Professional Documents
Culture Documents
2
وبجانب هذا فإنني أعتذر عن تساؤالت كثير من الناس ،إذ
يتس��اءلون كيف لم تكن لي كلمة في هذه األيام التي يمر بها
الناس في مشارق األرض ومغاربها بأزمةٍ خانقة تأخذ بتالبيبهم
وتخنق منهم األنفاس ،وال ريب أنني لم أَغْفُ ل هذا األمر ،فقد
كانت لي كلمة ،وقد ُسجلت عبر تلفزيون سلطنة عمان ،ولكن
دت أن ُتبث بعد ِ
ال أدري كيف تعثرت ولم ُتب��ث ،مع أنني ُوع ُ
ساعة من تسجيلها وأن ُيعاد البث مرة بعد أخرى ،لكن لم أقف
لها على خبر .وهلل األمر من قبل ومن بعد.
هذا؛ وال ريب أننا مطالبون أولاً في مثل هذه األزمة الخانقة
أن تكون لنا عبر ٌة وعظ��ةٌ ،فإن اهلل ِّ 4
يصرف األمر كله لتكون
فيه عبر ٌة لعباده وعظة لهم ،تقودهم إل��ى الخير وتنهنههم عن
الشر وتدعوهم إلى التفكر في أمرهم واعتبار ما يجري حولهم،
وأن كل ش��يء بيد اهلل 4هو الذي يصرف األمر في الس��ماء
واألرض وهو الذي بيده القهر كله.
3
ما أوتيت من العلم ،وتوفَّ َر عندها األطب��اء ،وكثر فيها الخبراء،
ولكنهم مع ذلك وقفوا حي��ارى عاجزين أمام هذا األمر اإللهي،
وفي ذلك كله ما يدعو إلى االعتبار واالس��تعبار وحس��ن العظة
وتذ ُّكر ما يأتي من قبل اهلل تعالى وما جرى لألمم الس��ابقة ،فإن
في كل ما جرى في هذه األرض من حين خلقها اهلل 4وإلى أن
عبرا ال تكاد تنته��ي ،ومن بينها:
يرث اهلل الس��موات واألرض ً
ما يشاهده اإلنسان في زمانه ،كهذه العبرة العظيمة التي نشاهدها
فيما يجري في هذا العالم الفسيح ،فلله األمر من قبل ومن بعد.
فإذا كان هذا الفيروس الدقيق الضعيف وصل به األمر إلى أن
يهزم هذه األم��م في جبروته��ا وتعاليه��ا وكبريائه��ا وغرورها
4
وأصبح��ت صاغرة متذلل��ة أمام ه��ذا األمر القاه��ر الذي أخذ
بتالبيبهم وش��دد عليهم الخناق؛ فما بالكم بجنود اهلل تعالى في
السماوات وفي األرض؟ ﴿ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [الفتح.]٤ :
فاهلل ُ 4ي َ
ص ّرف الكون كله ،يوم تش��قق السماوات ،عندما
يأتي أمر اهلل 4وتتس��اقط األجرام الفلكية كي��ف يكون أمر
العباد في ذلك الوقت؟!
5
فإذا كان اإليمان والعمل الصالح لم يغنيا عن الناس شي ًئا
إال مع تواصيهم بالحق وتواصيه��م بالصبر فكيف بمن ترك
البر إلى الفجور وم��ن ترك اإليمان وت��رك العمل الصالح؟
فعلينا أن نرجع إلى حقيق��ة اإليمان ،اإليم��ان الذي يورثنا
الخشية من اهلل حتى نكون كما قال 4في وصف المؤمنين:
﴿ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ
ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ❁ ﭹ ﭺ ﭻ
ﭼ ﭽ ﭾ❁ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ
ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﴾ [األنفال ٢ :ـ .]٤
6
ما يؤتيه اهلل 4عباده في هذه األرض من البصيرة ومن التمكين
ومن القدرة على التفريق بين الحق والباطل ومن تمييز األعمال
صالحها وغير صالحه��ا حتى يكونوا على بصي��رة من أمرهم،
وهذا كله مم��ا يتحقق بتقوى اهلل ، 4فعلين��ا أن نكون أمة أمر
ٍ
بمعروف ونهي عن المنكر كما فرض اهلل تعالى.
