Professional Documents
Culture Documents
مقدمة املقدم:
احلمد هلل حنمده ونستغفره ،ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،
من يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال اهلل
وحده ال شريك له ،وأشهد أن حممداً 6عبده ورسوله ،اللهم صل وسلم وبارك
على عبدك ورسولك حممد وعلى آله وصحبه أمجعني.
أما ب ـ ــعد:
فإن اهلل عز وجل خلقنا ألمر نفعله وسنسأل عنه يوم القيامة ،وهو أول ما نسأل
عنه ،وهذا األمر هو ما افرتضه اهلل عز وجل علينا ،وما أخذ عليه العهد منا وحنن
يف صلب أبينا آدم؛ ألن اهلل أوجدنا يف هذه األرض 6لنحقق ما افرتضه 6علينا
والقيام بواجبه ،وقد أقسم اهلل يف غري ما آية من كتابه أن من أخل به فإنه خاسر،
ين َآمنُوا َو َع ِملُوا ِإ َّ ِ ِ ِإ ِأْل
ص ِر * َّن ا نْ َسا َن لَفي ُخ ْس ٍر اَّل الذ َ قال اهلل تعاىلَ :والْ َع ْ
اص ْوا 6بِ َّ َّ حِل ِ
الصرْبِ [العصر ]3-1:وقال اهلل عز وجل: اص ْوا بِاحْلَ ِّق َوَت َو َ
الصا َات َوَت َو َ
ني * لََق ْد َخلَ ْقنَا اِأْل نْسا َن يِف ون * وطُو ِر ِسينِني * وه َذا الْبلَ ِد ِ
اَأْلم ِ الزيتُ ِ والتِّ ِ
َ َ ََ َ َ ني َو َّ ْ َ
الصاحِل ِ
ات َفلَ ُه ْم ِ َأحس ِن َت ْق ِو ٍمي * مُثَّ رددنَاه َأس َفل سافِلِني * ِإاَّل الَّ ِ
ين َآمنُوا َو َعملُوا َّ َ َ ذ َ َْ ُ ْ َ َ َ َْ
ون [التني.]6-1: َأجر َغير مَمْنُ ٍ
ٌْ ُْ
وإن اإلميان أعظم واجب كلف به اإلنسان يف هذه احلياة ،فهو حق اهلل عز وجل
على عباده ،من حققه كان له الفوز 6والفالح والنجاح وكان له التمكني يف
األرض ،ومن أخل به كان له اخلسران املبني ،وال فرق يف ذلك بني األمم 6أو بني
األشخاص ،فالكل سيَّان يف ذلك ،سواء نظرنا يف هذا املوضوع إىل البشرية
كأمم ،أم نظرنا إليها كأفراد ،فالكل مطالبون بتحقيق اإلميان ،فإن حققته األمة
كتب اهلل هلا التمكني يف األرض 6،وكتب هلا النصر والعزة ،وإن أخلت به كتب
اهلل عليها الذلة 6والصغار ،مث حمقها وسحقها ،ولنا فيما قص اهلل عز وجل علينا يف
إهالك لألمم املاضية أكرب واعظ ،وأكرب دليل على أن من أخل باإلميان كتابه من ٍ
اب اآْل ِخَر ِة َ
َأش ُّد َو َْأب َقى فإنه يبوء باخلسران يف الدنيا قبل اآلخرة قال تعاىلَ :ولَ َع َذ ُ
[طـه.]127:
وكذلك إذا كان اإلخالل يف اإلميان على مستوى األفراد ،فإن من أخل باإلميان
فإن له اخلسران املبني يف الدنيا 6واآلخرة ،وهذا ما سنتناوله الحقاً يف نتيجة
اإلخالل باإلميان ،ونتيجة إقامة اإلميان -أي ما الذي 6يرتتب على إقامة اإلميان؟-
سواء على مستوى األفراد أو على مستوى األمم ،وما الذي 6حيصل لألفراد
ولألمم إذا أخلوا باإلميان؟
احلمد هلل رب العاملني ،الرمحن الرحيم ،مالك يوم الدين ،وصلى اهلل وسلم وبارك
على نبيه حممد املبعوث رمحة للعاملني ،الذي علَّمنا اإلميان والتوحيد ،وحذرنا من
الشرك والضالل والبدع ،ورىب خري أمة أخرجت للناس فقامت أعظم أمة يف
تاريخ اإلنسانية ،أعظمها إمياناً وعدالً ،وأخالقاً ،وأطيبها حيا ًة يف هذه احلياة
الدنيا ،وأسعدها عند اهلل تبارك وتعاىل يف الدار اآلخرة.
أما بعد:
فإن احلديث سيكون عن أثر اإلميان يف بناء األمم 6واألفراد -والكالم القادم-
سيكون عن أسباب اهنيار 6األمم ،وملاذا تنهار أمم وشعوب؟ وملاذا تبقى غريها؟
فاألمر حيتاج إىل وقت طويل؛ ولكن خطورة األمر وأمهيته هي اليت جتعلنا نتحدث
عنه مبا يفتح اهلل تبارك وتعاىل به علينا.
وإن مما يدلل على أمهية هذا األمر أن دعاة احلق واإلميان والسنة ،حينما يدعون
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ،وإىل االقتداء
الناس وأنفسهم إىل كتاب اهلل وسنة رسوله َ
مبنهج السلف الصاحل يف كل أمورهم العلمية والعملية ،فإهنم إمنا يدعون األمة إىل
الدواء 6الذي يشفي بإذن اهلل تبارك وتعاىل من كل داء ،ويكفي عن كل عالج؛
إنه الدواء 6الذي يستأصل مجيع األمراض 6من قلوب العباد -وأمراض األمم عامة-
ومينع أسباب االهنيار اليت يتعرض هلا الفرد أو تتعرض هلا األمة.
حىت هذه األمة املباركة؛ بل حىت الذين يقرءون كتاب اهلل ويسمعونه آناء الليل
والنهار ،ويسمعون 6األذان مخس مرات يف اليوم 6والليلة -وأكثرهم من هذه
األمة -أصبحوا يصدقون هذا ،فيبنون خططهم وأفكارهم وآراءهم على أن احلياة
مرتبطة باالقتصاد وباملادة ،وأن اخلوف الذي 6جيب أن يكون لدى األفراد أو
األمم هو اخلوف من الفقر واخلوف من اجلانب املادي أن ينهار فينهار الفرد أو
تنهار األمة ،ويشغل ذلك حيزاً كبرياً من تفكري الناس ،املسلم منهم والكافر.
وحنن أمة اإلسالم والقرآن جيب علينا أن نعرض كل أمر من األمور 6على كتاب
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ،لنعرف قيمة هذا اإلميان وحقيقته ،وأنه هو
ربنا ،وسنة نبينا َ
الذي به تصلح دنيانا وأخرانا ،وأما املقاييس واملعايري اليت يقيس هبا الكفار6
واملاديون والشيوعيون واملالحدة؛ فليست حبجة وال بعربة عند من يؤمن باهلل
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم.
واليوم اآلخر ،ومن يؤمن بكتاب اهلل وسنة رسوله َ
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم خيربنا فيقول{ :ما الفقر أخشى فهذا نيب اهلدى والرمحة َ
عليكم ،ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا 6كما بسطت على من كان قبلكم،
فتتنافسوها كما تنافسوها ،فتهلككم كما أهلكتهم } فأي رحيم وأي ٍ
مشفق
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم؟! ال أحد واهلل
ناصح أفضل وأعظم من رسول اهلل َ وأي ٍ
يساويه فضالً؛ ومع ذلك ينصح هلذه األمة ،وهو الذي 6شفقته ورمحته ورأفته بنا
يم [التوبة ]128:وهو الذي يف ح وف ر ِ
ٌ ُؤر نيكما قال اهلل عز وجل بِالْمْؤ ِمنِ
َ ٌ َ َ ُ
يوم القيامة يوم الكرب األعظم الذي ال كرب أعظم منه ،حني يقول :كل نيب:
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم{ :أميت ..أميت }. نفسي ..نفسي ،يقول َ
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم هو من كمال الشفقة ،والرمحة ،والرأفة؛ ومع ذلك ففعله َ
خيربنا أنه ال خيشى علينا ،وهو الذي خيشى علينا من أي ضرر وإن كان قليالً،
ويدلنا على ما ندفع 6به كل شر وإن كان بعيداً ،فقوله {:ما الفقر أخشى عليكم
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم استعاذ باهلل
} أي :أنه ال خيشى علينا الفقر مع أنه تعوذ منه َ
منه ،وهو مما حياربه هذا الدين ،بل إن األمر يف ديننا خمتلف ومذهب وعن كل
دين حمرف.
