You are on page 1of 49

‫أهمية طلب العلم ( رحلة التوحيد )‬

‫فضيلة الشيخ د‪ .‬سفر بن عبدالرحمن الحوالي ‪.‬‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله حممد وعلى‬
‫آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫احلمد هلل الذي علم بالقلم‪ ،‬علم اإلنسان ما مل يعلم‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك‬
‫على عبده ورسوله حممد‪ ،‬خري معلم للبشرية مل تعرف البشرية معلمًا قبله وال‬
‫بعده خريًا منه صلوات اهلل وسالمه عليه‪ ،‬وال عرفت طالب علم وهدى وحق‬
‫مثل أصحابه الكرام رضي اهلل تعاىل عنهم وأرضاهم‪ ،‬وصلى عليهم وعلى التابعني‬
‫وتابعي التابعني ومن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫سأحتدث ‪-‬إن شاء اهلل تعاىل‪ -‬يف هذا املوضوع عن أمهية طلب العلم‪ ،‬وعما أعده‬
‫اهلل تبارك وتعاىل للعامل ولطالب العلم من الفضل واألجر واخلري العميم؛ ألننا يف‬
‫زمن شغل الناس وفتنوا بالدنيا‪ ،‬وانصرفوا عن اآلخرة إال من رحم اهلل‪ ،‬ومن مجلة‬
‫وأعظم ما انصرف الناس ورغبوا عنه هو طلب العلم‪ ،‬حىت أن طالب العلم الذين‬
‫يطلبون العلم يف املدارس يقل عند الكثري منهم الرغبة يف طلب العلم‪ ،‬وحىت أن‬
‫من حيبون أو حيضرون بعض املواعظ ‪-‬وفيها خري كثري‪ -‬قد ال حيضرون وال‬
‫يرغبون يف تعلم العلم الذي يتفقهون به وهو‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬يف العقيدة والتوحيد ومعرفة اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل وهو أشرف العلوم‪.‬‬

‫وثانيًا‪ :‬يف معرفة احلالل واحلرام الذي به يعبدون اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ‪ ،‬فكم من‬
‫عابد على جهالة!‬

‫وكم من مشرك أو متلبس بشرك يظن أنه على التوحيد!‬

‫وكم من مصٍّل وصالته باطلة؛ ألنه ال يقيمها وال حيسنها!‬

‫وكم من حاج حجه باطل؛ ألنه مل يقم به وفق ما شرع اهلل تبارك وتعاىل من‬
‫األحكام‪ ،‬وكما حج رسول اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم !‬
‫وكيف نعرف ذلك كله؟ إمنا نعرفه بالعلم‪ ،‬وبالفقه وبالتفقه يف الدين‪.‬‬

‫والتفقه يف الدين أمر شاق‪ ،‬ولكن أجره عظيم‪ ،‬واملتفقهون أو الراغبون يف التفقه‬
‫يف الدين قليل؛ ولكنهم كالنجوم يف السماء‪ ،‬وهم الذين يهتدى ويقتدى هبم‬
‫{عامل واحد أشد على الشيطان من ألف عابد } كما صح ذلك عن بعض‬
‫السلف وروي عن رسول اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ‪.‬‬

‫َّلِذ‬
‫فال شك أن العلم فضله عظيم‪ ،‬واهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل يقول‪ُ :‬قْل َه ْل َيْس َتِو ي ا يَن‬
‫َيْع َلُم وَن َو اَّلِذ يَن ال َيْع َلُم وَن ِإَمَّنا َيَتَذ َّك ُر ُأوُلو اَأْلْلَباِب [الزمر‪ ]9:‬ال يستويان أبدًا؛‬
‫حىت يف احليوان ال يستوي املعَّلم وغري املعَّلم‪ ،‬واهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل جعل الكالب‬
‫جنسة‪ ،‬ومعروف أنه إذا ولغ الكلب يف إناء أحدنا فإنه يغسله سبعًا إحداهن‬
‫بالرتاب‪ ،‬وما ذلك إال لنجاسته؛ لكن هذا احلكم وهو النجاسة يف لعابه وريقه إذا‬
‫كان غري معلم‪ ،‬أما لو كان معَّلمًا كان كما قال اهلل تبارك وتعاىل‪َ :‬و َم ا َعَّلْم ُتْم‬
‫ِم َن اَجْلَو اِر ِح ُمَك ِّلِبَني ُتَعِّلُم وَنُه َّن َّمِما َعَّلَم ُك ُم الَّلُه َفُك ُلوا َّمِما َأْم َس ْك َن َعَلْيُك ْم [املائدة‪:‬‬
‫‪.]4‬‬

‫والنيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم فصل ذلك لـعدي بن حامت رضي اهلل تعاىل عنه ملا‬
‫سأله‪ ،‬ففرق له بني ما إذا أرسل كلبه املعلم‪ ،‬وبني ما إذا أرسل كلبه غري املعلم ‪-‬‬
‫سبحان اهلل العظيم!‬

‫إذا كان العلم وهو العلم الصحيح النافع حيول احليوان النجس إىل حيوان تؤكل‬
‫فريسته اليت يصطادها‪ ،‬فبدًال من أن نغسله سبعًا أوالهن بالرتاب‪ ,‬فإننا نأكله‬
‫هنيئًا مريئًا‪ ،‬ونشكر اهلل الذي علمنا والذي سخر لنا هذا احليوان‪.‬‬
‫فما بالكم بالعلم! كيف يغري يف ابن آدم الذي هو أكرم ما خلق اهلل ُس ْبَح اَنُه‬
‫َو َتَعاىَل ‪َ :‬و َلَقْد َكَّر ْم َنا َبيِن آَدَم [اإلسراء‪ ]70:‬أكرم ما خلق اهلل هو هذا اإلنسان‪,‬‬
‫وكرمه وشرفه بالعلم‪.‬‬

‫وأكرم من يف بين آدم هم العلماء‪ ،‬ألن األنبياء هم أفضل اخللق وهم أعلم الناس‬
‫باهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ‪ ،‬وهذا العلم أشرف العلوم مجيعًا‪ ،‬مث من بعدهم كما قال‬
‫َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم يف حديث أيب الدرداء {أال وإن األنبياء مل يورثوا دينارًا وال‬
‫درمهًا وإمنا ورثوا العلم }‪ ،‬فالعلماء ورثة األنبياء وإن األنبياء مل يورثوا دينارًا وال‬
‫درمهًا‪ ،‬يقول َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ‪{ :‬حنن معاشر األنبياء ال نورث‪ ،‬ما تركناه‬
‫صدقة } فكل ما يرتكه النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم من بعده من آنية أو سالح أو‬
‫أرض أو متاع فهو صدقة ال يورث‪ ،‬ما الذي وّر ث؟ {وإمنا ورثوا العلم فمن‬
‫أخذه أخذ حبظ وافر }‪.‬‬

‫هلذا فإن أبا هريرة رضي اهلل تعاىل عنه ملا رأى الناس فتحت وتوسعت عليهم‬
‫الدنيا‪ ،‬ورأى االنكماش يف طلب العلم ذهب يصيح‪[[ :‬أيها الناس! مرياث رسول‬
‫اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم يقسم يف املسجد ]]‪.‬‬

‫ففرحوا حملبتهم لرسول اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ‪ ،‬كل واحد ترك بضاعته وشغله‪،‬‬
‫وجاءوا جيرون‪ ,‬وكٌل يريد أن يأخذ مما تبقى من أشيائه َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم إن‬
‫كانت آنية أو أي شيء من سالحه ولو من شعره‪ ،‬فهذا مما يتربك به‪.‬‬

‫جاءوا وجلسوا وإذا به يقول‪[[ :‬حدثين خليلي َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ‪ ..‬وقال‬
‫َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ‪ ,..‬فقالوا‪ :‬أين املرياث يا أبا هريرة ؟! قال‪ :‬هذا املرياث‪ ،‬ما‬
‫ورث النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم إال هذا العلم‪ ..‬وهذا اهلدى‪ ..‬وهذا النور‪ ،‬وحنن‬
‫إليه أحوج من كل مرياث ]]‪.‬‬

‫وكما ذكر ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬أنه قد يعيش الناس بال أطباء‪ ،‬ويتداووا مبا يسر‬
‫اهلل هلم من أعشاب أو مما تعارفوا عليه‪ ،‬واملهم أن يكون حالًال‪ ،‬لكن هل ميكن‬
‫أن يعيش الناس وتستقر وهتنأ وترغد حياهتم بال علم أو بال علماء؟!‬

‫ال ميكن؛ وهلذا بني اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل كما يف احلديث الذي ذكره النيب َص َّلى‬
‫اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم عن العلم قال‪{ :‬إن اهلل ال ينزع العلم انتزاعًا يأخذه من صدور‬
‫العلماء‪ ،‬ولكن ينزعه مبوت العلماء‪ ،‬فإذا مات العلماء اختذ الناس رؤساء جهاًال‬
‫فسئلوا فأفتوا بغري علم فضلوا وأضلوا }‪.‬‬

‫ففي آخر الزمان حيث ال يذكر فيه اهلل‪ ،‬وال يقال‪ :‬ال إله إال اهلل لقلة العلماء‪،‬‬
‫ليس فيهم عامل يفقههم ويبني هلم‪.‬‬

‫واجلاهلية اليت كانت قبل بعثته َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم حماها اهلل ببعثته‪ ،‬حماها‬
‫بالتوحيد وبالوحي والعلم الذي آتاه اهلل إياه‪ ،‬لكن هلا عودة‪ ،‬فرتات وتعود‪ ،‬أما‬
‫اجلاهلية املطلقة فإهنا ال تعود بعد رسول اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم أبدًا؛ ألن اهلل‬
‫تعاىل تكفل وتأذن أنه البد أن تبقى وتظل طائفة قائمة على هذا الدين حىت يأيت‬
‫أمر اهلل‪ ،‬وهو الريح الطيبة اليت تقبض أرواح املؤمنني قبيل قيام الساعة‪ ،‬ويبقى‬
‫شرار اخللق وعليهم تقوم الساعة‪ ،‬فال يكون ذلك إال هبالك أو بذهاب أو‬
‫باضمحالل أو فقد العلم الذي ينتفع به الناس‪.‬‬
‫ستظل طائفة على احلق؛ لكن اجلاهلية تأيت على طوائف‪ ،‬وعلى مناطق‪ ،‬وعلى‬
‫أمم‪ ،‬كما كان عندنا يف جزيرة العرب ‪ ،‬كانت جزيرة العرب قبل دعوة حممد‬
‫بن عبد الوهاب ‪-‬رمحة اهلل عليه‪ -‬يف ظالم؛ بل إهنا رجعت إىل اجلاهلية األوىل‪،‬‬
‫حىت بعث اهلل عز وجل الرجل الذي جيدد هذا الدين ‪-‬وهلل احلمد والفضل‬
‫واملنة‪ -‬فيمكن أن تعود اجلاهلية يف أي مكان‪ ،‬ولكن سرعان ما ترتفع اجلاهلية‬
‫عن هذا املكان أو عن هؤالء القوم بالعلم؛ ألنه الذي ينور اهلل تبارك وتعاىل به‬
‫القلوب َيْر َفِع الَّلُه اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِم ْنُك ْم َو اَّلِذ يَن ُأوُتوا اْلِعْلَم َدَرَج اٍت [اجملادلة‪.]11:‬‬

‫واهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل عندما بني لنا وخللقه أمجعني أعظم قضية هتم اإلنسان يف‬
‫الدنيا فيها أعظم شاهد وأعظم شهداء‪.‬‬

‫فما هي القضية؟ ومن الشاهد؟ ومن الذين استشهد هبم؟‬

‫قال اهلل تعاىل‪َ :‬ش ِه َد الَّلُه َأَّنُه ال ِإَلَه ِإاَّل ُه َو َو اْلَم الِئَك ُة َو ُأوُلو اْلِعْلِم َقاِئمًا ِباْلِق ْس ِط ال‬
‫ِإَلَه ِإاَّل ُه َو اْلَعِز يُز اَحْلِكيُم [آل عمران‪ ]18:‬أعظم قضية يف هذه الدنيا ويف الوجود‬
‫كله هي‪ :‬قضية التوحيد‪ ،‬وهي الشهادة هلل تعاىل بالوحدانية وأنه ال إله إال هو‪،‬‬
‫وأعظم شاهد هو اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ‪ ،‬ولذلك بدأ بنفسه الكرمية ‪-‬سبحان اهلل‪-‬‬
‫قال‪َ :‬ش ِه َد الَّلُه َأَّنُه ال ِإَلَه ِإاَّل ُه َو َو اْلَم الِئَك ُة [آل عمران‪.]18:‬‬

‫مث ثىن باملالئكة وال غرابة‪ ,‬فاملالئكة عباده املكرمون ال َيْع ُصوَن الَّلَه َم ا َأَم َر ُه ْم‬
‫َو َيْف َعُلوَن َم ا ُيْؤ َم ُر وَن [التحرمي‪ ]6:‬فجعلهم اهلل تعاىل شهداء‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬اختار من خلقه شهداء يشهدون معه ‪-‬وهو أعظم شاهد‪ -‬يف أعظم‬
‫قضية؛ فال بد أن هؤالء املختارين هم خري وأفضل الناس‪.‬‬
‫ومل يستشهد اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل بامللوك وال بأهل املناصب واجلاه والدنيا‪ ،‬وال‬
‫بأهل األموال‪ ،‬وال بأهل األحساب واألنساب الرفيعة؛ لكن قال‪َ :‬و ُأوُلو اْلِعْلِم‬
‫[آل عمران‪ ]18:‬فجعل أعظم الشهود معه ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ومع مالئكته الكرام‬
‫ِإ‬
‫هم أهل العلم‪ ،‬ولذلك قال‪َ :‬أَو ْمَل َيُك ْن ُهَلْم آَيًة َأْن َيْع َلَم ُه ُعَلَم اُء َبيِن ْس رائيَل‬
‫[الشعراء‪ ،]197:‬وكل علماء بين إسرائيل يعلمون أن هذا الدين حق َيْع ِر ُفوَنُه‬
‫َك َم ا َيْع ِر ُفوَن َأْبَناَءُه ْم [البقرة‪.]146:‬‬

‫لكن وجد منهم من أداها مثل عبد اهلل بن سالم رضي اهلل عنه‪ ،‬فقد أدى‬
‫الشهادة وشهد أن هذا هو الرسول الذي كنا ننتظره‪ ,‬وشهد أن هذا هو الدين‬
‫احلق‪.‬‬

‫أول ما قدم النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم مهاجرًا من مكة إىل املدينة ‪ ،‬ظهر وصعد‬
‫أحد أحبار اليهود وقال‪ :‬يا بين قيلة! يا بين قيلة! هذا صاحبكم الذي تنتظرون‪،‬‬
‫وهو من أحبار اليهود الذين مل يؤمنوا‪.‬‬
‫يقول‪ :‬يا بين قيلة ‪-‬وهم األنصار األوس واخلزرج‪ -‬هذا صاحبكم الذي‬
‫تنتظرون‪ ،‬وما يزال َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم بعيدًا‪ ،‬والسراب حيول بينه وبني الناس‪.‬‬

‫فقد عرفوا أنه احلق‪ ,‬وعرفوا أنه هو الرسول‪ ،‬وأن هجرته ستكون‪ ،‬وأنه سيأيت‬
‫من هذا الطريق‪ ،‬ألهنم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم‪ ،‬فـعبد اهلل بن سالم رضي اهلل‬
‫عنه وهو من أحبارهم وعلمائهم الذين نور اهلل قلوهبم وطلبوا احلق وأرادوه‬
‫يقول‪ { :‬فجئت إليه َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم هو خيطب اجلمعة بـقباء ‪ ,‬وهي أول‬
‫خطبة وأول مجعة يف اإلسالم‪ ،‬قال‪ :‬فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه‬
‫كذاب صلوات اهلل وسالمه عليه }‪.‬‬

