You are on page 1of 45

‫أثر اإليمان في بناء األمم‬

‫فضيلة الشيخ د‪ .‬سفر بن عبدالرحمن الحوالي ‪.‬‬

‫مقدمة املقدم‪:‬‬
‫احلمد هلل حنمده ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪،‬‬
‫من يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‬
‫وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن حممداً‪ 6‬عبده ورسوله‪ ،‬اللهم صل وسلم وبارك‬
‫على عبدك ورسولك حممد وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أما ب ـ ــعد‪:‬‬

‫فإن اهلل عز وجل خلقنا ألمر نفعله وسنسأل عنه يوم القيامة‪ ،‬وهو أول ما نسأل‬
‫عنه‪ ،‬وهذا األمر هو ما افرتضه اهلل عز وجل علينا‪ ،‬وما أخذ عليه العهد منا وحنن‬
‫يف صلب أبينا آدم؛ ألن اهلل أوجدنا يف هذه األرض‪ 6‬لنحقق ما افرتضه‪ 6‬علينا‬
‫والقيام بواجبه‪ ،‬وقد أقسم اهلل يف غري ما آية من كتابه أن من أخل به فإنه خاسر‪،‬‬
‫ين َآمنُوا َو َع ِملُوا‬ ‫ِإ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ ِأْل‬
‫ص ِر * َّن ا نْ َسا َن لَفي ُخ ْس ٍر اَّل الذ َ‬ ‫قال اهلل تعاىل‪َ :‬والْ َع ْ‬
‫اص ْوا‪ 6‬بِ َّ‬ ‫َّ حِل ِ‬
‫الصرْبِ [العصر‪ ]3-1:‬وقال اهلل عز وجل‪:‬‬ ‫اص ْوا بِاحْلَ ِّق َوَت َو َ‬
‫الصا َات َوَت َو َ‬
‫ني * لََق ْد َخلَ ْقنَا اِأْل نْسا َن يِف‬ ‫ون * وطُو ِر ِسينِني * وه َذا الْبلَ ِد ِ‬
‫اَأْلم ِ‬ ‫الزيتُ ِ‬ ‫والتِّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ني َو َّ ْ‬ ‫َ‬
‫الصاحِل ِ‬
‫ات َفلَ ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫َأحس ِن َت ْق ِو ٍمي * مُثَّ رددنَاه َأس َفل سافِلِني * ِإاَّل الَّ ِ‬
‫ين َآمنُوا َو َعملُوا َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ َْ ُ ْ َ َ َ‬ ‫َْ‬
‫ون [التني‪.]6-1:‬‬ ‫َأجر َغير مَمْنُ ٍ‬
‫ٌْ ُْ‬

‫وإن اإلميان أعظم واجب كلف به اإلنسان يف هذه احلياة‪ ،‬فهو حق اهلل عز وجل‬
‫على عباده‪ ،‬من حققه كان له الفوز‪ 6‬والفالح والنجاح وكان له التمكني يف‬
‫األرض‪ ،‬ومن أخل به كان له اخلسران املبني‪ ،‬وال فرق يف ذلك بني األمم‪ 6‬أو بني‬
‫األشخاص‪ ،‬فالكل سيَّان يف ذلك‪ ،‬سواء نظرنا يف هذا املوضوع إىل البشرية‬
‫كأمم‪ ،‬أم نظرنا إليها كأفراد‪ ،‬فالكل مطالبون بتحقيق اإلميان‪ ،‬فإن حققته األمة‬
‫كتب اهلل هلا التمكني يف األرض‪ 6،‬وكتب هلا النصر والعزة‪ ،‬وإن أخلت به كتب‬
‫اهلل عليها الذلة‪ 6‬والصغار‪ ،‬مث حمقها وسحقها‪ ،‬ولنا فيما قص اهلل عز وجل علينا يف‬
‫إهالك لألمم املاضية أكرب واعظ‪ ،‬وأكرب دليل على أن من أخل باإلميان‬ ‫كتابه من ٍ‬
‫اب اآْل ِخَر ِة َ‬
‫َأش ُّد َو َْأب َقى‬ ‫فإنه يبوء باخلسران يف الدنيا قبل اآلخرة قال تعاىل‪َ :‬ولَ َع َذ ُ‬
‫[طـه‪.]127:‬‬
‫وكذلك إذا كان اإلخالل يف اإلميان على مستوى األفراد‪ ،‬فإن من أخل باإلميان‬
‫فإن له اخلسران املبني يف الدنيا‪ 6‬واآلخرة‪ ،‬وهذا ما سنتناوله الحقاً يف نتيجة‬
‫اإلخالل باإلميان‪ ،‬ونتيجة إقامة اإلميان ‪-‬أي ما الذي‪ 6‬يرتتب على إقامة اإلميان؟‪-‬‬
‫سواء على مستوى األفراد أو على مستوى األمم‪ ،‬وما الذي‪ 6‬حيصل لألفراد‬
‫ولألمم إذا أخلوا باإلميان؟‬

‫يقول الشيخ سفر ‪:‬‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬الرمحن الرحيم‪ ،‬مالك يوم الدين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك‬
‫على نبيه حممد املبعوث رمحة للعاملني‪ ،‬الذي علَّمنا اإلميان والتوحيد‪ ،‬وحذرنا من‬
‫الشرك والضالل والبدع‪ ،‬ورىب خري أمة أخرجت للناس فقامت أعظم أمة يف‬
‫تاريخ اإلنسانية‪ ،‬أعظمها إمياناً وعدالً‪ ،‬وأخالقاً‪ ،‬وأطيبها حيا ًة يف هذه احلياة‬
‫الدنيا‪ ،‬وأسعدها عند اهلل تبارك وتعاىل يف الدار اآلخرة‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫فإن احلديث سيكون عن أثر اإلميان يف بناء األمم‪ 6‬واألفراد ‪-‬والكالم القادم‪-‬‬
‫سيكون عن أسباب اهنيار‪ 6‬األمم‪ ،‬وملاذا تنهار أمم وشعوب؟ وملاذا تبقى غريها؟‬
‫فاألمر حيتاج إىل وقت طويل؛ ولكن خطورة األمر وأمهيته هي اليت جتعلنا نتحدث‬
‫عنه مبا يفتح اهلل تبارك وتعاىل به علينا‪.‬‬

‫وإن مما يدلل على أمهية هذا األمر أن دعاة احلق واإلميان والسنة‪ ،‬حينما يدعون‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬وإىل االقتداء‬
‫الناس وأنفسهم إىل كتاب اهلل وسنة رسوله َ‬
‫مبنهج السلف الصاحل يف كل أمورهم العلمية والعملية‪ ،‬فإهنم إمنا يدعون األمة إىل‬
‫الدواء‪ 6‬الذي يشفي بإذن اهلل تبارك وتعاىل من كل داء‪ ،‬ويكفي عن كل عالج؛‬
‫إنه الدواء‪ 6‬الذي يستأصل مجيع األمراض‪ 6‬من قلوب العباد ‪-‬وأمراض األمم عامة‪-‬‬
‫ومينع أسباب االهنيار اليت يتعرض هلا الفرد أو تتعرض هلا األمة‪.‬‬

‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه‬


‫وإننا حني ندعو الناس فنقول‪ :‬عودوا إىل كتاب ربكم وسنة نبيكم َ‬
‫َو َسلَّ َم‪ ،‬فإن األمر ال يعين تعصباً ملذهب معني‪ ،‬وال يعين قسراً وفرضاً للناس على‬
‫رأي من اآلراء‪ 6‬البشرية أبداً‪ ،‬ولكنه دعوة إىل سعادة الدنيا واآلخرة‪ ،‬ودعوة إىل‬
‫املنهج القومي الذي‪ 6‬يضمن ويكفل لإلنسانية أفراداً وشعوباً أفضل احلياة يف الدنيا‪،‬‬
‫وحيقق هلا النجاة من العذاب يف اآلخرة‪.‬‬
‫واقع إمياننا وارتباطه باملادة‬
‫إن العامل اليوم خياف من االهنيار وخيشى منه‪ ،‬وما من دولة أو فرد إال وهو خيشى‬
‫ذلك وحيسب له كل حساب‪ ،‬حىت أقوى وأغىن دول العامل فإهنا تتحدث كثرياً‪6‬‬
‫عن مسألة الوجود‪ ،‬وإثبات الوجود‪ ،‬وتضع اخلطط البعيدة املدى لتبقى ولتصارع‬
‫ولتزاحم يف خضم معرتك احلياة‪ ،‬اليت جعلوها ‪-‬هم‪ -‬صراعاً كصراع الوحوش يف‬
‫الغابات‪،‬ولكن كل من يؤمن باهلل واليوم اآلخر يدرك أن هذا العامل ‪-‬إال ما ندر‪-‬‬
‫ال ينظر إىل مسألة االهنيار‪ ،‬وأسباب سقوط األمم‪ 6‬إال من زاوية واحدة فقط وهي‬
‫الزاوية املادية أو االقتصادية‪.‬‬

‫حىت هذه األمة املباركة؛ بل حىت الذين يقرءون كتاب اهلل ويسمعونه آناء الليل‬
‫والنهار‪ ،‬ويسمعون‪ 6‬األذان مخس مرات يف اليوم‪ 6‬والليلة ‪-‬وأكثرهم من هذه‬
‫األمة‪ -‬أصبحوا يصدقون هذا‪ ،‬فيبنون خططهم وأفكارهم وآراءهم على أن احلياة‬
‫مرتبطة باالقتصاد وباملادة‪ ،‬وأن اخلوف الذي‪ 6‬جيب أن يكون لدى األفراد أو‬
‫األمم هو اخلوف من الفقر واخلوف من اجلانب املادي أن ينهار فينهار الفرد أو‬
‫تنهار األمة‪ ،‬ويشغل ذلك حيزاً كبرياً من تفكري الناس‪ ،‬املسلم منهم والكافر‪.‬‬

‫وحنن أمة اإلسالم والقرآن جيب علينا أن نعرض كل أمر من األمور‪ 6‬على كتاب‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬لنعرف قيمة هذا اإلميان وحقيقته‪ ،‬وأنه هو‬
‫ربنا‪ ،‬وسنة نبينا َ‬
‫الذي به تصلح دنيانا وأخرانا‪ ،‬وأما املقاييس واملعايري اليت يقيس هبا الكفار‪6‬‬
‫واملاديون والشيوعيون واملالحدة؛ فليست حبجة وال بعربة عند من يؤمن باهلل‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪.‬‬
‫واليوم اآلخر‪ ،‬ومن يؤمن بكتاب اهلل وسنة رسوله َ‬

‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم خيربنا فيقول‪{ :‬ما الفقر أخشى‬ ‫فهذا نيب اهلدى والرمحة َ‬
‫عليكم‪ ،‬ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا‪ 6‬كما بسطت على من كان قبلكم‪،‬‬
‫فتتنافسوها كما تنافسوها‪ ،‬فتهلككم كما أهلكتهم } فأي رحيم وأي ٍ‬
‫مشفق‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم؟! ال أحد واهلل‬
‫ناصح أفضل وأعظم من رسول اهلل َ‬ ‫وأي ٍ‬
‫يساويه فضالً؛ ومع ذلك ينصح هلذه األمة‪ ،‬وهو الذي‪ 6‬شفقته ورمحته ورأفته بنا‬
‫يم [التوبة‪ ]128:‬وهو الذي يف‬ ‫ح‬ ‫وف ر ِ‬
‫ٌ‬ ‫ُؤ‬‫ر‬ ‫ني‬‫كما قال اهلل عز وجل بِالْمْؤ ِمنِ‬
‫َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يوم القيامة يوم الكرب األعظم الذي ال كرب أعظم منه‪ ،‬حني يقول‪ :‬كل نيب‪:‬‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪{ :‬أميت‪ ..‬أميت }‪.‬‬ ‫نفسي‪ ..‬نفسي‪ ،‬يقول َ‬

‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم هو من كمال الشفقة‪ ،‬والرمحة‪ ،‬والرأفة؛ ومع ذلك‬ ‫ففعله َ‬
‫خيربنا أنه ال خيشى علينا‪ ،‬وهو الذي خيشى علينا من أي ضرر وإن كان قليالً‪،‬‬
‫ويدلنا على ما ندفع‪ 6‬به كل شر وإن كان بعيداً‪ ،‬فقوله‪ {:‬ما الفقر أخشى عليكم‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم استعاذ باهلل‬
‫} أي‪ :‬أنه ال خيشى علينا الفقر مع أنه تعوذ منه َ‬
‫منه‪ ،‬وهو مما حياربه هذا الدين‪ ،‬بل إن األمر يف ديننا خمتلف ومذهب وعن كل‬
‫دين حمرف‪.‬‬
‫التكافل االجتماعي يف اإلسالم مرتبط باإلميان‬
‫ت‬
‫إن أمر إطعام املسكني عند املسلمني مرتبط باإلميان باآلخرة‪ ،‬قال تعاىل‪ََ :‬أرَأيْ َ‬
‫ض َعلَى طَ َع ِام الْ ِم ْس ِك ِ‪6‬‬
‫ني‬ ‫يم * َوال حَيُ ُّ‬ ‫ع الْيَتِ َ‪6‬‬ ‫ك الَّ ِذي يَ ُد ُّ‬ ‫ِ‬
‫ب بِالدِّي ِن * فَ َذل َ‬
‫ِ‬
‫الَّذي يُ َك ِّذ ُ‬
‫[املاعون‪ ]3-1:‬فاألمر عندنا أمسى من أن يكون يف اجلهات األخالقية‪ ،‬وأمسى‬
‫من أن يكون أوامر قسرية تنهب األغنياء لتعطي الفقراء‪ ،‬إمنا األمر عندنا مرتبط‬
‫ك ِم َن‬ ‫باآلخرة‪ ،‬ومرتبط بأصل اإلميان قال تعاىل‪َ :‬ما َسلَ َك ُك ْم يِف َس َقَر * قَالُوا مَلْ نَ ُ‬
‫ني [املدثر‪ ]44-42:‬وانظروا كيف حيض هذا‬ ‫ك نُطْعِ ُم الْ ِم ْس ِك َ‪6‬‬ ‫ني * َومَلْ نَ ُ‬ ‫صلِّ َ‬‫الْ ُم َ‬
‫الدين على املسكني ويربطه بالرمحة؛ فيكون إطعام املسكني مما حيض عليه من‬
‫ك َر َقبَ ٍة * َْأو ِإطْ َع ٌام يِف َي ْوٍم ِذي‬
‫الرمحة فَال ا ْقتَ َح َم الْ َع َقبَةَ * َو َما َْأد َر َاك َما الْ َع َقبَةُ * فَ ُّ‬
‫ٍ‬
‫َم ْسغَبَة [البلد‪ ]14-11:‬انظروا كيف تكون الرمحة مرتبطة باإلميان باهلل ُسْب َحانَهُ‬
‫َوَت َعاىَل ! فإذا صحت العقيدة فإهنا ترتبط ارتباطاً مباشراً ال انفكاك معه؛ ومع‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم من الفقر‪.‬‬ ‫ذلك كله ال خياف علينا َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم أن تلغي النظرة إىل أن‬ ‫جيب على أمة القرآن وأمة حممد َ‬
‫أسباب االهنيار‪ 6‬هو ضعف أو قلة املوارد االقتصادية أو اجلوانب املادية متاماً؛‬
‫وبالتايل‪ :‬علينا البحث عن أسباب زوال الوجود وأسباب االهنيار‪ 6‬من خالل هدي‬
‫رسولنا وسنة ربنا ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل ‪.‬‬
‫عدم اإلميان سبب زوال األمم السابقة‬
‫لقد بنّي اهلل لنا يف كتابه الكرمي أوضح البيان حال األمم قبلنا‪ ،‬والعجب‪ 6‬أنه ما من‬
‫أمة أهلكها اهلل تبارك تعاىل إال وهي يف حال القوة! ويشهد بذلك كتاب ربنا‬
‫وكذلك التاريخ وواقع‪ 6‬األمم‪.‬‬
‫َأش ُّد ِمنَّا ُق َّو ًة‬
‫قوم نوح دمروا يف وقت قوهتم‪ 6‬ومتكنهم‪ ،‬وقوم عاد الذين قالوا‪َ :‬م ْن َ‬
‫[فصلت‪ ]15:‬فلم يروا أن أحداً أشد منهم قوة‪ ،‬وقد قال اهلل تبارك وتعاىل فيهم‪:‬‬
‫ات الْعِم ِاد * الَّيِت مَل خُيْلَق ِم ْثلُها يِف الْبِ ِ‬ ‫ك بِع ٍاد * ِإرم َذ ِ‬
‫الد‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َأمَلْ َتَر َكْي َ‬
‫ف َف َع َل َربُّ َ َ‬
‫الص ْخَر بِالْ َو ِاد [الفجر‪ ]9:‬الذين حنتوا‬ ‫ين َجابُوا َّ‬ ‫[الفجر‪ ]8-6:‬ومثود‪ :‬ومَثُود الَّ ِ‬
‫ذ‬
‫َ َ َ‬
‫اجلبال‪ ،‬وبنوا وشادوا املصانع‪ ،‬فهل أتاهم عذاب اهلل وهم يف حالة ضعف؟! أو‬
‫يف حالة اهنيار اقتصادي؟! أبداً فقد أتاهم وهم يف أقوى ما ميكن أن يكونوا عليه‬
‫من القوة والتمكن‪ ،‬وفرعون ‪-‬أيضاً‪ -‬مىت أهلك؟ ومىت دمر اهلل هذه األمة القبطية‬
‫الفرعونية؟ وهل دمرت وهي يف حالة ضعف؟! ال‪ ،‬بل دمرت واهنارت وسقطت‬
‫وهي يف أشد قوهتا‪ ،‬عندما تكرب زعيمها‪ ،‬ذلك الرجل الذي بلغت به الوقاحة‬
‫اَأْلعلَى [النازعات‪ ]24:‬وأن‬ ‫واجلرأة على رب العاملني أن يقول‪َ :‬أنَا َربُّ ُك ُم ْ‬
‫ِ ِإ ِإ ِ‬ ‫يقول‪ :‬فَ َْأوقِ ْد يِل يَا َه َاما ُن َعلَى الطِّ ِ‬
‫وسى‬ ‫ص ْرحاً لَ َعلِّي َأطَّل ُع ىَل لَه ُم َ‬ ‫اج َع ْل يِل َ‬
‫ني فَ ْ‬
‫[القصص‪ ]38:‬ففي أشد القوة والتمكن دمره اهلل‪ ،..‬إىل غري ذلك مما ال خيفى‬
‫ين ِم ْن َقْبلِ ِه ْم َو َما َبلَغُوا ِم ْع َش َار َما‬ ‫علينا‪ ،‬كما قال اهلل تبارك وتعاىل‪ :‬و َك َّذ َّ ِ‬
‫ب الذ َ‬ ‫َ َ‬
‫اه ْم [سبأ‪ ]45:‬وفسر املعشار بأنه عشر العشر‪.‬‬ ‫آَتْينَ ُ‬

