة
- 1 -الصّغر :إذا كان صاحب الحقّ صغيرا وسكت عن الدّعوى المدّة المقرّرة فإ ّ
ي أو وصيّ باتّفاق ،ومع الخلف في
تحسب عليه من تاريخ بلوغه رشيدا إن لم يكن له ول ّ
ي أو الوصيّ ،ورجّحت لجنة المجلّة الطلق لمصلحة الصّغير ،ومن في
حال وجود الول ّ
ي .ومثل ذلك المجنون ،فإنّ المدّة ل تحسب إل من تاريخ إفاقته ،
حكمه ،ولو كان له وص ّ
وكذلك المعتوه ،فإنّ المدّة تحسب من تاريخ زوال العته .
- 2 -غيبة صاحب الحقّ عن البلد مدّة السّفر وهي مدّة القصر .
- 3 -إذا كان المدّعى عليه من المتغلّبة بأن كان أميرا جائرا مثلً فذلك عذر يبيح للمدّعي
السّكوت عن رفع الدّعوى ،ول تبتدئ المدّة حتّى يزول الجور ولو طال الزّمن .
متى تبتدئ المطالبة بالحقّ ؟
– مذهب الحنفيّة كما جاء في مجلّة الحكام العدليّة أنّه يبتدئ مرور الزّمان من تاريخ 6
ثبوت الحقّ للمدّعي بإقامة الدّعوى بالمدّعى به ،فمرور الزّمان في دعوى دين مؤجّل إنّما
يبتدئ من تاريخ حلول الجل لنّه قبل حلوله ل يملك المدّعي الدّعوى والمطالبة بذلك
الدّين ،فمثل لو ادّعى واحد على آخر فقال :لي عليك كذا دراهم من ثمن الشّيء الّذي بعته
ل ثمنه لثلث سنين تسمع دعواه لنّه يكون قد مرّ اعتبارا
لك قبل خمس عشرة سنة مؤجّ ً
من حلول الجل اثنتا عشرة سنة ل غير ،ومثل لو وقف واقف وقفه وشرط أن يكون
الستحقاق لذرّيّته بطنا بعد بطن ،فل يستحقّ أحد من البطن الثّاني إلّا بعد انقراض البطن
الوّل ،فلو وقف رجل عقارا وشرط وليته وغلّته لولده ثمّ لحفاده بطنا بعد بطن فقام أحد
أولده لصلبه " أي من البطن الوّل " وباع ذلك العقار لخر وظلّ الخر متصرّفا فيه مدّة
أربعين سنة ،وبعد هذه المدّة توفّي البائع فقام أحد أبنائه يدّعي ذلك العقار على المشتري
ق إقامة الدّعوى
استنادا على شرط الواقف فتسمع دعواه ول يمنعه مضيّ هذه المدّة ،لنّ ح ّ
ل يثبت للحفيد إلّا بعد وفاة والده بمقتضى شرط الواقف ،فل يبتدئ مرور الزّمان بالنّسبة
لحقّه إلّا من بعد وفاة أبيه .
ومثل ذلك لو وقف واقف عقارا وشرط غلّته لولده الذّكور وبعد انقطاعهم على بناته ،فباع
أولده الذّكور ،ذلك العقار لرجل وسلّموه إيّاه وبعد ستّين سنة مثل انقطعت ذرّيّة الواقف
الذّكور فقامت بناته يدّعين ذلك العقار على المشتري بحكم الوقف ،تسمع دعواهنّ ول يمنع
ق إقامة الدّعوى لم يثبت لهنّ إل بعد انقطاع
مرور هذه المدّة من سماع دعواهنّ ،لنّ ح ّ
ذرّيّة الواقف الذّكور .
ويبتدئ مرور الزّمان بالنّسبة لمؤجّل الصّداق من وقت الطّلق أو من تاريخ موت أحد
ن الصّداق المؤجّل ل يصير معجّل إل من تاريخ الطّلق البائن أو الوفاة .
الزّوجين ،ل ّ
-وتبتدئ مطالبة المدين المفلس من تاريخ زوال الفلس كأن كان لدائن على مدين مبلغ 7
من المال مثل وكان المدين مفلسا مدّة عشر سنوات مثل فإنّ هذه المدّة ل تدخل في الزّمن
وتبتدئ مدّة المطالبة من تاريخ يسار المفلس لنّ ترك الدّعوى بسبب إفلس المدين كان
) من المجلّة 1669 بعذر إذ ل يتأتّى له إقامة الدّعوى ما دام المدين مفلسا .ونصّت المادّة (
على أنّه " إذا ترك واحد دعواه بل عذر ومرّ عليها الزّمان على ما ذكر آنفا فكما ل تسمع
تلك الدّعوى في حياته ل تسمع أيضا من ورثته بعد مماته " .
ن الوارث قائم مقام المورّث حقيقة وحكما ،فما يمنع سماع
وجاء في شرحها :وذلك ل ّ
ن هذا إذا ادّعى الوارث ذلك الملك بالرث
دعوى المورّث يمنع سماع دعوى الوارث .ولك ّ
عن مورّثه ،أمّا لو ادّعاه بسبب آخر فل يكون ترك مورّثه للدّعوى مانعا من سماع
دعواه ،لنّه بهذه الصّورة ل يدّعي تلقّي الملك من مورّثه فل يكون قائما مقامه ،فمثل لو
أوصى رجل بعقار لبن زيد القاصر وبعد موته بخمس عشرة سنة قام ابن زيد الّذي بلغ
رشيدا وادّعى ذلك العقار بمقتضى تلك الوصيّة على وارث الموصي تسمع دعواه ول يمنعه
منها ترك أبيه ذلك العقار في يد وارث الموصي لنّه هاهنا ل يدّعي الملك بسبب الرث عن
أبيه بل بسبب الوصيّة من أجنبيّ ولكن لو كان ذلك الموصي قد ترك الدّعوى بهذا العقار
ن الموصى له قائم
وهو في يد آخر مدّة خمس عشرة سنة ل تسمع به دعوى الموصى له ل ّ
ن الوصيّة أخت الميراث ،ومثل
مقام الموصي فما منع عنه الموصي منع عنه الموصى له ل ّ
الوصيّة بهذا المعنى البيع والشّراء والهبة .
وإذا ترك المورّث الدّعوى مدّة وتركها الوارث مدّة أخرى وبلغ مجموع المدّتين حدّ مرور
الزّمان فل تسمع تلك الدّعوى ،لنّه حيث كان الوارث قائما مقام المورّث كانا كشخص واحد
حكما ،فلو ترك المورّث الدّعوى ثماني سنين مثل وتركها الوارث سبع سنين صار كأنّ
الوارث ترك الدّعوى خمس عشرة سنة فل تسمع دعواه ،ومثل البائع والمشتري كالموصي
والموصى له ،فلو كان واحد متصرّفا في عرصة متّصلة بدار خمس عشرة سنة ،وصاحب
الدّار ساكت ،ث ّم أوصى صاحب الدّار بداره هذه إلى رجل ،فقام الموصى له يدّعي أنّ
العرصة طريق خاصّ للدّار الموصى له بها ل تسمع دعواه .
وإذا مات أحد وفي ورثته بالغ وقاصر ،فإنّ البالغ إذا ترك الدّعوى المدّة المقرّرة بل عذر
فل تسمع دعواه ،وأمّا القاصر فل يحسب عليه مرور الزّمان إلّا من تاريخ بلوغه رشيدا ،
مع ملحظة الخلف السّابق في وجود الوصيّ وعدمه .
-وكلّ ما تقدّم بالنّسبة لعدم سماع الدّعوى لمرور الزّمان إنّما هو عند إنكار المدّعى عليه 8
،فإذا اعترف المدّعى عليه بالحقّ للمدّعي تسمع دعوى المدّعي مهما طال الزّمان ،والمراد
بعدم النكار إنّما هو عدم النكار أمام القاضي فل يعتبر عدم النكار خارج مجلس القضاء ،
ول يصحّ الحتجاج به لوجود شبهة التّزوير ،ولنّه لمّا كان المنع من سماع أصل الدّعوى
ن النّهي يشملها ،ولكن إذا كان
ففرعها وهو ادّعاء القرار أولى بالمنع من السّماع ل ّ
القرار المدّعى به قد أيّد بسند جاء بخطّ المدّعى عليه أو ختمه المعروفين ولم تم ّر مدّة
التّقادم من تاريخ السّند إلى وقت رفع الدّعوى فعند ذلك تسمع دعوى القرار على هذه
الصّورة .
والحكام المتقدّمة الخاصّة بمرور الزّمان إنّما هي للحقوق الخاصّة المتعلّقة بالقرار ،أمّا ما
يتعلّق بالمور العامّة كالطّريق ونحوها فل تسري عليها أحكام مرور الزّمان ،فتسمع وإن
طالت المدّة ،وما تقدّم هو خلصة أحكام مذهب الحنفيّة بالنّسبة لمرور الزّمان .
-أمّا المالكيّة فيعبّرون عن مرور الزّمان بالحوز والحيازة وعندهم أنّ هناك دعاوى ل 9
تسمع مطلقا ،وهي الدّعاوى الّتي توجب مَعرّةً كالدّعاوى الّتي ترفع على من عرف
بالستقامة والشّرف في المعاملة كأن يدّعي شخص معروف بالفقر والتّجنّي على النّاس على
شخص يطالبه بعقار في يده .والحيازة عندهم على قسمين :
-حيازة مع جهل أصل الملك لمن هو ؟ . 1
– حيازة مع علم أصل الملك لمن هو ؟ .فالولى تكفي فيها الحيازة المانعة من سماع 2
الدّعوى لمدّة عشرة أشهر فأكثر سواء أكان المحوز عقارا أم غيره .
والثّانية ل بدّ فيها من عشر سنين فأكثر في العقار ،أو عامين في الدّوابّ والثّياب ونحوها
،ويشترط لسماع الدّعوى في كلّ من الحيازتين أن تشهد البيّنة بذكر اليد ،وتصرّف الحائز
تصرّف المالك في ملكه ،والنّسبة ،وعدم المنازع ،وطول المدّة عشرة أشهر في الولى
وعشر سنين في الثّانية ،وعدم علمهم بما يفوّت على المالك الصليّ حقّه في استرجاع
ملكه ،فل تقبل الشّهادة مع فقد هذه المور أو صيغة الشّهادة الّتي تثبت الملك للمدّعي ،
وهم يفرّقون بين الشّاهد ذي العلم وغيره .
-وجمهور فقهاء المالكيّة يرون أنّه ل يسأل عن مصدر حيازته فل يقال له :كيف حزت 10
ما تضع يدك عليه ؟ خلفا لبن رشد ،فإنّه جزم بأنّه ل بدّ من سؤال الحائز عن مصدر
حيازته ،هل هو الميراث مثل أو الشّراء أو الهبة أو غير ذلك ؟ ول بدّ أن يبيّن ذلك ،فأمّا
مجرّد دعوى الملك دون أن يدّعي شيئا من هذا فل ينتفع به مع الحيازة إذا ثبت أصل الملك
لغيره .ورأى ابن رشد خلف رأي الجمهور ،ورأي الجمهور هو المعمول به ،اللّهمّ إل إذا
ي وجه صار
كان الحائز معروفا بالتّسلّط والغصب والتّعدّي ،فل ب ّد عند الجمهور أن يبيّن بأ ّ
إليه ول ينفعه قوله اشتريته من القائم أو غيره أو ورثته بل ل بدّ من إثباته ذلك فإن لم
يثبته فعليه الكراء في جميع المدّة الّتي كان بيده بما يقوله أهل المعرفة .
ن حيازته كانت بباطل لم ينفعه طول الحيازة وإن ادّعى شراءه ،إل أن يطول
وإن عرف أ ّ
ذلك نحو الخمسين سنة ونحوها والقائم حاضر ل يغيّر ول يدّعي شيئا ،والمعوّل عليه في
مذهب المالكيّة أنّ الحائز إذا حاز العقار مدّة عشر سنين مع وجود المدّعي وسكوته بل عذر
ي المدّة المذكورة يمنع سماع دعوى المدّعي ،وما قارب عشر سنين يأخذ حكم
ن مض ّ
فإ ّ
العشر فإذا نقصت شهرا أو شهرين أخذت حكم العشر ،وأمّا إذا قامت الخصومة بين
ن ذلك يقطع المدّة ،وفي غير العقار
المدّعي والحائز أمام القضاء أو غيره كالمحكّمين فإ ّ
ي عشرة أشهر ،وهناك خلفات بين فقهاء
يمنع من سماع الدّعوى مع عدم العذر مض ّ
ي المدّة ولو مرّة واحدة ،واشترط بعض المالكيّة
المالكيّة في ذلك ،والتّخاصم يقطع مض ّ
تكرار التّخاصم وهو ما نقله ابن سلمون عن سحنون ،وإذا سكت بعد المنازعة عشر سنين
ن سكوته يمنع من سماع دعواه ،واختلفوا فيما إذا سكت المدّعي عن مخاصمة الحائز
فإ ّ
عشر سنين ثمّ رفع المدّعي أمره ليقضي له وعلّل سكوته بأنّ بيّنته كانت غائبة ثمّ جاءت ،
فقيل :يقبل عذره وقيل :ل ،وكذلك لو قال :كنت فاقدا مستندي ث ّم وجدته ،وكذلك جهل
الحكم على معنى أنّ جهله أنّ الحيازة تملّك الحائز ليس عذرا وسكوت المورّث ثمّ الوارث
المدّة المذكورة يمنع من سماع الدّعوى لنّهما كشخص واحد ،وقيل تحسب مدّة المورّث
وحدها ومدّة الوارث وحدها فل يجمعان معا .
-ونفقة غير الزّوجة تسقط بمضيّ الزّمان فل تصير بفوتها دينا في ذمّة من تجب عليه 11
إل باقتراض قاض بنفسه أو مأذونه لغيبة أو منع فإنّها حينئذ تصير دينا عليه بشرط أن
يثبت عنده احتياج الفرع وغنى الصل مثلً .
أمّا نفقة الزّوجة فل تسقط بمضيّ الزّمان بل تصير دينا في ذمّة الزّوج ،والمراد بالنّفقة هنا
ن نفقة الزّوجة للستمتاع والتّمكين ،وكذلك المهر بعد الدّخول
ما سوى المسكن والخادم ،ل ّ
فإنّه ل يسقط بالتّقادم ،بل يستق ّر في ذمّة الزّوج ويستحقّ بالموت أو الطّلق البائن ويصير
مأمونا من سقوطه .
-ويبيّن أيضا ممّا تقدّم أنّ الحنفيّة والمالكيّة يكادون يتّفقون على إباحة سماع الدّعوى 12
للعذار ،وهي على الجملة الصّغر والغيبة البعيدة والجنون والعته وكلّ عذر يمنع المدّعي
من رفع الدّعوى كأن يكون المدّعى عليه ذا سطوة ويخاف منه -على التّفصيل المتقدّم .
التّقادم في الحدود :
أ -تقادم الشّهادة في الحدود :
ن الشّهادة على الزّنى
-ذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ 13
والقذف وشرب الخمر تقبل ولو بعد مضيّ زمان طويل من الواقعة لعموم آية الشّهادة في
ن الشّهادة إنّما صارت حجّة باعتبار وصف الصّدق
الزّنى ،ولنّه حقّ لم يثبت ما يبطله ،ول ّ
،وتقادم العهد ل يخلّ بالصّدق فل يخرج من أن يكون حجّة كالقرار وحقوق العباد .
وقال الحنفيّة :التّقادم في الحدود الخالصة للّه تعالى يمنع قبول الشّهادة إل إذا كان التّأخير
لعذر كبعد المسافة أو مرض ونحو ذلك ،فحدّ الزّنى والشّرب والسّرقة خالص حقّ اللّه
تعالى حتّى يصحّ رجوع المق ّر عنها فيكون التّقادم فيها مانعا .وأمّا ح ّد القذف فالتّقادم فيه ل
ن فيه حقّ العبد لما فيه من دفع العار عنه ،ولهذا تقبل دعواه ،ول
يمنع قبول الشّهادة ،ل ّ
ن الدّعوى فيه شرط ،فل يتّهم الشّهود في ذلك ،
يصحّ رجوع المقرّ عن إقراره فيه ،ول ّ
ونقل ابن الهمام عن ابن أبي ليلى :ر ّد الشّهادة والقرار في جميع الحدود القديمة .
ب -تقادم القرار :
ن التّقادم في القرار ل أثر له بالنّسبة لتلك الحدود ما عدا حدّ
-اتّفق الفقهاء على أ ّ 14
تقاصّ *
انظر :مقاصّة .
تقاضي *
انظر :قضاء .
تقايل *
انظر :إقالة .
تقبّل *
التّعريف :
-التّقبّل مصدر تقبّل أي تكفّل ،ومن معانيه في اللّغة اللتزام والتّعهّد ،يقال :تقبّلت 1
العمل من صاحبه إذا التزمته بعقد .ومنه القبالة بالفتح اسم المكتوب من ذلك لما يلتزمه
النسان من عمل ودين وغير ذلك ،وبالكسر :العمل ،والقبيل الكفيل ،والقبالة الكفالة .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ للتّقبّل عن المعنى اللّغويّ .
واستعمل التّقبّل في الصطلح أيضا بمعنى التّعهّد واللتزام ،فقد ورد في المجلّة أنّ " :
التّقبّل تعهّد العمل والتزامه " .
وأطلقه الفقهاء غالبا على نوع من أنواع الشّركة فيما إذا اتّفق اثنان فأكثر على أن يتقبّل
ل من الخياطة أو القصارة أو غيرهما ،ويكون الكسب بينهما على ما شرطا .
عم ً
وهذه التّسمية شائعة في كتب الحنفيّة أكثر من المذاهب الخرى ،وتسمّى أيضا شركة
العمال وشركة الصّنائع وشركة البدان .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الكفالة :
ضمّ والتّحمّل واللتزام ،وفي الصطلح ضمّ ذمّة إلى ذمّة أخرى
-الكفالة في اللّغة :ال ّ 2
في المطالبة بشيء من نفس أو دين أو عين .فالعلقة بين الكفالة والتّقبّل أنّ التّقبّل يتضمّن
ص العمال فقط .
الكفالة ،لكنّها قد تكون بالموال بخلف التّقبّل الّذي يخ ّ
ب -اللتزام :
-اللتزام مصدر التزم ،وأصله من اللّزوم بمعنى الثّبوت والدّوام ،يقال :ألزمته المال 3
والعمل وغيره فالتزمه .فاللتزام بالشّيء قبوله واعتناقه سواء أكان بإرادة واحدة أم
بإرادتين ،على عمل أو غيره وعلى ذلك فهو أعمّ من التّقبّل والكفالة ( ر :التزام ) .
الحكم الجماليّ :
-جمهور الفقهاء -الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة -على جواز شركة التّقبّل " شركة 4
الصّنائع " في العمال الّتي تصلح فيها الوكالة ،لنّها قسم من شركة العقد فيعتبر كلّ واحد
من الشّريكين وكيل للخر .وما يتقبّله أحدهما من العمل يصير في ضمانهما يطالبان به ،
ويلزمهما عمله ،ولو مرض أحدهما أو سافر أو امتنع عمدا بل عذر فالخر مطالب
ن لكلّ واحد
ن العمل مضمون عليهما .كما أ ّ
بالعمل ،والكسب بينهما على ما شرطاه ،ل ّ
منهما المطالبة بالجرة ،فتبرأ ذمّة من يدفع الجرة لحدهما ،وإن تلفت الجرة في يد
أحدهما من غير تفريط فهي من ضمانهما ،تضيع عليهما معا .
ن الشّريكين قد
ن المقصود منها تحصيل المال بالتّوكيل ،فكما أ ّ
-واستدلّوا لجوازها بأ ّ 5
يستحقّان الرّبح بالشتراك من أحدهما بالعمل ومن الخر بالمال كما في المضاربة ،وقد
يستحقّانه بالمال فقط كما في سائر الشّركات ،فكذا يجوز أن يستحقّاه بالعمل فقط .
ولنّ المسلمين في سائر المصار يعقدون هذه الشّركة ويتعاملون بها .
وقد روي « عن ابن مسعود رضي ال عنه قال :اشتركت أنا وسعد وعمّار يوم بدر ،فلم
أجئ أنا وعمّار بشيء ،وجاء سعد بأسيرين ،ومثل هذا ل يخفى على رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم وقد أقرّهم عليه » .
-ول يشترط لصحّة التّقبّل وشركة العمال اتّحاد المكان عند من يجوّزونها :وهم 6
الحتشاش ،والصطياد ،والحتطاب ،والتّلصّص على دار الحرب ،وسائر المباحات ،
وهذا عند المالكيّة والحنابلة .
وقال الحنفيّة :ل يصحّ التّقبّل وشركة العمال في المباحات من الصّيد والحطب ،وما يكون
ن سبب ثبوت الملك في
في الجبال من الثّمار ،وما أشبه ذلك ،لعدم صحّة الوكالة فيها ،ل ّ
المباحات الخذ والستيلء ،فإن تشاركا فأخذ كلّ واحد منهما شيئا من ذلك منفردا كان
المأخوذ ملكا له خاصّة .
-هذا ،وصرّح الشّافعيّة ببطلن شركة البدان مطلقا ،وذلك لعدم المال فيها ،ولما فيها 8
من الغرر ،إذ ل يدري الشّريك أنّ صاحبه يكسب أم ل ،ولنّ كلّ واحد منهما متميّز ببدنه
ص بفوائده ،كما لو اشتركا في ماشيتهما وهي متميّزة ويكون الدّ ّر والنّسل
ومنافعه ،فيخت ّ
بينهما .وللتّفصيل ينظر مصطلح ( :شركة ) .
تقبيل *
التّعريف :
-التّقبيل في اللّغة :مصدر قبّل ،والسم منه القبلة وهي اللّثمة ،والجمع القبل .يقال 1
قبّلها تقبيلً أي لثمها وتقبّلت العمل من صاحبه إذا التزمته بعقد .
والقبالة :اسم المكتوب من ذلك لما يلتزمه النسان من عمل ودين وغير ذلك .
قال الزّمخشريّ :كلّ من تقبّل بشيء مقاطعة وكتب عليه بذلك كتابا ،فالكتاب الّذي كتب هو
القبالة " بالفتح " والعمل قبالة " بالكسر " .
وتقبيل الخراج :هو أن يدفع السّلطان أو نائبه ،صقعا ،أو بلدة ،أو قرية ،إلى رجل مدّة
سنة ،مقاطعة بمال معلوم ،يؤدّيه إليه عن خارج أرضها ،أو جزية رءوس أهلها إن كانوا
أهل ال ّذمّة .وتفصيل الكلم في التّقبيل بهذا الطلق ينظر في مصطلح " خراج ،وقبالة " .
ول يخرج استعمال الفقهاء عن هذه المعاني .
أقسام التّقبيل :
ن التّقبيل على خمسة أوجه :قبلة المودّة للولد على الخدّ ،وقبلة
-ذكر بعض الفقهاء أ ّ 2
الرّحمة لوالديه على الرّأس ،وقبلة الشّفقة لخيه على الجبهة ،وقبلة الشّهوة لمرأته أو
أمته على الفم ،وقبلة التّحيّة للمؤمنين على اليد .وزاد بعضهم قبلة الدّيانة للحجر السود .
وفيما يلي أحكام التّقبيل بأنواعه المختلفة ،وما ينشأ عنه من آثار :
أحكام التّقبيل أوّلً :
التّقبيل المشروع :
أ -تقبيل الحجر السود :
ن تقبيل الحجر السود للحاجّ والمعتمر في حالة الطّواف لمن يقدر عند عامّة الفقهاء
-يس ّ 3
،لما روى ابن عمر « أنّ عمر رضي ال عنه قبّل الحجر ثمّ قال :واللّه لقد علمت أنّك
حجر ولول أنّي رأيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقبّلك ما قبّلتك » .
فإن عجز عن التّقبيل اقتصر على الستلم باليد ثمّ قبّلها ،وإن عجز عن الستلم باليد وكان
في يده شيء يمكن أن يستلم الحجر استلمه وقبّله ،وهذا عند جمهور الفقهاء الحنفيّة
ي صلى ال عليه وسلم « أنّه استلم الحجر السود
والشّافعيّة والحنابلة ،لما روي عن النّب ّ
باليد ثمّ قبّل يده » ،ولما روي عن ابن عبّاس قال « :رأيت رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم يطوف بالبيت ويستلم الرّكن بمحجن معه ويقبّل المحجن » .
وقال المالكيّة :إن لم يقدر أن يقبّله لمسه بيده أو بعود ثمّ وضعه على فيه من غير تقبيل .
وتفصيله في مصطلح :طواف ،والحجر السود " .
ب -تقبيل الرّكن اليمانيّ :
-يندب استلم الرّكن اليمانيّ في الطّواف بل خلف بين الفقهاء لما روي عن ابن عمر 4
قال « :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ل يدع أن يستلم الرّكن اليمانيّ والحجر في
كلّ طواف » .
أمّا تقبيله فقال جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة -وهو الصّحيح عند
الحنابلة :ل يقبّله :لكنّ الشّافعيّة قالوا :يستلمه باليد ويقبّل اليد بعد استلمه ،وقال
المالكيّة :يلمسه بيده ويضعها على فيه من غير تقبيل .
وقال محمّد من الحنفيّة -وهو قول الخرقيّ من الحنابلة :يقبّله إن تمكّن من ذلك .
ن تقبيل عتبة الكعبة أيضا من قبلة الدّيانة .
هذا وذكر الحنفيّة أ ّ
ثانيا :التّقبيل الممنوع :
أ -تقبيل الجنبيّة :
-اتّفق الفقهاء على عدم جواز لمس وتقبيل المرأة الجنبيّة ولو للخطبة . 5
دون الشّهوة ،أمّا إذا كان صبيح الوجه يشتهى فيأخذ حكم النّساء وإن اتّحد الجنس ،فتحرم
مصافحته وتقبيله ومعانقته بقصد التّلذّذ عند عامّة الفقهاء .
وتفصيله في مصطلح ( :أمرد ) .
ج -تقبيل الرّجل للرّجل ،والمرأة للمرأة :
-ل يجوز للرّجل تقبيل فم الرّجل أو يده أو شيء منه ،وكذا تقبيل المرأة للمرأة ، 7
والمعانقة ومماسّة البدان ،ونحوها ،وذلك كلّه إذا كان على وجه الشّهوة ،وهذا بل خلف
بين الفقهاء لما روي « عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه :نهى عن المكامعة وهي :
المعانقة ،وعن المعاكمة وهي :التّقبيل » .أمّا إذا كان ذلك على غير الفم ،وعلى وجه
الب ّر والكرامة ،أو لجل الشّفقة عند اللّقاء والوداع ،فل بأس به كما يأتي .
د -تقبيل يد الظّالم :
-صرّح الفقهاء بعدم جواز تقبيل يد الظّالم ،وقالوا :إنّه معصية إل أن يكون عند 8
خوف ،قال صاحب الدّ ّر :ل رخصة في تقبيل اليد لغير عالم وعادل ،ويكره ما يفعله
الجهّال من تقبيل يد نفسه إذا لقي غيره ،وكذلك تقبيل يد صاحبه عند اللّقاء إذا لم يكن
صاحبه عالما ول عادل ،ول قصد تعظيم إسلمه ول إكرامه .
هـ – تقبيل الرض بين يدي العلماء والعظماء :
-تقبيل الرض بين يدي العلماء والعظماء حرام ،والفاعل والرّاضي به آثمان ،لنّه 9
يشبه عبادة الوثن ،وهل يكفر ؟ إن على وجه العبادة والتّعظيم كفر ،وإن على وجه التّحيّة
ل ،وصار آثما مرتكبا للكبيرة ،كما صرّح به صاحب الدّرّ .
و -التّقبيل في العتكاف والصّيام :
-اتّفق الفقهاء على عدم جواز تقبيل أحد الزّوجين الخر في حالة العتكاف إن كان 10
بشهوة ،لقوله تعالى { :وَل تُبَاشِرُوهُنّ َوأَنْ ُتمْ عَاكِفُونَ في ال َمسَاجِدِ } ،كما اتّفقوا على
كراهة التّقبيل في الصّيام لمن يخاف على نفسه المفسد من النزال والجماع ،بل صرّح
المالكيّة بالحرمة في حالة خوف المفسد والعلم بعدم السّلمة .
وهل يبطل العتكاف بالتّقبيل ؟ فيه خلف وتفصيل يأتي في بيان آثار التّقبيل .
ثالثا :التّقبيل المباح :
أ -تقبيل المبرّة والكرام ،وتقبيل المودّة والشّفقة :
-يجوز تقبيل يد العالم الورع والسّلطان العادل ،وتقبيل يد الوالدين ،والستاذ ،وكلّ 11
ق التّعظيم والكرام ،كما يجوز تقبيل الرّأس والجبهة وبين العينين ،ولكن كلّ ذلك
من يستح ّ
إذا كان على وجه المبرّة والكرام ،أو الشّفقة عند اللّقاء والوداع ،وتديّنا واحتراما مع أمن
ي صلى ال عليه وسلم عانق جعفرا حين قدم من الحبشة وقبّل
الشّهوة .وقد ثبت أنّ « النّب ّ
بين عينيه » وروي « عن ابن عمر رضي ال عنه أنّه كان في سريّة من سرايا رسول اللّه
ي صلى ال عليه وسلم فقبّلنا يده » .
صلى ال عليه وسلم فذكر قصّة قال :فدنونا من النّب ّ
قال ابن بطّال :أنكر مالك تقبيل اليد وأنكر ما روي فيه .
قال البهريّ :وإنّما كرهه مالك إذا كان على وجه التّعظيم والتّكبّر .
وأمّا إذا كان على وجه القربة إلى اللّه لدينه أو لعلمه أو لشرفه فإنّ ذلك جائز .
ن تقبيل الولد للمودّة على الرّأس والجبهة والخدّ ،لحديث أبي هريرة قال
كذلك يجوز بل يس ّ
« :قبّل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم حسين بن عليّ ،فقال القرع بن حابس :إنّ لي
عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدا ،فقال :من ل يرحم ل يرحم » .
ي صلى ال عليه وسلم فقال :
ي إلى النّب ّ
وعن عائشة رضي ال عنها قالت « :جاء أعراب ّ
ي صلى ال عليه وسلم :أوأملك لك أن نزع اللّه من
تقبّلون الصّبيان فما نقبّلهم ،فقال النّب ّ
قلبك الرّحمة ؟ » .
وعن عائشة رضي ال عنها قالت « :ما رأيت أحدا أشبه سمتا وهديا برسول اللّه صلى ال
عليه وسلم من فاطمة ابنته ،وكانت إذا دخلت عليه قام إليها يقبّلها وأجلسها في مجلسه ،
ي صلى ال عليه وسلم إذا دخل عليها قامت له فتقبّله وتجلسه في مجلسها » .
وكان النّب ّ
ب -تقبيل الميّت :
-يجوز لهل الميّت وأقربائه وأصدقائه تقبيل وجهه ،لما روت عائشة رضي ال عنها 12
ي صلى ال عليه وسلم قبّل عثمان بن مظعون وهو ميّت ،وهو يبكي أو عيناه
« أنّ النّب ّ
تذرفان » وروي كذلك عن عائشة رضي ال عنها قالت « :أقبل أبو بكر فتيمّم النّبيّ صلى
ال عليه وسلم وهو مسجّى ببرد حبرة ،فكشف عنه وجهه ،ث ّم أكبّ عليه فقبّله ،ثمّ بكى ،
فقال :بأبي أنت يا رسول اللّه ل يجمع اللّه عليك موتتين » .
ج -تقبيل المصحف :
-ذكر الحنفيّة :وهو المشهور عند الحنابلة -جواز تقبيل المصحف تكريما له ،وهو 13
المذهب عند الحنابلة ،وروي عن أحمد استحبابه ،لما روي عن عمر رضي ال عنه أنّه :
كان يأخذ المصحف كلّ غداة ويقبّله ،ويقول :عهد ربّي ومنشور ربّي ع ّز وجلّ ،وكان
عثمان رضي ال عنه يقبّل المصحف ويمسحه على وجهه .وقال النّوويّ في التّبيان :
روينا في مسند الدّارميّ بإسناد صحيح عن ابن أبي مليكة أنّ عكرمة بن أبي جهل كان يضع
المصحف على وجهه ويقول :كتاب ربّي كتاب ربّي .ونقل صاحب الدّرّ عن القنية :وقيل :
إنّ تقبيل المصحف بدعة ،وردّه بما تقدّم نقله عن عمر وعثمان .
وروي كذلك عن أحمد :التّوقّف في تقبيل المصحف ،وفي جعله على عينيه ،وإن كان فيه
ن ما طريقه التّقرّب إذا لم يكن للقياس فيه مدخل ل يستحبّ فعله ،وإن
رفعه وإكرامه ،ل ّ
كان فيه تعظيم إل بتوقيف ،ولهذا قال عمر عن الحجر « :لول أنّي رأيت رسول اللّه صلى
ال عليه وسلم يقبّلك ما قبّلتك » .ولم نعثر في كتب المالكيّة على حكم لهذه المسألة .
د -تقبيل الخبز والطّعام :
-صرّح الشّافعيّة بجواز تقبيل الخبز ،وقالوا :إنّه بدعة مباحة أو حسنة ،لنّه ل دليل 14
ن المكروه ما ورد عنه نهي ،أو كان فيه خلف قويّ ،ولم
على التّحريم ول الكراهة ،ل ّ
يرد في ذلك نهي ،فإن قصد بذلك إكرامه لجل الحاديث الواردة في إكرامه فحسن ،ودوسه
مكروه كراهة شديدة ،بل مجرّد إلقائه في الرض من غير دوس مكروه .
وقال صاحب الدّ ّر من الحنفيّة مؤيّدا قول الشّافعيّة في جواز تقبيل الخبز :وقواعدنا ل تأباه.
أمّا الحنابلة فقالوا :ل يشرع تقبيل الخبز ول الجمادات إل ما استثناه الشّرع .
آثار التّقبيل :
أثر التّقبيل في الوضوء :
-صرّح الحنفيّة -وهو رواية عند الحنابلة -بعدم انتقاض الوضوء بمسّ الزّوجة ول 15
الصّلة عند عامّة الفقهاء ،فإذا انتقض الوضوء بطلت الصّلة .
كذلك تفسد الصّلة بالتّقبيل عند الحنفيّة الّذين ذهبوا إلى عدم نقض الوضوء به ،فإنّهم قالوا
ي ثديها
ص صب ّ
في التّقبيل بين الزّوجين :لو مسّها بشهوة أو قبّلها ولو بغير شهوة ،أو م ّ
وخرج اللّبن تفسد صلتهما .
لكنّهم صرّحوا بأنّه لو قبّلته وهو في الصّلة ولم يشتهها ل تفسد صلته .
أثر التّقبيل على الصّيام :
-يكره للصّائم تقبيل الزّوجة إن لم يأمن على نفسه وقوع مفسد من النزال والجماع ، 17
ب فقال
لما روي أنّ عبد اللّه بن عمر قال « :كنّا عند النّبيّ صلى ال عليه وسلم فجاء شا ّ
يا رسول اللّه -أقبّل وأنا صائم ؟ قال :ل .فجاء شيخ فقال :أقبّل وأنا صائم ؟ قال :نعم ،
فنظر بعضنا إلى بعض ،فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :قد علمت لم نظر بعضكم
ن الشّيخ يملك نفسه » .ولنّه إذا لم يأمن المفسد ربّما وقع في الجماع فيفسد
إلى بعض ؟ إ ّ
صومه .وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة .
ومحلّ الكراهة إذا كانت القبلة بقصد اللّذّة ل إن كان بدون قصدها ،كأن تكون بقصد وداع
أو رحمة فل كراهة .
وإذا أمن على نفسه وقوع مفسد فل بأس بالتّقبيل عند جمهور الفقهاء ،لما روي عن
ن « النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يقبّل ويباشر وهو صائم » .
عائشة رضي ال عنها أ ّ
ي أو مذي ،
وقال المالكيّة :تكره القبلة بقصد اللّذّة للصّائم لو علمت السّلمة من خروج من ّ
وإن لم يعلم السّلمة حرمت .واتّفق الفقهاء على أنّ التّقبيل ولو كان بقصد اللّذّة ل يفطر
الصّائم ما لم يسبّب النزال ،أمّا إذا قبّل وأنزل بطل صومه اتّفاقا بين المذاهب .
وفي وجوب الكفّارة أو عدمه خلف وتفصيل ينظر في مصطلح ( كفّارة ) .
أثر التّقبيل في العتكاف :
-ذهب جمهور الفقهاء :الحنفيّة والحنابلة ،وهو أظهر القوال عند الشّافعيّة ،إلى أنّه 18
يبطل العتكاف بالتّقبيل واللّمس إذا أنزل ،لنّه بالنزال صار التّقبيل في معنى الجماع .
أمّا إذا لم ينزل فل يبطل العتكاف بالتّقبيل عند الحنفيّة والحنابلة ،وفي الظهر عند
الشّافعيّة ،سواء أكان بشهوة أم بدونها ،كما ل يبطل به الصّوم ،لعدم معنى الجماع ،إل
ن َوأَنْ ُتمْ عَا ِكفُونَ في ال َمسَاجِدِ } .
أنّه حرام إن كان بشهوة ،لقوله تعالى { :وَل تُبَاشِرُوهُ ّ
وإن كان بغير شهوة كالتّقبيل على سبيل الشّفقة والحترام فل بأس به ،كغسل المرأة رأس
زوجها المعتكف ،وترجيل شعره .
وقال المالكيّة -وهو القول الثّاني عند الشّافعيّة :إذا قبّل وقصد اللّذّة أو لمس أو باشر
بقصد اللّذّة أو وجدها بطل العتكاف ،أمّا لو قبّل صغيرة ل تشتهى أو قبّل زوجته لوداع أو
لرحمة ولم يقصد اللّذّة ول وجدها لم يبطل .
وهذا إذا كان التّقبيل على غير الفم .أمّا القبلة على الفم فتبطل العتكاف مطلقا ،ول
تشترط فيها الشّهوة عند المالكيّة ،لنّه يبطله من مقدّمات الوطء ما يبطل الوضوء .والقول
ن التّقبيل ل يبطل العتكاف مطلقا كالحجّ ،لكنّه حرام على ك ّل قول .
الثّالث للشّافعيّة :إ ّ
أثر التّقبيل في الحجّ :
-يحرم على المحرم اللّمس والتّقبيل بشهوة ،ويجب على من فعل شيئا من ذلك الدّم ، 19
سواء أنزل أم لم ينزل ؟ ،لكنّه ل يفسد حجّه عند جمهور الفقهاء :الحنفيّة والشّافعيّة
والحنابلة ،خلفا للمالكيّة حيث قالوا بفساد الحجّ إن أنزل ،وإل فعليه بدنة .
أمّا القبلة بغير شهوة بأن كانت لوداع أو لرحمة أو بقصد تحيّة القادم من السّفر فل تفسد
الحجّ ،ول فدية فيها بغير خلف بين الفقهاء .وتفصيله في مصطلحي ( :إحرام وحجّ ) .
أثر التّقبيل في الرّجعة :
ن اللّمس والتّقبيل بغير شهوة وبغير نيّة الرّجعة ل يعتبر رجعة .
-اتّفق الفقهاء على أ ّ 20
واختلفوا فيما إذا كان التّقبيل بشهوة ،فقال الحنفيّة :تصحّ الرّجعة بالوطء ،واللّمس
بشهوة ،والتّقبيل بشهوة على أيّ موضع كان فما ،أو خدّا أو ذقنا ،أو جبهة ،أو رأسا ،
ولو قبّلها اختلسا ،أو كان الزّوج نائما ،أو مكرها ،أو مجنونا ،أو معتوها ،إن صدّقها
س والنّظر بشهوة منه أو منها بشرط أن يصدّقها ،
الزّوج .ول فرق بين كون التّقبيل والم ّ
أمّا إذا ادّعته وأنكره فل تثبت الرّجعة .
واشترط المالكيّة في الرّجعة النّيّة ،فالتّقبيل للمرأة المطلّقة رجعيّا رجعة إذا قارنه نيّة
الرّجعة ،ول تصحّ الرّجعة بالفعل دون نيّة ،ولو بأقوى الفعال كالوطء .
ول تحصل الرّجعة عند الشّافعيّة -وهو ظاهر كلم الخرقيّ من الحنابلة -بالفعل كالوطء
ومقدّماته من اللّمس والتّقبيل ،لنّ ذلك حرم بالطّلق ،ومقصود الرّجعة حلّه ،فل تحصل
إل بالقول .وفي الرّواية الثّانية عند الحنابلة تحصل الرّجعة بالوطء ولو بغير نيّة .
أمّا لو قبّلها أو لمسها بشهوة فالمنصوص عن أحمد أنّه ليس برجعة ،ويعتبر رجعة في
وجه عند بعض الحنابلة .