التكافل االجتماعي يف اإلسالم مرتبط باإلميان
ت
إن أمر إطعام املسكني عند املسلمني مرتبط باإلميان باآلخرة ،قال تعاىلََ :أرَأيْ َ
ض َعلَى طَ َع ِام الْ ِم ْس ِك ِ6
ني يم * َوال حَيُ ُّ ع الْيَتِ َ6 ك الَّ ِذي يَ ُد ُّ ِ
ب بِالدِّي ِن * فَ َذل َ
ِ
الَّذي يُ َك ِّذ ُ
[املاعون ]3-1:فاألمر عندنا أمسى من أن يكون يف اجلهات األخالقية ،وأمسى
من أن يكون أوامر قسرية تنهب األغنياء لتعطي الفقراء ،إمنا األمر عندنا مرتبط
ك ِم َن باآلخرة ،ومرتبط بأصل اإلميان قال تعاىلَ :ما َسلَ َك ُك ْم يِف َس َقَر * قَالُوا مَلْ نَ ُ
ني [املدثر ]44-42:وانظروا كيف حيض هذا ك نُطْعِ ُم الْ ِم ْس ِك َ6 ني * َومَلْ نَ ُ صلِّ َالْ ُم َ
الدين على املسكني ويربطه بالرمحة؛ فيكون إطعام املسكني مما حيض عليه من
ك َر َقبَ ٍة * َْأو ِإطْ َع ٌام يِف َي ْوٍم ِذي
الرمحة فَال ا ْقتَ َح َم الْ َع َقبَةَ * َو َما َْأد َر َاك َما الْ َع َقبَةُ * فَ ُّ
ٍ
َم ْسغَبَة [البلد ]14-11:انظروا كيف تكون الرمحة مرتبطة باإلميان باهلل ُسْب َحانَهُ
َوَت َعاىَل ! فإذا صحت العقيدة فإهنا ترتبط ارتباطاً مباشراً ال انفكاك معه؛ ومع
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم من الفقر. ذلك كله ال خياف علينا َ
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم أن تلغي النظرة إىل أن جيب على أمة القرآن وأمة حممد َ
أسباب االهنيار 6هو ضعف أو قلة املوارد االقتصادية أو اجلوانب املادية متاماً؛
وبالتايل :علينا البحث عن أسباب زوال الوجود وأسباب االهنيار 6من خالل هدي
رسولنا وسنة ربنا ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل .
عدم اإلميان سبب زوال األمم السابقة
لقد بنّي اهلل لنا يف كتابه الكرمي أوضح البيان حال األمم قبلنا ،والعجب 6أنه ما من
أمة أهلكها اهلل تبارك تعاىل إال وهي يف حال القوة! ويشهد بذلك كتاب ربنا
وكذلك التاريخ وواقع 6األمم.
َأش ُّد ِمنَّا ُق َّو ًة
قوم نوح دمروا يف وقت قوهتم 6ومتكنهم ،وقوم عاد الذين قالواَ :م ْن َ
[فصلت ]15:فلم يروا أن أحداً أشد منهم قوة ،وقد قال اهلل تبارك وتعاىل فيهم:
ات الْعِم ِاد * الَّيِت مَل خُيْلَق ِم ْثلُها يِف الْبِ ِ ك بِع ٍاد * ِإرم َذ ِ
الد ْ ْ َ َ ََ َأمَلْ َتَر َكْي َ
ف َف َع َل َربُّ َ َ
الص ْخَر بِالْ َو ِاد [الفجر ]9:الذين حنتوا ين َجابُوا َّ [الفجر ]8-6:ومثود :ومَثُود الَّ ِ
ذ
َ َ َ
اجلبال ،وبنوا وشادوا املصانع ،فهل أتاهم عذاب اهلل وهم يف حالة ضعف؟! أو
يف حالة اهنيار اقتصادي؟! أبداً فقد أتاهم وهم يف أقوى ما ميكن أن يكونوا عليه
من القوة والتمكن ،وفرعون -أيضاً -مىت أهلك؟ ومىت دمر اهلل هذه األمة القبطية
الفرعونية؟ وهل دمرت وهي يف حالة ضعف؟! ال ،بل دمرت واهنارت وسقطت
وهي يف أشد قوهتا ،عندما تكرب زعيمها ،ذلك الرجل الذي بلغت به الوقاحة
اَأْلعلَى [النازعات ]24:وأن واجلرأة على رب العاملني أن يقولَ :أنَا َربُّ ُك ُم ْ
ِ ِإ ِإ ِ يقول :فَ َْأوقِ ْد يِل يَا َه َاما ُن َعلَى الطِّ ِ
وسى ص ْرحاً لَ َعلِّي َأطَّل ُع ىَل لَه ُم َ اج َع ْل يِل َ
ني فَ ْ
[القصص ]38:ففي أشد القوة والتمكن دمره اهلل ،..إىل غري ذلك مما ال خيفى
ين ِم ْن َقْبلِ ِه ْم َو َما َبلَغُوا ِم ْع َش َار َما علينا ،كما قال اهلل تبارك وتعاىل :و َك َّذ َّ ِ
ب الذ َ َ َ
اه ْم [سبأ ]45:وفسر املعشار بأنه عشر العشر. آَتْينَ ُ
فاألمم قبلنا قد سادت وشادت وبنت ،وبلغت من القوة ما بلغت ،مع ذلك
أهلكت وعذبت لسبب ليس هو الضعف املادي بأي حال من األحوال.
دمر اهلل تبارك وتعاىل ملك كسرىوكذلك أتى التاريخ شاهداً لذلك ،عندما َّ
وقيصر فهل دمرت مملكة الفرس والروم ،ألهنا كانت تعاين من ضعف مادي؟!
أبداً ،فلقد كان الفرس يستعمرون اجلزء الشرقي 6من العامل وينهبون خرياته ،وكان
الروم يستعمرون اجلزء الغريب ،ويكفي أن نعلم أن الروم كانوا مستعمرين لـبالد
الشام ومصر وغرب إفريقيا بكاملها ،فكانت مستعمرة رومانية.
إذاً :يف أوج القوة والعظمة سقطوا وذهبوا ،ملاذا؟ ألهنم 6واجهتهم وقابلتهم جيوش
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم من ذلك البلد
التوحيد ،اليت عقد لواءها خليفة رسول اهلل َ
الطيب الطاهر ،تلك اجليوش القليلة العدد 6والعدة ،لكنها ذهبت وانطلقت ذات
اليمني وذات الشمال ،فأطاحت بأعظم دولتني يف تاريخ القرون الوسطى ،فكيف
اهنارت؟! وملاذا اهنارت؟ وهل كان سبب االهنيار 6هو الضعف املادي أو
االقتصادي أو التفكك السياسي أو أو...إخل؟!
ومع األسف هذا هو الذي نقرأه يف التاريخ ،أو نسمعه يف حماضرات أو ندوات
أو ما يكتب يف الصحافة ،ويف الكتب ،حىت أدى ذلك إىل أن غفلت أمة اإلسالم
عن هذه احلقائق الذهنية ،فأصبحت أمة مادية تنظر إىل التاريخ ،وإىل أسباب
البقاء والفناء ،واحلياة الطيبة ،وإىل أسباب احلياة الشقية ..نظرة مادية حبتة.
فكيف كانت حياة كسرى؟! وماذا نقول عن حياته نذكر فقط بعض ما قاله
املؤرخون عن حياته وبعد أن هزم ودخل سعد بن أيب وقاص املدائن ،ودخلوا
اإليوان (القصر األبيض) وهم يذكرون اهلل شاكرين حامدين يقولونَ :ك ْم َتَر ُكوا
ِ ِ ٍ ٍ
َّات وعي ٍ ِ
ني [الدخان: وع َو َم َق ٍام َك ِر ٍمي * َونَ ْع َمة َكانُوا ف َيها فَاك ِه َ
ون * َو ُز ُر ٍم ْن َجن َ ُُ
]27-25فلما دخلها سعد رضي اهلل عنه كيف كان حال كسرى؟!
يقول بعض املؤرخني :ملا دمهه املسلمون ورأى أن املدائن ستسقط ،وال حيلة له
وال مفر ،..اصطحب معه ما خف من متاعه وشهواته ،فما هو هذا اخلفيف؟
اصطحب ألفاً من الطباخني والطهاة -فقط -وترك الباقي ،وأخذ معه ألفاً من
البزاة -الذين يعلمون اجلوارح 6والصقور 6وغريها لتصطاد هلم -ومن اجلواري 6حنو
ذلك؛ ومحلوا من النفائس ألف محل أو ما أشبه ذلك ،هذا فقط وهو هارب أخذ
الشيء الكثري والعجيب ،ليهرب به من وجه هؤالء املؤمنني وترك من الكنوز6
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم { :ما
العظيمة اليت أورثها اهلل ألمة اإلميان تطبيقاً لقوله َ
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم{ :إذا هلك كسرى الفقر أخشى عليكم } وتطبيقاً لقوله َ
فال كسرى بعده ،وإذا هلك قيصر فال قيصر بعده ،والذي 6نفسي بيده لتنفقن
كنوزمها يف سبيل اهلل } انظروا مل يقل :لتستثمرن أمواهلما لتنمية أو لتحسني
أوضاع املسلمني ،ال ،وإمنا لتنفقن يف سبيل اهلل ،ولذلك ورث املسلمني هذه
الكنوز ،وأنفقت يف سبيل اهلل ،فإذا كان هذا حاله وهو هارب ،فكيف حاله
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه وهو مقيم؟! فهذا 6طاغوت الضالل الذي مزق كتاب رسول اهلل َ
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه
َو َسلَّ َم ،هذه حياته وتلك حياة خليل اهلل وحبيبه وصفيه حممد َ
َو َسلَّ َم.
وإن شئتم أن نأخذ مناذج حديثة لنعرف هبا قيمة اإلميان الذي أنعم اهلل به علينا،
ففي هذه األمة ويف النفوس مجعاء عادة جيب أن نعلمها ،وهي من أسوء ما
يعرتي النفس اإلنسانية ،أال وهي النسيان ،وامللل ،وعدم التفكر ،أو تبلد
اإلحساس؛ فمثالً الذي 6يعيش يف النور 6باستمرار ..ال حيس بقيمته ،ملاذا؟ ألن
ذلك أصبح عادة يف حياتنا؛ فال نعرف قيمة هذه النعمة ،كمثل رجل يف البادية
يف مكان بعيد يعاين من الظالم يف الليل ،فهو كل يوم يتذكرها .حنن ال
نتذكرها ،وقس على ذلك النعم العظيمة ،فنحن يف نعمة اإلميان لكننا ال ندرك
قيمتها ،والنور يغمرنا ولكن ال ندرك قيمته ،وال جند أثراً لتلك النعمة يف قلوبنا.
