You are on page 1of 7

‫منزلة العلم وأثره في نهضة األمة”‪ ،‬للدكتور خالد بدير‪ 

،‬بتاريخ ‪ 13‬محرم‪1438 ‬هـ‪ 14 – ‬أكتوبر‪2016 ‬م‪.‬‬


‫لتحميل الخطبة بصيغة ‪ word‬أضغط هنا‬
‫لتحميل الخطبة بصيغة ‪ pdf‬أضغط هنا‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ولقراءة الخطبة كما يلي‪  :‬‬
‫عناصر الخطبة‪:‬‬
‫العنصر األول‪ :‬منزلة العلم والحث عليه في اإلسالم‬
‫العنصر الثاني‪ :‬صور ونماذج مشرقة في حرص السلف الصالح على طلب العلم‬
‫العنصر الثالث‪ :‬أثر العلم في نهضة األمة‬
‫العنصر الرابع‪ :‬ظاهرة الغش في التعليم وأثرها على املجتمع‬
‫‪     ‬املقدمة‪                                                            :‬أما بعد‪:‬‬
‫العنصر األول‪ :‬منزلة العلم والحث عليه في اإلسالم‬
‫ّ‬
‫عباد هللا‪ :‬لقد اهتم اإلسالم بقيمة العلم أيما اهتمام‪ ،‬ولقد بلغت عناية هللا – عز وجل – بنا لرفع الجهل عن ا‬
‫ََ‬ ‫َّ‬
‫اس ِم َر ِّب َك ال ِذي خل َق}‬ ‫تعالى‪{:‬اق َرْأ ب ْ‬
‫ْ‬
‫أن كان أول ما نزل من الوحي على نبينا أعظم كلمة هبط بها جبريل هي قوله‬
‫ِ‬
‫وأمر هللا عز وجل ب القراءة والعلم في أول آية نزلت من القرآن دليل واضح على أهمية العلم في‬ ‫ُ‬ ‫(العلق‪ )1:‬؛‬
‫تكوين عقل اإلنسان وفي رفعه إلى املكانة السامية‪ ،‬فال يستوي عند هللا الذي يعلم والذي ال يعلم‪ ،‬فأهل العلم‬
‫َ‬ ‫لهم مق ام عظيم في ش ريعتنا الغ راء‪ ،‬فهم من ورث ة األنبي اء واملرس لين‪ ،‬يق ول هللا تب ارك تع الى‪َ :‬‬
‫{ه ْل َي ْس ت ِوي‬
‫اب} (الزمر‪ ، )9 :‬فال يستوي الذي يعلم والذي ال يعلم‪،‬‬ ‫َّ َ َ ْ َ ُ َ َ َّ َ اَل َ ْ َ ُ َ َّ َ َ َ َ َّ ُ ُأ ُ َأْل ْ َ‬
‫ال ِذين يعلم ون وال ِذين يعلم ون ِإ نم ا يت ذكر ول و ا لب ِ‬
‫كم ا ال يس توي الحي وامليت‪ ،‬والس ميع واألص م‪ ،‬والبص ير واألعمى‪ ،‬ف العلم ن ور يهت دي ب ه ص احبه إلى الطري ق‬
‫السوي‪ ،‬ويخرج به من الظلمات إلى النور‪.‬‬
‫ْ ُ ْ َ َّ َ ُأ ُ‬ ‫َ ْ َ َّ ُ َّ َ َ ُ‬
‫ويرفع هللا الذي يطلب العلم والذي يعمل به كما يشاء‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬يرف ِع الله ال ِذين آمن وا ِمنكم وال ِذين وت وا‬
‫ْ ْ َ َ‬
‫ات} (املجادلة‪ )11 :‬أي يرفع الذين أوتوا العلم من املؤمنين بفضل علمهم وسابقتهم درجات أي على‬ ‫ال ِعل َم د َرج ٍ‬
‫من سواهم في الجنة‪ .‬قال القرطبي‪“ :‬أي في الثواب في اآلخرة وفي الكرامة في الدنيا‪ ،‬فيرفع املؤمن على من ليس‬
‫بمؤمن والع الم على من ليس بعالم” وقال ابن مسعود‪ :‬مدح هللا العلماء في هذه اآلية‪ ،‬واملعنى‪ :‬أنه يرفع هللا‬
‫الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم (درجات) أي درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به‪”.‬أ‪.‬هـ‬
‫َ ْ َأ َ َ‬
‫ولشرف العلم أباح هللا لنا أكل الصيد الذي صاده الكلب املعلم‪ ،‬وإذا صاده كلب غير معلم ال يؤكل‪{:‬يس لونك‬
‫َّ ُ َّ َ ُ ُ‬ ‫َّ َ ُ ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َُ‬ ‫َ ُ ُأ‬ ‫َ ُأ‬
‫َم اذا ِح َّل ل ُه ْم ق ْل ِح َّل لك ُم الط ِّي َب ات َو َم ا َعل ْمت ْم ِم َن ال َج َو ِار ِح ُمك ِل ِبين ت َع ِل ُم ون ُه َّن ِم َّما َعل َمك ُم الل ُه فكل وا ِم َّما‬
‫اس َم الل ِه َعل ْي ِه} [املائدة‪ ]4 :‬فلوال فضل العلم لكان فضل صيد الكلب املعلم والجاهل‬
‫َّ َ‬ ‫َأ ْم َس ْك َن َع َل ْي ُك ْم َو ْاذ ُك ُروا ْ‬
‫سواء‪ ،‬وقد علمه كيف يصيد‪ ،‬وكيف يمسك لصاحبه‪ ،‬هذا في عالم الكالب‪ ،‬رفعه هللا درجة عن أقرانه بالعلم‬
‫فما بالك بمن تعلم الكتاب والسنة؟!‬
‫ويبلغ من فضل العلم أنه يرفع قدر أناس ليس لهم حسب وال نسب فوق كثير من األكابر؛ كما ثبت في الصحيح‬