فنحن أمة جعلها اهلل 4متميزة عل��ى غيرها من األمم،
وأعظم مزاياها األمر بالمع��روف والنهي عن المنكر ولذلكُ
بدأ بهذه الصفة قبل أن يبدأ بذكر اإليمان نفس��ه عندما قال:
﴿ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ
ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ
ﭱ﴾ [آل عمران ،]١١٠ :واهلل 4ف��رض علينا أن نكون أمة هذا
شأنها ،وناط بذلك الفالح وناط بذلك وحدتنا وترابطنا وتآخينا
ب بعضنا لبعض وانسجامنا في هذه الحياة عندما قال : 4 وح َّ
ُ
﴿ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ
ﮢ ﮣ ﮤ ﴾ [آل عمران.]١٠٤ :
نعم؛ علينا أن نكون أمة هذا ش��أنها ،شأنها األمر بالمعروف
ِ
والنهي عن المنكر ،وليست (م ْن) هنا للتبعيض وإنما هي للبيان،
جميعا أن نكون أمة هذا شأنها؛ نأمر بالمعروف وننهى عنً فعلينا
المنكر ،ونهتدي بهدي اهلل 4ونستمسك بكتابه وبسنة نبيه ژ ،
وبذلك يتحقق لنا النجاح في هذه الدنيا وفي الدار اآلخرة.
7
وبطبيعة الح��ال األمر بالمعروف والنه��ي عن المنكر مما
يش��ترك فيه جميع الناس رجالاً ونساء ،وذلك ِ
معق ُد ارتباطهم، ً
وبذلك يتآخـ��ون ،ويترابطون ،فاهلل تعال��ى قال﴿ :ﮑ
ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ﴾ [التوبة.]٧١ :
8
وب َّين 4أن ف��ي مقدمة ه��ذه األعمال التي تش��د الناس
جميعا أمة
ً بعضهم إلى بعض وتربط على قلوبهم حتى يكونوا
متآخية مترابط��ة متحابة متآزرة :األم��ر بالمعروف والنهي عن
المنكر ،فقد قال تعالى﴿ :ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ
ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ
ﮫ﴾ [التوبة.]٧١ :
9
ّبين ما هو سبب هذه اللعنة فقال ﴿ :ﭼ ﭽ ﭾ
ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﴾ [المائ��دة،]٧٩ :
وليست هذه األمة بمنأى عن هذا عندما تترك األمر بالمعروف
والنهي ع��ن المنكر ،فقد جاء ف��ي الحديث ال��ذي رواه ابن
مسعود عن رسول اهلل ژ وأخرجه من طريقه أبو داود والبيهقي
ْص دخ َل ال َّنق ُ أنه عليه أفضل الصالة والس�لام قال«ِ :إ َّن أَ َّو َل َما َ
الر ُج َل َف َيقُو ُلَ :يا َه َذا، الر ُج ُل َي ْل َقى َّ ��رائيل أَنَّه َكا َن َّ
َ َع َلى َبنِي ِإ ْس
ك ،ثُم َي ْل َق ُاه مِن ا ْلغَد ِ َو ُهو ا َّتق ِ اهلل ودع ما َتص َنعَ ،ف ِإ َّنه ال ي ِ
ح ُّل َل َ ُ َ ََ ْ َ ْ ُ
يب ُه َو َق ِعيدَ ُهَ ،ف َل َّما ِ ِ ِِ
َع َلى حالهَ ،فال َي ْم َن ُعه ذلك أَ ْن يكُ و َن أَكي َل ُه و َشر ِ َ
ض ِه ْم ب ِ َب ْعضٍ ،ولعنهم على لسان ك ضرب اهلل ُق ُلوب بع ِ ِ