أما الصحابة الكرام فإهنم 6ملا عرفوا قيمة هذا النور؛ جاهدوا يف اهلل حق جهاده،
وجتردوا هلل عز وجل ،فلم تأخذهم يف اهلل لومة الئم ،فقد تركوا املال واألهل
والدنيا وخرجوا هلل للجهاد ،ففتحوا وتعلموا وعلموا ،فهذا حال الصحابة الكرام6
الذين عرفوا 6قيمة النور 6وقيمة اإلميان ،لكن! مىت انتقض اإلسالم شيء فشيئاً؟!
كما قال عمر رضي اهلل عنه[[ :إمنا ينتقض اإلسالم إذا نشأ يف اإلسالم من ال
يعرف اجلاهلية ]] أي :ال يعرف خطر الشرك والكفر ،والبدعة ،وال يعرف قيمة
وأمهية اإلميان.
أحوال األمة اليوم مع اإلميان واملادة
واملؤمل أن كثرياً 6منا ينظر إىل العامل الغريب ،وهو العامل الذي يعاين أشد املعاناة من
املعيشة الضنكة واحلياة النكدة؛ ألنه بعيد عن اإلميان باهلل ،ينظر إليه نظرة
اإلعجاب ،ويتمىن كثري منا -رمبا عن طيب نية -أن تصل جمتمعاتنا إىل ما
وصلت إليه تلك اجملتمعات من الرقي والتقدم والسعادة ،فماذا يريدون ،وأي
سعادة يريدون يف أوروبا ويف أمريكا اإلنسان مكفولة له احلرية الشخصية؛ فيقول
ما يشاء ويذهب أين شاء.
احلياة املادية مكفولة؛ فيعطى السكن اجملاين بأقساط زهيدة ،ويعطى فرص احلياة
كما يشاء ،واملريض إذا مرض مبرض مقعد أو ما أشبه ذلك يعطى بطاقة يف
جيبه ..يأكل هبا يف أي مطعم ،وتدفع ذلك احلكومة.
ومن جهة الرتفيه؛ فكل وسائل الرتفيه موجودة ومهيأة ،فيذكرون 6أموراً كثرية
جداً ،وكيف أهنم يعيشون يف العمارات الشاهقة ،ولديهم 6الشركات الضخمة،
وكذلك إنتاج األسلحة يف أقوى ما ميكن ،وإنتاج األدوية والزراعة ،وكل وسائل
احلياة الدنيا 6متوفرة لديهم ،فيتحرقون ويتشوقون 6أن يكونوا أفراداً لتلك األمم
ويتمنون أن بالدهم وأمتهم تكون مثل تلك األمم.
هذه النظرة الظاهرة السطحية إىل حياة تلك األمم 6نظرة الذين ال ينطلقون يف
نظراهتم 6ويقيمون معايريهم وموازينهم 6مبيزان اإلسالم ،ومبا جاء يف كتاب اهلل
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ،فلو أننا غرينا النظرة ،ونظرنا مبنظار حقيقي
وسنة نبيه َ
صلَّى
كيف تعيش هذه األمم على حسب ما جاء به كتاب ربنا وسنة نبينا حممد َ
اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ،فماذا جند؟
جند الشقاء كل الشقاء واالهنيار 6احملتوم الذي ال تغين وال جتزي عنه كل هذه
الوسائل ،وكل هذا التقدم املادي املرضي ،لكنهم يعيشون يف شقاء ،األثرياء يف
شقاء ونكد وخوف ،والفقراء كذلك يف شقاء ونكد وخوف ،فالرجل هناك
يعمل مثان ساعات يف دائرة حكومية تضمن له مرتباً كافياً ،ومع ذلك البد أن
يبحث عن عمل يف إحدى الشركات يف املساء أيضاً لكي يضمن كما يقال
املستقبل ،ألنه خياف على مصري أوالده ،فيخشى أكثر بكثري جداً من الرجل
الذي يعيش يف الدول الفقرية كـاهلند وبنجالدش وغريها من الذي 6ال جيد إال
قوت يومني أو ثالثة ،ورمبا ال يفكر يف املستقبل إال قليالً ،فهذا 6هو الذي يهم
أسباب القوة والرخاء فتجده يفكر الليل والنهار ،مع أن رصيده مضمون له،
ومع أن الدولة تعطي مأوى للعجزة ،ومع ذلك كله ال راحة وال طمأنينة أبداً،
فهو يلهث ليل هنار ..مهما كان لديه من شركات ومؤسسات فإنه خياف
املستقبل ،فهاتفه جيلب عليه ضيق ،فيأتيه عن طريقه فقط مخسة أعمال ومهوم يف
وقت واحد ،كما جنده عند أغنيائنا الكبار أيضاً.
تفكريه ومهومه الدوالر أو اجلنيه اخنفض أو ارتفع ،وهل زاد التأمني أم اخنفض؟!
فهو مشغول العقل ليالً وهناراً 6من أجل هذه الدنيا ،ومع ذلك :إن جالسته جتده
مهموماً مغموماً خياف من املستقبل ويفكر يف االهنيار 6واخلسارة أكثر مما يفكر هبا
اإلنسان العادي ،حىت أن نسبة االنتحار 6يف العامل الغريب ،وكذلك مع األسف يف
العامل الشرقي 6والعامل اإلسالمي عالية جداً ،وأيضاً يزداد التفكك يف األسرة،
شيء عجيب جداً يعيشه هذا العامل البعيد عن دين اهلل ،وعن اإلميان به ُسْب َحانَهُ
َوَت َعاىَل .
النكد مرسوم على مالحمهم ،واحلياة الشقية مرسومة على وجوههم ،فيهربون
ويلجئون منها إىل املخدرات ،فال جيدون فيها إال الوبال ،فيهربون منها إىل
الشهوات احملرمة ،فظهرت هلم هذه األوبئة اليت حجزهتم وحرمتهم عن هذه
الشهوات وهذه املتع ،فأين يذهب هؤالء الناس؟! أين يذهبون؟! أما حنن
املسلمني فإننا نعرف قوله تعاىل فَِفُّروا ِإىَل اللَّ ِه [الذاريات ]50:وقوله :ال َم ْل َجَأ
ِم َن اللَّ ِه ِإاَّل ِإلَْي ِه [التوبة ]118:ولكن! هم واهلل ال يدرون؛ ولذلك فهم حيارون
وحيارون! فيعلقون اآلمال على ما عندهم من العلم كما قال تعاىلَ :فلَ َّما َجاءَْت ُه ْم
رسلُهم بِالْبِّينَ ِ
ات فَ ِر ُحوا مِب َا ِعْن َد ُه ْم ِم َن الْعِْل ِم [غافر ]83:فاألوبئة تعاجل بأن العلم ُ ُ ُْ َ
سيكتشف هلا مضادات؛ واالهنيار االقتصادي 6أو اخلوف االقتصادي يعاجل باخلطط
طويلة املدى؛ واخلوف املستقبلي يعاجل بأن احلياة مضمونة ومكفولة وكذا 6وكذا،
كل ذلك ضمن النظرة املادية القاصرة.
مثله كمثل املسجون يف قفص؛ فكل مرة يفكر وحيلم بأن القفص سوف يتسع
فيطري وهو مرتاح ،وما درى أنه لن يتسع أبداً؛ وإمنا ال حل له إال أن خيرج من
ذلك القفص ،ولن خيرج من قفص الدنيا 6ومن ضيق الدنيا إىل سعة الدنيا واآلخرة
إال اإلميان باهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل .
فاهلل تعاىل جعل سنناً لكل شيء ،فيعدل بعضها ببعض ،ويويل هبا بعض الظاملني
بعضاً ،لكن لو أننا أقمنا حجة اهلل عليهم لنصرنا اهلل عليهم ،أو ألهلكهم بعذاب
من عنده كما يشاء ،ولكننا تبعاً هلم ،فنحن نردد ما يقولون ،ونؤمن مبا يقولون،
ونسعى إىل أن نكون مثلهم يف التقدم والرخاء واملدنية واحلضارة ،إذاً كيف
نرجو النصر والفالح ونظرتنا هكذا؟! وحنن الذين قال اهلل تبارك وتعاىل عنهم:
َّاس تَْأمرو َن بِالْمعر ِ
وف َوَتْن َه ْو َن َع ِن الْ ُمْن َك ِر َو ُتْؤ ِمنُو َن ُكْنتم خير َُّأم ٍة ُأخ ِرج ِ
َ ُْ ت للن ِ ُُ ْ َ ْ ُ ْ ََْ
بِاللَّ ِه [آل عمران ]110:لكننا نقول :نريد أن نلتحق بركبهم ويكفينا ذلك كما
يردد البعض ،واهلل تعاىل يقولَ :م ْن يُِه ِن اللَّهُ فَ َما لَهُ ِم ْن ُم ْك ِرٍم [احلج ]18:فنحن
عندما نقول ذلك ،وعندما تكون غايتنا أن نكون يف الذيل؛ فلن جيعلنا اهلل قاد ًة
أبداً.
