You are on page 1of 10

‫الحمد هلل رب العاملين‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان

إلى يوم الدين‪:‬‬


‫أما بعد ‪- :‬‬
‫ًال‬
‫أو ‪ :‬حسن الخاتمة‬
‫حسن الخاتمة هو‪ :‬أن يوفق العبد قبل موته للتقاصي عما يغضب الرب سبحانه‪ ،‬والتوبة من الذنوب واملعاصي‪ ،‬واإلقبال‬
‫على الطاعات وأعمال الخير‪ ،‬ثم يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة‪ ،‬ومما يدل على هذا املعنى ما صح عن أنس‬
‫ًا‬
‫بن مالك رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬إذا أراد هللا بعبده خير استعمله) قالوا‪ :‬كيف‬
‫يستعمله؟ قال‪( :‬يوفقه لعمل صالح قبل موته) رواه اإلمام أحمد والترمذي وصححه الحاكم في املستدرك‪.‬‬
‫ولحسن الخاتمة عالمات‪ ،‬منها ما يعرفه العبد املحتضر عند احتضاره‪ ،‬ومنها ما يظهر للناس‪.‬‬
‫أما العالمة التي يظهر بها للعبد حسن خاتمته فهي ما يبشر به عند موته من رضا هللا تعالى واستحقاق كرامته تفضال منه‬
‫تعالى‪ ،‬كما قال جل وعال‪( :‬إن الذين قالوا ربنا هللا ثم استقاموا تتنزل عليهم املالئكة أال تخافوا وال تحزنوا وأبشروا بالجنة‬
‫التي كنتم توعدون) فصلت‪ ، 30 :‬وهذه البشارة تكون للمؤمنين عند احتضارهم‪ ،‬وفي قبورهم‪ ،‬وعند بعثهم من قبورهم‪.‬‬
‫ومما يدل على هذا أيضا ما رواه البخاري ومسلم في (صحيحيهما) عن أم املؤمنين عائشة رضي هللا عنها قالت‪ :‬قال رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬من أحب لقاء هللا أحب هللا لقاءه‪ ،‬ومن كره لقاء هللا كره هللا لقاءه) فقلت‪ :‬يا نبي هللا! أكراهية‬
‫املوت‪ ،‬فكلنا نكره املوت؟ فقال‪( :‬ليس كذلك‪ ،‬ولكن املؤمن إذا بشر برحمة هللا ورضوانه وجنته أحب لقاء هللا‪ ،‬وإن الكافر‬
‫إذا بشر بعذاب هللا وسخطه كره لقاء هللا وكره هللا لقاءه) ‪.‬‬
‫وفي معنى هذا الحديث قال اإلمام أبو عبيد القاسم ابن سالم ‪( :‬ليس وجهه عندي كراهة املوت وشدته‪ ،‬ألن هذا ال يكاد‬
‫يخلو عنه أحد‪ ،‬ولكن املذموم من ذلك إيثار الدنيا والركون إليها‪ ،‬وكراهية أن يصير إلى هللا والدار اآلخرة)‪ ،‬وقال ‪( :‬ومما‬
‫يبين ذلك أن هللا تعالى عاب قوما بحب الحياة فقال‪( :‬إن الذين ال يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة واطمأنوا بها) يونس‪7 :‬‬
‫وقال الخطابي‪( :‬معنى محبة العبد للقاء هللا إيثاره اآلخرة على الدنيا‪ ،‬فال يحب استمرار اإلقامة فيها‪ ،‬بل يستعد لالرتحال‬
‫عنها‪ ،‬والكراهية بضد ذلك)‬
‫وقال اإلمام النووي رحمه هللا‪( :‬معنى الحديث أن املحبة والكراهية التي تعتبر شرعا هي التي تقع عند النزع في الحالة التي ال‬
‫تقبل فيها التوبة‪ ،‬حيث ينكشف الحال للمحتضر‪ ،‬ويظهر له ما هو صائر إليه)‬
‫أما عن عالمات حسن الخاتمة فهي كثيرة‪ ،‬وقد تتبعها العلماء رحمهم هللا باستقراء النصوص الواردة في ذلك‪ ،‬ونحن نورد‬
‫هنا بعضا منها‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫* النطق بالشهادة عند املوت‪ ،‬ودليله ما رواه الحاكم وغيره أن رسول صلى هللا عليه وسلم قال ‪( :‬من كان آخر كالمه ال‬
‫إله إال هللا دخل الجنة)‬
‫ومنها‪ :‬املوت برشح الجبين‪ ،‬أي ‪ :‬أن يكون على جبينه عرق عند املوت‪ ،‬ملا رواه بريدة بن الحصيب أن رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم قال‪( :‬موت املؤمن بعرق الجبين) رواه أحمد والترمذي‪.‬‬
‫* ومنها‪ :‬املوت ليلة الجمعة أو نهارها لقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة‬
‫الجمعة إال وقاه هللا فتنة القبر)‪.‬‬
‫* ومنها‪ :‬االستشهاد في ساحة القتال في سبيل هللا‪ ،‬أو موته غازيا في سبيل هللا‪ ،‬أو موته بمرض الطاعون أو بداء البطن‬
‫ًا‬
‫كاالستسقاء ونحوه‪ ،‬أو موته غرق ‪ ،‬ودليل ما تقدم ما رواه مسلم في صحيحه عنه صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪( :‬ما تعدون‬
‫الشهيد فيكم؟ قالوا‪ :‬يا رسول هللا ‪ ،‬من قتل في سبيل هللا فهو شهيد‪ ،‬قال‪ :‬إن شهداء أمتي إذا لقليل قالوا‪ :‬فمن هم يا‬
‫رسول هللا ؟ قال‪ :‬من قتل في سبيل هللا فهو شهيد‪ ،‬ومن مات في سبيل هللا فهو شهيد‪ ،‬ومن مات في الطاعون فهو شهيد‪،‬‬
‫ومن مات في البطن فهو شهيد‪ ،‬والغريق شهيد)‪.‬‬
‫* ومنها‪ :‬املوت بسبب الهدم‪ ،‬ملا رواه البخاري ومسلم عنه قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬الشهداء خمسة‪ :‬املطعون‪،‬‬
‫واملبطون‪ ،‬والغرق‪ ،‬وصاحب الهدم‪ ،‬والشهيد في سبيل هللا) ‪.‬‬
‫* ومن عالمات حسن الخاتمة‪ ،‬وهو خاص بالنساء ‪ :‬موت املرأة في نفاسها بسبب ولدها أو هي حامل به‪ ،‬ومن أدلة ذلك ما‬