َ َْ َف َع ُلوا َذل َ َ َ َ ُ
داوود وعيس��ى بن مريم كما ق��ال﴿ :ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ
ﭹ ﭺ ❁ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ
ﮃﮄﮅﮆ❁ﮈﮉﮊﮋ
ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﮘﮙﮚﮛ❁ﮝﮞﮟﮠﮡ
ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ
ﮫ ﴾ [المائدة ٧٨ :ـ .»]٨١
«كلاَّ ،واهلل َل َتأْمر َّن بِا ْلمعر ِ
وفَ ،و َل َت ْن َه ُو َّن َعن ِ ا ْل ُم ْنكَ رِ، ثم قالَ :
َ ُْ ُُ َ
الظالِمِ ،و َل َتأْطر َّن ُه َع َلى َ َ
الح ِّق أ ْط ًرا ،و َل َتق ُ
ْص ُر َّن ُه ُ ول َتأْ ُخ ُذ َّن َع َلى َيد ِ َّ
10
ع َلى الحق َقصرا ،أَو َليضرِبن اهلل ب ُق ُلوب ِ بع ِ
ضكُ ْم َع َلى َب ْعضٍ، َْ َ ِّ ْ ً ْ َ ْ َ َّ َ
ث َُّم َلي ْل َعننكُ ْم َك َما َل َع َن ُه ْم»(((.
فمعنى ذلك أن من لم يحافظ على األمر بالمعروف والنهي
عن المنكر فإنه يكون مصيره كمصير بني إسرائيل الذين ُل ِعنوا
على لسان داود وعيسى بن مريم بس��بب إعراضهم عن األمر
بالمعروف والنهي عن المنكر.
وإذا كان األمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ضرورات
هذه الحياة فال بد من اتقاء كل ما يؤدي إلى س��خط اهلل ،وكل
ما يؤدي إلى لعنة اهلل ،وكل ما يؤدي إلى غضبه ،وكل ما يؤدي
((( أخرجه من طريق ابن مس��عود أبو داود؛ س��نن أبي داود ،كتاب ( )36المالحم،
باب ( )17األمر والنهي( ،رق��م ،4336 :ص ،)1539والبيهقي؛ الس��نن الكبرى،
كتاب آداب القاضي ،باب ( )3ما يست َد ُّل بِهِ ع َلى أ َ َّن ا ْلقَضاء وسائِر أَعمال ِ ا ْلولاَ ةِ
ُ َ َ َ َ َ َْ َ َ ُ َْ
ِ ِ ِ ِمما يكُ و ُن أَمرا بِمعر ٍ
وف أ َ ْو َن ْه ًيا َع ْن ُم ْنكَ ٍر م ْن ف ُُروض ِ ا ْلك َف َايات( ،رقم،)20196 : ًْ َ ُْ َّ َ
وبمعناه عنه أخرجه أحمد؛ مس��ند أحمد( ،رقم ،)5/4 ،3713 :والترمذي؛ سنن
الترمذي )44( ،أبواب تفسير القرآن ،باب ( )5ومن سورة المائدة( ،رقم،3047 :
أيضا أخرجه عن أبي عبيدة (ابن عبداهلل بن مس��عود مرسلاً ) ص ،)1959وبمعناه ً
ابن ماجه؛ سنن ابن ماجه )36( ،أبواب الفتن ،باب ( )20األمر بالمعروف والنهي
عن المنكر( ،رقم ،4006 :ص ،)2717والترمذي؛ س��نن الترم��ذي )44( ،أبواب
تفس��ير القرآن ،باب ( )5ومن س��ورة المائدة( ،رقم ،3048 :ص .)1959وأخرجه
أيضا :الطبران��ي في الكبير؛ المعجم الكبير )772( ،عبداهلل بن مس��عود الهذلي،
(رقم ،10268 :مج ( .)123/10 )5وأخرجه من طريق أبي موسى األشعري بمعناه
الطبراني كما في مجمع الزوائد ( )269/7قال الهيثمي« :رجاله رجال الصحيح».