كيف تكون حياتنا مطمئنة وسعيدة؟ وكيف نقضي -أيضاً -على الكفر والشرك
والشر والضالل يف العامل؟ حنن الذين أخرجنا للناس نأمر باملعروف وننهى عن
املنكر فنحن مسئولون 6عن املظامل اليت تقع ،وحىت عن الفجور 6والشرور 6الذي يقع
من الكفار يف بالدهم.
فهذه تعترب مسئولية على املسلمني؛ ألهنم 6هم الذين ميلكون كلمة اهلل اليت مل
حترف وتبدل ،وماذا نصنع يف ظل العامل الذي 6أصبح كالقرية ،فتظهر الفكرة
اخلبيثة يف الغرب يف املساء وتصبح عندنا ،ويف هذا العصر من غري املستطاع أن
تعيش أمةٌ مبعزل عن العامل ،وهلذا البد أن نواجه هذا الواقع 6هبذا اإلميان القوي
الصحيح ،ولعل يف ذلك حكمة وهي :أننا عندما نواجه هذا الواقع وقد ذقنا
األمرين منه ،فإن ذلك يكون بداية ألن يصل هذا الدين وينتشر يف الدنيا 6كلها،
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم.
وأن { يبلغ ما بلغ الليل والنهار } 6كما ذكر رسول اهلل َ
إذاً فمن أين يبدأ العالج؟ إنه يبدأ من ذواتنا ومن أنفسنا ،وهذه ميزة عظمى يف
هذا الدين املنـزل من عند رب العاملني وهي أن اإلصالح يبدأ من الفرد ،فليس
هناك قبل ذلك شيء ،فكل إنسان جيب أن يصلح نفسه ويتزود من اإلميان باهلل
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ،وبالدعوة إىل اهلل إمياناً حقيقياً بالتمسك بسنة رسول اهلل َ
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ،واألمر باملعروف والنهي 6عن املنكر، على منهج رسول اهلل َ
ويعلم أنه سوف ميوت ويقرب ويبعث يوم القيامة فرداً ،وسوف حياسب على كل
شيء ،فليس هناك حساب مجاعي أو أن العقوبة تكون مجاعية؛ ألن املسئولية يف
ان َألَْز ْمنَاهُ طَاِئَرهُ يِف عُنُ ِق ِه
األصل هي على كل إنسان ،قال تعاىل :و ُك َّل ِإنْس ٍ
َ َ
[اإلسراء ]13:فاهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل قد حدد يف آيات كثرية أن املسئولية فردية.
كيف حنقق النصر؟ وما هي أسبابه
من حكمته عز وجل ورمحته :أن األفراد 6مهما قل عددهم إذا قاموا 6بدين اهلل
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم وأظهروه ودعوا إليه؛ فإن اهلل عز وعلى منهج رسول اهلل َ
نصر ال ميكن ألحد أن حيول بينهم وجل قد ضمن هلم وتكفل هلم بالنصر ،ذلك ٌ
كوبينه ،بشرط أن تكون الغاية هي ما عند اهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل قال تعاىل :تِْل َ
ِ ِ ِ ِِ الد ِ 6
ني يدو َن عُلُّواً يِف ْ
اَأْلر ِ6
ض َوال فَ َساداً َوالْ َعاقبَةُ ل ْل ُمتَّق َ ين ال يُِر ُ
َّار اآْل خَرةُ جَنْ َعلُ َها للَّذ َ
ُ
[القصص.]83:
وإن من األخطاء الكبرية اليت حيملها أصحاب الدعوات اإلسالمية :أن يكون
هدفها وغايتها قيام دولة اإلسالم واخلالفة اإلسالمية اليت تتمكن على العامل؛ حقاً
أن املسلمني جيب أن يكون هلم خالفة ،وجيب أن يكونوا هم املتمكنني يف
األرض وليس يف ذلك شك؛ لكن جيب أال تكون هدفاً وغاية ،وإال فسدت
النية ،وهذه من ضمن املسائل اليت يتحقق هبا وعد اهلل عز وجل ،فإذا فسدت
النية؛ مل يتحقق النصر ،لكن إذا كان اهلدف هو اهلل والدار 6اآلخرة ،وأن ينجي
اإلنسان نفسه من عذاب اهلل سواء مات اآلن أم مات بعد حني ،وسواء حتقق
النصر على يديه أو مل يتحقق؛ فهو يف كل احلاالت منتصر إذا استقام على
التوحيد واإلميان ،فأنبياء اهلل ورسله -مثالً -الذين مل يتبعهم أحد كما قال
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم{ :ورأيت النيب ومعه الرجل والرجالن ،والنيب
رسول اهلل َ
ومعه الرهط -أو الرهيط 6-والنيب وليس معه أحد } هم مل خيسروا 6شيئاً،
انتصروا؛ بل ألهنم 6حققوا ما أمر اهلل به ،ودعوا إليه ،هذا هو واجبهم ،فإذا مل
يستجب هلم أحد فليس ذلك عليهم ،بل هو هلل وحده.
لذلك فإن الذي 6يريد الدار اآلخرة ،والذي 6يريد أن ينصره اهلل يف هذه الدنيا،
فعليه:
أوالً :أن حيقق حقيقة اإلميان ،ويبدأ بإنقاذ نفسه من املعصية والقيام بطاعة اهلل
ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل .
ثانياً :أن حيرر رغباته من حب الدنيا 6والتعلق بشهواهتا ومناصبها إىل الدار
اآلخرة ،وليكن رجاؤه عند اهلل ورغبته فيما عن اهلل تبارك وتعاىل.
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم على ماذا؟ وماذا كفل فاألنصار -مثالً -بايعوا رسول اهلل َ
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم؟ كفل هلم اجلنة كما يف احلديث{ :قالوا :وما هلم الرسول َ
لنا يا رسول اهلل؟ قال :اجلنة ،قالوا :ربح البيع ،ال نقيل وال نستقيل } لكن حنن
عندما عظمت عندنا الدنيا؛ هانت عندنا اجلنة ،فمن اآلن حيدثنا عن اجلنة؟ ومن
منا يتذكر نعيم اجلنة؟ لقد شغلنا بزخرف احلياة الدنيا ،اليت {لو كانت تعدل عند
اهلل جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء } وكما 6جاء يف احلديث {مر
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ومعه مجع من أصحابه جبدي أسك ميت ،فأخذه رسول اهلل َ
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم بأذنه وقال :من يشرتي هذا بدرهم؟ قالوا :يا الرسول َ
صلَّى اهللُ رسول اهلل! لو كان حياً ما اشرتاه أحد؛ ألنه أسك ،فقال رسول اهلل َ
َعلَْي ِه َو َسلَّ َم :فو اهلل للدنيا أهون على اهلل من هذا عليكم } وما قيمة الدنيا إذا
جتردت عن اإلميان باهلل إال كجيفة فلتكن حضارات ،أو صناعات ،أو قصوراً ،أو
ملكاً عظيماً ،لكنها إذا جتردت عن اإلميان باهلل فإهنا جيفة ،لكن إذا ارتبط ذلك
باإلميان باهلل فإهنا تتحول إىل احلياة الطيبة ،فإنه مل يقل :بكثرة املال ،ألهنا للكفار
وهم أشد الناس وأكثرهم عقاباً وعذاباً قال تعاىلَ :فلَ َّما نَ ُسوا َما ذُ ِّك ُروا بِِه َفتَ ْحنَا
اب ُك ِّل َش ْي ٍء [األنعام ]44:وأما للمؤمنني فقال تعاىلَ :ولَ ْو َّ
َأن َْأه َل َعلَْي ِه ْم َْأب َو َ
الس َم ِ6اء [األعراف ]96:فلم يقل الْ ُقرى آمنُوا و َّات َقوا 6لََفتَحنَا علَي ِهم بر َك ٍ
ات ِم َن َّ َ َ َ ْ ْ َ ْ ْ ََ
كل شيء؛ وإمنا قال( :بركات من السماء واألرض) فهي بركة وإن كانت قليلة
وإن قل الراتب ،مثالً أو قلت الوظيفة ففيهما بركة ،فهذه احلقيقة اليت جيب أن
تكون يف حسنا ويف إمياننا وشعورنا.
إن إنقاذ قيادة أمتنا ال تكون إال بذلك ،وإنقاذ هذا العامل الذي يرتدى يف الظالم
والكفر واإلحلاد والظلم والفساد ،وتفتك به األمراض القلبية ،واألمراض
االجتماعية والنفسية ،ال عالج لذلك كله؛ إال باإلميان الصادق باهلل ُسْب َحانَهُ
َوَت َعاىَل وأن يصبح اإلنسان ومهه الدار 6اآلخرة ،وأن ميسي ومهه اآلخرة ،ولو أن
األمة وصلت هلذه احلقيقة لتغريت نظرهتا إىل كل شيء ،ولكن كيف ننظر نظرة
سليمة وحنن نعظم الدنيا ،وننسى اآلخرة ،وحنسب حساب كل شيء باملعيار
وبامليزان االقتصادي واملادي ،حىت العالقات بني األسر أصبحت تقاس باملادة،
فالعرض والشرف هو أغلى شيء كان ميلكه اإلنسان يف جاهليته ،وهو أغلى
شيء يف دينه أيضاً بعد إسالمه ،أما اآلن أصبح كل شيء يقاس باملادة ،أصبح
اإلنسان يرضى أن يدنس عرضه ويعرضه للشرور من أجل دراهم معدودة.
