Professional Documents
Culture Documents
ب هَّللا ُ َعلَ ْي ِه ض َ قال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى َ (( :و َم ْن يَ ْقتُلْ ُمْؤ ِمنا ً ُمتَ َع ِّمداً فَ َجزَ اُؤ هُ َجهَنَّ ُم خَالِداً فِيهَا َو َغ ِ
أن يقتل أخاه بوجه من لمؤمن ْ
ٍ َولَ َعنَهُ َوَأ َع َّد لَهُ َع َذابا ً َع ِظيما ً )) [ النساء ( : ] 93 :يقول هللا تعالى :ليس
أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال (( :ال يح ُل الوجوه ،وكما ثبت في الصحيحين ( )3عن ابن مسعود َّ :
أن ال إله إال هللا وأني رسول هللا ،إال بإحدى ثالث :النفس بالنفس ،والثيب الزاني ، دم امرىء مسلم يشهد ْ
والتارك لدينه المفارق للجماعة )) ،ثم إذا وقع في شيء من هذه الثالث فليس ألحد من آحاد الرعية ْ
أن
يقتله ،وإنَّما ذلك إلى اإلمام أو نائبه )( . )4وقال ابن كثير في تفسير نفس اآلية ( :وهذا تهديد شديد ووعيد
أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم الذي هو مقرون بالشرك باهلل في غير ما آية في كتاب هللا ،حيث يقول هللا
س الَّتِي َح َّر َم هَّللا ُ ِإاَّلسبحانه في سورة [ الفرقان َ (( ] 68 :والَّ ِذينَ ال يَ ْد ُعونَ َم َع هَّللا ِ ِإلَها ً آخ ََر َوال يَ ْقتُلُونَ النَّ ْف َ
أن قال : ق )) اآلية ،وقال تعالى (( :قُلْ تَ َعالَوْ ا َأ ْت ُل َما َح َّر َم َربُّ ُك ْم َعلَ ْي ُك ْم َأالَّ تُ ْش ِر ُكوا بِ ِه َشيْئا ً )) إلى ْ بِ ْال َح ّ
ق َذلِ ُك ْم َوصَّا ُك ْم بِ ِه لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْعقِلُونَ )) [ األنعام ، ] 151 :واألحاديث س الَّتِي َح َّر َم هَّللا ُ ِإالَّ بِ ْال َح ِّ
(( َوال تَ ْقتُلُوا النَّ ْف َ
في تحريم القتل كثيرة جداً )) ( (( : )5وعن ابن عباس رضي هللا عنهما قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم (( :من جحد آية من القرآن ،فقد حل ضرب عنقه ،ومن قال :ال إله إالّ هللا وحده ال شريك له وأن
أن يصيب حداً فيقام عليه )) (.)6 محمداً عبده ورسوله ،فال سبيل ألحد إالّ ْ
وأن محمداً رسول هللا واستقبلوا قبلتنا أن ال إله إالّ هللا َّ وفي رواية عن أنس رضي هللا عنه (( :فإذا شهدوا ْ
ّمت علينا دماؤهم وأموالهم إالّ بحقها ،لهم ما للمسلمين وعليهم ما وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صالتنا فقد ُحر ْ
عليهم )) (.)7
أن يقف كثيراً عند قوله تعالى (( :فَهَلْ َع َس ْيتُ ْم ِإ ْن ت ََولَّ ْيتُ ْم َأ ْن تُ ْف ِسدُوا فِي اَألرْ ِ
ض َوتُقَطِّعُوا وعلى المسلم ْ
َأرْ َحا َم ُك ْم )) [ محمد . ] 22 :
فانظر أخي المسلم إلى عظمة كلمة ال إله إالّ هللا محمد رسول هللا ،والحصن واألمان الذي تضفيه على
صاحبها إالّ باستثناءات ُذ ْ
كرت آنفا ً .
ومما ال بد من علمه أخي المسلم أن هللا عز وجل لم يجعلْ عقوبةً بعد عقوب ِة الشرك باهلل أش َّد من عقوبة قتل
ب هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َولَ َعنَهُ َوَأ َع َّد المؤمن عمداً حيث يقول َ (( :و َم ْن يَ ْقتُلْ ُمْؤ ِمنا ً ُمتَ َع ِّمداً فَ َجزَ اُؤ هُ َجهَنَّ ُم خَالِداً فِيهَا َوغ ِ
َض َ
أن هذه اآلية َظيما ً )) [ النساء ، ] 93 :وقد اختلف السلف في هذه اآلية فذهب بعض الصحابة إلى َّ لَهُ َع َذابا ً ع ِ
محكمةٌ وأنها آخر ما نزل على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،وممن ذهب إلى ذلك اإلمام الحبر الصحابي
أن رجالً الجليل وترجمان القرآن عبد هللا بن عباس رضي هللا عنهما فعن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس َّ
أتاه فقال :أرأيتَ رجالً قتل رجالً متعمداً ؟ قال :جزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب هللا عليه ولعنه وأع ّد له
ُأ
بض رسو ُل هللا رسول هللا صلى هللا عليه لت في آخر ما نزل ،ما نسخها شي ٌء حتى قُ َ عذابا ً عظيما ً ،قال ِ :
نز ْ
رسول هللا
َ ُ
سمعت إن تاب وآمن وعمل صالحا ً ثم اهتدى ؟ قال :وأنى له التوبة ،وقد وسلم ،قال :أرأيتَ ْ
قتل رجالً متعمداً يجيء يو َم القيامة آخذاً قاتله بيمينه أو بيساره ُأ
صلى هللا عليه وسلم يقول (( :ثكل ْتهُ ُمه رج ٌل َ
وآخذاً رأسه بيمينه أو شماله تشخبُ أوداجه دما ً في قبل العرش يقول :يا رب َسلْ عبدك فيم قتلني ؟ ))(، )8
وفي الحديث الصحيح الذي يرويه النسائي في المجتبى ( )9عن معاوية رضي هللا عنه عن رسول هللا صلى
أن يغفره إالّ الرج ُل يقت ُل المؤمنَ متعمداً ب عسى هللاُ ْهللا عليه وسلم -قال :سمعته يخطب -يقول (( :كلُّ ذن ٍ
يموت كافراً )) فأيُّ خطر هذا ،وأي مهلكة يقدم عليها المرء ويجازف بها ،حياةٌ ال ممات فيها ُ أو الرجل
َضبٌ من هللا وعذابٌ عظيم وخزي في عين وال تُرف ُع به عقيرةٌ فخراً وزهواً ،وغ َ وخلو ٌد في مستقر ال تَقَرُّ به ٌ
الدنيا واآلخرة مع مكث ولبث طويلين ال يعلم أمدهما إالّ هللا جل في عاله نسأل هللا السالمة لنا ولمن اتعظ
ي صلى هللا عليه وسلم قد قرن بين قتل واتّبع .ثم تبصّرْ أخي المسلم الكريم الحديث جيداً لتنظر كيف َّ
أن النَّب َّ
المؤمن والشرك باهلل تعالى ،وجعلهما مشتركين في استبعاد الغفران .
ُقضى يوم القيامة بين العباد في الدماء ففي ذلك يقول الرسول صلى هللا عليه أن أول ما ي َ واعلم أخي المسلم َّ
الناس الدما ُء )) ( )10وما ذلك إال لعظم ِ وسلم (( :أو ُل ما يُحا َسبُ به العب ُد الصالةُ ،وأو ُل ما يُق َ
ضى بينَ
خطرها يوم القيامة فاستعد للموقف العظيم ،والسؤال الصعب الذي ما بعده إال جنة أو نار .وكل الذنوب
أن َس ْفكَ دماء المسلمين وهَ ْتكَ حرماتهم لَ ِم ْن يب َّ ُرجى معها العفو والصفح إالّ الشرك ،ومظالم العباد .وال َر َ ي َ
أعظم المظالم في حق العباد ،فعن عقبة بن عامر رضي هللا عنه ،قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم (( :ليس من عبد يلقَى هللاَ ال يشرك به شيئا ً ،ولم يتند بدم حرام إالّ دخل من أي أبواب الجنة شاء )) (
)11قوله :ولم يتند :أي لم يصب منه شيئا ً أو لم ينل منه شيئا ً ويقول الرسول األعظم في حديث رواه
بتغ في اإلسالم سنة البخاري في صحيحه ( (( : )12أبغض الناس إلى هللا ثالث ُ :م ْل ِح ٌد في ال َح َرم ،و ُم ٍ
بي صلى هللا عليه الجاهلية ،ومطلب دم امرىء بغير حق ليهريق دمه )) .وعن جندب رضي هللا عنه عن النَّ ِّ
وسلم قال (( :من َس ّم َع َس ّم َع هللاُ به يوم القيامة ،قال :ومن يشاقق يشقق هللا عليه يوم القيامة ،فقالوا :
أن ال يأكل إالّ طيبا ً فليفعل ،ومن استطاع ْ
أن إن أول ما ينتن من اإلنسان بطنه فمن استطا َع ْ أوصنا .فقال َّ :
من دم أهراقه فليفعل )) رواه البخاري ( .)13وعن عبادة بن الصامت ال يحال بينه وبين الجنة ملء كف ْ
بي صلى هللا عليه وسلم قال (( :من قتل مؤمنا ً فاغتبط( )14بقتله لم يقبل هللا منه صرفا ً رضي هللا عنه عن النَّ ِّ
وال عدالً )) (.)15
أن تُضيع على نفسك فرصة النجاة فعن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما عن النَّ ِّ
بي وإياك إياك أخي المسلم ْ
ُصبْ دما ً حراما ً )) ( )16أخي المسلم
صلى هللا عليه وسلم (( :ال يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم ي ِ
أن تف ّوت على نفسك فرصة النجاة العظيمة من النار ،وقد روى البخاري الكريم ،هل أنت على استعداد ْ
ومسلم( )17عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال (( :أال ال ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب
أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من ب عينيك َّبعض )) .ثم اجعل دائما ً أخي المسلم نُصْ َ
بعضهم على بعض ،وال تحل إال بإذن هللا ورسوله .
تذ ّكر أخي المسلم ما في الصحيحين ( )21من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي هللا عنه أن النبي صلى
هللا عليه وسلم قال (( :إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ،قلت :يا رسول هللا ،هذا
القاتل فما بال المقتول ،قال :إنه كان حريصا ً على قتل صاحبه )) .
