You are on page 1of 23

‫حرمة دماء المسلمين‬

‫د‪ .‬ماهر ياسين الفحل‬


‫‪ ‬‬
‫ْ‬
‫وتواترت به‬ ‫فإن مما ُعلِ َم من الدين بالضرورة‬ ‫أخي المسلم الكريم ‪ :‬إياك إياك الوقوع في دماء المسلمين َّ‬
‫فإن المسلم معصوم الدم والمال ‪ ،‬ال تُرف ُع عنه هذه العصمة إالّ‬ ‫األدلة من الكتاب والسنة حُرمة دم المسلم ؛ َّ‬
‫بإحدى ثالث ؛ إذ يقول الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ (( :‬ال يَحلُّ د ُم امرى ٍء مسلم إالّ بإحدى ثالث ‪َ :‬كفَ َر بع َد‬
‫إسالم ِه ‪ ،‬أو زَ نَى بعد إحصان ِه ‪ ،‬أو قَت ََل نفسا ً بغير نفس ))(‪ ،)1‬وما عدا ذلك ‪ ،‬فحرمة المسلم أعظم عند هللا‬
‫من حرمة الكعبة ‪ ،‬بل من الدنيا أجمع ‪ .‬وفي ذلك يقول الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ (( :‬والذي نفسي بيده‬
‫لقتل مؤمن أعظم عند هللا من زوال الدنيا ))(‪ )2‬وهذا الحديث وحده يكفي لبيان عظيم حرمة دم المسلم ‪ ،‬ثم‬
‫إن أنت وقعت في دم حرام ‪ ،‬نسأل هللا السالمة ‪.‬‬ ‫تبصّر ماذا سيكون موقفك عند هللا يوم القيامة ْ‬

‫ب هَّللا ُ َعلَ ْي ِه‬ ‫ض َ‬ ‫قال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى ‪َ (( :‬و َم ْن يَ ْقتُلْ ُمْؤ ِمنا ً ُمتَ َع ِّمداً فَ َجزَ اُؤ هُ َجهَنَّ ُم خَالِداً فِيهَا َو َغ ِ‬
‫أن يقتل أخاه بوجه من‬ ‫لمؤمن ْ‬
‫ٍ‬ ‫َولَ َعنَهُ َوَأ َع َّد لَهُ َع َذابا ً َع ِظيما ً )) [ النساء ‪ ( : ] 93 :‬يقول هللا تعالى ‪ :‬ليس‬
‫أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‪ (( :‬ال يح ُل‬ ‫الوجوه ‪ ،‬وكما ثبت في الصحيحين (‪ )3‬عن ابن مسعود ‪َّ :‬‬
‫أن ال إله إال هللا وأني رسول هللا ‪ ،‬إال بإحدى ثالث ‪ :‬النفس بالنفس ‪ ،‬والثيب الزاني ‪،‬‬ ‫دم امرىء مسلم يشهد ْ‬
‫والتارك لدينه المفارق للجماعة )) ‪ ،‬ثم إذا وقع في شيء من هذه الثالث فليس ألحد من آحاد الرعية ْ‬
‫أن‬
‫يقتله ‪ ،‬وإنَّما ذلك إلى اإلمام أو نائبه )(‪ . )4‬وقال ابن كثير في تفسير نفس اآلية ‪ ( :‬وهذا تهديد شديد ووعيد‬
‫أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم الذي هو مقرون بالشرك باهلل في غير ما آية في كتاب هللا ‪ ،‬حيث يقول هللا‬
‫س الَّتِي َح َّر َم هَّللا ُ ِإاَّل‬‫سبحانه في سورة [ الفرقان ‪َ (( ] 68 :‬والَّ ِذينَ ال يَ ْد ُعونَ َم َع هَّللا ِ ِإلَها ً آخ ََر َوال يَ ْقتُلُونَ النَّ ْف َ‬
‫أن قال ‪:‬‬ ‫ق )) اآلية ‪ ،‬وقال تعالى ‪ (( :‬قُلْ تَ َعالَوْ ا َأ ْت ُل َما َح َّر َم َربُّ ُك ْم َعلَ ْي ُك ْم َأالَّ تُ ْش ِر ُكوا بِ ِه َشيْئا ً )) إلى ْ‬ ‫بِ ْال َح ّ‬
‫ق َذلِ ُك ْم َوصَّا ُك ْم بِ ِه لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْعقِلُونَ )) [ األنعام ‪ ، ] 151 :‬واألحاديث‬ ‫س الَّتِي َح َّر َم هَّللا ُ ِإالَّ بِ ْال َح ِّ‬
‫(( َوال تَ ْقتُلُوا النَّ ْف َ‬
‫في تحريم القتل كثيرة جداً )) (‪ (( : )5‬وعن ابن عباس رضي هللا عنهما قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ (( :‬من جحد آية من القرآن ‪ ،‬فقد حل ضرب عنقه ‪ ،‬ومن قال ‪ :‬ال إله إالّ هللا وحده ال شريك له وأن‬
‫أن يصيب حداً فيقام عليه )) (‪.)6‬‬ ‫محمداً عبده ورسوله ‪ ،‬فال سبيل ألحد إالّ ْ‬
‫وأن محمداً رسول هللا واستقبلوا قبلتنا‬ ‫أن ال إله إالّ هللا َّ‬ ‫وفي رواية عن أنس رضي هللا عنه ‪ (( :‬فإذا شهدوا ْ‬
‫ّمت علينا دماؤهم وأموالهم إالّ بحقها ‪ ،‬لهم ما للمسلمين وعليهم ما‬ ‫وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صالتنا فقد ُحر ْ‬
‫عليهم )) (‪.)7‬‬

‫أن يقف كثيراً عند قوله تعالى ‪ (( :‬فَهَلْ َع َس ْيتُ ْم ِإ ْن ت ََولَّ ْيتُ ْم َأ ْن تُ ْف ِسدُوا فِي اَألرْ ِ‬
‫ض َوتُقَطِّعُوا‬ ‫وعلى المسلم ْ‬
‫َأرْ َحا َم ُك ْم )) [ محمد ‪. ] 22 :‬‬
‫فانظر أخي المسلم إلى عظمة كلمة ال إله إالّ هللا محمد رسول هللا ‪ ،‬والحصن واألمان الذي تضفيه على‬
‫صاحبها إالّ باستثناءات ُذ ْ‬
‫كرت آنفا ً ‪.‬‬

‫ومما ال بد من علمه أخي المسلم أن هللا عز وجل لم يجعلْ عقوبةً بعد عقوب ِة الشرك باهلل أش َّد من عقوبة قتل‬
‫ب هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َولَ َعنَهُ َوَأ َع َّد‬ ‫المؤمن عمداً حيث يقول ‪َ (( :‬و َم ْن يَ ْقتُلْ ُمْؤ ِمنا ً ُمتَ َع ِّمداً فَ َجزَ اُؤ هُ َجهَنَّ ُم خَالِداً فِيهَا َوغ ِ‬
‫َض َ‬
‫أن هذه اآلية‬ ‫َظيما ً )) [ النساء ‪ ، ] 93 :‬وقد اختلف السلف في هذه اآلية فذهب بعض الصحابة إلى َّ‬ ‫لَهُ َع َذابا ً ع ِ‬
‫محكمةٌ وأنها آخر ما نزل على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وممن ذهب إلى ذلك اإلمام الحبر الصحابي‬
‫أن رجالً‬ ‫الجليل وترجمان القرآن عبد هللا بن عباس رضي هللا عنهما فعن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس َّ‬
‫أتاه فقال ‪ :‬أرأيتَ رجالً قتل رجالً متعمداً ؟ قال ‪ :‬جزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب هللا عليه ولعنه وأع ّد له‬
‫ُأ‬
‫بض رسو ُل هللا رسول هللا صلى هللا عليه‬ ‫لت في آخر ما نزل ‪ ،‬ما نسخها شي ٌء حتى قُ َ‬ ‫عذابا ً عظيما ً ‪ ،‬قال ‪ِ :‬‬
‫نز ْ‬
‫رسول هللا‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫سمعت‬ ‫إن تاب وآمن وعمل صالحا ً ثم اهتدى ؟ قال ‪ :‬وأنى له التوبة ‪ ،‬وقد‬ ‫وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬أرأيتَ ْ‬
‫قتل رجالً متعمداً يجيء يو َم القيامة آخذاً قاتله بيمينه أو بيساره‬ ‫ُأ‬
‫صلى هللا عليه وسلم يقول ‪ (( :‬ثكل ْتهُ ُمه رج ٌل َ‬
‫وآخذاً رأسه بيمينه أو شماله تشخبُ أوداجه دما ً في قبل العرش يقول ‪ :‬يا رب َسلْ عبدك فيم قتلني ؟ ))(‪، )8‬‬
‫وفي الحديث الصحيح الذي يرويه النسائي في المجتبى (‪ )9‬عن معاوية رضي هللا عنه عن رسول هللا صلى‬
‫أن يغفره إالّ الرج ُل يقت ُل المؤمنَ متعمداً‬ ‫ب عسى هللاُ ْ‬‫هللا عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ :‬سمعته يخطب ‪ -‬يقول ‪ (( :‬كلُّ ذن ٍ‬
‫يموت كافراً )) فأيُّ خطر هذا ‪ ،‬وأي مهلكة يقدم عليها المرء ويجازف بها ‪ ،‬حياةٌ ال ممات فيها‬ ‫ُ‬ ‫أو الرجل‬
‫َضبٌ من هللا وعذابٌ عظيم وخزي في‬ ‫عين وال تُرف ُع به عقيرةٌ فخراً وزهواً ‪ ،‬وغ َ‬ ‫وخلو ٌد في مستقر ال تَقَرُّ به ٌ‬
‫الدنيا واآلخرة مع مكث ولبث طويلين ال يعلم أمدهما إالّ هللا جل في عاله نسأل هللا السالمة لنا ولمن اتعظ‬
‫ي صلى هللا عليه وسلم قد قرن بين قتل‬ ‫واتّبع ‪ .‬ثم تبصّرْ أخي المسلم الكريم الحديث جيداً لتنظر كيف َّ‬
‫أن النَّب َّ‬
‫المؤمن والشرك باهلل تعالى ‪ ،‬وجعلهما مشتركين في استبعاد الغفران ‪.‬‬

‫ُقضى يوم القيامة بين العباد في الدماء ففي ذلك يقول الرسول صلى هللا عليه‬ ‫أن أول ما ي َ‬ ‫واعلم أخي المسلم َّ‬
‫الناس الدما ُء )) (‪ )10‬وما ذلك إال لعظم‬ ‫ِ‬ ‫وسلم ‪ (( :‬أو ُل ما يُحا َسبُ به العب ُد الصالةُ ‪ ،‬وأو ُل ما يُق َ‬
‫ضى بينَ‬
‫خطرها يوم القيامة فاستعد للموقف العظيم ‪ ،‬والسؤال الصعب الذي ما بعده إال جنة أو نار ‪ .‬وكل الذنوب‬
‫أن َس ْفكَ دماء المسلمين وهَ ْتكَ حرماتهم لَ ِم ْن‬ ‫يب َّ‬ ‫ُرجى معها العفو والصفح إالّ الشرك ‪ ،‬ومظالم العباد ‪ .‬وال َر َ‬ ‫ي َ‬
‫أعظم المظالم في حق العباد ‪ ،‬فعن عقبة بن عامر رضي هللا عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ (( :‬ليس من عبد يلقَى هللاَ ال يشرك به شيئا ً ‪ ،‬ولم يتند بدم حرام إالّ دخل من أي أبواب الجنة شاء )) (‬
‫‪ )11‬قوله ‪ :‬ولم يتند ‪ :‬أي لم يصب منه شيئا ً أو لم ينل منه شيئا ً ويقول الرسول األعظم في حديث رواه‬
‫بتغ في اإلسالم سنة‬ ‫البخاري في صحيحه (‪ (( : )12‬أبغض الناس إلى هللا ثالث ‪ُ :‬م ْل ِح ٌد في ال َح َرم ‪ ،‬و ُم ٍ‬
‫بي صلى هللا عليه‬ ‫الجاهلية ‪ ،‬ومطلب دم امرىء بغير حق ليهريق دمه )) ‪ .‬وعن جندب رضي هللا عنه عن النَّ ِّ‬
‫وسلم قال‪ (( :‬من َس ّم َع َس ّم َع هللاُ به يوم القيامة ‪ ،‬قال ‪ :‬ومن يشاقق يشقق هللا عليه يوم القيامة ‪ ،‬فقالوا ‪:‬‬
‫أن ال يأكل إالّ طيبا ً فليفعل ‪ ،‬ومن استطاع ْ‬
‫أن‬ ‫إن أول ما ينتن من اإلنسان بطنه فمن استطا َع ْ‬ ‫أوصنا ‪ .‬فقال ‪َّ :‬‬
‫من دم أهراقه فليفعل )) رواه البخاري (‪ .)13‬وعن عبادة بن الصامت‬ ‫ال يحال بينه وبين الجنة ملء كف ْ‬
‫بي صلى هللا عليه وسلم قال‪ (( :‬من قتل مؤمنا ً فاغتبط(‪ )14‬بقتله لم يقبل هللا منه صرفا ً‬ ‫رضي هللا عنه عن النَّ ِّ‬
‫وال عدالً )) (‪.)15‬‬

‫أن تُضيع على نفسك فرصة النجاة فعن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما عن النَّ ِّ‬
‫بي‬ ‫وإياك إياك أخي المسلم ْ‬
‫ُصبْ دما ً حراما ً )) (‪ )16‬أخي المسلم‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ (( :‬ال يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم ي ِ‬
‫أن تف ّوت على نفسك فرصة النجاة العظيمة من النار ‪ ،‬وقد روى البخاري‬ ‫الكريم ‪ ،‬هل أنت على استعداد ْ‬
‫ومسلم(‪ )17‬عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال ‪ (( :‬أال ال ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب‬
‫أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من‬ ‫ب عينيك َّ‬‫بعض )) ‪ .‬ثم اجعل دائما ً أخي المسلم نُصْ َ‬
‫بعضهم على بعض ‪ ،‬وال تحل إال بإذن هللا ورسوله ‪.‬‬

‫واعلم أخي المسلم ‪َّ :‬‬


‫أن ما أوردناه غيض من فيض وقليل من كثير فهو إشارات لكثير من العبارات التي‬
‫وردت في الكتاب والسنة ‪ ،‬تحث المسلمين على الورع والكف عن دماء إخوانهم ‪ ،‬ولما سبق ذكره كان‬
‫أن يغمس أحدهم يده بمظلمة في‬‫الصحب الكرام والتابعون لهم بإحسان أشد ما يكونون من الورع والوجل من ْ‬
‫حق مسلم ‪ ،‬وكانوا كذلك رحمهم هللا ورضي عنهم لشدة ما سمعوا ووعوا من كالم النبوة في التحذير من‬
‫االنغماس في الفتن والشبهات والتزام النفس والبيت ‪ ،‬وعدم الولوج في حرمات المسلمين حتى بالكالم ‪،‬‬
‫صونا ً لهم عن التسبب في مظالم للمسلمين فضالً عن الخوض فيها ‪.‬‬
‫إن بعدكم فتنا ً القاعد خير من الساعي ‪ ،‬حتى ذكر الراكب ‪،‬‬ ‫قال أبو موسى األشعري رضي هللا عنه ‪َّ (( :‬‬
‫فكونوا فيها أحالس بيوتكم )) (‪.)18‬‬
‫وعن جندب رضي هللا عنه قال‪ (( :‬ستكون فتن ‪ ،‬فعليكم باألرض ‪ ،‬وليكن أحدكم حلس بيته ؛ فإنه ال ينبجس‬
‫لها أح ٌد إالّ َأرْ َد ْتهُ )) (‪.)19‬‬
‫وحينما اعتزل سعد بن مالك وعب ُد هللا بن عمر رضي هللا عنهم الفتنةَ قال علي رضي هللا عنه ‪ (( :‬هللِ دَرُّ‬
‫إن كان ذنبا ً إنه لصغير مغفور ‪ ،‬ولئن كان حسنا ً إنه لعظيم‬ ‫منـز ٍل نَزلَه سعد بن مالك وعبد هللا بن عمر ‪ ،‬وهللاِ ْ‬
‫مشكور )) (‪. )20‬‬