‫فاألمم قبلنا قد سادت وشادت وبنت‪ ،‬وبلغت من القوة ما بلغت‪ ،‬مع ذلك‬
‫أهلكت وعذبت لسبب ليس هو الضعف املادي بأي حال من األحوال‪.‬‬

‫دمر اهلل تبارك وتعاىل ملك كسرى‬‫وكذلك أتى التاريخ شاهداً لذلك‪ ،‬عندما َّ‬
‫وقيصر فهل دمرت مملكة الفرس والروم‪ ،‬ألهنا كانت تعاين من ضعف مادي؟!‬
‫أبداً‪ ،‬فلقد كان الفرس يستعمرون اجلزء الشرقي‪ 6‬من العامل وينهبون خرياته‪ ،‬وكان‬
‫الروم يستعمرون اجلزء الغريب‪ ،‬ويكفي أن نعلم أن الروم كانوا مستعمرين لـبالد‬
‫الشام ومصر وغرب إفريقيا بكاملها‪ ،‬فكانت مستعمرة رومانية‪.‬‬
‫إذاً‪ :‬يف أوج القوة والعظمة سقطوا وذهبوا‪ ،‬ملاذا؟ ألهنم‪ 6‬واجهتهم وقابلتهم جيوش‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم من ذلك البلد‬
‫التوحيد‪ ،‬اليت عقد لواءها خليفة رسول اهلل َ‬
‫الطيب الطاهر‪ ،‬تلك اجليوش القليلة العدد‪ 6‬والعدة‪ ،‬لكنها ذهبت وانطلقت ذات‬
‫اليمني وذات الشمال‪ ،‬فأطاحت بأعظم دولتني يف تاريخ القرون الوسطى‪ ،‬فكيف‬
‫اهنارت؟! وملاذا اهنارت؟ وهل كان سبب االهنيار‪ 6‬هو الضعف املادي أو‬
‫االقتصادي أو التفكك السياسي أو أو‪...‬إخل؟!‬

‫ومع األسف هذا هو الذي نقرأه يف التاريخ‪ ،‬أو نسمعه يف حماضرات أو ندوات‬
‫أو ما يكتب يف الصحافة‪ ،‬ويف الكتب‪ ،‬حىت أدى ذلك إىل أن غفلت أمة اإلسالم‬
‫عن هذه احلقائق الذهنية‪ ،‬فأصبحت أمة مادية تنظر إىل التاريخ‪ ،‬وإىل أسباب‬
‫البقاء والفناء‪ ،‬واحلياة الطيبة‪ ،‬وإىل أسباب احلياة الشقية‪ ..‬نظرة مادية حبتة‪.‬‬

‫أثر اإلميان يف حياة الرسول والصحابة‬


‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم يعيش؟! وكيف كان كسرى‬ ‫كيف كان رسول اهلل َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم سيد ولد‬
‫يعيش؟! وهل هناك جمال للمقارنة؟! رسول اهلل َ‬
‫آدم‪ ،‬وأفضل اخللق عند اهلل وأحبهم إليه‪ ،‬ومع ذلك يربط احلجر على بطنه من‬
‫اجلوع‪ ،‬وميكث الشهر والشهرين وال يدخل بيته إال األسودان (التمر واملاء) ومل‬
‫يشبع من خبز الشعري‪ ،‬ومل جيلس على خوان قط (على مائدة) كما جلس من‬
‫بعده‪.‬‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬ومنها صورة أصحاب الصفة؛ لوجدنا‬ ‫ولو قرأنا سرية النيب َ‬
‫العجب العجاب!! كيف كان الصحابة الكرام يعيشون؟! وكيف كان أهل‬
‫صلَّى اهللُ‬ ‫الصفة يعيشون؟ كيف كان الناس وكيف كانت حاجتهم يف عهد النيب َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ { :‬ما‬ ‫ِ‬
‫َعلَْيه َو َسلَّ َم؟! بل إن هذا احلديث الذي قاله النيب َ‬
‫الفقر أخشى عليكم } قد ذكره؛ ألن الصحابة الكرام بلغهم أن أبا عبيدة قد قدم‬
‫مبال من هجر ‪ ،‬فاجتمعوا ‪-‬احلاجة مجعتهم‪ ،‬وهذه احلالة االقتصادية لو قورنت‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه‬
‫بوضعنا اليوم؛ لقلنا‪ :‬إهنا جماعة‪ ،‬ومع ذلك فهذه كانت حياته َ‬
‫َو َسلَّ َم‪ ،‬وهذه حياة أصحابه‪.‬‬

‫فكيف كانت حياة كسرى؟! وماذا نقول عن حياته نذكر فقط بعض ما قاله‬
‫املؤرخون عن حياته وبعد أن هزم ودخل سعد بن أيب وقاص املدائن‪ ،‬ودخلوا‬
‫اإليوان (القصر األبيض) وهم يذكرون اهلل شاكرين حامدين يقولون‪َ :‬ك ْم َتَر ُكوا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َّات وعي ٍ‬ ‫ِ‬
‫ني [الدخان‪:‬‬ ‫وع َو َم َق ٍام َك ِر ٍمي * َونَ ْع َمة َكانُوا ف َيها فَاك ِه َ‬
‫ون * َو ُز ُر ٍ‬‫م ْن َجن َ ُُ‬
‫‪ ]27-25‬فلما دخلها سعد رضي اهلل عنه كيف كان حال كسرى؟!‬

‫يقول بعض املؤرخني‪ :‬ملا دمهه املسلمون ورأى أن املدائن ستسقط‪ ،‬وال حيلة له‬
‫وال مفر‪ ،..‬اصطحب معه ما خف من متاعه وشهواته‪ ،‬فما هو هذا اخلفيف؟‬
‫اصطحب ألفاً من الطباخني والطهاة ‪-‬فقط‪ -‬وترك الباقي‪ ،‬وأخذ معه ألفاً من‬
‫البزاة ‪-‬الذين يعلمون اجلوارح‪ 6‬والصقور‪ 6‬وغريها لتصطاد هلم‪ -‬ومن اجلواري‪ 6‬حنو‬
‫ذلك؛ ومحلوا من النفائس ألف محل أو ما أشبه ذلك‪ ،‬هذا فقط وهو هارب أخذ‬
‫الشيء الكثري والعجيب‪ ،‬ليهرب به من وجه هؤالء املؤمنني وترك من الكنوز‪6‬‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ { :‬ما‬
‫العظيمة اليت أورثها اهلل ألمة اإلميان تطبيقاً لقوله َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪{ :‬إذا هلك كسرى‬ ‫الفقر أخشى عليكم } وتطبيقاً لقوله َ‬
‫فال كسرى بعده‪ ،‬وإذا هلك قيصر فال قيصر بعده‪ ،‬والذي‪ 6‬نفسي بيده لتنفقن‬
‫كنوزمها يف سبيل اهلل } انظروا مل يقل‪ :‬لتستثمرن أمواهلما لتنمية أو لتحسني‬
‫أوضاع املسلمني‪ ،‬ال‪ ،‬وإمنا لتنفقن يف سبيل اهلل‪ ،‬ولذلك ورث املسلمني هذه‬
‫الكنوز‪ ،‬وأنفقت يف سبيل اهلل‪ ،‬فإذا كان هذا حاله وهو هارب‪ ،‬فكيف حاله‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه‬ ‫وهو مقيم؟! فهذا‪ 6‬طاغوت الضالل الذي مزق كتاب رسول اهلل َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه‬
‫َو َسلَّ َم‪ ،‬هذه حياته وتلك حياة خليل اهلل وحبيبه وصفيه حممد َ‬
‫َو َسلَّ َم‪.‬‬

‫اإلميان سبب يف احلياة الطيبة‬


‫فالعربة يف احلياة الطيبة واحلياة السعيدة (يف بقاء األمم) يف سعادهتا يف الدنيا‪6‬‬
‫واآلخرة‪ ،‬ليست أبداً يف ذلك اجلانب الذي‪ 6‬يزعمون؛ وإمنا هي يف اإلميان باهلل‬
‫ِ‬
‫ض‬‫اي فَال يَض ُّل َوال يَ ْش َقى * َو َم ْن َْأعَر َ‬ ‫والتمسك بكتابه‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬فَ َم ِن اتَّبَ َع ُه َد َ‬
‫ضْنكاً َوحَنْ ُش ُرهُ َي ْو َم الْ ِقيَ َام ِة َْأع َمى [طه‪]124-123:‬‬ ‫ِ‬
‫َع ْن ذ ْك ِري فَِإ َّن لَهُ َمعِ َ‬
‫يشةً َ‬
‫أي‪ :‬أن الذي يتبع هدى اهلل ال يضل وال يشقى‪ ،‬فهو على الصراط والطريق‬
‫املستقيم وعلى احلق؛ وأيضاً ال يشقى بتسليط أعداء اهلل عليه‪ ،‬وال بفقر‪ ،‬وال ببلية‬
‫الحقة بعذاب من عند اهلل يرسله عليه‪ ،‬وأيضاً إن من مل يسر على الصراط‬
‫املستقيم وأعرض عن ذكر اهلل فله من املعيشة الضنك بقدر إعراضه عن ذكر اهلل‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وعكس ذلك قوله تعاىل‪ :‬من ع ِمل حِل ِ‬
‫صا اً م ْن ذَ َك ٍر َْأو ُأْنثَى َو ُه َو ُمْؤ م ٌن َفلَنُ ْحيَِينَّهُ‬ ‫َْ َ َ َ‬
‫َحيَاةً طَيِّبَةً [النحل‪ ]97:‬إذن فإن طيبة احلياة وسعادهتا بقدر اإلميان‪ ،‬وشقاوهتا‬
‫ونكدها بقدر اإلعراض‪ 6‬عن ذكر اهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬فهذه قاعدة مقررة‪ ،‬وليست‬
‫العربة بكثرة ذات اليد‪ 6‬وال بالقلة؛ مع أن هلا جانباً كبرياً ال يغفل‪ ،‬لكن ليست‬
‫العربة واألساس هبا‪ ،‬وإمنا هو يف اتباع هدى اهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل واتباع ما أنزل‬
‫اهلل عز وجل‪.‬‬
‫حال بين إسرائيل يف ظل فرعون‬
‫فكيف كان حال بين إسرائيل ‪-‬كما ذكره اهلل يف القرآن وكما هو مذكور يف‬
‫التاريخ‪ -‬يف ظل فرعون؟ هذا الطاغوت الذي‪ 6‬مل حيدثنا اهلل تبارك وتعاىل عن‬
‫طاغوت كاحلديث عنه‪ ،‬ولكن! ماذا وعدهم اهلل؟ وكيف كان فرعون يصنع‬
‫هبم؟ كان يقتل أبناءهم‪ ،‬ويستحيي نساءهم ويفعل هبم األفاعيل‪ ،‬وال حيلة هلم‬
‫على اإلطالق يف هذا اجملتمع‪ 6‬الظامل‪ ،‬ولكن اهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل أخرب عن وعده‬
‫ض َوجَنْ َعلَ ُه ْم َأِئ َّمةً‬ ‫يد َأ ْن مَنُ َّن علَى الَّ ِذين استُ ْ ِ‬
‫ضع ُفوا يِف ْ‬
‫اَأْلر ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫هلؤالء‪ ،‬فقال‪َ :‬ونُِر ُ‬
‫ِ‬
‫ني [القصص‪ ]5:‬سبحان اهلل! اهلل إذا أراد أمراً فال مرد له‪ ،‬فقد‬ ‫َوجَنْ َعلَ ُه ُم الْ َوا ِرث َ‬
‫مين على هؤالء ألهنم‪ 6‬كما قال تعاىل‪ِ :‬إ َّن فِْر َع ْو َن َعال‬ ‫قضى اهلل وقرر أنه يريد أن ُّ‬
‫ف طَاِئَفةً ِمْن ُه ْم [القصص‪ ]4:‬وشيعاً‪ :‬أي‬ ‫ضع ُ‬
‫ض وجعل َأهلَها ِشيعاً يستَ ْ ِ‬
‫اَأْلر ِ‪ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ 6‬‬ ‫يِف ْ‬
‫أن اجملتمع‪ 6‬الفرعوين كان طبقات‪ ،‬وكان أردُؤ ها طبقة بين إسرائيل‪.‬‬
‫مين على هؤالء املستضعفني‪ ،‬وجيعلهم أئمة وجيعلهم‬ ‫واهلل تعاىل يعد بأنه يريد أن ُّ‬
‫الوارثني؛ وفعالً حتقق ذلك ملا أن كان بنو إسرائيل على دين اهلل‪ ،‬وملا اتبعوا نبيه‪،‬‬
‫ّ‬
‫رغم ما فيهم من التواءات‪ ،‬وبالرغم مما قاسى موسى عليه السالم وما عاىن كما‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم يف ليلة اإلسراء‪ ،‬فقال‪{ :‬قد عانيت‬ ‫شكى ذلك لرسول اهلل َ‬
‫من أمر األمم‪ 6‬من قبلك ما مل تعان } ومع ذلك فقد قال تعاىل‪َ :‬و َْأو َر ْثنَا الْ َق ْو َ‪6‬م‬
‫ض ومغَا ِربها الَّيِت بار ْكنا فِيها ومَتَّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ت‬‫ت َكل َم ُ‬ ‫ََ َ َ َ ْ‬ ‫اَأْلر ِ‪َ َ َ َ 6‬‬ ‫ض َع ُفو َن َم َشا ِر َق ْ‬ ‫ين َكانُوا يُ ْستَ ْ‬ ‫الذ َ‬
‫ِإ‬
‫رائيل [األعراف‪ ]137:‬فتحقق وعد اهلل عز وجل مع‬ ‫ك احْلُ ْسىَن َعلَى بَيِن ْس َ‬ ‫َربِّ َ‬
‫أهنم كانوا أمة يف احلضيض‪ ،‬وأمة عصاة غالظ القلوب واألكباد‪ ،‬إال أهنم ابتعدوا‬
‫عن التخاذل فرتة ما أورثهم اهلل‪ ،‬ومن أصدق من اهلل قيالً‪ ،‬فكيف هبذه األمة وقد‬
‫ِ ِ‬ ‫الزبُو ِ‪6‬ر ِم ْن َب ْع ِد ِّ‬
‫قال تعاىل‪َ :‬ولََق ْد َكتَْبنَا يِف َّ‬
‫ي‬‫ض يَِرثُ َها عبَاد َ‬ ‫اَأْلر َ‪6‬‬
‫َأن ْ‬ ‫الذ ْك ِ‪6‬ر َّ‬
‫الصاحِلُو َن [األنبياء‪ ]105:‬فلو قلنا‪ :‬إن األرض‪ 6‬هي اجلنة فال إشكال ‪-‬كما هو‬
‫َّ‬
‫قول بعض املفسرين‪ -‬ولكن أيضاً كتب اهلل عز وجل ذلك وحققه يف الدنيا‪،‬‬
‫فأورثت هذه األمة‪ ،‬ومكنت يف هذه الدنيا؛ ألهنا كانت على اإلميان باهلل تبارك‬
‫وتعاىل‪.‬‬