إذاً ،سخرنا كل شيء من أجل املادة ،وشغلنا بعيوب الناس وننتظر إصالح
نفوسهم ،فكأن صالحنا مرهون بصالحهم ،فأصبح كالمنا عن الناس هو حالنا؛
لكن كم منا من يتكلم عن نفسه؟! ومن منا من حياسب نفسه؟! ومن منا من
ينظر إىل ذنوبه وإىل عيوبه؟! وأقل من ذلك ،من منا الذي 6إذا أهدي إليه عيب
من عيوبه فرح ومحد اهلل تعاىل وشكر له وشكر صاحب اهلدية؟! ومن منا الذي6
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم كان يرتكها يفرح، إذا أرشده إنسان إىل سنة من سنن النيب َ
ويستبشر أنه عرف السنة وترك البدعة؟! فكيف مع هذا نرجو أن يغري اهلل ما بنا
من حال! واهلل تعاىل يقولِ :إ َّن اللَّهَ ال يُغَِّي ُر َما بَِق ْوٍم َحىَّت يُغَِّي ُروا َما بَِأْن ُف ِس ِه ْم
[الرعد ]11:ال ميكن أبداً ،فلن جياملنا اهلل عز وجل ألننا ندعي أننا مسلمون أو
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ،ال إمنا هو حق وإميان ودين فما دان اهلل عز أننا أمة حممد َ
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم عندما عصوا أو وقع من وجل وما حاىب أصحاب النيب َ
البعض االحنراف يف مراحل معينة يف ُأحد -مثالً -ويف يوم حنني ويف غريها أبداً!
فاهلل غين عن العاملني ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل فإذا أن ننقذ أنفسنا وأردنا أن نفوز برضا اهلل
عز وجل وبسعادة الدارين فهذا 6هو املنطلق.
فالواجب علينا دعوة الناس إىل العقيدة الصحيحة ،واإلميان الصحيح ،والتمسك
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ،إهنا ليست جمرد آراء ،وال تعصب
بكتاب اهلل وسنة رسوله َ
ألشخاص ،وال انتماء لطائفة من املسلمني قدمياً أو حديثاً؛ لكنها املفتاح والطريق
واملخلَص واملنقذ الوحيد.
ْ
نسأل اهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل أن يوفقنا مجيعاً وأمتنا كلها للعودة إىل كتاب اهلل وسنة
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ،والتمسك هبداه إنه مسيع جميب ،واحلمد هلل ربرسوله َ
العاملني.
أوالً :من جهة الغرب الذي 6نشأت فيه هذه األفكار 6:فإنه ما نشأت فيه إال ألنه
ال يؤمن باهلل وال باليوم اآلخر ،فهذه إحدى الصرعات واملوضات واملوجات
الفكرية الوبائية اليت اجتاحت الغرب واليت يشكو منها املفكرون األوروبيون6
الذين خيافون على بالدهم ،فيتخوفون من احلداثة وأشباهها على جمتمعهم؛ 6ألهنا
ليست لغة وال أدب ،وهذه معلومة جيب أن يعرفها اجلميع ،فـاحلداثة اجتاه كامل
يف احلياة ،أي :نظرة كاملة إىل احلياة ،وهناك كتاب مطبوع بعنوان :ما احلداثة ؟
تأليف رجل فرنسي امسه جنريل ليسيفر وملخص ما ذكر فيه '' :إن احلداثة هي
إشعال الثورة ،أو القيام بالثورة ،أو حتقيق الثورة الغائبة هنا؛ وغري املكتملة هناك
" ما معىن هذا الكالم؟ هذا الكاتب 6يف باريس يكتب ويقول " :احلداثة هي
حتقيق الثورة الغائبة " هنا أي غائبة يف باريس غائبة ملاذا؟
ألن باريس ليست شيوعية -كما تعلمون -فـاحلزب االشرتاكي ميتلك نصف
املقاعد يف فرنسا ،والشيوعيون 6ميتلكون بعض املقاعد ،ويريدون أن يسيطروا
على فرنسا ،فالصورة الغائبة يف فرنسا فهي غائبة فيها لعدم حتققها ،وغري
املكتملة هناك أي (يف موسكو ) ألهنم يعتربون أن موسكو اليت هي رمز الشيوعية
ثورهتا ناقصة غري مكتملة ،ملاذا؟ ألن املرحلة اليت كتب عنها ماركس مل تتحقق
بعد.
وأخلص هذا مما قاله زعيم احلداثة أو مؤسسها يف العامل العريب وهو النصريي أيب
يوسف يقول :إهنا الثورة ضد اجملتمع والدين واألسرة واألخالق ،البد أيضاً من
ثورة يف األدب ضد األدب ،ويف املسرح ضد املسرح؛ وثورة يف اللغة ضد اللغة،
وثورة ضد الدين ،املهم ضد كل شيء.
ألن ماركس أصالً عندما وضع الشيوعية يف القرن املاضي يقول :الشيوعية متر
مبراحل :املرحلة املوجودة اآلن يف العامل هي تطبيق ملرحلة ما قبل النهاية بالنسبة
للشيوعية ،واملرحلة اليت هي ما قبل النهاية هي أن تسيطر الربولتاريا أو الطبقة
الكادحة العاملة وحتكم ،وهذه مرحلة ،وأما مرحلة ما بعد الربولتاريا فهي مرحلة
أال دولة ،وأال سلطة على اإلطالق ،وهذه املرحلة مل تصل إليها روسيا ،وهلذا6
تأت بعد مرحلة ليسيفر يقول'' :الثورة الواقعة 6غري مكتملة يف موسكو ،ألهنا مل ِ
أال دولة وأال سلطة وهي كذلك ،مفقودة يف باريس '' فأي مصيبة يريد هؤالء
الناس أن يوصلونا إليها ،فإذا كانت باريس ال شيء وموسكو ناقصة؛ فمن أين
يأيت هذا الكمال؟ إنه أمر خطري ومع ذلك أقول :ما هي إال موضة من موضات
كثرية ،وما هي إال أسلوب من أساليب كثرية هلدم هذا الدين ،وهلدم هذه األمة
ولتمزيقها ،وحتتاج منا إىل مقاومة وهذه املقاومة موجودة يف الشرق والغرب،
وأما اجملتمعات اإلسالمية إذا كانت جمتمعات إسالمية حقة فلن جتد هذه
املوضات وال ما أشبهها موضع قدم فيها ،وهل يوجد شاب مؤمن مسلم يقيم
صالته ودينه ميكن أن يتأثر هبذه األفكار! ال ميكن أبداً.
فالوقاية منها ليست وقاية من هذه املشكلة اخلبيثة فقط ،بل إن الوقاية من كل
مشكلة ومن كل خطر وغزو يف أن نريب جمتمعنا على اإلميان الصحيح والعقيدة
الصحيحة والكتاب والسنة ،وحينئذ نبحث يف هذه األفكار.
فهل ميكن أن يفكر مؤمن أن يكون يف هذه احلال يوم من األيام عياذاً باهلل ،ال
ميكن فإذاً مع خواء اإلميان تقع أمثال هذه األمور ،ومع ضعف العقيدة ومع عدم
وضوحها لكن مع وجود العقيدة الصحيحة 6ومع عرض كل شيء على كتاب اهلل
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم فإن هذا ال يقع ،العامي ال يقبل هذا الكالم
وسنة رسوله َ
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه
مهما كان األمر؛ ألن النظرة لديه أن كتاب اهلل وسنة رسوله َ
َو َسلَّ َم مها املرجع ،لكن الشباب الذين تأثروا هبا هم الذين يريدوهنا إباحية
احناللية ،كما قال قائلهم :
وهذا الكالم له مدلول خطري ،وقوله (بعسجده) لعله حرفها أو الناسخ وإال فهو
مبسجده ،والعسجد هو الذهب ،واهلامشي الذي 6جعل اجلزيرة للعرب مسجداً6
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم.
ودانت له وللناس معبداً هو بال شك الرسول َ
فهؤالء الذين تدرجوا يف الفسوق والدعوات اهلدامة ،من مساواة املرأة بالرجل مث
إىل السفور 6حىت األقنعة اليت ترتديها النساء هي دخيلة عليها ،ويقولون على من
تفسخ أخالقياً :إنه متحرر ومنطلق ،فليقل ما شاء ،وليفعل ما حيلو له ،فرييدون6
أن تكون حمتمعاهتم 6جمتمعات إباحية مطلقة ،ال يريدون سلطة على اإلطالق ،ال
دين وال أخالق وال رقابة ،ورمز هذه الرقابة هي احلدود والقبيلة واألعراف
القبلية والعيب 6واحلرام ،ورمز هذه الرقابة هم رجال اجلوازات ورجال اجلمارك،
فتدخل األفالم إىل البالد من اخلارج حتت رقابة رجال اجلوازات ورجال
اجلمارك ،وكذلك الكتب 6الشيعية كذلك فمن الذي 6يستقبلها؟ إهنم رجال
اجلوازات ورجال اجلمارك ،فهم يريدوهنا إباحية مطلقة ،وهذا لن يتحقق أبداً
ألن هذه موجة شيطانية ستضمحل بإذن اهلل ،لكن البد أن نقاومها ،فال نقاومها
باالسم فقط ،بل حنارهبا 6ونرد عليها أو نكتب عنها ونقاومها كل املقاومة وبكل
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ،ومن
فكرة؛ كرتبية أنفسنا على كتاب اهلل وسنة رسوله َ
خالل وسائل إعالمنا ،ومن منابر اخلطب واحملاضرات يف املساجد ،ومن خالل
التأليف ،ومن كل مكان ،فكلنا على ثغرة ،ولعل اهلل أن ينصر هذا الدين بنا ،فإذا
كنا كذلك فمهما 6هبت رياح فإهنا لن تؤثر بإذن اهلل على هذه القلعة احلصينة.