ذهبت ألنصر هذا الرجل – يعني :علي بن ُ وفي الصحيحين ( )22أيضا ً من حديث األحنف بن قيس قال :
سمعت رسول هللا ُ أبي طالب – فلقيني أبو بكرة فقال :أين تريد ؟ قلت :أنصر هذا الرجل ،قال :ارجع فإني
صلى هللا عليه وسلم يقول (( :إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار … )) ثم ذكر بقية
خرجت بسالحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة ُ الحديث .وفي رواية أخرى للبخاري ( )23عن الحسن قال :
فقال :أين تريد ؟ قلت :أريد نصرة ابن عم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال :قال رسول هللا صلى هللا
عليه وسلم (( :إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار )) ،وفي رواية لمسلم ( (( : )24إذا
المسلمان حمل أحدهما على أخيه السالح فهما على جرف جهنم ،فإذا قتل أحدهما صاحبه دخال جميعا ً ))
وهذا كله إذا كان القتل غير مأذون به شرعا ً ،وقد قصّ هللا علينا في كتابه العظيم خبر أول حادثة قتل وقعت
في تاريخ البشرية حين قتل أحد ابني آدم أخاه قتله ظلما ً وبغيا ً وحسداً فقال تعالى َ (( :وا ْت ُل َعلَ ْي ِه ْم نَبََأ ا ْبن َْي آ َد َم
ال ِإنَّ َما يَتَقَبَّ ُل هَّللا ُ ِمنَ ْال ُمتَّقِينَ ))اآلخَر قَا َل َأل ْقتُلَنَّكَ قَ َ
ِ ق ِإ ْذ قَ َّربَا قُرْ بَانا ً فَتُقُب َِّل ِم ْن َأ َح ِد ِه َما َولَ ْم يُتَقَبَّلْ ِمنَ
بِ ْال َح ِّ
ك )) فقد تلطّف معه لعله ْ
أن [ المائدة ] 27 :ومع إن هذا القاتل قد ه ّدد أخاه بالقتل وأكد ذلك بقوله َ (( :أل ْقتُلَنَّ َ
يرجع عن عزمه ،وأخبره أيضا ً أنه لن يمد يده ليقتله مهما هدده ،بل إنه حتى ولو باشر عملية القتل فسيكف
ك َأل ْقتُلَ َ
ك ي ِإلَ ْي َ اس ٍط يَ ِد َ ك لِتَ ْقتُلَنِي َما َأنَا بِبَ ِي يَ َد َ طتَ ِإلَ َّيده أيضا ً خوفا ً من هللا رب العالمين ،فقال له (( :لَِئ ْن بَ َس ْ
ِإنِّي َأخَافُ هَّللا َ َربَّ ْال َعالَ ِمينَ )) [ المائدة ] 28 :ثم أخذ ينصح أخاه ويعظه لعله يرجع عما هَ َّم به ،ومع كل
هذا التلطف والنصح فلم ينفع ذلك أخاه ،ولم يثنه عن عزمه على قتل أخيه .وكذلك الظلم والحقد والبغي
ص ّراً على المعصية والحسد كل ذلك يعمي القلب عن الحق ،ويصم األذن عن سماع الحق ،فال يزال القلب ُم ِ
واإلثم والموبقة ،والشيطان يدفعه إلى تلك المعصية ،فالشيطان هو العدو األول لإلنسان فيدفعه إلى ذلك دفعا ً
َظلَ ُّم عليه الدنيا وتضيق ،ويه ِّون عليه األمر حتى إذا وقع فيها تخلى عنه الشيطان وتبرأ منه ،ثم بعد ذلك ت ْ
َت لَهُ نَ ْف ُسهُ قَ ْت َل َأ ِخي ِه فَقَتَلَهُ فََأصْ بَ َح ِمنَ ْالخَا ِس ِرينَ )) [ المائدة : ت ،قال تعالى (( :فَطَ َّوع ْ عليه األرضُ بما َر ُحبَ ْ
] 30ثم بعد ذلك ماذا حصل للقاتل ؟ ندم على ذلك الفعل الشنيع ،ولكن هل ينفع الندم على قتله ؟ ال ينفع الندم
ألن أخاه قد مات ،ولن يرجع إلى الحياة الفانية ،ثم ماذا يصنع هذا القاتل بعد جريمته تحيّر وبقي يحمله ؛ َّ
مدة طويلة .أو ُل قتيل ال يدري ماذا يصنع به هل يحمله ويضعه في الماء أم هل يضعه فوق الجبال ،أشكل
عليه األم ُر ،فاألمر معضلة ومشكلة ،ألنَّه أول حادثة قتل تحدث على األرض .فأظهر القاتل ندمه على
سوء فعلته وصنيعه فبعث هللا غرابا ً يبحث في األرض ليريه كيف يدفن أخاه حتى أراه هللا كيف يدفن الغراب
بي صلى هللا عليه وسلم أنه ما من نفس تُقتل ظلما ً منذ ذلك التاريخ وحتى آخر يوم من غرابا ً .وقد بيّن لنا النَّ ُّ
الدنيا إال كان لهذا القاتل كف ٌل منها ؛ ألنه أول من سن القتل ،وهذا شأن كل َمن َس ّن ضاللة أو دعا إلى ضاللة
أن ذكر قصة ابني آدم َّ
أن فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ،وقد بيّن هللا سبحانه في كتابه بعد ْ
وأن من قتل نفسا ً بغير نفس أو فساد في األرض فكأنما قتل الناس جميعا ً ،ومن أحياها جريمة القتل عظيمة َّ ،
ك َكتَ ْبنَا َعلَى بَنِي ِإسْرائي َل َأنَّهُ َم ْن قَت ََل نَ ْفسا ً بِ َغي ِْر نَ ْف ٍ
س فكأنما أحيا الناس جميعا ً يقول هللا تعالى ِ (( :م ْن َأجْ ِل َذلِ َ
اس َج ِميعا ً )) [ المائدة ] 32 :وهذا اس َج ِميعا ً َو َم ْن َأحْ يَاهَا فَ َكَأنَّ َما َأحْ يَا النَّ َ
ض فَ َكَأنَّ َما قَتَ َل النَّ َ
َأوْ فَ َسا ٍد فِي اَألرْ ِ
وإن كان ظاهره خاصا ً ببني إسرائيل إال إنه عام فينا وفيهم فقد سأل سليمانُ بنُ علي الحسنَ عن هذه الحكم ْ
اآلية فقال (( :قلت للحسن :هذه اآلية لنا يا أبا سعيد كما كانت لبني إسرائيل فقال :والذي ال إله غيره كما
كانت لبني إسرائيل وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على هللا من دماءنا )) (.)25
إن هللا تبارك وتعالى قد نهى عن قتل النفس بغير الحق في كتابه الكريم ،وأثنى عز أخي المسلم الكريم َّ ،
وجل على الذين يجتنبون هذه الجريمة العظيمة ،وقد تو ّعد سبحانه من يفعلها باللعنة والغضب والعذاب
ب هَّللا ُ العظيم والخلود في نار جهنم فقال تعالى َ (( :و َم ْن يَ ْقتُلْ ُمْؤ ِمنا ً ُمتَ َع ِّمداً فَ َجزَ اُؤ هُ َجهَنَّ ُم خَالِداً فِيهَا َوغ ِ
َض َ
َظيما ً )) [ النساء . ] 93 : َعلَ ْي ِه َولَ َعنَهُ َوَأ َع َّد لَهُ َع َذابا ً ع ِ
فاستحضر أخي المسلم هذا التهديد العظيم وهذا الوعيد الكبير فأيُّ تهدي ٍد بعد هذا وأيُّ وعيد بعد هذا الوعيد
أن تُصانَ ،وأن ي َ
ُغضب ألن المسلم له مكانة عند هللا تعالى .ودم المسلم هو أغلى الدماء التي يجب ْ كل ذلك ؛ َّ
إلراقتها .
أخي المسلم الكريم قد بيّن هللا سبحانه وتعالى حرمة المسلم ومكانته عند هللا تعالى فقد ص ّح عن النَّب ِّي صلى
هللا عليه وسلم أنه قال (( :والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند هللا من زوال الدنيا )) ( )26وفي رواية
مسلم )) (.)27
ٍ أخرى (( :لزوال الدنيا أهون على هللا من قتل رجل
وفي حديث آخر (( :لزوال الدنيا أهون عند هللا من قتل مؤمن بغير حق ))( )28فهذه مكانة المسلم عند هللا
تعالى فتدبّر أيها القاتل ماذا تصنع بفعلتك ؟ !!
فلزوال الدنيا كلها أهون من قتل رجل مؤمن بغير حق ،زوال الدنيا بأموالها ومزارعها ومصارفها
ومصانعها وتجاراتها وبناياتها ودولها وأحالفها ،وكل ما فيها أهون عند هللا من قتل مؤمن بغير حق .بل
أن عظمبي صلى هللا عليه وسلم عن كسر عظم الميت ،وأخبر َّ المسلم له حرمة حتى بعد موته فقد نهى النَّ ُّ
الميت إذا ُكسر فكأنما ُكسر وهو ح ٌّي ،فقد ص ّح عن السيدة عائشة رضي هللا عنها أنها قالت :قال رسول هللا
إن كسر عظم المؤمن ميتا ً مثل كسره حيا ً )) (.)29 صلى هللا عليه وسلم َّ (( :
حذر أمته أشد التحذير من هذه الجريمة فقال (( :سباب ي صلى هللا عليه وسلم قد ّ إن النَّب َّ
أخي المسلم الكريم َّ ،
ق وقتاله كفر ))( )30وقال (( :ال ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ))()31 المسلم فسو ٌ
أن هذه الجريمة من السبع الموبقات المهلكات فقد قال : وبيّن َّ
(( اجتنبوا السبع الموبقات :الشرك باهلل والسحر وقتل النفس التي حرم هللا إال بالحق وأكل الربا وأكل مال
اليتيم والتولي يوم الزحف ،وقذف المحصنات المؤمنات الغافالت ))( )32وقال أيضا ً (( :أكبر الكبائر :
اإلشراك باهلل وقتل النفس وعقوق الوالدين وقول الزور )) ( . )33وروى النسائي ( )34من حديث أبي أيوب
ي صلى هللا عليه وسلم قال (( :من جاء يعبد هللا وال يشرك به شيئا ً ،ويقيمأن النَّب َّاألنصاري رضي هللا عنه َّ
الصالة ،ويؤتي الزكاة ،ويصوم رمضان ،ويجتنب الكبائر كان له الجنة )) فسألوه عن الكبائر فقال :
(( اإلشراك باهلل وقتل النفس المسلمة والفرار يوم الزحف )) .
وروي عن النَّب ِّي صلى هللا عليه وسلم أنه قال (( :من قتل مؤمنا ً فاغتبط بقتله ( يعني سره ذلك وفرح به ) لن
يقبل هللا منه صرفا ً وال عدالً )) (.)35
وقاتل المسلم مهما ف َّر في هذه الدنيا ،فإنَّه لن يفلت يوم القيامة ،ولن يتركه المقتول يوم القيامة ،فقد ص َّح عن
بي صلى هللا عليه وسلم أنه قال (( :يجيء الرجل آخذاً بيد الرجل فيقول :يا رب هذا قتلني فيقول له :لما النَّ ِّ
إن هذاقتلته ؟ فيقول :لتكون العزة لك فيقول :فإنها لي ،ويجيء الرجل آخذاً بيد الرجل فيقول :يا رب َّ ،
قتلني فيقول هللا :لما قتلته ؟ فيقول :لتكون العزة لفالن فيقول هللا تعالى (( :إنها ليس لفالن فيبوء بإثمه )) ))
ي صلى هللا عليه وسلم قال (( :يجيء المقتول بقاتله يوم القيامة أن النَّب َّ
( )36وفي رواية للنسائي(َّ )37
فيقول َ :سلْ هذا فيم قتلني ؟ )) فهذا هو الحساب وهو أشد أنواع الحساب فهو ليس تحقيقا ً دنيويا ً يستطيع به
بعضهم أن يتخلص ببعض من يكون للخائنين ظهيراً .