‫ما هذا الوجه بوجه كذاب وال طالب دنيا‪ ,‬أو طالب مال‪ ,‬أو شهوة‪ ,‬أو شهرة‪،‬‬
‫فالصدق والنور واليقني يلمع من جبينه َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ‪.‬‬

‫مث جلس ومسعه وهو يقول‪{ :‬أيها الناس! أطعموا الطعام‪ ,‬وصلوا األرحام‪,‬‬
‫وأفشوا السالم‪ ,‬وصلوا بالليل والناس نيام‪ ,‬تدخلوا اجلنة بسالم } هذه خطبة‬
‫النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم وعاها قلب عبد اهلل بن سالم رضي اهلل عنه‪.‬‬

‫فلما استشهد اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل على أن هذا الدين حق‪ ،‬كان من علماء بين‬
‫إسرائيل ممن شهد باحلق‪ ،‬وهو هذا الرجل العامل رضي اهلل عنه‪ ،‬ومنهم من مل‬
‫يشهد؟ قال تعاىل‪َ :‬و َجَح ُد وا َهِبا َو اْس َتْيَق َنْتَه ا َأْنُفُس ُه ْم ُظْلمًا َو ُعُلّو ًا [النمل‪]14:‬‬
‫َفِإَّنُه ْم ال ُيَك ِّذ ُبوَنَك َو َلِكَّن الَّظاِلِم َني ِبآَياِت الَّلِه ْجَيَح ُد وَن [األنعام‪ .]33:‬وكيف‬
‫ال يكذبونك؟ أمل يقولوا‪ :‬إنه كذاب‪ ,‬وكاهن‪ ,‬وساحر‪ ,‬وشاعر‪ ،‬فهم ال‬
‫يكذبونك‪ ،‬أي‪ :‬ال يعتقدون يف أنفسهم أنك كاذب‪ ،‬لكن يكذبون بأفواههم‬
‫وهم يعلمون أنه احلق‪ ،‬فالشاهد من هذا هو‪ :‬شهود من استشهد اهلل هبم‪ ،‬منهم‬
‫من يقوم بالشهادة ومنهم من ال يقوم هبا‪.‬‬

‫أما من قام هبا فقد قام مقام األنبياء‪ ،‬كما قام أبو بكر الصديق رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫بعد موت رسول اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ‪ -‬قام هبا يف حروب الردة‪ ،‬وأيضًا قام‬
‫هبا اإلمام أمحد رضي اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬ومما أثر يف هذا أنه قيل‪'' :‬قام أبو بكر يف‬
‫يوم الردة‪ ،‬وقام أمحد بن حنبل يف يوم احملنة'' ‪.‬‬
‫هذا مقام األنبياء أهنم صدعوا وجهروا وقالوا كلمة احلق‪ ،‬كما قال النيب َص َّلى اُهلل‬
‫َعَلْيِه َو َس َّلَم ‪{ :‬سيد الشهداء محزة ورجل قام إىل إمام جائر فأمره وهناه فقتله }‪،‬‬
‫{وفضل العامل على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب }‪.‬‬

‫وفرق بني من يعبد اهلل على جهل أو يفيت جبهل‪ ،‬وبني من يعبده بالعلم أو يفيت‬
‫بالعلم‪ ،‬وهذا من خري ما قال َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم {ال حسد إال يف اثنتني ‪-‬أي‬
‫ال غبطة‪ :-‬رجل آتاه اهلل احلكمة فهو يقضي هبا ويعلمها‪ } ...‬واحلكمة ال تكون‬
‫إال على علم‪ ،‬وكذلك البصرية ال تكون إال على علم‪.‬‬

‫انظروا إىل الرجل الذي ذكر النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم قصته يف التوبة‪ ،‬وكلنا‬
‫حمتاجون إىل التوبة‪.‬‬
‫هذا الرجل الذي قتل تسعة وتسعني نفسًا‪ ,‬مائة إال واحدًا‪ ،‬قتلهم ظلمًا وعدوانًا‪،‬‬
‫فذهب وأراد أن يتوب فقيل له‪ :‬هذا فالن فدل على عابد جاهل‪ ،‬عابد ترك‬
‫الدنيا‪ ،‬وترك الشهوات‪ ،‬وانقطع عن اخللق يف صومعة للعبادة‪ ،‬ولكنه جاهل ال‬
‫يعرف احلق وال يفيت وال يقضي به‪ ،‬فذهب إليه وقال‪ :‬قتلت مائة إال واحدًا هل‬
‫يل من توبة؟‬

‫فاستعظم ذلك!! مائة نفس إال واحدًة! فقال العابد‪ :‬ال أجد لك توبة‪.‬‬

‫فقال‪ :‬إذًا ما فائدة احلياة‪ ،‬فأكمل به املائة‪.‬‬

‫الفتوى اجلاهلة أدت إىل تقنيطه من رمحة اهلل‪ ،‬وأيضًا أدت إىل قتل هذا املفيت بغري‬
‫علم‪ ،‬فأكمل به املائة‪.‬‬
‫مث دل على عامل فذهب إليه‪ ,‬وقال‪ :‬قد قتلت مائة نفس‪ ،‬فهل يل من توبة؟‬

‫قال العامل‪ :‬ومن الذي مينعك من التوبة‪.‬‬

‫مث قال له‪ :‬اذهب إىل أرض كذا فإهنا أرض خري‪ ,‬ودع قريتك هذه فإهنا أرض‬
‫سوء‪ ،‬مث قبضه اهلل يف الطريق‪ ،‬فاختصمت فيه املالئكة ومشلته رمحة اهلل ُس ْبَح اَنُه‬
‫َو َتَعاىَل بعد ذلك‪.‬‬

‫واملقصود أننا نعرف الفرق بني من يفيت بغري علم‪ ،‬وإن كان زاهدًا‪ ,‬وورعًا عن‬
‫الدنيا‪ ,‬وجمتنبًا احملرمات‪ ،‬وقد يؤتى بعض اجلهال بيانًا وفصاحة‪ ،‬لكن إذا مل يكن‬
‫على علم مبا قال اهلل وقال رسول اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ‪ ،‬ومل يكن أيضًا على‬
‫فقه يف الدين فال خري فيه‪ ،‬فقد تنقلب هذه الفصاحة وباًال وخسارًا على‬
‫صاحبها‪ ،‬نسأل اهلل العفو والعافية‪.‬‬

‫أما العامل فإنه ينفع الناس وينتفع منهم كما قال َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ‪{ :‬إن اهلل‬
‫ومالئكته وخلقه ‪-‬أو قال‪ :‬والدواب‪ -‬حىت احليتان يف جوف املاء‪ ،‬وحىت النملة‬
‫يف جحرها ليصلون على معلم الناس اخلري } يصلون عليه‪ :‬أي يدعون‬
‫ويستغفرون له كل شيء حىت احليتان يف جوف املاء‪ ،‬وحىت النملة يف جحرها‪،‬‬
‫كلها تستغفر هلذا العامل الذي طلب العلم لوجه اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ‪ ,‬والذي نفع‬
‫اُهلل تبارك وتعاىل بعلمه‪ ،‬فعلم الناس ما هم أحوج ما يكونون إليه‪.‬‬

‫ِم‬ ‫ِإ‬
‫ومن فضل العلم والعلماء ما قال اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل يف كتابه‪َ :‬مَّنا ْخَيَش ى الَّلَه ْن‬
‫ِعَباِدِه اْلُعَلَم اُء ِإَّن الَّلَه َعِز يٌز َغُفوٌر [فاطر‪.]28:‬‬
‫فالذين خيشون اهلل يف كل حركة وخطوة‪ ,‬ويف كل كلمة‪ ,‬هم العلماء‪ :‬العلماء‬
‫باهلل‪ ،‬والعلماء بأحكامه اهلل وبدينه‪ ،‬فأما العلماء باهلل فهم يعلمون أن اهلل عز‬
‫وجل عظيم‪ ،‬وقدره عظيم‪ ،‬ليس كأحبار اليهود الذين قال اهلل فيهم‪َ :‬و َم ا َقَد ُر وا‬
‫اْلِق ا ِة الَّس ا ا ْطِو َّيا ِب ِم يِنِه‬ ‫ِمَج‬
‫الَّلَه َح َّق َقْد ِرِه َو اَأْلْر ُض يعًا َقْبَضُتُه َيْو َم َي َم َو َم َو ُت َم ٌت َي‬
‫ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاَلَىَتَعاىَل َعَّم ا ُيْش ِر ُك وَن [الزمر‪.]67:‬‬

‫جاءوا إىل النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم فقالوا له‪ :‬يا حممد! بلغنا أن اهلل يوم القيامة‬
‫يضع األرض على ذه‪ ،‬واجلبال على ذه‪ ،‬والشجر على ذه‪ ،‬فضحك النيب َص َّلى اُهلل‬
‫ِمَج‬ ‫ِه‬
‫َعَلْي َو َس َّلَم تصديقًا لقوله وقرأ‪َ :‬و َم ا َقَد ُر وا الَّلَه َح َّق َقْد ِرِه َو اَأْلْر ُض يعًا َقْبَضُتُه‬
‫َيْو َم اْلِق َياَم ِة َو الَّس َم اَو اُت َم ْطِو َّياٌت ِبَيِم يِنِه [الزمر‪.]67:‬‬

‫كالمهم هذا حق‪ ،‬لكن مل ينفعهم‪ ،‬فهم يعلمون أنه هبذه العظمة والكربياء‪،‬‬
‫والعزة ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ‪ ،‬لكن مل ينتفعوا به‪ ،‬فالذي ينتفع بذلك هو العامل الذي له‬
‫هذا األجر وهذا الفضل‪ ,‬وهو العامل باهلل الذي خياف اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ‪ ,‬ولذلك‬
‫إذا خافوا اهلل مل خيافوا من أي خملوق كما قال اهلل عنهم‪ :‬اَّلِذ ي ِّلُغوَن ِر االِت‬
‫َس‬ ‫َن ُيَب‬
‫الَّلِه َو ْخَيَش ْو َنُه َو ال ْخَيَش ْو َن َأَح دًا ِإاَّل الَّلَه [األحزاب‪ ]39:‬وهلذا كان قيامهم مقام‬
‫األنبياء أهنم يصدعون باحلق‪ ،‬وال تأخذهم يف اهلل لومة الئم كائنًا من كان‪ ،‬ال‬
‫خيافون أن يغضب عليهم الناس‪ ،‬أو يغضب عليهم السالطني أو امللوك أو الظلمة‬
‫من أي نوع‪ ،‬ألهنم يبلغون عن اهلل‪ ،‬وألهنم أمناء على هذا الدين‪ ،‬ولذلك خيشون‬
‫اهلل ويعرفون قدره فكيف خيافون غريه!‬

‫دخل بعض العلماء على بعض سالطني الظلم فيما مضى وقد قيل له‪ :‬إن‬
‫السلطان يريدك يف أمر مهم‪ ،‬ولكن خنشى إن ذهبت إليه أن يقتلك‪.‬‬
‫فقال‪ :‬توكلت على اهلل‪ ,‬ودخل عليه وكلمه وخاطبه وأمره وهناه وأغلظ عليه‪ ،‬مث‬
‫خرج من عنده‪.‬‬

‫فلما خرج سألوه‪ :‬كيف فعلت؟‬

‫قال‪ :‬تذكرت عظمة اهلل عندما دخلت عليه‪ ،‬ورأيت عظمته وجنوده وملكه‪،‬‬
‫فأصبح أمامي كاهلر!‬

‫فعندما يتذكر اإلنسان عظمة اهلل هتون أمامه عظمة أي إنسان كائنًا من كان‪.‬‬

‫هذا املخلوق الذي قد يرجئ أو خيشى أو يسكت عن كلمة احلق‪ ،‬سيكون يومًا‬
‫على آلة حدباء حممول‪.‬‬

‫يومًا ما سيحمل ويلقى يف ذلك املوضع الذي يعرفه كل أحد‪ ،‬والذي سينتهي‬
‫إليه كل واحد‪ ،‬لكن هذا العامل لو سكت وداهن وخاف منه ممن إذًا سيتكلم!‬
‫َو ِإْذ َأَخ َذ الَّلُه ِم يَثاَق اَّلِذ يَن ُأوُتوا اْلِكَتاَب َلُتَبِّيُنَّنُه ِللَّناِس َو ال َتْك ُتُم وَنُه [آل عمران‪:‬‬
‫‪ ]187‬يسأله اهلل يوم القيامة ملاذا مل تبلغ دين اهلل؟‬

‫وأعظم ما جيب أن يتأدب به طالب العلم هو‪ :‬خشية اهلل ومعرفة اهلل‪ ،‬فمن عرف‬
‫اهلل عز وجل فقد عرف كل خري‪ ،‬ومن جهل ربه ومل يعرف قدره فمهما حوى‬
‫من العلم فهو كما ضرب اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل املثل بعلماء بين إسرائيل َك َم َثِل‬
‫اِحْلَم اِر ْحَيِم ُل َأْس َف ارًا [اجلمعة‪ ]5:‬علماء بين إسرائيل مل يكن ينقصهم العلم‪،‬‬
‫ِب‬ ‫ٍر‬
‫ولكن كان ينقصهم قول احلق والعمل به َك اُنوا ال َيَتَناَه ْو َن َعْن ُمْنَك َفَعُلوُه َل ْئَس‬
‫َم ا َك اُنوا َيْف َعُلوَن [املائدة‪ ]79:‬أي ال ينهون أتباعهم عن قوهلم اإلمث وأكلهم‬
‫السحت‪.‬‬
‫كانوا يرون املنكر فيأمرون أول األمر مث ال مينعهم بعد أن يكون أحدهم لفاعل‬
‫املنكر قعيدًا وأكيًال وجليسًا‪ ،‬فلما فعلوا ذلك ضرب اهلل قلوب بعضهم ببعض‪,‬‬
‫ولعنهم على لسان دواد وعيسى بن مرمي‪ ،‬نسأل اهلل العفو والعافية‪.‬‬

‫مع أهنم علماء لكن أخفوا أحكام اهلل وغريوا وبدلوا دينه‪ ،‬كما حدث ذلك يف‬
‫عهده َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم بعد أن قدم املدينة أن زىن رجل بامرأة‪ ،‬فلما فعال‬
‫الفاحشة احملرمة‪ ،‬قالوا‪ :‬قد جاءنا هذا النيب وهو رسول اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ‪،‬‬
‫ويعلمون أنه نيب‪ ،‬ويعرتفون بذلك فيما بينهم‪ ،‬فلنذهب إليه فإن أفتانا بشيء غري‬
‫الرجم قبلناه‪ ،‬وإذا سألنا ربنا يوم القيامة قلنا‪ :‬يا رب! هذا نبيك بعثته وأخذنا‬
‫حبكمه‪ ،‬وإن مل يفتنا به عدنا إىل ما كنا نعمل‪ .‬فاملسألة كما هو حال كثري من‬
‫الناس‪ ،‬وهذه القضية مهمة‪.‬‬