‫من ح ديث الزه ري عن أبي الطفي ل‪ :‬أن ن افع بن عب د الح ارث أم ير مك ة خ رج واس تقبل عم ر بن الخط اب‬
‫بعسفان‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬من استخلفت على أهل الوادي؟ قال‪ :‬استخلفت عليهم ابن أبزى‪ ،‬فقال عمر‪ :‬ومن ابن‬
‫أب زى؟! فق ال‪ :‬رج ل من موالين ا‪ ،‬فق ال عم ر‪ :‬اس تخلفت عليهم م ولى؟ فق ال‪ :‬إن ه ق ارئ لكت اب هللا ع الم‬
‫بالفرائض‪ ،‬فقال عمر‪ :‬أما إن نبيكم‪  ‬قد قال‪“ :‬إن هللا يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين‪”.‬‬
‫وقد لعن الرسول – صلى هللا عليه وسلم – الدنيا بمن فيها إال من انتسب لشرف العلم عاملا كان أو متعلما‪،‬‬
‫ون َم ا‬‫ون ٌة ‪َ ،‬م ْل ُع ٌ‬ ‫ُّ ْ َ َ ْ ُ َ‬ ‫وس َّل َم ‪َ ،‬و ُه َو َي ُق ُ‬ ‫ص َّلى هللا َع ْلي ه َ‬ ‫ول هللا َ‬ ‫فعن أبي ُه َر ْي َر َة ‪َ ،‬ق َ َ ْ ُ َ ُ‬
‫ول ‪ ”:‬ال دنيا ملع‬ ‫ِ‬ ‫ال ‪ :‬س ِمعت رس َ ِ‬
‫ً َأ َ ّ‬ ‫َ َأ‬ ‫َّ ْ‬
‫هللا ‪َ ،‬و َم ا َواال ُه ‪ْ ،‬و َعامِل ا ‪ْ ،‬و ُمت َع ِل ًم ا‪( ” ”.‬الطبراني وابن ماج ة والترم ذي وحس نه)‪ ،‬وكم ا قيل‪:‬‬ ‫ِفيه ا ‪ِ ،‬إ ال ِذك َر ِ‬
‫َ‬
‫كن عاملا أو متعلما وال تكن الثالث فتهلك‪.‬‬
‫عباد هللا‪ :‬ما هو أفضل من أن يستغفر لك الحوت في البحر والدواب وحتى النمل تستغفر لطالب العلم؟ ما‬
‫ً‬
‫هو أفضل من أن تضع املالئكة أجنحتها لك إذا سلكت سبيال في طلب العلم سواء كان في درس تذهب إليه أو‬
‫َّ‬
‫في كتاب تشتريه لتفتحه وتقرأ فيه؟ أي فضل عظيم هو ذاك وفره هللا عز وجل لطلبة العلم الشرعي الذين‬
‫يتعلمون الكتاب والسنة‪ ،‬واألحاديث في ذلك كثيرة!!‬
‫ْ‬ ‫َّ َ َ ُ ُ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫قال‪َ :‬سم ْع ُت َر ُس َ‬ ‫عنه َ‬ ‫هللا ُ‬
‫الدرداء َرض َي ُ‬ ‫فعن أبي َّ‬ ‫َ‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪”:‬من س لك ط ِريق ا يبت ِغي ِفي ِه‬ ‫ول ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫إن َ‬ ‫ص َن ُع؛ َو َّ‬‫ض ًا بم ا َي ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ َ َ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ْ َ ً َ َّ َ ُ ُ َ ْ َ ً‬
‫الع ِال َم‬ ‫َ ِعلم ا س هل هللا ل ه ط ِريق ا إلى الجنة؛ وإن املالِئ ك ة لتض ع أج ِنحته ا ِل َط ِال ِب ال ِعل ِم ِر ِ‬
‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫السموات َ‬ ‫ل َي ْس َتغف ُر ُله َمن في َّ‬
‫ضل الق َم ِر على‬ ‫الحيتان في امل ِاء؛ وفضل الع ِال ِم على الع ِاب ِد كف ِ‬ ‫األرض حتى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومن في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ارا وال د ْر َه َم ًا َو َّإنم ا َو َّر ُث وا الع ْل َم َف َمنْ‬ ‫ْ ً‬ ‫ْ َ ْ ََُُ‬
‫األنبي اء لم يورث وا ِدين‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َََ ُ‬ ‫َّ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األنبي ِاء؛ وإن ِ‬ ‫َأس ا َِئ ِر الكَ و ِاك ِب؛ وإن العلم ِاء ورث ة ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خذ ُه أخذ ِب َح ٍظ َوا ِف ٍر”‪ (.‬رواه أبو داود والترمذي)‬
‫عنه قال‪َ :‬‬
‫قال‬ ‫رضي هللا ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫عود‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ابن مس ِ‬ ‫ومع أن اإلسالم حرم الحسد إال أن الشارع أباحه في مجال العلم‪ ،‬فعن ِ‬
‫ور ُج ٌل‬ ‫الح َّق َ‬ ‫فس َّل َط ُه َعلى َه َلكت ه في َ‬ ‫اال َ‬ ‫ُ َ ً‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َّ‬