‫وإن شئتم أن نأخذ مناذج حديثة لنعرف هبا قيمة اإلميان الذي أنعم اهلل به علينا‪،‬‬
‫ففي هذه األمة ويف النفوس مجعاء عادة جيب أن نعلمها‪ ،‬وهي من أسوء ما‬
‫يعرتي النفس اإلنسانية‪ ،‬أال وهي النسيان‪ ،‬وامللل‪ ،‬وعدم التفكر‪ ،‬أو تبلد‬
‫اإلحساس؛ فمثالً الذي‪ 6‬يعيش يف النور‪ 6‬باستمرار‪ ..‬ال حيس بقيمته‪ ،‬ملاذا؟ ألن‬
‫ذلك أصبح عادة يف حياتنا؛ فال نعرف قيمة هذه النعمة‪ ،‬كمثل رجل يف البادية‬
‫يف مكان بعيد يعاين من الظالم يف الليل‪ ،‬فهو كل يوم يتذكرها‪ .‬حنن ال‬
‫نتذكرها‪ ،‬وقس على ذلك النعم العظيمة‪ ،‬فنحن يف نعمة اإلميان لكننا ال ندرك‬
‫قيمتها‪ ،‬والنور يغمرنا ولكن ال ندرك قيمته‪ ،‬وال جند أثراً لتلك النعمة يف قلوبنا‪.‬‬
‫أما الصحابة الكرام فإهنم‪ 6‬ملا عرفوا قيمة هذا النور؛ جاهدوا يف اهلل حق جهاده‪،‬‬
‫وجتردوا هلل عز وجل‪ ،‬فلم تأخذهم يف اهلل لومة الئم‪ ،‬فقد تركوا املال واألهل‬
‫والدنيا وخرجوا هلل للجهاد‪ ،‬ففتحوا وتعلموا وعلموا‪ ،‬فهذا حال الصحابة الكرام‪6‬‬
‫الذين عرفوا‪ 6‬قيمة النور‪ 6‬وقيمة اإلميان‪ ،‬لكن! مىت انتقض اإلسالم شيء فشيئاً؟!‬
‫كما قال عمر رضي اهلل عنه‪[[ :‬إمنا ينتقض اإلسالم إذا نشأ يف اإلسالم من ال‬
‫يعرف اجلاهلية ]] أي‪ :‬ال يعرف خطر الشرك والكفر‪ ،‬والبدعة‪ ،‬وال يعرف قيمة‬
‫وأمهية اإلميان‪.‬‬
‫أحوال األمة اليوم مع اإلميان واملادة‬
‫واملؤمل أن كثرياً‪ 6‬منا ينظر إىل العامل الغريب‪ ،‬وهو العامل الذي يعاين أشد املعاناة من‬
‫املعيشة الضنكة واحلياة النكدة؛ ألنه بعيد عن اإلميان باهلل‪ ،‬ينظر إليه نظرة‬
‫اإلعجاب‪ ،‬ويتمىن كثري منا ‪-‬رمبا عن طيب نية‪ -‬أن تصل جمتمعاتنا إىل ما‬
‫وصلت إليه تلك اجملتمعات من الرقي والتقدم والسعادة‪ ،‬فماذا يريدون‪ ،‬وأي‬
‫سعادة يريدون يف أوروبا ويف أمريكا اإلنسان مكفولة له احلرية الشخصية؛ فيقول‬
‫ما يشاء ويذهب أين شاء‪.‬‬

‫احلياة املادية مكفولة؛ فيعطى السكن اجملاين بأقساط زهيدة‪ ،‬ويعطى فرص احلياة‬
‫كما يشاء‪ ،‬واملريض إذا مرض مبرض مقعد أو ما أشبه ذلك يعطى بطاقة يف‬
‫جيبه‪ ..‬يأكل هبا يف أي مطعم‪ ،‬وتدفع ذلك احلكومة‪.‬‬

‫ومن جهة الرتفيه؛ فكل وسائل الرتفيه موجودة ومهيأة‪ ،‬فيذكرون‪ 6‬أموراً كثرية‬
‫جداً‪ ،‬وكيف أهنم يعيشون يف العمارات الشاهقة‪ ،‬ولديهم‪ 6‬الشركات الضخمة‪،‬‬
‫وكذلك إنتاج األسلحة يف أقوى ما ميكن‪ ،‬وإنتاج األدوية والزراعة‪ ،‬وكل وسائل‬
‫احلياة الدنيا‪ 6‬متوفرة لديهم‪ ،‬فيتحرقون ويتشوقون‪ 6‬أن يكونوا أفراداً لتلك األمم‬
‫ويتمنون أن بالدهم وأمتهم تكون مثل تلك األمم‪.‬‬

‫هذه النظرة الظاهرة السطحية إىل حياة تلك األمم‪ 6‬نظرة الذين ال ينطلقون يف‬
‫نظراهتم‪ 6‬ويقيمون معايريهم وموازينهم‪ 6‬مبيزان اإلسالم‪ ،‬ومبا جاء يف كتاب اهلل‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬فلو أننا غرينا النظرة‪ ،‬ونظرنا مبنظار حقيقي‬
‫وسنة نبيه َ‬
‫صلَّى‬
‫كيف تعيش هذه األمم على حسب ما جاء به كتاب ربنا وسنة نبينا حممد َ‬
‫اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬فماذا جند؟‬
‫جند الشقاء كل الشقاء واالهنيار‪ 6‬احملتوم الذي ال تغين وال جتزي عنه كل هذه‬
‫الوسائل‪ ،‬وكل هذا التقدم املادي املرضي‪ ،‬لكنهم يعيشون يف شقاء‪ ،‬األثرياء يف‬
‫شقاء ونكد وخوف‪ ،‬والفقراء كذلك يف شقاء ونكد وخوف‪ ،‬فالرجل هناك‬
‫يعمل مثان ساعات يف دائرة حكومية تضمن له مرتباً كافياً‪ ،‬ومع ذلك البد أن‬
‫يبحث عن عمل يف إحدى الشركات يف املساء أيضاً لكي يضمن كما يقال‬
‫املستقبل‪ ،‬ألنه خياف على مصري أوالده‪ ،‬فيخشى أكثر بكثري جداً من الرجل‬
‫الذي يعيش يف الدول الفقرية كـاهلند وبنجالدش وغريها من الذي‪ 6‬ال جيد إال‬
‫قوت يومني أو ثالثة‪ ،‬ورمبا ال يفكر يف املستقبل إال قليالً‪ ،‬فهذا‪ 6‬هو الذي يهم‬
‫أسباب القوة والرخاء فتجده يفكر الليل والنهار‪ ،‬مع أن رصيده مضمون له‪،‬‬
‫ومع أن الدولة تعطي مأوى للعجزة‪ ،‬ومع ذلك كله ال راحة وال طمأنينة أبداً‪،‬‬
‫فهو يلهث ليل هنار‪ ..‬مهما كان لديه من شركات ومؤسسات فإنه خياف‬
‫املستقبل‪ ،‬فهاتفه جيلب عليه ضيق‪ ،‬فيأتيه عن طريقه فقط مخسة أعمال ومهوم يف‬
‫وقت واحد‪ ،‬كما جنده عند أغنيائنا الكبار أيضاً‪.‬‬

‫تفكريه ومهومه الدوالر أو اجلنيه اخنفض أو ارتفع‪ ،‬وهل زاد التأمني أم اخنفض؟!‬
‫فهو مشغول العقل ليالً وهناراً‪ 6‬من أجل هذه الدنيا‪ ،‬ومع ذلك‪ :‬إن جالسته جتده‬
‫مهموماً مغموماً خياف من املستقبل ويفكر يف االهنيار‪ 6‬واخلسارة أكثر مما يفكر هبا‬
‫اإلنسان العادي‪ ،‬حىت أن نسبة االنتحار‪ 6‬يف العامل الغريب‪ ،‬وكذلك مع األسف يف‬
‫العامل الشرقي‪ 6‬والعامل اإلسالمي عالية جداً‪ ،‬وأيضاً يزداد التفكك يف األسرة‪،‬‬
‫شيء عجيب جداً يعيشه هذا العامل البعيد عن دين اهلل‪ ،‬وعن اإلميان به ُسْب َحانَهُ‬
‫َوَت َعاىَل ‪.‬‬
‫النكد مرسوم على مالحمهم‪ ،‬واحلياة الشقية مرسومة على وجوههم‪ ،‬فيهربون‬
‫ويلجئون منها إىل املخدرات‪ ،‬فال جيدون فيها إال الوبال‪ ،‬فيهربون منها إىل‬
‫الشهوات احملرمة‪ ،‬فظهرت هلم هذه األوبئة اليت حجزهتم وحرمتهم عن هذه‬
‫الشهوات وهذه املتع‪ ،‬فأين يذهب هؤالء الناس؟! أين يذهبون؟! أما حنن‬
‫املسلمني فإننا نعرف قوله تعاىل فَِفُّروا ِإىَل اللَّ ِه [الذاريات‪ ]50:‬وقوله‪ :‬ال َم ْل َجَأ‬
‫ِم َن اللَّ ِه ِإاَّل ِإلَْي ِه [التوبة‪ ]118:‬ولكن! هم واهلل ال يدرون؛ ولذلك فهم حيارون‬
‫وحيارون! فيعلقون اآلمال على ما عندهم من العلم كما قال تعاىل‪َ :‬فلَ َّما َجاءَْت ُه ْم‬
‫رسلُهم بِالْبِّينَ ِ‬
‫ات فَ ِر ُحوا مِب َا ِعْن َد ُه ْم ِم َن الْعِْل ِم [غافر‪ ]83:‬فاألوبئة تعاجل بأن العلم‬ ‫ُ ُ ُْ َ‬
‫سيكتشف هلا مضادات؛ واالهنيار االقتصادي‪ 6‬أو اخلوف االقتصادي يعاجل باخلطط‬
‫طويلة املدى؛ واخلوف املستقبلي يعاجل بأن احلياة مضمونة ومكفولة وكذا‪ 6‬وكذا‪،‬‬
‫كل ذلك ضمن النظرة املادية القاصرة‪.‬‬

‫مثله كمثل املسجون يف قفص؛ فكل مرة يفكر وحيلم بأن القفص سوف يتسع‬
‫فيطري وهو مرتاح‪ ،‬وما درى أنه لن يتسع أبداً؛ وإمنا ال حل له إال أن خيرج من‬
‫ذلك القفص‪ ،‬ولن خيرج من قفص الدنيا‪ 6‬ومن ضيق الدنيا إىل سعة الدنيا واآلخرة‬
‫إال اإلميان باهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل ‪.‬‬

‫السبب يف عدم نزول عقاب اهلل على دول الكفر‬


‫يتساءل أحدنا ‪-‬وهو سؤال مهم‪ :6-‬ملاذا مل يعجل اهلل العقوبة هلذه األمم‪ 6‬وهو‬
‫قادر ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل وأسباب االهنيار موجودة فيهم والكفر واإلحلاد ‪-‬أيضاً‪-‬‬
‫موجود؟‬
‫واجلواب‪ :‬جيب أن نعلم أوالً‪ :‬هل قامت احلجة على هذه األمم؟‪ 6‬ومن الذي‬
‫دعاهم؟ فإن دعوا إىل احلق ورفضوه استحقوا‪ 6‬العقوبة من عند اهلل أو بأيدي‬
‫املؤمنني‪ ،‬لكننا حنن املسلمني ببعدنا عن اهلل عز وجل نسهم يف بقاء هذه األمم‪6‬‬
‫الكافرة قوية ومسيطرة؛ ألننا مل نقم حجة اهلل عليها حىت ينزل اهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل‬
‫عذابه عليها‪.‬‬

‫فاهلل تعاىل جعل سنناً لكل شيء‪ ،‬فيعدل بعضها ببعض‪ ،‬ويويل هبا بعض الظاملني‬
‫بعضاً‪ ،‬لكن لو أننا أقمنا حجة اهلل عليهم لنصرنا اهلل عليهم‪ ،‬أو ألهلكهم بعذاب‬
‫من عنده كما يشاء‪ ،‬ولكننا تبعاً هلم‪ ،‬فنحن نردد ما يقولون‪ ،‬ونؤمن مبا يقولون‪،‬‬
‫ونسعى إىل أن نكون مثلهم يف التقدم والرخاء واملدنية واحلضارة‪ ،‬إذاً كيف‬
‫نرجو النصر والفالح ونظرتنا هكذا؟! وحنن الذين قال اهلل تبارك وتعاىل عنهم‪:‬‬
‫َّاس تَْأمرو َن بِالْمعر ِ‬
‫وف َوَتْن َه ْو َن َع ِن الْ ُمْن َك ِر َو ُتْؤ ِمنُو َن‬ ‫ُكْنتم خير َُّأم ٍة ُأخ ِرج ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫ت للن ِ ُُ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ُ ْ ََْ‬
‫بِاللَّ ِه [آل عمران‪ ]110:‬لكننا نقول‪ :‬نريد أن نلتحق بركبهم ويكفينا ذلك كما‬
‫يردد البعض‪ ،‬واهلل تعاىل يقول‪َ :‬م ْن يُِه ِن اللَّهُ فَ َما لَهُ ِم ْن ُم ْك ِرٍم [احلج‪ ]18:‬فنحن‬
‫عندما نقول ذلك‪ ،‬وعندما تكون غايتنا أن نكون يف الذيل؛ فلن جيعلنا اهلل قاد ًة‬
‫أبداً‪.‬‬

‫كيف تكون حياتنا مطمئنة وسعيدة؟ وكيف نقضي ‪-‬أيضاً‪ -‬على الكفر والشرك‬
‫والشر والضالل يف العامل؟ حنن الذين أخرجنا للناس نأمر باملعروف وننهى عن‬
‫املنكر فنحن مسئولون‪ 6‬عن املظامل اليت تقع‪ ،‬وحىت عن الفجور‪ 6‬والشرور‪ 6‬الذي يقع‬
‫من الكفار يف بالدهم‪.‬‬
‫فهذه تعترب مسئولية على املسلمني؛ ألهنم‪ 6‬هم الذين ميلكون كلمة اهلل اليت مل‬
‫حترف وتبدل‪ ،‬وماذا نصنع يف ظل العامل الذي‪ 6‬أصبح كالقرية‪ ،‬فتظهر الفكرة‬
‫اخلبيثة يف الغرب يف املساء وتصبح عندنا‪ ،‬ويف هذا العصر من غري املستطاع أن‬
‫تعيش أمةٌ مبعزل عن العامل‪ ،‬وهلذا البد أن نواجه هذا الواقع‪ 6‬هبذا اإلميان القوي‬
‫الصحيح‪ ،‬ولعل يف ذلك حكمة وهي‪ :‬أننا عندما نواجه هذا الواقع وقد ذقنا‬
‫األمرين منه‪ ،‬فإن ذلك يكون بداية ألن يصل هذا الدين وينتشر يف الدنيا‪ 6‬كلها‪،‬‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪.‬‬
‫وأن { يبلغ ما بلغ الليل والنهار‪ } 6‬كما ذكر رسول اهلل َ‬