وأسأل اهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل أن يبقيها كذلك بإذنه تعاىل.
وكم من الناس اهتدى إىل اإلميان ملا أصيب مبصيبة أو مبرض ،وكم من الناس
أصابته نكبة مالية فكانت سبباً يف ثرائه فيما بعد ،وكم من إنسان طرد من
وظيفته فكان ذلك فتحاً له يف عمل آخر يدر له اخلري ،وكم وكم من الواقع،
فكيف حبال من يؤمن باهلل ومبا أعد اهلل وادخر له يف الدار اآلخرة ،فهذه هي
حقيقة الشقاء ،كما أن تلك حقيقة السعادة ،وأما الكافر فمهما 6بلغ من الثراء
فهو نكد شقي يائس قانط ال يطمئن أبداً ،ألن القلب ال يطمئن أبداً إال باإلميان
ِ ِئ ِِ
وب [الرعد ]28:هذا للحصر، باهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل َ :أال بذ ْك ِر اللَّه تَطْ َم ُّن الْ ُقلُ ُ
ويف غري ذكر اهلل عز وجل ال يتم إال الشقاء.
وهذه حالنا حنن املسلمني ،وهذه املسألة -مع األسف -واقعة يف حياتنا ،فإننا
نسمع احملاضر يقول :شركات التدخني شركات يهودية وشركات نصرانية
حتارب اإلسالم وتفعل وتفعل ،فتجمع ماليني الرياالت من العامل اإلسالمي لكي
حتارب هبا املسلمني ،فيقول :الباكت خبمسة رياالت ،وماذا تعمل لليهود
والنصارى ،فمثالً لو اشرتينا مليون (باكت) يف جدة ومليون (باكت) يف القاهرة
ومليون يف كذا ومليون يف العامل اإلسالمي ،الجتمع لليهود يف ذلك اليوم ماليني
من أجل (باكت) ،وكذلك اجملالت اخلبيثة اليت توزع على املكتبات بسعر اجلملة
(مثانية رياالت) تقول له :ال تشرتيها ألنك تساعد على نشر هذه اجمللة اخلبيثة،
فيقول :ماذا يفيد! عدد واحد أشرتيه من هذه اجمللة! وكذلك 6آخرون ،فإذا
بصاحب املكتبة مل يبق عنده شيء منها .فاشرتيناها وروجناها ،فكل واحد نظرته
نفس النظرة ،أنه ماذا يفرق لاير واحد ،وماذا يفرق عدد واحد ،وماذا يفرق
باكت واحد ...وهذه مشكلتنا.
إذاً اإلصالح أوالً :يبدأ من الفرد ،فإصالح األمم يبدأ من إصالح األشخاص،
وكل منا على ثغرة ،وكل إنسان عليه أن يتقي اهلل يف عمله ،فإذا أخذت الرشوة؛
انتشرت الرشوة بني املوظفني ،وإذا قلت للناس :األمانة ضعفت؛ وأمانيت أنا
ضعيفة والناس كلهم يكذبون وأنا أكذب ،وإذا قلت :إن الناس يف غيبة ومنيمة
ويف حسد وال حول وال قوة إال باهلل ،وأنا واقع يف نفس الشيء ،فهو يريد أن
يصلح غريه ،وهو يسري كما حيب وكما حتب شهواته ،لكن ال فاهلل ُسْب َحانَهُ
َوَت َعاىَل خاطب اإلنسان ،وخاطب نفسه ويبني له عالجها وأنه سيحاسبها
منفردة ،فإذا أنا أصلحت نفسي ونصحت غريي ،وإذا كل واحد أصلح نفسه
ونصح غريه؛ صلحت األمة بإذن اهلل ،ولكن إذا دعوت األمة إىل الصالح مهما
دعوت ،ومل أصلح نفسي ،فإنه لن يستجيب الناس ولن يكون أثرها الصحيح
أبداً.
كما قال اإلمام أمحد رمحه اهلل عندما سئل :أيكون الرجل زاهداً 6وعنده ألف
دينار أو عشرة آالف دينار ،فقال :نعم إذا كانت يف يده وليست 6يف قلبه فهو
زاهد وقد كان الصحابة رضي اهلل عنهم منهم األغنياء كـعثمان والزبري مع أهنما
من أزهد الناس ،فهذا 6هو املقصود ،فإذا مل يتعلق القلب هبا ،ومل حيملك حب
الدنيا على أن تعصي اهلل -وكم من املسلمني من يفعل ذلك -ومل حيملك حب
الدنيا على أن توايل أعداء اهلل -وكم من املسلمني من قد يعادي أهل اخلري وحيب
أهل الكفر وأهل الفجور من أجل دنياه والعياذ باهلل -فإذا كان احلال كذلك فإنه
ال يضري كون اإلنسان ميلك ماالً كثرياً.
ويدل عليه أيضاً أن الناس يوم القيامة متفاوتني حبسب أعماهلم عند اهلل ،فمن
الناس من تكون حسناته كاجلبال ومنهم من يدخلون النار لضعف إمياهنم؛ مث
خيرجهم اهلل من النار حبسب درجاهتم يف اإلميان؛ وآخر من خيرج من النار 6هم
الفئات اليت هي أقل الناس إمياناً ،فيأمر اهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل ويأذن بأن يُشفع هلم،
فيخرج من النار من كان يف قلبه مثقال شعرية؛ مث مثقال ذرة ،مث أدىن أدىن مثقال
ذرة.
فهناك درجات من اإلميان ،فبعض الناس إميانه كأدىن أدىن مثقال ذرة ،وبعض
الناس إميانه كمثقال الذرة ،بعض الناس إميانه كالشعرية ،وبعض الناس إميانه
صلَّى
كاجلبال ،وأعظم اإلميان ما كان كإميان عمر رضي اهلل عنه ملا أول له النيب َ
اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم الرؤيا عندما رآه أنه يلبس ثوباً طويالً واسعاً ،فأوله أنه الدين
واإلميان ،وكما كان إميان أيب بكر رضي اهلل عنه الذي 6لو وزن إميانه بإميان األمة
لرجح هبم.
صلَّى
وهكذا ،فإن اإلميان يزيد وينقص ويتفاوت وحسبكم أن تعلموا أن النيب َ
اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم قال{ :اإلميان بضع وسبعون شعبة ،فأعالها شهادة أن ال إله إال
اهلل ،وأدناها إماطة األذى عن الطريق ،واحلياء شعبة من اإلميان } فهذه الشعب6
من حقق أربعني شعبة منها ليس كمن حقق ثالثني ،وأعظم منه من حقق منها
مخسني وهكذا ،وقد جيتمع عند اإلنسان حتقيق شعب ونقص يف أخرى ،فمن
كمل يف الشعب 6فقد بلغ درجة اإلحسان اليت هي أعلى الدرجات ،ونسأل اهلل
ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل أن جيعلنا وإياكم من املقبولني.
الرد على قول الصوفية (أن حياة القبور تشابه احلياة املعتادة على األرض)
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم وجد
السؤال :يف قصة اإلسراء واملعراج ورد أن رسولنا َ
بعض الرسل عليهم الصالة والسالم يف السماء؛ وهذا استغله بعض الصوفية أو
بعض الفرق املنحرفة يف إثبات أن هناك حياة يف القبور ،وأهنا تشابه احلياة املعتادة
على األرض 6،فكيف ميكن التوفيق والرد؟
اجلواب :هؤالء الذين يعبدون األموات ،ويدعوهنم من دون اهلل ..شبهاهتم كثرية،
وحنن قبل أن نرد على شبهاهتم نسأهلم على أي أساس بنيتم ذلك؟! وهذا كتاب
اهلل بني أيدينا ،ففي أي آية منه أجاز اهلل أن نعبد غريه؟! وأن ندعو غري اهلل نبياً
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم الصحيحة أو ولياً كائناً من كان؟ وهل يف سنة رسول اهلل َ
الثابتة شيء منذلك؟! ال بل اهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل نزه األنبياء وبرأهم مما افرتت
اب َواحْلُ ْك َم َوالنُُّب َّو َة مُثََّت عليهم أمتهم فقال سبحانه :ما َكا َن لِب َش ٍر َأ ْن يْؤ تِيه اللَّه الْ ِ
ك
َ ُ َُ ُ َ َ
ون اللَّ ِه [آل عمران ]79:سبحان اهلل! ْ ُ َ ول لِلن ِ
َّاس ُكونُوا ِعباداً يِل ِمن د ِ َي ُق َ
بلى إذا كان يتخلى أولوا العزم من الرسل عن أمته ويقول كل منهم( :نفسي
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم وحده فقط الذي 6يأذن له ربه نفسي) ،ورسول اهلل َ
بالشفاعة الكربى ،فهؤالء أولوا العزم ال ميلكون للناس شيئاً ،وال ميلكون
ألنفسهم شيئاً يوم القيامة عند اهلل ،فكيف ميلك ذلك البدوي وعبد القادر
اجليالين وغريمها! مع أهنم ليسوا 6أولياء يف احلقيقة ،وليسوا أفضل من األنبياء -
بأي حال من األحوال -مهما كانت واليتهم ،فهذه شبهات فقط يزينها
الشيطان لعباد القبور 6واألموات حىت لو كانوا أحياء عند اهلل ،واهلل تبارك وتعاىل
قد أخربنا عن الشهداء أهنم أحياء عنده فقالَ :وال َت ُقولُوا لِ َم ْن يُ ْقتَ ُل يِف َسبِ ِيل اللَّ ِه
َأحيَاءٌ َولَ ِك ْن ال تَ ْشعُُرو َن [البقرة ]154:فالشهداء أحياء ،واألنبياء ات بَ ْل ْ
َْأم َو ٌ
حياهتم -بال شك -أكمل من حياة الشهداء ،فهل ندعو الشهداء ونستغيث هبم،
أو نستغيث باألنبياء؟! حنن ال ندري ما حال الشهداء عند اهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل ،و
أما األنبياء فإهنم 6كما أخرب عنهم رهبم تبارك وتعاىل قائالً ِإنَّ ُه ْم َكانُوا يُ َسا ِرعُو َن
ِِ ِ
ني [األنبياء ]90:فهم يِف اخْلَْيَرات َويَ ْدعُو َننَا َر َغباً َو َر َهباً َو َكانُوا لَنَا َخاشع َ
أنفسهم 6كانوا يرجون رمحة اهلل وخيشون 6عذابه ،وهم كما قال تعاىل :ال مَيْلِ ُكو َن
ِ
ضّراً [الرعد ]16:فكيف ميلكونه لغريهم من الناس؛ ال ميكن َأِلْن ُفس ِه ْم َن ْفعاً َوال َ
ذلك أبداً !
