You are on page 1of 15

‫‪ 1‬من ‪15‬‬

‫عقيدة النصارى في المسيح‬ ‫عنوان الخطبة‬


‫‪ /1‬احتفال النص ارى بميالد المس يح ‪-‬عليه السالم‪ -‬ك ل ع ام ‪ /2‬عج ائب‬ ‫عناصر الخطبة‬
‫وخراف ات وأباطي ل وراء احتف ال النص ارى بميالد المس يح ‪ /3‬عقي دة‬
‫النصارى في المسيح والرد عليها ‪ /4‬تحريم المشاركة في أعياد النصارى‬
‫ووجوب دعوتهم لإلسالم‬
‫علي باوزير‬ ‫الشيخ‬
‫‪14‬‬ ‫عدد الصفحات‬
‫‪13226‬‬ ‫رقم الخطبة في الموقع‬

‫اخلطبة األوىل‪:‬‬

‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن‬
‫سيئات أعمالنا‪َ ،‬م ن يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له؛‬
‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن حممدًا عبده‬
‫ورسوله‪ ،‬صَّلى اهلل عليه وعلى آله وسلم‪.‬‬
‫(َيا َأُّيَه ا اَّلِذيَن َآَم ُنوا اَّتُقوا الَّلَه َح َّق ُتَق اِتِه َو اَل ُمَتوُتَّن ِإاَّل َو َأْنُتْم ُمْس ِلُم وَن )‬
‫[آل عمران‪َ( .]102 :‬يا َأُّيَه ا الَّناُس اَّتُقوا َر َّبُك ُم اَّلِذ ي َخ َلَق ُك ْم ِم ْن َنْف ٍس‬
‫‪ 2‬من ‪15‬‬
‫ِث ِن‬ ‫ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِح ٍة‬
‫َو ا َد َو َخ َلَق ْنَه ا َز ْو َجَه ا َو َبَّث ْنُه َم ا ِر َج ااًل َك ًريا َو َس اًء َو اَّتُقوا الَّلَه‬
‫اَّلِذي َتَس اَءُلوَن ِبِه َو اَأْلْر َح اَم ِإَّن الَّلَه َك اَن َعَلْيُك ْم َر ِقيًبا) [النساء‪.]1 :‬‬
‫ِل‬ ‫ِد‬ ‫ِذ‬
‫(َيا َأُّيَه ا اَّل يَن َآَم ُنوا اَّتُقوا الَّلَه َو ُقوُلوا َقْو اًل َس يًد ا * ُيْص ْح َلُك ْم َأْع َم اَلُك ْم‬
‫َو َيْغِف ْر َلُك ْم ُذُنوَبُك ْم َو َمْن ُيِط ِع الَّلَه َو َرُس وَلُه َفَقْد َفاَز َفْو ًز ا َعِظ يًم ا)‬
‫[األحزاب‪.]71 - 70 :‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫فإن أصدق احلديث كتاب اهلل‪ ،‬وخري اهلدي هدي حممد ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،-‬وشر األمور حمدثاهتا‪ ،‬وكل حمدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة‪،‬‬
‫وكل ضاللة يف النار‪.‬‬

‫وبعد‪:‬‬

‫أيها املسلمون ‪-‬عباد اهلل‪ :-‬يف هذه األيام حيتفل النصارى يف كل مكان‬
‫يف العامل مبيالد املسيح عيسى بن مرمي ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬يعيشون أيام عيد‬
‫ابتهاجا هبذه الذكرى؛ ذكرى ميالد املسيح‪ ،‬وكثريا من املسلمني‬
‫يشاركوهنم يف مثل هذه األعياد جهال منهم‪ ،‬يشاركوهنم يف هذه‬
‫‪ 3‬من ‪15‬‬

‫االحتفاالت ظنا منهم أهنا احتفاالت عادية ال متت إىل دين وال إىل‬
‫عقيدة‪.‬‬

‫واألمر ‪-‬أيها األحباب‪ -‬على خالف ذلك‪ ،‬ال أريد أن أحتدث عن حكم‬
‫هذه االحتفاالت‪ ،‬ولكن أريد أن أحتدث عن حقيقتها‪ ،‬ملاذا وجدت هذه‬
‫االحتفاالت؟ ملاذا يهتم النصارى كثريا مبيالد املسيح ‪-‬عليه السالم‪-‬؟‬
‫ملاذا صار هذا أعظم عيد من أعيادهم الدينية وصار مقدما على غريه من‬
‫األعياد؟‬