ك فالن أو إمارة فالن ،فإنهم أن تقع في دم حرام فتقتل أحداً من أجل فالن أو ُم ْل ِفاحذر أخي المسلم كل الحذر ْ
لن ينفعوك شيئا ً عند هللا ،ولن يدفعوا عنك شيئا ً من عذاب هللا .وروى النسائي ( )38من حديث ابن عباس
رضي هللا عنهما قال :سمعت نبيكم صلى هللا عليه وسلم يقول (( :يجيء المقتول متعلقا ً بالقاتل تشخب
أوداجه دما ً فيقول :أي رب َسلْ هذا فيم قتلني ؟ )) وعند ابن ماجه ( )39والترمذي( )40عن ابن عباس
ي صلى هللا عليه وسلم قال :أن النَّب َّ
رضي هللا عنهما َّ
(( يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده ،وأوداجه تشخب دما ً فيقول :يا رب َسلْ هذا فيم
قتلني ؟ حتى يدنيه من العرش )) .
بل حتى نفسك التي بين جنبيك ال تملكها أنت وال يحل لك إزهاقها ؛ ولهذا جاء الوعيد الشديد فيمن يقتل نفسه
ي صلى هللا عليه وسلم قال : متعمداً ؛ ففي الصحيحين ( )41من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه َّ
أن النَّب َّ
(( من تَر َّدى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يَتر ّدى فيها خالداً ُمخلَّداً فيها أبداً ،ومن تَحسَّى سُما ً فقتل
قتل نف َسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ نفسه فَ ُس ُّمه في يده يتحسَّاهُ في نار جهنم خالداً ُمخلّداً فيها أبداً ،ومن َ
بها في نار جهنم خالداً ُمخلّداً فيها أبداً )) .وروى البخاري ( )42من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه َّ
أن
ي صلى هللا عليه وسلم قال (( :والذي يخنق نفسه يخنقها في النار ،والذي يطعن نفسه يطعن نفسه في النَّب َّ
النار ،والذي يقتحم يقتحم في النار )) .وفي الصحيحين ( )43من حديث ثابت بن الضحاك رضي هللا عنه
أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم (( :من حلف على ملة غير اإلسالم فهو كما قال ،وليس على ابن آدم نذر
ب به يوم القيامة ،ومن لعن مؤمنا ً فهو كقتله ،ومن قذف فيما ال يملك ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا ُع ِّذ َ
مؤمنا ً بكفر فهو كقتله )) .ولفظ جامع الترمذي(: )44
(( ليس على المرء نذر فيما ال يملك ،والَ ِعنُ المؤمن كقاتله ،ومن قذف مؤمنا ً بكفر فهو كقاتله ،ومن قتل
ب بما قتل به نفسه يوم القيامة )) . نفسه بشيء ُع ِّذ َ
بأن مسألة قتل النفس بغير حق من األمور الخطيرة التي تضيّق على من فتنبه أخي المسلم الكريم دائما ً َّ
أن يقع المسلم في هذه الجريمة تضيق عليه األرض وتضيق عليه نفسه لذا قال ارتكبها الدنيا بما فيها ،فمجرد ْ
صبْ نفسا ً حراما ً ))( )45وفي رواية بي صلى هللا عليه وسلم (( :لن يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يُ ِ النَّ ُّ
ي صلى هللا عليه وسلم قال (( :ال يزال المؤمن ُمعنقا ً أن النَّب َّ
ألبي داود ( )46عن أبي الدرداء رضي هللا عنه َّ
صبْ دما ً حراما ً … ))..وروى البخاري ( )47من ( والمعنق هو طويل العنق الذي له سوابق بالخير ) ما لم يُ ِ
حديث عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال َّ (( :
إن من ورطات األمور
التي ال مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حلة )) .
ونبينا األكرم صلى هللا عليه وسلم قد بيّن لنا فضل من خرج من الدنيا ولم يتلطخ بدم المسلم فقال (( :من لقي
هللا ال يشرك به شيئا ً لم يتند بدم حرام دخل الجنة ))( . )48فهنيئا ً لمن خرج من الدنيا ولم يتلطخ بدم مسلم ،
وهنيئا ً لمن خرج من الدنيا ولم يحمل مسلما ً على ظهره يأتي به يوم القيامة ،هنيئا ً لمن خرج من الدنيا وقد
سلم المسلمون من لسانه ويده ،هنيئا ً لمن فارق الدنيا ولم يقترف جريمة يسفك بها دم مسلم .
إن أول ما ينتن من اإلنسان بطنه ،فمن تذ ّكر أخي المسلم وصية النَّ ِّ
بي صلى هللا عليه وسلم ألصحابه َّ (( :
أن ال يحال بينه وبين الجنة بملء كف من دم أهراقه أن ال يأكل إال طيبا ً فليفعل ،ومن استطاع ْ
استطاع ْ
فليفعل )) (.)49
ي صلى هللا عليه وسلم كان يح ِّذر أمته من األمور التي تدعو اإلنسان إلى ْ
أن أن النَّب َّ
واعلم أخي المسلم الكريم َّ
أن يمر المسلم ،ومعه السهام ي صلى هللا عليه وسلم نهى ْ أن يجرح مسلما ً ،ومن ذلك َّ
أن النَّب َّ يقتل مسلما ً أو ْ
في أسواق المسلمين ،أو في مساجد المسلمين ،أو في أي مكان من أماكن تجمعهم ،إال أن يكون النصل
مغط ًى حتى ال يجرح به مسلما ً ،وهو ال يشعر .فقد ص َّح عنه صلى هللا عليه وسلم أنَّه قال (( :إذا َم َّر أحدكم
بمسجدنا أو في سوقنا ،ومعه نبل فليمسك عن نصالها بكفه ،ال يعقر مسلما ً ))( )50ومن تلك األمور التي
أن يقتله أو يجرحه ، حذر منها النبي صلى هللا عليه وسلم أنَّه نهى عن اإلشارة إلى المسلم بأي شيء يحتمل ْ ّ
بي صلى هللا عليه أن من فعل ذلك فأنَّه ربما نال اللعنة والوعيد الشديد ؛ لذلك قال النَّ ُّ نهى عن ذلك وأخبر ّ
وسلم (( :ال ي ُِشرْ أحدُكم على أخيه بالسالح ؛ فإنَّه ال يدري لعل الشيطان ينـزع يده فيقع في حفرة من النار ))
(.)51
وص ّح أنَّه صلى هللا عليه وسلم قال (( :من أشار إلى أخيه بحديدة َّ
فإن المالئكة تلعنه ْ ،
وإن كان أخاه ألبيه
أن يُتعاطَى السيف مسلوالً ( ،)53وكل هذا االحتراز لشدة وأمه ))( .)52وص ّح أنَّه صلى هللا عليه وسلم نهى ْ
أن يكون هناك خطأ فيقع السيف حرمة المسلم على المسلم ؛ فنهى النبي صلى هللا عليه وسلم عن ذلك خشية ْ
ويجرحك أو يؤذيك أو يقع على أخيك ،وإذا كان ذلك في األسلحة القديمة فهو في األسلحة الحديثة أشد
ألن الضرر أعظم ،والخطر أكبر ،والعلة تدور مع الحكم وجوداً وعدما ً .ومن األمور التي يستفاد تأكيداً ؛ َّ
حذر من الدخول في الفتن ،وما ذلك إال ي صلى هللا عليه وسلم ّ أن النَّب َّ
منها خطورة أمر دماء المسلمين ،هو َّ
ألن يكون هناك قاتل ومقتول ، ألن ال يقع المسلم في دماء المسلمين ؛ لخطورة األمر وشدته ،فالفتن مظنة ْ
حذر أمته من الفتنفالفتن إذا سعرت وابتدأت صعب على الناس إطفاؤها .فنبينا صلوات هللا وسالمه عليه قد ّ
،وبيّن أنَّها ستحدث وستكون في هذه األمة فقد ص ّح أنه صلى هللا عليه وسلم قال (( :ستكون فتن القاعد فيها
خير من القائم ،والقائم فيها خير من الماشي ،والماشي فيها خير من الساعي من تَشرّف لها تستشرفه ،ومن
أن المخلَص من الفتن ْ
أن بي صلى هللا عليه وسلم َّوجد فيها ملجئا ً أو معاذاً فليعذ به ))( )54هكذا بيّن لنا النَّ ُّ
يهرب منها المسلم قدر االستطاعة .
وأن يستعيذ باهلل تعالى منها -فقد كان أن يحذر من الدخول في الفتن ْ ،
إن المسلم ينبغي له ْ أخي المسلم الكريم َّ ،
أن يشارك فيها بقول أو فعل أو رأي أو بغير ذلك ؛ َّ
فإن الفتن إذا وأن يحذر ْ عمار بن ياسر يستعيذ من الفتن – ْ
صارت لم يسلم منها أحد إال َمن َر ِح َم هللاُ .
هذا وباهلل التوفيق وصلى هللا على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسلميا ً كثيراً .
.....................................................
( )1أخرجه :أبو داود ( ، ) 4502وابن ماجه ( ، ) 2533والترمذي ( ، ) 2158والنسائي 7/91وفي
الكبرى ،له ( ) 3482من حديث عثمان بن عفان رضي هللا عنه .
( )2أخرجه :النسائي 7/82وفي الكبرى ،له ( ) 3448من حديث عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما .
( )3أخرجه :البخاري ، ) 6878 ( 6 / 9ومسلم . ) 25 ( ) 1676 ( 106 / 5
( )4تفسير ابن كثير 514 :و. 515
( )5تفسير ابن كثير . 516 :
( )6أخرجه :ابن ماجه ( ، ) 2539وابن عدي في " الكامل " . 3/280
( )7أخرجه :البخاري . ) 393 ( 1/109
( )8أخرجه :الحميدي ( ، ) 488وأحمد ، 1/240وعبد بن حميد ( . ) 680
( 7/81 )9وفي " الكبرى " ،له ( . ) 3446
( )10أخرجه :البخاري ، ) 6864 ( 9/3ومسلم ) 1678 ( 5/107من حديث عبد هللا بن مسعود رضي هللا
عنه (( دون الشطر األول )) .