11
إلى نقمته ـ والعي��اذ باهلل ـ فإن ذلك كله مم��ا يؤثر على حياة
ويدعُّهم في المهالك د ًعا ـ والعياذ باهلل ـ.
الناس ُ
فمن ذلك :أنه ال بد من ت��رك الربا؛ ألن الربا حرب بين
اهلل تعالى وبين العباد ،فاهلل 4يقول ﴿ :ﮥ ﮦ ﮧ
ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ❁ﯔﯕﯖ
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﴾ [البق��رة ٢٧٨ :ـ َ ،]٢٧٩
ومن ذا الذي
يطيق حرب اهلل ورس��وله ژ ؟! وأنتم ت��رون كيف أصيب
الناس بالذعر وأصيبوا بالرعب مع ما أوتوا من قوة بس��بب
الجلَّى؟
هذا الفيروس اليسير القليل؛ فكيف بنقمة اهلل تعالى ُ
وكيف بحربه؟ ﴿ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﴾ [الفتح ،]٤ :كيف
يطيق العباد حرب اهلل تعالى ورسوله؟
12
وقد جاء ف��ي الحديث عن النبي ژ ما ي��دل على أن كل
المتعاملين بالربا مش��تركون في اللعنة ،فقد قال ژ َ « :ل َع َن اهلل
الربا وآك ِ َله َو ُم ْؤك ِ َل ُه َو َكات ِ َب ُه َو َش��اهِدَ ْي ِه» .ثم قال« :هم س��واء».
يعني :في اللعنة وفي اإلثم(((.
((( أخرجه أحمد بلفظ «لعن رسول اهلل»...؛ مسند أحمد( ،رقم،)397/11 ،14197 :
ومسلم بلفظ «لعن رسول اهلل»...؛ صحيح مسلم ،كتاب ( )22المساقاة ،باب
( )19لعن آكل الربا ومؤكله( ،رقم ،1598 :ص.)955
13
مجاالت أخرى من مجاالت الحياة ،فعلى الناس أن يتقوا اهلل
تعالى ،وأن َي َدعوا ذلك ،وأن يتأدب��وا بآداب اهلل تعالى التي
بغض األبص��ار قبل أن يأمرِّ أنزلها في كتابه ،ف��اهلل 4أمر
غض البصر وس��يل ٌة تمكّ ن
بحفظ الفروج ،وما ذلك إال ألن َّ
اإلنسان من حفظ َ
الف ْرج.
14
مما يكون م��ن قبلها تجاهه ،وهذا يظه��ر في قول اهلل : 4
﴿ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ
ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﴾ [النور.]٣١ :
َّ
ح��ذر من أمور؛ فقد أيضا أن النبي ژ
ونجد مع ذلك ً
َّ
حذر من دخول الرجال على النس��اء أو الخلوة بهن بدون
المحارم ،فقال ژ « :أال ال يخلون الرجل بامرأة إال مع ذي
محرم»((( وق��ال ژ « :من كان يؤمن ب��اهلل واليوم اآلخر فال
أيضا« :ما خال
وقال ژ ً :
(((
يخلون بامرأة إال مع ذي محرم»
رجل بامرأة إال كان الشيطان ثالثهما» ،ونجد ً
(((
أيضا التحذير
من الدخول على النساء ،في قوله ژ « :إياكم والدخول على
((( أخرجه الطبراني؛ المعجم الكبير( ،رقم ،)425/11 ،12205 :والبيهقي في شعب
اإليمان؛ الجامع لشعب اإليمان )37( ،من شعب اإليمان وهو باب في تحريم
أيضا:
الفروج وما يج��ب من التعفف عنها( ،رق��م .)365/8 ،5055 :وأخرجه ً
البخاري؛ صحيح البخاري ،كتاب ( )56الجهاد ،ب��اب ( )140من اكتتب في
جيش فخرجت امرأته حاجة( ،رقم ،3006 :ص ،)241ومسلم؛ صحيح مسلم،
كتاب ( )15الحج ،باب ( )74س��فر المرأة مع محرم إلى الحج( ،رقم1341 :
[ 3272ـ ،]3274ص 901ـ .)902
((( أخرجه أحمد؛ مسند أحمد( ،رقم ،)339/3 ،14692 :والترمذي؛ سنن الترمذي،
أبواب ( )10الرضاع ،باب ( )16ما جاء في كراهي��ة الدخول على المغيبات،
(رقم ،1171 :ص.)1767
((( أخرجه الطبراني؛ المعجم الكبير( ،رقم.)205/8 ،7830 :
15
النس��اء» ،فقال له رجل :أرأيت الحمو يا رسول اهلل؟ ـ يعني
حما المرأة الذي ه��و أخو زوجها ـ فقال له الرس��ول ژ :
«الحمو الموت»(((.