‫قد ال يتصور البعض أن ميالد املسيح حقيقة‪ ،‬وما يتعلق به أهنا قضية‬
‫أساسية وجوهرية وفارقة بني عقائد املسلمني وعقائد النصارى‪.‬‬

‫وكثريا من املسلمني جيهلون هذا األمر مع كثرة النصوص الواردة يف‬


‫كتاب اهلل ويف سنة رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬تتحدث عن هذه‬
‫القضية وتفصل الكالم فيها‪.‬‬

‫تبدأ هذه القصة ‪-‬أيها األحباب الكرام‪ -‬من خلق آدم ‪-‬عليه السالم‪-‬‬
‫كلنا يعلم أن اهلل ‪-‬تبارك وتعاىل‪ -‬ملا خلق آدم أدخله اجلنة وأسكنه فيها‪،‬‬
‫وأباح له أن يأكل ويتمتع مبا فيها إال شجرة واحدة‪ ،‬هناه اهلل ‪-‬سبحانه‬
‫‪ 4‬من ‪15‬‬

‫وتعاىل‪ -‬أن يأكل منها‪ ،‬وحذره من االقرتاب منها‪ ،‬قال اهلل ‪-‬سبحانه‬
‫وتعاىل‪َ( :-‬و ُقْلَنا َيا آَدُم اْس ُك ْن َأنَت َو َز ْو ُج َك اَجْلَّنَة َو ُكَال ِم ْنَه ا َر َغدًا‬
‫َح ْيُث ِش ْئُتَم ا َو َال َتْق َر َبا َه ِذِه الَّش َج َر َة َفَتُك وَنا ِم َن اْلَّظاِلِم َني ) [البقرة‪.]35 :‬‬

‫امتثل آدم ملا أمره اهلل به‪ ،‬وصار يتمتع بنعيم اجلنة دون أن يقرتب من هذه‬
‫الشجرة حىت جاءه الشيطان‪ ،‬وأخذ يوسوس يف قلبه‪ ،‬وأخذ يتحايل عليه‪،‬‬
‫وجاء يزين إليه األكل من هذه الشجرة‪ ،‬وقال له ولزوجه حواء‪َ( :‬م ا‬
‫ِم‬ ‫ِنْي‬ ‫ِة ِإ‬ ‫ِذِه‬
‫َنَه اُك َم ا َر ُّبُك َم ا َعْن َه الَّش َج َر َّال َأن َتُك وَنا َم َلَك َأْو َتُك وَنا َن‬
‫اَخْلاِلِديَن * َو َقاَمَسُه َم ا ِإيِّن َلُك َم ا َلِم َن الَّناِصِح َني ) [األعراف‪]21 - 20 :‬‬
‫حىت استزهلما وغرمها حبسن حديثه وغرمها بتزينه ووسوسته‪ ،‬فأكال من‬
‫هذه الشجرة اليت هنامها اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬عن األكل منها‪ ،‬فلما أكال منها‬
‫عاتبهم اهلل ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ ،-‬وقال‪َ( :‬أْمَل َأْنَه ُك ا َعن ِتْلُك ا الَّش َج ِة‬
‫َر‬ ‫َم‬ ‫َم‬
‫َو َأُقل َّلُك َم ا ِإَّن الَّش ْيَطآَن َلُك َم ا َعُد ٌّو ُّم ِبٌني ) [األعراف‪.]22 :‬‬

‫مث نزلت العقوبة وأمر اهلل ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬بإخراج آدم وزوجه من‬
‫اجلنة‪َ( :‬قاَل اْه ِبَطا ِم ْنَه ا ِمَج يًعا) أنزهلم إىل األرض وأنزل معهما إبليس‬
‫وقال‪َ( :‬بْع ُضُك ِلَبْع ٍض َعُد ٌّو َلُك يِف اَألْر ِض َتَقٌّر َم َتاٌع ِإىَل ِح ٍني‬
‫ُمْس َو‬ ‫َو ْم‬ ‫ْم‬
‫[البقرة‪ ]36 :‬إىل أجل معلوم‪.‬‬
‫‪ 5‬من ‪15‬‬

‫إىل هنا والقصة واضحة لكن ما الذي جرى بعد أن وقع آدم ‪-‬عليه‬
‫السالم‪ -‬يف اخلطيئة؟‬