( )11أخرجه :أحمد ، 4/148وابن ماجه ( ، ) 2618والحاكم . 352 - 4/351
( ) 6882 ( 7 / 9 )12من حديث ابن عباس رضي هللا عنهما .
(. ) 7152 ( 80 / 9 )13
( )14هم الذين يقتلون في الفتنة ،فيقتل أحدهم فيرى أنه على هدا وال يستغفر هللا منه أبداً .مسند الشاميين
.2/266
( )15أخرجه :أبو داود عقب ( . ) 4270
( )16أخرجه :البخاري . ) 6862 ( 2 / 9
( )17أخرجه :البخاري ، ) 121 ( 1/41ومسلم ) 118 ( ) 65 ( 1/58من حديث جرير بن عبد هللا
رضي هللا عنه .
( )18أخرجه :نعيم بن حماد في الفتن ( . ) 489
( )19أخرجه :نعيم بن حماد في الفتن ( . ) 490
( )20أخرجه :الطبراني في الكبير ( . ) 319
( )21البخاري ، ) 31 ( 1/14ومسلم . ) 14 ( ) 2888 ( 8/169
( )22سبق ذكره .
(. ) 7083 ( 9/64 )23
(. ) 16 ( ) 2888 ( 8/170 )24
( )25أخرجه :الطبري في " تفسيره " ( ، ) 9211وما تقدم من كالم عن هذه القصة اقتباس من محاضرة
للشيخ فهد الحربي بعنوان القاتل والمقتول ،جزاه هللا خير الجزاء .
( )26سبق تخريجه .
( )27أخرجه :الترمذي ( ) 1395بهذا اللفظ من حديث عبد هللا بن عمرو بن العاص رضي هللا عنه .
( )28أخرجه :ابن ماجه ( ) 2619من حديث البراء بن عازب رضي هللا عنه .
( )29أخرجه :بهذا اللفظ ابن الجارود ( ) 551وأخرجه :أبو داود ( ، ) 3207وابن ماجه ( ) 1616بلفظ
(( :كسر عظم الميت ككسره حيا ً )) .
( )30أخرجه :البخاري ، ) 48 ( 1/19ومسلم ) 116 ( ) 64 ( 1/57من حديث عبد هللا بن مسعود رضي
هللا عنه.
( )31سبق تخريجه .
( )32أخرجه :البخاري ، ) 2766 ( 4/12ومسلم ) 89 ( 1/64من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه .
( )33أخرجه :البخاري ، ) 2654 ( 3/225ومسلم ) 143 ( ) 87 ( 1/64من حديث أبي بكرة رضي هللا
عنه .
( 7/88 )34وفي الكبرى ،له ( . ) 3472
( )35سبق تخريجه .
( )36أخرجه :النسائي 7/84وفي الكبرى ،له ( ) 3460من حديث عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه .
( 7/84 )37وفي الكبرى ،له ( ) 3461من حديث جندب رضي هللا عنه .
( 7/85 )38و ، 8/63وفي الكبرى ،له ( ) 3462و( . ) 7072
( )39سنن ابن ماجه ( . ) 2621
( )40الجامع الكبير ( . ) 3029
( )41أخرجه :البخاري ، ) 5778 ( 7/181ومسلم . ) 109 ( 1/72
(. ) 1365 ( 2/121 )42
( )43أخرجه :البخاري ، ) 6047 ( 8/18ومسلم . ) 176 ( ) 110 ( 1/73
( )44الجامع الكبير ( . ) 1527
( )45أخرجه :البخاري ) 6862 ( 9/2من حديث ابن عمر رضي هللا عنهما .
( )46سنن أبي داود ( . ) 4270
(. ) 6863 ( 9/2 )47
( )48أخرجه :ابن ماجه ( ) 2618من حديث عقبة بن عامر رضي هللا عنه .
( )49سبق تخريجه .
( )50أخرجه :البخاري ، ) 452 ( 1/122ومسلم ) 124 ( ) 2615 ( 8/33من حديث أبي موسى
األشعري رضي هللا عنه .
( )51أخرجه :البخاري ، ) 7072 ( 9/62ومسلم ) 2617 ( 8/34من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه .
( )52أخرجه :مسلم ) 2616 ( 8/34من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه .
( )53أخرجه :أبو داود ( ، ) 2588والترمذي ( ) 2163من حديث جابر رضي هللا عنه .
( )54أخرجه :البخاري ، ) 3601 ( 4/241ومسلم ) 10 ( ) 2886 ( 8/168من حديث أبي هريرة
رضي هللا عنه .
( )55أخرجه :الترمذي ( ) 2202من حديث ثوبان رضي هللا عنه .
( )56البخاري ، ) 5117 ( 9/73ومسلم . ) 53 ( ) 157 ( 8/182
( )57أخرجه :مسلم ) 55 ( ) 2908 ( 8/183من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه .
( )58أخرجه :مسلم ) 56 ( ) 2908 ( 8/183من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه .
( )59أخرجه :البخاري ، ) 6037 ( 8/17ومسلم ) 11 ( ) 157 ( 8/59من حديث أبي هريرة رضي هللا
عنه .
( )60أخرجه :ابن ماجه ( ) 3959من حديث أبي موسى األشعري رضي هللا عنه ،وهو حديث صحيح .
( )61صحيح البخاري . 1/11
حرمة سفك الدماء في اإلسالم
لقد ش َّدد اإلسالم في الحفاظ على النفس البشرية و ُحرمتها ،وجاءت التشريعات في ذلك عامة تش مل
ك َّل إنسان ،وما كان ذلك إال ألن هللا كرَّم اإلنسان وفضَّله على سائر المخلوقات.
وبقليل من التأمل في نصوص القرآن والسنة ،تج د أن النهي عن س فك ال دماء بغ ير ح ق ،ووض ُع
العقوبات لذلك في الدنيا واآلخرة ،اتخذ مناح َي عديدة ،ويكون بيان ذلك كالتالي:
-1حرمة دم اإلنسان عامة.
-2حرمة دماء أهل الذمة.
-3حرمة دم المسلم.
-4حرمة قتل النفس بيد صاحبها.
وأقوم بإلقاء الضوء على هذه العناصر بما يدعمها من خالل القرآن والسنة.
حيم
حمن الرَّ ِ
هللا الرَّ ِ
بسم ِِ
إن الحمد هلل تعالى ،نحمده ونستعين به ونستغفره ،ونعوذ $باهلل تعالى من شرور أنفسنا ،وسيئات $أعمالنا ،من
يهد هللا تعالى فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد $أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له ،وأشهد أن
محمداً عبده ورسوله صلى هللا عليه وسلم $وبعد:
فإن من األسس العظيمة التى قام عليها التشريع اإلسالمي تحقيق مصالح العباد جميعا ً والحفاظ عليهم ،من
أجل ذلك كانت الضروريات الخمس التى أوصت الشريعة بالحفاظ عليها ورعايتها $وهى حفظ الدين ،
وحفظ النفس ،وحفظ العرض ،وحفظ المال ,وحفظ النسل ،ومن حفظ النفس حفظ الدماء من أن تهدر
وتسفك بغير حق فى هذه األيام التى نرى فيها سفك الدماء بالليل والنهار من أجل تعصب حزبي ،ومن
أجل تصارع $على المناصب والسلطات ،يقتل بسبب ذلك خلق كثير من أجل ذلك كان البد من إرشاد
الجميع إلى خطورة هذا األمر وذلك من خالل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة .
أوالً :حرمة الدماء فى القرآن الكريم :
ب هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َولَ َع َن ُه َوَأ َع َّد لَ ُه َع َذابًا (و َمن َي ْق ُت ْل مُْؤ ِم ًنا ُّم َت َع ِّم ًدا َف َج َزآُؤ هُ َج َه َّن ُم َخال ًِدا فِي َها َو َغضِ َ قال هللا تعالىَ :
عَظِ يمًا)([.)]1
س الَّتِي َحرَّ َم هَّللا ُ ِإالَّ ون ال َّن ْف َ آخ َر َوال َي ْق ُتلُ َ ُون َم َع هَّللا ِ ِإلَهًا َ ِين ال َي ْدع َ (والَّذ َ وقال تعالى فى صفات عباد الرحمن َ :
ف لَ ُه ْال َع َذابُ َي ْو َم ْالقِ َيا َم ِة َو َي ْخلُ ْد فِي ِه ُم َها ًنا (ِ )69إالَّ اع ْ ض َك َي ْل َق َأ َثامًا(ُ )68ي َ ِب ْال َح ِّق َوال َي ْز ُن َ
ون َو َمن َي ْف َع ْل َذلِ َ
ان هَّللا ُ َغفُورً ا رَّ حِيمًا (.)]2[())70 ت َو َك َ صالِحً ا َفُأ ْولَِئ َ
ك ُي َب ِّد ُل هَّللا ُ َس ِّيَئ ات ِِه ْم َح َس َنا ٍ اب َوآ َم َن َو َع ِم َل َع َمالً َ َمن َت َ
ض َف َكَأ َّن َما س َأ ْو َف َسا ٍد فِي اَألرْ ِ وقال تعالى (:مِنْ َأجْ ِل َذل َِك َك َت ْب َنا َعلَى َبنِي ِإسْ َراِئي َل َأ َّن ُه َمن َق َت َل َن ْف ًسا ِب َغي ِْر َن ْف ٍ
كت ُث َّم ِإنَّ َك ِثيرً ا ِّم ْنهُم َبعْ دَ َذلِ َ اس َجمِيعًا َولَ َق ْد َجا َء ْت ُه ْم ُر ُسلُ َنا ِبال َب ِّي َنا ِ اس َجمِيعًا َو َمنْ َأحْ َيا َها َف َكَأ َّن َما َأحْ َيا ال َّن َ َق َت َل ال َّن َ
ون (.)]3[())32 ض لَمُسْ ِرفُ َ فِي اَألرْ ِ
قال اإلمام ابن حجر الهيتمي رحمه هللا:
وجعل قتل النفس الواحدة كقتل جميع الناس مبالغة في تعظيم أمر القتل الظلم وتفخيما لشأنه أي كما أن قتل
جميع الناس أمر عظيم القبح عند كل أحد فكذلك قتل الواحد يجب أن يكون كذلك فالمراد $مشاركتهما $في
أصل االستعظام ال في قدره إذ تشبيه أحد النظيرين باآلخر ال يقتضي مساواتهما من كل الوجوه وأيضا$
فالناس لو علموا من إنسان أنه يريد قتلهم جدوا في دفعه وقتله فكذا يلزمهم إذا علموا من إنسان أنه يريد قتل
آخر ظلما أن يجدوا في دفعه وأيضا من فعل قتال ظلما رجح داعية الشر والشهوة والغضب على داعية
الطاعة ومن هو كذلك يكون بحيث لو نازعه كل إنسان في مطلوبه وقدر $على قتله قتله ونية المؤمن في
الخيرات خير من عمله كما ورد فكذلك نيته في الشر شر من عمله فمن قتل إنسانا ظلما فكأنما قتل جميع
الناس بهذا االعتبار([.)]4
وقال ابن عباس رضي هللا عنهما :من قتل نبيا أو إمام عدل فكأنما $قتل الناس جميعا ومن شد عضد أحد
فكأنما $أحيا الناس جميعا .