‫وحذيفة بن اليمان رضي اهلل عنه ملا مسع رجًال يقول يف قوله تعاىل‪َ :‬و َمْن ْمَل ْحَيُك ْم‬
‫َمِبا َأْنَز َل الَّلُه َفُأوَلِئَك ُه ُم اْلَك اِفُر وَن [املائدة‪ ]44:‬قال ‪-‬وهو صادق‪ :-‬هذه يف بين‬
‫إسرائيل ‪-‬وهذه سوف نذكر قصتها قريبًا‪ -‬قال حذيفة رضي اهلل عنه‪ِ[[ :‬ن‬
‫َم‬ ‫ْع‬
‫أبناء عم لكم اليهود‪ ،‬ما كان من حلوة فهي لكم‪ ،‬وما كان من مرة فهي هلم‬
‫]]‪ ،‬معىن هذا الكالم أننا إذا جئنا وقرأنا ُك ْنُتْم َخ ْيَر ُأَّم ٍة ُأْخ ِر َج ْت ِللَّناِس [آل‬
‫عمران‪ ]110:‬قلنا هذه يف أمة حممد َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ‪.‬‬

‫وإذا قرأنا َو َك َذ ِلَك َجَعْلَناُك ْم ُأَّم ًة َو َس طًا ِلَتُك وُنوا ُش َه َد اَء َعَلى الَّناِس َو َيُك وَن‬
‫الَّر ُس وُل َعَلْيُك ْم َش ِه يدًا [البقرة‪ ]143:‬قلنا‪ :‬نزلت فينا هذه اآلية‪.‬‬
‫وإذا قرأنا قوله تعاىل‪َّ :‬مُث َأْو َر ْثَنا اْلِكَتاَب اَّلِذ يَن اْص َطَف ْيَنا ِم ْن ِعَباِد َنا [فاطر‪]32:‬‬
‫قلنا‪ :‬هذه فينا واحلمد هلل‪ ،‬وإذا جئنا وقرأنا قوله تعاىل‪َ :‬و َمْن ْمَل ْحَيُك ْم َمِبا َأْنَز َل الَّلُه‬
‫َفُأوَلِئَك ُه ُم اْلَك اِفُر وَن [املائدة‪ ]44:‬قلنا‪ :‬هذه نزلت يف اليهود‪.‬‬

‫ِل‬ ‫ِل‬ ‫ِذ‬


‫وقوله‪ُ :‬لِعَن اَّل يَن َك َف ُر وا ِم ْن َبيِن ِإْس رائيَل َعَلى َس اِن َداُو َد َو ِعيَس ى اْبِن َمْر َمَي َذ َك‬
‫َمِبا َعَص ْو ا َو َك اُنوا َيْع َتُد وَن [املائدة‪ ]78:‬قلنا‪ :‬هذه يف اليهود‪ ،‬وحنن من أمة حممد‪،‬‬
‫وحنن على خري! وهكذا‪ .‬فيقول حذيفة ‪[[ :‬نعم أبناء العم‪ ،‬لو كان األمر كذلك‬
‫]] أي كل شيء فيه مدح فهو لنا‪ ،‬وكل شيء فيه ذم فهو على اليهود‪.‬‬

‫وقد فسر الصحابة والتابعون املغضوب عليهم‪ :‬باليهود‪ ،‬والضالني‪ :‬بالنصارى‪.‬‬

‫وقال ابن عباس وسفيان بن عيينة رضي اهلل عنهما‪[[ :‬من ضل من علمائنا ففيه‬
‫شبه من اليهود‪ ،‬ومن ضل من عبادنا ففيه شبه من النصارى ]]‪.‬‬

‫هؤالء اليهود ملا غريوا حكم اهلل‪ ،‬وبدلوا دينه‪ ،‬قالوا‪{ :‬سلوا حممدا عن ذلك فإن‬
‫أمركم باجللد فخذوه عنه وإن أمركم بالرجم فال تأخذوه عنه فسألوه } وكان‬
‫اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل قد سبق وأنزل الوحي عليه َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم وبني له‬
‫احلكم‪ ،‬وقال‪َ :‬و َك ْيَف َحُيِّك ُم وَنَك َو ِعْنَد ُه ُم الَّتْو َر اُة ِفيَه ا ُح ْك ُم الَّلِه [املائدة‪]43:‬‬
‫فاحلكم يف التوراة‪ ،‬والنيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم يستطيع أن يقول‪ :‬احلكم الرجم‪،‬‬
‫فارمجوهم‪.‬‬

‫هنا الشاهد؛ حىت يعلم أن هؤالء علماء ضاللة‪ ،‬وأهنم ما أتوا يف أمور أخرى‪،‬‬
‫فلم جاءوا هذه املرة‪ .‬قال َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ‪ { :‬ما حتكمون يف هذا أنتم؟‬
‫قالوا‪ :‬حنن حنكم أن جيلد وحيمم وجهه ويطاف به يف األسواق‪.‬‬

‫قال‪ :‬هل هذا احلكم يف التوراة؟‬

‫قالوا‪ :‬هذا الذي يف التوراُة‪.‬‬

‫قال‪ُ :‬قْل َفْأُتوا ِبالَّتْو َر اِة َفاْتُلوَه ا ِإْن ُك ْنُتْم َص اِدِقَني [آل عمران‪ ]93:‬فاتفقوا كلهم‬
‫على حذف هذا احلكم من التوراة فأخذ أحدهم يقرأ ‪-‬وتعلمون أن النيب َص َّلى‬
‫اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم أمي‪ ,‬ولكن اهلل عز وجل يظهر احلق له دائمًا‪ ،‬وكان شاهد بين‬
‫إسرائيل موجودًا‪ -‬فوضع القارئ يده على آية الرجم وجتاوزها ألهنم ال يريدون‬
‫حكم اهلل ويكرهون ما أنزل يف التوراة‪ ،‬ألن فيه فضيحة على العاصي‪ ،‬فلجئوا إىل‬
‫تبديل حكم اهلل } ‪.‬‬

‫وهذا ذنب على ذنب‪ ،‬أوهلا غلط وتبديل لكالم اهلل‪ ،‬وآخرها تبديل لدين اهلل‪،‬‬
‫وغمط وجحد ملا أنزل اهلل‪.‬‬

‫{فقال له عبد اهلل بن سالم رضي اهلل عنه‪ :‬ارفع يدك! فإذا آية الرجم تظهر‬
‫فقرأها عبد اهلل فقال‪ :‬هذه يا رسول اهلل‪ ،‬واهلل تعاىل قد أخرب نبيه َّلى ا َل ِه‬
‫َص ُهلل َع ْي‬
‫َو َس َّلَم ‪ ،‬فأمر هبما فرمجا‪.‬‬

‫فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ما الذي محلكم على ذلك؟‬

‫قالوا‪ :‬كنا قد أقمناه زمانًا‪ ،‬مث فشا فينا الزنا وانتشر يف أشرافنا } كما قال اهلل‪:‬‬
‫َر َّبَنا ِإَّنا َأَطْع َنا َس اَدَتَنا َو ُك َبَر اَءَنا َفَأَض ُّلوَنا الَّس ِبيال [األحزاب‪ ]67:‬إهنم الكرباء‬
‫والوساطات‪ ،‬فإذا زنا ابن الفالح‪ ,‬قالوا‪ :‬ارمجوه؛ لكن إذا زنا ابن األمري أو كبري‬
‫من الكرباء يف بين إسرائيل قالوا‪ :‬ال‪ ،‬هذا ال يرجم‪ .‬فاستمروا على هذا يرمجون‬
‫الضعفاء وال يرمجون الكرباء‪ ،‬كما أخرب النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم {إمنا أهلك‬
‫من كان قبلكم أهنم كانوا إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه احلد‪ ،‬وإذا سرق‬
‫فيهم الشريف تركوه } فالذي ليس لديه وساطة‪ ،‬ال يف شرطة‪ ،‬وال يف حمكمة‬
‫يقيمون عليه احلد‪ ،‬أما الشريف فال؛ ألن شرفه وشفاعته حتول بينه وبني احلد‬
‫فلهذا يرتكونه‪.‬‬

‫مث اصطلحوا على حكم مناسب للقوي والضعيف‪ ،‬فقالوا‪ :‬جنعل التحميم‬
‫والتشهري واجللد؛ فإن كان ضعيفًا حتمم ومشى إىل سبيله‪ ،‬وإن كان من أوالد‬
‫الكرباء فيصرب على التحميم قليًال‪ ،‬لكن الكل ال يرجم‪ ,‬وقالوا‪ :‬هذا حل وسط‪.‬‬

‫ولكن هل هذا حل وسط حقيقة؟!‬

‫كثري من الناس من العلماء وطالب العلم والقضاة ‪-‬وكلنا حنتاج أن نفقه هذا‬
‫الشيء‪ -‬حيكمون أو يقضون بغري ما أنزل اهلل ويظنون أن هذا من قبيل اإلصالح‬
‫ِإْن َأَر ْد َنا ِإاَّل ِإْح َس انًا َو َتْو ِفيقًا [النساء‪ ]62:‬ويقولون‪ :‬ما قصدنا إال اخلري‪ ،‬ونريد‬
‫أمرًا يرضي اجلميع‪.‬‬

‫لكن ال جيوز ذلك أبدًا‪ ،‬ما كان من حكم اهلل فينفذ‪ ،‬وما كان من صلح ال حيلل‬
‫حرامًا أو حيرم حالًال فهذا له أبواب أخرى‪.‬‬
‫املقصود أن هؤالء الناس الذين كانوا على علم‪ ،‬ولكن كانوا على غري احلق‬
‫واهلدى‪ ،‬وباعوا دينهم وعلمهم من أجل أبناء األشراف‪ ,‬ومن أجل الزنا الذي‬
‫انتشر فيهم‪ ،‬وهم من أشراف القوم نسأل اهلل العفو والعافية‪.‬‬

‫إذًا من أعظم ما جيب أن يتحلى به العلماء وطالب العلم هو خشية اهلل وقول‬
‫ِديِنِه‬ ‫ِم‬ ‫ِذ‬
‫احلق كما قال اهلل تعاىل يف أوصافهم‪َ :‬يا َأُّيَه ا اَّل يَن آَم ُنوا َمْن َيْر َتَّد ْنُك ْم َعْن‬
‫ِف‬ ‫ِمِن ِع ٍة‬ ‫ِحُي ِذَّلٍة‬ ‫ِب ٍم ِحُي‬ ‫يِت‬
‫َفَس ْو َف َيْأ الَّلُه َق ْو ُّبُه ْم َو ُّبوَنُه َأ َعَلى اْلُم ْؤ َني َأ َّز َعَلى اْلَك ا ِر يَن‬
‫ِه ِت ِه‬ ‫ِئ ِل‬ ‫ِه‬ ‫ِه‬
‫َجُيا ُد وَن يِف َس ِبيِل الَّل َو ال َخَياُفوَن َلْو َم َة ال ٍم َذ َك َفْض ُل الَّل ُيْؤ ي َمْن َيَش اُء َو الَّلُه‬
‫َو اِس ٌع َعِليٌم [املائدة‪.]54:‬‬

‫وإذا األمة ركنت واستكانت‪ ،‬وطالب العلم والداعية مل يقل كلمة احلق‪ ،‬وانتشر‬
‫املنكر وطغى‪ ،‬وظهر الفساد يف الرب والبحر‪ ،‬فاألمر كما قال اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ‪:‬‬
‫ِإَّن َر َّبَك َلِباْلِم ْر َص اِد [الفجر‪ ]14:‬ولن يضيع دينه أبدًا‪.‬‬

‫بل يذهب اهلل هبؤالء ويأيت بقوم أول صفة من صفاهتم أهنم حيبهم وحيبونه‪ ،‬ومن‬
‫أحب اهلل فإنه ال يقدم على مرضاته شيئًا‪ ،‬ومن أحبه اهلل حفظه وعصمه وأجناه‬
‫بإذن اهلل تعاىل‪ ،‬وبعد ذلك فإن قوهتم وشدهتم وغلظتهم تكون على الكفار‪ ،‬أما‬
‫على املؤمنني فإهنم رمحاء فيما بينهم‪ ,‬بل هم أذلة على املؤمنني‪ ،‬مث إن من صفاهتم‬
‫أهنم جياهدون يف سبيل اهلل‪ ،‬وهذا العلم جهاد‪ ,‬بل هو أفضل اجلهاد‪ ،‬كما بني‬
‫َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم يف قوله‪{ :‬نشر العلم جهاد }‪ ،‬بل قد جاء عن النيب َص َّلى‬
‫اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم يف حديث بإسناد حسن أنه قال‪{ :‬إن الشهيد الذي قتل يف سبيل‬
‫اهلل إذا رأى أجر العامل يوم القيامة يتمىن أنه كان مكانه } فالشهيد الذي هو‬
‫أعظم الناس أجرًا‪ ،‬يتمىن أن يكون عاملًا عندما يرى اخلري والربكة هلذا العامل‪،‬‬
‫ولطالب العلم الذي كان يعمل باحلق وينشره‪ ،‬ويعلم الناس احلق واخلري‪ .‬مع أن‬
‫اجلهاد باليد هو ذروة سنام اإلسالم‪.‬‬

‫حىت قتال الكفار إن مل يكن على علم وإن مل يكن قادته علماء كما كان َش ْيخ‬
‫اِإل ْس الِم ابن تيمية رمحة اهلل عليه وغريه من العلماء األفذاذ يقودون املعارك‪ ،‬إن مل‬
‫يكن كذلك؛ فإنه قد يدخله اخللل وقد يدخله الدخن‪ ،‬البد أن يكون اجملاهد‬
‫على علم‪ :‬من جياهد‪ ,‬ومىت يكون اجلهاد‪ ،‬وما هي أحكام الصلح‪ ،‬وما هي‬
‫أحكام الرق‪ ..‬إخل‪ ,‬وكل ذلك حنتاج فيه إىل العلم‪.‬‬

‫فال يستطيع أحد أن يستغين عن العلم يف حال من األحوال‪ ،‬وهلذا أمر اهلل تبارك‬
‫وتعاىل الناس فقال‪َ :‬فاْس َألوا َأْه َل الِّذ ْك ِر ِإْن ُك ْنُتْم ال َتْع َلُم وَن [النحل‪]43:‬‬
‫الواجب علينا أن نسأهلم‪ ،‬وال خري يف الدنيا بعد ذلك كما قال َّلى ا َل ِه‬
‫َص ُهلل َع ْي‬
‫َو َس َّلَم ‪{:‬الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إال ذكر اهلل وما وااله أو عاملًا أو متعلمًا }‬
‫إن مل تكن عاملًا فكن متعلمًا‪ ،‬وقليل من الناس من يكونون علماء‪ ،‬وهذا شيء‬
‫معروف فكن طالب علم {من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل اهلل له به‬
‫طريقًا إىل اجلنة } حىت تكون معه وحتشر معه و{املرء حيشر مع من أحب }‬
‫وحيشر اخلليل مع خليله يوم القيامة‪ ،‬وال نعين بطالب العلم الذي تفقه وخترج من‬
‫كلية الشريعة وخيطب اجلمعة فقط‪ ،‬مع أن هؤالء طالب علم يف نظرنا‪ ،‬لكن‬
‫طالب العلم هو الذي يطلب علم الكتاب والسنة ولو كان يف أي مكان‪.‬‬

‫تعلمون أن بعض الناس يتعلمون ويتفقهون على اإلذاعة! وكلكم تتابعون برنامج‬
‫نور على الدرب‪ ،‬واهلل إننا نعيش يف نعمة ال تقدر واحلمد هلل على ما فينا‪ ،‬حنن‬
‫اآلن نستطيع أن نطلب العلم ونعمل ونتعلم واحلمد هلل‪ ،‬وهناك دول قريبة منا‬
‫على حدودنا ال يستطيع الواحد أن يقرأ كتابًا واحدًا‪ ،‬وال أن يطلب علمًا‪ ،‬وال‬
‫أن يلتقي بشيخ وهم يتعلمون عرب برنامج نور على الدرب! وبرامج أخرى يف‬
‫اإلذاعة يستمعون إليها‪ ،‬ولذلك كم يأيت من العراق ‪ ،‬ومن غريها‪ ,‬لكي يتفقهون‬
‫ويتعلمون‪.‬‬