‫رواه اإلمام أحمد وغيره بسند صحيح عن عبادة بن الصامت أنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬أخبر عن‬
‫الشهداء‪ ،‬فذكر منهم‪( :‬واملرأة يقتلها ولدها جمعاء شهادة‪ ،‬يجرها ولدها بسرره إلى الجنة) يعني بحبل املشيمة الذي يقطع‬
‫عنه‪.‬‬
‫ًا‬
‫* ومنها املوت بالحرق وذات الجنب‪ ،‬ومن أدلته أنه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عدد أصناف من الشهداء فذكر منهم‬
‫الحريق‪ ،‬وصاحب ذات الجنب‪ :‬وهي ورم حار يعرض في الغشاء املستبطن لألضالع‪.‬‬
‫* ومنها‪ :‬املوت بداء السل‪ ،‬حيث أخبر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أنه شهادة‪.‬‬
‫ًا‬
‫* ومنها أيض ‪ :‬ما دل عليه ما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما أنه صلى هللا عليه وسلم قال‪( :‬من قتل دون ما له فهو‬
‫شهيد‪ ،‬ومن قتل دون دينه فهو شهيد‪ ،‬ومن قتل دون دمه فهو شهيد) ‪.‬‬
‫* ومنها‪ :‬املوت رباطا في سبيل هللا‪ ،‬ملا رواه مسلم عنه صلى هللا عليه وسلم قال‪( :‬رباط يوم وليلة خير من صيام شهر‬
‫وقيامه‪ ،‬وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله‪ ،‬وأجري عليه رزقه‪ ،‬وأمن الفتان) ‪ .‬ومن أسعد الناس بهذا الحديث‬
‫ًا‬ ‫ًا‬ ‫ًا‬
‫رجال األمن وحرس الحدود بر وبحر وجو على اختالف مواقعهم إذا احتسبو األجر في ذلك ‪.‬‬
‫* ومن عالمات حسن الخاتمة املوت على عمل صالح‪ ،‬لقوله صلى هللا عليه وسلم‪( :‬من قال ال إله إال هللا ابتغاء وجه هللا‬
‫ختم له بها دخل الجنة‪ ،‬ومن تصدق بصدقة ختم له بها دخل الجنة) رواه اإلمام أحمد وغيره‪.‬‬
‫* فهذه نحو من عشرين عالمة على حسن الخاتمة علمت باستقراء النصوص‪ ،‬وقد نبه إليها العالمة الشيخ محمد ناصر‬
‫الدين األلباني في كتابه القيم (أحكام الجنائز)‪.‬‬
‫* واعلم أخي الكريم أن ظهور شيء من هذه العالمات أو وقوعها للميت‪ ،‬ال يلزم منه الجزم بأن صاحبها من أهل الجنة‪،‬‬
‫ولكن يستبشر له بذلك‪ ،‬كما أن عدم وقوع شيء منها للميت ال يلزم منه الحكم بأنه غير صالح أو نحو ذلك‪ .‬فهذا كله من‬
‫الغيب‪.‬‬
‫أسباب حسن الخاتمة‬
‫* من أعظمها‪ :‬أن يلزم اإلنسان طاعة هللا وتقواه‪ ،‬وراس ذلك وأساسه تحقيق التوحيد‪ ،‬والحذر من ارتكاب املحرمات‪،‬‬
‫واملبادرة إلى التوبة مما تلطخ به املرء منها‪ ،‬وأعظم ذلك الشرك كبيره وصغيره‪.‬‬
‫* ومنها‪ :‬أن يلح املرء في دعاء هللا تعالى أن يتوفاه على اإليمان والتقوى‪.‬‬
‫* ومنها‪ :‬أن يعمل اإلنسان جهده وطاقته في إصالح ظاهره وباطنه‪ ،‬وأن تكون نيته وقصده متوجهة لتحقيق ذلك‪ ،‬فقد‬
‫جرت سنة الكريم سبحانه أن يوفق طالب الحق إليه‪ ،‬وان يثبته عليهن وأن يختم له به‪.‬‬

‫‪ 8‬أسباب لحسن الخاتمة‬

‫‪ -1‬االستقامة ‪:‬‬
‫قال تعالى ‪َّ { :‬ن اَّل ِذ يَن َق اُل وا َر ُّب َن ا الَّل ُه ُث َّم اْس َتَق اُم وا َت َت َن َّز ُل َع َل ْي ُم اَمْلاَل َك ُة َأ ّال َتَخ اُف وا َو َال َت ْح َز ُن وا َو َأ ْب ُر وا اْل َج َّن اَّل ي ُك نُت ْم‬
‫ِش ِب ِة ِت‬ ‫ِئ‬ ‫ِه‬ ‫ِإ‬
‫ُت‬
‫وَع ُد وَن }‬
‫‪ -2‬حسن الظن باهلل ‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي هللا أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‪ (( :‬يقول هللا تعالى أن عند حسن ظن عبدي بي )) رواه‬
‫البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫َأ‬ ‫َّل‬ ‫َّل‬
‫‪ -3‬التقوى ‪ :‬قال تعالى ‪َ{ :‬و َم ن َي َّت ِق ال َه َيْج َع ل ُه ِم ْن ْم ِر ِه ُي ْس ًر ا}‬
‫ْا ّل ُك ُن ْا‬ ‫ْا‬ ‫َأ َّل‬
‫‪ -4‬الصدق ‪ :‬قال تعالى‪َ{ :‬ي ا ُّي َه ا ا ِذ يَن آَم ُن و اَّت ُق و ال َه َو و و َم َع الَّص اِد ِق يَن }‬
‫َل َّل ُك ُت‬ ‫َأ ُمْلْؤ‬ ‫َل َّل‬ ‫ُت‬
‫‪ -5‬التوبة ‪ :‬قال تعالى ‪َ { :‬و وُب وا ِإ ى ال ِه َج ِم يًع ا ُّي َه ا ا ِم ُن وَن َع ْم ْف ِل ُح وَن }‬
‫‪ -6‬املداومة على الطاعات‬
‫‪ -7‬ذكر املوت وقصر األمل‬
‫‪ -8‬الخوف من أسباب سوء الخاتمة ‪:‬‬
‫كاإلصرار على املعاصي وتسويف التوبة وحب الدنيا ‪.‬‬

‫* تم إضافة ‪ 8‬أسباب لحسن الخاتمة من كتاب العقد الثمين لعيد العنزي‬

‫ًا‬
‫ثاني ‪ :‬سوء الخاتمة‬
‫أما الخاتمة السيئة فهي‪ :‬أن تكون وفاة اإلنسان وهو معرض عن ربه جل وعال‪ ،‬مقيم على مسا خطه سبحانه‪ ،‬مضيع ملا‬
‫أوجب هللا عليه‪ ،‬وال ريب أن تلك نهاية بئيسة‪ ،‬طاملا خافها املتقون‪ ،‬وتضرعوا إلى ربهم سبحانه أن يجنبهم إياها‪.‬‬
‫وقد يظهر على بعض املحتضرين عالمات أو أحوال تدل على سوء الخاتمة‪ ،‬مثل النكوب عن نطق الشهادة ‪ -‬شهادة أن ال‬
‫إله إال هللا ‪ -‬ورفض ذلك‪ ،‬ومثل التحدث في سياق املوت بالسيئات واملحرمات وإظهار التعلق بها‪ ،‬ونحو ذلك من األقوال‬