‫إذاً فمن أين يبدأ العالج؟ إنه يبدأ من ذواتنا ومن أنفسنا‪ ،‬وهذه ميزة عظمى يف‬
‫هذا الدين املنـزل من عند رب العاملني وهي أن اإلصالح يبدأ من الفرد‪ ،‬فليس‬
‫هناك قبل ذلك شيء‪ ،‬فكل إنسان جيب أن يصلح نفسه ويتزود من اإلميان باهلل‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬وبالدعوة إىل اهلل‬ ‫إمياناً حقيقياً بالتمسك بسنة رسول اهلل َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬واألمر باملعروف والنهي‪ 6‬عن املنكر‪،‬‬ ‫على منهج رسول اهلل َ‬
‫ويعلم أنه سوف ميوت ويقرب ويبعث يوم القيامة فرداً‪ ،‬وسوف حياسب على كل‬
‫شيء‪ ،‬فليس هناك حساب مجاعي أو أن العقوبة تكون مجاعية؛ ألن املسئولية يف‬
‫ان َألَْز ْمنَاهُ طَاِئَرهُ يِف عُنُ ِق ِه‬
‫األصل هي على كل إنسان‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬و ُك َّل ِإنْس ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫[اإلسراء‪ ]13:‬فاهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل قد حدد يف آيات كثرية أن املسئولية فردية‪.‬‬
‫كيف حنقق النصر؟ وما هي أسبابه‬
‫من حكمته عز وجل ورمحته‪ :‬أن األفراد‪ 6‬مهما قل عددهم إذا قاموا‪ 6‬بدين اهلل‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم وأظهروه ودعوا إليه؛ فإن اهلل عز‬ ‫وعلى منهج رسول اهلل َ‬
‫نصر ال ميكن ألحد أن حيول بينهم‬ ‫وجل قد ضمن هلم وتكفل هلم بالنصر‪ ،‬ذلك ٌ‬
‫ك‬‫وبينه‪ ،‬بشرط أن تكون الغاية هي ما عند اهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل قال تعاىل‪ :‬تِْل َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫الد ‪ِ 6‬‬
‫ني‬ ‫يدو َن عُلُّواً يِف ْ‬
‫اَأْلر ِ‪6‬‬
‫ض َوال فَ َساداً َوالْ َعاقبَةُ ل ْل ُمتَّق َ‬ ‫ين ال يُِر ُ‬
‫َّار اآْل خَرةُ جَنْ َعلُ َها للَّذ َ‬
‫ُ‬
‫[القصص‪.]83:‬‬

‫وإن من األخطاء الكبرية اليت حيملها أصحاب الدعوات اإلسالمية‪ :‬أن يكون‬
‫هدفها وغايتها قيام دولة اإلسالم واخلالفة اإلسالمية اليت تتمكن على العامل؛ حقاً‬
‫أن املسلمني جيب أن يكون هلم خالفة‪ ،‬وجيب أن يكونوا هم املتمكنني يف‬
‫األرض وليس يف ذلك شك؛ لكن جيب أال تكون هدفاً وغاية‪ ،‬وإال فسدت‬
‫النية‪ ،‬وهذه من ضمن املسائل اليت يتحقق هبا وعد اهلل عز وجل‪ ،‬فإذا فسدت‬
‫النية؛ مل يتحقق النصر‪ ،‬لكن إذا كان اهلدف هو اهلل والدار‪ 6‬اآلخرة‪ ،‬وأن ينجي‬
‫اإلنسان نفسه من عذاب اهلل سواء مات اآلن أم مات بعد حني‪ ،‬وسواء حتقق‬
‫النصر على يديه أو مل يتحقق؛ فهو يف كل احلاالت منتصر إذا استقام على‬
‫التوحيد واإلميان‪ ،‬فأنبياء اهلل ورسله ‪-‬مثالً‪ -‬الذين مل يتبعهم أحد كما قال‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪{ :‬ورأيت النيب ومعه الرجل والرجالن‪ ،‬والنيب‬
‫رسول اهلل َ‬
‫ومعه الرهط ‪-‬أو الرهيط‪ 6-‬والنيب وليس معه أحد } هم مل خيسروا‪ 6‬شيئاً‪،‬‬
‫انتصروا؛ بل ألهنم‪ 6‬حققوا ما أمر اهلل به‪ ،‬ودعوا إليه‪ ،‬هذا هو واجبهم‪ ،‬فإذا مل‬
‫يستجب هلم أحد فليس ذلك عليهم‪ ،‬بل هو هلل وحده‪.‬‬

‫لذلك فإن الذي‪ 6‬يريد الدار اآلخرة‪ ،‬والذي‪ 6‬يريد أن ينصره اهلل يف هذه الدنيا‪،‬‬
‫فعليه‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬أن حيقق حقيقة اإلميان‪ ،‬ويبدأ بإنقاذ نفسه من املعصية والقيام بطاعة اهلل‬
‫ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل ‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬أن حيرر رغباته من حب الدنيا‪ 6‬والتعلق بشهواهتا ومناصبها إىل الدار‬
‫اآلخرة‪ ،‬وليكن رجاؤه عند اهلل ورغبته فيما عن اهلل تبارك وتعاىل‪.‬‬

‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم على ماذا؟ وماذا كفل‬ ‫فاألنصار ‪-‬مثالً‪ -‬بايعوا رسول اهلل َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم؟ كفل هلم اجلنة كما يف احلديث‪{ :‬قالوا‪ :‬وما‬ ‫هلم الرسول َ‬
‫لنا يا رسول اهلل؟ قال‪ :‬اجلنة‪ ،‬قالوا‪ :‬ربح البيع‪ ،‬ال نقيل وال نستقيل } لكن حنن‬
‫عندما عظمت عندنا الدنيا؛ هانت عندنا اجلنة‪ ،‬فمن اآلن حيدثنا عن اجلنة؟ ومن‬
‫منا يتذكر نعيم اجلنة؟ لقد شغلنا بزخرف احلياة الدنيا‪ ،‬اليت {لو كانت تعدل عند‬
‫اهلل جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء } وكما‪ 6‬جاء يف احلديث {مر‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ومعه مجع من أصحابه جبدي أسك ميت‪ ،‬فأخذه‬ ‫رسول اهلل َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم بأذنه وقال‪ :‬من يشرتي هذا بدرهم؟ قالوا‪ :‬يا‬ ‫الرسول َ‬
‫صلَّى اهللُ‬ ‫رسول اهلل! لو كان حياً ما اشرتاه أحد؛ ألنه أسك‪ ،‬فقال رسول اهلل َ‬
‫َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ :‬فو اهلل للدنيا أهون على اهلل من هذا عليكم } وما قيمة الدنيا إذا‬
‫جتردت عن اإلميان باهلل إال كجيفة فلتكن حضارات‪ ،‬أو صناعات‪ ،‬أو قصوراً‪ ،‬أو‬
‫ملكاً عظيماً‪ ،‬لكنها إذا جتردت عن اإلميان باهلل فإهنا جيفة‪ ،‬لكن إذا ارتبط ذلك‬
‫باإلميان باهلل فإهنا تتحول إىل احلياة الطيبة‪ ،‬فإنه مل يقل‪ :‬بكثرة املال‪ ،‬ألهنا للكفار‬
‫وهم أشد الناس وأكثرهم عقاباً وعذاباً قال تعاىل‪َ :‬فلَ َّما نَ ُسوا َما ذُ ِّك ُروا بِِه َفتَ ْحنَا‬
‫اب ُك ِّل َش ْي ٍء [األنعام‪ ]44:‬وأما للمؤمنني فقال تعاىل‪َ :‬ولَ ْو َّ‬
‫َأن َْأه َل‬ ‫َعلَْي ِه ْم َْأب َو َ‬
‫الس َم ِ‪6‬اء [األعراف‪ ]96:‬فلم يقل‬ ‫الْ ُقرى آمنُوا و َّات َقوا‪ 6‬لََفتَحنَا علَي ِهم بر َك ٍ‬
‫ات ِم َن َّ‬ ‫َ َ َ ْ ْ َ ْ ْ ََ‬
‫كل شيء؛ وإمنا قال‪( :‬بركات من السماء واألرض) فهي بركة وإن كانت قليلة‬
‫وإن قل الراتب‪ ،‬مثالً أو قلت الوظيفة ففيهما بركة‪ ،‬فهذه احلقيقة اليت جيب أن‬
‫تكون يف حسنا ويف إمياننا وشعورنا‪.‬‬
‫إن إنقاذ قيادة أمتنا ال تكون إال بذلك‪ ،‬وإنقاذ هذا العامل الذي يرتدى يف الظالم‬
‫والكفر واإلحلاد والظلم والفساد‪ ،‬وتفتك به األمراض القلبية‪ ،‬واألمراض‬
‫االجتماعية والنفسية‪ ،‬ال عالج لذلك كله؛ إال باإلميان الصادق باهلل ُسْب َحانَهُ‬
‫َوَت َعاىَل وأن يصبح اإلنسان ومهه الدار‪ 6‬اآلخرة‪ ،‬وأن ميسي ومهه اآلخرة‪ ،‬ولو أن‬
‫األمة وصلت هلذه احلقيقة لتغريت نظرهتا إىل كل شيء‪ ،‬ولكن كيف ننظر نظرة‬
‫سليمة وحنن نعظم الدنيا‪ ،‬وننسى اآلخرة‪ ،‬وحنسب حساب كل شيء باملعيار‬
‫وبامليزان االقتصادي واملادي‪ ،‬حىت العالقات بني األسر أصبحت تقاس باملادة‪،‬‬
‫فالعرض والشرف هو أغلى شيء كان ميلكه اإلنسان يف جاهليته‪ ،‬وهو أغلى‬
‫شيء يف دينه أيضاً بعد إسالمه‪ ،‬أما اآلن أصبح كل شيء يقاس باملادة‪ ،‬أصبح‬
‫اإلنسان يرضى أن يدنس عرضه ويعرضه للشرور من أجل دراهم معدودة‪.‬‬

‫إذاً‪ ،‬سخرنا كل شيء من أجل املادة‪ ،‬وشغلنا بعيوب الناس وننتظر إصالح‬
‫نفوسهم‪ ،‬فكأن صالحنا مرهون بصالحهم‪ ،‬فأصبح كالمنا عن الناس هو حالنا؛‬
‫لكن كم منا من يتكلم عن نفسه؟! ومن منا من حياسب نفسه؟! ومن منا من‬
‫ينظر إىل ذنوبه وإىل عيوبه؟! وأقل من ذلك‪ ،‬من منا الذي‪ 6‬إذا أهدي إليه عيب‬
‫من عيوبه فرح ومحد اهلل تعاىل وشكر له وشكر صاحب اهلدية؟! ومن منا الذي‪6‬‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم كان يرتكها يفرح‪،‬‬ ‫إذا أرشده إنسان إىل سنة من سنن النيب َ‬
‫ويستبشر أنه عرف السنة وترك البدعة؟! فكيف مع هذا نرجو أن يغري اهلل ما بنا‬
‫من حال! واهلل تعاىل يقول‪ِ :‬إ َّن اللَّهَ ال يُغَِّي ُر َما بَِق ْوٍم َحىَّت يُغَِّي ُروا َما بَِأْن ُف ِس ِه ْم‬
‫[الرعد‪ ]11:‬ال ميكن أبداً‪ ،‬فلن جياملنا اهلل عز وجل ألننا ندعي أننا مسلمون أو‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬ال إمنا هو حق وإميان ودين فما دان اهلل عز‬ ‫أننا أمة حممد َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم عندما عصوا أو وقع من‬ ‫وجل وما حاىب أصحاب النيب َ‬
‫البعض االحنراف يف مراحل معينة يف ُأحد ‪-‬مثالً‪ -‬ويف يوم حنني ويف غريها أبداً!‬
‫فاهلل غين عن العاملني ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل فإذا أن ننقذ أنفسنا وأردنا أن نفوز برضا اهلل‬
‫عز وجل وبسعادة الدارين فهذا‪ 6‬هو املنطلق‪.‬‬

‫فالواجب علينا دعوة الناس إىل العقيدة الصحيحة‪ ،‬واإلميان الصحيح‪ ،‬والتمسك‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬إهنا ليست جمرد آراء‪ ،‬وال تعصب‬
‫بكتاب اهلل وسنة رسوله َ‬
‫ألشخاص‪ ،‬وال انتماء لطائفة من املسلمني قدمياً أو حديثاً؛ لكنها املفتاح والطريق‬
‫واملخلَص واملنقذ الوحيد‪.‬‬
‫ْ‬

‫نسأل اهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل أن يوفقنا مجيعاً وأمتنا كلها للعودة إىل كتاب اهلل وسنة‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬والتمسك هبداه إنه مسيع جميب‪ ،‬واحلمد هلل رب‬‫رسوله َ‬
‫العاملني‪.‬‬

‫احلداثة وخطرها على املؤمن‬


‫السؤال‪ :‬أرجو أن توضح لنا ما معىن احلداثة وما هي خطورهتا على اإلميان وعلى‬
‫املؤمنني؟‬
‫اجلواب‪ :‬الوقت يضيق عن توضيح هذه الفكرة أو احلديث عنها‪ ،‬ولكن لنربطها‬
‫مبوضوعنا السابق من جهتني‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬من جهة الغرب الذي‪ 6‬نشأت فيه هذه األفكار‪ 6:‬فإنه ما نشأت فيه إال ألنه‬
‫ال يؤمن باهلل وال باليوم اآلخر‪ ،‬فهذه إحدى الصرعات واملوضات واملوجات‬
‫الفكرية الوبائية اليت اجتاحت الغرب واليت يشكو منها املفكرون األوروبيون‪6‬‬
‫الذين خيافون على بالدهم‪ ،‬فيتخوفون من احلداثة وأشباهها على جمتمعهم؛‪ 6‬ألهنا‬
‫ليست لغة وال أدب‪ ،‬وهذه معلومة جيب أن يعرفها اجلميع‪ ،‬فـاحلداثة اجتاه كامل‬
‫يف احلياة‪ ،‬أي‪ :‬نظرة كاملة إىل احلياة‪ ،‬وهناك كتاب مطبوع بعنوان‪ :‬ما احلداثة ؟‬
‫تأليف رجل فرنسي امسه جنريل ليسيفر وملخص ما ذكر فيه‪ '' :‬إن احلداثة هي‬
‫إشعال الثورة‪ ،‬أو القيام بالثورة‪ ،‬أو حتقيق الثورة الغائبة هنا؛ وغري املكتملة هناك‬
‫" ما معىن هذا الكالم؟ هذا الكاتب‪ 6‬يف باريس يكتب ويقول‪ " :‬احلداثة هي‬
‫حتقيق الثورة الغائبة " هنا أي غائبة يف باريس غائبة ملاذا؟‬

‫ألن باريس ليست شيوعية ‪-‬كما تعلمون‪ -‬فـاحلزب االشرتاكي ميتلك نصف‬
‫املقاعد يف فرنسا ‪ ،‬والشيوعيون‪ 6‬ميتلكون بعض املقاعد‪ ،‬ويريدون أن يسيطروا‬
‫على فرنسا ‪ ،‬فالصورة الغائبة يف فرنسا فهي غائبة فيها لعدم حتققها‪ ،‬وغري‬
‫املكتملة هناك أي (يف موسكو ) ألهنم يعتربون أن موسكو اليت هي رمز الشيوعية‬
‫ثورهتا ناقصة غري مكتملة‪ ،‬ملاذا؟ ألن املرحلة اليت كتب عنها ماركس مل تتحقق‬
‫بعد‪.‬‬

‫وأخلص هذا مما قاله زعيم احلداثة أو مؤسسها يف العامل العريب وهو النصريي أيب‬
‫يوسف يقول‪ :‬إهنا الثورة ضد اجملتمع والدين واألسرة واألخالق‪ ،‬البد أيضاً من‬
‫ثورة يف األدب ضد األدب‪ ،‬ويف املسرح ضد املسرح؛ وثورة يف اللغة ضد اللغة‪،‬‬
‫وثورة ضد الدين‪ ،‬املهم ضد كل شيء‪.‬‬