‫تذ ّكر أخي المسلم ما في الصحيحين (‪ )21‬من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي هللا عنه أن النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم قال ‪ (( :‬إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا رسول هللا ‪ ،‬هذا‬
‫القاتل فما بال المقتول ‪ ،‬قال ‪ :‬إنه كان حريصا ً على قتل صاحبه )) ‪.‬‬
‫ذهبت ألنصر هذا الرجل – يعني ‪ :‬علي بن‬ ‫ُ‬ ‫وفي الصحيحين (‪ )22‬أيضا ً من حديث األحنف بن قيس قال ‪:‬‬
‫سمعت رسول هللا‬ ‫ُ‬ ‫أبي طالب – فلقيني أبو بكرة فقال ‪ :‬أين تريد ؟ قلت ‪ :‬أنصر هذا الرجل ‪ ،‬قال ‪ :‬ارجع فإني‬
‫صلى هللا عليه وسلم يقول ‪ (( :‬إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار … )) ثم ذكر بقية‬
‫خرجت بسالحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة‬ ‫ُ‬ ‫الحديث ‪ .‬وفي رواية أخرى للبخاري (‪ )23‬عن الحسن قال ‪:‬‬
‫فقال ‪ :‬أين تريد ؟ قلت ‪ :‬أريد نصرة ابن عم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ (( :‬إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار )) ‪ ،‬وفي رواية لمسلم (‪ (( : )24‬إذا‬
‫المسلمان حمل أحدهما على أخيه السالح فهما على جرف جهنم ‪ ،‬فإذا قتل أحدهما صاحبه دخال جميعا ً ))‬
‫وهذا كله إذا كان القتل غير مأذون به شرعا ً ‪ ،‬وقد قصّ هللا علينا في كتابه العظيم خبر أول حادثة قتل وقعت‬
‫في تاريخ البشرية حين قتل أحد ابني آدم أخاه قتله ظلما ً وبغيا ً وحسداً فقال تعالى ‪َ (( :‬وا ْت ُل َعلَ ْي ِه ْم نَبََأ ا ْبن َْي آ َد َم‬
‫ال ِإنَّ َما يَتَقَبَّ ُل هَّللا ُ ِمنَ ْال ُمتَّقِينَ ))‬‫اآلخَر قَا َل َأل ْقتُلَنَّكَ قَ َ‬
‫ِ‬ ‫ق ِإ ْذ قَ َّربَا قُرْ بَانا ً فَتُقُب َِّل ِم ْن َأ َح ِد ِه َما َولَ ْم يُتَقَبَّلْ ِمنَ‬
‫بِ ْال َح ِّ‬
‫ك )) فقد تلطّف معه لعله ْ‬
‫أن‬ ‫[ المائدة ‪ ] 27 :‬ومع إن هذا القاتل قد ه ّدد أخاه بالقتل وأكد ذلك بقوله ‪َ (( :‬أل ْقتُلَنَّ َ‬
‫يرجع عن عزمه ‪ ،‬وأخبره أيضا ً أنه لن يمد يده ليقتله مهما هدده ‪ ،‬بل إنه حتى ولو باشر عملية القتل فسيكف‬
‫ك َأل ْقتُلَ َ‬
‫ك‬ ‫ي ِإلَ ْي َ‬ ‫اس ٍط يَ ِد َ‬ ‫ك لِتَ ْقتُلَنِي َما َأنَا بِبَ ِ‬‫ي يَ َد َ‬ ‫طتَ ِإلَ َّ‬‫يده أيضا ً خوفا ً من هللا رب العالمين ‪ ،‬فقال له ‪ (( :‬لَِئ ْن بَ َس ْ‬
‫ِإنِّي َأخَافُ هَّللا َ َربَّ ْال َعالَ ِمينَ )) [ المائدة ‪ ] 28 :‬ثم أخذ ينصح أخاه ويعظه لعله يرجع عما هَ َّم به ‪ ،‬ومع كل‬
‫هذا التلطف والنصح فلم ينفع ذلك أخاه ‪ ،‬ولم يثنه عن عزمه على قتل أخيه ‪ .‬وكذلك الظلم والحقد والبغي‬
‫ص ّراً على المعصية‬ ‫والحسد كل ذلك يعمي القلب عن الحق ‪ ،‬ويصم األذن عن سماع الحق ‪ ،‬فال يزال القلب ُم ِ‬
‫واإلثم والموبقة ‪ ،‬والشيطان يدفعه إلى تلك المعصية ‪ ،‬فالشيطان هو العدو األول لإلنسان فيدفعه إلى ذلك دفعا ً‬
‫َظلَ ُّم عليه الدنيا وتضيق‬ ‫‪ ،‬ويه ِّون عليه األمر حتى إذا وقع فيها تخلى عنه الشيطان وتبرأ منه ‪ ،‬ثم بعد ذلك ت ْ‬
‫َت لَهُ نَ ْف ُسهُ قَ ْت َل َأ ِخي ِه فَقَتَلَهُ فََأصْ بَ َح ِمنَ ْالخَا ِس ِرينَ )) [ المائدة ‪:‬‬ ‫ت ‪ ،‬قال تعالى ‪ (( :‬فَطَ َّوع ْ‬ ‫عليه األرضُ بما َر ُحبَ ْ‬
‫‪ ] 30‬ثم بعد ذلك ماذا حصل للقاتل ؟ ندم على ذلك الفعل الشنيع ‪ ،‬ولكن هل ينفع الندم على قتله ؟ ال ينفع الندم‬
‫ألن أخاه قد مات ‪ ،‬ولن يرجع إلى الحياة الفانية ‪ ،‬ثم ماذا يصنع هذا القاتل بعد جريمته تحيّر وبقي يحمله‬ ‫؛ َّ‬
‫مدة طويلة ‪ .‬أو ُل قتيل ال يدري ماذا يصنع به هل يحمله ويضعه في الماء أم هل يضعه فوق الجبال ‪ ،‬أشكل‬
‫عليه األم ُر ‪ ،‬فاألمر معضلة ومشكلة ‪ ،‬ألنَّه أول حادثة قتل تحدث على األرض ‪ .‬فأظهر القاتل ندمه على‬
‫سوء فعلته وصنيعه فبعث هللا غرابا ً يبحث في األرض ليريه كيف يدفن أخاه حتى أراه هللا كيف يدفن الغراب‬
‫بي صلى هللا عليه وسلم أنه ما من نفس تُقتل ظلما ً منذ ذلك التاريخ وحتى آخر يوم من‬ ‫غرابا ً ‪ .‬وقد بيّن لنا النَّ ُّ‬
‫الدنيا إال كان لهذا القاتل كف ٌل منها ؛ ألنه أول من سن القتل ‪ ،‬وهذا شأن كل َمن َس ّن ضاللة أو دعا إلى ضاللة‬
‫أن ذكر قصة ابني آدم َّ‬
‫أن‬ ‫فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ‪ ،‬وقد بيّن هللا سبحانه في كتابه بعد ْ‬
‫وأن من قتل نفسا ً بغير نفس أو فساد في األرض فكأنما قتل الناس جميعا ً ‪ ،‬ومن أحياها‬ ‫جريمة القتل عظيمة ‪َّ ،‬‬
‫ك َكتَ ْبنَا َعلَى بَنِي ِإسْرائي َل َأنَّهُ َم ْن قَت ََل نَ ْفسا ً بِ َغي ِْر نَ ْف ٍ‬
‫س‬ ‫فكأنما أحيا الناس جميعا ً يقول هللا تعالى ‪ِ (( :‬م ْن َأجْ ِل َذلِ َ‬
‫اس َج ِميعا ً )) [ المائدة ‪ ] 32 :‬وهذا‬ ‫اس َج ِميعا ً َو َم ْن َأحْ يَاهَا فَ َكَأنَّ َما َأحْ يَا النَّ َ‬
‫ض فَ َكَأنَّ َما قَتَ َل النَّ َ‬
‫َأوْ فَ َسا ٍد فِي اَألرْ ِ‬
‫وإن كان ظاهره خاصا ً ببني إسرائيل إال إنه عام فينا وفيهم فقد سأل سليمانُ بنُ علي الحسنَ عن هذه‬ ‫الحكم ْ‬
‫اآلية فقال ‪ (( :‬قلت للحسن ‪ :‬هذه اآلية لنا يا أبا سعيد كما كانت لبني إسرائيل فقال ‪ :‬والذي ال إله غيره كما‬
‫كانت لبني إسرائيل وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على هللا من دماءنا )) (‪.)25‬‬

‫إن هللا تبارك وتعالى قد نهى عن قتل النفس بغير الحق في كتابه الكريم ‪ ،‬وأثنى عز‬ ‫أخي المسلم الكريم ‪َّ ،‬‬
‫وجل على الذين يجتنبون هذه الجريمة العظيمة ‪ ،‬وقد تو ّعد سبحانه من يفعلها باللعنة والغضب والعذاب‬
‫ب هَّللا ُ‬ ‫العظيم والخلود في نار جهنم فقال تعالى ‪َ (( :‬و َم ْن يَ ْقتُلْ ُمْؤ ِمنا ً ُمتَ َع ِّمداً فَ َجزَ اُؤ هُ َجهَنَّ ُم خَالِداً فِيهَا َوغ ِ‬
‫َض َ‬
‫َظيما ً )) [ النساء ‪. ] 93 :‬‬ ‫َعلَ ْي ِه َولَ َعنَهُ َوَأ َع َّد لَهُ َع َذابا ً ع ِ‬

‫فاستحضر أخي المسلم هذا التهديد العظيم وهذا الوعيد الكبير فأيُّ تهدي ٍد بعد هذا وأيُّ وعيد بعد هذا الوعيد‬
‫أن تُصانَ ‪ ،‬وأن ي َ‬
‫ُغضب‬ ‫ألن المسلم له مكانة عند هللا تعالى ‪ .‬ودم المسلم هو أغلى الدماء التي يجب ْ‬ ‫كل ذلك ؛ َّ‬
‫إلراقتها ‪.‬‬

‫أخي المسلم الكريم قد بيّن هللا سبحانه وتعالى حرمة المسلم ومكانته عند هللا تعالى فقد ص ّح عن النَّب ِّي صلى‬
‫هللا عليه وسلم أنه قال ‪ (( :‬والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند هللا من زوال الدنيا )) (‪ )26‬وفي رواية‬
‫مسلم )) (‪.)27‬‬
‫ٍ‬ ‫أخرى ‪ (( :‬لزوال الدنيا أهون على هللا من قتل رجل‬
‫وفي حديث آخر ‪ (( :‬لزوال الدنيا أهون عند هللا من قتل مؤمن بغير حق ))(‪ )28‬فهذه مكانة المسلم عند هللا‬
‫تعالى فتدبّر أيها القاتل ماذا تصنع بفعلتك ؟ !!‬
‫فلزوال الدنيا كلها أهون من قتل رجل مؤمن بغير حق ‪ ،‬زوال الدنيا بأموالها ومزارعها ومصارفها‬
‫ومصانعها وتجاراتها وبناياتها ودولها وأحالفها ‪ ،‬وكل ما فيها أهون عند هللا من قتل مؤمن بغير حق ‪ .‬بل‬
‫أن عظم‬‫بي صلى هللا عليه وسلم عن كسر عظم الميت ‪ ،‬وأخبر َّ‬ ‫المسلم له حرمة حتى بعد موته فقد نهى النَّ ُّ‬
‫الميت إذا ُكسر فكأنما ُكسر وهو ح ٌّي ‪ ،‬فقد ص ّح عن السيدة عائشة رضي هللا عنها أنها قالت ‪ :‬قال رسول هللا‬
‫إن كسر عظم المؤمن ميتا ً مثل كسره حيا ً )) (‪.)29‬‬ ‫صلى هللا عليه وسلم ‪َّ (( :‬‬

‫حذر أمته أشد التحذير من هذه الجريمة فقال ‪ (( :‬سباب‬ ‫ي صلى هللا عليه وسلم قد ّ‬ ‫إن النَّب َّ‬
‫أخي المسلم الكريم ‪َّ ،‬‬
‫ق وقتاله كفر ))(‪ )30‬وقال ‪ (( :‬ال ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ))(‪)31‬‬ ‫المسلم فسو ٌ‬
‫أن هذه الجريمة من السبع الموبقات المهلكات فقد قال ‪:‬‬ ‫وبيّن َّ‬
‫(( اجتنبوا السبع الموبقات ‪ :‬الشرك باهلل والسحر وقتل النفس التي حرم هللا إال بالحق وأكل الربا وأكل مال‬
‫اليتيم والتولي يوم الزحف ‪ ،‬وقذف المحصنات المؤمنات الغافالت ))(‪ )32‬وقال أيضا ً ‪ (( :‬أكبر الكبائر ‪:‬‬
‫اإلشراك باهلل وقتل النفس وعقوق الوالدين وقول الزور )) (‪ . )33‬وروى النسائي (‪ )34‬من حديث أبي أيوب‬
‫ي صلى هللا عليه وسلم قال ‪ (( :‬من جاء يعبد هللا وال يشرك به شيئا ً ‪ ،‬ويقيم‬‫أن النَّب َّ‬‫األنصاري رضي هللا عنه َّ‬
‫الصالة ‪ ،‬ويؤتي الزكاة ‪ ،‬ويصوم رمضان ‪ ،‬ويجتنب الكبائر كان له الجنة )) فسألوه عن الكبائر فقال ‪:‬‬
‫(( اإلشراك باهلل وقتل النفس المسلمة والفرار يوم الزحف )) ‪.‬‬
‫وروي عن النَّب ِّي صلى هللا عليه وسلم أنه قال ‪ (( :‬من قتل مؤمنا ً فاغتبط بقتله ( يعني سره ذلك وفرح به ) لن‬
‫يقبل هللا منه صرفا ً وال عدالً )) (‪.)35‬‬
‫وقاتل المسلم مهما ف َّر في هذه الدنيا ‪ ،‬فإنَّه لن يفلت يوم القيامة ‪ ،‬ولن يتركه المقتول يوم القيامة ‪ ،‬فقد ص َّح عن‬
‫بي صلى هللا عليه وسلم أنه قال ‪ (( :‬يجيء الرجل آخذاً بيد الرجل فيقول ‪ :‬يا رب هذا قتلني فيقول له ‪ :‬لما‬ ‫النَّ ِّ‬
‫إن هذا‬‫قتلته ؟ فيقول ‪ :‬لتكون العزة لك فيقول ‪ :‬فإنها لي ‪ ،‬ويجيء الرجل آخذاً بيد الرجل فيقول ‪ :‬يا رب ‪َّ ،‬‬
‫قتلني فيقول هللا ‪ :‬لما قتلته ؟ فيقول ‪ :‬لتكون العزة لفالن فيقول هللا تعالى ‪ (( :‬إنها ليس لفالن فيبوء بإثمه )) ))‬
‫ي صلى هللا عليه وسلم قال ‪ (( :‬يجيء المقتول بقاتله يوم القيامة‬ ‫أن النَّب َّ‬
‫(‪ )36‬وفي رواية للنسائي(‪َّ )37‬‬
‫فيقول ‪َ :‬سلْ هذا فيم قتلني ؟ )) فهذا هو الحساب وهو أشد أنواع الحساب فهو ليس تحقيقا ً دنيويا ً يستطيع به‬
‫بعضهم أن يتخلص ببعض من يكون للخائنين ظهيراً ‪.‬‬

‫ك فالن أو إمارة فالن ‪ ،‬فإنهم‬ ‫أن تقع في دم حرام فتقتل أحداً من أجل فالن أو ُم ْل ِ‬‫فاحذر أخي المسلم كل الحذر ْ‬
‫لن ينفعوك شيئا ً عند هللا ‪ ،‬ولن يدفعوا عنك شيئا ً من عذاب هللا ‪ .‬وروى النسائي (‪ )38‬من حديث ابن عباس‬
‫رضي هللا عنهما قال ‪ :‬سمعت نبيكم صلى هللا عليه وسلم يقول ‪ (( :‬يجيء المقتول متعلقا ً بالقاتل تشخب‬
‫أوداجه دما ً فيقول ‪ :‬أي رب َسلْ هذا فيم قتلني ؟ )) وعند ابن ماجه (‪ )39‬والترمذي(‪ )40‬عن ابن عباس‬
‫ي صلى هللا عليه وسلم قال ‪:‬‬‫أن النَّب َّ‬
‫رضي هللا عنهما َّ‬
‫(( يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده ‪ ،‬وأوداجه تشخب دما ً فيقول ‪ :‬يا رب َسلْ هذا فيم‬
‫قتلني ؟ حتى يدنيه من العرش )) ‪.‬‬