‫واألفعال التي تدل على اإلعراض عن دين هللا تعالى والتبرم لنزول قضائه‪.‬‬
‫ولعل من املناسب أن نذكر بعض األمثلة على ذلك‪:‬‬
‫فمن األمثلة‪-:‬‬
‫* ما ذكره العالمة ابن القيم رحمه هللا (في كتابه‪ :‬الجواب الكافي) أن أحد الناس قيل له وهو في سياق املوت‪ :‬قل ال إله إال‬
‫هللا‪ ،‬فقال‪ :‬وما يغني عني وما أعرف أني صليت هلل صالة؟! ولم يقلها‪.‬‬
‫* ونقل الحافظ ابن رجب رحمه هللا (في كتابة‪ :‬جامع العلوم والحكم ) عن أحد العلماء‪ ،‬وهو عبدالعزيز بن أبي رواد أنه‬
‫قال‪ :‬حضرت رجال عند املوت يلقن ال إله إال هللا‪ ،‬فقال في آخر ما قال‪ :‬هو كافر بما تقول ‪ .‬ومات على ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فسألت‬
‫عنه‪ ،‬فإذا هو مدمن خمر‪ ،‬فكان عبدالعزيز يقول‪ :‬اتقوا الذنوب‪ ،‬فإنها هين التي أوقعته‪.‬‬
‫* ونحو هذا ما ذكره الحافظ الذهبي رحمه هللا أ‪ ،‬رجال كان يجالس شراب الخمر‪ ،‬فلما حضرته الوفاة جاءه إنسان يلقنه‬
‫الشهادة فقال له‪ :‬اشرب واسقني ثم مات‪.‬‬
‫* وذكر الحافظ الذهبي رحمه هللا أيضا (في كتابه‪ :‬الكبائر) أن رجال ممن كانوا يلعبون الشطرنج احتضر‪ ،‬فقيل له‪ :‬قل ال‬
‫إله إال هللا فقال‪ :‬شاهك‪ .‬في اللعب‪ ،‬فقال عوض كلمة التوحيد‪ :‬شاهدك‪.‬‬
‫* ومن ذلك ما ذكره العالمة ابن القيم رحمه هللا عن رجل عرف بحبه لألغاني وترديدها‪ ،‬فلما حضرته الوفاة قيل له‪ :‬قل‬
‫ال إله إال هللا‪ ،‬فجعل يهذي بالغناء ويقول‪ :‬تاتنا تنتنا … حتى قضى‪ ،‬ولم ينطق بالتوحيد‪.‬‬
‫* وقال ابن القيم أيضا‪ :‬أخبرني بعض التجار عن قرابة له أنه احتضر وهو عنده‪ ،‬وجعلوا يلقنونه ال إله إال هللا وهو يقول‪:‬‬
‫هذه القطعة رخيصة‪ ،‬وهذا مشتر جيد‪ ،‬هذه كذا‪ .‬حتى قضى ولم ينطق التوحيد نسأل هللا العافية والسالمة من كل ذلك‪.‬‬
‫* وها هنا تعليق للعالمة ابن القيم رحمه هللا نورد ما تيسر منه‪ ،‬حيث عقب على بعض القصص املذكورة آنفا‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ًا‬
‫(وسبحان هللا‪ ،‬كم شاهد الناس من هذا عبر ؟ والذي يخفى عليهم من أحوال املحتضرين أعظم وأعظم‪ ،‬فإذا كان العبد في‬
‫حال حضور ذهنه وقوته وكمال إدراكه‪ ،‬قد تمكن منه الشيطان‪ ،‬واستعمله فيما يريده من معاصي هللا‪ ،‬وقد أغفل قلبه‬
‫عن ذكر هللا تعالى‪ ،‬وعطل لسانه عن ذكره‪ ،‬وجوارحه عن طاعته‪ ،‬فكيف الظن به عند سقوط قواه‪ ،‬واشتغال قلبه‬
‫ونفسه بما هو فيه من ألم النزع؟ وجمع الشيطان له كل قوته وهمته‪ ،‬وحشد عليه بجميع ما يقدر عليه لينال منه‬
‫فرصته‪ ،‬فإن ذلك آخر العمل‪ ،‬فأقوى ما يكون عليه شيطانه ذلك الوقت‪ ،‬وأضعف ما يكون هو في تلك الحال‪ ،‬فمن ترى‬
‫يسلم على ذلك؟ فهناك‪( :‬يثبت هللا الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي اآلخرة ويضل هللا الظاملين ويفعل هللا ما‬
‫ًا‬
‫يشاء) إبراهيم‪ . 27 :‬فكيف يوفق بحسن الخاتمة من أغفل هللا سبحانه قلبه عن ذكره‪ ،‬واتبع هواه‪ ،‬وكان أمره فرط ‪،‬‬
‫فبعيد من قلبه بعيد عن هللا تعالى غافل عنه‪ ،‬متعبد لهواه‪ ،‬أسير لشهواته‪،‬ولسانه يابس من ذكره‪ ،‬وجوارحه معطلة من‬
‫طاعته‪ ،‬مشتغلة بمعصيته ‪ -‬بعيد أن يوفق للخاتمة بالحسنى) أ‪.‬هـ‬
‫* وسوء الخاتمة على رتبتين ‪ -‬نعود هللا من ذلك‪ :‬على القلب عند سكرات املوت وظهور أهواله‪ :‬إما الشك وإما الجحود‬
‫فتقبض الروح على تلك الحال وتكون حجابا بينه وبين هللا‪ ،‬وذلك يقتضي البعد الدائم والعذاب املخلد ‪.‬‬
‫* والثانية وهي دونها‪ ،‬أ‪ ،‬يغلب على قلبه عند املوت حب أمر من أمور الدنيا أو شهوة من شهواتها املحرمة‪ ،‬فيتمثل له ذلك‬
‫في قلبه‪ ،‬واملرء يموت على ما عاش عليه‪ ،‬فإن كان ممن يتعاطون الربا فقد يختم له بذلك‪ ،‬وإن كان ممن يتعاطون‬
‫املحرمات األخرى من مثل املخدرات واألغاني والتدخين ومشاهدة الصور املحرمة وظلم الناس ونحو ذلك فقد يختم له‬
‫بذلك‪ ،‬أي بما يظهر سوء خاتمته والعياذ باهلل ‪ ،‬ومثل ذلك إذا كان معه أصل التوحيد فهو مخطور بالعذاب والعقاب‪.‬‬

‫أسباب سوء الخاتمة‬


‫وبهذا يعلم أن سوء الخاتمة يرجع ألسباب سابقة‪ ،‬يجب الحذر منها‪.‬‬
‫* ومن أعظمها‪ :‬فساد االعتقاد‪ ،‬فإن من فسدت عقيدته ظهر عليه أثر ذلك أحوج ما يكون إلى العون والتثبيت من هللا‬
‫تعالى‪:‬‬
‫* ومنها‪ :‬اإلقبال على الدنيا والتعلق بها‪.‬‬
‫* ومنها‪ :‬العدول عن االستقامة واإلعراض عن الخير والهدى‪.‬‬
‫* ومنها‪ :‬اإلصرار على املعاصي وإلفها ‪ ،‬فإن اإلنسان إذا ألقت شيئا مدة حياته وأحبه وتعلق به‪ ،‬يهود ذكره إليه عند املوت‪،‬‬
‫ويردده حال االحتضار في كثير من األحيان‪.‬‬
‫* وقال الحافظ ابن كثير رحمه هللا‪( :‬إن الذنوب واملعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند املوت‪ ،‬مع خذالن الشيطان له‪،‬‬