‫ألن ماركس أصالً عندما وضع الشيوعية يف القرن املاضي يقول‪ :‬الشيوعية متر‬
‫مبراحل‪ :‬املرحلة املوجودة اآلن يف العامل هي تطبيق ملرحلة ما قبل النهاية بالنسبة‬
‫للشيوعية ‪ ،‬واملرحلة اليت هي ما قبل النهاية هي أن تسيطر الربولتاريا أو الطبقة‬
‫الكادحة العاملة وحتكم‪ ،‬وهذه مرحلة‪ ،‬وأما مرحلة ما بعد الربولتاريا فهي مرحلة‬
‫أال دولة‪ ،‬وأال سلطة على اإلطالق‪ ،‬وهذه املرحلة مل تصل إليها روسيا ‪ ،‬وهلذا‪6‬‬
‫تأت بعد مرحلة‬ ‫ليسيفر يقول‪'' :‬الثورة الواقعة‪ 6‬غري مكتملة يف موسكو ‪ ،‬ألهنا مل ِ‬
‫أال دولة وأال سلطة وهي كذلك‪ ،‬مفقودة يف باريس '' فأي مصيبة يريد هؤالء‬
‫الناس أن يوصلونا إليها‪ ،‬فإذا كانت باريس ال شيء وموسكو ناقصة؛ فمن أين‬
‫يأيت هذا الكمال؟ إنه أمر خطري ومع ذلك أقول‪ :‬ما هي إال موضة من موضات‬
‫كثرية‪ ،‬وما هي إال أسلوب من أساليب كثرية هلدم هذا الدين‪ ،‬وهلدم هذه األمة‬
‫ولتمزيقها‪ ،‬وحتتاج منا إىل مقاومة وهذه املقاومة موجودة يف الشرق والغرب‪،‬‬
‫وأما اجملتمعات اإلسالمية إذا كانت جمتمعات إسالمية حقة فلن جتد هذه‬
‫املوضات وال ما أشبهها موضع قدم فيها‪ ،‬وهل يوجد شاب مؤمن مسلم يقيم‬
‫صالته ودينه ميكن أن يتأثر هبذه األفكار! ال ميكن أبداً‪.‬‬

‫فالوقاية منها ليست وقاية من هذه املشكلة اخلبيثة فقط‪ ،‬بل إن الوقاية من كل‬
‫مشكلة ومن كل خطر وغزو يف أن نريب جمتمعنا على اإلميان الصحيح والعقيدة‬
‫الصحيحة والكتاب والسنة‪ ،‬وحينئذ نبحث يف هذه األفكار‪.‬‬

‫أتدرون أن من مجاعات احلداثة يف باريس وهي أكرب مركز يف احلداثة ‪ :‬مجعية‬


‫الضفادع! وهم شباب متخنفسون يهملون شعورهم ويعيشون يف حالة مزرية‪،‬‬
‫وينسبون أنفسهم‪ 6‬جلمعية الضفادع!! ويقابلهم مجعية أخرى امسها مجعية اخلنازير‬
‫كذلك يعيشون يف حالة سيئة جداً يتسكعون يف الشوارع‪ ،‬ويتعاطون املخدرات‪،‬‬
‫وينامون على األرصفة‪ ،‬هذه من شيم احلداثة يف باريس وأمثاهلا‪ ،‬وهذه هي احلالة‬
‫اليت وصلوا إليها!‬

‫فهل ميكن أن يفكر مؤمن أن يكون يف هذه احلال يوم من األيام عياذاً باهلل‪ ،‬ال‬
‫ميكن فإذاً مع خواء اإلميان تقع أمثال هذه األمور‪ ،‬ومع ضعف العقيدة ومع عدم‬
‫وضوحها لكن مع وجود العقيدة الصحيحة‪ 6‬ومع عرض كل شيء على كتاب اهلل‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم فإن هذا ال يقع‪ ،‬العامي ال يقبل هذا الكالم‬
‫وسنة رسوله َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه‬
‫مهما كان األمر؛ ألن النظرة لديه أن كتاب اهلل وسنة رسوله َ‬
‫َو َسلَّ َم مها املرجع‪ ،‬لكن الشباب الذين تأثروا هبا هم الذين يريدوهنا إباحية‬
‫احناللية‪ ،‬كما قال قائلهم ‪:‬‬

‫طوق الليل أرجاءها وكساها‬


‫ّ‬ ‫أرضنا اجليد غارقة بالظالم‬

‫فدانت لعاداته معبدا‬ ‫بعسجده اهلامشي‬

‫وهذا الكالم له مدلول خطري‪ ،‬وقوله (بعسجده) لعله حرفها أو الناسخ وإال فهو‬
‫مبسجده‪ ،‬والعسجد هو الذهب‪ ،‬واهلامشي الذي‪ 6‬جعل اجلزيرة للعرب مسجداً‪6‬‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪.‬‬
‫ودانت له وللناس معبداً هو بال شك الرسول َ‬

‫فهؤالء الذين تدرجوا يف الفسوق والدعوات اهلدامة‪ ،‬من مساواة املرأة بالرجل مث‬
‫إىل السفور‪ 6‬حىت األقنعة اليت ترتديها النساء هي دخيلة عليها‪ ،‬ويقولون على من‬
‫تفسخ أخالقياً‪ :‬إنه متحرر ومنطلق‪ ،‬فليقل ما شاء‪ ،‬وليفعل ما حيلو له‪ ،‬فرييدون‪6‬‬
‫أن تكون حمتمعاهتم‪ 6‬جمتمعات إباحية مطلقة‪ ،‬ال يريدون سلطة على اإلطالق‪ ،‬ال‬
‫دين وال أخالق وال رقابة‪ ،‬ورمز هذه الرقابة هي احلدود والقبيلة واألعراف‬
‫القبلية والعيب‪ 6‬واحلرام‪ ،‬ورمز هذه الرقابة هم رجال اجلوازات ورجال اجلمارك‪،‬‬
‫فتدخل األفالم إىل البالد من اخلارج حتت رقابة رجال اجلوازات ورجال‬
‫اجلمارك‪ ،‬وكذلك الكتب‪ 6‬الشيعية كذلك فمن الذي‪ 6‬يستقبلها؟ إهنم رجال‬
‫اجلوازات ورجال اجلمارك‪ ،‬فهم يريدوهنا إباحية مطلقة‪ ،‬وهذا لن يتحقق أبداً‬
‫ألن هذه موجة شيطانية ستضمحل بإذن اهلل‪ ،‬لكن البد أن نقاومها‪ ،‬فال نقاومها‬
‫باالسم فقط‪ ،‬بل حنارهبا‪ 6‬ونرد عليها أو نكتب عنها ونقاومها كل املقاومة وبكل‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬ومن‬
‫فكرة؛ كرتبية أنفسنا على كتاب اهلل وسنة رسوله َ‬
‫خالل وسائل إعالمنا‪ ،‬ومن منابر اخلطب واحملاضرات يف املساجد‪ ،‬ومن خالل‬
‫التأليف‪ ،‬ومن كل مكان‪ ،‬فكلنا على ثغرة‪ ،‬ولعل اهلل أن ينصر هذا الدين بنا‪ ،‬فإذا‬
‫كنا كذلك فمهما‪ 6‬هبت رياح فإهنا لن تؤثر بإذن اهلل على هذه القلعة احلصينة‪.‬‬

‫وأسأل اهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل أن يبقيها كذلك بإذنه تعاىل‪.‬‬

‫السعادة معنوية أكثر منها حسية‬


‫ض ُّل َوال يَ ْش َقى [طه‪ ]123:‬وقلت‬ ‫السؤال‪ :‬قال اهلل تعاىل‪ :‬فَم ِن اتَّبع ه َداي فَال ي ِ‬
‫َ ََ ُ َ َ‬
‫معلقاً على هذه اآلية‪ :‬إن اإلنسان بقدر معاصيه سوف يشقى يف هذه الدنيا‪ ،‬فهل‬
‫إذا رأينا أي شخص غري سعيد يف حياته نقول‪ :‬إن هذا من معصيته هلل ُسْب َحانَهُ‬
‫َوَت َعاىَل ‪ ،‬مع العلم أن اهلل قد خيترب عباده ليعلم الصابرين‪ ،‬فكيف نفرق بني هاتني‬
‫املسألتني؟‬
‫اجلواب‪ :‬الكالم عن حقيقة الشقاء وحقيقة النكد‪ 6‬ال ننظر إليها النظرة الظاهرية‪،‬‬
‫ولكن ننظر إليها من خالل النظرة احلقيقية‪ ،‬إن املؤمن باهلل حق اإلميان لو ذهب‬
‫بصره أو ذهبت نفسه أو أمواله أو أوالده فهو مطمئن وسعيد؛ ألنه يرضى بقضاء‬
‫اهلل عز وجل‪ ،‬ويعلم أن هذا ابتالء‪ ،‬وأن اهلل تعاىل سيعوضه خرياً منها‪ ،‬وأنه جيب‬
‫عليه أن يصرب وأن ما قدر اهلل فهو كائن مهما كان حمتاطاً‪ ،‬فاملؤمن مطمئن‪،‬‬
‫واإلنسان املؤمن إمياناً حقيقياً وهو فقري مدقع‪ 6‬حبالة يرثى هلا ومع ذلك جتد كلمته‬
‫وحاله يقول‪ :‬احلمد هلل على كل حال‪ ،‬وهذا من فضل اهلل‪ ،‬وحنمد‪ 6‬اهلل‪ ،‬وحنن‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم بقوله‪{ :‬انظروا إىل من‬ ‫خري من غرينا‪ ،‬كما أمرنا النيب َ‬
‫أسفل منكم وال تنظروا إىل من هو فوقكم فهو أجدر أن ال تزدروا نعمة اهلل }‬
‫فهو سعيد مطمئن؛ وإن كان ظاهره أمام الناس يف الشقاء‪ ،‬فهو يعلم أنه إن كان‬
‫صرف عنه الناس ففيه خري َو َع َسى َأ ْن تَ ْكَر ُهوا َشْيئاً َو ُه َو َخْيٌر لَ ُك ْم َو َع َسى َأ ْن‬
‫حُتِ بُّوا َشْيئاً َو ُه َو َشٌّر لَ ُك ْم [البقرة‪ ]216:‬وهذه اآلية من قواعد‪ 6‬املؤمن‪ ،‬فالصرب‬
‫والثقة يف اهلل عز وجل واحتساب البلوى عند اهلل طمأنينة تعوض اإلنسان‪ ،‬وال‬
‫جيدها الكافر أبداً وال يشعر هبا ألنه فاقد هلذه النعمة‪.‬‬

‫وكم من الناس اهتدى إىل اإلميان ملا أصيب مبصيبة أو مبرض‪ ،‬وكم من الناس‬
‫أصابته نكبة مالية فكانت سبباً يف ثرائه فيما بعد‪ ،‬وكم من إنسان طرد من‬
‫وظيفته فكان ذلك فتحاً له يف عمل آخر يدر له اخلري‪ ،‬وكم وكم من الواقع‪،‬‬
‫فكيف حبال من يؤمن باهلل ومبا أعد اهلل وادخر له يف الدار اآلخرة‪ ،‬فهذه هي‬
‫حقيقة الشقاء‪ ،‬كما أن تلك حقيقة السعادة‪ ،‬وأما الكافر فمهما‪ 6‬بلغ من الثراء‬
‫فهو نكد شقي يائس قانط ال يطمئن أبداً‪ ،‬ألن القلب ال يطمئن أبداً إال باإلميان‬
‫ِ ِئ‬ ‫ِِ‬
‫وب [الرعد‪ ]28:‬هذا للحصر‪،‬‬ ‫باهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل ‪َ :‬أال بذ ْك ِر اللَّه تَطْ َم ُّن الْ ُقلُ ُ‬
‫ويف غري ذكر اهلل عز وجل ال يتم إال الشقاء‪.‬‬

‫أثر الفرد يف بناء األمة‬


‫السؤال‪ :‬قلت يف كالمك‪ :‬إن األساس يف األمة هو الفرد‪ ،‬وإذا صلح الفرد‬
‫صلحت األمة‪ ،‬وباملقابل فالفرد عندما خيطئ يقول‪ :‬أنا فرد ولن يؤثر خطئي هذا‬
‫يف هذا اخلضم من البشر‪ ،‬فكيف نوفق بني هذين القولني؟‬
‫اجلواب‪ :‬أضرب مثالً على ذلك‪ ،‬يقال‪ :‬إن أحد امللوك كان له وزيراً فطناً وكان‬
‫يقول‪ :‬الرعية فيها من حيبك‪ ،‬وفيها من يذمك‪ ،‬وامللك يصر على أن الرعية‬
‫ليست كذلك‪ ،‬ويظن أن كلهم على الصدق واإلخالص والوفاء له‪ ،‬وليس فيهم‬
‫غشاش أو كذاب‪ ،‬والوزير يقول‪ :‬أنا أعلم بالناس منك‪ ،‬وإذا أردت أن خنترب‬
‫الناس حىت تعلم حقيقتهم‪ ،‬فافعل‪ ،‬مث اتفقا أن يبين امللك قصراً ضخماً من مجيع‬
‫اجلوانب‪ ،‬وجيعل فيه بركة وهذه الربكة‪ 6‬يريد امللك أن جيعلها من اللنب‪ ،‬مث أصدر‬
‫أمره إىل الناس مجيعاً بأنه إذا رجع الناس من املرعى باملواشي‪ ،‬أن يأيت كل منهم‬
‫بإناء كبري من اللنب ويصبه يف الربكة‪ ،‬حىت ال يطلع الصباح إال وهي مألى‪ ،‬لكي‬
‫يتنعم امللك ويتمتع بالنظر إليها‪ ،‬ففعل ذلك االختبار‪ ،‬وحني عاد الناس يف الليل‬
‫باملواشي‪ ،‬قال كل واحد منهم‪ :‬لو وضعت ماءً فإنه ال يضري إناء ماء يف بركة‬
‫من اللنب‪ ،‬ولن ينتبه أحد؛ ألنه ميشي يف الظالم‪ ،‬وقد تعمد امللك أن يكون ذلك‬
‫ليالً‪ ،‬فجاء امللك يف الصباح؛ فوجدها قد امتألت باملاء‪.‬‬

‫وهذه حالنا حنن املسلمني‪ ،‬وهذه املسألة ‪-‬مع األسف‪ -‬واقعة يف حياتنا‪ ،‬فإننا‬
‫نسمع احملاضر يقول‪ :‬شركات التدخني شركات يهودية وشركات نصرانية‬
‫حتارب اإلسالم وتفعل وتفعل‪ ،‬فتجمع ماليني الرياالت من العامل اإلسالمي لكي‬
‫حتارب هبا املسلمني‪ ،‬فيقول‪ :‬الباكت خبمسة رياالت‪ ،‬وماذا تعمل لليهود‬
‫والنصارى‪ ،‬فمثالً لو اشرتينا مليون (باكت) يف جدة ومليون (باكت) يف القاهرة‬
‫ومليون يف كذا ومليون يف العامل اإلسالمي‪ ،‬الجتمع لليهود يف ذلك اليوم ماليني‬
‫من أجل (باكت)‪ ،‬وكذلك اجملالت اخلبيثة اليت توزع على املكتبات بسعر اجلملة‬
‫(مثانية رياالت) تقول له‪ :‬ال تشرتيها ألنك تساعد على نشر هذه اجمللة اخلبيثة‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬ماذا يفيد! عدد واحد أشرتيه من هذه اجمللة! وكذلك‪ 6‬آخرون‪ ،‬فإذا‬
‫بصاحب املكتبة مل يبق عنده شيء منها‪ .‬فاشرتيناها وروجناها‪ ،‬فكل واحد نظرته‬
‫نفس النظرة‪ ،‬أنه ماذا يفرق لاير واحد‪ ،‬وماذا يفرق عدد واحد‪ ،‬وماذا يفرق‬
‫باكت واحد‪ ...‬وهذه مشكلتنا‪.‬‬