‫وحنن واحلمد هلل عندنا كثري من الوسائل‪ ،‬فحلقات العلم جيب أن حنضرها‬
‫وحنييها‪ ،‬وعندنا أيضًا إذاعة القرآن الكرمي وال نعين اليت فيها غناء وموسيقى‪.‬‬

‫فالوسائل كثرية‪ ،‬واملهم أن تكون طالب علم وأن تتعلم العلم‪ ،‬وهذا من أعظم‬
‫اآلداب فيه وهو أن تأخذه عن أهله ‪-‬أهل الذكر‪ -‬وأن تأيت البيوت من أبواهبا‬
‫َو ْأُتوا اْلُبُيوَت ِم ْن َأْبَو اَهِبا [البقرة‪ ]189:‬وهذه قاعدة عامة يف ديننا‪ ،‬واملقصود هبا‪:‬‬
‫ليس جمرد إتيان هذا الباب أو ما فسرت به من تفسري‪ ،‬كل ذلك إن شاء اهلل‬
‫حق؛ لكن كل شيء يؤتى من بابه‪ ،‬ومن أبواب العلم أن تأخذه عن أهله‪،‬‬
‫وتتأدب بآداب أهله وشروطه‪.‬‬

‫يف احلقيقة كثري منا ال يتأدبون بآداب طلب العلم‪ ،‬فلو جاءنا عامل ‪-‬مثًال‪-‬‬
‫ونرجو أن يأتينا العلماء إن شاء اهلل‪ ،‬فيجب أن نتأدب معه ونعرف ما الذي‬
‫نسأله‪ ،‬وكيف نسأله‪ ،‬وكيف نستفيد من علمه‪.‬‬
‫الصحابة رضوان اهلل عليهم كان أحدهم ينتظر السنة والسنتني يسأل عن مسألة‬
‫من مسائل العلم‪.‬‬

‫وكان عبد اهلل بن عباس حرب هذه األمة ينام عند عتبات العلماء من الصحابة مثل‬
‫زيد بن ثابت رضي اهلل تعاىل عنه وينتظره حىت خيرج‪.‬‬
‫وحنن اآلن ال نراعي وقت راحة العامل فنتصل باهلاتف وندق الباب‪ ،‬ورمبا نسأل‬
‫عن شيء معروف قد تكلم فيه مئات املرات ونعرف حكمه أيضًا‪ ،‬حنن ينبغي أن‬
‫نعرف ما الذي نسأل عنه‪ ،‬وبعض الناس يف الطريق يفكر‪ :‬ماذا أسأل! مما يدل‬
‫على أن هذا ليس بطالب علم؛ وهذا دليل على أننا جنهل من ديننا شيئًا كثريًا‪.‬‬

‫إذا كنت تتفكر ماذا تسأل الشيخ ابن عثيمني ‪-‬مثًال‪ -‬إذا جاء املنطقة‪ ،‬فهذا يدل‬
‫على أنه ليس معك شيء من العلم‪.‬‬

‫واملفروض أننا نعرف جهلنا حىت نسأل‪ ،‬ولذلك حنرص على أن نسأل العلماء‬
‫فيما يهمنا‪ ،‬أنا ‪-‬مثًال‪ -‬عندي أمر من األمور الدينية‪ ،‬يف عبادة من عبادايت‪ ،‬أو يف‬
‫التوحيد ‪-‬وهو أعظم شيء‪ -‬أعرف هل هذا شرك أو توحيد‪ ،‬هذه بدعة أو سنة‪،‬‬
‫هذا حالل أو حرام!‬

‫آيت إىل الشيخ وأسأله عن شيء أنا أعيشه‪ ،‬عن قضية أنا أعانيها وأعلم هبا‪ ،‬كما‬
‫أوصى النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم لوفد عبد القيس‪{ :‬بلغوا من وراءكم } فأنا‬
‫آخذها وأحفظها وأعيها وأبلغها كما قاهلا العامل وأبلغها لقرييت‪ ..‬ومجاعيت‪..‬‬
‫وقبيليت‪ ،‬ألن هذه كلمة من عامل وهي حق‪ ،‬فإذًا أنا أبلغها‪.‬‬

‫وحىت نتأدب مجيعًا بآداب طالب العلم ال بد أن حنرص على ما ينفعنا وال‬
‫نستكثر من املسائل‪.‬‬
‫وهلذا يقول الشعيب وهو من التابعني ‪-‬رضي اهلل تعاىل عنه‪ -‬ملا رأى الناس‬
‫يتدافعون عليه‪ ،‬ويذهبون من تابعي إىل تابعي يف أيامه‪ ،‬قال‪[[ :‬لو أن القرآن أنزل‬
‫على هؤالء لكان عامته يسألونك ويسألونك ‪-‬من كثرة ما يسأل الناس‪ -‬ولكن‬
‫ليس فيه إال بضعة مواضع ]] وهي مثانية مواضع يف القرآن الكرمي كلها‬
‫(يسألونك) لكن لو نزل القرآن عندنا اليوم‪ ,‬كم يسألونك؟ كل شيء يسألونك‪.‬‬

‫{إمنا أهلك من كان قبلنا كثرة مسائلهم واختالفهم على أنبيائهم }‪ ،‬وهذا‬
‫واقعنا اليوم‪.‬‬

‫بعض الناس يف احلج ‪-‬كمثال وهذا حنن نعيشه يف كل موسم حج‪ -‬يسألك عن‬
‫لقط اجلمار‪ ،‬هل جيوز أن ألقطها من مىن أو من مزدلفة ؟‬

‫فيجاب‪ :‬احلمد هلل‪ ,‬ال بأس‪ ،‬إن أخذهتا من مىن أو مزدلفة أو من أي مكان فال‬
‫حرج‪ ،‬لكن أين وقفت يوم عرفة ؟‬

‫فيقول‪ :‬احلمد هلل حتت اجلسر‪ ،‬أي وقف حتت اجلسر إىل الغروب‪.‬‬

‫قلنا‪ :‬حتت اجلسر ليس من عرفة ‪.‬‬

‫قال‪ :‬لكننا وقفنا‪.‬‬

‫نقول‪ :‬أنت جئت تسأل عن شيء هني ومل تسأل عن الشيء اهلام‪ ،‬أنت تركت‬
‫ركن احلج‪ ،‬كما قال َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ‪{:‬احلج عرفة } وكثري من الناس بل‬
‫آالالف حيجون وال يقفون بـعرفة ؛ ألنه يقف يف عرفة حتت اجلسر ويظن نفسه‬
‫أنه فعل الواجب‪.‬‬
‫هذا ألنه ما اهتم‪ ،‬وما تفقه كيف حيج وأين يقف؟ لكن رأى واحدًا يفيت‬
‫بامليكرفون والناس عليه يتجمعون‪ ،‬قال‪ :‬أذهب وأسأله عن احلجارة وأنا على‬
‫الطريق‪.‬‬

‫وحىت يف صالتنا بعض الناس ال حيسن الفاحتة‪ ،‬ويأيت ويسألك يف قضايا يقول‪:‬‬
‫مسعنا أن هناك أناسًا على جهالة أو على ضاللة هؤالء يوم القيامة هل يدخلهم‬
‫اهلل النار أو اجلنة؟‬

‫فتحتار يف أمره‪ ,‬وماذا تقول له! أتقول له‪ :‬هؤالء أهل فرتة وفيهم خالف‬
‫وتشرح له يف واد بعيد‪ ،‬ولو قلت له‪ :‬تعال اقرأ الفاحتة فال جييد قراءهتا‪ ،‬أو‬
‫سألته‪ :‬ما هي أركان الصالة؟ ال يعرفها‪ ،‬إذًا ما الفائدة؟!!‬

‫يا أخي! هذا القرآن جعله اهلل موعظة‪ ،‬وكان العلماء من عهد الصحابة رضي اهلل‬
‫تعاىل عنهم ينهون عن مساع القصص وهي مواعظ خري‪ ،‬وبعضها حق أو أكثرها‬
‫ولكنهم كانوا ينهون عنها‪.‬‬

‫حىت ال تكون على حساب العلم والتفقه يف الدين‪.‬‬

‫فاإلنسان الذي ال يعرف معىن ال إله إال اهلل وال يعرف الشرك ‪-‬وهو أعظم ذنب‬
‫قد يقع فيه‪ -‬مث يظن أنه يف حاجة إىل دقائق العلم‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫حدث ذات مرة أن رجًال سأل سؤاًال غريبًا ‪-‬الداعي لذكره‪ -‬فقلت له‪ :‬أنت‬
‫تقرأ القرآن فقال‪ :‬احلمد هلل‪ ،‬فقلت‪ :‬أنت تعرف معىن ُق َأُعوُذ ِب ِّب اْلَف َلِق‬
‫َر‬ ‫ْل‬
‫[الفلق‪ ،]1:‬ما معىن الفلق؟ وغاسق إذا وقب؟ والنفاثات يف العقد؟‬
‫قال‪ :‬واهلل ما أعرفها‪ ،‬وهذه يف السور الذي حيفظها الطالب املبتدئ وكل أحد‪،‬‬
‫مث تأيت وتسأل عن أشياء غريبة‪ ,‬كمثل ما يسأل يف البعض يف قوله تعاىل‪َ :‬و َش َر ْو ُه‬
‫ِبَثَم ٍن ْخَبٍس َدَر اِه َم َم ْع ُد وَدٍة [يوسف‪ ]20:‬كم الدراهم؟ وبكم باعه إخوانه؟‬

‫حسنًا إذا كانت عشرة دارهم أو مائة‪ ،‬ماذا يضرك وماذا ينفعك؟ أهم شيء أن‬
‫تعرف أنت ما الذي جيب أن تعلمه حىت تعمل به‪.‬‬

‫هذا الواقع اليومي الذي نعيشه جند النقص عند الناس يف هذا اجلانب من اآلداب‪,‬‬
‫وهو جانب عظيم من آداب طالب العلم وهو ينقصنا مجيعًا‪ ،‬هذا اجلانب‪ :‬أننا ال‬
‫نسأل إال بقدر؛ وال نسأل إال فيما يهمنا‪ ،‬وأن يكون مهنا أن نسمع ونتلقى‪ ،‬فإذا‬
‫تلقينا شيئًا وعزمنا على أن نعمل به‪ ،‬فلن حنتاج إىل أن نسأل كثريًا‪ ،‬وهلذا قَّلت‬
‫أسئلة الصحابة‪.‬‬

‫وكان الصحابة رضي اهلل عنهم يفرحون إذا جاء األعرايب من البادية ألنه ‪-‬‬
‫جاهل‪ -‬يتجرأ‪ ،‬ويسأل النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم وهم يعون ويفقهون‪ ،‬لكنهم ال‬
‫يتجرءون أن يسألوا؛ لتأدهبم مع رسول اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ‪ ،‬وحنن حنتاج إىل‬
‫من يعمل مبا علم ومن يسأل عن شيء ويلتزم العمل به‪.‬‬

‫بقي بعض الصحابة ‪-‬رضوان اهلل عليهم‪ -‬يف سورة البقرة مثان سنني مثل ابن‬
‫عمر رضي اهلل عنه حىت يتعلمها فقال‪[[ :‬كنا ال نتجاوز اآلية من القرآن حىت‬
‫حنفظها ونفقهها ونعرف ما فيها من العلم والعمل‪ ،‬فأوتينا اإلميان قبل القرآن ]]‪،‬‬
‫أما اآلن فإن الناس بالعكس‪.‬‬
‫واحلمد هلل ومن فضل اهلل علينا وعلى األمة مجيعًا أن الواحد منا يدخل التحفيظ‬
‫أربع سنوات أو مخس سنوات وحيفظ من القرآن ما وفقه اهلل ويسره له‪ ،‬وهذا‬
‫شيء جيد‪ ،‬لكن يف جانب الرتبية ال ينبغي أن نعطي القرآن قبل اإلميان‪ ،‬بل جيب‬
‫أن نعطي اإلميان قبل القرآن‪ ،‬فاإلميان قبل القرآن‪.‬‬

‫والتأدب بآداب القرآن وآداب محلة القرآن قبل تعليم الناس أحكام احلالل‬
‫واحلرام شيء هام‪ ،‬وإال كان ذلك حجة هلذا الصاحب‪ ،‬أال ترى أن بعض من‬
‫تعلم وتفقه يف الدين وأخذ الشهادة يف ذلك ُيضل وَيضل‪ ،‬ويقطع طريق الدعوة‬
‫واخلري على أهل اخلري والدعوة‪ ،‬يأخذه الناس قدوة وحجة ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬وإذا‬
‫أخذ الناس جمرد العلم بغري أدب‪ ،‬فهذه مصيبة حتل على الدعوة‪.‬‬

‫فال بد من خشية اهلل‪ ،‬تقواه‪ ،‬ومن اإلخالص له ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ‪ ،‬وبذل هلذا العلم‬
‫يف سبيله عز وجل‪ ،‬ونسأل اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل أن يبارك لنا ولكم‪.‬‬

‫حكم إحياء ليلة العرس باملوسيقى والدف‬


‫السؤال‪ :‬ما حكم إحياء ليلة العرس بالطرب والدف وإحضار بعض املطربني هلذه‬
‫املنطقة إلحياء ليلة العرس‪ ،‬مث بعد ذلك اإلسراف والبذخ يف هذه األيام؟‬
‫اجلواب‪ :‬املوضوع حيتاج يف احلقيقة إىل لقاءات‪ ،‬لكن لعلنا نأيت على بعضه‪.‬‬

‫ِتِه ِب ِل‬ ‫ِه‬ ‫ِب‬


‫أوًال‪ :‬يقول اهلل تبارك وتعاىل‪ُ :‬قْل َفْض ِل الَّل َو ِبَر َمْح َف َذ َك َفْلَيْف َر ُح وا ُه َو َخ ْيٌر‬
‫َّمِما ْجَيَم ُعوَن [يونس‪ ]58:‬فضل اهلل ورمحته قيل القرآن‪ ،‬وقيل النبوة أي بعثته‬
‫ِل‬
‫َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ‪ ،‬وقيل اإلسالم‪ ،‬وكله حق‪ ،‬وأعظم ما يفرح به َفِبَذ َك‬
‫َفْلَيْف َر ُح وا [يونس‪ ]58:‬هو اإلميان باهلل وتقواه ومعرفته ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ‪ ،‬مث أذن‬
‫اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل لنا وقد بعث نبيه باحلنيفية السمحة‪ ،‬وجعل لنا يف هذا الدين‬
‫فسحة لنفرح ونبتهج‪ ،‬وأن نظهر فرحنا‪ ،‬وهلذا جعل لنا عيدين أبدلنامها بيومي‬
‫اجلاهلية لنفرح فيهما وهلل احلمد واملنة‪.‬‬

‫كما شرع لنا رسول اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم الفرح بالزواج‪ ،‬أو الفرح باملولود‬
‫إذا رزقنا اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل مولودًا‪ ،‬وما أشبه ذلك مما هو يف حدود احلالل‪.‬‬