فهذه احلقائق ملن يريد أن يناقش هذه األفكار 6الضالة من صوفية وغريها ،فيعرض
هذه الشبهات على هذه احلقائق الناصعة اجللية ،نعم :نستطيع أن نرد ردوداً
تفصيلية على كل قضية؛ لكن نعرضها على األصول اجللية الواضحة؛ لتذهب
هذه الشبهات ،وإال فال بد أنه سيأيت بشبهات كما أتى هبا املشركون من قبل،
قال تعاىلَ :ما َن ْعبُ ُد ُه ْم ِإاَّل لُِي َقِّربُونَا ِإىَل اللَّ ِه ُزلْ َفى [الزمر ]3:وقد 6كان املشركون
يقولون يف تطوافهم 6حول البيت 6احلرام( :لبيك ال شريك لك ،إال شريكاً هو
لك ،متلكه وما ملك) فهذه هي تلبية املشركني (متلكه وما ملك) وإذا سئلوا:
كيف تدعون الالت والعزى ،ووداً وسواعاً ويغوث من دون اهلل؟ قالوا :حنن ما
ندعوهم ألهنم ميلكون شيئاً من دون اهلل؟ لكن هم يقربونا إىل اهلل ،فهم شفعاؤنا
عند اهلل ،وهذا صريح يف القرآن ،وإذا سألت أحداً ممن يدعو نبياً أو ولياً ،فإنه
يقول :أنا ال أعبد غري اهلل وال أدعو الويل بأنه إله ،وأنا أدري أن اهلل هو الذي6
ميلك كل شيء إال أنين أدعو الويل؛ ألنه هو الواسطة بيين وبني اهلل ،فنقول :هذه
هي تلبية أهل اجلاهلية (متلكه وما ملك) فأهل اجلاهلية ما قالوا :إن آهلتهم متلك
كل شيء! فهذا هو الشرك ،ولكن شياطني اإلنس واجلن لبسوا 6عليهم دينهم
ليصدوهم عن التوحيد ،نسأل اهلل أن يكف عنا شرهم.
وأما القول املخالف ،وهو ما نقل عن ابن عباس رضي اهلل تعاىل عنه أنه رآه ،فقد
ورد مقيداً عن ابن عباس -رضي اهلل عنه -أنه قال[[ :رآه بفؤاده مرتني ]] وابن
عباس رضي اهلل تعاىل عنه ما دام أنه قد ورد عنه ذلك التقييد ،فإذاً نقيد ما أطلق
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم رأى ربه ،فقوله وقول من قال بقوله
من أنه يقول :إن النيب َ
إما أن يكون اجتهاداً وهو خطأ غري صواب ،أي أن له أجر االجتهاد وليس أجر
الصواب ،أو أن نقول :إنه رضي اهلل عنه قيد ذلك وهو األوىل واألرجح بالفؤاد،
فال يكون هناك خالف وال منافاة بني أقول الصحابة رضوان اهلل تعاىل عليهم يف
ذلك.
وموسى عليه السالم هو كليم اهلل ،ومن أويل العزم ،ونعلم منـزلته وفضله ،وقد
سأل اهلل عز وجل الرؤيه ،فقال سأريك نفسي يف املنام ،أما اليقظة فمعلوم أنه
حمال ذلك ولن يتحقق.
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم رأى ربه بفؤاده مرتني ،وموسى عليه السالم
فإذا كان النيب َ
مل يره ال يف اليقظة وال يف املنام ،فمن من األقطاب يدعي أنه يراه يف الدنيا؟!
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم؟!
وأي إنسان هو أفضل من موسى أو أفضل من حممدَ 6
وهلذا من قال :إنه يرى اهلل يف الدنيا ،ومن زعم ذلك فقد كذب ،وهو إىل الكفر
أقرب منه إىل اإلسالم ،وإذا أصر على ذلك بعد قيام احلجة،فإنه يعزر ولو بالقتل
الم ابن تيمية وغريه ،وكما ثبت يف احلديث { إن كما نص على ذلك َشْيخ اِإل ْس ِ
الشيطان يضع عرشه على املاء } ويلبس على هؤالء ،بأن يريهم نفسه ويريهم
عرشه ،ويقول :أنا اهلل وهذا العرش حىت أن الصوفية عندهم أحد األولياء 6مسوه
فالن العرشي ،ألنه دائماً حتت العرش ،وخياطب اهلل من حتت العرش ،وهذا هو
عرش إبليس.
وأما مكرها يف العامل اٍإل سالمي فإنه ال ينتهي يف كل مكان ويف كل زمان،
معىن
فالقرآن عندهم ال يبقى له معىن على اإلطالق؛ ألهنم يقولون :إن لآلية ً
ظاهراً ،وهذا الظاهر له باطن ،والباطن له باطن إىل سبعمائة باطن فمن أين نفهم
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم رداً مطلقاً ،فمن أين
القرآن؟! كذلك يردون سنة النيب َ
يكون األخذ؟ يقولون :عن اإلمام فقط وهذا اإلمام هو الذي يفسر كما يشاء،
ويتحكم يف األنفس واألموال والشهوات ،وإىل اآلن هلم أئمتهم من البهرة
واألغاخانية واإلمساعيلية وأمثاهلم من طوائف الضالل اليت نسأل اهلل تبارك وتعاىل
أن يقي املسلمني من شرهم ،فال نستطيع أن نأيت على كل خطط الباطنية
وأهدافها 6،ولكن خطرها بال شك عظيم ،وجيب أن حنذر 6منها؛ وميكن أن تدخل
من باب التشيع ،وما دخلت وما جاءت إال من هذا الباب ،أو من باب
التصوف ،فغالة الصوفية باطنية ،والصويف ينتهي به احلال إىل أن يكون يف
النهاية باطنياً ،والرافضي -أيضاً -ينتهي به احلال إىل أن يكون باطنياً وهكذا
فكل هادم للدين فإنه يبدأ بداية منحرفة قد تكون أقل لكنها تنتهي به إىل األكثر،
عياذاً باهلل.
خطر الباطنية على الصحوة اإلسالمية وتعدد االنتماءات
السؤال :احلديث عن الصحوة -كما يقولون -ذو شجون والصحوة أمرها يهم
اجلميع ،وأسال اهلل عز وجل أن يكتب هلا التوفيق ،وأن جينبها كيد األعداء
ومكرهم ،وميكن أن يكون للسؤال األول شق آخر ،وهو أنه إذا عرفنا خطر
الباطنية على الصحوة ،وشباهبا ،فأيضاً هناك جانب آخر للموضوع وهو التفرقة
اليت حتصل بني شباب الصحوة ،فنجد انتماءات خمتلفة جلماعات خمتلفة ،هناك
من ينتمي جلماعة تسمي نفسها مجاعة التبليغ ،وهناك من ينتمي جلماعة تسمي
نفسها اإلخوان ،وهناك من ينتمي جلماعة تسمي نفسها اجلماعة السلفية ،وإىل
غري ذلك من املسميات واالختالفات والتفرقة اليت حلت بشباب الصحوة
اإلسالمية ،فهل هذه حالة صحية للصحوة اإلسالمية؟ أم أن املوضوع حيتاج إىل
نظر وحيتاج إىل وقفة صادقة إذا كان القصد هو وجه اهلل عز وجل؟
اجلواب :األمة اإلسالمية قد عانت من الفرقة وتعاين منها إىل اليوم ،واجلماعات
اإلسالمية هي بال شك أفضل ما يف هذه األمة ،على ما يف هذه األمة من أفضل
ما فيها هي هذه اجلماعات اليت تريد أن تعيد الناس إىل الكتاب والسنة ،سواء من
كان منها على خطأ أومن كان منها على صواب؛ على األقل فهي ترفع دعوى
اإلسالم وشعاره يف أوقات ويف بيئات ويف جمتمعات تنفر نفوراً 6كامالً من رفع6
هذا االسم ،وال نقيس اجملتمعات مثل هذا اجملتمع 6الذي نعيش فيه ،ألنه يوجد
جمتمعات ال تريد ذكر اهلل وال تريد اسم اهلل على اإلطالق ،والصحوة اإلسالمية
يف مجلتها ،الشك أن من أسباب وجودها وجود هذه اجلماعات اليت قامت
ونشرت الدعوة ،وكل منها على رأيه واجتاهه ،ما كان فيه من خطأ أو احنراف،
وما كان فيه أيضاً من صواب ولو يف اجلملة ،فهذه الصحوة هي نتاج عوامل
عديدة ،منها :وجود هذه احلركات وهذه اجلماعات ،إذاً فما موقف املسلم
منها؟ املوقف من هذه اجلماعات ..ومن الفرق واألفراد واألمم ..هو نفس
شيء مبيزان كتاب اهلل املوقف الذي 6جيب أن يكون لدينا دائماً ،بأن نزن كل ٍ
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ،وهو ميزان العدل ،فمن الوصايا 6العشر اليت وسنة رسوله َ
اع ِدلُوا[ 6األنعام:
أوصى اهلل هبا مجيع األمم 6وأوصانا هبا قوله تعاىلَ :وِإ َذا ُق ْلتُ ْم فَ ْ
]152فننظر إليها مبيزان العدل ،وأيضاً ننظر مبنظار االستفادة من التجربة أي
من جهة العلم نفسه ،فنحن الذين نسعى إىل األكمل واألفضل ونريد أن تتوحد
األمة ،وال نريد أن تتفرق األمة هذا التفرق وهذا التمزق ،بل جيب أن نكون
مجاعةً واحدة على الكتاب والسنة.