‫إذاً اإلصالح أوالً‪ :‬يبدأ من الفرد‪ ،‬فإصالح األمم يبدأ من إصالح األشخاص‪،‬‬
‫وكل منا على ثغرة‪ ،‬وكل إنسان عليه أن يتقي اهلل يف عمله‪ ،‬فإذا أخذت الرشوة؛‬
‫انتشرت الرشوة بني املوظفني‪ ،‬وإذا قلت للناس‪ :‬األمانة ضعفت؛ وأمانيت أنا‬
‫ضعيفة والناس كلهم يكذبون وأنا أكذب‪ ،‬وإذا قلت‪ :‬إن الناس يف غيبة ومنيمة‬
‫ويف حسد وال حول وال قوة إال باهلل‪ ،‬وأنا واقع يف نفس الشيء‪ ،‬فهو يريد أن‬
‫يصلح غريه‪ ،‬وهو يسري كما حيب وكما حتب شهواته‪ ،‬لكن ال فاهلل ُسْب َحانَهُ‬
‫َوَت َعاىَل خاطب اإلنسان‪ ،‬وخاطب نفسه ويبني له عالجها وأنه سيحاسبها‬
‫منفردة‪ ،‬فإذا أنا أصلحت نفسي ونصحت غريي‪ ،‬وإذا كل واحد أصلح نفسه‬
‫ونصح غريه؛ صلحت األمة بإذن اهلل‪ ،‬ولكن إذا دعوت األمة إىل الصالح مهما‬
‫دعوت‪ ،‬ومل أصلح نفسي‪ ،‬فإنه لن يستجيب الناس ولن يكون أثرها الصحيح‬
‫أبداً‪.‬‬

‫حب الدنيا معناه وضعها يف القلب ال يف اليد‬


‫السؤال‪ :‬تكلمت عن حب الدنيا‪ ،‬وأنه من األسباب اليت أدت إىل تردي األمة‪،‬‬
‫فما هو السبيل لنـزع حب الدنيا‪ 6‬من قلوبنا‪ ،‬مع العلم أننا نعيش اليوم يف دوامة‬
‫العمل ومتطلبات احلياة؟‬
‫اجلواب‪ :‬ال شك أننا مجيعاً نعاين من ذلك‪ ،‬ونسأل اهلل أن يعيننا‪ ،‬فكم نعايش‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم؛ فكانوا‬
‫ونكابد احلياة وقد كابدها قبلنا أصحاب النيب َ‬
‫يضربون يف األرض يبتغون من فضل اهلل‪ ،‬وكما تعلمون قصة عمر رضي اهلل عنه‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‬
‫أنه كان يرسل رجالً من األنصار‪ 6‬يستمع حديث رسول اهلل َ‬
‫حىت يعود يف آخر اليوم ليجلس وليسمع‪ ،‬فهذه املعاناة عاناها أفضل جيل؛ ومع‬
‫ذلك كان مههم اآلخرة‪.‬‬

‫فالعالج أن ننـزع من قلوبنا حب الدنيا وتعظيمها وجنعل بدالً من ذلك تعظيم‬


‫اآلخرة‪ ،‬فال أقول‪ :‬نرتك أعمالنا‪ ،‬وال أقول ال حنرص على الربح احلالل‪ ،‬وال‬
‫أقول‪ :‬ال نتمتع مبا أحل اهلل لنا من الطيبات ومبا أعطانا اهلل من الرزق‪ ..‬أبداً‪،‬‬
‫لكن نقول‪ :‬خنرجها من قلوبنا وليس من أيدينا‪ ،‬وأما التخلي الذي فهمه الصوفية‬
‫الضالل بالتخلي عن الدنيا‪ ،‬أن يعيش اإلنسان فقرياً ال ميلك شيئاً فليس هذا هو‬
‫اخلروج من الدنيا‪ ،‬إذاً لكان فقراء اهلند من البوذيني من أسعد خلق اهلل عند اهلل‬
‫عز وجل‪ ،‬لكن! ال‪ .‬فالزهد احلقيقي والرغبة احلقيقية يف اآلخرة؛ وقد تكون مع‬
‫وجود املال‪ ،‬ومن وجد ماالً فإنه ميسكه يف يده ال يف قلبه‪.‬‬

‫كما قال اإلمام أمحد رمحه اهلل عندما سئل‪ :‬أيكون الرجل زاهداً‪ 6‬وعنده ألف‬
‫دينار أو عشرة آالف دينار‪ ،‬فقال‪ :‬نعم إذا كانت يف يده وليست‪ 6‬يف قلبه فهو‬
‫زاهد وقد كان الصحابة رضي اهلل عنهم منهم األغنياء كـعثمان والزبري مع أهنما‬
‫من أزهد الناس‪ ،‬فهذا‪ 6‬هو املقصود‪ ،‬فإذا مل يتعلق القلب هبا‪ ،‬ومل حيملك حب‬
‫الدنيا على أن تعصي اهلل ‪-‬وكم من املسلمني من يفعل ذلك‪ -‬ومل حيملك حب‬
‫الدنيا على أن توايل أعداء اهلل ‪-‬وكم من املسلمني من قد يعادي أهل اخلري وحيب‬
‫أهل الكفر وأهل الفجور من أجل دنياه والعياذ باهلل‪ -‬فإذا كان احلال كذلك فإنه‬
‫ال يضري كون اإلنسان ميلك ماالً كثرياً‪.‬‬

‫ونسأل اهلل أن يوفقنا ملرضاته‪.‬‬


‫زيادة اإلميان ونقصانه‬
‫السؤال‪ :‬هل اإلميان يزيد وينقص؟‬
‫اجلواب‪ :‬نعم! ال شك أن اإلميان يزيد وينقص كما أخرب اهلل تبارك وتعاىل يف‬
‫القرآن عن زيادة اإلميان‪ ،‬فقال‪َ :‬ز َاد ْت ُه ْم ِإميَاناً َو َعلَى َرهِّبِ ْم َيَت َو َّكلُو َن [األنفال‪]2:‬‬
‫اه ْم َت ْق َو ُاه ْم [حممد‪ ]17:‬وقال‪:‬‬ ‫َّ ِ‬
‫دى َوآتَ ُ‬ ‫ين ْاهتَ َد ْوا‪َ 6‬ز َاد ُه ْم ُه ً‬
‫وقال تعاىل‪َ :‬والذ َ‬
‫دى [الكهف‪ ]13:‬وغري ذلك مما هو معلوم‬ ‫ه‬ ‫م‬‫اه‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫د‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ز‬ ‫و‬ ‫م‬‫ِإنَّهم فِْتيةٌ آمنُوا بِرهِّبِ‬
‫ْ ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ َ َ َ ْ َ‬
‫لدى اجلميع‪.‬‬

‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‬


‫والنقص أيضاً فال شيء يزيد إال وهو ينقص‪ ،‬وقد نص النيب َ‬
‫يف حديثه عن النساء‪ :‬أهنن ناقصات عقل ودين‪ ،‬ويف خربه عن ذلك قوله‪{ :‬ما‬
‫رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي اللب من إحداكن } فهذا دليل على‬
‫نقص الدين‪.‬‬

‫ويدل عليه أيضاً أن الناس يوم القيامة متفاوتني حبسب أعماهلم عند اهلل‪ ،‬فمن‬
‫الناس من تكون حسناته كاجلبال ومنهم من يدخلون النار لضعف إمياهنم؛ مث‬
‫خيرجهم اهلل من النار حبسب درجاهتم يف اإلميان؛ وآخر من خيرج من النار‪ 6‬هم‬
‫الفئات اليت هي أقل الناس إمياناً‪ ،‬فيأمر اهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل ويأذن بأن يُشفع هلم‪،‬‬
‫فيخرج من النار من كان يف قلبه مثقال شعرية؛ مث مثقال ذرة‪ ،‬مث أدىن أدىن مثقال‬
‫ذرة‪.‬‬
‫فهناك درجات من اإلميان‪ ،‬فبعض الناس إميانه كأدىن أدىن مثقال ذرة‪ ،‬وبعض‬
‫الناس إميانه كمثقال الذرة‪ ،‬بعض الناس إميانه كالشعرية‪ ،‬وبعض الناس إميانه‬
‫صلَّى‬
‫كاجلبال‪ ،‬وأعظم اإلميان ما كان كإميان عمر رضي اهلل عنه ملا أول له النيب َ‬
‫اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم الرؤيا عندما رآه أنه يلبس ثوباً طويالً واسعاً‪ ،‬فأوله أنه الدين‬
‫واإلميان‪ ،‬وكما كان إميان أيب بكر رضي اهلل عنه الذي‪ 6‬لو وزن إميانه بإميان األمة‬
‫لرجح هبم‪.‬‬

‫صلَّى‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن اإلميان يزيد وينقص ويتفاوت وحسبكم أن تعلموا أن النيب َ‬
‫اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم قال‪{ :‬اإلميان بضع وسبعون شعبة‪ ،‬فأعالها شهادة أن ال إله إال‬
‫اهلل‪ ،‬وأدناها إماطة األذى عن الطريق‪ ،‬واحلياء شعبة من اإلميان } فهذه الشعب‪6‬‬
‫من حقق أربعني شعبة منها ليس كمن حقق ثالثني‪ ،‬وأعظم منه من حقق منها‬
‫مخسني وهكذا‪ ،‬وقد جيتمع عند اإلنسان حتقيق شعب ونقص يف أخرى‪ ،‬فمن‬
‫كمل يف الشعب‪ 6‬فقد بلغ درجة اإلحسان اليت هي أعلى الدرجات‪ ،‬ونسأل اهلل‬
‫ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل أن جيعلنا وإياكم من املقبولني‪.‬‬

‫الرد على قول الصوفية (أن حياة القبور تشابه احلياة املعتادة على األرض)‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم وجد‬
‫السؤال‪ :‬يف قصة اإلسراء واملعراج ورد أن رسولنا َ‬
‫بعض الرسل عليهم الصالة والسالم يف السماء؛ وهذا استغله بعض الصوفية أو‬
‫بعض الفرق املنحرفة يف إثبات أن هناك حياة يف القبور‪ ،‬وأهنا تشابه احلياة املعتادة‬
‫على األرض‪ 6،‬فكيف ميكن التوفيق والرد؟‬
‫اجلواب‪ :‬هؤالء الذين يعبدون األموات‪ ،‬ويدعوهنم من دون اهلل‪ ..‬شبهاهتم كثرية‪،‬‬
‫وحنن قبل أن نرد على شبهاهتم نسأهلم على أي أساس بنيتم ذلك؟! وهذا كتاب‬
‫اهلل بني أيدينا‪ ،‬ففي أي آية منه أجاز اهلل أن نعبد غريه؟! وأن ندعو غري اهلل نبياً‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم الصحيحة‬ ‫أو ولياً كائناً من كان؟ وهل يف سنة رسول اهلل َ‬
‫الثابتة شيء منذلك؟! ال بل اهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل نزه األنبياء وبرأهم مما افرتت‬
‫اب َواحْلُ ْك َم َوالنُُّب َّو َة مُثَّ‬‫َ‬‫ت‬ ‫عليهم أمتهم فقال سبحانه‪ :‬ما َكا َن لِب َش ٍر َأ ْن يْؤ تِيه اللَّه الْ ِ‬
‫ك‬
‫َ‬ ‫ُ َُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون اللَّ ِه [آل عمران‪ ]79:‬سبحان اهلل!‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ول لِلن ِ‬
‫َّاس ُكونُوا ِعباداً يِل ِمن د ِ‬ ‫َي ُق َ‬

‫ك وِإىَل الَّ ِذين ِمن َقبلِ َ ِئ‬ ‫ِ ِإ‬


‫ك َولَتَ ُكونَ َّن‬ ‫ت لَيَ ْحبَطَ َّن َع َملُ َ‬‫ك لَ ْن َأ ْشَر ْك َ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫َولََق ْد ُأوح َي لَْي َ َ‬
‫ين [الزمر‪َ ]65:‬ولَ ْو َأ ْشَر ُكوا حَلَبِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ط َعْن ُه ْم َما َكانُوا َي ْع َملُو َن [األنعام‪:‬‬ ‫م َن اخْلَاس ِر َ‬
‫اجنُْبيِن َوبَيِن َّ َأ ْن نَ ْعبُ َد ْ‬
‫اَأْلصنَ َام‬ ‫‪ ]88‬واألنبياء أنفسهم‪ 6‬كانوا خيافون من الشرك َو ْ‬
‫[إبراهيم‪ ]35:‬فاألنبياء خيافون على أنفسهم من الشرك‪ ،‬وحياربونه‪ ،‬وما كان‬
‫أبداً ألحد منهم أن يدعو إىل الشرك‪ ،‬أو يقره‪ ،‬فكيف يأيت هؤالء ويقولون‪:‬‬
‫ندعوهم ونستغيث هبم ونتوسل هبم إىل اهلل ألهنم‪ 6‬أحياء؟! وإذا كانوا أحياءً! فهل‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‬ ‫عبدو يف الدنيا وهم أحياء حياة حقيقية‪ ،‬وهل أجاز النيب َ‬
‫ألحد أن يعبده وأن يدعوه ‪-‬عياذاً باهلل من ذلك‪ -‬فلما قالوا‪ :‬ما شاء اهلل‬
‫صلَّى اهللُ‬ ‫وشئت‪ ،‬قال‪ {:‬أجعلتموين هلل ندا ً! } فهذا‪ 6‬أمر عظيم‪ ،‬فما أقر النيب َ‬
‫َعلَْي ِه َو َسلَّ َم وما رضي هبذا‪ 6‬العطف؛ ألن الندية معناها الشرك ومع ذلك يقولون‪:‬‬
‫ندعوهم؛ ألهنم‪ 6‬أحياء يف قبورهم‪.‬‬

‫واإلنسان يف الدنيا يستطيع أن يكسب مزيداً من احلسنات لنفسه أو أن حيسن‬


‫للناس إذا كان ميلك شيئاً؛ ومع ذلك نفى اهلل عز وجل أن أحداً من الناس ميلك‬
‫لنفسه شيئاً إال ما شاء اهلل‪ ،‬فكيف إذا مات؛ فإنه أحوج ما يكون إىل ربه عز‬
‫وجل‪ ،‬فكيف يصبح يعطي وينفع ويضر ويدعى ويستغاث به!‬

‫بلى إذا كان يتخلى أولوا العزم من الرسل عن أمته ويقول كل منهم‪( :‬نفسي‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم وحده فقط الذي‪ 6‬يأذن له ربه‬ ‫نفسي)‪ ،‬ورسول اهلل َ‬
‫بالشفاعة الكربى‪ ،‬فهؤالء أولوا العزم ال ميلكون للناس شيئاً‪ ،‬وال ميلكون‬
‫ألنفسهم شيئاً يوم القيامة عند اهلل‪ ،‬فكيف ميلك ذلك البدوي وعبد القادر‬
‫اجليالين وغريمها! مع أهنم ليسوا‪ 6‬أولياء يف احلقيقة‪ ،‬وليسوا أفضل من األنبياء ‪-‬‬
‫بأي حال من األحوال‪ -‬مهما كانت واليتهم‪ ،‬فهذه شبهات فقط يزينها‬
‫الشيطان لعباد القبور‪ 6‬واألموات حىت لو كانوا أحياء عند اهلل‪ ،‬واهلل تبارك وتعاىل‬
‫قد أخربنا عن الشهداء أهنم أحياء عنده فقال‪َ :‬وال َت ُقولُوا لِ َم ْن يُ ْقتَ ُل يِف َسبِ ِيل اللَّ ِه‬
‫َأحيَاءٌ َولَ ِك ْن ال تَ ْشعُُرو َن [البقرة‪ ]154:‬فالشهداء أحياء‪ ،‬واألنبياء‬ ‫ات بَ ْل ْ‬
‫َْأم َو ٌ‬
‫حياهتم ‪-‬بال شك‪ -‬أكمل من حياة الشهداء‪ ،‬فهل ندعو الشهداء ونستغيث هبم‪،‬‬
‫أو نستغيث باألنبياء؟! حنن ال ندري ما حال الشهداء عند اهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل ‪ ،‬و‬
‫أما األنبياء فإهنم‪ 6‬كما أخرب عنهم رهبم تبارك وتعاىل قائالً ِإنَّ ُه ْم َكانُوا يُ َسا ِرعُو َن‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ني [األنبياء‪ ]90:‬فهم‬ ‫يِف اخْلَْيَرات َويَ ْدعُو َننَا َر َغباً َو َر َهباً َو َكانُوا لَنَا َخاشع َ‬
‫أنفسهم‪ 6‬كانوا يرجون رمحة اهلل وخيشون‪ 6‬عذابه‪ ،‬وهم كما قال تعاىل‪ :‬ال مَيْلِ ُكو َن‬
‫ِ‬
‫ضّراً [الرعد‪ ]16:‬فكيف ميلكونه لغريهم من الناس؛ ال ميكن‬ ‫َأِلْن ُفس ِه ْم َن ْفعاً َوال َ‬
‫ذلك أبداً !‬