‫علي ِه وسل َم‪”:‬ال َح َس َد إال في اثنت ْي ِن َر ُج ٌل آت اه هللا م‬
‫َ‬ ‫هللا ْ‬ ‫رس ول هللا صلى ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َُ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫قض ي ِبها ويع ِلمها”(متفق عليه)‪ ،‬وغير ذلك من األحاديث التي ال يتسع املقام لذكرها‬ ‫الحكم ة فه و ي ِ‬ ‫آت اه هللا ِ‬
‫وأنت بها خبير‪.‬‬
‫أيه ا املس لمون‪ :‬إن هللا لم يقص ر األج ر على العلم اء في حي اتهم؛ ب ل امت د األج ر بع د م وتهم وإلى قي ام الس اعة‪،‬‬
‫ُ اَّل‬ ‫َ ْ ُ َْ َ‬ ‫َ ْ َأ ُ َ ْ َ َ َ َ َّ ُ َ ْ ُ َأ َّ َ ُ َ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َ‬
‫ال ” ِإ ذا َمات اِإْل ن َسان انقط َع َع َمل ُه ِإ ِم ْن‬ ‫فعن ِبي هريرة ر ِضي الله عنه ن رسول الل ِه صلى الله علي ِه وسلم ق‬
‫صح ٌ‬ ‫َ َ ٌ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ص ال ٌح َي ْد ُعو َل ُه” (الترمذي وق َ َ‬
‫َ‬ ‫َََ ٌ َ‬ ‫َ َ َ ٌ َ َ ٌ َ ْ ََُْ ُ‬ ‫َاَل‬
‫يح )‪ ،‬قلت‪:‬‬ ‫ال ه ذا ح ِديث حس ن ِ‬ ‫ث ٍث‪ :‬ص دقة ج ِاري ة و ِعل ٌم ينتف ع ِب ِه وول د ِ‬
‫عد ُاد الحسنات َي ُع ُّد له إلى قيام الساعة‪ ،‬فمن نحن بجانب‬ ‫اإلمام البخاري – مثال – مات من قرون‪ ،‬ومع ذلك َّ‬
‫البخاري؟!!‬
‫ويحضرني قول اإلمام الشافعي رحمه هللا‪:‬‬
‫قد مات قوم وما ماتت مكارمهم……………وعاش قوم وهم في الناس أموات‬
‫نعم ي ا إمامن ا الش افعي‪ ،‬فك ل من يطعن أو يش كك في ه ؤالء األعالم فه و ميت حقيق ة ال حكم ا‪ ،‬ب ل ال يستحق‬
‫الحياة‪.‬‬
‫وما أجمل قول سيدنا على بن أبي طالب رضي هللا عنه‪:‬‬
‫ما الفخ ــر إال ألهل العلم إنهم ……………‪..‬على الهدى ملن استهدى أدالء‬
‫وقدر كل امرئ ما كان يحسنه ………………والجاهـلون ألهل العـلم أعداء‬
‫ً‬
‫فـفـز بعلم تعش حيـا به أبــدا……………‪ .‬الناس موتى وأهل العلم أحياء‬
‫أحبتي في هللا‪ :‬وألهمية العلم نجد أنه صلى هللا عليه وسلم جعل فداء كل أسير من أسرى بدر ممن يحسنون‬
‫فن القراءة والكتابة‪ ،‬أن يعلم عشرة من أبناء الصحابة‪ ,‬فعن ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪« :‬كان ناس من‬
‫األسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء‪ ،‬فجعل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أوالد األنصار‬
‫الكتابة»‪.‬‬
‫ولم يقتصر اهتمام النبي صلى هللا عليه وسلم بالحث على تعليم اللغة العربية فحسب؛ بل أمر بتعلم اللغات‬
‫األخرى؛ وثبت أنه أمر زيد بن ثابت بتعلم اللغة السريانية ليتولى أعمال الترجمة والرد على الرسائل‪ ،‬وروي‬
‫أنه تعلم بأمر منه صلى هللا عليه وسلم العبرية والفارسية والرومية وغيرها‪ ،‬فعنه رضي هللا عنه قال‪« :‬أمرني‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أن أتعلم لـه كلمات من كتاب يهود‪ ،‬قال‪ :‬إني وهللا ما آمن يهود على كتابي‪ ,‬قال‬
‫فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته لـه‪ ,‬فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم‪ ,‬وإذا كتبوا إليه قرأت لــه‬
‫ّ‬ ‫بن ٍ َ ْ ُ َ َ‬ ‫زيد ُ‬ ‫َ‬
‫الف َتى ُ‬
‫سول الل ِه صلى‬
‫ثابت ترجمان ر ِ‬ ‫كتابهم» (أحمد وأبو داود والحاكم والترمذي وحسنه)‪ ،‬فأصبح‬
‫هللا عليه وسلم‪ ،‬وأصبحت اللغة سالحا له يدافع به عن اإلسالم واملسلمين‪ ،‬وكما قيل‪ (:‬من تعلم لغة قوم‬
‫أمن مكرهم )‬
‫ولم تقتصر عنايته صلى هللا عليه وسلم بتعليم هذه الفنون والعلوم للرجال فحسب‪ ,‬إنما اعتنى أيضا بتعليم‬
‫النس اء العلم والكتاب ة‪ .‬فعن الش فاء بنت عبدهللا ق الت‪« :‬دخ ل رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم وأن ا عن د‬