وقال مجاهد رحمه هللا :من قتل نفسا محرمة يصلى النار بقتلها كما يصالها لو قتل الناس جميعا ومن
أحياها أي من سلم من قتلها فكأنما سلم من قتل الناس جميعا .
وقال قتادة رحمه هللا :أعظم هللا أجرها وأعظم وزرها $أي من قتل مسلما ظلما فكأنما قتل الناس جميعا في
اإلثم ألنهم ال يسلمون منه ومن أحياها وتورع $عن قتلها فكأنما أحيا الناس جميعا في الثواب لسالمتهم $منه.
وقال الحسن رحمه هللا :فكأنما $قتل الناس جميعا أي أنه يجب عليه من القصاص ما يجب عليه لو قتل الكل
ومن أحياها أي عفا عمن له عليه قود فكأنما أحيا الناس جميعا([.)]5
ثانياً :حرمة الدماء فى السنة النبوية :
عن ابن عمر رضي هللا عنهما ،قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " :لن يزال المؤمن في فسحة
من دينه ،ما لم يصب دما حراما "([.)]6
،عن البراء بن عازب ،أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال " :لزوال الدنيا أهون على هللا من قتل
مؤمن بغير حق " ([.)]7
عن أبي هريرة ،قال :قال النبي صلى هللا عليه وسلم " :ال تقوم الساعة حتى يقبض العلم ،وتكثر$
الزالزل ،ويتقارب الزمان ،وتظهر الفتن ،ويكثر الهرج -وهو القتل القتل -حتى يكثر فيكم المال
فيفيض" ([.)]8
عن أبي هريرة رضي هللا عنه ،عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال " :اجتنبوا السبع الموبقات " ،قالوا :
يا رسول هللا وما هن ؟ قال " :الشرك باهلل ،والسحر ، $وقتل النفس التي حرم هللا إال بالحق ،وأكل الربا ،
وأكل مال اليتيم ،والتولي $يوم الزحف ،وقذف $المحصنات المؤمنات الغافالت"([. )]9
عن عبد هللا بن عمر ،قال " :إن من ورطات األمور ،التي ال مخرج لمن أوقع نفسه فيها ،سفك الدم
الحرام بغير حله "([. )]10
عن عبد هللا بن مسعود ،عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال " :يجيء الرجل آخذا بيد الرجل فيقول :يا
رب ،هذا قتلني ،فيقول هللا له :لم قتلته ؟ فيقول :قتلته لتكون العزة لك ،فيقول :فإنها لي .ويجيء
الرجل آخذا بيد الرجل فيقول :إن هذا قتلني ،فيقول هللا له :لم قتلته ؟ فيقول :لتكون العزة لفالن ،فيقول :
إنها ليست لفالن فيبوء بإثمه "([.)]11
عن أبي هريرة ،قال :قال النبي صلى هللا عليه وسلم " :والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان ال
يدري القاتل في أي شيء قتل ،وال يدري المقتول على أي شيء قتل "([.)]12
عن عمرو بن دينار ،عن ابن عباس ،عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال " " :يجيء المقتول بالقاتل يوم
القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دما ،يقول :يا رب ،قتلني هذا ،حتى يدنيه من العرش " "
قال :فذكروا البن عباس ،التوبة ،فتال هذه اآلية :ومن يقتل مؤمنا $متعمدا ،قال " :ما نسخت هذه اآلية ،
وال بدلت ،وأنى له التوبة "([.)]13
عن سالم ،سئل ابن عباس عن رجل قتل مؤمنا ،ثم تاب وآمن وعمل صالحا ،ثم اهتدى ،قال :ويحك ،
وأنى له الهدى ،سمعت نبيكم صلى هللا عليه وسلم ،يقول " :يجيء المقتول متعلقا بالقاتل ،يقول :يا
رب ،سل هذا فيم قتلني ؟ " وهللا لقد أنزلها هللا عز وجل على نبيكم صلى هللا عليه وسلم ،وما نسخها بعد
إذ أنزلها ،قال :ويحك ،وأنى له الهدى ؟ *([.)]14
عن ابن عباس ،أنه سأله سائل فقال :يا أبا العباس ،هل للقاتل من توبة ؟ فقال ابن عباس كالمتعجب من
شأنه :ماذا تقول ؟ فأعاد عليه المسألة ،فقال له :ماذا تقول ؟ مرتين أو ثالثا ،ثم قال ابن عباس :أنى له
التوبة ؟ سمعت نبيكم صلى هللا عليه وسلم يقول " :يأتي المقتول متعلقا رأسه بإحدى يديه ،متلببا قاتله بيده
األخرى يشخب أوداجه دما ،حتى يأتي به العرش ،فيقول المقتول هلل :رب هذا قتلني ،فيقول هللا عز
وجل للقاتل :تعست ،ويذهب به إلى النار " *([.)]15
عن ابن سيرين ،سمعت أبا هريرة ،يقول :قال أبو القاسم صلى هللا عليه وسلم: $
" من أشار إلى أخيه بحديدة ،فإن المالئكة تلعنه ،حتى يدعه وإن كان أخاه ألبيه وأمه "([.)]16
قال اإلمام النووي رحمه هللا:
فيه تأكيد حرمة المسلم والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه وقوله صلى هللا عليه
و سلم وإن كان أخاه ألبيه وأمه مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد سواء من يتهم فيه ومن ال يتهم
وسواء كان هذا هزال ولعبا أم ال ألن ترويع المسلم حرام بكل حال ،وألنه قد يسبقه السالح كما صرح به
في الرواية األخرى ،ولعن المالئكة له يدل على أنه حرام ([.)]17
عن عبد هللا بن عمر ،رضي هللا عنهما ،عن النبي صلى هللا عليه وسلم ،قال :
" من حمل علينا السالح فليس منا "([.)]18
قال ابن دقيق $العيد رحمه هللا:
قوله( :حمل السالح) :يجوز أن يراد به ما يضاد وضعه ويكون ذلك كناية عن القتال به وأن يكون حمله
ليراد به القتال ودل على ذلك قرينة قوله عليه السالم" :علينا" ويحتمل $أن يراد به ما هو أقوى من هذا وهو
الحمل للضرب فيه أي في حالة القتال والقصد بالسيف للضرب به وعلى كل حال فهو دليل على تحريم
قتال المسلمين وتغليظ $األمر فيه.
و قوله" :فليس منا" :قد يقتضي ظاهره الخروج عن المسلمين ألنه إذا حمل"علينا" على أن المراد به
المسلمون كان قوله" :فليس منا" كذلك ،وقد ورد مثل هذا فاحتاجوا $إلى تأويله كقوله عليه السالم" :من
غشنا فليس منا" ،وقيل فيه :ليس مثلنا أو ليس على طريقتنا أو ما يشبه ذلك ([.)]19
وقال اإلمام الصنعاني $رحمه هللا:
قوله صلى هللا عليه وسلم" :من حمل علينا السالح فليس منا" أي من حمله لقتال المسلمين بغير حق كني
بحمله عن المقاتلة إذ القتل الزم لحمل السيف في األغلب ويحتمل أنه ال كناية فيه وأن المراد حمله حقيقة
إلرادة القتال ويدل له قوله(:علينا) وقوله(:فليس منا) المراد ليس على طريقتنا وهدينا فإن طريقته صلى هللا
عليه وسلم $نصر المسلم والقتال دونه ال ترويعه وإخافته وقتاله ،وهذا في غير المستحل فإن استحل القتال
للمسلم بغير حق فإنه يكفر باستحالله المحرم القطعي والحديث دليل على تحريم قتال المسلم والتشديد فيه ،
وأما قتال البغاة من أهل اإلسالم فإنه خارج من عموم هذا الحديث بدليل خاص([.)]20
قال اإلمام النووي رحمه هللا:
قاعدة مذهب أهل السنة والفقهاء أن من حمل السالح على المسلمين بغير حق وال تأويل ولم يستحله فهو
عاص وال يكفر بذلك فإن استحله كفر فأما تأويل الحديث فقيل هو محمول على المستحل بغير تأويل فيكفر
ويخرج من الملة وقيل معناه ليس على سيرتنا الكاملة وهدينا.