‫فيجتمع عليه الخذالن مع ضعف اإليمان‪ ،‬فيقع في سوء الخاتمة‪ ،‬قال تعالى‪( :‬وكان الشيطان لإلنسان خذوال) الفرقان‪29:‬‬
‫* وسوء الخاتمة ‪ -‬أعاذنا هللا منها ‪ -‬ال يقع فيها من صلح ظاهره وباطنه مع هللا‪ ،‬وصدق في أقواله وأعماله‪ ،‬فإن هذا لم‬
‫يسمع به‪ ،‬وإنما يقع سوء الخاتمة ملن فسد باطنه عقدا‪ ،‬وظاهره عمال‪ ،‬وملن له جرأة على الكبائر‪ ،‬وإقدام على الجرائم ‪،‬‬
‫فربما غلب ذلك عيه حتى ينزل به املوت قبل التوبة) أ ‪.‬هـ‬
‫الحمد هلل رب العاملين ولي الصالحين وال عدوان‪ ,‬أما بعد‪:‬‬
‫حينمــا تحــدثنا في األســبوع املاضي عن ســوء الخاتمــة بقصصــه وعــبره‪ ،‬لم تكن الصــور لتكتمــل‪ ،‬إال بشــقها اآلخــر وهــو حســن‬
‫الخاتم ــة‪ ،‬وش ــتان بين الص ــورتين‪َ( ،‬أ ْم َح ِس َب اَّل ِذ يَن اْج َت َر ُح وا الَّس َئ اِت َأ ْن َن ْج َع َل ُه ْم َك اَّل ِذ يَن آَم ُن وا َو َع ُل وا الَّص اِل َح اِت َس َو اًء‬
‫ِم‬ ‫ِّي‬
‫ُك‬
‫َم ْح َي اُه ْم َو َم َم اُت ُه ْم َس اَء َم ا َيْح ُم وَن ) [الجاثـية‪.]21:‬‬
‫ّف‬ ‫ُث‬
‫ساعة الختـام هي امللخص لحيـاة اإلنسـان‪ ،‬والخـواتيُم مـيرا الّس وابق‪ ,‬وحسـن الخاتمـة أن يو ق العبـد قبـل موتـه للتوبـة عن‬
‫الذنوب والسيئات‪ ،‬واإلقبال على الطاعات والقربات‪ ،‬ثم يكون موته على هذه الحال الحسنة‪.‬‬
‫وممـا يـدل على هـذا مـا صح عنـد أحمـد والترمـذي عن أنس ‪-‬رضي هللا عنـه‪ -‬أن النـبي ‪-‬صـلى هللا عليـه وسـلم‪ -‬قـال‪ :‬إذا أراد هللا‬
‫بعبده خيًر ا استعمله‪ ،‬قالوا‪ :‬كيف يستعمله؟ قال‪ :‬يوفقه لعمل صالح قبل املوت‪.‬‬
‫وفي لفــظ صحيح عنــد أحمــد‪" :‬ال عليكم أن ال تعجبــوا بأحــد حــتى تنظــروا بم يختم لــه‪ ،‬فــإن العامــل يعمــل زمانــا من عمــره أو‬
‫برهــة من دهــره بعمــل صــالح لــو مــات عليــه دخــل الجنــة‪ ،‬ثم يتحــول فيعمــل عمال سيئا‪ ،‬وإن العبــد ليعمــل البرهــة من دهــره‬
‫بعمـل سـيئ لـو مـات عليـه دخـل النـار‪ ،‬ثم يتحـول فيعمـل عمال صـالحا‪ ،‬وإذا أراد هللا بعبـد خـيرا اسـتعمله قبـل موتـه‪ ،‬قـالوا‪ :‬يـا‬
‫رسول هللا وكيف يستعمله؟ قال‪ :‬يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه"‪.‬‬
‫صور من قصص حسن الخاتمة‪:‬‬
‫أيها األحبة‪ :‬كيف مرت ساعة الختام على سلفنا الصالح الذين عاشوا على طاعة هللا وماتوا على ذكر هللا‪.‬‬
‫ه ــا ه ــو س ــيدهم وإم ــامهم رس ــول هللا ‪-‬ص ــلى هللا عليــه وس ــلم‪ -‬في س ــكرات املوت‪ ،‬ت ــرى فاطمــة ‪-‬رضي هللا عنه ــا‪ -‬م ــا يتغشــاه من‬
‫الكرب الشديد عند املوت‪ ،‬فتقول‪ :‬واكرب أبتاه‪ ،‬فيقول لها صلى هللا عليه وسلم استبشاًر ا بلقاء ربه وحسـن خاتمتـه‪" :‬ليس‬
‫على أبيك كرٌب بعد اليوم"‪.‬‬
‫وتحض ـ ــر الوف ـ ــاة بالل بن رب ـ ــاح ‪-‬رضي هللا عن ـ ــه‪ -‬ف ـ ــيردد‪ :‬غ ـ ـًد ا نلقى األحب ـ ــة‪ :‬محم ـ ـًد ا وصحبه‪ ،‬فتبكي امرأت ـ ــه قائل ـ ــة‪ :‬وابالاله‬
‫واحزناه‪ ،‬فيقول‪ :‬وافرحاه‪.‬‬
‫ٌب‬ ‫ٌر‬ ‫ًب‬
‫وعن ــدما ن ــزل املوت بمع ــاذ بن جب ــل ‪-‬رضي هللا عن ــه‪ -‬ق ــال‪ :‬مرح ا ب ــاملوت زائ ـ بع ــد غي ــاب‪ ،‬وح ــبي ج ــاء على فاق ــة‪ ،‬اللهم إني‬
‫كنت أخاف ــك‪ ،‬فأن ــا الي ــوم أرج ــوك‪ ،‬اللهم إن ــك تعلم أني لم أكن أحب ال ــدنيا لج ــري األنه ــار وال لغ ــرس األشجار‪ ،‬ولكن لظم ــأ‬
‫َل‬
‫الهواجر‪ ،‬ومكابدة الساعات‪ ،‬ومزاحمة العلماء عند ِح ق الذكر‪.‬‬
‫وملا احتضر الخليفة الراشـد عمـر بن عبـد العزيـز ‪-‬رحمـه هللا‪ -‬قـال ملن حولـه‪ :‬اخرجـوا عـني فال يبقى أحـد‪ ،‬فخرجـوا فقعـدوا‬
‫ُة َن ُل َّل‬ ‫ْل‬
‫على البــاب‪ ،‬فســمعوه يقــول‪ :‬مرحًب ا بهــذه الوجــوه‪ ،‬ليســت بوجــوه إنس وال جــان‪ ،‬ثم قــال‪ِ( :‬ت َك الـَّد اُر اآلِخ َر ْج َع َه ا ِل ِذ يَن ال‬
‫ُق‬ ‫ْل ُة ْل‬ ‫َف‬ ‫َأل‬ ‫ُل‬
‫ُي ِر يُد وَن ُع ًّو ا ِف ي ا ْر ِض َو ال َس اًد ا َو ا َع اِق َب ِل ُم َّت ِق يَن ) [القصص‪ ]83:‬ثم بض رحمه هللا‪.‬‬
‫وملا حضرت الوفاة أبا الوفاء بن عقيل الحنبلي بكى أهله‪ ،‬فقال لهم‪ :‬لي خمسون سنة أعبده‪ ،‬فدعوني أتّنه ى ملقابلته‪.‬‬
‫وتأمــل هــذا املشــهد ‪-‬يــا من تــترك الصــالة أو تتهــاون فيهــا‪ -‬هــاهو عــامر بن عبــد هللا بن الزبــير املؤذن يجــود بنفســه في ســكرات‬
‫ّذ‬
‫املوت‪ ،‬ويعــد أنفــاس الحيــاة‪ ،‬وأهلــه حولــه يبكون‪ ،‬وبينمــا هــو يصــارع املوت‪ ،‬إذ ســمع املؤ ن ينــادي لصــالة املغــرب‪ ،‬فقــال ملن‬