‫إذن احذر أخي المسلم ْ‬


‫أن يكون لك أح ٌد بالمرصاد يوم القيامة َّ‬
‫فإن من تقتله في الدنيا لن يتركك في اآلخرة ‪،‬‬
‫بل هو لك بالمرصاد ‪ .‬وهللا سبحانه وتعالى لما جعل للنفس المسلمة هذه الحصانة الكبيرة ؛ ذلك َّ‬
‫ألن نفس‬
‫إن ذلك ممنوع غاية المنع ‪ ،‬وال يجوز إال‬‫المسلم لها مكانة وحرمة ‪ ،‬فليس أحد يملكها أو يملك إزهاقها ‪ ،‬بل َّ‬
‫بإذن من هللا تبارك وتعالى وإذن رسوله صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫بل حتى نفسك التي بين جنبيك ال تملكها أنت وال يحل لك إزهاقها ؛ ولهذا جاء الوعيد الشديد فيمن يقتل نفسه‬
‫ي صلى هللا عليه وسلم قال ‪:‬‬ ‫متعمداً ؛ ففي الصحيحين (‪ )41‬من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه َّ‬
‫أن النَّب َّ‬
‫(( من تَر َّدى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يَتر ّدى فيها خالداً ُمخلَّداً فيها أبداً ‪ ،‬ومن تَحسَّى سُما ً فقتل‬
‫قتل نف َسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ‬ ‫نفسه فَ ُس ُّمه في يده يتحسَّاهُ في نار جهنم خالداً ُمخلّداً فيها أبداً ‪ ،‬ومن َ‬
‫بها في نار جهنم خالداً ُمخلّداً فيها أبداً )) ‪ .‬وروى البخاري (‪ )42‬من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه َّ‬
‫أن‬
‫ي صلى هللا عليه وسلم قال ‪ (( :‬والذي يخنق نفسه يخنقها في النار ‪ ،‬والذي يطعن نفسه يطعن نفسه في‬ ‫النَّب َّ‬
‫النار ‪ ،‬والذي يقتحم يقتحم في النار )) ‪ .‬وفي الصحيحين (‪ )43‬من حديث ثابت بن الضحاك رضي هللا عنه‬
‫أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ (( :‬من حلف على ملة غير اإلسالم فهو كما قال ‪ ،‬وليس على ابن آدم نذر‬
‫ب به يوم القيامة ‪ ،‬ومن لعن مؤمنا ً فهو كقتله ‪ ،‬ومن قذف‬ ‫فيما ال يملك ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا ُع ِّذ َ‬
‫مؤمنا ً بكفر فهو كقتله )) ‪ .‬ولفظ جامع الترمذي(‪: )44‬‬
‫(( ليس على المرء نذر فيما ال يملك ‪ ،‬والَ ِعنُ المؤمن كقاتله ‪ ،‬ومن قذف مؤمنا ً بكفر فهو كقاتله ‪ ،‬ومن قتل‬
‫ب بما قتل به نفسه يوم القيامة )) ‪.‬‬ ‫نفسه بشيء ُع ِّذ َ‬
‫بأن مسألة قتل النفس بغير حق من األمور الخطيرة التي تضيّق على من‬ ‫فتنبه أخي المسلم الكريم دائما ً َّ‬
‫أن يقع المسلم في هذه الجريمة تضيق عليه األرض وتضيق عليه نفسه لذا قال‬ ‫ارتكبها الدنيا بما فيها ‪ ،‬فمجرد ْ‬
‫صبْ نفسا ً حراما ً ))(‪ )45‬وفي رواية‬ ‫بي صلى هللا عليه وسلم ‪ (( :‬لن يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يُ ِ‬ ‫النَّ ُّ‬
‫ي صلى هللا عليه وسلم قال ‪ (( :‬ال يزال المؤمن ُمعنقا ً‬ ‫أن النَّب َّ‬
‫ألبي داود (‪ )46‬عن أبي الدرداء رضي هللا عنه َّ‬
‫صبْ دما ً حراما ً …‪ ))..‬وروى البخاري (‪ )47‬من‬ ‫( والمعنق هو طويل العنق الذي له سوابق بالخير ) ما لم يُ ِ‬
‫حديث عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال ‪َّ (( :‬‬
‫إن من ورطات األمور‬
‫التي ال مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حلة )) ‪.‬‬

‫ونبينا األكرم صلى هللا عليه وسلم قد بيّن لنا فضل من خرج من الدنيا ولم يتلطخ بدم المسلم فقال ‪ (( :‬من لقي‬
‫هللا ال يشرك به شيئا ً لم يتند بدم حرام دخل الجنة ))(‪ . )48‬فهنيئا ً لمن خرج من الدنيا ولم يتلطخ بدم مسلم ‪،‬‬
‫وهنيئا ً لمن خرج من الدنيا ولم يحمل مسلما ً على ظهره يأتي به يوم القيامة ‪ ،‬هنيئا ً لمن خرج من الدنيا وقد‬
‫سلم المسلمون من لسانه ويده ‪ ،‬هنيئا ً لمن فارق الدنيا ولم يقترف جريمة يسفك بها دم مسلم ‪.‬‬
‫إن أول ما ينتن من اإلنسان بطنه ‪ ،‬فمن‬ ‫تذ ّكر أخي المسلم وصية النَّ ِّ‬
‫بي صلى هللا عليه وسلم ألصحابه ‪َّ (( :‬‬
‫أن ال يحال بينه وبين الجنة بملء كف من دم أهراقه‬ ‫أن ال يأكل إال طيبا ً فليفعل ‪ ،‬ومن استطاع ْ‬
‫استطاع ْ‬
‫فليفعل )) (‪.)49‬‬

‫فاحذر أخي المسلم كل الحذر ْ‬


‫أن يحول بينك وبين الجنة ملء كف من دم تهريقه بغير حقه ‪.‬‬

‫ي صلى هللا عليه وسلم كان يح ِّذر أمته من األمور التي تدعو اإلنسان إلى ْ‬
‫أن‬ ‫أن النَّب َّ‬
‫واعلم أخي المسلم الكريم َّ‬
‫أن يمر المسلم ‪ ،‬ومعه السهام‬ ‫ي صلى هللا عليه وسلم نهى ْ‬ ‫أن يجرح مسلما ً ‪ ،‬ومن ذلك َّ‬
‫أن النَّب َّ‬ ‫يقتل مسلما ً أو ْ‬
‫في أسواق المسلمين ‪ ،‬أو في مساجد المسلمين ‪ ،‬أو في أي مكان من أماكن تجمعهم ‪ ،‬إال أن يكون النصل‬
‫مغط ًى حتى ال يجرح به مسلما ً ‪ ،‬وهو ال يشعر ‪ .‬فقد ص َّح عنه صلى هللا عليه وسلم أنَّه قال ‪ (( :‬إذا َم َّر أحدكم‬
‫بمسجدنا أو في سوقنا ‪ ،‬ومعه نبل فليمسك عن نصالها بكفه ‪ ،‬ال يعقر مسلما ً ))(‪ )50‬ومن تلك األمور التي‬
‫أن يقتله أو يجرحه ‪،‬‬ ‫حذر منها النبي صلى هللا عليه وسلم أنَّه نهى عن اإلشارة إلى المسلم بأي شيء يحتمل ْ‬ ‫ّ‬
‫بي صلى هللا عليه‬ ‫أن من فعل ذلك فأنَّه ربما نال اللعنة والوعيد الشديد ؛ لذلك قال النَّ ُّ‬ ‫نهى عن ذلك وأخبر ّ‬
‫وسلم ‪ (( :‬ال ي ُِشرْ أحدُكم على أخيه بالسالح ؛ فإنَّه ال يدري لعل الشيطان ينـزع يده فيقع في حفرة من النار ))‬
‫(‪.)51‬‬

‫وص ّح أنَّه صلى هللا عليه وسلم قال ‪ (( :‬من أشار إلى أخيه بحديدة َّ‬
‫فإن المالئكة تلعنه ‪ْ ،‬‬
‫وإن كان أخاه ألبيه‬
‫أن يُتعاطَى السيف مسلوالً (‪ ،)53‬وكل هذا االحتراز لشدة‬ ‫وأمه ))(‪ .)52‬وص ّح أنَّه صلى هللا عليه وسلم نهى ْ‬
‫أن يكون هناك خطأ فيقع السيف‬ ‫حرمة المسلم على المسلم ؛ فنهى النبي صلى هللا عليه وسلم عن ذلك خشية ْ‬
‫ويجرحك أو يؤذيك أو يقع على أخيك ‪ ،‬وإذا كان ذلك في األسلحة القديمة فهو في األسلحة الحديثة أشد‬
‫ألن الضرر أعظم ‪ ،‬والخطر أكبر ‪ ،‬والعلة تدور مع الحكم وجوداً وعدما ً ‪ .‬ومن األمور التي يستفاد‬ ‫تأكيداً ؛ َّ‬
‫حذر من الدخول في الفتن ‪ ،‬وما ذلك إال‬ ‫ي صلى هللا عليه وسلم ّ‬ ‫أن النَّب َّ‬
‫منها خطورة أمر دماء المسلمين ‪ ،‬هو َّ‬
‫ألن يكون هناك قاتل ومقتول ‪،‬‬ ‫ألن ال يقع المسلم في دماء المسلمين ؛ لخطورة األمر وشدته ‪ ،‬فالفتن مظنة ْ‬
‫حذر أمته من الفتن‬‫فالفتن إذا سعرت وابتدأت صعب على الناس إطفاؤها ‪ .‬فنبينا صلوات هللا وسالمه عليه قد ّ‬
‫‪ ،‬وبيّن أنَّها ستحدث وستكون في هذه األمة فقد ص ّح أنه صلى هللا عليه وسلم قال ‪ (( :‬ستكون فتن القاعد فيها‬
‫خير من القائم ‪ ،‬والقائم فيها خير من الماشي ‪ ،‬والماشي فيها خير من الساعي من تَشرّف لها تستشرفه ‪ ،‬ومن‬
‫أن المخلَص من الفتن ْ‬
‫أن‬ ‫بي صلى هللا عليه وسلم َّ‬‫وجد فيها ملجئا ً أو معاذاً فليعذ به ))(‪ )54‬هكذا بيّن لنا النَّ ُّ‬
‫يهرب منها المسلم قدر االستطاعة ‪.‬‬

‫والباطل حقا ً ‪ .‬وقد تعميك وتصمك‬


‫َ‬ ‫ق باطالً‬ ‫فاحذر أخي المسلم من الوقوع في الفتن ‪ ،‬فالفتنةُ قد تُري َ‬
‫ك الح َ‬
‫أن الفتن ستقع في أمته فقال ‪:‬‬ ‫بي صلى هللا عليه وسلم َّ‬ ‫وأنت ال تشعر ‪ ،‬وقد أخبر النَّ ُّ‬
‫(( إذا وضع السيف في أمتي لم يرتفع عنها إلى يوم القيامة ))(‪ )55‬وأخبر النَّ ُّ‬
‫بي صلى هللا عليه وسلم أنه‬
‫ستأتي فتن في آخر الزمان يكثر فيها القتل وتكثر فيها الفتن حتى أنه من شدة الفتن يمر الرجل على القبر‬
‫ويتمرّغ عليه ويقول ‪ :‬يا ليتني صاحب هذا القبر ‪ ،‬من شدة ما يرى من الفتن واألمور العظيمة ؛ ففي‬
‫ي صلى هللا عليه وسلم قال ‪ (( :‬ال تقوم الساعة حتى يمر‬ ‫أن النَّب َّ‬
‫الصحيحين (‪ )56‬من حديث أبي هريرة َّ‬
‫زمان ال يدري‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫ليأتين على الناس‬ ‫الرجل بالقبر فيقول ‪ :‬يا ليتني مكانه )) وقال أيضا ً ‪ (( :‬والذي نفسي بيده‬
‫ي شي ٍء قَتَ َل ‪ ،‬وال يدري المقتو ُل على أيِّ شي ٍء قُتِ َل ))(‪ )57‬وفي رواية لمسلم ‪ (( :‬والذي نفسي‬ ‫القات ُل في أ ِّ‬
‫بيده ال تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يو ٌم ‪ ،‬ال يدري القاتل فيم قَت ََل وال المقتول فيم قُتِ َل ‪ ،‬فقيل ‪ :‬كيف‬
‫يكون ذلك ؟ قال ‪ :‬الهرج القاتل والمقتول في النار )) (‪ .)58‬ونبينا صلى هللا عليه وسلم حينما يذكر ذلك إنما‬
‫يذكره ليحذرنا من أن نكون من أولئك أو من أن نشارك في سفك تلك الدماء أو أن نتلطخ فيها ‪ ،‬أو أن نلقى‬
‫هللا بها ‪ ،‬وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي ‪ r‬قال ‪ (( :‬يَتقاربُ الزمانُ ويُقبَضُ العل ُم ويُلقَى الشحُّ‬
‫إن بين يدي الساعة لهرجا ً )) ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫ويَكث ُر الهر ُج ‪ ،‬فقيل ‪ :‬وما الهر ُج ؟ قال ‪ :‬القتل ))(‪ )59‬وقال أيضا ً ‪َّ (( :‬‬
‫قلت ‪ :‬يا رسول هللا ما الهرج ؟ قال ‪ (( :‬القتل )) ‪ ،‬فقال بعض المسلمين ‪ :‬يا رسول هللا ‪ ،‬إنا نقتل اآلن في‬
‫العام الواحد من المشركين كذا وكذا فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ (( :‬ليس بقتل المشركين ‪ ،‬ولكن‬
‫يقتل بعضكم بعضا ً ‪ ،‬حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته )) فقال بعض القوم ‪ :‬يا رسول هللا ‪ ،‬ومعنا‬
‫عقولنا ذلك اليوم فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ (( :‬ال ‪ ،‬تنـزع عقول أكثر ذلك الزمان ويخلف له هباء‬
‫من الناس ال عقول لهم )) (‪.)60‬‬
‫ي صلى هللا عليه وسلم أرشد أمته إذا أدركوا الفتن أو‬ ‫ألن النَّب َّ‬
‫فعلى المسلم أن يبتعد عن الفتن كل االبتعاد ؛ َّ‬
‫ألن الفرار من الفتنة من الدين ؛ لذا‬ ‫وأن يهربوا منها كل الهرب ؛ َّ‬ ‫أن يبتعدوا عنها كل االبتعاد ‪ْ ،‬‬
‫أحسوا بالفتن ْ‬
‫ب ّوب البخاري في صحيحه ‪ :‬باب من الدين الفرار من الفتن (‪.)61‬‬

‫وأن يستعيذ باهلل تعالى منها ‪-‬فقد كان‬ ‫أن يحذر من الدخول في الفتن ‪ْ ،‬‬
‫إن المسلم ينبغي له ْ‬ ‫أخي المسلم الكريم ‪َّ ،‬‬
‫أن يشارك فيها بقول أو فعل أو رأي أو بغير ذلك ؛ َّ‬
‫فإن الفتن إذا‬ ‫وأن يحذر ْ‬ ‫عمار بن ياسر يستعيذ من الفتن – ْ‬
‫صارت لم يسلم منها أحد إال َمن َر ِح َم هللاُ ‪.‬‬
‫هذا وباهلل التوفيق وصلى هللا على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسلميا ً كثيراً ‪.‬‬