‫حفصة‪ ،‬فقال لي‪ :‬أال تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة» (أبوداود)‪.‬‬
‫وجمل ة الق ول‪ :‬ف إن م ا تق دم ه و قلي ل من كث ير ورد عن الن بي ص لى هللا علي ه وس لم في ش أن عنايت ه باملس ألة‬
‫العلمية؛ تعلما وتعليما؛ أقواال وأعماال؛ مما يبرز اهتمامه الفائق بوالية العلم والتعليم‪.‬‬
‫العنصر الثاني‪ :‬صور ونماذج مشرقة في حرص السلف الصالح على طلب العلم‬
‫عباد هللا‪ :‬أسوق لكم صورا ونماذج مشرقة من حرص السلف الصالح على طلب العلم‪ ،‬وسأترك لكم التعليق‬
‫والتعقيب عليه ا‪ ،‬لتق ارنوا بين ح الهم واإلمكاني ات واألدوات الكتابي ة ال تي عن دهم وبين م ا نحن في ه من تق دم‬
‫علمي وتكنولوجي!!‬
‫قيل لبعضهم‪ :‬بما أدركت هذا العلم؟ قال‪ :‬باملصباح والجلوس إلى الصباح‪.‬‬
‫ورئي مع اإلمام أحمد العالم الجليل محبرة وقلم فقيل له‪ :‬أنت إمام املسلمين وال زلت تحمل املحبرة وتكتب؟!‬
‫فقال اإلمام أحمد‪“ :‬مع املحبرة إلى املقبرة‪”.‬‬
‫وقيل للشافعي‪“ :‬كيف حرصك علي العلم؟ قال‪ :‬حرص الجموع املنوع في بلوغ لذته للمال‪ .‬فقيل له‪ :‬فكيف‬
‫طلبك له؟ قال‪ :‬طلب املرأة املضلة ولدها ليس لها غيره”‬
‫ّ‬ ‫َ ّ‬
‫يؤنس َك ؟ فضرب بيده إلى الكتب‪ ،‬وقال‪ :‬هذه ؛ فقيل‪ِ :‬من الناس؟ فقال‪ :‬الذين فيها‪”.‬‬ ‫وقيل لرجل‪ :‬من ُ‬
‫ٍ‬
‫وليس ه ذا فحس ب؛ ب ل إن س اعات األك ل لقوام حي اتهم ومعاش هم ك انت ثقيل ة عليهم‪ ،‬فق د س ألوا الخلي ل بن‬
‫أحمد الفراهيدي – رحمه هللا ‪ :-‬ما هي أثقل الساعات عليك؟ قال‪ :‬ساعة آكل فيها‪.‬‬
‫‪  ‬وكان داود الطائي يشرب الفتيت وال يأكل الخبز فقيل له في ذلك؟ فقال‪ :‬بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قراءة‬
‫خمسين آية «كتاب املجالسة وجواهر العلم»‬
‫علي س اعة آك ل فيه ا‪ ”.‬فاهلل أك بر ما أش د‬ ‫وك ان الخلي ل بن أحم د الفراهي دي البص ري يق ول‪ ”:‬أثق ل الس اعات َّ‬
‫الفناء في العلم عنده؟! وما أوقد الغيرة على الوقت لديه؟!‬
‫ً‬
‫قلت متعجبا‪ :‬أثقل ساعات عليه ساعة األكل؛ مع أنه مباح وواجب لقوام الحياة وحفظ النفس؛ وما يتوصل‬
‫ُ َ‬
‫ب ه إلى ال واجب فه و واجب‪ ،‬فكي ف حالن ا ونحن نض ِّي ُع أوقاتن ا في الف راغ والح رام وأم ام املسلس الت واألفالم‬
‫وعلى القهاوي والطرقات‪ ،‬وعلى النت واملعاكسات؟!!‬
‫أع ود إلى س لفنا الص الح ف أقول‪ :‬ك ان عبي د بن يعيش يق ول‪“ :‬أقمت ثالثين س نة م ا أكلت بي دي باللي ل‪ ،‬ك انت‬
‫أختي تلقمني وأنا أكتب الحديث”‬
‫وعن ابن أبي ح اتم صاحب الجرح والتعديل يق ول‪“ :‬كنا في مصر سبعة أشهر لم نأك ل فيها مرق ة‪ ،‬ك ل نهارن ا‬
‫مقسم ملجالس الشيوخ وبالليل النسخ واملقابلة‪ ،‬فأتينا يوما أنا ورفيق لي شيخا‪ ،‬فقالوا‪ :‬هو عليل‪ ،‬فرأينا في‬
‫طريقن ا س مكة أعجبتن ا فاش تريناها فلم ا ص رنا إلى ال بيت حض ر وقت مجلس فلم يمكن ا إص الح ه ذه السمكة‬
‫ومضينا إلى املجلس‪ ،‬فلم نزل حتى أتى على السمكة ثالثة أيام وكادت أن تتغير فأكلناها نيئة‪ ،‬لم يكن لنا فراغ‬
‫أن نشوي السمك‪ .‬ثم قال‪“ :‬إن العلم ال يستطاع براحة الجسد”(سير أعالم النبالء)‬
‫َ َّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫يتحدث عن نفسه فيقول ‪ ”:‬أنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكلي‪ ،‬حتى أختار س ف‬ ‫وعن أبي الوفاء ابن عقيل‪ ‬‬
‫ُّ ً‬ ‫ّ‬
‫فائدة لم‬
‫ِ‬ ‫مطالعة أو تسطير‬
‫ٍ‬ ‫وتحس يه مع املاء على الخبز ؛ ألجل ما بينهما من تفاوت املضغ ! توفرا على‬ ‫الكعك‬
‫أدركها فيه !!”‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وق ال الش يخ فخ ر ال دين ‪ ” :‬وهللا إني أتأس ف في الف وات عن االش تغال ب العلم في وقت األك ل‪ ,‬ف إن ال وقت‬
‫والزمان عزيز “‬