وكان سفيان بن عيينة رحمه هللا :يكره قول من يفسره بليس على هدينا ويقول :بئس هذا القول يعنى بل
يمسك عن تأويله ليكون أوقع فى النفوس وأبلغ فى الزجر وهللا أعلم([.)]21
وقال اإلمام النووي $رحمه هللا:
قوله ( :فليس منا) :معناه عند أهل العلم أنه ليس ممن اهتدى بهدينا واقتدى $بعلمنا وعملنا وحسن طريقتنا$
كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله لست منى وهكذا القول فى كل األحاديث الواردة بنحو هذا([.)]22
وعن األحنف بن قيس ،قال :ذهبت ألنصر هذا الرجل ،فلقيني أبو بكرة فقال أين تريد ؟ قلت :أنصر هذا
الرجل ،قال :ارجع فإني سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم $يقول " :إذا التقى المسلمان بسيفيهما
فالقاتل والمقتول في النار " ،فقلت يا رسول هللا هذا القاتل فما بال المقتول قال " :إنه كان حريصا $على
قتل صاحبه "([.)]23
قال اإلمام أبو سليمان الخطابي $رحمه هللا :
هذا إنما يكون كذلك إذا لم يكونا يقتتالن على تأويل إنما على عداوة بينهما و عصبية أو طلب دنيا أو
رئاسة أو علو فأما من قاتل أهل البغي على الصفة التي يجب قتالهم بها أو دفع عن نفسه أو حريمه فإنه ال
يدخل في هذه ألنه مأمور بالقتال للذب عن نفسه غير قاصد $به قتل صاحبه إال إن كان حريصا على قتل
صاحبه و من قاتل باغيا أو قاطع طريق من المسلمين فإنه ال يحرص على قتله إنما يدفعه عن نفسه فإن
انتهى صاحبه كف عنه و لم يتبعه فإن الحديث لم يرد في أهل هذه الصفة فأما من خالف هذا النعت فهو
الذي يدخل في هذا الحديث الذي ذكرنا و هللا أعلم([.)]24
وعن عبد هللا بن عمر ،قال :رأيت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يطوف بالكعبة ،ويقول " :ما أطيبك
وأطيب ريحك ،ما أعظمك وأعظم حرمتك ،والذي نفس محمد بيده ،لحرمة المؤمن أعظم عند هللا حرمة
منك ،ماله ،ودمه ،وأن نظن به إال خيرا "([.)]25
وعن يزيد الرقاشي $قال :حدثنا أبو الحكم البجلي ،قال :سمعت أبا سعيد الخدري ،وأبا هريرة يذكران عن
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال " " :لو أن أهل السماء واألرض اشتركوا في دم مؤمن ألكبهم هللا في
النار "([.)]26
وانظروا إلى النبي صلى هللا عليه وسلم وهو يؤسس لنا قواعد حقوق اإلنسان فى اإلسالم فى هذا الحديث
العظيم والخطبة النبوية الجامعة فى حجة الوداع فى الحديث الذى أخرجه البخاري فى صحيحه عن ابن
عباس رضي هللا عنهما ،أن رسول $هللا صلى هللا عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال " :يا أيها الناس
أي يوم هذا ؟ " ،قالوا :يوم حرام ،قال " :فأي بلد هذا ؟ " ،قالوا :بلد حرام ،قال " :فأي شهر هذا ؟ "
،قالوا :شهر حرام " ،قال " :فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم $عليكم حرام ،كحرمة يومكم $هذا ،في
بلدكم هذا ،في شهركم هذا " ،فأعادها مرارا ،ثم رفع رأسه فقال " :اللهم هل بلغت ،اللهم هل بلغت -
قال ابن عباس رضي $هللا عنهما :فو الذي نفسي بيده ،إنها لوصيته إلى أمته ،فليبلغ الشاهد الغائب ،ال
ترجعوا $بعدي كفارا ،يضرب بعضكم $رقاب بعض "([.)]27
حرمة دماء غير المسلم فى الشريعة اإلسالمية
من عظمة الشريعة اإلسالمية أن حرمة الدماء ليست قاصرة على المسلمين فحسب بل تشمل كذلك غير
المسلمين من المعاهدين والذميين والمسـتأمنين حرم اإلسالم االعتداء عليهم وذلك فى أحاديث كثيرة من سنة
النبي صلى هللا عليه وسلم منها:
عن عبد هللا بن عمرو رضي $هللا عنهما ،عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال :
" من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ،وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما([.)]28
وعن أبي بكرة ،أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم $قال " :من قتل معاهدا في غير كنهه ،حرم هللا عليه
الجنة "([.)]29
وعن عبد هللا بن عمرو ،قال :قال رسول $هللا صلى هللا عليه وسلم " :من قتل قتيال من أهل الذمة لم يجد
ريح الجنة ،وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما "([.)]30
كان هذه بعض األدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة على حرمة الدماء وكيف أن هذا الدين
اإلسالمي الحنيف حافظ عليها من أن تسفك بغير حق نسأل هللا تعالى أن يحفظنا وإياكم من الفتن ما ظهر
منها وما بطن وأن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه اللهم آمين .
وهللا من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل
للتواصل مع الكاتب
01119133367
Ahmedarafa11@yahoo.com
-------------------------------
([)]1سورة النساء :اآلية . 93 :
([)]2سورة الفرقان :اآليات . 70-68 :
([)]3سورة المائدة :اآلية. 32 :
([)]4الزواجر $عن اقتراف الكبائر :جـ 2صـ. 692
([)]5الزواجر $عن اقتراف الكبائر :جـ 2صـ 692وما بعدها .
([)]6صحيح البخاري - كتاب الديات -باب قول هللا تعالى :ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم -
حديث. 6483:
([ )]7سنن ابن ماجه - كتاب الديات -باب التغليظ في قتل مسلم ظلما -حديث 2615:وصححه األلباني
فى صحيح سنن ابن ماجة حديث رقم. 2668 $
([)]8صحيح البخاري - كتاب الجمعة -أبواب االستسقاء -باب ما قيل في الزالزل واآليات -حديث:
1002
([)]9صحيح البخاري - كتاب الوصايا $-باب قول هللا تعالى :إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما -
حديث. 2634:
([ )]10صحيح البخاري - كتاب الديات -باب قول هللا تعالى :ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم -
حديث. 6484:
([)]11السنن الصغرى - كتاب تحريم الدم -تعظيم الدم -حديث 3953:وصححه األلباني فى صحيح سنن
النسائي حديث رقم . 4008
([ )]12صحيح مسلم - كتاب الفتن وأشراط $الساعة -باب ال تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل-
حديث. 5286:
([ )]13سنن الترمذي الجامع الصحيح - الذبائح -أبواب تفسير القرآن عن رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم -باب :ومن سورة النساء -حديث 3038:وصححه األلباني فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم
. 3029
([ )]14مسند أحمد بن حنبل - ومن مسند بني هاشم -مسند عبد هللا بن العباس بن عبد المطلب - حديث:
1888
([ )]15المعجم الكبير للطبراني - $من اسمه عبد هللا -وما أسند عبد هللا بن عباس رضي هللا عنهما -نافع
بن جبير بن مطعم $عن ابن عباس -حديث 10552:وصححه األلباني فى صحيح الترغيب والترهيب حديث
رقم. 2447 $
([)]16صحيح مسلم - كتاب البر والصلة واآلداب -باب النهي عن اإلشارة بالسالح إلى مسلم -حديث:
4848
([)]17شرح النووي $على مسلم :جـ 16صـ. 170
([)]18صحيح البخاري - كتاب الديات -باب قول هللا تعالى :ومن أحياها -حديث. 6494:
)]19[( إحكام األحكام شرح عمدة األحكام 1 :صـ 501وما بعدها طبعة مؤسسة الرسالة – بيروت -
2005 -1426م .
([)]20سبل السالم :جـ 3صـ 258طبعة مصطفى الحلبي بالقاهرة -الطبعة :الرابعة 1379هـ/
1960م .
([)]21شرح النووي $على مسلم :جـ2صـ 108طبعة دار إحياء التراث العربي - $بيروت
الطبعة الثانية . 1392 ،
([)]22شرح النووي $على مسلم :جـ 1صـ. 109
([)]23صحيح البخاري - كتاب اإليمان -باب وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا $بينهما فسماهم$
المؤمنين -حديث. 31:
([)]24الكبائر :لإلمام الذهبي صـ. 12
([)]25سنن ابن ماجه - كتاب الفتن -باب حرمة دم المؤمن وماله -حديث 3930:وصححه األلباني فى
صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم . 2441
([)]26سنن الترمذي الجامع الصحيح - أبواب الجنائز عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم -أبواب الديات
عن رسول $هللا صلى هللا عليه وسلم -باب الحكم في الدماء حديث1355:وصححه األلباني فى صحيح
سنن الترمذي $حديث رقم . 1398
([)]27صحيح البخاري - كتاب الحج باب الخطبة أيام منى -حديث. 1662:
([)]28صحيح البخاري - كتاب الجزية -باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم -حديث. 3011:
([ )]29سنن الدارمي - ومن كتاب السير -باب :في النهي عن قتل المعاهد -حديث 2461:وصححه
األلباني فى صحيح الجامع حديث رقم . 6456
([ )]30السنن الكبرى للنسائي - كتاب القسامة -تعظيم قتل المعاهد -حديث 6743:وصححه األلباني فى
صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم . 2452
القتل
بسم هللا الرحمن الرحيم
القتل
الحمد هلل رب العالمين ،وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين ،نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ،أما بعد؛
فهذا تحذير من جريمة حذر هللا منها في كتابه ،وحذر منها رسوله صلى هللا عليه وسلم ،أال وهي :القتل،
ولعلي أتناول أمره في نقاط معدودات..
أول جريمة قتل في تاريخ البشرية :
أخبرنا هللا بها في كتابه ،قال تعالىَ } :وا ْت ُل َعلَي ِْه ْم َن َبَأ ا ْب َنيْ آ َد َم ِب ْال َح ِّق ِإ ْذ َقرَّ َبا قُرْ َبا ًناَ $ف ُتقُ ِّب َل مِن َأ َح ِد ِه َما َولَ ْم
دَك لِ َت ْق ُتلَنِي َما َأ َناْ ِببَاسِ طٍ َيد َ
ِي طت ِإلَيَّ َي َ ِين * لَِئن َب َس َ ك َقا َل ِإ َّن َما َي َت َق َّب ُل هّللا ُ م َِن ْال ُم َّتق َ اآلخ ِر َقا َل َأَل ْق ُتلَ َّن َ ُي َت َق َّب ْل م َِن َ
ك ار َو َذلِ َ ب ال َّن ِون مِنْ َأصْ َحا ِ ِين * ِإ ِّني ُأ ِري ُد َأن َتبُو َء بِِإ ْثمِي َوِإ ْثم َ
ِك َف َت ُك َ ك ِإ ِّني َأ َخافُ هّللا َ َربَّ ْال َعالَم َ ْك َأَل ْق ُتلَ َ
ِإلَي َ
ين{ [المائدة.]30-27 : ت لَ ُه َن ْف ُس ُه َق ْت َل َأخِي ِه َف َق َتلَ ُه َفَأصْ َب َح م َِن ْال َخاسِ ِر َ ِين * َف َط َّو َع ْ الظالِم َ َج َزاء َّ
وخالصة القصة أنّ الطالح منهما علم بقبول هللا لعمل الصالح فحسده ،ثم قتله.