‫‪.....................................................‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه ‪ :‬أبو داود ( ‪ ، ) 4502‬وابن ماجه ( ‪ ، ) 2533‬والترمذي ( ‪ ، ) 2158‬والنسائي ‪ 7/91‬وفي‬
‫الكبرى ‪ ،‬له ( ‪ ) 3482‬من حديث عثمان بن عفان رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ‪ :‬النسائي ‪ 7/82‬وفي الكبرى ‪ ،‬له ( ‪ ) 3448‬من حديث عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ‪ :‬البخاري ‪ ، ) 6878 ( 6 / 9‬ومسلم ‪. ) 25 ( ) 1676 ( 106 / 5‬‬
‫(‪ )4‬تفسير ابن كثير ‪ 514 :‬و‪. 515‬‬
‫(‪ )5‬تفسير ابن كثير ‪. 516 :‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه ‪ :‬ابن ماجه ( ‪ ، ) 2539‬وابن عدي في " الكامل " ‪. 3/280‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه ‪ :‬البخاري ‪. ) 393 ( 1/109‬‬
‫(‪ )8‬أخرجه ‪ :‬الحميدي ( ‪ ، ) 488‬وأحمد ‪ ، 1/240‬وعبد بن حميد ( ‪. ) 680‬‬
‫(‪ 7/81 )9‬وفي " الكبرى " ‪ ،‬له ( ‪. ) 3446‬‬
‫(‪ )10‬أخرجه ‪ :‬البخاري ‪ ، ) 6864 ( 9/3‬ومسلم ‪ ) 1678 ( 5/107‬من حديث عبد هللا بن مسعود رضي هللا‬
‫عنه (( دون الشطر األول )) ‪.‬‬
‫(‪ )11‬أخرجه ‪ :‬أحمد ‪ ، 4/148‬وابن ماجه ( ‪ ، ) 2618‬والحاكم ‪. 352 - 4/351‬‬
‫(‪ ) 6882 ( 7 / 9 )12‬من حديث ابن عباس رضي هللا عنهما ‪.‬‬
‫(‪. ) 7152 ( 80 / 9 )13‬‬
‫(‪ )14‬هم الذين يقتلون في الفتنة ‪ ،‬فيقتل أحدهم فيرى أنه على هدا وال يستغفر هللا منه أبداً ‪ .‬مسند الشاميين‬
‫‪.2/266‬‬
‫(‪ )15‬أخرجه ‪ :‬أبو داود عقب ( ‪. ) 4270‬‬
‫(‪ )16‬أخرجه ‪ :‬البخاري ‪. ) 6862 ( 2 / 9‬‬
‫(‪ )17‬أخرجه ‪ :‬البخاري ‪ ، ) 121 ( 1/41‬ومسلم ‪ ) 118 ( ) 65 ( 1/58‬من حديث جرير بن عبد هللا‬
‫رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫(‪ )18‬أخرجه ‪ :‬نعيم بن حماد في الفتن ( ‪. ) 489‬‬
‫(‪ )19‬أخرجه ‪ :‬نعيم بن حماد في الفتن ( ‪. ) 490‬‬
‫(‪ )20‬أخرجه ‪ :‬الطبراني في الكبير ( ‪. ) 319‬‬
‫(‪ )21‬البخاري ‪ ، ) 31 ( 1/14‬ومسلم ‪. ) 14 ( ) 2888 ( 8/169‬‬
‫(‪ )22‬سبق ذكره ‪.‬‬
‫(‪. ) 7083 ( 9/64 )23‬‬
‫(‪. ) 16 ( ) 2888 ( 8/170 )24‬‬
‫(‪ )25‬أخرجه ‪ :‬الطبري في " تفسيره " ( ‪ ، ) 9211‬وما تقدم من كالم عن هذه القصة اقتباس من محاضرة‬
‫للشيخ فهد الحربي بعنوان القاتل والمقتول ‪ ،‬جزاه هللا خير الجزاء ‪.‬‬
‫(‪ )26‬سبق تخريجه ‪.‬‬
‫(‪ )27‬أخرجه ‪ :‬الترمذي ( ‪ ) 1395‬بهذا اللفظ من حديث عبد هللا بن عمرو بن العاص رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫(‪ )28‬أخرجه ‪ :‬ابن ماجه ( ‪ ) 2619‬من حديث البراء بن عازب رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫(‪ )29‬أخرجه ‪ :‬بهذا اللفظ ابن الجارود ( ‪ ) 551‬وأخرجه ‪ :‬أبو داود ( ‪ ، ) 3207‬وابن ماجه ( ‪ ) 1616‬بلفظ‬
‫‪ (( :‬كسر عظم الميت ككسره حيا ً )) ‪.‬‬
‫(‪ )30‬أخرجه ‪ :‬البخاري ‪ ، ) 48 ( 1/19‬ومسلم ‪ ) 116 ( ) 64 ( 1/57‬من حديث عبد هللا بن مسعود رضي‬
‫هللا عنه‪.‬‬
‫(‪ )31‬سبق تخريجه ‪.‬‬
‫(‪ )32‬أخرجه ‪ :‬البخاري ‪ ، ) 2766 ( 4/12‬ومسلم ‪ ) 89 ( 1/64‬من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫(‪ )33‬أخرجه ‪ :‬البخاري ‪ ، ) 2654 ( 3/225‬ومسلم ‪ ) 143 ( ) 87 ( 1/64‬من حديث أبي بكرة رضي هللا‬
‫عنه ‪.‬‬
‫(‪ 7/88 )34‬وفي الكبرى ‪ ،‬له ( ‪. ) 3472‬‬
‫(‪ )35‬سبق تخريجه ‪.‬‬
‫(‪ )36‬أخرجه ‪ :‬النسائي ‪ 7/84‬وفي الكبرى ‪ ،‬له ( ‪ ) 3460‬من حديث عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫(‪ 7/84 )37‬وفي الكبرى ‪ ،‬له ( ‪ ) 3461‬من حديث جندب رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫(‪ 7/85 )38‬و‪ ، 8/63‬وفي الكبرى ‪ ،‬له ( ‪ ) 3462‬و( ‪. ) 7072‬‬
‫(‪ )39‬سنن ابن ماجه ( ‪. ) 2621‬‬
‫(‪ )40‬الجامع الكبير ( ‪. ) 3029‬‬
‫(‪ )41‬أخرجه ‪ :‬البخاري ‪ ، ) 5778 ( 7/181‬ومسلم ‪. ) 109 ( 1/72‬‬
‫(‪. ) 1365 ( 2/121 )42‬‬
‫(‪ )43‬أخرجه ‪ :‬البخاري ‪ ، ) 6047 ( 8/18‬ومسلم ‪. ) 176 ( ) 110 ( 1/73‬‬
‫(‪ )44‬الجامع الكبير ( ‪. ) 1527‬‬
‫(‪ )45‬أخرجه ‪ :‬البخاري ‪ ) 6862 ( 9/2‬من حديث ابن عمر رضي هللا عنهما ‪.‬‬
‫(‪ )46‬سنن أبي داود ( ‪. ) 4270‬‬
‫(‪. ) 6863 ( 9/2 )47‬‬
‫(‪ )48‬أخرجه ‪ :‬ابن ماجه ( ‪ ) 2618‬من حديث عقبة بن عامر رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫(‪ )49‬سبق تخريجه ‪.‬‬
‫(‪ )50‬أخرجه ‪ :‬البخاري ‪ ، ) 452 ( 1/122‬ومسلم ‪ ) 124 ( ) 2615 ( 8/33‬من حديث أبي موسى‬
‫األشعري رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫(‪ )51‬أخرجه ‪ :‬البخاري ‪ ، ) 7072 ( 9/62‬ومسلم ‪ ) 2617 ( 8/34‬من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫(‪ )52‬أخرجه ‪ :‬مسلم ‪ ) 2616 ( 8/34‬من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫(‪ )53‬أخرجه ‪ :‬أبو داود ( ‪ ، ) 2588‬والترمذي ( ‪ ) 2163‬من حديث جابر رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫(‪ )54‬أخرجه ‪ :‬البخاري ‪ ، ) 3601 ( 4/241‬ومسلم ‪ ) 10 ( ) 2886 ( 8/168‬من حديث أبي هريرة‬
‫رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫(‪ )55‬أخرجه ‪ :‬الترمذي ( ‪ ) 2202‬من حديث ثوبان رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫(‪ )56‬البخاري ‪ ، ) 5117 ( 9/73‬ومسلم ‪. ) 53 ( ) 157 ( 8/182‬‬
‫(‪ )57‬أخرجه ‪ :‬مسلم ‪ ) 55 ( ) 2908 ( 8/183‬من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫(‪ )58‬أخرجه ‪ :‬مسلم ‪ ) 56 ( ) 2908 ( 8/183‬من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫(‪ )59‬أخرجه ‪ :‬البخاري ‪ ، ) 6037 ( 8/17‬ومسلم ‪ ) 11 ( ) 157 ( 8/59‬من حديث أبي هريرة رضي هللا‬
‫عنه ‪.‬‬
‫(‪ )60‬أخرجه ‪ :‬ابن ماجه ( ‪ ) 3959‬من حديث أبي موسى األشعري رضي هللا عنه ‪ ،‬وهو حديث صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )61‬صحيح البخاري ‪. 1/11‬‬
‫حرمة سفك الدماء في اإلسالم‬
‫لقد ش َّدد اإلسالم في الحفاظ على النفس البشرية و ُحرمتها‪ ،‬وجاءت التشريعات في ذلك عامة تش مل‬
‫ك َّل إنسان‪ ،‬وما كان ذلك إال ألن هللا كرَّم اإلنسان وفضَّله على سائر المخلوقات‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وبقليل من التأمل في نصوص القرآن والسنة‪ ،‬تج د أن النهي عن س فك ال دماء بغ ير ح ق‪ ،‬ووض ُع‬
‫العقوبات لذلك في الدنيا واآلخرة‪ ،‬اتخذ مناح َي عديدة‪ ،‬ويكون‪ ‬بيان ذلك كالتالي‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة دم اإلنسان عامة‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة دماء أهل الذمة‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة دم المسلم‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة قتل النفس بيد صاحبها‪.‬‬
‫وأقوم بإلقاء الضوء على هذه العناصر بما يدعمها من خالل القرآن والسنة‪.‬‬

‫‪-1‬حرمة دم اإلنسان عامة‪:‬‬


‫جاءت نصوصٌ كثيرة في الكتاب والسنة تح رِّ م س فك ال دماء بوج ه ع ام‪ ،‬وفي ه ذا ر ٌّد على ال ذين‬
‫يقولون‪ :‬إن اإلسالم حرَّم دماء المؤمنين والمسلمين‪ ،‬وأباح قتل من س واهم؛ ق ال تع الى‪ِ  ﴿ :‬م ْن َأجْ ِل‬
‫ض فَ َكَأنَّ َما قَت ََل النَّ َ‬
‫اس َج ِميعًا‬ ‫س َأوْ فَ َسا ٍد فِي اَأْلرْ ِ‬ ‫َذلِكَ َكتَ ْبنَا َعلَى بَنِي ِإس َْراِئي َل َأنَّهُ َم ْن قَت ََل نَ ْفسًا بِ َغي ِْر نَ ْف ٍ‬
‫ُس لُنَا بِ ْالبَيِّنَ ا ِ‬
‫ت ثُ َّم ِإ َّن َكثِ يرًا ِم ْنهُ ْم بَ ْع َد َذلِ كَ ِفي‬ ‫اس َج ِمي ًع ا َولَقَ ْد َج ا َء ْتهُ ْم ر ُ‬ ‫َو َم ْن َأحْ يَاهَا فَ َكَأنَّ َما َأحْ يَا النَّ َ‬
‫ْرفُونَ ‪[ ﴾ ‬المائدة‪.]32 :‬‬ ‫اَأْلرْ ِ‬
‫ض لَ ُمس ِ‬
‫‪ ‬‬
‫قال الحسن وقتادة في هذه اآلية‪ :‬هذا تعظيم لتعاطي القتل‪ ،‬قال قتادة‪ :‬عظُم وهللاِ وزرُها‪ ،‬وعظُم وهللاِ‬
‫أجرُها[‪.]1‬‬
‫‪ ‬‬
‫والنفس التي يتحدث عنها القرآن هي نفس اإلنسان التي بين جنبيه‪ ،‬فقد جاء عن عم رو بن الحم ق‪:‬‬
‫سمعت رسول هللا يقول‪َ ( :‬من آ َمن رجاًل على دم ه فقتَل ه‪ ،‬فأن ا ب ريء من القات ل وإن ك ان المقت ول‬ ‫ُ‬
‫كافرًا)[‪.]2‬‬
‫‪ ‬‬
‫وعلق اإلسالم على ذل ك عقابً ا أخرويًّ ا‪ ،‬ف إذا أفلت اإلنس ان في ال دنيا‪ ،‬فلن يفلت من عق اب هللا في‬ ‫َّ‬
‫اآلخرة‪ ،‬فعن ابن عب اس رض ي هللا عنهم ا عن الن بي ص لى هللا علي ه وس لم ق ال‪( :‬يجيء المقت ول‬
‫بالقاتل يوم القيامة‪ ،‬ناصيتُه ورأسه في يده‪ ،‬وأوداجه تشخب د ًما‪ ،‬يقول‪ :‬يا رب‪ ،‬قتَل ني‪ ،‬ح تى يدني ه‬
‫من العرش)[‪.]3‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ -2‬حرمة دماء أهل الذمة‪:‬‬
‫لقد رفَ ع اإلس الم من ش أن اإلنس ان وحفِ ظ ل ه كرامت ه وحقَّه في الحي اة‪ ،‬وض ِمن ل ه الحي اة الح رة‬
‫ورد عن أبي هريرة رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪( :‬إال َمن قتَ ل ً‬
‫نفس ا‬ ‫الكريمة‪َ ،‬‬
‫معاهدة له ذمة هللا وذمة رسوله‪ ،‬فقد أخفر بذمة هللا‪ ،‬فال يُ َرح رائحة الجنة‪ ،‬وإن ري َحه ا ليوج د على‬
‫مسيرة سبعين خريفًا)‪.]4[ ‬‬
‫وعن أبي بكرة قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬من قتل معاهدًا في غ ير ُكنه ه‪ ،‬ح رَّم هللا‬
‫عليه الجنة)‪.]5[ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ -3‬حرمة دم المسلم‪:‬‬
‫قت ُل النفس المؤمنة من أعظم الحُرمات التي ترت َكب على وجه األرض‪ ،‬فللمسلم حرمةٌ عظيم ة‪ ،‬فال‬
‫يحل ألح ٍد قتله أو سفك دمه‪ ،‬أو انتهاك حرمته؛ قال تعالى‪َ  ﴿ :‬و َم ْن يَ ْقتُلْ ُمْؤ ِمنً ا ُمتَ َع ِّمدًا فَ َج زَاُؤ هُ َجهَنَّ ُم‬
‫َظي ًما‪[ ﴾ ‬النساء‪.]93 :‬‬ ‫ب هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َولَ َعنَهُ َوَأ َع َّد لَهُ َع َذابًا ع ِ‬
‫ض َ‬ ‫خَالِدًا ِفيهَا َو َغ ِ‬
‫‪ ‬‬
‫لذلك كان الرسول الك ريم يش دِّد على حرم ة دم المس لم؛ فعن أم المؤم نين عائش ة رض ي هللا عنه ا‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم اَل يَ ِحلُّ َد ُم ا ْم ِرٍئ ُم ْسلِ ٍم يَ ْشهَ ُد َأ ْن اَل ِإلَهَ ِإاَّل هَّللا ُ َوَأ َّن ُم َح َّمدًا‬ ‫ال َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫ت‪ " :‬ق َ َ‬ ‫قَالَ ْ‬
‫اربًا هَّلِل ِ َو َر ُس ولِ ِه فَِإنَّهُ‬ ‫ان فَِإنَّهُ يُرْ َج ُم َو َر ُج ٌل خَ َر َج ُم َح ِ‬ ‫ص ٍ‬ ‫ث َر ُج ٌل زَ نَى بَ ْع َد ِإحْ َ‬ ‫َرسُو ُل هَّللا ِ ِإاَّل بِِإحْ دَى ثَاَل ٍ‬
‫ض َأوْ يَ ْقتُ ُل نَ ْفسًا فَيُ ْقتَ ُل بِهَا"[‪.]6‬‬ ‫يُ ْقتَ ُل َأوْ يُصْ لَبُ َأوْ يُ ْنفَى ِم ْن اَأْلرْ ِ‬
‫‪ ‬‬
‫وبلَغ من حُرمة نفس المؤمن عند هللا تعالى أنه أش ُّد حرمة من الكعبة المشرفة على ماله ا من مكان ة‬
‫ْت‬ ‫وحرم ة في اإلس الم‪ ،‬ر ُِوي عن ابن عب اس ‪ -‬و َع ْب ُدهَّللا ِ ب ُْن ُع َم َر ‪ -‬رض ي هللا عنهم‪ ،‬قَ ا َل‪َ ( :‬رَأي ُ‬
‫ك َوَأ ْعظَ َم‬ ‫ك‪َ ،‬ما َأ ْعظَ َم ِ‬ ‫ب ِري َح ِ‬ ‫طيَ َ‬‫ك َوَأ ْ‬ ‫طيَبَ ِ‬‫وف بِ ْال َك ْعبَ ِة َويَقُولُ‪َ :‬ما َأ ْ‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم يَطُ ُ‬‫ُول هَّللا ِ َ‬ ‫َرس َ‬
‫ُ‬ ‫َأ‬
‫ك َمالِ ِه َو َد ِم ِه‪َ ،‬و ْن نَظ َّن بِ ِه‬ ‫هَّللا‬ ‫َأ‬ ‫ْ‬
‫ك‪َ ،‬وال ِذي نَ ْفسُ ُم َح َّم ٍد بِيَ ِد ِه‪ ،‬لَحُرْ َمةُ ال ُمْؤ ِم ِن ْعظَ ُم ِع ْن َد ِ حُرْ َمةً ِم ْن ِ‬ ‫َّ‬ ‫حُرْ َمتَ ِ‬
‫ِإاَّل َخ ْيرًا)[‪.]7‬‬
‫‪ ‬‬
‫ومن هنا تظهر مكانة المؤمن عند هللا عز وجل‪ ،‬وما عظَّمه هللا ال ينبغي أن يحقره إنسان؛ بل ينبغي‬
‫الوقوف عند حدود هللا وأوامره‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ -4‬حرمة قتل النفس بيد صاحبها‪:‬‬
‫لقد بلغ حفاظُ اإلس الم على النفس مبل ًغ ا عظي ًم ا؛ ح تى إن ه من ش دة حفاظ ه عليه ا لم يجع ل الح ق‬
‫العذاب األليم‪ ،‬ومن األحاديث ال تي وردت في ه ذا الش أن‬ ‫َ‬ ‫لصاحبها في إتالفها؛ بل تو َّعد فاع َل ذلك‬
‫ق نَ ْف َس هُ‬ ‫ص لَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َس لَّ َم‪( :‬الَّ ِذي يَ ْخنُ ُ‬ ‫ال النَّبِ ُّي َ‬
‫ال‪ :‬قَ َ‬ ‫ض َي هَّللا ُ َع ْن هُ قَ َ‬ ‫عن َأبِي هُ َر ْي َرةَ َر ِ‬ ‫ما جاء ْ‬
‫ار)‪.]8[ ‬‬ ‫ط ُعنُهَا فِي النَّ ِ‬ ‫ط ُعنُهَا يَ ْ‬‫ار‪َ ،‬والَّ ِذي يَ ْ‬ ‫يَ ْخنُقُهَا ِفي النَّ ِ‬
‫‪ ‬‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قَ ا َل‪َ ( :‬م ْن قَتَ َل نَ ْف َس هُ بِ َح ِدي َد ٍة‪ ،‬فَ َح ِدي َدتُ هُ فِي يَ ِد ِه‬ ‫وعن َأبِي هُ َر ْي َرةَ َأ َّن َرس َ‬
‫ُول هَّللا ِ َ‬
‫َار َجهَنَّ َم خَالِدًا ُمخَلَّدًا فِيهَا َأبَدًا‪َ ،‬و َم ْن قَتَ َل نَ ْف َسهُ بِ ُس ٍّم فَ ُس ُّمهُ فِي يَ ِد ِه يَت ََح َّس اهُ فِي‬ ‫طنِ ِه فِي ن ِ‬ ‫يَت ََو َّجُأ بِهَا فِي بَ ْ‬
‫ار َجهَنَّ َم خَ الِ دًا‬ ‫َار َجهَنَّ َم خَالِدًا ُم َخلَّدًا فِيهَا َأبَ دًا‪َ ،‬و َم ْن تَ َر َّدى ِم ْن َجبَ ٍل فَقَتَ َل نَ ْف َس هُ فَهُ َو يَتَ َر َّدى فِي نَ ِ‬ ‫ن ِ‬
‫َأ‬
‫ُمخَ لدًا فِيهَا بَدًا)[‪.]9‬‬ ‫َّ‬
‫‪ ‬‬
‫ك لخالق ِه‪ ،‬وهي من شأنِه وحدَه ج َّل‬ ‫من هذا يتبيَّن أن اإلنسان ال يملِك رُوحه التي بين جنبيه‪ ،‬فهي مل ٌ‬
‫في عاله‪ ،‬فلقد حفظ اإلسالم كيانَ اإلنسان من عبث اآلخرين‪ ،‬ومن عبث نفسه أيضًا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وبعد هذه اإلطاللة ومن خالل استقراء اآليات واألحاديث‪ ،‬يُمكن إجمال المضار ال تي يُح دثها س فك‬
‫الدم الحرام على الفرد والمجتمع واإلنسانية جمعا َء‪:‬‬
‫أواًل ‪ :‬أن في قتل المسلم بغير حق اعتدا ًء على المجتمع كله‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن القتل وسفك دم األبرياء َمجلبة لسخط الرب تعالى‪.‬‬
‫مسلم بريء متعمدًا ومستحاًّل لذلك‪ ،‬فقد أوجب هللا له النار‪ ،‬خالدًا فيها‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ثالثًا‪ :‬أن من سفك دم‬
‫رابعًا‪ :‬أن القتل كبيرة من كبائر الذنوب‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬أن المنتحر قات َل نفسه من أهل النار‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬أن من حمل السالح على المسلمين‪َ ،‬ع َّده النبي صلى هللا عليه وسلم من غير المسلمين‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬أن المسلم في َسعة‪ ،‬فإذا ما أصاب د ًما حرا ًما‪ ،‬فقد ضيَّق على نفسه في الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬أن حرص المسلم على قتل أخيه يجعله في النار؛ حتى وإن لم يقتله فعاًل ‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬أن سفك دم المسلمين‪ ،‬واالقتتال بينهم ‪ -‬عادة من عادات الجاهلية التي نهانا اإلسالم عنه ا)‪[ ‬‬
‫‪.]10‬‬