‫فهذه احلقائق ملن يريد أن يناقش هذه األفكار‪ 6‬الضالة من صوفية وغريها‪ ،‬فيعرض‬
‫هذه الشبهات على هذه احلقائق الناصعة اجللية‪ ،‬نعم‪ :‬نستطيع أن نرد ردوداً‬
‫تفصيلية على كل قضية؛ لكن نعرضها على األصول اجللية الواضحة؛ لتذهب‬
‫هذه الشبهات‪ ،‬وإال فال بد أنه سيأيت بشبهات كما أتى هبا املشركون من قبل‪،‬‬
‫قال تعاىل‪َ :‬ما َن ْعبُ ُد ُه ْم ِإاَّل لُِي َقِّربُونَا ِإىَل اللَّ ِه ُزلْ َفى [الزمر‪ ]3:‬وقد‪ 6‬كان املشركون‬
‫يقولون يف تطوافهم‪ 6‬حول البيت‪ 6‬احلرام‪( :‬لبيك ال شريك لك‪ ،‬إال شريكاً هو‬
‫لك‪ ،‬متلكه وما ملك) فهذه هي تلبية املشركني (متلكه وما ملك) وإذا سئلوا‪:‬‬
‫كيف تدعون الالت والعزى‪ ،‬ووداً وسواعاً ويغوث من دون اهلل؟ قالوا‪ :‬حنن ما‬
‫ندعوهم ألهنم ميلكون شيئاً من دون اهلل؟ لكن هم يقربونا إىل اهلل‪ ،‬فهم شفعاؤنا‬
‫عند اهلل‪ ،‬وهذا صريح يف القرآن‪ ،‬وإذا سألت أحداً ممن يدعو نبياً أو ولياً‪ ،‬فإنه‬
‫يقول‪ :‬أنا ال أعبد غري اهلل وال أدعو الويل بأنه إله‪ ،‬وأنا أدري أن اهلل هو الذي‪6‬‬
‫ميلك كل شيء إال أنين أدعو الويل؛ ألنه هو الواسطة بيين وبني اهلل‪ ،‬فنقول‪ :‬هذه‬
‫هي تلبية أهل اجلاهلية (متلكه وما ملك) فأهل اجلاهلية ما قالوا‪ :‬إن آهلتهم متلك‬
‫كل شيء! فهذا هو الشرك‪ ،‬ولكن شياطني اإلنس واجلن لبسوا‪ 6‬عليهم دينهم‬
‫ليصدوهم عن التوحيد‪ ،‬نسأل اهلل أن يكف عنا شرهم‪.‬‬

‫هل رأى النيب صلى اهلل عليه وسلم ربه‬


‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم لربه يف املنام؛ مث‬
‫السؤال‪ :‬ما هو القول الفصل يف رؤية النيب َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم {رأيت ريب يف أحسن صورة }؟‬ ‫يف حديث النيب َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم لربه‪ ،‬فالراجح هو ما دلت‬ ‫اجلواب‪ :‬أما بالنسبة لرؤية النيب َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم مل ير ربه‪ ،‬كما يف‬ ‫عليه األحاديث الصحيحة‪ 6‬وهي أن النيب َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ :‬نور أىن‬
‫حديث أيب ذر {هل رأيت ربك فقال‪ :‬رسول اهلل َ‬
‫أراه } وقال‪{ :‬حجابه النور‪ ،‬لو كشفه ألحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه‬
‫بصره من خلقه } فهو مل ير ربه عز وجل‪ ،‬وكذلك حديث عائشة رضي اهلل‬
‫عنها قالت‪[[ :‬ثالث من قاهلن فقد أعظم على اهلل الفرية‪ :‬ومنها من قال‪ :‬إن‬
‫حممداً رأى ربه فقد أعظم على اهلل الفرية ]]‪.‬‬

‫وأما القول املخالف‪ ،‬وهو ما نقل عن ابن عباس رضي اهلل تعاىل عنه أنه رآه‪ ،‬فقد‬
‫ورد مقيداً عن ابن عباس ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬أنه قال‪[[ :‬رآه بفؤاده مرتني ]] وابن‬
‫عباس رضي اهلل تعاىل عنه ما دام أنه قد ورد عنه ذلك التقييد‪ ،‬فإذاً نقيد ما أطلق‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم رأى ربه‪ ،‬فقوله وقول من قال بقوله‬
‫من أنه يقول‪ :‬إن النيب َ‬
‫إما أن يكون اجتهاداً وهو خطأ غري صواب‪ ،‬أي أن له أجر االجتهاد وليس أجر‬
‫الصواب‪ ،‬أو أن نقول‪ :‬إنه رضي اهلل عنه قيد ذلك وهو األوىل واألرجح بالفؤاد‪،‬‬
‫فال يكون هناك خالف وال منافاة بني أقول الصحابة رضوان اهلل تعاىل عليهم يف‬
‫ذلك‪.‬‬

‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم رأى ربه يف أحسن‬


‫أما بالنسبة حلديث الصورة‪ :‬أن النيب َ‬
‫صورة يف املنام‪ ،‬فإذا نظرنا لكالم ابن عباس إىل أنه رأى ربه بفؤاده مرتني‬
‫فنستطيع أن نقول‪ :‬إن هذه هي إحدى الرؤيتني‪ ،‬رآه يف األرض‪ 6‬ملا كان يف املنام‪،‬‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم رؤيتان‬
‫ورآه أيضاً بقلبه (بفؤاده) ملا أسري به‪ ،‬فحدث للنيب َ‬
‫قلبيتان‪.‬‬

‫وموسى عليه السالم هو كليم اهلل‪ ،‬ومن أويل العزم‪ ،‬ونعلم منـزلته وفضله‪ ،‬وقد‬
‫سأل اهلل عز وجل الرؤيه‪ ،‬فقال سأريك نفسي يف املنام‪ ،‬أما اليقظة فمعلوم أنه‬
‫حمال ذلك ولن يتحقق‪.‬‬

‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم رأى ربه بفؤاده مرتني‪ ،‬وموسى عليه السالم‬
‫فإذا كان النيب َ‬
‫مل يره ال يف اليقظة وال يف املنام‪ ،‬فمن من األقطاب يدعي أنه يراه يف الدنيا؟!‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم؟!‬
‫وأي إنسان هو أفضل من موسى أو أفضل من حممد‪َ 6‬‬
‫وهلذا من قال‪ :‬إنه يرى اهلل يف الدنيا‪ ،‬ومن زعم ذلك فقد كذب‪ ،‬وهو إىل الكفر‬
‫أقرب منه إىل اإلسالم‪ ،‬وإذا أصر على ذلك بعد قيام احلجة‪،‬فإنه يعزر ولو بالقتل‬
‫الم ابن تيمية وغريه‪ ،‬وكما ثبت يف احلديث { إن‬ ‫كما نص على ذلك َشْيخ اِإل ْس ِ‬
‫الشيطان يضع عرشه على املاء } ويلبس على هؤالء‪ ،‬بأن يريهم نفسه ويريهم‬
‫عرشه‪ ،‬ويقول‪ :‬أنا اهلل وهذا العرش حىت أن الصوفية عندهم أحد األولياء‪ 6‬مسوه‬
‫فالن العرشي‪ ،‬ألنه دائماً حتت العرش‪ ،‬وخياطب اهلل من حتت العرش‪ ،‬وهذا هو‬
‫عرش إبليس‪.‬‬

‫حاجة الصحوة إىل الرعاية‬


‫السؤال‪ :‬يقول‪ :‬الصحوة اإلسالمية حقيقة تشهدها معظم البالد اإلسالمية‪ ،‬وهي‬
‫حتتاج إىل الرعاية والتوجيه‪ ،‬فهل تعتقدون أن هذه الصحوة‪ ،‬تلقى ما تستحق أن‬
‫تلقاه من التوجيه والرعاية‪ ،‬حىت تصل بإذن اهلل إىل بغيتها؟‬
‫اجلواب‪ :‬حقيقة من خالل الواقع‪ 6‬املشاهد‪ ،‬نرى أن هذه الصحوة مل يتحقق هلا‬
‫ذلك‪ ،‬احلمد هلل! يوجد خري‪ ،‬ويوجد شيء من هذا‪ ،‬لكن مل يتحقق هلا ذلك‪،‬‬
‫والدليل هو وجود هذا الشباب احلائر الذي أفاق وعاد إىل دينه‪ ،‬ولكنه حائر بني‬
‫اجتاهات شىت‪ ،‬فلو كانت هذه الصحوة مرشدة وموجهة على املنهج الصحيح؛‬
‫لكان الشباب مجيعاً منضوين حتت الكتاب والسنة‪ ،‬وال جيدون ما يفرقهم أو ما‬
‫يشتتهم ويبعدهم عنه‪ ،‬فهذا اجلانب فيه خلل‪ ،‬ونرجو أن يستكمل بإذنه ُسْب َحانَهُ‬
‫َوَت َعاىَل ‪ ،‬والصحوة أيضاً حمفوفةٌ باملخاطر من أعداء اهلل‪ ،‬ألهنم‪ 6‬خيططون لضرب‬
‫هذا الدين‪ ،‬وضرب الشباب‪.‬‬

‫بعض أهداف الباطنية ضد اإلسالم‬


‫السؤال ‪ :‬على ذكر األخطار اليت هتدد الصحوة اإلسالمية‪ ،‬الرجاء ذكر بعض‬
‫أهداف الباطنية اليت ترصد العداوة لإلسالم‪ ،‬وما هي أقوال السلف يف هذه‬
‫الفرق‪ ،‬ومباذا تنصح الشباب ملزيد من الوعي والدارسة عن هذه الفرق وأهدافها‬
‫وأضرارها؟ وقد ذكرت يف حماضرة سابقة‪ ،‬أنك سوف تذكر ألعوبة فعل رجل‬
‫سين يف الروافض أو هبذا‪ 6‬املعىن؟‬
‫اجلواب‪ :‬الباطنية ‪ ،‬أمجع العلماء على تكفريها ونصوا على أن ذلك‪ ،‬بل ونصوا‬
‫على أن من عرفهم‪ 6‬ومل يكفرهم فهو كافر‪ ،‬واتفق على ذلك علماء السنة‪ ،‬وكثري‬
‫من علماء البدع‪ ،‬حىت من املعتزلة واألشعرية ‪ ،‬وكثري من الفرق املنحرفة عن‬
‫منهج السنة‪ ،‬لكنها ال تزال داخل دائرة اإلسالم‪ ،‬فكلها متفقة على تكفري الباطنية‬
‫‪ ،‬ألهنا فرقة أخطر من اليهود والنصارى واجملوس‪ ،‬وذلك ألهنا ال تريد إال أن‬
‫هتدم هذا الدين‪ ،‬وجتتثه من أساسه وليست‪ 6‬فقط تؤول بعضه‪ ،‬أو تنحرف عن‬
‫بعضه‪ ،‬بل إهنا تقضي على االعتقادات‪ ،‬فال تثبت هلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل ال امساً وال‬
‫صفة على اإلطالق‪ ،‬وتقضي على العبادات‪ ،‬فتؤول الصلوات اخلمس بأهنا ذكر‬
‫األئمة اخلمسة‪ ،‬وتؤول الصيام‪ 6‬باإلمساك عن أسرارهم أو ذكر ثالثني رجالً من‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم منسوخة‪ ،‬وقد نسختها شريعة‬
‫وتقول‪ :‬إن شريعة حممد َ‬
‫حممد بن إمساعيل بن جعفر الصادق ‪ ،‬وتقول‪ :‬إن كل ما حرمه الكتاب والسنة‬
‫حالل‪ ،‬وليس هناك حرام على اإلطالق! إال ما أرادوه هم من شهوات أو ما‬
‫شاءوا أن يفرضوه ليكون الناس تبعاً هلم‪ ،‬وكذلك القرامطة والعبيديون فإهنما‪6‬‬
‫منهم؛ فهم خارجون عن مجيع امللل وعن مجيع الشرائع‪ ،‬فلو أن رجالً من الباطنية‬
‫ترك الباطنية وحتول عنها إىل النصرانية ‪ ،‬لكان ذلك أخف من الرجل الذي‬
‫يتحول من النصرانية إىل الباطنية ‪.‬‬

‫وأما مكرها يف العامل اٍإل سالمي فإنه ال ينتهي يف كل مكان ويف كل زمان‪،‬‬
‫معىن‬
‫فالقرآن عندهم ال يبقى له معىن على اإلطالق؛ ألهنم يقولون‪ :‬إن لآلية ً‬
‫ظاهراً‪ ،‬وهذا الظاهر له باطن‪ ،‬والباطن له باطن إىل سبعمائة باطن فمن أين نفهم‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم رداً مطلقاً‪ ،‬فمن أين‬
‫القرآن؟! كذلك يردون سنة النيب َ‬
‫يكون األخذ؟ يقولون‪ :‬عن اإلمام فقط وهذا اإلمام هو الذي يفسر كما يشاء‪،‬‬
‫ويتحكم يف األنفس واألموال والشهوات‪ ،‬وإىل اآلن هلم أئمتهم من البهرة‬
‫واألغاخانية واإلمساعيلية وأمثاهلم من طوائف الضالل اليت نسأل اهلل تبارك وتعاىل‬
‫أن يقي املسلمني من شرهم‪ ،‬فال نستطيع أن نأيت على كل خطط الباطنية‬
‫وأهدافها‪ 6،‬ولكن خطرها بال شك عظيم‪ ،‬وجيب أن حنذر‪ 6‬منها؛ وميكن أن تدخل‬
‫من باب التشيع‪ ،‬وما دخلت وما جاءت إال من هذا الباب‪ ،‬أو من باب‬
‫التصوف‪ ،‬فغالة الصوفية باطنية ‪ ،‬والصويف ينتهي به احلال إىل أن يكون يف‬
‫النهاية باطنياً‪ ،‬والرافضي ‪-‬أيضاً‪ -‬ينتهي به احلال إىل أن يكون باطنياً وهكذا‬
‫فكل هادم للدين فإنه يبدأ بداية منحرفة قد تكون أقل لكنها تنتهي به إىل األكثر‪،‬‬
‫عياذاً باهلل‪.‬‬
‫خطر الباطنية على الصحوة اإلسالمية وتعدد االنتماءات‬
‫السؤال ‪ :‬احلديث عن الصحوة ‪-‬كما يقولون‪ -‬ذو شجون والصحوة أمرها يهم‬
‫اجلميع‪ ،‬وأسال اهلل عز وجل أن يكتب هلا التوفيق‪ ،‬وأن جينبها كيد األعداء‬
‫ومكرهم‪ ،‬وميكن أن يكون للسؤال األول شق آخر‪ ،‬وهو أنه إذا عرفنا خطر‬
‫الباطنية على الصحوة‪ ،‬وشباهبا‪ ،‬فأيضاً هناك جانب آخر للموضوع وهو التفرقة‬
‫اليت حتصل بني شباب الصحوة‪ ،‬فنجد انتماءات خمتلفة جلماعات خمتلفة‪ ،‬هناك‬
‫من ينتمي جلماعة تسمي نفسها مجاعة التبليغ ‪ ،‬وهناك من ينتمي جلماعة تسمي‬
‫نفسها اإلخوان ‪ ،‬وهناك من ينتمي جلماعة تسمي نفسها اجلماعة السلفية ‪ ،‬وإىل‬
‫غري ذلك من املسميات واالختالفات والتفرقة اليت حلت بشباب الصحوة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬فهل هذه حالة صحية للصحوة اإلسالمية؟ أم أن املوضوع حيتاج إىل‬
‫نظر وحيتاج إىل وقفة صادقة إذا كان القصد هو وجه اهلل عز وجل؟‬
‫اجلواب‪ :‬األمة اإلسالمية قد عانت من الفرقة وتعاين منها إىل اليوم‪ ،‬واجلماعات‬
‫اإلسالمية هي بال شك أفضل ما يف هذه األمة‪ ،‬على ما يف هذه األمة من أفضل‬
‫ما فيها هي هذه اجلماعات اليت تريد أن تعيد الناس إىل الكتاب والسنة‪ ،‬سواء من‬
‫كان منها على خطأ أومن كان منها على صواب؛ على األقل فهي ترفع دعوى‬
‫اإلسالم وشعاره يف أوقات ويف بيئات ويف جمتمعات تنفر نفوراً‪ 6‬كامالً من رفع‪6‬‬
‫هذا االسم‪ ،‬وال نقيس اجملتمعات مثل هذا اجملتمع‪ 6‬الذي نعيش فيه‪ ،‬ألنه يوجد‬
‫جمتمعات ال تريد ذكر اهلل وال تريد اسم اهلل على اإلطالق‪ ،‬والصحوة اإلسالمية‬
‫يف مجلتها‪ ،‬الشك أن من أسباب وجودها وجود هذه اجلماعات اليت قامت‬
‫ونشرت الدعوة‪ ،‬وكل منها على رأيه واجتاهه‪ ،‬ما كان فيه من خطأ أو احنراف‪،‬‬
‫وما كان فيه أيضاً من صواب ولو يف اجلملة‪ ،‬فهذه الصحوة هي نتاج عوامل‬
‫عديدة‪ ،‬منها‪ :‬وجود هذه احلركات وهذه اجلماعات‪ ،‬إذاً فما موقف املسلم‬
‫منها؟ املوقف من هذه اجلماعات‪ ..‬ومن الفرق واألفراد واألمم‪ ..‬هو نفس‬
‫شيء مبيزان كتاب اهلل‬ ‫املوقف الذي‪ 6‬جيب أن يكون لدينا دائماً‪ ،‬بأن نزن كل ٍ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬وهو ميزان العدل‪ ،‬فمن الوصايا‪ 6‬العشر اليت‬ ‫وسنة رسوله َ‬
‫اع ِدلُوا‪[ 6‬األنعام‪:‬‬
‫أوصى اهلل هبا مجيع األمم‪ 6‬وأوصانا هبا قوله تعاىل‪َ :‬وِإ َذا ُق ْلتُ ْم فَ ْ‬
‫‪ ]152‬فننظر إليها مبيزان العدل‪ ،‬وأيضاً ننظر مبنظار االستفادة من التجربة أي‬
‫من جهة العلم نفسه‪ ،‬فنحن الذين نسعى إىل األكمل واألفضل ونريد أن تتوحد‬
‫األمة‪ ،‬وال نريد أن تتفرق األمة هذا التفرق وهذا التمزق‪ ،‬بل جيب أن نكون‬
‫مجاعةً واحدة على الكتاب والسنة‪.‬‬