‫املسلمون يعتقدون كما جاء يف القرآن أن آدم ‪-‬عليه السالم‪ -‬تاب إىل‬
‫اهلل‪ ،‬فلما تاب إىل اهلل تاب اهلل عليه‪ ،‬وغفر له ذنبه‪ ،‬وحمى عنه خطيئته‪،‬‬
‫قال اهلل عز وجل‪َ( :-‬و َعَص ى آَدُم َر َّبُه َفَغَو ى * َّمُث اْج َتَباُه َر ُّبُه) [طه‪:‬‬
‫‪ ]122 - 121‬اصطفاه واختاره‪َ( :‬فَتاَب َعَلْيِه َو َه َد ى) [طه‪،]122 :‬‬
‫وهذا نص صريح قاطع أن تلك القضية قد انتهت‪ ،‬وأن تلك اخلطيئة قد‬
‫حميت‪ ،‬وأن ذلك الذنب قد غفره اهلل ‪-‬سبحانه وتعاىل‪.-‬‬

‫لكن النصارى ال يقرون هبا‪ ،‬بل أتوا بقول عجيب اخرتعته عقوهلم‪،‬‬
‫وابتكرته خيالتهم‪ ،‬قالوا‪ :‬إن هذه اخلطيئة مل متح‪ ،‬وإن هذا الذنب مل‬
‫يذهب‪ ،‬بل بقيت هذه اخلطيئة مالزمة آلدم ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬بل وأكثر‬
‫من ذلك هذه اخلطيئة انتقلت إىل ذريته جيال بعد جيل‪ ،‬وأمة بعد أمة‪،‬‬
‫فكل مولود يولد فإنه خيرج إىل هذه الدنيا حممال خبطيئة آدم‪ ،‬وهي الزمة‬
‫يف ذمته ال يستطيع أن يتخلص منها‪ ،‬ال تزيلها توبة‪ ،‬وال ميحوها‬
‫استغفار‪.‬‬
‫‪ 6‬من ‪15‬‬

‫هذا شيء عجيب‪ ،‬وكالم غريب مناقض لصريح كالم اهلل ‪-‬تبارك‬
‫وتعاىل‪ -‬قد تاب آدم من هذه اخلطيئة‪ ،‬وتاب اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬عليه منها‪،‬‬
‫لكنهم أصروا على هذا‪ ،‬وقالوا‪ :‬بل هذه اخلطيئة باقية!‬

‫حىت لو افرتضنا أن آدم مل يتب منها هل حياسب األبناء على خطايا‬


‫اآلباء؟ هل من عدل اهلل ‪-‬تبارك وتعاىل‪ -‬أن يآخذ الذرية مبا فعل اآلباء؟‬
‫(َو َم ا َر ُّبَك ِبَظاَّل ٍم ِّلْلَعِبيِد) [فصلت‪ ]46 :‬ال ميكن أن يقع هذا يف حكم‬
‫اهلل أبدًا‪ ،‬لكن هذا الذي ادعاه النصارى‪.‬‬

‫واألعجب من هذا‪ :‬أنه بعد أن مرت آالف السنني وهذه اخلطيئة الزمة‬
‫لذرية آدم أراد اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬أن خيلص البشرية من هذه اخلطيئة‪ ،‬فماذا‬
‫فعل؟ قالوا‪ :‬افتدى البشرية بفداء عظيم‪ ،‬وما هو هذا الفداء؟ هو عيسى‬
‫‪-‬عليه السالم‪-‬؟!‬

‫ومن هو عيسى؟ املسلمون يقولون‪ :‬هو عبد اهلل ورسوله‪ ،‬بشر خلقه اهلل‬
‫وأرسله إىل الناس ليبلغ رسالة اهلل ودينه‪ ،‬ليس أكثر من هذا‪ ،‬لكنه عند‬
‫النصارى شيئا آخر ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬انقسموا فيه إىل فريقني منهم من قال‪:‬‬
‫هو ابن اهلل ‪-‬تعاىل اهلل عما يقولون علوا كبريا‪ ،-‬ومنهم من قال وزاد‬
‫على هذا وقال‪ :‬بل هو اهلل نفسه ‪-‬سبحان اهلل عما يقولون‪.-‬‬
‫‪ 7‬من ‪15‬‬