أثر التّقبيل في الظّهار :
-الظّهار هو :أن يشبّه الزّوج زوجته بمحرّم عليه تأبيدا . 21
فله أن يتزوّج ببنتها أو أمّها ،ويجوز لها الزّواج بأصوله أو فروعه ،وكذلك من قبّل أمّ
امرأته بغير شهوة ل تحرم عليه امرأته .وهذا متّفق عليه ،إل إذا كانت القبلة على الفم ،
فخالف في ذلك الحنفيّة ،وألحق بعضهم الخدّ بالفم .
أمّا التّقبيل أو المسّ بشهوة فاختلفوا في انتشار الحرمة بهما ،فقال جمهور الفقهاء :
المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة " المباشرة في غير الفرج والتّقبيل ولو بشهوة ل يحرّم على
حلّ
المقبّل أصول من يقبّلها ول فروعها ،زوجة كانت أم أجنبيّة ،لعموم قوله تعالى َ { :وُأ ِ
ن التّقبيل واللّمس بشهوة يوجب حرمة المصاهرة ،
َل ُكمْ مَا َورَاءَ ذَ ِل ُكمْ } .وصرّح الحنفيّة بأ ّ
فمن مسّ أو قبّل امرأة بشهوة ل تحلّ له أصولها ول فروعها ،وحرمت عليها أصوله
وفروعه .ومن قبّل أمّ امرأته بشهوة حرمت عليه امرأته .
-وإذا أقرّ بالتّقبيل وأنكر الشّهوة ،قيل :ل يصدّق ،لنّه ل يكون إل عن شهوة ،فل 24
يقبل إنكاره إل أن يظهر خلفه .وقيل :يصدّق ،وقيل :بالتّفصيل بين كونه على الرّأس
والجبهة والخدّ فيصدّق ،أو على الفم فل ،وهذا هو الرجح .
س والتّقبيل بشهوة بقوله تعالى { :وَل تَ ْن ِكحُوا مَا
واستدلّ الحنفيّة على انتشار الحرمة بالم ّ
َن َكحَ آبَاؤ ُكمْ } قالوا :المراد من النّكاح الوطء ،والتّقبيل بشهوة داع إلى الوطء ،فيقام
مقامه احتياطا للحرمة .وبما روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :من نظر إلى فرج
امرأة بشهوة أو لمسها بشهوة حرمت عليه أمّها وابنتها ،وحرمت على ابنه وأبيه » .
هذا ول تنتشر الحرمة بالتّقبيل ولو بشهوة بين الخوة والخوات ،فلو قبّل أخت امرأته ولو
بشهوة ل تحرم عليه امرأته اتّفاقا .وتفصيله في مصطلح ( :نكاح ) .
تقرير *
التّعريف :
-التّقرير في اللّغة :مصدر قرّر ،يقال قرّر الشّيء في المكان :ثبّته ،وقرّر الشّيء في 1
محلّه :تركه قارّا ،وقرّر فلنا بالذّنب :حمله على العتراف به ،وقرّر المسألة أو الرّأي
وضّحه وحقّقه .
ول يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ ،وهو عند الصوليّين -كما ذكر في
أقسام السّنّة :سكوت النّبيّ صلى ال عليه وسلم -عن إنكار قول قيل بين يديه أو في
عصره وعمل به ،أو سكوته عن إنكار فعل حين فعل بين يديه أو في عصره وعلم به .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -القرار :
ق أي اعترف به .
-القرار لغة :الذعان للحقّ والعتراف به .يقال :أقرّ بالح ّ 2
واصطلحا :إخبار عن ثبوت حقّ للغير على نفسه ،وهو بذلك قد يكون أثرا للتّقرير .
ب -السّكوت :
-السّكوت :ترك الكلم والسّكوت عن المر عدم النكار ،والصّلة بينه وبين التّقرير هي 3
:أي سوّغ له ذلك وأجزت العقد :جعلته جائزا نافذا .وهي بهذا المعنى تكون كالتّقرير
ي عند الحنفيّة والمالكيّة .
للمر الّذي حدث ،ومن ذلك إجازة المالك لتصرّف الفضول ّ
الحكم الجماليّ :
أوّلً -التّقرير عند الصوليّين :
-ذكر الصوليّون التّقرير باعتباره قسما من أقسام السّنّة ،وصورته :أن يسكت النّبيّ 5
صلى ال عليه وسلم عن إنكار قول قيل بين يديه أو في عصره وعلم به أو سكت عن إنكار
فعل فعل بين يديه أو في عصره وعلم به .
ويلحق بذلك :قول الصّحابيّ :كنّا نفعل كذا ،وكانوا يفعلون كذا وأضافه إلى عصر رسول
اللّه صلى ال عليه وسلم وكان ممّا ل يخفى مثله عليه .
-والتّقرير حجّة ويدلّ على الجواز ورفع الحرج ،لكن ذلك ل ب ّد وأن يكون مع قدرة 6
النّبيّ صلى ال عليه وسلم على النكار ،وكون المقرّر منقادا للشّرع ،وكون المر المقرّر
ثابتا لم يسبق النّهي عنه .لنّه لو لم يكن جائزا لما سكت عنه النّبيّ صلى ال عليه وسلم
ولما يترتّب عليه من تأخير البيان .
ن النّبيّ
ن السّكوت وعدم النكار يحتمل أ ّ
وذهبت طائفة إلى أنّ التّقرير ل يدلّ على الجواز ل ّ
صلى ال عليه وسلم سكت لعلمه بأنّه لم يبلغه التّحريم فل يكون الفعل إذ ذاك حراما ،
ن إنكاره ثانيا ل يفيد فلم يعاوده ،
ويحتمل أنّه سكت عنه لنّ النكار لم ينجح فيه وعلم أ ّ
وبذلك ل يصلح التّقرير دليلً على الجواز والنّسخ .
وفي الموضوع تفصيل ينظر في الملحق الصوليّ .
ثانيا -التّقرير عند الفقهاء :
-يأتي التّقرير عند الفقهاء بمعان ثلثة : 7
القسمة وتقرير الشّركة ،فإن كان على الميّت دين فليس للوارث تقرير الشّركة إل بعد قضاء
الدّين ( .ر :شركة ) .
ب -في القراض :
-إذا مات المالك وأراد الوارث الستمرار على العقد ،فإن كان المال ناضّا فلهما ذلك بأن 9
يستأنفا عقدا بشرطه ،قال النّوويّ :وهل ينعقد بلفظ التّرك والتّقرير بأن يقول الوارث :
تركتك أو قرّرتك على ما كنت عليه ؟ وجهان ،أصحّهما نعم لفهم المعنى .
وإذا مات عامل المضاربة وأراد المالك تقرير وارث العامل مكانه فتقريره مضاربة مبتدأة ل
تجوز إل على نقد مضروب .وينظر تفصيل ذلك في مضاربة ( قراض ) .
ج -في القضاء :
-الصل أنّه ل يجوز نقض حكم سابق إذا لم يخالف نصّا أو إجماعا أو قياسا جليّا .بل 10
بالنكار .وإقرار المكره ل يعمل به في الجملة .لكنّ الفقهاء جعلوا من باب السّياسة
الشّرعيّة مراعاة شواهد الحال وأوصاف المتّهم وقوّة التّهمة فأجازوا التّوصّل إلى القرار
ن دُبُرٍ } . . .وقد
ن كَانَ َقمِيصُه قُ ّد مِ ْ
ق بما يراه الحاكم استنادا إلى قوله تعالى { :وَإ ْ
بالح ّ
فعل ذلك « عليّ بن أبي طالب رضي ال تعالى عنه لمّا بعثه رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم هو والزّبير بن العوّام في أثر المرأة الّتي حملت خطاب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل
مكّة ،وفي الكتاب إخبار بما عزم عليه رسول اللّه صلى ال عليه وسلم من المسير إليهم ،
فأدرك عليّ والزّبير المرأة واستنزلها والتمسا في رحلها الكتاب فلم يجدا شيئا فقال لها عليّ
رضي ال عنه :أحلف باللّه ما كذب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ول كذبنا ،ولتخرجن
لنا هذا الكتاب أو لنكشفنّك ،فلمّا رأت الج ّد منه استخرجت الكتاب من قرون رأسها » .
لكنّهم اختلفوا هل يكون ذلك للقاضي أو لوالي المظالم ؟
فعند الحنفيّة والمالكيّة وبعض أصحاب المام أحمد أنّه يجوز للقاضي وللوالي ضرب المتّهم
ن القاضي نائب عن المام في تنفيذ الحكام .
ضرب تقرير ل ّ
وعند الشّافعيّة وبعض أصحاب المام أحمد يكون ذلك لوالي المظالم ول يكون للقاضي ،
ووجه هذا القول أنّ الضّرب المشروع هو ضرب الحدود والتّعزير وذلك إنّما يكون بعد ثبوت
أسبابها وتحقّقها .
-قال ابن القيّم :الدّعاوى قسمان :دعوى تهمة ودعوى غير تهمة . 12
فدعوى التّهمة أن يدّعي فعل محرّم على المطلوب يوجب عقوبته مثل قتل أو قطع طريق أو
سرقة أو غير ذلك من العدوان الّذي يتعذّر إقامة البيّنة عليه في غالب الحوال .
ودعوى غير التّهمة كأن يدّعي عقدا من بيع أو قرض أو رهن أو ضمان أو غير ذلك وكلّ
ي كالموال ،
من القسمين قد يكون حدّا محضا كالشّرب والزّنى ،وقد يكون حقّا محضا لدم ّ
وقد يكون متضمّنا للمرين كالسّرقة وقطع الطّريق .فهذا القسم -أي دعوى غير التّهمة -
إن أقام المدّعي حجّة شرعيّة وإل فالقول قول المدّعى عليه مع يمينه لما روى مسلم في
صحيحه عن ابن عبّاس قال « :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :لو يعطى النّاس
ن اليمين على المدّعى عليه » .
بدعواهم لدّعى ناس دماء رجال وأموالهم ولك ّ
-أمّا القسم الوّل من الدّعاوى :وهو دعاوى التّهم وهي دعوى الجناية والفعال 13
المحرّمة كدعوى القتل وقطع الطّريق والسّرقة والقذف والعدوان فهذا ينقسم المدّعى عليه
ن المتّهم إمّا أن يكون بريئا ليس من أهل تلك التّهمة ،أو فاجرا من
فيه إلى ثلثة أقسام فإ ّ
أهلها ،أو مجهول الحال ل يعرف الوالي والحاكم .فإن كان بريئا لم تجز عقوبته اتّفاقا .
واختلفوا في عقوبة المتّهم له على قولين :أصحّهما أنّه يعاقب صيانة لتسلّط أهل الشّرّ
والعدوان على أعراض البرآء .
قال مالك وأشهب رحمهما ال :ل أدب على المدّعي إل أن يقصد أذيّة المدّعى عليه وعيبه
وشتمه فيؤدّب .وقال أصبغ :يؤدّب قصد أذيّته أو لم يقصد .
-القسم الثّاني :أن يكون المتّهم مجهول الحال ل يعرف بب ّر ول فجور فهذا يحبس حتّى 14
ذلك .قال ابن القيّم :ويسوغ ضرب هذا النّوع من المتّهمين كما « أمر النّبيّ صلى ال عليه
وسلم الزّبير بتعذيب المتّهم الّذي غيّب ماله حتّى أق ّر به في قصّة ابن أبي الحقيق » .
قال شيخنا :واختلفوا فيه هل الّذي يضربه الوالي دون القاضي أو كلهما أو ل يسوغ
ضربه ؟ على ثلثة أقوال :
أحدها :أنّه يضربه الوالي أو القاضي هذا قول طائفة من أصحاب مالك وأحمد وغيرهم منهم
أشهب بن عبد العزيز قاضي مصر فإنّه قال :يمتحن بالحبس والضّرب ويضرب بالسّوط
مجرّدا .
والقول الثّاني :أنّه يضربه الوالي دون القاضي وهذا قول بعض أصحاب الشّافعيّ وأحمد
ن الضّرب المشروع هو ضرب الحدود
حكاه القاضيان :أبو يعلى والماورديّ ،ووجه هذا أ ّ
والتّعزير وذلك إنّما يكون بعد إثبات أسبابها وتحقّقها .
والقول الثّالث :أنّه ل يضرب .وهذا قول أصبغ وكثير من الطّوائف الثّلثة بل قول أكثرهم
لكنّ حبس المتّهم عندهم أبلغ من حبس المجهول .
ثمّ قالت طائفة منهم عمر بن عبد العزيز ومطرّف وابن الماجشون أنّه يحبس حتّى يموت
ونصّ عليه المام أحمد في المبتدع الّذي لم ينته عن بدعته أنّه يحبس حتّى يموت ،وقال
مالك :ل يحبس إلى الموت .والّذين جعلوا عقوبته للوالي دون القاضي قالوا :ولية أمير
الحرب معتمدها المنع من الفساد في الرض وقمع أهل الشّرّ والعدوان وذلك ل يتمّ إل
ن مقصودها إيصال الحقوق إلى
بالعقوبة للمتّهمين المعروفين بالجرام بخلف ولية الحكم فإ ّ
ن ك ّل وليّ
أربابها قال شيخنا :وهذا القول هو في الحقيقة قول بجواز ذلك في الشّريعة لك ّ
ي الصّدقات يملك من القبض والصّرف ما ل يملكه والي
ن ول ّ
أمر يفعل ما فوّض إليه فكما أ ّ
الخراج وعكسه كذلك والي الحرب ووالي الحكم يفعل كلّ منهما ما اقتضته وليته الشّرعيّة
مع رعاية العدل والتّقيّد بالشّريعة .
تقسيم *
التّعريف :
-التّقسيم في اللّغة :التّجزئة والتّفريق ،وهو مصدر قسّم ،يقال :قسّم الشّيء :إذا 1
جزّأه أجزاء ،وقسّم القوم :فرّقهم ويستعمل الصوليّون لفظ التّقسيم بمعنى حصر الوصاف
ن صلحيّتها علّة في الصل .
الّتي يظ ّ
وقد أطلق الصوليّون مجموع السّبر والتّقسيم على حصر الوصاف الموجودة في الصل -
المقيس عليه -وإبطال ما ل يصلح منها للعلّيّة ،وتعيين الباقي للعلّيّة ،وقد يقتصر على
ي في منهاجه .
السّبر ،وقد يقتصر على التّقسيم كما فعل البيضاو ّ
قال السّعد في حاشية العضد :عند التّحقيق الحصر راجع إلى التّقسيم ،والسّبر إلى البطال.
وأطلق بعضهم التّقسيم على كون اللّفظ متردّدا بين أمرين ،أحدهما :ممنوع ،والخر :
مسلّم ،واللّفظ محتمل لهما غير ظاهر في أحدهما .
ويراد بالتّقسيم عند الفقهاء تبيين القسام ،ويرادفه القسمة ،وهي تعيين الحصّة الشّائعة
بمقياس ما ،كالكيل والوزن والذّراع فالقسمة والتّقسيم لفظان مترادفان في المعنى عند
الفقهاء .واختلف في القسمة ،هل هي مجرّد إفراز أو مبادلة .
والفراز في اللّغة :التّنحية ،وهو عزل شيء عن شيء وتمييزه .
ن التّقسيم قد
ول يخرج استعمال الفقهاء له عن ذلك .والصّلة بين التّقسيم والفراز ،أ ّ
يكون بالفراز ،وقد يقصد به بيان الحصص والقسام دون إفراز كما في المهايأة .
اللفاظ ذات الصّلة :
تنقيح المناط :
-التّنقيح في اللّغة :التّهذيب والتّمييز ،والمناط هو العلّة . 2
والمراد بتنقيح المناط عند الصوليّين ،إلحاق الفرع بالصل بإلغاء الفارق ،بأن يقال :ل
فرق بين الصل والفرع إل كذا وكذا ،وذلك ل مدخل له في الحكم ألبتّة ،فيلزم اشتراكهما
في الحكم لشتراكهما في الموجب له .ومثاله قياس المة على العبد في سراية العتق فإنّه
ل فرق بينهما إلّا الذّكورة ،وهذا الفرق ملغى بالجماع إذ ل مدخل له في العلّيّة .
والفرق بين تنقيح المناط والسّبر والتّقسيم ،أنّ الحصر في دللة السّبر والتّقسيم لتعيين
العلّة ،إمّا استقللً أو اعتبارا ،وفي تنقيح المناط لتعيين الفارق وإبطاله ل لتعيين العلّة .
الحكم الجماليّ :
أ ّولً :عند الصوليّين :
-يعتبر جمهور الصوليّين السّبر والتّقسيم مسلكا من مسالك العلّة ،ومن العلل الّتي 3
تعرف بواسطة السّبر والتّقسيم قول مجتهد مثل -في قياس الذّرة على البرّ في الرّبويّة :
بحثت عن أوصاف البرّ فما وجدت َث ّم ما يصلح علّة للرّبويّة في بادئ الرّأي ،إل الطّعم أو
القوت أو الكيل ،ولكنّ كلّا من الطّعم والقوت ل يصلح لذلك عند التّأمّل ،فتعيّن الكيل ،
وعلى هذا يجري الرّبا في ك ّل المقدّرات من مكيلت أو موزونات .
وقد أنكر بعض أهل الصول جعل السّبر والتّقسيم مسلكا للعلّيّة .
قال ابن النباريّ في شرح البرهان :السّبر يرجع إلى اختيار أوصاف المحلّ وضبطها ،
والتّقسيم يرجع إلى إبطال ما يظهر إبطاله منها ،فإذا ل يكون من الدلّة ،وإنّما تسامح
الصوليّون في ذلك .وللتّوسّع في أدلّة الفريقين ،حول حجّيّة السّبر ،والتّقسيم ،وشروط
الحتجاج به ،وأقسامه ،وطرق الحذف .انظر ( الملحق الصوليّ ) .
ثانيا :عند الفقهاء :
تقسيم ما يستولي عليه المسلمون :
-إذا ظهر المام على بلد الحرب فالمستولى عليه ل يخلو من أحد أنواع ثلثة :المتاع 4
فذهب الحنفيّة -وهو قول للمالكيّة -إلى أنّ المام إذا فتح بلدة عنوة فهو بالخيار -إن
شاء قسّمها بين المسلمين ،كما فعل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بخيبر ،وإن شاء أقرّ
أهلها عليها ووضع عليهم الجزية وعلى أراضيهم الخراج ،كما فعل عمر رضي ال عنه
بسواد العراق .
وقال الشّافعيّة -وهو رواية أخرى عن المام أحمد -بوجوب تقسيم الراضي كالمتاع ،
ي صلى ال عليه وسلم بأرض خيبر .
لطلق الية الكريمة ،وعمل بفعل النّب ّ
ويرى الحنابلة على المذهب تخيير المام بين تقسيم الرض الّتي فتحت عنوة ،وبين وقفها
بلفظ يحصل به الوقف .
وأمّا الرّقاب :فيخيّر المام فيها بين عدّة خصال ،وتفصيله في مصطلح ( :أسرى ) .
تقسيم التّركة :
-ل خلف بين الفقهاء في جواز تقسيم التّركة إذا لم تكن مدينة وأخرجت منها سائر 6
تقصير *
التّعريف :
-التّقصير في اللّغة :مصدر قصّر .يقال :قصّر ثوبه :إذا جعله قصيرا ،وقصّر شعره 1
بشهادة شهود ،فجلد أو قتل أو قطع ،فبان الشّهود غير أهل للشّهادة :كأن بانا كافرين ،
أو فاسقين ،أو صبيّين ،ضمن الحاكم إذا ثبت أنّه لم يبحث حالة الشّهود ،أو قصّر في
البحث ،لنّه متسبّب في التّلف ،وإلى هذا ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة .
ص ،أو
ن الحاكم ل يضمن ما تلف بحكمه .أمّا هل يضمن من ماله الخا ّ
وذهب الحنفيّة إلى أ ّ
تتحمّل عنه العاقلة أو بيت المال ،فيرجع في تفصيله إلى مصطلح ( :ضمان ) .
تقصير الطّبيب :
-يضمن الطّبيب إذا عالج المريض فقصّر في معالجته ،أو أخطأ فيها خطأ فاحشا ،وهذا 8
في الثر « من ج ّر ثوبه خيلء لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة » وفيما عدا ذلك فإنّ تقصيره
مستحبّ إلى نصف السّاق ،ول يستحبّ أكثر من ذلك .وتفصيله في مصطلح ( :إسبال.) .
تقصير الصّلة :
-ينبغي تقصير صلة الجماعة للمام الّذي يخشى فتنة من وراءه ،أو ضررهم بالتّطويل 10
لحديث « :يا معاذ :أفتّان أنت ؟ » ولحديث « :من أمّ بالنّاس فليتجوّز ،فإنّ خلفه
الضّعيف والكبير وذا الحاجة » وهذا ما لم يكن مَنْ وراءه محصورين يرضون بالتّطويل .
). 213 6 وتفصيل ذلك في مصطلح إمامة (
تقصير خطبة الجمعة :
-يستحبّ تقصير خطبة الجمعة ،وهذا محلّ اتّفاق بين الفقهاء ،لما روي من أنّ النّبيّ 11
صلى ال عليه وسلم قال « :إنّ طول صلة الرّجل وقصر خطبته مئنّة في فقهه ،فأطيلوا
الصّلة وأقصروا الخطبة » .
التّقصير في طلب الشّفعة أو أرش العيب :
ق الشّفعة والرّ ّد بالعيب بالتّقصير في المطالبة بهما ،وهذا محلّ اتّفاق بين
-يسقط ح ّ 12
الفقهاء .أمّا هل طلب الشّفعة فوريّ ،أو على التّراخي ،وآراء الفقهاء في ذلك ،فيرجع
إلى مصطلحي ( :الرّدّ بالعيب ،والشّفعة ) .
تقلّد *
التّعريف :
-التّقلّد :جعل النسان القلدة في عنقه .وتقلّد المر :احتماله ،وكذلك تقلّد السّيف : 1
متقلّدا سيفا ورمحا إذا جعل حمائله في عنقه .قال الشّاعر :يا ليت زوجك قد غدا
ن التّقلّد في الصل للسّيف ل للرّمح ،وإنّما عطف على مثال
أي :وحامل رمحا .يعني أ ّ
قولهم :علفتها تبنا وماء باردا .
الحكم الجماليّ :
-التّقلّد بمعنى وضع القلدة في العنق : 2
التّزيّن بالقلئد نوع من الزّينة المباحة ،وهي في الغالب المعتاد من زينة النّساء والصّغار .
وتباح للنّساء القلئد كلّها ،سواء أكانت من موادّ معتادة ،أو موا ّد ثمينة ،كاللّؤلؤ ،
والياقوت ،والحجارة الكريمة ،والذّهب ،والفضّة ،وغير ذلك ،فكلّه مباح لهنّ ما لم
يخرج إلى حدّ السّرف والخيلء .ول يجوز تقليد الصّغار إن كانوا ذكورا قلئد الذّهب أو
الفضّة ،لما في الحديث « :الذّهب والحرير حلّ لناث أمّتي وحرام على ذكورها » على أنّ
في ذلك بعض الخلف وينظر في مصطلح ( :ذهب ) .
ي صلى ال عليه وسلم قال « :أيّما امرأة
وقد ورد في الحديث عن أسماء بنت يزيد أنّ النّب ّ
تقلّدت قلدة من ذهب قلّدت في عنقها مثله من النّار يوم القيامة » وفي حديث معاوية :
« نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن لبس الذّهب إل مقطّعا » لكن قال الخطّابيّ :ذلك في
الزّمان الوّل ثمّ نسخ ،أو الوعيد على الكثير منه الّذي ل تؤدّى زكاته .
تقلّد السّيف في الحرام :
-إذا احتاج المحرم إلى تقلّد السّلح في الحرام فله ذلك ،وبهذا قال المالكيّة والشّافعيّة 3
والحنابلة وابن المنذر ،ورويت كراهة ذلك عن الحسن البصريّ .واستدلّ للوّلين « بأنّ
النّبيّ صلى ال عليه وسلم لمّا صالح أهل مكّة صلح الحديبية ،كان في الصّلح أل يدخل
المسلمون مكّة إل بجلبّان السّلح » " القراب بما فيه " وهذا ظاهر في إباحته عند الحاجة ،
لنّهم كانوا ل يأمنون أهل مكّة أن ينقضوا العهد ويخفروا ال ّذمّة ،فاشترطوا حمل السّلح في
قرابه .فأمّا من غير خوف ،فقد قال المام أحمد :ل ،إل من ضرورة .
ن ابن عمر قال :ل يحمل السّلح في الحرم .أي ل من أجل الحرام ،
وإنّما منع منه ل ّ
فيكره حمله للمحرم وغيره في حرم مكّة .
قال ابن قدامة :ولذلك لو حمل قربة في عنقه ل يحرم عليه ذلك ول فدية فيه .وقد سئل
أحمد عن المحرم يلقي جرابه في رقبته كهيئة القربة ،فقال :أرجو أن ل يكون به بأس .
تقليد *
التّعريف :
-التّقليد لغة :مصدر قلّد ،أي جعل الشّيء في عنق غيره مع الحاطة به . 1
وتقول :قلّدت الجارية :إذا جعلت في عنقها القلدة ،فتقلّدتها هي ،وقلّدت الرّجل السّيف
فتقلّده :إذا جعل حمائله في عنقه .وأصل القلد ،كما في لسان العرب ،ليّ الشّيء على
الشّيء ،نحو ليّ الحديدة الدّقيقة على مثلها ،ومنه :سوار مقلود .
وفي التّهذيب :تقليد البدنة أن يجعل في عنقها عروة مزادة ،أو حلق نعل ،فيعلم أنّها هدي.
وقلّد فلنا المر إيّاه .ومنه تقليد الولة العمال .
ويستعمل التّقليد في العصور المتأخّرة بمعنى المحاكاة في الفعل ،وبمعنى التّزييف ،أي
صناعة شيء طبقا للصل المقلّد .وكل المعنيين مأخوذ من التّقليد للمجتهدين ،لنّ المقلّد
يفعل مثل فعل المقلّد دون أن يدري وجهه .والمر التّقليديّ ما يفعل اتّباعا لما كان قبل ،ل
بناء على فكر الفاعل نفسه ،وخلفه المر المبتدع .
ويرد التّقليد في الصطلح الشّرعيّ بأربعة معان :
أوّلها :تقليد الوالي أو القاضي ونحوهما ،أي توليتهما العمل ،وينظر في مصطلح :
( تولية ) .
ثانيها :تقليد الهدي بجعل شيء في رقبته ليعلم أنّه هدي .
ثالثها :تقليد التّمائم ونحوها .
رابعها :التّقليد في الدّين وهو الخذ فيه بقول الغير مع عدم معرفة دليله .أو هو العمل
بقول الغير من غير حجّة .
اللفاظ ذات الصّلة :
الشعار :
-الشعار حزّ سنام البدنة حتّى يسيل منها الدّم ليعلم أنّها هدي للكعبة فل يتعرّض لها أحد 2
.
أحكام التّقليد :
أ ّولً -تقليد الهدي :
-الهدي ما يهدى إلى الكعبة من بهيمة النعام في الحجّ ليذبح بمكّة تقرّبا إلى اللّه تعالى. 3
وتقليد البهيمة أن يجعل في عنقها ما يد ّل على أنّها هديّة إلى البيت ،فيترك التّعرّض لها من
كلّ أحد تعظيما للبيت وما أهدي إليه .
شعَائِرَ الّلهِ
ن آمَنُوا ل ُتحِلّوا َ
وأصل ذلك في القرآن العظيم ،قال اللّه تعالى { :يَا أَ ّيهَا الّذِي َ
شهْ َر الحَرَامَ وَل الهَديَ وَل القَلئِدَ } قال القرطبيّ :فالشّعائر :جمع شعيرة وهي البدنة
وَل ال ّ
تهدى إلى البيت ،وإشعارها أن يحزّ سنامها ليسيل منها الدّم فيعلم أنّها هدي .
والقلئد قيل في تفسيرها :ما كان النّاس يتقلّدونه أمنة لهم .قال ابن عبّاس :ثمّ نسخ ذلك.
وقيل المراد بالقلئد :ما يعلّق على أسنمة الهدايا وأعناقها علمة على أنّه للّه تعالى ،من
س وَالشّه َر الحَرَامَ
ج َعلَ الّلهُ ال َكعْ َبةَ البيتَ الحَرَامَ قِيَامَا لِلنّا ِ
نعل أو غيره .وقال اللّه تعالى َ { :
ن الّلهَ ِب ُكلّ
سمَواتِ وما في الرضِ وأ ّ
ك لِ َتعْ َلمُوا أنّ الّل َه َيعْلَمُ مَا في ال ّ
ي وَالقَلئِدَ ذل َ
وَالهَد َ
شَي ٍء عَليمٌ } أي جعل المذكورات صلحا ومعاشا يأمن النّاس فيها وبها .وقال القرطبيّ :
عظّم اللّه سبحانه في قلوبهم البيت الحرام ،وأوقع في نفوسهم هيبته ،وعظّم بينهم
حرمته ،فكان من لجأ إليه معصوما به ،وكان من اضطهد محميّا بالكون فيه .وكذلك
الشهر الحرم .ثمّ قال :وشرع على ألسنة الرّسل الكرام الهدي والقلئد ،فكانوا إذا أخذوا
بعيرا أشعروه دما أو علّقوا عليه نعل ،أو فعل الرّجل ذلك بنفسه من التّقليد ،لم يروّعه
أحد حيث لقيه ،وكان الفيصل بينه وبين من طلبه وظلمه ،حتّى جاء اللّه بالسلم .
ويذكر من حكمة تقليد الهدي أيضا أن يعلم المساكين بالهدي ،فيجتمعوا له ،وإذا عطبت
الهديّة الّتي سيقت إلى البيت تنحر ،ثمّ « تلقى قلدتها في دمها » كما ورد في الحديث ،
ليكون ذلك دال على كونها هديا يباح أكله لمن شاء .
حكم تقليد الهدي :
-تقليد الهدي كان متّبعا في الجاهليّة .قال القرطبيّ :وهي سنّة إبراهيميّة بقيت في 4
أمّا الغنم فقد اختلف في تقليدها ،فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّها ل تقلّد ،وليس تقليدها
سنّة ،قال الحنفيّة :لنّه غير معتاد ،ولنّه ل فائدة في تقليدها ،إذ فائدة التّقليد عدم ضياع
الهدي ،والغنم ل تترك بل يكون معها صاحبها .
قال القرطبيّ وكأنّهم لم يبلغهم حديث عائشة رضي ال عنها في تقليد الغنم ،ونصّه ،قالت
ي صلى ال عليه وسلم مرّة إلى البيت غنما فقلّدها » أو بلغهم ولكنّهم ردّوه
« :أهدى النّب ّ
لنفراد السود به عن عائشة .
وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يسنّ تقليدها أيضا ،للحديث السّابق ،ولنّها هدي فتقلّد ،
كالبل .وينصّ الحنفيّة على أنّه ليست كلّ أنواع الهدي تقلّد ،بل يقلّد هدي التّطوّع وهدي
التّمتّع والقران ،لنّه دم نسك ،وفي التّقليد إظهاره وتشهيره فيليق به .
ولم نجد هذا التّفصيل لغير الحنفيّة .
ول يقلّد دم الجناية ،لنّ سترها أليق ،ويلحق بها دم الحصار ،لنّها دم يجبر به النّقص .
ما يقلّد به ،وكيفيّة التّقليد :
-يكون التّقليد بأن يجعل في أعناق الهدايا النّعال ،أو آذان القرب وعراها ،أو علقة 6
إداوة ،أو لحاء شجرة ،أو نحو ذلك .وفي حديث عائشة أنّها « كانت تفتل قلئد هدي
النّبيّ صلى ال عليه وسلم من عهن » والعهن :الصّوف المصبوغ فقد روى أبو هريرة
ي صلى ال عليه وسلم رأى رجل يسوق بدنة ،قال :اركبها .قال :إنّها بدنة .
« أنّ النّب ّ
قال :اركبها قال :فلقد رأيته يساير النّبيّ صلى ال عليه وسلم والنّعل في عنقها » .وفيه
أنّه « قلّد بدنه بيده » وفي التّاج والكليل من كتب المالكيّة يقلّد بما شاء .ومنع ابن القاسم
تقليد الوتار" أي للحديث الوارد في النّهي عنه ،ونصّه « قلّدوا الخيل ول تقلّدوها الوتار ».
قال ابن عابدين :كيفيّة التّقليد أن يفتل خيطا من صوف أو شعر ويربط به نعل أو عروة
مزادة ،وهي السّفرة من جلد ،أو لحاء شجرة أي قشرها ،أو نحو ذلك ممّا يكون علمة
على أنّه هدي .
وقال المالكيّة والشّافعيّة :يكون تقليدها وهي مستقبلة القبلة ،ويقلّد البدنة وهي باركة .
وفي كتب الشّافعيّة :أنّه ينبغي إذا قلّد نعلين أن يكون لهما قيمة ليتصدّق بهما .
تقليد الهدي هل يكون به النسان محرما ؟ :
-ل ينعقد الحرام إل بنيّة الدّخول في النّسك .ول يشترط مع ذلك تلبية أو ذكر معيّن أو 7
خصوصيّة من خصوصيّات الحرام كتقليد الهدي .وهذا مذهب المالكيّة على المشهور
عندهم والشّافعيّة والحنابلة .وينظر التّفصيل في مصطلح ( إحرام ) .
أمّا الحنفيّة فل بدّ ليكون الرّجل محرما عندهم ،مع نيّة الدّخول في النّسك من ذكر أو
خصوصيّة من خصوصيّات الحرام .
والخصوصيّات منها :أن يشعر بدنه ،أو يقلّدها ،تطوّعا ،أو نذرا ،أو جزاء صيد ،أو
شيئا من الشياء ،ويتوجّه معها يريد الحجّ أو العمرة .فمن فعل ذلك فقد أحرم ولو لم يكن
ي صلى ال عليه وسلم « من قلّد بدنه فقد أحرم » .
منه تلبية .قالوا :لقول النّب ّ
ج أو
ولنّ سوق الهدي في معنى التّلبية في إظهار الجابة ،لنّه ل يفعله إل مريد الح ّ
العمرة ،وإظهار الجابة قد يكون بالفعل كما يكون بالقول ،فيصير به محرما لتّصال النّيّة
بفعل هو من خصائص الحرام .
ولو قلّد هديا دون أن ينوي ،أو دون أن يسوقه متوجّها إلى البيت ،فل يكون محرما .
ولو قلّده وأرسل به ولم يسقه لم يصر محرما ،لحديث عائشة أنّها قالت « :كنت أفتل
القلئد لهدي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فيبعث به ثمّ يقيم فينا حللً » ،قالوا :ثمّ إن
توجّه بعد ذلك لم يصر محرما حتّى يلحق الهدي ،لنّه عند التّوجّه إذا لم يكن بين يديه هدي
يسوقه لم يوجد منه إلّا مجرّد النّيّة ،فل يصير بها محرما ،إل هدي التّمتّع والقران فإنّه
يكون محرما بتقليده وبالتّوجّه ولو قبل أن يدرك الهدي الّذي بعثه أمامه .
هذا ،وإن كان الهدي الّذي قلّده وساقه من الغنم ،فإنّه ل يصير بذلك محرما عند الحنفيّة ،
لنّ الغنم ل يسنّ تقليدها عندهم كما تقدّم .
تعيّن الهدي ولزومه بالتّقليد :
-ينصّ المالكيّة على أنّ الرّجل إذا قلّد الهدي بالنّيّة تعيّن عليه إهداؤه وليس له أن يترك 8
ذلك .قال الدّردير :يجب إنفاذ ما قلّد معيبا لوجوبه بالتّقليد وإن لم يجزه .أي وإن لم
يجزئه عن هدي واجب بتمتّع أو قران أو نذر غير أنّهم قالوا :إنّ ما قلّد من الهدي يباع في
الدّيون السّابقة ما لم يذبح ،ول يباع في الدّيون اللحقة .قالوا :ولو وجد الهدي المسروق
أو الضّالّ بعد نحر بدله نحر الموجود أيضا إن قلّد ،لتعيّنه بالتّقليد .
وإن وجد الضّا ّل قبل نحر البدل نحرهما معا إن قلّدا لتعيّنهما بالتّقليد .وإن لم يكونا مقلّدين
أو كان المقلّد أحدهما دون الخر ،يتعيّن المقلّد .وجاز بيع الخر والتّصرّف فيه .
ن التّقليد يجب به ذلك الهدي ،إذا نوى أنّه هدي ،ولو لم يقل
وينصّ الحنابلة أيضا على أ ّ
بلسانه إنّه هدي ،فيتعيّن بذلك ويصير واجبا معيّنا يتعلّق الوجوب بعينه دون ذمّة صاحبه .
وحكمه حينئذ أن يكون في يد صاحبه كالوديعة يلزمه حفظه وإيصاله إلى محلّه ،فإن تلف
أو سرق أو ضلّ بغير تفريط لم يلزمه شيء .أمّا الشّافعيّة فيصرّحون بأنّ تقليد الرّجل نعمه
وإشعارها ل يكون به النّعم هديا ،ولو نواه ما لم ينطق بذلك ،على المذهب الصّحيح
المشهور عندهم ،كما لو كتب الوقف على باب داره .
ثانيا :تقليد التّمائم وما يتعوّذ به :
-المراد بتقليد التّمائم والتّعويذات جعلها في عنق الصّبيّ أو الصّبيّة أو الدّابّة ونحوها . 9
النّبيّ صلى ال عليه وسلم ليس تقليدا ،والرّجوع إلى الجماع ليس تقليدا كذلك ،لنّ ذلك
رجوع إلى ما هو الحجّة في نفسه .
حكم التّقليد :
ن الفقه ممدوح في
-أهل التّقليد ليسوا طبقة من طبقات الفقهاء ،فالمقلّد ليس فقيها ،فإ ّ 11
كلم النّبيّ صلى ال عليه وسلم والتّقليد مذموم ،وهو في الحقيقة نوع من التّقصير .
أ -حكم التّقليد في العقائد :
-التّقليد ل يجوز عند جمهور الصوليّين في العقائد ،كوجود اللّه تعالى ووحدانيّته 12
ووجوب إفراده بالعبادة ،ومعرفة صدق رسوله صلى ال عليه وسلم فل بدّ في ذلك عندهم
من النّظر الصّحيح والتّفكّر والتّدبّر المؤدّي إلى العلم وإلى طمأنينة القلب ،ومعرفة أدلّة ذلك.
وممّا يحتجّ به لذلك أنّ اللّه تعالى ذمّ التّقليد في العقيدة بمثل قوله تعالى َ { :بلْ قَالوا إنّا
َوجَدْنَا آبَاءَنا على ُأ ّم ٍة وإنّا على آثَارِهمْ ُمهْتَدونَ } ،ولمّا نزل قوله تعالى { :إنّ في خَلْقِ
س َموَاتِ والرضِ وَاخْتِلفِ اللّي ِل وَال ّنهَارِ ليَاتٍ لولِي اللْبَابِ } قال النّبيّ صلى ال عليه
ال ّ
وسلم « :لقد نزلت عليّ اللّيلة آية .ويل لمن قرأها ولم يتفكّر فيها » .
ولنّ المقلّد في ذلك يجوز الخطأ على مقلّده ،ويجوز عليه أن يكون كاذبا في إخباره ،ول
يكفي التّعويل في ذلك على سكون النّفس إلى صدق المقلّد ،إذ ما الفرق بين ذلك وبين
سكون أنفس النّصارى واليهود والمشركين الّذين قلّدوا أسلفهم وسكنت قلوبهم إلى ما كان
عليه آباؤهم من قبل ،فعاب اللّه عليهم ذلك .
وذهب بعض الفقهاء إلى جواز الكتفاء بالتّقليد في العقائد ،ونسب ذلك إلى الظّاهريّة .
ثمّ عند الجمهور يلحق بالعقائد في هذا المر كلّ ما علم من الدّين بالضّرورة ،فل تقليد
فيه ،لنّ العلم به يحصل بالتّواتر والجماع ،ومن ذلك الخذ بأركان السلم الخمسة .
ب -حكم التّقليد في الفروع :
-اختلف في التّقليد في الحكام الشّرعيّة العمليّة غير ما تقدّم ذكره على رأيين : 13
الجتهاد .وكذلك من له أهليّة الجتهاد إذا استشعر الفوات لو اشتغل بالجتهاد في الحكام ،
فله أن يقلّد مجتهدا .فأمّا المجتهد لو أراد التّقليد مع سعة الوقت وإمكان الجتهاد فقد قال
المام الشّافعيّ وغيره :ليس له أن يقلّد بل عليه أن يجتهد .وقيل :يجوز له التّقليد .
ن اجتهاده في حقّ نفسه يضاهي النّصّ ،فل يعدل عن
ن الجتهاد يجب عليه أ ّ
ودليل القول بأ ّ
ص إلى القياس .