ْن آدَ َم اَأْلوَّ ِل ِك ْف ٌل مِنْ دَ ِم َها؛ ان َعلَى اب ِ وقد $قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم«: اَل ُت ْق َت ُل َن ْفسٌ ُ
ظ ْلمًا ِإاَّل َك َ
ك َأِل َّن ُه َأ َّو ُل َمنْ َسنَّ ْال َق ْت َل» ([.)]1 َو َذلِ َ
تحريم $قتل النفس بغير حق :
ون{ [األنعام. ]151: س الَّتِي َحرَّ َم هّللا ُ ِإالَّ ِب ْال َح ِّق َذلِ ُك ْم َوصَّا ُك ْم ِب ِه لَ َعلَّ ُك ْم َتعْ قِلُ َ قال تعالىَ } :والَ َت ْق ُتلُو ْا ال َّن ْف َ
الح ِّق َو َمن قُ ِت َل َم ْظلُومًا َف َق ْد َج َع ْل َنا ل َِولِ ِّي ِه س ُْل َطا ًنا َفالَ يُسْ ِرف ِّفي س الَّتِي َحرَّ َم هّللا ُ ِإالَّ ِب َ وقالَ } :والَ َت ْق ُتلُو ْا ال َّن ْف َ
ان َم ْنصُورً ا{ [اإلسراء . ]33: ْال َق ْت ِل ِإ َّن ُه َك َ
وعن أبي َب ْك َر َة رضي هللا عنه أنه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلمَ«: أيُّ َي ْو ٍم َه َذا»؟ َف َس َك ْت َنا
ْس َي ْو َم ال َّنحْ ِر»؟ قُ ْل َناَ :بلَىَ .قا َلَ « :فَأيُّ َشه ٍْر َه َذا»؟ َف َس َك ْت َنا$ َح َّتى َظ َن َّنا َأ َّن ُه َس ُي َسمِّي ِه سِ َوى اسْ ِم ِه َ .قا َلَ« :ألَي َ
ْس ِبذِي ْالحِجَّ ةِ»؟ قُ ْل َناَ :بلَىَ .قا َلَ « :فِإنَّ ِد َما َء ُك ْمَ ،وَأم َْوالَ ُك ْم، َح َّتى َظ َن َّنا َأ َّن ُه َس ُي َسمِّي ِه ِب َغي ِْر اسْ ِمهَِ .ف َقا َلَ« :ألَي َ
اض ُك ْمَ ،ب ْي َن ُك ْم َح َرا ٌمَ ،كحُرْ َم ِة َي ْو ِم ُك ْم َه َذا ،فِي َشه ِْر ُك ْم َه َذا ،فِي َبلَ ِد ُك ْم َه َذا» ([. )]2 َوَأعْ َر َ
و َعنْ َع ْب ِد هَّللا ِ بن مسعود $رضي هللا عنهَ قا َلَ :قا َل َرسُو ُل هَّللا ِ صلى هللا عليه وسلم « :اَل َي ِح ُّل دَ ُم ام ِْرٍئ
ار ُق مِنْ الزانِيَ ،و ْال َم ِالثيِّبُ َّ سَ ،و َّ مُسْ ل ٍِم َي ْش َه ُد َأنْ اَل ِإلَ َه ِإاَّل هَّللا ُ َوَأ ِّني َرسُو ُل هَّللا ِ ِإاَّل بِِإحْ دَى َثاَل ثٍ :ال َّن ْفسُ ِبال َّن ْف ِ
اعةِ» ([.)]3 ك ل ِْل َج َم َ ار ُين ال َّت ِ ال ِّد ِ
ْت َرسُو َ$ل هَّللا ِ صلى هللا عليه ومما يستدل به على تحريم $ذلك حديثا ابن عمر رضي $هللا عنهما قالَ :رَأي ُ
يحكِ ! َما َأعْ َظمَكِ َوَأعْ َظ َم حُرْ َم َتكِ ! َوالَّذِي َن ْفسُ م َُح َّم ٍد ِب َي ِد ِه ب ِر َ وف ِب ْال َكعْ َب ِة َو َيقُولَُ « :ما َأ ْط َيبَكِ َوَأ ْط َي َ ط ُ$ وسلمَ ي ُ
ظنَّ ِب ِه ِإاَّل َخيْرً ا» ([.)]4 ِن َأعْ َظ ُم عِ ْن َد هَّللا ِ حُرْ َم ًة ِم ْنكِ ؛ َمالِهَِ ،و َد ِمهَِ ،وَأنْ َن ُ لَحُرْ َم ُة ْالمُْؤ م ِ
اس َح َّتى َي ْش َه ُدواَ $أنْ اَل ِإلَ َه ِإاَّل هَّللا َُ ،وَأنَّ ت َأنْ ُأ َقا ِت َل ال َّن َصلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َقا َلُ« :أمِرْ ُ والثانيَ $:أنَّ َرسُو َل هَّللا ِ َ
مْوالَ ُه ْ$م ِإاَّل ِب َح ِّق صمُوا ِم ِّني ِد َما َء ُه ْم َوَأ َ الز َكا َةَ ،فِإ َذا َف َعلُوا َذل َِك َع َ صاَل َةَ ،ويُْؤ ُتوا َّ م َُحم ًَّدا َرسُو ُل هَّللا َِ ،و ُيقِيمُوا ال َّ
اِإْلسْ اَل ِم َوح َِسا ُب ُه ْ$م َعلَى هَّللا ِ» ([.)]5
وعن البراء بن عازب رضي هللا عنه أن رسول $هللا صلى هللا عليه وسلم قال« :لزوال الدنيا أهون على هللا
من قتل مؤمن بغير حق» ([.)]6
وعن عبيد هللا بن عدي بن الخيار رضي هللا عنه أنه قال :بينما رسول $هللا صلى هللا عليه وسلم جالس
بين ظهراني $الناس ،إذ جاءه رجل فساره ،فلم يدر ما ساره به ،حتى جهر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،
فإذا هو يستأذنه في قتل رجل من المنافقين ،فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حين جهر« :أليس يشهد
أن ال إله إال هللا وأن محمدا رسول هللا»؟ فقال الرجل :بلى ،وال شهادة له .فقال« :أليس يصلي»؟ قال :بلى،
وال صالة له .فقال صلى هللا عليه وسلم « :أولئك الذين نهاني هللا عنهم» ([.)]7
"قال ابن العربي رحمه هللا :ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق والوعيد في ذلك ،فكيف $بقتل اآلدمي،
فكيف $بالتقي الصالح" ([.)]8
الترهيب من جريمة القتل :
ورد ذلك في نصوص كثيرة ،منها:
ض َف َكَأ َّن َما س َأ ْو َف َسا ٍد فِي اَألرْ ِ قول هللا تعالى} :مِنْ َأجْ ِل َذل َِك َك َت ْب َنا َعلَى َبنِي ِإسْ َراِئي َل َأ َّن ُه َمن َق َت َل َن ْفسً ا ِب َغي ِْر َن ْف ٍ
اس َج ِميعً ا{ [المائدة. ]32 : اس َجمِيعًا َو َمنْ َأحْ َيا َها َف َكَأ َّن َما َأحْ َيا ال َّن َ َق َت َل ال َّن َ
والمعنى $:من حرم قتلها واعتقد ذلك ،فقد سلم الناس كلهم منه بهذا االعتبار.
والقاتل متوعد بعدم دخول الجنة ،وبالنار$:
ون َو َمن س الَّتِي َحرَّ َم هَّللا ُ ِإاَّل ِب ْال َح ِّق َواَل َي ْز ُن َ آخ َر َواَل َي ْق ُتلُ َ
ون ال َّن ْف َ ُون َم َع هَّللا ِ ِإلَهًا َ
ِين اَل َي ْدع َ }والَّذ َ قال تعالىَ :
ف لَ ُه ْال َع َذابُ َي ْو َم ْالقِ َيا َم ِة َو َي ْخلُ ْد فِي ِه ُم َها ًنا{ [الفرقان . ]69-68 : ُضا َع ْ َي ْف َع ْل َذل َِك َي ْل َق َأ َثامًا * ي َ
ب هّللا ُ َعلَ ْي ِه َولَ َع َن ُه َوَأ َع َّد لَ ُه َع َذابًا وقالَ } :و َمن َي ْق ُت ْل مُْؤ ِم ًنا ُّم َت َع ِّم ًدا َف َج َزآُؤ هُ َج َه َّن ُم َخالِ ًدا فِي َها َو َغضِ َ
عَظِ يمًا{ [النساء .]93:
وكفى بها زاجراً.
وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي هللا عنهما ،عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم $قال« :لو أنَّ
أهل السماء وأهل األرض اشتركوا $في دم مؤمن ألكبهم هللا في النار» ([.)]9
وعن أبي سعيد رضي هللا عنه ،عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال« :يخرج عنق من النار يتكلم يقول:
وكلت اليوم بثالثة :بكل جبار عنيد ،ومن جعل مع هللا إلها آخر ،ومن قتل نفسا بغير حق .فينطوي عليهم
فيقذفهم $في حمراء جهنم» ([.)]10
وإذا كان النبي صلى هللا عليه وسلم قد قال« :من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ،وإن ريحها يوجد من
مسيرة أربعين عاما» ([ )]11فكيف بالمسلم!! ومن لم يدخل الجنة كانت النار مأواه.
عن جندب بن عبد هللا رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم « :من استطاع منكم أن
ال يحول بينه وبين الجنة ملء كف من دم امرئ مسلم يقول :ال إله إال هللا يهريقه ،كأنما يذبح دجاجة ،كلما
تعرَّ ض لباب من أبواب الجنة حال بينه وبينه»([.)]12
وانظر $إلى هذا التغليظ النبوي:
عن أبي الدرداء رضي $هللا عنه ،قال :سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول« :كل ذنب عسى هللا أن
يغفره ،إال الرجل يموت مشركا أو يقتل مؤمنا $متعمدا» ([. )]13
ولهذا قال في الحديث اآلخر« :من لقي هللا ال يشرك به شيئا ،لم يتند بدم حرام دخل الجنة»([ ،)]14ومعناه
اإلصابة.
ومع أنّ الوالد ال يقاد بولده ،ولكن لننظر فيما قاله هللا في شأنه..
ِين َق َتلُو ْا َأ ْوالَ َد ُه ْم َس َفهًا ِب َغي ِْر عِ ْل ٍم{ [األنعام . ]140: قال تعالىَ } :ق ْد َخسِ َر الَّذ َ
ان خطًأ َك ِبيرً ا { [اإلسراء . ]31: وقالَ } :والَ َت ْق ُتلُو ْا َأ ْوال َد ُك ْم َخ ْش َي َة ِإم ٍ
ْالق َّنحْ نُ َنرْ ُزقُ ُه ْ$م َوِإيَّا ُكم إنَّ َق ْتلَ ُه ْ$م َك َ
فكيف $بغير الوالد؟!
وثبت عن ابن مسعود رضي هللا عنه أنه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم« :أول ما يقضى بين
الناس يوم القيامة في الدماء» ([.)]15
فماذا يكون بين القاتل والمقتول في اآلخرة؟
قال ابن عباس رضي $هللا عنهما :سمعت نبيكم صلى هللا عليه وسلم يقولَ « :ي ِجي ُء ْال َم ْق ُتو ُل ِب ْال َقات ِِل َي ْو َم
ْأ
ش» َف َذ َكرُوا ْالقِ َيا َمةَِ ،ناصِ َي ُت ُه َو َر ُس ُه ِب َي ِدهَِ ،وَأ ْودَا ُج ُه َت ْش َخبُ َدمًاَ ،يقُولَُ :يا َربِّ َه َذا َق َتلَنِيَ ،ح َّتى ي ُْد ِن َي ُه مِنْ ْال َعرْ ِ
ت َه ِذ ِه اآْل َي ُة َواَل }و َمنْ َي ْق ُت ْل مُْؤ ِم ًنا ُم َت َع ِّم ًدا َف َج َزاُؤ هُ َج َه َّن ُمَ ،{...قا َلَ :ما ُنسِ َخ ْ َّاس ال َّت ْو َب َةَ ،ف َتاَل َه ِذ ِه اآْل َي َةَ :
ْن َعب ٍ اِل ب ِ
تَ ،وَأ َّنى لَ ُه ال َّت ْو َب ُة ([ )]16؟ ُب ِّدلَ ْ
وفي $رواية« :فيقول هللا للقاتل :تعست ،ويذهب به إلى النار» ([.)]17
والقتل كفر أصغر ،وقد $قد يفضي إلى الكفر األكبر والعياذ $باهلل:
فقد قال النبي صلى هللا عليه وسلم ألصحابه في حجة الوداع« :ال ترجعوا $بعدي كفارا يضرب بعضكم
رقاب بعض» ([.)]18
وعن ابن عمر رضي هللا عنهما قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم « :لَنْ َي َزا َل ْالمُْؤ مِنُ فِي فُسْ َح ٍة مِنْ
دِي ِن ِه َما لَ ْم يُصِ بْ َدمًا َح َرامًا» ([.)]19
أي :من أصاب دما ً حراما ً فإنه يوشك أن يزيغ فيموت $على الكفر.