‫وشحه بضياع أوقاته؛ أنه كان يمتنع كثيرا من‬ ‫ّ‬ ‫ويحكى أن الشيخ شمس الدين األصبهاني من حرصه على العلم‬
‫فيضيع عليه الزمان‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫األكل؛ لئال يحتاج إلى الشرب؛ فيحتاج إلى دخول الخالء؛‬
‫لي َي ِض ُيع‬ ‫َ‬ ‫يت بحفظه —— وُأ َر ُاه ْ‬
‫أس َه َل َما ع َّ‬ ‫ُ ُ‬
‫س ما ع ِن‬
‫َ ْ ُ َ‬
‫أنف ُ‬ ‫والوقت‬
‫ِ‬
‫يااااااااهللا!!!!!!!!!!! كم نض يع من الس اعات في الح رام!! إذا ك انوا حريص ين على ال وقت في طع امهم وش رابهم‬
‫ً‬
‫ويعتبرونه مضيعة فكيف بنا؟!!‪  ‬ياااااهللا؟!!! لطفك بنا يا رحمن‪.‬‬
‫يقول ابن عقيل الحنبلي تلميذ الحافظ الخطيب البغدادي‪ ”:‬إني ال يحل لي أن أضيع ساعة من عمري‪ ،‬حتى إذا‬
‫تعط ل لس اني عن م ذاكرة أو من اظرة‪ ،‬وبص ري عن مطالع ة‪ ،‬أعملت فك ري في ح ال راح تي وأن ا منط رح‪ ،‬فال‬
‫أشد مما كنت أجده وأنا‬ ‫أنهض إال وقد خطر لي ما أسطره‪ ،‬وإني ألجد من حرصي على العلم وأنا في الثمانين‪ّ ،‬‬
‫ابن عشرين سنة‪( ”.‬ذيل طبقات الحنابلة) فانظر كيف يستغل وقت طعامه وراحته في إعمال فكره فيسطره‬
‫بعد قضاء حوائجه الشخصية؟!!!‬
‫يقول عبد الرحمن ابن اإلمام أبي حاتم الرازي ” ربما كان أبي يأكل وأقرأ عليه‪ ،‬ويمشي وأقرأ عليه‪ ،‬ويدخل‬
‫الخالء وأق رأ علي ه‪ ،‬وي دخل ال بيت في طلب ش يء وأق رأ علي ه ” فك انت ثم رة ه ذا املجه ود وه ذا الح رص على‬
‫استغالل الوقت كتاب الجرح والتعديل في تسعة مجلدات وكتاب التفسير في مجلدات عدة وكتاب السند في‬
‫ألف جزء‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫لهذا فتح هللا لهم قلوبا غلفا وأعينا عميا وآذانا صما!!! فإذا كنت تريد اللحاق بهم فاعمل عملهم ؛ فاهلل يسر‬
‫لك سبل العلم والتقنيات الحديثة ما لم يصل إليه أحدهم‪ ،‬ومع كل ذلك أقول‪ :‬ال يصل إليهم أحدكم!!! أليس‬
‫كذلك؟!!!‬
‫ً‬
‫الغرب ُّيون ب ه ك ذلك ح تى نهض وا وت دموا ب ه‪،‬‬‫ِ‬ ‫على أن ه ذا الح رص ليس قاص را على املس لمين فق ط‪ ،‬ب ل اهتم‬
‫الش هير‪ّ ،‬أن ه من ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫شدة حرصه على العلم والوقت كان ال يلبس‬ ‫فقد قرأت عن ألبرت إنشتاين‪ ،‬الفيزيائي األملاني‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫بأكمام ذوات أزرار ‪ ،‬ألن غلقها وفتحها يضيع عليه وقتا ثمينا في تحصيل العلم!‬ ‫ٍ‬ ‫األقمصة‬
‫العنصر الثالث‪ :‬أثر العلم في نهضة األمة‬
‫َ‬
‫عب اد هللا‪ :‬إن العلم أس اس نهض ة األم ة وقي ام الحض ارات؛ فب العلم تب نى األمج اد‪ ،‬وت ُس ود الش عوب‪ ،‬وتب نى‬
‫ً‬
‫املمالك‪ ،‬بل ال يستطيع املسلم أن يحقق العبودية الخالصة هلل تعالى على وفق شرعه‪ ،‬فضال عن أن يبني نفسه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كما أراد هللا سبحانه أو يقدم ملجتمعه خيرا‪ ،‬أو ألمته عزا ومجدا ونصرا – إال بالعلم‪.‬‬
‫وصدع بنيانها‪ ،‬وأوقعها في الرذائل واملتاهات املهلكة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وما فشا الجهل في أمة من األمم إال قوض أركانها‪،‬‬
‫وكما قيل‪:‬‬
‫العلم يبني بيوتا ال عماد لهـا …………… والجهل يهدم بيوت العز والكـرم‬
‫وكم ه و ش ديد الوق ع على النف وس أن ي رى في الن اس من ش اب رأس ه‪ ،‬ورق عظم ه‪ ،‬وه و يتعب د هللا على غ ير‬
‫بصيرة! وقد يصلى بعض الناس أربعين سنة‪ ،‬أو عشرين سنة‪ ،‬أو أقل أو أكثر وهو لم يصل في الحقيقة؛ ألن‬
‫ً‬
‫صالته ناقصة األركان‪ ،‬أو مختلة الشروط والواجبات؛ ومع ذلك ال يحاول تعلم أحكامها‪ ،‬بينما ُي َرى حريصا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫على دني اه؛ ويكفي ه ذا دليال على أن هللا‪  ‬س بحانه وتع الى لم ي رد ب ه خ يرا‪ ،‬ول و تعلم العل وم الدنيوي ة‪ ،‬وتبح ر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فيها؛ ألنها علوم معاشية فقط‪ ،‬ال تستحق مدحا وال ذما‪.‬‬