الجتهاد عند إمكانه ،كما ل يعدل عن النّ ّ
أمّا إن اجتهد من هو أهل للجتهاد ،فأدّاه اجتهاده إلى معرفة الحكم ،فليس له أن يتركه
ويصير إلى العمل أو الفتاء بقول غيره تقليدا لمن خالفه في ذلك ،قال صاحب مسلّم الثّبوت
ن ما علمه هو حكم اللّه في حقّه فل يتركه لقول
" :إجماعا " أي بإجماع أئمّة الحنفيّة ،ل ّ
أحد .ولكن لو أنّ القاضي المجتهد حكم بالتّقليد نفذ حكمه عند أبي حنيفة على رواية ،ولم
ينفذ على الرّواية الخرى ،ول على قول الصّاحبين والفتوى على قولهما ،وهي الرّواية
الخرى عن أبي حنيفة .
والّذين قالوا بتجزّؤ الجتهاد يجب عندهم على المجتهد المطلق أن يقلّد فيما لم يظهر له حكم
الشّرع فيه ،فيكون مجتهدا في البعض مقلّدا في البعض الخر ،ولكن قيل :إنّه ما دام
صحّة ،بأن يظهره له المجتهد الخر .
عالما فل يقلّد إلّا بشرط أن يتبيّن له وجه ال ّ
وأيضا قد يقلّد العالم في الثّبوت ،كمن قلّد البخاريّ في تصحيح الحديث ،ثمّ يجتهد في
الدّللة أو القياس أو دفع التّعارض بناء على ما ثبت عند غيره .
تعدّد المفتين واختلفهم على المقلّد :
-إذا لم يكن في البلد إلّا مفت واحد وجب على المقلّد مراجعته والعمل بما أفتاه به ممّا ل 16
يعلمه .
وإن تعدّد المفتون وكلّهم أهل ،فللمقلّد أن يسأل من شاء منهم ،ول يلزمه مراجعة العلم ،
وذلك لما علم أنّ العوامّ في زمان الصّحابة كانوا يسألون الفاضل والمفضول ،ولم يحجر
على أحد في سؤال غير أبي بكر وعمر .فل يلزم إل مراعاة العلم والعدالة .
لكن إذا تناقض قول عالمين ،فأفتاه أحدهما بغير ما أفتاه به الخر ،فإنّه يلزمه الخذ بقول
من يرى في نفسه أنّه الفضل منهما في علمه ودينه .فواجبه التّرجيح بين المقلّدين بالعلم
والدّين .قال صاحب مطالب أولي النّهى :يحرم الحكم والفتيا بقول أو وجه من غير نظر
ن الغلط على العلم أبعد ومن القلّ علما أقرب .
في التّرجيح إجماعا .وهذا ل ّ
وليس للمقلّد أن يجعل نفسه بالخيار يأخذ ما شاء ويترك ما شاء ،وخاصّة إذا تتبّع الرّخص
ليأخذ بما يهواه بمجرّد التّشهّي .
وذلك كما أنّ المجتهد واجبه التّرجيح بين الدلّة وليس له التّخيّر منها اتّفاقا .
والّذين أجازوا التّخيّر -وهم قلّة -إنّما أجازوه عند عدم إمكان التّرجيح .وينظر الخلف
ي ،إذ في المسألة خلف .
في ذلك والتّفصيل فيه في موضعه من الملحق الصول ّ
تقليد المذاهب :
ي التزام مذهب معيّن ،
-قال الشّوكانيّ :اختلف المجوّزون للتّقليد هل يجب على العامّ ّ 17
الجماع وإن كان عارفا بالمسائل الفقهيّة ،إذ الجامع بين أهل الجماع هو الرّأي ،وليس
للمقلّد رأي إذ رأيه هو عن رأي إمامه .
وهذا إن لم يكن مجتهدا في بعض المسائل ،فإن كان كذلك فعلى أساس قاعدة جواز تجزّؤ
الجتهاد ،يعتدّ بالمقلّد في الجماع في المسائل الّتي يجتهد فيها .
قضاء المقلّد :
-يشترط الشّافعيّة والحنابلة ،وهو قول عند كلّ من الحنفيّة والمالكيّة ،في القاضي أن 21
حكُمْ بَينَهمْ
يكون مجتهدا .وادّعى ابن حزم الجماع على ذلك ،ولقول اللّه تعالى َ { :وأَنْ ا ْ
ن تَنَازَعْ ُت ْم في شَيءٍ فَرُدّوه إلى الّلهِ وَال ّرسُولِ } وفاقد
ِبمَا أَنْ َز َل الّلهُ } وقوله تعالى { فَإ ْ
الجتهاد إنّما يحكم بالتّقليد ول يعرف الرّ ّد إلى ما أنزل اللّه وإلى الرّسول .
قال ابن قدامة :ل يجوز للقاضي أن يقلّد غيره ويحكم بقول سواه ،سواء ظهر له الحقّ
فخالفه غيره فيه أم لم يظهر له شيء ،وسواء ضاق الوقت أم لم يضق .
وقال سائر الحنفيّة ،وهو قول عند متأخّري الحنابلة :يجوز أن يكون القاضي مقلّدا ،لئل
ن غرض القضاء فصل الخصومات فإذا تحقّق بالتّقليد
تتعطّل أحكام النّاس ،وعلّل الحنفيّة بأ ّ
جاز .وعند الشّافعيّة أنّه إن تعذّر القاضي المجتهد جاز تولية المقلّد عند الضّرورة وتتحقّق
الضّرورة بأمرين :
الوّل :أن يولّيه سلطان ذو شوكة ،بخلف نائب السّلطان ،كالقاضي الكبر ،فل تعتبر
توليته لقاض مقلّد ضرورة .ويحرم على السّلطان تولية غير المجتهد عند وجود المجتهد .
ثمّ لو زالت الشّوكة انعزل القاضي بزوالها .
الثّاني :أن ل يوجد مجتهد يصلح للقضاء ،فإن وجد مجتهد صالح للقضاء لم يجز تولية
المقلّد ،ولم تنفذ توليته .وعلى قاضي الضّرورة أن يراجع العلماء ،وهذا موضع اتّفاق ،
وعليه عند الشّافعيّة أن يذكر مستنده في أحكامه .
ما يفعله المقلّد إذا تغيّر الجتهاد :
-إذا تغيّر اجتهاد المجتهد بعد أن فعل المقلّد طبقا لما أفتاه به ،لم يلزم المقلّد متابعة 22
المقلّد في اجتهاده الثّاني بالنّسبة لتصرّف أمضاه ،كما لو تزوّج امرأة بل وليّ -مثلً -
ي ،ثمّ تغيّر اجتهاد المجتهد إلى البطلن ،وهذا كما
مقلّدا لمجتهد يرى صحّة النّكاح بل ول ّ
لو حكم له حاكم بذلك ،إذ ل ينقض الجتهاد بمثله .
ول يلزم المجتهد إذا تغيّر اجتهاده أن يعلم من قلّده بذلك .
وهذا إن كان الجتهاد معتبرا ،بخلف ما لو تبيّن خطؤه يقينا ،بأن كان مخالفا لنصّ
ي ،فينقض .
صحيح سالم من المعارضة ،أو مخالفا للجماع ،أو لقياس جل ّ
وقيل بالتّفريق في ذلك بين النّكاح وغيره ،ففي النّكاح ينقض وفي غيره ل ينقض .
أمّا قبل أن يتصرّف المقلّد بناء على الفتيا ،فليس له أن يقدم على ذلك التّصرّف بعد تغيّر
الجتهاد إن كانت تلك الفتيا مستنده الوحيد .
التّقليد في استقبال القبلة ومواقيت الصّلة ونحو ذلك :
-من أمكنه معرفة جهة القبلة برؤية أو نحوها دون حرج يلحقه حرم عليه الخذ بالخبر 23
تَ َقوّم *
التّعريف :
-التّقوّم :مصدر تقوّم الشّيء تقوّما .مطاوع قوّم يقال :قوّمته فتقوّم أي :عدّلته فتعدّل 1
يستلزم إباحة النتفاع بالشّيء شرعا ،فضل عن كونه متم ّولً .
الحكم الجماليّ :
-يشترط في المعقود عليه في عقد البيع ونحوه -بجانب توافر سائر الشّروط -أن 3
يكون متقوّما ،أي يباح النتفاع به ،فل يصحّ بيع المال غير المتقوّم .
ن الحنفيّة يقولون بالتّفرقة بين بيع غير المتقوّم
وهذا ما ل خلف فيه بين الفقهاء .إل أ ّ
والشّراء بغير المتقوّم ،فبيع المال غير المتقوّم باطل عندهم ل يترتّب عليه حكم كبيع الدّم
بالخنزير ،فل يملك المشتري المبيع ول البائع الثّمن ،سواء أكان البيع حا ًل أم مؤجّل .
أمّا الشّراء بثمن غير متقوّم ،فيعتبرونه فاسدا وتجري عليه أحكام البيع الفاسد .
ن النتفاع إنّما
وسبب التّفرقة بين الحالتين أنّ المبيع هو المقصود الصليّ من البيع ،ل ّ
يكون بالعيان ،والثمان وسيلة للمبادلة .وللتّوسّع في ذلك ( ر :بطلن ،فساد ،بيع ،
بيع منهيّ عنه ) .
تقوّم المتلفات :
-من شروط وجوب ضمان المتلفات أن يكون الشّيء المتلف متقوّما ،فل يجب الضّمان 4
بإتلف الخمر والخنزير على المسلم ،سواء أكان المتلف مسلما أم ذمّيّا ،لسقوط تقوّم
). 522/ 1 - 34 ق المسلم ( .ر :إتلف ف
الخمر والخنزير في ح ّ
ي على ذمّيّ خمرا أو خنزيرا فيرى الحنفيّة والمالكيّة وجوب
أمّا لو أتلف مسلم أو ذمّ ّ
الضّمان ،واستدلّوا بأنّنا أمرنا أن نترك أهل ال ّذمّة وما يدينون ،وقد روي عن عمر رضي
عمّالَه :ماذا تصنعون بما يم ّر به أهل ال ّذمّة من الخمور ؟ فقالوا :نعشّرها
ال عنه أنّه سأل ُ
،فقال :ل تفعلوا ،ولّوهم بيعها ،وخذوا العشر من أثمانها .فلول أنّها متقوّمة وبيعها
جائز لهم لما أمرهم بذلك ،فإذا كانت مالً لهم وجب ضمانها كسائر أموالهم .
ويقول الشّافعيّة والحنابلة بعدم وجوب ضمان الخمر والخنزير مطلقا ،سواء أكانا لمسلم أم
ي صلى ال عليه وسلم قال « :أل إنّ اللّه ورسوله حرّما بيع
ذمّيّ ،لما روى جابر أنّ النّب ّ
الخمر والميتة والخنزير والصنام » وما حرم بيعه لحرمته لم تجب قيمته كالميتة ،ولنّ
الخمر والخنزير غير متقوّمين فل يجب ضمانهما ،ودليل أنّهما غير متقوّمين في حقّ
ي صلى ال عليه وسلم قال :فإذا قبلوا عقد
ي « -أنّ النّب ّ
المسلم -فكذلك في حقّ ال ّذمّ ّ
ن ك ّل ما ثبت في حقّ
ال ّذمّة فأعلمهم أنّ لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم » وهذا يقتضي أ ّ
ن عقد ال ّذمّة خلف
ق المسلمين ،ول ّ
ق ال ّذمّيّين ل أنّ حقّهم يزيد على ح ّ
المسلمين يثبت في ح ّ
عن السلم ،فيثبت به ما يثبت بالسلم ،إذا الخلف ل يخالف الصل ،فيسقط تقوّمهما في
حقّهم .وينظر التّفصيل في ( إتلف ،وضمان ) .
تقوّم المنافع :
-يرى الشّافعيّة والحنابلة والمالكيّة في قول :أنّ المنافع أموال متقوّمة مضمونة بالعقود 5
تقويم *
التّعريف :
-التّقويم :مصدر قوّم ،ومن معانيه التّقدير ،يقال قوّم المتاع إذا قدّره بنقد وجعل له 1
النّعم على من قتل صيد الحرم .فيجب عليه أن يذبح مثله من البل أو البقر أو الغنم إن كان
ن ال ّنعَمِ
الصّيد الّذي قتله ممّا له مثل منها .ودليلهم قوله تعالى َ { :فجَزَاءٌ مث ُل مَا قَ َتلَ مِ َ
حكُمُ بِه َذوَا عَ ْدلٍ مِ ْن ُكمْ } ولما ورد عن الصّحابة رضي ال عنهم -في تقويم صيد الحرم
َي ْ
بما له مثل بما يماثله .ومحلّ تفصيل معرفة المثل في مصطلح ( صيد ،وحرم ،وإحرام ) .
وذهب الحنفيّة إلى عدم وجوب المثل من النّعم ،بل يقوّم الصّيد بالمال .لنّ المثل المطلق ،
بمعنى المثل في الصّورة والمعنى ،وهو المشارك في النّوع غير مراد في الية إجماعا .
فبقي المثل معنى فقط وهو القيمة .وسواء أوجب على قاتل الصّيد المثل من النّعم -على
قول الجمهور -أم القيمة على قول الحنفيّة ،فيرجع لمعرفة المماثلة إلى تقويم عدلين من
ب أن يكونا فقيهين .
أهل المعرفة والخبرة ،ومن المستح ّ
وذهب المالكيّة -وهو وجه عند الشّافعيّة -إلى عدم جواز كون أحد المقوّمين هو القاتل .
قياسا على عدم جواز كون المتلف للمال هو أحد المقوّمين في الضّمان .
وذهب الشّافعيّة -في الصّحيح عندهم -إلى جوازه ،وذلك لنّه وجب عليه لحقّ اللّه تعالى
ق أمينا فيه ،كربّ المال في الزّكاة .وهذا مقيّد بما إذا
،فجاز أن يجعل من يجب عليه الح ّ
قتله خطأ أو مضطرّا ،أمّا إذا قتله عدوانا فل يجوز أن يكون أحد المقوّمين ،لنّه يفسق
بتعمّد القتل ،فل يؤتمن في التّقويم .ويخيّر قاتل الصّيد بين ثلثة أمور :
إمّا أن يهدي مثل ما قتله من النّعم لفقراء الحرم -إن كان الصّيد له مثل -أو أن يقوّمه
بالمال ويقوّم المال طعاما ويتصدّق بالطّعام على الفقراء .وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة
والحنابلة .
ن الصّيد يقوّم ابتداء بالطّعام ،ولو قوّمه بالمال ثمّ اشترى به طعاما
أمّا المالكيّة فذهبوا إلى أ ّ
أجزأ .
والمر الثّالث :أن يصوم عن كلّ م ّد من الطّعام يوما ،ودليله ما تقدّم من قوله تعالى :
طعَامُ َمسَاكِينَ أ ْو عَ ْدلُ ذَِلكَ صِيامَا } .
{ هَدْيَا بَالِ َغ ال َكعْ َبةِ أو َكفّارَةٌ َ
ويقوّم الصّيد في اليوم وفي المكان الّذي أصيب فيه ،أو في أقرب المواضع منه .
وتمام ذلك في ( حجّ ،وإحرام ،وصيد ) .
تقويم السّلعة المعيّنة في خيار العيب :
-إذا اختار المشتري إبقاء السّلعة الّتي اشتراها مع وجود عيب فيها .أو في حال ما إذا 5
تعذّر ردّ السّلعة المعيبة بسبب هلكها أو تلفها أو استهلكها ،وأراد المشتري الرّجوع على
البائع ،أو في حال ما إذا حدث في السّلعة عيب عند المشتري ،مع وجود عيب قديم عند
البائع ،فاختار المشتري الرّدّ أو البقاء .
ففي هذه الحالت تقوّم السّلعة معيبة وتقوّم سليمة ،ويرجع المشتري على البائع بمقدار ما
نقص العيب من ثمن السّلعة ،فإذا كانت قيمة السّلعة سليمة مائة ومع العيب تسعين ،
فنسبة النّقص عشر قيمة المبيع ،فيرجع المشتري على البائع بعشر الثّمن .
وهل يجبر البائع على ما اختاره المشتري من الرّ ّد أو عدمه مع أخذ أرش العيب ؟ فيه
خلف وتفصيل يرجع إليه في مصطلح ( :خيار العيب ) .
ولو حدث في السّلعة عيب حادث عند المشتري ،غير العيب القديم الّذي كان عند البائع ،
فتقوّم السّلعة ثلث مرّات .فتقوّم السّلع سليمة بعشرة مثل ،ثمّ تقوّم ثانيا بالعيب القديم
بقطع النّظر عن العيب الحادث بثمانية مثل ،فيقدّر النّقص بالنّسبة لثمنها سليمة بالخمس .
ثمّ تقوّم ثالثا بالعيب الحادث بقطع النّظر عن القديم بثمانية مثل ،فيكون النّقص الخمس من
ثمنها سليمة .
ويعتبر التّقويم يوم دخل المبيع في ضمان المشتري عند المالكيّة والحنابلة .
وعند الشّافعيّة الصحّ اعتبار أقلّ قيمة المبيع المتقوّم من يوم البيع إلى وقت القبض .
لنّ قيمة السّلعة إن كانت وقت البيع أقلّ فالزّيادة في المبيع حدثت في ملك المشتري ،وفي
الثّمن حدثت في ملك البائع فل تدخل في التّقويم .
أو كانت القيمة وقت القبض ،أو بين الوقتين أقلّ فالنّقص في المبيع من ضمان البائع ،
وفي الثّمن من ضمان المشتري فل يدخل في التّقويم .وعند الحنفيّة :يكون تقويم الصل
وقت البيع وتقويم الزّيادة وقت القبض لنّ الزّيادة إنّما تأخذ قسطا من الثّمن بالقبض .
التّقويم في الرّبويّات :
-ل يجوز بيع الرّبويّات بجنسها إلّا بعد تيقّن المماثلة كيلً أو وزنا ،ول يجوز التّفاضل 6
بينها .ولهذا ل يعتبر التّقويم في الرّبويّات ،لنّ التّقويم ظنّيّ وقائم على التّخمين والتّقدير .
والقاعدة عند الفقهاء في الرّبا أنّ الجهل بالتّماثل كالعلم بالتّفاضل .
فما لم تتيقّن المماثلة ل يجوز البيع لحتمال التّفاضل .ومن أمثلته عند الفقهاء عدم جواز
بيع الطّعام بجنسه جزافا ،كقولك بعتك هذه الصّبرة من الطّعام بهذه الصّبرة مكايلة ،مع
الجهل بكيل الصّبرتين أو كيل أحدهما .وتفصيل ذلك في مصطلح ( :ربا ) .
تقويم الجوائح :
-الجائحة :من الجوح ،وهو الهلك ،واصطلحا :ما أتلف من معجوز عن دفعه عادة 7
ويقصد بالحكومة تقدير نسبة الجرح من الدّية الكاملة ،وتكون هذه النّسبة هي دية الجرح .
وتعرف هذه النّسبة عن طريقين :
الطّريق الوّل :تقويم المجنيّ عليه على تقدير كونه عبدا سليما غير مجروح .
ثمّ يقوّم على تقدير كونه عبدا مجروحا ،وينظر كم نقصت الجناية من قيمته ،فإذا قدّر
النّقص بالعشر مثل وجب على الجاني عشر دية النّفس .
ن القيمة للعبد كالدّية للحرّ.
وذلك لنّ الح ّر ل يمكن تقويمه ،فيقوّم على تقدير كونه عبدا .فإ ّ
الطّريق الثّاني :تقدير الجرح بنسبته من أقلّ جرح له أرش مقدّر وهو الموضحة ،وهي
الّتي توضح العظم أي تظهره ،ومقدارها شرعا نصف عشر الدّية الكاملة ،فيكون مقدار
دية هذا الجرح بمقدار نسبته من الموضحة ،فإن كان مقداره مثل نصف الموضحة مثلً
وجب فيه نصف دية الموضحة ،وإن كان الثّلث وجب ثلث دية الموضحة وهكذا .
ن ما ل نصّ فيه يردّ إلى المنصوص عليه .وهذا قول الكرخيّ من الحنفيّة.
وهذا بناء على أ ّ
وفي قول للشّافعيّة أنّ تقويم النّقص يكون بالنّسبة إلى العضو الّذي وقعت عليه الجناية إن
كان لها أرش مقدّر .فإن لم يكن لها أرش مقدّر تقوّم الحكومة بالنّسبة إلى دية النّفس .
-ويشترط في تقويم الحكومة شروط : 11
الشّرط الوّل :إن كانت الجناية على عضو له أرش مقدّر ،يشترط فيها أن ل تبلغ الحكومة
أرش ذلك العضو ،فإن بلغت ذلك نقص القاضي منها شيئا باجتهاده ،فحكومة جرح النملة
العليا ،أو قلع ظفرها ل تبلغ أرش النملة .
وكذلك حكومة الصبع ل تبلغ حكومتها أرش الصبع .
والجناية على الرّأس ل تبلغ حكومتها أرش الموضحة ،وعلى البطن ل تبلغ أرش الجائفة .
الشّرط الثّاني :إن كانت الجناية على عضو ليس له أرش مقدّر كالظّهر والكتف والفخذ ،
فيجوز أن تبلغ حكومتها دية عضو مقدّر كاليد والرّجل وأن تزيد عليه ،وإنّما يجب أن
تنقص عن دية النّفس .
الشّرط الثّالث :يجب أن يتمّ تقويم الحكومة بعد اندمال الجرح وبرئه ،لحتمال أن يسري
تأثير الجناية إلى النّفس فيكون سببا للوفاة .أو يسري إلى عضو له أرش مقدّر ،فيختلف
تقويم الحكومة بذلك ،فتجب إمّا دية النّفس أو أرش العضو المقدّر .
تقويم جناية البهائم :
-إذا جنت البهيمة على الزّرع مثل فأتلفته وثبت ضمانه على صاحبها .يقوّم أهل 12
الخبرة والمعرفة الزّرع على تقدير تمامه وسلمته ،وعلى تقدير تلفه وجائحته ،ويضمن
صاحب البهيمة مقدار النّقص بين الثّمنين .
وفي قول للمالكيّة :إنّه يقوّم مرّتين :مرّة على فرض تمامه ،ومرّة على فرض عدم
تمامه ،ويجعل له قيمة بين القيمتين .
فيقال :ما قيمته على فرض تمامه ؟ فإن قيل :عشرة ،قيل :وما قيمته على فرض عدم
تمامه ؟ فيقال :خمسة .فتضمّ القيمتان ويجعل على الضّامن نصفها فيلزمه سبعة ونصف .
وتفصيل أحكام جناية البهائم في مصطلح ( :جناية ،وبهيمة ،وإتلف ) .
تقييد *
التّعريف :
-التّقييد :مصدر قيّد ،ومن معانيه في اللّغة جعل القيد في الرّجل ،قال في المصباح : 1
قيّدته تقييدا جعلت القيد في رجله .ومنه تقييد اللفاظ بما يمنع الختلط ويزيل اللتباس .
وأمّا عند الصوليّين فيؤخذ من معنى المقيّد ،وهو أنّه كما جاء في التّلويح -ما أخرج عن
الشّيوع بوجه ما كرقبة مؤمنة - .فالتّقييد -على هذا -إخراج اللّفظ المطلق عن الشّيوع
بوجه ما ،كالوصف ،والظّرف ،والشّرط . .إلخ .
ن المقيّد يطلق باعتبارين :
وذكر المديّ أ ّ
الوّل :ما كان من اللفاظ الدّالّة على مدلول معيّن كزيد وعمرو وهذا الرّجل ونحوه .
الثّاني :ما كان من اللفاظ دال على وصف مدلوله المطلق بصفة زائدة عليه كقولك :دينار
ي ،ل يستلزمه
مصريّ ودرهم مكّيّ .والتّقييد في العقود :هو التزام حكم التّصرّف القول ّ
ذلك التّصرّف في حال إطلقه .والصوليّون والفقهاء يستعملونه في مقابل الطلق .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الضافة :
ضمّ والمالة والسناد والتّخصيص .
-تأتي الضافة في اللّغة بمعنى ال ّ 2
وأمّا الصوليّون والفقهاء فإنّهم يستعملونها بمعنى السناد والتّخصيص ،فإذا قيل :الحكم
مضاف إلى فلن أو من صفته كذا كان ذلك إسنادا إليه ،وإذا قيل :الحكم مضاف إلى زمان
كذا كان تخصيصا له ،ويقصد بإضافة الحكم إلى الزّمن المستقبل إرجاء الوفاء بآثار
التّصرّف إلى الزّمن المستقبل الّذي حدّده المتصرّف .
فالضافة بمعانيها المتقدّمة فيها معنى التّقييد ،لكنّه أعمّ منها ،لنّه يكون بالضافة وبغيرها.
ب -الطلق :
-الطلق مصدر أطلق ،ومن معانيه في اللّغة :التّخلية ،والحلّ والرسال ،وعدم 3
التّقييد .وأمّا عند الصوليّين والفقهاء فيعرف معناه من معنى المطلق ،وهو ما دلّ على
شائع في جنسه .ومعنى كونه شائعا في جنسه ،أنّه حصّة من الحقيقة محتملة لحصص
كثيرة من غير شمول ول تعيين .
ويأتي الطلق أيضا بمعنى استعمال اللّفظ في معناه حقيقة كان أو مجازا ،كما يأتي بمعنى
النّفاذ ،فإطلق التّصرّف نفاذه .والفرق بين الطلق والتّقييد واضح ،إذ الطلق شائع في
جنسه ،والتّقييد مخرج له عن ذلك الشّيوع بوجه ما .
ج -التّخصيص :
-التّخصيص :مصدر خصّص ،وهو في اللّغة :ضدّ التّعميم . 4
والتّخصيص في الصطلح :هو قصر العامّ على بعض أفراده بدليل مستقلّ مقترن به
ن التّقييد من حيث هو يقتضي إيجاب شيء زائد على
ومحصّل الفرق بينه وبين التّقييد ،أ ّ
ل ،بل
المطلق فيصلح ناسخا ،وأمّا التّخصيص فهو من حيث حقيقته ل يقتضي اليجاب أص ً
إنّما يقتضي الدّفع لبعض الحكم .
د -التّعليق :
-التّعليق :مصدر علّق ،ومعناه في اللّغة :جعل الشّيء مرتبطا بغيره . 5
وأمّا في الصطلح :فهو ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى ،
ويسمّى يمينا مجازا ،لنّه في الحقيقة شرط وجزاء ،ولما فيه من معنى السّببيّة كاليمين .
والتّعليق يشبه التّقييد في المعنى لما فيه من الرّبط .
هـ -الشّرط :
-الشّرط بسكون الرّاء له عدد من المعاني منها :إلزام الشّيء والتزامه . 6
وأمّا بفتح الرّاء فمعناه العلمة ،ويجمع على أشراط كسبب وأسباب .
ومعناه في الصطلح كما قال الحمويّ :التزام أمر لم يوجد في أمر وجد بصيغة مخصوصة.
وهو يشبه التّقييد لما فيه من اللتزام .
الحكم الجماليّ :
-ذكر الصوليّون والفقهاء الحكام الخاصّة بمصطلح تقييد في عدد من المواطن ،ومن 7
أشهر مسائله عند الصوليّين مسألة حمل المطلق على المقيّد ،وممّا قالوه في ذلك أنّ
المطلق والمقيّد إمّا أن يختلفا في السّبب والحكم ،وإمّا أن يتّفقا فيهما ،وإمّا أن يختلفا في
السّبب دون الحكم ،فإن كان الوّل فل حمل اتّفاقا ،كما قال المر لمن تلزمه طاعته :اشتر
لحم ضأن ،وكل لحما ،فل يحمل هذا على ذاك ،وإن كان الثّاني فيحمل المطلق على المقيّد
اتّفاقا ،كما في قوله تعالى كفّارة اليمين َ { :فمَنْ ل ْم َيجِدْ فَصِيا ُم ثَل َثةِ أيّامٍ } مع قراءة ابن
مسعود " فصيام ثلثة أيّام متتاليات " وإن كان الثّالث وهو الختلف في السّبب دون حكم
فهو محلّ الخلف .فذهب الحنفيّة وأكثر المالكيّة إلى عدم جواز حمل المطلق على المقيّد ،
وذهب الشّافعيّة إلى الجواز .ومثاله :قوله تعالى في كفّارة الظّهار { :فَ َتحْرِيرُ رَقَ َبةٍ } وفي
القتل { :فَ َتحْرِيرُ رَقَ َب ٍة مُؤمِ َنةٍ } .
-هذا والتّقييد عند الصوليّين كالتّخصيص في الجملة ،فما جاز تخصيص العامّ به يجوز 8
تقيّة *
التّعريف :
-التّقيّة اسم مصدر من التّقاء ،يقال :اتّقى الرّجل الشّيء يتّقيه ،إذا اتّخذ ساترا يحفظه 1
من ضرره ،ومنه الحديث « :اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة » .
وأصله من وقى الشّيء ،يقيه ،إذا صانه ،قال اللّه تعالى َ { :فوَقَاه الّلهُ سَيّئاتِ مَا َمكَرُوا }
أي حماه منهم فلم يضرّه مكرهم .ويقال في الفعل أيضا :تقاه يتّقيه .والتّاء هنا منقلبة عن
الواو .والتّقاة والتّقيّة والتّقوى والتّقى والتّقاء ،كلّها بمعنى واحد في استعمال أهل اللّغة .
ن التّقوى والتّقى خصّا باتّقاء العبد للّه تعالى بامتثال أمره
أمّا في اصطلح الفقهاء فإ ّ
واجتناب نهيه والخوف من ارتكاب ما ل يرضاه ،لنّ ذلك هو الّذي يقي من غضبه وعذابه.
وأمّا التّقاة والتّقيّة فقد خصّتا في الصطلح باتّقاء العباد بعضهم بعضا .
ن أَولِيَا َء مِنْ دُونِ
ن الكَافِري َ
وأصل ذلك قول اللّه تبارك وتعالى { :ل يَ ّتخِذ المؤمِنُو َ
ن الّل ِه في شَيء إل أنْ تَ ّتقُوا مِنْهمْ ُتقَاةً } .
ن َيفْ َعلْ ذلكَ َفلَيسَ مِ َ
المُؤمِنين ،ومَ ْ
وقد عرّفها السّرخسيّ بقوله :التّقيّة أن يقي النسان نفسه بما يظهره وإن كان يضمر خلفه.
وعرّفها ابن حجر بقوله :التّقيّة الحذر من إظهار ما في النّفس من معتقد وغيره للغير .
والتّعريف الوّل أشمل ،لنّه يدخل فيه التّقيّة بالفعل إضافة إلى التّقيّة بالقول والتّقيّة في
العمل كما هي في العتقاد .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -المداراة :
-المداراة ملينة النّاس ومعاشرتهم بالحسنى من غير ثلم في الدّين من أيّ جهة من 2
الجهات والغضاء عن مخالفتهم في بعض الحيان .وأصلها " المدارأة " بالهمز ،من الدّرء
وهو الدّفع ،والمداراة مشروعة ،وذلك لنّ وداد النّاس ل يستجلب إل بمساعدتهم على ما
هم عليه .والبشر قد ركّب فيهم أهواء متباينة ،وطباع مختلفة ،ويشقّ على النّفوس ترك
ما جبلت عليه ،فليس إلى صفو ودادهم سبيل إل بمعاشرتهم على ما هم عليه من المخالفة
ن التّقيّة غالبا لدفع الضّرر عند الضّرورة ،
لرأيك وهواك .والفرق بين المداراة والتّقيّة :أ ّ
وأمّا المداراة فهي لدفع الضّرر وجلب النّفع .
ب -المداهنة :
-قال ابن حبّان :متى ما تخلّق المرء بخلق يشوبه بعض ما يكرهه اللّه فتلك هي 3
المداهنة .وقوله تعالى { :وَدّوا لو تُدْهِنُ فَيُ ْدهِنُون } فسّره الفرّاء ،كما في اللّسان بقوله :
ودّوا لو تلين في دينك فيلينون .وقال أبو الهيثم :أي :ودّوا لو تصانعهم في الدّين
ي صلى ال عليه وسلم
فيصانعوك .وهذا ليس بمخالف لما تقدّم عن ابن حبّان ،فإنّ النّب ّ
كان مأمورا بالصّدع بالدّعوة وعدم المصانعة في إظهار الحقّ وعيب الصنام واللهة الّتي
اتّخذوها من دون اللّه تعالى ،فكان تليين القول في هذا الميدان مداهنة ل يرضاها اللّه تعالى
لنّ فيها ترك ما أمر اللّه به من الجهر بالدّعوة .
والفرق بين المداهنة والتّقيّة :أنّ التّقيّة ل تحلّ إل لدفع الضّرر ،أمّا المداهنة فل تحلّ أصل
،لنّها اللّين في الدّين وهو ممنوع شرعا .
ج -النّفاق :
-النّفاق هو أن يظهر اليمان ويستر الكفر ،وقد يطلق النّفاق على الرّياء ،قال صاحب 4
ضرورة ،فتباح بقدر الضّرورة .قال القرطبيّ :والتّقيّة ل تحلّ إل مع خوف القتل أو القطع
أو اليذاء العظيم ،ولم ينقل ما يخالف ذلك فيما نعلم إلّا ما روي عن معاذ بن جبل من
ن اللّه تعالى نصّ عليها
الصّحابة ،ومجاهد من التّابعين ،وإنّما ذهب الجمهور إلى ذلك ل ّ
ن َي ْفعَ ْل ذَلكَ
ن المُؤمنين ومَ ْ
ن َأوْلِيَا َء مِنْ دُو ِ
ن الكَافِرِي َ
في كتابه بقوله { :ل يَ ّتخِ ِذ ال ُم ْؤمِنو َ
ن تَ ّتقُوا مِنْهم ُتقَاةً } قال ابن عبّاس في تفسيرها :نهى اللّه
س مِن الّلهِ في شَيءٍ إل أ ْ
فَلَي َ
المؤمنين أن يلطفوا الكفّار ،أو يتّخذوهم وليجة من دون المؤمنين ،إل أن يكون الكفّار
عليهم ظاهرين ،فيظهرون لهم اللّطف ويخالفونهم في الدّين .
-ومن الدلّة على مشروعيّة التّقيّة للضّرور ة قول اللّه تعالى { :مَنْ َكفَ َر بِالّل ِه مِنْ َبعْدِ 6
ب مِن
ح بِال ُكفْرِ صَدْرَا َفعَلَيهمْ غَضَ ٌ
ن شَرَ َ
ن مَ ْ
طمَئنّ بِاليمَانِ وَلَك ْ
ن ُأكْرِهَ وَقَلْبُه ُم ْ
إ ْيمَانِه إل مَ ْ
عظِيمٌ } وسبب نزول الية « أنّ المشركين أخذوا عمّارا فلم يتركوه حتّى
ب َ
الّلهِ وَلَهمْ عَذَا ٌ
ي صلى ال عليه
ي صلى ال عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير ،فتركوه .فلمّا أتى النّب ّ
سبّ النّب ّ
وسلم قال :ما وراءك ؟ قال :ش ّر ،ما تركت حتّى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير .قال :
ن أُكْرِ َه وَقَلْبُه
كيف تجد قلبك ؟ قال :مطمئنّ باليمان .قال :إن عادوا فعد ،فنزلت { إل مَ ْ
طمَئنّ بِاليمَانِ } » .
ُم ْ
-ومن الدلّة على جواز التّقيّة للضّرورة ما أخرجه ابن أبي شيبة عن الحسن « ،أنّ 7
مسيلمة الكذّاب أخذ رجلين من أصحاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقال لحدهما :
أتشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ؟ قال :نعم .نعم .نعم .قال أتشهد أنّي رسول اللّه ؟ قال :
ن محمّدا رسول قريش -ثمّ دعا بالخر ،
نعم وكان مسيلمة يزعم أنّه رسول بني حنيفة وأ ّ
ن محمّدا رسول اللّه ؟ قال :نعم .قال :أفتشهد أنّي رسول اللّه ؟ قال :إنّي
فقال :أتشهد أ ّ
أصمّ .قالها ثلثا ،كلّ ذلك يجيبه بمثل الوّل .فضرب عنقه .فبلغ ذلك رسول اللّه صلى
ال عليه وسلم فقال :أمّا ذلك المقتول فقد مضى على صدقه ويقينه ،وأخذ بفضله ،فهنيئا
له .وأمّا الخر فقبل رخصة اللّه فل تبعة عليه » .
وقال الحسن :التّقيّة جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة .وقد نسب القرطبيّ إنكار التّقيّة إلى
ي إلى مجاهد ،قال " :كانت التّقيّة في جدّة السلم
ي والقرطب ّ
معاذ بن جبل ،ونسبه الرّاز ّ
قبل قوّة المسلمين فأمّا اليوم فقد أعزّ اللّه أهل السلم أن يتّقوا عدوّهم " .
ونقل السّرخسيّ عن قوم لم يسمّهم أنّهم كانوا يأبون التّقيّة ،ويقولون :هي من النّفاق .
التّقيّة من النبياء :
ي :إنّ هذا النّوع -يعني النّطق بكلمة الكفر تقيّة -يجوز لغير الرّسل .
-قال السّرخس ّ 8
فأمّا في حقّ المرسلين -صلوات ال وسلمه عليهم أجمعين -فما كان يجوز ذلك فيما
يرجع إلى أصل الدّعوة إلى الدّين الحقّ ،وتجويز ذلك محال -أي ممنوع شرعا -لنّه
يؤدّي إلى أن ل يقطع القول بما هو شريعة ،لحتمال أن يكون فعل ذلك أو قاله تقيّة .
وهو يشير بذلك إلى ما يبيّنه أهل الصول من أنّ حجّيّة السّنّة النّبويّة متوقّفة على كون كلّ
ي صلى ال عليه وسلم حقّا ،إذ لو تطرّق إلى أقواله أو أفعاله احتمال أنّه فعل
ما أتى به النّب ّ
أو قال أشياء من ذلك على سبيل التّقيّة وهي حرام ،لكان ذلك تلبيسا في الدّين ،ولما
حصلت الثّقة بأقوال النّبيّ صلى ال عليه وسلم وأفعاله .
وكذلك السّكوت منه صلى ال عليه وسلم على ما يراه ويسمعه من أصحابه إقرار تستفاد
منه الحكام الشّرعيّة ،فلو كان بعض سكوته يكون تقيّة للتبست الحكام على المسلمين .
ض الّلهُ له سُ ّنةَ الّل ِه في الّذِينَ
ن على النّبيّ ِمنْ حَرَجٍ فِيمَا َفرَ َ
وقد قال اللّه تعالى { :مَا كَا َ
خشَونَ
خشَونَه وَل َي ْ
ت الّلهِ وَ َي ْ
ن َأمْرُ الّلهِ قَدَرَا َمقْدُورَا الّذينَ يُ َبّلغُونَ ِرسَال ِ
خَلَوا مِنْ قَبلُ َوكَا َ
ك وَإنْ
ك مِنْ رَبّ َ
حسِيبَا } ،وقال { :يَا أَيّها ال ّرسُولُ بَلّغْ مَا أُنْ ِزلَ إلي َ
أحَدَا إل الّلهَ َو َكفَى بالّلهِ َ
ن الّلهَ ل َيهْدِي القَومَ الكَا ِفرِينَ } قال
ك مِن النّاسِ إ ّ
صمُ َ
َلمْ َت ْف َعلْ َفمَا بَّلغْتَ ِرسَالَتَه وَالّلهُ َيعْ ِ
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم كتم شيئا من أمر
القرطبيّ :دلّت الية على ر ّد قول من قال إ ّ
الدّين تقيّة ،وعلى بطلنه وهم الرّافضة .
قال شارح مسلّم الثّبوت :ما من نبيّ إل بعث بين أعدائه ،فلعلّه -أي في حال افتراض
عمله بالتّقيّة -كتم شيئا من الوحي خوفا منهم ،وكذا محمّد صلى ال عليه وسلم بعث بين
أعدائه ،ولم يكن له ولصحابه قدرة لدفعهم فيلزم على تجويز التّقيّة له احتمال كتمانه شيئا
من الوحي ،وأن ل ثقة بالقرآن .فانظر إلى شناعة هذا القول وحماقته .
على أنّ امتناع التّقيّة على النبياء ل يعني عدم عملهم بالملطفة واللّين والمداراة للنّاس كما
تقدّم ،أي من دون إخلل بفريضة أو ارتكاب لمحرّم .
حكم العمل بالتّقيّة :
-تقدّمت الدلّة على جواز العمل بالتّقيّة .وقد اختلف في حكمها . 9
فقيل :إذا وجد سببها وتحقّق شرطها فهي واجبة ،لنّ إنقاذ النّفس من الهلكة أو اليذاء
س ُكمْ } .