‫[‪ ]1‬تفسير ابن كثير‪.‬‬


‫[‪ ]2‬صحيح ابن حبان‪( ،‬ج ‪ / 25‬ص ‪ )1‬حديث رقم (‪.)6082‬‬
‫[‪ ]3‬أخرجه‪ ‬الترمذي رقم (‪ ،)3029‬والنسائي رقم (‪.)87/ 7‬‬
‫[‪ ]4‬أخرجه ابن ماجه‪ ،‬حديث رقم ( ‪ ،)2678‬وسنن النسائي‪ ،‬حديث رقم (‪.)4668‬‬
‫[‪ ]5‬سنن أبي داود‪ ،‬حديث رقم ( ‪.)2757‬‬
‫[‪ ]6‬سنن أبي داود‪ ،‬حديث رقم (‪ ،)3789‬وسنن النسائي‪ ،‬حديث رقم (‪.)3980‬‬
‫[‪ ]7‬سنن ابن ماجه‪ ،‬حديث رقم (‪ ،)3922‬وسنن الترمذي‪ ،‬حديث رقم (‪.)1955‬‬
‫[‪ ]8‬صحيح البخاري‪ ،‬حديث رقم (‪.)1276‬‬
‫[‪ ]9‬سنن الترمذي‪ ،‬حديث رقم (‪.)1967‬‬
‫[‪ ]10‬موقع إمام المسجد من خطبة بعنوان‪ ( :‬حرمة سفك الدماء)‪.‬‬
‫حرمة الدماء فى شريعة اإلسالم‬

‫إعداد‪ /‬د‪ :‬أحمد عرفة‬


‫معيد بجامعة األزهر‬

‫حيم‬
‫حمن الرَّ ِ‬
‫هللا الرَّ ِ‬
‫بسم ِ‬‫ِ‬

‫إن الحمد هلل تعالى‪ ،‬نحمده ونستعين به ونستغفره‪ ،‬ونعوذ‪ $‬باهلل تعالى من شرور أنفسنا‪ ،‬وسيئات‪ $‬أعمالنا‪ ،‬من‬
‫يهد هللا تعالى فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد‪ $‬أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن‬
‫محمداً عبده ورسوله صلى هللا عليه وسلم‪ $‬وبعد‪:‬‬