‫َ ُ َ‬ ‫ُّ ْ َ َ ُ ْ َ‬ ‫ّ َ ََ‬ ‫َ َْ ُ َ َ‬
‫اآلخ َر ِة ُه ْم غ ا ِفلون }؛‬ ‫وقد وصف هللا تعالى أصحابها بقوله تعالى‪ { :‬يعلم ون ظ ِاه ًرا ِمن الحي ِاة الدنيا وهم ع ِن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اآلخ َر ِة َب ْل ُه ْم ِفي ش ٍّك ِّم ْن َها َب ْل ُهم ِّم ْن َها َع ُمون }؛ [النمل‪.]66 :‬‬ ‫َ َّ َ َ ْ ُ ْ‬
‫[الروم‪ { .]7 :‬ب ِل ادارك ِعلم ُهم ِفي ِ‬
‫قال ابن كثير رحمه هللا‪“ :‬فهؤالء ليس لهم علم إال بالدنيا‪ ،‬وأكسابها‪ ،‬وشؤونها‪ ،‬وما فيها‪ ،‬فهم حذاق أذكياء في‬
‫تحصيلها‪ ،‬ووجوه مكاسبها‪ ،‬وهم غافلون عن أمور الدين‪ ،‬وما ينفعهم في الدار اآلخرة‪ ،‬كأن أحدهم مغفل ال‬
‫ذهن له‪ ،‬وال فكرة”‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫وقال الحسن البصري‪“ :‬وهللا ليبلغن أحدهم بدنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره‪ ،‬فيخبرك بوزنه‪ ،‬وما يحسن‬
‫أن يصلي”؛ فكيف تنهض األمة – في جميع مجاالتها – بأمثال هؤالء ؟!!‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َأ ُ َ ْ َ َ َأ َّ‬
‫وق‬ ‫إن امليراث ال ذي خلف ه الرس ول َأ– ص لى هللا علي ه وس لم – لألم ة ه و العلم ؛ فعن بي هري رة‪ ،‬نه م ر ِبس ِ‬
‫َ َأ ْ َ َ ُ ْ َ ُ َ َ َ َ َ َأ َ ِ ُ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ُ‬ ‫‪”:‬ي ا ْه َل ُّ‬ ‫ال َ‬ ‫ف َع َل ْي َه ا‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫مْل َ َ َ َ َ َ‬
‫وق‪ ،‬م ا عج زكم !”ق الوا‪ :‬وم ا ذاك ي ا ب ا هري رة؟ ق ال‪”:‬ذاك ِم يراث‬ ‫ِ‬ ‫الس‬ ‫ا ِدين ِة‪ ،‬فوق‬
‫َأ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َأ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ص لى الل ُه َعل ْي ِه َو َس ل َم ُيق َس ُم‪َ ،‬و نت ْم َه ُاهن ا ال ت ذ َه ُبون فت خ ذون ن ِص َيبك ْم ِمن ُه !”ق الوا‪َ :‬و ْي َن ُه َو؟‬ ‫الله َ‬
‫ول ِ‬ ‫ِ‬ ‫َر ُس‬
‫َ ُ‬ ‫ََ َ َُ ْ َ َُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َأ‬ ‫َ ً َ مْل َ‬ ‫َ َ‬ ‫مْل َ‬ ‫َق َ‬
‫‪”:‬م ا لك ْم؟”ق الوا‪َ :‬ي ا‬ ‫اعا ِإ لى ا ْس ِج ِد‪َ ،‬و َوق ف ُب و ُه َر ْي َرة ل ُه ْم َح َّتى َر َج ُع وا‪ ،‬فق ال لهم‬ ‫‪”:‬في ا ْس ِج ِد”فخ َر ُجوا ِسر‬ ‫ِ‬ ‫ال‬
‫مْل َ‬ ‫َ َأ َأ ُ‬ ‫َ ًْئ ُ ْ َ ُ َ َ َ َ َأ‬ ‫َ ََْ ََ َ‬ ‫َ َ َ َأ َ َ مْل َ‬ ‫َأ‬
‫ال ل ُه ْم ُب و ُه َر ْي َرة‪َ ”:‬م ا َر ْيت ْم ِفي ا ْس ِج ِد‬ ‫َب ا ُه َر ْي َرة فق ْد ت ْين ا ا ْس ِج َد‪ ،‬ف َدخلنا‪ ،‬فل ْم ن َر ِفي ِه ش ي ا يقس م‪ ،‬فق‬
‫َأ َ ً َ ُ َ َ َ َأ ْ َ َ ْ ً ُ َ ُّ َ َ َ ْ ً َ ْ َ ُ َ ْ ُ ْ َ َ َ ْ ً َ َ َ َ ُ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َأ‬
‫ال ل ُه ْم ُبو‬ ‫حدا؟”قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬ر ينا قوما يصلون‪ ،‬وقوما يقرءون القرآن‪ ،‬وقوما يتذاكرون الحالل والحرام‪ ،‬فق‬
‫َّ‬ ‫ُ َ ْ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ َ َ ُ ُ َ َّ َ َّ َّ َ‬
‫صلى الل ُه َعل ْي ِه َو َسل َم” ( الطبراني وقال الهيثمي في املجمع‪ :‬إسناده حسن)‬ ‫هريرة‪”:‬ويحكم‪ ،‬فذاك ِميراث محم ٍد‬
‫أحب تي في هللا‪ :‬ومن عوم ل النه وض باألم ة في املج ال العلمي أن نهتم ب املعلم واملربي وأن نش كر جه وده‪ ،‬ون ؤدي‬
‫ً‬
‫إليه بعضا من حقه‪ ،‬وأن نعرف له قدره واحترامه وفضله‪.‬‬
‫َ ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َّ ُ ّ‬