‫مث أتينا حنن وماذا فعلنا ‪-‬وخاصة يف بعض املناطق؟‪ -‬جعلنا الفرح مهرجانًا‬
‫للمعاصي جيمع اإلنسان شرورًا ومعاصي مركبة من أجل ما أعطاه اهلل ُس ْبَح اَنُه‬
‫َو َتَعاىَل ورزقه بفتاة طيبة خطبها من أسرة طيبة كرمية وتزوجها‪.‬‬

‫مَّن اهلل عليه هبذا الزواج‪ ،‬وهذه نعمة من اهلل عظيمة‪ ،‬بل هو خري متاع الدنيا‬
‫كما أخرب النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم فيقول‪ :‬ال بد من فرح‪ ,‬والبد من طرب‬
‫يسمع به القاصي والداين‪.‬‬

‫التبذير واإلسراف يف الوالئم ال جيوز يقول اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل يف كتابه‪ِ :‬إَّن‬
‫اْلُم َبِّذِر يَن َك اُنوا ِإْخ َو اَن الَّش َياِط ِني [اإلسراء‪.]27:‬‬

‫وقد يكون اإلنسان ممن أعطاه اهلل ماًال فأسرف فيه‪ ،‬وقد حرم اهلل اإلسراف‬
‫والتبذير‪ ،‬وهو يف األصل من حالل بل مأمور به‪ ,‬هذا الفرح نعرب عنه كما سنه‬
‫لنا النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم بالدف! لكن هل الدف للرجال؟! أعوذ باهلل من‬
‫ذلك هل هناك رجل يأخذ الدف ويضربه‪..‬معقول!! رجل يأخذ دف أو طبل‬
‫ويضربه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬إنه حيصل يف املباريات لكنين ما صدقت؛ حىت رأيت رجًال حيمل دفًا‬
‫وطبًال‪.‬‬

‫الدف للنساء يف العرس فقط‪ ،‬هذا الذي ُش رع وأذن به النيب َّلى ا َل ِه‬
‫َص ُهلل َع ْي‬
‫َو َس َّلَم ‪ ،‬فيجتمع الناس ويفرحون‪ ،‬وجتتمع اجلماعة ويتعشون‪ ،‬ويتغدون مجيعًا مث‬
‫يباركون ويهنئون ويعربون عن الفرحة وهذا نعرفه واحلمد هلل وهو املشروع‪.‬‬

‫أما االجتماع الذي جاء يف السؤال تسميته "إحياء" فإن اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل‬
‫يقول‪َ :‬أَو َمْن َك اَن َم ْيتًا َفَأْح َيْيَناُه َو َجَعْلَنا َلُه ُنورًا ْمَيِش ي ِبِه يِف الَّناِس [األنعام‪:‬‬
‫‪ ,]122‬وهم يقولون‪ :‬جاء مطربون وأحيوه!! وهذا واهلل قتل وموت‪ ،‬موت‬
‫للقلوب هبذا الطرب واللهو واللعب‪.‬‬

‫واحلياة هي بالقرآن الكرمي وبذكر اهلل َأال ِبِذ ْك ِر الَّلِه َتْطَم ِئُّن اْلُقُلوُب [الرعد‪]28:‬‬
‫فإذا كان الوقت مناسبًا ‪-‬وال جنعل ذلك دائمًا أو قاعدة عامة‪ -‬واجتمع الناس‪،‬‬
‫وجاء إنسان وأعطاه اهلل حظًا من العلم فوعظنا وذكرنا‪ ،‬من ضمن ما قد يكون‬
‫يف الربنامج‪ ،‬ودون أن نلتزم هبذا الشيء وجنعله قاعدة أو سنة‪ ،‬لكن أقول‪ :‬لو‬
‫حصل ذلك نكون قد أحيينا العرس مرتني‪ ،‬أحييناه ملا جئنا وهنأنا وأكلنا‬
‫واجتمعنا على اخلري‪ ،‬وأحييناه أيضًا بذكر اهلل‪ ،‬أما أن يؤتى باملطرب ويقال‪:‬‬
‫مطرب‪ ,‬وال يوجد شيء رجال مع رجال‪ ،‬مث بعد ذلك مطربة‪ ,‬وبعد ذلك‬
‫مطرب ومطربة‪ ,‬وبعد ذلك فرقة‪ ,‬وبعد ذلك الفرقة املختلطة واجلمهور املختلط!‬

‫وهكذا طريق الشيطان يبدأ خبطوة‪ ،‬مث يزين ما بعده مث ما بعده‪ ،‬وإذا هبا فرق‪،‬‬
‫وإذا بنا تطورنا وتقدمنا كما يقولون‪.‬‬
‫كنا جنتمع يف أي مكان‪ ,‬قالوا‪ :‬ال بد من فندق أو من صالة‪ ،‬حسنًا‪ ،‬وإذا‬
‫بالصالة‪ ،‬قالوا بعدها‪ :‬املطرب‪ ,‬ماذا يفعل هذا املطرب؟ ال جيوز أن يستقدم هذا‬
‫املطرب‪ ،‬ومن جاء به فهو آمث ومن استمع إىل هلوه وطربه فهو آمث‪ ،‬وهذا الذي‬
‫قاله النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم وحذر منه يف آخر الزمان عندما قال‪{ :‬يستحلون‬
‫احلر واحلرير واخلمر واملعازف } جعل النيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم مساع املوسيقى‬
‫قرين الزنا ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬وقرين لبس احلرير اجملمع على حترميه عند املسلمني‬
‫قاطبة؛ هذا آمث‪ ,‬فال يقال‪ :‬ال يأمثون هم ولكن الذي يأمث املطرب ومن حضر‬
‫احلفل فقط؛ ألنه لو كان األمر كذلك لكنا يف أمر أخف؛ لكن نأمث حنن ‪-‬‬
‫اجملتمع‪ -‬مجيعًا إن مل يكن فينا من ينكر‪ ،‬وأول من جيب عليه اإلنكار من واله اهلل‬
‫تعاىل األمر‪.‬‬

‫أعين‪ :‬اإلمارة واهليئة‪ ،‬هذا أول من جيب عليه أن ينكر هذا املنكر؛ ألن هذه‬
‫مسئوليته قال تعاىل‪ :‬اَّلِذ يَن ِإْن َم َّك َّناُه ْم يِف اَأْلْر ِض [احلج‪ ]41:‬يعين ملكوا‬
‫وحكموا َأَقاُموا الَّص الَة َو آَتُو ا الَّز َك اَة َو َأَم ُر وا ِباْلَم ْع ُر وِف َو َنَه ْو ا َعِن اْلُم ْنَك ِر [احلج‪:‬‬
‫‪ ]41‬فيأمث املسئول يف املنطقة أو يف املدينة بعدم إنكار هذا املنكر‪ ،‬فإن مل تقم‬
‫اجلهات املسئولة بواجبها أيضًا‪ ،‬فيأمث أهل الشأن‪ ,‬وأهل العلم هم أهل الشأن‪.‬‬

‫ومن املشاكل اليت تقع ‪-‬وهذا شيء معروف يف هذه املناسبة‪ -‬أن يتخلى من له‬
‫الشأن‪ ،‬ومن بيده األمر عن إنكار املنكر‪ ،‬فيأيت شباب يغضبون هلل وال يصربون‬
‫على املنكر‪ ،‬ويعلمون ما أعده اهلل من العذاب ملن مل ينكر املنكر‪ ،‬فيتجرءون‬
‫وينكرون‪ ،‬فيقولون‪ :‬ذهبنا وأنكرنا املنكر‪ ،‬وما قلنا إال احلق وقلنا‪ :‬اتقوا اهلل‪,‬‬
‫وقلنا‪ :‬هذا حرام‪ ,‬وقلنا‪ :‬هذا منكر‪ ،‬مث ماذا تكون النتيجة؟‬
‫تكون مشكلة‪ ،‬وعداوة‪ ،‬وحقد‪ ،‬ويتهم الشباب بكل هتمة‪ ،‬ويتجرأ الكبار‬
‫ويقولون‪ :‬ما أنكر إال ولد فالن وولد فالن والذين هم كذا وكذا‪ ،‬بينما العلماء‬
‫والدولة ازدروا الذي ينكر‪ ،‬فانظر املشكلة كيف تتطور! وبعد أن كان منكرًا‬
‫بسيطًا ميكن أن ينتهي مبجرد كلمة من هاتف مسئول يف هيئة‪ ,‬أو يف اإلمارة‪ ,‬أو‬
‫يف شرطة‪ ،‬أو يف أي عمدة‪ ,‬أو عريفة‪...‬إخل‪.‬‬

‫وإذا نظرنا إىل املوضوع رأينا أننا صرنا فرقتني‪:‬‬

‫األوىل‪ :‬أهل الشأن‪ ،‬ومعهم اجلمهور كما قال تعاىل‪ِ :‬إْن ُتِط ْع َأْك َث َمْن يِف‬
‫َر‬ ‫َو‬
‫اَأْلْر ِض ُيِض ُّلوَك َعْن َس ِبيِل الَّله ِ )[األنعام‪ ]116:‬فأكثر اجلمهور يريدون الطرب‪،‬‬
‫وثالثة أو أربعة ليس هلم قيمة وال اعتبار!!‬

‫فأنا أقول ‪-‬وأنا أعترب نفسي واحدًا من هؤالء الشباب‪ -‬قد خنطئ ونتجرأ‪ ,‬وقد‬
‫نتصرف تصرفًا غري صحيح يسيء إىل الدعوة‪ ،‬وقد يتطور املنكر إىل منكر أكرب‬
‫منه‪.‬‬

‫أقول‪ :‬افرضوا أننا فعلنا منكرًا من أجل أننا ننكر املنكر‪ ،‬لكن يف احلقيقة اإلمث‬
‫والذنب على من مل ينكر املنكر وهو من أهل إنكار املنكر‪ ،‬فهذا ال نريده أن‬
‫يقع‪.‬‬

‫اعلموا أن أي منكر ال ميكن أن يسكت عنه‪ ،‬وقد أصبحت الدعوة واقعًا‪،‬‬


‫والصحوة اإلسالمية أصبحت حقيقه واقعة‪ ،‬والشباب املسلم ملء السمع والبصر‪،‬‬
‫وال أحد يستطيع أن ينكر هذا الكالم أبدًا‪..‬‬
‫اعلموا أنه ال ميكن أن يكون هناك منكر عام ظاهر إال وسينكره بعض الشباب‪،‬‬
‫ينكرونه كما يشاءون‪ ،‬قد ال يشاورون يف ذلك عاملًا وال مفتيًا وال شيخًا‪ ،‬ورمبا‬
‫كانت فتنة‪ ،‬إذًا ما احلل؟‬

‫إننا حنن الذين بأيدينا الشأن واألمر من مسئول‪ ،‬أو صاحب الزواج نفسه‪ ،‬أو‬
‫صاحب الصالة نفسها إىل آخره‪ ،..‬نبدأ بتغيري املنكر‪ ،‬فنحن إن مل مننع املنكر‬
‫وإال تفاقم األمر‪ ،‬اآلن ‪-‬واحلمد هلل‪ -‬ظهر العلم وظهر احلق‪ ،‬وما بقي ألحد‬
‫حجة‪ ،‬وما بقي على الشباب من الئمة‪ ،‬قد نآخذهم باألسلوب األمثل‪ ،‬لكن‬
‫معهم حق يف إنكار املنكر‪ ،‬من الذي ال يقرهم على إنكار املنكر؟‬

‫نقول‪ :‬نعم‪ ،‬ال يقرون على بعض األساليب ولكن ال بد أن ُينكر املنكر وال بد‬
‫أن يزال‪ ،‬فإن مل يقم به من هو أهله تصدى له غريه‪ ،‬ولذلك فنحن حنمل‬
‫املسئولية يف ذلك كل الناس‪ ،‬الكل مسئول يف هذه البلدة‪ ،‬ويف كل مكان‪ ،‬هذا‬
‫ما شرعه اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ‪ ،‬وأمر به الرسول َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم بقوله‪{ :‬من‬
‫رأى منكم منكرًا فليغريه بيده ‪-‬إذًا صاحب السلطة يغري باليد‪ -‬فمن مل يستطع‬
‫فبلسانه } ‪-‬ومن التغيري باللسان إنكار من ال يستطع باليد مثل‪ :‬العامل أو الواعظ‬
‫الذي ال يستطيع أن ينكر باليد‪ ،‬فينكر ذلك باللسان‪.‬‬

‫جيب أن خيطب اخلطباء يف هذه األيام‪ ،‬ال يكفي كلمة مين فقط‪ ،‬على اخلطباء أن‬
‫خيطبوا يف هذا املوضوع‪ ،‬وحيذروا من هذه الظاهرة‪ ،‬ومن هذه البادرة اخلطرية‪،‬‬
‫ويتكلم الوعاظ ويتكلم اآلباء‪.‬‬
‫جيب على كل واحد منا علم أن هذا الزواج فيه منكر أال حيضر وأال يرسل أهله‬
‫حلضور ذلك املنكر‪ ،‬حىت لو غضب من غضب‪ ،‬ونقول‪ :‬هذا منكر إن أزلت‬
‫املنكر جئنا أو جاءك أهلنا‪ ،‬وإن كنت ال ترضى أن تزيل املنكر فلن نأيت‪.‬‬

‫ومنكرات األفراح كثرية منها‪ :‬الزفة اليت يكون فيها االختالط‪ ،‬ومنها‪ :‬التصوير‬
‫بالفيديو أو اآللة‪ ،‬ومنها أشياء كثرية يضيق الوقت عن شرحها‪ ،‬املهم أننا نعرف‬
‫أننا مسئولون أمام اهلل عز وجل‪ ،‬وأن مناطقنا احملافظة الطيبة أمانة يف أعناقنا‪،‬‬
‫فلنحذر أن نفخر بأفراح ومناسبات تدخل فيها املعاصي‪ ،‬أو بأفراح ما يسمى‬
‫باالصطياف أو السياحة‪ ,‬فندخل فيما حرم اهلل من اللهو اللعب‪ ،‬ونكون كالذين‬
‫اختذوا دينهم هلوًا ولعبًا ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬والذين كانت عبادهتم كما قال اهلل‬
‫ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ‪َ :‬و َم ا َك اَن َص الُتُه ْم ِعْنَد اْلَبْيِت ِإاَّل ُمَك اًء َو َتْص ِد َيًة [األنفال‪]35:‬‬
‫نسأل اهلل العفو العافية‪.‬‬

‫احللف بغري اهلل‬


‫السؤال‪ :‬صدر يف املنطقة فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز بشأن حكم بعض‬
‫املناذير واأللفاظ كقول اإلنسان‪ :‬انفروا به‪ ،‬اخسفوا به‪ ،‬خذوه‪ ،‬وغري ذلك من‬
‫األلفاظ‪ ،‬لكن طباعتها غري واضحة وهي يف املنطقة منتشرة‪ ،‬فما توضيح‬
‫فضيلتكم ملثل هذه األمور؟‬
‫اجلواب‪ :‬ما دامت توجد فتوى وهي من عامل األمة وشيخنا ووالدنا مساحة الشيخ‬
‫أثابه اهلل‪ ،‬والذي يريده األخ هو توضيحها يف ذاهتا فتوضح إن شاء اهلل‪ ،‬وأما إذا‬
‫أراد شرحها فأقول‪:‬‬
‫حنن بني جاهليتني ‪-‬أقول هذا مع األسف‪ :-‬جاهلية ورثناها عن اآلباء واألجداد‪,‬‬
‫مع ما فيها من هلٍو وطرٍب وشركيات‪ ،‬واحلمد هلل ختلصنا من أكثر ما فيها‪ ,‬وبقي‬
‫فيها بعض األمور‪ ،‬واجلاهلية اجلديدة هي هذا التقدم والتطور‪ ،‬واألمساء الالمعة‪.‬‬
‫وأصبحنا نعاين بني ألفاظ هذه وألفاظ هذه‪ ،‬وبني معاين هذه ومعاين هذه‪ ،‬وبني‬
‫ضالل هذه وضالل هذه‪.‬‬