‫حوله‪ :‬خذوا بيدي فقالوا‪ :‬إنك عليل‪ ،‬قال‪ :‬أسمع داعي هللا فال أجيبه‪ ,‬فأخذوا بيـده فـدخل مـع اإلمـام في املغـرب فصـلى ركعـة‬
‫ثم مات في الركعة الثانية رحمه هللا‪.‬‬
‫ًر‬ ‫ًال‬ ‫ّد‬
‫ومن القص ــص املؤثرة في ه ــذا الزم ــان‪ ،‬م ــا ح ـ ثني ب ــه أح ــد املش ــايخ أن رج كب ــي ا من قرابت ــه تج ــاوز الثم ــانين‪ ،‬كان ص ــاحب‬
‫ًظ‬
‫طاع ــة‪ ،‬محاف ا على الص ــف األول‪ ،‬أصيب بالته ــاب في الرئ ــة‪ ،‬فأدخ ــل املستش ــفى التخصصي بالري ــاض‪ ،‬كان مح ــدثي الش ــيخ‬
‫يــتردد على الرجــل يرقيــه ويقــرأ عليــه القــرآن‪ ،‬انقطــع اتصــال الرجــل بــاآلخرين إال إذا دخــل عليــه الشــيخ وقــرأ عليــه القــرآن‪،‬‬
‫فيبدأ بالتبسم ويشير بيديه بإشارات مفهومة‪ ،‬حتى توفاه هللا في تلك األيام‪.‬‬
‫وفي مغس ــلة ج ــامع ال ــراجحي‪ ،‬أتي بش ــاب‪ ،‬فالح ــظ من كان يغس ــله انحن ــاء جس ــمه‪ ،‬فس ــألوا عن ــه‪ ،‬فق ــال م ــؤذن املسجد ال ــذي‬
‫يص ــلي في ــه الش ــاب‪ :‬دخلت املسجد ألؤذن الفج ــر‪ ،‬فلم ــا أذنت ق ــام الش ــاب ليص ــلي س ــنة الفج ــر‪ ،‬فلم ــا سجد‪ ،‬أط ــال السجود‪،‬‬
‫فقلت لعله استغرق في الدعاء‪ ،‬فلما أطال وأطال َح َّر كُتُه ‪ ،‬فإذا بروحه قد خرجت وهو ساجد بين يدي هللا‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬وسيبعث هذا الشاب ساجًد ا بين يدي هللا‪ ،‬يغبطه أهل املحشر بهذه الخاتمة الحسنة‪.‬‬
‫ونق ــل ال ــدكتور العش ــماوي قص ــة رج ــل أم ــريكي كان خب ــيًر ا متخصًص ا حص ــل على ع ـدٍد من الش ــهادات واألوس ــمة في أمريكا‪،‬‬
‫ًال‬
‫يق ـ ــول عن نفس ـ ــه‪" :‬قب ـ ــل أن آتي إلى الري ـ ــاض مس ـ ــؤو كب ـ ــيًر ا في الش ـ ــركة األمريكي ـ ــة لم أكن أش ـ ــغل ب ـ ــالي بال ـ ــدين ونصوص ـ ــه‬
‫ٌة‬ ‫ُّل‬
‫وتعاليمــه‪ ،‬حيــاتي ك هــا مــاد وعمــل وظيفي نــاجح‪ ،‬وإجــازاٌت أرِّو ح عن نفسي فيهــا بمــا أشــاء من وســائل الــترويح املباحــة وغــير‬
‫املباحة"‪.‬‬
‫وبع ــد ش ــهور من العم ــل لفت انتباه ــه ألول مـ ـَّر ة منظ ــر جم ــع غف ــير من املس ــلمين الس ــعوديين وغ ــير الس ــعوديين يتجه ــون إلى‬
‫املسجد‪ ،‬قــال‪" :‬ســمعت األذان أَّو ل مــا جلســت‪ ،‬وشــعرُت حينمــا ســمعُت ه بشــعور لم أعهــده من قبــل‪ ،‬هَّب ت من خاللــه نســائم ال‬
‫أســتطيع أن أصــفها‪ ،‬وانقــدح في ذهــني ســؤال‪ :‬ملاذا يصــنع هــؤالء النــاس مــا أرى؟ وكــأنهم يتســابقون إلى مكان يــدفع لهم نقــوًد ا‬
‫وهــدايا ثمينــة تســتحق هــذا االهتمــام؟ صــوت األذان‪ ,‬اإلقامــة‪ ،‬اإلمــام يقــول "الســالم عليكم" فــإذا بحشــود املصـِّل ين يخرجــون‪،‬‬
‫ويصافح بعضهم بعًض ا‪ ،‬يا له من نظام رائع"‪.‬‬
‫أم ــريكي أبيض‪ ،‬ذو قلب كافر أس ــود‪ ،‬يش ــرق قلب ــه بن ــور اإليم ــان‪ ،‬ويع ــرف حالوة اإلس ــالم‪ ،‬وبع ــد م ــرور ش ــهرين على إس ــالمه‬
‫ينطلق ألداء العمرة وزيارة البيت الحرام برفقة صديقين سعوديين من زمالء العمـل‪ ،‬أتَّم الرجـل عمرتـه قبـل صـالة العشـاء‪،‬‬
‫وكان حريًص ا على الصــالة في الصــف األَّو ل أمــام الكعبـة‪ ،‬وبــدأت صــالة العشـاء‪ ،‬وكان الرجـل في حالـٍة من الخشـوع العجيب‪،‬‬
‫يقــول أحــد مرافقيــه‪ :‬حينمــا قمنــا من التش ـُّه د األَّو ل لم يقم‪ ،‬وظننتــه قــد اســتغرق في حالتــه الروحيــة فنسي القيــام‪ ،‬ومــددت‬
‫َّل‬
‫يدي إلى رأسه منبها له‪ ،‬فلم يستجب‪ ،‬ولم يس م اإلمام من صالته حتى تبَّي ن لنا أن الرجل قد فارق الحياة‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬لقـد صــعدت تلــك الــروح الــتي تعلقت باهلل في أطهـر رحـاب هللا‪ ،‬يقـول املرافـق‪ :‬لقـد شــعرت بفضــل هللا العظيم على ذلــك‬
‫الرجــل ‪-‬رحمــه هللا‪ -‬وشــعرت بــاملعنى العميــق لحســن الخاتمــة‪ ،‬ووَّد عتــه مشــيًع ا حيث تم دفنــه في مكــة املكرمــة بعــد استئذان‬
‫أهل ــه في أمريكا‪ ,‬وحينم ــا علم زمالؤه األمريكان وهم غ ــير مس ــلمين بم ــا حص ــل ل ــه‪ ،‬ق ــال أح ــدهم‪ :‬إن ــني أغبط ــه على ه ــذه امليت ــة‪،‬‬
‫قلت له‪ :‬ملاذا؟ قال‪ :‬ألنه مات في أهم بقعة‪ ،‬وأعظم مكان في ميزان الدين اإلسالمي الذي آمن به‪.‬‬
‫عالمات حسن الخاتمة‪:‬‬
‫أيهــا األحبــة‪ :‬مــا هي عالمــات حســن الخاتمــة؟ لقــد جعــل الشــارع الحكيم عالمــات بينــات‪ ،‬ومبشــرات مفرحــات‪ ،‬يســتدل بهــا على‬
‫حسن الخاتمة‪ ,‬أولها‪:‬‬
‫‪ /1‬النطــق بشــهادة التوحيــد عنــد املوت‪ ،‬لحــديث معــاذ ‪-‬رضي هللا عنــه‪ -‬قــال‪ :‬قــال رســول هللا صــلى هللا عليــه وســلم‪" :‬من كان‬