((( رواه البخاري؛ صحيح البخاري ،كت��اب ( )67النكاح ،باب ( )112ال يخلون
رجل بامرأة إال ذو محرم( ،رقم ،5232 :ص ،)452ومس��لم؛ صحيح مس��لم،
كتاب ( )39السالم ،باب ( )8تحريم الخلوة باألجنبية والدخول عليها( ،رقم:
،]5674[ 2172ص ،)1064والترمذي؛ سنن الترمذي ،أبواب ( )11الرضاع ،باب
( )16ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات( ،رقم ،1171 :ص 1766ـ )1767
وقال« :حس��ن صحيح» .وأخرجه الطبران��ي؛ المعجم الكبي��ر( ،رقم،762 :
،)277/17والبيهقي في الس��نن الكبرى؛ السنن الكبرى ،كتاب ( )39النكاح،
(رقم ،)145/7 ،13518 :وفي شعب اإليمان؛ الجامع لشعب اإليمان )37( ،من
شعب اإليمان وهو باب في تحريم الفروج وما يجب من التعفف عنها( ،رقم:
363/8 ،5054ـ .)364
16
أيضا ال بد من االحتراز م��ن الخمور؛ فإن الخمور
كذلك ً
هي مصدر البالء وهي أساس الشر ،والخمر ـ كما قيل ـ مجمع
اآلثام ،كل اآلثام تعود إلى الخمر ـ والعياذ باهلل ـ ،فعندما يسكر
اإلنسان يفقد ش��عوره وعقله واتزانه فال يبالي بما يصدر منه،
وال يبالي بما يق��ع عليه أو يقع له أو يق��ع منه ،فلذلك يجب
عليه أن يحذر كل الحذر من االقتراب م��ن الخمور ومن كل
أيضا ،فالخمر تهدم
ما يؤثر على العقول وما يؤثر على الصحة ً
هدم��ا ،والتقارير الطبية في دول الغ��رب قد بينت أن
الصحة ً
الخمر تؤدي ـ والعياذ باهلل ـ إلى أن يكون ضحاياها في العالم
في كل عام خمسة أضعاف ضحايا المخدرات مجتمعة ،وهذا
جدا.
جدا ً
جدا ً
خطير ً
ٌ أمر
ٌ
وهذا مما يشهد به األطباء ،فقبل فترة طويلة من الزمن قال
أحد أطباء ألمانيا« :أغلقوا الب��ارات أضمن لكم إغالق نصف
المستش��فيات واالس��تغناء عن نصف األطباء» .وهذا ما أكدته
طبيبة في األيام القريبة ذهب إليها أحد مش��ايخنا وهو الشيخ
حمود بن حمي��د الصواف��ي ـ حفظه اهلل تعال��ى ـ للعالج في
ألمانيا ،وأُجري فحص على دمه و ُعرضت نتيجة الفحص على
طبيبة كانت تشرف على عالجه ،فتعجبت من صفاء دمه وقالت
له :إنما يعود هذا كله إلى ورعكم ،أنت ف��ي هذا العمر َد ُمك
17
بهذا الصفاء ،لو كنتم مثلنا تشربون الخمر كما نشربها لما كان
األمر كذلك ،ل��و كان الن��اس عندنا كمثلك��م ألغلقنا نصف
المستشفيات والستغنينا عن نصف األطباء .هكذا يعترفون بهذه
الحقيقة وال يبال��ون باالعتراف بها مع أنهم واقعون أس��ارى
للخمر ،فعلينا أن نتفادى الخمر.