‫حان ِإ ذا ُهما ل ْم ُيك َرما‬ ‫يب ِكل ِيهما …………………‪.‬ال ينص ِ‬ ‫علم والط ِب‬ ‫إن امل ِ‬
‫َ ْ ْ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ َّ ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َأ َ ْ َ َ‬ ‫ْ‬
‫فاص ِب ْر ِلداِئ ك ِإ ن هنت ط ِبيبه ………………‪.‬واص ِبر ِلجه ِلك ِإ ن جفوت مع ِلما‬
‫إن نهضة األمة منوط بتربية أجيال على علم وتحمل املسئولية؛ وما اختلت موازين األمة‪ ،‬وفسد أبناؤها إال‬
‫أب مف رط ال يعلم عن ح ال أبنائ ه‪ ،‬وال في أي مرحل ة يدرس ون‪ ،‬وال م ع من ي ذهبون‬ ‫حينم ا ض اع األبن اء بين ٍ‬
‫ويجالسون‪ ،‬وال عن مستواهم التحصيلي في الدراسة – وبين مدرس خان األمانة‪ ،‬وتهاون في واجبه‪ ،‬ولم يدرك‬
‫مسؤوليته؛ فدور األسرة عظيم في غ رس ه ذه القيم في نف وس أبنائه ا فهم مسئولون عنهم ي وم القيامة؛ وبين‬
‫ول َع ْن‬ ‫ام َراع َو َم ْس ُئ ٌ‬ ‫ول َع ْن َرع َّيت ه‪ ،‬ا َم ُ‬ ‫ذل ك الرس ول ص لى هللا علي ه وس لم في قول ه‪ُ ”:‬ك ُّل ُك ْم َراع َو ُك ُّل ُك ْم َم ْس ُئ ٌ‬
‫ِ ِ ِ ِإْل‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َأ ْ َ ُ َ َ ْ ُئ ٌ َ ْ َ َّ ٍ َ مْل َ ْ َأ ُ َ َ ٌ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ ُئ َ ٌ‬
‫ٍ‬
‫َرع َّيت ه ‪َ ،‬و َّ ُ َ‬
‫اعي ة ِفي بي ِت زو ِجه ا ومس ولة عن ر ِعي ِته ا‪،‬‬ ‫الرج ُل ر ٍاع ِفي ه ِل ِه وه و مس ول عن ر ِعي ِت ِه‪ ،‬وا ر ة ر ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ُ ُّ ُ‬
‫ول َع ْن َر ِع َّي ِت ِه‪َ ،‬وكلك ْم َر ٍاع‬‫الر ُج ُل َراع في َم ال َأ بي ِه َو َم ْس ُئ ٌ‬ ‫َو ْال َخ ِاد ُم َراع في َم ال َس ّي ِد ِه َو َم ْس ُئ ٌ‬
‫ول َع ْن َر ِع َّي ِت ِه‪َ ،‬و َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ ُئ ٌ َ ْ‬
‫راع عما استرعاه ‪ ،‬أحفظ أم ضيع ؟ حتى‬ ‫ومس ول عن ر ِعي ِت ِه” ( متفق عليه) وقال أيضا ‪ ” :‬إن هللا سائل كل ٍ‬
‫أل الرج ُل عن أه ِل بي ِت ه “( الط براني وال بيهقي والنس ائي وابن حب ان)؛ يق ول اإلم ام الغ زالي رحم ه هللا في‬ ‫ُيس َ‬
‫رسالته أنجع الرسائل‪« :‬الصبي أمانة عند والديه‪ ،‬وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش وصورة‪،‬‬
‫وه و قاب ل لك ل م ا نقش‪ ،‬ومائ ل إلى ك ل م ا يم ال ب ه إلي ه‪ ،‬ف إن ُع ّ ِود الخ ير وعلم ه؛ نش أ علي ه وس عد في ال دنيا‬
‫ُأ‬
‫عود الشر و ْه ِم َل إهمال البهائم؛ شقي وهلك‪ ،‬وكان الوزر في رقبة‬ ‫ّ‬
‫ومؤدب‪ ،‬وإن ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫واآلخرة أبواه‪ ،‬وكل معلم له‬
‫القي م عليه والوالي له»‪ .‬فأوالدكم أمانة في أيديكم وستسألون عنهم فماذا أنتم قائلون؟!!!‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫العنصر الرابع‪ :‬ظاهرة الغش في التعليم وأثرها على املجتمع‬
‫إن الغش ظاهرة خطيرة وسلوك مشين‪ ،‬والغش له صور متعددة‪ ،‬وأشكال متنوعة‪ ،‬ابت داء من غش الحاكم‬
‫لرعيته‪ ،‬ومرورا بغش األب ألهل بيته‪ ،‬وغش الخادم في عمله؛ و انتهاء بالغش في التعليم واالمتحانات‪.‬‬
‫وح ديثي س وف يقتص ر على الغش في االمتحان ات‪ ،‬وال ذي أص بح يش كو كث ير من املدرس ين وال تربويين من‬
‫انتشاره وفشوه؛ وهذا حق‪ ،‬فإن ظاهرة الغش بدأت تأخذ في االنتشار‪ ،‬ليس على مستوى املراحل االبتدائية‬
‫فحسب‪ ،‬بل تجاوزتها إلى الثانوية والجامعة والدراسات العلي ا‪ ،‬فكم من طالب قدم بحثا ليس له فيه إال أن‬
‫اسمه على غالفه!! وكم من طالب قدم مشروعا وال يعرف عما فيه شيئا!! وبل وقد تعجب من انتكاس الفطر‬
‫عند بعض الطالب‪ ،‬فيرمي من لم يغش بأنه مقعد ومتخلف وجامد الخ ‪ ..‬تلك األلقاب؛ ولربما تمادى أحدهم‬