‫فإن من األسس العظيمة التى قام عليها التشريع اإلسالمي تحقيق مصالح العباد جميعا ً والحفاظ عليهم ‪ ،‬من‬
‫أجل ذلك كانت الضروريات الخمس التى أوصت الشريعة بالحفاظ عليها ورعايتها‪ $‬وهى حفظ الدين ‪،‬‬
‫وحفظ النفس ‪ ،‬وحفظ العرض ‪ ،‬وحفظ المال ‪ ,‬وحفظ النسل ‪ ،‬ومن حفظ النفس حفظ الدماء من أن تهدر‬
‫وتسفك بغير حق فى هذه األيام التى نرى فيها سفك الدماء بالليل والنهار من أجل تعصب حزبي ‪ ،‬ومن‬
‫أجل تصارع‪ $‬على المناصب والسلطات ‪ ،‬يقتل بسبب ذلك خلق كثير من أجل ذلك كان البد من إرشاد‬
‫الجميع إلى خطورة هذا األمر وذلك من خالل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫أوالً‪ :‬حرمة الدماء فى القرآن الكريم ‪:‬‬
‫ب هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َولَ َع َن ُه َوَأ َع َّد لَ ُه َع َذابًا‬ ‫(و َمن َي ْق ُت ْل مُْؤ ِم ًنا ُّم َت َع ِّم ًدا َف َج َزآُؤ هُ َج َه َّن ُم َخال ًِدا فِي َها َو َغضِ َ‬ ‫قال هللا تعالى‪َ :‬‬
‫عَظِ يمًا)([‪.)]1‬‬
‫س الَّتِي َحرَّ َم هَّللا ُ ِإالَّ‬ ‫ون ال َّن ْف َ‬ ‫آخ َر َوال َي ْق ُتلُ َ‬ ‫ُون َم َع هَّللا ِ ِإلَهًا َ‬ ‫ِين ال َي ْدع َ‬ ‫(والَّذ َ‬ ‫وقال تعالى فى صفات عباد الرحمن ‪َ :‬‬
‫ف لَ ُه ْال َع َذابُ َي ْو َم ْالقِ َيا َم ِة َو َي ْخلُ ْد فِي ِه ُم َها ًنا (‪ِ )69‬إالَّ‬ ‫اع ْ‬ ‫ض َ‬‫ك َي ْل َق َأ َثامًا(‪ُ )68‬ي َ‬ ‫ِب ْال َح ِّق َوال َي ْز ُن َ‬
‫ون َو َمن َي ْف َع ْل َذلِ َ‬
‫ان هَّللا ُ َغفُورً ا رَّ حِيمًا (‪.)]2[())70‬‬ ‫ت َو َك َ‬ ‫صالِحً ا َفُأ ْولَِئ َ‬
‫ك ُي َب ِّد ُل هَّللا ُ َس ِّيَئ ات ِِه ْم َح َس َنا ٍ‬ ‫اب َوآ َم َن َو َع ِم َل َع َمالً َ‬ ‫َمن َت َ‬
‫ض َف َكَأ َّن َما‬ ‫س َأ ْو َف َسا ٍد فِي اَألرْ ِ‬ ‫وقال تعالى‪ (:‬مِنْ َأجْ ِل َذل َِك َك َت ْب َنا َعلَى َبنِي ِإسْ َراِئي َل َأ َّن ُه َمن َق َت َل َن ْف ًسا ِب َغي ِْر َن ْف ٍ‬
‫ك‬‫ت ُث َّم ِإنَّ َك ِثيرً ا ِّم ْنهُم َبعْ دَ َذلِ َ‬ ‫اس َجمِيعًا َولَ َق ْد َجا َء ْت ُه ْم ُر ُسلُ َنا ِبال َب ِّي َنا ِ‬ ‫اس َجمِيعًا َو َمنْ َأحْ َيا َها َف َكَأ َّن َما َأحْ َيا ال َّن َ‬ ‫َق َت َل ال َّن َ‬
‫ون (‪.)]3[())32‬‬ ‫ض لَمُسْ ِرفُ َ‬ ‫فِي اَألرْ ِ‬
‫‪ ‬‬
‫قال اإلمام ابن حجر الهيتمي رحمه هللا‪:‬‬
‫وجعل قتل النفس الواحدة كقتل جميع الناس مبالغة في تعظيم أمر القتل الظلم وتفخيما لشأنه أي كما أن قتل‬
‫جميع الناس أمر عظيم القبح عند كل أحد فكذلك قتل الواحد يجب أن يكون كذلك فالمراد‪ $‬مشاركتهما‪ $‬في‬
‫أصل االستعظام ال في قدره إذ تشبيه أحد النظيرين باآلخر ال يقتضي مساواتهما من كل الوجوه وأيضا‪$‬‬
‫فالناس لو علموا من إنسان أنه يريد قتلهم جدوا في دفعه وقتله فكذا يلزمهم إذا علموا من إنسان أنه يريد قتل‬
‫آخر ظلما أن يجدوا في دفعه وأيضا من فعل قتال ظلما رجح داعية الشر والشهوة والغضب على داعية‬
‫الطاعة ومن هو كذلك يكون بحيث لو نازعه كل إنسان في مطلوبه وقدر‪ $‬على قتله قتله ونية المؤمن في‬
‫الخيرات خير من عمله كما ورد فكذلك نيته في الشر شر من عمله فمن قتل إنسانا ظلما فكأنما قتل جميع‬
‫الناس بهذا االعتبار([‪.)]4‬‬
‫‪ ‬‬
‫وقال ابن عباس رضي هللا عنهما‪ :‬من قتل نبيا أو إمام عدل فكأنما‪ $‬قتل الناس جميعا ومن شد عضد أحد‬
‫فكأنما‪ $‬أحيا الناس جميعا ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وقال مجاهد رحمه هللا‪ :‬من قتل نفسا محرمة يصلى النار بقتلها كما يصالها لو قتل الناس جميعا ومن‬
‫أحياها أي من سلم من قتلها فكأنما سلم من قتل الناس جميعا ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وقال قتادة رحمه هللا‪ :‬أعظم هللا أجرها وأعظم وزرها‪ $‬أي من قتل مسلما ظلما فكأنما قتل الناس جميعا في‬
‫اإلثم ألنهم ال يسلمون منه ومن أحياها وتورع‪ $‬عن قتلها فكأنما أحيا الناس جميعا في الثواب لسالمتهم‪ $‬منه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وقال الحسن رحمه هللا‪ :‬فكأنما‪ $‬قتل الناس جميعا أي أنه يجب عليه من القصاص ما يجب عليه لو قتل الكل‬
‫ومن أحياها أي عفا عمن له عليه قود فكأنما أحيا الناس جميعا([‪.)]5‬‬
‫‪ ‬‬
‫ثانياً‪ :‬حرمة الدماء فى السنة النبوية ‪:‬‬
‫عن ابن عمر رضي هللا عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬لن يزال المؤمن في فسحة‬
‫من دينه ‪ ،‬ما لم يصب دما حراما "([‪.)]6‬‬
‫‪ ،‬عن البراء بن عازب ‪ ،‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‪ " :‬لزوال الدنيا أهون على هللا من قتل‬
‫مؤمن بغير حق " ([‪.)]7‬‬
‫عن أبي هريرة ‪ ،‬قال ‪ :‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬ال تقوم الساعة حتى يقبض العلم ‪ ،‬وتكثر‪$‬‬
‫الزالزل ‪ ،‬ويتقارب الزمان ‪ ،‬وتظهر الفتن ‪ ،‬ويكثر الهرج ‪ -‬وهو القتل القتل ‪ -‬حتى يكثر فيكم المال‬
‫فيفيض" ([‪.)]8‬‬
‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه ‪ ،‬عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪ " :‬اجتنبوا السبع الموبقات " ‪ ،‬قالوا ‪:‬‬
‫يا رسول هللا وما هن ؟ قال ‪ " :‬الشرك باهلل ‪ ،‬والسحر‪ ، $‬وقتل النفس التي حرم هللا إال بالحق ‪ ،‬وأكل الربا ‪،‬‬
‫وأكل مال اليتيم ‪ ،‬والتولي‪ $‬يوم الزحف ‪ ،‬وقذف‪ $‬المحصنات المؤمنات الغافالت"([‪. )]9‬‬
‫عن عبد هللا بن عمر ‪ ،‬قال ‪ " :‬إن من ورطات األمور ‪ ،‬التي ال مخرج لمن أوقع نفسه فيها ‪ ،‬سفك الدم‬
‫الحرام بغير حله "([‪. )]10‬‬
‫عن عبد هللا بن مسعود ‪ ،‬عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪ " :‬يجيء الرجل آخذا بيد الرجل فيقول ‪ :‬يا‬
‫رب ‪ ،‬هذا قتلني ‪ ،‬فيقول هللا له ‪ :‬لم قتلته ؟ فيقول ‪ :‬قتلته لتكون العزة لك ‪ ،‬فيقول ‪ :‬فإنها لي ‪ .‬ويجيء‬
‫الرجل آخذا بيد الرجل فيقول ‪ :‬إن هذا قتلني ‪ ،‬فيقول هللا له ‪ :‬لم قتلته ؟ فيقول ‪ :‬لتكون العزة لفالن ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫إنها ليست لفالن فيبوء بإثمه "([‪.)]11‬‬
‫عن أبي هريرة ‪ ،‬قال ‪ :‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان ال‬
‫يدري القاتل في أي شيء قتل ‪ ،‬وال يدري المقتول على أي شيء قتل "([‪.)]12‬‬
‫عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪ " " :‬يجيء المقتول بالقاتل يوم‬
‫القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دما ‪ ،‬يقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬قتلني هذا ‪ ،‬حتى يدنيه من العرش " "‬
‫قال ‪ :‬فذكروا البن عباس ‪ ،‬التوبة ‪ ،‬فتال هذه اآلية ‪ :‬ومن يقتل مؤمنا‪ $‬متعمدا ‪ ،‬قال ‪ " :‬ما نسخت هذه اآلية ‪،‬‬
‫وال بدلت ‪ ،‬وأنى له التوبة "([‪.)]13‬‬
‫عن سالم ‪ ،‬سئل ابن عباس عن رجل قتل مؤمنا ‪ ،‬ثم تاب وآمن وعمل صالحا ‪ ،‬ثم اهتدى ‪ ،‬قال ‪ :‬ويحك ‪،‬‬
‫وأنى له الهدى ‪ ،‬سمعت نبيكم صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬يقول ‪ " :‬يجيء المقتول متعلقا بالقاتل ‪ ،‬يقول ‪ :‬يا‬
‫رب ‪ ،‬سل هذا فيم قتلني ؟ " وهللا لقد أنزلها هللا عز وجل على نبيكم صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وما نسخها بعد‬
‫إذ أنزلها ‪ ،‬قال ‪ :‬ويحك ‪ ،‬وأنى له الهدى ؟ *([‪.)]14‬‬
‫عن ابن عباس ‪ ،‬أنه سأله سائل فقال ‪ :‬يا أبا العباس ‪ ،‬هل للقاتل من توبة ؟ فقال ابن عباس كالمتعجب من‬
‫شأنه ‪ :‬ماذا تقول ؟ فأعاد عليه المسألة ‪ ،‬فقال له ‪ :‬ماذا تقول ؟ مرتين أو ثالثا ‪ ،‬ثم قال ابن عباس ‪ :‬أنى له‬
‫التوبة ؟ سمعت نبيكم صلى هللا عليه وسلم يقول ‪ " :‬يأتي المقتول متعلقا رأسه بإحدى يديه ‪ ،‬متلببا قاتله بيده‬
‫األخرى يشخب أوداجه دما ‪ ،‬حتى يأتي به العرش ‪ ،‬فيقول المقتول هلل ‪ :‬رب هذا قتلني ‪ ،‬فيقول هللا عز‬
‫وجل للقاتل ‪ :‬تعست ‪ ،‬ويذهب به إلى النار " *([‪.)]15‬‬
‫عن ابن سيرين ‪ ،‬سمعت أبا هريرة ‪ ،‬يقول ‪ :‬قال أبو القاسم صلى هللا عليه وسلم‪: $‬‬
‫" من أشار إلى أخيه بحديدة ‪ ،‬فإن المالئكة تلعنه ‪ ،‬حتى يدعه وإن كان أخاه ألبيه وأمه "([‪.)]16‬‬
‫‪ ‬‬
‫قال اإلمام النووي رحمه هللا‪:‬‬
‫فيه تأكيد حرمة المسلم والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه وقوله صلى هللا عليه‬
‫و سلم وإن كان أخاه ألبيه وأمه مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد سواء من يتهم فيه ومن ال يتهم‬
‫وسواء كان هذا هزال ولعبا أم ال ألن ترويع المسلم حرام بكل حال ‪ ،‬وألنه قد يسبقه السالح كما صرح به‬
‫في الرواية األخرى ‪ ،‬ولعن المالئكة له يدل على أنه حرام ([‪.)]17‬‬
‫عن عبد هللا بن عمر ‪ ،‬رضي هللا عنهما ‪ ،‬عن النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫" من حمل علينا السالح فليس منا "([‪.)]18‬‬
‫‪ ‬‬
‫قال ابن دقيق‪ $‬العيد رحمه هللا‪:‬‬
‫قوله‪( :‬حمل السالح) ‪ :‬يجوز أن يراد به ما يضاد وضعه ويكون ذلك كناية عن القتال به وأن يكون حمله‬
‫ليراد به القتال ودل على ذلك قرينة قوله عليه السالم‪" :‬علينا" ويحتمل‪ $‬أن يراد به ما هو أقوى من هذا وهو‬
‫الحمل للضرب فيه أي في حالة القتال والقصد بالسيف للضرب به وعلى كل حال فهو دليل على تحريم‬
‫قتال المسلمين وتغليظ‪ $‬األمر فيه‪.‬‬
‫و قوله‪" :‬فليس منا"‪  :‬قد يقتضي ظاهره الخروج عن المسلمين ألنه إذا حمل"علينا" على أن المراد به‬
‫المسلمون كان قوله‪" :‬فليس منا" كذلك ‪ ،‬وقد ورد مثل هذا فاحتاجوا‪ $‬إلى تأويله كقوله عليه السالم‪" :‬من‬
‫غشنا فليس منا" ‪ ،‬وقيل فيه‪ :‬ليس مثلنا أو ليس على طريقتنا أو ما يشبه ذلك ([‪.)]19‬‬
‫‪ ‬‬
‫وقال اإلمام الصنعاني‪ $‬رحمه هللا‪:‬‬
‫قوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬من حمل علينا السالح فليس منا" أي من حمله لقتال المسلمين بغير حق كني‬
‫بحمله عن المقاتلة إذ القتل الزم لحمل السيف في األغلب ويحتمل أنه ال كناية فيه وأن المراد حمله حقيقة‬
‫إلرادة القتال ويدل له قوله‪(:‬علينا) وقوله‪(:‬فليس منا) المراد ليس على طريقتنا وهدينا فإن طريقته صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ $‬نصر المسلم والقتال دونه ال ترويعه وإخافته وقتاله ‪ ،‬وهذا في غير المستحل فإن استحل القتال‬
‫للمسلم بغير حق فإنه يكفر باستحالله المحرم القطعي والحديث دليل على تحريم قتال المسلم والتشديد فيه ‪،‬‬
‫وأما قتال البغاة من أهل اإلسالم فإنه خارج من عموم هذا الحديث بدليل خاص([‪.)]20‬‬
‫‪ ‬‬
‫قال اإلمام النووي رحمه هللا‪:‬‬
‫قاعدة مذهب أهل السنة والفقهاء أن من حمل السالح على المسلمين بغير حق وال تأويل ولم يستحله فهو‬
‫عاص وال يكفر بذلك فإن استحله كفر فأما تأويل الحديث فقيل هو محمول على المستحل بغير تأويل فيكفر‬
‫ويخرج من الملة وقيل معناه ليس على سيرتنا الكاملة وهدينا‪.‬‬
‫وكان سفيان بن عيينة رحمه هللا‪ :‬يكره قول من يفسره بليس على هدينا ويقول‪ :‬بئس هذا القول يعنى بل‬
‫يمسك عن تأويله ليكون أوقع فى النفوس وأبلغ فى الزجر وهللا أعلم([‪.)]21‬‬
‫‪ ‬‬
‫وقال اإلمام النووي‪ $‬رحمه هللا‪:‬‬
‫قوله ‪( :‬فليس منا) ‪ :‬معناه عند أهل العلم أنه ليس ممن اهتدى بهدينا واقتدى‪ $‬بعلمنا وعملنا وحسن طريقتنا‪$‬‬
‫كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله لست منى وهكذا القول فى كل األحاديث الواردة بنحو هذا([‪.)]22‬‬
‫وعن األحنف بن قيس ‪ ،‬قال ‪ :‬ذهبت ألنصر هذا الرجل ‪ ،‬فلقيني أبو بكرة فقال أين تريد ؟ قلت ‪ :‬أنصر هذا‬
‫الرجل ‪ ،‬قال ‪ :‬ارجع فإني سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ $‬يقول ‪ " :‬إذا التقى المسلمان بسيفيهما‬
‫فالقاتل والمقتول في النار " ‪ ،‬فقلت يا رسول هللا هذا القاتل فما بال المقتول قال ‪ " :‬إنه كان حريصا‪ $‬على‬
‫قتل صاحبه "([‪.)]23‬‬
‫‪ ‬‬
‫قال اإلمام أبو سليمان الخطابي‪ $‬رحمه هللا ‪:‬‬
‫‪ ‬هذا إنما يكون كذلك إذا لم يكونا يقتتالن على تأويل إنما على عداوة بينهما و عصبية أو طلب دنيا أو‬
‫رئاسة أو علو فأما من قاتل أهل البغي على الصفة التي يجب قتالهم بها أو دفع عن نفسه أو حريمه فإنه ال‬
‫يدخل في هذه ألنه مأمور بالقتال للذب عن نفسه غير قاصد‪ $‬به قتل صاحبه إال إن كان حريصا على قتل‬
‫صاحبه و من قاتل باغيا أو قاطع طريق من المسلمين فإنه ال يحرص على قتله إنما يدفعه عن نفسه فإن‬
‫انتهى صاحبه كف عنه و لم يتبعه فإن الحديث لم يرد في أهل هذه الصفة فأما من خالف هذا النعت فهو‬
‫الذي يدخل في هذا الحديث الذي ذكرنا و هللا أعلم([‪.)]24‬‬
‫وعن عبد هللا بن عمر ‪ ،‬قال ‪ :‬رأيت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يطوف بالكعبة ‪ ،‬ويقول ‪ " :‬ما أطيبك‬
‫وأطيب ريحك ‪ ،‬ما أعظمك وأعظم حرمتك ‪ ،‬والذي نفس محمد بيده ‪ ،‬لحرمة المؤمن أعظم عند هللا حرمة‬
‫منك ‪ ،‬ماله ‪ ،‬ودمه ‪ ،‬وأن نظن به إال خيرا "([‪.)]25‬‬
‫وعن يزيد الرقاشي‪ $‬قال ‪ :‬حدثنا أبو الحكم البجلي ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت أبا سعيد الخدري ‪ ،‬وأبا هريرة يذكران عن‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‪ " " :‬لو أن أهل السماء واألرض اشتركوا في دم مؤمن ألكبهم هللا في‬
‫النار "([‪.)]26‬‬
‫‪ ‬‬
‫وانظروا إلى النبي صلى هللا عليه وسلم وهو يؤسس لنا قواعد حقوق اإلنسان فى اإلسالم فى هذا الحديث‬
‫العظيم والخطبة النبوية الجامعة فى حجة الوداع فى الحديث الذى أخرجه البخاري فى صحيحه ‪ ‬عن ابن‬
‫عباس رضي هللا عنهما ‪ ،‬أن رسول‪ $‬هللا صلى هللا عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال ‪ " :‬يا أيها الناس‬
‫أي يوم هذا ؟ " ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يوم حرام ‪ ،‬قال ‪ " :‬فأي بلد هذا ؟ " ‪ ،‬قالوا ‪ :‬بلد حرام ‪ ،‬قال ‪ " :‬فأي شهر هذا ؟ "‬
‫‪ ،‬قالوا ‪ :‬شهر حرام " ‪ ،‬قال ‪ " :‬فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم‪ $‬عليكم حرام ‪ ،‬كحرمة يومكم‪ $‬هذا ‪ ،‬في‬
‫بلدكم هذا ‪ ،‬في شهركم هذا " ‪ ،‬فأعادها مرارا ‪ ،‬ثم رفع رأسه فقال ‪ " :‬اللهم هل بلغت ‪ ،‬اللهم هل بلغت ‪-‬‬
‫قال ابن عباس رضي‪ $‬هللا عنهما ‪ :‬فو الذي نفسي بيده ‪ ،‬إنها لوصيته إلى أمته ‪ ،‬فليبلغ الشاهد الغائب ‪ ،‬ال‬
‫ترجعوا‪ $‬بعدي كفارا ‪ ،‬يضرب بعضكم‪ $‬رقاب بعض "([‪.)]27‬‬
‫‪ ‬‬
‫حرمة دماء غير المسلم فى الشريعة اإلسالمية‬
‫من عظمة الشريعة اإلسالمية أن حرمة الدماء ليست قاصرة على المسلمين فحسب بل تشمل كذلك غير‬
‫المسلمين من المعاهدين والذميين والمسـتأمنين حرم اإلسالم االعتداء عليهم وذلك فى أحاديث كثيرة من سنة‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم منها‪:‬‬
‫عن عبد هللا بن عمرو رضي‪ $‬هللا عنهما ‪ ،‬عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫" من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ‪ ،‬وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما([‪.)]28‬‬
‫وعن أبي بكرة ‪ ،‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ $‬قال ‪ " :‬من قتل معاهدا في غير كنهه ‪ ،‬حرم هللا عليه‬
‫الجنة "([‪.)]29‬‬
‫‪ ‬‬
‫وعن عبد هللا بن عمرو ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول‪ $‬هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬من قتل قتيال من أهل الذمة لم يجد‬
‫ريح الجنة ‪ ،‬وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما "([‪.)]30‬‬
‫كان هذه بعض األدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة على حرمة الدماء وكيف أن هذا الدين‬
‫اإلسالمي الحنيف حافظ عليها من أن تسفك بغير حق نسأل هللا تعالى أن يحفظنا وإياكم من الفتن ما ظهر‬
‫منها وما بطن وأن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه اللهم آمين ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وهللا من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل‬
‫‪ ‬‬
‫للتواصل مع الكاتب‬
‫‪01119133367‬‬
‫‪Ahmedarafa11@yahoo.com‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫([‪)]1‬سورة النساء ‪ :‬اآلية ‪. 93 :‬‬
‫([‪)]2‬سورة الفرقان ‪ :‬اآليات ‪.  70-68 :‬‬
‫([‪)]3‬سورة المائدة ‪ :‬اآلية‪. 32 :‬‬
‫([‪)]4‬الزواجر‪ $‬عن اقتراف الكبائر ‪ :‬جـ‪ 2‬صـ‪. 692‬‬
‫([‪)]5‬الزواجر‪ $‬عن اقتراف الكبائر ‪ :‬جـ‪ 2‬صـ‪ 692‬وما بعدها ‪.‬‬
‫([‪)]6‬صحيح البخاري‪ -  ‬كتاب الديات‪  -‬باب قول هللا تعالى ‪ :‬ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ‪-‬‬
‫حديث‪. 6483:‬‬
‫([‪ )]7‬سنن ابن ماجه‪ -  ‬كتاب الديات‪  -‬باب التغليظ في قتل مسلم ظلما ‪ -‬حديث‪ 2615:‬وصححه األلباني‬
‫فى صحيح سنن ابن ماجة حديث رقم‪. 2668 $‬‬
‫([‪)]8‬صحيح البخاري‪ -  ‬كتاب الجمعة‪  -‬أبواب االستسقاء ‪  -‬باب ما قيل في الزالزل واآليات‪  -‬حديث‪:‬‬
‫‪1002‬‬
‫([‪)]9‬صحيح البخاري‪ -  ‬كتاب الوصايا‪  $-‬باب قول هللا تعالى ‪ :‬إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ‪-‬‬
‫حديث‪. 2634:‬‬
‫([‪ )]10‬صحيح البخاري‪ -  ‬كتاب الديات‪  -‬باب قول هللا تعالى ‪ :‬ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ‪-‬‬
‫حديث‪. 6484:‬‬
‫([‪)]11‬السنن الصغرى‪ -  ‬كتاب تحريم الدم‪ -‬تعظيم الدم ‪ -‬حديث‪ 3953:‬وصححه األلباني فى صحيح سنن‬
‫النسائي حديث رقم ‪. 4008‬‬
‫([‪ )]12‬صحيح مسلم‪ -  ‬كتاب الفتن وأشراط‪ $‬الساعة‪  -‬باب ال تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل‪-  ‬‬
‫حديث‪.  5286:‬‬
‫([‪ )]13‬سنن الترمذي‪  ‬الجامع الصحيح‪ -  ‬الذبائح‪  -‬أبواب تفسير القرآن عن رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪  -‬باب ‪ :‬ومن سورة النساء‪ -‬حديث‪ 3038:‬وصححه األلباني فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم‬
‫‪. 3029‬‬
‫([‪ )]14‬مسند أحمد بن حنبل‪ -  ‬ومن مسند بني هاشم‪  -‬مسند عبد هللا بن العباس بن عبد المطلب‪ -  ‬حديث‪:‬‬
‫‪1888‬‬
‫([‪ )]15‬المعجم الكبير للطبراني‪ -  $‬من اسمه عبد هللا‪  -‬وما أسند عبد هللا بن عباس رضي هللا عنهما ‪  -‬نافع‬
‫بن جبير بن مطعم‪ $‬عن ابن عباس‪ -‬حديث‪ 10552:‬وصححه األلباني فى صحيح الترغيب والترهيب حديث‬
‫رقم‪. 2447 $‬‬
‫([‪)]16‬صحيح مسلم‪ -  ‬كتاب البر والصلة واآلداب‪  -‬باب النهي عن اإلشارة بالسالح إلى مسلم ‪ -‬حديث‪:‬‬
‫‪4848‬‬
‫([‪)]17‬شرح النووي‪ $‬على مسلم ‪ :‬جـ‪ 16‬صـ‪. 170‬‬
‫([‪)]18‬صحيح البخاري‪ -  ‬كتاب الديات‪  -‬باب قول هللا تعالى ‪ :‬ومن أحياها ‪ -‬حديث‪. 6494:‬‬
‫‪)]19[(  ‬إحكام األحكام شرح عمدة األحكام ‪ 1 :‬صـ‪ 501‬وما بعدها ‪ ‬طبعة مؤسسة الرسالة – بيروت ‪-‬‬
‫‪2005 -1426‬م ‪.‬‬
‫([‪)]20‬سبل السالم ‪ :‬جـ‪ 3‬صـ‪ 258‬طبعة مصطفى الحلبي بالقاهرة ‪ -‬الطبعة ‪ :‬الرابعة ‪1379‬هـ‪/‬‬
‫‪1960‬م ‪.‬‬
‫([‪)]21‬شرح النووي‪ $‬على مسلم ‪ :‬جـ‪2‬صـ‪ 108‬طبعة دار إحياء التراث العربي‪ - $‬بيروت‬
‫الطبعة الثانية ‪. 1392 ،‬‬
‫([‪)]22‬شرح النووي‪ $‬على مسلم ‪ :‬جـ‪ 1‬صـ‪. 109‬‬
‫([‪)]23‬صحيح البخاري‪ -  ‬كتاب اإليمان‪  -‬باب وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا‪ $‬بينهما فسماهم‪$‬‬
‫المؤمنين ‪ -‬حديث‪. 31:‬‬
‫([‪)]24‬الكبائر ‪ :‬لإلمام الذهبي صـ‪. 12‬‬
‫([‪)]25‬سنن ابن ماجه‪ -  ‬كتاب الفتن‪  -‬باب حرمة دم المؤمن وماله ‪ -‬حديث‪ 3930:‬وصححه األلباني فى‬
‫صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم ‪. 2441‬‬
‫([‪)]26‬سنن الترمذي‪  ‬الجامع الصحيح‪ -  ‬أبواب الجنائز عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ -‬أبواب الديات‬
‫عن رسول‪ $‬هللا صلى هللا عليه وسلم ‪  -‬باب الحكم في الدماء حديث‪1355:‬وصححه األلباني فى صحيح‬
‫سنن الترمذي‪ $‬حديث رقم ‪. 1398‬‬
‫([‪)]27‬صحيح البخاري‪ -  ‬كتاب الحج باب الخطبة أيام منى ‪ -‬حديث‪. 1662:‬‬
‫([‪)]28‬صحيح البخاري‪ -  ‬كتاب الجزية‪ -‬باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم ‪ -‬حديث‪. 3011:‬‬
‫([‪ )]29‬سنن الدارمي‪ -  ‬ومن كتاب السير‪ -‬باب ‪ :‬في النهي عن قتل المعاهد ‪ -‬حديث‪ 2461:‬وصححه‬
‫األلباني فى صحيح الجامع حديث رقم ‪. 6456‬‬
‫([‪ )]30‬السنن الكبرى للنسائي‪ -  ‬كتاب القسامة‪ -‬تعظيم قتل المعاهد ‪ -‬حديث‪ 6743:‬وصححه األلباني فى‬
‫صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم ‪. 2452‬‬