18
ومعتصرها ،وحاملها ،والمحمولة إليه ،وبائعها ،ومشتريها،
وآكل ثمنها»((( ،كل هؤالء مشتركون في اللعنة.
وعلى أي حال؛ كم ُتس��بب الخمر من حوادث السير التي
تؤدي إلى ه�لاك األنفس ،وتؤدي إلى تحط��م األبدان ،وإلى
((( رواه الربيع من طريق ابن عباس؛ الجامع الصحيح ،كتاب ( )40األش��ربة من
الخمر والنبي��ذ( ،رق��م ،625 :ص ،)162والحاكم؛ المس��تدرك ،كتاب ()34
األشربة( ،رقم 160/4 ،7229 :ـ ،)161وقال :صحيح اإلسناد.
وأخرجه من طريق ابن عمر :أبو داود بدون (وآكل ثمنها)؛ س��نن أبي داود،
كتاب ( )25األش��ربة ،باب ( )2العصي��ر للخمر( ،رق��م ،3674 :ص،)1495
والبيهقي؛ الس��نن الكبرى ،كتاب البيوع ،باب ( )67كراهية بيع العصير ممن
يعصر الخمر( ،...رقم.)534/5 ،10778 :
وأخرجه من طريق أنس :الترمذي بلفظ (لعن رس��ول اهلل)...؛ سنن الترمذي،
( )12أبواب البي��وع ،باب ( )59النه��ي أن يتخذ الخمر خ�لا( ،رقم،1295 :
ص ،)1781وقال :غريب ،واب��ن ماجه بلفظ (لعن رس��ول اهلل ژ في الخمر
عشـرة)...؛ س��نن ابن ماجه )30( ،أبواب األش��ربة ،باب ( )6لعنت الخمر
عشـرة أوجه( ،رقم ،3381 :ص.)2681
وأخرجه من طريق عثمان بن أبي العاص الطبران��ي؛ المعجم الكبير( ،رقم:
،)42/9 ،8387وكذلك في األوسط؛ المعجم األوسط ،باب من اسمه علي بن
سعيد( ،رقم.)422/4 ،4090 :
وروي بألفاظ أخرى فأخرجه الطيالسـي؛ مس��ند أبي داود الطيالسـي( ،رقم:
،1957ص ،)264وابن أبي شيبة؛ مصنف ابن أبي شيبة ،كتاب ( )34األوائل،
باب ( )1أول من فعل وما فعل( ،رقم ،)270/7 ،35989 :والبيهقي في شعب
اإليمان؛ ش��عب اإليمان )39( ،من ش��عب اإليمان وهو ب��اب في المطاعم
والمشارب وما يجب التورع عنه منها( ،رقم.)477/8 ،5195 :
19
تعطل األش�لاء ،وتؤدي إلى أن يظل الناس عياال على غيرهم
ال يملكون ألنفس��هم ش��ي ًئاُ ،تنفق عليهم النفقات الطائلة في
عالجه��م ،و ُتنفق النفق��ات الطائل��ة فيما يحتاج��ون إليه من
جميعا أن
ً ضروراتهم بسبب تعاطي الخمور ،فيجب على الناس
يتقوا اهلل تعالى وأن يرتدعوا عن هذه اآلفة المهلكة.