العظيم ونحو ذلك ل يحصل إلّا بها في تقدير المكلّف لقوله تعالى { :وَل َتقْتُلُوا أَ ْنفُ َ
والصّحيح عند العلماء أنّ الولى للنسان أن يثبت على ما هو عليه من الحقّ بظاهره ،كما
هو عليه بباطنه .وقد يكون الثّبات أفضل وأعظم أجرا ومثوبة ولو كان العذر قائما ،وثبت
هذا بالدلّة الصّحيحة في الكتاب والسّنّة ،فمن الكتاب ما في سورة البروج ،فقد حكى اللّه
تعالى قصّة الّذين صبروا على عذاب الحريق في الخدود ،واختاروا ذلك على أن يظهروا
الرّجوع عن دينهم .وثناء اللّه تعالى عليهم بذلك الثّبات يد ّل على تفضيل موقفهم على
موقف العمل بالتّقيّة في قضيّة إظهار الكفر .
ن يُتْ َركُوا أَنْ َيقُولُوا آمَنّا وَ ُهمْ ل ُيفْتَنُونَ وَ َلقَدْ فَتَنّا الّذِينَ
ب النّاسُ أ ْ
ومنها قوله تعالى َ { :أحَسِ َ
ن الّلهُ الّذينَ صَدَقُوا وَلَ َيعْ َلمَنّ الكَاذِبينَ } .
مِنْ قَبْلِهمْ فَلَ َيعْ َلمَ ّ
ي صلى ال عليه وسلم « ل تشرك باللّه شيئا
وممّا يستدلّ به على ذلك من السّنّة قول النّب ّ
وإن قُ ِتلْتَ وحُرّقْتَ » وكذلك ما تقدّم في مسألة مسيلمة ،فقد عذر النّبيّ صلى ال عليه
وسلم الصّحابيّ الّذي وافق مسيلمة وقال فيه « :ل تبعة عليه » وقال في حقّ الّذي ثبت
فقتل « :مضى على صدقه ويقينه ،وأخذ بفضله ،فهنيئا له » وهذا يد ّل على التّفضيل .
ي أيضا بقصّة « خبيب بن عديّ لمّا امتنع من موافقة قريش على الكفر حتّى
واحتجّ السّرخس ّ
ي صلى ال عليه وسلم هو أفضل الشّهداء وقال :هو رفيقي في الجنّة » .
قتلوه ،فقال النّب ّ
-وقد بوّب البخاريّ رحمه ال لهذه المسألة بابا بعنوان " باب من اختار الضّرب والقتل 10
نفسه وماله فيداريهم باللّسان ،وذلك بأن ل يظهر العداوة باللّسان ،بل يجوز أيضا أن
يظهر الكلم الموهم للمحبّة والموالة ،ولكن بشرط أن يضمر خلفه ،وأن يعرّض في كلّ
ما يقول ،فإنّ التّقيّة تأثيرها في الظّاهر ل في أحوال القلوب .
-الحكم الثّاني للتّقيّة :أنّه لو أفصح باليمان والحقّ حيث يجوز له التّقيّة كان ذلك 12
أيضا فيما يتعلّق بإظهار الدّين فأمّا ما يرجع ضرره إلى الغير كالقتل والزّنى وغصب الموال
والشّهادة بالزّور وقذف المحصنات واطّلع الكفّار على عورات المسلمين ،فذلك غير جائز
ألبتّة .
ن التّقيّة إنّما تحلّ مع الكفّار الغالبين إل أنّ مذهب
-الحكم الرّابع :ظاهر الية يدلّ على أ ّ 14
الشّافعيّ رضي ال عنه أنّ الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والمشركين
حلّت التّقيّة محاماة على النّفس .
-الحكم الخامس :التّقيّة جائزة لصون النّفس ،وهل هي جائزة لصون المال ؟ يحتمل 15
أن يحكم فيها بالجواز ،لقوله صلى ال عليه وسلم « حرمة مال المسلم كحرمة دمه »
ولقوله صلى ال عليه وسلم « من قتل دون ماله فهو شهيد » ولنّ الحاجة إلى المال شديدة
والماء إذا بيع بالغبن سقط فرض الوضوء ،وجاز القتصار على التّيمّم دفعا لذلك القدر من
نقصان المال ،فكيف ل يجوز هاهنا .
-الحكم السّادس :قال مجاهد :هذا الحكم كان ثابتا في أوّل السلم لجل ضعف 16
المؤمنين فأمّا بعد قوّة دولة السلم فل ،وروى عوف عن الحسن :أنّه قال التّقيّة جائزة
للمؤمنين إلى يوم القيامة ،وهذا القول أولى ،لنّ دفع الضّرر عن النّفس واجب بقدر
المكان .
شروط جواز التّقيّة :
-أ -يشترط لجواز التّقيّة أن يكون هناك خوف من مكروه ،على ما يذكر تفصيله بعد. 17
فإن لم يكن هناك خوف ول خطر لم يجز ارتكاب المحرّم تقيّة ،وذلك كمن يفعل المحرّم
تودّدا إلى الفسّاق أو حياء منهم .وإن قال خلف الحقيقة كان كاذبا آثما ،وكذا من أثنى
على الظّالمين أو أعانهم على ظلمهم وصدقهم بكذبهم وحسن طريقتهم لتحصيل المصلحة
منهم دون أن يكون عليه خطر منهم لو سكت ،فإنّه يكون كاذبا آثما مشاركا لهم في ظلمهم
ي صلى ال
وفسقهم .وإن كان فيما صدّقهم به عدوان على مسلم فذلك أعظم ،قال النّب ّ
عليه وسلم « من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة فهو آيس من رحمة اللّه » .
ي أنّ
-ب -قيل :يشترط لجواز التّقيّة أن تكون مع الكفّار الغالبين وسبق قول الرّاز ّ 18
مذهب الشّافعيّ رضي ال عنه أنّ الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين
والكافرين حلّت التّقيّة محاماة عن النّفس .
-ج -أن يعلم أنّه إن نطق بالكفر ونحوه تقيّة يترك بعد ذلك .وهذا الشتراط منقول 19
عن المام أحمد ،فقد سئل عن الرّجل يؤسر فيعرض على الكفر ويكره عليه ،هل له أن
يرت ّد -أي ظاهرا -فكرهه كراهة شديدة وقال :ما يشبه هذا عندي الّذين أنزلت فيهم الية
من أصحاب النّبيّ صلى ال عليه وسلم أولئك كانوا يرادون على الكلمة ثمّ يتركون يفعلون
ما شاءوا ،وهؤلء يريدونهم على القامة على الكفر وترك دينهم .
ن الّذي يكره على كلمة يقولها ثمّ يخلّى ل ضرر فيها ،وهذا المقيم
قال ابن قدامة :وذلك ل ّ
بينهم يلتزم بإجابتهم إلى الكفر المقام عليه واستحلل المحرّمات وترك الفرائض والواجبات
وفعل المحظورات والمنكرات وإن كان امرأة تزوّجوها واستولدوها أولدا كفّارا .وكذلك
ي والنسلخ من السلم .
الرّجل .وظاهر حالهم المصير إلى الكفر الحقيق ّ
وحاصله أنّه يجوز إظهار الكفر إن علم أنّه يترك بعد ذلك ،أمّا إن كان مآله اللتزام بالقامة
بين أظهر الكفّار يجرون عليه أحكام الكفر ويمنعونه من إظهار دينه فليس له أن يوافقهم
على إظهار الكفر .وحينئذ فإن قدر على الهجرة من مثل تلك الرض إلى حيث يتمكّن من
إظهار دينه والعمل به فليس له القامة المذكورة بعذر التّقيّة .
-د -ويشترط لجواز التّقيّة أن ل يكون للمكلّف مخلّص من الذى إلّا بالتّقيّة ،وهذا 20
المخلّص قد يكون الهرب من القتل أو القطع أو الضّرب ،وقد يكون التّورية عند الكراه
على الطّلق ،وعدم الدّهشة وهذا عند بعض الفقهاء ،وقد تكون الهجرة من بلد الكفر إلى
بلد السلم .فإن أمكنته الهجرة لم يكن له موالة الكفّار وترك إظهار دينه لقوله تعالى :
ض َعفِينَ في الرْضِ
ن الّذينَ َت َوفّاهُم المَل ِئ َكةُ ظَا ِلمِي أَ ْن ُفسَهم قَالوا فِيمَ كُنْ ُتمْ قَالُوا كُنّا ُمسْتَ ْ
{إّ
ك مَ ْأوَاهمْ جَهنّمُ َوسَاءتْ مَصِيرَا }
س َعةً فَ ُتهَاجِرُوا فيها فَأولئ َ
ض الّلهِ وَا ِ
ن أَرْ ُ
قَالُوا أَ َلمْ َتكُ ْ
قال اللوسيّ :اعتذروا عن تقصيرهم في إظهار السلم وعن إدخالهم الخلل فيه وعن العجز
عن القيام بواجبات الدّين بأنّهم كانوا مقهورين تحت أيدي المشركين ،وأنّهم فعلوا ذلك
كارهين .فلم تقبل الملئكة عذرهم لنّهم كانوا متمكّنين من الهجرة ،فاستحقّوا عذاب جهنّم
لتركهم الفريضة المحتومة .
ومقتضاه أنّ من كان مقهورا ل يقدر على الهجرة حقيقة لضعفه أو لصغر سنّه وسواء أكان
رجل أم امرأة بحيث يخشى التّلف لو خرج مهاجرا فذلك عذر في القامة وترك الهجرة .
ضعَفِينَ مِن ال ّرجَالِ
وقد صرّحت بهذا المعنى اليتان التّاليتان للية السّابقة وهما { إل ال ُمسْتَ ْ
عسَى الّل ُه أنْ َي ْعفُو عَنْهم
ك َ
ن حِي َلةً ول َيهْتَدونَ سَبِيلً .فَأولئ َ
وَال ّنسَاءِ وَالوِلْدَان ل َيسْ َتطِيعو َ
غفُورَا } وقال اللوسيّ أيضا " كلّ مؤمن وقع في محلّ ل يمكن له أن يظهر
ع ُفوّا َ
َوكَانَ الّل ُه َ
دينه لتعرّض المخالفين وجب عليه الهجرة إلى محلّ يقدر فيه على إظهار دينه ،ول يجوز
له أصل أن يبقى هناك ويخفي دينه ويتشبّث بعذر الستضعاف ،فإنّ أرض اللّه واسعة .
نعم إن كان ممّن له عذر شرعيّ في ترك الهجرة كالنّساء والصّبيان والعميان والمحبوسين
والّذين يخوّفهم المخالفون بالقتل أو قتل الولد أو الباء أو المّهات تخويفا يظنّ معه إيقاع
ما خوّفوا به غالبا ،سواء كان هذا القتل بضرب العنق أو حبس القوت أو بنحو ذلك ،فإنّه
يجوز له المكث مع المخالف ،والموافقة بقدر الضّرورة ويجب عليه أن يسعى في الحيلة
للخروج والفرار بدينه .وإن كان التّخويف بفوات المنفعة أو بلحوق المشقّة الّتي يمكن
تحمّلها كالحبس مع القوت ،والضّرب القليل غير المهلك فإنّه ل يجوز له موافقتهم .
-هـ -ويشترط أن يكون الذى المخوف وقوعه ممّا يشقّ احتماله . 21
والذى إمّا أن يكون بضرر في نفس النسان أو ماله أو عرضه .أو في الغير ،أو تفويت
منفعة .فالوّل كخوف القتل أو الجرح أو قطع عضو أو الحرق المؤلم أو الضّرب الشّديد أو
الحبس مع التّجويع ومنع الطّعام والشّراب .
وقال المالكيّة :أو خوف صفع ولو قليل لذي مروءة على مل من النّاس .
أمّا التّجويع اليسير والحبس اليسير والضّرب اليسير فل تحلّ به التّقيّة ول يجيز إظهار
موالة الكافرين أو ارتكاب المحرّم .ورخّص البعض في التّقيّة لجله .روى شريح أنّ عمر
بن الخطّاب رضي ال عنه قال :ليس الرّجل بأمين على نفسه إذا سجن أو أوثق أو عذّب .
وفي لفظ :أربع كلّهنّ كره :السّجن والضّرب والوعيد والقيد .وقال ابن مسعود :ما كلم
يدرأ عنّي سوطين إل كنت متكلّما به .
وأمّا العرض فكأن يخشى على حُ َر ِم ِه من العتداء .وأمّا الخوف على المال فقد قال الرّازيّ
:فيما سبق بيانه :التّقيّة جائزة لصون النّفس وهل هي جائزة لصون المال ؟ يحتمل أن
يحكم فيها بالجواز لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « حرمة مال المسلم كحرمة دمه » .
وقوله « من قتل دون ماله فهو شهيد » ولنّ الحاجة إلى المال شديدة ،والماء إذا بيع
بغبن فاحش سقط فرض الوضوء وجاز القتصار على التّيمّم دفعا لذلك القدر من نقصان
المال ،فكيف ل يجوز هاهنا ؟ وقال مالك إنّ التّخويف بأخذ المال إكراه ولو قليل وفي
مذهبه غير ذلك .قال القاضي أبو يعلى :الكراه يختلف .واستحسن هذا القول ابن عقيل .
أي يختلف باختلف الشخاص واختلف المر المكره عليه والمر المخوف فربّ أمر يرهب
ب شخص ذي وجاهة يضع الحبس
منه شخص ضعيف ول يرهبه شخص قويّ شجاع .ور ّ
ب تهديد أو ضرب
ولو يوما من قدره وجاهه فوق ما يضع الحبس شهرا من قدر غيره ور ّ
يسير يستباح به الكذب اليسير ويلغى بسببه القرار بالمال اليسير ،ول يستباح به القرار
بالكفر أو المال العظيم .وينظر في ذلك أيضا مصطلح ( إكراه ) .
وأمّا خوف فوت المنفعة فقد قال فيه اللوسيّ في مختصر التّحفة إنّه ل يجيز التّقيّة .
وذلك كمن يخشى إن لم يظهر المحرّم أن يفوته تحصيل منصب أو مال يرجو حصوله وليس
به إليه ضرورة .وهذا هو الصّواب ويدلّ عليه من القرآن قول اللّه تعالى { وَإذْ َأخَذَ الّلهُ
ظهُورِهمْ وَاشْتَرَوا بِه َثمَنَا
س وَل َتكْ ُتمُونَه فَنَبَذُوه وَرَا َء ُ
ق الّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيّنُنّه لِلنا ِ
مِيَثا َ
ن } ذمّهم على الكتمان في مقابلة مصالح عاجلة .أي من مال أو جاه.
س مَا َيشْتَرُو َ
قَلِيلً فَبئ َ
لنّ قول الكذب والغيبة والنّميمة ونحوها وقول النسان بلسانه خلف ما في قلبه كلّ ذلك
محرّم والكاذب مثل ل يكذب إل لمصلحة يرجوها من وراء كذبه ،ولو سئل لقال إنّما كذبت
لغرض كذا وكذا أريد تحصيله ،فلو جاز الكذب لتحصيل المنفعة لعاد كلّ كذب مباحا ويكون
هذا قلبا لحكام الشّريعة وإخراجا لها عن وضعها الّذي وضعت عليه .
أنواع التّقيّة :
-التّقيّة إمّا أن تكون بسبب إكراه بتهديد المسلم بما يضرّه من تعذيب أو نحوه ممّا تقدّم 22
بيانه ،إن لم يفعل ما طلب منه ،وإمّا أن ل تكون بسبب إكراه .
ن ما أنشأه من التّصرّفات تبعا لذلك ل
فأمّا ما كان منها بسبب إكراه ،وقد تمّت شروطه ،فإ ّ
يلزمه ،وإن أكره على القتل لم يحلّ له ،وإن أكره على الزّنى لم يح ّل له ،فإن فعل فل حدّ
عليه للشّبهة ،وإن أكره على النّطق بكلمة الكفر جاز له ذلك .ول يعتبر مرتدّا .
وهذا إجمال ينظر تفصيله في مصطلح ( إكراه ) .أمّا التّقيّة بغير سبب الكراه ،بل لمجرّد
خوف المسلم من أن يحلّ به الذى من قتل أو قطع أو ضرب أو سجن أو غيره من صنوف
الذى والضّرر فهذا النّوع ل يحلّ به ما يح ّل بالكراه .والتّفصيل في إكراه .
ما تحلّ فيه التّقيّة :
ن التّقيّة خاصّة
-اختلف الفقهاء فيما تحلّ فيه التّقيّة وما ل تحلّ ،فذهب بعضهم إلى أ ّ 23
بالقول ،ول تتعدّى إلى الفعل ،وعليه فل يرخّص بحال بالسّجود لصنم أو بأكل لحم الخنزير
ي وسحنون .
أو بزنى .وهذا مرويّ عن الوزاع ّ
ن الكراه في القول والفعل سواء .وهذا هو المعتمد على تفصيل
وذهب الكثرون إلى أ ّ
وخلف يعرف ممّا في بحث ( إكراه ) ومن التّفصيل التّالي :
إظهار الكفر وموالة الكفّار :
تقدّم بيان جوازه عند خوف القتل واليذاء العظيم ،وأنّ الصّبر على الذى فيه أفضل من
ارتكابه تقيّة .وقد تكون التّقيّة بإظهار الموالة ولو لم يكره على النّطق بالكفر لكن يخاف
ي :بأن ل يظهر لهم العداوة باللّسان ،
على نفسه أو ماله إن أظهر لهم العداء ،قال الرّاز ّ
ويجوز أن يظهر الكلم الموهم للمحبّة والموالة ،ولكن بشرط أن يضمر خلفه وأن يعرّض
ن التّقيّة تأثيرها في الظّاهر ل في أحوال القلوب .
في كلّ ما يقول ،فإ ّ
ولو أكره على كفر فعليّ كالسّجود لصنم أو إهانة مصحف فالظّاهر أنّه يرخّص له في فعله
ن بِاليمَانِ } قال :الكفر يكون
طمَئِ ّ
تقيّة ،قال ابن حجر في قوله تعالى { إل َمنْ ُأكْرِهَ َوقَلْبُه ُم ْ
بالقول والفعل من غير اعتقاد وقد يكون باعتقاد ،فاستثنى الوّل وهو المكره .
أكل لحم الميتة ونحوه :
-يباح للمكره شرب الخمر وأكل لحم الميتة أو لحم الخنزير وذلك على سبيل التّقيّة إذا 24
وجدت شروطها لنّ حرمة هذه الشياء ثابتة بالشّرع ،وهي مفسدة في حال الختيار ،فإنّ
اللّه تعالى استثنى حال الضّرورة من التّحريم بقوله عزّ وجلّ { إل مَا اضْطررتُم إليه } فظهر
أنّ التّحريم مخصوص بحالة الختيار ،وقد تحقّقت الضّرورة هنا لخوف التّلف على نفسه
بسبب الكراه . .فإن لم يفعل حتّى قتل يكون آثما .وعن أبي يوسف ل يكون آثما .
التّقيّة في بعض أفعال الصّلة :
-إن خاف المصلّي على نفسه عدوّا يراه إذا قام ول يراه إذا قعد جازت صلته قاعدا 25
الكفاية ،وإذا خاف المسلم ضررا يلحقه من ذلك جاز له أن ينتقل من المر والنكار باليد
إلى المر والنكار باللّسان ،فإن خاف من ذلك أيضا جاز له أن ينتقل إلى السّكوت عن
المنكر مع النكار بقلبه ،وذلك أضعف اليمان ،كما في الحديث الوارد ،وذلك نوع من
ن المر بالمعروف والنّهي عن المنكر حيث يشرع التّغيير باليد ث ّم النكار
التّقيّة .على أ ّ
باللّسان ،مع خوف الضّرر ،أعظم درجة من السّكوت ،إذ أنّ ذلك نوع من الجهاد .وقد
ي أَ ِقمِ الصّل َة َوأْمُ ْر بِال َمعْرُوفِ
قال اللّه تعالى في حكاية قول لقمان لبنه وهو يعظه { يَا بُنَ ّ
ع ْزمِ الُمورِ } وفي الحديث « :أفضل
ن َ
ك إنّ ذَلكَ مِ ْ
ن المُ ْنكَرِ وَاصْبِرْ على مَا أَصَابَ َ
وَا ْنهَ ع ِ
الشّهداء حمزة بن عبد المطّلب ث ّم رجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتل » .
ن َتعَيّنَ عليه ،بأن نكل عن البيان من سواه ،حتّى عمّ
-وتعظم درجة المر والنّاهي إ ْ 28
المنكر وظهر ،وخاصّة فيما يتعلّق بالتّلبيس في الدّين وطمس ،معالمه ،فلو أخذ جميع
العلماء بالتّقيّة ،ولم يقم أحد منهم بواجب البيان لظهرت البدعة وعمّت ،وتبدّلت الشّريعة
في أعين النّاس .وقد أخذ العلماء في عهد المأمون والمعتصم وامتحنوا ليقولوا بخلق
القرآن وكان ذلك بمشورة من بعض المعتزلة .فلمّا هدّد العلماء وأوذوا قالوا بذلك فتركوا ،
ولم يثبت منهم في المحنة إل أربعة أو خمسة مات بعضهم في السّجن .
ونقل عن أحمد أيّام محنته في خلق القرآن أنّه سئل :إن عرضت على السّيف تجيب ؟ قال :
ل ،وقال :إذا أجاب العالم تقيّة ،والجاهل يجهل ،فمتى يتبيّن الحقّ ؟ .
وكان أبو يعقوب البويطيّ صاحب المام الشّافعيّ ممّن امتحن فصبر كذلك ولم يجب إلى ما
طلبوه منه في فتنة القول بخلق القرآن ،لمّا وشي به .وقد قال له أمير مصر الّذي كلّف
بمحنته :قل فيما بيني وبينك .قال :إنّه يقتدي بي مائة ألف ول يدرون ما المعنى .وقد
أمر بحمله من مصر إلى بغداد في الحديد ،ومات في السّجن ببغداد في القيد والغلّ رحمه
ال .وكان لثبات أحمد والبويطيّ ومن معهما أثره في تراجع الخلفة عن ذلك المنهج ،
وانكسرت بسبب ذلك شوكة المعتزلة .
-وليس للعالم أن ينطق بغير الحقّ وهو يعلم ،ول رخصة له في ذلك على سبيل التّقيّة 29
مطلقا ،إن كان السّكوت كافيا لنجاته ،لعدم تحقّق شرط جواز التّقيّة حينئذ .
وفي ذلك من المحذور أيضا الخوف من أن يخفى الحقّ على الجاهلين أو يضعف إيمانهم
ويحجموا عن نصر حقّهم اقتداء بمن أجاب تقيّة فيظنّوا جوابه هو الجواب ،وهم غافلون
عن مراده وأنّه قصد التّقيّة .
ما ينبغي للخذ بالتّقيّة أن يراعيه :
ينبغي لمن يأخذ بالتّقيّة أن يلحظ أمورا :
-منها :أنّه إن كان له َمخْلَص غير ارتكاب الحرام ،فيجب أن يلجأ إليه ،ومن ذلك أن 30
يورّي ،كمن أكره على شتم النّبيّ صلى ال عليه وسلم وكرّم وشرّف ،فينوي محمّدا آخر
فإن خطرت بباله التّورية وتركها لم تكن التّقيّة عذرا له ،ويعتبر كافرا .
-ومنها :أن يلحظ عدم النسياق مع الرّخصة حتّى يخرج من ح ّد التّقيّة إلى حدّ 31
النحلل بارتكاب المحرّم بعد انقضاء الضّرورة ،وأصل ذلك ما قال اللّه تعالى في شأن
غفُورٌ رَحيمٌ } فسّر الباغي بمن أكل الحرام
ن اضْطرّ غَيرَ بَاغٍ ول عَادٍ فَإنّ رَبّكَ َ
المضطرّ { َفمَ ْ
وهو يجد الحلل ،وفسّر العادي بمن أكل من الحرام فوق ما تقتضيه الضّرورة .
وقد نبّه اللّه تعالى في شأن التّقيّة على ذلك حيث قال { ل يَ ّتخِذِ المُؤمِنُونَ الكَا ِفرِينَ أَولِياءَ
ن تَ ّتقُوا مِ ْن ُهمْ ُتقَا ًة وَ ُيحَذّ ُركُمْ
ن الّلهِ في شَي ٍء إل أَ ْ
س مِ َ
ن َي ْف َعلْ ذَلِكَ فَلَي َ
مِنْ دُونِ المُؤمنينَ ومَ ْ
الّلهُ َن ْفسَه } فحذّر تعالى من نفسه لئل يغت ّر المتّقي ويتمادى .
خفُوا مَا في صُدُو ِر ُكمْ أو تُبْدُوه َيعْ َلمُه الّلهُ } .
ن ُت ْ
ثمّ قال في الية التّالية { ُقلْ إ ْ
فنبّه على علمه بما يضمره مرتكب الحرام بموالة الكفّار أنّه هل يفعله تقيّة أو موافقة .
قال الرّازيّ :إنّه تعالى لمّا نهى عن اتّخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين ظاهرا وباطنا،
واستثنى التّقيّة في الظّاهر ،أتبع ذلك بالوعيد على أن يصير الباطن موافقا للظّاهر في وقت
التّقيّة ،وذلك لنّ من أقدم عند التّقيّة على إظهار الموالة ،فقد يصير إقدامه على ذلك الفعل
بحسب الظّاهر سببا لحصول تلك الموالة في الباطن وهذا الوقوع في الحرام وعدم المبالة
به ،الّذي أوّله التّرخّص على سبيل التّقيّة ،وآخره الرّضا بالكفر وانشراح الصّدر به ،هو
الفتنة الّتي أشارت إليها بقيّة اليات من سورة النّحل الّتي تلت آية الكراه .قال تعالى { ُثمّ
ن َبعْدِها َلغَفُورٌ َرحِيمٌ }
ك مِ ْ
إنّ رَبّكَ لِلّذينَ هَاجَرُوا ِمنْ َبعْدِ مَا فُتِنُوا ُث ّم جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إنّ رَبّ َ
ج َعلَ فِتْ َن َة النّاسِ
ن النّاسِ َمنْ َيقُولُ آمَنّا بِالّلهِ فَإذا أُو ِذيَ في الّلهِ َ
وفي سورة العنكبوت { َومِ َ
ي " معناه إذا آذاه المشركون في إقراره باللّه جعل فتنة النّاس إيّاه
كَعَذَابِ الّلهِ } قال الطّبر ّ
كعذاب اللّه في الخرة فارت ّد عن إيمانه باللّه راجعا إلى الكفر به " .
ن هذه الية نزلت في قوم من أهل اليمان كانوا بمكّة ،فخرجوا منها
قال " :وذكر أ ّ
مهاجرين فأدركوا وأخذوا فأعطوا المشركين لما نالهم أذاهم ما أرادوه منهم " .
ي منهم عيّاش بن أبي ربيعة أخا أبي جهل لمّه ،وأبا جندل بن سهيل بن
وذكر غير الطّبر ّ
ك لِلّذِينَ
عمرو والوليد بن المغيرة وغيرهم ثمّ إنّهم هاجروا فنزل قوله تعالى { ُثمّ إنّ رَبّ َ
ن َبعْدِها َلغَفُورٌ َرحِيمٌ } .
ك مِ ْ
هَاجَرُوا ِمنْ َبعْدِ مَا فُتِنُوا ُث ّم جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إنّ رَبّ َ
-ومنها أن يلحظ النّيّة ،فينوي أنّه إنّما يفعل الحرام للضّرورة ،وهو يعلم أنّه حرام إل 32
أنّه يأخذ برخصة اللّه ،فإن فعله وهو يرى أنّه سهل ول بأس به فإنّه يقع في الثم .وهذا
ب مِنَ
شرَحَ بِالكُفْ ِر صَدْرَا َفعَلَيهمْ غَضَ ٌ
ن مَنْ َ
ما يشير إليه آخر الية وهو قوله تعالى { وَلَك ْ
الّلهِ } وفي الحديث « دخل رجل الجنّة في ذباب ودخل النّار رجل في ذباب ،قالوا :وكيف
ذلك ؟ قال مرّ رجلن على قوم لهم صنم ل يجوزه أحد حتّى يقرّب له شيئا ،فقالوا لحدهما
:قرّب قال :ليس عندي شيء فقالوا له قرّب ولو ذبابا ،فقرّب ذبابا فخلّوا سبيله قال :
فدخل النّار ،وقالوا للخر قرّب ولو ذبابا قال ما كنت لقرّب لحد شيئا دون اللّه عزّ وجلّ
قال :فضربوا عنقه قال فدخل الجنّة » .
قال في تيسير العزيز الحميد :وفيه :أنّه دخل النّار بسبب لم يقصده بل فعله تخلّصا من
شرّهم .وفيه :معرفة قدر الشّرك في قلوب المؤمنين كيف صبر على القتل ولم يوافقهم
على طلبتهم مع كونهم لم يطلبوا إل العمل الظّاهر .
تكافؤ *
التّعريف :
-التّكافؤ لغة :الستواء ،وكلّ شيء ساوى شيئا حتّى يكون مثله فهو مكافئ له ، 1
والمكافأة بين النّاس من هذا ،والمسلمون تتكافأ دماؤهم أي تتساوى في الدّية والقصاص ،
قال أبو عبيد :فليس لشريف على وضيع فضل في ذلك .
والكفء :النّظير والمساوي ،ومنه :الكفاءة في النّكاح أي أن يكون الزّوج مساويا للمرأة
في حسبها ودينها ونسبها وبيتها وغير ذلك .
وال َكفَاء مصدر كافأه أي قابله وصار نظيرا له ،وقولهم :الحمد للّه حمدا يوافي نعمه
ويكافئ مزيده ،أي يلقي نعمه ويساوي مزيد نعمه ،وهو أجلّ التّحاميد .
ي مع الطلقات المختلفة :
وسيأتي التّعريف الصطلح ّ
حكم الكفاءة :
-بحث الفقهاء التّكافؤ -أو الكفاءة حسب عبارتهم في النّكاح -في مواطن منها : 2
النّكاح ،والقصاص ،والمبارزة في القتال ،والمسابقة على خيل ونحوها ،وفيما يلي حكم
التّكافؤ في كلّ منها :
الكفاءة في النّكاح :
-هي لغة :التّساوي والتّعادل . 3
أمام أصحابه ودعوة أحد الخصوم للقتال ،فيبرز له من دعي إن كان قد سمّى أحدا أو يبرز
إليه أحد أكفائه إن لم يكن سمّى أحدا ،ويدور بينهما قتال حتّى يصرع أحدهما صاحبه .
والتّكافؤ للمبارزة :أن يعلم الشّخص الّذي يخرج لها من نفسه القوّة والشّجاعة ،وأنّه لن
يعجز عن مقاومة عدوّه .
وقد بيّن الفقهاء في باب " الجهاد " حكم المبارزة ،وأنّها تكون جائزة -خلفا للحسن -
بإطلق أو بإذن المام ،وتكون مستحبّة لمن يعلم من نفسه القوّة والشّجاعة ،لنّ في
خروجه للمبارزة نصرا للمسلمين ودرءا عنهم وإظهارا لقوّتهم ،وتكون مكروهة للضّعيف
الّذي ل يثق من قوّته وشجاعته ،لما في ذلك من كسر قلوب المسلمين وإضعاف عزمهم
لنّه يقتل غالبا .فالتّكافؤ هو مناط الحكم بالجواز أو الستحباب أو الكراهة في المبارزة ،
ي ذلك في قوله :وإذا جازت المبارزة بما استشهدنا . .كان لتمكين
وقد بيّن الماورد ّ
المبارزة شرطان :
أحدهما :أن يكون ذا نجدة وشجاعة يعلم من نفسه أنّه لن يعجز عن مقاومة عدوّه ،فإن
كان بخلفه منع .
والثّاني :أن ل يكون زعيما للجيش يؤثّر فقده فيهم .
ي صلى ال عليه وسلم التّكافؤ في المبارزة يوم بدر حين نادى عتبة بن ربيعة
وقد « أقرّ النّب ّ
،يا محمّد أخرج إلينا من قومنا أكفاءنا . .فقد خرج عتبة بين أخيه شيبة وابنه الوليد ،
ف دعا إلى المبارزة ،فخرج إليه فتية من النصار ثلثة ،وهم :
حتّى إذا فصل من الصّ ّ
عوف ومعوّذ ابنا الحارث ورجل آخر يقال هو عبد اللّه بن رواحة ،فقالوا :من أنتم ؟
فقالوا :رهط من النصار ،قالوا :ما لنا بكم من حاجة ،ثمّ نادى مناديهم :يا محمّد أخرج
إلينا أكفاءنا من قومنا ،فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :قم يا عبيدة بن الحارث ،
وقم يا حمزة ،وقم يا عليّ ،فلمّا قاموا ودنوا منهم قالوا :من أنتم ؟ قال عبيدة :عبيدة ،
وقال حمزة :حمزة ،وقال عليّ :عليّ قالوا :نعم أكفاء كرام ،فبارز عبيدة وكان أسنّ
ي الوليد ،فأمّا حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله ،
القوم عتبة ،وبارز حمزة شيبة ،وبارز عل ّ
ي فلم يمهل الوليد أن قتله ،واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين كلهما أثبت
وأمّا عل ّ
صاحبه ،وكرّ حمزة وعليّ بأسيافهما على عتبة فذفّفا عليه ،واحتمل صاحبهما فحازاه إلى
أصحابه » .
التّكافؤ بين الخيل في السّبق :
-السّبق -بالسّكون -في اللّغة :المسابقة ،والسّبق -بفتح الباء -ما يجعل من المال 6
تكبير *
التّعريف :
-التّكبير في اللّغة :التّعظيم ،كما في قوله تعالى { :وَرَبّكَ َفكَبّرْ } أي فعظّم ،وأن يقال 1
" :اللّه أكبر " روي « أنّه لمّا نزل { وَرَبّكَ َفكَبّرْ } قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم اللّه
أكبر فكبّرت خديجة وفرحت وأيقنت أنّه الوحي » .
ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
التّسبيح والتّهليل والتّحميد :
-الصّلة بين التّكبير وهذه اللفاظ أنّها كلّها مدائح يمدح بها الله ويعظّم . 2
فمن سبّح اللّه فقد عظّمه ونزّهه عمّا ل يليق به من صفات النّقص وسمات الحدوث ،فصار
واصفا له بالعظمة والقدم .وكذا إذا هلّل ،لنّه إذا وصفه بالتّفرّد واللوهيّة فقد وصفه
بالعظمة والقدم ،لستحالة ثبوت اللهيّة دونهما .
كما أنّ التّحميد يراد به كثرة الثّناء على اللّه تعالى ،لنّه هو مستحقّ الحمد على الحقيقة .
أحكام التّكبير :
أوّلً :
التّكبير في الصّلة تكبيرة الحرام :
-تكبيرة الحرام فرض من فروض الصّلة . 3
وهي قول المصلّي لفتتاح الصّلة ( اللّه أكبر ) أو كلّ ذكر يصير به شارعا في الصّلة .
وتنظر أحكامها في مصطلح ( تكبيرة الحرام ) .
أ -تكبيرات النتقالت :
-4يرى جمهور الفقهاء أنّ تكبيرات النتقالت سنّة .
قال ابن المنذر :بهذا قال أبو بكر الصّدّيق وعمر وجابر وقيس بن عبادة والشّعبيّ
ي وسعيد بن عبد العزيز وأبو حنيفة ومالك والشّافعيّ ،ونقله ابن بطّال أيضا عن
والوزاع ّ
ي وابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة وابن الزّبير ومكحول والنّخعيّ وأبي ثور.
عثمان وعل ّ
ي صلى ال عليه وسلم علّمه صلته ،
ودليل الجمهور حديث المسيء صلته ،فإنّ النّب ّ
فعلّمه واجباتها ،فذكر منها تكبيرة الحرام ،ولم يذكر تكبيرات النتقالت وهذا موضع
البيان ووقته ول يجوز التّأخير عنه .
أمّا الحاديث الّتي تثبت التّكبير في كلّ خفض ورفع فمحمولة على الستحباب ،منها ما رواه
مسلم من حديث أبي هريرة رضي ال عنه يقول « :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
إذا قام إلى الصّلة يكبّر حين يقوم ،ثمّ يكبّر حين يركع ،ثمّ يقول سمع اللّه لمن حمده حين
يرفع صلبه من الرّكوع ،ثمّ يقول وهو قائم ربّنا لك الحمد ،ثمّ يكبّر حين يهوي ساجدا ،ثمّ
يكبّر حين يرفع رأسه ،ثمّ يكبّر حين يسجد ،ثمّ يكبّر حين يرفع رأسه ،ثمّ يفعل ذلك في
الصّلة كلّها حتّى يقضيها ،ويكبّر حين يقوم من المثنى بعد الجلوس » .والحديث فيه إثبات
التّكبير في كلّ خفض ورفع إل في رفعه من الرّكوع ،فإنّه يقول :سمع اللّه لمن حمده .
وعن ابن مسعود رضي ال عنه قال « :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يكبّر في كلّ
خفض ورفع وقيام وقعود ،وأبو بكر وعمر رضي ال عنهما » .
ن تكبير الخفض والرّفع واجب ،وهو قول إسحاق
ويرى أحمد بن حنبل في المشهور عنه أ ّ
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أمر به وأمره للوجوب ،وفعله .وقال :
بن راهويه وداود ،ل ّ
« صلّوا كما رأيتموني أصلّي » .
وقد روى أبو داود عن عليّ بن يحيى بن خلّاد عن عمّه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه
قال « :ل تتمّ صلة لحد من النّاس حتّى يتوضّأ -إلى قوله -ثمّ يكبّر ،ثمّ يركع حتّى
تطمئنّ مفاصله ،ث ّم يقول سمع اللّه لمن حمده حتّى يستوي قائما ،ثمّ يقول اللّه أكبر ،ثمّ
ن ساجدا ،ث ّم يقول :اللّه أكبر ويرفع رأسه حتّى يستوي قاعدا ،ثمّ يقول
يسجد حتّى يطمئ ّ
اللّه أكبر ث ّم يسجد حتّى تطمئنّ مفاصله ،ثمّ يرفع رأسه فيكبّر ،فإذا فعل ذلك فقد تمّت
صلته » .وهذا نصّ في وجوب التّكبير .
ولنّ مواضع هذه الذكار أركان الصّلة فكان فيها ذكر واجب كالقيام .
وقال أبو عمر :قد قال قوم من أهل العلم إنّ التّكبير إنّما هو إيذان بحركات المام وشعار
الصّلة وليس بسنّة إل في الجماعة .فأمّا من صلّى وحده فل بأس أن يكبّر .
حكمة مشروعيّة تكبيرات النتقالت :
-الحكمة في مشروعيّة التّكبير في الخفض والرّفع هي أنّ المكلّف أمر بالنّيّة أوّل الصّلة 5
مقرونة بالتّكبير ،وكان من حقّه أن يستصحب النّيّة إلى آخر الصّلة ،فأمر أن يجدّد العهد
في أثنائها بالتّكبير الّذي هو شعار النّيّة .
مدّ تكبيرات النتقالت وحذفها :
-يرى الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة على الجديد وهو الصّحيح -وهو ما يؤخذ من 6
عبارات فقهاء الحنابلة -استحباب التّكبير في كلّ ركن عند الشّروع ،ومدّه إلى الرّكن
المنتقل إليه حتّى ل يخلو جزء من صلة المصلّي عن ذكر ،فيبدأ بالتّكبير حين يشرع في
النتقال إلى الرّكوع ،ويمدّه حتّى يصل حدّ الرّاكعين ،ثمّ يشرع في تسبيح الرّكوع ،ويبدأ
بالتّكبير حين يشرع في الهويّ إلى السّجود ويمدّه حتّى يضع جبهته على الرض ،ثمّ يشرع
في تسبيح السّجود ،وهكذا يشرع في التّكبير للقيام من التّشهّد الوّل حين يشرع في النتقال
ويمدّه حتّى ينتصب قائما .
ويستثني المالكيّة من ذلك تكبير المصلّي في قيامه من اثنتين ،حيث يقولون إنّه ل يكبّر
للقيام من الرّكعتين حتّى يستوي قائما لنّه كمفتتح صلة .وروي ذلك عن عمر بن عبد
العزيز .وقال الشّافعيّة -على القديم المقابل للصّحيح -بحذف التّكبير وعدم مدّه .
وتنظر الحكام المتعلّقة بترك تكبيرات النتقالت في ( سجود السّهو ) .
ب -التّكبيرات الزّوائد في صلة العيدين :
ت تكبيرات في الولى وخمس في
-قال المالكيّة والحنابلة :إنّ صلة العيدين فيها س ّ 7
الثّانية .وروي ذلك عن فقهاء المدينة السّبعة وعمر بن عبد العزيز والزّهريّ والمزنيّ .
واستدلّوا بما روي عن ابن عمر أنّه قال :شهدت الضحى والفطر مع أبي هريرة فكبّر في
الولى سبع تكبيرات قبل القراءة ،وفي الخرة خمسا قبل القراءة .
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم كبّر في العيدين في
وبما روي عن عمرو بن عوف المزنيّ « أ ّ
الولى سبعا قبل القراءة وفي الثّانية خمسا قبل القراءة » .