‫ووجود هذه اجلماعات ما هو إال نتيجة التفسخ الكبري الذي‪ 6‬حدث يف األمة‬
‫بأكملها‪ ،‬وبُعدها عن منهج اهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل ؛ فكان من الضروري‪ 6‬أن يتجمع‬
‫الناس يف جتمعات صغريه‪ ،‬وال ضري يف ذلك لو أهنا كانت متمسكةً على الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬ولو أن كل مجاعة قامت كانت متمسكة بالكتاب والسنة‪ ،‬لوجدنا أننا‬
‫يف النهاية نكون مجاعة واحدة فعالً‪ ،‬وال خالف على اإلطالق‪ ،‬لكن املشكلة‬
‫تأيت من التقليد والتبعية والتعصب‪ 6‬والتحزب‪ ،‬وهذا ما وقع مع األسف‪ ،‬بأن‬
‫اإلنسان يقيس الناس جبماعته‪ ،‬فمن كان منها فهو على احلق وما كان ضدها فهو‬
‫على الباطل‪ ،‬وهذا هو اخلطأ الذي ختوفه السائل ‪-‬جزاه اهلل خرياً‪ -‬على الصحوة‬
‫وله احلق يف ذلك؛ فنحن يف هذه احلالة قضينا على الغاية من أجل الوسيلة‪،‬‬
‫واسأل أي إنسان ينتمي إىل هذه اجلماعات ‪-‬أي ٍ‬
‫مجاعة كانت‪ -‬ملاذا وجدت‬
‫اجلماعة؟ لقال‪ :‬من أجل حتقيق اإلسالم‪ ،‬ولو قيل له‪ :‬ومباذا تسري هذه اجلماعة؟‬
‫لقال‪ :‬على الكتاب والسنة‪ ،‬إذاً خذه على ظاهره ونسلم لك هبذا‪ 6‬الظاهر على ما‬
‫عليه من مالحظات‪ ،‬مث ننظر ما أنت عليه يف الواقع‪ ،‬فأنت أصبحت توايل‬
‫وتعادي بناءً على هذه اجلماعات‪ ،‬وقلت‪ :‬إننا ال حنب أن نذكر األمساء‪ ،‬ال ألننا‬
‫خناف أن نذكر امساً معيناً‪ ،‬لكن ألننا نريد أن ننظر إىل األمور‪ 6‬واألخطاء‬
‫واالحنرافات‪ 6‬بنظرة جمردة؛ لنعرف حجمها؛ وإال قد نقع حنن يف احليف‪ ،‬فأنا مثالً‬
‫لسبب ما‪ ،‬فأجور وأحيف يف كل من يذكرها لدي‪.‬‬ ‫قد أكره مجاعة معينة ٍ‬

‫اآلن أذكر لكم مثال من بعض اجلماعات اليت تطبع وتوزع فتوى لسماحة الشيخ‬
‫عبد العزيز بن عبد اهلل بن باز وهل هناك من ال حيب علم الشيخ عبد العزيز ؟!‬
‫وهل هناك شخص غري حريص على نشر فتاوى الشيخ عبد العزيز ؟! ال‪ ،‬إذاً‬
‫فكم فتاوى للشيخ؟ كثرية جداً ويف أمور هامة‪ ،‬فتاوى يف التوحيد‪ ،‬وفتاوى يف‬
‫أنواع البدع‪ ،‬ويف الشرك‪ ،‬وفتاوى‪ 6‬عن الربا‪ ،‬والقمار‪ ،‬والفيديو‪ ،‬وفتاوى يف أمور‬
‫مهمة تنهش جمتمعنا وتفتك به‪ ،‬إذاً أنتم يا دعاة! هل صورمت فتاوى الشيخ هذه‬
‫ووزعتموها على الناس؟ ال‪ ،‬بل صوروا‪ 6‬هم فتوى أو كالم يقول فيه‪ :‬إن اجلماعة‬
‫الفالنية على احلق‪ ،‬إذاً حنن ندعو إىل من؟! وهذه هي املشكلة‪ ،‬وهذه نصيحة ال‬
‫نقوهلا إال نصحاً‪ ،‬إذاً‪ :‬حنن اآلن ال ندعو إىل اهلل‪ ،‬بل ندعو إىل اجلماعة‪ ،‬بدليل أننا‬
‫خنتار من كالم العلماء ما يؤيد اجلماعة‪ ،‬وخنتار ممن يعادي اجلماعة ولو على‬
‫سبيل املالحظة فنعتربه به عدواً للجماعة‪ ،‬فالوالء‪ 6‬يف اجلماعة‪ ،‬والعداء‪ 6‬يف‬
‫اجلماعة‪ ،‬والدعوة إىل اجلماعة إذا فقد أضعنا الغاية من أجل الوسيلة!! ال يا أخي‬
‫انشروا العلم النافع‪ 6‬ووزعوا الفتاوى‪ 6‬النافعة‪ ،‬وليس ما يتعلق بك أنت أو جبماعتك‬
‫فقط‪ ،‬وهذا خريٌ لك وأفضل لك عند اهلل؛ أن تنظر إىل من ينصحك؛ وإن نقدك‬
‫أيضاً فانظر له‪ ،‬ملاذا؟!‬

‫ألنك أنت الذي عليك أمل األمة‪ ،‬وكما أشرت أن أفضل ما يف األمة هم‬
‫مجاعاهتا هذه؛ فاإلصرار على األخطاء قد تردنا إىل احنطاط وضياع وضالل‬
‫أعظم مما حنن فيه يف هذا الواقع‪ ،‬فأنتم أحرص أن تستكملوا أي جانب من‬
‫جوانب اخللل‪ ،‬وهلذا‪ 6‬نقول لكل الشباب‪ ،‬وحنن بإذن اهلل عز وجل مجاعة أهل‬
‫السنة واجلماعة اليت هلا وهبا جتتمع األمة وعليها تأتلف‪ :‬جيب أن نكون منصفني‪،‬‬
‫وأن نكون حريصني على من ينتقدنا وخيطئنا‪ ،‬وجيب أال نظهر أنفسنا‪ ،‬وإذا أثين‬
‫ومدحنا ال ننشره أبداً‪ ،‬فماذا نظهر إذاً؟‬
‫علينا ُ‬

‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬فإذا مدحين‬


‫نظهر دين اهلل وننشر كتاب اهلل وسنة رسوله َ‬
‫فرمبا يكون يف ذلك هالكي‪ ،‬فال أغرت وأستمر يف البدعة‪ ،‬وأقول‪ :‬فالن أفتاين أو‬
‫مدحين‪ ،‬وإذا انتقدين أشكره وأمسع منه‪ ،‬فإن كان على حق فجزاه اهلل عين ألف‬
‫خري‪ ،‬وإن كان خمطئاً فأمحله على أحسن احملامل وأشكر له حسن النية‪ ،‬وأقول‪:‬‬
‫تعال‪ ،‬أنت تنقدين وتريد احلق‪ ،‬فيقول‪ :‬نعم إن شاء اهلل‪ ،‬إذاً تعال فاحلق كذا‪6‬‬
‫وكذا‪ ،‬وقد أتى له بأدلة من كتاب اهلل وسنة رسوله‪ ،‬وال أقول‪ :‬أنا رأيي كذا‪،‬‬
‫وشيخنا قال كذا‪ ،‬أو طائفتنا قالت‪ 6‬كذا‪ ،‬وفالن قال كذا‪ ،‬وهذا هو عالمة أهل‬
‫البدع‪ ،‬عالمتهم أنك تقول‪ :‬قال اهلل وقال رسول اهلل‪ ،‬فيقولون‪ :‬قال شيخنا وقال‬
‫إمامنا وهذا هو الذي تعجب منه ابن عباس ‪ :‬وقال‪ :‬أقول‪ :‬قال اهلل‪ ،‬قال رسوله‪،‬‬
‫تقولون‪ :‬قال أبو بكر وعمر !‬

‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم منذ أن نزلت عليه يَا َأيُّ َها‬
‫ومن جهة أخرى رسول اهلل َ‬
‫الْ ُمدَّثِّ ُر * قُ ْم فََأنْ ِذ ْر [املدثر‪ ]2-1:‬إىل أن لقي اهلل وهو يعيش يف حالة دعوة‪:‬‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه‬ ‫فجاهده دعوة‪ ،‬وتعليمه دعوة‪ ،‬ونصحه دعوة‪ ،‬وكل حياة النيب َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ما يغين ويكفي للدعوة‬ ‫َو َسلَّ َم دعوة فهل مل جند يف سريته َ‬
‫حىت تضع خطة ونرمسها ونلزم الناس هبا؟ بل وأدهى من ذلك أن من مل يلتزم هبا‬
‫فإنه متهم يف دينه‪ ،‬وأنه يفرق األمة‪ ،‬وإذا أثىن علينا فهو احلبيب املقرب املربأ من‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم كلها دعوة‪ ،‬وحياة‬
‫كل العيوب‪ ..‬سبحان اهلل!! حياة النيب َ‬
‫السلف الصاحل كلها دعوة‪.‬‬

‫حال سيئ إىل ٍ‬


‫حال صاحل‪ ،‬إال إذا قام دعاة يدعون‬ ‫ولن يتغري حال األمة من ٍ‬
‫لوجه اهلل‪ ،‬ويعلمون الناس العلم النافع‪ ،‬ويصلحون القلوب من مجيع األمراض‪6‬‬
‫ومنها مرض التأفف واالستنكاف عن أن يقال‪ :‬إنك خالفت احلق أو خالفت‬
‫الدليل‪ ،‬ومنها مرض اجلهل الذي يفتك هبذه األمة‪ ،‬والبد من تزكية النفس‪.‬‬

‫بعض هذه اجلماعات يقولون‪ :‬مل ينتقد علينا إال أن عندنا جهل‪ ،‬وفينا بعض‬
‫عار يف الدنيا‪ 6‬أعظم من هذين‪ ،‬فماذا بعد اجلهل‬
‫البدع! ‪ -‬مقللني شأهنما‪ 6-‬وهل ٌ‬
‫والبدعة من عيب؟! إذاً‪ :‬راجع نفسك يا أخي‪ ،‬فماذا تريد أن يقال إذاً؟ كافر!‬
‫فإذا كان البعيد فيه جهل وبدع‪ ،‬فماذا تريد أكثر من ذلك؟ وماذا تريد أن يقال‬
‫عنك حىت ال يكون عيباً؟ فهذا قدر‪ 6‬مشرتك‪ ،‬فكل مجاعة أو ٍ‬
‫فرقة خارجة عن‬
‫منهج أهل السنة واجلماعة البد وأن يكون هلا نصيبها من البدعة واهلوى‬
‫والتعصب‪.‬‬

‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه‬


‫وإذا أردنا أن جتتمع‪ 6‬األمة؛ فلنجمعها على كتاب اهلل وسنة رسوله َ‬
‫َو َسلَّ َم‪ ،‬وهذه اجلماعات هي أول من أوجد من يدعو إىل ذلك‪ ،‬ألهنا متلك‬
‫التجربة‪ ،‬ومتلك اجلهود والطاقات والشباب‪ ،‬فلو أهنا التزمت‪ 6‬بالكتاب والسنة؛‬
‫لكان لذلك النفع‪ 6‬العظيم لإلسالم املسلمني‪ ،‬وهلذا‪ 6‬ال ننظر إليها بنظرة العداء‪ ،‬أو‬
‫جملرد العداء ولكن ننظر إليها بنظرة اإلشفاق والنصح‪ ،‬ونظرة اهلداية بإذن اهلل‬
‫ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل ‪.‬‬
‫مث أيضاً جيب أن نبني لكم أمساء بعض هذه اجلماعات ألن حتت هذه األمساء‬
‫أفراداً شىت‪ ،‬فتجد بعض الناس ينتمي إىل مجاعة من هذه اجلماعات‪ ،‬والفرد يف‬
‫ذاته هو على عقيدة طيبة‪ ،‬لكن خطأه حمصوراً‪ ،‬إما يف االنتماء أو يف أشياء أخرى‬
‫ال تقدح يف عقيدته‪ ،‬وبعبارة أوضح أقول‪ :‬ال جتعلك تصنف كل من ينتمي إىل‬
‫هذه الدعوة يف صنف واحد‪ ،‬فمثالً اإلخوان ‪ ،‬يوجد منهم سلفيون ويوجد غري‬
‫ذلك‪ ،‬ويوجد منهم رمبا من يكفر بعضهم بعضاً‪ ،‬مع األسف وهكذا‪ ..‬حىت‬
‫اجلماعات نفسها جتد أن امسها مجاعة ويف بعضها من خيالف البعض اآلخر‪،‬‬
‫فتجدها فرقاً وأحزاباً‪.‬‬

‫أقول هذا لكي أؤكد على أن املعيار جيب أن يكون هو الكتاب والسنة‪ ,‬وإال‬
‫فأي مجاعة من هذه اجلماعات لو أخذهتا يف ذاهتا معياراً‪ ،‬لقالت‪ 6‬لك‪ :‬إن كالمك‬
‫هذا ال ينطبق علي‪ ،‬بل ينطبق على أناس مثالً تسموهنم‪ 6‬بامسي‪ ،‬فتضيع يف دوامة‪،‬‬
‫لكن أرح نفسك من هذه الدوامة‪ ،‬وانقض الباطل من حيث هو باطل؛ وبني‬
‫احلق من حيث هو حق‪ ..‬بيان الناصح املشفق‪ ..‬وبيان احلريص على أن جتتمع‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪.‬‬
‫كلمة املسلمني على كتاب اهلل وسنة رسوله َ‬

‫ونسأل اهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل أن يردنا أفراداً ومجاعات إىل احلق‪ ،‬وأن يطهر أنفسنا‬
‫من حظ أنفسنا‪ ،‬فإن هذا من أعظم األسباب اليت حتول دون النصر واجتماع‬
‫الكلمة‪ ،‬ومادام حظ النفس واهلوى‪ 6‬موجود؛ فهو يعمي مجيع البصائر ‪-‬نسأل اهلل‬
‫العفو والعافية‪ -‬وجتور األحكام‪ ،‬وتضل االجتاهات‪ ،‬ويتحمل اإلنسان مسئولية‬
‫نفسه ومن وراءه من شباب أضلهم عن اهلدى‪،‬نتيجة هلذا عافانا اهلل وإياكم‪.‬‬

‫وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا حممد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

You might also like