‫القتل‬

‫د‪ .‬مهران ماهر عثمان‬

‫‪ ‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫القتل‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين‪ ،‬نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬أما بعد؛‬
‫فهذا تحذير من جريمة حذر هللا منها في كتابه‪ ،‬وحذر منها رسوله‪  ‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬أال وهي‪ :‬القتل‪،‬‬
‫ولعلي أتناول أمره في نقاط معدودات‪..‬‬
‫‪ ‬‬
‫أول جريمة قتل في تاريخ البشرية ‪:‬‬
‫أخبرنا هللا بها في كتابه‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬وا ْت ُل َعلَي ِْه ْم َن َبَأ ا ْب َنيْ آ َد َم ِب ْال َح ِّق ِإ ْذ َقرَّ َبا قُرْ َبا ًنا‪َ $‬ف ُتقُ ِّب َل مِن َأ َح ِد ِه َما َولَ ْم‬
‫دَك لِ َت ْق ُتلَنِي َما َأ َناْ ِببَاسِ طٍ َيد َ‬
‫ِي‬ ‫طت ِإلَيَّ َي َ‬ ‫ِين * لَِئن َب َس َ‬ ‫ك َقا َل ِإ َّن َما َي َت َق َّب ُل هّللا ُ م َِن ْال ُم َّتق َ‬ ‫اآلخ ِر َقا َل َأَل ْق ُتلَ َّن َ‬ ‫ُي َت َق َّب ْل م َِن َ‬
‫ك‬ ‫ار َو َذلِ َ‬ ‫ب ال َّن ِ‬‫ون مِنْ َأصْ َحا ِ‬ ‫ِين * ِإ ِّني ُأ ِري ُد َأن َتبُو َء بِِإ ْثمِي َوِإ ْثم َ‬
‫ِك َف َت ُك َ‬ ‫ك ِإ ِّني َأ َخافُ هّللا َ َربَّ ْال َعالَم َ‬ ‫ْك َأَل ْق ُتلَ َ‬
‫ِإلَي َ‬
‫ين{ [المائدة‪.]30-27 :‬‬ ‫ت لَ ُه َن ْف ُس ُه َق ْت َل َأخِي ِه َف َق َتلَ ُه َفَأصْ َب َح م َِن ْال َخاسِ ِر َ‬ ‫ِين * َف َط َّو َع ْ‬ ‫الظالِم َ‬ ‫َج َزاء َّ‬
‫وخالصة القصة أنّ الطالح منهما علم بقبول هللا لعمل الصالح فحسده‪ ،‬ثم قتله‪.‬‬
‫ْن آدَ َم اَأْلوَّ ِل ِك ْف ٌل مِنْ دَ ِم َها؛‬ ‫ان َعلَى اب ِ‬ ‫وقد‪ $‬قال رسول هللا‪  ‬صلى هللا عليه وسلم‪«:  ‬اَل ُت ْق َت ُل َن ْفسٌ ُ‬
‫ظ ْلمًا ِإاَّل َك َ‬
‫ك َأِل َّن ُه َأ َّو ُل َمنْ َسنَّ ْال َق ْت َل» ([‪.)]1‬‬ ‫َو َذلِ َ‬
‫‪ ‬‬
‫تحريم‪ $‬قتل النفس بغير حق ‪:‬‬
‫ون{ [األنعام‪. ]151:‬‬ ‫س الَّتِي َحرَّ َم هّللا ُ ِإالَّ ِب ْال َح ِّق َذلِ ُك ْم َوصَّا ُك ْم ِب ِه لَ َعلَّ ُك ْم َتعْ قِلُ َ‬ ‫قال تعالى‪َ } :‬والَ َت ْق ُتلُو ْا ال َّن ْف َ‬
‫الح ِّق َو َمن قُ ِت َل َم ْظلُومًا َف َق ْد َج َع ْل َنا ل َِولِ ِّي ِه س ُْل َطا ًنا َفالَ يُسْ ِرف ِّفي‬ ‫س الَّتِي َحرَّ َم هّللا ُ ِإالَّ ِب َ‬ ‫وقال‪َ } :‬والَ َت ْق ُتلُو ْا ال َّن ْف َ‬
‫ان َم ْنصُورً ا{ [اإلسراء ‪. ]33:‬‬ ‫ْال َق ْت ِل ِإ َّن ُه َك َ‬
‫وعن أبي َب ْك َر َة‪  ‬رضي هللا عنه‪  ‬أنه قال‪ :‬قال رسول هللا‪  ‬صلى هللا عليه وسلم‪َ«:  ‬أيُّ َي ْو ٍم َه َذا»؟ َف َس َك ْت َنا‬
‫ْس َي ْو َم ال َّنحْ ِر»؟ قُ ْل َنا‪َ :‬بلَى‪َ .‬قا َل‪َ « :‬فَأيُّ َشه ٍْر َه َذا»؟ َف َس َك ْت َنا‪$‬‬ ‫َح َّتى َظ َن َّنا َأ َّن ُه َس ُي َسمِّي ِه سِ َوى اسْ ِم ِه ‪َ .‬قا َل‪َ« :‬ألَي َ‬
‫ْس ِبذِي ْالحِجَّ ةِ»؟ قُ ْل َنا‪َ :‬بلَى‪َ .‬قا َل‪َ « :‬فِإنَّ ِد َما َء ُك ْم‪َ ،‬وَأم َْوالَ ُك ْم‪،‬‬ ‫َح َّتى َظ َن َّنا َأ َّن ُه َس ُي َسمِّي ِه ِب َغي ِْر اسْ ِمهِ‪َ .‬ف َقا َل‪َ« :‬ألَي َ‬
‫اض ُك ْم‪َ ،‬ب ْي َن ُك ْم َح َرا ٌم‪َ ،‬كحُرْ َم ِة َي ْو ِم ُك ْم َه َذا‪ ،‬فِي َشه ِْر ُك ْم َه َذا‪ ،‬فِي َبلَ ِد ُك ْم َه َذا» ([‪. )]2‬‬ ‫َوَأعْ َر َ‬
‫و َعنْ َع ْب ِد هَّللا ِ بن مسعود‪  $‬رضي هللا عنه‪َ  ‬قا َل‪َ :‬قا َل َرسُو ُل هَّللا ِ‪  ‬صلى هللا عليه وسلم ‪« :‬اَل َي ِح ُّل دَ ُم ام ِْرٍئ‬
‫ار ُق مِنْ‬ ‫الزانِي‪َ ،‬و ْال َم ِ‬‫الثيِّبُ َّ‬ ‫س‪َ ،‬و َّ‬ ‫مُسْ ل ٍِم َي ْش َه ُد َأنْ اَل ِإلَ َه ِإاَّل هَّللا ُ َوَأ ِّني َرسُو ُل هَّللا ِ ِإاَّل بِِإحْ دَى َثاَل ثٍ‪ :‬ال َّن ْفسُ ِبال َّن ْف ِ‬
‫اعةِ» ([‪.)]3‬‬ ‫ك ل ِْل َج َم َ‬ ‫ار ُ‬‫ين ال َّت ِ‬ ‫ال ِّد ِ‬
‫ْت َرسُو َ‪$‬ل هَّللا ِ‪  ‬صلى هللا عليه‬ ‫ومما يستدل به على تحريم‪ $‬ذلك حديثا ابن عمر رضي‪ $‬هللا عنهما قال‪َ :‬رَأي ُ‬
‫يحكِ ! َما َأعْ َظمَكِ َوَأعْ َظ َم حُرْ َم َتكِ ! َوالَّذِي َن ْفسُ م َُح َّم ٍد ِب َي ِد ِه‬ ‫ب ِر َ‬ ‫وف ِب ْال َكعْ َب ِة َو َيقُولُ‪َ « :‬ما َأ ْط َيبَكِ َوَأ ْط َي َ‬ ‫ط ُ‪$‬‬ ‫وسلم‪َ  ‬ي ُ‬
‫ظنَّ ِب ِه ِإاَّل َخيْرً ا» ([‪.)]4‬‬ ‫ِن َأعْ َظ ُم عِ ْن َد هَّللا ِ حُرْ َم ًة ِم ْنكِ ؛ َمالِهِ‪َ ،‬و َد ِمهِ‪َ ،‬وَأنْ َن ُ‬ ‫لَحُرْ َم ُة ْالمُْؤ م ِ‬
‫اس َح َّتى َي ْش َه ُدوا‪َ $‬أنْ اَل ِإلَ َه ِإاَّل هَّللا ُ‪َ ،‬وَأنَّ‬ ‫ت َأنْ ُأ َقا ِت َل ال َّن َ‬‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َقا َل‪ُ« :‬أمِرْ ُ‬ ‫والثاني‪َ $:‬أنَّ َرسُو َل هَّللا ِ َ‬
‫مْوالَ ُه ْ‪$‬م ِإاَّل ِب َح ِّق‬ ‫صمُوا ِم ِّني ِد َما َء ُه ْم َوَأ َ‬ ‫الز َكا َة‪َ ،‬فِإ َذا َف َعلُوا َذل َِك َع َ‬ ‫صاَل َة‪َ ،‬ويُْؤ ُتوا َّ‬ ‫م َُحم ًَّدا َرسُو ُل هَّللا ِ‪َ ،‬و ُيقِيمُوا ال َّ‬
‫اِإْلسْ اَل ِم َوح َِسا ُب ُه ْ‪$‬م َعلَى هَّللا ِ» ([‪.)]5‬‬
‫وعن البراء بن عازب رضي هللا عنه أن رسول‪ $‬هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪« :‬لزوال الدنيا أهون على هللا‬
‫من قتل مؤمن بغير حق» ([‪.)]6‬‬
‫وعن عبيد هللا بن عدي بن الخيار‪  ‬رضي هللا عنه‪  ‬أنه قال‪ :‬بينما رسول‪ $‬هللا‪  ‬صلى هللا عليه وسلم‪  ‬جالس‬
‫بين ظهراني‪ $‬الناس‪ ،‬إذ جاءه رجل فساره‪ ،‬فلم يدر ما ساره به‪ ،‬حتى جهر رسول هللا‪  ‬صلى هللا عليه وسلم ‪،‬‬
‫فإذا هو يستأذنه في قتل رجل من المنافقين‪ ،‬فقال رسول هللا‪  ‬صلى هللا عليه وسلم‪  ‬حين جهر‪« :‬أليس يشهد‬
‫أن ال إله إال هللا وأن محمدا رسول هللا»؟ فقال الرجل‪ :‬بلى‪ ،‬وال شهادة له‪ .‬فقال‪« :‬أليس يصلي»؟ قال‪ :‬بلى‪،‬‬
‫وال صالة له‪ .‬فقال‪  ‬صلى هللا عليه وسلم ‪« :‬أولئك الذين نهاني هللا عنهم» ([‪.)]7‬‬
‫"قال ابن العربي رحمه هللا‪ :‬ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق والوعيد في ذلك‪ ،‬فكيف‪ $‬بقتل اآلدمي‪،‬‬
‫فكيف‪ $‬بالتقي الصالح" ([‪.)]8‬‬
‫‪ ‬‬
‫الترهيب من جريمة القتل ‪:‬‬
‫ورد ذلك في نصوص كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ض َف َكَأ َّن َما‬ ‫س َأ ْو َف َسا ٍد فِي اَألرْ ِ‬ ‫قول هللا تعالى‪} :‬مِنْ َأجْ ِل َذل َِك َك َت ْب َنا َعلَى َبنِي ِإسْ َراِئي َل َأ َّن ُه َمن َق َت َل َن ْفسً ا ِب َغي ِْر َن ْف ٍ‬
‫اس َج ِميعً ا{ [المائدة‪. ]32 :‬‬ ‫اس َجمِيعًا َو َمنْ َأحْ َيا َها َف َكَأ َّن َما َأحْ َيا ال َّن َ‬ ‫َق َت َل ال َّن َ‬
‫والمعنى‪ $:‬من حرم قتلها واعتقد ذلك‪ ،‬فقد سلم الناس كلهم منه بهذا االعتبار‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫والقاتل متوعد بعدم دخول الجنة‪ ،‬وبالنار‪$:‬‬
‫ون َو َمن‬ ‫س الَّتِي َحرَّ َم هَّللا ُ ِإاَّل ِب ْال َح ِّق َواَل َي ْز ُن َ‬ ‫آخ َر َواَل َي ْق ُتلُ َ‬
‫ون ال َّن ْف َ‬ ‫ُون َم َع هَّللا ِ ِإلَهًا َ‬
‫ِين اَل َي ْدع َ‬ ‫}والَّذ َ‬ ‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫ف لَ ُه ْال َع َذابُ َي ْو َم ْالقِ َيا َم ِة َو َي ْخلُ ْد فِي ِه ُم َها ًنا{ [الفرقان ‪. ]69-68 :‬‬ ‫ُضا َع ْ‬ ‫َي ْف َع ْل َذل َِك َي ْل َق َأ َثامًا * ي َ‬
‫ب هّللا ُ َعلَ ْي ِه َولَ َع َن ُه َوَأ َع َّد لَ ُه َع َذابًا‬ ‫وقال‪َ } :‬و َمن َي ْق ُت ْل مُْؤ ِم ًنا ُّم َت َع ِّم ًدا َف َج َزآُؤ هُ َج َه َّن ُم َخالِ ًدا فِي َها َو َغضِ َ‬
‫عَظِ يمًا{ [النساء ‪.]93:‬‬
‫وكفى بها زاجراً‪.‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي هللا عنهما‪ ،‬عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ $‬قال‪« :‬لو أنَّ‬
‫أهل السماء وأهل األرض اشتركوا‪ $‬في دم مؤمن ألكبهم هللا في النار» ([‪.)]9‬‬
‫وعن أبي سعيد رضي هللا عنه‪ ،‬عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪« :‬يخرج عنق من النار يتكلم يقول‪:‬‬
‫وكلت اليوم بثالثة‪ :‬بكل جبار عنيد‪ ،‬ومن جعل مع هللا إلها آخر‪ ،‬ومن قتل نفسا بغير حق‪ .‬فينطوي عليهم‬
‫فيقذفهم‪ $‬في حمراء جهنم» ([‪.)]10‬‬
‫وإذا كان النبي‪  ‬صلى هللا عليه وسلم‪  ‬قد قال‪« :‬من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة‪ ،‬وإن ريحها يوجد من‬
‫مسيرة أربعين عاما» ([‪ )]11‬فكيف بالمسلم!! ومن لم يدخل الجنة كانت النار مأواه‪.‬‬
‫عن جندب بن عبد هللا‪  ‬رضي هللا عنه‪  ‬قال‪ :‬قال رسول هللا‪  ‬صلى هللا عليه وسلم ‪ « :‬من استطاع منكم أن‬
‫ال يحول بينه وبين الجنة ملء كف من دم امرئ مسلم يقول‪ :‬ال إله إال هللا يهريقه‪ ،‬كأنما يذبح دجاجة‪ ،‬كلما‬
‫تعرَّ ض لباب من أبواب الجنة حال بينه وبينه»([‪.)]12‬‬
‫‪ ‬‬
‫وانظر‪ $‬إلى هذا التغليظ النبوي‪:‬‬
‫عن أبي الدرداء رضي‪ $‬هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪« :‬كل ذنب عسى هللا أن‬
‫يغفره‪ ،‬إال الرجل يموت مشركا أو يقتل مؤمنا‪ $‬متعمدا» ([‪. )]13‬‬
‫ولهذا قال في الحديث اآلخر‪« :‬من لقي هللا ال يشرك به شيئا‪ ،‬لم يتند بدم حرام دخل الجنة»([‪ ،)]14‬ومعناه‬
‫اإلصابة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ومع أنّ الوالد ال يقاد بولده‪ ،‬ولكن لننظر فيما قاله هللا في شأنه‪..‬‬
‫ِين َق َتلُو ْا َأ ْوالَ َد ُه ْم َس َفهًا ِب َغي ِْر عِ ْل ٍم{ [األنعام ‪. ]140:‬‬ ‫قال تعالى‪َ } :‬ق ْد َخسِ َر الَّذ َ‬
‫ان خطًأ َك ِبيرً ا { [اإلسراء ‪. ]31:‬‬ ‫وقال‪َ } :‬والَ َت ْق ُتلُو ْا َأ ْوال َد ُك ْم َخ ْش َي َة ِإم ٍ‬
‫ْالق َّنحْ نُ َنرْ ُزقُ ُه ْ‪$‬م َوِإيَّا ُكم إنَّ َق ْتلَ ُه ْ‪$‬م َك َ‬
‫فكيف‪ $‬بغير الوالد؟!‬
‫وثبت عن ابن مسعود رضي هللا عنه أنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪« :‬أول ما يقضى بين‬
‫الناس يوم القيامة في الدماء» ([‪.)]15‬‬
‫‪ ‬‬
‫فماذا يكون بين القاتل والمقتول في اآلخرة؟‬
‫قال ابن عباس رضي‪ $‬هللا عنهما‪ :‬سمعت نبيكم صلى هللا عليه وسلم يقول‪َ « :‬ي ِجي ُء ْال َم ْق ُتو ُل ِب ْال َقات ِِل َي ْو َم‬
‫ْأ‬
‫ش» َف َذ َكرُوا‬ ‫ْالقِ َيا َمةِ‪َ ،‬ناصِ َي ُت ُه َو َر ُس ُه ِب َي ِدهِ‪َ ،‬وَأ ْودَا ُج ُه َت ْش َخبُ َدمًا‪َ ،‬يقُولُ‪َ :‬يا َربِّ َه َذا َق َتلَنِي‪َ ،‬ح َّتى ي ُْد ِن َي ُه مِنْ ْال َعرْ ِ‬
‫ت َه ِذ ِه اآْل َي ُة َواَل‬ ‫}و َمنْ َي ْق ُت ْل مُْؤ ِم ًنا ُم َت َع ِّم ًدا َف َج َزاُؤ هُ َج َه َّن ُم‪َ ،{...‬قا َل‪َ :‬ما ُنسِ َخ ْ‬ ‫َّاس ال َّت ْو َب َة‪َ ،‬ف َتاَل َه ِذ ِه اآْل َي َة‪َ :‬‬
‫ْن َعب ٍ‬ ‫اِل ب ِ‬
‫ت‪َ ،‬وَأ َّنى لَ ُه ال َّت ْو َب ُة ([‪ )]16‬؟‬ ‫ُب ِّدلَ ْ‬
‫وفي‪ $‬رواية‪« :‬فيقول هللا للقاتل‪ :‬تعست ‪ ،‬ويذهب به إلى النار» ([‪.)]17‬‬
‫‪ ‬‬
‫والقتل كفر أصغر‪ ،‬وقد‪ $‬قد يفضي إلى الكفر األكبر والعياذ‪ $‬باهلل‪:‬‬
‫فقد قال النبي‪  ‬صلى هللا عليه وسلم‪  ‬ألصحابه في حجة الوداع‪« :‬ال ترجعوا‪ $‬بعدي كفارا يضرب بعضكم‬
‫رقاب بعض» ([‪.)]18‬‬
‫وعن ابن عمر رضي هللا عنهما قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ « :‬لَنْ َي َزا َل ْالمُْؤ مِنُ فِي فُسْ َح ٍة مِنْ‬
‫دِي ِن ِه َما لَ ْم يُصِ بْ َدمًا َح َرامًا» ([‪.)]19‬‬
‫أي‪ :‬من أصاب دما ً حراما ً فإنه يوشك أن يزيغ فيموت‪ $‬على الكفر‪.‬‬
‫‪ ‬وقال ابن عمر رضي هللا عنهما‪" :‬إن من ورطات األمور‪ $‬التي ال مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم‬
‫الحرام بغير حله" ([‪. )]20‬‬
‫اب دَ مًا َح َرامًا‬ ‫ص َ‬ ‫صالِحً ا َما لَ ْم يُصِ بْ دَ مًا َح َرامًا‪َ ،‬فِإ َذا َأ َ‬ ‫وقال‪  ‬صلى هللا عليه وسلم ‪« :‬اَل َي َزا ُل ْالمُْؤ مِنُ مُعْ ِن ًقا َ‬
‫َبلَّ َح» ([‪.)]21‬‬
‫ومعنقاً‪ :‬يسير سيراً سريعا ً إلى ربه‪ ،‬وبلَّح‪ :‬انقطع سيره‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وأحب الذنوب إلى إبليس‪ :‬القتل‪:‬‬
‫فعن أبي موسى رضي هللا عنه‪ ،‬عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪« :‬إذا أصبح إبليس بث جنوده‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫من أخذل اليوم مسلما ألبسته التاج ‪ ...‬ويجيء هذا فيقول لم أزل به حتى قتل‪ ،‬فيقول‪ :‬أنت أنت ويلبسه‬
‫التاج» ([‪.)]22‬‬
‫‪ ‬‬
‫ويزداد‪ $‬البالء سوء‪ ،‬ويتفاقم األمر‪ ،‬ويستفحل الخطب ‪..‬‬
‫‪ ‬إذا قتل القاتل ورأى أنه على هدىً ؛ كحال من يكفر الناس‪ ،‬ويستبيح دماءهم‪..‬‬
‫فعن عبادة بن الصامت رضي‪ $‬هللا عنه‪ ،‬عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪« :‬من قتل مؤمنا فاغتبط‬
‫بقتله لم يقبل هللا منه صرفا وال عدال» ([‪. )]23‬‬
‫أي‪ :‬يرى أحدهم أنه على هدى فال يستغفر هللا!!‬
‫‪ ‬‬
‫وأذ ِّكر‪ $‬بقصتين مؤلمتين في الترهيب من هذه الجريرة‪:‬‬
‫صبَّحْ َنا‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ِإلَى ْالح َُر َقةِ‪َ ،‬ف َ‬ ‫األولى‪ :‬عن ُأ َسا َم َة بْن َز ْي ٍد َرضِ َي هَّللا ُ َع ْن ُه َما قال‪َ :‬ب َع َث َنا َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬
‫ار َر ُجاًل ِم ْن ُه ْم‪َ ،‬فلَمَّا َغشِ ي َناهُ َقا َل‪ :‬اَل ِإلَ َه ِإاَّل هَّللا ُ‪َ ،‬ف َكفَّ‬ ‫ص ِ‪$‬‬ ‫ت َأ َنا َو َر ُج ٌل مِنْ اَأْل ْن َ‬ ‫ْال َق ْو َم َف َه َز ْم َنا ُه ْم‪َ ،‬ولَ ِح ْق ُ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َف َقا َل‪َ « :‬يا ُأ َسا َم ُة‪َ ،‬أ َق َت ْل َت ُه َبعْ َد‬ ‫اريُّ ‪َ ،‬ف َط َع ْن ُت ُه ِب ُر ْم ِحي‪َ $‬ح َّتى َق َت ْل ُتهُ‪َ ،‬فلَمَّا َقدِمْ َنا َبلَ َغ ال َّن ِبيَّ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫اَأْل ْن َ‬
‫ك ْال َي ْو ِم ([‬ ‫ت َق ْب َل َذلِ َ‬ ‫ْت َأ ِّني لَ ْم َأ ُكنْ َأسْ لَمْ ُ‬ ‫ان ُم َت َعوِّ ًذا‪َ .‬ف َما َزا َل ُي َكرِّ ُر َها‪َ $‬ح َّتى َت َم َّني ُ‬ ‫ت‪َ :‬ك َ‬ ‫َما َقا َل‪ :‬اَل ِإلَ َه ِإاَّل هَّللا ُ»؟ قُ ْل ُ‬
‫‪.)]24‬‬
‫وأما الثانية‪:‬‬
‫ث َج ْي ًشا مِنْ‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َو َق ْد َب َع َ‬ ‫ت َرسُو َل هَّللا ِ َ‬ ‫فعن عمران بن حصين‪  ‬رضي هللا عنه ‪ ،‬قال‪َ :‬ش ِه ْد ُ‬
‫ِين‪َ ،‬فلَمَّا لَقُو ُه ْم َقا َتلُو ُه ْم قِ َتااًل َشدِي ًدا‪َ ،‬ف َم َنحُو ُه ْم َأ ْك َتا َف ُه ْم‪َ $،‬ف َح َم َل َر ُج ٌل مِنْ لُحْ َمتِي َعلَى‬ ‫ِين ِإلَى ْال ُم ْش ِرك َ‬ ‫ْالمُسْ لِم َ‬
‫ِين ِبالرُّ مْ ِح‪َ ،‬فلَمَّا َغشِ َي ُه َقا َل‪َ :‬أ ْش َه ُد َأنْ اَل ِإلَ َه ِإاَّل هَّللا ُ ِإ ِّني مُسْ لِ ٌم‪َ ،‬ف َط َع َن ُه َف َق َتلَهُ‪َ ،‬فَأ َتى َرسُو َل هَّللا ِ‬ ‫َرج ٍُل مِنْ ْال ُم ْش ِرك َ‬
‫ص َن َع‪َ ،‬ف َقا َل لَ ُه‬ ‫ت»؟ َفَأ ْخ َب َرهُ ِبالَّذِي َ‬ ‫ص َنعْ َ‬ ‫«و َما الَّذِي َ‬ ‫ت‪َ .‬قا َل‪َ :‬‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َف َقا َل‪َ :‬يا َرسُو َل هَّللا ِ َهلَ ْك ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫هَّللا‬
‫ت َما فِي َقل ِبهِ»؟ َقا َل‪َ :‬يا َرسُو َل ِ لَ ْو َش َق ْق ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ت َعنْ َبط ِن ِه َف َعلِ ْم َ‬ ‫اَّل‬ ‫َّ‬
‫صلى ُ َعلَ ْي ِه َو َسل َم‪َ « :‬ف َه َش َق ْق َ‬ ‫هَّللا‬ ‫َّ‬ ‫هَّللا‬
‫َرسُو ُل ِ َ‬
‫ت َع ْن ُه َرسُو ُ‪$‬ل‬ ‫ت َتعْ لَ ُم َما فِي َق ْل ِبهِ»! َف َس َك َ‬ ‫ت َما َت َكلَّ َم ِبهِ‪َ ،‬واَل َأ ْن َ‬ ‫ت َق ِب ْل َ‬ ‫ت َأعْ لَ ُم َما فِي َق ْل ِبهِ‪َ .‬قا َل‪َ « :‬فاَل َأ ْن َ‬ ‫َب ْط َن ُه لَ ُك ْن ُ‬
‫ض‪َ .‬ف َقالُوا‪ :‬لَ َع َّل َع ُد ًّوا‬ ‫ات‪َ ،‬ف َد َف َّناهُ‪َ ،‬فَأصْ َب َح َعلَى َظه ِْر اَأْلرْ ِ‬ ‫ث ِإاَّل يَسِ يرً ا َح َّتى َم َ‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪َ ،‬فلَ ْم َي ْل َب ْ‬ ‫هَّللا ِ َ‬
‫ان َن َعسُوا‪َ ،‬فدَ َف َّناهُ ُث َّم‬ ‫ض‪َ .‬فقُ ْل َنا‪ :‬لَ َع َّل ْالغ ِْل َم َ‬ ‫َن َب َشهُ‪َ ،‬ف َد َف َّناهُ‪ُ ،‬ث َّم َأ َمرْ َنا غِ ْل َما َن َنا َيحْ ُرسُو َنهُ‪َ ،‬فَأصْ َب َح َعلَى َظه ِْر اَأْلرْ ِ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه‬ ‫ك ال ِّش َعابِ‪َ .‬فُأ ْخ ِب َر ال َّن ِبيُّ َ‬ ‫ض ت ِْل َ‬ ‫ض‪َ .‬فَأ ْل َق ْي َناهُ فِي َبعْ ِ‬ ‫َح َرسْ َناهُ ِبَأ ْنفُسِ َنا‪َ ،‬فَأصْ َب َح َعلَى َظه ِْر اَأْلرْ ِ‬
‫َو َسلَّ َم فقال‪ِ« :‬إنَّ اَأْلرْ َ‬
‫ض لَ َت ْق َب ُل َمنْ ه َُو َشرٌّ ِم ْنهُ‪َ ،‬ولَكِنَّ هَّللا َ َأ َحبَّ َأنْ ي ُِر َي ُك ْم َتعْ ظِ ي َم حُرْ َم ِة اَل ِإلَ َه ِإاَّل هَّللا ُ» ([‬
‫‪.)]25‬‬
‫فما أعظمها من كبيرة!!‬
‫ولهذا كله لم يرض الخليفة الراشد‪ ،‬المبشر بجنة هللا‪ ،‬الذي أغلق بابه على ابنتي نبي‪ ،‬الذي تستحي‪ $‬منه‬
‫المالئكة‪ ،‬لم يرض أن يقتل أحد بسببه‪ ،‬ولو فعلوا ُأل ِج َر وُأجروا‪ ،‬ولكنه أبى ذلك حقنا للدماء‪ ،‬فعن عن أبي‬
‫هريرة قال ‪ :‬كنت محصورا‪ $‬في الدار مع عثمان‪ ،‬فرموا رجال منا فقتلوه‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا أمير المؤمنين طاب‬
‫الضِّراب‪ ،‬قتلوا منا رجال؟ فقال ‪ :‬عزمت عليك يا أبا هريرة لما رميت بسيفك‪ ،‬فإنما تراد نفسي‪ ،‬وسأقي‬
‫المسلمين بنفسي‪ .‬قال أبو هريرة ‪ :‬فرميت بسيفي فما أدري أين هو حتى الساعة ([‪.)]26‬‬
‫‪ ‬‬
‫وقد‪ $‬سد النبي‪  ‬صلى هللا عليه وسلم‪  ‬كل ذريعة تفضي إلى إراقة الدماء‪..‬‬
‫فعن أبي هريرة‪  ‬رضي هللا عنه ‪ ،‬قال‪ :‬قال أبو القاسم‪  ‬صلى هللا عليه وسلم ‪« :‬من أشار إلى أخيه بحديدة‬
‫فإن المالئكة تلعنه وإن كان أخاه ألبيه وأمه» ([‪.)]27‬‬
‫وعنه‪  ‬رضي هللا عنه ‪ ،‬عن النبي‪  ‬صلى هللا عليه وسلم‪  ‬قال‪« :‬ال يشي ُر أحدكم على أخيه بالسالح؛ فإنه ال‬
‫نزع في يده‪ ،‬فيق ُع في حفرة من النار»([‪.)]28‬‬ ‫يدري لعل الشيطان َي ِ‬
‫ونهى‪  ‬صلى هللا عليه وسلم‪  ‬عن ترويع‪ $‬المسلم‪ ،‬وحرم الحسد‪ ،‬والبيع على بيع المسلم‪ ،‬والخطبة على‬
‫خطبته‪ ،‬وكل ما يفضي إلى الخصومة فهو محرم علينا؛ حسما ً لمادة النزاع الذي قد يفضي إلى إراقة الدماء‪.‬‬
‫اللهم سلمنا وسلم‪ $‬الناس منا‪..‬‬
‫‪ ‬اللهم صل وسلم وبارك‪ $‬على نبيك محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬

‫‪------------------------------‬‬
‫[‪ / ]1‬البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫[‪ / ]2‬البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫[‪ / ]3‬البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫[‪ / ]4‬رواه ابن ماجة‪.‬‬
‫[‪ / ]5‬البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫[‪ / ]6‬رواه ابن ماجه بإسناد حسن ورواه البيهقي واألصبهاني‪$‬‬
‫[‪ / ]7‬رواه مالك والشافعي‪ $‬وأحمد‪.‬‬
‫[‪ / ]8‬فتح الباري (‪)12/196‬‬
‫[‪ / ]9‬الترمذي‬
‫[‪ / ]10‬أحمد‬
‫[‪ / ]11‬رواه البخاري‬
‫[‪ / ]12‬رواه الطبراني في األوسط‬
‫[‪ / ]13‬رواه أبو داود وابن حبان‪.‬‬
‫[‪ / ]14‬رواه أحمد وابن ماجة‬
‫[‪ / ]15‬رواه البخاري ومسلم‬
‫[‪ / ]16‬رواه الترمذي‪.‬‬
‫[‪ / ]17‬المعجم األوسط‪ $‬للطبراني‪.‬‬
‫[‪ / ]18‬البخاري‪ $‬ومسلم‪.‬‬
‫[‪ / ]19‬البخاري‪$.‬‬
‫[‪ / ]20‬البخاري‪$.‬‬
‫[‪ / ]21‬سنن أبي داود‪.‬‬
‫[‪ / ]22‬رواه ابن حبان في صحيحه‬
‫[‪ / ]23‬رواه أبو داود‪.‬‬
‫[‪ / ]24‬البخاري‪ $‬ومسلم ‪.‬‬
‫[‪ / ]25‬ابن ماجة‬
‫[‪ / ]26‬رواه سعيد بن منصور في السنن‪ ،‬ونعيم‪ $‬بن حماد في الفتن‪ ،‬وابن سعد في الطبقات‪ ،‬والخطيب في‬
‫الكفاية‬
‫[‪ / ]27‬مسلم‪.‬‬
‫[‪ / ]28‬البخاري‪ $‬ومسلم‪.‬‬

You might also like