‫فاتهم الطالب الذي ال يساعده على الغش بأنه ال يعرف معنى األخوة وال التعاون‪ .‬هذه الظاهرة التي أنتجها‬
‫الفصام النكد الذي يعيشه كثير منا في مجاالت شتى‪ ،‬نعم ملا عاش كثير من طالبنا فصاما نكدا بين العلم و‬
‫العمل‪ ،‬ترى كثيرا منهم يحاول أن يغش في االمتحانات‪ ،‬و هو قد قرأ حديث الرسول صلى هللا عليه و سلم ‪:‬‬
‫(“من غش فليس منا ” (مسلم)‪ ،‬بل ربما أنه يقرأه على ورقة األسئلة‪ ،‬و لكن ذلك ال يحرك فيه ساكنا‪ ،‬ألنه‬
‫قد استقر في ذهنه أنه ال عالقة بين العلم الذي يتعلمه وبين العمل الذي يجب أن يأتي به بعد هذا العلم؛ وال‬
‫أبالغ إن قلت‪ :‬إن ظاهرة الغش أصبحت في غش القرآن وال سيما في املعاهد األزهرية بل ويمزقون املصحف‬
‫ويأخذون الجزء املقرر في دورات املياه وهناك يداس باألقدام!!!‬
‫أيها املسلمون‪ :‬للغش أسباب كثيرة التي تنتج هذا الخلق املشين منها‪:‬‬
‫ضعف اإليمان‪ :‬فإن القلوب إذا ملئت باإليمان باهلل ال يمكن أن تقدم على الغش وهي تعلم أن ذلك يسخط هللا‬
‫؛ ال يمكن للقلوب التي امتألت بحب هللا أن تقدم على عمل وهي تعلم أنه يغضب هللا‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ضعف التربية ‪ :‬خاصة من قبل الوالدين أو غيرهما من املدرسين أو املرشدين؛ فال نرى أبا يجلس مع‬
‫ابن ه لينص حه وي ذكره بحرم ة الغش‪ ،‬وي بين ل ه أث اره وعواقب ه‪ ،‬ب ل تعجب من بعض اآلب اء إذا قلت ل ه ذل ك‬
‫أجاب ك مباش رة ‪ :‬ملاذا‪ ،‬ه ل اب ني غش اش؟ ب ل ربم ا ل و وق ع االبن في ي د املراقب‪ ،‬لج اء ذل ك األب ي دافع عن ه‬
‫بالباطل!!‬
‫ومنها‪ :‬تزيين الشيطان ‪ :‬فالشيطان يزين لكثير من الطالب أن األسئلة سوف تكون صعبة‪ ،‬وال سبيل إلى حلها‬
‫والنج اح في االمتحان ات إال بالبرش ام والغش؛ فيص رف األوق ات الطويل ة في كتاب ة البراش يم‪ ،‬واخ تراع الحي ل‬
‫والطرق للغش؛ ما لو بذل عشر هذا الوقت في املذاكرة بتركيز لكان من الناجحين األوائل!!‬
‫أحبتي في هللا‪ :‬إن الغش له أثره السيئ على املجتمع؛ فهو سبب لتأخر األمة‪ ،‬وعدم تقدمها وعدم رقيها‪ ،‬وذلك‬
‫ألن األمم ال تتقدم إال بالعلم وبالشباب املتعلم‪ ،‬فإذا كان شبابها ال يحصل على الشهادات العلمية إال بالغش‪،‬‬
‫فقل لي بريك‪ :‬ماذا سوف ينتج لنا هؤالء الطلبة الغشاشون ؟! ما هو الهم الذي يحمله الواحد منهم ؟! ما هو‬
‫الدور الذي سيقوم به في بناء األمة ؟! ال شيء ‪ ،‬بل غاية همه؛ وظيفة بتلك الشهادة املزورة‪ ،‬ال هم له في تقديم‬
‫شيء ينفع األمة‪ ،‬أو حتى يفكر في ذلك؛ و هكذا تبقى األمة ال تتقدم بسبب أولئك الغششة بينها؛ ونظرة تأمل‬
‫للواقع ‪ :‬نرى ذلك واضحا جليا‪ ،‬فعدد الطالب املتخرجين في كل عام باآلالف ولكن قل بربك من منهم يخترع‬
‫لنا؟! أو يكتشف؟! أو يقدم مشروعا نافعا لألمة؟! قلة قليلة ال تكاد تذكر!!‬
‫عباد هللا‪ :‬علينا جميعا أن تعاون الجميع في مقاومة هذه الظاهرة ‪ ،‬كل بحسب استطاعته وجهده‪ ،‬فاألب في‬
‫بيت ه ينص ح أبنائ ه ويرش دهم ويح ذرهم بين الحين واآلخ ر ‪ ،‬واملعلم واملرش د في املدرس ة والجامع ة ك ل يق وم‬
‫بالوعظ ‪ ،‬واإلرشاد‪ ،‬وكذلك الداعية في خطبه ودروسه‪ ،‬واإلعالم بوسائله املختلفة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫نسأل هللا أن يرزقنا علما نافعا وقلبا خاشعا وبدنا على البالء صابرا ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛‬
‫الدعاء‪                                   ،،،،،،،‬وأقم الصالة‪                                                                          ،،،،،،،‬‬
‫كتبه ‪ :‬خادم الدعوة اإلسالمية‬
‫د ‪ /‬خالد بدير بدوي‬

You might also like