وقال ابن عمر رضي هللا عنهما" :إن من ورطات األمور $التي ال مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم
الحرام بغير حله" ([. )]20
اب دَ مًا َح َرامًا ص َ صالِحً ا َما لَ ْم يُصِ بْ دَ مًا َح َرامًاَ ،فِإ َذا َأ َ وقال صلى هللا عليه وسلم « :اَل َي َزا ُل ْالمُْؤ مِنُ مُعْ ِن ًقا َ
َبلَّ َح» ([.)]21
ومعنقاً :يسير سيراً سريعا ً إلى ربه ،وبلَّح :انقطع سيره.
وأحب الذنوب إلى إبليس :القتل:
فعن أبي موسى رضي هللا عنه ،عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال« :إذا أصبح إبليس بث جنوده ،فيقول:
من أخذل اليوم مسلما ألبسته التاج ...ويجيء هذا فيقول لم أزل به حتى قتل ،فيقول :أنت أنت ويلبسه
التاج» ([.)]22
ويزداد $البالء سوء ،ويتفاقم األمر ،ويستفحل الخطب ..
إذا قتل القاتل ورأى أنه على هدىً ؛ كحال من يكفر الناس ،ويستبيح دماءهم..
فعن عبادة بن الصامت رضي $هللا عنه ،عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال« :من قتل مؤمنا فاغتبط
بقتله لم يقبل هللا منه صرفا وال عدال» ([. )]23
أي :يرى أحدهم أنه على هدى فال يستغفر هللا!!
وأذ ِّكر $بقصتين مؤلمتين في الترهيب من هذه الجريرة:
صبَّحْ َنا صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ِإلَى ْالح َُر َقةَِ ،ف َ األولى :عن ُأ َسا َم َة بْن َز ْي ٍد َرضِ َي هَّللا ُ َع ْن ُه َما قالَ :ب َع َث َنا َرسُو ُل هَّللا ِ َ
ار َر ُجاًل ِم ْن ُه ْمَ ،فلَمَّا َغشِ ي َناهُ َقا َل :اَل ِإلَ َه ِإاَّل هَّللا َُ ،ف َكفَّ ص ِ$ ت َأ َنا َو َر ُج ٌل مِنْ اَأْل ْن َ ْال َق ْو َم َف َه َز ْم َنا ُه ْمَ ،ولَ ِح ْق ُ
صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َف َقا َلَ « :يا ُأ َسا َم ُةَ ،أ َق َت ْل َت ُه َبعْ َد اريُّ َ ،ف َط َع ْن ُت ُه ِب ُر ْم ِحيَ $ح َّتى َق َت ْل ُتهَُ ،فلَمَّا َقدِمْ َنا َبلَ َغ ال َّن ِبيَّ َ ص ِ اَأْل ْن َ
ك ْال َي ْو ِم ([ ت َق ْب َل َذلِ َ ْت َأ ِّني لَ ْم َأ ُكنْ َأسْ لَمْ ُ ان ُم َت َعوِّ ًذاَ .ف َما َزا َل ُي َكرِّ ُر َهاَ $ح َّتى َت َم َّني ُ تَ :ك َ َما َقا َل :اَل ِإلَ َه ِإاَّل هَّللا ُ»؟ قُ ْل ُ
.)]24
وأما الثانية:
ث َج ْي ًشا مِنْ صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َو َق ْد َب َع َ ت َرسُو َل هَّللا ِ َ فعن عمران بن حصين رضي هللا عنه ،قالَ :ش ِه ْد ُ
ِينَ ،فلَمَّا لَقُو ُه ْم َقا َتلُو ُه ْم قِ َتااًل َشدِي ًداَ ،ف َم َنحُو ُه ْم َأ ْك َتا َف ُه ْمَ $،ف َح َم َل َر ُج ٌل مِنْ لُحْ َمتِي َعلَى ِين ِإلَى ْال ُم ْش ِرك َ ْالمُسْ لِم َ
ِين ِبالرُّ مْ ِحَ ،فلَمَّا َغشِ َي ُه َقا َلَ :أ ْش َه ُد َأنْ اَل ِإلَ َه ِإاَّل هَّللا ُ ِإ ِّني مُسْ لِ ٌمَ ،ف َط َع َن ُه َف َق َتلَهَُ ،فَأ َتى َرسُو َل هَّللا ِ َرج ٍُل مِنْ ْال ُم ْش ِرك َ
ص َن َعَ ،ف َقا َل لَ ُه ت»؟ َفَأ ْخ َب َرهُ ِبالَّذِي َ ص َنعْ َ «و َما الَّذِي َ تَ .قا َلَ : صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َف َقا َلَ :يا َرسُو َل هَّللا ِ َهلَ ْك ُ َ
ت هَّللا
ت َما فِي َقل ِبهِ»؟ َقا َلَ :يا َرسُو َل ِ لَ ْو َش َق ْق ُ ْ ْ
ت َعنْ َبط ِن ِه َف َعلِ ْم َ اَّل َّ
صلى ُ َعلَ ْي ِه َو َسل َمَ « :ف َه َش َق ْق َ هَّللا َّ هَّللا
َرسُو ُل ِ َ
ت َع ْن ُه َرسُو ُ$ل ت َتعْ لَ ُم َما فِي َق ْل ِبهِ»! َف َس َك َ ت َما َت َكلَّ َم ِبهَِ ،واَل َأ ْن َ ت َق ِب ْل َ ت َأعْ لَ ُم َما فِي َق ْل ِبهَِ .قا َلَ « :فاَل َأ ْن َ َب ْط َن ُه لَ ُك ْن ُ
ضَ .ف َقالُوا :لَ َع َّل َع ُد ًّوا اتَ ،ف َد َف َّناهَُ ،فَأصْ َب َح َعلَى َظه ِْر اَأْلرْ ِ ث ِإاَّل يَسِ يرً ا َح َّتى َم َ صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َمَ ،فلَ ْم َي ْل َب ْ هَّللا ِ َ
ان َن َعسُواَ ،فدَ َف َّناهُ ُث َّم ضَ .فقُ ْل َنا :لَ َع َّل ْالغ ِْل َم َ َن َب َشهَُ ،ف َد َف َّناهُُ ،ث َّم َأ َمرْ َنا غِ ْل َما َن َنا َيحْ ُرسُو َنهَُ ،فَأصْ َب َح َعلَى َظه ِْر اَأْلرْ ِ
صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه ك ال ِّش َعابَِ .فُأ ْخ ِب َر ال َّن ِبيُّ َ ض ت ِْل َ ضَ .فَأ ْل َق ْي َناهُ فِي َبعْ ِ َح َرسْ َناهُ ِبَأ ْنفُسِ َناَ ،فَأصْ َب َح َعلَى َظه ِْر اَأْلرْ ِ
َو َسلَّ َم فقالِ« :إنَّ اَأْلرْ َ
ض لَ َت ْق َب ُل َمنْ ه َُو َشرٌّ ِم ْنهَُ ،ولَكِنَّ هَّللا َ َأ َحبَّ َأنْ ي ُِر َي ُك ْم َتعْ ظِ ي َم حُرْ َم ِة اَل ِإلَ َه ِإاَّل هَّللا ُ» ([
.)]25
فما أعظمها من كبيرة!!
ولهذا كله لم يرض الخليفة الراشد ،المبشر بجنة هللا ،الذي أغلق بابه على ابنتي نبي ،الذي تستحي $منه
المالئكة ،لم يرض أن يقتل أحد بسببه ،ولو فعلوا ُأل ِج َر وُأجروا ،ولكنه أبى ذلك حقنا للدماء ،فعن عن أبي
هريرة قال :كنت محصورا $في الدار مع عثمان ،فرموا رجال منا فقتلوه ،فقلت :يا أمير المؤمنين طاب
الضِّراب ،قتلوا منا رجال؟ فقال :عزمت عليك يا أبا هريرة لما رميت بسيفك ،فإنما تراد نفسي ،وسأقي
المسلمين بنفسي .قال أبو هريرة :فرميت بسيفي فما أدري أين هو حتى الساعة ([.)]26
وقد $سد النبي صلى هللا عليه وسلم كل ذريعة تفضي إلى إراقة الدماء..
فعن أبي هريرة رضي هللا عنه ،قال :قال أبو القاسم صلى هللا عليه وسلم « :من أشار إلى أخيه بحديدة
فإن المالئكة تلعنه وإن كان أخاه ألبيه وأمه» ([.)]27
وعنه رضي هللا عنه ،عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال« :ال يشي ُر أحدكم على أخيه بالسالح؛ فإنه ال
نزع في يده ،فيق ُع في حفرة من النار»([.)]28 يدري لعل الشيطان َي ِ
ونهى صلى هللا عليه وسلم عن ترويع $المسلم ،وحرم الحسد ،والبيع على بيع المسلم ،والخطبة على
خطبته ،وكل ما يفضي إلى الخصومة فهو محرم علينا؛ حسما ً لمادة النزاع الذي قد يفضي إلى إراقة الدماء.
اللهم سلمنا وسلم $الناس منا..
اللهم صل وسلم وبارك $على نبيك محمد ،وعلى آله وصحبه أجمعين .
------------------------------
[ / ]1البخاري ومسلم .
[ / ]2البخاري ومسلم .
[ / ]3البخاري ومسلم .
[ / ]4رواه ابن ماجة.
[ / ]5البخاري ومسلم .
[ / ]6رواه ابن ماجه بإسناد حسن ورواه البيهقي واألصبهاني$
[ / ]7رواه مالك والشافعي $وأحمد.
[ / ]8فتح الباري ()12/196
[ / ]9الترمذي
[ / ]10أحمد
[ / ]11رواه البخاري
[ / ]12رواه الطبراني في األوسط
[ / ]13رواه أبو داود وابن حبان.
[ / ]14رواه أحمد وابن ماجة
[ / ]15رواه البخاري ومسلم
[ / ]16رواه الترمذي.
[ / ]17المعجم األوسط $للطبراني.
[ / ]18البخاري $ومسلم.
[ / ]19البخاري$.
[ / ]20البخاري$.
[ / ]21سنن أبي داود.
[ / ]22رواه ابن حبان في صحيحه
[ / ]23رواه أبو داود.
[ / ]24البخاري $ومسلم .
[ / ]25ابن ماجة
[ / ]26رواه سعيد بن منصور في السنن ،ونعيم $بن حماد في الفتن ،وابن سعد في الطبقات ،والخطيب في
الكفاية
[ / ]27مسلم.
[ / ]28البخاري $ومسلم.