‫فماذا كان؟ قالوا‪ :‬أنزل اهلل ولده ليعيش بني الناس كأنه منهم‪ ،‬لكنه يف‬
‫الصورة بشر‪ ،‬ويف احلقيقة إله!‬

‫وزادوا على هذا فقالوا‪ :‬ملا أراد اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬أن خيلص البشر جعلهم‬
‫يقتلون ولده الذي هو عيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬بزعمهم‪ ،‬وجعلهم‬
‫يصلبونه‪ ،‬فسمرت يداه ورجاله‪ ،‬وصلب حىت مات على هذا احلال‪،‬‬
‫فخلص البشرية من خطيئة آدم ‪-‬عليه السالم‪.-‬‬

‫وهلذا جند ‪-‬أيها األحباب‪ -‬أن النصارى يعظمون الصليب؛ ألنه عندهم‬
‫رمز للفداء واخلالص‪ ،‬ما خلصت البشرية عندهم من ذنب آدم إال هبذا‬
‫الصليب‪ ،‬وال جناة عندهم إال بأن يعتقد اإلنسان هذه العقيدة‪ ،‬أن يصدق‬
‫هذه اخلرافة‪ ،‬وأن يقتنع هبذه األسطورة اليت ال حقيقة هلا‪ ،‬ال جناة لإلنسان‬
‫من النار وال جناة له يوم القيامة عندهم إال بتصديق هذا‪ ،‬وآن إلنسان‬
‫عاقل أن يصدق مثل هذه الكذبة‪ ،‬ومثل هذه اخلرافة‪.‬‬

‫وهلذا ‪-‬أيها األحباب‪ -‬صاروا يعظمون قضية ميالد املسيح ‪-‬عليه‬


‫السالم‪-‬؛ ألن األمر ليس جمرد حدث تارخيي‪ ،‬إمنا هو عندهم أساس‬
‫الدين‪ ،‬عقيدة النصارى ودينهم إمنا يقوم على هذه القضية‪ ،‬وإمنا يقوم‬
‫‪ 8‬من ‪15‬‬

‫على هذا األساس‪ ،‬وعلى هذه القصة واخلرافة اليت ليس هلم هبا سلطان‪،‬‬
‫وليس هلم عليها أدىن حجة أو برهان‪.‬‬

‫فأين دليلهم على أن اهلل له ولد؟ أليس اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬يقول‪ُ( :‬قْل ُه َو‬
‫الَّلُه َأَح ٌد * الَّلُه الَّص َم ُد * ْمَل َيِلْد َو ْمَل ُيوَلْد * َو ْمَل َيُك ن َّلُه ُك ُفًو ا َأَح ٌد )‬
‫[اإلخالص‪.]4 - 1 :‬‬

‫ِإ‬
‫من أين أتوا هبذه الفرية والكذبة واهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬يقول‪َ( :‬أاَل َّنُه م ِّم ْن‬
‫ِإْفِكِه ْم َلَيُقوُلوَن * َو َلَد الَّلُه َو ِإَّنُه ْم َلَك اِذُبوَن ) [الصافات‪- 151 :‬‬
‫‪.]152‬‬

‫الكائنات واجلمادات والكون كله من حولنا يستنكر هذه املقالة‪َ( :‬تَك اُد‬
‫الَّس َم اَو اُت َيَتَف َّطْر َن ِم ْنُه َو َتنَش ُّق اَأْلْر ُض َو ِخَت ُّر اِجْلَباُل َه ًّدا * َأن َدَعْو ا‬
‫ِللَّر َمْحِن َو َلًد ا * َو َم ا َينَبِغي ِللَّر َمْحِن َأن َيَّتِخ َذ َو َلًد ا * ِإن ُك ُّل َم ن يِف‬
‫الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض ِإاَّل آيِت الَّر َمْحِن َعْبًد ا) [مرمي‪.]93 - 90 :‬‬

‫ظنوا حني رأوا أن عيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬قد ولد بغري أب‪ :‬أن أباه هو‬
‫ِإ‬
‫اهلل‪ ،‬وغفلوا عن أن اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬على كل شيء قدير‪َّ ( :‬ن َم َثَل‬
‫‪ 9‬من ‪15‬‬

‫ِعيَس ى ِعنَد الّلِه َك َم َثِل آَدَم َخ َلَق ُه ِم ن ُتَر اٍب َّمِث َقاَل َلُه ُك ن َفَيُك وُن ) [آل‬
‫عمران‪.]59 :‬‬