ويبدو أنّهم يعدّون تكبيرة الحرام في السّبع في الرّكعة الولى ،كما يعدّون تكبيرة النّهوض
ن العمل بالمدينة كان على هذا .
زائدا على الخمس المرويّة في الرّكعة الثّانية بحجّة أ ّ
ن صلة العيدين فيها ستّ تكبيرات زوائد ثلث في الولى
ويرى الحنفيّة وأحمد في رواية أ ّ
ي وحذيفة بن اليمان وعقبة
وثلث في الثّانية .وبهذا قال ابن مسعود وأبو موسى الشعر ّ
ي والحسن البصريّ ومحمّد بن سيرين والثّوريّ
بن عامر وابن الزّبير وأبو مسعود البدر ّ
وعلماء الكوفة وهو رواية عن ابن عبّاس .
فقد روى ابن أبي شيبة في مصنّفه عن مسروق قال :كان عبد اللّه بن مسعود يعلّمنا
التّكبير في العيدين تسع تكبيرات ،خمس في الولى وأربع في الخرة ،ويوالي بين
القراءتين ،في الولى تكبيرة الفتتاح والتّكبيرات الزّوائد وتكبيرة الرّكوع ،والربعة في
الرّكعة الخيرة ،التّكبيرات الثّلث الزّوائد وتكبيرة الرّكوع .
وقال الشّافعيّة :إنّ التّكبيرات الزّوائد سبع في الولى وخمس في الثّانية واحتجّوا بحديث
عائشة رضي ال عنها قالت « :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يكبّر في العيدين
اثنتي عشرة تكبيرة سوى تكبيرة الفتتاح » .وبما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه
« أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان يكبّر في الفطر في الولى سبعا ،وفي الثّانية
خمسا سوى تكبيرة الصّلة » .
وقد ذكر العينيّ تسعة عشر قول في عدد التّكبيرات الزّوائد ،وقال :الختلف محمول على
ن القياس لمّا لم
أنّ كلّ ذلك فعله رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في الحوال المختلفة ،ل ّ
ن ك ّل واحد من الصّحابة رضي ال عنهم روى قوله عن رسول اللّه صلى
يدلّ حمل على أ ّ
ال عليه وسلم وكلّ واحد من التّابعين روى قوله عن صحابيّ .
هذا وأمّا الحكام المتعلّقة بمحلّ التّكبيرات الزّوائد والذّكر بينها ،ورفع اليدين فيها ،
ونسيانها ،فتنظر في ( صلة العيدين ) .
ج -التّكبير في أوّل خطبتي العيدين :
ب أن يكبّر المام في أوّل الخطبة الولى لصلة أحد العيدين تسع تكبيرات ،وفي
-يستح ّ 8
أوّل الثّانية سبعا ،وهذه التّكبيرات ليست من الخطبة ،وهذا عند جمهور الفقهاء .
وقال مالك :السّنّة أن يفتتح خطبته الولى والثّانية بالتّكبير ،وليس في ذلك حدّ .
وللتّفصيل ( ر :خطبة ) .
د -التّكبير في صلة الستسقاء :
-ذهب جمهور القائلين بصلة الستسقاء ومنهم مالك والثّوريّ والوزاعيّ وإسحاق 9
وأحمد في المشهور عنه ،وأبو ثور وأبو يوسف ومحمّد وغيرهما من أصحاب أبي حنيفة
إلى أنّه يكبّر في صلة الستسقاء كسائر الصّلوات تكبيرة واحدة للفتتاح ،لما روي عن
ي صلى ال عليه وسلم فصلّى ركعتين وقلب رداءه » ،
عبد اللّه بن زيد « :استسقى النّب ّ
وروى أبو هريرة نحوه ولم يذكر التّكبير ،فتنصرف إلى الصّلة المطلقة .
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
كما روى الطّبرانيّ بإسناده عن أنس بن مالك « أ ّ
استسقى فخطب قبل الصّلة ،واستقبل القبلة ،وحوّل رداءه ،ثمّ نزل فصلّى ركعتين لم يكبّر
فيهما إل تكبيرة » .
وقال الشّافعيّة والحنابلة في صفة صلة الستسقاء :إنّه يكبّر فيها كتكبير العيد ،سبعا في
الولى ،وخمسا في الثّانية ،وهو قول سعيد بن المسيّب وعمر بن عبد العزيز ومكحول
ي ،وحكي عن ابن عبّاس .
ومحمّد بن جرير الطّبر ّ
واستدلّوا بما روي أنّ مروان أرسل إلى ابن عبّاس يسأله عن سنّة الستسقاء ،فقال «:
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قلب رداءه ،
سنّة الستسقاء الصّلة في العيدين ،إل أ ّ
فجعل يمينه يساره ويساره يمينه ،وصلّى ركعتين ،كبّر في الولى سبع تكبيرات ،وقرأ {
ث الغَاشِيةِ } وكبّر خمس تكبيرات ».
ك العْلَى } وقرأ في الثّانية { هلْ أَتَاكَ حَدِي ُ
سمَ رَبّ َ
سَ ّبحْ ا ْ
). 312/ ،ج ، 3/ص 16/ وتفصيل صفة صلة الستسقاء ينظر في استسقاء ( ف
هـ -تكبيرات الجنازة :
ن تكبيرات الجنازة أركان ل تصحّ صلة الجنازة إل بها .أمّا
-ل خلف بين الفقهاء في أ ّ 10
عدد تكبيرات الجنازة ،فقد قال جماهير العلماء منهم أئمّة المذاهب الربعة ومحمّد بن
ي وسويد بن غفلة والثّوريّ :إنّ
الحنفيّة وعطاء بن أبي رباح ومحمّد بن سيرين والنّخع ّ
ح عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم « أنّ آخر صلة صلّاها
تكبيرات الجنازة أربع .فقد ص ّ
على النّجاشيّ كبّر أربعا وثبت عليها حتّى توفّي » .
وصحّ أنّ أبا بكر صلّى على النّبيّ صلى ال عليه وسلم فكبّر أربعا ،وصلّى صهيب على
ي فكبّر أربعا ،وصلّى عثمان على خبّاب فكبّر أربعا .
عمر فكبّر أربعا وصلّى الحسن على عل ّ
وذهب قوم منهم عبد الرّحمن بن أبي ليلى وعيسى مولى حذيفة وأصحاب معاذ بن جبل وأبو
ي :وممّن
ن التّكبير على الجنائز خمس .قال الحازم ّ
يوسف من أصحاب أبي حنيفة إلى أ ّ
رأى التّكبير على الجنائز خمسا ابن مسعود وزيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان .
وقالت فرقة :يكبّر سبعا ،روي ذلك عن زرّ بن حبيش .
وقال ابن عبّاس وأنس بن مالك وجابر بن زيد :يكبّر ثلثا .
ن سنّة التّكبير على الجنازة أربع ،ول تسنّ الزّيادة عليها ،ول يجوز
قال ابن قدامة :إ ّ
النّقص منها .وللتّفصيل في أحكام رفع اليدين في تكبيرات الجنازة ،ومتابعة المام ،
وأحكام المسبوق بتكبير الصّلة في الجنازة ينظر مصطلح ( صلة الجنازة ) .
ثانيا
التّكبير خارج الصّلة
التّكبير في الذان :
-يرى جمهور الفقهاء أنّ التّكبير في أوّل الذان أربع مرّات .وقال في شرح المشكاة: 11
للعتناء بشأن هذا المقام الكبر ،كرّر الدّالّ عليه أربعا ،إشعارا بعظيم رفعته .
ن التّكبير في أوّل الذان مرّتان اعتبارا بكلمة
وذهب المالكيّة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أ ّ
الشّهادتين ،حيث يؤتى بها مرّتين ،ولنّه عمل السّلف بالمدينة .
أمّا التّكبير في آخر الذان فل خلف بين الفقهاء في أنّه مرّتان فقط .
). 360/ ، 359/ ج 2/ص 10/ وللتّفصيل في ألفاظ الذان .ر :مصطلح ( أذان ،ف
التّكبير في القامة :
-التّكبير في بدء القامة مرّتان عند جمهور الفقهاء ،وأربع مرّات عند الحنفيّة . 12
التّكبير في عيد الفطر فيرى جمهور الفقهاء أنّه يكبّر فيه جهرا واحتجّوا بقوله تعالى :
{ وَلِ ُتكَبّرُوا الّل َه عَلى مَا هَدَا ُكمْ } قال ابن عبّاس :هذا ورد في عيد الفطر بدليل عطفه على
قوله تعالى { :وَلِ ُت ْكمِلُوا العِدّةَ } والمراد بإكمال العدّة بإكمال صوم رمضان .
ولما روى نافع عن عبد اللّه « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان يخرج في العيدين
مع الفضل بن عبّاس وعبد اللّه بن عبّاس وجعفر والحسن والحسين وأسامة بن زيد وزيد
بن حارثة وأيمن بن أمّ أيمن رافعا صوته بالتّهليل والتّكبير ،ويأخذ طريق الحدّادين حتّى
يأتي المصلّى » .وذهب أبو حنيفة إلى عدم الجهر بالتّكبير في عيد الفطر لنّ الصل في
جهْرِ ِمنَ القَولِ }
ن ال َ
ضرّعَا َوخِي َفةً وَدُو َ
ك في َن ْفسِكَ تَ َ
الثّناء الخفاء لقوله تعالى { وَاذْكُرْ رَبّ َ
ي».
وقوله صلى ال عليه وسلم « خير الذّكر الخف ّ
ولنّه أقرب من الدب والخشوع ،وأبعد من الرّياء .
ولنّ الشّرع ورد بالجهر بالتّكبير في عيد الضحى لقوله تعالى { وَاذْكُرُوا الّل َه في أَيّامٍ
َمعْدُودَات } جاء في التّفسير :المراد به التّكبير في هذه اليّام وليس كذلك يوم الفطر ،لنّه
لم يرد به الشّرع ،وليس في معناه أيضا ،لنّ عيد الضحى اختصّ بركن من أركان الحجّ ،
والتّكبير شرع علما على وقت أفعال الحجّ ،وليس في شوّال ذلك .
وللتّفصيل في ابتداء التّكبير وانتهائه في العيدين وصفة التّكبير ( ر :صلة العيدين وعيد ).
التّكبير في أيّام التّشريق :
-ل خلف بين الفقهاء في مشروعيّة التّكبير في أيّام التّشريق إل أنّهم اختلفوا في حكمه 15
ويكبّر ويقول :باسم اللّه ،اللّه أكبر ،مع رفع يده اليمنى ،وإن لم يستطع استلمه يكبّر
عند محاذاته ويهلّل ويشير إليه .
ي عن ابن عبّاس قال « :طاف النّبيّ صلى ال عليه وسلم بالبيت على بعير ،
وروى البخار ّ
وكان كلّما أتى على الرّكن أشار إليه بشيء في يده وكبّر » .وهذا محلّ اتّفاق بين الفقهاء .
التّكبير في السّعي بين الصّفا والمروة :
-من سنن السّعي بين الصّفا والمروة التّكبير ،ويندب -بعد أن يرقى على الصّفا 17
والمروة ويرى الكعبة -أن يكبّر ويهلّل ثلثا ،ث ّم يقول :اللّه أكبر على ما هدانا . .
وهذا بل خلف .
التّكبير أثناء الوقوف بعرفة :
-التّكبير أثناء الوقوف بعرفة مع رفع اليدين مبسوطتين سنّة عند الحنفيّة ،ومندوب 18
عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة .وكان ابن عمر يقول في عرفة :اللّه أكبر اللّه أكبر وللّه
الحمد .اللّه أكبر اللّه أكبر وللّه الحمد ،اللّه أكبر اللّه أكبر وللّه الحمد .
التّكبير عند رمي الجمار :
-اتّفق الفقهاء على أنّه من السّنّة أن يكبّر مع رمي كلّ حصاة بأن يقول :باسم اللّه 19
" بسم اللّه واللّه أكبر " وهذا بل خلف .لحديث أنس الوارد في البخاريّ ومسلم ولفظه في
ي صلى ال
ن « النّبيّ صلى ال عليه وسلم سمّى وكبّر » وفي مسلم « أنّ النّب ّ
البخاريّ أ ّ
عليه وسلم قال :بسم اللّه واللّه أكبر » ولما روى عديّ بن حاتم قال « :سألت النّبيّ
صلى ال عليه وسلم عن الصّيد فقال إذا رميت سهمك فاذكر اسم اللّه عليه ،فإن وجدته قد
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ذبح يوم العيد كبشين أملحين أقرنين
قتل فكل » وروي « أ ّ
وقال بسم اللّه واللّه أكبر » .وللتّفصيل ر ( :ذبح ،صيد ) .
التّكبير عند رؤية الهلل :
-يستحبّ لمن رأى الهلل أن يقول ما روى ابن عمر قال « :كان رسول اللّه صلى ال 21
عليه وسلم إذا رأى الهلل قال :اللّه أكبر الحمد للّه ل حول ول قوّة إل باللّه ،إنّي أسألك
خير هذا الشّهر ،وأعوذ بك من ش ّر القدر ،ومن سوء الحشر » .
ي صلى ال عليه وسلم كان إذا رأى الهلل قال :اللّهمّ
وعن طلحة بن عبيد اللّه « أنّ النّب ّ
أهلّه علينا باليمن والسّلمة والسلم ،ربّي وربّك اللّه » .
تكبيرة الحرام *
التّعريف :
-تكبيرة الحرام هي :قول المصلّي لفتتاح الصّلة " اللّه أكبر " أو كلّ ذكر يصير به 1
شارعا في الصّلة .وسمّيت التّكبيرة الّتي يدخل بها الصّلة تكبيرة الحرام لنّها تحرّم
الشياء المباحة الّتي تنافي الصّلة ويسمّيها الحنفيّة في الغالب تكبيرة الفتتاح أو التّحريمة .
والتّحريم جعل الشّيء محرّما والهاء لتحقيق السميّة .
والحكمة من افتتاح الصّلة بالتّكبيرة هي تنبيه المصلّي على عظم مقام من قام لداء عبادته
من وصفه بأنواع الكمال وأنّ كلّ ما سواه حقير وأنّه جلّ عن أن يكون له شبيه من مخلوق
فان ،فيخضع قلبه وتخشع جوارحه ويخلو قلبه من الغيار فيمتلئ بالنوار .
الحكم التّكليفيّ :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ تكبيرة الحرام فرض من فروض الصّلة لقوله تعالى : 2
فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ تكبيرة الحرام جزء من الصّلة وركن من أركانها ل تصحّ إل
بها ،لقوله عليه الصلة والسلم « :إنّ هذه الصّلة ل يصلح فيها شيء من كلم النّاس
إنّما هو التّسبيح والتّكبير وقراءة القرآن » فدلّ على أنّ التّكبير كالقراءة ،ولنّه يشترط لها
ما يشترط للصّلة من استقبال القبلة والطّهارة وستر العورة وهي أمارة الرّكنيّة ،ولنّه ل
يجوز أداء صلة بتحريمة صلة أخرى ولول أنّها من الركان لجاز كسائر الشّروط .
ويرى الحنفيّة والشّافعيّة في وجه أنّها شرط خارج الصّلة وليست من نفس الصّلة .
واستدلّوا بقوله تعالى { :وَ َذكَ َر اسْمَ رَ ّبهِ فَصَلّى } عطف الصّلة على الذّكر ،والذّكر الّذي
ص أن يكون التّكبير خارج الصّلة
تعقبه الصّلة بل فصل ليس إل التّحريمة فيقتضي هذا النّ ّ
لنّ مقتضى العطف المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه إذ الشّيء ل يعطف على نفسه .
وقال عليه الصلة والسلم « تحريمها التّكبير » فأضاف التّحريم إلى الصّلة والمضاف غير
المضاف إليه لنّ الشّيء ل يضاف إلى نفسه ،ولجل أنّ تكبيرة الحرام شرط فهو ل يتكرّر
كتكرار الركان في كلّ صلة كالرّكوع والسّجود فلو كان ركنا لتكرّر كما تكرّر الركان .
كما علّلوا كون تكبيرة الحرام شرطا بأنّ الرّكن هو الدّاخل في الماهيّة والمصلّي ل يدخل في
الصّلة إل بفراغه من تكبيرة الحرام .وللتّوسّع فيما يترتّب على الخلف في كون تكبيرة
الحرام شرطا أو ركنا تنظر أبواب صفة الصّلة من الكتب الفقهيّة .
شروط صحّة تكبيرة الحرام :
مقارنتها لل ّنيّة :
-ل خلف بين الفقهاء في أفضليّة مقارنة تكبيرة الحرام للنّيّة . 4
لعمران بن حصين وكانت به بواسير صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى
ي « فإن لم تستطع فمستلقيا » .
جنب » وزاد النّسائ ّ
ويتحقّق القيام بنصب الظّهر فل يجزئ إيقاع تكبيرة الحرام جالسا أو منحنيا والمراد بالقيام
ما يعمّ الحكميّ ليشمل القعود في نحو الفرائض لعذر .
ل ،بل عدم النحناء المتّصف بكونه أقرب إلى
قال الطّحاويّ :ليس الشّرط عدم النحناء أص ً
الرّكوع من القيام .وللفقهاء خلف وتفصيل في انعقاد صلة المسبوق إذا أدرك المام راكعا
فحنى ظهره ثمّ كبّر ( :ينظر في مسبوق ) .
النّطق بتكبيرة الحرام :
-يجب على المصلّي النّطق بتكبيرة الحرام بحيث يسمع نفسه ،إل أن يكون به عارض 6
من طرش أو ما يمنعه السّماع فيأتي به بحيث لو كان سميعا أو ل عارض به لسمعه .
أمّا تكبير من كان بلسانه خبل أو خرس فينظر في مصطلح ( :خرس ) .
كون تكبيرة الحرام بالعربيّة :
-ل تجوز تكبيرة الحرام بغير العربيّة لمن يحسن العربيّة ،بهذا قال المالكيّة والشّافعيّة 7
تكرار *
التّعريف :
-التّكرار :التيان بالشّيء مرّة بعد أخرى ،وهو اسم مصدر من التّكرير .مصدر كرّر 1
ول يخرج استعمال الفقهاء لكلمة " التّكرار " عن هذا المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -العادة :
-من معاني العادة :فعل الشّيء مرّة بعد أخرى .ولتفصيل باقي معانيها يرجع إلى 2
مصطلح " إعادة " .والفرق بين التّكرار ،وبين العادة -بهذا المعنى : -أنّ التّكرار يقع
على إعادة الشّيء مرّة ومرّات ،والعادة للمرّة الواحدة فكلّ إعادة تكرار ،وليس العكس .
حكمه الجماليّ ومواطنه :
-يختلف حكم التّكرار باختلف مواطنه : 3
فقد يكون مباحا ،كتكرار صلة الستسقاء في اليوم الثّاني والثّالث عند جمهور الفقهاء .
وقال إسحاق :ل يخرج النّاس إل مرّة واحدة .وهو وجه للشّافعيّة أيضا .
وقد يكون مندوبا :كتكرار عرض اليمين على المدّعى عليه ثلثا عند النّكول .
وقد يكون سنّة :كتكرار الغسل في الوضوء والغسل عند الحنفيّة ،والشّافعيّة والحنابلة .
وأمّا عند المالكيّة فمستحبّ .
وكذلك تكرار مسح الرّأس عند الشّافعيّة .وهو رواية عن أحمد .
ن .وروي ذلك عن
وأمّا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة في الصّحيح من المذهب فل يس ّ
ابن عمر وابنه سالم ،والنّخعيّ ،ومجاهد ،وطلحة بن مصرف ،والحكم ،وقال التّرمذيّ :
والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ومن بعدهم .
وقد يكون واجبا :كتكرار سجدة التّلوة بتكرير تلوة سجدة واحدة في مجلس واحد عند
الحنابلة ،وهو أصل المذهب عند المالكيّة ،فإنّهم يقولون بتكرير السّجدة إن كرّر موجبها
في وقت واحد .لوجود المقتضي للسّجود إل المعلّم والمتعلّم .
وذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ من كرّر الية الواحدة في المجلس الواحد ،أجزأته سجدة
واحدة ،وفي الموضوع تفصيل -يرجع فيه إلى ( سجدة التّلوة ) .
وقد يكون مكروها :كتكرار المسح على الخفّ عند الشّافعيّة ،أو غير جائز كتكراره عند
الحنفيّة والمالكيّة .وعند الحنابلة ل يجب تكراره ،بل ل يسنّ .
وقد اتّفق الفقهاء على عدم جواز التّكرار أو عدم وجوبه في مسائل ،واختلفوا في أخرى .
فمن المسائل المتّفق عليها :
-عدم جواز تكرار سجود السّهو ،وعدم تكرار الحجّ وجوبا ،لنّ سببه البيت ،وأنّه ل 4
يتعدّد ،فل يتكرّر الوجوب .وعدم جواز تكرار الحدّ ،فإنّ من كرّر جرائم السّرقة ،أو
الزّنى ،أو الشّرب ،أو القذف ،قبل إقامة الحدّ ،أقيم عليه ح ّد واحد ،وحكي عن ابن
القاسم أنّه يح ّد حدّا ثانيا .
ومن المسائل المختلف فيها :
-تكرار السّرقة بعد قطع يده ورجله ،ففيه خلف وتفصيل يرجع فيه إلى مصطلح " 5
تكفير *
التّعريف :
-من معاني التّكفير في اللّغة :التّغطية والسّتر وهو أصل الباب .تقول العرب للزّرّاع : 1
لها شراكا .وشرعا :أن تجعل للّه شريكا في ملكه أو ربوبيّته .قال تعالى حكاية عن عبده
عظِيمٌ } .
ك َلظُ ْلمٌ َ
ن الشّرْ َ
ي ل ُتشْ ِركْ بِالّلهِ إ ّ
لقمان أنّه قال لبنه { :يَا بُنَ ّ
والكفر أعمّ من الشّرك فهو أحد أفراده .
والتّشريك أيضا :بيع بعض ما اشترى بما اشتراه به ،فهو التّولية بجزء السّلعة ،
والمقصود من البحث هو المعنى الوّل .
ب -التّفسيق :
-التّفسيق :تفعيل من الفسق ،وهو في اللّغة :الخروج عن المر ،ويقال :أصله 3
خروج الشّيء من الشّيء على وجه الفساد ،يقال :فسقت الرّطبة :إذا خرجت من
قشرها ،وكأنّ الفأرة إنّما سمّيت فويسقة لخروجها من جحرها على النّاس .
وهو شرعا :العصيان والتّرك لمر اللّه عزّ وجلّ والخروج عن طريق الحقّ ،ومنه قوله
ن َأمْرِ رَ ّبهِ } أي خرج عن طاعة ربّه .
ق عَ ْ
تعالى حكاية عن إبليس { َففَسَ َ
وقد يكون الفسق شركا ،أو كفرا ،أو إثما .
الحكام المتعلّقة بالتّكفير :
أوّلً
تكفير المسلم :
-الصل بقاء المسلم على إسلمه حتّى يقوم الدّليل على خلف ذلك ،لما ثبت عن النّبيّ 4
صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :من صلّى صلتنا ،واستقبل قبلتنا ،وأكل ذبيحتنا فهو
المسلم ،له ما لنا وعليه ما علينا » .
ويجب قبل تكفير أيّ مسلم النّظر والتّفحّص فيما صدر منه من قول أو فعل ،فليس كلّ قول
أو فعل فاسد يعتبر مكفّرا .
ويجب كذلك على النّاس اجتناب هذا المر والفرار منه وتركه لعلمائهم لخطره العظيم ،فعن
ابن عمر رضي ال عنه قال « :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :إذا قال الرّجل لخيه
يا كافر فقد باء به أحدهما ،فإن كان كما قال ،وإل رجعت عليه » .
وعن أبي ذرّ رضي ال عنه أنّه سمع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول « :من دعا
ل بالكفر ،أو قال :عد ّو اللّه ،وليس كذلك إل حار عليه » .
رج ً
التّحرّز من التّكفير :
-ل ينبغي أن يكفّر مسلم أمكن حمل كلمه على محمل حسن ،أو كان في كفره خلف 5
ي ومجنون ،ول من زال عقله بنوم أو إغماء ،لعدم تكليفهم ،فل اعتداد بقولهم
تكفير صب ّ
واعتقادهم .وكذلك ل يجوز تكفير مكره على الكفر وقلبه مطمئنّ باليمان ،قال تعالى { :
طمَئنّ بِاليمَانِ } .
ن أُكْرِ َه وَقَلْبُه ُم ْ
إل مَ ْ
وجرى الخلف بين الفقهاء في صحّة تكفير الصّبيّ المميّز والسّكران إذا صدر منهما ما هو
مكفّر .فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى صحّة تكفير الصّبيّ المميّز إذا صدر منه ما هو مكفّر .
ويفهم من كلم المالكيّة تقييده بالصّبيّ المميّز المراهق فقط .
وذهب الشّافعيّة إلى عدم صحّة تكفير الصّبيّ المميّز لعدم تكليفه مع اتّفاقهم على أنّه ل يقتل
بل يجبر على السلم بالضّرب والتّهديد والحبس .
وعند الحنابلة ينتظر إلى ما بعد البلوغ والستتابة ،فإن أصرّ قتل ،لحديث « رفع القلم عن
ي حتّى يكبر » .
ثلثة :عن النّائم حتّى يستيقظ ،وعن المبتلى حتّى يبرأ ،وعن الصّب ّ
تكفير السّكران :
ن السّكران غير المتعدّي بسكره ل يحكم بردّته إذا صدر منه ما هو
-اتّفق الفقهاء على أ ّ 7
مكفّر ،واختلفوا في السّكران المتعدّي بسكره :فذهب جمهور الفقهاء " المالكيّة والشّافعيّة
والحنابلة " إلى تكفيره إذا صدر منه ما هو مكفّر .
ي رضي ال عنه " إذا سكر هذى ،وإذا هذى افترى ،وعلى المفتري ثمانون
لقول عل ّ
فأوجبوا عليه حدّ الفرية الّتي يأتي بها في سكره واعتبروا مظنّتها ،ولنّه يصحّ طلقه
وسائر تصرّفاته فتصحّ ردّته ،وذهب الحنفيّة إلى عدم تكفير السّكران مطلقا .
بم يكون التّكفير :
أ -التّكفير بالعتقاد :
-اتّفق الفقهاء على تكفير من اعتقد الكفر باطنا ،إل أنّه ل تجري عليه أحكام المرت ّد إل 8
إذا صرّح به .ومن عزم على الكفر في المستقبل ،أو تردّد فيه ،فإنّه يكفر حالً لنتفاء
ك إليه بالتّردّد في الكفر .
التّصديق بعزمه على الكفر في المستقبل ،وتطرّق الشّ ّ
ول تجري عليه أحكام المرت ّد إل إذا صرّح بالكفر أيضا .
ب -التّكفير بالقول :
-اتّفق العلماء على تكفير من صدر منه قول مكفّر ،سواء أقاله استهزاء ،أم عنادا ،أم 9
نسب إليه ما ل يجوز عليه ،كعدم الصّدق والتّبليغ ،والسّابّ عند الحنفيّة والشّافعيّة يأخذ
حكم المرتدّ فيستتاب ،فإن تاب وإل قتل .
ب الملئكة كسبّ النبياء
وعند المالكيّة والحنابلة يقتل حدّا .وإن تاب .ول تقبل توبته .وس ّ
ب من لم يجمع على
ي أو الملك المجمع على كونه نبيّا أو ملكا ،فإن س ّ
،وقيّده المالكيّة بالنّب ّ
كونه نبيّا أو ملكا كالخضر وهاروت وماروت لم يكفر ،وأدّبه الحاكم اجتهادا .
تكفير مكفّر الصّحابة :
ن من كفّر جميع الصّحابة فإنّه يكفر ،لنّه أنكر معلوما من الدّين
-اتّفق الفقهاء على أ ّ 12
عنهما ،وتوقّف المام أحمد في كفره وقتله ،وقال :يعاقب ويجلد ويحبس حتّى يموت أو
ب صحابيّا مستحل كفر ،وإل فسّق .ونقل ابنه عبد اللّه
يرجع عن ذلك ،وعنه :من س ّ
عنه فيمن شتم صحابيّا قوله :القتل أجبن عنه ،ويضرب ،ما أراه على السلم .
ب الشّيخين رضي ال عنهما ،وممّن قال
وعند الشّافعيّة وجه حكاه القاضي في تكفير من س ّ
ي ،وأبو اللّيث ،وجزم به صاحب الشباه .قال صاحب الدّرّ المختار :
بتكفيره كذلك الدّبوس ّ
وهو الّذي ينبغي التّعويل عليه في الفتاء والقضاء ،رعاية لجانب حضرة المصطفى صلى
ال عليه وسلم وهذا خلف المعتمد عند الحنفيّة ،كما صرّح بذلك ابن عابدين .
تكفير منكر الجماع :
-ذهب الفقهاء إلى تكفير من جحد حكما أجمعت عليه المّة ممّا علم من الدّين ضرورة ، 14
صريحا بالدّين أو جحودا له ،كالسّجود لصنم أو شمس أو قمر ،فإنّ هذه الفعال تدلّ على
عدم التّصديق ،وكإلقاء المصحف في قاذورة ،فإنّه يكفر وإن كان مصدّقا ،لنّ ذلك في
حكم التّكذيب ،ولنّه صريح في الستخفاف بكلم اللّه تعالى ،والستخفاف بالكلم استخفاف
بالمتكلّم .وقد ألحق المالكيّة والشّافعيّة إلقاء كتب الحديث به .
ي الكفر من لبس غيار ،وشدّ زنّار ،وتعليق صليب .
وذهب المالكيّة إلى تكفير من تزيّا بز ّ
وقيّده المالكيّة والحنابلة بما إذا فعله حبّا فيه وميل لهله ،وأمّا إن لبسه لعبا فحرام وليس
بكفر .
تكفير مرتكب الكبيرة :
-مذهب أهل السّنّة والجماعة عدم تكفير مرتكب الكبيرة ،وعدم تخليده في النّار إذا مات 16
على التّوحيد ،وإن لم يتب ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « يخرج من النّار من كان في
قلبه مثقال ذرّة من إيمان » .
فلو كان مرتكب الكبيرة يكفر بكبيرته لما سمّاه اللّه ورسوله مؤمنا .
تكفير السّاحر :
-اتّفق الفقهاء على تكفير من اعتقد إباحة السّحر . 17
واختلفوا في تكفير من تعلّمه أو عمله ،فذهب الجمهور -الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة -
إلى أنّه ل يكفر بمجرّد تعلّم السّحر وعمله ما لم يكن فيه اعتقاد أو عمل ما هو مكفّر ،
وذهب المالكيّة إلى تكفيره مطلقا ،لما فيه من التّعظيم لغير اللّه ،ونسبة الكائنات والمقادير
إلى غير اللّه .
وذهب الحنفيّة إلى وجوب قتله ،ول يستتاب لعمل السّحر ،لسعيه بالفساد في الرض ،ل
بمجرّد علمه إذا لم يكن في اعتقاده ما يوجب كفره ،ولقوله صلى ال عليه وسلم « حدّ
السّاحر ضربة بالسّيف » فسمّاه حدّا ،والح ّد بعد ثبوته ل يسقط بالتّوبة .
وقصره الحنابلة على السّاحر الّذي يكفر بسحره .
وعند المالكيّة يقتل إن كان متجاهرا به ما لم يتب ،فإن كان يسرّه قتل مطلقا ،ول تقبل له
توبة .
آثار التّكفير :
-يترتّب على التّكفير آثار على ك ّل من المكفّر والمكفّر فآثاره على المكفّر إذا ثبت عليه 18
الكفر هي :
أ -حبوط العمل :
-إذا ارت ّد المسلم واستمرّ كافرا حتّى موته كانت ردّته محبطة للعمل لقوله تعالى : 19
عمَالُهمْ } .
ك حَ ِبطَتْ أَ ْ
ت وهو كَافِرٌ فَأولئ َ
ن دِينِه فَ َيمُ ْ
ن يَرْتَدِ ْد مِ ْنكُمْ عَ ْ
{ َومَ ْ
فإن عاد إلى السلم فمذهب الحنفيّة والمالكيّة أنّه يجب عليه إعادة الحجّ وما بقي سببه من
العبادات لنّه بالرّدّة صار كالكافر الصليّ فإذا أسلم وهو غنيّ فعليه الحجّ .
ولنّ وقته متّسع إلى آخر العمر فيجب عليه بخطاب مبتدأ كما يجب عليه الصّلة والصّيام
ن سببه البيت المكرّم وهو باق بخلف غيره من العبادات
والزّكاة للوقات المستقبلة ،ول ّ
الّتي أدّاها ،لخروج سببها .وما بقي سببه من العبادات كمن صلّى الظّهر مثل ثمّ ارت ّد ثمّ
تاب في الوقت يعيد الظّهر لبقاء السّبب وهو الوقت .
وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه ل يجب عليه أن يعيد عباداته الّتي فعلها في إسلمه من
صلة وحجّ وغيرها ،وذلك لنّه فعلها على وجهها وبرئت ذمّته منها فل تعود إلى ذمّته ،
ي.
كدين الدم ّ
ي رحمه ال تعالى حبوط ثواب العمال ل نفس العمال .
والمنصوص عن الشّافع ّ
ب -القتل :
ن من تحوّل عن دين السلم إلى غيره فإنّه يقتل لقول النّبيّ صلى
-أجمع الفقهاء على أ ّ 20
ال عليه وسلم « من بدّل دينه فاقتلوه » .وتفصيل ذلك في مصطلح ( :ردّة ) . .
آثار التّكفير على المكفّر :
-لمّا كان التّكفير من المور الخطيرة فقد جعل الفقهاء فيه التّعزير ،فمن نسب أحدا 21
ي ،ويا مجوسيّ
إلى الكفر ،أو قذفه بوصف يتضمّن معنى الكفر ،كيا يهوديّ ،ويا نصران ّ
ي صلى ال عليه وسلم « :إذا قال الرّجل لخيه يا كافر فقد باء به
عزّر ،وقد قال النّب ّ
أحدهما فإن كان كما قال وإلّا رجعت عليه » .
ثانيا
تكفير الذّنوب
أ -الذّنوب الّتي شرعت لها كفّارات محدّدة :
-أوجب الشّارع على النسان كفّارات محدّدة لبعض الذّنوب بملبسته إيّاها وذلك لعظم 22
هذه الذّنوب وخطرها ،والقصد من هذه الكفّارات تدارك ما فرّط من التّقصير وهي دائرة بين
العبادة والعقوبة .
وهي خمس كفّارات :كفّارة القتل ،والوطء في نهار رمضان ،والظّهار ،والحنث في
اليمان ،وفعل محظور من محظورات الحجّ .وللتّفصيل انظر مصطلح ( :كفّارة ) .
ب -الذّنوب الّتي لم تشرع لها كفّارات محدّدة :
-لم يشرع السلم كفّارات محدّدة غير الخمس المذكورة آنفا وإنّما نصّ على بعض 23
العمال والعبادات الّتي تكفّر الذّنوب عموما كاجتناب الكبائر ،فإنّه يكفّر الصّغائر ،قال
ن عَنْه ُنكَفّ ْر عَ ْن ُكمْ سَيّئا ِت ُكمْ } .
تعالى { :إنْ َتجْتَنِبُوا كَبَائِ َر مَا تُ ْنهَو َ
وقال صلى ال عليه وسلم « :ما من عبد يؤدّي الصّلوات الخمس ،ويصوم رمضان ،
ويجتنب الكبائر السّبع إل فتحت له ثمانية أبواب الجنّة يوم القيامة حتّى إنّها لتصفق » ول
ينحصر تكفير الصّغائر في اجتناب الكبائر بل هناك بعض العبادات تكفّرها أيضا كالوضوء
والصّلوات الخمس وصوم رمضان والعمرة إلى العمرة والحجّ المبرور .
وفي الحديث أيضا « من توضّأ نحو وضوئي هذا ثمّ قام فركع ركعتين ل يحدّث فيهما نفسه
إل غفر له ما تقدّم من ذنبه » .
وذكر الصّلة في هذا الحديث للتّرغيب في سنّة الوضوء ليزيد ثوابه ،وإلّا فالتّكفير ل يتوقّف
على الصّلة كما أخرج أحمد مرفوعا « الوضوء يكفّر ما قبله ثمّ تصير الصّلة نافلة » .
وقال صلى ال عليه وسلم « :الصّلوات الخمس ،والجمعة إلى الجمعة ،ورمضان إلى
رمضان مكفّرات ما بينهنّ إذا اجتنب الكبائر » وقال صلى ال عليه وسلم « :العمرة إلى
العمرة كفّارة لما بينهما والحجّ المبرور ليس له جزاء إل الجنّة » .
ول ير ّد عليه أنّه إذا كفّر الوضوء لم يجد الصّوم ما يكفّره ،وهكذا ،وذلك لنّ الذّنوب
ن لكلّ نوع من أنواع المراض نوعا من أنواع
كالمراض ،والطّاعات كالدوية ،فكما أ ّ
الدوية ل ينفع فيه غيره ،كذلك الطّاعات مع الذّنوب ،ويدلّ عليه قوله صلى ال عليه
وسلم « :إنّ من الذّنوب ذنوبا ل يكفّرها الصّلة ول الصّيام ول الحجّ ول العمرة ،قالوا فما
يكفّرها يا رسول اللّه ،قال :الهموم في طلب المعيشة » .
وهذا كلّه في الذّنوب المتعلّقة بحقوق اللّه تعالى ،وأمّا المتعلّقة بحقوق الدميّين فل بدّ فيها
من المقاصّة .
تكفين *
التّعريف :
-التّكفين :مصدر كفّن ،ومثله الكفن ،ومعناهما في اللّغة :التّغطية والسّتر . 1
ومنه :سمّي كفن الميّت ،لنّه يستره .ومنه :تكفين الميّت أي لفّه بالكفن .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن ذلك .
الحكم التّكليفيّ :
ن تكفين الميّت بما يستره فرض على الكفاية ،لما روى ابن عبّاس
-اتّفق الفقهاء على أ ّ 2
-أ -كفن السّنّة :هو أكمل الكفان ،وهو للرّجل ثلثة أثواب :إزار وقميص ولفافة ، 4
والقميص من أصل العنق إلى القدمين بل دخريص ول أكمام .والزار للميّت من أعلى
ي واللّفافة كذلك .لحديث جابر بن سمرة ،فإنّه قال :
الرّأس إلى القدم بخلف إزار الح ّ
« كفّن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في ثلثة أثواب :قميص وإزار ولفافة » .
وللمرأة خمسة أثواب :قميص وإزار وخمار ولفافة وخرقة تربط فوق ثدييها ،لحديث أمّ
ي صلى ال عليه وسلم ناول اللّواتي غسّلن ابنته في كفنها
ليلى بنت قانف الثّقفيّة « أنّ النّب ّ
ن خمسة أثواب » ،ولنّها تخرج فيها حالة الحياة ،فكذا بعد الممات .
ثوبا ثوبا حتّى ناوله ّ
-ب -كفن الكفاية :هو أدنى ما يلبس حال الحياة ،وهو ثوبان للرّجل في الصحّ ، 5
لقول أبي بكر الصّدّيق رضي ال عنه حين حضره الموت :كفّنوني في ثوبيّ هذين اللّذين
كنت أصلّي فيهما ،واغسلوهما ،فإنّهما للمهل والتّراب .
ولنّ أدنى ما يلبسه الرّجل في حالة الحياة ثوبان ،لنّه يجوز له أن يخرج فيهما ،ويصلّي
فيهما من غير كراهة ،فكذا يجوز أن يكفّن فيهما أيضا .
ويكره أن يكفّن في ثوب واحد ،لنّ في حالة الحياة تجوز صلته في ثوب واحد مع الكراهة
،فكذا بعد الموت .
والمراهق كالرّجل يكفّن فيما يكفّن فيه الرّجل ،لنّ المراهق في حال حياته يخرج فيما
يخرج فيه البالغ عادة ،فكذا يكفّن فيه ،وإن كان صبيّا لم يراهق ،فإن كفّن في خرقتين
إزار ورداء فحسن ،وإن كفّن في إزار واحد جاز ،لنّه في حال حياته كان يجوز القتصار
على ثوب واحد في حقّه فكذا بعد الموت .
وأمّا المرأة فأق ّل ما تكفّن فيه ثلثة أثواب :إزار ورداء وخمار ،لنّ معنى السّتر في حالة
الحياة يحصل بثلثة أثواب ،حتّى يجوز لها أن تصلّي فيها وتخرج ،فكذا بعد الموت .
ويكره أن تكفّن المرأة في ثوبين .
وأمّا الصّغيرة فل بأس بأن تكفّن في ثوبين ،والمراهقة بمنزلة البالغة في الكفن ،والسّقط
ن الشّرع إنّما ورد بتكفين الميّت ،واسم
يلفّ في خرقة ،لنّه ليس له حرمة كاملة ،ول ّ
الميّت ل ينطلق عليه ،كما ل ينطلق على بعض الميّت .