‫آخر كالمه ال إله إال هللا دخل الجنة" رواه أحمد وأبو داود بسند صحيح‪.‬‬
‫ول ـ ــذا أم ـ ــر الن ـ ــبي ‪-‬ص ـ ــلى هللا علي ـ ــه وس ـ ــلم‪ -‬بتلقين امليت ه ـ ــذه الش ـ ــهادة رج ـ ــاء أن تكون خاتم ـ ــة عمل ـ ــه‪ ،‬فق ـ ــال ص ـ ــلى هللا علي ـ ــه‬
‫وسلم‪" :‬لّق نوا موتاكم ال إله إال هللا" رواه مسلم عن أبي سعيد ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬واملراد باملوتى‪ :‬املحتضرون الذين ســيموتون‪،‬‬
‫باعتبــار املآل‪ ،‬واملراد بــالتلقين أن يقــول أحــد الحضــور للمحتِض ر برفــق‪ :‬قــل ال إلــه إال هللا‪ ،‬أو يقولهــا عنــد رأســه يــذكره بهــا‪،‬‬
‫فإذا قالها سكت عنه‪ ،‬فإذا تكلم املحتِض ر بغيرها أعاد أمره بها‪ ،‬حتى تكون هي آخر ما يتكلم به‪.‬‬
‫ّر ًق‬
‫ومن أعجب م ــا رواه أه ــل العلم في ذل ــك‪ ،‬م ــا نقل ــه ال ــذهبي في الس ــير وغ ــيره‪ ،‬عن أبي جعف ــر محم ــد بن علي‪ ،‬وكان و ا ا ألبي‬
‫زرعــة الــرازي اإلمــام الكبــير من أهــل الحــديث‪ ،‬قــال‪ :‬حضــرنا أبــا زرعــة وهــو في الَّس ْو ق؛ أي‪ :‬عنــد احتضــاره وعنــده أبــو حــاتم‬
‫وابن واره واملن ــذر بن ش ــاذان وغ ــيرهم‪ ،‬ف ــذكروا ح ــديث التلقين "لقن ــوا موت ــاكم ال إل ــه إال هللا" واس ــتحيوا من أبي زرع ــة أن‬
‫يلقنــوه‪ ،‬فقــالوا تعــالوا نــذكر الحــديث‪ ،‬فقــال ابن واره‪ :‬حــدثنا أبــو عاصــم حــدثنا عبــد الحميــد بن جعفــر عن صــالح ابن أبّي ‪،‬‬
‫وجعــل يقــول ابن أبّي ‪ ,‬ثم ســكت ولم يجــاوزه‪ ,‬ثم قــال أبــو حــاتم‪ :‬حــدثنا ُب نــدار حــدثنا أبــو عاصــم‪ ،‬عن عبــد الحميــد بن جعفــر‪،‬‬
‫عن صـالح‪ ،‬ثم سـكت ولم يجـاوزه‪ ،‬وسـكت البـاقون‪ ،‬ففتح أبـو زرعـة عينيـه فقـال‪ :‬حـدثنا ُب نـدار حـدثنا أبـو عاصـم حـدثنا عبـد‬
‫َك‬
‫الحميــد عن صــالح ابن أبي غــريب عن ثــير بن ُم ّر ة عن معــاذ بن جبــل قــال‪ :‬قــال رســول هللا ‪-‬صــلى هللا عليــه وســلم‪" :-‬من كان‬
‫آخر كالمه ال إله إال هللا دخل الجنة" ثم خرجت روحه رحمه هللا‪.‬‬
‫باألمس‪ ،‬يحدثني أحد املشايخ بحادثة وقعت له في أبو ظبي‪ ،‬يقـول‪ :‬كنت أسـير مـع صـاحبي على الطريـق‪ ،‬وعنـد أحـد الـدوارات‬
‫رأينا حادث سيارة‪ ،‬وفيه شاب ممدد على األرض‪ ،‬قال لي صاحبي‪ :‬لنبتعد عن هذا املكان‪ ،‬فقلت له‪ :‬ال‪ ،‬لعـل هللا أن ينفـع بنـا‪,‬‬
‫نزلت من السيارة‪ ،‬وإذا بشاب عمره قرابة السابعة عشرة كان يركب دراجة فدهسته إحدى السـيارات‪ ،‬نظـرت إلى الشـاب‪،‬‬
‫وإذا به يحتضر‪ ،‬اقتربت منه بهدوء‪ ،‬وحاولت تطمينه وتثبيته‪ :‬السالم عليكم‪ ،‬أنـا أخـوك فالن من الريـاض‪ ،‬إن شـاء هللا إنـك‬
‫طيب‪ ،‬يقول ووضعت على رأسه‪ ،‬فأزاحها بيده وتبسم في وجهي‪ ،‬فقلت لـه‪ :‬مـا رأيـك أن نقـول ال إلـه إال هللا‪ ،‬فقـال‪ :‬ال إلـه إال‬
‫هللا‪ ،‬وما هي إال لحظات حتى خرجت روح هذا الشاب في نفس املكان‪.‬‬
‫وههن ــا تنبي ــه ه ــام‪ :‬ليس النط ــق بالش ــهادة ه ــو العالم ــة الوحي ــدة لحس ــن الخاتم ــة‪ ،‬وليس كل من لم يقله ــا أن خاتمت ــه سيئة‪،‬‬
‫وهناك أيًض ا عالمات أخرى لحسن الخاتمة‪ ,‬منها‪:‬‬
‫‪ /2‬أن يختم ل ـ ــه بعم ـ ــل ص ـ ــالح كص ـ ــيام أو ص ـ ــدقة أو ذك ـ ــر‪ ،‬عن ج ـ ــابر ‪-‬رضي هللا عن ـ ــه‪ -‬ق ـ ــال‪" :‬من م ـ ــات على شيء بعث ـ ــه هللا‬
‫عليه" رواه أحمد والحاكم وصححه األلباني‪.‬‬
‫َم ْن َق َل اَل َل َه اَّل َّل ُه ْب َغ َء َو ْج َّل‬ ‫َذ َف َة‬
‫وثبت عند أحمد َع ْن ُح ْي ‪-‬رضي هللا‪ -‬عنـه عن النـبي ‪-‬صـلى هللا عليـه وسـلم‪ -‬قـال‪ " :‬ا ِإ ِإ ال ا ِت ا ِه ال ِه ‪،‬‬
‫َّل‬ ‫َق َغ‬ ‫َت‬ ‫َخ ْل َة‬ ‫َّل ُخ َل‬ ‫َغ‬ ‫َخ ْل َة‬ ‫ُخ َل‬
‫ِت َم ُه ِب َه ا َد َل ا َج َّن ‪َ ،‬و َم ْن َص اَم َيْو ًم ا اْب ِت اَء َو ْج ِه ال ِه ‪ِ ،‬ت َم ُه ِب ه َد َل ا َج َّن ‪َ ،‬و َم ْن َص َّد َق ِب َص َد ٍة اْب ِت اَء َو ْج ِه ال ِه ‪،‬‬
‫َخ ْل َة‬ ‫ُخ َل‬
‫ِت َم ُه ِب َه ا َد َل ا َج َّن "‪.‬‬
‫ُق‬ ‫َّل َأ ًا َأ‬ ‫ُق ُل‬ ‫َّل‬ ‫َت‬
‫‪ /3‬الش ــهادة في س ــاحات الجه ــاد‪ ،‬لقول ــه تع ــالى‪َ( :‬و ال ْح َس َبَّن ا ِذ يَن ِت وا ِف ي َس ِب يِل ال ِه ْم َو ات ـ َب ْل ْح َي اٌء ِع ْن َد َر ِّب ِه ْم ُي ْر َز وَن *‬
‫ُن‬ ‫ْم ْن َخ ْل ْم َأ اَّل َخ ٌف َل‬ ‫َف يَن َم ا آَت اُه ُم الَّل ُه ْن َف ْض َو َي ْس َت ْب ُر وَن اَّل يَن َل ْم َي ْل َح ُق‬
‫ْو َع ْي ِه ْم َو ال ُه ْم َيْح َز وَن ) [آل‬ ‫ِف ِه‬ ‫وا ِب ِه ِم‬ ‫ِب ِذ‬ ‫ِش‬ ‫ِل ِه‬ ‫ِم‬ ‫ِر ِح ِب‬