‫فإن جئنا عند األميان فالكبار الذين بقيت عندهم من اجلاهلية األوىل بقايا حيلفون‬
‫بغري اهلل ويدعون غري اهلل‪.‬‬

‫وبعض جاهلية النشء اجلديد‪ ،‬إما أنه ال يعرف اهلل وهلذا ال يذكره‪ ,‬وإما أن‬
‫حيلف بغري اهلل إما بلفظ جديد أو مبصطلح جديد‪ ،‬فذاك كان يعظم اآلباء‬
‫واألجداد‪ ،‬وهذا اجلديد يعظم الوطن والشرف ويقول‪ :‬بشريف‪ ،‬فوْض عنا حنن بني‬
‫هاتني اجلاهليتني‪.‬‬

‫والشرك ‪-‬يا أخي‪ -‬أعظم ذنب عصي اهلل تعاىل به‪ ,‬ومن الشرك شرك خمرج من‬
‫امللة‪ :‬وهو دعاء غري اهلل‪ ،‬أو االستغاثة بغريه‪ ،‬أو الذبح لغري‪ ،‬أو النذر لغري اهلل‪ ،‬أو‬
‫التحاكم إىل الطواغيت من دون شرع اهلل‪ ،‬هذه كلها خمرجه من امللة والعياذ‬
‫باهلل‪.‬‬

‫ومنها شرك يف األلفاظ‪ ،‬وهذا الشرك كاحللف بغري اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل أو كقول‪:‬‬
‫ما شاء اهلل وشئت أو ما أشبه ذلك‪ ،‬وهذا يسمى بشرك األلفاظ‪ ،‬أو ما يسمى‬
‫بالشرك األصغر‪ ،‬وكونه أصغر أو أنه ال خيرج من امللة‪ ،‬ال يعين كونه هينًا‪،‬‬
‫فالشرك أكرب من أي كبرية غري الشرك ولذلك يقول عبد اهلل بن مسعود [[ألن‬
‫أحلف باهلل كاذبًا أحب إيل من أن أحلف بغريه صادقًا ]] ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬ال‬
‫ميكن أن حيلف رضي اهلل تعاىل عنه بغري اهلل‪ ،‬واحللف باهلل كاذبًا هي اليمني‬
‫الغموس اليت تغمس صاحبها يف النار‪ ،‬وهي من الذنوب الكبار‪ ،‬ولكن مع ذلك‬
‫هي أخف من أن حيلف اإلنسان بغري اهلل وإن كان صادقًا يف ميينه؛ ملاذا؟ ألن‬
‫الشرك أعظم من بقية الكبائر‪.‬‬

‫وبعض الناس يقول‪ :‬أنا ليس قصدي أن أدعو اجلن ‪-‬وهذا كالم تعودناه‪-‬‬
‫فنقول‪ :‬هذا من شرك األلفاظ‪ ،‬فإن سلمت من الشرك األكرب ومل يكن هذا دعاء‬
‫لغري اهلل وكفرًا به ‪-‬عياذًا باهلل‪ -‬فأين السالمة من شرك األلفاظ الذي هو أعظم‬
‫من الكبائر األخرى‪ ،‬كالزنا أو شرب اخلمر أو عقوق الوالدين‪ ،‬عافاين اهلل‬
‫وإياكم؟ فلنحذر من الشرك دقيقه وجليله‪.‬‬

‫يقول بعض اإلخوة إذا ُغِلبت وقلت مثل هذه األلفاظ وقلت افعلوا به أو كذا؟‬

‫نقول‪ :‬نعم ديننا ال يوجد فيه شيء إال وله ِح كمه واحلمد هلل‪ ،‬والصحابة كانوا‬
‫يف اجلاهلية حيلفون بآبائهم‪ ،‬وكانوا حيلفون بالالت والعزى كعادة اجلاهلية‪...‬‬
‫فلما أشرق عليهم هذا النور وعرفوا التوحيد كّف وا عنه‪ ،‬ولكن دائمًا إذا تعودت‬
‫على شيء يف عمرك كله‪ ،‬ال ميكن أن تغري هذه العادة يف حلظة‪ ،‬فيغلب أحدهم‬
‫على لسانه ويقول‪" :‬والالت‪ ..‬وأيب" فماذا عليه؟ يوحد اهلل‪ ..‬فيشهد أن ال إله‬
‫إال اهلل؛ ألن كفارة الشرك هي التوحيد‪ ،‬أو هي شهادة أن ال إله إال اهلل‪ ،‬فعندما‬
‫تنذر هبذه املناذير الشركية وتتذكر وتقول‪ :‬ال إله إال اهلل وتستغفر اهلل وتتوب مرة‬
‫ومرتني وثالث فإنك ستقضي على هذه العادة السيئة إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫حكم احللف بالطالق واحلرام‬
‫السؤال‪ :‬ومن حيلف بالطالق واحلرام؟‬
‫اجلواب‪ :‬الطالق واحلرام تريد درسًا منفردًا‪ ،‬املهم أن احللف ال يكون إال باهلل‪،‬‬
‫ونعلم أنه ال يوجد أحد إال وهو حيتاج أن حيلف‪ ،‬وال نقول‪ :‬ال حنلف باملرة‬
‫وقول اهلل‪َ :‬و ال ْجَتَعُلوا الَّلَه ُعْر َض ًة َأِلَمْياِنُك ْم [البقرة‪ ]224:‬ليس معناه أال حنلف‬
‫وأال نقسم‪ ،‬فالنيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم كان يقسم يف مواضع كثرية يقول‪:‬‬
‫والذي نفسي بيده أو واهلل‪ ,‬وتاهلل ‪-‬كما يف القرآن‪ ،-‬والذي بعث حممدًا باحلق‪،‬‬
‫كما كان الصحابة يقولون‪ :‬والذي بعثك باحلق‪ ،‬فاملهم أن يكون باهلل وال نشرك‬
‫به أحدًا‪.‬‬

‫منع املرأة من املرياث‬


‫السؤال‪ :‬تعترب املرأة يف حق املرياث وما يتعلق باملرياث شيئًا منبوذًا‪ ،‬ويعيبون عليها‬
‫إذا طلبت حقها أو أخذت حقها من املرياث هل من كلمة حول هذا؟‬
‫اجلواب‪ :‬قضية املرأة قضية ضاعت بني جاهليتني‪ ،‬واحلق بني أيدينا‪ ،‬جاهلية أوىل‬
‫وهي املوروثة‪ ،‬املرأة مرأة‪ ،‬وإذا ذكرت قالوا‪ :‬أعزك اهلل‪ ،‬أكرمك اهلل؛ ولو كانت‬
‫أّم ه‪ ،‬ذكر املرأة معناها مثلما نقول‪ :‬دابة أو حيوان‪ ،‬ليس هلا اعتبار وليس هلا‬
‫قيمة‪ ،‬وبلغنا من بعض اآلباء أنه يأيت رمضان وهي ال تصلي‪ ،‬وال تؤمر هبا‪,‬‬
‫واحلج ال حتج‪ ,‬ويقول‪ :‬هذه امرأة!! انظروا‪...‬كيف اجلاهلية نسأل العفو والعافية‪.‬‬
‫ومن املظامل أهنا ال ُتوَّر ث وال تعطى مرياثها الذي شرعه اهلل‪ ،‬وهذه الفرائض‬
‫ماجعلها اهلل لرسوله َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ‪ ،‬وال للعلماء من بعده‪ ،‬بل بينها بنفسه‬
‫يف كتابه ُيوِص يُك ُم الَّلُه يِف َأْو الِدُك ْم ِللَّذ َك ِر ِم ْثُل َح ِّظ اُأْلْنَثَيِنْي [النساء‪ ]11:‬هذا‬
‫كالم اهلل‪ ،‬وهذا كتاب اهلل ِللَّذ َك ِر ِم ْثُل َح ِّظ اُأْلْنَثَيِنْي [النساء‪ ]11:‬فهذا أمر‬
‫شرعه اهلل‪.‬‬

‫ويقول‪ :‬كيف أعطي للبنت وأترك الرجال؟‬

‫وأقول‪ :‬مشكلتنا هذه أصلها أننا نظن املال مالنا كما قال النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪{ :‬يقول ابن آدم‪ :‬مايل‪ ..‬مايل } حقي‪ ،‬مايل‪ ،‬وشقاي‪ ،‬وتعيب‪ ،‬وعماريت‪،‬‬
‫وأعطيها أوالد الناس من أجل أزوج البنت‪ ،‬ال ميكن!!‬

‫من قال‪ :‬إن هذا املال مالك؟! فأول شيء نناقشك يف هذا‪ ،‬اهلل تعاىل يقول‪:‬‬
‫َو َأْنِف ُقوا َّمِما َجَعَلُك ْم ُمْس َتْخ َلِف َني ِفيِه [احلديد‪ ]7:‬إذًا املال مال اهلل وأنت مستخلف‬
‫فيه‪ ،‬وإذا مت فلن ينفعك من هذا املال إال ما قدمت لوجه اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل‬
‫أما الباقي فهو لورثتك‪ ،‬وهلذا يقول َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ‪{ :‬أيكم مال وارثه‬
‫أحب إليه من ماله } ‪-‬معقول‪ ,‬هل يقول أحد أن مال وارثي أحب إيل من‬
‫مايل‪ -‬قال {فإن مالك ما قدمت ومال وارثك ما أخرت }‪.‬‬

‫كل واحد منا عنده عقارات وأبنية وغري ذلك‪ ،‬هذا مال من؟! إنه مال الوارث‪.‬‬

‫واملقصود أن املال ليس مالنا‪ ،‬وليس الذي قَّس م هو حنن‪ ،‬قال َّلى ا َل ِه‬
‫َص ُهلل َع ْي‬
‫َو َس َّلَم ‪{ :‬وإمنا أنا قاسم واهلل يعطي } حىت الذي يفرض هذا ويقسم كما أمر اهلل‬
‫هو رسول اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ‪ ،‬يقيم ما أمر اهلل‪.‬‬
‫واهلل تعاىل هو الذي أعطى‪ ،‬وهو الذي شرع هذه القسمة‪ ،‬وبنَّي هذه املواريث‪,‬‬
‫وبني لكل واحد مايأخذه من املال‪ ،‬فهذا من أنواع اجلاهلية ومن بقاياها‪ ،‬أن‬
‫ِم‬ ‫ِهِل ِة‬
‫هتضم حق املرأة‪ ،‬وهذا من حكم اجلاهلية َأَفُح ْك َم اَجْلا َّي َيْبُغوَن َو َمْن َأْح َسُن َن‬
‫الَّلِه ُح ْك مًا ِلَق ْو ٍم ُيوِقُنوَن [املائدة‪.]50:‬‬

‫جاءت اجلاهلية اجلديدة وقالوا‪ :‬املرأة مهانة وحمتقرة‪ ,‬قلنا‪ :‬جزاك اهلل خريًا فكيف‬
‫نعطي املرأة حقها‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬تتعلم‪ ،‬وتتوظف‪ ،‬ويصري هلا رأي يف األمور‪ ،‬وبلغ هذا احلد إىل أن‬
‫أصبحت املرأة هي املسيطرة سيطرة كاملة يف البيت‪ ،‬وسيطرت يف احلياة وبدأت‬
‫تفعل كل شيء‪ ،‬وحىت بعض الرجال مل َيعد له أي دور‪ ،‬حىت فيما يتعلق بزواج‬
‫بناته‪ ،‬ويف أموره وتدبري شئونه ويف كل شيء‪ ،‬املرجع أصبح للمرأة‪.‬‬

‫ويقول‪ :‬يا أخي املرأة مظلومة‪ ،‬فالبد أن ُتكّر م‪ .‬فجعلت هي املتصرفة وهي‬
‫الوالية‪ ،‬ألنه ال بد من فتح جماالت‪.‬‬

‫وهبذه املناسبة مسعت ‪-‬وإن شاء اهلل ال يكون صحيحًا‪ -‬أن منطقة الباحة سيفتح‬
‫فيها معهد للممرضات‪ ،‬واهلل عجيب!! أنا ما صدقت ألن املمرضات معروف ما‬
‫هو شغلهن‪ ،‬الواحد منا ال يرضى أن ابنته ختدم أخاه‪ ،‬كيف تذهب عند خالتها‬
‫وختدمها‪ ،‬أهي خدامة عند خالتها؟! واآلن صار عندنا مشروع اخلادمات‬
‫للرجال‪ ،‬وهذا الكالم ال بد من الوقوف يف وجهه‪ ،‬وسيقول البعض‪ :‬هذا ضد‬
‫املرأة‪ ,‬وهذا ضد احلضارة‪ ,‬وضد التصور‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬هذا هو من اجلاهليتني‪ ,‬فاجلاهلية األوىل متنعها حقها الذي شرعه اهلل يف‬
‫القرآن وجاءت اجلاهلية الثانية وقالت‪ :‬حقِك كذا وكذا‪ ،‬فورطوها يف أمور هي‬
‫أجل من أن تعملها‪ ,‬وهي مل ختلق هلا‪ ،‬بل هي ضارة عليها‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬هذا حقِك طاليب من ظلمك؟!‬

‫فقالت‪ :‬واهلل ‪-‬فعًال‪ -‬بدًال ما كان الوالد أو الشيخ الكبري مينعين من مرياثي‪ ،‬فهذا‬
‫فاعل خري يقول‪ :‬توظفي حىت تستغين عن هذا الشيخ وعن األوالد جزاه اهلل‬
‫خريًا‪.‬‬

‫وحنن نعلم أن يف خروجها هذا ضرر عليها‪ ،‬وهذه هي اجلاهلية اجلديدة‪،‬‬


‫وخطرها وضررها عظيم‪ ,‬وأنا واهلل أعجب أن منطقة هبذه احملافظة واألخالق‬
‫توافق على أن يفتتح فيها ومن بناهتا من يدرسن التمريض‪ ،‬وال سيما وحنن نرى‬
‫املستشفيات خمتلطة‪ ،‬ولو أن عندنا مستشفيات مفصولة متامًا‪ ،‬الرجال هلم‬
‫مستشفيات والنساء هلم مستشفيات كما أمر اهلل‪ ،‬فالواحد يستطيع أن يقول‪ :‬يا‬
‫أخي! تدرس وتعمل يف مستشفى نسائي‪ ،‬لكن هذا غري موجود اآلن‪ ،‬فيكفي أننا‬
‫سكتنا‪.‬‬

‫وهذا منكر شنيع نسكت عليه‪ ،‬وهو أن يؤتى باملمرضات من اخلارج بغري حمارم‪،‬‬
‫ويسكن يف مساكن ويتسوقن‪ ،‬وال خيفى على أحد ماذا جيري‪ ،‬واملنكر له مكابر‪،‬‬
‫مث تأيت مصيبة أكرب‪ ،‬وتصبح بناتنا حنن خيدمن يف قسم التمريض‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬املرأة اآلن بني جاهليتني‪ ،‬فاتقوا اهلل يف النساء كما أمر اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل‬
‫وكما أوصى رسول اهلل َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم هبن حىت يف وصيته اجلامعة يوم‬
‫عرفة ‪.‬‬