-ج -الكفن الضّروريّ للرّجل والمرأة :هو مقدار ما يوجد حال الضّرورة أو العجز بأن 6
كان ل يوجد غيره ،وأقلّه ما يعمّ البدن ،للحديث السّابق في تكفين مصعب بن عمير رضي
ن حمزة رضي ال عنه لمّا استشهد كفّن في ثوب واحد لم يوجد له
ال عنه ،وكذا روي « أ ّ
غيره » فدلّ على الجواز عند الضّرورة .
-وأق ّل الكفن عند المالكيّة ثوب واحد ،وأكثره سبعة . 7
ويستحبّ الوتر في الكفن ،والفضل أن يكفّن الرّجل بخمسة أثواب ،وهي :القميص
والعمامة والزار ولفافتان ،ويكره أن يزاد للرّجل عليها .والفضل أن تكفّن المرأة في
سبعة أثواب .درع وخمار وإزار وأربع لفائف ،وندب خمار يلفّ على رأس المرأة ووجهها
بدل العمامة للرّجل ،وندب عذبة قدر ذراع تجعل على وجه الرّجل .
-وقال الشّافعيّة :أق ّل الكفن ثوب واحد وهو ما يستر العورة . 8
وفي قدر الثّوب الواجب وجهان :أحدهما :ما يستر العورة ،وهي ما بين السّرّة والرّكبة
في الرّجل ،وما عدا الوجه والكفّين في المرأة .
والثّاني :ما يستر جميع بدنه إل رأس المحرم ووجه المحرمة .
ب أن يكفّن الرّجل في ثلثة أثواب :إزار ولفافتين بيض ،ليس فيها قميص ول
والمستح ّ
عمامة ،لما روت عائشة رضي ال عنها ،قالت « :كفّن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
في ثلثة أثواب سحوليّة ليس فيها قميص ول عمامة » .
والبالغ والصّبيّ في ذلك سواء ،وإن كفّن في خمسة أثواب لم يكره ،لنّ ابن عمر رضي
ن أكمل ثياب الحيّ
ال عنهما كان يكفّن أهله في خمسة أثواب فيها قميص وعمامة ،ول ّ
خمسة ،ويكره الزّيادة على ذلك ،لنّه سرف .
وأمّا المرأة فإنّهـا تكفّن عنـد الشّافعيّة فـي خمسـة أثواب :إزار ودرع " قميـص " وخمار
ولفافتين ،لنّه عليه الصلة والسلم كفّن فيها ابنته أمّ كلثوم .
ي صلى ال عليه وسلم :ناولها إزارا ودرعا وخمارا وثوبين
لما روت أمّ عطيّة « أنّ النّب ّ
» ،ويكره مجاوزة الخمسة في الرّجل والمرأة ،والخنثى كالمرأة .
-وقال الحنابلة :الكفن الواجب ثوب يستر جميع بدن الميّت رجل كان أو امرأة ، 9
والفضل أن يكفّن الرّجل في ثلث لفائف ،وتكره الزّيادة على ثلثة أثواب في الكفن لما فيه
ي صلى ال عليه وسلم عنه .
من إضاعة المال ،وقد نهى النّب ّ
ويجوز التّكفين في ثوبين « لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم في المحرم الّذي وقصته دابّته
:اغسلوه بماء وسدر وكفّنوه في ثوبين » ،وكان سويد بن غفلة يقول :يكفّن في ثوبين .
وقال أحمد :يكفّن الصّبيّ في خرقة ( أي ثوب واحد ) وإن كفّن في ثلثة فل بأس .
تعميم الميّت :
-الفضل عند الشّافعيّة والحنابلة أن يكفّن الرّجل في ثلث لفائف بيض ليس فيها قميص 10
ن الثّوب
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :إذا أجْمرْتُم الميّت فأجمروا وترا » ول ّ
ب أن
الجديد أو الغسيل ممّا يطيّب ويجمّر في حالة الحياة ،فكذا بعد الممات ،ث ّم المستح ّ
تؤخذ أحسن اللّفائف وأوسعها فتبسط أوّل ليكون الظّاهر للنّاس حسنها ،فإنّ هذا عادة الحيّ
يجعل الظّاهر أفخر ثيابه .ويجعل عليها حنوط ،ثمّ تبسط الثّانية الّتي تليها في الحسن
والسّعة عليها ،ويجعل فوقها حنوط وكافور ثمّ تبسط فوقهما الثّالثة ويجعل فوقها حنوط
ن أبا بكر الصّدّيق
وكافور ،ول يجعل على وجه العليا ول على النّعش شيء من الحنوط ،ل ّ
رضي ال عنه قال ":ل تجعلوا على أكفاني حنوطا " ،ثمّ يحمل الميّت مستورا بثوب ويترك
على الكفن مستلقيا على ظهره بعد ما يجفّف ،ويؤخذ قطن فيجعل فيه الحنوط والكافور
ويجعل بين أليتيه ويش ّد عليه كما يشدّ التّبّان .
ويستحبّ أن يؤخذ القطن ويجعل عليه الحنوط والكافور ويترك على الفم والمنخرين والعينين
والذنين وعلى جراح نافذة إن وجدت عليه ليخفى ما يظهر من رائحته ،ويجعل الحنوط
والكافور على قطن ويترك على مواضع السّجود ،كما روي عن عبد اللّه بن مسعود رضي
ن هذه المواضع شرّفت بالسّجود فخصّت
ال عنه أنّه قال ":تتبع مساجده بالطّيب " ول ّ
بالطّيب .
ف الكفن عليه بأن
ويستحبّ أن يحنّط رأسه ولحيته بالكافور كما يفعل الحيّ إذا تطيّب ،ثمّ يل ّ
يثنى من الثّوب الّذي يلي الميّت طرفه الّذي يلي شقّه اليسر على شقّه اليمن ،والّذي يلي
اليمن على اليسر ،كما يفعل الحيّ بالقباء ،ثمّ يلفّ الثّاني والثّالث كذلك ،وإذا لفّ الكفن
عليه جمع الفاضل عند رأسه جمع العمامة ،ور ّد على وجهه وصدره إلى حيث بلغ ،وما
فضل عند رجليه يجعل على القدمين والسّاقين ،ثمّ تشدّ الكفان عليه بشداد خيفة انتشارها
عند الحمل ،فإذا وضع في القبر ح ّل الشّداد ،هذا عند الشّافعيّة والحنابلة .
أمّا عند الحنفيّة فكذلك إلّا أنّه يلبس القميص أوّل إن كان له قميص ثمّ يعطف الزار عليه
بمثل ما سبق ث ّم تعطف اللّفافة وهي الرّداء كذلك .
أمّا عند المالكيّة فيكون الزار من فوق السّرّة إلى نصف السّاق تحت القميص واللّفائف فوق
ذلك على ما تقدّم ويزاد عليها الحفاظ وهي خرقة تشدّ على قطن بين فخذيه خيفة ما يخرج
من المخرجين ،واللّثام وهو خرقة توضع على قطن يجعل على فمه وأنفه خيفة ما يخرج
منهما .
كيفيّة تكفين المرأة :
م -وأمّا تكفين المرأة فقال الحنفيّة :تبسط لها اللّفافة والزار على ما تقدّم في الرّجل ، 12
ثمّ توضع على الزار وتلبس الدّرع ،ويجعل شعرها ضفيرتين على صدرها فوق الدّرع ،
ويسدل شعرها ما بين ثدييها من الجانبين جميعا تحت الخمار ،ول يسدل شعرها خلف
ظهرها ،ثمّ يجعل الخمار فوق ذلك ،ثمّ يعطف الزار واللّفافة كما قالوا في الرّجل :ثمّ
الخرقة فوق ذلك تربط فوق الكفان فوق الثّديين والبطن .
وذهب المالكيّة إلى أنّها تلبس الزار من تحت إبطيها إلى كعبيها ،ثمّ تلبس القميص ،ثمّ
تخمّر بخمار يخمّر به رأسها ورقبتها ،ثمّ تلفّ بأربع لفائف ،ويزاد عليها الحفاظ واللّثام .
وعند الشّافعيّة على المفتى به تؤزّر بإزار ،ثمّ تلبس الدّرع ،ثمّ تخمّر بخمار ،ثمّ تدرّج في
ي رحمه ال :ويشدّ على صدرها ثوب ليضمّ ثيابها فل تنتشر .
ثوبين ،قال الشّافع ّ
وأمّا عند الحنابلة ،فتشدّ الخرقة على فخذيها أوّل ،ثمّ تؤزّر بالمئزر ،ثمّ تلبس القميص ،
ثمّ تخمّر بالمقنعة ث ّم تلفّ بلفافتين على الصحّ .
كيفيّة تكفين المحرم والمحرمة :
-قال الشّافعيّة والحنابلة :إذا مات المحرم والمحرمة حرم تطييبهما وأخذ شيء من 13
شعرهما أو ظفرهما ،وحرم ستر رأس الرّجل وإلباسه مخيطا .وحرم ستر وجه المحرمة
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال في المحرم الّذي
لما روى ابن عبّاس رضي ال عنهما « أ ّ
وقصته ناقته فمات :اغسلوه بماء وسدر وكفّنوه في ثوبيه اللّذين مات فيهما ،ول تمسّوه
بطيب ،ول تخمّروا رأسه ،فإنّه يبعث يوم القيامة ملبّيا » .
وعند الحنفيّة والمالكيّة يكفّن المحرم والمحرمة ،كما يكفّن غير المحرم أي يغطّى رأسه
ووجهه ويطيّب ،لما روي عن عطاء عن ابن عبّاس « عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه
ي رضي ال عنه
قال في المحرم يموت :خمّروهم ول تشبّهوهم باليهود » .وروي عن عل ّ
أنّه قال في المحرم :إذا مات انقطع إحرامه ،
ي صلى ال عليه وسلم قال « :إذا مات ابن آدم انقطع عمله إل من ثلث :ولد
ولنّ النّب ّ
صالح يدعو له ،أو صدقة جارية ،أو علم ينتفع به » .والحرام ليس من هذه الثّلثة .
تكفين الشّهيد :
ن شهيد المعركة -الّذي قتله المشركون ،أو وجد بالمعركة جريحا
-ذهب الحنفيّة إلى أ ّ 14
ي صلى ال عليه
،أو قتله المسلمون ظلما ولم يجب فيه مال -يكفّن في ثيابه ،لقول النّب ّ
وسلم « :زمّلوهم بدمائهم » وقد روي في ثيابهم ،وعن عمّار وزيد بن صوحان أنّهما قال
:ل تنزعوا عنّي ثوبا . .الحديث ،غير أنّه ينزع عنه الجلود والسّلح والفرو والحشو
والخفّ والمنطقة والقلنسوة " .لما روي عن عليّ رضي ال عنه أنّه قال ":تنزع عنه
العمامة والخفّان والقلنسوة ،ولما روي عن ابن عبّاس رضي ال عنهما قال « :أمر
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود ،وأن يدفنوا
بدمائهم وثيابهم » ولنّ هذه الشياء الّتي أمر بنزعها ليست من جنس الكفن ،ولنّ المراد
من قوله صلى ال عليه وسلم « زمّلوهم بثيابهم » الثّياب الّتي يكفّن بها وتلبس للسّتر ،
ولنّ الدّفن بالسّلح وما ذكر معه كان من عادة أهل الجاهليّة ،فإنّهم كانوا يدفنون أبطالهم
بما عليهم من السلحة وقد نهينا عن التّشبّه بهم .
ويجوز أن يزاد في أكفانهم أو ينقص على أن ل يخرج عن كفن السّنّة ،لما روي عن خبّاب
أنّ « حمزة رضي ال عنه لم يوجد له كفن إل بردة ملحاء إذا جعلت على قدميه قلصت عن
رأسه حتّى مدّت على رأسه وجعل على قدميه الذخر » .
وذاك زيادة ،ولنّ الزّيادة على ما عليه حتّى يبلغ عدد السّنّة من باب الكمال وأمّا النّقصان
فهو من باب دفع الضّرر عن الورثة لجواز أن يكون عليه من الثّياب ما يضرّ بالورثة تركه
عليه .
ن شهيد المعركة يدفن بثيابه الّتي مات فيها وجوبا إن كانت مباحة وإل فل
وعند المالكيّة .أ ّ
يدفن بها ،ويشترط أن تستره كلّه فتمنع الزّيادة عليها ،فإن لم تستره زيد عليها ما
يستره ،فإن وجد عريانا ستر جميع جسده .
قال ابن رشد :من عرّاه العدوّ فل رخصة في ترك تكفينه بل ذلك لزم .وأمّا الزّيادة على
ثيابه إذا كان فيها ما يجزيه فل بأس بها ،وليس لوليّه نزع ثيابه وتكفينه بغيرها .
ويندب دفنه بخفّ وقلنسوة ومنطقة -ما يحتزم به في وسطه -إن قلّ ثمنها وخاتم قلّ ثمنه
،ول يدفن الشّهيد بآلة حرب قتل وهي معه كدرع وسلح .
وقال الحنابلة :إنّ شهيد المعركة يجب دفنه في ثيابه الّتي قتل فيها ولو كانت حريرا على
ظاهر المذهب .وينزع السّلح والجلود والفرو والخفّ لحديث ابن عبّاس رضي ال عنه
السّابق ،ول يزاد في ثياب الشّهيد ول ينقص منها ،ولو لم يحصل المسنون بها لنقصها أو
زيادتها .وذكر القاضي في تخريجه أنّه ل بأس بهما ،وجاء في المبدع :فإن سلب ما على
الشّهيد من الثّياب ،كفّن بغيرها وجوبا كغيره .
وقال الشّافعيّة :يكفّن شهيد المعركة ندبا في ثيابه لخبر أبي داود بإسناد حسن عن جابر
رضي ال عنه قال « :رمي رجل بسهم في صدره أو في حلقه فمات فأدرج في ثيابه كما
هو قال :ونحن مع النّبيّ صلى ال عليه وسلم » والمراد ثيابه الّتي مات فيها واعتاد لبسها
غالبا ،وإن لم تكن ملطّخة بالدّم ،ويفهم من عبارتهم أنّه ل يجب تكفينه في ثيابه الّتي
كانت عليه وقت استشهاده بل هو أمر مندوب إليه فيجوز أن يكفّن كسائر الموتى ،فإن لم
يكن ما عليه سابغا أي ساترا لجميع بدنه تمّم وجوبا ،لنّه حقّ للميّت ،ويندب نزع آلة
الحرب عنه كدرع وخفّ ،وكلّ ما ل يعتاد لبسه غالبا كجلد وفرو وجبّة محشوّة .
وأمّا شهداء غير المعركة كالغريق والحريق والمبطون والغريب فيكفّن كسائر الموتى وذلك
باتّفاق جميع الفقهاء .
إعداد الكفن مقدّما :
ن امرأة جاءت إلى
-في البخاريّ :عن ابن أبي حازم عن سهل رضي ال عنه « :أ ّ 15
النّبيّ صلى ال عليه وسلم ببردة منسوجة فيها حاشيتها . . .فحسّنها فلن فقال :أكسنيها
ي صلى ال عليه وسلم محتاجا إليها ،ثمّ
ما أحسنها .قال القوم :ما أحسنت ،لبسها النّب ّ
سألته ،وعلمت أنّه ل ير ّد ،قال :إنّي واللّه ما سألته للبسها ،إنّما سألته لتكون كفني ،
قال سهل :فكانت كفنه » .
ي صلى ال عليه وسلم لذلك .
وهذا الحديث دليل على الجواز ،لعدم إنكار النّب ّ
وفي حاشية ابن عابدين .وينبغي أن ل يكره تهيئة الكفن لنّ الحاجة إليه متحقّقة غالبا .
وقال الشّافعيّة :ل يندب أن يعدّ لنفسه كفنا لئل يحاسب على اتّخاذه إل أن يكون من جهة
حلّ أو أثر من ذي صلح فحسن إعداده ،لكن ل يجب تكفينه فيه كما اقتضاه كلم القاضي
أبي الطّيّب وغيره ،بل للوارث إبداله .ولهذا لو نزعت الثّياب الملطّخة بالدّم عن الشّهيد
وكفّن في غيرها جاز مع أنّ فيها أثر العبادة الشّاهدة له بالشّهادة ،فهذا أولى .
إعادة تكفين الميّت :
-اتّفق الفقهاء على أنّه لو كفّن الميّت فسرق الكفن قبل الدّفن أو بعده كفّن كفنا ثانيا من 16
ي صلى ال
ن النّب ّ
شروط القطع في السّرقة ،لما روى البراء بن عازب رضي ال عنه أ ّ
عليه وسلم قال « :من حرّق حرّقناه ،ومن غرّق غرّقناه ،ومن نبش قطعناه » .
ن القبر حرز
ولما روي عن عائشة رضي ال عنها قالت :سارق أمواتنا كسارق أحيائنا ل ّ
للكفن ،وإن كان الكفن زائدا على كفن السّنّة أو دفن في تابوت فسرق التّابوت لم يقطع ،
لنّ ما زاد على المشروع في الكفن لم يجعل القبر حرزا له وكذلك التّابوت .
وقال أبو حنيفة ومحمّد والشّافعيّة :ل قطع على النّبّاش مطلقا .لقوله صلى ال عليه وسلم
« ل قطع على المختفي » -وهو النّبّاش بلغة أهل المدينة -ولنّ الشّبهة تمكّنت في
الملك لنّه ل ملك للميّت حقيقة ول للوارث لتقدّم حاجة الميّت ،فتمكّنت الشّبهة المسقطة
للقطع ،ووافقهما الشّافعيّة إذا كان الميّت مدفونا في بريّة لعدم الحرز .
الكتابة على الكفن :
-جاء في الجمل على شرح المنهج ،ل يجوز له أن يكتب عليها شيئا من القرآن أو 18
السماء المعظّمة صيانة لها من الصّديد ،وبه قال ابن الصّلح .
تكليف *
التّعريف :
-التّكليف لغة :مصدر كلّف .تقول :كلّفت الرّجل :إذا ألزمته ما يشقّ عليه . 1
س َعهَا } .
قال اللّه تعالى { :ل ُيكَلّفُ الّل ُه َن ْفسَا إل ُو ْ
وفي الصطلح :طلب الشّارع ما فيه كلفة من فعل أو ترك ،وهذا الطّلب من الشّارع
بطريق الحكم ،وهو الخطاب المتعلّق بأفعال المكلّفين بالقتضاء أو التّخيير .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الهليّة :
-أهليّة النسان للشّيء صلحيّته لصدور ذلك الشّيء وطلبه منه . 2
قال الصوليّون :إنّه ل ب ّد في المحكوم عليه -المخاطب -من أهليّته للحكم -الخطاب -
وإنّها ل تثبت إل بالبلوغ والعقل وهي على قسمين :أهليّة الوجوب ،وأهليّة الداء .
أمّا أهليّة الوجوب فعبارة عن صلحيّة الشّخص لوجوب الحقوق المشروعة ،بحيث تثبت له
حقوق ،وتجب عليه واجبات والتزامات .وأهليّة الداء عبارة عن صلحيّته لصدور الفعل
على وجه يعتدّ به شرعا ،والثار الشّرعيّة تترتّب على هذه الهليّة ،وبهذا يعرف أنّ
الهليّة مناط التّكليف .وتفصيل ذلك في مصطلح ( :أهليّة ) .
ب -ال ّذمّة :
-ال ّذمّة في اللّغة :العهد والضّمان والمان ،وفي الصطلح :وصف يصير به الشّخص 3
أهل لللزام واللتزام ،وهي من لوازم أهليّة الوجوب ،لنّ أهليّة الوجوب تثبت بناء على
ن التّكليف أعمّ ،لنّه يتعلّق بأهليّة الوجوب والداء معا.
ال ّذمّة ،فالفرق بين التّكليف وال ّذمّة أ ّ
الحكم الجماليّ ومواطن البحث :
-أورد علماء الفقه أحكام التّكليف والهليّة في باب الحجر ،وتكلّم عنه علماء أصول 4
الفقه في بيان الحكم ،والحاكم ،والمحكوم عليه ،والمحكوم به ،وفي مواضع أخرى
يحتاج البحث فيها إلى ذكر التّكليف .
والتّكليف يتوقّف على ما يتوقّف عليه الحكم من :الحاكم ،والمحكوم عليه ،والمحكوم به :
وفيما يلي بيان ذلك :
أ -علقة التّكليف بالحاكم والشّارع علقة الفعل -المصدر -بفاعله لنّ التّكليف يقع من
الحاكم على المكلّفين اقتضاء أو تخييرا .
ب -صلة التّكليف بالمحكوم به :
ن الحكام التّكليفيّة خمسة .قال الغزاليّ :أقسام الحكام الثّابتة لفعال
أورد علماء الصول أ ّ
المكلّفين خمسة :الواجب ،والمحظور ،والمباح ،والمندوب ،والمكروه .
ن خطاب الشّرع إمّا أن يرد باقتضاء الفعل ،أو اقتضاء التّرك ،أو
ووجه هذه القسمة أ ّ
التّخيير بين الفعل والتّرك ،فإن ورد باقتضاء الفعل فهو أمر ،فإمّا أن يقترن به الشعار
بعقاب على التّرك فيكون واجبا ،أو ل يقترن فيكون ندبا .والّذي ورد باقتضاء التّرك فإن
أشعر بالعقاب على الفعل فحظر ،وإل فكراهية ،وإن ورد بالتّخيير فهو مباح .
ك أنّ تسمية الخمسة تكليفيّة تغليب إذ ل تكليف في الباحة ول في النّدب والكراهة
ول ش ّ
التّنزيهيّة عند الجمهور .
ومن ناحية أخرى اشترطوا في التّكليف أن يكون الفعل الّذي وقع التّكليف به ممكنا .
ج -ويشترط في التّكليف بالنّظر إلى المكلّف وهو المحكوم عليه فهم المكلّف لما كلّف به .
بمعنى قدرته على تصوّر ذلك المر والفهم من خطاب اللّه جلّ جلله بقدر يتوقّف عليه
ن التّكليف استدعاء حصول الفعل على قصد المتثال ،وهو محال عادة وشرعا
المتثال ل ّ
ممّن ل شعور له بالمر ،كما اشترطوا البلوغ وجعلوا الجنون والعته من عوارض الهليّة .
وللتّفصيل ينظر الملحق الصوليّ .
تكنّي *
انظر :كنية .
تلوة *
التّعريف :
-التّلوة :من تل بمعنى قرأ ،ويأتي هذا الفعل بمعنى تبع . 1
وفي الصطلح :التّلوة القراءة .قال تعالى { :يَتْلو عَلَيهمْ آيَاتِه } وفسّر قوله تعالى { :
ق تِلوَ ِتهِ } ،باتّباع المر والنّهي ،بتحليل حلله وتحريم حرامه والعمل بما تضمّنه.
يَتْلُونَه حَ ّ
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّرتيل :
-التّرتيل :لغة التّمهّل يقال :رتّلت القرآن ترتيل أي :تمهّلت في القراءة ولم أعجل . 2
وفي الصطلح :التّأنّي في القراءة والتّمهّل وتبيين الحروف والحركات تشبيها بالثّغر
ن التّلوة أعمّ ،والتّرتيل
المرتّل والنّسبة بين التّرتيل والتّلوة -بمعنى القراءة : -أ ّ
أخصّ ،فكلّ ترتيل تلوة ول عكس .
ب -التّجويد :
ق الحرف ،الصّفة الذّاتيّة
-التّجويد :إعطاء كلّ حرف حقّه ومستحقّه ،والمراد بح ّ 3
متعبّدون كذلك بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصّفة المتلقّاة من أئمّة القراءة المتّصلة
ي صلى ال عليه وسلم وقد عدّ العلماء القراءة بغير تجويد لحنا ،فقسّموا اللّحن إلى
بالنّب ّ
جليّ وخفيّ .
ن الجليّ يخلّ إخلل ظاهرا يشترك في معرفته
فاللّحن :خلل يطرأ على اللفاظ فيخلّ ،إل أ ّ
علماء القراءة وغيرهم ،وهو الخطأ في العراب ،والخفيّ يخ ّل إخلل يختصّ بمعرفته
علماء القراءة وأئمّة الداء الّذين تلقوه من أفواه العلماء وضبطوه من ألفاظ أهل الداء .
والفقهاء متّفقون على أنّ قراءة القرآن في الصّلة ركن ،لقوله تعالى { :فَاقْرَءوا مَا تَ َيسّرَ
مِنْه } وإن اختلفوا في تعيين الفاتحة لهذه الفريضة .
ويستحبّ الكثار من قراءة القرآن وتلوته خارج الصّلة .قال تعالى مثنيا على من كان ذلك
دأبه { :يَتْلُونَ آيَاتِ الّلهِ آنَاءَ اللّيلِ } ،وفي الصّحيحين من حديث ابن عمر رضي ال
عنهما « ل حسد إل في اثنتين :رجل آتاه الكتاب وقام به آناء اللّيل وآناء النّهار » ،
ي من حديث ابن مسعود « :من قرأ حرفا من كتاب اللّه فله به حسنة ،
وروى التّرمذ ّ
والحسنة بعشر أمثالها » .وفي حديث أبي سعيد « عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم :يقول
الرّبّ ع ّز وجلّ من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السّائلين ،
وفضل كلم اللّه على سائر الكلم كفضل اللّه على خلقه » .
آداب تلوة القرآن :
ي صلى ال عليه
ب الوضوء لقراءة القرآن ،لنّه أفضل الذكار ،وقد « قال النّب ّ
-يستح ّ 6
العلماء على أنّها آية ،فإذا أخلّ بها كان تاركا لبعض الختمة عند الكثرين ،فإن قرأ من
ص عليه الشّافعيّ فيما نقله العبّاديّ .قال القرّاء :ويتأكّد
أثناء سورة استحبّ له أيضا ،ن ّ
عةِ } { ،وَهو الّ ِذيْ أَ ْنشَأَ جَنّاتٍ } كما في ذكر ذلك بعد
عند قراءة نحو { :إليهِ يُرَ ّد عِ ْل ُم السّا َ
ي :والبتداء
الستعاذة من البشاعة وإيهام رجوع الضّمير إلى الشّيطان ،قال ابن الجزر ّ
بالي وسط " براءة " ق ّل من تعرّض له ،وقد صرّح بالبسملة أبو الحسن السّخاويّ ،وردّ
عليه الجعبريّ .
ال ّنيّة :
-ل تحتاج قراءة القرآن إلى نيّة كسائر الذكار ،إل إذا نذرها خارج الصّلة ،فل بدّ من 8
وغيره عن أمّ سلمة « أنّها نعتت قراءة رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قراءة مفسّرة حرفا
حرفا » .وفي البخاريّ عن أنس « أنّه سئل عن قراءة رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
فقال كانت مدّا ،ثمّ قرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم يم ّد اللّه ،ويمدّ الرّحمن ،ويمدّ الرّحيم » .
ل قال له إنّي أقرأ المفصّل في ركعة واحدة ،فقال
وفي الصّحيحين عن ابن مسعود « أنّ رج ً
:هذّا كهذّ الشّعر -يعني السراع بالقراءة -إنّ قوما يقرءون القرآن ل يجاوز تراقيهم ،
ي في حملة القرآن عن ابن مسعود
ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع » .وأخرج الج ّر ّ
،وقال :ل تنثروه نثر الدّقل -أي التّمر -ول تهذّوه كه ّذ الشّعر ،قفوا عند عجائبه ،
وحرّكوا به القلوب ،ول يكون ه ّم أحدكم آخر السّورة .
واتّفقوا على كراهة الفراط في السراع ،قالوا :وقراءة جزء بترتيل أفضل من قراءة
جزأين في قدر ذلك الزّمان بل ترتيل .
ويستحبّ التّرتيل للتّدبّر ،لنّه أقرب إلى الجلل والتّوقير وأشدّ تأثيرا في القلب ،ولهذا
ي الّذي ل يفهم معنى القرآن .
يستحبّ التّرتيل للعجم ّ
واختلف القرّاء ،هل الفضل التّرتيل وقلّة القراءة ،أم السّرعة مع كثرتها ؟ وأحسن بعض
ن ثواب قراءة التّرتيل أجلّ قدرا ،وثواب الكثرة أكثر عددا ،لنّ بكلّ حرف
الئمّة فقال :إ ّ
ي :تفخيم ألفاظه ،والبانة عن حروفه ،وأل
عشر حسنات .وكمال التّرتيل كما قال الزّركش ّ
يدغم حرف في حرف ممّا ليس حقّه الدغام ،وقيل هذا أقلّه ،وأكمله أن يقرأه على منازله
إن تهديدا لفظ به لفظ التّهديد ،أو تعظيما لفظ به على التّعظيم .
التّدبّر :
-تسنّ القراءة بالتّدبّر والتّفهّم ،فهو المقصود العظم ،والمطلوب الهمّ ،وبه تنشرح 10
بأصواتكم » .
وقال الشّافعيّ :القراءة باللحان ل بأس بها ،وفي رواية الرّبيع الجيزيّ :إنّها مكروهة ،
قال الرّافعيّ :فقال الجمهور :ليست على قولين :بل المكروه أن يفرّط في المدّ وفي إشباع
ضمّة واو ،ومن الكسرة ياء ،أو يدغم في
الحركات ،حتّى يتولّد من الفتحة ألف ،ومن ال ّ
غير موضع الدغام ،فإن لم ينته إلى هذا الحدّ فل كراهة ،وقال في زوائد الرّوضة :
والصّحيح أنّ الفراط على الوجه المذكور حرام ،يفسّق به القارئ ،ويأثم المستمع غير
المستنكر ،لنّه عدل به عن نهجه القويم ،قال :وهذا مراد الشّافعيّ بالكراهة .
وفيه حديث « اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها ،وإيّاكم ولحون أهل الكتابين وأهل
الفسق ،فإنّه سيجيء بعدي قوم يرجّعون بالقرآن ترجيع الغناء ،والرّهبانيّة ل يجاوز
حناجرهم ،مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم » .
قال النّوويّ :ويستحبّ طلب القراءة من حسن الصّوت ،والصغاء إليها للحديث الصّحيح ،
ول بأس باجتماع الجماعة في القراءة ول بإدارتها ،وهي أن يقرأ بعض الجماعة قطعة ثمّ
البعض قطعة بعدها .
تفخيم التّلوة :
-تستحبّ قراءة القرآن بالتّفخيم لحديث « :أنزل القرآن بالتّفخيم » قال الحليميّ : 14
ومعناه أنّه يقرؤه على قراءة الرّجال ،ول يخضع الصّوت فيه ككلم النّساء ،قال :ول
يدخل في هذا كراهة المالة الّتي هي اختيار بعض القرّاء ،ويجوز أن يكون القرآن نزل
بالتّفخيم ،فرخّص مع ذلك في إمالة ما تحسن إمالته .
الجهر بالقراءة :
-وقد وردت أحاديث باستحباب الجهر بالقرآن ،وأخرى باستحباب الخفاء ،فمن الوّل 15
اتّجاهات :
ن النّظر فيه عبادة فتجتمع القراءة والنّظر .
أ -أنّ القراءة من المصحف أفضل ل ّ
ي.
بهذا قال القاضي حسين والغزال ّ
ي من حديث أبي سعيد بن عون المكّيّ عن عثمان بن عبيد اللّه بن أوس الثّقفيّ
روى الطّبران ّ
عن جدّه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « قراءة الرّجل في غير المصحف ألف
درجة ،وقراءته في المصحف تضاعف على ذلك ألفي درجة » .
وعن عائشة مرفوعا « :النّظر في المصحف عبادة ،ونظر الولد إلى الوالدين عبادة » .
ن المقصود من
ب -يرى أبو محمّد بن عبد السّلم أنّ القراءة عن ظهر قلب أفضل ،ل ّ
القراءة التّدبّر لقوله تعالى { :لِيَدّبّرُوا آيَا ِتهِ } والعادة تشهد أنّ النّظر في المصحف يخلّ
بهذا المقصود فكان مرجوحا .
ج -قال النّوويّ في الذكار :إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التّدبّر والتّفكّر وجمع
القلب أكثر ممّا يحصل له من المصحف ،فالقراءة من الحفظ أفضل ،وإن استويا فمن
المصحف أفضل .قال وهو مراد السّلف .
قطع القرآن لمكالمة النّاس :
ن كلم اللّه ل ينبغي أن يؤثر عليه
-يكره قطع القراءة لمكالمة أحد ،قال الحليميّ :ل ّ 17
كلم غيره ،وأيّده البيهقيّ بما في الصّحيح كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلّم حتّى يفرغ
منه ،وكره أيضا الضّحك والعبث والنّظر إلى ما يلهي .
قراءة القرآن بالعجميّة :
-ل يجوز قراءة القرآن بالعجميّة مطلقا ،سواء أحسن العربيّة أم ل في الصّلة أم 18
خارجها .وعن أبي حنيفة أنّه يجوز مطلقا ،وعن أبي يوسف ومحمّد يجوز لمن ل يحسن
ن أبا حنيفة رجع عن ذلك ،ووجه المنع أنّه يذهب
العربيّة ،لكن في شرح البزدويّ أ ّ
ن القراءة بالفارسيّة ل تتصوّر ،قيل له فإذا ل يقدر
إعجازه المقصود منه ،وعن القفّال :أ ّ
أحد أن يفسّر القرآن ،قال :ليس كذلك لنّ هناك يجوز أن يأتي ببعض مراد اللّه ويعجز
عن البعض ،أمّا إذا أراد أن يقرأه بالفارسيّة فل يمكن أن يأتي بجميع مراد اللّه تعالى ،لنّ
التّرجمة إبدال لفظة بلفظة تقوم مقامها ،وذلك غير ممكن بخلف التّفسير .
). 168 / 11 وللتّفصيل ( ر :ترجمة ف ، 5/
القراءة بالشّواذّ :
-نقل ابن عبد البرّ الجماع على عدم جواز القراءة بالشّاذّ ،لكن ذكر موهوب الجزريّ 19
إل فيما ورد فيه الشّرع ،كصلة صبح يوم الجمعة و { الم تَنْزِيلُ } ،و{ َهلْ أَتَى }
ونظائره ،فلو فرّق السّور أو عكسها جاز وترك الفضل ،وأمّا قراءة السّورة من آخرها
إلى أوّلها .فمتّفق على منعه ،لنّه يذهب بعض نوع العجاز ويزيل حكمة التّرتيب .لما
روي عن ابن مسعود أنّه سئل عن رجل يقرأ القرآن منكوسا ؟ قال :ذاك منكوس القلب ،
ن تركه من الداب ،لما أخرج أبو عبيد عن سعيد بن المسيّب «
وأمّا خلط سورة بسورة فإ ّ
أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال لبلل :يا بلل قد سمعتك وأنت تقرأ من هذه
السّورة ومن هذه السّورة .قال :كلم طيّب يجمع اللّه تعالى بعضه إلى بعض .فقال النّبيّ
صلى ال عليه وسلم كلّكم قد أصاب » .
وأخرج عن ابن مسعود قال :إذا ابتدأت في سورة فأردت أن تتحوّل منها إلى غيرها فتحوّل
إل { ُقلْ هو الّلهُ َأحَدٌ } ،فإذا ابتدأت بها فل تتحوّل عنها حتّى تختمها .
وقد نقل القاضي أبو بكر الجماع على عدم جواز قراءة آية آية من كلّ سورة .
ن هذا التّأليف لكتاب اللّه مأخوذ من جهة النّبيّ
ي وأحسن ما يحتجّ به أن يقال :إ ّ
قال البيهق ّ
صلى ال عليه وسلم وأخذه عن جبريل ،فالولى للقارئ أن يقرأه على التّأليف المنقول .
استماع التّلوة :
ن الستماع لقراءة القرآن وترك اللّغط والحديث لحضور القراءة .قال تعالى :
-يس ّ 21
{ وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلّكم ترحمون } قال الشّيخ أبو محمّد بن عبد
السّلم :والشتغال عن السّماع بالتّحدّث بما ل يكون أفضل من الستماع ،سوء أدب على
). 85/ 4، الشّرع ،وهو يقتضي أنّه ل بأس بالتّحدّث للمصلحة .وللتّفصيل ر ( :استماع
السّجود للتّلوة :
-في القرآن الكريم أربع عشرة آية فيها السّجود :في العراف ،والرّعد ،والنّحل ، 22
والسراء ،ومريم ،والحجّ ،وفيها سجدتان في بعض المذاهب ،وفي الفرقان ،والنّمل ،
والسّجدة " الم تنزيل " و " ص " وفصّلت ،والنّجم ،والنشقاق ،واقرأ ،وزاد بعضهم آخر
الحجر ،والسّجود عند الجمهور بقراءة آيات السّجدة مسنون ،وواجب عند الحنفيّة .
وتفصيل مواضع السّجود ،وعلى من يجب ،وشروط السّجود ،كلّ ذلك تفصيله في مصطلح
( سجود التّلوة ) .
تلبية *
التّعريف :
ج وإمّا في غيره كالوليمة والتّلبية في
-التّلبية لغة :إجابة المنادي ،وهي إمّا في الح ّ 1
). 251/ غير الحجّ .وقد سبق الكلم عنها في مصطلح ( إجابة ج 1/ص
وأمّا في الحجّ فالمراد بها قول المحرم :لبّيك اللّهمّ لبّيك .أي :إجابتي لك يا ربّ .يقال :
لبّى الرّجل تلبية :إذا قال لبّيك .ولبّى بالحجّ كذلك .قال الفرّاء :معنى لبّيك إجابة لك بعد
إجابة .وفي حديث الهلل بالحجّ « :لبّيك اللّهمّ لبّيك » :هو من التّلبية ،وهي إجابة
ن تثنية كلمة ( لبّيك ) على جهة التّوكيد .
ب .وعن الخليل أ ّ
المنادي أي :إجابتي لك يا ر ّ
والجابة وإن كانت ل تخرج في معناها الصطلحيّ عن هذا إلّا أنّه قد ورد في الخرشيّ على
مختصر خليل :أنّ معنى التّلبية الجابة :أي :إجابة بعد إجابة وذلك أنّ اللّه تعالى قال { :
ن في النّاسِ
أَ َلسْتُ بِرَ ّب ُكمْ قَالوا بَلَى } فهذه إجابة واحدة ،والثّانية :إجابة قوله تعالى َ { :وأَذّ ْ
ج أجابه النّاس في أصلب آبائهم فمن
حجّ } يقال :إنّ إبراهيم عليه السلم لمّا أذّن بالح ّ
بِال َ
أجابه مرّة حجّ مرّة ،ومن زاد زاد .فالمعنى أجبتك في هذا كما أجبتك في ذلك .
وأوّل من لبّى الملئكة ،وهم أيضا أوّل من كان بالبيت .ومعنى لبّيك كما في حاشية
الطّحطاويّ على مراقي الفلح :أقمت ببابك إقامة بعد أخرى وأجبت نداءك مرّة بعد أخرى .
وفي الفواكه الدّواني :أجبتك يا ألّله إجابة بعد إجابة .أو لزمت القامة على طاعتك من
ألبّ بالمكان إذا لزمه وأقام به .وهي مثنّاة لفظا ومعناها التّكثير ل خصوص الثنين .
الحكم الجماليّ :
-تلبية المحرم مستحبّة عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة لما روى سهل بن سعد قال : 2
قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :ما من مسلم يلبّي إل لبّى عن يمينه وعن شماله
من حجر أو شجر أو مدر حتّى تنقطع الرض من هاهنا وهاهنا » .
وهي واجبة عند المالكيّة .
صيغتها المتّفق عليها بين الفقهاء :
-وهي تلبية رسول اللّه صلى ال عليه وسلم . 3
كما جاء في خبر الصّحيحين عن ابن عمر أنّ تلبية رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :
ن الحمد والنّعمة لك والملك ل شريك لك » .
« لبّيك اللّهمّ لبّيك .لبّيك ل شريك لك لبّيك .إ ّ
وهل للمحرم أن يزيد عليها أو ينقص منها ؟ .
ن ابن عمر رضي ال
قال الشّافعيّ وهو قول لمالك :إن زاد على هذا فل بأس .لما روي أ ّ
عنهما كان يزيد فيها :لبّيك وسعديك والخير كلّه بيديك والرّغبة إليك والعمل .
ي صلى ال
ن العيش عيش الخرة .لما روي « أنّ النّب ّ
وإذا رأى شيئا يعجبه قال :لبّيك إ ّ
عليه وسلم كان ذات يوم والنّاس يصرفون عنه كأنّه أعجبه ما هم فيه .فقال :لبّيك إنّ
العيش عيش الخرة » .
وذهب الحنابلة وهو قول آخر لمالك إلى أنّه ل يستحبّ الزّيادة على تلبية رسول اللّه صلى
ال عليه وسلم ول تكره ،وذلك لقول جابر « :فأه ّل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
بالتّوحيد لبّيك اللّهمّ لبّيك .لبّيك ل شريك لك لبّيك .إنّ الحمد والنّعمة لك والملك ل شريك
لك » وأهلّ النّاس بهذا الّذي يهلّون .ولزم رسول اللّه صلى ال عليه وسلم تلبيته .وكان
ابن عمر يلبّي بتلبية رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ويزيد مع هذا « لبّيك .لبّيك .