‫آدم خلق بغري أب وال أم‪ ،‬أما عيسى فكان له أم؟ فلماذا مل يقولوا أن آدم‬
‫هو ولد اهلل وهو املخلوق بغري أب وال أم؟ تناقض‪ ،‬وليس آدم وال عيسى‬
‫أوالد هلل‪ ،‬بل هم عبيد خاضعون هلل ‪-‬تبارك وتعاىل ليس له صاحبة وال‬
‫ولد‪.‬‬

‫مث لو افرتضنا ‪-‬أيها األحباب‪ -‬وصدقنا هذه الكذبة‪ :‬أن اهلل ‪-‬عز وجل‪-‬‬
‫له ولد‪ ،‬وليس هذا حباصل‪ ،‬فما احلاجة إلنزال الولد ألجل أن يغفر‬
‫للناس؟! أليس اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬قادرا على أن يغفر خطايا البشر دون أن‬
‫ينزل ولده كما يقولون ألجل أن يقتله الناس ويعذبونه؟!‬

‫أمل يقل اهلل ‪-‬تبارك وتعاىل‪ -‬كما يف احلديث القدسي الذي رواه‬
‫الرتمذي‪" :‬يا ابن آدم إنك ما دعوتين ورجوتين غفرت لك وال أبايل‪ ،‬يا‬
‫ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء مث استغفرتين غفرت لك وال أبايل"‬
‫أليس النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬حيكي عن اهلل ‪-‬تبارك وتعاىل‪ -‬أنه ال‬
‫يتعاظمه ذنب أن يغفره‪ ،‬يف صحيح مسلم عن أيب هريرة ‪-‬رضي اهلل عنه‬
‫وأرضاه‪ -‬عن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إذا دعا أحدكم فال‬
‫‪ 10‬من ‪15‬‬

‫يقل‪ :‬اللهم اغفر يل إن شئت" ال يقل‪ :‬إن شئت "وليعزم املسألة" فليقل‪:‬‬
‫اللهم اغفر يل "فإن اهلل ال يتعاظمه شيء أن يعطيه"‪ ،‬ويف رواية يف‬
‫البخاري "فإن اهلل ال مكره له" قادر على أن يغفر للعباد مجيعا يف حلظة‬
‫واحدة‪ ،‬فما الداعي لقصة الصلب هذه كلها؟ وما هي احلاجة إىل هذا‬
‫التطويل؟ لكنهم أساءوا الظن باهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬ثالث مرات‪:‬‬

‫أوال‪ :‬أساءوا الظن به حني اعتقدوا أنه مل يغفر آلدم‪ ،‬ومل يتب عليه‪ ،‬وأنه‬
‫سيآخذ ذريته خبطيئته؟‬

‫ثانيا‪ :‬أساءوا الظن باهلل ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬حني اعتقدوا أنه غري قادر أن‬
‫يغفر لعباده إال بأن توجد هذه القصة املخرتعة قصة الصلب‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬أساءوا الظن باهلل ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬حني نسبوا إليه الولد‪ ،‬وما‬
‫ينبغي هلل ‪-‬عز وجل‪ -‬أن يكون له ولد ‪-‬سبحانه وتعاىل عما يقولون‬
‫علوا كبريا‪.-‬‬

‫بارك اهلل يل ولكم يف القرآن العظيم‪ ،‬ونفعين وإياكم مبا فيه من اآليات‬
‫والذكر احلكيم‪.‬‬
‫‪ 11‬من ‪15‬‬

‫أقول ما تسمعون‪ ،‬وأستغفر اهلل يل ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور‬


‫الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‪:‬‬

‫احلمد هلل الذي أرسل رسوله باهلدى ودين احلق‪ ،‬وكفى باهلل شهيدا‪،‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له إقرارا به وتوحيدا‪ ،‬وأشهد‬
‫أن حممدا عبده ورسوله صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه‪ ،‬وسلم تسليما‬
‫مزيدا‪.‬‬

‫وبعد‪:‬‬

‫أيها األحباب الكرام‪ :‬هذه هي عقيدة النصارى أساءوا الظن باهلل ‪-‬عز‬
‫وجل‪ ،-‬ونسبوا إليه النقائص‪ ،‬بل وجعلوا له الشركاء‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن اهلل‬
‫ثالث ثالثة! اإلله عندهم مكون من ثالثة أشخاص‪ :‬األب واالبن وروح‬
‫القدس!‬
‫‪ 12‬من ‪15‬‬