‫نصيحة جملموعه من الشباب بعدم التفرق‬


‫السؤال‪ :‬حنن جمموعة شباب ملتزمون لكن دب الشك بيننا‪ ،‬مما أدى إىل تفرق‬
‫بعضنا عن بعض فبماذا تنصحونا؟‬
‫اجلواب‪ :‬أقول عمومًا‪ :‬حنن األمة أمرنا اهلل ‪-‬تبارك وتعاىل‪ -‬أن نعتصم حببل اهلل‬
‫َو اْعَتِص ُم وا َحِبْبِل الَّلِه ِمَج يعًا َو ال َتَفَّرُقوا [آل عمران‪ ]103:‬وهنانا عن الفرقة (وال‬
‫ِم ِد‬ ‫ِذ‬
‫َتَفَّرُقوا) وقال‪َ :‬و ال َتُك وُنوا َك اَّل يَن َتَفَّرُقوا َو اْخ َتَلُف وا ْن َبْع َم ا َج اَءُه ُم اْلَبِّيَناُت‬
‫[آل عمران‪ ]105:‬فال جيوز أن نزرع الشك فيما بيننا‪ ،‬وأن نتيح للشيطان فرصة‬
‫أن يبذر بيننا بذور الشك والشقاق‪ ،‬فليس أحب إىل شياطني اإلنس واجلن من أن‬
‫جيدوا أهل اخلري خمتلفني أو متنافرين‪ ،‬وإن مل جيتمع الشباب وطلبة العلم وأهل‬
‫الدعوة فمن الذي سيجتمع؟!‬

‫وإن مل جيتمعوا على القرآن‪ ،‬وعلى هدي رسول اهلل يف دعوته‪ ,‬ويف أمره وهنيه‪،‬‬
‫فعالم جيتمعون إذًا؟‬

‫أما أهل الفجور واملعاصي‪ ،‬فإن اهلل ُس ْبَح اَنُه َو َتَعاىَل ال ميكن أن جيمع أمرهم‪ ،‬إمنا‬
‫هم جيمعون على أمٍر ‪-‬ابتالء من اهلل وفتنة‪ -‬مث يفرق اهلل مشلهم وينثر مجعهم‪،‬‬
‫ِئٍذ‬ ‫ِخ‬
‫ويوم القيامة يكفر بعضهم ببعض‪ ،‬ويلعن بعضهم بعضًا اَأْل اَّل ُء َيْو َم َبْع ُضُه ْم‬
‫ِلَبْع ٍض َعُد ٌّو ِإاَّل اْلُم َّتِق َني [الزخرف‪ ]67:‬فاملتقون هم الذين هم على األخوة‬
‫اإلميانية يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬ال شقاق بينهم وال شك‪.‬‬

‫ولكن كلنا خطاءون‪ ،‬أنا قد أخطئ على أخي يف اهلل‪ ،‬فليبني يل خطئي‪ ،‬أنا إن‬
‫رأيُت فيه عيبًا أنصحه‪ ،‬وإن أخطأ علِّي وأخطأت عليه‪ ،‬يأيت الثالث ويتدخل بيننا‬
‫بالنصيحة وباخلري‪ ،‬ومن أسباب هذه الفرقة ‪-‬إن وجدت‪ -‬هي قلة الذين ُيفِّقهون‬
‫الشباب‪ ،‬حنن الشباب ‪-‬وأنا واحد منهم‪ -‬عانينا مرارة عدم التوجيه‪ ،‬قد يوجهنا‬
‫بعض الناس لكن قد ال جييد توجيهنا‪ ،‬وأحيانا ً قد ال جند من يوجهنا فننفعل‬
‫وحنمق‪ ،‬واحلماقات مرتبطة دائمًا بالعجلة‪ ،‬والعجلة دائمًا من شأن الشباب‪ ،‬إذا‬
‫كان ُخ ِلَق اِأْل ْنَس اُن ِم ْن َعَج ٍل [األنبياء‪ ]37:‬كما قال اهلل تبارك وتعاىل‪ ,‬فالعجلة‬
‫يف الشباب أكثر‪.‬‬

‫وحنن نريد تغيري املنكر يف حلظة‪ ،‬إذا مسعنا عن منكر نقول‪ :‬البد من تغيريه الليلة‪،‬‬
‫مع أن اهلل بعث حممدًا َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم وظل ثالث سنوات يف الدعوة‬
‫السرية‪ ،‬مث جهر هبا مث أوذي‪ ,‬لكن حنن الشباب كثري واحلمد هلل‪ ،‬واملوجهون‬
‫قليل‪ ،‬وعندهم أشغال؛ فأصبح كل شاب يركب رأسه‪ ،‬وأصبح الشيطان يلقي‬
‫التهم واخلالفات والتعصب لبعض اآلراء العلمية‪ ،‬ولبعض اآلراء الفقهية‪ ،‬ولبعض‬
‫املشايخ‪ ،‬ولبعض الطوائف ‪-‬مثًال‪ -‬فيبذرها‪ ،‬وليس أحب إليه من ذلك‪ ,‬إذا‬
‫اختلف أهل احلق قويت شوكة الباطل واجتمع حزب الباطل عليهم‪ ،‬وغلبوهم‪.‬‬

‫حكم إجابة دعوة املرايب‬


‫السؤال‪ :‬يقول السائل‪ :‬إن بعض األصحاب واألقرباء يدعونه يف مناسبات ويف‬
‫غريها‪ ،‬ولكنه يعلم أن أمواهلم من البنوك الربوية‪ ،‬فهل جيوز إجابة دعوهتم؟ وإذا‬
‫أجاب الدعوة فقد يقع يف حمذور ‪-‬كما هو مفهوم من سؤاله‪ -‬وإن مل جيب‬
‫ستكون قطيعة بينهما‪ ،‬فما إجابتكم على هذا؟‬
‫اجلواب‪ :‬هذا أيضًا من األمور اليت كانت املنطقة ‪-‬واحلمد هلل‪ -‬يف عافية أو يف‬
‫شبه عافية منها‪ ،‬مل يكن عندنا بنوك من قبل‪ ،‬وكان آكل الربا هو التاجر ‪-‬‬
‫والعياذ باهلل‪ -‬الذي يرايب‪ ,‬وهؤالء كان يوجد من ينكر عليهم‪ ،‬أما اآلن والعياذ‬
‫باهلل كل فرتة ويفتح بنك جديد أو فرع جديد‪.‬‬

‫والسبب هو حب الدنيا ألهنا رأس كل خطيئة‪ ،‬وما أهلك من كان قبلنا إال هي‪،‬‬
‫والرسول َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم الذي هو باملؤمنني رءوف رحيم‪ ،‬ويشفق علينا‬
‫من أي شر‪ ،‬يقول‪ { :‬واهلل ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط‬
‫عليكم الدنيا كما بسطت على الذين من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها‪،‬‬
‫فتهلككم كما أهلكتهم } فتحت الدنيا علينا وزاد النعمة والعقار والتجارة‪،‬‬
‫فقلنا ال بد من بنوك‪.‬‬

‫فقد ميكن أن يكون عندنا خري ونعمة من غري الربا‪ ،‬فهل ال بد من البنوك‪،‬‬
‫والربا‪ ،‬وال بد من التعامل معها‪ ,‬مع أن البنوك هذه ليست كل معامالهتا فيها‬
‫ربا‪ ,‬فيمكن أن نقيم بنوكًا بال ربا‪ ،‬وتكون معامالت شرعية‪ ،‬لكن حنن حنن أبينا‬
‫إال أن نأخذ احلالل واحلرام‪ ،‬واحلق والباطل‪ ،‬فكل البنوك املوجودة يف املنطقة فيها‬
‫ربا‪ ،‬لكن نقول ميكن أن توجد بنوك بال ربا‪ ،‬لكن الفروع املوجودة فيما أعرف‬
‫كلها قائمة على الربا بأي شكل‪ ،‬قد يكون بعضهم أخف؛ لكن األصل أهنا كلها‬
‫قامت على الربا‪ ،‬وهذا ال نقاش فيه‪ ،‬وال يكابر يف ذلك إال من جيهل البنوك على‬
‫التفصيل واحلقيقة‪.‬‬

‫وملا فتح اهلل الوظائف‪ ،‬كان كثري من الناس يستقيل حىت صدرت أوامر ‪-‬كما‬
‫هو معلوم‪ -‬يف الدوائر احلكومية‪ ،‬مبنع الناس من االستقالة‪.‬‬

‫بدءوا يستقيلون حىت يلتحقوا باملقاوالت واملنشآت‪ ..‬ألن فرص عمل كثرية‬
‫فتحت‪ ،‬ومع ذلك أىب كثري من الناس إال أن يوظف يف البنك‪ ،‬مث توظف يف‬
‫البنك وأصر إال أن يبقى فيه‪ ،‬وإذا بالرجل هذا كما ذكر األخ أنه قريبه يعمل يف‬
‫هذا البنك‪ ،‬مث يأيت عنده مناسبة ويدعوك فإن ذهبت إليه ‪-‬مثلما يذكر األخ‪-‬‬
‫فأنت تأكل من شيء حرام‪ ،‬وكل جسٍد غذي بالسحت (أي نبت من حرام)‬
‫فالنار أوىل به ‪-‬نسأل اهلل العفو العافية‪ -‬وليس هناك مال حرام أشد من الربا‬
‫{درهم ربًا أشد من ست وثالثني زنية } كما يف احلديث الذي رواه اإلمام أمحد‬
‫بإسناد حسن‪ ,‬أشد من ست وثالثني زنية‪ ،‬درهم واحد من ربا‪ ..‬هذا خطر وإمثه‬
‫عظيم‪.‬‬

‫وتوعد اهلل تعاىل املرايب يف كتابه باحلرب َفْأَذُنوا َحِبْر ٍب ِم َن الَّلِه َو َرُس وِلِه [البقرة‪:‬‬
‫‪.]279‬‬

‫إذًا نقول‪ :‬يا أخي‪ :‬هذا الربا وأكله حرام‪ ،‬فكيف تذهب وتأكل؟‬

‫فنوجه النصيحة لألخ املوظف أن يتقي اهلل‪ ،‬ويكف عن العمل يف هذه البنوك‪،‬‬
‫ألنه ال جيوز للمسلم‪ :‬للشاب‪ ،‬ولطالب العلم‪ ,‬ولكل تقي خياف اهلل ويرجو اهلل‬
‫واليوم اآلخر؛ أن يعمل يف أي بنك ربوي‪ ،‬فالبنوك املوجودة بغض النظر عن‬
‫أمسائها تتعامل بالربا مجيعًا وال نزكي منها أحدًا؛ فيجب على كل واحد يعمل‬
‫فيها أن يرتك هذه الوظيفة‪ ،‬ولو كان حارسًا‪ ،‬وهناك فتوى هليئة كبار العلماء‬
‫ومن اللجنة الدائمة لإلفتاء أنه لو كان حارسًا أو فراشًا فإنه معني على الربا‬
‫داخل يف قوله تعاىل‪َ :‬و ال َتَعاَو ُنوا َعَلى اِأْل ِمْث َو اْلُعْد َو اِن [املائدة‪ ، ]2:‬فما بالك‬
‫بالكاتب واملوظف‪ ,‬ألن الكل خيدم الربا بأي شكل من األشكال فال جيوز العمل‬
‫فيها‪.‬‬

‫فننصح هؤالء أن يتوبوا إىل اهلل‪ ،‬وأن يبحث أحدهم يف أقرب فرصة عن عمل‬
‫جيده‪ ،‬ولو أن يستدين ويرتك هذا احلرام‪ ،‬ويلقى اهلل وهو آكل من احلالل و{اهلل‬
‫طيب ال يقبل إال طيبًا } كيف يدعو اهلل {يارب! يارب! ومأكله حرام ومشربه‬
‫حرام وغذي باحلرام فأىَّن يستجاب له؟ } كيف تأكل ربا وتصلي وتدعو اهلل أن‬
‫يغفر لك‪ ،‬كيف يكون ذلك؟‬

‫فاتق اهلل يا أخي‪ ,‬وخف من النار‪ ،‬واحذر من دار البوار إن بقيت تأكل الربا‪.‬‬

‫وأوجه هبذه املناسبة نصيحة إىل اجملتمع‪ ،‬وجمتمعنا جمتمع خري ‪-‬واحلمد هلل‪ -‬أن‬
‫يتعاونوا على الرب والتقوى‪ ,‬ويفتحوا وظائف هلؤالء الشباب‪.‬‬

‫إذا كان عندك مؤسسة أو حمل جتاري‪ ،‬فاقبل من يأتيك وقد ترك البنك واعطه‬
‫ولو نصف الراتب‪ ،‬أو وظفه أنت يف دائرة حكومية أو كان لديك شواغر فقدم‬
‫هلذه الشواغر من كان يعمل يف بنك‪ ،‬حىت ختفف من هذا املنكر وتعني على‬
‫اخلري‪ ,‬فنحن إذا تعاوَّنا مجيعًا قضينا على هذا املنكر ويبقى صاحب البنك مبفرده‪،‬‬
‫يقول‪ :‬املوظفون خرجوا‪.‬‬
‫نقول‪ :‬أنت أيضًا ننصحك‪ ,‬ولنا معك ‪-‬أيضًا‪ -‬كالم آخر‪ ،‬لنا احلق أن نبلغك‬
‫وأنت ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬مسلم تريد اخلري‪ ,‬وهذا املوظف لنا معه شأن‪ ،‬نوظفه‪،‬‬
‫ونعينه على وظيفة‪ ،‬وننصحه‪.‬‬

‫ونرجع إىل قريب املوظف‪ :‬ونقول‪ :‬من حيث احلرمة‪ ،‬ال حيرم على أحد أن‬
‫يتعامل مع أحد وإن كان املتعامل معه يتعامل باحلرام‪ ،‬فمثًال واحد يتعامل بالربا‪،‬‬
‫وأنا اشتغلت مقاوًال عنده‪ ،‬أنا ليس علَّي إمث‪ ،‬إن عملت له عمًال‪ ،‬وأعطاين أجريت‬
‫حالًال‪ ،‬والنيب َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم تعامل مع اليهود وكانوا مرابني‪.‬‬

‫واملسلم قد يقر الكافر على ذنب‪ ،‬وال يقر عليه املسلم؛ ألن هذا مسلم ملتزم‬
‫باإلسالم‪ ،‬أما الكافر فإمنا أقررناه على دينه‪ ،‬لكن نقول‪ :‬احلرام ال يتنقل بني‬
‫ذمتني‪ ،‬فلو أخذ واحد ماًال من حرام‪ ،‬خيانة أو سرقة أو غشًا‪ ،‬مث جاء أحد‬
‫وتعامل معه باحلالل وأعطاه‪ ،‬فليس على ذلك اآلخذ شيء‪ ،‬وإمنا احلرام على من‬
‫أخذه‪ ،‬لكن إذا كان اآلخذ أو الضيف أو األجري يعلم أن هذا املال من حرام‪،‬‬
‫فإنه يقول‪ :‬يا أخي! أنا ال أعمل عندك ألن مالك حرام‪ ،‬وينصحه وهذا حسن‪.‬‬