وسعديك والخير بيديك والرّغباء إليك والعمل » .
وزاد عمر لبّيك مرغوبا ومرهوبا إليك ذا النّعماء والفضل الحسن .
ن أنسا كان يزيد لبّيك حقّا حقّا تعبّدا ورقّا .وهذا يد ّل على أنّه ل بأس بالزّيادة ول
ويرى أ ّ
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم لزم تلبيته فكرّرها ولم يزد عليها .
تستحبّ ل ّ
والقول الثّالث لمالك :كراهة الزّيادة على التّلبية المأثورة عن الرّسول صلى ال عليه وسلم.
وذهب الحنفيّة إلى أنّه يندب له أن يزيد عليها ويكره له إنقاصها ،وتكون الزّيادة عليها ممّا
هو مأثور فيقول :لبّيك وسعديك والخير كلّه بيديك والرّغباء إليك إله الخلق لبّيك بحجّة حقّا
تعبّدا ورقّا .لبّيك إنّ العيش عيش الخرة .وما ليس مرويّا فجائز وحسن .
بم تصحّ التّلبية ؟
ح التّلبية عند الحنفيّة والشّافعيّة بغير العربيّة وإن أحسن العربيّة إل أنّ العربيّة
-تص ّ 4
ي أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال « :جاءني جبريل عليه السلم فقال :
خالد الجهن ّ
يا محمّد مُ ْر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتّلبية فإنّها من شعائر الحجّ » .
وقال أبو حازم :كان أصحاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ل يبلغون الرّوحَاء حتّى تبحّ
حلوقهم من التّلبية .
صحَل صوته .
وقال سالم :كان ابن عمر يرفع صوته بالتّلبية فل يأتي الرّوحاء حتّى يَ ْ
ول يجهد نفسه في رفع الصّوت بها زيادة على الطّاقة لئل ينقطع صوته وتلبيته .
وذهب المالكيّة إلى أنّ التّوسّط فيه مندوب فل يسرّه الملبّي حتّى ل يسمعه من يليه ،ول
يبالغ في رفعه حتّى يعقره فيكون بين الرّفع والخفض ول يبالغ في أيّهما ،وفي الفواكه
الدّواني :هذا في غير المسجد لنّه ل يجوز رفع الصّوت فيه إل المسجد الحرام ومسجد
منى لنّهما بنيا للحجّ ،وقيل :للمن فيهما من الرّياء .
هذا في حقّ الرّجال .أمّا النّساء فإنّه ل خلف بين الفقهاء في كراهة رفع أصواتهنّ بالتّلبية
إل بمقدار ما تسمع المرأة نفسها أو رفيقتها ،فقد روي عن سليمان بن يسار قال :السّنّة
ن المرأة ل ترفع صوتها بالهلل وإنّما كره لها رفع الصّوت مخافة الفتنة بها
عندهم أ ّ
ومثلها الخنثى المشكل في ذلك احتياطا .
الكثار من التّلبية :
-استحبّ الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة للمحرم أن يكثر من التّلبية لنّها شعار النّسك فيلبّي 6
عند اجتماع الرّفاق ،أو متى عل شرفا أو هبط واديا ،وفي أدبار الصّلوات ،وإقبال اللّيل
والنّهار .لما روى جابر قال « :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يلبّي إذا رأى ركبا ،
ن في هذه المواضع
أو صعد أكمة ،أو هبط واديا ،وفي أدبار المكتوبة وآخر اللّيل » ول ّ
ترفع الصوات ويكثر الضّجيج .
ج العجّ وال ّثجّ » .
ي صلى ال عليه وسلم « :أفضل الح ّ
وقد قال النّب ّ
وذهب المالكيّة إلى أنّ التّوسّط في ذلك مندوب ،فل يكثر المحرم من التّلبية حتّى يملّها
ويلحقه الضّرر ،ول يقلّلها حتّى يفوت المقصود منها وهو الشّعيرة .
متى تبدأ التّلبية :
-من المور المستحبّة لمريد الحرام بحجّ أو عمرة أو بهما معا متى بلغ ميقاته أن 7
يصلّي ركعتين بنيّة الحرام في غير وقت كراهة ،وتجزئ المكتوبة ،فإن كان مفردا بالحجّ
قال بلسانه المطابق لجنانه :اللّهمّ إنّى أريد الحجّ فيسّره لي وتقبّله منّي ،كما يفعل ذلك
أيضا المعتمر والقارن ،ويشير إلى نوع نسكه ث ّم يلبّي دبر صلته .وبهذه التّلبية يكون
محرما وتسري عليه أحكام الحرام .هذا ما عليه فقهاء المذاهب الربعة .
ن الجميع قد روي عن النّبيّ
وله الحرام بها إذا استوت به راحلته ،وإذا بدأ السّير سواء ل ّ
صلى ال عليه وسلم من طرق صحيحة .
قال الثرم :سألت أبا عبد اللّه :أيّهما أحبّ إليك .الحرام في دبر الصّلة ،أو إذا استوت
به راحلته ؟ فقال :كلّ ذلك قد جاء في دبر الصّلة إذا عل البيداء .
متى تنتهي التّلبية :
ج ابتداء من رمي جمرة العقبة يوم النّحر عند الحنفيّة
-تنتهي التّلبية بالنّسبة للحا ّ 8
والشّافعيّة والحنابلة فيقطعها مع أوّل حصاة لخذه في أسباب التّحلّل ،ويكبّر بدل التّلبية مع
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم لمّا أتى إلى منى لم يعرّج إلى
كلّ حصاة .فقد روى جابر « أ ّ
شيء حتّى رمى جمرة العقبة بسبع حصيات وقطع التّلبية عند أوّل حصاة رماها ،ثمّ كبّر مع
كلّ حصاة ،ثمّ نحر ،ثمّ حلق رأسه ،ثمّ أتى مكّة فطاف بالبيت » .
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم لم يزل يلبّي حتّى رمى جمرة
وروى الفضل بن العبّاس « أ ّ
العقبة » وكان الفضل رديفه يومئذ وهو أعلم بحاله من غيره .
ولنّ التّلبية للحرام فإذا رمى فقد شرع في التّحلّل فل معنى للتّلبية .
وللمالكيّة قولن :أحدهما :يستمرّ في التّلبية حتّى يبلغ مكّة فيقطع التّلبية حتّى يطوف
ويسعى ثمّ يعاودها حتّى تزول الشّمس من يوم عرفة ويروح إلى مصلها .
والثّاني :يستم ّر في التّلبية حتّى الشّروع في الطّواف ،والوّل في رسالة ابن أبي زيد .
وشهره ابن بشير ،والثّاني في المدوّنة في قول يقطع التّلبية حين يبتدئ الطّواف .
أمّا المعتمر فيقطع التّلبية متى شرع في الطّواف واستلم الحجر عند الحنفيّة والشّافعيّة
ي صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :يلبّي المعتمر
والحنابلة .لما روى ابن عبّاس عن النّب ّ
حتّى يستلم الحجر » وأمّا المالكيّة فالمعتبر عندهم أنّ معتمر الميقات من أهل الفاق وفائت
الحجّ أي :المعتمر لفوات الحجّ يلبّي كلّ منهما للحرم ل إلى رؤية البيوت ،ومعتمر
الجعرانة والتّنعيم يلبّي للبيوت أي :إلى دخول بيوت مكّة لقرب المسافة استدلل بما رواه
نافع عن ابن عمر من فعله في المناسك قال :وكان يترك التّلبية في العمرة إذا دخل الحرم
ج -إحرام .
ينظر في تفصيل ذلك :ح ّ
تلجئة *
انظر :بيع التّلجئة .
تلف *
التّعريف :
-التّلف لغة :الهلك والعطب في كلّ شيء ول يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى 1
والتّلف ل يوصف بحلّ أو حرمة ،وإنّما ينظر فيمن يضمن التّلف .
أمّا التلف ،فهو إحداث التّلف ،وتفصيل أحكامه في مصطلح ( :إتلف ) .
أسباب التّلف :
-التّلف إمّا أن يكون بعارض سماويّ ،وهو ما يعبّر عنه بالفة السّماويّة أو بالجائحة ، 3
وإمّا أن يكون بفعل من المخلوق ،وهذا يقسّمه الفقهاء إلى نوعين :تلف حسّيّ ،وتلف
ي ،ويسمّيه المالكيّة التّلف الحكميّ .
شرع ّ
فالتّلف الحسّيّ :هو هلك العين نفسها ،سواء أتى عليها كلّها أو بعضها .
والتّلف الشّرعيّ " الحكميّ " :هو منع الشّارع من النتفاع بالعين مع بقائها بسبب من
المتلف ،سواء أكان المنع عامّا يدخل فيه التّلف وغيره ،كما في العين ،أم مباحا للمتلف
دون غيره كما في وطء المة ،أم كان مباحا لغير المتلف كما في الصّدقة والهبة .
وقد ذكر الفقهاء له صورا منها ،ما لو اشترى أمة فأعتقها أبوه قبل قبضها ،وذلك لنّ
الشّارع جعل عتق أبيه كعتقه ،حيث رتّب عليه حكمه ،ومثله الكتابة ،والتّدبير ،
والصّدقة ،والهبة .
وهذا التّقسيم باعتبار المتلف ،أمّا باعتبار المحلّ ،فهو إمّا أن يرد على النّفس والعضاء ،
وتفصيل ذلك في مصطلح ( :جناية ،ودية ،وقصاص ) .
وإمّا أن يرد على الموال ،وهو المقصود هنا .
أ ّولً :أثر التّلف في العبادات :
أ -تلف زكاة المال :
-ذهب جمهور الفقهاء -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -إلى أنّ الزّكاة ل تسقط بتلف 4
المال بعد الحول ،ويجب على المزكّي الضّمان ،وذلك لنّها مال وجب في ال ّذمّة فلم يسقط
بتلف النّصاب ،كالدّين ،فضمنها بتلفها في يده .فل يعتبر بقاء المال .
ب المال .
وقيّد المالكيّة والشّافعيّة هذا الحكم بقيدين :التّمكّن من الداء ،والتّفريط من ر ّ
ب المال فل تسقط الزّكاة عنه ،ويجب
فإن تلف المال بعد التّمكّن من الداء أو بتفريط من ر ّ
عليه الضّمان .
ولم يعتبر الحنابلة هذين القيدين وأوجبوا الضّمان مطلقا واعتبروا إمكان الداء شرطا
ي صلى ال عليه وسلم « :ليس في
لوجوب الخراج ل لوجوب الزّكاة .لمفهوم قول النّب ّ
مال زكاة حتّى يحول عليه الحول » فإنّه يدلّ على الوجوب بعد الحول مطلقا .
ي ،ولنّه لو اشترط لم ينعقد
ق الفقير ،فلم يعتبر فيها إمكان الداء كدين الدم ّ
ولنّها ح ّ
الحول الثّاني ،حتّى يتمكّن من الداء .وليس كذلك بل ينعقد عقب الوّل إجماعا ،ولنّها
عبادة فل يشترط لوجوبها إمكان الداء كسائر العبادات .
وعن أحمد رواية باعتبار التّمكّن من الداء مطلقا أي ولو بل تفريط ،واختارها ابن قدامة .
واستثنوا من ذلك الزّرع والثّمر إذا تلف بجائحة قبل القطع ،فإنّ زكاتهما تسقط ،فإن بقي
بعد الجائحة ما تجب فيه الزّكاة زكّاه ،قال ابن المنذر :أجمع أهل العلم على أنّ الخارص
إذا خرص الثّمر ث ّم أصابته جائحة فل شيء عليه إذا كان قبل الجذاذ ،ولنّه قبل الجذاذ في
حكم ما ل تثبت اليد عليه ،بدليل أنّه لو اشترى ثمره فتلفت بجائحة رجع بها على البائع .
وزاد المالكيّة في تلف المواشي قيدا ثالثا وهو مجيء السّاعي ،فإذا تلفت أو ضاعت بعد
الحول وقبل مجيء السّاعي فل يحسب ما تلف أو ضاع ،وإنّما يزكّى الباقي إن كان فيه
زكاة ،وذلك لنّهم يعتبرون مجيء السّاعي شرط وجوب ،وكذلك تسقط الزّكاة عندهم عنها
لو تلفت بعد مجيء السّاعي والعدّ وقبل أخذه ،وذلك لنّ مجيئه شرط في الوجوب وجوبا
موسّعا إلى الخذ ،كدخول وقت الصّلة ،فقد يطرأ أثناء الوقت ما يسقطها كالحيض ،كذلك
التّلف بعد المجيء والعدّ ،وأمّا لو ذبح منها شيئا بغير قصد الفرار ،أو باع شيئا كذلك بعد
مجيء السّاعي وقبل الخذ ،ففيه الزّكاة ،ويحسب علم المعتمد ،وأمّا لو كان بقصد الفرار
فتجب زكاته ،ولو كان ذلك قبل الحول .
وذهب الحنفيّة إلى أنّ الزّكاة تسقط بتلف المال بعد الحول سواء أتمكّن من الداء أم ل .
وإن هلك بعض النّصاب سقط من الواجب فيه بقدر ما هلك منه لتعلّقها بالعين ل بال ّذمّة ،
ولنّ الشّرع علّق وجوبها بقدرة ميسّرة ،والمعلّق بقدرة ميسّرة ل يبقى دونها ،ويقصدون
بالقدرة الميسّرة هنا وصف النّماء أي إمكان الستثمار ،ل مجرّد وجود النّصاب .
وأمّا إذا تلف المال بعد الحول بفعل المزكّي نفسه فإنّ الزّكاة ل تسقط عنه ،وإن انتفت
القدرة الميسّرة لبقائها تقديرا ،زجرا له عن التّعدّي ونظرا للفقراء .
هذه الحكام فيما إذا كان التّلف بعد حلول الحول ،وأمّا إذا كان التّلف قبل حلول الحول فل
خلف بين الفقهاء في سقوط الزّكاة عنه لعدم الشّرط ،ول خلف بينهم في سقوط الزّكاة
عنه إن أتلف ربّ المال قبل الحول إن لم يقصد الفرار منها ،فإن قصد بالتلف الفرار من
الزّكاة فاختلف الفقهاء على قولين :فذهب الجمهور -الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة -إلى
سقوط الزّكاة عنه مع الكراهة عند الشّافعيّة ومحمّد بن الحسن .
وذهب الحنابلة إلى عدم سقوط الزّكاة عنه .
ب -تلف المال بعد وجوب زكاة الفطر :
-ذهب الفقهاء -ومنهم الحنفيّة -إلى أنّ تلف المال بعد وجوب زكاة الفطر وبعد التّمكّن 5
من أدائها ل يسقطها ،بل تستقرّ في ذمّته اتّفاقا ،وفرّق الحنفيّة بينها وبين زكاة المال بأنّ
وجوب زكاة الفطر متعلّق بالقدرة الممكنة ،وهي أدنى ما يتمكّن به العبد من أداء ما لزمه
من غير حرج غالبا ،أمّا زكاة المال فيتعلّق وجوبها بالقدرة الميسّرة ،وهي ما يوجب يسر
الداء على المكلّف بعدما ثبت المكان بالقدرة الممكنة ،ودوامها شرط لدوام الواجب الشّاقّ
على النّفس كأكثر الواجبات الماليّة ،حتّى سقطت الزّكاة والعشر والخراج بهلك المال بعد
التّمكّن من الداء ،لنّ القدرة الميسّرة وهي وصف النّماء قد فاتت بالهلك ،فيفوت دوام
الوجوب لفوات شرطه ،بخلف القدرة الممكنة فليس بقاؤها شرطا لبقاء الواجب .أمّا إذا
كان تلف المال قبل التّمكّن من الداء ففي سقوط زكاة الفطر عند الشّافعيّة والحنابلة وجهان
:أصحّهما تسقط كزكاة المال ،والثّاني :ل تسقط .وذهب المالكيّة إلى سقوط زكاة الفطر
بالتّلف ،إلّا أن يخرجها في غير وقتها فتضيع ،فإنّه يضمنها حينئذ .
ج -تلف الضحيّة :
ن الضحيّة المعيّنة إذا تلفت فل شيء على صاحبها ول يلزمه بدلها
-اتّفق الفقهاء على أ ّ 6
بالمعيب ما شاء ،فإن كان المعيب تطوّعا فليس عليه غيره ،وينحره ول يأكل منه هو ول
غيره من الغنياء ويضرب صفحة سنامه ،ليعلم أنّه هدي للفقراء .
وذهب المالكيّة إلى أنّه إن سرق الهدي الواجب ،أو تلف بعد ذبحه أو نحره أجزأ ،لنّه بلغ
محلّه .أمّا إن سرق أو تلف قبل ذبحه أو نحره ،فل يجزئ ويلزمه البدل .
وأمّا الهدي المتطوّع به فل بدل عليه ،وإن سرق قبل ذبحه أو نحره .
ويرى الشّافعيّة أنّ هدي التّطوّع ل يضمن بالتّلف ول بالتلف ،لنّه وإن تطوّع به مالكه
ن ملكيّته له ل تزول عنه بالتّطوّع ،فله أن يتصرّف فيه بذبحه وأكله وبيعه وسائر
فإ ّ
ن ملكه ثابت ولم ينذره ،وإنّما وجد منه مجرّد نيّة ذبحه ،وهذا ل يزيل الملك
التّصرّفات ،ل ّ
،كما لو نوى أن يتصدّق بماله ،أو يعتق عبده ،أو يطلّق امرأته ،أو يقف داره ،وفي
قول شا ّذ للشّافعيّة ،إنّه إذا قلّد الهدي صار كالمنذور ،والصّحيح الوّل .
فإذا عطب وذبحه ،قال صاحب الشّامل وغيره :ل يصير مباحا للفقراء إلّا بلفظه ،وهو أن
يقول أبحته للفقراء أو المساكين ،قال :ويجوز لمن سمعه الكل ،وفي غيره قولن :قال
في الملء :ل يحلّ حتّى يعلم الذن ،وقال في القديم والمّ :يح ّل وهو الظهر .
ومذهب الشّافعيّة في الهدي الواجب أنّه يضمن بالتلف ل بالتّلف ،فإن تلف من غير تفريط
لم يضمنه ،لنّه أمانة عنده ،فإذا هلكت من غير تفريط لم تضمن كالوديعة ،وإن أصابه
عيب وذبحه أجزأه ،لنّ ابن الزّبير أتي في هداياه بناقة عوراء ،فقال :إن كان أصابها
بعدما اشتريتموها فأمضوها ،وإن كان أصابها قبل أن تشتروها فأبدلوها ،ولنّه لو هلك
جميعه لم يضمنه ،فإذا نقص بعضه لم يضمنه كالوديعة .
وإن تلف بتفريط منه بأن أخّر ذبحه بعدما عطب في الطّريق حتّى هلك ضمنه ،أو خالف
فباع الهدي فتلف عند المشتري أو أتلفه لزمه قيمته أكثر ما كانت من حين القبض إلى حين
التّلف كما في المجموع ،ويشتري النّاذر بتلك القيمة مثل التّالف جنسا ونوعا وسنّا ،فإن لم
يجد بالقيمة المثل لغلء حدث لزمه أن يض ّم من ماله إليها تمام الثّمن ،وهذا معنى قول
الصحاب يضمن ما باعه بأكثر المرين من قيمته ومثله .
وقال الحنابلة :إن تلفت المعيّنة هديا أو ضلّت أو سرقت ولو قبل الذّبح فل بدل عليه إن لم
يفرّط ،لنّه أمين .وإن عيّن عن واجب في ال ّذمّة ما يجزئ فيه ،كالمتمتّع يعيّن دم التّمتّع
شاة أو بقرة أو بدنة ،أو عيّن هديا بنذره في ذمّته ،وتعيّب أو تلف أو ضلّ أو سرق أو
ن ال ّذمّة لم تبرأ من الواجب بمجرّد التّعيين عنه ،ولزمه بدله .
عطب ونحوه لم يجزئه ،ل ّ
ثانيا :التّلف في عقود المعاوضات :
أ -تلف المبيع :
-تلف المبيع إمّا أن يكون كلّيّا أو جزئيّا ،قبل القبض أو بعده ،ولكلّ قسم أحكام . 8
والتّلف قد يكون بآفة سماويّة ،وقد يكون بفعل المشتري ،أو البائع ،أو بفعل أجنبيّ .
تلف كلّ المبيع قبل القبض :
-إذا تلف المبيع كلّه قبل القبض بآفة سماويّة أو بفعل المبيع -بأن كان حيوانا فقتل 9
نفسه -انفسخ البيع عند الجمهور ،وهو رواية عن أحمد وسقط الثّمن عن المشتري ،لنّ
النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :ل يحلّ سلف وبيع ،ول شرطان في بيع ،ول ربح ما
لم يضمن » والمراد به ربح ما بيع قبل القبض ،والمبيع قبل قبض المشتري له هو في
ضمان البائع ،ولنّه لو بقي أوجب مطالبة المشتري بالثّمن ،وإذا طالبه بالثّمن فهو يطالبه
بتسليم المبيع ،وأنّه عاجز عن التّسليم ،فتمتنع المطالبة أصلً .فلم يكن في بقاء البيع
فائدة فينفسخ ،وإذا انفسخ البيع سقط الثّمن عن المشتري ،لنّ انفساخ البيع ارتفاعه من
الصل كأن لم يكن .وذهب الحنابلة في المكيل والموزون إلى مثل قول الجمهور ،وفي
غيرهما يهلك قبل القبض على حساب المشتري ،ومثل المكيل والموزون ما بيع برؤية أو
صفة متقدّمة .واحتجّوا بحديث « الخراج بالضّمان » .
ن حكمه كالتّلف بآفة سماويّة عند الحنفيّة والشّافعيّة .
وأمّا إذا كان التّلف بفعل البائع فإ ّ
وذهب الحنابلة في المبيع إذا كان مكيل أو موزونا أو نحوهما إلى تخيير المشتري بين
الفسخ وأخذ الثّمن الّذي دفعه إن كان ،وبين إمضاء البيع ،ويطالب المشتري متلفه البائع
بمثله إن كان مثليّا وإل فبقيمته ،لنّ التلف كالعيب وقد حصل في موضع يلزم البائع
ضمانه ،فكان للمشتري الخيار كالعيب في المبيع .
أمّا إذا لم يكن المبيع مكيل أو موزونا أو نحوهما لم ينفسخ البيع عندهم ،ويطالب المشتري
البائع بالقيمة .وهذا قول مرجوح عند الشّافعيّة .
ت أو على الخيار ،وبين أن يكون التّلف عمدا أو
وفرّق المالكيّة بين أن يكون البيع على الب ّ
خطأ ،فإذا كان البيع على البتّ فإتلف البائع يوجب الغرم للمشتري ،كان الضّمان منه أو
من البائع ،وسواء أكان التلف عمدا أم خطأ .
-وإذا كان البيع على الخيار ،فالخيار إمّا أن يكون للبائع أو للمشتري ،فإذا كان الخيار 10
قابضا كلّ المبيع ،لنّه ل يمكنه إتلفه إلّا بعد إثبات يده عليه ،وهو معنى القبض فيتقرّر
عليه الثّمن ،سواء أكان البيع باتّا أم بالخيار عند الشّافعيّة والحنابلة .
وقصر الحنفيّة والمالكيّة الحكم السّابق على البيع الباتّ ،أو بشرط الخيار للمشتري ،لنّ
خيار المشتري ل يمنع زوال البيع عن ملك البائع بل خلف ،فل يمنع صحّة القبض ،فل
يمنع تقرّر الثّمن .فإن كان البيع بشرط الخيار للبائع فذهب الحنفيّة إلى أنّ عليه ضمان مثله
إن كان له مثل وقيمته إن لم يكن له مثل ،لنّ خيار البائع يمنع زوال السّلعة عن ملكه بل
خلف ،فكان المبيع على حكم ملك البائع ،وملكه مضمون بالمثل أو القيمة .
وذهب المالكيّة إلى أنّ المشتري يضمن الكثر من الثّمن والقيمة ،لنّه إذا كان الثّمن أكثر
كان للبائع أن يجيز البيع في زمن الخيار لما له فيه من الخيار ،وإن كانت القيمة أكثر من
الثّمن فللبائع أن يردّ البيع لما له فيه من الخيار ويأخذ القيمة ل فرق في ذلك بين أن يكون
التّلف عمدا أو خطأ ،إل أن يحلف المشتري أنّه ضاع بغير تفريط أو تلف بغير سببه ،فإنّه
يضمن الثّمن دون التفات إلى القيمة .وهذا إذا كانت القيمة أكثر من الثّمن ،فإن كان الثّمن
أكثر من القيمة أو مساويا لها ضمن الثّمن من غير يمين .
-وإذا كان التّلف بفعل أجنبيّ فعليه ضمانه بل خلف بين الفقهاء -سواء أكان التلف 12
عمدا أم خطأ عند من يفرّق بينهما من الفقهاء -لنّه أتلف مال مملوكا لغيره بغير إذنه ول
يد له عليه ،فيكون مضمونا عليه بالمثل أو القيمة .
ن المشتري بالخيار إن شاء فسخ البيع فيعود المبيع إلى ملك
وذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ
البائع فيتبع الجاني فيضمّنه ،وإن شاء اختار البيع فأتبع الجاني بالضّمان وأتبعه البائع
ل أو موزونا أو نحوهما .
بالثّمن .وذهب الحنابلة إلى مثل قول الجمهور إذا كان المبيع مكي ً
فإن لم يكن كذلك هلك على حساب المشتري ويتبع المتلف بالضّمان .
تلف بعض المبيع قبل القبض :
-إذا تلف بعض المبيع قبل القبض بآفة سماويّة ،فالمشتري بالخيار بين فسخ العقد 13
والرّجوع بالثّمن ،وبين قبوله ناقصا ول شيء له لقدرته على الفسخ .
هذا مذهب الشّافعيّة ،وهو مذهب الحنابلة إذا كان المبيع مكيل أو نحوه .
أمّا غير المكيل ونحوه فتلف بعضه وتعيّبه يكون على حساب المشتري ول فسخ .
وفرّق الحنفيّة بين التّلف الّذي ينشأ عنه نقصان قدر ،والتّلف الّذي ينشأ عنه نقصان وصف.
ونقصان الوصف وهو كلّ ما يدخل في البيع من غير تسمية ،كالشّجر والبناء في الرض
وأطراف الحيوان والجودة في المكيل والموزون ،فخصّوا الحكم السّابق بنقصان الوصف
ن الوصاف ل حصّة لها من الثّمن إل إذا ورد عليها القبض أو
دون نقصان القدر ،وذلك ل ّ
الجناية ،لنّها تصير مقصودة بالقبض أو الجناية .
وأمّا إذا كان التّلف قد نشأ عنه نقصان قدر -بأن كان مكيل أو موزونا أو معدودا -فالعقد
ن كلّ قدر من المقدّرات معقود عليه ،
ينفسخ بقدر الهالك وتسقط حصّته من الثّمن ،ل ّ
فيقابله شيء من الثّمن ،وهلك كلّ المعقود عليه يوجب انفساخ البيع في الكلّ وسقوط
الثّمن .فهلك بعضه يوجب انفساخ البيع وسقوط الثّمن بقدره ،والمشتري بالخيار في
ن الصّفقة قد تفرّقت عليه .
الباقي ،إن شاء أخذه بحصّته من الثّمن ،وإن شاء ترك ل ّ
وذهب المالكيّة إلى أنّه إن كان الباقي بعد التّلف النّصف فأكثر لزم المشتري الباقي بحصّته
ن بقاء النّصف كبقاء الجلّ ( الكثر ) فيلزمه ،
من الثّمن ويرجع بحصّة ما تلف ،وذلك ل ّ
وهذا في المبيع المتعدّد .فإن كان المبيع متّحدا كفرس مثل وبقي بعد التّلف النّصف فأكثر
فالمشتري بالخيار بين ر ّد المبيع وأخذ ثمنه ،وبين التّمسّك بالباقي بحصّته من الثّمن .
وإن كان الباقي بعد التّلف أق ّل من النّصف حرم التّمسّك بالباقي ووجب ردّ المبيع وأخذ جميع
ثمنه لختلل البيع بتلف جلّ المبيع ،فتمسّك المشتري بباقيه كإنشاء عقد بثمن مجهول ،إذ
ص كلّ جزء على انفراده إل
ل يعلم ما يخصّ الباقي إل بعد تقويم الجميع ،ثمّ النّظر فيما يخ ّ
المثليّ فل يحرم التّمسّك بالقلّ ،بل المشتري بالخيار بين فسخ البيع وبين التّمسّك بالباقي
بحصّته من الثّمن ،وذلك لنّ المثليّ منابه ( مقابله ) من الثّمن معلوم ،فليس التّمسّك
بالباقي القليل ،كإنشاء عقد بثمن مجهول ،وإنّما يأتي هذا في المقوّم .
تلف بعض المبيع بفعل البائع قبل القبض :
-أمّا إذا تلف بعض المبيع قبل القبض بفعل البائع ،فذهب الحنفيّة إلى بطلن البيع 14
بقدره ويسقط عن المشتري حصّة المالك من الثّمن سواء أكان النّقصان نقصان قيمة أم
نقصان وصف -لنّ الوصاف لها حصّة من الثّمن عند ورود الجناية عليها ،لنّها تصير
أصل بالفعل فتقابل بالثّمن -والمشتري بالخيل في الباقي ،إن شاء أخذه بحصّته من
الثّمن ،وإن شاء ترك لتفرّق الصّفقة عليه .وعند الحنابلة إذا كان المبيع مكيل أو موزونا
.
قال ابن قدامة :قياس قول أصحابنا أنّ المشتري مخيّر بين الفسخ والرّجوع بالثّمن ،وبين
أخذه والرّجوع على البائع بعوض ما أتلف أو عيّب .
أمّا إذا لم يكن المبيع مكيل أو موزونا فل ينفسخ البيع ،ويرجع المشتري على البائع
بعوض ما أتلف .
وفرّق المالكيّة بين أن يكون التّلف عمدا أو خطأ ،وبين أن يكون الخيار للبائع أو للمشتري.
ن هذا
فإن كان الخيار للبائع وإتلفه للمبيع عمدا .كان فعله ردّا للبيع قبل جنايته ،ل ّ
التّصرّف من شأنه أن ل يفعله النسان إل في ملكه ،وإن كان إتلفه له خطأ ،فللمشتري
خيار العيب ،إن شاء تمسّك ول شيء له ،أو ر ّد وأخذ الثّمن بعد إجازة البائع بما له فيه
ن الخطأ مناف لقصد الفسخ ،إذ
من الخيار .وإنّما لم تكن جنايته خطأ ردّا كجنايته عمدا ل ّ
الخطأ ل يجامع القصد .وإن كان الخيار للمشتري وكان إتلف البائع للمبيع عمدا ،
فللمشتري الخيار بين الرّدّ أو إمضاء البيع وأخذ أرش الجناية ،وإن كان إتلفه له خطأ
فالمشتري بالخيار بين ردّه للبائع أو أخذه ناقصا ول شيء له .
وذهب الشّافعيّة إلى تخيير المشتري بين الفسخ والرّجوع بالثّمن وبين إجازة العقد بجميع
الثّمن ،ول يغرم البائع للمشتري شيئا على المذهب عندهم .
تلف بعض المبيع بفعل المشتري :
-إذا تلف بعض المبيع بفعل المشتري فل يبطل البيع ول خيار له لحصوله بفعله ،ول 15
يسقط عنه شيء من الثّمن لنّه صار قابضا للكلّ بإتلف البعض ،ول يتمكّن من إتلف
البعض إلّا بإثبات اليد على الكلّ ،وصار قابضا قدر المتلف بالتلف والباقي بالتّعييب فتقرّر
عليه كلّ الثّمن .هذا هو مذهب الجمهور -الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة . -
وفرّق المالكيّة بين أن يكون الخيار للبائع أو المشتري ،وبين التّلف العمد والخطأ ،فإن
كان الخيار للمشتري وكان إتلفه للمبيع عمدا فيعتبر ذلك رضا منه بالبيع ول رجوع فيه .
وإن كان خطأ فللمشتري ردّه وما نقص ،وله التّمسّك به ول شيء له ،فإن ردّ وكان عيبا
مفسدا ضمن الثّمن كلّه .وإن كان الخيار للبائع فالبائع بالخيار بين ردّ البيع وأخذ أرش
الجناية ،أو المضاء وأخذ الثّمن ،سواء أكان التّلف عمدا أم خطأ .
وعن ابن عرفة أنّ الخيار المذكور للبائع حيث كانت الجناية عمدا ،فإن كانت خطأ خيّر
المشتري بين أخذ المبيع ودفع الثّمن وأرش الجناية ،وبين ترك المبيع للبائع ودفع أرش
الجناية ،فأرش الجناية يدفعه في كلّ من حالتي تخييره عنده ،واعتمد بعضهم هذا .
تلف بعض المبيع بفعل الجنبيّ :
-إن تلف بعض المبيع بفعل أجنبيّ فعليه ضمانه ،والمشتري بالخيار ،إن شاء فسخ 16
البيع وأتبع البائع الجاني بضمان ما أتلفه ،وإن شاء اختار البيع وأتبع ( أي المشتري )
الجاني بالضّمان وعليه جميع الثّمن -وهذا ما ذهب إليه الحنفيّة والشّافعيّة ،وهو قول
الحنابلة في المبيع إذا كان مكيل ونحوه ،إل أنّ الشّافعيّة قالوا :ل يغرم الجنبيّ الرش إل
بعد قبض المبيع لجواز تلفه في يد البائع فينفسخ البيع .أمّا ما عدا المكيل والموزون عند
الحنابلة ،فليس للمشتري الخيار في الفسخ ،وإنّما يتبع المتلف بالضّمان .
وذهب المالكيّة إلى أنّ أرش ما جنى الجنبيّ للبائع ولو كان الخيار لغيره ،وإذا أخذ البائع
أرش الجناية فالمشتري حينئذ بالخيار ،إمّا أن يأخذ المبيع معيبا مجّانا ،وإمّا أن ير ّد ول
شيء عليه .
-اتّفق الفقهاء على أنّ تلف كلّ المبيع بعد القبض ل يفسخ به البيع ،والهلك يكون 17
على المشتري وعليه الثّمن ،لنّ البيع تقرّر بقبض المبيع فتقرّر الثّمن -هذا من حيث
الجملة -سواء أكان التّلف بآفة سماويّة أم بفعل المبيع أم بفعل المشتري ،وإذا كان التّلف
بفعل أجنبيّ فإنّه يرجع المشتري على الجنبيّ بضمانه .
وفصّل الحنفيّة فقالوا :إذا تلف بفعل البائع فينظر إن كان المشتري قبضه بإذن البائع أو
ي سواء .
بغير إذنه .فإن كان قبضه بإذنه فاستهلكه واستهلك الجنب ّ
وإن كان قبضه بغير إذن البائع صار البائع بالستهلك مستردّا للمبيع ،فحصل الستهلك
في ضمانه ،فيوجب بطلن البيع وسقوط الثّمن ،كما لو استهلك وهو في يده .
وإذا كان المشتري قد قبض المبيع على الخيار له أو للبائع أو لهما ،ففي المذاهب تفصيل
في ضمان التّلف يرجع إليه في بحث ( :الخيار ) .
تلف بعض المبيع بعد القبض :
ن التّلف يكون على المشتري ،ول شيء على
-إذا تلف بعض المبيع بعد القبض ،فإ ّ 18
البائع ويجب عليه الثّمن ،لنّ المبيع خرج عن ضمان البائع بقبض المشتري فتقرّر عليه
الثّمن .وكذا إذا هلك بفعل أجنبيّ فالهلك على المشتري ويرجع بالضّمان على الجنبيّ .
واستثنى الحنفيّة من ذلك التّلف بفعل البائع ،وفرّقوا بين ما لو كان للبائع حقّ السترداد أم
ل .فإن لم يكن للبائع حقّ السترداد فإتلفه والجنبيّ سواء ،وإن كان له حقّ السترداد
ينفسخ البيع في قدر المتلف ،ويسقط عن المشتري حصّته من الثّمن ،لنّه صار مستردّا
لذلك القدر بالتلف ،فتلف ذلك القدر في ضمانه ،فيسقط قدره من الثّمن .
ب -تلف زوائد المبيع :
-زوائد المبيع الحادثة في يد البائع ،كثمرة ولبن وبيض ،أمانة في يد البائع ،ل 19
يضمنها إذا تلفت بغير تفريط منه ،وذلك لنّ ضمان الصل بالعقد وهو لم يشملها ،ولم
تمتدّ يده عليها لتملّكها ،كالمستام ولم يوجد منه تعدّ كالغاصب حتّى يضمن .
ج -التّلف في الجارة :
ن العين المؤجّرة أمانة في يد المستأجر ،فإن تلفت أو ضاعت
-اتّفق الفقهاء على أ ّ 20
بغير تعدّ منه ول تفريط فل ضمان عليه ،أمّا إذا تعدّى أو فرّط في المحافظة عليها فإنّه
يكون ضامنا لما يلحق العين من تلف أو نقصان ،وكذلك الحكم إذا تجاوز في النتفاع بها
حقّه فيه فتلفت عند ذلك .
واتّفقوا كذلك على أنّ الجير الخاصّ أمين ،فل ضمان عليه فيما تلف في يده من مال أو ما
تلف بعمله إل بالتّعدّي أو التّفريط .لنّه نائب المالك في صرف منافعه إلى ما أمر به ،فلم
ن عمله غير مضمون عليه ،فلم يضمن ما تلف به كسراية القصاص ،
يضمن كالوكيل ،ول ّ
ولم يوجد منه صنع يصلح سببا لوجوب الضّمان .
ن الجير المشترك إذا تلف عنده المتاع بتعدّ أو تفريط فإنّه يضمن .
واتّفقوا على أ ّ
واختلفوا فيما إذا تلف بغير تعدّ منه أو تفريط .
ن الصل أن ل
فذهب الشّافعيّة وأبو حنيفة وزفر إلى أنّ يده يد أمانة فل يضمن ما تلف ،ل ّ
يجب الضّمان إلّا على المتعدّي ،لقوله عزّ وجلّ { فَل عُ ْدوَانَ إل عَلَى الظّا ِلمِينَ } ولم يوجد
التّعدّي من الجير لنّه مأذون في القبض ،والهلك ليس من صنعه فل يجب الضّمان عليه ،
ولهذا ل يجب الضّمان على المودع .قال الرّبيع :اعتقاد الشّافعيّ أنّه ل ضمان على
الجير ،وإنّ القاضي يقضي بعلمه ،وكان ل يبوح به خشية قضاة السّوء وأجراء السّوء .
وذهب أبو يوسف ومحمّد بن الحسن إلى أنّه مضمون عليه بالتّلف ،إل في حرق غالب ،أو
غرق غالب ،أو لصوص مكابرين ،فروي عن محمّد بن الحسن أنّه لو احترق محلّ الجير
المشترك بسراج يضمن الجير ،لنّ هذا ليس بحريق غالب ،وهو الّذي يقدر على
استدراكه لو علم به ،لنّه لو علم به لطفأه فلم يكن موضع العذر .
واحتجّا بما روي عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :على اليد ما أخذت حتّى
تؤدّي » .وروي عن عمر رضي ال عنه أنّه كان يضمّن الجير المشترك احتياطا لموال
النّاس ،وهو المعنى في المسألة ،وهو أنّ هؤلء الجراء الّذين يسلّم المال إليهم من غير
شهود تخاف الخيانة منهم ،فلو علموا أنّهم ل يضمنون لهلكت أموال النّاس لنّهم ل
يعجزون عن دعوى الهلك ،وهذا المعنى ل يوجد في الحريق الغالب ،والغرق الغالب ،
والسّرق الغالب .
وذهب الحنابلة إلى أنّه يضمن ما تلف بفعله ولو بخطئه ،كتخريق القصّار الثّوب ،وغلطه
كأن يدفعه إلى غير ربّه ،وأمّا ما تلف من حرزه بنحو سرقة أو تلف بغير فعله إذا لم يفرّط
فل ضمان عليه ،لنّ العين في يده أمانة ،أشبه بالمودع .
وشرط المالكيّة لتضمينه شرطين :أحدهما :أن يغيب الجير المشترك على السّلعة ،وذلك
بأن يصنعها بغير حضور ربّها وبغير بيته ،وأمّا إن صنعها ببيته ولو بغير حضور ربّها ،
أو صنعها بحضوره لم يضمن ما نشأ من غير فعله كسرقة ،أو تلف بنار مثل بل تفريط .
وثانيهما :أن يكون المصنوع ممّا يغاب عليه كثوب ونحوه .