‫عمران‪ ]170-169:‬وفي كرامات الشهيد أحاديث كثيرة‪.‬‬
‫َن‬ ‫ُح‬
‫ومن رحم ــة هللا وفض ــله على ه ــذه األم ــة م ــا ثبت عن ــد مس ــلم عن س ــهل بن ي ــف ‪-‬رضي هللا عن ــه‪ -‬أن الن ــبي ‪-‬ص ــلى هللا علي ــه‬
‫ّل‬
‫وس ــلم‪ -‬ق ــال‪" :‬من س ــأل هللا الش ــهادة بص ــدق ب غ ــه هللا من ــازل الش ــهداء وإن م ــات على فراش ــه" اللهم إن ــا نس ــألك الش ــهادة في‬
‫سبيلك‪ ،‬وبرد العيش بعد املوت‪.‬‬
‫ًط‬
‫‪ /4‬أن يمـ ــوت غازًي ا‪ ،‬أو مراب ا في سبيل هللا‪ ،‬أو يمـ ــوت بإحـ ــدى امليتـ ــات الـ ــتي ورد فيهـ ــا أجـ ــر الشـ ــهيد‪ ،‬كاملطعون واملبطـ ــون‬
‫والغريــق والحريــق‪ ،‬وصــاحِب الهــدم واملرأِة تمــوت وهي حامــل أو بسبب الوضــع‪ ،‬واملقتــول دفاًع ا عن دينــه أو نفســه أو مالــه‪،‬‬
‫وفي هذا أحاديث كثيرة‪.‬‬
‫‪ /5‬املوت بع ــرق الج ــبين‪ ،‬ملا ص عن ــد أحم ــد وأه ــل الس ــنن إال أب ــا داود أن الن ــبي ‪-‬ص ــلى هللا علي ــه وس ــلم‪ -‬ق ــال‪" :‬املؤمن يم ــوت‬ ‫ّح‬
‫بعرق الجبين"‪.‬‬
‫‪ /6‬املوت ليلة الجمعة أو نهارهـا‪ ،‬لقولـه صـلى هللا عليـه وسـلم‪" :‬مـا من مسـلم يمـوت يـوم الجمعـة أو ليلـة الجمعـة إال وقـاه هللا‬
‫فتنة القبر" رواه أحمد والترمذي وقال حديث غريب وحسنه األلباني‪.‬‬
‫ُس‬
‫وإذا كانت هذه العالمات املتقدمة لحسن الخاتمة تظهر للناس‪ ،‬فهل هناك عالمة يعلم بها امليت نف ه حسن خاتمته؟‬
‫نعم‪ ،‬هنــاك عالمــة عظيمــة وهي‪ :‬نــزول مالئكــة الرحمــة عليــه‪ ،‬تبشــره برضــوان هللا –تعــالى‪ -‬فيفــرح ويستبشــر‪ ،‬قــال تعــالى‪َّ ( :‬ن‬
‫ِإ‬ ‫َّل َن َق ُل ْا َر ُّب َن َّل ُه ُث َّم ْس َتَق ُم ْا َت َت َن َّز ُل َع َل ْي ُم َمْلَل َك ُة َأ َّال َت َخ ُف ْا َال َت ُن ْا َأ‬
‫َّل ُك ُت‬ ‫ْا ْل‬
‫ا و َو ْح َز و َو ْب ِش ُر و ِب َج َّن ِة ا ِت ى نُت ْم وَع ُد وَن ) [فصــلت‪:‬‬ ‫ِه ا ـِئ‬ ‫ا ــا و‬ ‫ا ِذ ي ا و ا ال‬
‫‪.]30‬‬
‫أقول ما تسمعون‪ ،‬وأسأل هللا لي ولكم حسن الخاتمة‪ ،‬إنه جواد كريم‪ ،‬والحمد هلل رب العاملين‪.‬‬
‫أسباب حسن الخاتمة‪:‬‬
‫أيها األحبة‪ :‬كيف السبيل إلى حسن الخاتمة؟ ما أسبابها‪.‬‬
‫َتَق‬ ‫َّل ُث‬ ‫َق ُل‬ ‫َّل‬
‫األســباب كثـيرة‪ ،‬يجمعهـا لــزوم االســتقامة على دين هللا (ِإ َّن ا ِذ يَن ا وا َر ُّب َن ا ال ُه َّم اْس اُم وا) [فصــلت‪ ]30:‬وقـد جـرت ســنة‬
‫هللا –سبحانه‪ -‬أن من شّب على شيء شاب عليه‪ ،‬ومن شاب على شيء مات عليه‪ ،‬ومن مات على شي بعث عليه‪.‬‬
‫فمن أعظم أســباب حســن الخاتمــة تحقيــق التوحيــد‪ ،‬وإخالص الــدين هلل‪ ،‬واملتابعــة لســنة رســول هللا ‪-‬صــلى هللا عليــه وســلم‪-‬‬
‫ومنها‪:‬‬
‫ُظ‬ ‫ّذ‬ ‫َع‬ ‫َن‬ ‫َع‬ ‫َم‬ ‫ًة‬ ‫َع‬ ‫ُة‬ ‫َظ‬ ‫َف‬
‫املس ـِل ِم ي ‪ ،‬واجِت ن ــاُب الكب ـاِئ ِر و ظ ــائِم ال ـ نوِب ‪ ،‬والك ــف عن لِم الن ــاِس ‪ ،‬وأداء‬ ‫على الَّص لواِت الخمس جَم ا‬ ‫املحا‬
‫ُع‬ ‫َن‬ ‫َص‬ ‫ّح‬
‫الحقــوق واإلحســا إلى الخل ـِق ‪ ،‬كمــا ص عنــد الحــاكم عن أنس أن النــبي ‪-‬صــلى هللا عليــه وســلم‪ -‬قــال‪ " :‬اِئ املع ــروِف تِق ي‬ ‫ُن‬
‫مصارَع الّس وء"‪.‬‬
‫ًا َأ ْل‬ ‫َت َّف‬
‫ومنه ـ ــا‪ :‬ك ـ ــثرة ال ـ ــدعاء بحس ـ ــن الخاتم ـ ــة‪ ،‬وه ـ ــو دع ـ ــاء األنبي ـ ــاء‪ ،‬كم ـ ــا ق ـ ــال يوس ـ ــف علي ـ ــه الس ـ ــالم‪َ ( :‬و ِن ي ُم ْس ِل م َو ِح ْق ِن ي‬
‫ِب الَّص اِل ِح يَن ) [يوس ــف‪ ]101:‬ومن ذل ــك ك ــثرة ذك ــر هللا تع ــالى‪ ،‬فمن أك ــثر ذك ــر هللا كان ج ــديًر ا ب ــأن يكون ذك ــر هللا حاض ـًر ا عن ــد‬
‫موته‪ ,‬وهذا من معاني حديث "تعرف إلى هللا في الرخاء يعرفك في الشدة" أكثر ذكر هللا في الرخاء يذكرك عند شدة املوت‪.‬‬
‫ًال‬
‫من القصص التي وقفت عليها‪ ،‬قصـة لرجـل كبـير من القرابـة‪ ،‬هـو زوج لجـدتي‪ ،‬عمـر طـوي حـتى قـارب املائـة أو تجاوزهـا‪ ،‬لم‬
‫ًط‬ ‫ًال‬ ‫ًمل‬
‫يكن الرجـل عا ا وال علًم ا بين النـاس‪ ،‬بـل كان رج عامًّي ا بسـي ا يبيع ويشـتري في السـوق‪ ،‬ولكنـه تمـيز بصـفة قـّل أن تجـدها‬
‫في الناس إال ما رحم هللا‪ ،‬وهي كثرة ذكر هللا‪.‬‬
‫ال أحصي املرات ال ـ ـ ــتي كنت أدخ ـ ـ ــل علي ـ ـ ــه في ال ـ ـ ــبيت أو أجلس مع ـ ـ ــه في املجلس‪ ،‬ولس ـ ـ ــانه يلهج ب ـ ـ ــذكر هللا‪ ،‬كان ينبس ـ ـ ــط إلى‬
‫الحاضـرين ويتبسـم إليهم‪ ،‬وربمـا يضـاحكهم‪ ،‬فـإذا هـدأ املجلس سـمعت صـوته املعهـود‪ ،‬ال إلـه إال هللا‪ ،‬ال يفـتّر لسـانه عن ذكـر‬