‫وهؤالء الثالثة عندهم يف احلقيقة شخص واحد‪ ،‬وهذه من عجائب العامل‬


‫كيف يكون الثالثة واحدا والواحد ثالثة؟ شيء ال يقبله العقل وال‬
‫يتصوره‪ ،‬بل حىت النصارى أنفسهم يسمون هذا بسر التكليف‪ ،‬أي أنه‬
‫شيء ال يستطيع العقل أن يستوعبه‪ ،‬وحقا ال يستطيع العقل أن يستوعب‬
‫خرافة مثل هذه‪ ،‬وال يستطيع العقل أن يصدق تناقض مثل هذا‪ ،‬فهو‬
‫خيال ال حقيقة‪ ،‬وشيء ال أصل له وال أساس‪ ،‬فليس هناك إال إله واحد‬
‫اهلل ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬يقول هلم‪َ( :‬يا َأْه َل اْلِكَتاِب َال َتْغُلوْا يِف ِديِنُك ْم َو َال‬
‫ِه ِل‬ ‫ِس ِع‬ ‫ِه‬
‫َتُقوُلوْا َعَلى الّل ِإَّال اَحْلِّق ِإَمَّنا اْلَم يُح يَس ى اْبُن َمْر َمَي َرُس وُل الّل َو َك َم ُتُه‬
‫َأْلَق اَه ا ِإىَل َمْر َمَي َو ُر وٌح ِّم ْنُه َفآِم ُنوْا ِبالّلِه َو ُرُس ِلِه َو َال َتُقوُلوْا َثَالَثٌة انَتُه وْا‬
‫َخ ْيًر ا َّلُك ْم ِإَمَّنا الّلُه ِإَلٌه َو اِح ٌد ُس ْبَح اَنُه َأن َيُك وَن َلُه َو َلٌد َّلُه َم ا يِف الَّس َم اَو ات‬
‫َو َم ا يِف اَألْر ِض َو َك َف ى ِبالّلِه َو ِكيًال) [النساء‪.]171 :‬‬

‫وقد حتدث اهلل ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬عن هذه القضية وعن حقيقة عيسى ‪-‬‬
‫عليه السالم‪ -‬يف مواضع كثرية من القرآن‪ ،‬حتدث عن هذا يف سورة آل‬
‫عمران‪ ،‬وحتدث عن هذا يف أواخر سورة النساء‪ ،‬وحتدث عن هذا يف‬
‫سورة املائدة‪ ،‬وحتدث عن هذا كذلك يف سورة مرمي‪ ،‬وعاتب أهل‬
‫الكتاب عتابا شديدا على هذه املقالة اليت قالوها‪ ،‬بل حكم عليهم‬
‫َّل‬
‫بالكفر‪ ،‬قال اهلل ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬كما يف سورة املائدة‪َ ( :‬قْد َك َف َر‬
‫اَّلِذيَن َقآُلوْا ِإَّن الّلَه ُه َو اْلَم ِس يُح اْبُن َمْر َمَي) [املائدة ‪َ( ،]17‬و َقاَل اْلَم ِس يُح َيا‬
‫‪ 13‬من ‪15‬‬
‫يِن ِإ اِئي اْع ُد وْا الّل يِّب َّبُك ِإَّن ن ْش ِر ْك ِبالّلِه َقْد َّر الّل َليِه‬
‫َف َح َم ُه َع‬ ‫َه َر َو َر ْم ُه َم ُي‬ ‫َب ْس َر َل ُب‬
‫اَجْلَّنَة َو َم ْأَو اُه الَّناُر َو َم ا ِللَّظاِلِم َني ِم ْن َأنَص اٍر ) [املائدة‪ ،]72 :‬مث يقول اهلل ‪-‬‬
‫سبحانه وتعاىل‪َّ( :-‬لَقْد َك َف َر اَّلِذيَن َقاُلوْا ِإَّن الّلَه َثاِلُث َثَالَثٍة َو َم ا ِم ْن ِإَلٍه ِإَّال‬
‫ِم‬ ‫ِذ‬ ‫ِح‬
‫ِإَلٌه َو ا ٌد َو ِإن ْمَّل َينَتُه وْا َعَّم ا َيُقوُلوَن َلَيَم َّسَّن اَّل يَن َك َف ُر وْا ْنُه ْم َعَذ اٌب‬
‫َأِليٌم) [املائدة‪ ]73 :‬فحكمهم عند اهلل ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬أهنم كفار‪،‬‬
‫وهذا بنص القرآن‪.‬‬