‫فأنت يا أخي يف مثل هذه احلالة‪ ،‬جيب أن تنصح أقرباءك وأرحامك وإخوانك‪,‬‬
‫وأي واحد منا له قريب يعمل يف البنك‪ ،‬يبذل له النصيحة ويقول له‪ :‬يا أخي!‬
‫أنت تأكل حرام‪ ،‬وأنا لن أقاطعك ولن أهجرك ألن اهلل أمرنا بصلة الرحم‪ ،‬لكن‬
‫إن جئتك وحترجت من األكل عندك فاعلم أن ذلك ألنك تأكل ربا‪ ،‬فإن‬
‫عذرتين وعفوت عين فهذا الذي أريده‪ ،‬وإن كان غري ذلك فلن أرضى‪ ،‬فإن كان‬
‫الداعي رحيمك أو أختك غضبت وذهبت فال بأس للمصلحة لكن ال تتعدى‬
‫أكثر‪ ،‬وال تستهن به‪ ،‬فتجيب دعوته وتذهب إليه كل وقت‪ ،‬ولكن تذهب إليه‬
‫لصلة الرحم‪ ،‬وتنصحه وأنت ذاهب إليه فتكون دائمًا داعية‪.‬‬
‫والورع باب عظيم وهذا غري مسألة احلرام {فمن اتقى الشبهات فقد استربأ لدينه‬
‫} ال بد أن نتقي الشبهات وإن مل تكن حرامًا‪ ،‬فمن أمور الشبهات إقرار أمثال‬
‫هؤالء وأكل أمواهلم‪.‬‬

‫إن تأجري الدكان أو العمارة على أي بنك من البنوك حرام‪ ،‬وهو من التعاون‬
‫على اإلمث والعدوان‪ ،‬فال جيوز أن تؤجر احملل للبنك الربوي‪ ،‬وأنا أسأل‪ :‬هل جيوز‬
‫أن تؤجر عمارة ‪-‬اهلل حيمينا وإياكم‪ -‬لتكون بيت دعارة‪ ..‬بيت زنا؟‬

‫كأن يأيت أحد الزناة‪ ,‬ويقول لك‪ :‬نريد حمل زنا‪ ،‬فمن يرضى هبذا؟ ال يرضى‬
‫أحد منا أبدًا‪.‬‬

‫حسنًا‪ ,‬درهم ربا أشد من ست وثالثني زنية‪ ،‬فكيف مباليني الربا تكون يف‬
‫عمارتك!! هذا حرام وال أحد يناقش يف هذا‪ ،‬إذًا ال جيوز أن تؤجر الدكاكني‬
‫على أهل الربا‪.‬‬

‫وأيضًا هناك حمرمات أخرى غري الربا ال جيوز التأجري عليها وإن كانت أقل‬
‫حرمة؛ كتأجري الدكان لبيع الفيديو ‪-‬مثًال‪ -‬أو لبيع أشرطة الغناء‪.‬‬

‫وكذلك احلَّالق الذي حيلق اللحى‪.‬‬

‫وكذلك التأجري لتاجر يتعامل يف بضاعة حمرمة‪ ،‬أو يبيع بضاعة حمرمة‪ ،‬كمن يبيع‬
‫التماثيل أو أدوات اللهو‪ ،‬أو املوسيقى‪ ،‬فهذا تأجريها عليه حرام‪.‬‬

‫وهكذا احلالل بنِّي واحلرام بنِّي ‪.‬‬


‫حكم إيداع األموال يف البنوك‬
‫السؤال‪ :‬ماحكم إيداع األموال يف البنوك؟‬
‫اجلواب‪ :‬إهنا مشكلة أن حيتار الواحد منا يف فلوسه ال يدري أين يضعها!‬

‫أوًال‪ :‬كلنا يف هذه املنطقة‪ ،‬مل يكن عندنا بنوك وآباؤنا يف املاضي ماذا كانوا‬
‫يصنعون؟‬

‫مل يكن هذا اخلوف موجودًا‪ ،‬ومل تكن الدراهم ورقًا خفية بل كانت فضة وذهبًا‬
‫ثقيلة؛ يضعها يف صندوق من احلديد‪ ،‬ومع ذلك حفظوها‪ ،‬وما ضاع منها إال‬
‫مثل الذي يضيع اليوم‪ ،‬بل حنن اليوم نضيع أكثر‪ ،‬فاملسروق اليوم أكثر مع أهنا‬
‫اآلن خفيفة والبيوت آمنة‪ ،‬ومع هذا هناك من يقول‪ :‬إنه خياف عليها‪ ,‬ولكن‬
‫الشيطان هو الذي خيوفه ِإَمَّنا َذِلُك ْم الَّش ْيَطاُن َخُيِّوُف َأْو ِلَياَءُه [آل عمران‪]175:‬‬
‫جيئ إىل أوليائه من أهل البنوك‪ ،‬ليزيدوا الناس خوفًا‪.‬‬

‫واعلموا أن أهل البنوك أحذق الناس يف الشر‪ ،‬فمما خيوفون به الناس أهنم‬
‫يستأجرون من يتكلم‪ ,‬ويقولون له‪ :‬أنت إذا قعدت مع مجاعة‪ ،‬فقل‪ :‬السرقات‬
‫كثرت! ما هو احلل؟‬

‫مث تقول‪ :‬ضعها يف البنك وارتاح‪.‬‬


‫يقول املسكني‪ :‬جزاك اهلل خريًا أن نبهتين‪ ،‬فعندي عشرة آلف لاير من الليلة‬
‫سآخذها إىل البنك‪.‬‬

‫وهكذا يأيت من هذا عشرة ومن هذا مخسة‪ ،‬واجتمع عند صاحب البنك كذا‬
‫مليون رياًال‪ ،‬مث هو يأخذ األرباح باملاليني‪ ،‬وهو مل يعمل‪.‬‬

‫أخذها من خويف وخوفك وخوف فالن‪ ،‬خناف ِم ن َم ن؟‬

‫حنن حنفظ يف بيوتنا العار والعرض ومها أكرب وأغلى من العشرة والعشرين‪ ،‬فلماذا‬
‫ال نضعها يف البنك؟ إذًا اخلوف خوف ومهي‪ ،‬وليس خوفًا حقيقًا‪.‬‬

‫األمر الثاين‪ :‬يقول أحدهم‪ :‬أنا مضطر! أريد أن أتعامل! وأريد أن أسحب! أقول‪:‬‬
‫يا أخي! املفروض‪ ،‬وهذا أمر ليس صعبًا فنحن أهل املنطقة عندنا جتار‪ ،‬وعندنا‬
‫غرف جتارية‪ ,‬وعندنا مشاريع‪ ,‬فنستطيع أن نضع عمارة معينة ونصبها كلها‬
‫حديد حىت ال خناف متامًا‪ ،‬ونرتب هلا موظفني‪ :‬ثالثة أو أربعة‪ ،‬وجنعل عندهم‬
‫صناديق قوية متينة‪ ،‬وهؤالء املوظفون أمناء نستأمنهم‪ ،‬كما أن صاحب البنك‬
‫عندما يستأمن املاليني على ثالثة موظفني قد يكونون متعاقدين‪ ،‬فنضع فيه اثنني‬
‫أو ثالثة وكل واحد يضع فيه عشرة آالف مثًال‪ ،‬ونأخذ عليه رياًال أو ريالني أو‬
‫مخسة رياالت ونعطيهم منها رواتب‪ ،‬ونعطيهم كمبيوتر‪ ،‬ونعطيهم تلفون‪،‬‬
‫ويكونون ليل هنار قاعدين حيرسون‪ ،‬وجيعل موظفون‪ ،‬والذي يأخذ يأخذ‪ ،‬والذي‬
‫يودع يودع‪.‬‬
‫والكمبيوتر جيري مجيع العمليات احلسابية كما تشاء‪ ،‬ماذا لك؟ وماذا عليك؟‬
‫وماذا صنعت؟ بغري تكلف! فهذه وظيفة الذي يشغل هذا اجلهاز‪ ،‬ويكون عنده‬
‫املال‪ ،‬ويف املدن الكبرية كل حي يعمل فيه مثل هذا الشيء‪.‬‬

‫قد يقال‪ :‬كيف حنول من حمل إىل حمل؟ هذه ليست مشكلة‪ ،‬فالتحويل يكون‬
‫بالفاكس‪ ,‬وبالتلفون‪ ,‬وبالكمبيوتر‪ ،‬نربطه بـ جدة وبـالرياض وحيول هذا هلذا‪،‬‬
‫ويعطي هذا هلذا‪ ،‬وأجرة احلوالة حالل‪ ،‬كأن أحول لك وآخذ منك عشرين‬
‫رياًال أو ثالثني رياًال‪ ،‬واهلل ما جعل عليكم يف الدين من حرج‪.‬‬

‫إذًا حنن نستطيع؛ لكن هل نريد ذلك؟ لو كنا نريد فنحن نقدر‪ ,‬لقد قدرنا على‬
‫أشياء ما كنا حنلم هبا‪ ،‬اآلن بدأنا نقول‪ :‬نريد أن تتقدم البلد‪ ،‬فنعمل فنادق‬
‫ضخمة‪ ،‬ونعمل مشاريع ما كنا حنلم هبا‪ ،‬أفال نقدر على هذا‪ ،‬وهي مسألة‬
‫سهلة؟!‬

‫الدول الشيوعية ال تتعامل بالربا‪ ،‬وهم ال يعرفون اهلل‪ ،‬وال يعرفون اليوم اآلخر‪.‬‬

‫كل الدول الشيوعية ال تتعامل بالربا‪ ،‬وليس فيها بنوك ربوية‪ ،‬وليس ذهبها مودع‬
‫عند البنوك الربوية العاملية يف نيويورك أو لندن ‪ ،‬وهم شيوعيون ال يؤمنون باهلل‬
‫وال باليوم اآلخر؛ لكن قالوا‪ :‬من باب حقوق اإلنسان الربا ظلم‪ ،‬فثاروا على‬
‫الرأمسالية ‪ ،‬والرأمسالية قائمة على الربا‪ ،‬فثاروا عليها وأصبحوا يتعاملون من غري‬
‫ربا‪ ،‬وأمة حممد َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم وأمة القرآن يقولون‪ :‬ال نقدر! كيف قدر‬
‫الشيوعي وما قدرت أنت؟!‬

‫القضية ليست قضية قدرة‪ ،‬القضية قضية إرادة‪ ،‬هل تريد أو ال تريد!‬
‫فاإلرادة تستتبع العمل والعمل ينفذ بإذن اهلل‪ ،‬وإن كنت ال تريد فلن تعمل‪،‬‬
‫وستظل تقول‪ :‬ياليت‪..‬‬

‫وإذا أراد واحد منا أن يعمل مشروعًا جتاريًا هل يقول‪ :‬يا ليت؟ ال‪ ،‬بل إنه ينفق‬
‫ويستدين حىت ينجز عمله‪.‬‬

‫وإذا أراد أن يتزوج ال يقول‪ :‬يا ليتين أتزوج بنت فالن‪ ،‬بل خيطب ويدفع املهر‬
‫ويتكلف؛ كل شيء جبهد‪ ،‬أما إذا جئنا إىل شيء من أمور الدين قلنا‪ :‬يا ليت‬
‫فقط من دون عمل فهذا عجيب‪ ،‬فلنتعاون ولنقم هبذا الشيء‪.‬‬

‫اإليداع ميكن أن نعمل له وسائل‪ ،‬أنا اآلن أتكلم على األمر الواقع‪ ,‬يقول‬
‫أحدهم‪ :‬أنا يف هذا الظرف‪ ،‬ويف هذه اللحظة ليس عندي إال هذا البديل‪ ،‬نقول‪:‬‬
‫إن كان ضرورة فلتودع‪ ،‬لكن بدون ربا‪ ,‬وتودع عند األخف ربوية من البنوك‬
‫الربوية‪ ،‬إيداعًا حبيث تستطيع سحب املبلغ يف أي وقت‪.‬‬

‫والضرورة معروفة‪ ،‬ال تقل الضرورة وأنت من يوم خلقت وأنت تضع األموال‬
‫والفلوس يف البنك‪ ،‬وتقول "ضرورة" الضرورة مقدرة بقدرها‪.‬‬

‫انظروا دائمًا إىل ضرورة امليتة َفَم ِن اْض ُطَّر َغْيَر َباٍغ َو ال َعاٍد َفال ِإَمْث َعَلْيِه [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]173‬كيف الضرورة؟‬

‫أضرب لكم مثاًال‪ :‬شخص جتده كل يوم يأكل أكًال منوعًا‪ ،‬فمرة مقليًا‪ ،‬ومرة‬
‫مشويًا‪ ،‬ومرة كبابًا‪ ،‬ومرة سنبوسة‪ ،‬وتقول له‪ :‬يا أخي ما هذه؟‬
‫يقول‪ :‬هذه ميته!‬

‫تقول له‪ :‬كيف ميته؟!!‬

‫قال‪ :‬واهلل ضرورة‪.‬‬

‫صاحب الضرورة ال يعمل هذا الشيء‪ ،‬الضرورة أن يأخذ لقيمات حىت ال ميوت‬
‫من اجلوع‪ ،‬أما أن يتسمن باألكل كل يوم ويأكل امليته فهذا متالعب‪ ،‬فكذلك‬
‫حنن يف الربا‪ ,‬فإن كان وال بد أن نودع أو أن نضع‪ ،‬فالضرورة واضحة‪ ،‬ففرق‬
‫بني الضرورة وبني أننا نستمر ونتفنن يف أنواع احلرام‪ ،‬ونقول ضرورة‪ ,‬فهذا شيء‬
‫مهم جدًا!‬

‫ظلم العمال‬
‫هذه قضية خطرية جدًا‪ ،‬الواحد حيضر عشرين أو ثالثني عامًال‪ ،‬ويرتكهم يف‬
‫البلد‪ ،‬ويصبح العامل رقيقًا ولكن بشكل آخر‪.‬‬
‫الرقيق كانوا موجودين أيام اآلباء واألجداد‪ ,‬فكانوا ميسكون الواحد ويضربونه‬
‫على رقبته حىت يسقط مث يقولون‪ :‬عبد بيعوه ظلم واستخفاف‪ ،‬وهؤالء ثالثة‬
‫يقول َص َّلى اُهلل َعَلْيِه َو َس َّلَم ‪{ :‬أنا خصمهم يوم القيامة‪ ،‬منهم رجل باع حرًا‬
‫فأكل مثنه } ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬فقد كانت عبودية واضحة‪ ،‬يضربون رقبته‬
‫ويبيعوهه‪.‬‬
‫جاءت اآلن عبودية مقننة ومرتبة‪ ،‬يقول أحدهم‪ :‬آيت به من بلده‪ ,‬وأحتكم فيه‪،‬‬
‫وأشّغله كما أريد‪ ،‬وأعمل كل املظامل‪ ،‬وآكل من ظهره ومن كده‪ ،‬هو يعمل‬
‫ويكدح وأنا آكل‪.‬‬

‫وهذا من احلرام أن يأخذ اإلنسان ماًال مقابل أنه يكفله‪ ،‬وأن يأخذ منه نسبة‬
‫معينة فأين العدل؟! إن اهلل يأمر بالعدل واإلحسان‪ ،‬والعدل واإلحسان ال خيفيان‬
‫علينا فهما واضحان‪ ،‬أما الطغيان فهو غري العدل َأاَّل َتْطَغْو ا يِف اْلِم يَز اِن [الرمحن‪:‬‬
‫‪ ]8‬ميكن أن يأخذ اإلنسان شيئًا مقابل أتعاب أو جهود‪ ،‬أما أن يكون كسبه‬
‫ودخله من ظهور خلق اهلل‪ ،‬يرتكهم يف أرض اهلل يلجئون إىل احلالل واحلرام وال‬
‫يهمه إال أن حيضروا له آخر الشهر مبلغًا معينًا‪ ،‬سواء عملوا حالًال أم حرامًا‪ ،‬وال‬
‫يسأل عنهم أين ذهبوا أو ضاعوا‪ ،‬فهذا من أخبث وأردأ أنواع الكسب ‪-‬نسأل‬
‫اهلل العفو والعافية‪ -‬سبحانك اللهم وحبمدك نستغفرك ونتوب إليك‪.‬‬

You might also like