‫هللا‪ ,‬ومض ــت الس ــنوات‪ ،‬وأصيب الش ــيخ ب ــاملرض‪ ،‬كنت أس ــأل عن ــه ابنت ــه‪ ،‬فكانت تق ــول‪ :‬إن ــه ق ــد ض ــعف إدراك ــه ووعي ــه إال في‬
‫الص ــالة وذك ــر هللا‪ ,‬وبع ــد أي ــام‪ ،‬فج ــع الجمي ــع بم ــوت الش ــيخ ‪-‬رحم ــه هللا‪ -‬وذهبن ــا ب ــه إلى مغس ــلة الدريهمي ــة بجن ــوب الري ــاض‪،‬‬
‫دخلت املغسلة ألشارك في تغسيله فرأيت أمًر ا عجيًب ا‪ ,‬أنا لم أحضر موت الرجل في البيت‪ ،‬لكني وأنا أشارك في التغســيل مــع‬
‫املغســل‪ ،‬قــال لي املغســل‪ :‬انظــر إلى أبيكم‪ ،‬وهــو يشــير إلى أصــابع يــده الــتي من جتهي‪ ،‬نظــرت إلى أصــابعه‪ ،‬وإذا بأصــبعه الســبابة‬
‫قد ارتفعت إلى األعلى‪ ،‬وهي تعلن بشهادة التوحيد الـتي شـاب عليهـا هـذا الرجـل‪ ،‬قـال لي املغسـل‪ :‬مـا شـاء هللا‪ ..‬فقلت في نفسي‪:‬‬
‫أريــد أن أتأكــد‪ ،‬ربمــا أن األصــبع قــد تغــيرت إلى هــذه الحالــة بسبب النقــل والتحريــك‪ ،‬فأخــذت أصــابع الشــيخ وضــممتها برفــق‪،‬‬
‫وحركته ــا‪ ،‬ثم حركته ــا فع ــادت الس ــبابة إلى حالته ــا مرتفع ــة إلى األعلى‪ ,‬ثم قلت لنفسي م ــرة أخ ــرى‪ :‬ه ــل تش ــك أن ه ــذا الرج ــل‬
‫الصالح الذي شّب وشاب على ال إله إال هللا ينساها عند موته أو عند لقاء ربه؟ كال وهللا‪ ,‬نسأل هللا حسن الختام‪.‬‬
‫ويحــدثني أحــد الفضــالء من طلبــة العلم عن رجــل قــارب الخمســين ســنة‪ ،‬طلب من الشــيخ مرافقتــه للعالج في أمريكا‪ ،‬يقــول‪:‬‬
‫وصــلنا إلى هنـاك وكان الرجـل ال يعــرف الصــالة‪ ,‬وحـان األذان لصــالة الفجــر‪ ،‬فقـال ولــد املريض وكان معهم‪ :‬ال بـّد من الجهـر‬
‫باألذان وإيقاظه‪ ،‬فقال الشيخ‪ :‬ال‪ ،‬ليس بالتلطف والحكمة‪ ،‬وبعد دعـوة حكيمـة من الشـيخ‪ ،‬إذ بالوالـد‪ ،‬يقـوم في اليـوم التـالي‬
‫بعــد األذان‪ ،‬ويقــول‪ :‬هــل أقمتم الصــالة‪ ،‬ومن تلــك اللحظــة اســتقام الرجــل‪ ،‬وحافــظ على الصــالة إلى آخــر عمــره‪ ,‬رجــع الوالــد‬
‫ًال‬
‫من أمريكا‪ ،‬وبع ــد م ــدة يتلقى الش ــيخ اتص ــا من أوالد الرج ــل أن ــه في س ــكرات املوت‪ ،‬يق ــول لي الش ــيخ‪ :‬دخلت على الرج ــل في‬
‫بيته‪ ،‬فإذا به ممدد على فراشه‪ ،‬وإذا بيده أصبحت باردة‪ ،‬فقلت له‪ :‬تعرفني؟ فأشار برأسـه‪ ،‬يعـني‪ :‬نعم‪ ،‬فقلت لـه بلطـف‪ :‬مـا‬
‫رأي ــك أن نقــول ال إل ــه إال هللا‪ ،‬فنظــر في وجهي‪ ،‬ثم قــال‪ :‬ال إل ــه إال هللا‪ ،‬ثم فاض ــت روحــه ‪-‬رحمــه هللا‪ -‬وبع ــد أي ــام ت ــراه إحــدى‬
‫بنات ــه في املن ــام في ص ــورة حس ــنة‪ ،‬فيق ــول له ــا‪ :‬س ــلموا لي على فالن‪ ،‬وقول ــوا ل ــه إن ــك على خ ــير‪ ،‬وس ــنلتقي ‪-‬إن ش ــاء هللا‪ -‬ق ــالت‬
‫البنت ألخيها‪ :‬من فالن؟ قال لها‪ :‬فالن الذي كان سبًب ا في هداية والدنا رحمه هللا‪.‬‬
‫أيه ــا األحب ــة‪ :‬تلكم هي أح ــوال أه ــل الخ ــواتم الحس ــنة‪ ،‬ولكن م ــاذا عن ــا نحن؟ إن املوتى ل ــو تكلم ــوا لق ــالوا لن ــا‪ :‬ت ــزودوا من ه ــذه‬
‫الدنيا بالعمل الصالح‪ ,‬فإنها فرصة‪ ،‬وقد تكون الفرصة األخيرة‪ ,‬إن املوتى لو بكوا‪ ،‬لم يبكوا من مجرد املوت‪ ,‬وإنما سيبكون‬
‫من حسرة الفوت‪ ,‬فقد تركوا دارا لم يتزودوا منها‪ ،‬ودخلوا دارا لم يتزدوا لها‪َ(،‬ح َّت ى َذ ا َج اَء َأ َح َد ُه ُم اَمْلْو ُت َق َل َر ْر ُع‬
‫ا ِّب ا ِج وِن‬ ‫ِإ‬
‫َن‬ ‫َل َع َأ ْع َم ُل َص ًح َم َت َر ْك ُت َك اَّل َّن َه َك َم ٌة ُه َو َق ُل َه َو ْن َو َر ْم َب ْر َز ٌخ َل َيْو ُي ْبَع ُث‬
‫و ) [املؤمنون‪.]100-99:‬‬ ‫ِإ ى ِم‬ ‫اِئ ِه‬ ‫اِئ ا ِم‬ ‫ِإ ا ِل‬ ‫اِل ا ِف ي ا‬ ‫* ِّل ي‬
‫أال ليت شــعري ‪-‬أيهــا األحبــة‪ -‬حين يحين األجــل‪ ،‬ويــنزل بنــا املوت‪ ،‬هــل ســنلقى املولى وهــو راٍض عنــا‪ ،‬أم أن ذنوبنــا وجرائمنــا‬
‫ستحول دوننا ودون رحمته‪ ،‬و وهللا ثم وهللا‪ ،‬كم نحن مضطرون إلى عفوه ومغفرته‪.‬‬
‫َّتْق‬ ‫َف َخ‬ ‫َت‬
‫عبد هللا‪ :‬استعد للموت قبل نزول الخطر‪ ,‬وتزود بالزاد قبل السفر‪َ( ,‬و َز َّو ُد وا ِإ َّن ْي ال اِد ال ى) [البقرة‪.]197 :‬‬
‫َو‬ ‫َّز‬ ‫َر‬
‫ُش‬ ‫َن ٌل‬ ‫َّنَك‬
‫تزود من التقوى فا ال تدري *** إذا ج لي هل تعي إلى الفجِر‬
‫َش ًن‬ ‫ْي ّل‬
‫فكم من صحيٍح مات من غ ِر ع ٍة *** وكم من سقيٍم عا حي ا من الدهِر‬
‫ُن‬
‫وكم من فتى ُي مسي وُي صبُح الهًي ا *** وقد سجت أكفانُه وهو ال يدري‬
‫وكم من ساكٍن عند الصباِح بقصرِه *** وعند املسا قد كان من ساكِن ي القبِر‬
‫ٌن‬ ‫َّن‬
‫فداوم على تقـوى اإللِه فإ ها *** أما من األهواِل في موقِف الحشِر‬
‫اللهم صل على محمد‪.‬‬

You might also like