ووجود هذه اجلماعات ما هو إال نتيجة التفسخ الكبري الذي 6حدث يف األمة
بأكملها ،وبُعدها عن منهج اهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل ؛ فكان من الضروري 6أن يتجمع
الناس يف جتمعات صغريه ،وال ضري يف ذلك لو أهنا كانت متمسكةً على الكتاب
والسنة ،ولو أن كل مجاعة قامت كانت متمسكة بالكتاب والسنة ،لوجدنا أننا
يف النهاية نكون مجاعة واحدة فعالً ،وال خالف على اإلطالق ،لكن املشكلة
تأيت من التقليد والتبعية والتعصب 6والتحزب ،وهذا ما وقع مع األسف ،بأن
اإلنسان يقيس الناس جبماعته ،فمن كان منها فهو على احلق وما كان ضدها فهو
على الباطل ،وهذا هو اخلطأ الذي ختوفه السائل -جزاه اهلل خرياً -على الصحوة
وله احلق يف ذلك؛ فنحن يف هذه احلالة قضينا على الغاية من أجل الوسيلة،
واسأل أي إنسان ينتمي إىل هذه اجلماعات -أي ٍ
مجاعة كانت -ملاذا وجدت
اجلماعة؟ لقال :من أجل حتقيق اإلسالم ،ولو قيل له :ومباذا تسري هذه اجلماعة؟
لقال :على الكتاب والسنة ،إذاً خذه على ظاهره ونسلم لك هبذا 6الظاهر على ما
عليه من مالحظات ،مث ننظر ما أنت عليه يف الواقع ،فأنت أصبحت توايل
وتعادي بناءً على هذه اجلماعات ،وقلت :إننا ال حنب أن نذكر األمساء ،ال ألننا
خناف أن نذكر امساً معيناً ،لكن ألننا نريد أن ننظر إىل األمور 6واألخطاء
واالحنرافات 6بنظرة جمردة؛ لنعرف حجمها؛ وإال قد نقع حنن يف احليف ،فأنا مثالً
لسبب ما ،فأجور وأحيف يف كل من يذكرها لدي. قد أكره مجاعة معينة ٍ
اآلن أذكر لكم مثال من بعض اجلماعات اليت تطبع وتوزع فتوى لسماحة الشيخ
عبد العزيز بن عبد اهلل بن باز وهل هناك من ال حيب علم الشيخ عبد العزيز ؟!
وهل هناك شخص غري حريص على نشر فتاوى الشيخ عبد العزيز ؟! ال ،إذاً
فكم فتاوى للشيخ؟ كثرية جداً ويف أمور هامة ،فتاوى يف التوحيد ،وفتاوى يف
أنواع البدع ،ويف الشرك ،وفتاوى 6عن الربا ،والقمار ،والفيديو ،وفتاوى يف أمور
مهمة تنهش جمتمعنا وتفتك به ،إذاً أنتم يا دعاة! هل صورمت فتاوى الشيخ هذه
ووزعتموها على الناس؟ ال ،بل صوروا 6هم فتوى أو كالم يقول فيه :إن اجلماعة
الفالنية على احلق ،إذاً حنن ندعو إىل من؟! وهذه هي املشكلة ،وهذه نصيحة ال
نقوهلا إال نصحاً ،إذاً :حنن اآلن ال ندعو إىل اهلل ،بل ندعو إىل اجلماعة ،بدليل أننا
خنتار من كالم العلماء ما يؤيد اجلماعة ،وخنتار ممن يعادي اجلماعة ولو على
سبيل املالحظة فنعتربه به عدواً للجماعة ،فالوالء 6يف اجلماعة ،والعداء 6يف
اجلماعة ،والدعوة إىل اجلماعة إذا فقد أضعنا الغاية من أجل الوسيلة!! ال يا أخي
انشروا العلم النافع 6ووزعوا الفتاوى 6النافعة ،وليس ما يتعلق بك أنت أو جبماعتك
فقط ،وهذا خريٌ لك وأفضل لك عند اهلل؛ أن تنظر إىل من ينصحك؛ وإن نقدك
أيضاً فانظر له ،ملاذا؟!
ألنك أنت الذي عليك أمل األمة ،وكما أشرت أن أفضل ما يف األمة هم
مجاعاهتا هذه؛ فاإلصرار على األخطاء قد تردنا إىل احنطاط وضياع وضالل
أعظم مما حنن فيه يف هذا الواقع ،فأنتم أحرص أن تستكملوا أي جانب من
جوانب اخللل ،وهلذا 6نقول لكل الشباب ،وحنن بإذن اهلل عز وجل مجاعة أهل
السنة واجلماعة اليت هلا وهبا جتتمع األمة وعليها تأتلف :جيب أن نكون منصفني،
وأن نكون حريصني على من ينتقدنا وخيطئنا ،وجيب أال نظهر أنفسنا ،وإذا أثين
ومدحنا ال ننشره أبداً ،فماذا نظهر إذاً؟
علينا ُ
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم منذ أن نزلت عليه يَا َأيُّ َها
ومن جهة أخرى رسول اهلل َ
الْ ُمدَّثِّ ُر * قُ ْم فََأنْ ِذ ْر [املدثر ]2-1:إىل أن لقي اهلل وهو يعيش يف حالة دعوة:
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه فجاهده دعوة ،وتعليمه دعوة ،ونصحه دعوة ،وكل حياة النيب َ
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ما يغين ويكفي للدعوة َو َسلَّ َم دعوة فهل مل جند يف سريته َ
حىت تضع خطة ونرمسها ونلزم الناس هبا؟ بل وأدهى من ذلك أن من مل يلتزم هبا
فإنه متهم يف دينه ،وأنه يفرق األمة ،وإذا أثىن علينا فهو احلبيب املقرب املربأ من
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم كلها دعوة ،وحياة
كل العيوب ..سبحان اهلل!! حياة النيب َ
السلف الصاحل كلها دعوة.
بعض هذه اجلماعات يقولون :مل ينتقد علينا إال أن عندنا جهل ،وفينا بعض
عار يف الدنيا 6أعظم من هذين ،فماذا بعد اجلهل
البدع! -مقللني شأهنما 6-وهل ٌ
والبدعة من عيب؟! إذاً :راجع نفسك يا أخي ،فماذا تريد أن يقال إذاً؟ كافر!
فإذا كان البعيد فيه جهل وبدع ،فماذا تريد أكثر من ذلك؟ وماذا تريد أن يقال
عنك حىت ال يكون عيباً؟ فهذا قدر 6مشرتك ،فكل مجاعة أو ٍ
فرقة خارجة عن
منهج أهل السنة واجلماعة البد وأن يكون هلا نصيبها من البدعة واهلوى
والتعصب.
أقول هذا لكي أؤكد على أن املعيار جيب أن يكون هو الكتاب والسنة ,وإال
فأي مجاعة من هذه اجلماعات لو أخذهتا يف ذاهتا معياراً ،لقالت 6لك :إن كالمك
هذا ال ينطبق علي ،بل ينطبق على أناس مثالً تسموهنم 6بامسي ،فتضيع يف دوامة،
لكن أرح نفسك من هذه الدوامة ،وانقض الباطل من حيث هو باطل؛ وبني
احلق من حيث هو حق ..بيان الناصح املشفق ..وبيان احلريص على أن جتتمع
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم.
كلمة املسلمني على كتاب اهلل وسنة رسوله َ
ونسأل اهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل أن يردنا أفراداً ومجاعات إىل احلق ،وأن يطهر أنفسنا
من حظ أنفسنا ،فإن هذا من أعظم األسباب اليت حتول دون النصر واجتماع
الكلمة ،ومادام حظ النفس واهلوى 6موجود؛ فهو يعمي مجيع البصائر -نسأل اهلل
العفو والعافية -وجتور األحكام ،وتضل االجتاهات ،ويتحمل اإلنسان مسئولية
نفسه ومن وراءه من شباب أضلهم عن اهلدى،نتيجة هلذا عافانا اهلل وإياكم.
وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا حممد وعلى آله وصحبه وسلم.