20
وكذلك بالنس��بة إلى التدخين والشيش��ة والمخدرات
جميعا بأنواعها ،فإن مضار التدخين هي من أعظم المضار،
ً
وضحايا التدخين فيما اطلعت عليه في بعض اإلحصائيات
األخيرة بلغوا في كل عام عش��رة ماليي��ن ضحية يموتون
بس��بب تعاطي التدخين ،فعل��ى الناس أن يتق��وا اهلل وأن
يحارب��وا التدخين ،ونرج��و منع التدخين عل��ى أي حال،
وكذلك أن تمنع الشيش��ة في جميع األوق��ات ال في هذا
الوقت فقط.
((( أخرجه البيهقي في شعب اإليمان؛ الجامع لش��عب اإليمان )22( ،من شعب
اإليمان وهو باب في الزكاة( ،رقم.)518/5 ،3043 :
21
وكذلك من أسباب الحماية :صون العقيدة؛ إذ اإلنسان إن
لم يكن ذا عقيدة ُتبصره بما يأتي وما يذر ال يكون على شيء
من الحق ،لذلك يجب ترس��يخ اإليمان باهلل تعالى في نفوس
جميع الناس منذ نشأتهم األولى ،فيجب ترسيخ اإليمان باهلل
في الم��دارس جميعا بل جمي��ع المؤسس��ات التعليمية منذ
رياض األطف��ال وإلى أعلى الدرجات في ُس�� ّلم الدراس��ة،
ويجب ترسيخ اإليمان باهلل في اإلنسان منذ نشأته األولى إلى
أن يودَّع ويوارى في قبره.
22
فالخرافة هي التي أفقدت الناس الصلة باهلل ،وجعلتهم يتعلقون
بالبش��ر واألوهام والخياالت بدلاً من أن يتعلقوا باهلل ، 4مع
أن اآليات القرآنية تدل على أنه ال يمكن أن يستفيد اإلنسان من
تعلق يتعلقه بأي شيء كان إال إن كان متعلقًا باهلل 4الذي له
ملك السماوات واألرض.
23
ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ
ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ
ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﴾ [الرعد ،]١٦ :وه��ذا يعني بطبيعة الحال
أن ُيضرب أيض��ا على أيدي الدجالين الذين يش��يعون العقيدة
الفاس��دة في الناس بحيث َي ّدعون علم الغيب مع أن الغيب هلل
وحده ﴿ :ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ
ﭴ ﭵ﴾ [النمل.]٦٥ :
24
فمن الرابح من
الدجل ،وبعد ذلك ذهب الكل ضحية ذلكَ ،
هذا؟ فالكل خاس��ر ،حتى ذلك الدجال الذي يظن أنه رابح
هو خاسر أيما خسارة ولو كسب من دجله ما كسب من المال
الحرام.
25
عليه واإلناب��ة إليه ،واألم��ر بالمعروف والنهي ع��ن المنكر،
والقض��اء على كل فتن��ة من الفت��ن التي تكون بي��ن الناس،
وترس��يخ العقيدة الصحيح��ة في نفوس الن��اس؛ التي توصل
الن��اس بربهم 4الذي هو على كل ش��يء قدي��ر ،وباإلجابة
جدير ،نع��م المولى ونعم النصير .وعلين��ا أن ندعو اهلل ونحن
موقنون باإلجابة.
26
اللهم اجعل الموت خير غائب ننتظره ،والقبر خير بيت
خيرا لنا منه .إن��ك ربنا على كل
نعمره ،واجعل ما بع��ده ً
شيء قدير.
27
اللهم احفظنا بحفظك ،وارعنا برعايتك ،واكألنا بكالءتك،
وال تكلنا إلى غيرك .اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن
ونعول
ّ سيئات أعمالنا .سبحانك ربنا نس��تغفرك ونتوب إليك
في إجابة دعائن��ا عليك ،ونش��هد أن ال إل��ه إال أنت وحدك
محمدا عبدك ورسولك.
ً ال شريك لك ،ونشهد أن سيدنا ونبينا
اللهم ص ِّل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ،وعلى
تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين .س��بحان ربك رب العزة عما
يصفون ،وس�لام على المرس��لين ،والحمد هلل رب العالمين.
والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
28
وصلى اهلل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
29
ض هذه النفس الش��ريعة :حفظ النفس البش��رية ،حتى ال ُت َع َّر َ
لشيء ،ولذلك جاء في كتاب اهلل تعالى بأن من أحياها فكأنما
أحيا الناس جميعا ﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ
ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ [المائدة.]٣٢ :
فالنفس البشرية لها قيم ٌة عظيمة ،ولذلك يجب االحتراز من كل
ما يؤدي إلى الضرر بالنفس البشرية.
المضار،
ِّ النب��ي ژ االحت��راز والتوقِّي م��ن
ُّ وقد ع ّلمن��ا
فالرس��ول ژ بالنس��بة إلى الوباء علَّم أمته كي��ف يتصرفون،
بحيث نهاه��م إذا نزل الوباء ب��أرض أن يخرج��وا منها ،وإذا
س��معوا به في مكان أن يذهبوا إليه ،كلُّ ذلك ألجل االحتراز،
يضر بغيره إن ن��زل الوباء بأرض
َّ أما منعه من الخ��روج فلئال
حتى ال ينقل هذا الوباء من أرض ٍ هو فيها إلى أرض ٍ ليس هو
فيها ،وأما منع الس��فر إلى البلد الذي في��ه الوباء فذلك ألجل
حرز النفس وصونها م��ن أن تصاب به ـ والعياذ باهلل ـ .فلذلك
يجب االتقاء ،وبجانب ذلك النب��ي ژ قال« :ف ِ َّـر من المجذوم
فرارك من األسد»(((.
((( أخرجه ابن جرير الطبري؛ تهذيب اآلثار( ،رقم ،38 :ص .)17
30
والش��عائر الدينية لها قيم�� ٌة عظيمة في نفوس المس��لمين
جميعا ،وكلنا نتألم من ع��دم إقامة الصلوات في المس��اجد،
ولكن ماذا عس��ى أن نعمل؟ والرس��ول ژ َب ّين أنه في حالة
الضرورة يصلي الناس في بيوتهم ،حتى فيما هو أدنى من هذا،
فالنبي ژ عندما تكون ريح ش��ديدة أو يكون مطر مزعج نو ًعا
ما أمر أن يقول المؤذن ف��ي أذانه« :أال صلوا ف��ي الرحال أال
صلوا في الرحال»((( ،أي كل ٌ
أحد منك��م يصلي في بيته حتى
ال يعرض نفس��ه لألذى ،وإذا كان هذا في الريح وفيما هو أقل
من الوباء فكيف بالوباء؟
فإذن هذا عذر ،ومع ذلك علين��ا أن نتقي اهلل ،وأن نحرص
على إقامة الشعائر في بيوتنا بحسب ما يتسنى لنا ،وأن نتوكل
على اهلل ، 8وأن نأخذ بأوامر الشارع الحكيم في اتقاء المضار
على اختالفها ،فالنبي ژ أمرنا باالحتراز من كل ما فيه مضار:
«ف ِ َّـر من المجذوم فرارك من األس��د» .وهكذا كل ما يؤدي إلى
انتشار المرض يجب أن نفر منه كفرارنا من األسد .وقانا اهلل كل
ش��ر ،وحفظنا من كل س��وء ،وجنبنا كل مكروه .إنه على كل
شيء قدير.
31
الحلول الربانية لدفع البالء والمحن
وإنه مما يج��ب علين��ا أن نح��رص عليه ونس��ارع إليه:
ما أرش��دنا إليه النبي ژ من عالج األسقام واألمراض وعالج
المرضى أيضا بالصدقات؛ فإن الصدقات تطفئ غضب الرب،
وتدفع البالء ،وتكش��ف الكرب ،فلذلك ندع��و إلى التصدق
والمسارعة إلى الصدقات ،واهلل 4يتقبل من عباده صدقاتهم،
ويكش��ف ضراءهم ،ويرفع بالءهم .إنه تعالى على كل ش��يء
قدير .وصلى اهلل وسلم على س��يدنا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين .والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
32