‫وبعض املسلمني يتصور أنه مؤمن‪ ،‬وحيكم عليهم باإلميان‪ ،‬مناقضا حلكم‬
‫اهلل ‪-‬تبارك وتعاىل‪ -‬فيهم‪ ،‬كيف يكون مؤمنا من نسب هلل الصاحبة‬
‫والولد؟ كيف يكون مؤمنا من بدل دين اهلل وحرف كتابه؟ كيف يكون‬
‫مؤمنا من جعل هلل الشركاء وجعله ثالث ثالثة؟ كيف يكون مؤمنا من‬
‫كذب برسالة حممد ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ومل يتبعه؟‬

‫والنيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يقول كما يف صحيح مسلم‪" :‬والذي‬
‫نفس حممد بيده ال يسمع يب من هذه األمة يهودي وال نصراين مث ميوت‬
‫ومل يؤمن بالذي جئت به إال كان من أهل النار"‪.‬‬
‫‪ 14‬من ‪15‬‬

‫فكيف يسوغ ملسلم بعد ذلك أن حيكم هلم باإلميان؟ وكيف يسوغ‬
‫ملسلم بعد ذلك أيضا أن يشاركهم يف مثل هذه األعياد ويف مثل هذه‬
‫االحتفاالت الدينية العقدية املبنية على عقيدة باطلة فاسدة؟‬

‫إن واجبنا ‪-‬أيها األحباب‪ -‬ليس أن نشاركهم يف أعيادهم‪ ،‬ليس أن‬


‫هننئهم هبا‪ ،‬إن واجبنا كمسلمني أن ندعوهم إىل اهلل‪ ،‬أن نبني هلم احلق‬
‫الذي جاء من عند اهلل‪ ،‬أن ندعوهم إىل توحيد اهلل ‪-‬عز وجل‪ ،-‬أن نبني‬
‫هلم بطالن عقائدهم وفسادها‪ ،‬هذا الواجب الذي أمرنا اهلل ‪-‬سبحانه‬
‫وتعاىل‪ -‬به‪َ( :‬و ْلَتُك ن ِّم نُك ْم ُأَّم ٌة َيْد ُعوَن ِإىَل اَخْلِرْي ) [آل عمران‪،]104 :‬‬
‫ومن أعظم الدعاء إىل اخلري‪ :‬دعاء األمم الكافرة إىل اإلسالم‪ ،‬وبيان احلق‬
‫هلم‪.‬‬

‫إننا عندما هننئهم بأعيادهم‪ ،‬إمنا نشعرهم وخندعهم؛ ألننا نشعرهم أننا‬
‫راضون بعقيدهتم‪ ،‬نشعرهم أن الذي هم عليه حقا ال شك فيه‪ ،‬نشعرهم‬
‫أن هذا أمر حيبه اهلل‪ ،‬وهذا خداع ال يرضاه اهلل ‪-‬عز وجل‪.-‬‬

‫بل واجبنا كمسلمني أن ندعوهم دعوة صرحية باحلكمة واملوعظة احلسنة‪،‬‬


‫ونبني هلم دين اهلل ‪-‬عز وجل‪ُ( :-‬ق ا َأ اْلِكَتاِب اَل ْا ِإىَل َك َل ٍة‬
‫َم‬ ‫َتَع ْو‬ ‫ْل َي ْه َل‬
‫َس َو اء َبْيَنَنا َو َبْيَنُك ْم َأَّال َنْع ُبَد ِإَّال الّلَه َو َال ُنْش ِر َك ِبِه َش ْيًئا َو َال َيَّتِخ َذ َبْع ُضَنا‬
‫‪ 15‬من ‪15‬‬

‫َبْع ضًا َأْر َباًبا ِّم ن ُدوِن الّلِه َفِإن َتَو َّلْو ْا َفُقوُلوْا اْش َه ُد وْا ِبَأَّنا ُمْس ِلُم وَن ) [آل‬
‫عمران‪.]64 :‬‬

‫نسأل اهلل ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬أن حييينا على اإلسالم‪ ،‬ونسأله سبحانه‬
‫وتعاىل أن مييتنا على اإلسالم‪.‬‬

You might also like