ثالثا :التّلف في عقود المانات وما في معناها :
-الصل في عقود المانات كالوديعة أنّ ما تلف فيها من العيان يكون تلفه على صاحبه 21
ي صلى ال عليه
وليس على من كانت في يده شيء إن لم يتعدّ أو يفرّط فيها ،لقول النّب ّ
وسلم « ليس على المستعير غير المغلّ ضمان ،ول على المستودع غير المغلّ ضمان »
ي صلى ال عليه وسلم قال « :من
ولما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ النّب ّ
أودع وديعة فل ضمان عليه » ولحاجة النّاس إلى تلك العقود وفي إيجاب الضّمان عليهم
تنفير عنها .واستثنى الشّافعيّة والحنابلة من تلك العقود العاريّة ،فقالوا بضمانها مطلقا إن
ي صلى ال عليه وسلم قال :
تلفت عند المستعير فرّط أم لم يفرّط ،لحديث سمرة أنّ النّب ّ
« على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي » « .وعن صفوان أنّه صلى ال عليه وسلم استعار منه
يوم حنين أدرعا ولم يكن قد أسلم بعد فقال :أغصبا يا محمّد ؟ قال :بل عاريّة مضمونة ».
ولنّه مال يجب ردّه لمالكه فيضمن عند تلفه كالمستام .
وأشار أحمد إلى الفرق بين العاريّة الوديعة وهو أنّ العاريّة أخذتها باليد ،الوديعة دفعت
إليك .واستثنى الشّافعيّة في الصحّ عندهم من ضمان العاريّة التّلف المنمحق -أي ما يتلف
بالكلّيّة عند الستعمال -والمنسحق -أي ما يتلف بعضه عند الستعمال -إذا تلف
باستعمال مأذون فيه لحدوثه عن سبب مأذون فيه ،فأشبه قوله :كل طعامي .
ن مقتضى العارة الرّدّ ،ولم يوجد في
وعندهم قول بضمان المنمحق دون المنسحق ،ل ّ
المنمحق ،فيضمنه بخلف المنسحق .
وخصّ المالكيّة الضّمان بتلف العاريّة المغيّب عليها -أي ما يمكن إخفاؤه -كالثّياب والحليّ
بخلف ما ل يغاب عليه ،فل ضمان عليه بتلفه ،كالحيوان والعقار ،إل أن يأتي المستعير
ببيّنة تثبت تلفه أو ضياعه بل سببه ،فل يضمنه خلفا لشهب القائل بالضّمان مطلقا .
-وهناك عقود فيها معنى المانة كالمضاربة والجارة والرّهن ،فهي وإن لم تكن في 22
تفويت عين المغصوب عن ربّه ،والتّلف المعنويّ :هو تفويت معنى في المغصوب .وفي
كليهما الضّمان .
واتّفق الفقهاء على أنّه إن تلف المغصوب المنقول عند الغاصب ،فإنّ عليه الضّمان ،سواء
تلف عنده بآفة أو بإتلف ،ويكون الضّمان بالمثل إن كان المغصوب مثليّا ،وبالقيمة إن
كان قيميّا ،وإن تلف بعضه فعليه أرش النّقصان .
واختلفوا في غاصب العقار ،إذا تلف العقار عنده بسيل أو حريق أو شبه ذلك هل عليه
الضّمان أم ل ؟ .
فذهب جمهور الفقهاء -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة -إلى
تضمينه ،وذهب الحنفيّة إلى عدم تضمينه إلّا في ثلث :الموقوف ،ومال اليتيم ،والمعدّ
للستغلل .هذا في التّلف الحسّيّ .أمّا التّلف المعنويّ ،فمن صوره الّتي ذكرها الفقهاء ،
ما لو غصب عبدا ذا حرفة فنسي المغصوب الحرفة عند الغاصب فإنّ عليه أرش النّقص ،
إل أن يتذكّرها سواء عند الغاصب أو المالك ،أو يتعلّمها عند الغاصب فل شيء عليه ،أمّا
لو تعلّمها عند المالك فالرش باق على الغاصب .
وزاد الحنفيّة ما إذا كان شابّا فشاخ عند الغاصب ،فإنّه يجب عليه الضّمان أيضا .
سادسا :تلف اللّقطة :
-لتلف اللّقطة حالن ،فهي في حال أمانة ل شيء على الملتقط إذا تلفت عنده أو 25
ضاعت بغير تفريط منه ول تعدّ .وفي حال مضمونة بالتّلف أو الضّياع .
ن اللّقطة أمانة عند الملتقط إذا أخذها ليحفظها لصاحبها ،فإن تلفت
وقد اتّفق الفقهاء على أ ّ
عنده أو ضاعت ل شيء عليه ،لنّه أخذها على سبيل المانة فكانت يده يد أمانة كيد
المودع .وإن أخذها بقصد الخيانة فإنّه ضامن لها إن تلفت عمل بقصده المقارن لفعله
ويعتبر كالغاصب .
سابعا :تلف المهر :
-فرّق الحنفيّة في تلف الصّداق المعيّن بين أن يكون التّلف فاحشا أو غير فاحش ، 26
وبين أن يكون في يد الزّوج أو في يد الزّوجة ،ويختلف الحكم في كلّ باختلف متلفه .
أ -الصّداق بيد الزّوج والنّقصان فاحش :
إن كان نقصان الصّداق بفعل أجنبيّ وكان فاحشا ،فالمرأة بالخيار بين أخذ المهر ناقصا مع
الرش ،وبين ترك الصّداق وأخذ قيمته من الزّوج يوم العقد ،ثمّ يرجع الزّوج على الجنبيّ
بضمان النّقصان .وإن كان النّقصان بآفة سماويّة ،فالزّوجة بالخيار ،إن شاءت أخذته
ناقصا ول شيء لها غير ذلك ،وإن شاءت تركته وأخذت قيمته يوم العقد .
ن المرأة بالخيار بين أخذه ناقصا مع أرش النّقصان من
وإن كان النّقصان بفعل الزّوج ،فإ ّ
الزّوج ،وبين أخذ قيمته يوم العقد ،وروي عن أبي حنيفة أنّ الزّوج إذا جنى على المهر
فالزّوجة بالخيار إن شاءت أخذته ناقصا ول شيء لها غير ذلك ،وإن شاءت أخذت القيمة ،
وإن كان النّقصان بفعل الزّوجة نفسها فل شيء على الزّوج ،وصارت قابضة بالجناية ،
فجعل كأنّ النّقصان حصل في يدها .
وإن كان النّقصان بفعل المهر ،بأن جنى المهر على نفسه ،ففيه روايتان :
إحداهما :أنّ حكمه كما لو تلف بآفة سماويّة ،والثّانية :كما لو تلف بفعل الزّوج .
ب -الصّداق بيد الزّوج والنّقصان غير فاحش :
إذا كان نقصان الصّداق يسيرا غير فاحش ،فل خيار للزّوجة ،كما إذا كان هذا العيب به
يوم العقد ،ثمّ إن كان هذا النّقصان بآفة سماويّة أو بفعلها أو بفعل المهر فل شيء لها ،
وإن كان بفعل أجنبيّ أو بفعل الزّوج أخذته مع أرش النّقصان .
ج -الصّداق بيد الزّوجة والنّقصان فاحش :
إذا كان نقصان الصّداق بفعل أجنبيّ ،وكان فاحشا قبل الطّلق فالرش لها ،فإن طلّقها
الزّوج فله نصف القيمة يوم قبضت ول سبيل له على العين ،وإن كانت جناية الجنبيّ عليه
بعد الطّلق فللزّوجة نصف المهر ،وهو بالخيار في الرش بين أخذ نصفه من المرأة مع
اعتبار قيمته يوم القبض ،وبين أخذ نصفه من الجاني .
وإن كان النّقصان بفعل الزّوج فجنايته كجناية الجنبيّ ،لنّه جنى على ملك غيره ول يد له
ي.
فيه فصار كالجنبيّ ،وسبق حكم إتلف الجنب ّ
وإن كان النّقصان بآفة سماويّة قبل الطّلق فالزّوج بالخيار بين أخذ نصفه ناقصا ول شيء
له غير ذلك ،وبين أخذ نصف القيمة يوم القبض ،وإن كان ذلك بعد الطّلق فهو بالخيار
أيضا بين أخذ نصفه ونصف الرش ،وبين أخذ قيمته يوم قبضت .
وإن كان النّقصان بفعل المرأة فالزّوج بالخيار بين أخذ نصفه ول شيء له ،وبين أخذ نصف
قيمته .
وقال زفر :للزّوج أن يضمّنها الرش ،وإن كان ذلك بعد الطّلق فعليها نصف الرش ،وإن
كان النّقصان بفعل المهر نفسه فالزّوج بالخيار بين أخذ نصفه ناقصا وبين أخذ نصف قيمته.
د -الصّداق بيد المرأة والنّقصان غير فاحش :
ي أو الزّوج ،فإنّ
إن كان النّقصان غير فاحش وهو بيد المرأة وكان النّقصان بفعل أجنب ّ
ن الرش يمنع التّنصيف ،وإن كان النّقصان بآفة سماويّة أو بفعلها أو
المهر ل يتنصّف ل ّ
بفعل المهر أخذ النّصف ول خيار له .
-ويفرّق المالكيّة بين ما إذا كان الصّداق ممّا يغاب عليه أو ممّا ل يغاب عليه : 27
فإذا تلف الصّداق وكان ممّا يغاب عليه ولم يثبت هلكه ببيّنة ،فضمانه ممّن هلك في يده ،
سواء أكان بيد الزّوج أم الزّوجة ،فإذا كان بيد الزّوج وادّعى ضياعه وكان قد دخل بها
ضمن لها قيمته أو مثله ،وإن كان بيدها ضاع عليها ،وإن كان طلّق قبل الدّخول لزم لها
نصف الصّداق إن ضاع بيده ،وإن كان بيدها غرمت له نصف القيمة أو نصف المثل .
وإن كان الصّداق ممّا ل يغاب عليه ،أو كان ممّا يغاب عليه ،وقامت على هلكه بيّنة ،
فضمانه منهما سواء كان بيد الزّوج أو بيد الزّوجة ،فك ّل من تلف في يده ل يغرم للخر
حصّته .وهذا فيما إذا حصل طلق قبل الدّخول .
ن ضمان الصّداق على
وأمّا إذا لم يحصل طلق قبل الدّخول ،وكان النّكاح صحيحا ،فإ ّ
الزّوجة بمجرّد العقد ولو كان بيد الزّوج ،والمراد بضمانها له أنّه يضيع عليها .
وإن كان النّكاح فاسدا فإنّها ل تضمن الصّداق إل بقبضه .
-وقسّم الشّافعيّة تلف المهر إذا كان عينا إلى تلف كلّيّ وتلف جزئيّ ،وفرّقوا في الحكم 28
بين أن يكون التّلف بفعل أجنبيّ ،أو بفعل الزّوج ،أو الزّوجة ،أو بآفة سماويّة .
أ -التّلف الكلّيّ :فإذا تلف المهر في يد الزّوج بآفة سماويّة وجب عليه بدله من مثل أو
قيمة .وإن تلف بفعل الزّوجة فيعتبر إتلفها قبضا له إذا كانت أهل للتّصرّف ،ول شيء
على الزّوج لنّها قبضت حقّها وأتلفته ،وإن كانت غير رشيدة ،فل يعتبر إتلفها قبضا ،
لنّ قبضها غير معتدّ به ،ويجب على الزّوج الضّمان .
وإن تلف بفعل الزّوج فحكمه كما لو تلف بآفة سماويّة ،فيجب عليه بدله من مثل أو قيمة .
وإن تلف بفعل أجنبيّ ،فالزّوجة بالخيار بين فسخ الصّداق وإبقائه ،فإن فسخت الصّداق
أخذت من الزّوج مهر المثل .ويأخذ الزّوج الغرم من المتلف ،وإن أبقته غرم المتلف لها
المثل أو القيمة ،وليس لها مطالبة الزّوج .
ي :إن تلف بعض الصّداق قبل قبضه بآفة سماويّة أو بفعل الزّوج .
ب -التّلف الجزئ ّ
انفسخ عقد الصّداق في التّالف دون الباقي ،ولها الخيار بين الفسخ والجازة لعدم سلمة
المعقود عليه ،فإن فسخت الصّداق فلها مهر المثل .
وإن أجازت فلها حصّة التّالف من مهر المثل مع الباقي من المهر بعد التّلف .
وإن تلف بعضه بفعل الزّوجة فهي قابضة لقسطه الّذي تلف بفعلها ،ول شيء على الزّوج
ولها الباقي من المهر بعد التّلف .
وإن أتلفه أجنبيّ فهي بالخيار بين الفسخ والجازة ،فإن فسخت طالبت الزّوج بمهر المثل ،
وإن أجازت طالبت الجنبيّ بالبدل .على تفصيل في المذهب ينظر في ( صداق ) .
-وذهب الحنابلة إلى أنّ ضمان المهر على الزّوجة سواء أقبضته أم لم تقبضه لدخوله 29
في ملكها بالعقد ،إل أن يمنعها الزّوج قبضه فيكون ضمانه عليه لنّه بمنزلة الغاصب .إل
أن يتلف الصّداق بفعلها ،فيكون إتلفها قبضا منها ويسقط عنه ضمانه ،هذا فيما إذا كان
الصّداق معيّنا .وأمّا إذا كان الصّداق غير معيّن ،فإنّه ل يدخل في ضمانها إل بقبضه .
وهذا كلّه فيما إذا دخل بها .
وأمّا إن طلّقها قبل الدّخول وتلف بعض الصّداق وهو بيدها ،فإن كان التّلف بغير جناية
عليه كأن نقص بمرض ،أو نسيان صنعة ،فالزّوج بالخيار بين أخذ نصف عينه ناقصا ول
شيء له غيره ،وبين أخذ نصف قيمته ،وإن كان نقصان الصّداق بجناية جان عليه فللزّوج
أخذ نصف الصّداق الباقي مع نصف الرش لنّه بدل ما فات منه
ما يتلفه البغاة :
البغاة وهم مخالفو المام بالخروج عليه وترك النقياد له أو منع حقّ توجّه إليهم ،بشرط أن
تكون لهم شوكة وتأويل غير مقطوع بفساده ومطاع يصدرون عن أمره .
-واتّفق الفقهاء على أنّ ما يتلفه البغاة من الموال والنفس على المام العادل ل ضمان 30
فيه ،وكذلك ما يتلفه المام عليهم .لقول الزّهريّ :هاجت الفتنة وأصحاب رسول اللّه
متواترون ،فأجمعوا أن ل يقاد أحد ،ول يؤخذ مال على تأويل القرآن إل ما وجد بعينه.
فقد جرت الوقائع في عصر الصّحابة رضوان ال عليهم ،كوقعة الجمل ،وصفّين ،ولم
يطالب بعضهم بعضا بضمان نفس أو مال ،ولجل التّرغيب في الطّاعة لئل ينفروا عنها
ويتمادوا على ما هم فيه ،ولهذا سقطت التّبعة عن الحربيّ إذا أسلم ،ولنّ المام مأمور
بالقتال فل يضمن ما يتولّد منه ،وهم إنّما أتلفوا بتأويل .
ويشترط لنفي الضّمان أن يكون التلف في حال القتال ،وأمّا في غير حال القتال فإنّه
مضمون عليهم .وقيّد الشّافعيّة الحكم وخصّوه بما أتلف في القتال لضرورته ،فإن أتلف
فيه ما ليس من ضرورته فإنّه مضمون عندهم .واستثنوا من ذلك ما إذا قصد أهل العدل
بإتلف المال إضعافهم وهزيمتهم ،فإنّه ل ضمان ،بخلف ما لو قصدوا التّشفّي والنتقام .
ولم يعتبر الحنفيّة هذا الشّرط ،وإنّما اعتبروا التّحيّز وعدمه ،وقالوا :ما فعلوه قبل التّحيّز
والخروج وبعد تفرّق جمعهم يؤاخذون به ،وأمّا ما فعلوه بعد التّحيّز فل ضمان فيه .
وعندهم كذلك يضمن المام ما أتلفه عليهم قبل تحيّزهم وخروجهم ،أو بعد كسرهم وتفرّق
جمعهم .
ما تتلفه الدّوابّ :
-قد سبق تفصيله في مصطلح ( :إتلف ) . 31
تلفيق *
التّعريف :
ضمّ ،وهو مصدر لفّق ،ومادّة لفّق لها في اللّغة أكثر من معنى ،
-التّلفيق في اللّغة :ال ّ 1
ضمّ .
فهي تستعمل بمعنى ال ّ
والملءمة ،والكذب المزخرف .والتّلفاق أو اللّفاق بكسرهما :ثوبان يلفّق أحدهما بالخر .
ضمّ كما في المرأة الّتي انقطع دمها فرأت
وفي الصطلح :يستعمل الفقهاء التّلفيق بمعنى ال ّ
يوما دما ويوما نقاء ،أو يومين ويومين بحيث ل يجاوز التّقطّع خمسة عشر يوما عند غير
الكثرين على مقابل الظهر عند الشّافعيّة .
وكما هو الحال في حصول الرّكعة الملفّقة في صلة الجمعة للمسبوق .
ويستعملونه أيضا بمعنى التّوفيق والجمع بين الرّوايات المختلفة في المسألة الواحدة ،كما
في الرّوايات الموجبة للجعل في ردّ البق عند الحنفيّة .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّفريق :
-التّفريق مصدر فرّق ومعناه في اللّغة :الفصل بين الشّيئين والفقهاء يستعملونه أيضا 2
بهذا المعنى كما في التّفريق في صيام التّمتّع بين الثّلثة والسّبعة اليّام ،وكما في قسم
الصّدقات ،وكما في تفريق طلق المدخول بها إذا أراد أكثر من واحدة بأن يوقع كلّ طلقة
في طهر لم يمسّها فيه ليصيب السّنّة .فالتّفريق ض ّد التّلفيق .
ب -التّقدير :
-التّقدير :مصدر قدّر ،ويأتي في اللّغة على وجوه من المعاني . 3
يكون فاصل بينهما ،أمّا إذا كان الطّهر الفاصل بين الدّمين أقلّ من هذه المدّة فقد اختلفوا
في اعتباره فاصل أو عدم اعتباره .
-فالحنفيّة يجمعون على أنّ الطّهر الفاصل بين الدّمين إذا كان أق ّل من ثلثة أيّام فإنّه ل 5
يعتبر فاصل .وأمّا فيما عدا ذلك ففيه أربع روايات عن أبي حنيفة :
ن الطّهر المتخلّل بين الدّمين إذا كان أق ّل من خمسة
الولى :وهي رواية أبي يوسف عنه أ ّ
عشر يوما يكون طهرا فاسدا ول يكون فاصل بين الدّمين بل يكون كلّه كدم متوال ،ثمّ يقدّر
ما ينبغي أن يجعل حيضا فيجعل حيضا والباقي يكون استحاضة .
ن الدّم إذا كان في طرفي العشرة فالطّهر المتخلّل بينهما ل
الثّانية :وهي رواية محمّد عنه أ ّ
يكون فاصل ويجعل كلّه كدم متوال ،وإن لم يكن الدّم في طرفي العشرة كان الطّهر فاصل
بين الدّمين .ثمّ بعد ذلك إن أمكن أن يجعل أحد الدّمين حيضا يجعل ذلك حيضا ،وإن أمكن
أن يجعل كلّ واحد منهما حيضا يجعل أسرعهما وهو أوّلهما ،وإن لم يمكن جعل أحدهما
حيضا ل يجعل شيء من ذلك حيضا .
الثّالثة :وهي رواية عبد اللّه بن المبارك عنه أنّ الدّم إذا كان في طرفي العشرة وكان بحال
لو جمعت الدّماء المتفرّقة تبلغ حيضا ل يصير الطّهر فاصلً بين الدّمين ويكون كلّه حيضا ،
وإن كان بحال لو جمع ل يبلغ حيضا يصير فاصل بين الدّمين ،ثمّ ينظر إن أمكن أن يجعل
أحد الدّمين حيضا يجعل ذلك حيضا ،وإن أمكن أن يجعل ك ّل واحد منهما حيضا ،يجعل
أسرعهما حيضا وإن لم يمكن أن يجعل أحدهما حيضا ل يجعل شيء من ذلك حيضا .
الرّابعة :وهي رواية الحسن عنه أنّ الطّهر المتخلّل بين الدّمين إذا كان أقلّ من ثلثة أيّام ل
يكون فاصل بين الدّمين ،وكلّه بمنزلة المتوالي ،وإذا كان ثلثة أيّام كان فاصل بينهما .
ن الطّهر المتخلّل بين الدّمين إذا كان أق ّل من ثلثة أيّام ل يعتبر فاصل ،وإن
واختار محمّد أ ّ
كان أكثر من الدّمين ،ويكون بمنزلة الدّم المتوالي ،وإذا كان ثلثة أيّام فصاعدا فهو طهر
كثير فيعتبر .لكن ينظر بعد ذلك إن كان الطّهر مثل الدّمين أو أق ّل من الدّمين في العشرة ل
يكون فاصل ،وإن كان أكثر من الدّمين يكون فاصل .هذا وأقلّ الحيض عند الحنفيّة ثلثة
أيّام وثلث ليال في ظاهر الرّواية ،وأكثره عشرة أيّام ولياليها ،وأقلّ الطّهر عندهم خمسة
عشر يوما ول غاية لكثره ،إل إذا احتيج إلى نصب العادة .
-ويرى المالكيّة في مسألة التّقطّع هذه أنّ المرأة تُ َلفّق أي تجمع أيّام الدّم فقط ل أيّام 6
ولو كان ساعة ،لقول ابن عبّاس :ل يح ّل لها إذا رأت الطّهر ساعة إل أن تغتسل ،ثمّ إن
انقطع الدّم لخمسة عشر فما دون فجميعه حيض ،تغتسل عقيب كلّ يوم وتصلّي في الطّهر ،
وإن عبر الخمسة عشر فهي مستحاضة تردّ إلى عادتها .
والصل المعتبر الّذي تر ّد إليه مسائل التّلفيق عندهم حينئذ أنّها إن كانت عادتها سبعة
متوالية جلست ،وما وافقها من الدّم فيكون حيضها منه ثلثة أيّام أو أربعة .
ن النّاسية كالمعتادة إن أجلسناها سبعا ،فإن أجلسناها أق ّل الحيض جلست يوما
وقالوا :إ ّ
وليلة ل غير ،وإن كانت مميّزة ترى يوما دما أسود ،ثمّ ترى نقاء ،ثمّ ترى أسود إلى
عشرة أيّام ،ثمّ ترى دما أحمر وعبر ( أي :تجاوز ) ردّت إلى التّمييز ،فيكون حيضها
زمن الدّم السود دون غيره ،ول فرق بين أن ترى الدّم زمنا يمكن أن يكون حيضا كيوم
وليلة ،أو دون ذلك كنصف يوم ونصف ليلة .فإن كان النّقاء أقلّ من ساعة فالظّاهر أنّه
ن الدّم يجري تارة وينقطع أخرى .
ليس بطهر ل ّ
وإذا رأت ثلثة أيّام دما ثمّ طهرت اثني عشر يوما ،ث ّم رأته ثلثة دما ،فالوّل حيض لنّها
رأته في زمان إمكانه .
والثّاني استحاضة لنّه ل يمكن أن يكون ابتداء حيض لكونه لم يتقدّمه أق ّل الطّهر ول من
الحيض الوّل ،لنّه يخرج عن الخمسة عشر ،والحيضة الواحدة ل يكون بين طرفيها أكثر
من خمسة عشر يوما .
فإن كان بين الدّمين ثلثة عشر يوما فأكثر وتكرّر ،فهما حيضتان لنّه أمكن جعل كلّ واحد
منهما حيضة منفردة لفصل أقلّ الطّهر بينهما ،وإن أمكن جعلهما حيضة واحدة بأن ل يكون
بين طرفيهما أكثر من خمسة عشر يوما مثل أن ترى يومين دما وتطهر عشرة ،وترى
ثلثة دما وتكرّر فهما حيضة واحدة ،لنّه لم يخرج زمنهما عن مدّة أكثر الحيض .
وجاء في مطالب أولي النّهى أنّ الطّهر في أثناء الحيضة صحيح تغتسل فيه وتصلّي ونحوه
أي :تصوم وتطوف وتقرأ القرآن ،ول يكره فيه الوطء لنّه طهر حقيقة .
وقال في النصاف :حكمها حكم الطّاهرات في جميع أحكامها على الصّحيح من المذهب .
هذا والحنابلة في أقلّ الحيض وأكثره وغالبه كالشّافعيّة ،إل أنّهم خالفوهم في أقلّ الطّهر
الفاصل بين الحيضتين ،حيث قالوا :إنّه ثلثة عشر يوما .
والتّفصيل في مصطلح ( حيض ) .
إدراك الجمعة بركعة ملفّقة :
ن الجمعة تدرك بركعة ملفّقة من ركوع الولى وسجود
-يرى الشّافعيّة والحنابلة أ ّ 9
الثّانية ،وقد ذكر الشّافعيّة ذلك في المزحوم الّذي لم يتمكّن من السّجود في الرّكعة الولى
حتّى شرع المام في ركوع الرّكعة الثّانية من الجمعة ،فقد ذكروا أنّ المزحوم يراعي نظم
صلة نفسه في قول فيسجد الن ،ويحسب ركوعه الوّل في الصحّ لنّه أتى به في وقته ،
وإنّما أتى بالرّكوع الثّاني لعذر ،فأشبه ما لو والى بين ركوعين ناسيا .
ق الن فركعته ملفّقة من ركوع
وقيل :يؤخذ بالرّكوع الثّاني لفراط التّخلّف فكأنّه مسبوق َلحِ َ
الرّكعة الولى ومن سجود الثّانية الّذي أتى به فيها ،وتدرك بها الجمعة في الصحّ لطلق
خبر « :من أدرك ركعة من الجمعة فليصلّ إليها أخرى » .وهذا قد أدرك ركعة وليس
التّلفيق نقصا في المعذور .وعلى مقابل الصحّ ل تدرك بها الجمعة لنقصها بالتّلفيق .
هذا والظهر عند الشّافعيّة متابعة المام .لظاهر « :إنّما جعل المام ليؤتمّ به فإذا ركع
فاركعوا » ولنّ متابعة المام آكد ،ولهذا يتبعه المسبوق ويترك القراءة والقيام .
وأمّا الحنابلة فقد ذكروا ذلك فيمن زال عذره بعد أن أدرك ركوع الولى ،وقد رفع إمامه من
ركوع الثّانية ،فقد جاء في النصاف :أنّه يتابعه في السّجود فتتمّ له ركعة ملفّقة من ركعتي
إمامه يدرك بها الجمعة على الصّحيح من المذهب .
وتدرك الجمعة عند الشّيخين من الحنفيّة بإدراك المام في التّشهّد أو في سجود السّهو ،
وعلى هذا فل يتصوّر التّلفيق عندهما لعدم الحاجة إليه ،وقال محمّد :إنّها تدرك بإدراك
أكثر الرّكعة الثّانية مع المام .
وذكر صاحب مواهب الجليل من المالكيّة قولين عن ابن القاسم وأشهب فيمن زوحم عن
السّجدة الخيرة في الجمعة بحيث لم يتمكّن من التيان بها إلّا بعد سلم المام في أنّه يتمّها
ظهرا أو جمعة .والتّفصيل في مصطلح ( جمعة ) .
التّلفيق في مسافة القصر لمن كان بعض سفره في البحر وبعضه في البرّ :
-يرى المالكيّة على القول الّذي ل يفرّق بين السّفر في البحر والسّفر في البرّ في اعتبار 10
المسافة أنّه إذا سافر وكان بعض سفره في الب ّر وبعضه في البحر فإنّه يلفّق أي :يضمّ
مسافة أحدهما لمسافة الخر مطلقا من غير تفصيل .
وجاء في الزّرقانيّ أنّه يلفّق بين مسافة الب ّر ومسافة البحر إذا كان السّير في البحر بمجداف
،أو به وبالرّيح ،فإن كان يسير فيه بالرّيح فقط لم يقصر في مسافة البرّ المتقدّمة وهي
دون قصر فل تلفيق .
ولم يفرّق الشّافعيّة وكذا الحنابلة -على الصّحيح من المذهب عندهم -في مسافة القصر
بين البرّ والبحر ،بل لو سار في البحر وقطع تلك المسافة في لحظة فإنّه يقصر .
وعند الحنفيّة ل يعتبر السّير في البرّ بالسّير في البحر ،ول السّير في البحر بالسّير في البرّ
،وإنّما يعتبر في كلّ موضع منهما ما يليق بحاله ،والمختار للفتوى عندهم أن ينظر كم
تسير السّفينة في ثلثة أيّام ولياليها ،إذا كانت الرّياح مستوية معتدلة فيجعل ذلك هو المقدّر
،لنّه أليق بحاله كما في الجبل .والتّفصيل في مصطلح ( :سفر ) .
التّلفيق في صوم الشّهرين في كفّارة الظّهار وما شابهها :
-المراد بالتّلفيق في صوم الكفّارة إتمام الشّهر الوّل منهما من الشّهر الثّالث . 11
اتّفق الفقهاء على أنّ المكفّر بالصّوم في كفّارة الظّهار ،أو القتل ،أو الوطء عمدا في نهار
رمضان إذا ابتدأ صوم الشّهرين باعتبار الهلّة فإنّ ذلك يجزئه حتّى وإن كانا ناقصين .
واتّفقوا أيضا على الجزاء فيما إذا كان أحدهما ناقصا والخر كاملً .
واتّفقوا أيضا على الجزاء فيما لو صام ستّين يوما بغير اعتبار الهلّة .
واتّفقوا أيضا على أنّه لو ابتدأ الصّيام في أثناء شهر ،ثمّ صام الشّهر الّذي يليه باعتبار
الهلل ،ثمّ أكمل الشّهر الوّل من الشّهر الثّالث تلفيقا وبلغ عدد اليّام ستّين يوما فإنّه
يجزئه .أمّا لو بلغ عدد اليّام تسعة وخمسين يوما فإنّ ذلك يجزئه عند المالكيّة والحنابلة
والصّاحبين والشّافعيّة في الصّحيح ،ول يجزئه عند أبي حنيفة وعند الشّافعيّة في وجه شاذّ
.والتّفصيل في مصطلح ( كفّارة ) .
التّلفيق بين شهادتين لثبات الرّدّة :
-ذهب المالكيّة إلى جواز التّلفيق بين الشّهادتين في القوال المختلفة في اللّفظ المتّفقة 12
في المعنى لثبات الرّدّة ،كما لو شهد أحدهما عليه أنّه قال :لم يكلّم اللّه موسى تكليما ،
وشهد آخر عليه أنّه قال :ما اتّخذ اللّه إبراهيم خليل ،فإنّ القاضي يجمع بين هاتين
الشّهادتين لثبات الرّدّة .أمّا إذا كانت إحدى الشّهادتين على قول ،مثل أن يشهد عليه أنّه
قال :في كلّ جنس نذير ،والخرى على فعل كإلقاء مصحف في قاذورة ،أو كانتا على
فعلين مختلفين كاللقاء المذكور ،وشدّ الزّنّار فل تلفيق .
هذا وفي قبول الشّهادة لثبات الرّدّة خلف بين الفقهاء في أنّها هل تثبت بها مطلقا أي :
على وجه الطلق أو ل بدّ من التّفصيل ؟ وهل يتعرّض للمشهود عليه إذا أنكر ؟
وهذا بعد اتّفاقهم جميعا على أنّ الشّهادة بها ل يقبل فيها إل العدول .
فذهب الحنفيّة كما جاء في الدّرّ المختار إلى أنّهم لو شهدوا على مسلم بالرّدّة وهو منكر ل
ن إنكاره توبة ورجوع يدرأ عنه القتل فقط دون
يتعرّض له ل لتكذيب الشّهود والعدول بل ل ّ
غيره من أحكام الرّدّة ،كحبط عمل وبطلن وقف وبينونة زوجة وإل أي :إذا لم ينكر فإنّه
يقتل كارتداده بنفسه .
ن الشّهادة بها ل تقبل بإطلق ،بل ل بدّ
وذهب المالكيّة والشّافعيّة على أحد القولين إلى أ ّ
من التّفصيل لختلف أهل السّنّة في أسباب الكفر فربّما وجب عند بعض دون آخرين .
ن الشّهادة بها تقبل بإطلق
والقول المعتمد عند الشّافعيّة ،وهو أيضا مذهب الحنابلة هو أ ّ
من غير تفصيل ،حتّى إذا أنكر المشهود عليه ل ينفعه إنكاره بل ل ب ّد له من التّوبة وإل
قتل ،لنّها لخطرها ل يقدّم العدل على الشّهادة بها إل بعد تحقّقها بأن يذكر موجبها وإن لم
يقل عالما مختارا لختلف المذاهب في الكفر وخطر أمر الرّدّة .
والتّفصيل في مصطلح ( ردّة ) .
التّلفيق بين المذاهب :
-المراد بالتّلفيق بين المذاهب أخذ صحّة الفعل من مذهبين معا بعد الحكم ببطلنه على 13
كلّ واحد منهما بمفرده ،ومثاله :متوضّئ لمس امرأة أجنبيّة بل حائل وخرج منه نجاسة
كدم من غير السّبيلين ،فإنّ هذا الوضوء باطل باللّمس عند الشّافعيّة ،وباطل بخروج الدّم
من غير السّبيلين عند الحنفيّة ،ول ينتقض بخروج تلك النّجاسة من غير السّبيلين عند
ن صحّة
الشّافعيّة ،ول ينتقض أيضا باللّمس عند الحنفيّة ،فإذا صلّى بهذا الوضوء ،فإ ّ
ن الحكم الملفّق باطل بالجماع
صلته ملفّقة من المذهبين معا ،وقد جاء في الدّرّ المختار :أ ّ
،وأنّ الرّجوع عن التّقليد بعد العمل باطل اتّفاقا ،وهو المختار في المذهب لنّ التّقليد مع
ن جوازه مشروط بعدم التّلفيق كما ذكر ابن عابدين في حاشيته .
كونه جائزا فإ ّ
وفي تتبّع الرّخص ،وفي متتبّعها في المذاهب خلف بين الصوليّين والفقهاء :
ن التّتبّع يحلّ رباط التّكليف ،لنّه إنّما تبع
ح كما في جمع الجوامع امتناع تتبّعها ل ّ
والص ّ
حينئذ ما تشتهيه نفسه .
بل ذهب بعضهم إلى أنّه فسق ،والوجه كما في نهاية المحتاج خلفه ،وقيل :محلّ
الخلف في حالة تتبّعها من المذاهب المدوّنة وإل فسّق قطعا ،ول ينافي ذلك قول ابن
الحاجب كالمديّ :من عمل في مسألة بقول إمام ل يجوز له العمل فيها بقول غيره اتّفاقا ،
لتعيّن حمله على ما إذا بقي من آثار العمل الوّل ما يلزم عليه مع الثّاني تركّب حقيقة ل
ي في مسح بعض الرّأس ،ومالك في طهارة الكلب
يقول بها كلّ من المامين ،كتقليد الشّافع ّ
في صلة واحدة .
وتتبّعها عند من أجازه مشروط بعدم العمل بقول آخر مخالف لذلك الخفّ .
وينظر التّفصيل في الملحق الصوليّ .
هذا والتّلفيق المقصود هنا هو ما كان في المسألة الواحدة بالخذ بأقوال عدد من الئمّة فيها
أمّا الخذ بأقوال الئمّة في مسائل متعدّدة فليس تلفيقا وإنّما هو تنقّل بين المذاهب أو تخيّر
منها ،وينظر التّفصيل في مصطلح ( تقليد ) .
تلقين *
التّعريف :
-التّلقين :مصدر لقّن ،يقال لقّن الكلم :فهمه ،وتلقّنه :أخذه وتمكّن منه ،وقيل : 1
معناه أيضا فهمه .وهذا يصدق على الخذ مشافهة ،وعلى الخذ من الكتب ويقال :لقّنه
الكلم :ألقاه إليه ليعيده .ول يخرج استعمال الفقهاء له عن هذه المعاني اللّغويّة .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّعريض :
-التّعريض في الكلم :ما يفهم به السّامع مراده من غير تصريح ،في حين يكون 2
التّعليم والتّلقين :أنّ التّلقين يكون في الكلم فقط ،والتّعليم يكون في الكلم وغيره ،فهو
أعمّ من التّلقين .
الحكم الجماليّ :
تكلّم الفقهاء عن التّلقين في عدّة مواطن منها :
تلقين المحتضر :
-إذا احتضر النسان وأصبح في حالة النّزع قبل الغرغرة .فالسّنّة أن يلقّن الشّهادة 4
بحيث يسمعها لقوله صلى ال عليه وسلم « :لقّنوا موتاكم ل إله إل اللّه » وقوله صلى ال
عليه وسلم « :من كان آخر كلمه ل إله إل اللّه دخل الجنّة » .
ول يلحّ عليه في قولها مخافة أن يضجر ،فإذا قالها المحتضر مرّة ل يعيدها الملقّن ،إل أن
يتكلّم المحتضر بكلم غيرها ،وهذا باتّفاق الفقهاء .
وفي المجموع نقل عن المحامليّ وغيره :يكرّرها عليه ثلثا ،ول يزاد على ثلث .
ول يسنّ زيادة " محمّد رسول اللّه " عند الجمهور لظاهر الخبار .
وذهب جماعة من الفقهاء إلى أنّه يلقّن الشّهادتين بأن يقول الملقّن :أشهد أن ل إله إل اللّه
ن المقصود تذكّر التّوحيد ،وذلك ل يحصل إل
ن محمّدا رسول اللّه " ودليلهم :أ ّ
وأشهد أ ّ
بالشّهادتين .
ويسنّ أن يكون الملقّن غير متّهم بعداوة أو حسد أو نحو ذلك ،وأن يكون من غير الورثة ،
فإن لم يحضر غيرهم ،لقّنه أشفق الورثة ،ثمّ غيره .
التّلقين بعد الموت :
-اختلفوا في تلقين الميّت بعد الموت ،فذهب المالكيّة وبعض أصحاب الشّافعيّ والزّيلعيّ 5
عنه أن يلقّن المقرّ الرّجوع عن القرار في الحدود درءا للحدّ ،لما روي « أنّ ماعزا لمّا
أق ّر بين يدي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بالزّنى لقّنه الرّجوع ،فقال عليه الصلة
والسلم :لعلّك قبّلت ،أو غمزت ،أو نظرت » « ،وقال لرجل سرق :أسرقت ؟ ما إخالك
سرقت ؟ } .واختار بعض المالكيّة الخذ بالستفسار تعلّقا بما في بعض طرق الحديث الوارد
في الزّنى .وللفقهاء تفصيل ينظر في ( :إقرار .حدّ ) .
تلقين الخصم والشّاهد :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل يجوز للقاضي أن يلقّن أحد الخصمين حجّته ،لنّه بذلك 7
يكسر قلب الخصم الخر ،ولنّ فيه إعانة أحد الخصمين فيوجب التّهمة ،غير أنّه إن تكلّم
أحدهما أسكت الخر ليفهم كلمه .
-وأمّا بالنّسبة للشّاهد فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جواز تلقينه في الجملة ،بل 8
يتركه يشهد بما عنده ،فإن أوجب الشّرع قبوله قبله ،وإل ردّه ،وقال أبو يوسف :ل بأس
بتلقين الشّاهد بأن يقول :أتشهد بكذا وكذا ؟ .
وجه قوله :أنّ من الجائز أنّ الشّاهد يلحقه الحصر لمهابة مجلس القضاء فيعجز عن إقامة
الحجّة ،فكان التّلقين تقويما لحجّة ثابتة فل بأس به .
مواطن البحث :
-يتكلّم الفقهاء عن التّلقين في مواطن متعدّدة كالجنازة ،والقضاء ،والشّهادة ،والقرار. 9
تلوّم *
التّعريف :
-التّلوّم في اللّغة :بمعنى النتظار والتّمكّث . 1
تطوّعا ،والعوامّ بالتّلوّم إلى ما قبل الزّوال ،لحتمال ثبوت الشّهر ،وبعد ذلك ل صوم .
وفي أكل المتلوّم ناسيا قبل النّيّة تفصيل يرجع فيه إلى موطنه .ول يتأتّى ذلك عند جمهور
الفقهاء ،لنّهم يرون وجوب تبييت النّيّة في صيام رمضان كما فصّلوه في موطنه .
كذلك تعرّض جمهور الفقهاء إلى الكلم على التّلوّم في النّفقات عند الكلم عن عجز الزّوج
عن أداء النّفقة لزوجته ،فذهب المالكيّة وهو الظهر عند الشّافعيّة إلى جواز التّلوّم
والمهال ،وفي كيفيّته ومدّته خلف وتفصيل يرجع فيه إلى مصطلح ( نفقة ) .
ويرى الحنابلة وهو أحد قولي الشّافعيّ عدم لزوم تأخير فسخ النّكاح في حالة ثبوت العسار
وأمّا الحنفيّة فل يتأتّى ذلك عندهم ،لنّهم ل يرون فسخ النّكاح بالعجز عن النّفقة .